التجريد للقدوري

القدوري

كتاب الطهارة

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب الطهارة

مسألة 1 تعريف الطهور

مسألة 1 تعريف الطهور 1 - قال الله تعالى: {وأنزلنا من السماء ماء طهورا}، فالطهور عندنا: الطاهر على طريق المبالغة. 2 - وعند الشافعي: المطهر. 3 - والدليل على ما قلناه: وصف الله تعالى لشراب الجنة بأنه طهور، وإن لم يكن هناك ما يتطهر به. 4 - وقال جرير: عذاب الثنايا ريقهن طهور. 5 - ومعناه: طاهر على وجه المبالغة، ولا يجوز أن يراد به مطهر؛ لأن وصف الريق بتطهير النجاسة مما تعافه الأنفس ولا يمدح به، وقد قال أهل العربية: ((إن الطهور فعول من طهر))، والاسم إذا لم يتعد فعوله مثله، كقولهم: نؤوم من نام،

وإن تعدى الاسم تعدى فعوله، كقتول من قتل. 6 - واحتج المخالف بقوله عليه الصلاة والسلام في البحر: ((هو الطهور ماءه))، وإنما أراد المطهر. 7 - والجواب عنه: أنه أراد الطاهر على طريق المبالغة، وهذا يفيد التطهير من طريق المعنى. 8 - احتجوا بقوله عليه الصلاة والسلام: ((جعل لي الأرض مسجدًا وطهورًا)) وقد كانت طاهرة قبله، فعلم أنه اختص اختصها بكونها مطهرة. 9 - والجواب: أنها جعلت في حقه على أعلى أحوال الطهارة، فلذلك طهرت. 10 - واحتجوا بقوله عليه الصلاة والسلام: ((دباغ الأديم طهوره)) والدباغ فعيل له، فلا يوصف بالطهارة، فثبت أن المراد به: تطهيره. 11 - قلنا: معناه: دباغه سبب طهارته، كما يقال: غسل الثوب طهارته. 12 - قالوا: العرب فرقت بين فاعل ومفعول، فإذا كان الطهور لا يفيد التكرار فلا بد من التطهير. 13 - قلنا: يفيد التكرار عندنا إذا توضأ به ثم غسل به النجاسة. ثم قد بينا مزية

الفرق، وهو إثبات الطهارة على وجه التأكيد والمبالغة. 14 - قالوا: خصت العرب الماء والتراب باسم الطهور دون غيرهما لأنهما يطهران. 15 - قلنا: العرب لا تعرف الأحكام حتى تضع الأسماء لها، وهذا التخصيص أيضًا لا يعرف غير العرب. 16 - قالوا: سموا الماء طهورًا قبل وقوع الفعل به، كما سموا الطعام سحورًا قبل أن يتسحر به، فدل على أن الاسم وضع لهذا المعنى. 17 - قلنا: هذا إثبات اللغة بالقياس، وإثبات اللغة بالقياس لا يجوز. وقد بينا أن أهل اللغة لا تعرف الأحكام فتضع الأسماء لها، وإذا ثبت أن معنى قوله تعالى: {وأنزلنا من السماء ماء طهورا} طاهرا على المبالغة، لم يدل أن غيره لا يقع به التطهير. ولو سلمنا أن معناه: مطهرًا، لم يصح اعتبار دليله؛ لأن تعليق الحكم باسم جنس لا يدل على نفي ما عداه بالاتفاق، وإنما الخلاف في تعليقه بأحد الأوصاف.

مسألة 2 إزالة النجاسة بجميع المائعات الطاهرة

مسألة 2 إزالة النجاسة بجميع المائعات الطاهرة 18 - قال أبو حنيفة وأبو يوسف: يجوز إزالة النجاسة بجميع المائعات الطاهرة. 19 - وقال محمد: لا يجوز. وبه قال الشافعي. 20 - لنا: قوله عليه الصلاة والسلام: ((إنما يغسل الثوب من المني والدم والبول))، وهو عام في كل ما سمي غسلًا، ومتى ثبت عموم الغسل ثبت عموم

المغسول به لأنه في مضمونه. ولا يقال: اسم الغسل مقيد في غير الماء، بدلالة أن من أمر غيره أن يغسل وجهه ذمه متى غسله بالخل؛ لأن الأصل الإطلاق في الأسامي، فمدعي التقييد يحتاج إلى الدليل، وذمهم لمن غسل وجهه بالخل للعادة، لا للتقييد، ألا ترى أنه لو غسله بماء زمزم في الموضع الذي يعز فيه، أو بماء الورد، أو بماء الكزبرة، أو ماء الكدر، ذموه؟. ولأنه مائع طاهر مزيل للعين والأثر، فجاز إزالة النجاسة به، كالماء. 21 - قالوا: إن أردتم أنه طاهر قبل ملاقاته للثوب، بطل بالماء إذا وقعت فيه نجاسة قبل الغسل، وإن أردتم عند ملاقاته لم نسلم، لأنه نجس. 22 - قلنا: نريد به أنه طاهر قبل الملاقاة، بحيث لا يمكن أن يخلطه غيره. ثم تعليلنا للعين لا للأحوال، وهو أن الخل في الجملة مما يزيل النجاسة. 23 - قالوا: المعنى في الماء أنه يزيل الحدث، والمعنى بخلافه. 24 - قلنا: علة الفرع تبطل بالدباغ؛ لأنه لا يزيل الحدث، ويزيل نجاسة الجلد، وهذا حكم مجمع عليه، وإن ما قال المروزي يحتاج بعد الدباغ إلى الماء لا يصح؛ لأن الغسل موجود قبل الدباغ ولم يطهر، فعلم أن الدباغ هو المؤثر في الطهارة، لا الماء. على أن باطن الجلد يطهر بالإجماع وإن لم يصل الماء إليه، ولأن ما جاز إزالة

الطيب به من ثوب المحرم جاز إزالة النجاسة به كالماء، ولأنها عين استحقت إزالتها لحرمة العبادة، فجاز إزالتها بغير الماء، كالطيب من ثوب المحرم. 25 - قالوا: الطيب أُمر بإزالة رائحته دون عينه. 26 - قلنا: أمر بإخراج عينه من أن تكون طيبًا، وذلك يكون بزوال ريحها وبغسلها، كما أمرنا بإخراج العين من أن تكون نجسة وقد يكون ذلك بتغييرها مثل الخمر إذا طرح عليها الخل. 27 - قالوا: نعكس فنقول: لا يجوز إزالته بماء الورد، كالطيب من ثوب المحرم. 28 - قلنا: يزول عندنا وتسقط العبادة، وإنما يكره فعله كما يكره استعمال ماء الورد في النجاسة. 29 - واحتج المخالف بقوله عليه السلام في دم الحيض: ((حُتِّيه ثم اقرضيه بالماء ثم اغسليه بالماء)). 30 - والجواب: أن ذكر الماء لا يدل على اختصاصه بالطهير، كما أن ذكر الأحجار لا يدل على اختصاصها بالاستنجاء. وفائدة التخصيص: أن الماء أعم وجودًا، وما سواه مكروه إزالة النجاسة به، فلم يأمرها بما يضر ويكره لها، ولأنه إذا أزاله بالخل لم يبق دم فلا تنصرف الكناية إليه.

31 - قالوا: طهارة شرعية، أو طهارة تراد للصلاة، كالوضوء. 32 - قلنا: المعنى في طهارة الحدث إذا وقعت بالجامد اختصت بجنس، فإذا وقعت بمائع اختصت بجنس، وطهارة النجس إذا وقعت بجامد لم تختص بجنس، فإذا وقعت بمائع لم تختص بجنس؛ ولأن الوضوء عبادة لم نعلم معنى وجوبها، فاختصت بما نص الله عليه وإزالة النجاسة علم معناها، وهو الإزالة، فجاز بكل ما يزيلها. 33 - قالوا: غسل واجب، كغسل الجنابة. 34 - قلنا: ينتقض بغسل الطيب من ثوب المحرم. والمعنى في الأصل ما سبق. 35 - قالوا: مائع لا يرفع الحدث، كالدهن والمرق. 36 - قلنا: إن أزالا النجاسة جاز إزالتها بهما، وإن لم يزيلا لم يجز، كما لا يجوز بالماء الذي لا يزيل. 37 - قال مخالفنا: طهارة النجاسة آكد من طهارة الحدث لأن الماء للطهارة والتطهير، ولأن المسافر إذا كان معه يزيل به النجاسة أو يتوضأ غسل النجاسة، وإزالة النجاسة لا تنتقل إلى بدل، ويكفي في الحدث غسل مرة واحدة ولا يكفي في إزالة النجاسة، فإذا كان الأضعف لا يجوز بغير الماء فالآكد أولى. 38 - قلنا: بل طهارة الحدث آكد؛ لأنه منصوص عليه نصًّا غير محتمل، مجمع على حكمه، ويعتبر فيه النية عندهم، ويتعدى إلى غيرها وغير محلها، ويستوي قليله وكثيره. فأما قولهم: تسلب الماء الطهارة والتطهير فلا يصح على أصلهم في الماء إذا ورد على النجاسة أنه طاهر، وعلى أصلنا: انتقل إليه ما كان في المحل، وهذا لا

يدل على ضعف أحد الطهارتين، وأما المسافر فيتوضأ بالماء ثم يغسل به النجاسة إن اكتفى به، وإن لم يكتف به ابتدأ بإزالة النجاسة، لا لتأكدها، لكن يصير جامعًا بين الطهارتين، ألا ترى أن الماء لو لم يكف للنجاسة وجب أن يبتدأ بالوضوء حتى لم يمكن الجمع، وقولهم: إن الفرض لا ينتقل دلالة له على ضعفه حتى ثبت فرضه في حالة واحدة، وتثبت فرض طهارة الحدث في كل حال، واتبار العدد ليس بصحيح؛ لأن المعتبر عندنا الإزالة، فإن وقع بمرة واحدة جاز، فإذا ثبت أن طهارة الحدث آكد فجاز بالماء. وإن لم نخص الأضعف، وترجح ما ذكرناه؛ لأنه ناقل ومُثبت لحكم متجدد، وهو الطهارة، ومزيل للحكم بزوال العلة الموجبة، وملحق لطهارة النجاسة بجنسها من الدباغ والاستنجاء. وعللُنا مستنبَطة من أصل أجمع على ثبوت الحكم فيه، وعللهم منتزعة من طهارة الحدث، وقد اختلف في اختصاصها بالماء.

مسألة 3 الوضوء بالمتغير بمخالطة طاهر

مسألة 3 الوضوء بالمتغير بمخالطة طاهر 39 - قال أصحابنا: إذا خالط الماء طاهر فغيّره ولم يغلب على أوصافه، جاز الوضوء به. 40 - خلافًا للشافعي. 41 - لقوله عليه السلام: ((التراب طهور المسلم ما لم يجد الماء))، وهذا ماء مطلق؛ بدلالة أن مياه العرب أكثرها متغيرة، فلا يمنع من إطلاق اسم الماء فيها، ولا يعرف الفرق بين التغير بالنُّورة والجِصّ أو الزعفران. 42 - وقولهم: إنه سمي ماء الزعفران، غلط؛ لأن هذا يقال في الحقيقة لماء اعتُصر من الزعفران. 43 - وقولهم: لو حلف لا يشرب ماء فشربه لم يحنث، ولو استعمله المحرم لزمته الفدية. ولو وكل وكيلًا بأن يشتري له ماء فاشترى هذا الماء لا يجوز -لا نسلم، ولأن

كل ما لو خالط لم يمنع استعماله جاز استعمال الماء مع تغيير لونه، كالجص والطين، أو فجاز استعماله مع تغيير طعمه، كالملح، ومع تغيير لونه، كالكبريت. 44 - قالوا: المعنى في الطين أنه جاء للطهير. 45 - قلنا: أصل علتنا الجص وورق الشجر، ويبطل ما قالوه بغلبة التراب على الماء. 46 - قالوا: المعنى فيه أنه لا ينفك الماء عنه غالبًا، وينفك من الزعفران. 47 - قلنا: أما الآبار تنفك من ورق الشجر ولا يفسده. والماء لا ينفك من الورق والذباب، وينجسه عندهم، ولأن كل مخالطة لو حصلت بالطين لم يمنع جواز الوضوء إذا حصلت بالزعفران جاز الوضوء به، كما لو لم يتغير. 48 - احتجوا: بقوله عليه الصلاة والسلام: ((خلق الماء طهورًا لا ينجسه إلا ما غير لونه أو ريحه)). 49 - والجواب: أن ظاهر هذا الخبر يفيد نجاسته بالتغيير، وهذا لا يكون إلا بمخالطة النجاسة، والخلاف في مخالطة ما لا ينجسه، ولأن نجاسة الماء لا تَقف عندهم على التغيير؛ لأنا نقول في البحر والماء الجاري إذا وقعت فيه نجاسة جاز استعماله ما لم يتغير، ولا يجوز استعمال ما تغير. 50 - قالوا: خالطه ما غير أحد أوصافه وما يستغني عنه غالبًا،

فمنع جواز الوضوء به كماء الباقلاء. 51 - قلنا: اعتبار ما لا يستغنى عنه لا معنى له؛ لأن الماء يستغنى عن التراب إذا طرح وإن لم يمنع عندهم، وكذلك ورق الشجر، فأما ماء الباقلاء، فما لم يطبخ فإنه يجوز الوضوء به وإن تغير. وأما إذا طبخ فالمعنى فيه أنه استحال بالطبخ عن صفة الماء، فلم يرفع الحدث وليس كذلك ما تغير من غير طبخ؛ لأنه لم يخرج عن صفة المياه، فجاز أن يرفع الحدث، أو نقول: المعنى فيه أن هذا التغيير لو حصل بالطحلب لم يمنع، فكذلك بالزعفران. 52 - قالوا: المخالطة للماء على ثلاثة أضرب: موافق له في الطهارة والتطهير، كالتراب فلا يسلبه إحدى الصفتين. ومخالف له في الطهارة والتطهير فيسلبه الصفتين، ومخالف في الطهارة وموافق في التطهير فيسلبه التطهير. 53 - قلنا: القسم الأول: لا يصح، لأنكم سويتم بين التراب والجص والورق

الشجر، وإن خالفت الماء في التطهير، ثم يبطل بغلبة التراب على الماء. 54 - والقسم الثاني: يبطل بوقوع النجاسة في القلتين. 55 - والقسم الثالث: يبطل بالزعفران إذا لم يغيره. والتقسيم الصحيح أن يقال: الزعفران والتراب يستوي تأثيرهما في الماء إذا لم يغيره، ولا يمنعان الوضوء، ويستويان إذا غلبا على الماء في منعهما للوضوء، فإذا ظهر لونهما ولم يغلبا وجب أن يستوي حكمهما كما يستوي في الطرفين. و [قولهم]: لا فرق بين تغيير الماء بالباقلاء قبل الطبخ وبعده، يبطل على أصلهم بتغيير الماء بالجص إذا جرى عليه، وبتغيره إذا طرح فيه. 56 - فإن قالوا: يمكن حفظه من أحدهما دون الآخر، بطل بالطين؛ لأنهم سووا بين تغيير الماء بالطين إذا جرى عليه أو طرح فيه.

مسألة 4 وضوء المسافر بنبيذ التمر

مسألة 4 وضوء المسافر بنبيذ التمر 57 - قال أبو حنيفة: إذا لم يجد المسافر الماء توضأ بنبيذ التمر، ولم يتيمم. 58 - وروى نوح المروزي عنه: أنه يتيمم ولا يتوضأ به، وهو قول أبي يوسف والشافعي. 59 - وقال محمد: يجمع بينه وبين التراب.

60 - وجه الرواية الأولى: ما رواه حنش الصنعاني عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأبو رافع مولى ابن عمر، وأبو زيد مولى عمرو بن حريث عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في ليلة الجن: أمعك ماء، قال: لا، معي إداوة فيها نبيذ التمر، فأخذه النبي - صلى الله عليه وسلم - فتوضأ به وصلى الصبح وقال: تمرة طيبة وماء طهور. ولا يجوز أن يقال: إن هذا الخبر رواه أبو فزارة السادر عن أبي زيد، وهو مجهول؛ لأنا نقلنا الخبر من غير هذا الطريق، ولو لم ينقل إلا منه كان طريقًا

صحيحًا؛ لأن أبا فزارة ذكه مسلم في الصحيح، وهو راشد بن كيسان العبسي الزاهد. وروى أبو حنيفة والثوري وإسرائيل بن يونس، والجراح أبو وكيع وشريك وأبو زيد مولى عمرو بن حريث المخزومي، قال ابن المديني: وروى أبو فزارة عن أبي زيد قال: سمعت عبد الله بن مسعود. 61 - ولا يقال: إن ابن مسعود لم يكن مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الليلة، وقد سئل علقمة

عن ذلك، فقال: وددت أن يكون معه. وروي عن ابن مسعود أنه قال: (ما كان معه منا أحد)؛ وذلك لأن ابن المديني قد طرق كون عبد الله بن مسعود مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في ليلة الجن من اثني عشر طريقًا. وذكر يعقوب بن أبي شيبة حديث أبي عثمان البكالي صحابي، فقال ابن أبي شيبة: هذا حديث بصري. ولأن الأخبار لو تعارضت كان المثبت أولى، كيف والجمع ممكن؛ لأن علقمة نفى كونه مع النبي - صلى الله عليه وسلم - عند خطاب الجن، وهذا لا ينفي خروجه معه. 62 - قالوا: النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ به في الحضر، وهذا مجمع على تركه. 63 - قلنا: توضأ به بعد ما خرج من مكة وبعد منها، وعندنا نجوز التوضؤ

بالنبيذ والتيمم لمن بعد من المصر، وإن لم يسافر. 64 - قالوا: الذي كان في الإداوة تمر وماء لم يختلط، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((تمرة طيبة، وماء طهور)). 65 - قلنا: هذا لا يسمى عندنا على الإطلاق نبيذًا، وقد سماه ابن مسعود نبيذًا، ولم يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - علته، والغالب أن التمر إذا طرح في الماء وبقي ليلة أنه لا يبقى على حاله. 66 - ولا يقال: اعتبار حقيقة قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وحمل قول ابن مسعود على المجاز أولى من حمل قوله على الحقيقة وحمل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - على المجاز. 67 - قلنا: ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - الإنكار تقرير له على قوله، فصا كأن القولين صدرا من النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيجوز حمل الأول على الحقيقة والثاني على المجاز. 68 - ولا يقال: إنه لم يكن شديدًا؛ لأن من أصحابنا من قال: الخلاف في النبيذ الحلو، فعلى هذا يسقط سؤالهم، ويسقط ما يقولون: إنه لم يكن مطبوخًا؛ لأن الحلو لا يعتبر فيه الطبخ. 69 - قالوا: ليلة الجن كانت بمكة، وآية التيمم نزلت بالمدينة فنسختها. 70 - قلنا: النسخ يكون بين المتنافيين، ولا تنافي بين الآية والخبر، وسنبين ذلك. 72 - قلنا: المخالف للأصول أن يرد الخبر بما وجد في الأصل خلافه بعينه، أو كان معناه مجمعًا على خلافه، كخبر القرعة؛ لأنه تضمن نقل الجزية من شخص إلى شخص، وهذا معنى أجمعوا على خلافه. وخبرنا لم يوجد ما ورد به في الأصول بخلافه، ومعناه: عليه أوصاف الطاهر على الماء، وهذا المعنى لم يجمعوا

على امتناع الوضوء به؛ لأن ابن جرير يجوز الوضوء بالخل ونبيذ الزبيب. 73 - ولا يقال: إن البلوى تعم، ولا تثبت بخبر الواحد؛ لأن وجود النبيذ في السفر مع عدم الماء أمر نادر، فكيف يدعى عمومه. 74 - ويدل عليه: ما روى الأوزاعي عن يحيى بن كثير، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الوضوء بنبيذ التمر وضوء من لا يجد الماء)). ولا يمكن تأويل هذا الخبر إلا بإسقاط ما شرطه. وقد روى جواز الوضوء به: علي، وابن مسعود، وابن عباس رضي الله عنهم وقال أبو العالية: (ركبت مع أصحاب رسول الله

- صلى الله عليه وسلم - البحر ففني ماؤهم، فتوضئوا بنبيذ التمر، وكرهوا ماء البحر)، والصحابي إذا قال ما لم يعلم بالقياس حمل على التوقيف، أو نقول: إنه لا مخالف لهم فصار إجماعًا. 75 - ولا يقال: قد روي عن ابن عمر أنه قال بنجاسة النبيذ؛ لأن هذا في الشديد، ومتى حمل الخلاف على الحلو سقط الخبر، على أنه قد روي عن ابن عمر جواز شربه. فيتعارض ذلك عنه، فبقي قول بقية الصحابة، ولأن الرأس من أعضاء الطهارة؛ فجاز أن يثبت له بدل عن الغسل، كالوجه واليدين، ولأن الطهارة تارة تعم البدن، وتارة تطهير ينتقل إلى بدل فجاز أن ينتهي إلى بدلين كالكفارة. هذه الأقيسة لسنا نثبت بها بدلًا، بل لترجيح الأخبار، ولأن كل فرض جاز انتقاله بالنبيذ، كغسل الطيب من ثوب المحرم. 76 - واحتج المخالف بقوله تعالى: {فاغسلوا وجوهكم} إلى قوله: {فلم تجدوا

ماء فتيمموا صعيدا طيبا} ولم يجعل بينهما واسطة. 77 - قلنا: إن قوله {فاغسلوا وجوهكم} عام في كل غسل بالماء وغيره، فيفيد ذلك النبيذ. ولا يقال: إن هذا حمل اللفظ على الحقيقة والمجاز؛ لأنا لم نثبت مخصوص المغسول به لفظًا، وإنما أثبتنا عموم الغسل، وذلك حقيقة في الأمرين، ولأن الله تعالى خص جواز التيمم بحال عدم الماء، والنبيذ في حكمه؛ فلا يجوز التيمم مع وجوده، والحكم تارة يثبت بالصريح، وتارة بالتنبيه. ولأن قوله تعالى: {فلم تجدوا ماءً فتيمموا} المراد: ماء شرعًا، والنبيذ ماء في الشرع؛ بدلالة ما قدمناه في الخبر. 78 - احتجوا بقوله عليه السلام: ((التراب طهور المسلم ما لم يجد الماء))، وهذا لا دلالة فيه؛ لأن النبيذ ماء في الشرع، فيدخل في عموم الخبر. 79 - ولا يقال: إنه حمل على الحقيقة والمجاز؛ لأنا اعتبرنا الماء في الشرع دون اللغة؛ لأن الاسم حقيقة في الشرع فيهما، ولأن اللفظ الواحد في النفي يحمل عليهما وإن لم يحمل في الإثبات، ولأن هذا خبر الواحد فيجمع بينه وبين خبر النبيذ، فيصير تقديره: التراب طهور المسلم ما لم يجد الماء أو النبيذ. 80 - قالوا: ما لا يجوز الوضوء به حضرًا لا يجوز الوضوء به سفرًا، كالخل. وهذا الوصف غير مسلم؛ لأن الوضوء بالنبيذ والتيمم يجوز للمقيم إذا بعُد عن المصر، ذكره الطحاوي، وإن سلمنا لم يصح؛ لأنه يجوز في السفر ما لا يجوز في الحضر، كالتيمم، والقصر، والإفطار. ثم المعنى في الخل أنه لم يسم طهورًا في الشرع، والنبيذ بخلافه.

81 - قالوا: شراب مسكر، كنبيذ الزبيب. 82 - قلنا: الخلاف على قول كثير من أصحابنا في الحلو دون المسكر؛ فصار ما ذكروه مسلمًا، والمعنى في نبيذ الزبيب ما قدمناه. 83 - قالوا: من حكم البدل أن يكون أعم وجودًا من المبدل، كالتراب. 84 - قلنا: لا يمتنع أن يكون البدل أضيق وجودًا، ألا ترى أن الله تعالى جعل الإطعام بدلًا عن الصوم في كفارة الظهار، وجعل الصوم بدلًا عنه في كفارة اليمين؟ فلا يدل على وضع قولهم أن يكون أحدهما أضيق، وجعل تارة بدلًا، وتارة مبدلًا. 85 - قالوا: مائع لا يرفع الحدث، كنبيذ الزبيب. وهذا لا يصح؛ لأن وضوء المستحاضة يقع بمائع ولا يررفع حدثها، ويجوز بالتراب، والتراب لا يرفع الحدث وإن جاز إسقاط الفرض به.

مسألة 5 طهور جلد الكلب

مسألة 5 طهور جلد الكلب 86 - قال أصحابنا: يطهر جلد الكلب بالدباغ. 87 - خلافًا للشافعي. 88 - لنا: قوله عليه السلام: ((أيما إهاب دبغ فقد طهر)). ولأنه بهيمة يجوز الانتفاع به من غير ضرورة، فجاز أن يطهر جلدها بالدباغ، كالشاة. ولا يقال: إنه لا ينتفع بالكلب إلا لضرورة الصيد والحفظ؛ لأن الإنسان لا يضطر إلى الاصطياد في غالب أحواله، ولا يضطر إلى حفظ الماشية بالكلب؛ لقيام الآدمي مقامه.

ولا نريد بالضرورة ما يخاف منها على نفسه وماله. ولأنها بهيمة يجوز الاصطياد بها، كالفهد. 89 - ولا يقال: إن ما لا يصاد به عندكم يطهر جلده بالدباغ؛ لأنا لم نعتبر وقوع الاصطياد، وإنما اعتبرنا إباحته، وهذا موجود في الجنس. 90 - قالوا: المعنى في الأصل أنه مختلف في طهارة سؤره. 91 - قلنا: وكذلك الكلب، ويبطل علة الأصل بسؤر المشرك. 92 - قالوا: الفهد يقتنى على الإطلاق، بخلاف الكلب. 93 - قلنا: لا فرق بينهما؛ لأن الكلب يجوز اقتناؤه إلا للتلهي، وكذلك الفهد. 94 - ولا يقال: الفهد مختلف في غسل الإناء من ولوغه، والكلب متفق على وجوب غسله، لأن علة الأصل تبطل بسؤر المشرك، وعليه الفرع تدل على النجاسة، وهذا لا يمنع وقوع الدباغ، كالميتة. ولأنه حيوان مختلف في أكله لحمه، كالضبع. 95 - ولا يقال: إن هذه علة متأخرة عن الحكم؛ لأن علل الشريعة يجوز أن تتأخر، فثبت الحكم في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعنى، وبعده بذلك وبغيره، كمسائل الإجماع. ولا يقال: إن الضبع مأكول؛ لأنا نخالفهم في هذه العلة. 96 - قالوا: هذه الأوصاف لم تدل على طهارة الكلب في حياته مع وجودها كذلك بعد الدباغ. 97 - قلنا: يجوز أن تكون هذه العلة غير موجبة للتطهير بنفسها، فتوجب

الطهارة عند وجود سبب التطهير، وهو الدباغ، ألا ترى: أن جلد الميتة يطهر بالدباغ بعلة موجودة قبله ولم توجب تلك العلة طهارة الجلد قبل وجود سبب التطهير؟. 98 - واحتجوا: بنهيه عليه الصلاة والسلام عن افتراش السباع. 99 - قالوا وهذا أخص من خبركم. 100 - والجواب: أن إطلاق السبع لا يتناول الكلب، ولأن النهي لِما كانت الأعاجم يعتادونه، ولو أراد به النجاسة لخصه بالصلاة، وأما خصوصة فلا يصح إذا لم يتناول موضع الخلاف، فلو تناوله لكان خاصًّا في السبع، عامًّا فيما قبل الدباغ وبعده، وخبرنا عام في الأُهُب، عام [فيما بعد الدباغ] والخصوص موجود في كل واحد من الخبرين من وجه، والعموم من وجه. 101 - قالوا: حيوان نجس حال حياته، ويغسل الإناء من ولوغه، كالخنزير، وهذا يبطل على أصلنا بالبيع. ولأن النجاسة لا تمنع من التطهير بالدباغ، كنجاسة الميتة، والمعنى في الخنزير أنه لا يقسم قسمة المواريث ولا يخلى بينه وبين الموصى له

ولا يجوز الاصطياد به، والكلب بخلافه. 102 - قالوا: الدباغ يرد الجلد إلى طهارة الحياة ويرفع نجاسة الموت، والكلب في حال حياته نجس فيرده الدباغ إلى ذلك. وهذا لا يصح؛ لأنه تجدد طهارة في الجلد، فلا يرد ما تقدم؛ لأن علة ذلك طهارة الحياة، وهي لا تعود، ولا يعود حكمها. 103 - قالوا: الدباغ يمنع من التلاشي في الجلد والفساد، كما يمنع الحياة، وهذا معنى قولنا: إنه يرده إلى تلك الحال. 104 - قلنا: هذا المعنى لا مدخل له في الطهارة؛ لأنه موجود في الخنزير والكلب حال حياتهما، وهما نجسان، وفي الشعر بعد الموت، وهو نجس عندهم. 105 - قالوا: الحياة أقوى المطهرات؛ لتأثيرها في اللحم والجلد، والدباغ أضعف؛ لتاثيره في الجلد خاصة، فإذا لم يطهر الكلب بالحياة فبالدباغ أولى. 106 - الجواب: أن الدباغ أقوى المطهرات؛ لأنه يؤثر في نجاسة الموت الثابتة بالقطع والمتفق عليها، ونجاسة الكلب مختلف فيها وثابتة بخبر واحد، فما جاز أن يعمل في أقوى النجاستين ففي أضعفها أولى. وأما تأثير الحياة في اللحم والجلد فليس لقوة تطهيرها، لكن لوجودها فيهما، والدباغ لا يوجد إلا في الجلد، فإذا لم يطهر لم يوجد فيه ما يدل على ضعفه. 107 - قالوا: الكلب نجس العين، كالخنزير. 108 - قلنا: لا نسلم هذا الوصف؛ لأن نجاسة الكلب مخففة، في حكم نجاسة المجاورة؛ فلذلك يجوز الانتفاع به من وجه دون وجه، كالثوب النجس. ولو كان

كأعيان النجاسات لم يجز الانتفاع به بحال، كالدم والخمر. 109 - قالوا: معنى قولنا: نجس العين، أنه لم يخلق إلا نجسًا، وأن نجاسته ليست بطارئة. وهذا لا يصح؛ لأن نجاسة الكلب حكم مثبت بالشرع، لا نعلم ثبوته قبله، فيجوز أن يكون هذا الحكم طارئًا، وقد كان طاهرًا قبله. 110 - وجملة الأمر: أن الشيء لا يوصف بالنجاسة لعينه، وإنما هذه أحكام، فمعنى قولنا: نجاسة عين، تغليظ نجاسة. ومعنى قولنا: نجاسة مجاورة، أي تخفيف نجاسة. والكلب مخفف النجاسة من وجه ما بينا، فترجح ما ذكرناه أنه قابل للحكم ومجدد بحكم الطهارة، وهو حكم شرعي، ويلحق الكلب بنظائره من السباع، وموجب تخفيف حكمه بعد الموت كما كان في حال الحياة.

مسألة 6 حكم طهارة ما يؤكل وما لا يؤكل

مسألة 6 حكم طهارة ما يؤكل وما لا يؤكل 111 - قال أصحابنا: ما لا يؤكل لحمه يطهر بالذكاة إلا الخنزير والآدمي. 112 - وقال الشافعي: لا يطهر إلا ما يؤكل لحمه. 113 - لنا: قوله عليه السلام: ((الذكاة في الحلق واللبة))، وهو عام. ولأنه حيوان لا يقطع بتحريمه، فوجب أن تؤثر فيه الذكاة، كالضبع. ولأنه بهيمة يجوز الانتفاع به حال حياته من غير ضرورة، كالشاة. 114 - ولا يقال: إن الشاة طاهر في حال اليحاة فلا بطهر بالذكاة؛ لأنا قلنا: فوجب أن تؤثر فيه، وهي تؤثر في منع النجاسة. 115 - ولا يقال: إن المعنى في الشاة أنها مأكولة؛ لأن الذكاة لو لم تؤثر إلا في المأكول لما أثر في الأشياء السبعة التي نهي عن أكلها من الشاة، وفي الشاة المسمومة التي لا يجوز أكلها، ولأنه سبب للتطهير، فلا يختص بما يؤكل لحمه، كالدباغ،

ولأن جلود السباع تطهر بالدباغ، فأثرت الذكاة فيها، كالشاة. 116 - واحتج المخالف: بقوله عليه والسلام: ((أيما إهاب دبغ فقد طهر))، دليله: أنه لا تطهير بغير الدباغ. 117 - الجواب: أن تقديره: أيما إهاب نجس دبغ فقد طهر، لاستحالة أن يقال: الطاهر إذا دبغ طهر. 118 - قالوا: ذبح لا يبيح أكل اللحم، فلا يؤثر في الطهارة، كذبح المجوسي. 119 - والجواب: أنا لا نسلم أن ذبحه لا يعمل في إباحة أكلها؛ لأن المضطر إليها لا يأكلها إلا بعد الذبح؛ فيعمل الذبح في إباحتها، ثم قد بينا افتراق حكم الأكل والطهارة، بدلالة الشاة وحال حياتها والسباع عندهم، فالدال على الصيد إذا ذبح حرم عليه، وهو طاهر. ولأن الأكل لا ينفرد عن الطهارة، فكأنهم قالوا: لمّا لم يؤثر الذبح في الأكل والطهارة يجب ألا يؤثر في الطهارة، ويجوز أن يؤثر في أحد الأمرين ولا يؤثر فيهما. ولأن الجوسي أجمعوا أن ذبحه لا يؤثر لمعنى فيه، لا لصفات المذبوح، ولهذا استوى ما يؤكل وما لا يؤكل، فلم يجز التعليل لأمر يخالف الإجماع. ولأن المعنى في المجوسي أنه ليس من أهل الذكاة، والمسلم من أهل الذكاة، ذبح ما لا يقطع بتحريمه. 120 - قالوا: حيوان نجس، كالخنزير. 121 - قلنا: التطهير إنما يحتاج إليه في النجاسات، فلم يصح هذا الوصف. ولأن الخنزير عكس علتنا؛ لأنه مقطوع بتحريمه، والكلب بخلافه. 122 - قالوا: جزء من حيوان لا يؤكل لحمه، فلم تبحه الذبح، كلحمه.

123 - قلنا إن أردتم إباحة الأكل فالجلد واللحم سواء في تحريمه، وإن أردتم إباحة الانتفاع، فهما سواء في الجواز. 124 - قالوا: فوات روح حيوان لا يؤكل لحمه، فلا يبيح شيئًا منه، كما لو مات حتف أنفه. 125 - قلنا: المعنى فيه أنه لم يوجد سبب من أسباب التطهير، والحيوان مما له دم نجس، وفي مسألتنا: وجد سبب من أسباب التطهير. 126 - قالوا: الذكاة تبقي طهارة الحياة، وتمنع نجاسة الموت، والكلب نجس في حال حياته، فيبقى على ما كان عليه. 127 - قلنا: الذكاة تحدث طهارة على طهارة الحياة؛ لأن تلك الطهارة قد زالت عنها، يبين ذلك أن طهارة الحياة لا تؤثر في الأكل، فطهارة الذكاة تؤثر في ذلك، فدل على اختلافهما. ولو صح ما قالوه لزمهم إذا ذكيت السباع، فشرائط الذكاة أن تبقى على طهارة الحياة عندهم، فأما أن يَحدُث بالذبح نجاسة فلا.

مسألة 7 يصح الدباغ بالشمس والتراب

مسألة 7 يصح الدباغ بالشمس والتراب 128 - قال أصحابنا: يصح الدباغ بالشمس والتراب إذا وقع الدباغ به. 129 - خلافًا للشافعي. 130 - لقوله عليه السلام: ((أيما إهاب دبغ فقد طهر))، واسم الدباغ يتناول ما وقع بالشمس، ولأنه يحيل الجلد ويمنع من ورود الفساد عليه، فأشبه الشب. 131 - احتجوا بقوله عليه السلام: ((في الشب والقرظ ما يطهر))، وهذا يقتضي الاختصاص.

132 - قلنا: المراد به: الشب وما في معناه بإجماع. 133 - قالوا: الشمس لا تحيل الجلد، بل تجففه، فإذا وقع في الماء عاد إلى فساده. وهذا غلط؛ لأنه متى كان بهذه الصفة لم يطهر عندنا، وإنما يطهر إذا أثر فيه الشب والقرظ، وغيرهما.

مسألة 8 جواز بيع الجلد المدبوغ

مسألة 8 جواز بيع الجلد المدبوغ 134 - قال أصحابنا: يجوز بيع الجلد المدبوغ. 135 - خلافًا للشافعي في القديم. 136 - لقوله عليه السلام: ((هلا أخذتم جلدها فدبغتموه وانتفعتم به))، والبيع من وجوه الانتفاع، ولأنه جلد يجوز الانتفاع به فجاز بيعه، كالمذكاة. 137 - احتجوا بقوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة}. 138 - والجواب: أن اسم الميتة لا يتناول اسم المدبوغ. ولأن خبر الدباغ قد مضى على الآية، فكأنه قال: إلا ما دبغ من جلودها. 139 - قالوا: جواز الانتفاع لا يدل على البيع، كأم الولد. 140 - قلنا: جواز الانتفاع يدل على البيع إلا أن يمنع مانع، وهناك حرمته منعت البيع بعد جوازه.

مسألة 9 صوف الميتة وشعرها وعظمها طاهر

مسألة 9 صوف الميتة وشعرها وعظمها طاهر 141 - قال أصحابنا: صوف الميتة شعرها وعظمها وقرنها طاهر. 142 - وقال الشافعي: نجس. 143 - لنا: قوله تعالى: {ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين} وهذا امتنان عام، وذلك لا يكون بالنجس. 144 - قالوا: قوله {إلى حين} يقتضي جواز الانتفاع إلى غاية مجملة، فيحتمل أن يكون الموت، يقال: حان حينه. 145 - قلنا: الموت هو الحَين بفتح الحاء لا بكسرها. ثم الغاية دخلت على ما هو أثاث ومتاع، وذلك لا يؤثر فيه الموت، فينبغي أن يكون إلى حين هلاكها. ويدل عليه: حديث أم سلمة رضي الله عنها، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا بأس بمسك الميتة إذا دبغ، وصوفها وقرنها إذا غسل بالماء)).

146 - قالوا: رواه يوسف بن السفر كاتب الأوزاعي، وهو ضعيف. 147 - قلنا: الضعف لا يؤثر إلا بعد بيان جهته. 148 - قالوا: لا بأس بقيد الانتفاع دون الطهارة؛ كقوله عليه الصلاة والسلام: ((ما أكل لحمه فلا بأس ببوله)). 149 - قلنا: إطلاق اللفظ يقتضي نفي الحرج في إيقاع الفعل منه، كالوجه. 150 - قالوا: شرط فيه الغسل، وأنتم لا تعتبرونه. 151 - قلنا: جواز الانتفاع به قد يقف على الغسل عندنا إذا كان عليه نجاسة، لا لموته. والثاني: من عادة الشاة أن تبول وتروث، فينبغي أن يغسل الصوف. ومن استعمل حرف الشرط في حال أولى ممن أسقطها، ولأن قيام الدلالة على إسقاط الشرط لا تنفي التعليق بالخبر، ولأنها عين لو انفصلت حال حياة الحيوان كانت طاهرة، فإذا انفصلت بعد الموت حكم بطهارتها، كالبيض والولد. ولا يلزم الريق؛ لأنه طاهر عندنا بعد الموت، كاللبن، وإنما تجاوره النجاسة. 152 - ولا يقال: إن البيض ينجس بالموت؛ لأن الشافعي نص على خلافه، فلا يقال: المعنى فيه أنه ليس بمتصل وإنما هو مودع في الأصل؛ لأن هذا يبطل باللبن على أصلهم، ولأن ما لا تقف استباحته على الذكاة لا ينجس بالموت،

كالسمك؛ وعكسه سائر الأعضاء. 153 - ولا يقال: إنما لا تقف استباحته على الذكاة، لأنه لا يألم الحيوان بأخذه، والأعضاء يألم بأخذها، فوقف أخذها على الذكاة. 154 - قلنا: عليه الأصل تبطل بالحافر والظفر وشعر ما لا يؤكل لحمه واليد الشلاء، وعليه الفرع تبطل بالشعر إذا نتف، والولد إذا شقت خاصرتها وأخرج. 155 - قالوا: الشَّعر أُبيح أخذه حال الحياة، كما أبيح ذكاته، والأعضاء حُظر أخذها، فكأنه نجسه كما حظر ذكاته. 156 - قلنا: علية الأصل تبطل بالختان وما يقطع للداء. وعليه الفرع تبطل بنتف الشعر وإخراج الولد بالشق. ولأنه شعر نابت على محل يجوز الانتفاع به بحال، فلا يكون نجسًا بالموت، كشعر المذكاة وشعر السباع. ولأن الموت سبب لانقطاع النماء، كالجز. 157 - قالوا: المعنى في الجزِّ أنه انفصل عن عين طاهرة، وهاهنا انفصل عن عين نجسة. 158 - قلنا: علة الأصل تبطل بجزِّ شعر السباع عندهم أن العين طاهرة، وإذا قطع شعرها نجس. وعلة الفرع لا تصح؛ لأنه لو جزه بعد ما دبغ الجلد كان نجسًا وإن انفصل من عين طاهرة. 159 - احتجوا: بقوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة} وهذا يقتضي تحريم الجملة. 160 - قلنا: الاسم حقيقة فيما حَلَّه الموت، كما أن المسود عبارة عما

حله السواد، والشعر لا يحله الموت عندنا. 161 - وقولهم: إن الميتة اسم له، يقال: هذه ميتة، وهذا من الميت، ليس بصحيح؛ لأن هذه الإشارة لا تبطل الحقيقة التي قدمناها؛ لأنها إضافة مجاز، كما يقال: سوداء وإن كان سنها أبيض، وقولهم: شعر الميتة وعظمها، لا يوجب أن يكون منها، كما يقال: سرج الدابة. وروي عن عمر رضي الله عنه أنه نهى عن لبس فراء الميتة، وعن علي رضي الله عنه أنه نهى عن لبس فراء الثعالب. وقيل لعائشة رضي الله عنها: ألا نتخذ لك فروا تتقي به من البرد؟ قالت: إن كان ذكيًّا فنعم، وإن كان ميتًا فلا. 162 - قلنا: روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في السن والعظم والصوف مثل قولنا. 163 - قال النخعي: كان ابن مسعود يقول: ذكاة الصوف غسله. وقد انتفعت الصحابة بالصوف التي وجدوها في بلاد المجوس، وادعى أصحابنا الإجماع بهذا، وما رووه يحتمل أن يكون فيما لم يدبغ.

164 - قالوا: متصل بذي روح ينمو بنمائه، فوجب أن ينجس بنجاسة الموت قياسًا على اللحم. 165 - قلنا: لا نسلم أنه ينمو بنمائه؛ لأنه ينمو مع عدم نماء الأصل، فلا نسلم إن قالوا: ينجس بموت الأصل؛ لأن اللحم ينجس بحلول الموت فيه، وإن قالوا: بالموت؛ ينتقض بأجزاء السمك. وإن قالوا: بنجاسة الأصل، لم يصح على أصولهم؛ لأنه ينجس بحلول الموت فيه. ثم المعنى في الاصل أنه لو انفصل في حال الحياة حكم بنجاسته، فكذلك بعد الموت، والشعر لو انفصل حال الحياة حكم بطهارته، فإذا انفصل بعد الموت جاز أن يحكم بطهارته. 166 - وإن قالوا: نجعل الأصل ما لا يؤكل لحمه، فلا تسلم المعارضة. 167 - قلنا: المعنى فيه: أنه لو انفصل حال الحياة من المأكول لم يحكم بطهارته، وكذلك إذا انفصل بعد الموت. والشعر لو انفصل حال الحياة من المأكول - حكم بطهارته، فجاز إذا انفصل بعد الموت مما لا يؤكل لحمه أن يحكم بطهارته. 168 - قالوا: شعر نابت على محل نجس، فأشبه شعر الخنزير. 169 - قلنا: هو طاهر في إحدى الروايتين. ثم المعنى في الأصل أن محله لا يجوز الانتفاع به بحال، ومحل الشعر في مسألتنا يجوز الانتفاع به بحال.

مسألة 10 ليس في الشعر والعظم حياة

مسألة 10 ليس في الشعر والعظم حياة 170 - قال أصحابنا: ليس في الشعر والعظم حياة. 171 - خلافا للشافعي. 172 - لأن الحياة لا تكون إلا في بنية مخصوصة من اللحم والرطوبة وغير ذلك، وذلك غير موجود في الشعر، ولأنه لو كان فيه حياة لأحس بنزعه من المحسوسات وأدرك نوعًا من المدركات، كالأحياء، ولأنه لو كان فيه حياة لألِمَ بقطعه إذا لم يكن فيه آفة، كسائر الأعضاء. ولا يلزم ما حس من العقب؛ لأنه لا حياة فيه، ولا يلزم اليد الشلاء؛ لأن فيها آفة تمنع من إدراكه للألم، كالسكر المانع من الإحساس بالألم. 173 - احتجوا بقوله تعالى: {قال من يحيي العظام وهي رميم} والمراد به: من يحيي أصحاب العظام وهي رميم، أو من يجعل العظام منتفعًا بها. لقوله - عليه السلام -:

((من أحيا أرضًا ميتة فهي له)). 174 - احتجوا: بقوله عليه الصلاة والسلام: ((ما بان من الحي فهو ميت))، وهذا يدل على أن الشعر إذا جُزَّ مات. وهذا غلط؛ لأنه لو كان ميتًا كان محرمًا، لأنه عليه الصلاة والسلام حرم الميتة وليسا منه مبينين، وفي اتفاقنا على طهارة الشعر المأخوذ من الحي دلالة على أنه لم يَمُتْ. 175 - قالوا: الشعر يَضْمَنْهُ المحرم بالجز، أو يجب بقطعه الأرش، وله مدخل في الطهارتين، فصار كالأعضاء. وهذا ليس بصحيح؛ لأن هذه الأقيسة شرعية، مقتضاها الظن، فلا يجوز أن يُستَدَل بها على وجود الذات ولا نفيها، وإنما يستدل بها على الأحكام، ونحن لم نذكر أقيسة شرعية، وإنما ذكرنا طرقًا عقلية. 176 - قالوا: الشعر روح متصل بذي روح ينمو بنمائه، فصار كسائر أجزائه. 177 - قلنا: النماء لا يستدل به على الحياة؛ لأنه يوجد في غير الحيوانات من الشجر والنبات.

178 - فإن قالوا: اعتبرنا نموه بنمو الحيوان، لم نُسلِّم؛ لأن الشعر ينمو لمعنى في نفسه، نما الحيوان أو لم ينم. 179 - ولا يقال: إن العظم يألم بالكسر، فدل على أن فيه حياة؛ لأن الألم يكون مما يجاوره من اللحم والعصب والعروق، ألا ترى: أن السن لو قطع بمبرد لا يألم لعدم الاتصال؟ 180 - ولا يقال: إن السن يوجد فيه ويضرس، وهو نوع من الألم، فيزول بما يعالج به؛ وذلك لأن السن فيه خلل أفصل منه ما يضرس به إلى اللحم والعصب المتصل به فيخدر، فيحسب الإنسان أن ذلك بالسن، وهو مما يتصل به، فإذا عولج السن، وهو القطع من ذلك الخلل إلى اللحم، وأزال الخدر، فإما أن يألم بنفس القطع وإلا فلا؛ ألا ترى: أنه يستحيل أن يألم بشيء، ولا يألم بالقطع؟

مسألة 11 استعمال الأواني المثمنة من غير الأثمان

مسألة 11 استعمال الأواني المثمنة من غير الأثمان 181 - قال أصحابنا: لا يكره استعمال الأواني المثمنة من غير الأثمان. 182 - وقال الشافعي: يكره وإن كان جنسها ثمينًا كالعقيق، والبلور. 183 - لنا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خصَّ الذهب والفضة بالنهي، مع علمه بأن غيرهما مستعمل ويتفاخر به، فلو تساويا في التحريم لم يختص النهي، ولأنه من غير جنس الأثمان، كالزجاج. 184 - احتجوا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الذهب والفضة للتفاخر، وهذا موجود في غيره. وهذا ليس بصحيح؛ لأنه يجوز أن يكون عُرِف من عادة الملوك

مسألة 12 استعمال الأواني المفضضة

مسألة 12 استعمال الأواني المفضضة 185 - قال أبو حنيفة: لا يُكْرَه استعمال الأواني المفضضة. 186 - خلافًا للشافعي. 187 - لنا: أن الذهب تابع للإناء؛ بدلالة دخوله في البيع على طريق التبع وإن لم يُسَمَّ، فصار كالقليل إذا عمل في الإناء لحاجة. 188 - قالوا: الذهب في سقف الدار يدخل في بيعها، ويُكْرَه. 189 - قلنا: لا نُسَلِّم هذا، ولأن ما نهي عنه للتفاخر يجوز إذا كان تابعًا لغيره، كالإبْرَيْسَم. 190 - قالوا: الإبريسم أخف حكمًا؛ بدلالة أن النساء لا يُمنعن من لُبسه. 191 - قلنا: ولا يمنعن من التحلي بالذهب والفضة. 192 - احتجوا بأنه منع للتفاخر، وهذا موجود في المفضض. 193 - قلنا: إنما منع لتفاخر الملوك به، وهم لا يتفاخرون بالمموه وإنما يتفاخرون. كان فضة وذهبًا. 194 - قالوا: استعمل موضع الفضة، فصار كإناء فضة. 195 - قلنا: استعمال موضع الفضة فيه روايتان، ولأن المستعمل متى كان من غير الفضة فأصاب الفم الفضة -غير معتبر، كمن يشرب بيده وفي إصبعه خاتم. ولا

يقال: ما مُنع من استعماله مفردًا منع إذا كان مع غيره كالذهب؛ لأنه لا فرق بين الذهب والفضة عندنا.

مسألة 13 الطهارة والنية

مسألة 13 الطهارة والنية 196 - قال أصحابنا: الطهارة بالماء لا تفتقر إلى نية. 197 - خلافا للشافعي. 198 - لنا: قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم} وإيجاب النية زيادة، وذلك لا يجوز بخبر الواحد والقياس. ولا يقال: إيجاب النية يخصص لأن الغسل على ضربين، فإذا جَوَّزْنَا أحدهما فقد خصصنا عمومها؛ وذلك لأن في الآية الغاسلين، وليس فيها غسل، والمخصص يتبع اللفظ دون المعنى، ولا يجوز الغُسْل الجائز عندهم -كغسل الجنابة عندهم- لا يجوز كونه غُسْلًا، وإنما يجوز بالنية، وهذا معنى الزيادة. 199 - ولا يقال: إن قوله: {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا} معناه: لها، كما يقال: إذا دخلت على الأمير فالبس، وهذا معنى النية، وذلك لأن المراد بالآية حصول الغسل الذي يَصْلح للقاء السلطان وإن لم يقع له، ولأن الغسل للصلاة التي يقوم إليها لا يعتبره أحد، فلم يجز حَمْلُه عليه. 200 - ولا يقال: إن الغسل لا يمكن حال القيام إليها، فكأنه قال: إن أردتم القيام

إلى الصلاة فاغسلوا، ومن توضأ وهو يُريد القيام إلى الصلاة فقد نواها؛ لأنه يُريد القيام فيردد باستعمال الماء. ويدل عليه قوله عليه السلام: ((لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه)) ولم يذكر النية، مع جهل الأعرابي بالحكم وحاجته إلى البيان. 201 - ولأنه ذكر تختص الطهارة به، والنية شرط في كل عبادة، ولأن الأعرابي كان غير عالم لهذا المعنى؛ ألا ترى. أنه خفي على أكثر الفقهاء؟ فهو أولى، ولأنه إزالة معنى لا يجوز الصلاة مع وجوده فلا يقف مع النية، كغسل النجاسة، ولا يلزم التيمم؛ لأنه ليس بإزالة معنى، ولا الإيمان؛ لأنه إزالة كفر، واعتقاد إيمان، فلو لم يعتقد لم يجز الصلاة بترك الكفر. ولا يقال: إن إزالة النجاسة إذا وقع بجامد لم يفتقر إلى النية، فكذلك المائع، والوضوء بخلافه، لأن إزالة النجاسة، والوضوء، كل واحد منهما لا يصح بالجامد، لاسيما على أصل المخالف، ولأن هذا أخذ حكم الأصل من بدله، فلا يصح، ولأنه سبب من أسباب الصلاة لا يصح إلا به مع القدرة، فصار كستر العورة. 202 - قالوا: المعنى في ستر العورة أنه مُسْتَصْحَب في حال الصلاة، فنية الصلاة تشتمل عليه. 203 - قلنا: فالبقاء على الطهارة شرط في الصلاة، فنية الصلاة تشتمل عليه أيضًا.

204 - قالوا: فستر العورة لا يختص بالصلاة، فكان أضعف من الطهارة. 205 - قلنا: فالطهارة لا تختص بالصلاة؛ لأنها تقع لدخول المسجد، ومس المصحف، وقراءة القرءان، ولأن كل ما يَصِح من الصبي قبل البلوغ على وجه يسقط به الفرض بعده لم يقف على النية، كغسل الجنابة. 206 - ولا يقال: إن إزالة النجاسة طريقها التروك، والوضوء فعل، والأفعال يعتبر فيها النية دون الترك؛ وذلك لأن الصوم في ترك الأكل والشرب والجماع، فقد اعتبرت النية فيه، ولأن الوضوء ترك الحدث وإيجاد الطهارة. 207 - احتجوا بقوله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين}. 208 - والجواب: أن المراد بالعبادة: الإيمان؛ لأن الإخلاص ضد الشرك، وذلك يختص بالإيمان، ثم قال: {حنفاء}، وهذا عبارة عن الدين. ثم رَتَّبَ عليه فعل العبادات، وقال: {ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة}، فصارت عليه العبادات من الإخلاص هو الإيمان، ولا ما يجوز الوضوء وإن وقع على وجه العبادات، فاحتاجوا أن يدلوا ألا يكون إلا عبادة، حتى يمكن التعليق بالعبادة. 209 - احتجوا: بقوله تعالى: {من كان يريد حرث الأخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الأخرة من نصيب}. 210 - والجواب: أن الآية تنفي الثواب فيما فعل للدنيا، والخلاف في أن من لا ثواب فيه هل يسقط الفرض أم لا؟ فلم يكن في الآية دلالة على موضع الخلاف: إذا لم يمتنع سقوط الفرض بما لا ثواب فيه، كغسل النجاسة.

211 - احتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى)). 212 - والجواب: أن هذا متروك بالإجماع؛ لأن العمل يكون بغير نية. ثبت أن المراد به غير الظاهر، ويحتمل: فضيلة العمل بالنية، وليس أحدهما أولى من الآخر، ولا يجوز إضمارهما؛ لأن اللفظ إذا استقل بإضمار واحد لم يحتج إلى غيره، ولأن العموم في المضمرات لا يعتبر، ولأن الفضيلة والجواز يتنافيان، ألا ترى أن عدم الفضيلة يقتضي وجود الجواز، وإضمار الجواز ينفي الأمرين؟ ولا يقال: إنا نضمر: حُكْم العمل؛ وذلك لأن هذا مُجْمَع على تركه، ألا ترى أن الأعمال قد ثبت حكمها من غير نية، وكان إضمار ما لم يتفق على تركه أولى؟ ولأن الخبر خرج على سبب، وهو أن رجلًا هاجر خلف امرأته، فقال عليه السلام: ((إنما الأعمال بالنيات، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى امرأة يتزوجها أو دنيا يصيبها فهجرته إلى ما هاجر إليه)) فأسقط الثواب في الهجرة لعدم النية، وإن وقعت موقع الواجب.

ألا ترى أنه لم يأمره بالعود إلى دار الحرب وتجديد الهجرة إلى دار الإسلام؟ وإن كان المراد بالخبر الفضيلة فيما قصد به كان هو المراد فيما لم يقصَد به. 213 - قالوا: سُئِلَ عليه الصلاة والسلام عن مَن اغتسل ولم ينو، فقال: ((يعيد)). 214 - قلنا: هذا ليس بإجماع؛ لأنا لا نعلم انتشاره، ولا يجوز التقليد مع مخالفته لظاهر القرءان عندنا، على أن الخبر لا يُعرَف. 215 - قالوا: طهارة مِنْ حدث، أو طهارة شرعية حكمية، أو محلها غير محل موجبها، كالتيمم. 216 - قلنا: تخصيص الطهارة بالحدث يدل على ضعفها عندكم؛ لأن الإزالة أقوى، فلا يُسْتَدَل بذلك على تأكيدها، وقولهم: محلها غير محل موجبها لا نُسلمه؛ لأن محلها قد يكون محل موجبها عندنا إذا خرج الدم من مواضع الوضوء، ثم المعنى في التيمم أنه بدل لحق الله تعالى، والأبدال تفتقر إلى النية، والوضوء طهارة ليست ببدل، كغسل النجاسة، ولأن التيمم يقع على وجه واحد على واجبين مختلفين: الغسل والوضوء، فاحتاج إلى نية التمييز، والوضوء يقع على وجه واحد فلم يحتج إلى نية، ولا يَلْزَم على هذا الغسل الذي يقع عن الحيض والجنابة؛ لأن الموجب واحد، وهو الغُسْل، وإنما يختلف الموجب، ونحن اعتبرنا اختلاف الواجب. ولا يقال: لو تيمم للوضوء جاز وإن كان جنبًا؛ لأنا لا نميز هنا إذا اعتبرنا نية التيمم. 217 - قالوا: عبادة مضمنة ببدل يحتاج إلى نية، فمبدله كذلك، كالكفارات. 218 - قلنا: يبطل بالمزدلفة؛ أنه لا يفتقر إلى نية، ولو تركه افتقر الدم الذي هو بدله إلى النية، وقولهم: إن نية الحج في نية الفرض، ولا يُؤثِر، لأنها لم

تعتبر في الأصل نية منفردة، واعتبر في المبدل، يبطل بإرسال الصيد: لا يفتقر إلى نية، ولو مات في يده افتقر البدل إلى النية. 219 - وقولهم: الجزاء بدل عن المقتول لا عن الإرسال، ليس بصحيح؛ لأنه عوض عن المقتول وبدل عن الإرسال. ألا ترى أنه يجب عند العجز عنه لحقه، ولأن البدل في الكفارات ساوت مبدلاتها في أنها عبادة مقصودة، فساوت في النية، وفي مسألتنا البدل والمبدل ليسا بمقصودين، فلم يفتقر إلى نية القربة، وافتقر المبدل إلى نية البدل، أو نية التمييز عن قول بعض أصحابنا. 220 - قالوا: البدل يساوي المبدل، أو ينقص عنه، ولا يزيد عليه، فإذا شرطت النية في البدل دل على اعتبارها في الأصل. 221 - قلنا: البدل قد يزيد في الشرائط على مبدله، ألا ترى أن شرائط الصوم أكثر من شرائط العتق، والظهر بدل عن الجمعة، فهي أكثر شروطًا؟. 222 - قالوا: ما اعتبر في حال العجز أخف مما اعتبر في حال الرفاهية؛ بدلالة صلاة السفر عندهم تفتقر إلى نية الفرض والقصر، ونية التيمم تحتاج إلى تعيين الفرض، ولا ذلك عندهم في الوضوء. 223 - قالوا: عبادة ترد إلى شرطها، كالصلاة. 224 - قلنا: الأصل غير مُسَلَّم في الأصل والفرع؛ لأن فرض السفر عندنا غير فرض الحضر فلم يكن شطره كالفجر والظهر، والتيمم جنس غير الوضوء، وشطر الشيء ما كان من جنسه، ثم المعنى في الصلاة أن نية التعيين معتبرة في جنسها، فلذلك افتقرت إلى النية، ولما كان جنس الوضوء لا يعتبر فيه التعيين لم يعتبر فيه النية، وبعكسه التيمم على قول من اعتبر فيه التمييز من أصحابنا.

225 - قالوا: نفل الوضوء لا يصح إلا بالنية، وكل عبادة شرعتْ نفلّا وفرضًا إذا احتاج نفلها إلى نية احتاج فرضها إلى نية. وهذا ليس بصحيح؛ لأن ما يزاد على مرة في الغسل نفل، ولا يحتاج إلى النية. وأما الطهارة المبتدأة لمن كان على وضوء فيها النفل، إلا أن يكون للقربة فلذلك افتقرت إلى النية، والفرض يوجد فيه معنى غير القربة، وهو الإزالة، فلذلك لم يفتقر إلى النية.

مسألة 14 المضمضة والاستنشاق واجبتان في الجنابة

مسألة 14 المضمضة والاستنشاق واجبتان في الجنابة 226 - قال أصحابنا: المضمضة والاستنشاق واجبتان في الجنابة. 227 - خلافًا للشافعي. 228 - والدليل عليه قوله تعالى: {وإن كنتم جنبا فاطهروا} والبدن مراد بالاتفاق، فكأنه قال: طهروا أبدانكم، فيفيد كل ما أمكن غسله من البدن. لا يقال: إن الأمر بإيقاع الفعل يقتضي ما يتناوله الاسم، كما قال: صوموا، صلوا، والغسل من غير مضمضة يتناوله اسم التطهير؛ وذلك لأن هذا يقتضي جواز غسل بعض البدن؛ لأن الاسم يتناوله، ولم يقل أحد إن الآية تناولت بعض البدن، ولو ثبت هذا كان دليلنا؛ لأنه يقتضي أن ينوي فعل ما يسمى طهرًا من المضمضة والاستنشاق، فقد فعل ما وجب بالآية، وهذا خلاف قولهم. 229 - ويدل عليه قوله: ((تحت كل شعرة جنابة، ألا فبلوا الشعر، وأنقوا البشرة)). 230 - وقولهم: إن البشرة: الجلد الظاهر، والباطن يسمى: أدمة، ليس بصحيح؛

لأن المبرد حكى عن ثعلب أن البشرة الجلدة التي تقي اللحم من الأذى. 231 - ويدل عليه ما روي عن علي عليه السلام: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من ترك شعرة من الجنابة لم يُصِبْهَا الماء؛ فعل به كذا من النار))، وفي داخل الأنف شعر، وروت عائشة رضي الله عنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل المضمضة والاستنشاق واجبتان فريضتان في الجنابة. 232 - قلنا: وقولهم: إنه يرويه بركة الحلبي وهو ضعيف، ليس بصحيح؛ لأن ابن معين أثنى عليه في كتبه الأخيرة وقد روي الخبر من غير طريقه مرسلًا، ولا يقال إن المراد بالفرض التقدير، يقال فرض الحاكم النفقة بمعنى

قدرها؛ وذلك لأن إطلاق الفرض يقتضي الوجوب، لاسيما وقد قرنه بالإيجاب. فلو كان المراد به التقدير لم يكن لتخصيصه بالجنابة معنى، ولأن ما أمكن غَسْلُهُ من البدن من غير مشقة يجب في الجنابة، كالمغابن، ولأنه عضو سُنَّ إيصال الماء إليه في الوضوء؛ فكان واجبًا في الجنابة، كالأذنين، ولا يلزم التكرَار؛ لأن غسل العضو قد وجب، والتكرار صفة، والتعليل لم يقع لصفة، ولا يلزم المبالغة في الاستنشاق؛ لأن ما أمكن فيه من غير مشقة فهو واجب، وقولهم: إنه يناقض بمنع الصائم منه ليس بصحيح؛ لأن الصائم يمنع من المبالغة في الوضوء لأنه ليس بواجب، ولا يفعله إذا لم يأمن الإفطار، ولا يمنع منه في الجنابة؛ لأنه واجب، فلا يترك احتياطًا لواجب آخر. ومن أصحابنا من قال: إن المبالغة تجب في غير الصوم، وتسقط في الصوم للعذر، وعلتنا تقتضي إيجاب ما كان مسنونًا في الوضوء، ولا تقتضي أحوال الوجوب. 233 - وقولهم: قد يُسَنُّ في الوضوء ما لا يجب في الجنابة عندكم، كالنية والترتيب والتكرار غير صحيح؛ لأنا جعلنا سُنة الاتصال دلالة على الوجوب في الجنابة؛ لأنه مما سُنَّ غسله، ولا مشقة فيه، والتكرار، والنية، والترتيب صفات في الغسل، فلا مدخل لها في الإمكان والتعذر. 234 - قالوا: المعنى في الأذن أنه ظاهر في أصل الخلقة، والفم عضو باطن، كالعين. 235 - قلنا علة الأصل تبطل بالعين؛ لأن ظهورهما أعم من ظهور الأذن، ولا يجب غسلهما، وعلة الفرع تبطل بمغابن البدن، ولأنه عضو يلحقه حكم التطهير من النجاسة، فوجب غَسْلَه في الجنابة، كسائر الأعضاء، ولا يلزم

داخل العينين، لأنه لا يجب غسلهما من النجاسة. 236 - وقولهم: إنه لا يجب عندكم لأنه أقل من قدر الدرهم، ليس بصحيح؛ لأنه لا يُكَمَّل بنجاسة أخرى من البدن، وإن زاد على قدر الدرهم؛ ولأنه عضو يتعلق به فرض فعل في الصلاة، كاليدين والرجلين. 237 - احتجوا بحديث أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إني امرأة أشد ضفر رأسي، فما أصنع في الجنابة؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أما أنا فأحثو على رأسي وسائر بدني ثلاث حثيات من ماء)) ولم يذكر المضمضة والاستنشاق. 238 - والجواب: أن السؤال وقع عن صفات الغسل ومسنونة، ولهذا بين عليه السلام أدنى المسنون، فإذا كان البيان للصفات والمسنون لم يلزمه بيان الأصل، ولا يقال: إنه قال: ((إذا فعلت ذلك فقد طهرت))؛ لأنه يحتمل الطهر المسنون، ولا يقال: كيف يسأل عن الصفات والسنة دون الفرض؛ لأن علمها بالفرض قد سبق، ألا ترى أنها يظن بها أنها لم تعرف الغسل من الجنابة عند وجوبها مع

قربها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولأن الخبر قد يُضَمَّن المضمضة، ولأن الفم من جملة الجسد، وقد قال: أما أنا فأحثو على رأسي وسائر جسدي. وقولهم: إن الجسد اسم لما ظهر؛ غلط؛ لأن الفم يقال: إنه من الجسد. 239 - وقولهم: إنه لا يقال: حثا على فمه، بل يقال: في فمه، غلط؛ لأنه يصح إذا ضم إلى الجملة شيئًا أن مما يعبر عنها به، كما يقال: متقلدا سيفًا ورمحًا، وإن كان الرمح لا يقلد. 240 - وقولهم: يعني في الخبر -أنه قال: ((إما أنا فأفيض الماء على رأسي وسائر جسدي)). 241 - فالجواب عنه: كالجواب عن الأول -وإن كان غير معروف- ألا ترى أنه لم يقل: أفاض على فمه، فيجوز أن يدخل مع الجملة في اللفظ. 242 - قالوا: طهارة من حدث، كالوضوء. 243 - قلنا: الوضوء سقط منه أكثر ظواهر البدن، فسقوط الباطن أولى، والجنابة تعلقت بالظاهر والباطن الذي لا مشقة في غسله، فجاز أن يتعلق بهذا الباطن، ولا يلزم على علة الفرع غُسْل الميت؛ لأنا عللنا بجواز تعلق الغَسْل بالفم، فلا يَلْزَم الأحوال. 244 - قالوا: ما شرع غسله في الطهارتين استوى فيهما، كالوجه.

245 - قلنا: اعتبار إحدى الطهارتين بالأخرى مع اختلافهما في الوجوب ضد الأصول، ولأن قولهم: استوى حكمهما: يُراد به في الفرع خلاف ما يُراد به في عليه: سائر الأبدان، ثم يعكس، فيقول: فكان واجبًا في الجنابة، كالوجه. 246 - قالوا: كل غسل لا يجب في غسل الميت لا يجب في غسل الحي، كداخل العينين. 247 - قلنا: سقوط الفرض في غُسْل الميت لا يدل على سقوطه في غسل الحي، لأن الميت لا خطاب عليه، والحي يخاطب، ولأن الميت لا يمكن فيه المضمضة، فسقطت لتعذرها، ووجبت في غَسْل الحي لإمكانها. 248 - وقولهم: لو سقط للعذر لوجب غَسْل ما يمكن منها ليس بصحيح؛ لأن موضع الفرض إذا تعذر جاز أن يسقط الوجوب فيه إن أمكن فعل بعضه، كمن وجد بعض الماء على أصولنا، ومن قدر على بعض العتق في الكفارة، وفي المحدور لا يلزمه غَسْل ما بين الحدرتين، ثم المعنى في العين أنه يلحق المشقة بإيصال الماء إليها، والفم لا يلحق إيصال الماء مشقة، فوجب في الجنابة، ثم المعنى في العين أنها في محل الوضوء لم يُسَن إيصال الماء إليها، فلم يجب في الجنابة، والفم بخلافه. 249 - قالوا: غسل واجب، كغسل الميت. 250 - قلنا: ينتقض بغسل النجاسة، والمعنى في غَسْل الميت ما قدمناه. ولأن في صب الماء في فمه وأنفه مثلة، وذلك بالخرقة مسح وليس بغسل، ففرض غسله لا يثبت فيه المسح. ثم المعنى في غسل الميت أنه لا يوجب بها صلاة، وإنما يجب علينا، فلم تتعلق بالباطن، كطهارة المكان، وفي مسألتنا: طهارة

تؤدي بها الصلاة، فجاز أن يتعلق بالباطن الذي لا مشقة في غسله، ولا يلزم الوضوء؛ لأن التعليل لجملة الأحداث. 251 - قالوا: عضو باطن في الوجه، كالعين. 252 - قلنا: الفم وإن كان باطنًا خلقة فهو في حكم الظاهر من البشرة إذا انتقل إلى ما سترها، يعني: فيما لاقى المفروض، كمسح الخف. 253 - وقولهم: إن مسح الخف بدل، فاختص بمحل الأصل، واللحية ليست ببدل، لا يصح؛ لأن كل واحد منهما قائم مقام الأصل على وجه البدل عندنا، ولا محل البدل يجوز أن يخالف محل الأصل، ألا ترى أن الهدي عندهم في المتعة مختص بالحرم، وصوم السبعة بدل عنه ولا يختص بالحرم؟ وتبطل علة الفرع بمسح الرأس؛ فإن الشعر ليس ببدل، ويختص المسح بمحل الفرض. 254 - احتجوا: بأنه شعر ظاهر نابت على بشرة الوجه، فوجب إفاضة الماء عليه مع الوجه، قياسًا على ما لاقى البشرة، وشعر الحاجب. 255 - قلنا: الأصل غير مُسَلَّم؛ لأن الرواية اختلفت فيه، فروي أن غَسْله غير واجب، وروي أنه يجوز فيه الربع، ثم المعنى في الأصل وفي شعر الحاجب أنه يلاقي ما لو ظهر وجب غسله، وهذا يلاقي ما لو ظهر لم يجب غسله. 256 - قالوا: كل شعر لو لم يزل عن محله وجب إيصال الماء إليه

وجب وإن ترك، قياسًا على شَعْر الرأس في الجنابة. 257 - قلنا: الوصف غير مُسَلَّم على ما بيَّنا، ثم المعنى في الجنابة أن الغُسْل يجب في جميع البدن، والوضوء يختص بمكان دون مكان، فاعتبر ما لاقى المكان الذي تعلق به الحدث، ولم يعتبر في الجنابة أوصاف الشعر؛ لأن الغسل يتعلق بكل حال. 258 - قالوا: شعر اللحية قد صار أصلًا في طهارة؛ بدلالة أنها إذا حلقت بعد الوضوء، لم يُعَد الوضوء، فصارت كالوجه، فوجب غسل ما خرجت منه. 259 - قلنا: لا نُسَلِّم ما ذكرتموه؛ لأنه إذا أفاض الماء على ما يلاقي البشرة ثم حلقه، وجب عليه غسل ما تحته؛ لأن فرض اللحية عندنا المسح، فإذا ظهرت البشرة وجب الغسل، كنزع الخف، ولو سلمنا أنه أصل لم يصح ما قالوه؛ لأن الشعر ما قام مقام الأصل من الوجه والأعضاء؛ بدلالة أن ما يصل إليه لا يُفْطِر الصائم، فوجب غسله من غير مشقة، والمعتبر ما هو ظاهر حكمًا لا خلقة، ألا ترى أن العين ظاهرة في الخلقة وهي في حكم الباطن؛ للمشقة التي تلحق فيها، ولا يلزم الجراحة التي لا تنفذ؛ لأن غسلها يسقط بالمشقة وإن لم يشق، ولا يلزم المناسبة؛ لأن ما يصل إليها يفطر في إحدى الروايتين.

مسألة 15 حكم إيصال الماء إلى ما استرسل من اللحية

مسألة 15 حكم إيصال الماء إلى ما استرسل من اللحية 260 - قال أصحابنا: لا يجب إيصال الماء إلى ما استرسل من اللحية. 261 - خلاف أحد قولي السافعي. 262 - لقوله تعالى: {فاغسلوا وجوهكم}، والوجه عنده غير البشرة؛ ألا ترى أنه مأخوذ من المواجهة في الغالب، والمواجهة في غالب الناس تقع من غير لحيته؟ ولأن اسم الوجه ينتفي عن اللحية؛ يقال: رأيت وجه فلان دون لحيته، وطالت لحيته ولا يقال: طال وجهه؛ فدل على أن الاسم لا يتناولها حقيقة. 263 - وقولهم نقل؛ لأن معناه: أن الوجه يُصَف باللحية لا أنها منه، وما رووه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تغطوا اللحية فإنها من الوجه)) لا يجوز أن يكون بيان الاسم؛ لأنه لم يُعَلِّم الأسامي. فاحْتَمَل أن يكون مَنَعَ من تغطيتها حال الإحرام، وقولهم: إن الوجه مأخوذ من المواجهة، والإنسان يواجه بلحيته ليس بصحيح؛ لأن الاسم قد يُشْتَق من شيء ويختص ببعض الأحوال، كاسم الجنين اشتق من الاستتار، واختص ببعض ما يستتر، ولأن الآية

تضمنت وجوب غسل الوجه، ولا خلاف أن غسل المسترسل من اللحية لا يجب؛ فدل أن الآية لا تتضمنه. 264 - وقولهم: إن الغسل يتضمن إصابة الماء وزيادة، أنه مضمون الغسل، وإن كان فيه إمساس الماء، ولأنه شعر يُلاقي ما يجب غسله لو ظهر؛ فلم يجب إيصال الماء إليه، كالذؤابة. 265 - وقولهم: إن الرأس ما ترأس، وهذا لا يوجد في الذؤابة، والوجه ما واجه به، وهذا موجود في اللحية، غلط؛ لأن الفرق ما عاد إلى المعنى دون الاسم، ولأن طرف الذؤابة قد صار في حُكم الرأس في باب التقصير، مع وجود الفرق الذي ذكروه؛ لأن الفرض المتعلق يقوم مقامه بكل حال، ولأنه إذا قام الأصل اعتبر ما قابل الأصل دون غيره.

مسألة 16 مقدار الواجب في مسح الرأس

مسألة 16 مقدار الواجب في مسح الرأس 266 - قال أصحابنا: الواجب في مسح الرأس مقدار الناصية، وفي رواية أخرى: ثلاثة أصابع، وروي: الربع. 267 - وقال الشافعي: ما يُسمى مسحًا. 268 - لنا: قوله تعالى: {وامسحوا برءوسكم} والباء للإلصاق عند أهل اللغة، وذلك يفيد الأكثر أو المقصود من الشيء، كقولهم: كُتِبَ الكتاب بالقلم، ولا يلزم قولهم: أخذت بزمام الناقة؛ لأن ذلك يتناول اليسير؛ لأن المقصود يحصل به. 269 - ولا يقال: إن الفعل إذا تعدى بحرف الباء وبغيرها فدخولها لفائدة، وهي التبعيض؛ لأن ابن كيسان سُئِل عن ذلك فقال: الإلصاق في معنى الكلام، فإذا دخلت الباء فهي لصريح اللفظ، وإذا كان لدخولها فائدة لم يلزم ما قالوا. 270 - ولأن الله تعالى أفرد المسح بالذكر وإن كان ما يتناوله الاسم يدخل في غسل الوجه تبعًا، فلو كان هو الواجب بطلت فائدة الإفراد. 271 - ولا يقال: إنه أفرده للترتيب؛ لأن عليًّا وابن مسعود لم يعتقدا الترتيب، وكان يجب أن يسألا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن فائدة الآية، فلما لم تنقل

المسألة بطل ما قالوا. 272 - ولأنه مسح، فلا يتقدر بأدنى ما يتناوله الاسم، كمسح الجبائر. 273 - ولا يقال: فلا يُقَدَّر بالربع؛ لأنا كذلك نقول في الجبائر، ولأنا إذا نظرنا مقدار الناصية لم يصح هذا العكس، وإن سلمنا فعلة الفرع لا تصح، لأنه ليس إذا لم يجب الاستيعاب يقدر بالأقل، فصار ذلك دعوى بغير دلالة. 274 - ولأن ما يتناوله الاسم يدخل في غسل عضو يليه على طريق التبع، فلم يكن فرضًا بنفسه في عضو آخر، كما يدخل في العضد في غسل المرفق. 275 - ولأنه حُكْم يختص بالرأس، ألا ترى أنها تكون في الوجه؟ 276 - احتجوا: بما روى المغيرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح بناصيته، والباء للتبعيض. 277 - والجواب: أنا بينا أنها للإلصاق، وقد روي في هذا الخبر أنه مسح على ناصيته، وهذا يفيد الأكثر، ولو ثبت أنه مسح بعضها جاز أن يكون قدر ثلاثة أصابع، وحكاية الفعل إذا احتملت سقطت. 278 - قالوا: مسح من رأسه ما يقع عليه اسم المسح، فصار كما لو مسح مقدار ثلاثة أصابع.

279 - قلنا: اعتبار ما يتناوله الاسم يخالف موضوع الطهارة؛ لأن ذلك غير مُعْتَبر في شيء من الطهارات، فلم يجز تعليق الحكم عليه، ولأنه إذا مسح بثلاثة أصابع فقد مسح بالأكثر من الأصابع، وهذا فعل مقصود، وما دونها مسح بالأقل، فلم يكن مقصودًا. 280 - ولأنا إذا قلنا بالربع لم يصح هذا الأصل. فإن قاسوا على الربع، قلنا: المعنى فيه: أنه يعلق بحلقة الدم، فجاز فيه المسح، وليس كذلك أدنى ما يتناوله الاسم؛ لأنه لا يعتبر وجوب الدم بالحلق. 281 - قالوا: حكم يتعلق بالرأس فيتعلق بأدنى ما يتناوله الاسم، كالموضحة. 282 - قلنا: لا نُسَلِّم في الأصل؛ لأن الموضحة ما أوضحت العظم وبقي أثرها، ومتى أوضح ما يتناوله الاسم لم يبق أثر في الغالب، وينعكس ما قالوه بوجوب الدم في الحلق. 283 - قالوا: التقدير عندكم لا يثبت إلا بالتوقيف، وقدرتم في مسألتنا مع عدمه! 284 - قلنا: التقدير عندنا المبتدأ يثبت بالتوقيف، والتقدير بالفصل بين الكثير والقليل يثبت بالاستدلال. وفي مسألتنا دل الدليل على أن الجمع ليس بواجب، والأذنين لا يجزئ فالتقدير الفصل بينهما ثبت بالقياس، وما ذكرناه أولى؛ لأنه تقدير الفرض بالعضو، وهذا معتبر في الطهارات، فهو أولى مما لم يُعْتَبَر. ولأنا رددنا مسح الرأس إلى مسح الجبيرة والتيمم، ورد الشيء إلى جنسه أولى.

مسألة 17 السنة مسح الرأس مرة واحدة

مسألة 17 السنة مسح الرأس مرة واحدة 285 - قال أصحابنا: السنة في مسح الرأس مرة واحدة بماء واحد، وروي يجزيه مسحه ثلاث مرات بماء واحد. 286 - وقال الشافعي: بثلاث مياه. 287 - لنا: ما روى عطاء عن حمران عن عثمان رضي الله عنه أنه توضأ بالمقاعد، فغسل وجهه ثلاثًا، ويديه ثلاثًا، ومسح برأسه مرة واحدة، وغسل رجليه ثلاثًا،

وقال: هكذا توضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومعلوم أن البيان يقع بالكامل، فلو كانت السنة تكرار المسح لبينه. 288 - ولا معنى لقولهم: وقد روي أنه مسح ثلاثًا؛ لأن أبا داود قال: الصحيح في الرواية من روى مرة واحدة، وهي أثبت طرقا من الثلاث. وروي أن عليًّا عليه السلام توضأ برحبة الكوفة بعد ما صلى، فغسل وجهه ثلاثًا، ويديه ثلاثًا، ومسح برأسه مرة، وغسل رجليه ثلاثًا وقال: هذا وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 289 - وقولهم: روى عبد خير أنه مسح ثلاثًا لا يصح؛ لأنه يعارض الرواية عنه، ولم يتعارض عن غيره، ولأنه يحتمل أن يكون ثلاثًا بماء واحد. 290 - وعن أبي محمد الحماني قال: أتيت أنس بن مالك، فسألته عن وضوء

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقلت: بلغني أنك كنت توضيه، قال: نعم. فدعا بطهور فتوضأ ثلاثًا ثلاثًا، ومسح برأسه مرة واحدة، وقال: هكذا وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعن معاذ قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثًا ثلاثًا، وما رأيته مسح إلا مرة. 291 - وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فسأله عن الوضوء، فتوضأ ثلاثًا ثلاثًا، ومسح رأسه مرة، وقال: ((هذا الوضوء، فمن زاد فقد ظلم وأساء))، واتفاق الروايات تدل على أن الأفضل مرة. ألا ترى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل الأفضل في عموم أحواله؟ 292 - ولا يقال: مسح مرة بمعنى أنه أخذ الماء مرة مسح ثلاثًا بثلاث مواضع من

يده؛ لأن الراوي ذكر المسح دون الأخذ، ولأن التكرار لو سُنَّ لم يجز بأخذ دفعة واحدة، كالغسل. 293 - ولا يقال: إن خبرنا زائد؛ لأن هذا يقال عند الراوي، وقد بينا اشتهار خبرنا وكثرة الرواة، ولأنا لا نُسلِّم أن خبرهم يقتضي تكرار أخذ الماء، وإنما يقتضي العدد، وهذا ليس بخلاف، ولا مسح واجب، كمسح الخف والتيمم. 294 - ولا يقال: التيمم رخصة وهذا ليس رخصة؛ لأن علة الأصل تبطل بطهارة الاستحاضة، وهي رخصة وتتكرر، ومسح الجبائر على أصلهم، ولأنه عضو فرضت فيه الطهارة فلا يُسَنَّ فيه الاستيعاب والتكرار، كسائر الأعضاء، ولا يَلْزَم المضمضة؛ لأنها لم تُفرض. 295 - قالوا: نعكس فنقول: فيسن فيه التكرار. 296 - قلنا: لا يؤثر التقييد؛ لقولكم: فرض فيه الطهارة. 297 - احتجوا: بحديث أُبيٍّ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثًا ثلاثًا. قالوا: وهذا يقتضي تكرار ما فعله ابتداء، وهو المسح وأخذ الماء.

298 - والجواب: أن مسح مرتين لا يقتضي ماء؛ لأن المسح لا يفتقر إلى الممسوح به، وإنما أثبتنا الماء في الابتداء بدليل، لا باللفظ، فلا يثبت في الثاني إلا بدليل. 299 - ولا يقال: إن تكرار الماء قد فُهِم في المغسولات؛ لأن الغسل يقتضي مغسولا به، والمسح بخلافه. 300 - ولا يقال: إذا ثبت أن المسح في الأولى بأخذ الماء فالتكرار مثلها؛ لأن التكرار يفيد إيقاع الفعل دون صفاته، كقولك: ضربته مرة ومرتين، وإن اختلفت صفات الضرب. 301 - ولا يقال: تكرار المسح بماء واحد عبث؛ لأنه لا يقع موضع السنة بماء مستعمل؛ لأن الماء لا يصير مستعملًا مع قيامه في العضو، وكيف يكون عبثًا وقد روي مُفَسَّرًا: أنه مسح برأسه بماء واحد أقبل بهما ثم أدبر، ولو ثبت أخذ ماء في كل مسحة جاز أن يكون مسح به مكانًا منفردًا، وهذا لا يُمنع منه إذا أراد الاستيعاب ونشف الماء من يده. 302 - قالوا: لأنه أصل في أفعال الطهارة، فكان التكرار مسنونًا فيه، كالذراعين، وهذا ينتقض بالنية. 303 - وقولهم: ليس بأصل في الأفعال غلط؛ لأنها من أفعال القلب، والمعنى في المغسولات أن التكرار لما سُنَّ فيها لم يضم إلى موضع الفرض غيره في الغسل الواحد، والمسح بخلاف، فصار كمسح الخفين. 304 - قالوا: أحد نوعي الطهارة، كالمغسولات.

305 - قلنا: المسح أضعف من الغسل، والتسوية بين ما ضعف وقوي في الطهارة لا يصح، ولأن المغسولات سُنَّ تكرارها لتيقن الاستيعاب الواجب فيها، ولما لم يجب الاستيعاب في المسح لم يكن لتكراره معنى. 306 - ولا يقال: من اغتمس في الماء سُنَّ له التكرار وإن تيقن الاستيعاب؛ لأنا لا نُسَلِّم ذلك، وما ذكرناه أولى؛ لأن الأخذ بإفراد المسح أكثر رواية، ولا احتمال فيها، وخبر التكرار يَحْتَمِل، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يترك المسنونات مع القدرة، فلما نقل من الطرق التي بيناها اقتصاره على مرة دل على أنها سنة، ولأنا رددنا مسحا إلى مسح، وما ضعف حكمه إلى نظيره، فكان أولى من رده إلى المغسول. 307 - وقولهم: رد الأصل إلى الأصل أولى من رده إلى البدل ليس بصحيح؛ لأنه لا يمتنع أن يتساوى الأصل والبدل، كالاستيعاب في التيمم والوضوء، والتكرار في مسح الجبيرة والغسل عندهم.

مسألة 18 السنة مسح الأذن بالماء الممسوح به الرأس

مسألة 18 السنة مسح الأذن بالماء الممسوح به الرأس 308 - قال أصحابنا: السنة مسح الأذن بالماء الذي مسحَ به الرأس. 309 - وقال الشافعي: يفرد بالماء. 310 - لنا: ما روت الربيع بنت معوذ بن عفراء رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح مقدم رأسه ومؤخره، ثم أجرى يديه على صدغيه، ثم مسح باطن أذنيه وظاهرهما بالمسح الواحدة التي مسح بها رأسه. 311 - وروى واصل بن السائب الرقاشي عن أبي سودة بن أخي أبي أيوب

الأنصاري عن عمر قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا توضأ استنشق بالماء وتمضمض، وإذا مسح رأسه بإصبع واحدة ما أدبر من أذنه مع رأسه. 312 - قالوا: يحتمل أن يكون أجس الأذن بعض أصابعه. 313 - قلنا: الراوي أخبر أنه مسح مسحة واحدة، ومتى أفرد الإصبع كانت مسحتين، وروى أنس وابن عباس وأسامة وأبو أمامة وأبو هريرة وابن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الأذنان من الرأس))، وهو لا يعلمنا المشاهدة، فلم يبق إلا بيان الحكم، ولا يجوز أن يكون ذلك الحكم بيان الموضحة وحكم الإحرام؛ لأن ابن

عباس روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ ومسح أذنيه، وقال: الأذنان من الرأس، فدل أنه أراد حكم الطهارة، فلم يبق إلا أن يكون المراد بها: يمسحان مع الرأس، أو: يمسحان كالرأس، وتساويهما في المسح لا يوجب كون أحدهما من الآخر، كما لا يقال: اليد من الوجه، فلم يبق إلا ما ذكرناه. 314 - ولا يقال: إضمارنا أولى؛ لأنا بَيَّنَّا أنه لا يصح أن يراد، فلا معنى للترجيح، ولأنا أضمرنا: مع الرأس، أو بماء الرأس، وهذا مثل إضمارهم. 315 - ولا يقال: راوي هذا الخبر شهر بن حوشب، وقد سرق خريطة من بيت المال، فقال فيه الشاعر: لقد باع شَهرٌ دِينَه بخريطةٍ ... فمَن يأمنُ القُرَّاءُ بعدك يا شهرُ وذلك لأنا بينا كثرة طرق الخبر، ولأن شهر بن حوشب أحد الزهاد، وَليَ بيت المال بجرجان، فأخذ خريطة وضع فيها مفاتيح بيت المال، فمدحه هذا الشاعر، فلم يجَزه؛ فهجاه وكذب عليه، وهذا لا يَقْدَح في الرواية.

316 - قالوا: الأذن بين ممسوح ومغسول، فأشكل أمرها، فقال عليه السلام: الأذنان من الرأس؛ لئلا يظن أنها تغسل كالوجه. 317 - قلنا: لو كان كذلك لوجب أن يبين حكمها بلفظ صريح، فأما أن يضيفها إلى عضو آخر فهذا لا يدل على التساوي في الطهارة، ولو كان كما قالوا لواجب أن يبين حكم البياض الذي مع العذار؛ لأنه بين مغسول وممسوح، وطهارته واجبة، فهو أحوج إلى البيان من المسنون؛ ولأنه أصل في مسنون المسح، فلم يكن من سننه إفراد الماء، كما لو زاد على قدر الفرض، ولأن المسنون على ضربين: أحدهما: يتميز عن الوضوء، والآخر: لا يتميز عنه. فإذا كان أحدهما لا يفرد بالماء كذلك الآخر، ولأنه مَسْح زيد على مفروضه على وجه السنة، كمسح الخف. 318 - قالوا: المعنى في مسح الرأس والخف: أن جميعه يجزئ عن الفرض، فصار في حكم الشيء الواحد، والأذن لما خالفت الرأس في حكم الإجزاء صارا كالعضوين. 319 - قلنا: تَساوي الرأس في المسح في الجواز عن الفرض يدل على تأكده، فإذا لم يفرد مع التأكيد، فالأضعف أولى، ولأن باطن الخف لا يُفْرَد بالماء عندهم، وإن كان يخالف ظاهره في الأداء عن الفرض. 320 - احتجوا: بحديث المقدام: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ فغسل وجهه، ثم يديه، ثم مسح رأسه، ثم أذنيه. وثم للمهلة.

321 - والجواب: أنه يجوز أن يتراخى مسح الأذنين عن مسح الرأس والماء واحد، ولا دليل في التراخي على تجديد الماء. 322 - والجواب: أن تجديد الماء لا يدل على أن الماء الواحد لا يجزئ، والاقتصار على ماء واحد يدل على أنه لا يُسَنَّ الإفراد، ألا ترى أن من غسل وجهه بماء بعد ماء لم يخرجه من حكم العضو الواحد وإن جاز بمرة واحدة، ولأن هذا حكاية فعل، فيجوز أن يكون نشف الماء في يده فجدد أخذ الماء كما يجدد لأبعاض رأسه ثم نشف الماء، وإن جاز بماء واحد. 324 - قالوا: كل ما لا يجزئ مسحه عن مسح الرأس لا يُمْسَح مع الرأس، كالجبهة. 325 - قلنا: كونه لا يجزئ عن الفرض لا يمنع كونه تبعًا، كالأنف مع الجبهة عندهم، وأسفل الخف في المسح، ولأن الجبهة ليست من سنن المسح فلم تتبع الرأس، والأذن أصل من مسنون المسح. 326 - قالوا: كل ما لا يجزئ تقصيره في الحج لم يكن من الرأس، كالقفا. 327 - قلنا: ليس بين المسح والحلق تجانس، فلا معنى لاعتبار أحدهما

بالآخر، ثم إنَّ التقصير لا يتعلق بالأذن فرضًا ولا سنة، فلا معنى لذكر صفاته، ولما تعلق بها المسح جاز اعتبار صفاتها. 328 - قالوا: أحد نوعي فعل الطهارة، فوجب أن يكون سنته سنة مفردة بالماء، كالغسل. 329 - قلنا: الغسل آكد والمسح أضعف، فجاز أن تتأكد سنن الغسل بالإفراد، وتصف المسح إلى المسح، وقد ذكر ابن شجاع عن أصحابنا فيمن اغترف غرفة فغسل منها وجهه وتمضمض، جاز، وكان حسنًا، فلم نُسَلِّم الأصل. 330 - قالوا: الرأس تتعلق به أحكام المسح، والحلق، والتقدير في الموضحة، والأذن تنفرد في هذه الأحكام. 331 - قلنا: أما الحلق فلا يتعلق بها، فلا معنى لذكر انفرادها، وأما الموضحة فلا تتصور في الأذن؛ لأنه لا عظيم فيها، فإن أوضح العظم من موضع الأذن تعذرت الموضحة. 332 - قالوا: البياض الذي بين الأذن والرأس أقرب إليه، وهو ينفد عنه. 333 - قلنا: لا نسلم؛ لأن ذلك من الرأس، ويجزئ مسحه عن الفرض.

مسألة 19 حكم الموالاة في الوضوء

مسألة 19 حكم الموالاة في الوضوء 334 - قال أصحابنا: الموالاة في الوضوء غير واجبة. 335 - خلافا لأحد قولي الشافعي. 336 - لقوله تعالى: {فاغسلوا وجوهكم} والواو لا توجب الموالاة؛ تقول: رأيت زيدًا وعمرًا، وإن تراخت رؤية أحدهما. 337 - قالوا: جزاء الشرط من حكمه أن يتعقبه، والغسل في الآية جواب الشرط. 338 - قلنا: هذا يقال في الشرط والجزاء، والعبادات المتعلقة بالشروط ليست جزاء عنها، ولأنها تقتضي أن يجب غسل الوجه عقيب القيام، وأحد لا يقول ذلك. 339 - قالوا الأمر عندكم على الفور. 340 - قلنا: فعلى هذا يجب أن تسقط الموالاة قبل دخول الوقت؛ لأنه لم يؤمر بالوضوء. 341 - ويدل عليه: قوله عليه السلام: ((لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه، فيغسل وجهه، ثم يديه))، وثم للتراخي، ولأنه تفريق للطهارة،

كاليسير. 342 - احتجوا: بما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ، وقال: ((هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به))، ولا يجوز أن يكون فرق؛ لأن الوضوء مقبول مع ترك التفريق بالاتفاق، فثبت أنه والى. 343 - والجواب: أنه قوله: ((هذا وضوء)) إشارة إلى الوضاءة، وهذا يفيد الغسل دون صفاته التي لا تسمى وضوءًا. 344 - قالوا: روي أن رجلا صلى وعلى رجله لمعة لم يصبها الماء، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أعد الوضوء والصلاة)). 345 - قلنا: أَمَرَهُ بإِعادة الوضوء؛ ليقع على الوجه المسنون. 346 - قالوا: عبادة يبطلها الحدث، فكانت الموالاة فيها شرطًا، كالصلاة. 347 - قلنا: لا نُسلِّم أن الموالاة شرط في الصلاة؛ لانه لو سبقه الحدث، أو نام خلف الإمام بنى مع تَرْك الموالاة، ولأن الصلاة لا ينفرد بعضها عن بعض، فجاز اعتبار الموالاة فيها، وأعضاء الطهارة تنفرد بعضها عن بعض، فصار كالعبادات. 348 - قالوا: عبادة على البدن، لها بدل من غير جنسها، وجبت عن معنى سابق، فكان من شرطها الموالاة، كصوم الظهار. 349 - قلنا: يبطل بقضاء رمضان؛ لأن له بدلًا من غير جنسه، وهو الفدية، ووجب عن معنى سابق، وهو الفطر، والمعنى في صوم الظهار أن بعضه لا ينفرد عن بعض، وهذا بخلاف. 350 - قالوا: عبادة لها أركان مختلفة تُراد للصلاة، فكانت الموالاة من

شرطها، كالأذان. 351 - قلنا: روي عن أبي حنيفة -فيمن أذن بالفارسية- جاز إن وقع الإعلام، فعلى هذا يجوز ترك الموالاة وإن وقع الإعلام، ثم المعنى في الأذان: المقصود منه الإعلام، وذلك لا يقع مع التفريق.

مسألة 20 الواو للجمع والاشتراك

مسألة 20 الواو للجمع والاشتراك 352 - قال أصحابنا: الواو للجمع والاشتراك. 353 - وقال الشافعي: للترتيب. 354 - لنا: قوله تعالى: {وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة}، وقال في موضع آخر: {وقولوا حطة وأدخلوا الباب سجدًا}؛ ولو كانت الواو للترتيب لم يصح تأخير ما قدمه. 355 - وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تقولوا ما شاء الله وشئت، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شئت))، ولو كانت الواو للترتيب لكانت في معنى (ثم)، فلم يكن للتفريق معنى. 356 - قالوا: إنما ذكر (ثم) للمهلة التي فيها. 357 - قلنا: الواو عندكم ترتب، وفيها احتمال المهلة أيضًا، ويدل عليه ما قاله سيبويه في كتابه: إن الواو لا توجب تقديم مقدم ولا تأخير مؤخر، وإنما هي

للاشتراك، وقال السيرافي في شرحه: أجمع نحاة البصرة والكوفة أن الواو لا ترتب شيئًا على شيء، والمرجع في هذا إلى نقلهم. 358 - ولا يقال: حكى عن الفراء وثعلب أنهما قالا: الواو إذا دخلت بين الشيئين المختلفين رتبت. 359 - قلنا: حكاية أبي سعيد يكذب هذا.

360 - قال المراعي: قرأت جميع كتب الفراء فلم أجد هذه الحكاية فيها، ولأن الواو دخلت بين الاسمين المختلفين بدلًا من حرف التثنية، فإذا كانت للتثنية لا تدل على التقديم كذلك الواو، ولأن هذه الحروف موضوعة لإفادة المعاني، فالفاء للتعقيب، و (ثم) للتراخي، فلو كانت الواو للترتيب لم يبق ما يفيد الجمع، وهذا خلاف موضع اللغة. 361 - قال السيرافي: الواو لا تصلح أن تكون جواب الشرط، فلو رتبت صلحت أن تكون جوابًا، كالفاء، ولا يلزم ثم أنها تُرَتِّب ولا تكون جوابًا؛ لأنها تقتضي التراخي، وجواب الشرط يتعقب، ولأن لفظ المقارنة يدخل مع الواو، تقول: رأيت زيدًا وعمرًا معًا. 362 - احتجوا: بما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلًا يقول: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، فقال: ((بئس الخطيب أنت، قل: من يعص الله ورسوله))، فدل أن الواو ليست للاشتراك. 363 - قلنا: لم يمنعه من اللفظ الأول للجمع، وإنما منعه للجمع في كناية واحدة، وهذا يقتضي التساوي، فلا يصح أن يسوى بين الله وبين غيره، ولهذا قال تعالى: {والله ورسوله أحق أن يرضوه} ولم يقل يرضوهما. 364 - قالوا: روي عن عمر أنه قال عن قول الشاعر: كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيًا ولو قَدَّمْتَ الإسلام لأجزتك.

365 - قلنا: هذا ليس للترتيب، ولكن الإنسان يقدم في اللفظ ما هو الأهم عنده، أن يكون اهتمامه بالإسلام أولا أقوى. 366 - قالوا: روي أن قومًا قالوا لابن عباس: كيف تأمرنا بالعمرة قبل الحج والله تعالى يقول: {وأتموا الحج والعمرة لله} فقال: كيف تقرأون {من بعد وصية يوصى بها أو دين}. 367 - قلنا: هذا لا دلالة فيه؛ لأن ابن عباس رد قولهم، وبين أن التقديم في اللفظ لا يرتب الفعل، واستشهد بالآية الأخرى، وقوله حجة، ولا نسلم أن القوم من أهل اللغة حتى يحتج بقولهم. 368 - قالوا: لو قال لامرأته قبل الدخول: أنت طالق وطالق، بانت بواحدة، فلو كانت الواو للجمع وقعا معًا. 369 - قلنا: الطلاق إذا تلفظ به إنما يقع على ما بعده، وإذا كان له ما بين فيه الشرط والاستثناء، وبعض التطليقات لا تؤثر في بعض، فلم تقف الأولى على التلفظ بالثانية، فسبقت بالوقوع، فلما تلفظ بالثانية وهي أجنبية فقد جمعها مع الأولى بعد البينونة، فلا يقع، ولأنا لا نقول الواو للمقاربة، وإنما يجمع الثاني في حكم الأول، والطلاق يقع في زمان، وزمان الأولى غير زمان الثانية، فتحصل الثانية مع البينونة فلا يقع، والأمر بغسل الأعضاء لا يحتاج إلى زمان مرتب، فاجتمع بعضه مع بعض في الحكم.

مسألة 21 حكم الترتيب في الوضوء

مسألة 21 حكم الترتيب في الوضوء 370 - قال أصحابنا: الترتيب في الوضوء ليس بواجب. 371 - خلافا للشافعي. 372 لقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم}، وقد بينا أن الواو للجمع، فكأنه قال: فاغسلوا هذه الأعضاء؛ فلا يفيد الترتيب. 373 - قالوا: الفاء للتعقيب إذا دخلت مدخل المجازاة، فوجب الابتداء بالوجه، وهذا ضد قولكم. 374 - قلنا: الآية ليس فيها مجازاة، وإنما هو أمر يتعلق بشرط، ولو ثبت ما قالوا لم يدل؛ لأن الواو جَمَعَت الأعضاء، فكأنه قال: فاغسلوا هذه الأعضاء، وهذا حكم الشرط والجزاء مثل: إن خِطْتَ هذا فلك درهم ودينار، وإن دخلت السوق فاشتر خبزًا ولحمًا، فلا يفيد ذلك التقديم. 375 - قالوا: العرب تُخْبِر عن جنس ثم تنتقل إلى غيره. تقول: ضربت زيدًا وعمرًا، وأعطيت بكرًا، ولا تقول: ضربت زيدًا، وأعطيت وضربت بكرًا، فلما أدخل الله تعالى المسح بين الغسلين دل على الترتيب.

376 - قلنا: الطهارة جنس واحد، وإن اختلفت صفاتها، فهو كالعطاء المختلف الصفات، فيجوز أن يُخْبَر ببعضه عقيب بعض، ولأن الفائدة في دخول المسح بين الغسلين استحباب الترتيب، أو ليعطف الرِجْل على الرأس لفظًا، وعلى الوجه حكمًا. 377 - ولا يقال: إذا ثبت أن دخولها للترتيب ثبت وجوبه؛ لأن الأمر على الوجوب. 378 - قلنا: لم يثبت أنه قال: الترتيب بالأمر، وإنما بيناه لطلبًا فائدة الكلام، والفائدة لا تختص بالوجوب. 379 - قالوا: العرب تخبر عن الأقرب فالأقرب، فلما ذكر الله تعالى اليدين عقيب الوجه، وأَخَر الرأس مع قُربه؛ دل على الترتيب. 380 - قلنا: يحتمل أن يكون أخره لفضيلة الترتيب على ما قدمناه، ويدل عليه حديث الرُّبَيِّع: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ وضوءه للصلاة فغسل يديه ثلاثا، وتمضمض ثلاثا، واستنشق ثلاثا، وغسل وجهه ثلاثا، ويديه إلى المرافقين ثلاثا، وغسل رجليه ثلاثا، ثم مسح برأسه، وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا بماء في إناء، فغسل كفيه ثلاثا، ثم غسل وجهه ثلاثا، ثم غسل دراعية ثاثا، ثم مسح برأسه، وهذا يفيد تقديم الكفين على الوجه، وذكر أبو داود حديث عمار في التيمم، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنما يكفيك أن تصنع هكذا)) فضرب بيده على الأرض فنفضها، ثم ضرب شماله على يمينه، ويمينه

على شماله على الكفين، ومسح وجهه، ولأنها طهارة، كغسل النجاسة والجنابة. 381 - قالوا: الجنابة فرض واحد، بدلالة جواز نقل الماء من عضو إلى عضو، فصارت كالعضو الواحد؛ فلا يعتبر فيه الترتيب. 382 - قلنا: هذا لم يمنع من استحباب الترتيب، ألا ترى أن الأفضل الابتداء بمواضع الوضوء، فكان لا يمنع من وجوبه أيضًا، وعلية الفرع تبطل بغسل اليدين إن نقل الماء من إحداهما إلى الأخرى، ولا يجب الترتيب. 383 - قالوا: إزالة النجاسة طريقها التروك فلا ترتب، والوضوء طريقه الأفعال فَتُرتَّب. 384 - قلنا: كل واحد منهما إيجاد فعل وترك المعنى المانع، فلا فرق بينهما، ولأن أعضاء الطهارة يصح إيقاعها دفعة إذا أمر جماعة فغسلوا أعضاءه معًا، وما صح وقوعه دفعة لم يترتب، كغسل الجنابة، ولأن كل عضو منها يصح أن ينفرد عن الآخر في الوجوب، كالعبادات، ولا يلزم جواز انفراد الطواف عن السعي، لأن كل واحد منهم لا نفرد عن الآخر. 385 - قالوا: العبادات لا يفْسد بعضها بفساد بعض، والوضوء يفسد بعضه بفساد بعض. 386 - قلنا: قد لا يفْسد بعضه بفساد بعض، ألا ترى أن نزع الخف يُبْطِل طهارة الرِجْل، ولا تبطل طهارة باقي الأعضاء؟ ولأنهما عضوان من أعضاء الوضوء فجاز ترك الترتيب فيهما، كاليدين.

387 - قالوا: المعنى في اليدين والرجلين أنهما في حكم العضو، بدلالة بطلان المسح في أحدهما بنزع الخف عن الآخر. 388 - قلنا: أصلنا اليدين، وهذا المعنى لا يوجد فيها ولا سيما لو كانا كالعضو جاز نقل الماء من أحداهما إلى الأخرى، ولا يجوز أن يقال: إنه لا يجوز النقل لأنه لا ينفصل عن العضو؛ لأنهما لو كانا كالعضو جاز النقل مع الانفصال كما يجوز غسل الجنابة في الرِّجْل بالماء الذي وقع على الرأس وإن لم يصب باقي البدن، ولأنه لو جمع ين يديه لم يجز نقل الماء من إحداهما إلى الأخرى وإن لم ينفصل، فأما بطلان المسح في أحد الرجلين فليس لما قالوا، لكن لأن الجمع بين الغسل والمسح لا يجوز فيهما، ولأن من شرط بقاء المسح تغطيتهما، كما أن من شرط الابتداء تغطيتهما. 389 - احتجوا: بما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن البداءة بالصفا والمروة، فقال: ((ابدأوا بما بدأ الله تعالى به))، وهذا عام. 390 - قلنا: سؤالهم يدل على بُطْلان قولكم في الترتيب؛ لأنهم فهموا الآية، فلو اقتضت الترتيب لم يسألوا. 391 - وقد روى الشافعي هذا الخبر فذكر فيه: ((نبدأ بما بدأ الله به))، فإن كان هذا أصل الخبر فلا دلالة فيه؛ لأنه إخبار عن فعله، وفعله لا يدل على الوجوب. وإن كان أصل الخبر ((ابدأوا)) صح تعلقهم به، فوجب التوقيف، ولا يجوز إثباتهما والقصة واحدة؛ لأنه إثبات خبر بالتجويز، ولأن قوله: ((ابدأوا بما بدأ الله به)) لا يمكن حمله على ظاهره من وجوب البداءة بالفعل بما بدئ به في التلاوة؛ ألا ترى أن الله تعالى قد بدأ بما يجب تأخيره في قوله {واسجدي واركعي} فيحتمل أن يكون

المراد به: ابدأوا فعلا بما بدأ الله به حكما، وهذا موضع الخلاف، على أنا إذا قلنا: الواو للجمع، لم نُسَلِّم البداءة في الآية بشيء من الأعضاء. 392 - قالوا: روى خلاد بن السائب عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه، فيغسل وجهه، ثم يغسل يديه ثم يمسح برأسه، ثم يغسل رجليه)) و (ثم) للترتيب. 393 - والجواب: أن (ثم) تقتضي وجوب التراخي مع الترتيب، وذلك غير مراد، فعلم أن حقيقتها متروكة، فصارت بمعنى الواو، كقوله: {ولقد خلقناكم ثم صورناكم}. 394 - ولا يقال: إنها تقتضي الترتيب والتراخي، فإذا سقط أحدهما بدلالة بقي الآخر، كلفظ العموم إذا خص؛ لأن العرب لم تستعمل (ثم) في أحد الأمرين دون الآخر، فلم يجز إثبات ما لا يعرفونه، وقد استعملوا لفظ العموم في الخصوص، فلذلك حمل عليه بدليل. 395 - قالوا: قد أفاد الخبر المهملة، وقو غسل ما بين العضوين. 396 - قلنا: لو وجب الفور بالخبر لم يتصور الغسل إلا على هذا الوجه، ولا بد من مقارنة الفور للمهلة. 397 - قالوا: توضأ النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: ((هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به)) (¬1)، ولا يجوز أن يكون ترك الترتيب؛ لأن ذلك غير منقول، فعلم أنه رَتَّبَ.

398 - قلنا: قوله (هذا) إشارة إلى ما يتناوله اسم الوضوء، والترتيب لا يُسَمَّى وضوءًا، فلم يقع الإشارة إليه وإن اتفق مع الوضوء ككونه في مكان مخصوص، كالصلاة. 399 - قلنا: لا نسلم أن الحدث يبطل الصلاة على الإطلاق؛ لأنها تصح مع الحدث إذا كان بغير فعله، ثم المعنى في الصلاة أن كل ركن منها لا يصح أن ينفرد عن الآخر، ولما جاز أن ينفرد كل عضو عن الآخر لم يعْتَبَر الموالاة فيه والترتيب، ولأن الصلاة لما اعتبر فيها الموالاة جاز اعتبار الترتيب، ولما لم تعتبر الموالاة في الوضوء لم يُعْتَبَر الترتيب. 400 - قالوا: عبادة ترد إلى شرطها، كالصلاة. 401 - قلنا: لا نسلم وجوب الترتيب في الصلاة؛ لأن المدرك لو بدأ بقضاء الفائت جاز وإن ترك الترتيب، ثم المعنى في الصلاة أنه لما لم يجز جمع مسنوناتها بعد الفراغ من فرائضها جاز أن تترتب فرائضها، ولما جاز جميع مسنونات الوضوء بعد الفراغ من فرائضه لم تترتب فرائضه. 402 - قالوا: عبادة ذات أركان تتقدم الصلاة، كالأذان. 403 - قلنا: الوضوء ليس بذي أركان، وإنما هو فعل واحد تختلف صفاته، وكذلك للأذان أذكار مجتمعة، فلا يقال إنها أركان، ولأن من ترك الترتيب في الأذان جاز إن وقع الإعلام، وإن لم يقع فلأن المقصود من الأذان لم يحصل، والمقصود بالوضوء يحصل مع عدم الترتيب. 404 - قالوا: عبادة تجمع أفعالًا نفلًا وفرضًا، كالحج. 405 - قلنا: لا نُسَلِّم وجب الترتيب في الحج، وإنما لا يوجد وقت الركن إلا بعد تقدم ما قبله، ولهذا لو وقف بعرفة لم يجز أن يطوف في بقية الليل؛ لعدم الوقت، ثم المعنى في الحج أن الترتيب يقع في سننه، فجاز في فرائضه، ولما لم يقع الترتيب في

سنن الوضوء لم يقع في فرائضه، ولأن الترتيب في الحج يتصور في الطواف والسعي، والمعنى فيه أن السعي لا ينفرد عن الطواف فترتب عليه، وبعض الأعضاء ينفرد عن بعض؛ فلم يترتب. 406 - قالوا: مسح بالماء، فكان من شرطه تقدم الغسل، كمسح الخفين. 407 - قلنا: يبطل بالجبيرة على الوجه، وبمقطوع اليدين من فوق المرافق، إذا كان بوجهه عذر أنه يبتدئ بمسح الرأس، ثم يعكس فنقول: فجاز أن يقع به الفراغ من الوضوء مع سلامة الأعضاء، كالمسح على الخف.

مسألة 22 حمل الجنب للمصحف

مسألة 22 حمل الجنب للمصحف 408 - قال أصحابنا: يجوز للجنب حمل المصحف بغلافه. 409 - خلافًا للشافعي. 410 - لنا: أن الغلاف ليس من المصحف؛ بدلالة أنه لا يدخل في بيعه إلا بتسميته، فصار كالجوالق إذا كان فيه مصحف، ولأنه يحول بينه وبين ما ليس منه، فصار كالدراهم التي عليها القرءان في صرة، ولا يقال: إن حامل المتاع والصرة لا يقصد حمل المصحف، وذلك لأنه إذا علم فقد قصد حمله وحمل غيره، فهو كما لو قصده في نفسه. 411 - قالوا: إنه قاصد لحمل القرءات مع الجنابة؛ فصار كأخذه بالدفتين. 412 - قلنا: وهذا ليس بصحيح، لأن الدفة من المصحف، ولهذا تدخل في بيعه من غير تسميته، فصار كأوراقه، ولأن القصد إلى حمله لا يكون بأكثر من تقليبه بقضيب، فإذا جاز أحدهما بالحائل المنفصل جاز الآخر.

مسألة 23 حكم استقبال القبلة واستدبارها في البيوت عند قضاء الحاجة

مسألة 23 حكم استقبال القبلة واستدبارها في البيوت عند قضاء الحاجة 413 - قال أصحابنا: لا يجوز استقبال القبلة عند الحاجة في البيوت والصحاري، وفي استدبارها روايتان. 414 - وقال الشافعي: يجوز في الأبنية. 415 - لنا: ما رواه الزهري عن عطاء بن يزيد عن أبي أيوب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا أتيتم الغائط فعظموا قبلة الله، فلا تستقبلوها، ولا تستدبروها، ولكن

شرقوا، أو غربوا))، قال أبو أيوب: لما قدمنا الشام وجدنا مراحيضهم قد بنيت نحو الكعبة، فنحن ننحرف عنها، ونستغفر الله عز وجل، فالخبر عام، وقد فهم الراوي منه البنيان وغيره. 416 - وروى سلمان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، وذكر أبو داود حديث معقل بن أبي معقل الأسدي قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يستقبلوا القبلة ببول أو غائط. 417 - قالوا: هذه الأخبار ذكر فيها الغائط، وهو الموضع المطمئن من الأرض، وذلك لا يكون في الصحاري. 418 - قلنا: الغائط قد صار في العرف اسما للحاجة.

419 - قالوا: الأخبار خرجت على المعتاد، ولم يكن بني بالمدينة أخلية. 420 - قلنا: هذا تخصيص للعموم بالسبب، والمعتبر عموم اللفظ دون خصوص السبب، ولأنه حكم يتعلق بالقبلة، فلا يختلف بالصحاري والبيوت، كالاستقبال في الصلاة، ولأنه تعظيم لحق الله تعالى فلا يختلف بالبنيان وغيره، كتعظيم المساجد، ولأن حكما مُنع المصلي من استعماله في الشرع أبيح مع الحائل بالبعد، كالحائل، أصله: الصلاة إلى القبر، فلما لم يجز الاستقبال مع البعد؛ كذلك الحائل، ولأن كل محل نزه عن الخلاء إذا كان غير مبني نزه مع البناء، كالمسجد. ولا يقال: إن الأبنية تحول بين الإنسان وبين المصلي، والفضاء ليس فيه حائل فيستقبل المصلي عورته؛ وذلك لأن البناء والبعد في المنع سواء، فلو منع الحائل منع البعد. ولا يقال الأبنية تضيق فيشق اعتبار الانحراف فيها والصحاري لا تضيق؛ لأن صحون الدور وسطوحها لا تضيق عن الانحراف وإن جوز الاستقبال، ولأن عادة الناس في سائر بلادهم أن يحرفوا البناء، ولو شق لم يتكلفوه، ولأن الضيق إنما يؤثر في البناء، ويجوز أن يبنى نحو القبلة وينحرف الجالس عليه. 421 - احتجوا بما رواه خالد بن أبي الصلت عن عراك عن عائشة رضي الله عنها قالت: ذكر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن قومًا يكرهون استقبال القبلة بوجوههم

فقال: ((أو قد فعلوها، استقبلوا بمقعدتي القبلة)). 422 - والجواب: أن البخاري ذكر في تاريخه أن هذا الخبر مرسل، وأن الثقات أوقفوه على عائشة. 423 - وقولهم: إن عراك سمع ممن هو في طبقة عائشة لا يمنع إرساله؛ لأن البخاري لم يذكر جهة الإرسال؛ فيجوز أن يكون خالد لم يسمع من عراك، ويجوز أن يكون عراك سمع من في طبقة عائشة دونها؛ ولأن الخبر لا دلالة فيه؛ لأنها لم تقل في ماذا تكلموا، فيجوز أن يكونوا اعتقدوا تحريم البناء نحو القبلة فأنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك؛ لأن التحريم في الجلوس، ولهذا أمر بتحويل مقعدته ولم يتحول بنفسه. 424 - احتجوا: بما روى عن ابن عمر أنه قال: لقد رقيت على سطح مرة، فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - جالسًا على لبنتين مستقبل الكعبة.

425 - وفي بعض الأخبار: مستقبل بيت المقدس. وروى جابر قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن استقبال القبلة للبول، ثم رأيته قبل أن يقبض بعام يستقبل. 426 - والجواب: أن خبر ابن عمر روي في الاستدبار، وهو جائز في إحدى الروايتين، ولأن حكاية فعل فيحتمل أن يكون لعذر، فلا يمكن التعلق بعمومه، ثم

النهي عن استقبال القبلة استفاض في الصحابة، وهذه الأخبار إما أن تنسخ وإما أن تخصص، فكان يجب أن يبينها - صلى الله عليه وسلم - بيانًا ظاهرًا، فأما أن يقع البيان بفعله في حال لا يجوز الاطلاع عليه فلا، ولو ثبت جواز الاستقبال بهذه الأخبار لثبت بكل حال، ألا ترى أنه - صلى الله عليه وسلم - إذا فعل فعلًا لم يختص جوابه بالبقعة التي فعله فيها، ولا معنى لقولهم كيف يظن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - أن يفعل باطنًا ما لا يجوز؛ لأنا لا نظن ذلك، وإنما حملنا فعله على حالة العذر، ومنعنا تبين الشرع في حالة لا يجوز أن يشاهد عليها. 427 - وقولهم: إن الصحابة رجعوا إلى عائشة في التقاء الختانين بقولها: فعلته أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاغتسلنا، لا يصح؛ لأنهم رجعوا أن روايتها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا التقى الختانان وجب الغسل)) ثم ذكرت الفعل بعد ذلك، ولأنهم رجعوا إليها في هذا الفعل الذي يجوز لها أن تطلع عليه، ولأن الأخبار لما تعارضت كانت أخبارنا أشهر، وأكثر رواة، وأصح طرقًا، وتوجب الحظر، وهو قول متقدم على الفعل. 428 - ومن أصحابنا من حمل رواية استقبال القبلة على استقبال بيت المقدس، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه نهى عن استقبال القبلتين، فلما نسخت القبلة الأولى جاز استقبالها. 429 - قالوا: الصحراء لا تخلو من مصلى أو ملك، فيستقبله بفرجه،

والبنيان يحول بين الجالس وبين المصلي. 430 - وهذا ليس بصحيح؛ لأنه يقتضي أن يكون المنع لعين حرمة القبلة، وقد فهم المسلمون من التحريم أنه تكرمة القبلة دون المصلين، ولأن الحائل لو أزال المعنى الذي ذكروه زال بالبعد، كما قلنا في الصلاة إلى القبر. 431 - قالوا: الأبنية تضيق والفضاء يتسع، ففرق بينهما للمشقة، كما فرق بين الصلاة على الراحلة في الحضر والسفر. 432 - قلنا: لو كان هذا يشق لم يتفق فعل الناس على احتمال المشقة، ولأن الصلاة لا تختلف بالبنيان والفضاء، وإنما تختلف بالمصر وخارج المصر، وعلى أن الصلاة عكس مسألتنا، ألا ترى أنها حُظرت في المصر وأبيحت خارج المصر؟ فلم يجز أن يُعْتَبَرَ بها مع المخالفة.

مسألة 24 حكم الاستنجاء

مسألة 24 حكم الاستنجاء 433 - قال أصحابنا: الاستنجاء ليس بواجب. 434 - خلافا للشافعي. 435 - لقوله تعالى: {أو جاء أحد منكم من الغائط} إلى قوله: {فلم تجدوا ماء فتيمموا} ولم يذكر الاستجمار، ولو كان واجبا لذكره، ولا يقال: القصد من الآية بيان طهارة الحدث؛ لأن المقصد منها ما يستبيح به فعل الصلاة. 436 - ويدل عليه حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من استجمر فليوتر، من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج)) وأدنى الوتر واحدة، وقد أزال الحرج في تركها؛ فدل على أنها لا تجب. 437 - قالوا: قوله ((من استجمر فليوتر)) أمر متعلق بشرط، وقوله: ((ومن لا فلا حرج)) استثناء، فرجع إلى الأمر دون الشرط كقولهم: من أكل فعليه الجزاء إلا الناسي.

438 - قلنا: ليس في الخبر استثناء، وإنما هو خبر آخر، الظاهر رجوعه إلى ما تقدم، ألا ترى أن قوله: ((من فعل فقد أحسن)) لا يرجع إلى الإيتار؛ وإنما يرجع إلى الاستجمار؛ لأن الأمر بالوتر قد أفاد الحسن؟ فالظاهر أنه يكون ما أفاده بالأول، وإذا انصرف الحسن إلى الاستجمار رجع النفي إليه. 439 - ولا يقال: إن الاستجمار فعل، والإيتار صفة فيه، والفاعل الاستجمار إنما يؤمر بالصفة بعد وقوع الفعل، فكأنه قال: من استجمر شفعًا فليجعلها وترًا. 440 - قلنا: تقدير الخبر كأنه قال: من أراد الاستجمار فليوتر، وهذا لا يقتضي تقدم الفعل، ألا ترى أن الأمر بالوتر لا يختص بمن فعل الشفع بل هو عام؟ فالظاهر تعلق الأمر بالجميع. 441 - قالوا: جعل الوتر أفضل من الشفع، وأقل ذلك الوتر بالثلاث، وإلا فالواحدة لا تكون أفضل من الثنتين. 442 - قلنا: بل إذن إيقاعهن أفضل مما زاد عليها شفعًا، ولأنها نجاسة على البدن لا تجب إزالتها بالمائع مع القدرة، فلا يجب تخفيفها كما يبقى بعد الحجر والقدر اليسير مع الدم. 443 - وقولهم: إزالته واجب، وله أن يسقط الوجب بالحجر ليس بصحيح؛ لأنا نريد بقولنا: لا يجب، بمعنى: لا يتعين الوجوب، ولا يلزم المني؛ لأنه إذا كان على البدن لا يجزي فيه إلا الغسل، ولا يقال: اعتبار الأثر بالأصل لا يصح، كأثر المني بعد الفرك، وذلك أن من أصحابنا من قال: إن فرك المني من الثوب ومسح الخف يطهرهما، كالغسل، فعلى هذا ليس هناك أثر نجس عفي عنه. 444 - ومنهم من قال: إن النجاسة بقي منها أجزاء يسيرة لو جمعت كانت قدر الدرهم، فلذلك اقتصر على المسح، ولو تصور أن ما يبقي بعد الفرك لو جمع زاد على مقدار الدرهم لم يجز الاقتصار عليه. 445 - وقولهم: المعنى في قليل الدم وأثر الاستنجاء أن يشق إزالته وموضع

الاستنجاء لا يشق استعمال الحجر فيه ليس بصحيح؛ لأن الغالب في الناس اختيار إزالة الأثر بالماء، وإزالة قليل النجاسة لو شق لم يتفق عليه الأكثر، ولأن موضع الاستنجاء إذا شق إزالة أثره وجب أن يؤثر في إسقاط فرضه، وإن لم يشق كمشقة السفر المبيحة للفطر، أن الفطر يباح مع عدمها لأجل السفر، ولأن الاستجمار ليس بطهارة نجاسة ولا حدث، فكان مسنونًا في النذر، كغسل الجمعة. 446 - احتجوا: بقوله تعالى: {والرجز فاهجر} يعني: النجاسة. 447 - والجواب: أنه قد قيل: إن معناه الأوثان، ولو سلم ما قالوه لم يصح التعلق بالآية في الاستجمار؛ لأنه ليس بهجر للنجاسة، وإنما هي باقية بحالها. 448 - احتجوا: بحديث أبي أيوب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((وليستنج بثلاث أحجار)). 449 - والجواب: أن هذا خبر واحد، فلا يثبت ما تعم به البلوى على أصولنا، ولأنه يقتضي تعيين الأحجار بالوجوب إذا نابت فيه الحروف، لأن ذلك ينقص الصلاة عندنا دون الوضوء، ولا يجوز حمل أخبارنا على الاستحباب؛ لأن ذلك ليس بقول لأحد، وإذا سقط ظاهره لم يتعلق به إلا فيما تقدم عليه الدلالة. 450 - قالوا: نجاسة لا تلحق المشقة في إزالتها غالبًا، فأشبه ما زاد على قدر الدرهم.

451 - قلنا: لا يخلو إما أن يقولوا: نوجب إزالتها، فلا يصح في الفرع، أو يقولوا: نوجب تخفيفها، فلا يوجد في الأصل، ولأن ما زاد على قدر الدرهم من النجاسة لما وجب إزالته من البدن وجب بالمائع مع القدرة، فلما لم يجب في مسألتنا سقط وجوبه. 452 - قالوا: كل ما منع الصلاة إذا كان أكثر من قدر الدرهم، فإنه يمنع وإن كان أقل، أصله: ما يبقى في أعضاء الطهارة. 453 - قلنا: موضع الاستنجاء يعفى عنه عندنا وإن زاد على قدر الدرهم؛ لأن التقدير عندنا إنما هو بموضع الاستنجاء، فلم نسلم الوصف. 454 - وإن قالوا: كل ما منع الصلاة إذا كان في غير موضع الاستنجاء منع فيه بطل بالأثر.

مسألة 25 المعتبر في الاستنجاء الإنقاء دون العدد

مسألة 25 المعتبر في الاستنجاء الإنقاء دون العدد 455 - قال أصحابنا: المعتبر في الاستنجاء الإنقاء دون العدد. 456 - وقال الشافعي رحمه الله: المعتبر الأقصى من الإنقاء والثلاث. 457 - لنا: قوله عليه السلام: ((من استجمر فليوتر)) وأدنى ما يسمى وترا واحد، فجاز الاقتصار عليه، ولأن ما لا يُحتاج إليه في الإنقاء لا يثبت في الاستنجاء، كالرابعة، ولا يقال: إنه يجوز أن يثبت المسح للإنقاء ولغيره، كما تثبت العدة للاستبراء ولغيره؛ لأن العدة تثبت ابتداء للاستبراء؛ فجاز أن يثبت بعضها كذلك، والاستجمار لا يثبت ابتداء لغير الإنقاء، وكذلك لا يثبت بعضه، ولأن ما يقع به الاستنجاء لا يعتبر فيه العدد، كماء، ولا يقال إن الماء يزيل النجاسة، فلا يعتبر عدده، والحجر لا يزيلها، فجاز اعتبار عدده؛ لأن علة الأصل تبطل بالوقوف على أصلهم، وعلة الفرع لا تصح؛ لأن الخلاف فيما يقع به تخفيف لا إزالة، وهذا لا فائدة فيه، وإن كانت النجاسة لم تزل. 458 - احتجوا: بحديث أبي أيوب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((وليستنج بثلاثة أحجار))

وحديث سلمان: نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نجتزئ بأقل من ثلاثة أحجار. 459 - والجواب: أن الاستنجاء عبارة عما أزال النجو، وهذا لا يوجد فيما لا يقع به الإنقاء، فلم نسلم تناول الاسم له، ووجب حمل الخبر على من لم ينقه ما دون الثلاث، ولأنه عليه السلام اقتصر للموضعين على ثلاث، وهذا يدل على خلاف قولهم. 460 - ولا يقال: إذا ثبت اعتبار الثلاث ثبت اعتبارها لكل سبيل؛ لأنا نقول: إذا ثبت بالخبر جواز الاقتصار على ثلاث للموضعين؛ ثبت أن العدد لا يعتبر. 461 - فإن قيل: ما معنى نهيه عليه السلام عن الاقتصار على ما دون الثلاث. 462 - قلنا: لأن ما دونها إذا وقع للسبيلين لم ينق في الغالب، فكان استعماله عبثًا، ولأن الخبر متروك الظاهر بالاتفاق؛ لأن العدد عندهم لا يجب في الحجر، وإنما يجب في المسحات، وإذا ترك الظاهر لم يصح التعلق به. 463 - قالوا: طهارة ورد الشرع فيها بعدد من جنس فوجب أن يكون العدد فيه شرطًا، كالولوغ. 464 - قلنا: لا نسلم في الأصل أن الشرع ورد بعدد من جنس، بل من جنسين: التراب والماء، وإذا سقط هذا الوصف انتقضت العلة بغسل دم الحيض؛ لأن الشرع ورد فيه بالحَتّ، والقَرص والغسل ليس بواجب، ثم لا نسلم وجوب العدد في الولوغ، ولا معنى لاعتبار الاستنجاء برمي الجمار؛ لأن العدد لما اعتبر هناك لم يجز بحجر واحد، ولما جاز في مسألتنا بحجر ذي جوانب دل على أن العدد ليس معتبرا.

مسألة 26 يكره الاستنجاء بالعظم والروث ويقع بهما الإنقاء

مسألة 26 يكره الاستنجاء بالعظم والروث ويقع بهما الإنقاء 465 - قال أصحابنا: يكره الاستنجاء بالعظم والروث، ويقع بهما الإنقاء. 466 - وقال الشافعي: عليه أن يعيد. 467 - لنا: قوله عليه السلام: ((من استجمر فليوتر)) وهذا عام في الحجر النجس والطاهر؛ ولأن الإنقاء يقع بالعظم؛ فصار كالحجر، ولأن النهي عنه يلحق العبث فصار كالماء المغصوب. 468 - احتجوا: بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن الاستنجاء بالعظم والروث وروي أنه قال: ((من استنجى بالعظم والروث فقد برئ من محمد)).

469 - والجواب: أن هذا يقتضي النهي، وكذلك نقول: فأما الإنقاء فلا يمتنع حصوله مع النهي، كالماء المغصوب، ولأنه بين أن النهي لحق الجن، فلا يكون أعظم من النهي لحق الإنس. 470 - قالوا: إزالة نجاسة، فلا يجوز بالنجاسة، كالغسل بالماء النجس. 471 - قلنا: الغسل بالماء النجس يزيل النجاسة ويخلفها غيرها، وفي مسألتنا: تخفيف النجاسة والعين يابسة، فلا يخلفها غيرها. 472 - قالوا: العظم صقيل وعليه دسومة في الغالب؛ فلا ينقي النجاسة. 473 - قلنا: الخلاف في العظم الذي ينقي، فأما ما لا يحصل ذلك به فهو كالحجر الذي لا ينقي.

مسألة 27 حكم طهارة من نام في الصلاة

مسألة 27 حكم طهارة من نام في الصلاة 474 - قال أصحابنا: إذا نام راكعًا أو ساجدًا أو قائمًا فلا وضوء عليه. 475 - وقال الشافعي: عليه الوضوء. 476 - لنا: ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة عن عبد السلام بن حرب، عن يزيد بن أبي خالد الدالاني عن قتادة عن أبي العالية، عن ابن عباس

عنهما قال: نام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاته حتى غط، ثم مضى فيها، ثم قال: ((إذا نام الرجل راكعًا أو ساجدًا فلا وضوء عليه حتى يضطجع، فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله)). واللفظ لأبي عروبة: الحسين بن محمد بن مودود. 477 - قالوا: أبو العالية ضعيف، لأن ابن سيرين قال: حدث عمن شئت إلا عن الحسن وأبي العالية، فإنهما كانا لا يباليان عمن أخذا. 478 - قلنا: قال الدارقطني: أجمع أصحاب الحديث أن أبا العالية ثقة، وكونه لا يبالي عمن أخذ، يؤثر في مراسيله، فأما إذا روى عن ابن عباس، فقد زال الإبهام.

479 - قالوا: قتادة مدلس. 480 - قلنا: التدليس لا يقدح في الرواية؛ لأنه إرسال، وذلك لا يمنع من الخبر وقد ذكره سفيان بن عيينة، والثوري وكبار أصحاب الحديث. 481 - قالوا: قال شعبة: لم يسمع قتادة من أبي العالية إلا ثلاثة أحاديث ليس هذا منها. 482 - قلنا: قد ذكر علي بن المديني أنه لم يسمع إلا أربعة، فإذا خفي على شعبة ما عرفه ابن المديني، جاز أن يخفى عليهما الخامس، ألا ترى: أنهما لم يرويا العدد عن قتادة، وإنما أخبرا بذلك عن سماعهما، ويجوز أن يسمع غيرهما ما لم يسمعاه.

483 - قالوا: طعن أبو داود على هذا الحديث. 484 - قلنا: ذكره ابن أبي شيبة وابن شجاع ولم يطعنا عليه، وذكره أحمد ولم يطعن عليه أكثر من حرف واحد، وقالوا: إنه غير محفوظ، فأما أبو داود فلم يعترض على الراوي، وإنما قال: قوله: ((فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله)) زاده هناد وعثمان بن أبي شيبة، ولم يقله يحيى بن معين، قال: وقوله: ((الوضوء على من نام مضطجعًا)) منكر لم يروه إلا يزيد الدالاني، وروي أوله جماعة. فجعل انفراد الواحد به [من بين] مشاهير أصحاب قتادة طعنًا، وهذا لا يقدح في الخبر عند الفقهاء؛ لجواز أن ينفرد الواحد بما لم يسمعه غيره. 485 - قالوا: التعليل يناقض الخبر؛ لأنه قال: ((لا وضوء على من نام قائمًا))، ثم قال: ((فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله))، والاسترخاء موجود في

القائم، فاقتضت العلة إيجاب الوضوء عليه. 486 - قلنا: لا يجوز حمل كلامه عليه الصلاة والسلام على المناقضة مع إمكان حمله على الصحة، فكأنه قال: إذا اضطجع استرخت مفاصله غاية الاسترخاء، والقائم -وإن استرخت مفاصله- لم تبلغ الغاية؛ لأنه لو بلغها سقط، ولأنه نام في حال من أحوال الصلاة من غير عذر، كالقاعد، ويريد بالقاعد المتورك حتى يسلموه، وهذه حالة مسنونة عندنا في المرأة إذا قعدت، والمتنفل. 487 - قالوا: المعنى في الأصل أنه متمكن من الأرض؛ فلا يخرج منه الحدث، والقائم بخلافه. 488 - قلنا: علة الأصل تبطل بمن اضطجع على السبيل ما يمنع خروج الخارج، إن الوضوء واجب مع عدم الإمكان، وعلة الفرع لا تصح؛ لأنه وإن كان غير متمكن من الأرض فهو غير متناهي الغفلة؛ ولهذا يتماسك قائمًا، فلو كان منه شيء لأحس به. 489 - قالوا: المعنى في القاعد أنه ينتظر الصلاة، فإذا طال انتظاره لم يحترز من النوم غالبًا، فخفف عنه الوضوء، وهذا لا يوجد في غيره. 490 - قلنا: والغالب فيمن يكثر الصلاة ليلًا أن النوم يغلب عليه فيها، فيجب أن يخفف عنه الوضوء، كما خفف عن المنتظر، ولأن كل ما لا يكون حدثًا في حق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يكون حدثًا في حق غيره، كالنعاس والكلام، فإن سلموا الوصف، وإلا دللنا عليه بحديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نام في سجوده حتى غط ونفخ، ثم قام فصلى. 491 - احتجوا: بقوله تعالى: {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا} قال

المفسرون: إذا قمتم من النوم. 492 - والجواب: أنه قيل في التفسير: إذا قمتم مُحْدِثينَ، فتعارضا، ولو ثبت ما قالوه كان إطلاق القيام من النوم يقتضي نوم المضطجع، ألا ترى أنه لا يقال لمن نام قائمًا: هذا قام من نومه؟ 493 - واحتجوا: بحديث صفوان رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام، إلا من جنابة، لكن من غائط أو بول أو نوم. 494 - والجواب: أن إطلاق النوم لا يتناول ما اختلفنا فيه، ومن حكم اللفظ أن يحمل على إطلاقه. 495 - قالوا: روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((العينان وكاء السه، فمن نام فليتوضأ)). 496 - والجواب: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أن المعنى الموجب للوضوء ما لا

يخلو منه النائم، فوجب اعتبار الحالة التي يغلب فيها هذا المعنى، وقوله: ((فمن نام فليتوضأ)) يقتضي ما يطلق اسم النوم عليه. 497 - قالوا: نام زائلًا غير مستو جلوسه، كالمضطجع. 498 - قلنا: النبي - صلى الله عليه وسلم - علل للمضطجع بعلة، وهي استرخاء المفاصل، وهو أعلم بأوصاف الأصل؛ فلم يجب تعليله بغير علته، لا سيما إذا خالفها. 499 - قالوا: فَعِلَّتنا توافق تعليله، لأن زواله عن مستوى جلوسه يكون مع الاسترخاء، وتمكنه يكون مع عدمه. 500 - قلنا: النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل العلة الاسترخاء، فمن اعتبر زواله عن مستوى جلوسه فقد جعل الاسترخاء سببا، ومن جعل علته سببًا للحكم فقد خالفها، ولأن المعنى في المضطجع أنه يوجد منه غاية الاسترخاء، وهذا المعنى لا يوجد في القائم. 501 - قالوا: النوم ليس بحدث، وإنما الحدث ما لا يخلو منه النائم، ومعلوم أن تماسك المضطجع أشد من تماسك الراكع؛ لاجتماع موضع الحدث في حال الأضطجاع، وأنفراجه في حال الركوع. 502 - قلنا: لم يسقط الوضوء لعذر خروج الحدث في الركوع، وإنما أسقطناه لبقية التماسك والإحساس، ألا ترى أن التماسك لو زال لسقط؟ وهذا لا تعلق له بإمكان خروج الحدث. 503 - قالوا: نقض الوضوء عند الاضطجاع نقضه عند القيام، كسائر الأحداث. 504 - قلنا: نقابله بمثله، فنقول: ما لم ينقض الوضوء في حال القعود لم ينقضه في حال القيام، كالنعاس، ثم إنا نقول بموجب علتهم؛ لأن ما أوجب الوضوء حال الاضطجاع ليس هو النوم، وإنما هو خروج خارج منه، وهذا إذا وجد حال القيام

يقتضي الوضوء، وترجح ما ذكرناه بأن خبرنا نص في موضع الخلاف وتفصيل الأحوال الموجبة للوضوء والمسقطة، وخبرهم عموم اتفق على تخصيصه في القاعد وغيره، ولأن في خبرنا الحكم والتعليل، وفي خبرهم الحكم بمجرده، ولأن خبرنا قضاء على عموم خبرهم في القعود، فيقضي عليه في بقية الأحوال، وما ذكرناه من القياس يشهد له العلة المنصوصة عليها، فهو أولى من العلة المستخرجة.

مسألة 28 لمس الرجل للمرأة

مسألة 28 لمس الرجل للمرأة 505 - قال أصحابنا: لمس الرجل للمرأة لا يجب فيه الوضوء. 506 - خلافًا للشافعي. 507 - لما رواه الثوري عن أبي روق عن إبراهيم التيمي عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قبلها ولم يتوضأ. 508 - وقولهم: إبراهيم التيمي لم يلق عائشة -لا يؤثر؛ لأن المرسل والمتصل

عندنا سواء، وقد روي في بعض الأخبار: إبراهيم التيمي عن أبيه عن عائشة. وهذا الخبر رواه يحيى بن سعيد القطان، ومراسيله أصح من مسانيد غيره؛ لتشدده في الرواية. وقد طرق هذا الخبر من وجوه كثيرة، وإنما تقدم الطعن في خبر روي من طريق واحد، وروى عبد الملك بن محمد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل وهو صائم، وقال: ((إن القبلة لا تنقض الوضوء ولا تفطر الصائم، يا حميراء إن في ديننا لسعة)). 509 - ولا يقال إنه قبلها من وراء حائل؛ لأن إطلاق القبلة يقتضي ما وقع من غير حائل، ولأن الخبر الثاني عام فيعتبر عمومه، ولأنه مس لو حصل بين الرجلين لم يوجب الوضوء، فكذلك بين الرجل والمرأة، كمس الشعر والمس من وراء الحائل،

وعكسه الوطء، ولأنه لمس لو وقع مع الحائل لم يوجب الوضوء، فكذلك مع عدمه، كمس الرجل للرجل. 510 - ولا يقال: إن المباشرة الفاحشة توجب الوضوء من الرجل والمرأة ولا توجب بين الرجلين، لأنا لا نعرف الرواية في هذا، فيجوز أن يسوى بينهما. 511 - ولا يقال: الرجل ليس بمحل للشهوة، والمرأة تشتهى؛ لأن الشهوة غير معتبرة عند مخالفنا في إيجاب الوضوء، فلا معنى للفرق بها، ولأن كل لمس لا يوجب الغسل لا يوجب الوضوء، كلمس المرأة المرأة، ولا يلزم المباشرة الفاحشة؛ لأن الوضوء لا يجب بالمس، وإنما يجب بخروج البلة الغالبة، ولأن كل مس لا ينقض طهارة الملموس لا ينقض طهارة اللامس، كالمس من وراء الثوب؛ فإن سلموا الوصف، وإلا دللنا عليه بما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: فقدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة، فطلبته في البيت، فوقعت يدي على أخمص قدمه وهو ساجد يقول: ((أعوذ برضاك من سخطك)) ومضى على صلاته. 512 - احتجوا بقوله تعالى: {أو لمستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا} قال: وحقيقة اللمس ما وقع باليد، ولهذا نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الملامسة قال

الشاعر: وأَلْمَسْتُ كَفِّي كَفَّه أَطْلُبُ الغِنَى ... ولَم أَدرِ أَنّ الجُودَ مِنْ كَفَه يَعدِي 513 - والجواب: أن الآية قرئت بقراءتين: {أو لامستم}، وهذه حقيقة في الجماع؛ لأنه مفاعلة، والجماع هو الذي يختص بفعل الاثنين، والقراءة الأخرى تحتمل اللمس باليد، وتحتمل اللمس بالجماع. 514 - قال ابن عباس: إن الله تعالى كنى باللمس عن الجماع، والقراءتان ليستا كالآيتين، فوجب حمل ما يحتمل منهما على ما لا يحتمل، ولأنه لا يجوز حمل الآية عليهما؛ لأنه خلاف الإجماع. ألا ترى: أن عليا، وابن عباس رضي الله عنهم حملاهما على الجماع، وعمر وعمار حملاهما على المس باليد خلاف إجماعهم. 515 - ولا يقال: إن عمر حملها عليهما، وقال: قَبَّل الرجل امرأته ومسها بيده من الملامسة؛ لأن (مِنُ) قد تكون للتبيين، وقد ثبت أنها للتبعيض، كان

هاهنا مس غير النوعين، وهو المعانقة، والمس سائر البدن، ولأن الآية صريحة في المس باليد كناية عن الجماع، واللفظ الواحد عندنا ما لا يحتمل الصريح والكناية، فلم يبق إلا حملها على أحدهما، فكان حملها على الجماع أولى؛ موافقة للقراءة الأخرى، ولأن ابن عباس قال: إن الله تعالى يكني بالحسن عن القبيح، وإنه كنى بالمس عن الجماع، والإخبار عما أراد الله تعالى لا يعلم إلا بالتوقيف، فكأنه رواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولأن من قال من الصحابة: إن الجنب يتيمم، حمل الآية على الجماع، ومن قال: لا يجوز التيمم، حمل الآية على المس باليد، فمن حمل الآية عليهما؛ فقد خالف إجماعهم، ولأن الله تعالى بين عند وجود الماء الطهارة الصغرى والكبرى، ولم يفصل بيان أنواع الحدث، والظاهر أنه لما بين عند عدم الماء حكم الطهارة، وأنه بين الطهارتين ولم يفصل الأحداث، وفي جملة ما يقوله مخالفنا، يدل بيان الجنابة عند عدم الماء وتفصيل الأحداث التي لم تقصد بالآية، ولا يقال: لو كان المقصود ما ذكرتم لفصل الجنابة من الحدث في التيمم كما فصل بينهما في الابتداء، فلما جمع الجميع عند عدم الماء بلفظ واحد؛ علم أنه ما يوجب الوضوء خاصة؛ وذلك لأنه فصل بينهما عند وجود الماء لاختلاف الواجب في الغسل، وجمع بينهما عند عدمه لاتفاق الواجب في التيمم. 516 - قالوا: روى الشافعي عن زيد بن أسلم ترتيب الآية. قالوا: تقديرها إذا قمتم إلى الصلاة من النوم، أو جاء أحد منكم من الغائط،

فاغسلوا وجوهكم، أو كنتم جنبًا فاطهروا، وإن كنتم مرضى، أو على سف ولم تجدوا ماء فتيمموا، فيكون هذا عطفًا على الجنب والمحدث. قالوا: وحمل الآية على هذا التقدير أولى، فظاهر الآية يدل على أن السفر والمرض حدث. 517 - قلنا: التقديم والتأخير عدول عن الظاهر، وترتيب الله أولى من ترتيب غيره، وما ذكروه من المرض والسفر يضمر فيه الحدث بالإجماع، أو يكون معناه: وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط، وقد يكون بمعنى الكاف كقوله تعالى: {أو يزيدون}، فيتساوى في ترك الظاهر؛ إلا أنا نبقي ترتيب الآية وهم يغيرونها. 518 - قالوا: حمل الآية على ما نقوله يؤدي إلى إثبات فائدة، وهو وجوب الوضوء من المس. 519 - قلنا: قد بينا أن الآية ليست موضوعة على بيان الأنواع، ثم ما نقول به يستفاد به فائدة أخرى، وهو جواز التيمم للجنب، فأما قولهم اللمس حقيقة فيما كان باليد؛ فإن المس حقيقة عند الإطلاق هذا، فأما إذا أضيف إلى النساء صار بالعرف عبارة عن الجماع، كالوطء، إنه عبارة عند الإطلاق عما وقع بالرجل، فإذا أضيف إلى النساء؛ لم يعقل منه إلا الجماع.

520 - احتجوا: بما روى عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ، أن رجلًا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عمن ينال من امرأة لا تحل له -ما ينال من امرأته- إلا الجماع- فقال: ((يتوضأ وضوءًا حسنًا)). 521 - والجواب: أن هذا يحتمل المباشرة الفاحشة، وهو الظاهر؛ لأن القبلة لا تختص بامرأته، ولأنه يحتمل الاستحباب؛ ألا ترى أنه قال: ((وصل ركعتين))، وليس ذلك على طريق الوجوب. 522 - قالوا: النبي - صلى الله عليه وسلم - أوجب الوضوء من نيله منها، وعندكم يجب بخروج البلة. 523 - قلنا: روى الحسن عن أبي حنيفة: أن الماشرة الفاحشة تنقض الوضوء وإن لم يخرج منه شيء؛ فعلى هذا يوجب بالنيل منها تحرم الربيبة،

فوجب أن ينقض الطهارة، كالتقاء الختانين. 524 - والجواب: أن اعتبار التحريم لا معنى له؛ لأنه يختص بما وقع للشهوة، ثم المعنى في الأصل: أنه استجلب المني بغاية ما يستجلب به واللامس لم يستجلب المني بلمسه بغاية ما يستجلب به. 525 - قالوا: كل ما ينقض الطهارة الكبرى كان من جنسه ما ينقض الصغرى، قياسًا على الخارج من السبيلين. 526 - قلنا: نقول بموجبها في التقاء الختانين. 527 - قالوا: عندكم اللمس لا يوجب حتى يكون معه انتشار. 528 - قلنا: نعتبر مسًّا نصفه، كما تعتبرون مسًّا تصفونه، وهو الحائل. 529 - قالوا: المعنى يفضي إلى نقض الطهارة غالبًا؛ فجاز أن يتعلق نقض الطهارة بعينه، كالنوم. 530 - قلنا: لا نسلم الوصف؛ لأن الغالب أن اللامس ينقض طهارته، ثم المعنى في النوم أن الوضوء لما تعلق به من غير تعبير بالحدث، تعلق بعامة ما يستجلب به. 531 - قالوا: المس يوجب الفدية على المحرم، كالمباشرة الفاحشة. 532 - قلنا: اعتبار أحدهما بالآخر لا يصح؛ لما قلنا: إن أحدهما وجد فيه غاية ما يستجلب به، والحدث الآخر بخلافه، ولأن مخالفنا ما عَلَّلَهُ على اللمس للشهوة، وهذا المعنى عنده غير مؤثر، وإنما يتعلق للحكم بمجرد اللمس، ولا

خلاف أن اللمس المجرد لا يقع به حكم في الشرع، لا من كفارة، ولا تحريم، ولا يؤثر في الصوم، فكذلك لا يؤثر في الوضوء، ويرجح ما ذكرناه بموافقة الأخبار، وبالتسوية بين الرجل والمرأة؛ لأن اللمس بغير شهوة لا يتعلق به حكم في الأصول.

مسالة 29 الوضوء من مس الذكر

مسالة 29 الوضوء من مس الذكر 533 - قال أصحابنا: لا وضوء في مس الذكر. 534 - خلافًا للشافعي. 535 - لحديث قيس بن طلق بن علي عن أبيه -طلق بن علي- قال: خرجنا وقد قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبايعناه وصلينا معه، فجاء رجل وقال: يا رسول الله، ما ترى في مس الذكر في الصلاة، فقال: ((لا وضوء فيه، وإنما هو بضعة منك)) وهذا بين في الوضوء، وتعليل مردود إلى سائر الأعضاء.

536 - قالوا: رواه محمد بن جابر عن قيس، وهو ضعيف. 537 - قلنا: رواه عبد الرحمن بن مهدي عن محمد بن جابر. وقد قال حماد: ما روى عبد الرحمن عن شيخ إلا وهو حجة. 538 - وذكر أبو داود قال: رواه هشام بن حسان والثوري وشعبة وسفيان بن عيينة وجرير الرازي ومسدد بن مسرهد، كلهم عن محمد بن جابر، ورواية الأئمة تعديل.

وقد رواه عن قيس عبد الله بن بكر السحيمي وأيوب. 539 - قالوا: قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبي، وأبا زرعة عن حديث محمد بن جابر، فقال: عن قيس بن طلق لا تقوم به حجة. 540 - قلنا: روى ابن شجاع والطحاوي عن علي بن المديني قال: حديث عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق أحب إلى في الإسناد من أحاديث بسرة. 541 - وقال أبو هية: الخبر في أحاديث رواها الثقات.

542 - وذكر أبو داود الخبر ولم يطعن عليه، ولا نلتفت إلى قول أبي حاتم مع هؤلاء الأئمة. 543 - وذكر ابن شجاع في سننه حديث حكيم بن سليط عن رجل من بني حنيفة أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله، ربما وقعت يدي على ذكرى وأنا في الصلاة، قال: ((وأنا ربما كان ذلك مني)) ولم يأمره بإعادة الوضوء. 544 - وذكر الدارقطني حديث الصلت بن دينار عن أبي عثمان النهدي عن عمر بن الخطاب عن عبيد الله بن موهب عن عصمة بن مالك الخطمي -وكان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن رجلا قال: يا رسول الله، إني احتككت يدي في الصلاة فأصابت يدي فرجي، فقال عليه الصلاة والسلام: ((وأنا أفعل ذلك))، ولم يأمره بالوضوء. وروى أبو أمامة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن مس الذكر فقال: ((هو جزء منك)). 545 - ولا يحمل على المس من وراء الحائل، لأنه ليس بقضية في عين، وإنما

هو سؤال عن حكم الحادثة في الشرع، فيعتبر عموم اللفظ. ولأنه جزء من بدنه فلم يجب بمسه الوضوء كسائر الأجزاء. ولأن كل عضو لو مس الذكر بظاهره لم ينقض الوضوء فباطنه مثله، كالفخذ. ولأن المس بالفرج يؤثر في الطهارة ما لا يؤثر في اليد، ألا ترى أن الإيلاج يوجب الغسل، وإيلاج الإصبع لا يوجبه؟ فإذا كان مس الذكر، فالذكر لا يوجب الوضوء باليد أولى. 546 - ولا يقال: إن الذكر اختص بأحكام لا توجد في غيره، كالحد والتحليل والمهر؛ لأن هذه الأحكام لا تتعلق بالذكر، وإنما تتعلق بالجماع، وقد يتعلق الحد بالعزل، والمهر بالخلوة والموت، فلم يختص الذكر. ثم عند مخالفنا مس ذكر الصبي والميت وحلقة الدبر توجب الوضوء، وإن لم يختص بشيء من هذه الأحكام. 547 - احتجوا: بحديث مروان عن بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ)). 548 - والجواب: أن مروان ذكر هذا الحديث لعروة فلم يرفع به راسًا، فأرسل

مروان إليها شرطيًّا ورجع فأخبرهم أنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر بالوضوء من مس الفرج، فإذا كان عروة لم يرفع به رأسًا لأنه لم يقبل خبرها، فهو حجة في الرد، وإن كان لرواية مروان، فشرطيَّهُ دونه. 549 - وقد ذكر الطحاوي عن ربيعة أنه قال: لو وضعت يدي في دم أو حيضة ما نقض وضوئي، فمس الذكر أيسر أم الدم، ويحكم مثل هذا يأخذ به أحد ويعمل بحديث بسرة؟! والله لو ن بسرة شهدت على باقية بَقْلِ لما أجزت شهادتها، إنما قوام الدين الصلاة، وقوام الصلاة الطهور، ولم يكن في صحبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من يقيم هذا الدين إلا بسرة؟!. 550 - وقال يحيى بن معين في تاريخه: لا يصح في الوضوء من مس الذكر شيء.

551 - وقال أحمد: ليس فيه إلا حديث مكحول عن عنبسة عن أم حبيبة. 552 - فقال يحيى: مكحول لم يلق عنبسة. 553 - وقال الحربي: خبر بسرة رواه شرطي عن شرطي، وعن مسلم بن الحجاج قال: لا يصح في الوضوء من مس الذكر حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأشار بيده مضطربة، وعن أبي أحمد محمد بن عبد الوهاب الفراء أنه قال لمسلم: لم يصح

حديث قيس بن طلق؟ فقال: ليس يرويه إلا سهل بن عمار، فقال عمر: حدثنا حسين بن الوليد القرشي عن عكرمة عن عمار عن قيس بن طلق. فقال مسلم: الآن قد صح الحديث. 554 - وعن سعيد بن منصور قال: حديث بسرة لا يساوي بعرة. فهذا طعن الأئمة عليه، وخبر الواحد لو سلم من الطعن لم يقبل عندنا فيما تعم به البلوى، فمع الطعن أولى. 555 - ثم راوي هذا الحديث عن عروة: روى الطحاوي عن الشافعي عن

ابن عيينة قال: كنا إذا رأينا الرجل يكتب الحديث عن جماعة منهم عبد الله بن أبي بكر، سخرنا منه؛ لأنهم لم يكونوا يعرفون الحديث. 556 - وقد روي هذا الحديث عن الزهري عن عروة؛ فقد دلس به، وبينهما رجل، وهو عبد الله بن أبي بكر. 557 - فإن قالوا: رواه هشام بن عروة عن أبيه. 558 - قلنا: دلس به، والصحيح: ما رواه هشام عن عبد الله بن أبي بكر عن عروة. 559 - قالوا: فقد روى أبو إسحاق عن محمد بن مسلم عن عروة بن الزبير عن زيد بن خالد قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من مس فرجه فليتوضأ)). 560 - قلنا: هذا الخبر مما غلط فيه عبد الأعلى بالبصرة. 561 - وقال على بن المديني: ما حدث إلا حديثين: 562 - أحدهما: قال الطحاوي: سؤال مروان عروة عن مس الذكر كان

بعد موت زيد بن خالد، وقال عروة: لا وضوء فيه. فكيف يذكر رواية بسرة وقد سمعه من غيرها. 563 - فإن قالوا: رواه عمر بن شريح، عن ابن شهاب، عن عروة عن عائشة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. 564 - قلنا: عمر بن شريح ضعيف: 565 - قال البستي: وهو وضَّاع الحديث. 566 - فإن قالوا: رواه ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. 567 - قلنا: يرويه صدقة بن عبد الله، عن هشام بن زيد، وصدقة ضعيف، وهشام بن زيد ليس من أهل العلم بالرواية، ويرويه أيضًا العلاء بن سليمان، وهو شيخ من أهل الكوفة، ضعيف، ويرويه حفص بن عمر الصنعاني، عن مالك عن نافع، وحفص ضعيف. والثقات من أصحاب مالك كلهم أوقفوه على ابن عمر. 568 - فإن قالوا: رواه أبو أيوب عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. 569 - قلنا: رواه إسحاق بن أبي عبد الله بن أبي فروة عن الزهري، وهو لا يشك في ضعفه.

570 - فإن قالوا: روته أم حبيبة. 571 - قلنا: رواه مكحول عن عنبسة، وقد قال يحيى بن معين وأبو مسهر: لم يسمع مكحول من عنبسة شيئًا. 572 - فإن قالوا: رواه أبو هريرة رضي الله عنه. 573 - قلنا: يرويه موسى الخياط عن سعيد المقبري، وموسى مجهول. وإذا ثبت اضطراب هذه الأحاديث وضعفها؛ لم يجز قبولها، مع أنها لو صحت؛ لم تجز قبولها على أصولنا فيما تعم به البلوى، ألا ترى أن الحاجة إلى المعرفة ذلك كالحاجة إلى معرفة الوضوء من البول؟ فلو كان ذلك ثابتا لبينه النبي - صلى الله عليه وسلم - بيانا عامًّا، ولم يخف على عبد الله بن مسعود وعلي وحذيفة وعمار وعمران بن حصين

وابن عباس رضوان الله عليهم. ولم يرو وجوب الوضوء فيه عن أحد من الصحابة إلا وقد روي عنه خلافه. 574 - فإن قالوا: قد خفي على ابن مسعود التطبيق، وعلى أبي بكر ميراث الجدة، وعلى علي ادخار لحم الأضاحي. 575 - قلنا: لا ننكر أن يخفى على الواحد ما تعم به البلوى، وإنما ننكر أن يخفى على الجماعة. 576 - ولو ثبت الخبر كان محمولًا على غسل اليد؛ وذلك لأنهم كانوا يستجمرون فيعرقون، فإذا مسه أصابت اليدَ النجاسةُ، فأمر بغسل اليد. 577 - ألا ترى أنه روي في خبر هشام عن عروة: ((من مس ذكره أو لمسه فليتوضأ))، ولا يمكن حمل الأثنيين على الغسل، ويجوز أن يسمى غسل اليد وضوءًا، كما روي عن عمر أنه قال: من مس إبطه فليتوضأ. 578 - وقال عليه السلام: ((الوضوء مما مست النار)) يعني غسل اليد، وكان غسل اليد يسمى وضوءًا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 579 - فإن قيل: في خبر ابن عمر: ((فليتوضأ وضوءه للصلاة)). 580 - قلنا: هذه الزيادة لا تعرف، ولو ثبت، فغسل اليد إذا سمي وضوءًا فهو للصلاة.

581 - قالوا: خبرنا متأخر؛ لأن طلق وَفَدَ والنبي - صلى الله عليه وسلم - يبني في المسجد وخبرنا رواه أبو هريرة، وهو متأخر الإسلام. 582 - قلنا: قد بني المسجد مرتين؛ فيجوز أن يكون وفد في الثانية، ورواية أبي هريرة لا تدل على تأخر روايته؛ لأنه قد روى خبر ذي اليدين وقد قيل: قبل أن يسلم. 583 - وقال عبادة: ما كل ما نحدثكم به سمعناه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكن حدث بعضنا بعضًا فقلنا: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -. 584 - قالوا: خبرنا ناقل ومثبت وفيه الاحتياط. 585 - قلنا: خبرنا معلل، فثبوت الحكم بالعلة نقل عما كان عليه في العقل، ويفيد جواز القياس، ومتفق على استعمال بعضه، وهو اللمس بظاهر الكف، ومختلف في باقية. ولأن سؤال قيس عن مس الذكر يدل على أنه جرى منه أمر فيجوز أن يستدل

من هذا الوجه على تأخر خبرنا. 586 - قالوا: كل ما أجب الطهارة الكبرى فمن جنسه ما يوجب الصغرى، كالخارج من السبيل. 587 - قلنا: يبطل بالنوم والجنون، ثم نقول بموجبه في مس الفرج بالفرج. 588 - قالوا: المني يوجب الغسل، وما يجلبه يوجب الغسل، والمذي يوجب الوضوء، فما جلبه يوجب الوضوء. 589 - قلنا: المني لما أوجب الغسل أوجب غاية ما يجلب، فكذلك في المذي يجب أن يوجب الوضوء غاية ما يجلب المذي، وهو التقاء الفرجين.

مسألة 30 نقض الطهارة بخروج النجاسة من البدن

مسألة 30 نقض الطهارة بخروج النجاسة من البدن إلى موضع يلحقه التطهير 590 - قال أصحابنا: إذا خرت النجاسة من البدن إلى موضع يلحقه حكم التطهير نقضت الطهارة. 591 - خلافًا للشافعي. 592 - لما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لفاطمة: ((إنما ذلك دم عرق وليست بالحيضة، فتوضئي لكل صلاة)). فجعل العلة في وجوب الوضوء من الدم كونه دم العرق، وهذا عام لسائر الدماء. 593 - قالوا: هذا تعليل لنفي كونه حيضًا؛ لأنه أشكل عليها الحيض. 594 - قلنا: يجوز أن يكون التعليل للأمرين، ولا يجوز أن يكون لكونه استحاضة

خاصة؛ لأنها سألته عن الحكم المسئول عنه. 595 - قالوا: التعليل وقع على الدم الخارج من السبيل. 596 - قلنا: السيل ما جرى له ذكر في العلة، وإنما هو صفة الأصل المعلل، فلا يضم إلى العلة، كما لا يضم إلى علة الربا كون المعلول بُرًّا. 597 - ويدل عليه: ما روى زاذان عن سلمان، قال: رأني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد سال من أنفي دم، فقال: ((أحدث بك وضوءًا)). 598 - قالوا: رواه أبو خالد الواسطي، وهو عمرو القرشي. قال أحمد ويحيى: أبو خالد كذاب. 599 - قلنا: أكثر ما قال الدارقطني: إنه متروك الحديث. وإنما طعنوا لأنه صاحب زيد بن علي عليه السلا، وهذا ليس بطعن. 600 - ويدل عليه: ما رواه ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس قال: كان رسول

الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رعف في الصلاة توضأ وبنى. 601 - وروى ابن جريج عن ابن مليكة عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من قاء أو رعف في صلاته؛ فلينصرف وليتوضأ، وليبن على ما مضى من صلاته؛ ما لم يتكلم أو يحدث)). 602 - وروى عمر بن عبد العزيز، عن عثمان الداعي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((الوضوء من كل دم سائل)). 603 - قالوا: رواه يزيد بن خالد، عن يزيد بن محمد، وهما مجهولان، وعمر بن عبد العزيز لم يسمع من عثمان. 604 - قلنا: جهالة الراوي لا تقدح في روايته؛ لأن المعتبر إسلامه مع العدالة، وإرسال الخبر لا يؤثر فيه عندنا.

605 - وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ليس في القطرة والقطرتين من الدم وضوء حتى يكون دمًا سائلًا)). ولأنها نجاسة خارجة من البدن؛ فكان لنوعها تأثير في إيجاب الوضوء، كالخارج من السبيل. ولأن الطهارة على ضربين: طهارة إزالة، وطهارة حدث، فإذا جاز أن تتعلق إحدى الطهارتين بالخارج من غير السبيل فالآخر مثله. ولأن الحكم يتعلق بالخارج دون المسك، بدلالة اختلاف الحكم باختلاف صفة الخارج مع اتفاق المسلك. ولأن أحد نوعي الطهارة يعتبر فيه الخارج دون المسلك، فكذلك النوع الآخر. 606 - ولا يقال: إن الريح والدود والحصى ينقض الوضوء من السبيل ولا ينقض من غيره، واختلف الحكم باختلاف المسلك؛ وذلك لأن الحكم يختلف بالخارج أيضًا، ألا ترى أن نجاسة ما خرج من السبيل أغلظ فتعلق بقليلها الوضوء، ولم يتعلق بقليل غيرها؟ وإذا ثبت اعتبار الخارج النجس، وهو موجود من غير السبيل؛ فنُقِضَ الوضوء. 607 - احتجوا: بحديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا وضوء إلا من صوت أو ريح)). 608 - والجواب: أنه لا يمكن اعتبار عمومه؛ لعلمنا أن نواقض الوضوء كثيرة بالاتفاق، وإذا لم يمكن اعتبار عمومه قصر على سببه، وهو ما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الشك فقال ذلك، فكأنه قال: لا وضوء عند الشك إلا من صوت أو ريح.

609 - قالوا: روى حميد عن انس رضي الله عنه قال: احتجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى ولم يتوضأ، ولم يزد على غسل محاجمه. 610 - قلنا: رواه صالح بن مقاتل، وهو مجهول، وحميد الطويل مدلس، ولم يروه عن حميد من الأثبات أحد، وإنما رواه أبو أيوب القرشي. ولأن أكثر ما فيه أنه لم يشاهده يتوضأ فيجوز أن يكون توضأ بغير حضرته. 611 - احتجوا: بحديث ثوبان أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أفريضة الوضوء من القيء؟ فقال: ((لو كان فريضة لوجدته في القرآن)). 612 - قلنا: قال الدارقطني: لم يروه عن الأوزاعي غير عبيدة بن السكن، وهو منكر الحديث. ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نفى كون فرضًا، وكذلك نقول؛ لأنه ليس بفرض عندنا، وإنما هو واجب. والفرض ما ثبت بنص القرآن وبدلائل مقطوع بها، ألا ترى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقصد إسقاط وجوب ما ليس في القرآن، فثبت أنه أراد ما ذكرناه. 613 - قالوا: خارج من غير مخرج الحدث، كالدود. 614 - قلنا: اعتبار المخرج لا معنى له؛ لما ذكرناه، ولأن الدود لا ينقض الطهارة بنفسه، وإنما ينقض النجاسةُ المقارنة له، وما كان من السبيل فنجاسته أغلظ، فلم يتعلق بقليله وإن تعلق بكثيره، ولخفة النجاسة تأثير بالاتفاق، كبول ما يؤكل لحمه وبول

ما لا يؤكل لحمه، ونجاسة البول والدم عندهم. 615 - قالوا: كل ما لم ينقض قليله الوضوء لم ينتقض كثيره، كالبلغم. 616 - قلنا: القليل قد يسقط حكمه لقلته وإن لم يسقط حكم الأكثر، كما عفي عن إزالة قليل الدم وإن لم يعف عن كثيره. 617 - ولأن المعنى في البلغم أنه لا تتعلق به إحدى الطهارتين فلم تتعلق به الأخرى. ولما تعلق بالخارج من إحدى السبيلين أحد الطهارتين جاز أن يتعلق به الأخرى. 618 - قالوا: طهارة ينقضها الخارج من مخرج الحدث فلم ينقضها الخارج من غيره، كالغسل. 619 - قلنا: يبطل بطهارة النجاسة. ثم الأصل غير مسلم؛ لأن المني لو خرج إلى قصبة الذكر على وجه الدفق والشهوة ثم انفصل من جراحة في الذكر، تعلق به الغسل عندنا، ويترجح ما ذكرناه بأنه ناقل ومثبت لحكم شرعي ومسوِّي لطهارة الحدث والإزالة.

مسألة 31 نقض الوضوء بالقهقهة في الصلاة

مسألة 31 نقض الوضوء بالقهقهة في الصلاة 620 - قال أصحابنا: القهقهة في الصلاة تنقض الوضوء. 621 - خلافًا للشافعي. 622 - لنا: ما رواه أبو حنيفة عن منصور بن زاذان عن الحسن عن معبد الجهني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي وأصحابه خلفه، فجاء أعرابي فتردى في زيبة،

فضحك بعضهم حتى قهقه، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - من ضحك منهم فليعد الوضوء والصلاة. وروى سلام بن مطيع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - القصة. ورواها الحسن وإبراهيم وأبو العالية عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وروى عمرو بن عبيد عن الحسن عن عمران بن حصين، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من ضحك في الصلاة فليعد الوضوء والصلاة)). 623 - وقولهم: رواه عمر بن قيس مسندا عن عمرو، وهو متروك. 624 - قلنا: هذا فقيه مكة ومفتيها، مثل مالك بالمدينة. وروي عنه شعبة، وإنما طُعن عليه لكثرة المزح. ورواه الحسن عن أبي هريرة عن

النبي - صلى الله عليه وسلم -. 625 - قالوا: رواه عبد العزيز بن الحصين، عن عبد الكريم بن أمية، وعبد العزيز ضعيف، وابن أمية متروك. 626 - قلنا: قولهم: ضعيف لا يحتج به حتى يبينوا جهة الضعف. وأبو أمية روى عنه أبو حنيفة حديث الشفعة، وروى عنه مالك في الموطأ. وروى الحسن بن دينار عن الحسن عن أبي المليح عن أسامة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - القصة. 627 - وقولهم: الحسن بن دينار ضعيف ليس بصحيح؛ لأن أبا يوسف روى عنه وقد روى هذا الخبر الحسن بن عمارة، عن خالد الحذاء، عن أبي المليح عن أبيه. 628 - ولأن هذه قصة مشهورة رواها الحسن وأبو العالية وابن سيرين من أهل البصرة وأفتوا بها. وروى إبراهيم في علماء الكوفة وأفتوا بها، والزهري في علماء الحجاز وأفتى بها، والأوزاعي في علماء الشام وأفتى بها. ومثل هذا لا يطعن عليه بضعف الرجل بالإرسال. 629 - وقد قال ابن سيرين: كنا نؤمر ونحن صبيان في الكُتَّاب أن نعيد

الوضوء، وإنما كان يأمرهم في ذلك الوقت الصحابة. ولأنها عبادة يبطلها الحدث؛ فجاز أن يبطلها القهقهة، كالصلاة. ولأن ما يظهر من بدن بني آدم يؤثر في حكم الصلاة قسمين: أحدهما: يوصف، والآخر: لا يستحق هذه الصفة. فإذا جاز أن ينقض الطهارة ما هو من النجس، كذلك الآخر. ولأنه مخرج يتعلق به الإفطار فجاز أن يتعلق بالخارج منه نقض الوضوء، كالسبيلين. 630 - احتجوا بما رواه جابر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الضحك ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء)). 631 - والجواب: أن الدارقطني قال: إن المنذر بن عمار روى هذا الحديث عن أبي شيبة، الإسناد بعينه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الكلام ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء)). 632 - ولأن أبا شيبة إبراهيم بن عثمان قاضي واسط كذاب. 633 - وقد طرق الدارقطني هذا الحديث عن جابر، قال: والصحيح أنه من قوله. 634 - وقد روى الأعمش عن سعيد عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من

ضحك في الصلاة فليعد الوضوء والصلاة)) وذكر أبو يوسف عن ابن أبي ليلى عن أبي الزبير، عن جابر أنه قال: لا وضوء فيه، وإنما كان ذلك خاصا بمن ضحك خلف النبي - صلى الله عليه وسلم -. 635 - وهذا يعارض خبر جابر، فيسقط، وخبرنا روي من غير تعارض. وإن ثبت حملناه على الضحك الذي دون القهقهة إذا بانت فيه الحروف؛ لأن ذلك ينقض الصلاة عندنا دون الوضوء. 636 - ولا يجوز حمل أخبارنا على الاستحباب؛ لأن ذلك ليس بقول لأحد. ولأنه أثبت به الوجوب في إعادة الصلاة، فكذلك في إعادة الوضوء. ويجوز أن يحمل خبرهم على القهقهة في صلاة الجنازة. 637 - قالوا: روى سهل بن معاذ عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((الضاحك، والمتلفت، والمفرقع أصابعه؛ سواء)). 638 - قلنا: رواه ابن لهيعة، وهو لا يعتمد على روايته عن زبان بن فائد، وهو ضعيف جدًّا، ذكره الساجي في الضعفاء.

639 - قال البستي: هذا خبر رواه زبان بن فائد عن سهل بن معاذ وقال: سهل منكر الحديث، ولست أدري أوقع الغلط منه أو من زبان بن فائد، على أن رواية زبان عن رشدين بن سعد وزبان ليس بشيء ولأن المساوي الالتفات، هو ما دون القهقهة؛ وذلك لا ينقض الوضوء عندنا. 640 - قالوا: ما لا يكون حدثًا خارج الصلاة فلا يكون حدثًا فيها، كالكلام. 641 - قلنا: يجوز أن يختلف حال العبادة وما قبلها في حال المحظورات، فيغلظ ما صادف العبادة، ويخف ما لم يصادفها، كالوطء في الإحرام والصوم. 642 - قالوا: حال الصلاة أحفظ للصلاة مما قبلها، بدلالة رؤية سؤر الحمار

عندكم، ورؤية الماء عندنا. 643 - قلنا: أما رؤية الماء؛ فلا يختلف عندنا في التيمم، وأما سؤر الحمار؛ فلا يختلف أيضًا؛ لأن من رأى سؤر الحمار من غير الصلاة فصلى بالتيمم ثم صلى به جاز، وفي الصلاة إذا أداها بالتيمم ثم استعمله وصلى جاز فلم يختلف عندنا، ثم المعنى في الكلام أن جنسه يوجد في الصلاة غير مفسد لها، وجنس القهقهة لا يوجد إلا مفسدًا، وهو ما يوجد باختياره وغير اختياره، فجاز أن ينقض الوضوء. 644 - قالوا: ما لم يكن حدثًا في صلاة الجنازة والعيدين لم يكن حدثًا في غيرها. 645 - قلنا: أما في العيدين فهو حدث، وأما الجنازة فقد خف حكمها في الطهارة؛ فجاز أن يخف ما يؤثر فيها. 646 - قالوا: كل ما لم يكن قليله حدثًا لم يكن كثيره حدثًا، كالمشي. 647 - قلنا: يمتنع أن يختلف قليل القهقهة وكثيرها في الوضوء كما اختلف في الصلاة، وتبطل بالخارج من غير السبيلين عندنا.

مسألة 32 حكم المني إذا كان بلا دفق أو شهوة

مسألة 32 حكم المني إذا كان بلا دفق أو شهوة 648 - قال أصحابنا: إذا خرج المني على غير وجه الدفق والشهوة، لم يجب الغسل. 649 - خلافًا للشافعي. 650 - لأنه خارج على غير وجه الدفق والشهوة، فلم يتعلق بخروجه جنابة، كالمذي. 651 - وقولهم: إن قولكم جنابة احترازكم عن الحيض، وإلا فالغسل من الجنابة والحيض سواء، غير صحيح؛ لأن قولنا: جنابة عبارة عن حدث لا يمنع وجوب الصلاة ويؤثر في المنع من الوطء، ولأن خروج المني على وجه الدفق والشهوة أعلى أحواله، وهو المعتاد، وخروجه على غير وجه الدفق أدنى أحواله، وهو النادر، فلم يتعلق بالأدنى منه ما يتعلق بالأعلى، كدم الحيض والاستحاضة، ولأنه خارج لا يجب به المضمضة فلم يجب به الغسل، كاليدين. 652 - احتجوا: بقوله - عليه السلام -: ((الماء من الماء)). 653 - الجواب: أن هذا الخبر لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما هو من قول

الأنصار، فلو ثبت كان معناه: الاغتسال من الإنزال. 654 - ولا يقال إنزال إلا فيما استحدثه الإنسان، وذلك لا يوجد فيما اختلفنا فيه. 655 - قالوا: إنزال يوجب أن يتعلق به الاغتسال، كما لو كان للشهوة. 656 - قلنا: لا نسلم أنه إنزال، ولأن المعنى فيما كان لشهوة أنه خرج على أعلى أحواله، فتعلق به أعلى الطهارة، كدم الحيض، وهذا خرج على أدنى الأحوال، فلم يتعلق به أعلى الطهارة، كدم الاستحاضة. 657 - قالوا: ما أوجب الاغتسال إذا كان للشهوة فإنه يوجبه إذا كان لغير الشهوة، كالتقاء الختانين. 658 - قلنا: الموجب له الإنزال للشهوة، وذلك لا يتصور لما كان لغير الشهوة؛ لأن ما يخرج من غير سبب منه لا يقال له إنزال، فلا يصح ما قالوه، ولأن التقاء الختانين لا يكون إلا مع الانتشار، وما حصل من غير انتشار؛ فلا يعرف وجوب الغسل منه. 659 - قالوا: المني إذا خرج من النائم أوجب الغسل وإن لم يعلم خروجه على وجه الشهوة. 660 - قلنا: القياس أن لا يوجب الغسل بهذا، وإنما استحسنوا لأن الظاهر خروج المني بالاحتلام، وخروجه من غير احتلام ليس بظاهر، فحمل على الأغلب احتياطًا.

مسائل التيمم

مسائل التيمم [33 - 60] مسألة 33 ما يكون به التيمم 661 - قال أبو حنيفة ومحمد: يجوز التيمم بكل ما كان من جنس الأرض. 662 - وقال أبو يوسف والشافعي: لا يجوز إلا بالتراب. 663 - لنا: قوله تعالى: {فتيمموا صعيدًا طيبًا}. 664 - قال الخليل: الصعيد: وجه الأرض. 665 - وقال ثعلب عن ابن الأعرابي: إن الصعيد وجه الأرض.

666 - وذكر أبو بكر الرازي رحمه الله عن غلام ثعلب، عن ثعلب، عن ابن الأعرابي، أن الصعيد اسم الأرض، والقبر، والطريق. 667 - ولأن العرب تقول: عقبة صعود. 668 - وقال الله تعالى: {صعيدًا زلقًا}. ولا يقال: تراب زلق. 669 - قالوا: قال ابن عباس رضي الله عنهما: الصعيد: التراب. 670 - قلنا: الظاهر أنهم لا يعلمون اللغة، وإنما يعلمون الأحكام؛ فكأنه قال: الصعيد المراد بالآية عندي: التراب، فلا يلزمنا اعتقاده.

671 - قالوا: الاسم مشترك، لا يصح الاستدلال به. 672 - قلنا: الاسم المشترك إذا جمع المسميات بمعنى واحد جاز حينئذ الاستدلال به؛ كالأخ الذي يتناول الإخوة المختلفين لاجتماعهم في معنى واحد، وهو الانتساب إلى أحد الأبوين، كذلك الصعيد فيما تصاعد. 673 - قالوا: قال الله تعالى: {صعيدا طيبا}، والطيب: ما أنبت. 674 - قلنا: الطيب: الطاهر. 675 - ولو ثبت ما قالوه كان دليلًا عليهم؛ لأن الرمل والحجر ينبت، والسبخة لا تنبت ويتيمم به عندهم. 676 - ويدل عليه: حديث أبي ذر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا)). 677 - قالوا: اسم الأرض لا يتناول الجبل، يقال: نزلنا من الجبل إلى الأرض. 678 - قلنا: حد السهل، ألا ترى أنهم يقولون: سرنا على أرض الجبل، وقد قال الله تعالى: {فسلكه ينابيع في الأرض}، وإن كان في الرمال والجبال؛ فدل

على أن الجميع يسمى أرضًا. 679 - قالوا: روى أبو حذيفة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((وترابها طهور)). 680 - قلنا: إن كان خبرًا واحدًا والأعم أصل الخبر، وإن كان خبرين استعملناهما جميعًا. 681 - ولا يقال: إن خبرنا مقيد فيقضي على المطلق؛ لأنا لا نقول بذلك، بل نستعمله المقيد على تقييده، والمطلق على إطلاقه. 682 - ويدل عليه: ما رواه سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة: أن رجلًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إني أكون بأرض رملة، فيعني: أنا نكون بالرمل فتصيبنا الجنابة والحيض والنفاس، ولا نجد الماء أربعة أشهر، أو خمسة أشهر فقال: ((عليكم بالأرض)). 683 - ولأنه جزء من أجزاء الأرض طاهر كالتراب. ولأن كل بقعة من الأرض جازت الصلاة عليها جاز التيمم منها، كبقعة التراب. 684 - ولا يلزم مكان النجاسة إذا ذهب أثرها؛ لأنه روي عن أبي حنيفة جواز التيمم منه، ولأن علتنا البقعة دون الأحوال، وتلك البقعة يجوز التيمم منها إذا طهرت، وبهذا يجاب عن النجاسة إذا كانت في موضع السجود. ولأنها تقع بالجامد عند تعذر أصلها فلم تختص بالتراب، كالدباغ والاستجمار.

685 - احتجوا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((التراب طهور المسلم ما لم يجد الماء)). 686 - والجواب: أن هذا يدل على وقوع التطهير بالتراب، وكذلك نقول، فأما أنه لا يقع بغيره، يقف على دلالة. 687 - احتجوا بحديث عمار، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنما يكفيك أن تضرب بكفيك ضربتين في التراب)). 688 - والجواب: أن المشهور: ((إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك على التراب)). وهذا أعم؛ فكان أولى. ولو ثبت ما قالوه، دل على وقوع الكفاية بالتراب، ولم يثبت غيره. 689 - قالوا: الطهارة تقع بمائع وجامد، فإذا اختصت بأعم المائعات وجودًا اختصت بأعم الجامدات وجودًا. 690 - قلنا: الطهارة بالمائع تعلقت بجنس يجوز منه ما يعم وجوده وما لا يعم وجوده، كماء الشجر، وماء زمزم، وكذلك بالجامد، فتعلق بما يعم وبما لا يعم. 691 - ولأنا علقنا التيمم بما يعم وجوده وزدنا عليه غيره، فجعلناه أوسع من الأصل الذي يتعلق بنوع واحد. والآية تثبت عند الضرورة؛ فيجوز أن يتسع لأجل الضرورة. 692 - قالوا: عين مودعة في الأرض للمنافع؛ فلا يجوز التيمم بها، كالذهب والحديد.

693 - قلنا: لا نسلم أن الجص مودع في الأرض، وإنما هو منها، وصفته صفتها، وله غبار؛ ويتفتت، وليس إذا خالفها في الصفة ما يدل على أنه يكون من غيرها، كالطين الأحمر وما يجري مجراه من التراب المتغير. 694 - فأما الذهب والحديد: فهما على صفة الأرض، ولا يوجد فيهما التفتت والغبار، فدل على أنهما من غير جنسه.

مسألة 34 التيمم بما كان من جنس الأرض

مسألة 34 التيمم بما كان من جنس الأرض 695 - قال أبو حنيفة: يجوز التيمم إذا وضع يده على صخرة لا تراب عليها. 696 - خلافًا للشافعي. 697 - لقوله تعالى: {فتيمموا صعيدا طيبا}، وقد دللنا على أن الصعيد وجه الأرض، فاقتضى جواز التيمم به. 698 - ولا يقال: إن الله تعالى قال: {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} وهذا يقتضي التبعيض؛ وذلك لأن ظاهر (من) الابتداء، فأما التبعيض فليس بظاهر، ومن حكم اللفظ أن يحمل على ظاهره، وتكون فائدة الآية: أن النية يجب أن يبتدأ بها عند وضع يده على الصعيد، ولأنها بقعة من الأرض فجاز التيمم منها، كالتراب. 699 - ولأنه مسح أقيم مقام غسل، فلا يكون من شرطه استعمال ما يتطهر به في العضو، كالمسح على الخفين. ولا يعكس فيقال: فوجب اعتبار الممسوح به؛ لأنهم لا يحتاجون إلى قولهم: أقيم مقام غسل، ولأنها عبادة تختص بما هو من جنس الأرض، فجاز إسقاطها بالحجر، كرمي الجمار. 700 - احتجوا بالآية، وهي دلالة لنا، وبالأخبار التي قدمناها. 701 - قالوا: مسح في الطهارة، فافتقر إلى ممسوح به غير اليد، كالخف.

702 - قلنا: قد بينا أن مسح الخف دلالة لنا؛ لأن استعمال الممسوح به في العضو غير معتبر، ولأن ما يقع به التطهير إنما يستعمل في العضو لرفع الحدث به، فمتى كان جنس الفعل لا يرفع الحدث لم يعتبر استعمال ما يتطهر به في العضو، ولا يلزم وضوء المستحاضة؛ لأن جنسه يرفع الحدث، فلذلك اعتبر استعمال ما يتطهر به.

مسألة 35 صلاة الفرض بتيمم النافلة

مسألة 35 صلاة الفرض بتيمم النافلة 703 - قال أصحابنا: إذا تيمم للنافلة جاز أن يصلي به الفرض. 704 - خلافًا للشافعي. 705 - لأنها طهارة وقعت للنفل فجاز أن تؤدى بها الفريضة، كالوضوء ولأنه مسح أقيم مقام غسل، كمسح الخف. ولأن كل طهارة وقعت للفرض جاز أن يؤدي بها النفل، فإذا وقعت للنفل جاز أن يؤدي بها الفرض، كالوضوء. 706 - وقولهم: إن الوضوء يرفع الحدث، فلهذا المعنى لم يعتبر جهاته، والتيمم لا يرفع الحدث، وإنما يُسْتباح به الصلاة، فاعتبر فيه ما يستبيحه، وهو مانع له، لا يصح؛ لأن هذا يبطل بمسح الخف: لا يرفع الحدث، فلا يعتبر جهاته. 707 - احتجوا: بقوله تعالى: {إذا قمتم إلى الصلاة} إلى قوله:

{فتيمموا} وهذا يقتضي التيمم لكل صلاة. 708 - والجواب: أن (إذا) لا تفيد التكرار، فاقتضت الآية التيمم لجنس الصلاة، إلا ما قام عليه الدليل. 709 - قالوا: روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: من السنة أن لا يصلى بالتيمم إلا صلاة واحدة. 710 - قلنا: قول الصحابي: السنة كذا، لا يقتضي سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لاحتمال أن تكون سنة الأئمة، ولا تحتمل الاستحباب. ولأنه حجة عليهم، ولأنه يقتضي إذا تيمم للنافلة ولم يصلها أن يصلي الفرض به. 711 - قالوا: تيمم لم ينو به استباحة فرض؛ فأشبه إذا تيمم مع وجود الماء. 712 - قلنا: لا تأثير للوصف في الأصل، ثم المعنى فيه: أنه لا يجوز أن يؤدي به نافلة؛ فلم يجز أن يؤدي به فرض. ولما جاز في مسألتنا أن يؤدي به النفل؛ جاز أن يؤدي به الفرض. 713 - قالوا: النفل تبع للفرض؛ فلم يجز أن يكون الفرض تبعًا لها في الطهارة. 714 - قلنا: هذا يبطل بالوضوء؛ لأنا نجعل الفرض تبعًا للنفل، وإنما يجوز لأنه فعل ما يستباح به الصلاة، كما يبيح الخف للنفل إذا أدى الفرض به.

مسألة 36 حكم رؤية المتيمم للماء وهو في الصلاة

مسألة 36 حكم رؤية المتيمم للماء وهو في الصلاة 715 - قال أصحابنا: إذا رأى المتيمم الماء في صلاته بطلت صلاته وتيممه. 716 - وقال الشافعي: لا تبطل. والكلام في هذه المسألة في ثلاث فصول، أولها: بطلان تيممه. 717 - والدليل عليه: قوله - عليه السلام -: ((التراب طهور المسلم ما لم يجد الماء)). ولأن كل معنى أبطل التيمم خارج الصلاة أبطله فيها، كالحدث. ولا يلزم رؤية سؤر الحمار؛ لأنا لا نعلم أنه يبطل التيمم في الحالين. 718 - قالوا: المعنى في الحدث أنه لو وجد في صلاة العيدين والجنازة أبطل التيمم، والماء بخلافه. 719 - قلنا: علية الأصل لا تصح؛ لأن أصل علتنا الحدث في جميع الصلوات، والجنازة والعيدين داخلة في جملة الأصل، فكأنهم قالوا: المعنى في

الحدث في صلاة الجنازة أنه لو وجد فيها أفسدها. 720 - وعلة الفرع لا تصح إلا به؛ لأنه قد يفسد الصلاة بما لا يفسد به صلاة الجنازة، وهو ترك الركوع والسجود. 721 - ثم صلاة الجنازة تخالف الفرض في الطهارة بإجماع عندنا في جواز هذا التيمم، وعندهم: من تيمم لفرض جاز أن يصلي به على الجنازة، ولم يجز أن يصلي به فرضًا آخر. 722 - ولأنه سبب لبطلان طهارة أقيمت مقام غيرها، فاستوى في حال الصلاة وقبلها، كنزع الخف. ولا يلزم القهقهة؛ لأنها لا تبطل الطهارة على الإطلاق، ولا يختص بما قام مقام الغير. 723 - قالوا: المصلي لا يجوز له افتتاح الصلاة مع نزع الخف، ويجوز مع وجود الماء بحال إذا خاف العطش. 724 - قلنا: الذي يجوز معه الابتداء يجوز معه البقاء أيضًا، والمؤثر حال البقاء يؤثر حال الابتداء. 725 - قالوا: نزع الخف ينسب إلى التفريط وهذا لا يوجد في رؤية الماء. قلنا: تبطل بالمستحاضة ينقطع دمها، والعريان يجد ثوبًا، لا ينسبان إلى التفريط، ولا يلزمهم حكم الأصل، فإن سلموا بطلان التيمم. 727 - وقالوا: مع ذلك: يمضي على صلاته. 728 - قلنا: كل معنى أبطل التيمم منع المضي على الصلاة، كالحدث. 729 - والفصل الثاني يدل على وجوب الوضوء؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((فإذا وجدت الماء

فأمسه جلدك)). ولأن القدرة على الأصل قبل إسقاط الفرض بالبدل يوجب الانتقال إلى الأصل، أصله: المكفر إذا قدر على الرقبة قبل الصوم، والمعتدة بالأشهر إذا رأت الدم. 730 - قالوا: المعتدة لا تستأنف عند بعض أصحابنا. 731 - قلنا: هذا يخالف الإجماع. على أنا عللنا للزوم الانتقال، وهذا لا خلاف فيه. 732 - قالوا: العدة قد يقع فيها ما لا يعتد به، وهو الطهر في حال الحيض عندكم. 733 - قلنا: وقد يقع في حال الصلاة ما لا يعتد به، وهو السجود الذي يدرك الإمام فيه، والصلاة التي يؤديها بسؤر الحمار عندنا، ومن لا يجد ماء ولا ترابًا عندكم. 734 - قالوا: المعتبر في العدد الأشهر، إلا أنها تعتد ابتداء بالحيض، ويكون عدتها وضع الحمل. 735 - قلنا: والصلاة كذلك؛ لأنها تؤدي ابتداء بالتيمم، وفي معلوم الله سبحانه أنه يرى الماء، ويكون فرضه بعد ما مس ذكره، لزمه استعماله وإن لم يمس ذكره، أصله: الدخول. 736 - الفصل الثالث: يدل على أنه لا يمضي في صلاة مع القدرة على الماء الذي يؤديها به، فأشبه الابتداء. وإن أدى ركنًا منها بالتيمم مع وجود الماء لا يجزيه، كالافتتاح. 737 - ولأن عدم الماء شرط في جواز افتتاح الصلاة بالتيمم، فكان شرطًا في البناء

عليها، دليله: عدم الحدث. 738 - احتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((فلا ينصرفن أحدكم حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا)). 739 - والجواب: أن اللفظ لا يمكن حمله على عمومه بالإجماع، فلم يبق إلا أن يُقصَر على سببه، وهو حال الشك. 740 - وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يقطع الصلاة شيء)). 741 - والجواب عنه مثل الأول، لما لم يعتبر عمومه على سببه في الماء. 742 - قالوا: صلاة جاز له استدامتها مع عدم الماء، جاز له استدامتها مع وجوده، كصلاة الجنازة والعيدين. 743 - قلنا: لا نسلم الأصل؛ لأنه قد لا يجوز استدامة العيدين والجنازة مع الماء إذا قدر على الوضوء والإدراك، وفي الموضع الذي لا يجوز الاستدامة إنما جاز إذا لم يقدر أن يؤديها به. 744 - وهذا المعنى لا يمنع استدامة سائر الصلوات؛ بدلالة الماء الذي يجده المريض ومن يخاف العطش. 745 - قالوا: كل ما وجد في صلاة الجنازة والعيدين لم يمنع استدامتها فكذلك إذا وجد في غيرها، كسؤر الحمار. 746 - قلنا: إطلاق الوصف غير مسلم على ما قدمنا، وكذلك لا نسلم

الوصف في الأصل؛ لأن سؤر الحمار يمنع الاستدامة عندنا. 747 - ألا ترى أنه كان يصلي بما يسقط، فإذا رآه استدام ما لا يسقط الفرض به؟ 748 - ثم المعنى فيه: أنه سؤر حيوان محرم الأكل منه يستطاع الامتناع، فوجوده لا يمنع استدامة الصلاة، كسؤر الكلب، وفي وجدنا ماء طاهر بيقين يقدر على أداء صلاته به. 749 - قالوا: صلاة صحت تحريمته بها، فوجود ما يتطهر لا يمنع من استدامتها، أصله: المتوضئ إذا وجد الماء. 750 - قلنا: لو وجد الماء قبل الشروع فيها لم يلزمه استعماله، والمتيمم لو وجد قبل الشروع لزمه استعماله، كذلك إذا وجد فيها. 751 - قالوا: إدامة الصلاة ليس من شرطها عدم الماء، كصلاة الجنازة. 752 - قلنا: يبطل بالمحبوس في المصر إذا دخل في الصلاة بالتيمم ثم وجد الماء. 753 - ثم المعنى في الأصل أنها ناقصة الأركان، فلم يكن عدم الماء شرطًا في استدامتها، وسائر الصلوات فروض لم تنقص أركانها، فكان عدم الماء شرطا في استدامتها. 754 - قالوا: وجود ثمن الماء كوجود عين الماء في ملكه، بدلالة ما قبل الإفتتاح. ثم كان وجود الثمن في الصلاة لا يؤثر فيها، كذلك وجود الماء. 755 - قلنا: وجود ثمن الماء يبطل صلاته؛ إذا كان الماء يبتاع غالبًا. 756 - ولو قلنا: إن صلاته صحيحة، فالفرق بينهما أن الثمن ليس هو المبدل، فلا يلزمه الوضوء بوجوده. وإنما يلزمه إذا سأل عن البيع فبذل له، وهو لا

يمكنه المسألة في الصلاة، فلم يكن واجبًا. 757 - ويرجح ما ذكرناه: أن أحكام الضرورة ترتفع بزوال الضرورة، والأبدال يسقط حكمها بالقدرة على مبدلاتها قبل إسقاط الفرض، ولأن الطهارة تراد للصلاة، فهي أخص بها، فما يبطلها في غير الصلاة أولى أن يبطلها فيها.

مسألة 37 أداء فرضين بتيمم واحد

مسألة 37 أداء فرضين بتيمم واحد 758 - قال أصحابنا: يجوز أداء فرضين بتيمم واحد. 759 - خلافًا للشافعي. 760 - لقوله - عليه السلام -: ((التراب طهور المسلم ما لم يجد الماء)). وقوله عليه الصلاة والسلام: ((التراب كافيك ولو إلى عشر حجج)). وهذا مبالغة في بقاء حكم الأوقات، ولأنها طهارة تستباح بها الصلاة فجاز أن يؤدي بها فرضين، كالوضوء. 761 - ولأنه مسح أقيم مقام غسل فلا يختص بفرض واحد، كمسح الخف. 762 - ولأن طهارة الحدث تقع بالجامد والمائع، كطهارة النجس. 763 - وإذا كان طهارة النجس يستوي مائعها وجامدها في الوقت، كذلك طهارة الحدث. 764 - ولأن كل طهارة جاز أن يؤدي بها فرض ونفل، جاز أن يؤدي بها فرضين، كالوضوء، أو نقول: كل طهارة جاز أن يؤدي بها فرض وسجدة التلاوة.

765 - قالوا: لا يمتنع أن تكون الطهارة للفرض ولا للنفل، كالتيمم عندكم مع وجود الماء للجنازة. 766 - قلنا: يجوز أن يكون طهارة للطهر إذا ساوت الجنازة في أنه لا يمكنه أداؤها بالوضوء. 767 - قالوا: النوافل لا تنحصر، فلو كلفنا إعادة التيمم بطل فعلها. 768 - قلنا: لا يجوز أداؤها بعد الحدث، وإن كانت غير منحصرة، وكذلك المسح على الخفين بعد المدة لا يؤدي بها نافلة وإن كانت غير منحصرة. 769 - قالوا: النفل أخف حكمًا من الفرض. 770 - قلنا: قد تساويا في الطهارة، وإن اختلفا في غيرها. 771 - قالوا: النافلة تبع للفرض. 772 - قلنا: صلاة الجنازة وسجدة التلاوة ليسا بتبع للفرض، ويجوز عندكم. 773 - احتجوا بقوله تعالى: {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا} إلى قوله: {فتيمموا}، فظاهر الآية يقتضي إيجاب وضوء واحد وتيمم واحد، إلا ما دل عليه الدليل، قالوا: التكرار مراد بالإجماع. 774 - قلنا: ليس بظاهر الآية، لكن بدلالة أخرى. 775 - قالوا: النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى يوم الفتح بوضوء واحد وقال: ((فعلت ما لم تكن تفعله، فدل على أنه فهم التكرار.

776 - قلنا: لم يقل: قعلتَ خلاف الآية، فلا يمتنع أن يكون عرف ذلك بدلالة أخرى: إما تكرار فعله أو بغيره. 777 - قالوا: روي عن ابن عباس وابن عمر مثل قولنا. 778 - قلنا: قال ابن عباس: من السنة أن لا يصلي بالتيمم إلا صلاة واحدة، وهذا يفيد السنة دون الوجوب. 779 - وروى ابن عمر: كان يتيمم لكل صلاة. وفعله - صلى الله عليه وسلم - لا يدل على الوجوب؛ لجواز أن يكون أراد به الاستحباب. 780 - قالوا: صلاتا فرض فلا يجمع بينهما بطهارة، كصلاتي المستحاضة في وقتين. 781 - قلنا: لا نسلم الأصل؛ لأنها تصلي قبل الزوال وبعده بطهارة واحدة. 782 - فإن قالوا: فلا يؤدي بها فرضين في وقتيهما المضروبة، كالظهر والعصر. 783 - قلنا: لا فائدة لتخصيص الظهر والعصر، وهي مساوية لغيرهما في الطهارة، ولأن طهارة المستحاضة ضعفت لتعقب الحدث، والتيمم لم يتعقبه الحدث. 784 - قالوا: التيمم قد قارنه الحدث. 785 - قلنا: فطهارة المستحاضة كذلك، وبتجدد الحدث، ثم طهارة المستحاضة ما لم يعقبها الحدث جاز إيجاب الطهارة في الوقت الثاني للحدث الطارئ بعد الوضوء. 786 - وفي مسألتنا: لم يطرأ حدث بعد التيمم، فلو أوجبه لكان إيجاب طهارتين من جنس واحد عن حدث واحد، وهذا لا يصح، وليس كذلك إذا رأى الماء

وانقضى وقت المسح؛ لأنه إيجاب طهارة من جنس آخر غير الحدث الأول. 787 - قالوا: الوضوء والتيمم طهارتان، إحداهما أنقص فعلا، فوجب أن يكون أقصر وقتا، كالوضوء والمسح على الخفين. 788 - قلنا: نقول بموجبه؛ لأن التيمم يبطل برؤية الماء، فنقص بذلك وقته عن الوضوء. ثم طهارة المسح لم يقصر وقتها، وإنما جازت للحاجة، فزالت بزوالها. والتيمم جاز لعدم الماء، فيبطل بوجوده. ولأن المسح على الخف أنقص فعلا من طهارة المستحاضة، وهي أقصر وقتًا منه. 789 - قالوا: تيمم وهو مستغنى عنه، كما لو تيمم مع وجود الماء. 790 - قلنا: لا نسلم؛ لأنه غير مستغنًى عنه في الجملة، ويبطل ما قالوه بالتيمم للنافلة والتيمم في أول الوقت. 791 - قالوا: المسح أبيح للضرورة، فلم يجز فيما لا ضرورة فيه. 792 - قلنا: الضرورة عدم الماء، وقد حصل. 793 - قالوا: طهارة على ثلاثة أضرب: ما يرفع الحدث عن جميع الأعضاء لم تتوقت، وما يرفع عن بعضه كان أقصر وقتا عما لا يرفع الحدث لا عن جميع الأعضاء: موقت، أصلا، يجب أن يكون أقصر مما يرفع الحدث. 794 - قلنا: طهارة المسح لا يقصر وقتها، وإنما تقدرت بالحاجة، فكذلك التيمم ينعدم بعدم الماء. ثم هذه الطهارات مع اختلافها لا يجوز إيجاب طهارتين من جنس واحد بحدث واحد مع بقاء الطهر الأول.

مسألة 38 التيمم للصلاة قبل وقتها

مسألة 38 التيمم للصلاة قبل وقتها 795 - قال أصحابنا: يجوز التيمم للصلاة قبل وقتها. 796 - خلافًا للشافعي. 797 - لقوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس}، وهذا يقتضي جواز فعلها عقيب الزوال، وذلك لا يمكن إلا بتقديم التيمم على الوقت. 798 - وقوله - عليه السلام -: ((التراب طهور المسلم ما لم يجد الماء)). 799 - ولأنه مسح أقيم مقام غسل؛ فجاز تقديمه على الوقت، كمسح الخف، ولأنها طهارة لاستباحة الصلاة، كالوضوء. ولأن كل وقت جاز فيه الوضوء للفرض جاز التيمم له، أصله: بعد دخول الوقت. ولا يلزم طهارة المستحاضة، لأنا عللنا للوضوء ولم نعلل لتغير الأشخاص. ولأن طهارتها يجوز تقديمها على وقت الزوال. 800 - احتجوا: بقوله تعالى: {إذا قمتم إلى الصلاة} إلى قوله: {فتيمموا}، والقيام إلى الصلاة لا يكون قبل وقتها، فاقتضت المنع من الوضوء والتيمم قبل الوقت.

801 - والجواب: أن المراد بالآية: إذا أردتم القيام إليها، وقد يريد القيام في أول الوقت، فلا يمكن إلا بتقديم الطهارة على الوقت. 802 - ولأن الآية تضمنت الطهارتين، وقد أفادت تقديم الطهارة على الوقت بالإجماع، وكان ذلك هو المراد بالتيمم. 803 - قالوا: تيمم للفرض في وقت يستغني عنه، فأشبه إذا تيمم بعد الوقت مع الوجود للماء. 804 - قلنا: يبطل لو تيمم في أول الوقت، ولو تيمم للنافلة. 805 - ولا يقال: إنه ليس بمستغنًى عنه لأنه يسقط الفرض عن ذمته؛ لأن في أول الوقت يستغنى عن إسقاط الفرض إلى آخره عن إسقاط فرض الطهارة. 806 - ولأن التيمم مع وجود الماء حصل مع القدرة على الأصل فلم يجز البدل، وقبل الوقت لم يقدر على الأصل فجاز البدل، كما لو كان في الوقت. 807 - قالوا: طهارة ضرورة، فلا يجوز تقديمها على الوقت، كطهارة المستحاضة قبل الفجر. 808 - قلنا: حكم الضرورة والرخصة قد تساويا في العادات، ألا ترى أن في رمضان يباح للضرورة عند المرض كما تباح الرخصة في السفر؟ وكذلك يجب أن تتساوى طهارة الضرورة والرخصة، على أن طهارة المستحاضة تصح قبل الوقت، وتبطل بخروجه، وخروج الوقت يؤثر في طهارة الرخصة، كمسح الخف. وأما التيمم فلا يؤثر فيه خروج الوقت بالإجماع، ودخول الوقت لا تأثير له في إبطال الرخص. 809 - قالوا: الطهارة على ضربين: طهارة رفاهية، وطهارة ضرورة، كما أن الطعام على ضربين: طعام رفاهية، وطعام ضرورة. فإذا لم يستبح طعام الضرورة إلا

عند الضرورة، فطهارة الضرورة مثله. 810 - قلنا: الضرورة في التيمم عدم الماء، وهذا موجود قبل الوقت، فأما وجوب الفرض فليس بضرورة إلا أن يتضيق ذلك، ولا يغيره أحد. 811 - ولأن التيمم بدل معلق به حكم بالإجماع في صلاة النافلة، فطعام الضرورة لا يجوز تناوله في غيرها بحال. 812 - قالوا: بدل عن أصل، فوجب أن لا يجوز إلا بعد وجوب الأصل، كالصوم في الكفارة. 813 - قلنا: يبطل بمسح الخف والجبيرة.

مسألة 39 حكم طلب الماء للمتيمم

مسألة 39 حكم طلب الماء للمتيمم 814 - قال أصحابنا: طلب الماء ليس بشرط في جواز التيمم. 815 - وقال الشافعي: هو شرط. 816 - لنا قوله تعالى {فلم تجدوا ماءً فتيمموا} ويقال: لم يجد، وإن لم يطلب. 817 - قال الله سبحانه: {ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت}. 818 - ويقال: فلان لا يجد في نفسه مرضًا. 819 - وقال تعالى: {وما وجدنا لأكثرهم من عهد}، ولأن الوجود لا يقتضي الطلب: يقال: فلان وجد ضالته، وإن لم يطلبها. 820 - وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من وجد لقطة فليعرفها)). وكذلك (لم يجد) لا يفيد الطلب؛ لأن الإثبات والنفي لا يفترقان إلا من حيث النفي. 821 - قالوا: أمرَ الله تعالى بالتيمم عند عدم الماء، وهو لا يعلم بعدمه حتى يطلب

الماء، كمن قال لغلامه: اشتر لي خبزًا فإن لم تجد فلحمًا؛ لم يجز له شراء اللحم إلا بعد طلب الخبز. 822 - قلنا: لا فرق بينهما؛ لأن المكان إذا كان الغالب فيه عدم الخبز فغلب على ظنه أنه لا يجده بالطلب؛ جاز له شراء اللحم، وإن غلب على ظنه وجوده لم يجز له، كالماء، ولو غلب على ظنه وجوده لزمه طلبه، فإن لم يغلب لم يلزمه طلبه؛ لأن الطلب مبالغة في التوصل إلى الماء، فلا يلزمه، كالشراء بأكثر من ثمنه. 823 - ولأنه لم يعلم وجود الماء بحضرته، فلم يلزمه طلبه، أصله: إذا عدمه بعد الطلب. 824 - ولأنه غير عالم بمكان الماء، فلا يغلب على ظنه، فصار كمن طلب. 825 - ولا يقال: حكم الطلب يخالف غيره في جواز الانتقال، كمن طلب الحادثة في الكتاب فانتقل إلى القياس عند عدمها؛ وذلك لأن الحادثة ليس الغالب عدمها في الكتاب؛ فصار كالموضع الذي لا يغلب عدم الماء فلزمه طلبه. 826 - والماء قد يغلب عدمه في مواضع، فيصير الطلب وعدمه سواء. 827 - ومثاله الحادثة التي لا يوجد مثلها في النص غالبًا، فلا يلزمه طلبها، ولأنه لو شاهد الماء مع رفيقه وغلب على ظنه أنه لا يعطيه لا يلزمه طلبه، وهو موجود بيقين، فلأن لا يلزمه في الموضع الذي لا يتيقن أولى، ولأنه أصل غير موجود في ملكه، وما لا يتوصل به غالبا إليه، فلا يلزمه طلبه، كالمكفر إذا لزمه كفارة فصام. 828 - احتجوا بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه بعث عليًّا - عليه السلام - في طلب الماء.

829 - والجواب: أن فعله - عليه السلام - لا يدل على الوجوب، وكذلك أمره بالطلب له. 830 - قالوا: شرط من شرائط الصلاة يختص بها؛ فوجب عليه طلبه عند الاشتباه، كجهة القبلة. 831 - قلنا: القبلة موجودة لا محالة، وإنما يشك في تعيينها، فوزانه من مسألتنا أنه يتيقن وجود الماء، ولا يعلم في أي جهة هو، فيلزمه طلبه. 832 - قالوا: بدل عن مبدل مرتب، فلا يجوز الانتقال في العادة، أصله: الرقبة في الكفارة. 833 - قلنا: هذا النوع من الطلب يجب عندنا في الماء إذا كان معه وهو يخاف العطش ينظر هل يفضل عن: كفايته، وإذا كان يباع ينظر: هل يقدر على ثمنه، والطلب في السوق إنما يلزم لأنه يوجد غالبًا، وهذا لازم عندنا في الماء إذا غلب وجوده. 834 - قالوا: أصل جعل له بدل عند العجز عنه، فإذا لم يكن في ملكه لزمه طلبه، كالرقبة. 835 - قلنا: إذا كان الثمن موجودًا فالأصل موجود في الغالب، ووزان مسألتنا: أن لا يكون له ثمن، فيجوز له الصوم، وإن لم يطلب القرض والابتياع بثمن مؤجل والهبة. 836 - قالوا: لو علم بوجود الماء لزمه طلبه، وإذا شك لزمه، كالحادث الشرعي. 837 - قلنا: إنما يلزم حكم الحادثة لأنه يعلم أن الحادثة لا تخلو الأصول من دلالة عليها، ووزانه الموضع الذي لا يخلو عن الماء فيلزمه الطلب.

مسألة 40 تيمم المحبوس في المصر

مسألة 40 تيمم المحبوس في المصر 838 - قال أبو حنيفة: المحبوس في المصر لا يتيمم ولا يصلي. 839 - وقال الشافعي: يصلي بالتيمم ويعيد. 840 - لنا: قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه؛ فيغسل وجهه ويديه)) ولم يفصِّل. 841 - ولأن فعل الآدمي بمجرده لا يكون عذرًا في الانفصال من الأصل إلى البدل، أصله: إذا أكرهه حتى صلى قاعدًا. 842 - ولأنه مقيم لا يخاف الضرر باستعمال الماء، فصار كغير المحبوس، ولأن المفعول ليس بصلاة، بدلالة وجوب الإعادة عليه، وما ليس بصلاة لا يلزمه أن يقيمه مقام الصلاة. 843 - ولا يقال: وجوب الإعادة لا ينفي الفعل، كالإمساك في رمضان، والسجدتين والتكبير يدرك الإمام فيها، والمصلي بسؤر الحمار من غير تيمم؛ وذلك لأنا

لم نجعل وجوب الإعادة في مواضع الإلزام دليل على أن الإمساك ليس بصوم، لكن غير الصوم قد يقوم مقام الصوم. 844 - وأما سؤر الحمار: فلسنا نقول أنه ليس بصلاة؛ لجواز أن يكون هو الفرض. 845 - ومخالفنا يقطع أن المفعول ليس بفرضه؛ فلا يُجَوز إقامته مقامه. 846 - احتجوا: بحديث أبي ذر: أنه أتوا المدينة، فخرج بأهله إلى الربذة، فكان لا يجد الماء الخمس والست، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((التراب طهور المسلم ما لم يجد الماء)). 847 - الجواب: أن الربذة يعدم فيها الماء غالبًا، فهي كالمفاوز؛ ألا ترى أن البلاد لا يعدم فيها الماء هذه المدة؟ يبين ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يلزمه الإعادة؛ فدل على أن ما فعله فرضه. 848 - قالوا: روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أنفذ رجلين في طلب عُقد عائشة، حضرتهما الصلاة ولم يكن معهما ماء، فصلى أحدهما بغير طهارة وذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزلت آية التيمم، ولم ينكر عليه فعله.

849 - والجواب: أنه روي أن أحدهما لم يصل ولم ينكر عليه، فتعارضا. 850 - قالوا: المريض يجوز له التيمم مع وجود الماء، فمن لا يجدْ أولى. 851 - قلنا: المرض علة من جهة الله تعالى، فيسقط الفرض، والصحيح عذره من جهة الآدمي، وذلك لا يسقط الفرض. 852 - قالوا: من لزمه فرض الصلاة في حال عدم الماء لزمه التيمم، كالمسافر. 853 - قلنا: لا نسلم أن فرض الصلاة يلزمه في هذه الحالة، وإنما يلزمه عند القدرة على الماء. 854 - ولأن المسافر لما لزمه التيمم كان إذا صلى لم يلزمه الإعادة، ولما كان في مسألتنا: إذا تيمم وصلى لزمه الإعادة عند القدرة على الماء، دل على أن التيمم لم يلزمه.

مسألة 41 الحكم عند فقد الماء والتراب

مسألة 41 الحكم عند فقد الماء والتراب 855 - قال أبو حنيفة: إذا لم يجد الماء ولا التراب لم يصل. 856 - وقال الشافعي: يصلي ويعيد. 857 - لنا: قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا صلاة إلا بطهور)). 858 - ولا يقال: إطلاق الصلاة يتناول المجزية، وخلافنا فيما لا يجزى؛ لأن النفي يتناول المطلق وغيره، ولأن معنى الخبر: لا حكم للصلاة إلا بطهور، ولأن المفعول ليس بصلاة، بدلالة: وجوب الإعادة، وما ليس بصلاة لا يلزمه أن يقيمه مقامها كسائر الأفعال. 859 - ولا يقال: عدم الجواز لا يمنع الفعل، كالإمساك في الصوم والمضي على الحجة الفاسدة؛ لأنا لم نجعل عدم الإجزاء دلالة على ترك الفعل، وإنما جعلناه دلالة

على أنه ليس بصلاة. 860 - ثم منعنا أن يقوم مقام الصلاة. 861 - ولا يلزم مَنْ صلى بالتيمم بعد الطهارة ناسيًا؛ لأنه لا يلزمه أن يقيمه مقام الصلاة، وإنما يفعله على أنه نفس الفرض. 862 - ولا يلزم من صلى بالتيمم مع وجود سؤر الحمار؛ لأنه مأمور بالجمع عندنا بينهما، فإن صلى بأحدهما جوزنا أن يكون فعل ما أمر به، فأما أن يلزمه أن يصلي بأحدهما ثم يعيد فلا. 863 - ولأن عدم طهارة الماء وما أقيم مقامها تمنع فعل الصلاة، كالحيض. 864 - ولا يقال: إن الحائض لم تجب عليها الصلاة، فلم يلزمها الفعل، بدلالة: أنها لو اغتسلت لم تجز صلاتها؛ وذلك لأن الصلاة لم تجب؛ لتعذر الطهارة من طريق الحكم. وإذا جاز أن يكون تعذر الطهارة حكمًا يمنع الوجوب جاز أن يكون تعذرها من طريق المشاهدة يمنع الفعل. 285 - ألا ترى: أن تعذر إيمان المجنون من طريق الحكم يمنع وجوب الصلاة وعدمه مشاهدة في الكافر يمنع الفعل. 866 - ولأن الحائض لا تقضي الفائتة وإن كانت واجبة؛ لعدم الطهارة، فكذلك صلاة الوقت. 867 - احتج المخالف بقوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس}. 868 - والجواب: أن الأمر يقتضي ما يسقط الفرض باتفاق، ولأن المفعول ليس هو في مسألتنا ما يناوله إلا بدلالة أنه لا يسقط الفرض. ولأن الصلاة اسم

شرعي فلا تتناول ما يقع بغير الطهارة. 869 - قالوا: روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)). 870 - قلنا: هذا يقتضي فعل بعض المأمور به، وما وقع بغير طهارة فليس ببعض الصلاة. 871 - قالوا: روي أنه - صلى الله عليه وسلم - أنفذ رجلين في طلب عقد عائشة، فصليا الفجر بغير طهارة ولم ينكر عليهما. 872 - قلنا: نزول آية التيمم في شأنهما إنكار لفعلهما بغير طهارة. 873 - قالوا: شرط من شرائط الصلاة، فالعجز عنه يبيح ترك ما لزمه من الصلاة، كستر العورة. 874 - أو يقولون: إن الصلاة تتضمن شرائط وأركانًا، ثم كان العجز عن أركانها لا يمنع الفعل، كذلك شرائطها. 875 - قلنا: تعذرُ الستر والأركان ليس له مدخل في الوجوب، فلم يمنع الفعل، وتعذر الطهارة لنوعه مدخل في منع الوجوب في الحائض، فجاز أن يمنع الفعل. 876 - قالوا: إحدى الطهارتين، فالعجز عنه لا يبيح ترك ما لزمه من

الصلاة، كالطهارة من النجاسة. 877 - قلنا: المعنى في النجاسة ما قدمنا. 878 - ولأن العجز عن الطهارة لم يبح ترك الصلاة، وإنما أباح العجز عنها وعن بدلها، وهو لا يوجد في النجاسة، فلا يمكن القياس عليه. 879 - ولأن النجاسة تجوز الصلاة مع يسيرها من غير أن يقيم مقام طهارتها غيرها، فجاز منع جميعه عند العذر، والحدث: لا تجوز الصلاة مع يسيره من غير فعل يقوم مقامه، فلم تجز مع كثيره. 880 - قالوا: كل ما لو وجد لزمه أن يتطهر به، فعدمه لا يبيح ترك الصلاة، كما لو. 881 - قلنا: نقول بموجبه؛ لأن عدم التيمم لا يمنع، وكذلك عدم الماء، وإنما المانع عدم الطهارتين. 882 - قالوا: الصلاة والطهارة عبادتان تنفرد إحداهما عن الأخرى؛ بدلالة الطهارة لقراءة القرءان. والمحدث يبقى في الصلاة مع الحدث، فتعذر إحدى العبادتين لا يمنع فعل الأخرى. 883 - قلنا: الطهارة لا تنفرد عما جعلت شرطًا فيه: إما الصلاة أو غيرها. وفعل الصلاة لا ينفرد عن الطهارة؛ إذا كانت شرطا باتفاق، وموضع الشرط أن يكون عدمها، فمتى فعل ما هي شرط فيه، وإلا خرجت عن أن تكون شرطًا. 884 - قالوا: إذا وجبت الصلاة عليه لم يمنع أن يشغل الوقت بفعل غير مُجْزِئ، كالإمساك في الصوم، وكإجراء الموسى بدلًا من الحلق.

885 - قلنا: الإمساك من غير صوم قد شرع في غير الصوم، وهو تأخر الأكل في الأضحى إلى وقت الأضحية، فجاز أن يشرع في الصوم، والصلاة بغير طهارة لم يشرع في غير موضع الخلاف، فلم يجز إثباتها فيه. 886 - ولأن الصوم والنسك يقوم مقامهما ما ليس من جنسيهما، وهي الفدية. والصلاة لا يقوم مقامها ما ليس من جنسها.

مسألة 42 التيمم إذا خشي فوات ناقصات الأركان

مسألة 42 التيمم إذا خشي فوات ناقصات الأركان 887 - قال أصحابنا: إذا خشي فوات صلاة الجنازة والعيدين يتيمم لهما في المصر. 888 - خلافًا للشافعي. 889 - لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((جعلت لي الأرض مسجدا وطهورًا)). 890 - ولأنها ناقصة الأركان، فجاز أن يتيمم لها مع وجود الماء الموسع، كصلاة المريض. 891 - ولأن كل صلاة لو رأى الماء فيها وهو متيمم مضى عليها جاز أن يتيمم لها ابتداء مع وجود الماء، كمن يخاف العطش والمرض. 892 - وهذه المسألة فرع على أنها إذا فاتت لا تقضى، والكلام في هذا الفصل يأتي. 893 - فإذا ثبت هذا قلنا: لا يتوصل بالوضوء إلى فعل الصلاة وما يقوم مقامها ولا

إلى ما يسقط فرضها، فلم يؤمر بفعل الطهارة، كالحائض. 894 - ولأنه إذا لم يتوصل بالطهارة إلى فعل الصلاة لم يلزمه فعلها، ومع سقوط وجوب الوضوء عنه مع بقاء فرض الصلاة جاز له التيمم، كالمريض. 895 - وقد روى ابن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تيمم بالمدينة لرد السلام، وكان المعنى فيه: أنه يخاف فوته. 896 - ولا معنى لقولهم: إن ذاك استحباب؛ لأنه قال: ((ما منعني من رد السلام إلا أني لم أكن على طهر)). 897 - وهذا يفيد الوجوب؛ فيجوز أن يكون مخصوصًا بهذا الحكم. 898 - احتجوا: بقوله تعالى: {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم}، وهذا يقتضي وجوب الوضوء على كل قائم إلى الصلاة. 899 - والجواب: أن إطلاق الصلاة يقتضي المعهود، وذلك لا يتناول صلاة الجنازة، ولأنه أمر بالوضوء للصلاة، فيما لا يذكر أداؤها به لا يتناوله للظاهر. 900 - قالوا: قال الله تعالى: {فلم تجدوا ماءً فتيمموا}، وهذا يدل أنه لا يجوز التيمم مع وجوده. 901 - قلنا: المراد بالوجود: القدرة على استعماله لأداء الصلاة من غير مشقة، وهذا لا يوجد إذا خاف فوتها، فيصير غير واجد حكمًا، كمن يخاف العطش. 902 - قالوا: كل من لم يجز له أن يصلي غير صلاة الجنازة والعيدين؛ لم يجز له أن يصلي صلاة الجنازة والعيدين، كمن لم يتيمم.

903 - قلنا: التعليل لا يقع للشخص؛ لأن كل شخص يجوز أن يصلي غير صلاة العيد والجنازة بالتيمم، وإنما يقع التعليل لشخص بصفة، وعندنا كل من كانت حاله في غير هاتين الصلاتين كحاله فيها؛ جاز أن يتيمم لها. 904 - ألا ترى أنا نجوز هذه الصلاة لأن الوضوء لا يتوصل به إليها فتعذر فعله حكمًا؟ وبمثله إذا تعذر على المريض كل ما جاز إن صلى بالتيمم، ولأن المعنى في الأصل: أن الصلاة بغير طهارة لم تجعل قربة في الشرع، والصلاة بإحدى الطهارتين جعلت قربة؛ فجاز فعل الصلاة بها عند تعذر فعلها بالأخرى. 905 - قالوا: لأنه واجد للماء غير خائف من استعماله التلفَ، فلم يجز له التيمم، كمن لم يخف الفوت. 906 - قلنا: من لا يخاف الفوت لا يستفيد بها فائدة، ومن خاف الفوت استفاد بها معنى، يعتبر أحدهما بالآخر. 907 - وقد قال الشافعي فيمن لم يخف الفوت: وجب عليه الطلب، فإذا خاف فوت الصلاة صلى ولم يطلب. 908 - قالوا: كل صلاة لم يجز أن يتيمم لها من لم يخف فوتها -لم يجز وإن خاف فوتها، كالجمعة. 909 - قلنا: الجمعة لما كانت فرضًا كملت مهمات الأركان جاز أن يكمل في باب الطهارة، ولما ضعفت صلاة الجنازة في أركانها جاز أن تنقص في طهارتها. 910 - قالوا: لو خاف فوات الوقت؛ لم يجز أن يصلي مع النجاسة وبغير طهارة، فكذلك بالتيمم. 911 - قلنا: جوازها مع النجاسة إذا خشي فواتها لا يعرف الرواية فيه، ويجوز أن ليتزم، فأما فعلها بير طهارة فلم يجعل قربة في الشرع، وفعلها بإحدى الطهارتين قد جعل قربة في الأصول، فجاز أن يجعل عند وجوب الفوت.

مسالة 43 الحكم عند وجود ماء لا يكفي في الوضوء

مسالة 43 الحكم عند وجود ماء لا يكفي في الوضوء 912 - قال أصحابنا: إذا وجد من الماء ما لا يكفيه للوضوء، يتيمم ولم يستعمله. 913 - وقال الشافعي: يجمع بينهما. 914 - لنا: أنه غير قادر على الماء الذي يتوصل به إلى أداء فرضه يقينًا، فأشبه من وجد اليسير من ماء الزعفران، ومن كان بينه وبين الماء سَبُع. ولا يلزمه من وجد سؤر الحمار؛ لأنه يجوز أن يكون فرضه، فلم يتيقن عدم ما يؤدي به الفرض. 915 - ولأنه أحد نوعي الطهارة؛ فلم يجب عليه بعضه مع بقاء فرض باقيه، كالتيمم. 916 - ولأنه لزمه البدل؛ فوجب أن يسقط عند الخطاب بالأصل، كمن يخاف العطش، وكالمكفر بالصوم. 917 - ولا يلزم من وجد سؤر الحمار؛ لأنه ليس بأصل؛ لجواز أن يكون نجسًا.

918 - ولأنه عجز عن بعض الأصل، فسقط بقيته في الاعتداد به مع البدل في عبادة واحدة، أصله: إذا عجز عن بعض الرقبة في الكفارة. 919 - ولا يلزم إذا غسل بعض الأعضاء ثم انصب الماء، ومن اعتدت بحيضة ثم ارتفع حيضها؛ لأن ما تقدم يسقط عندنا ويصير مؤديًا للفرض بالتيمم خاصة، والعدة: إن بلغت المرأة، ولا بأس بالشهود خاصة، ولا بأس إذا شهد عنده شاهد أصل وشاهد فرع؛ لأن العبادة وإن كانت ما يلزم الشاهد، فكل واحد من الشاهدين يلزمه عبادة منفردة، فلا يوصف بالعجز عن بعض الأصل، وإن أرادوا العجز في خبر المدعي فإقامة الشهادة ليس بواجب عليه حتى يقال إنه عبادة. 920 - وإن أرادوا بالعبادة ما يلزم الحاكم؛ فهي عبادة يلزم أداؤها بفرضين كل واحد منهما أصل. فإذا عدم أحدهما صار كمن عجز عن الستر وقدر على الوضوء. 921 - ولأن شهود الفرع ليسوا ببدل؛ لأن شهادتهم تقبل عندنا وإن قدر أن يقيم الشهادة على الأصل بغير الذين أشهدهم على شهادتهم. 922 - قالوا: لا نسلم أن التيمم بدل عما عليه، وإنما هو بدل عن بقية الأعضاء، فلم يعتد في البدل مع أصله عبادة واحدة. 923 - قلنا: لو غسل الوجه واليدين بالماء لزمه التيمم فيهما، وهذا جمع بين البدل والمبدل منه في محل واحد، على أنا منعنا الاعتداد ببعض الأصل مع البدل، وهذا يقتضي البدل عن جميع الأصل وعن بعضه. 924 - قالوا: يبطل ما قلتموه بمن وجد من الطعام المباح ما يمسك رمقه يأكله ثم يأكل الميتة. 925 - قلنا: أكل الطعام ليس بعبادة حتى يقال لها بدل، ثم قد يسقط الاعتداد بالطعام المباح عندنا؛ لأنه لو ابتدأ بأكل جزء من الميتة ثم أكل المباح جاز، ولو اعتد به لم يجزه تقديم الميتة عليه.

926 - قالوا: ليس في عتق بعض الرقبة فائدة، وفي غسل بعض الأعضاء فائدة؛ لجواز أن يجد ما يكمل به الوضوء لصلاة أخرى. 927 - قلنا: عتق بعض الرقبة إذا كان المعتق موسرًا فيه فائدة؛ لجواز أن يقدر على شراء بقيتها عندكم، ففيه فائدة على الأصلين، وهو التصرف بالعين. 928 - فأما استعمال الماء فلا فائدة فيه لهذه العبادة عندنا. 929 - والعبادة الثانية: لا تعتبر أحكامها في هذه، ولأن عندهم المستحاضة إذا وجدت ما يكفي بعض أعضائها لزمها استعماله وإن كانت لا تنتفع به في الصلاة الثانية عندهم. 930 - قالوا: التيمم يقع لجملة ولبعضها، ألا ترى أنه يقع عن جميع البدن في الجنابة وعن بعضه في الوضوء؛ فجاز أن يقع عن جملة الوضوء وبعضه، والصوم لا يقع بدلًا عن بعض العتق. 931 - قلنا: التيمم لا يقع عن جملة وبعضها في عبادة واحدة، وإنما يقع عن عبادتين: 932 - إحداهما: في الصورة بعض الأخرى، فلم يقع عن الجملة وعن بعضها في عبادة واحدة، وهذا كالصوم في الكفارة، أن ثلاثة أيام تكون بدلًا عن إطعام عشرة مساكين في كفارة اليمين، وعن بعض هذه الجملة في كفارة الأداء، ولم يجز أن تكون بدلًا عن بعض الإطعام في كفارة اليمين. 933 - احتجوا: بقوله تعالى: {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم} وهذا أمر بغسل الأعضاء وكل واحد منها، كمن قال: إن دخلت السوق فاشتر لي عبدًا وفرسًا، جاز شراء أحدهما مع عدم الآخر. 934 - والجواب: أن الآية دلالة لنا؛ لأن تقديرها إذا أردتم القيام إلى الصلاة، فجعل غسل الأعضاء شرطًا في الدخول والتيمم، فلا يجوز ببعضه، كمن قال:

إن أردت دخول الدار فأعتق أربع رقاب أو تصدق بعشرة. 935 - فأما الذي قالوه فأمر بأشياء لم يجعل شرطًا في غيرها، فلا تعلق لأحدهما بالآخر. 936 - قالوا: قال الله تعالى: {فلم تجدوا ماء فتيمموا} وهذا يفيد ماء منكرًا؛ فيدخل فيه اليسير والكثير. 937 - قلنا: قوله تعالى: {فاغسلوا} يقتضي مغسولًا به، فلما قال: {فلم تجدوا ماء} وذلك لا يصح الابتداء به؛ صار كأنه قال: فإن لم تجدوا ماء تغسلون به الأعضاء. 938 - قالوا: لو كان المراد به ما تقدم من الماء، عرفه بالألف واللام. 939 - قلنا: الماء في مضمون الغسل ليس بملفوظ به، فلم يصح تعريف ما لم يتقدم له لفظ، ولم يجز الكناية عما لم يذكره في الابتداء. 940 - قالوا: الطهارة شرط من شرائط الصلاة، فإذا قدر على بعضه وعجز عن بعضه لزمه ما يقدر عليه، كستر العورة. 941 - قلنا: لا نسلم الأصل؛ لأنه لو قدر على يسير الستر الذي لا يعتد به لم يلزمه. 942 - ثم المعنى في ستر بعض العورة أنه يستبيح به الصلاة؛ فلزمه فعله، واستعمال بعض الماء مع بقاء الفرض في الباقي لا يستبيح به الصلاة. 943 - وفي مسألتنا: الماء لم يستبح به، فلم يلزمه استعماله. 944 - ولا يلزم سؤر الحمار؛ لأنه يستبيح به عندنا؛ ألاترى أنه لو صلى به ثم

تيمم وصلى جاز، ولأن اعتبار القدرة على بعض الأصل بالقدرة على جميعه، بدلالة الكفارات. 945 - قالوا: تعذرُ غَسْل بعض الأعضاء لا يكون سببًا في سقوط فرض ما يقدر على غسله منها، كمن قطع بعض أعضائه. 946 - قلنا: نقول بموجبه؛ لأن السقوط عندنا ليس ما ذكروه، وإنما هو الجمع بين البدل والمبدل، ثم المقطوع بعض أعضائه ما يلزمه جمع فرضه؛ فصار كالأعضاء الأربعة في مسألتنا. 947 - قالوا: كل جملة جاز أن ينوب التيمم عن جميعها جاز أن ينوب عن بعضها، كالجنابة. 948 - قلنا: نقول بموجبه فيمن قطع بعض أعضائه ثم غسل الجنابة، يجوز أن يختص الحدث ببعضه؛ فجاز أن ينوب التيمم عنه. 949 - ولما لم يجز أن ينوب الحدث عن بعض أعضاء الوضوء لم يجز أن ينوب عنها، وما ذكرناه أشبه بالأصول؛ لأن المبدلات لا تثبت مع أبدالها، أو لأن الماء الطاهر متى لزمه التيمم معه سقط حكمه؛ لأن ما يقوله يؤدي إلى إيجاب طهاتين في عضو واحد بسبب واحد، وهذا لا يصح.

مسألة 44 إذا نسي الماء في رحله فتيمم للصلاة سقط فرضه

مسألة 44 إذا نسي الماء في رَحله فتيمم للصلاة سقط فرضه 950 - قال أبو حنيفة ومحمد: إذا نسي الماء في رحله فتيمم وصلى، سقط فرضه. 951 - وقال أبو يوسف والشافعي: يتوضأ ويعيد. 952 - لنا: أن لزوم فرض الوضوء يتعلق بالقدرة على استعمال الماء، ولا يعتبر فيه الملك، بدلالة من بُذل له الماء وجب عليه استعماله وإن لم يملكه، ومن يخاف العطش سقط عنه الفرض وإن كان مالكًا للماء، والناسي غير متمكن من استعماله فلم يلزمه فرضه. 953 - ولا يلزم المكفر إذا نسي الرقبة في ملكه فصام؛ لأن أبا الحسن روى عن أبي حنيفة جواز الصوم، ولأن وجوب العتق يتعلق بالملك لا بالقدرة؛ بدلالة أن من بُذل له عبد لم يلزمه قبوله للعتق؛ لأنه ليس بمالك، والنسيان لا يزيل الملك، ولأنه غير عالم بمكان الماء، فإذا أبيح له التيمم سقط فرصه، أصله: كان بقربه بئر لا يعلم بها ولا علامة عليها. 954 - قالوا: إذا لم يعلم بها في الأصل وليس عليها أمارة لم ينسب إلى التفريط وما في رحلة هو مفرط في نسيانه.

955 - قلنا: الطلب عندنا ليس بواجب، والتفريط إنما يكون في ترك ما وجب عليه، ولأن النسيان سبب يحول بينه وبين استعمال الماء، كمنع الغير وعدم الآلة التي يستقى بها، فإذا جاز سقوط فرضه بالتيمم في أحد الموضعين، كذلك الآخر. 956 - قالوا: الممنوع من جهة الغير يسقط فرضه، والثاني: ممنوع من جهة نفسه فلم يسقط فرضه، كمن نسي الركوع والسجود. 957 - قلنا: الناسي ممنوع من جهة الله سبحانه، فهو كالمريض الممنوع من جهته. 958 - ولأن النسيان لا يسقط الوضوء بنفسه ويسقط بانضمام السفر إليه. فالمواضع التي ألزموها لم يوجد فيها إلا مجرد النسيان. 959 - احتجوا: بقوله سبحانه: {فلم تجدوا ماءً فتيمموا}. 960 - والجواب: أن الوجود المراد بالآية هو القدرة على الاستعمال من غير مشقة، وهذا لا يوجد فيما نسيه. ولا يوصف بأنه واجد له وإن كان موجودا، كما أنه ليس بواجد لماء البئر إذا عدم الرشاء، أو حال بينه وبينها سبع، وإن كان الماء موجودًا فيها. 961 - قالوا: العرب تقول إن الناسي واجد. 962 - قلنا: لا نسلم هذا، ألا ترى أنه يتصور منه الطلب ويستحيل أن يطلب ما هو واجد له. 963 - ولا يقال: إن الوجود ضده العدم؛ لأن الوجود إذا كان المراد به حصول العين فضده العدم، وإذا كان المراد به التمكن فضده العجز. وقد بينا أن المراد بالآية: التمكن من الماء، لا وجوده مشاهدة. 964 - قالوا: الطهارة بالماء شرط من شرائط الصلاة، فلم يسقط فرضه بالنسيان، كما لو نسي القيام فصلى قاعدًا، أو نسي الستر. 965 - قلنا: نقول بموجب العلة؛ لأن الفرض لا يسقط بالنسيان، وإنما حفظ به وبالسفر، ولأن ترك الكلام شرط من شرائط الصلاة، وقد سقط عندهم بالنسيان.

966 - فأما من نسى الستر، فمن أصحابنا من قال: جازت صلاته، فأما من نسي القيام فصلى قاعدا فلا يتصور مع كمال العقل أن ينسى القدرة على القيام فيصلي قاعدًا، ولأن من نسي القيام والستر فقد ترك فرضا لم ينتقل إلى بدل. ووزانه من مسألتنا أن ينسى الطهارة أولًا فيصلي بغير طهارة. 967 - ولا يقال: إن القود بدل عن القيام؛ لأنه فرضه، والجزء من الشيء ليس ببدل عنه. 967 - ولا يقال: إن القعود بدل عن القيام؛ لأنه فرضه، والجزء من الشيء ليس بدل عنه. 968 - قالوا: أمر متعلق بالطهارة فلم يسقط فرضه بالنسيان، كما لو كان على ثوبه نجاسة فنسيها. 969 - قلنا: الفرض هناك لم ينتقل إلى بدله، وفي مسألتنا: انتقل إلى بدل، وقد يؤثر الشيء في نقل الفرض إلى بدل ولا يؤثر في إسقاط الفرض، كالمرض والسفر المبيحين للتيمم وإن لم يسقطا فرض الطهارة. 970 - قالوا: الطهارة عبادة مأمور بها فلم يسقط فرضها بالنسيان، كالصلاة. 971 - قلنا: لا نسلم في الأصل؛ لأن فرض الصلاة يسقط بالنسيان، وإنما يلزمه عند الذكر عبادة مبتدأة، وإيجاب العبادة المبتدأة يقف على الدلالة، ولأن من نسي الصلاة فلم تقم غيرها مقامها، فصار كمن نسي الوضوء والتيمم معًا. 972 - قالوا: نسيان ما يتم به الطهارة لا يوجب سقوط فرضه، كمن نسى غسل بعض الأعضاء. 973 - قلنا: ترك بعض الأعضاء لا تؤثر فيه الأعذار مع بقاء فرضه، ألا ترى أن المرض والسفر لا يؤثران في ذلك، وانتقال الفرض من الوضوء إلى التيمم تؤثر فيه الأعذار: المرض والسفر؛ فجاز أن يؤثر فيه النسيان. 974 - وجملة ما ذكروه من العلل قد بينا أنا نقول بموجبها، وأن النسيان بمجرده لا يؤثر، وإنما يؤثر مع انضمام معنى آخر إليه.

975 - ولأن الفرض عندنا يسقط في كل هذه المواضع، والقضاء فرض ثان، فيجب بقيام الدلالة ويسقط عند عدمها. 976 - ولأن جميع ما يذكر فيه ترك الفرض أصلًا، وفي مسألتنا انتقل من فرض إلى فرض، فاعتبار أحدهما بالآخر لا يصح.

مسألة 45 إذا خاف المريض زيادة المرض

مسألة 45 إذا خاف المريض زيادة المرض باستعمال الماء تيمم 977 - وقال أصحابنا: إذا خاف المريض زيادة المرض باستعمال الماء، تيمم. 978 - وقال الشافعي: لا يتيمم إلا إذا خاف التلف. 979 - لنا: قوله تعالى: {وإن كنتم مرضى أو على سفرٍ}، ولم يفصل. ولا يجوز أن يقال: إنه ذكر المريض الذي لا يجد الماء؛ لأن عدم الماء عاد إلى السفر خاصة. ألا ترى أنه لو عاد إلى المرض لبطل ذكره وتعلق الحكم بعدم الماء؟ ولأن كل عبادة إذا جاز تركها إذا خاف التلف جاز تركها إذا خاف زيادة المرض، كالقيام في الصلاة وصوم رمضان. 980 - ولا يقال: إن الضرر في الصوم ينفرد زواله بالفطر، ولا يتيقن زواله بترك الوضوء؛ وإنما يظن ذلك؛ لأنه لا فرق بين الأمرين. 981 - ألا ترى أن الضرر قد يظهر في الموضعين فيعلم زواله بالترك، ويخفى فيهما فيظن ذلك. ولأنه مسح أقيم مقام الغسل؛ فلم يعتبر فيه خشية التلف، كالمسح على الخفين. ولأن من لا يجد الماء إلا بزيادة على قيمته يجوز له التيمم حتى لا يضر بماله، فلأن يسقط إذا أضر ببدنه أولى. 982 - ولا يقال: إن ضرر المال آكد من ضرر البدن؛ لأن المكفر إذا وجد الرقبة

بأكثر من ثمنها لم يلزمه الشراء، وإن كان يلحقه المشقة في الصوم لم يجز تركه وإن كان في ذلك ضرر بالبدن. 983 - ولأن المريض يسقط عنه الصوم في الكفارة إذا خاف الضرر، فأما الصحيح الذي يشق عليه الصوم فذلك ليس بضرر، وإنما هو نادر فلا يعتد به، كما لا يعتد بالمشقة في سائر العبادات. 984 - احتجوا بحديث أبي ذر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الصعيد وَضوء المسلم ما لم يجد الماء ولو إلى عشر حجج)). 985 - والجواب: أن الوجود في الشرع هو القدرة على الاستعمال من غير مشقة، وهو غير موجود في المريض. 986 - قالوا: واجد الماء لا يخاف من استعماله التلف، كالمحموم. 987 - قلنا: المحموم إن استضر بالماء فهو مسألة الخلاف، وإن لم يستضر فهو كالصحيح، فلا معنى للقياس عليه. 988 - قالوا: التيمم يستباح بالسفر والمرض، ثم كان المسافر لا يجوز له التيمم مع وجود الماء إلا أن يخشى التلف من العطش كذلك المريض. 989 - قلنا: لا نسلم هذا، بل نقول: إنه مثل مسألتنا، إذا خاف الضرر جاز له التيمم. 990 - قالوا: ما جاز عند الضرورة اعتبر به خشية التلف، كأكل الميتة. 991 - قلنا: يجوز للمضطر أكل الميتة وإن لم يخش التلف إذا خاف على عضو من أعضائه، ولأن الميتة محرمة في الأصل فغلظ حكمها؛ فجاز أن تقف استباحتها على خشية التلف. واستعمال التراب غير محظور، فلا يقف على خشية التلف.

مسألة 46 إذا خاف التلف من البرد تيمم وصلى

مسألة 46 إذا خاف التلف من البرد تيمم وصلى ولم يجب عليه الإعادة 992 - قال أصحابنا: إذا خاف التلف من البرد تيمم وصلى، ولم تجب عليه الإعادة. 993 - وقال الشافعي: إن كان في المصر أعاد، وإن كان في السفر: ففيه قولان. 994 - أما الكلام في السفر: فلما روي أن عمرو بن العاص كان أمير النبي - صلى الله عليه وسلم - فتيمم وصلى بهم لخوف، فلما قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا: يا رسول الله، صلى بنا وهو جنب، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما حملك على هذا؟)) قال: سمعت الله يقول: {ولا تقتلوا أنفسكم}، فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم -.

995 - فلو كانت الإعادة واجبة لأمره بها. 996 - ولا يقال: قوله: ((لم صليت بهم وأنت جنب)) تنبيه على الإعادة، ولأن الجنب لا تجوز صلاته؛ وذلك لأن المتيمم إذا تيمم لا يرفع الحدث، فتسميته جنبًا لا يبنى على القضاء. 997 - وأما في المصر؛ فلأنه يخاف التلف باستعمال الماء، فإذا صلى بالتيمم لم يلزمه الإعادة، كالمريض. ولأن من جوز له الصلاة بالتيمم مع وجود الماء لم تجب عليه الإعادة، كالمريض. 998 - احتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه)). 999 - والجواب: أن المراد به حال القدرة باتفاق، فصار ذلك كالمذكور. 1000 - قالوا: البرد علة نادرة لا يتصل فلم يسقط الفرض به، كمن حبس في مكان فصلى قاعدًا. 1001 - قلنا: العذر النادر يسقط به الفرض، كغيره. 1002 - ألا ترى أن من حال بينه وبين الماء سبع فتيمم جاز وإن كان عذرًا نادرًا؟. ولا يقال: إن الخوف معتاد والسبع مرفوع الخوف؛ لأن الضرر معتاد، والبرد من جنس الضرر. 103 - وقد قالوا عندنا فيمن صلى عريانًا: إنه لا يلزمه الإعادة، وإن كان عدم الثوب عذرًا نادرًا ينقطع.

مسألة 47 إذا كان بأكثر بدنه جراح تيمم

مسألة 47 إذا كان بأكثر بدنه جراح تيمم 1004 - قال أصحابنا: إذا كان بأكثر بدنه جراح تيمم ولم يغسل الأول. 1005 - وقال الشافعي: يغسل ما قدر عليه، ويتيمم. 1006 - لنا: قوله تعالى: {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا} إلى قوله: {فلم تجدوا ماءً فتيمموا} فأمر بالصلاة بأحد أمرين، فمن جميع بينهما فقد خالف الظاهر، ولأن العذر موجود بعامة بدنه، فصار كالمجدور، ولا يصح الممانعة في هذا الأصل؛ لأن المشقة التي تلحق بغسل القرحة. فإذا أسقط ذلك المعنى الغسل كذلك هذا. ولأنه مأمور بالتيمم مع العلم بالماء الطاهر فلم يجب عليه استعماله، كالمجدور، وكمن خاف العطش، والمريض. ولأنه يصير جامعا بين البدل والمبدل

في حكم عبادة واحدة، فصار كالمكفر، وقد قدمنا كلامهم على هذه العلة. 1007 - احتجوا: بما روي عن جابر قال: كنا في سرية، فأصاب رجلًا منا حجر فسج رأسه، فاحتلم، فقال: هل تجدون لي رخصة في التيمم؛ قالوا: لا، فاغتسل، فمات، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((قتلوه، قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعرفوا، إنما شفاء العي السؤال)). 1008 - والجواب: أن هذا الخبر لم يروه عن عطاء عن جابر غير الزبير بن بكار، وليس بالقوي، وخالفه الأوزاعي ورواه عن عطاء عن ابن عباس، واختلفت الرواية عن الأوزاعي: فروي عنه عن عطاء، وقيل عنه: بلغني عن عطاء، فأرسل الأوزاعي خبره عن عطاء. قال الدارقطني: وهو الصواب، يعني الإرسال. وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي وأبا زرعة، فقالا: رواه ابن أبي العشرين عن الأوزاعي عن إسماعيل بن أبي صالح عن عطاء عن ابن عباس، وأرسل الحديث، وقد روي في القصة بعينها عن عطاء أنه قال: بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن ذل بعده فقال: ((لو غسل جسده وترك رأسه حيث أصابت الجراح أجزأه)). وقد طرق الدراقطني خبر عطاء من طرق كثيرة، ولم يرو خبر جابر إلا من طريق واحد، فكان الرجوع إلى الخبر الذي كثرت طرقه أولى؛ لأن الخبر فيه الجمع بين التيمم والمسح على الجبيرة والغسل، ولم يقل بهذا أحد.

1009 - فدل أن المراد: بالواو أو، فكأنه قال: إنما يكفيه أن يعصب على رأسه خرقة، فيمسح عليها ويغسل باقي بدنه، أو يتيمم؛ لأنا إذا حملنا الخبر على هذا علقنا بكل واحد بما ذكر فيه فائدة شرعية، وإذا حملوه على ما يقولون أسقطوا ذكر المسح، ولم يمكنهم حمله على فائدة، فكان ما ذكرناه أولى. 1010 - قالوا: قادر على إيصال الماء إلى بعض جسده، كما لو كان أكثر بدنه صحيحًا. 1011 - قلنا: يبطل بالمجدور، ولأن أكثر شيء كان الصحة فالحكم له، فكان العذر بالجميع، وهذا صحيح؛ لأن الأعذار يعتبر فيها الأعم، ولا يعتبر بالنادر، ألا ترى أنه السفر لما عمت مشقته لم يعتبر ما يقدر فيه من عدم المشقة. 1012 - واستدلوا بأن الطهارة بالماء شرط من شرائط الصلاة، فالقدرة على بعضه كالقدرة على جميعه في لزوم فرضه، كالسفر. وفي مسألة ولأن تعذر إيصال الماء إلى بعض أعضاء الطهارة لا يوجب سقوط فرضه عن غيرها، كما لو قطع بعضها. 1013 - وقد أجبنا عن هذين القياسين في مسألة: من وجد من الماء ما لا يكفيه.

مسألة 48 إذا كان على جرحه دم لا يمكن غسله

مسألة 48 إذا كان على جرحه دم لا يمكن غسله صلى معه ولا يلزمه الإعادة 1014 - قال أصحابنا: إذا كان على جرحه دم لا يمكن غسله، صلى معه ولا يلزمه الإعادة. 1015 - خلافا للشافعي. 1016 - لأنها نجاسة، أمر بالصلاة مع العلم بها فال يلزمه الإعادة، كموضع الاستنجاء، ولأن كل نجاسة جاز الصلاة معها حال العذر لم يلزمه الإعادة، كدم الاستحاضة. 1017 - ولأن الطهارة تجب عن حدث ونجس، فإذا كان مَنْ جاز له الصلاة مع الحدث لا تلزمه الإعادة، كذلك النجس. 1018 - ولا يقال: طهارة الحدث انتقلت إلى البدل ولم تنتقل في مسألتنا إلى البدل؛ لان ما جاز الصلاة معه عند العذر يستوي فيه أن يعل بدله أو لا يفعل بدله، كمن صلى عريانًا. 1019 - قالوا: صلى بنجس نادر غير متصل فلم يسقط عنه الفرض، كالقادر على الغسل. 1020 - قلنا القادر على غسل النجاسة لم يؤمر بالصلاة معها، فإذا فعل ما لم يؤمر لم يتعلق بفعله حكم، وفي مسألتنا: قد أمر بالصلاة معها؛ فجاز أن يتعلق بها حكمه. 1021 - قالوا: عذر نادر غير متصل فلم يسقط معه الفرض، كمن لا يجد ماء ولا

ترابًا إذا صلى. 1022 - - قلنا: هناك ترك فرضًا أقيم غيره مقامه من غير فعل واحد منهما؛ فصار كمن ترك الركوع والإيماء، وفي مسألتنا: ترك فرضًا لا بدل له حال العذر؛ فصار كمن ترك الستر.

مسألة 49 إذا كان يرجو وجود الماء في آخر الوقت فتأخير

مسألة 49 إذا كان يرجو وجود الماء في آخر الوقت فتأخير التيمم أفضل في المعرب والظهر في الشتاء 1023 - قال أصحابنا: إذا كان يرجو وجود الماء في آخر الوقت، فتأخير التيمم أفضل في المغرب والظهر في الشتاء. 1024 - قال الشافعي في القديم: التقديم أفضل. 1025 - لنا: أنه لو تحقق وجود الماء كان الأفضل التأخير، وما يتعلق بتحقق وجود الماء يتعلق بغلبة الظن، أصله وجوب الطلب. 1026 - ولأن كل حال تحقق وجود الماء في الثاني أمر بالتأخير، فإذا غلب على ظنه كان مأمورا به، أصله: قبل الوقت. 1027 - احتجوا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((أفضل الأعمال الصلاة في أول وقتها)). 1028 - والجواب: أن الألف واللام للجنس، وهذا يقتضي أن جنس الصلاة في

أول وقتها أفضل من سائر الأعمال، وخلافنا في التفضيل بين الصلاتين. 1029 - ولأن الخبر يقتضي الفضيلة التي تعود إلى الوقت، وهذا مسلم، والخلاف في معارضة الفضيلة الأخرى. 1030 - قالوا: طهارة جوزت لعذر، فكان تقديم الطهارة بها عند زوال عدم العذر أفضل من التأخير، كالمستحاضة. 1031 - قلنا: لا فرق بينهما؛ لأن المستحاضة إن غلب على ظنها زوال العذر في آخر الوقت كان تأخير صلاتها أفضل. 1032 - قالوا: فضيلة أول الوقت متحققة، ووجود الماء غير متحقق، فاعتبار التحقيق أولى. 1033 - قلنا: ما عاد إلى وجود الماء فالظن واليقين فيه سواء، أصله: إذا كان مع رفيقه ماء فتيقن أنه يعطيه أو غلب على ظنه؛ لم يجز له التيمم. 1034 - ولأن الوضوء فضيلة جعلت شرطًا في الصلاة، والتقديم فضيلة ليست بشرط، فكان اعتبار ما هو شرط أولى. 1035 - قالوا: تقديم الصلاة أقرب إلى الاحتياط. 1036 - قلنا: يبطل بمن تحقق وجود الماء، وبمن صلى في أول الوقت وهو يدافع البول أن التأخير أفضل وإن كان التقديم فيه احتياط.

مسألة 50 من وجد الماء بأكثر من ثمنه في حال

مسألة 50 من وجد الماء بأكثر من ثمنه في حال الضرورة لم يلزمه شراؤه 1037 - قال أبو الحسن: اتفقت الرواية أن من وجد الماء بأكثر من ثمنه في حال الضرورة لم يلزمه شراؤه، وجاز له التيمم. وهذا يقتضي زيادة لا يتغابن في مثلها، فأما الزيادة اليسيرة التي يتغابن فيها فيجب على أصولهم أن لا يسقط منها الفرض؛ لأنها غير معتد بها. 1038 - وقال الشافعي: لا يلزمه الشراء مع الزيادة اليسيرة. 1039 - لنا: أن الزيادة اليسيرة لا يتحقق كونها زيادة؛ لدخولها بين تقويم المقومين، فصار وجودها ووجوده بثمن المثل سواء. 1040 - ولأن الوكيل إذا اشترى بزيادة يسيرة لزم الموكل، كما لو اشترى بالقيمة، فجريا مجرًى واحدًا. 1041 - قالوا: القدرة على شراء الماء بأكثر من ثمنه لا يُلزمه فرض الطهارة، كالزيادة الكثيرة يلحقه بها ضرر في المال، والزيادة اليسيرة غير مؤثرة فيه، فصار كالضرر الكثير في البدن والضرر اليسير، فافترقا.

1042 - قالوا: الزيادة اليسيرة غير مقدرة، فلو لزمه الشراء بها لزمه بما زاد عليها إذا كان يسيرًا، ثم بما زاد عليه، حتى يبلغ إلى حد الزيادة الكثيرة. 1043 - قلنا: هذا ليس بصحيح؛ لأنا نعتبر مقدار القيمة والزيادة اليسيرة التي على المقوم، فإذا انضم إليه مثلها، صارت مما يتغابن فيه، فمنعت الزيادة. 1044 - قالوا: الزيادة محاباة، بدلالة أنها تعتبر في المرض من الثلث، فلو ألزمناه بالشراء بها لأجبرناه على هبة ماله. 1045 - قلنا: الزيادة اليسيرة التي تدخل بين التقويم تحتسب من رأس المال دون الثلث، فلم يسلم ما قالوه.

مسألة 51 إذا توضأ الكافر ثم أسلم فهو على طهارته

مسألة 51 إذا توضأ الكافر ثم أسلم فهو على طهارته 1046 - قال أصحابنا: إذا توضأ الكافر ثم أسلم فهو على طهارته. 1047 - خلافًا للشافعي. 1048 - لأنها طهارة بالماء، فإذا وجدت في حال الكفر تعلق بها حكم بعد الإسلام، كطهارة النجاسة. 1049 - ولأن كل ما صح من الصبي على وجه يسقط به الفرض بعد البلوغ صح من الكافر، كإزالة النجاسة. 1050 - قالوا: طهارة من حدث، فلم تصح من المشرك، كالتيمم. 1051 - قلنا: إطلاق الطهارة للتيمم لا تصح؛ لأنه لا يزيل الحدث. 1052 - ولأن التيمم أضعف من الوضوء؛ بدلالة: أنه يبطله الفراغ من الصلاة عندهم، ورؤية الماء على لأصلين؛ فجاز أن يعتبر فيه الإسلام وإن لم يعتبر في الوضوء. 1053 - وهذه المسألة مبنية على أصلنا: أن النية غير معتبرة في الوضوء فصحت من الكافر، ومعتبرة في التيمم فلم تصح من الكافر.

مسألة 52 يغسل الإناء من ولوغ الكلب كما يغسل

مسألة 52 يغسل الإناء من ولوغ الكلب كما يغسل من سائر النجاسات ولا يعتبر فيه العدد 1054 - قال أصحابنا: يغسل الإناء من ولوغ الكلب كما يغسل من سائر النجاسات، ولا يعتبر فيه العدد. 1055 - وقال الشافعي: يغسل سبع مرات إحداهن بالتراب. 1056 - لنا: حديث أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله ثلاثًا، أو خمسًا، أو

سبعًا)). ذكره أبو الحسن في الجامع الصغير، وابن قانع والدارقطني. 1057 - قالوا: رواه عبد الوهاب بن الضحاك عن إسماعيل بن عياش، وهما ضعيفان. 1058 - قلنا: لا يعتد بهذا القول حتى يبين جهة الضعف. 1059 - ثم إسماعيل بن عياش قالوا: هو ثقة فيما يرويه عن الشاميين ضعيف فيما يرويه عن المدنيين أو العراقيين، والراوي لا يصح أن يكون ثقة من وجه دون وجه. 1060 - قالوا: أو بمعنى بل.

1061 - قلنا: هذا ترك للظاهر، ولأن بل تستعمل للإضراب عن الأول واستدراك الثاني، وهذا لا يجوز في كلام صاحب الشرع. 1062 - قالوا: وقد تكون للتخيير، والشك؛ فيجوز أن يكون الراوي قد شك. 1063 - قلنا: الظاهر فيما رواه أنه من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فحمله على غير كلامه لا يصح إلا بدليل، وإذا كان من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يجز عليه الشك. 1064 - قالوا: الخبر يفيد وجوب العدد، وهذا خلاف قولكم. 1065 - قلنا: التخيير بين الأعداد المختلفة ينفي اعتبار العدد، ويبين أن الأمر يتعلق بالعدد الذي يغلب على الظن عنده. 1066 - ولا يقال: إن ما طريقه الظن لا يتقدر بالشرع كالنفقات؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قدر في غسل يد المستيقظ. 1067 - قلنا: وإن كانت النجاسة ليست بمرئية يعتبر فيها الظن بالاتفاق. 1068 - قالوا: فغالب الظن في زوال النجاسة لا ينتهي إلى السبعة غالبًا. 1069 - قلنا: يجوز أن يكون ذكر على طريق التأكيد ليبين أن الاقتصار على ما يغلب عنده الظن، وإن خرج من العادة.

1070 - ولأنه سبع ذو ناب، فلم يجب غسل سؤره سبعًا، كالفهد. 1071 - ولأنها نجاسة غير مرئية فلم يجب غسلها سبع مرات، كالبول. 1072 - ولأن كل نجاسة زالت بغسل السبعة زالت بما دونها، كسائر النجاسات. 1073 - قالوا: المعنى في الولوغ: أن الشرع ورد في غسله بجامد ومائع، ولم يرد بمثل ذلك في سائر النجاسات. 1074 - قلنا: إن أردتم الوجوب فهو موضع الخلاف، وإن أردتم الاستحباب بطل بالاستنجاء؛ لأن الشرع ورد فيه باستحباب الجامد والمائع؛ لأن أهل قباء كانوا يتبعون الأحجار الماء؛ قال الله تعالى: {فيه رجال يحبون أن يتطهروا}، وتبطل علية الأصل بسؤر الخنزير، ودم الكلب: لم يرد الشرع فيه بجامد ومائع، ويعتبر فيه العدد عندهم. 1075 - قالوا: نجاسة السؤر أصلية؛ لأن لعابه لم يكن طاهرًا، وسائر النجاسات قد كانت طاهرة ثم نجست. 1076 - قلنا: لا فرق بينهما؛ لأن لعاب الكلب يتولد من رطوبات بدنه، وكذلك يتولد من الأغذية التي كانت طاهرة في الأصل، كما أن دم الحيوان يتولد من الأغذية التي هي طاهرة في الأصل. 1077 - ولأن نجاسة البول والدم آكد من نجاسة السؤر؛ لأنها مجمع عليها والسؤر مختلف في طهارته، فإذا لم يعتبر العدد فيما اتفق عليه، فما اختلف فيه أولى. ولأنه غلب على ظنه حصول الإنقاء، فأشبه السبعة. 1078 - قالوا: المعنى في السبعة: أنه يشق في العدد الذي ورد به الشرع، وذلك لا يوجد فيما دونه. 1079 - قلنا: لا نسلم أن ما دون السبعة لم يرد الشرع به؛ لأن خبرنا يقتضي

الاقتصار على ما دون السبعة. 1080 - احتجوا بحديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فَلْيَغْسِلْهُ)) وروى أنه قال: ((طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسله سبعًا، الأولى منهن بالتراب)). 1081 - والجواب: أن هذا الخبر ضعفه مالك: قال ابن القاسم فيما سمعه عن مالك: ضعف مالك هذا الخبر مرارًا. 1082 - وقول مالك حجة في الحديث، ولأن الراوي أبو هريرة، وقد روى التخيير على ما قدمناه، وهو زائد، فيكون أولى. 1083 - ولا يقال: إن في خبرنا زيادة حكم؛ لأن الزيادة من طريق القول أولى، ولأنها زيادة مسموعة، ولأن من خبرنا زيادة قول وزيادة حكم، وهو التخيير. 1084 - ولأنه لو وجب الرجوع إلى زيادة الحكم كان الأخذ بالثمانية أولى؛ بحديث عبد الله بن المغفل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتل الكلاب، ثم قال: ((ما

لي وللكلاب، إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعًا وعَفِّروا الثامنة بالتراب)). وإسناد هذا الحديث أحسن من إسناد أبي هريرة، ولأن إيجاب السبعة يحتمل أن يكون في الوقت الذي شدد فيه أمر الكلاب وأمر بقتلها في حديث ابن المغفل، وقد نسخ ذلك وخف أمره للكلب. ويحتمل أن يكون في حال ما كان الغسل في غير الولوغ سبعًا. 1085 - وروى ابن عمر قال: كانت الصلاة خمسين، والغسل من الجنابة سبع مرات، وغسل الثوب من البول سبع مرات، فلم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على هذا حتى جعل الصلاة خمسًا والغسل من الجنابة مرة. فيجوز أن يكون الولوغ سبعًا في ذلك الوقت ثم نسخ كما نسخ غيره، يبين صحة هذا ما روي عن أبي هريرة من قوله في غسل الإناء من ولغ الكلب ثلاثًا، ويستحيل أن يفتي بخلاف ما سمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا وقد عرف ما يوجب النسخ.

1086 - قالوا: إحدى الطهارتين، فوجب أن يكون منها ما يفتقر إلى العدد، قياسًا على الطهارة من الحدث. 1087 - قلنا: طهارة الحدث لا يعتبر فيها العدد المختلف فيه، وهو تكرار الاستعمال في محل واحد، وإنما يعتبر عدد الأعضاء التي تعلق الحدث بها، فوزانه من مسألتنا ولوغ الكلب في أوانٍ غسل كل واحد منها واجب، ونعكس فنقول: فلا يكون التكرار فيها واجبًا، كطهارة الحدث. 1088 - قالوا: نجاسة ورد الشرع بإزالتها بعدد من جنس واحد، فوجب أن يكون انتهاء ذلك العدد كابتدائه، قياسًا على الاستنجاء. 1089 - قلنا: لا نسلم أن الشرع ورد بعدد؛ بدلالة ما بينا من التخيير، ولا نسلم أنه من جنس واحد؛ لأن التراب فيه، وهو جنس آخر. 1090 - وإذا سقط هذا الوصف انتقض بغسل الدم؛ لأن الشرع ورد فيه بعدد، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((حتيه، ثم اقرصيه، ثم اغسليه))، وانتهاؤه مخالف لابتدائه. 1091 - قالوا: ما اختص من النجاسات من بين جنسه بالغة غلظ الأمر فيه يؤدي إلى اجتنابه، قياسًا على الخمر. 1092 - قلنا: الإلف الذي يريدون به في الكلب كثرة الحاجة إلى دخوله في البيوت، وهذا المعنى في الأصول له تأثير في التخفيف، ولهذا حكم عليه بطهارة سؤر الهرة، وقال: ((إنها من الطوافين عليكم والطوافات))، فلم يجز أن يجعل ذلك

دلالة على التغليظ، وكذلك الخمر لا يجوز أن تكون العلة من وجوب الحد في شربها ما ذكر من العادة، وإنما يدعي مخالفنا أن ذلك ثبت بما يؤدي إليه من العداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة؛ فلم يجز الحكم بعلة لا تعرف. 1093 - ولأن التغليظ قد حصل في باب الكلب من وجه، وهو النهي عن إمساكه من غير حاجة؛ فلم يجز إثباته من وجه آخر، كما أن الخمر لما غلظ حكمها في الحد لم يغلظ في باب الطهارة.

مسألة 53 سؤر سباع البهائم نجس

مسألة 53 سؤر سباع البهائم نجس 1094 - قال أصحابنا: سؤر سباع البهائم نجس. 1095 - وقال الشافعي: طاهر. 1096 - لنا: حديث ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الماء يكون في الفلاة ينوبه السباع والدواب، فقال: ((إذا بلغ الماء قلتين لم يَحمل خبثًا)). فلولا أن أسآرها نجسة؛ لم يصح الجواب بذكر الخبث. 1097 - قالوا: روي في الخبر: تردها السباع والكلاب. 1098 - قلنا: هذا غير خبرنا، ولأن الخبث يرجع في الظاهر إلى كل واحد من المذكور. 1099 - قالوا: الغالب أنها إذا وردت الماء راثت فيه، والخبث يرجع إلى

الروث. 1100 - وقد روي في بعض الأخبار أنه سئل عن الماء تنوبه السباع وتروث فيه. 1101 - قلنا: السؤال وقع عن الورود، وذلك لا ينبئ عن الروث، فالظاهر أن الخبث يرجع إلى ما ذكر في الخبر دون ما لم يكن. 1102 - وما رووه في ذكر الروث فليس في خبر ابن عمر، فلا يلزمنا، ولأنه سبع يمكن الاحتراز منه، فكان نجس السؤر، كالكلب، ولأنه سبع محكوم بنجاسة لبنه، كالخنزير. 1103 - قالوا: المعنى في الأصل أنه متفق على نجاسته، والسباع مختلف في نجاستها. 1104 - قلنا: هذا لا يصح؛ لأن الكلب والخنزير مختلف في نجاستهما، كالسباع سواء. 1105 - قالوا: المعنى في الكلب أن الشرع ورد بتعفيره، والسباع بخلافه. 1106 - قلنا: علة الأصل تبطل بالهر؛ لأن الدارقطني روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يغسل الإناء من ولوغ الهر كما يغسل من ولوغ الكلب))، وهذا يقتضي التغفير، وعلة الفرع تبطل بالخنزير؛ لأن الشرع لم يرد تعفيره، وهو نجس. 1107 - قالوا: المعنى في الخنزير بين أهل الذمة يباع. ثم يبطل بحشرات الأرض والحر. ولأن كل حكم ثبت للكلب في الشرع ثبت مثله للذئب، أصله: إباحة قتله حال الإحرام. 1108 - واحتج المخالف بحديث جابر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الحياض التي بين مكة والمدينة تردها السباع، فقال - عليه السلام -: ((لها ما أخذت في بطونها، وما بقي فهو

لنا شراب وطهور)). 1109 - قالوا: روى جابر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل: أنتوضأ بما أفضلت الحمر؟ فقال: ((نعم! وبما أفضلت السباع)). 1110 - والجواب: أن الخبر الأول يرويه داود بن الحصين عن جابر، وبينهما رجل. ولأنه ورد في المياة الكثيرة. 1111 - وعند الشافعي: لا يؤثر فيها النجاسة، فلم يكن في الخبر دلالة على الجواز بطهارتها، بل يجوز أن تكون نجسة، وجواز الوضوء بأسآرها؛ لأن النجاسة عندهم لا تؤثر في الماء الكثير. 1112 - فأما الخبر الثاني: فيحمل على أن يكون المراد بالحمر: حمر الوحش، والسباع، ولأن هذا الخبر يحتمل أن يكون في حال إباحة لحمها، ويحتمل أن يكون في حال حظرها، وإذا احتمل سقط التعلق به.

1113 - ولا معنى لقولهم: إن السباع لم يبح لحمها في الشرع؛ وذلك لأن الأصل كان الإباحة حتى نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن لحم كل ذي ناب من السباع. 1114 - ومعلوم أن هذا الخبر لم يكن في حال إباحتها، وإنما هو بعدها، وأما بين البعثة وهذا الخبر كانت مباحة. 1115 - ولا يقال: إذا سلمتم أن أسآرها كانت طاهرة ثم ادعيتم النسخ لم تقبل الدعوى إلا بنقل؛ لأنا سلمنا طهارة سؤرها لأجل إباحة لحمها، فإذا زالت علة الحكم سقطت من غير نسخ. 1116 - ولا يقال: ثبوت تحريمها لا يدل على نجاسة سؤرها؛ لأن سباع الطير محرمة وأسآرها طاهرة، والآدمي محرم وسؤره طاهر، وذلك لما حرم لحمه من غير حرمة وأمكن الاحتراز عنه فهو نجس السؤر. 1117 - وقد ثبت تحريم سباع البهائم ولم يوجد فيها معنى الاستثناء، فثبت تحريم أسآرها. 1118 - قالوا: روي أن عمر بن الخطاب وعَمْر بن العاص رضي الله عنهما أتيا ماءً، فقال عمرو للراعي: يا راعي، أترد ماءكم السباع، فقال عمر: يا راعي،

لا تخبرنا بشيء، قالوا: ولو كانت نجسة لاحتاط في المسألة. 1119 - قلنا: هذا الخبر دلالة لنا؛ لأن عمر منع الراعي من الإخبار، ولو كانت طاهرة لم يمنعه ولم يلزمه الاحتياط؛ لأنه لا ظاهر للنجاسة، فلم يرد يلزم بالخبر فرضًا لم يكن لازمًا. 1120 - قالوا: نوع بهيمة بجوز بيعه، فكان سؤره طاهرًا، كالشاة. 1121 - قلنا: جواز البيع لا يدل على الطهارة؛ لجواز بيع الأعيان النجسة، وامتناع البيع لا يدل على النجاسة؛ لأن الحشرات لا يجوز بيعها وأسآرها طاهرة. 1122 - ولأن المعنى في الشاة طهارة لبنها، فكان سؤرها طاهرًا، ولم يحكم بنجاسة لبن السباع، كذلك آسارها. ولأن السؤر ينفصل من اللحم فيمكن الاتراز منه، فصار كما لو قع فيه لحم سبع، وسؤر الشاة ينفصل من لحمها كما لو وقع فيه لحم شاة. 1123 - قالوا: حيوان يجوز اقتناؤه على الإطلاق، كالإبل. 1124 - قلنا: الوسف غير مسلم؛ لأن اقتناء السبع كاقتناء الكلب: إن كان لغرض جاز، وإن كان لغير غرض لم يجز، والمعنى في الأصل ما قدمناه. 1125 - قالوا: حيوان يطهر جلده بالدباغ، كالشاة. 1126 - قلنا: يبطل على أصلنا بالكلب، ولأن طهارة العين بما يؤثر في الطهارة لا يدل على طهارتها، وإنما يدل على النجاسة؛ لأن الأعيان النجسة تحتاج إلى التطهير، والمعنى في الأصل ما قدمناه.

مسألة 54 يكره الوضوء بسؤر الهر

مسألة 54 يكره الوضوء بسؤر الهر 1127 - قال أبو حنيفة: يكره الوضوء بسؤر الهر. 1128 - خلافًا للشافعي. 1129 - لحديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبعًا، وإذا ولغ فيه الهر أن يغسله مرة)). وروي: ((ثلاثًا))، هذا يفيد الكراهة؛ ولأنها لا تجتنب النجاسات، فلا يؤمن أن يكون في فيها نجاسة فصارت كيد الصبي والمستيقظ. ولأن لحمها ممنوع منه من غير حرمة، فأثر ذلك في سؤرها، كالكلب. 1130 - احتجوا: بحديث أبي قتادة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((الهر ليست

بنجسة، وإنما هي من الطوافين والطوافات عليكم)). وهذا لا دلالة فيه؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - نفي النجاسات، والخلاف في الكراهة دون النجاسة. 1131 - قالوا: روي أنه توضأ بفضلها، ولو كان مكروهًا لم يتوضأ به. 1132 - قلنا: قد اعترض ابن شجاع على هذا الخبر، وقال: هذا لا يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 1133 - ولأنه يجوز أن يفعل المكروه على وجه البيان، كما أخر الصلاة إلى أوقاتها المكروهة. 1134 - قالوا: نوع بهيمة يجوز اقتناؤه على الإطلاق، فكان سؤره طاهرًا، كالإبل. 1135 - قلنا: الكراهة على طريقة أبي الحسن ليس بمعنى في الهر، وإنما هي النجاسة الطارئة، والاستدلال على طهارتها لا يؤثر من نجاسة حادثة.

مسألة 55 طهارة النجاسة إذا لم تكن مرئية تغسل

مسألة 55 طهارة النجاسة إذا لم تكن مرئية تغسل حتى يغلب على الظن زوالها 1136 - قال أصحابنا: طهارة النجاسة إذا لم تكن مرئية تغسل حتى يغلب على الظن زوالها. 1137 - وقال الشافعي: إذا كثرها بالماء طهرت. 1138 - لنا: قوله - عليه السلام -: ((إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا)) فاعتبر الثلاث؛ لأن غلبة الظن توجد عندها غالبًا، فلو كان المعتبر المكاثرة لذكرها واقتصر على مرة. ولأنه لا يتوصل إلى العلم بزوالها وما وجب علينا، ولا طريق فيه إلى العلم، فتعلق الفرض بالظن، كجهات القبلة. 1139 - ولأنه لم يغلب على ظنه زوال النجاسة؛ فصار كما لو لم يكاثرها، ولأنها نجاسة غير مرئية، فلم يعتبر فيها المكاثرة، كولوغ الكلب.

1140 - احتجوا: بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في بول الأعرابي: صبوا عليه ذنوبًا من ماء. 1141 - والجواب: أنه غلب على ظنه عليه الصلاة والسلام أن ذلك يزول بهذا القدر. 1142 - قالوا: قال لأسماء في دم الحيض: ((حتيه، ثم اقرصيه، ثم اغسليه بالماء)). 1143 - قلنا: هذه نجاسة مرئية، وزوالها يعلم يقينًا، فلذلك لم يشترط الظن. 1144 - قالوا: نجاسة لم يشترط فيها التراب، فلم يراع فيها العدد، كما لو غلب على ظنه طهارتها أول مرة. 1145 - قلنا: لا يراعى العدد، وإنما يراعى الظن، فإذا حصل بمرة جاز، وإن لم يحصل لم يعتبر العدد لمعنى فيه، وإنما يعتبر حصول الظن.

1146 - قالوا: لو غسل الصبي والمجنون النجاسة طهرت، ولا ظن لهما. 1147 - قلنا: المعتبر ظن المستعمل لا الغاسل، ألا ترى أن ماء المطر والسيل لو جرى على نجاسة فغلب على ظننا زوالها جاز الاستعمال وإن لم يكن هناك غاسل أصلًا، فعلم أن ظن الغاسل غير معتبر.

مسألة 56 سؤر الحمار والبغل مشكوك فيهما

مسألة 56 سؤر الحمار والبغل مشكوك فيهما 1148 - قال أصحابنا: سؤر الحمار والبغل مشكوك فيهما، ولا يسقط بهما الفرض. 1149 - خلافًا للشافعي. 1150 - لنا: أنه حيوان محرم الأكل لعين حرمته، فأثر ذلك في سؤره، كالكلب والخنزير، ولأن لبنه محرم؛ فلم يسقط الفرض باستعمال سؤره، كالكلب. 1151 - احتجوا: بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل فقيل: أنتوضأ بما أفضلت الحمر؟، فقال: ((وبما أفضلت السباع)). 1152 - وقد أجبنا عن هذا الخبر.

مسألة 57 ما ليس له دم سائل لا ينجس بالموت

مسألة 57 ما ليس له دم سائل لا ينجس بالموت 1153 - قال أصحابنا: ما ليس له دم سائل لا ينجس بالموت، ولا ينجس ما يموت فيه. 1154 - وقال الشافعي: ينجس بالموت ما لا يولد منه، فإن كان مما يولد منه لم ينجس ما مات فيه، وإن كان في غيره نجس. 1155 - لنا: ما رواه سلمان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن إناء فيه طعام أو شراب يموت فيه ما ليس له دم سائل، قال: ((هو الحلال أكله، وشربه، والوضوء به)). 1156 - وروى أبو سعيد، وأبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فامقلوه، ثم انقلوه، فإن في أحد جناحيه داء، وفي

الآخر دواء، وإنه يقدم ما فيه الداء))، ومعلوم أنه - صلى الله عليه وسلم - قصد استصلاح الطعام، وتكرار الفعل يؤدي إلى التلف، فلو كان ينجسه لبين ذلك. 1157 - وقد روى أبو هريرة من حديثه: ((ثم ألقوه))، إنما يكون فيه بعد موته. ولأنه حيوان ليس له دم سائل، فلا ينجس بالموت، ولا ينجس ما مات فيه، كالجراد ودود الخل إذا مات فيه. 1158 - ولأن ما لا ينجس نوعا من المائعات لا ينجس ما وقع فيه من غيرها، كالجراد وسائر الطاهرات. 1159 - ولا معنى لقولهم: إن المعنى في الجراد كونه مأكولا، وما اختلفنا فيه بخلافه؛ لأن الإباحة لا تمنع من نجاسة الموت، كالشاة، والحظر لا يوجب نجاسة الموت، كالآدمي. 1160 - احتجوا: بقوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة}، وهذا لا دلالة فيه؛ لأن التحريم لا ينبئ عن النجاسة، ولو أفاد التحريم النجاسة لم تكن نجاستها موجبة لنجاسة ما جاورها لأن دود الخل نجس عندهم ولا ينجس ما يجاروه. 1161 - ولأن المراد بالآية: تحريم الأكل؛ بدليل قوله تعالى:

{فمن اضطر}، والضرورة تبع الأكل، والاستثناء من جنس المستثنى منه، فعلم أن المراد أول الآية تحريم الأكل، وعندنا أن ما اختلفنا فيه محرم وإن كان طاهرًا. 1162 - قالوا: حيوان لا يؤكل لا لحرمته، فوجب أن ينجس بالموت، وإذا مات في ماء قليل نجسه، أصله: ما له دم سائل. 1163 - قلنا: اعتبار تحريم الأكل لا معنى له في النجاسة؛ لأن التحريم يوجد في الأعيان الطاهرة، كالسبع عندهم، والآدمي على الأصلين. 1164 - ولأن المعنى فيما له دم سائل: أنه لما نجس بعض المائعات نجس جميعها، ولما كان من لا دم له لا ينجس بعض المائعات؛ لم ينجس باقيها. 1165 - ولأن أصل هذه العلة: إن كان ما يؤكل من الحيوان، لم يصح أن يقال: هو محرم، وإن كان الأصل ما لا يؤكل فهو نجس في حال الحياة، فلا يصح أن يقال: إنه ينجس بالموت. 1166 - قالوا: الحيوان على ضربين: منه ما له دم سائل، وما ليس له دم سائل، فإذا كان ما له دم سائل، ينقسم: منه: ما ينجس بالموت، ومنه: ما لا ينجس بالموت، فما ليس له دم سائل: يجب أن ينقسم: منه: ما ينجس بالموت ومنه: ما لا ينجس. 1167 - قلنا: إذا مات نَجَّس؛ لنجاسة دمه فيه، وما لا ينجِّس بالموت محكوم بطهارة دمه، فعلى هذا ما لا دم له يجب أن يحكم بطهارته. 1168 - ولأن العلة التي لأجلها نجس ما له دم، لا توجد فيه. 1169 - ولأنا بينا أن ما له دم سائل دليلنا؛ لأنه لما نجس بعض المائعات نجس جميعها، وعكسه السمك: لما لم ينجس بعضها لم ينجس جميعها.

1170 - وقد ثبت في مسألتنا: أن دود الخل، وذباب الباقلا، ودود الفاكهة، لا ينجس ما مات فيه منها، فلم ينجس غيرها. 1171 - ولا معنى لقولهم: إن دود الخل نجس ولا ينجس الخل؛ لأنه لا يمكن حفظه منه، ويمكن حفظ الماء من إلقائه فيه؛ لأن هذا الفرق يوجب أن لا ينجس الماء بالبق والذباب.

مسألة 58 إذا وقعت النجاسة في الماء نجس، قليلا كان أو كثيرا

مسألة 58 إذا وقعت النجاسة في الماء نجس، قليلا كان أو كثيرا 1172 - قال أبو حنيفة: إذا وقعت النجاسة في الماء نجس، قليلًا كان أو كثيرًا، إلا ما يعلم أن النجاسة لم تصل إليه، ولا يعتبر تغير الأوصاف. 1173 - وقال الشافعي: إذا كان الماء قلتين لم ينجس حتى يتغير. 1174 - لنا: قوله - عليه السلام -: ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه)) والغالب في الماء الدائم أنه أكثر من قلتين. 1175 - ولا يقال: إن الخبر يقتضي تحريم البول دون النجاسة؛ لأن الخبر يقتضي المنع من استعماله: بقوله: ((ثم يغتسل فيه))، وهذا موضع الخلاف. 1176 - ويدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام: ((إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فأريقوه، ثم اغسلوه سبعًا))، ولم يفصل بين كبير وصغير.

1177 - وروي أنه قال: ((إذا قام أحدكم من منامه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا))، فاحترز من نجاسة تكون على يده ولا تظهر، ومعلوم أن ذلك لا يغير أوصاف الماء، فلو كان لا ينجس لم يكن للاحتراز معنى. 1178 - ولأن ما ينجس قليله بمخالطة النجاسة؛ نجس كثيرة، كالخل واللبن. 1179 - ولأن ما ينجس بظهر النجاسة ينجس بمخالطتها، كما دون القلتين. 1180 - ولا معنى لقولهم: إن المائعات يصان قليلها وكثيرها بالظروف، والماء يصان قليله بالإناء ولا يصان كثيره. 1181 - ولأن عندهم الماء الكثير لا يؤثر فيه النجاسة لغلبته عليها إلا بتعذر بمغلوب، فلم يصح الفرق بما لا يقولون به. 1183 - ولأن العبادة تتعلق بما يستعمله من الماء، فإذا خالط ذلك القدر النجاسة يمنع، كما لو أخذه من ماء قليل. 1184 - ولأن ما يقع به التطهير يمنع من مخالطة النجاسة وإن لم يتغير، كالتراب الذي يتيمم به.

1185 - ولا يلزم وقوع البعرة في البئر؛ لأنا عللنا للمخالطة، ومتى خالطت البعرة الماء منعت. 1186 - ولأن النجاسة تؤثر في الماء كما تؤثر في الثوب والبدن، فإذا استوى في أحدهما ما ظهر منها وما لم يظهر كذلك الآخر. 1187 - ولأن تأثير النجاسة في الماء أبلغ من تأثيرها في الثوب؛ بدلالة أن يسيرها يعفى عنه في أحدهما وإن ظهر ولا يعفى في الآخر. 1188 - فإذا استوى في الثوب ما يظهر من النجاسة وما لا يظهر؛ فالماء أولى. 1189 - احتجوا: بحديث أبي أمامة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الماء طهور لا ينجسه إلا ما غير طعمه، أو ريحه، أو لونه)). 1190 - والجواب: أن رواية محمد بن يوسف الغصيصي، وهو لا يعرف عن راشد بن سعد، وهو ساقط الرواية ظاهر الجرح. 1191 - قال الدارقطني: لم يرفعه عن راشد غير معاوية بن صالح وليس

بالقوي. 1192 - وقال ابن المديني: لم يكن يحيى القطان يرضى معاوية بن صالح، ولا يروي عنه. 1193 - وقد رواه الثقات -مثل ابن إسماعيل الضراب، وعيسى بن يونس- وأوقفوه، ولأن الخبر متروك الظاهر، فعلمنا أن النجاسة تؤثر فيه بأن لم يتغير باتفاق. 1194 - فكان معناه: لا يصير في حكم النجاسات إلا بالتغير، كما قال عليه الصلاة والسلام: ((المؤمن لا ينجس))، وقال: ((ليس على الأرض من الجائر الشيء))، معناه: أن الأرض لا تنجس بنفسها وإن جاورها

النجاسة، وحمل الخبر على هذا التأويل أولى؛ لأنا ننفي عمومه في القليل والكثير، وحمله على ما يقولونه يؤدي إلى التخصيص في القليل، ومن نفي العموم فهو بالظاهر أولى. 1195 - احتجوا: بحديث أبي سعيد الخدري أنه قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ألا نتوضأ من بئر بضاعة وهو بئر يطرح فيها المحائض ولحوم الكلاب، وما ينجس الناس فقال: ((الماء لا ينجسه شيء)). 1196 - والجواب: أن هذا الخبر مداره على الوليد بن كثير، وهو مدني لم يرو عنه أهل المدينة، وقالوا: كان أباضيا، فرواه عن محمد بن كعب القرظي، عن عبيد الله بن عبد الله. 1197 - ورواه محمد بن إسحاق، عن سليط بن أيوب، عن عبد الرحمن بن رافع، عن أبي سعيد.

1198 - ورواه إبراهيم بن سعد عن سليط عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع. 1199 - ولو كان هذا الحديث معروفًا برواية رجل لم يقع الاختلاف في اسمه. وسليط بن أيوب غير معروف بالرواية، وإنما روى عنه ابن إسحاق، وكان لا يبالي عمن أخذ. 1200 - ولم يقل: حدثنا، وإنما قال: عن سليط، وهو ممن يعرف بالتدليس عن الثقات، على أن الخبر لا يجوز أن يكون محمولًا على ظاهره؛ لأن طرح النجاسات في الماء منهي عنه في الشرع، فكيف يجوز أن يخبَر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإلقاء ما ذكر من النتن ولا ينكره، بل يقر عليه، ولأن المعلوم من نزاهته ونظافته وبعده عن الرائحة المستنكرة وإيثاره للطيب أنه لا يتوضأ بما يلقى فيه الكلاب والمحائض، فلم يبق إلا أن تكون هذه البئر كانت -كما ذكر- في الجاهلية، فأشكل على القوم حالها في الحال وإن لم يقع فيها نجاسة؛ لمكان النجاسة المتقدمة. 1201 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((الماء لا ينجسه شيء إلا ما غير لونه))، فتبين أن تلك النجاسة لما لم يبق أثرها لم يبق حكمها مع كثرة النزح.

1202 - ويبين ما قلناه أن أبا داود قال: أكثر ما يكون الماء في بئر بضاعة إلى السرة، وأقله إلى العورة، يعني الركبة. 1203 - ومثل هذا إذا دام وقوع النجاسة فيه ظهرت، فدل أن السؤال وقع عن حالة سابقة. 1204 - فأما قوله: ((لا ينجسه شيء)) فقد أجبنا عنه. 1205 - ثم نقول: إنه - صلى الله عليه وسلم - بقى الماء على الطهارة، ونقله عن الأصل بتغير الأوصاف؛ لأن تغيرها يوجب تغير النجاسة، ووقع النجاسة فيه إذا بلغ في باب اليقين؛ لأن التغير قد يكون بغير النجاسة، فصار ذكر التغيير تنبيهًا على ما هو أقوى في النفس، كما ينبه بالأدنى على الأعلى. 1206 - وقد ذكر ابن شجاع عن الواقدي -وهو أعرف الناس بالمدينة- أن بئر بضاعة مجرى الماء إلى البساتين، والماء الجاري لا تستقر فيه النجاسة. 1207 - ولا يقال: لو كان كذلك ما أشكل حالها؛ لأن هذا مشكل لجواز؛ أن يظنوا أن الماء إذا نجس نجس ما يجاوره، فلم تزل النجاسة أبدا.

1208 - احتجوا: بحديث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثًا))، وروي: ((فإنه لا ينجس)). 1209 - والجواب: أن هذا الخبر مداره على الوليد بن كثير -ولم يروه عنه أهل المدينة وهو مدني، وقد ضعفه الساجي -عن محمد بن جعفر بن الزبير- وليس بثبت، ولا معروف بالرواية، ولذلك لم يرو عنه أحد من الأئمة في زمانه -عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، وتارة عن عبيد الله بن عبد الله، وهذا اضطراب عندهم، وأصحاب الحديث لا يصححون رواية أحد من ولد ابن عمر إلا سالم. 1210 - ورواه محمد بن وهب السلمي عن ابن عياش، عن محمد

ابن إسحاق عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ومحمد بن وهب ضعيف. 1211 - قال الدارقطني: المحفوظ عن ابن عياش، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر، وهذا طعن منه. 1212 - ورواه عبد الوهاب بن عطاء، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري عن سالم عن أبيه، وعبد الوهاب اختلط عقله، وروى في اختلاطه، لذلك لا يعتمد على حديث رواه. 1213 - ورواه حماد بن سلمة عن عاصم بن المنذر بن الزبير، عن عبيد الله بن عبد الله، وخالفه حماد بن زيد، وهو أوثق منه، فرواه عن عاصم بن المنذر، وأوقفه على ابن عمر، فهذا اضطراب سند الحديث. 1214 - وقد روي من طرق الصحاح موقوفا على ابن عمر، أوقفه إسماعيل ابن علية وحماد بن زيد، وليس فيها أسنده ما يقارب

هؤلاء. 1215 - وقد روى الشافعي هذا الخبر فقال: رواه ابن جريج بإسناد لا يحضرني. فحكي عن أبي يوسف داود أنه قال: الإسناد لم يحضره، ولا يحضر أبدًا؛ لأنه لا أصل له. 1216 - والذي يبين ضعفه أنه حديث مدني لم يروه أئمة المدينة ولا ذكره أحد من الناس في الصحيح، ثم هو مضطرب المتن: روي: قلتين أو ثلاثًا، وروى جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا بلغ الماء أربعين قلة)). وهذا اضطراب في المتن. ثم القلة مجهولة؛ لأنها عبارة عن أشياء مختلفة تتفاوت، ليس بعضها أولى من بعض، واعتبارهم لقلال هجر تقليد؛ لأن ابن جريج لا يصح؛ لأن التقليد لا يجوز في موضع خلاف؛ ثم قد قال هشيم: القلال: الجرار الكبار، فلم يكن

الرجوع إلى قول ابن جريج أولى من قوله. 1217 - ثم قلال هجر مختلفة في نفسها، كقلال كل بلد. 1218 - وقولهم: إنه روي في الخبر: ((إذا بلغ الماء قلتين بقلال هجر)) لا يصح؛ لأن هذا لم يذكر في موضع يوثق به. 1219 - وقيل: تفرد به المغيرة بن سقلاب، وهو ضعيف، والأشبه أن المراد بالقلة: قامة الرجل أو سنام الجمل؛ لأن الماء يقدر في الغالب بالأذرع والقمامات. 1220 - ولا يقال: إن الخبر قد أفاد التحديد، وهو خلاف قولكم؛ لأن القلتين إن كان المراد بها ما ذكرناه فهو من الغالب ما لا يتحرك أحد طرفيه بتحريك الآخر، وهو تعيين.

1221 - ولأن قوله: ((لا يحمل خبثًا)) معناه: يضعف عن حمله، كما يقال: الحل لا يحتمل الغش. 1222 - ولا يقال: إن هذا يذكر في الأعيان، فأما الأحكام فمعناه: الالتزام دون القوة والضعف؛ لأن قوله: يضعف عنه معناه: ولا يلزمه حكمه، وهذا حكم لا عين. 1223 - قالوا: فقد روي: ((لا ينجس)). 1224 - قلنا: أصل الخبر: ((لا يحمل خبثًا))، فاللفظ الآخر تأويل الراوي. 1225 - ألا ترى أن قوله: ((لا يحمل خبثًا)) محتمل، وقوله: ((لا ينجس)) لا يحتمل؛ والراوي لا يسمع الصريح وينقل المحتمل، وقد يسمع المحتمل فينقل أحد جهات الاحتمال إذا قرت في نفسه. 1226 - ولا معنى لقولهم: لو كان المراد: يضعف عن حمله لم يكن لتخصيص القلتين وذكر ما زاد عليها فائدة، وإنما أراد أن يبين أن النجاسة تؤثر في الماء الكثير ليعلم القليل من طريق الأولى، ولأن الأخبار التي قدمناها رويت من طرق صحيحة، واشتهر عمل السلف بها: 1227 - فقال علي - عليه السلام - في البئر تقع فيها فأرة: ينزح ماؤها. 1228 - وأمر ابن عباس بنزح زمزم لما وقع فيها الزنجي.

1229 - والرجوع إلى الأخبار الصحيحة المختلفة الطرق التي وافقها عمل السلف أولى. 1230 - ولا يقال: إن الشافعي قال: لا أصل لخبر زمزم؛ لأنا لا نعرفه بمكة؛ لأن ذلك رواه ابن سيرين بإسناد لم يطعن عليه، ذكره الدارقطني وغيره، فلا يسقط جحود الشافعي. 1231 - ولا يجوز أن يقال: إن الماء تغير؛ لأنه لم ينقل في خبر على تفصيل، وابن عباس قال: انزحوا جميع الماء. ولم يقل: انزحوا حتى يزول التغير. 1232 - قالوا: لأنه ماء بلغ حدًّا لا يحفظ من النجس في العادة، فإذا وقع فيه نجاسة لم تغيره لم يحكم بنجاسته، كالغدير العظيم. 1233 - قلنا: لا نسلم أن قدر القلتين لا يحفظ غالبًا؛ لأن ذلك يصان بالظروف ويحفظ كما دونه، والغدير العظيم غير مسلم؛ لأن مكان النجاسة منه نجس، وما لم تصل إليه النجاسة كغدير آخر. 1234 - قالوا: فأصل علتنا: البعرة إذا وقعت في الماء. 1235 - قلنا: هذا موضع استحسان، فلا يقاس عليه، ولأنا لا نسلم أن النجاسة في البعرة خالطت الماء ولا جاورته؛ لأن عندنا يفصل بين النجاسة والماء فاصل من رطوبة الخلقة، كنجاسة في وعاء وقعت في الماء، فأما إن اختلطت البعرة بالماء أو جاورت أجزاؤها؛ فإنها تنجس عندنا. 1236 - قالوا: أمر النجاسة مبني على أن ما لا يمكن التحرز منه عفي عنه، وما يمكن الاحتراز منه لم يعف عنه، والماء كثير لا يحترز فيه من النجاسة، فعفي عنها.

1237 - قلنا: ما لا يمكن الاحتراز منه لا يعتبر به في الماء، بدلالة ما لا نفس له. 1238 - ولأن المواضع التي وقع التقدير في النجاسة المعفو عنها إنما عفي عن قدر منها دون قدر، أو عن عين دون عين. فأمَّا أن يعفى عن مقدار ما يصيبه، أو يعفى عن بعض الأعيان التي يصيبها دون بعض فلا.

مسألة 59 إذا كان معه في سفر ماء طاهر

مسألة 59 إذا كان معه في سفر ماء طاهر وماء نجس لم يتحر فيهما 1239 - قال أصحابنا: إذا كان معه في سفر ماء طاهر وماء نجس لم يتحر فيهما، وإن كان الطاهر في موضعين والنجس في موضع واحد جاز التحري. 1240 - وقال الشافعي: يتحرى في الجمع. 1241 - لنا: قوله تعالى {فلم تجدوا ماء فتيمموا} ولم يعتبر الوجود والتحري. 1242 - وفي مسألتنا: لا يجد الماء إلا بعد التحري، وذلك لا يقتضيه الظاهر، فجاز له التيمم. 1243 - ولأن الماء النجس لا يجوز استعماله في التطهير بحال، وتأكد الحظر له تأثير في المنع من التحري، كالفروج. 1244 - وليس في الماء موضع يمنع من التحري إلا عند التساوي. 1245 - ولأن ما منع التحري في الماء والبول منع في الماء النجس والطاهر، أصله: القدرة على ماء آخر، ولأن حظر استعمال الماء النجس في الطهارة كحظر البول والمائعات الطاهرة، فإذا لم يجز التحري في أحد الموضعين عند المساواة كذلك الآخر. ولأن المحظور ساوى المباح الذي لا يجوز استعماله بحال فيما وقع التحري لأجله، فأشبه إذا كان أحدهما غير النجاسة أو ما الخلاف. 1246 - ولا معنى لقولهم: إن المساواة إن عنيتم بها عدد الأواني، فالإناء لا

يوصف بالحظر والإباحة، وإن عنيتم بها الماء، فتساويه غير معتبر عندكم، وذلك أنا نريد بالمساواة الجهات، فجهة المحظور ساوت جهة الإباحة، ولا نعني بذلك الماء ولا الإناء. 1247 - ولا معنى لقولهم: إن البول نجس الأصل، والتحري يقع فيما كان في الأصل طاهرا فنجُس ليرد إلى حكمه في الأصل؛ لأن ما لا يجوز التحري فيه يستوي فيه التحريم الطارئ عند الاشتباه. 1248 - ولأن التحري يطلب لتمييز الطاهر من النجس، وظهور البول وغيره من الماء أقرب من ظهور الماء النجس، فإذا كان المقصود تمييز الماء الطاهر كان التحري في الماء والبول أولى؛ لقرب التمييز. 1249 - احتجوا: بقوله تعالى {فاعتبروا يا أولي الأبصار}، وهذا لا دلالة فيه؛ لأن الاعتبار عبارة عن النظر في الأحكام والعلوم، فأما تمييز الأشياء بعضها من بعض فلا يتناوله الاسم على الإطلاق، ولو تناولها كان مخصوصا بما ذكرنا. 1250 - قالوا: كل جنس دخله التحري إذا كان عدد الطاهر أكثر، دخله وإن كان النجس أكثر، كالثياب. 1251 - قلنا: حكم الثياب مخالف للماء؛ لأن النجاسة قد سومح فيها في الثوب ما لم يسامح في غيره؛ ألا ترى أن الثوب النجس النجس يجوز أن يسقط به الفرض في بدنه إذا ستر عورته عن غيره، والماء النجس لا يجوز استعماله في البدن، وقليل النجاسة في الثوب معفو عنه بالاتفاق. ولم يعف عنه في الماء القليل، وتجوز الصلاة عندنا في الثوب النجس إذا لم يجد غيره. 1252 - وإذا جفّت نجاسة الثوب ووجب استعمال الثوب الطاهر جاز التحري بكل حال.

1253 - ولما غلظ حكم الماء النجس وخف حكم الطاهر لأنه يجوز تركه مع وجوده إلى بدل عندنا لعذر -والاشتباه عذر- فمتى لم يرجح الطاهر على النجس قوي حكم النجس وضعف الطاهر، فلم يجز التحري، فإذا زادت الآنية الطاهرة قوي المسلمين جازت الصلاة، وعندهم إذا غلب الماء الكثير على النجاسة سقط حكمها، وإن غلبت النجاسة سقط حكم الماء، فلذلك قوي الطاهر، فالغلبة توجب التحري. 1254 - قالوا: كل ما دخله الاجتهاد والتحري لم يختلف حكمه، بكون المباح أكثر أو المحظور، كالثياب وجهات القبلة وطرق الاجتهاد. 1255 - وهذا ليس بصحيح؛ لأنا قلنا افتراق حكم الغلبة وغيرها في قياس الثياب والماء. 1256 - وأما جهات القبلة فليس هناك حظر غالب؛ لأن الصلاة تجوز إلى كل الجهات بحال، فقوي أمر القبلة وضعف المنع فيما سواها، فكذلك تجري، وأما الحوادث فلا يمكن الاجتهاد فيها إلا مع غلبة الاشتباه، ألا ترى أن الجهات فيها تكثر غالبا، فلذلك وجب الاجتهاد بكل حال. 1257 - ولأن الثياب وجهات القبلة والأحكام لو أسقطنا التحري لسقط الفرض ولم يقم غيره مقامه، ومتى أسقطنا التحري في مسألتنا قام مقام الماء التيمم، فلذلك وجب هناك بكل حال، وافترقت أحواله في مسألتنا. 1258 - قالوا: التحري يراد لتمييز الطاهر من النجس، وهذا في الاثنين أمكن من الثلاث؛ لأن الاشتباه يقل فيهما، فكان أولى.

1259 - قلنا: هذا غلط؛ لأن عدد الطاهر متى زاد فإصابة الطاهر عند الاشتباه أجران. 1260 - ألا ترى أن له جهتين والنجس جهة، وإصابة الأكثر أقرب من إصابة الأقل، فلم يصح ما قالوه.

مسألة 60 إذا اشتبه الماء بغير النجاسة أو بماء الشجر

مسألة 60 إذا اشتبه الماء بغير النجاسة أو بماء الشجر والغلبة للماء جاز التحري 1261 - قال أصحابنا: إذا اشتبه الماء بغير النجاسة أو بماء الشجر، والغلبة للماء جاز التحري. 1262 - وقال الشافعي: لا يتحرى أبدًا. 1263 - لنا: أن تمييز الماء مما ليس بماء أقرب من تمييزه بماء نجس، فإذا وجب التحري هناك فهاهنا أولى. ولأن الطاهر غلب على المحظور الذي لا يجوز استعماله بحال في الطهارة، فأشبه الماء النجس والطاهر. 1264 - قالوا: الاشتباه حصل في محظور ومباح من أصله فلم يدخله التحري، كالمذكاة والميتة، والأخت والأجنبية. 1265 - قلنا: لا يتغير بالحظر، والأصل والحظر الطارئ إذا كان المنع متعلقا بكل واحد منهما كالآخر. 1266 - ألا ترى أن ما عفي عنه من النجاسة عندنا لا فرق فيه بين الأصلي منها والطارئ، وما لم يعف عنه يتساويان فيه، وكذلك على أصلهم لا فرق بين وقوع الماء النجس في القلتين أو وقوع الترك، فلم يصح الفرق بينهما. 1267 - فأما المذكاة والميتة، فيجوز التحري إذا غلب المذكى، كما يجوز إذا غلبت الأواني. وأما الأخت والأجنبية فلا يجوز التحري، ليس لأن الحظر من الأصل؛ ألا ترى أن الأجنبية لما اختلطت بأم امرأته لم يجز التحري وإن كان الحظر طارئا، وفي الموضع الذي يجوز الاجتهاد في الفروج عندنا لا يختلف الحظر الطارئ والأصلي، كمن اختلطت أخته بنساء بلد جاز أن يتحرى ويتزوج.

مسائل المسح على الخفين

مسائل المسح على الخفين [61 - 70] مسألة 61 إذا مسح المقيم بعض مدة الإقامة ثم سافر أتم مدة السفر 1268 - قال أصحابنا: إذا مسح المقيم بعض مدة الإقامة ثم سافر، أتم مدة السفر. 1269 - وقال الشافعي: يمسح مسح المقيم. 1270 - لنا: قوله - عليه السلام -: ((يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن)). وهذا مسافر، ولا يعترض عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((والمقيم يوما وليلة))، لأنه بعد السفر لا يسمى مقيما. 1271 - ولا يقال: إن الخبر يقتضي من يسير ثلاثة أيام في السفر، ومن كان مقيما في الابتداء لا يسير في السفر ثلاثة أيام، فلا يتناوله الخبر؛ وذلك لأن الخبر يقتضي مسح ثلاثة أيام للمسافر: قامت الدلالة على إسقاط ما تقدم في الإقامة، بقي ما سواه.

1272 - ولأنه مسح صادف حال السفر، فجاز أن يستوفي رخصة المسافر، كالمبتدئ في السفر. 1273 - ولأنه سافر مع بقاء مدة المسح، فأشبه إذا سافر قبل المسح. 1274 - ولا يقال: إن من سافر فقد ابتدأ العبادة حال الإقامة؛ وذلك أن سبب الرخصة الحدث دون المسح، وابتداء المدة يعتبر منه، فإذا كان حصول ابتداء المدة في حال الإقامة لا يمنع من الانتقال بالسفر، فكذلك ابتداء المسح في الإقامة لا يمنع الانتقال. 1275 - ولأنه معنى يتكرر في مدة ويؤثر في السفر، فكان المعتبر بحال الفعل، كالصوم والصلاة. 1276 - ولأن الحكم المتعلق بالمدد إذا طرأ الكامل على الناقص جاز أن يغير ما تقدم، كالحرية إذا طرأت على السفر. 1277 - احتجوا: بأنه معنى يختلف بالسفر والحضر، فإذا تلبس بها في الحضر ثم سافر وجب أن يغلب حكم الحضر، كمن افتتح الصلاة في سفينة ثم انحدرت. 1278 - والجواب: أن قولهم (معنى) إن أرادوا به المسح، فذلك لا يختلف بالسفر والحضر، وإن أرادوا المدة، فافتتاح المدة في الحضر لا يمنع الانتقال بالاتفاق، كمن أحدث ولم يمسح حتى سافر. 1279 - ولأن الصلاة عبادة واحدة، فإذا افتتحها في الحضر لزمت بالافتتاح كاملة، فلم تتغير بالسفر، وأما المسح فهو عبادات، فحل محل الصلوات، فلا تعتبر الإقامة في أحد ما ينافيها. 1280 - ولا يقال: إن المدة واحدة، فالمسحات فيها كأركان الصلاة الواحدة؛

لأن الصلاة الواحدة لا ينفرد بعضها عن بعض، والمسحات تنفرد بعضها عن بعض، ولا يفسد بعضها بفساد بعض، فحلت محل الصلوات. 1281 - قالوا: فيجعل أصل العلة المسح الواحد إذا اجتمع فيه السفر والإقامة، وذلك مثل أن يمسح أحد الخفين في السفينة ثم تنحدر فيمسح على الأخر، فيجتمع في مسح واحد السفر والإقامة. 1282 - قلنا: مدة المسح في السفر أكمل وفي الإقامة أنقص، فإذا اجتمع حكمهما في مسح واحد اعتبر الأكمل، كما أن صلاة الإقامة لما كانت أكمل من صلاة السفر ثم اجتمع السفر والإقامة في صلاة واحدة اعتبر الإقامة التي هي أكمل؛ لأن إتمام الصلاة يثبت في حال الإقامة في صلاة واحدة اعتبر الإقامة التي هي أكمل؛ لأن إتمام الصلاة يثبت في حال الإقامة وحال السفر، كمن اقتدى بمقيم، والصلاة السفر تثبت في حال السفر ولا تثبت في حال الحضر، فلما اجتمع حكم السفر والحضر يغلب حكم الإقامة التي يثبت حكمها في الحالتين، فأما المسح فلا يثبت الاقتصار على مدة الإقامة في حال السفر، ولا يثبت مسح السفر في حال الإقامة، فلم يتغلب أحد الأمرين، فوجب اعتبار الفعل مما هو فيه من السفر. 1283 - قالوا: ماسح جمع بين حضر وسفر فوجب أن يغلب في حقه حكم الحضر، كما لو مسح في السفر ثم أقام. 1284 - قلنا: حكم السفر والإقامة إنما يتغلب إذا اجتمعا في فعل واحد، فأما في فعلين فلا يعتبر، كالصلاتين، ثم نقلب العلة فنقول: فوجب أن يكون الحكم الطارئ، أو فوجب أن يعتبر ما يقارن الفعل، أصله: ما ذكروه. 1285 - قالوا: حكم الغسل والمسح إذا اجتمعا غلب حكم الغسل، كما لو نزع أحد الخفين. 1286 - قلنا: لا نسلم أن حكم الغسل ثابت في مسألتنا؛ لأنه إذا جاز له المسح

إلى آخر المدة فلم يثبت حكم الغسل، ولأن من ينزع أحد الخفين لم يغلب حكم الغسل، ولكن لأن المسح لا ينفرد في أحد الخفين فوجب الغسل لبطلان المسح، لا لتغليب الغسل. 1287 - قالوا: كل عارض ورخصة إذا اجتمعت مع أصلها غلب حكم الأصل وأسقط حكم العارض، كالإقامة والسفر في الصلاة. 1288 - قلنا: لم يجتمع في مسألتنا أصل وعارض؛ لأن الأصل ليس هو مسح الإقامة، وإنما هو الغسل، ومسح الإقامة عارض ومسح السفر عارض، فطرأت رخصة على رخصة، فجاز أن يعتبر أكمل الرخصتين، كالمحبوس في المصر إذا تيمم ثم سافر في الوقت فعدم الماء، صلى بذلك التيمم صلاة تسقط الفرض، وقد كان تيمم على وجه لا يسقط الفرض، فلم ينتقل من أدنى الرخصتين إلى أكملهما.

مسألة 62 إذا غسل إحدى رجليه ولبس خفه ثم غسل الأخرى

مسألة 62 إذا غسل إحدى رجليه ولبس خفه ثم غسل الأخرى ولبس الخف الآخر جاز له المسح إذا أحدث 1289 - قال أصحابنا: إذا غسل إحدى رجليه ولبس خفه ثم غسل الأخرى ولبس الخف الآخر جاز له المسح إذا أحدث. 1290 - وقال الشافعي: لا يجوز المسح حتى يبتدئ اللبس بعد كمال الطهارة. 1291 - لنا: حديث صفوان أنه قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا ننزع خفافنا إذا كنا سفرا ثلاثة أيام. ولم يفصل. 1292 - ولأن الحدث صادف طهارة كاملة مع اللبس، فأشبه إذا لبسهما بعد كمال الطهارة. 1293 - ولا يقال: المعنى في الأصل أنه ابتدأ اللبس على طهر كامل، وفي مسألتنا

ابتدأ اللبس قبل كمال الطهارة، واللبس سبب الرخصة، فصار كمصادفة الحدث عدم الطهارة؛ وذلك أن سبب الرخصة وجود اللبس عند الحدث، فأما ابتداء اللبس فليس بسبب، فلم نسلم ما ذكروه. 1294 - ولأنه لو جدد البس جاز له المسح، فكذلك إذا بقي على اللبس، أصله ما قدمناه. 1295 - ولأن النزع له تأثير في بطلان الرخصة، فإذا كان لو نزع ولبس جاز له المسح إذا أحدث، فإذا بقي على اللبس أولى. 1296 - ولا يقال: إن حكم البقاء على اللبس والابتداء قد يختلفان، ألا ترى أن بعد الحدث لو بقي على اللبس استكمل الرخصة ولو نزع ولبس لم يستكمل؛ لأن هذا دليلنا؛ وذلك أن النزع أثر في البطلان، والبقاء أثر في الصحة، فإذا كان المسح بجوز لو نزع فإذا بقي أولى. 1297 - ولا يقال: إن المحرم لو اصطاد وحل منع من البقاء على الصيد، ولو أرسله وأخذه جاز، ولا يعتبر البقاء على الإمساك بالابتداء؛ وذلك لأن حظر الصيد يتعلق بالابتداء، والبقاء يتبع الابتداء، فإذا ابتدأ الأخذ على وجه منهي لم يقع الملك في البقاء، وإذا أرسل ثم اصطاد فقد حصل الابتداء غير منهي، فجاز البقاء. 1298 - فأما رخصة المسح فتعود إلى البقاء على اللبس دون الابتداء، ألا ترى أن اللبس غير مترخص، وإنما يترخص المحدث الباقي على اللبس، فثبت أن الرخصة تعود إلى البقاء، فإذا جاز إذا ابتُدئ فالبقاء أولى. ولأن اجتماع لبسهما في حاله غير معتبر، كذلك اجتماع طهارتهما عند اللبس. 1299 - احتجوا: بقوله - عليه السلام -: ((للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوما وليلة إذا تطهر فلبس خفيه))، والفاء للتعقيب، فدل على أن شرط الرخصة تقدم

الطهارة على اللبس. 1300 - والجواب: أن هذا الخبر قد روي من طريق الاستفاضة وليس فيه هذه الزيادة، فلو كانت ثابتة لنقلت كنقل الخبر. 1301 - ولأن قوله: ((إذا تطهر فلبس)) يقتضي وجود ما يسمى لبسا بعد كمال الطهارة، وهذا موجود في الحين الذي سبق الحدث؛ لأن البقاء على اللبس يسمى لبسا، فقد قلنا بظاهر الخبر. 1302 - ولأن قوله: ((إذا تطهر فلبس)) يقتضي وجود ما يسمى تطهرا، وذلك موجود في غسل ما سوى الرجلين. 1303 - ولا معنى لقولهم إن قوله: ((تطهر)) يقتضي جميع الطهارة؛ لأنه لو كان كذلك لم يجز مع نجاسة بدنه، فعلم أنه أراد ما يتناوله الاسم. 1304 - قالوا: روي في حديث المغيرة أنه لما أراد أن ينزع خفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين)). 1305 - الجواب: أنه متى غسل إحدى رجليه ولبس ثم غسل الأخرى ولبس؛ قيل: إنه لبسهما وهما طاهرتان. 1306 - ولا يقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل العلة في المنع من النزع لبسهما على هذه الصفة؛ وعندكم لو لبسهما مع الحدث ثم خاض الماء لم يجب نزعهما. فقد خالفتم

العلة؛ وذلك أن امتناع النزع معلل عندنا بعلل: أحدها: لبس الخفين على الطهارة، والثاني: كمال الطهارة قبل الحدث، فتعلق الحكم بإحدى العلتين يقتضي تعلقه بها ولا ينفي تعلقه بغيرهما. 1307 - قالوا: لبس قبل كمال الطهارة فلم يستبح المسح، كما لو لم يغسل الرجلين حتى أحدث. 1308 - قلنا: اعتبار اللبس بعد كمال الطهارة لا معنى له؛ لأنه لو كان نجسا أو كانت مستحاضة جاز المسح بهذا اللبس وإن كانت الطهارة لم تكمل. ولأنه استدام اللبس مع عدم الغسل، فقد صادف الحدث طهارة ناقصة، وإذا غسل رجله فقد صادف طهارة كاملة، والحدث سبب الرخصة، فوجب اعتبار كمال الطهارة عنده. 1309 - والمعنى فيما ذكروه: أنه لو جدد جاز له المسح، فإذا بقي جاز له الابتداء. 1310 - قالوا: طهارة معتبرة في جزء من اللبس، وهو ما قبل الحدث، وكلما اعتبرت الطهارة في جزء منه اعتبرت في جميعه، كالصلاة. 1311 - قلنا: يبطل بالجزء الذي تصادفه التحريمة: أن الطهارة معتبرة فيه ولا تعتبر فيما قبله من الأجزاء، وتعتبر الطهارة في الطواف -وهو جزء من الإحرام- ولا تعتبر في نفسه، وكذلك على أصلهم: تعتبر الطهارة في الجزء الذي يليه اللبس، ولا تعتبر فيما قبل ذلك، فلا يمتنع أن تعتبر الطهارة في الجزء الذي يصادفه الحدث ولا يعتبرها فيما قبل ذلك. 1312 - قالوا: لبس على طهر ناقص فلم يستبح المسح عند كمال الحال، كالمستحاضة إذا لبست ثم انقطع دمها.

1313 - قلنا: الوصف غير مسلم في الفرع؛ لأنا لا نقول لمن غسل رجليه كملت حاله؛ لأن الحال قبل الغسل وبعده واحدة، وإنما نقول كملت طهارته، وارتفاع دم المستحاضة يصح أن يقال كمال الحال؛ لأنها لو لم تطهر قيل: إنها كاملة الحال، فلم يصح الجمع بينهما. 1314 - ولأن المستحاضة إذا ارتفع دمها تجدد وجوب الغسل بسبب سابق للبس، ولابس الخفين لم يتجدد عليه وجوب الغسل بسبب سابق، ولأن المستحاضة لم يصادف حدثها طهارة كاملة؛ وفي مسألتنا صادف الحدث طهارة كاملة.

مسألة 63 يسير الخرق لا يمنع المسح على الخف

مسألة 63 يسير الخرق لا يمنع المسح على الخف 1315 - قال أصحابنا: يسير الخرق لا يمنع [المسح] على الخف. 1316 - وقال الشافعي: يمنع. 1317 - لنا قوله عليه الصلاة والسلام: ((يمسح المسافر ثلاثة أيام))، ولم يفصل. 1318 - وحديث صفوان: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا ننزع خفافنا إذا كنا سفرا ثلاثة أيام. 1319 - ولا معنى لقولهم: إن الخف المخرق لا يتناوله الاسم؛ لأن الخرق صفة وعيب وذلك لا يمنع من الاسم، كالعيب بالعبد والثوب لا يمنع التسمية فيهما. 1320 - ولأنه معنى لا يمنع المشي المعتاد، فصار كمواضع الخرز. 1321 - ولأن المشقة تلحق في نزعهما غالبا، فصار كالخف الصحيح.

1322 - ولا معنى لقولهم: إن هذا موجود في الخرق الكثيرة؛ لأن العادة لا تعم ملبس الخفاف الكثيرة الخرق، فلا يمكن إدعاء المشقة الغالبة فيها، فأما يسير الخرق فلا يخلو غالبا الخفاف منه، فدعوى المشقة فيه صحيحة. 1323 - وقولهم: إن مواضع الخرز إن ظهر منها الرجل منعت المسح خلاف الإجماع؛ لأن الخفاف لا بد لها من ذلك الخرز؛ ولهذا يدخلها الماء والغبار، فلا بد من ظهور ما تحتها، وإنما لا يشاهد لخفائه، وقد أجمع المسلمون قولا وعملا على المسح عليها. 1324 - ولأنه حكم يتعلق بالخف فاختلف فيه الخرز اليسير والكثير، كلبس المُحرِم. 1325 - ولا يقال: إن ما تخرق منه ثلاثة أصابع لا يلبسه المحرم وإن منع المسح؛ فهو فرع على ثبوت الفرق، فيثبت مع حيث الإجماع. 1326 - ولأن ما تخرق منه ثلاثة أصابع لا يمنع المحرم منه لأنه في حكم الخفاف، وإنما يمنع لأنه يستر الرجل، كاللفافة. 1327 - احتجوا بقوله تعالى {وأرجلكم}، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه، إلى قوله: ثم يغسل رجليه)). 1328 - والجواب: أن هذا لا دلالة فيه؛ لأنا أجمعنا على أن الغسل واجب حال طهور الرجلين، فأما عند اللبس فأخبار المسح قاضية على الآية والخبر، فوجب الرجوع إليها واعتبار عمومها، وترك التعلق بما اتفق على أنها قاضية عليه. 1329 - قالوا: ظهور شيء من الرِّجْل من محل الفرض يمنع جواز المسح على

الخف، كما لو تخرق ثلاثة أصابع. 1330 - قلنا: هذا يبطل بمواضع الخرز على ما قدرناه، ولأن اعتبار يسير الخرق بكثرة لا يصح؛ بدلالة حال الإحرام، ولأن ثلاثة أصابع يمنع المشي ويجري مجرى الجورب واللفافة، ويسير الخرق لا يمنع المشي المعتاد، فلذلك لم يمنع المسح. 1331 - وقولهم: إنا نفرض الكلام فيما نقص من ثلاثة أصابع بيسير ونقيسه على الثلاثة، فلم يلزمنا هذا الكلام ولا معنى له؛ لأن الخلاف في يسير الخرق، فإذا ثبت فيما قارب الثلاثة ثبت الإجماع، فلا معنى لتخصيصه بالكلام، وهذا حكم على تقدير اعتبرناه واعتبره مخالفنا. 1332 - ألا ترى أنه يعتبر القلتين ويفصل بينهما وبين اليسير وإن كان لا فصل بينهما وبين ما نقص منهما برطل. 1333 - قالوا: ما كان الستر وجبا فيستوي فيه ظهور القليل والكثير، كستر العورة في الصلاة وعن الآدمي. 1334 - قلنا: لا نسلم أنَّ المسح من شرطه الستر، ولهذا لو ستر بما لا يعتاد فيه المشي لم يجز المسح، وإنما شرطه ما يشق نزعه غالبا، وهذا لا تعلق له بالستر. 1335 - ولأن القليل والكثير قد افترقا بالإجماع في جزء من الأسامي. ولأن ستر العورة يختلف عندنا قليله وكثيره في الصلاة، فلم نسلم الأصل. 1336 - ثم المعنى فيه أن المقصود تغطية العورة، فاليسير منها والكثير سواء في المشاهدة.

1337 - والمقصود في مسألتنا أن يمسح على ما يشق نزعه رخصة، وهذا يختلف فيه اليسير والكثير. 1338 - قالوا: ما ظهر من الرجل حكمه الغسل، وما ستر حكمه المسح، وما اجتمع حكم الغسل المسح غلب الغسل، كمن نزع أحد الخفين. 1339 - قلنا: لا نسلم أن ما ظهر حكمه الغسل؛ لأن الغسل لا يجب حتى يظهر مقدار المفروض. ويبطل ما قالوا بالجبيرة في العضو إذا كان بعضه صحيحا: أن حكم الغسل والمسح اجتمعا ولم يغلب أحدهما، ثم المعنى في الأصل أن خلع أحد الخفين يبطل المسح في الآخر، فلا يجوز المسح ليس لتغلب حكم الغسل، ولكن لبطلان المسح، أو لأن الغسل أو المسح لا يجتمعان. 1340 - قالوا: المسح رخصة، وظهور الرجل معنى يزيلها، وما يزيل الرخص لا فرق بين قليله وكثيره، كالإقامة. 1341 - قلنا: لا نسلم؛ لأن قليل الإقامة لا يرفع رخصة السفر بالإجماع، ألا ترى أنا نعتبر خمسة عشر يوما في الإقامة ويعتبرون أربعة أيام، فقد اختلف اليسير والكثير. 1342 - وقولهم: ما دون الأربعة ليس بإقامة نفي المشاهدة. وإنما لا يثبت له حكم الإقامة كما لا يثبت ليسير ما يظهر من الرجل حكم الغسل. 1343 - قالوا: لو كان جميع الرجل مكشوفا واليسير منها مستترا لم يجز الغسل، كذلك إذا كان جميعها مستورا ويسيرها ظاهرا لا يجوز المسح. 1344 - قلنا: الأصل غير مسلم؛ لأنه لو ستر بعض رجاله بالجبيرة جاز الغسل، وفي الفرع يبطل بمواضع الخرز.

مسألة 64 إذا أخرج رجله إلى ساق الخف بطل مسحه

مسألة 64 إذا أخرج رجله إلى ساق الخف بطل مسحه 1345 - قال أصحابنا: إذا أخرج رجله إلى ساق الخف بطل مسحه. 1346 - وقال الشافعي: لا يبطل. 1347 - لنا: أن هذه صفة لا يمكن المشي المعتاد معها، فصار كنزع أحد الخفين، ولأنه لو ابتدأ اللبس على هذه الصفة ثم أحدث لم يجز المسح، فإذا صار إليها بعد المسح بطل مسحه، أصله: إذا خلع أحد الخفين. 1348 - ولا معنى لقولهم: إنه إذا لبس ابتداء فلم يثبت الرخصة، فلا يجوز إثباتها إلا بيقين، وإذا نزع فقد ثبتت الرخصة، فلا يجوز إبطالها إلا بيقين؛ لأن اليقين إن أرادوا به الإجماع فثبوت الأحكام لا يقف عليه، وإن أرادوا ما يثبت بدليل فاليقين ثابت عندنا في الوجهين، وليس هذا كمن شك في الحدث؛ لأنا لا نرجع هناك باليقين إلى دليل متيقن، وإنما نقول: إن اليقين أولى؛ لأن ما علم وجوده لا ينتفي بالشك، ولا تعلق لهذا بمسألتنا. 1349 - قالوا: لم يظهر شيء من محل الفرض فلم يبطل حكم المسح، كما لو زال الرِّجْلِ عن قدم الخف.

1350 - قلنا: مسح الخف قد يبطل بظهور الأصل، ويبطل بغيره، فلا معنى لتخصيص إبطاله بأحدهما، ويبطل ما قالوه بمن أخرج رجله وهي في لفافة. 1351 - ولأنه إذا زعزع رجله في القدم فابتدأ المسح يجوز على هذه الصفة كذلك البقاء، وإذا أخرج رجله إلى الساق لم يجز الابتداء، فلم يجز البقاء.

مسألة 65 لا يجوز المسح على الجورب إلا أن يكون منعلا

مسألة 65 لا يجوز المسح على الجورب إلا أن يكون منعلا 1352 - قال أبو حنيفة: لا يجوز المسح على الجورب إلا أن يكون منعلا. 1353 - وقال الشافعي: يجوز إذا كان ثخينا يواصل فيه المشي. 1354 - لنا: أن الجورب لا يعتاد فيه المشي، فحل محل اللفافة، ولأن الأصل غسل الرجلين وإنما انتقلنا عنه بأخبار المسح وهي واردة في الخفاف، فما سواها على أصله. 1355 - احتجوا: بما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح على الجوربين. 1356 - والجواب: أنه حكاية فعل يحتمل أن يكون منعلا، أو جوربا من جلود، وحكاية الفعل إذا احتملت سقطت، فالظاهر ما قلنا؛ لأن العرب لا تعرف الجوارب المفردة. 1357 - ولا يقال: إن الحكم لو اختلف لفصَّل الراوي؛ لأن الراوي ينقل الحال،

وإنما يلزم التفصيل في المختلِف لصاحب الشريعة. 1358 - قالوا: الحاجة داعية إلى لبسه، والمشقة لاحقة في نزعه، فصار كالخف. 1359 - قلنا: إنما المشقة غالبا، وهذا لا يكون مما يلبس غالبا، والجورب المنفرد لا يعتاد الناس لبسه، ولا تتأتى مواصلة المشي فيه، فلم يسلم ما ذكروه.

مسألة 66 يجوز المسح على الجرموق إذا لبسه فوق الخف

مسألة 66 يجوز المسح على الجرموق إذا لبسه فوق الخف 1360 - قال أصحابنا: يجوز المسح على الجرموق إذا لبسه فوق الخف. 1361 - وقال الشافعي: لا يجوز. 1362 - لنا: قوله عليه الصلاة والسلام: ((يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليها))، ولم يفصل. 1363 - ولا يقال: روي في بعض الأخبار: ((إذا تطهر فلبس خفيه))؛ لأنا نستعمل المطلق على إطلاقه والمقيد على تقييده، ولأن الخبر قد أفاد الجرموق بالأتفاق. 1364 - ألا ترى أنه إذا انفرد جاز المسح عليه. 1365 - ويدل عليه ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح على موقيه.

1366 - ولا يقال: إن الموق خف لا يتناوله؛ لأن الموق جرموق، وإنما عرّب عن قولهم موك. 1367 - ولا يقال: يحتمل أنه لبسه منفردا أو فوق خف مخرق؛ لأن العادة أنه لا يلبس إلا فوق غيره، ولأنه يستتر به في موضع المغسول ويعتاد فيه المشي فجاز المسح عليه، كما لو انفرد. 1368 - ولأنه لو انفرد جاز المسح عليه فجاز وإن كان بينه وبين الرِّجْل حائل، كالخف مع اللفافة، وكما لو كان تحته خف فيه خرق يسير. 1369 - ولا يقال: المعنى في الأصل أن الرخصة ترتفع بنزعه، وهذا المعنى لا يوجد إذا لبسه فوق خف؛ لأنا لا نسلم هذا التعليل إذا كان الأصل الخف اليسير الخرق؛ لأن الرخصة تبين عندنا مع ارتفاع الجرموق، ثم هذا فاسد؛ لأن المسح يجوز على الجبائر الظاهرة وإن كان زوال ظاهرها لأجل الرخصة، فلم يصح ما قالوه. 1370 - ولا يقال: إن الخف تدعو إليه الحاجة لعموم لبسه والجرموق لا يعم لبسه، وإنما يستعمل في البلاد الباردة؛ لأن هذا يبطل بلبسه منفردا، وبلبسه فوق خف مخرق؛ ولأن الشافعي جوز المسح على خف من خشب أو زجاج وإن كان لا يعرف لبسه في مكان من الأرض، فكيف يسقط المسح على الجرموق لأن لبسه في بعض المواضع لا يعتاد، وقد قيل: إنَّ بلاد البحر والسند لا يعرفون الخفاف ثم لم يمنع ذلك من جواز المسح عليها في المواضع التي تعتاد، وكذلك الجرموق. 1371 - قالوا: منفصل عن الخف لا تزول رخصة المسح بزواله، فلم يجز المسح عليه، كاللفافة. 1372 - قلنا: اللفافة لو انفردت لم يجز المسح عليها، فكذلك إذا كانت فوق الخف، والجرموق لو انفرد جاز المسح بزواله، فصار كما لو لبس الخف وأحدث ومسح عليه ثم لبس الجرموق.

1373 - قلنا: إذا مسح على الخف ثم لبس فقد ابتدأ اللبس بعد الحدث قبل الغسل، والمسح لا يجوز حتى يصادف الحدث طهارة كاملة، وهذا لم يوجد بعد لبس الثاني، فصار كالأول لو لبس مع الحدث ثم أراد أن يمسح قبل غسل الرجلين. 1374 - وفي مسألتنا ابتدأ لبسه بعد كمال الطهارة، والحدث إذا صادف طهارة كاملة جاز المسح، ولأنه إذا مسح على الأول فقد مضى جزء من المدة، فإذا لبس الثاني ثم أحدث: لو جوزنا المسح لاعتبرت مدة أخرى من وقت الحدث الثاني، فيؤدي ذلك إلى زيادة الرخصة على مدة المسح، وهذا لا يجوز. 1375 - وقد قال أصحابنا: إنه إذا مسح على الخف تعلق الفرض به، وهو قائم مقام الرِّجْل. فإذا لبس الجرموق لو مسح عليه لقام مقام ما تعلق به الفرض، فصار في حكم البدل عن البدل، وذلك لا يثبت بقياس، وليس كذلك إذا مسح ابتداء على الجرموق؛ لأن هذا الفرض لم يتعلق بالخف، وإنما تعلق بالرِّجْل فقام مقام الرِّجْل. 1376 - ولا يقال: إن البدل عن البدل يجوز إثباته، كالكفارة؛ لأنا منعنا إثباته بالقياس، وأما بالنص فلا. 1377 - ولا يقال: إنه إذا لبس الجرموق فوق الخف فقد قام مقام الخف -وإن لم يمسح على الخف؛ بدلالة أنه إذا نزعه لم تبطل الرخصة، ولو قام مقام الرجل بطلت بنزعه، كالخف. 1378 - ولأن نزع الخف لا يبطل الرخصة؛ لأنه قام مقام الرجل، ولكن لظهور الأصل وارتفاع المشقة ونزع الجرموق لا يوجب ظهور الأصل وارتفاع المشقة، فلذلك لم تبطل الرخصة، كما لو مسح على الخف وقلع أحد طاقيه لم تبطل الرخصة وإن قام مقام الرِّجْل؛ لأن الأصل لم يظهر.

مسألة 67 إذا انقضت مدة المسح على رجليه لم يعد الوضوء

مسألة 67 إذا انقضت مدة المسح على رجليه لم يعد الوضوء 1379 - قال أصحابنا: إذا انقضت مدة المسح على رجليه لم يعد الوضوء. 1380 - وقال الشافعي: يتوضأ. 1381 - لنا: أنه مسح أقيم مقام غسل، فإذا زالت الرخصة لزمه غسل ما لم يكن غسله، أصله: من غسل بعض الأعضاء وتيمم ثم وجد الماء لم يلزمه إلا غسل ما بقي. 1382 - ولأن نزع الخفين يوجب زوال الرخصة من بعض الأعضاء فلا يلزم غسل جميعها، كالمجروح إذا صح وقد كان غسل الأعضاء. ولأن مسح الخفين لا يرفع الحدث؛ لأنه مسح أقيم مقام غسل، كالتيمم، وإذا لم يرفع الحدث فوجوب غسل الرجل بالحدث السابق، وقد كان غسل بذلك الحدث بقية الأعضاء فلا يلزمه غسلها ثانيًا. 1383 - احتجوا: بما روي في حديث صفوان قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا إذا كنا مسافرين ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام، ثم نحدث بعد ذلك وضوءا.

1384 - والجواب: أن غسل الرِّجْل يجوز أن يُسمَّى وضوءًا؛ لأن ذلك مأخوذ من الوضاءة. ويجوز أن يكون أمر بإعادة جميع الوضوء على طريق الاستحباب لأجل الموالاة. 1385 - قالوا: إنه ممنوع من الصلاة بعد استباحتها بحكم الحدث فلزمه استئناف الطهارة، كما لو أحدث. 1386 - قلنا: هذا يبطل بمن غسل بعض الأعضاء وتيمم ثم رأى الماء: أنه ممنوع من استباحة الصلاة بحكم الحدث ولا يلزمه جميع الوضوء، ولأن الحدث لا يختص ببعض الأعضاء لا يفسده طهارته، كرؤية الماء، وكالجبائر إذا صح ما تحتها. 1387 - قالوا: طهارة عبادة يبطلها الحدث، فإذا انتقض بعضها انتقض جميعها، كالصلاة. 1388 - قلنا: لا نسلم الأصل؛ لأن الحدث عندنا إذا حصل في آخر الصلاة أبطل الجزء الذي يصادفه، ولا يبطل ما تقدم عليه، وكذلك من سبقه الحدث في الركوع وجب عليه إعادة الركوع، ولم يلزمه إعادة ما تقدم عليه. 1389 - قالوا: المسح يرفع الحدث؛ لأنه مسح بالماء، كمسح الرأس، إذا رفع الحدث، فنزع الخف نقض الطهر في الرجل فنقض فيما سواها. 1390 - قلنا: قد دللنا على أن المسح لا يرفع الحدث، فأما مسح الرأس فهو أصل في الطهارة، فلذلك رفع الحدث والمسح طهارة رخصة وعذر، وذلك لا يرفع الحدث، كالتيمم. وطهارة المستحاضة تبين ذلك -أن ما يرفع الحدث لا يرتفع إلا بحدث، وما لا يرفع الحدث يرتفع من غير حدث، كالتيمم-، فلما ارتفع المسح بمضي المدة

دل على أنه ليس بحدث. 1391 - ويجوز أن نبني هذه المسألة على مسألة الموالاة، وقد ثبت من أصولنا أنها غير واجبة، وليس في مسألتنا أكثر من ترك الموالاة بين غسل الأعضاء.

مسألة 68 المسنون مسح ظاهر الخف

مسألة 68 المسنون مسح ظاهر الخف 1392 - قال أصحابنا: المسنون مسح ظاهر الخف. 1393 - وقال الشافعي: مسح أسفله سنة. 1394 - لنا: ما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: لو كان الدين بالرأي لكان مسح أسفل الخف أولى من ظاهره، لكني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح على ظاهر الخفين. 1395 - وروى ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يمسح على ظاهر خفيه. وهو لا يداوم إلا على الأفضل. 1396 - ولأنه مسح أقيم مقام غسل فلا يضم إلى موضع الفرض غيره، كالتيمم والجبائر.

1397 - ولأنه باطن في الخف فلا يسن مسحه، كما يلاقي اللفافة. 1398 - ولأنه موضع يطأ به الأرض وتصيبه النجاسة، فمسحه يؤثر في يده ويحتاج إلى غسلها، والمسح ثبت للتخفيف، فلا يثبت على وجه التغليظ. 1399 - وقد نص الشافعي على أن الاقتصار على مسح أسفل الخف لا يجوز، وادعى أصحابه جواز ذلك، والدليل عليه أنه يكره الاقتصار عليه، كالظاهرة. 1400 - وإذا ثبت هذا قلنا: ليس بمحل لفرض مسح الخف، فلا يسن مسحه كالساق. 1401 - ولا يقال: قد سن مسح ما لا يجوز عن الفرض، كالأذن؛ لأن الأذن عضو غير الرأس، ونحن منعنا أن يمسح من العضو المفروض ما ليس بمحل للفرض، فأما عضو آخر يثبت ابتداء على وجه السنة فلا يمنع منه. 1402 - احتجوا بحديث المغيرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح أعلى الخف وأسفله. 1403 - والجواب: أن أبا داود ذكر هذا الخبر عن الوليد عن ثور بن يزيد عن رجاء بن حيوة، عن كاتب المغيرة بن شعبة، عن المغيرة. قال أبو داود: بلغني أن ثورًا لم يسمع هذا الحديث، وحكى الطحاوي عن أحمد بن حنبل قال: ذكرت هذا الحديث لعبد الرحمن بن مهدي، فذكر عن ابن المبارك عن ثور قال: حدث رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح أعلى الخف وأسفله، وليس فيه عن المغيرة، وزاد فيه الوليد: عن المغيرة، وجعله عن ثور، وهذا يوجب ضعف

الحديث. 1404 - قالوا: نحن لا نستدل بحديث كاتب المغيرة، وإنما نستدل بحديث عروة عن المغيرة. 1405 - قلنا: قد ذكر أبو داود حديث عروة عن المغيرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح ظاهر الخفين. ولأن خبرنا رواه على وابن عمر، وخبرهم تعارض عن المغيرة وطعن في طريقه، وما رواه اثنان أولى مما رواه واحد واختلف عنه. ويحتمل أن يكون مسح أعلى الخف مما يلي الساق وأسفله مما يلي الأصابع. 1406 - قالوا: لأنه موضع من الخف يحاذي موضع الفرض من الرجل، فكان المسح عليه مسنونًا، كظاهر الخف. 1407 - قلنا: محاذاته لمحل الفرض إذا لم تقتض الجواز من غير كراهة لم يمتنع إلا أن يكون مسنونًا ويخالف الظاهر. 1408 - ولأن المعنى في ظاهر الخف أنه لا مشقة في مسحه، وفي مسح أسفله مشقة. 1409 - قلنا: محل المسح: الظاهر عندنا، فأما الباطن فليس بمحل، فهو كالساق. ولأن الرأس لما كان معضوًا واحدًا جعل محلًّا للمسح وتساوي جميعه في حكمه، فكان من السنة استيعابه، ولما كان الخف عضوًا واحدًا لم يتساو جميعه في أحكام لم يسن الاستيعاب فيها.

مسألة 69 الواجب في مسح الخف ثلاثة أصابع

مسألة 69 الواجب في مسح الخف ثلاثة أصابع 1411 - قال أصحابنا: الواجب في مسح الخف ثلاثة أصابع. 1412 - وقال الشافعي: ما يتناوله الاسم. 1413 - لنا: أن كل مقدار لا يجزئ في مسح الجبائر لا يجزئ في مسح الخف، أصله: ما لا يتناوله الاسم، ولا يلزم ثلاثة أصابع؛ لأنها قد تجزئ عندنا في مسح الجبائر. 1414 - ولا معنى لقولهم: إن هناك وجب الاستيعاب؛ لأنا لا نسلم ذلك على إحدى الروايتين. 1415 - ولأنه مسح في الطهارة، فلا يجزئ فيه ما يتناوله الاسم، كمسح اللحية والجبيرة والتيمم. 1416 - ولا يقال: إن الاستيعاب هناك واجب؛ لأنا لا نسلم هذا في مسح اللحية والجبيرة والتيمم، وأما علة الفرع فليس إذا لم يجب الاستيعاب جاز الاقتصار على الأدنى؛ لأن العضو إذا حصل في بعضه عذر سقط غسل ذلك القدر، فسقط الاستيعاب، ولم يجز الأدنى.

1417 - قالوا: روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((يمسح المسافر ثلاثة أيام)) ولم يفصل. 1418 - والجواب: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر المسح وهو محتمل للقليل والكثير وبين ذلك بفعله، فلم ينقل عنه المسح إلا بأصابعه، فيصير فعله بيانًا للمراد بالخبر. 1419 - قالوا: مفروض في الطهارة فلم يتقدر فرضه بثلاثة أصابع، كسائر الأعضاء. 1420 - قلنا: نعكس فنقول: فلا يجزئ فيه أدنى ما يتناوله الاسم، كسائر الأعضاء؛ ولأن سائر الأعضاء مفارقة لمسح الخف على الأصلين، فلا معنى للرجوع إليها. 1421 - قالوا: مَسْح مِن حقه ما يقع عليه اسم المسح فاعتد به، كما لو مسح بثلاثة أصابع. 1422 - قلنا: يبطل بمن مسح ساق الخف وأسفله على الصحيح من مذهبهم. 1423 - ثم المعنى في الأصل: أنه مقدار لم ينقص عن أكثر أصابع اليد، فجاز الاقتصار عليه، وما دونه مقدار ناقص عن أكثر الأصابع، فلم يجز الاقتصار عليه. 1424 - قالوا: المقادير تثبت عندنا قياسًا، وعندكم نصًّا، وقد أثبتم التقدير في مسألتنا بغير قياس على أصل ولا استدلال بنص. 1425 - قلنا: المقادير المبتدأة تثبت عندنا بالتوقيف، والمقادير التي تفصل بين القليل والكثير تثبت بالاستدلال، وهذا تقديره للفصل، وقد

بينا جهة الاستدلال عليه، وهو مأخوذ أيضًا من فعله - عليه السلام -؛ لأنه روي أنه مسح على خفيه خطوطًا بالأصابع.

مسألة 70 الماسح على الجبائر لا إعادة عليه

مسألة 70 الماسح على الجبائر لا إعادة عليه 1426 - قال أصحابنا: الماسح على الجبائر لا إعادة عليه. 1427 - وقال الشافعي: يعيد. 1428 - لنا: ما روي أن عليًّا رضي الله عنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد عن الجبائر، فقال: ((امسح عليها)) ولم يبين وجوب الإعادة مع حاجة السائل، وسؤاله عن أحكام الحادثة. 1429 - ولا يقال: إن الخبر يقتضي الجواز، والإعادة حكم آخر؛ لأن المسح لا يراد إلا للصلاة وسقوط فرضها، فكان هذا هو المقصود بالسؤال ووجب بيانه. ولأنه مسح أقيم مقام غسل، فإذا أدى به الصلاة لم يجب عليه الإعادة، كمسح الخفين والتيمم. 1430 - ولأنها طهارة ضرورة، كطهارة المستحاضة. 1431 - ولأن كل صلاة أمر بها مع العلم بحالها لم يجب إعادتها، كسائر الصلوات. 1432 - احتجوا: بقوله - عليه السلام -: ((لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور

مواضعه، فيغسل وجهه ويديه)). 1433 - والجواب: أن هذا تناول القادر، فأما العاجز فلا يجوز أن يتناوله؛ لأن صلاته مقبولة بالاتفاق. 1434 - قالوا: عذر نادر لا يتصل في العادة، فلم يسقط معه فرض الصلاة، كالمحبوس. 1435 - قلنا: ينتقض بصلاة العريان؛ لأنه عذر نادر لا يتصل في العادة، وكذلك خوف العطش. 1436 - ثم المعنى في الأصل: أن العذر من جهة الآدمي فلم يسقط الفرض بمجرده، وفي مسألتنا العذر من جهة الله تعالى؛ فجاز أن يؤثر في إسقاط الفرض.

مسائل الحيض

مسائل الحيض [71 - 78] مسألة 71 إذا انقطع دم الحيض لأكثر مدة الحيض جاز وطؤها قبل الاغتسال 1437 - قال أصحابنا: إذا انقطع دم الحيض لأكثر مدة الحيض جاز وطؤها قبل الاغتسال. 1438 - وقال الشافعي: لا يجوز. 1439 - لنا: قوله تعالى: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}، ولم يفصل. 1440 - ولأن كل حالة حكم فيها بصحة الصوم لم يمنع الزوج من وطئها بحكم الحيض، كما لو اغتسلت. 1441 - ولا يلزم إذا انقطع دمها -فيما دون العشر- أن الصوم جائز ولا يجوز الوطء؛ لأن ابن سماعة ذكر فيمن انقطع دمها في آخر الليل وقد بقي مقدار ما

تغتسل وتكبر جاز صومها، فهذه يجوز وطؤها في حالة صحة الصوم؛ لأن صلاة العشاء تجب عليها، قال: وإن بقي من الوقت ما تغتسل فيه ولا تكبر فإن اغتسلت صح صومها، فعلى هذا يجوز وطؤها قبل الغسل، قال: فإن لم تغتسل يجوز صومها، فإذن لا يتصور فيما دون العشر إباحة الوطء إلا بعد الحكم بصحة الصوم. 1442 - قالوا: استباحة الصوم لا تقف على الطهارة، واستباحة الوطء يعتبر فيها الطهارة بالإجماع. 1443 - قلنا: لم نعتبر استباحة الصوم، وإنما اعتبرنا الحكم بصحته، وزوال الحيض معتبر في ذلك بالاتفاق. 1444 - قالوا: المعنى في الأصل أنها استباحت الصلاة فجاز وطؤها، وهذه لم تستبح الصلاة لحدث الحيض فلم يحل وطؤها. 1445 - قلنا: إذا أثر الحيض في المنع من الصوم والصلاة، فلم يجب اعتبار إباحة الوطء باستباحة الصلاة، ولم يجب اعتباره بصحة الصوم. ثم اعتباره بالصوم أولى؛ لأن الحيض يؤثر في المنع من الصوم والوطء، وفعل الصلاة لا يمنعه الحيض، وإنما يؤثر فيه انتقاض الطهارة، وكان الاعتبار بالصوم أولى. 1446 - ولأن حكمنا بزوال الحيض، فجاز للزوج وطؤها، كما لو اغتسلت. 1447 - قالوا: لا تأثير للوصف في الأصل؛ لأن المغتسلة يجوز وطؤها وإن لم يحكم بزوال حيضها فيما دون العشر. 1448 - قلنا: هذا التأثير يدل على صحة اعتبارنا؛ لأنه إذا جاز وطء المغتسلة وإن لم يحكم بزوال الحيض فلأن يحكم بالإباحة عند زواله أولى.

1449 - ولأن الأحكام المختصة بالحيض المنع من الوطء وعدم صحة الصوم وسقوط فرض الصلاة، وهذه الأحكام ترتفع بالانقطاع لأكثر مدة الحيض، فتحريم الوطء مثله. ولا يلزم استئنافه الصلاة ودخول المسجد؛ لأن هذه المعاني لم يؤثر الحيض فيها، وإنما يؤثر انتقاض الطهارة. 1450 - احتجوا: بقوله تعالى: {ولا تقربوهن حتى يطهرن}، وهذا يفيد الاغتسال؛ لأن الفعل إذا أضيف إلى من يصح منه أفاد إحداثه ووجوده، قالوا: ثم قال: {فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله}، فعلق الحكم بغايتين، فلا بد أن تكون الغاية الثانية غير الانقطاع، وذلك هو الغسل، ثم قال في آخر الآية {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} فمدح على الطهارة المذكورة في أولها، فدل أن المراد به ما تفعله من التطهير حتى تستحق به المدح. 1451 - والجواب: أن من أصحابنا من قال: إن الآية لا تتناول من كان أكثر أيامها الحيض، وإنما هي خاصة فيمن كانت أيامها أقل من أكثر الحيض، بدلالة أنه قال: {فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن}، تقديره: ولا تقربوهن في المحيض، ولا تقربوا الحيّض، وهذا يوجد بعد مضي أكثر الحيض، فعلم أن الآية خاصة فيمن كانت أيامها أقل من أكثر الحيض؛ حتى يصح أن يوصف بالمحيض. 1452 - وعندنا أن هذه يقف وطؤها على الغسل وما في معناه. 1453 - وجواب آخر: وهو أن قوله تعالى {حتى يطهرن} قرئ بالتخفيف، وذلك ظاهر في الانقطاع ويحتمل الاغتسال. 1454 - ويجوز أن يضاف الفعل إليها وإن كانت ممن يصح منها الفعل وذلك

المعنى لم يوجد من جهتها، كما نقول في الله تعالى: يَكبر ويَعظُم وهو ممن يصح منه الفعل وإن كان لم يحدث هذا المعنى. وإذا احتملت أحدى القراءتين رتبت على ما لا يحتمل، وجعلت كالشيء الواحد على أصلنا أن القراءتين لا تجعل كالآيتين، ولو جعلناها كالآيتين حملنا أحداهما على من كان أيامها أقل من أكثر الحيض، وحملنا الأخرى على من كان أيامها أكثر الحيض؛ فيؤدي إلى استعمالهما. 1455 - ولا يقال: إن هذا يقتضي ترك العموم فيهما؛ لأنهم إذا استعملوها تركوا ظاهر أحدهما، وهو قوله: {حتى يطهرن}، وضموا إلى الغاية شرطًا آخر، وهو: الاغتسال. 1456 - وكذلك يضمرون في القراءة الأخرى الانقطاع؛ لأن قوله: {يطهرن} إذا أفاد الاغتسال عندهم فلا بد من الانقطاع معه، فقد تساوينا في ترك الظاهر، فأما الغاية الثانية فهو كلام مبتدأ غير متعلق بما قبله، وذلك لأن الله تعالى لما أباح الوطء بعد الطهارة، أراد أن يبين أن الإباحة تختص بموضع دون موضع حتى لا يعتبر العموم فقال: {فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله}، يبين هذا أن الغاية من حكم ما بعدها أن تخالف ما قبلها، فلو دخلت الغاية من حكم ما بعدها أن تخالف ما قبلها، فلو دخلت الغاية الثانية على الأولى أبطلتها وخرجت من أن تكون غاية، فمن نفى ظاهرها أولى، ولأنا نستعمل الغايتين على فائدتين، فهو أولى من إثبات فائدة واحدة. 1457 - ولأن الله تعالى قال: {ولا تقربوهن حتى يطهرن} ثم قال: {فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله}، ولو أراد أن يجعل الغايتين واحدة لأعاد الحكم الأول،

وهو القرب المطلق، فلما زاد فيه صفة علم أن الغاية الثانية غير الأولى. 1458 - فأما قوله تعالى: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين}: فعلى الجواب الأول: نوافقهم في معناه أن الآية لم تتناول الأمر، كان أيامها أقل من العشر، وعلى الجواب الثاني: نحمله على إحدى القراءتين التي أفادت الاغتسال، فيكون راجعًا إلى بعض ما تقدم، وعلى الجواب الآخر: هو كلام مبتدأ غير متعلق بما قبله؛ لأنه غير مفتقر إلى تعلقه به، كما لا يفتقر ذكر التوبة. 1459 - ومن أصحابنا من رجح ما ذكرناه -من تناول الطهر الانقطاع دون الاغتسال- بأن قال: الطهارة إذا ذكرت بعد النجس فالظاهر منها زوال النجاسة دون الحدث، فلما قال تعالى: {قل هو أذى}، ثم قال: {حتى يطهرن} كان ظاهره يفيد زوال الأذى دون الاغتسال. 1460 - قالوا: الحيض معنى يحرم الوطء وغيره، فلم يحل الوطء مع بقاء شيء حرم معه، قياسا على الإحرام. 1461 - قلنا: نقول بموجبه؛ لأن الحيض عندنا حرم الوطء ومنع من وجوب الصلاة وفعل الصوم، وإباحة الوطء لا تتقدم هاتين. 1462 - فأما استباحة الصلاة والقراءة ودخول المسجد مما حرمه الحيض عندنا، وإنما حرمه انتقاض الطهر، ألا ترى أن ذلك يتعلق بالجنابة كما يتعلق بالحيض، والأحكام الأولى أوجبها الحيض؛ بدلالة أنها لا تتعلق بالجنابة. ثم الإحرام دليلنا؛ لأنه لما اقتضى تحريم الوطء وغيره زال تحريم الوطء بزواله، فكذلك في مسألتنا يزول ما حرمه الوطء. 1463 - ولا يقال: إن الإحرام يزول بالتحلل الأول ولا يباح الوطء؛ لأن الإحرام باق، وإنما أبيح بعض المحرمات، فأما أن يزول الإحرام مع بقاء

مكة فلا. 1464 - وربما قالوا: فوجب أن يكون للوطء مزية، كحال الإحرام والصوم. 1465 - قلنا: المزية إن عنيتم بها في باب التحريم لم يوجد في الأصل؛ لأن تحريم الوطء كتحريم غيره، وإن أردتم الفساد لم يوجد في الفرع. 1466 - قالوا: لأنها ممنوعة من الصلاة بحكم حدث الحيض، فلم يجز وطؤها، كما لو انقطع فيما دون العشر ولم تغتسل ولم يمض وقت الصلاة. 1467 - قلنا: المنع من الصلاة من أحكام الحيض، كالمنع من الصوم. فإذا أبيح الصوم ولم تبح الصلاة لم يوجب اعتبار إباحة الوطء بأحدهما دون الآخر. ثم حدث الحيض تأثيره في الصلاة كتأثير حدث الجنابة، فإذا لم يمنع أحدهما الوطء فكذلك الآخر. 1468 - ولأن المعنى فيمن كانت أيامها أقل من أكثر الحيض إذن لا يحكم بزوال الحيض وانقطاعه ما لم يوجد ما فيه نفي حكم، فلم يجز الوطء. 1469 - وإذا مضت أكثر المدة فقد تيقنا بزواله، فهو أكثر من منافاة أحكامه. 1470 - ولا معنى لقولهم: إن الحيض يمنع من الوطء فحدثه مثله، وحدث الجنابة يتعلق بالوطء وذلك لا يمنع الوطء فلا يمنع حدثه؛ لأنه قد يؤثر الحيض فيما لا يؤثر حدثه فيه؛ بدلالة صحة الصوم ووجوب الصلاة يؤثر فيهما الحيض، وحدثه لا يؤثر فيهما بحث الجنابة.

مسألة 72 إذا استحيضت المرأة ردت إلى أيام عادتها ولم يعتبر اللون

مسألة 72 إذا استحيضت المرأة ردت إلى أيام عادتها ولم يعتبر اللون 1471 - قال أصحابنا: إذا استحيضت المرأة ردت إلى أيام عادتها ولم يعتبر اللون. 1472 - وقال الشافعي: تميز باللون، فإذا استوى اللون ردت إلى الأيام. 1473 - لنا: ما رواه مالك، عن نافع، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة: أن امرأة كانت تهراق الدم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فاستفتته لها أم سلمة، فقال: ((لتنظر عدد الأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي كان يصيبها، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر، فإذا خلفت فلتغتسل، ثم لتستنفر ثم لتصلي)). 1474 - وروى جعفر بن ربيعة، عن عراك، عن عروة، عن عائشة أنها قالت:

إن أم حبيبة سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الدم، فقالت عائشة: رأيت مركنها ملآن دمًا، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((امكثي قدر ما يحبسك حيضك ثم اغتسلي)). 1475 - وروى الزهري عن عروة بن الزبير قال: حدثتني فاطمة بنت أبي حبيش أنها أمرت أسماء، وأسماء -حدثتني أنها أمرتها فاطمة بنت أبي حبيش- أن تسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمرها أن تقعد الأيام التي كانت تقعد ثم تغتسل. 1476 - وعن أبي جعفر أن سودة استحيضت، فأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا مضت أيامها اغتسلت ثم صلت. فهذه الأخبار كلها تدل على اعتبار الأيام. 1477 - ولا يقال: يجوز أن تكون لا تمييز لها؛ لأن الحكم لو اختلف لفصل. 1478 - ولا يقال: إنه عرف الحال لون الدم مع اختلاف النساء، ودعوى هذا محال، وقولهم: بأن الغالب عدم التمييز لا يعرف، ويدل عليه ما روى عدي بن ثابت عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها، ثم

تغتسل وتصلي)) وهذا عام. 1479 - ولأن المرأة قد ترى الدم في أيامها مختلفًا، فلا يعتبر بتغير لونه؛ لوجوده في وقت يصلح للحيض؛ فدل على أن الأيام أظهر في الدلالة من اللون. 1481 - احتجوا بحديث ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن فاطمة بنت أبي حبيش أنها كانت تستحاض، فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا كان دم الحيض -فإنه أسود يعرف- فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر، فتوضئي وصلي، فإنه دم عرق)). 1482 - والجواب: أن هذا متروك الظاهر؛ لأن عندهم لا يحكم للأسود بحكم الحيض خاصة، بل المعتبر عندهم بالتغيير، ألا ترى أنها لو ابتدأت بدم أحمر أو أصفر فاستمر بها أياما ثم تغير إلى دم أسود؛ فالأول: هو الحيض، والأسود: هو الاستحاضة، فسقط الظاهر بإجماع، واحتمل أن يكون به أنه أسود يعرف بالأيام. 1483 - ولأن المشهور في أخبار الاستحاضة ذكر الأيام، واللون مروي في خبر واحد، والأصل عندهم اللون، والأيام تثبت بعده، فيستحيل أن يترك - عليه السلام - بيان الأصل في الدلالة إلا في خبر واحد ويذكر الفرع في عامة الأخبار.

1484 - ولا معنى لقولهم: إنا نستعمل الأخبار؛ لأن الاستعمال يصح لو قالوا بظاهر اللون، وقد بينا تركهم لظاهره، فلو جاز ذلك لوجب أن تكون الأيام الأصل واللون تابع؛ لأنها مذكورة في كل الأخبار. 1485 - ولأنا بينا حديث عدي بن ثابت وهو عام لم يخرج إلى سؤال، فكان أبعد من الاحتمال، والرجوع إليه أولى. 1486 - قالوا: روي في حديث عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لفاطمة: ((إنما ذلك دم عرق، وليس بالحيض؛ فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي))، فدل على أن الحيضة تعرف. 1487 - قلنا: بالوقت المعتاد، وادعيتم أنها تعرف باللون، فتساوينا. 1488 - قالوا: روي عن ابن عباس أنه قال: إن دم الحيض أسود بحراني. 1489 - قلنا: ذكر أبو داود عن علي، وابن عباس، وعائشة؛ والحسن، وسعيد ابن المسيب، وعطاء، ومكحول، وإبراهيم، وسالم، والقاسم: أن المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها. 1490 - قالوا: خارج من الرحم، فوجب أن يدخله الاجتهاد والتحري عند الأشتباه، كالمذي والمني.

1491 - والجواب: أنه يعكس، فيقال: فلم يميز باللون، كالمني، لأنه يوجد أبيض وأحمر وغير ذلك، فيتعلق به الغسل. 1492 - ولأن المني لا يوجد على الصفة المخصوصة يوجب الغسل، فلذلك رجع إلى صفة، والدم قد يوجد بالصفة التي يعتبرونها فلا يتعلق به حكم يدل على أن اللون غير معتبر. 1493 - قالوا: اللون شاهد في نفسه فكان أولى من الشاهد من غيره. 1494 - قلنا: الأيام متفق على اعتبارها؛ فكان الرجوع إلى شهادتها أولى مما اختلف فيه، ولأن من لم تصر مستحاضة لا يرجع فيها إلى شاهد نفس الحيض، فكذلك من صارت مستحاضة.

مسألة 73 إذا استمر الدم بالمبتداة فحيضها

مسألة 73 إذا استمر الدم بالمبتداة فحيضها من كل شهر عشرة أيام 1495 - قال أصحابنا: إذا استمر الدم بالمبتدأة فحيضها من كل شهر عشرة أيام. 1496 - وقال الشافعي -في أحد قوليه-: ستة أو سبعة، وفي القول الآخر: يوم وليلة. 1497 - لنا: أن ما ليس بعادة للمستحاضة لا يجوز ردها إليه، كاليومين ولأن كل ما ردت المستحاضة إليه لم يقع فيه التحير، كالأيام عندنا ولون الدم عندهم. ولأن العشرة زمان يصح أن يكون حيضًا فلا ينتقص منه بغير عادة، كما لو وقف الدم. 1498 - احتجوا: بحديث حمنة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((تحيضي في علم الله ستًّا أو سبعًا، كما تحيض النساء في كل شهر)).

1499 - والجواب: أن هذا خبر طويل، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((تحيضي في علم الله ستًّا أو سبعًا، وصلي ثلاثًا وعشرين، أو أربعًا وعشرين كما تحيض النساء في كل شهر وتطهر))، فلم يجعل الستة عادة للنساء في كل شهر، وإنما جعل حيضة وطهرًا عادتهن في كل شهر، وأمرها بالستة والسبعة؛ لأن أيامها اشتبهت عليها، فردها إلى غالب عادتها بذلك، على هذا أنها لم تكن مبتدأة، وإنما استحيضت سنين. 1500 - وفي العادة أن مثلها تنسى أيامها، والخلاف في المبتدأة. 1501 - قالوا: مستحاضة اختلط حيضها باستحاضتها فلم يجعل حيضها أكثر المحيض، كمن لها عادة. 1502 - قلنا: ينتقض بمن عادتها أكثر الحيض. 1503 - ثم المعنى فيمن لها عادة أن معها ظاهرًا يمنع من تجاوز العادة، فلذلك ردت إليه. ومن لا عادة لها فلا ظاهر معها، وجب اعتبار الظاهر الآخر، وهو وجود الدم في زمان يصلح للحيض. 1504 - ولا يقال: إن الستة والسبعة غالب عادة النساء؛ لأنا لا نسلم هذا، بل العادة مختلفة بالبلدان والسن والصحة. 1505 - احتجوا للقول الآخر: بأن أقل الحيض متيقن به، وما زاد عليه يجوز أن يكون حيضًا، ويجوز أن يكون استحاضة، وما جاز أن يكون حيضًا واستحاضة فهو استحاضة، كما لو زاد على أيامها المعتادة. 1506 - والجواب: أن ما زاد على الأيام لا يجعل استحاضة لما ذكروه من التحرير، وإنما هو لمخالفته لظاهر العادة؛ ألا ترى أن في أيامه المعتادة ما يحصل فيه

التحرير؛ لأن العادة قد تنقص وتزيد ولا يقدر بذلك لمخالفته للظاهر، ولا ظاهر في مسألتنا، فجاز إثباته حيضًا مع التحرير.

مسألة 74 إذا تخلل الدم طهر أقل من خمسة عشر يوما كان كالدم الجاري

مسألة 74 إذا تخلل الدم طهر أقل من خمسة عشر يومًا كان كالدم الجاري 1507 - قال أصحابنا: إذا تخلل الدم طهر أقل من خمسة عشر يومًا كان كالدم الجاري. 1508 - وقال الشافعي: يعتد به طهرًا ولا يفصل بين الدمين. 1509 - لنا: أنه ليس بطهر صحيح؛ بدلالة أنه لا يفصل بين الدمين، فصار كالانقطاع إذا لم يوجد معه نقاء. 1510 - ولأن الدم إذا لم يكن صحيحًا لم يعتد به حيضًا -وهو الاستحاضة-، كذلك الطهر إذا لم يصح لم يحكم بكونه طهرًا. 1511 - ولأنه طهر لا يعتد به في حكم العدة، يبين ذلك أنه لا يجعل الدمين حيضين عندنا، ولا تنقضي به عدة عندهم، فصار كالانقطاع المتخلل بين الدم. ولأن الحيض جعل لأقله مدة ولأقل الطهر مدة، ثم كان ما نقص عن أقل الحيض لا يعتد به، كذلك ما نقص عن أقل الطهر لا يعتد به. 1512 - احتجوا بقوله تعالى: {فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن}.

1513 - فالجواب: أنا لا نسلم وصفها بالطهارة -وإن انقطع الدم-؛ لأن الطهر عند الانقطاع الصحيح، وعندهم زوال حدث الحيض، وذلك لا يسلم على الوجهين. 1514 - قالوا: زمان تحقق وجود الطهر فيه، فصار كالخمسة عشر. 1515 - قلنا: تحقق الانقطاع ليس بطهر، كما أن تحقق سيلان الدم ليس بحيض حتى تستمر مدة الحيض، ولأن الخمسة عشر لما فصلت بين الدمين وتعلق بها حكم في العدة كانت طهرًا، وفي مسألتنا بخلافه. 1516 - قالوا: قد وجد طهر بين دمين ودم بين طهرين، فليس لقائل أن يجعل الطهر حيضًا لتخلله بين الحيض بأولى من أن يجعل الدم طهرًا لتخلله بين الطهرين. 1517 - قلنا: الدم المتخلل بين الطهرين حيض بالاتفاق، فلم يجعل تابعًا لأيام الطهر. ولأن العادة في الحيض أن سيلانه لا يستمر وإنما يوجد تارة وينقطع أخرى فلذلك حكم بكونه حيضًا. 1518 - ولم تجر العادة في الطهر أنه يوجد تارة وينقطع أخرى إذا صح هذا فعلم أنه تابع الحيض وليس بطهر صحيح. 1519 - ولأن الدم المتخلل بين الطهرين تعلق به سائر أحكام الحيض، والطهر المتخلل بين الدمين لم يحكم له بحكم الطهر من وجه، فلم يحكم من بقية الوجوه.

مسألة 75 أقل الحيض ثلاثة أيام ولياليها

مسألة 75 أقل الحيض ثلاثة أيام ولياليها 1520 - قال أصحابنا: أقل الحيض ثلاثة أيام ولياليها. 1521 - وقال الشافعي: يوم وليلة. 1522 - والدليل على ما قلناه: ما روي في حديث المستحاضة التي سألت أم سلمة حتى استفتت لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((لتنظر عدد الأيام والليالي التي كانت تحيضهن، فلتترك الصلاة ثم تغتسل وتصلي))، وهذا يدل على أن الحيض لا يكون إلا ما يسمى أيامًا، وأقل ذلك ثلاثة أيام. 1523 - وقال: ((المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها))، وهذا يدل على أن الحيض أيام. 1524 - ولا يقال: يحتمل أن يكون في امرأة عادتها أيام؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعرف المرأة التي سألته أم سلمة لها، وكيف يعرف عادتها، ولأنه قال في الخبر الآخر: ((المستحاضة تدع الصلاة))، وهذا عام.

1525 - ولا يقال: إنه ذكر الأقراء بالجمع، وذلك يقتضي الثلاث، وأضاف إليه الأيام باسم الجمع، فيصير لكل قرء يوم؛ وذلك لأنها تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل، فذكر غسلًا واحدًا، فعلم أنه أراد قراءًا واحدًا. 1526 - ولأن الخبر الأول ذكر فيه الأيام والليالى ولم يذكر الأقراء. 1527 - ولأنه قال عدد الأيام والليالي من كل شهر، ولا يكون في الشهر إلا قرء واحد. 1528 - وقال في حديث فاطمة: ((دعي الصلاة أيام أقرائك ثم اغتسلي وصلي ما بين القرء إلى القراء))، وهذا يدل على أن المراد قرء واحد، وإنما ذكره بلفظ الجمع لأن الدم له أجزاء وأبعاض وإن كان واحدا. 1529 - ولا يقال: قد روي: ((المستحاضة تدع الصلاة يوم أقرائها)) فأضاف إلى القرء يومًا واحدًا؛ لأن هذا لا نعرفه، وإن ثبت لم يدل؛ لأن اليوم يعبر به عن بياض النهار، وعن الوقت، فصار كأنه قال: وقت أقرائها، والأيام لا يعبر بها عن يوم واحد. 1530 - ولا يقال: إن ما دون الثلاث تسمى أيامًا -فيقال: أيام الفتنة؛ لأنه متى قصد بالأيام العدد المحصور لم يتناول ما دون الثلاث. وإنما يقال: ما ذكروه إذن أريد به الوقت المبهم. 1531 - ويدل عليه ما رواه أبو أمامة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أقل ما يكون من الحيض للجارية البكر والثيب ثلاث، وأكثر ما يكون من المحيض عشرة أيام، فإذا رأت الدم أكثر من عشرة أيام فهي استحاضة، ذكره الدارقطني واعترضه،

فقال: رواه عبد الملك، وهو مجهول عن العلاء بن كثير، وهو ضعيف عن مكحول، ولم يسمع من أبي أمامة، وهذا لا يقدح؛ لأن ظاهر الإسلام يكفي في عدالة الراوي بالاتفاق وضعف الراوي لا يقدح إلا أن يفسر جهة الضعف، ومكحول أدرك ايامه وسمع في عصره، فإذا روى عنه فالظاهر السماع، ولو ثبت إرساله لم يمنع صحته عندنا. 1532 - وروى واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أقل الحيض ثلاثة أيام، وأكثره عشرة))، ذكره الدارقطني، واعترضه بأن روايه محمد بن أحمد ابن أنس الشامي، وهو ضعيف، عن حماد بن منهال، وهو مجهول، وقد بينا أن هذا القدح لا يؤثر. 1533 - وقد روي مثل قولنا عن أنس، وابن مسعود، وعثمان بن أبي العاص الثقفي، ولا يعرف لهم مخالف، فيجب تقليدهم.

1534 - أو نقول: إن ما لا يدل عليه القياس إذا قاله الصحابي حمل على أنه قاله توقيفًا، فكأنه رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. 1535 - وقد اعترضوا حديث أنس، بأن روايه الجلد بن أيوب، وهذا ليس بصحيح؛ لأن الثوري وابن علية رويا هذا الحديث عنه، ورواية الثقات تعديل، ولم يطعن على الجلد إلا بقول أحمد. 1536 - وروى ابن سيرين: إن أم ولد لأنس استحيضت، فأرسلوني أسأل ابن عباس. قال أحمد: فلو كان هذا صحيحًا لم يسألوا، وهذا ليس بشيء؛ لأن السؤال يجوز أن يكون عن حكم الاستحاضة لا عن مقدار الحيض. 1537 - وقد روى أبو يوسف هذا الخبر، وذكره محمد في الأصل، وهذا تعديل لروايته. 1538 - ولأنه معنى مُقدر إذا طرأ أَثَّر في الصلاة فلم يُقدر أقله بيوم وليلة، كالسفر. ولأنه نادر في أقل الحيض فلا يثبت حيضًا من غير توقيف، أو لا يثبت حيضًا بالوجود، أصله: ما دون اليوم والليلة. 1539 - ولا يقال: إنَّ ما دون اليوم والليلة لم يقدر لأحد رخصتي المسح؛ لأن المسح والحيض حكمان مختلفان، فلا يؤخذ أحدهما من الآخر. ولأنها مدة لا تستوفى

فيها رخصة مسح المسافر، فلم تكن مدة لأقل الحيض، أصله: ما دون يوم وليلة. 1540 - احتجوا بقوله تعالى: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض}، ولم يفصل. 1541 - والجواب: أن الله تعالى جعل الحيض أذى فاحتاجوا أن يدلوا على أن هذا القدر حيض حتى يسلم لهم الحكم، وهذا كما لو قال: الغريب كريم، لم يدل على أن من عُلِم كريمًا كان غريبًا. 1542 - قالوا: القصد بقوله: {قل هو أذى} بيان صفة الحيض وحقيقته، وهذا كالحد. 1543 - قلنا: قد علم أن من الأذى ما لا يكون حيضًا، والحد لا ينتقض، والحقيقة لا تتعين، فعلم أنه لم يقصد ذلك، وإنما قصد بيان الحكم من قوله: {فاعتزلوا النساء في المحيض}، وذكر الأذى بيانا لعلة الاعتزال، لا لما قالوه. 1544 - قالوا: ذكر الله تعالى الحيض وحكمه ولم يبين قدره، وليس له حد في اللغة، فوجب الرجوع فيه إلى العرف، وقد ثبت معتادًا وجود الحيض يومًا وليلة. 1545 - قال الشافعي: ثبت عندي أن نساءً يحضن يومًا وليلة، فوجب الرجوع إليه. 1546 - قلنا: العادة لا يرجع فيها إلى النادر، وإنما يرجع فيها إلى العام الغالب، وذلك يخالف قولهم. ولأن المرأة الواحدة إذا قالت إنها تحيض يومًا وليلة فإنها تخبر عن رؤية الدم، فأما أن تخبر عن كونه حيضًا فلا طريق لها إليه. 1547 - وقد حكى الدارقطني عن الأوزاعي قال: ها هنا امرأة تحيض عدوة وتطهر عشية. فلو جاز الرجوع إلى ما حكاه الشافعي في الوجود النادر لجاز الرجوع

إلى ما حكاه الأوزاعي. 1548 - قالوا: روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لفاطمة: ((إن دم الحيض دم أسود يعرف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، وإذا كان الآخر فتوضئي وصلي))، وقد بينا أن هذا الخبر متروك الظاهر، وأن قوله: ((يعرف)) معناه بالقول أو بالأيام، وذلك لا يوجد معتادا في يوم وليلة. 1549 - قالوا: لأنه معنى إذا طرأ أسقط فرض الصلاة؛ فجاز أن يكون يومًا وليلة، كالجنون. 1550 - قلنا: الجنون لا يوجد في جنسه ما لا يؤثر في الصلاة، فكان الظاهر موجودًا عند حدوثه؛ فلم يحتج إلى مدة. 1551 - ولهذا لا يتقدر لأقله، والحيض يوجد من جنسه ما لا يتعلق به حكم، فاحتاج إلى ظاهر مع الوجود، وهذا مقدر بالاتفاق. 1552 - ولأنا نعكس هذه العلة فنقول: يوجب أن يكون حكمه فيما دون الثلاث حكمه فيما دون اليوم والليلة. 1553 - قالوا: دم يسقط فرض الصلاة فجاز أن يكون يومًا وليلة، كالنفاس. 1554 - قلنا: دم النفاس يوجد ومعه ظاهر، وهو تقدم الولادة، فلم يحتج إلى ظاهر وهو الاستمرار. 1555 - قالوا: أحد مدتي المسح، فجاز أن يكون حيضًا، كالثلاث. 1556 - قلنا: حكم الحيض لا يجوز أن يؤخذ من المسح؛ لأن اليوم والليلة لم يجعل حدًّا لأقل المسح، وإنما جعل أحدى المدتين أخرى، فالخلاف في

أقل مدة الحيض؛ فلم يجز أن يؤخذ من أكثره مدة المسح، ولأن أقل المسح غير مقدر، وأقل الحيض مقدر، فلم يعتبر أحدهما بالآخر. ولأن الحكم عندهم لا يتعلق بالثلاث، وإنما يتعلق باليوم، فكأنهم قاسوا الشيء على نفسه. 1557 - قالوا: معنى معتبر بالأيام، محدود الأقل والأكثر، فجاز أن يكون يومًا وليلة، كالمسح. 1558 - قلنا: يبطل بالعدة بالشهور؛ لأنها تتقدر بالأيام إذا طلقت في بعض الشهور، ولا يتقدر أقلها بما قالوه. 1559 - ولأنا لا نسلم أن أقل المسح مقدر بيوم وليلة؛ لأن أقله لا يتقدر، وإنما جعل ذلك أكثر أقل المدتين. 1560 - ولأن هذا الحكم لا يجوز إثباته بقياس؛ لأنه مقدار لأعلى طريق الفصل، وما ذكرنا من الأقيسة قصدنا بها الترجيح.

مسألة 76 أكثر الحيض

مسألة 76 أكثر الحيض 1561 - قال أصحابنا: أكثر الحيض عشرة أيام. 1562 - وقال الشافعي: خمسة عشر يومًا. 1563 - لنا: قوله - عليه السلام - في حديث أم سلمة: ((مرها فلتدع الصلاة عدد الأيام والليالي التي كانت تحيض فيهن من كل شهر))، وهذا يدل على أن الحيض يسمى أيامًا، وأكثر ما يتناوله الاسم فيما له عدد محصور عشرة أيام، فإذا زاد قيل: أحد عشر يومًا. 1564 - ولا يقال: إن اسم الأيام يتناول ما زاد على العشرة؛ يقال: أيام بني أمية، وأيام الحجاج؛ لأن هذا يذكر ويراد به قطعة من الزمان ولا يراد به حصر العدد، ونحن ادعينا أن الاسم فيما له عدد محصور لا يزيد على العشرة. 1566 - ولأنه طهر صحيح؛ فلم يجز أن يتقدر به الحيض، كما زاد على خمسة عشر. ولأن الطهر والحيض يتنافيان كتنافي السفر والإقامة، ثم كان ما جعل قدر الإقامة لا يقدر به السفر، فكذلك الطهر والحيض.

1567 - احتجوا بقوله تعالى: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى}، وبقوله - عليه السلام -: ((إن دم الحيض أسود يعرف))، وقد مضى الجواب عن ذلك. 1568 - قالوا: روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((ما رأيت ناقصات عقل ودين أدر على سلب أولى الألباب منهن)) قيل: يا رسول الله ما نقصان عقلهن، وما نقصان دينهن، قال: ((أما نقصان عقلهن: فإن شهادة امرأتين منهن بشهادة رجل، وأما نقصان دينهن: فإن أحداهن تمكث شطر عمرها لا تصلي))، وهذا لا يكون إلا والحيض يتقدر بخمسة عشر يومًا. 1569 - والجواب: أن المحفوظ في هذا الخبر: ((إن إحداهن تمكث عدد الأيام والليالي لا تصلي))، فأما النصف: فقال ابن المظفر الحافظ: لا أصل له عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأما الشطر: فلا يختص بالنصف، بل يتناول ما دونه كتناوله له. 1570 - ولأنه قد يتصور ترك الصلاة نصف عمر المرأة وإن كان الحيض عشرة أيام، ألا ترى أن من بلغت لخمسة عشر سنة فحاضت عشرة أيام حتى تمت لها ستون فقد تركت الصلاة شطر عمرها. 1571 - ولا يقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قصد الفرق بين الرجال والنساء وهما يتساويان فيما قبل البلوغ؛ لأنه يجوز أن يكون ذكر ترك الصلاة في الشطر ليبين الفرق في بعض المدة دون جميعها.

1572 - ولا يقال: كيف تذم على ترك الصلاة قبل بلوغها لأن هذا يلزمهم بمثله؛ ألا ترى أنها لا تذم على ترك الصلاة في أيام حيضها ولا يوجد حيض خمسة عشر -غالبًا-، وإنما يكون نادرًا، فكيف يذم جملة النساء بوجود ذلك من إحداهن، فعلم أن المراد بالخبر ترك الصلاة في غير أيام الحيض؛ لأنه يغلب على النساء من ترك الصلاة والتباس الحيض بالاستحاضة ما لا يغلب على الرجال. 1573 - قالوا: إنه معنى إذا طرأ أسقط فرض الصلاة؛ فجاز أن يكون خمسة عشر يومًا، كالجنون. 1574 - قلنا: الجنون لا يدخله التقدير، والحيض مقدر محصور باتفاق؛ فلا يجوز اعتبار ما يتقدر بما لا يتقدر باتفاق، ولأن الجنون لا يوجد جنسه إلا مسقط، والدم قد يوجد من جنسه ما لا يؤثر في الصلاة؛ فلذلك جاز أن يختلف حكم الدم في المدة، ولا يختلف حكم الجنون، وتعكس هذه العلة فيقال: فوجب أن يكون حكمه في خمسة عشر حكمه فيما زاد عليها، كالجنون. 1575 - قالوا: دم يسقط فرض الصلاة؛ فجاز أن يكون خمسة عشر يومًا، كالنفاس. 1576 - قلنا: اعتبار دم الحيض بدم النفاس في باب التقدير لا يصح؛ للاتفاق في اختلاف مقدارهما. 1577 - ولأنه ليس لقائل أن يقول: إن الخمسة عشر إذا جاز أن يكون نفاسًا جاز أن يكون حيضًا إلا ولغيره أن يقول مثل ذلك في العشرين والثلاثين، وإذا تساوي طريق القولين وبطل أحدهما بالاتفاق فالآخر مثله. 1578 - قالوا: دم لم ينقص عن أقل الحيض يبقى معه من الشهر طهر صحيح؛ فجاز أن يكون حيضًا، كالعشرة. 1579 - قلنا: ما نقص عن أقل الحيض إنما لم يكن حيضًا لمخالفته للظاهر، كذلك خمسة عشر تخالف الظاهر فلم يكن حيضًا. 1580 - وقولهم: يبقى بعده من الشهر طهر صحيح لا نسلمه؛ لأنه قد يبقى بعده الخمسة عشر طهر صحيح، وقد لا يبقى عند نقصان الشهر.

مسألة 77 رخصة المستحاضة مقدرة بوقت الصلاة

مسألة 77 رخصة المستحاضة مقدرة بوقت الصلاة 1581 - قال أصحابنا رحمهم الله: رخصة المستحاضة مقدرة بوقت الصلاة. 1582 - وقال الشافعي رحمه الله: إذا صلت الفرض جاز لها أن تصلي النوافل، ولا يجوز لها أن تصلي فرضًا آخر. 1583 - لنا: ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لفاطمة: ((دعي الصلاة أيام أقرائك واغتسلي وتوضئي لوقت كل صلاة)). 1584 - ولا معنى لقولهم: إن هذا يفيد وجوب الوضوء للوقت، فأما بطلانه فخروج الوقت من حيث الدليل؛ وذلك لأن الكلام خرج لتقدير الرخصة، فلو بقيت

الطهارة بعد الوقت سقط التقدير، ولأن استدلالنا لنفي الطهارة في الوقت، فأما بعد الوقت فحكم يأتي لا يقدح في الدليل. 1585 - قالوا: الخبر يقتضي وجوب الوضوء للفائتة بعد الفريضة؛ لأن ذلك وقتها. 1586 - قلنا: إطلاق الوقت يقتضي الموضوع للصلاة المعهودة دون الفائتة التي تثبت حكما. 1587 - ويدل عليه أنها طهارة، فجاز أن يؤدي بها فرضين، كالوضوء. 1588 - ولا معنى لقولهم: إن الوضوء يؤدي به فرضين في وقتين، كذلك في وقت واحد، وفي مسألتنا: لا يؤدي في وقتين فرضين، كذلك في وقت واحد، لأن علة الفرع غير مسلمة. ويجوز عندنا أن تؤدي بوضوئها صلاة قبل الزوال وصلاة بعده. ولا يلزم أن يصلي به على جنائز كثيرة إذا وضعت إحداها بعد الأخرى من غير فصل. 1589 - ولأنها رخصة مقدرة في الطهارة فتقدرت بالوقت، كمسح الخفين. ولا يلزم على هذا المستحاضة إذا نسيت أيامها ودخل شهر في شهر أن محمدًا قال: تغتسل لكل صلاة؛ لأن الدقاق ذكر هذه المسألة وقال: تغتسل لوقت كل صلاة، ففي المسألة روايتان. ولأن يؤدي بها نفل بعد الفرض؛ فجاز أن يؤدى بها الفرض، كالوضوء في حق غيرها. 1590 - ولا معنى لقولهم: إن النفل أخف في أحكامه من الفرض؛ لأنهما تساويا

في الطهارة -وإن اختلفا في غيرها-، بل حكم النفل في الطهارة أقوى عندهم، ألا ترى: أن من لا يجد ماءً ولا ترابًا يصلي الفرض عندهم دون النفل. 1591 - احتجوا: بما روي في حديث فاطمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها: ((دعي الصلاة أيام أقرائك، ثم اغتسلي وتوضئي لكل صلاة -أو: عند كل صلاة)). 1592 - والجواب: أن مخالفنا طعن على هذه الزيادة وزعم أن أبا حنيفة رحمه الله تفرد بها، وأن الجماعة رووا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ثم اغتسلي وتوضئي))، فلم يصح استدلالهم بزيادة طعنوا عليها. ثم الخبر متروك الظاهر؛ لأن عندهم لا يجب الوضوء لكل صلاة، وليس أحد الإضمارين أولى من الآخر، وقد عارض هذا الخبر خبرنا، وفيه زيادة من طريق النطق، وفي خبرهم زيادة من طريق المعنى، والزيادة من طريق اللفظ أولى؛ لأنها مسموعة. 1593 - قالوا: طهارة ضرورة فلا يؤدي بها فرضين، أصله: إذا صلاهما في وقتين. 1594 - قلنا: الأصل غير مسلم؛ لأنه يجوز عندنا على ما قدمناه، ولأن حكم الوقت والوقتين مختلف في الرخص، ألا ترى أن الماسح إذا بلغ إلى آخر المدة جاز له أن يصلي صلاتين في الوقت، ولم يجز أن يصلي إحداهما في الوقت والأخرى بعد الوقت، وقد اعتبر مخالفونا في هذه المسألة ما خرجوا به من الأصول؛ لأنهم أبطلوا الطهارة بالفراغ من الصلاة، فلو طولها إلى آخر الوقت بقيت الطهارة، ولو خففها في أول الوقت بطلت طهارة في باب الفرائض ولم تبطل في باب النوافل، والطهارة لا يصح أن تبطل من وجه دون وجه.

مسألة 78 أكثر النفاس أربعون يوما

مسألة 78 أكثر النفاس أربعون يومًا 1595 - قال أصحابنا: إن أكثر النفاس أربعون يومًا. 1596 - وقال الشافعي: ستون. 1597 - لنا: ما روته مُسّة الأزدية عن أم سلمة قالت: كن النساء يقعدن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من النفاس أربعين يومًا ويطلين وجوههن بالورس من الكلف. فحكت اتفاق نساء العصر على هذا الفعل، ولا يجوز أن يتفقن على أمر في الشرع لا يرجعن فيه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 1598 - ولا يقال: إنها حكت العادة؛ لأن عادة النساء لا تتفق في زمان واحد. 1599 - ولأنه لو أرادت بيان العادة لم يخص ذلك بزمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما يخص

برواية الحكم. وقد ذكر أبو الحسن من بعض طرق هذا الخبر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقَّتَ للنفساء أربعين ليلة. 1600 - ويدل عليه: ما رواه سلام بن سليم الطويل عن حميد عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((وُقت النفساء أربعون يومًا، إلا أن ترى الطهر قبل ذلك)). 1601 - وروى مكحول عن أبي هريرة وأبي الدرداء رفعاه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((تنظر النفساء أربعين صباحًا، إلا أن ترى الطهر قبل ذلك، فإن لم تر الطهر فيما بينها وبين أربعين صباحًا فهي مستحاضة، تصنع ما تصنع المستحاضة)) وروى عمر، وابن عباس، وعثمان بن أبي العاص، وعائذ بن عمرو -وهو ممن بايع النبي - صلى الله عليه وسلم - تحت الشجرة- وأم سلمة، وأنس، وعائشة أنهم قالوا: مدة النفاس أربعون يومًا، ومثله لا يقال قياسًا، فحمل على التوقيف. أو نقول: لم يحك عن أحد

خلافه، فصا إجماعًا. ولأن ما زاد على الأربعين نادر في أكثر النفاس، كما زاد على الستين. ولأنها مدة اختلف في كونها نفاسًا، كما زاد على الستين. 1602 - احتجوا: بأنه دم يؤثر في الصلاة، فجاز أن يزاد على معتاده، كدم الحيض. 1603 - والجواب: أنه معتاد النفاس أقل من أربعين، فقد قلنا بموجب العلة، ثم نعكس فنقول: فلا يبلغ بأكثر ستين، كالحيض. 1604 - قالوا: معنى يمنع من الصلاة، فإذا تجاوز نصف الشهر جاز أن يمتد إلى الشهرين، كالجنون. 1605 - قلنا: الجنون لا يدخله التقدير، والخلاف يقع في إثبات مقدار، فلا معنى للرجوع إلى ما يتقدر. ولأن الجنون لم يجز أن يبلغ ستين؛ لأنه يجاوز نصف الطهر، فلم يصح التعليل. 1606 - قالوا: معنى يمنع الزوج من الوطء إذا تجاوز الشهر، فجاز أن يمتد إلى شهرين، كالصوم. 1607 - قلنا: النفاس عندكم لا يتقدر بشهرين، وإنما يتقدر بستين يومًا، والصوم في الكفارة يتعلق بشهرين، وقد يكون ذلك أقل من ستين، فلم يجز أن يجعل أحدهما أصلًا للآخر. 1608 - قالوا: النفاس: الدم الموجود عقيب الولادة، وقد وجد ذلك زائدًا على

الأربعين معتاد في نساء الماجشون بِتَأَتٍ. 1609 - قلنا: إذا أخبرن بما يخالف العادة لم يلتفت إلى خبرهن، ولأنا لا نسلم أن النفاس هو الموجود، وإنما يرجع في ذلك إلى دليل آخر. ولأن النساء يخبرن عن رؤية الدم، ولا يعلمن أنه من الرحم أو غيره، فلم يجز الرجوع إلى قولهم.

كتاب الصلاة

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب الصلاة

مسألة 79 وقت الوجوب

مسألة 79 وقت الوجوب 1610 - قال أصحابنا: وجوب الصلاة يتعلق بآخر وقتها. 1611 - وقال ابن شجاع: يتعلق بأول وقتها موسعا، ويتضيق بآخره، وبه قال الشافعي رحمه الله. 1612 - لنا: أنه مخير في ابتداء الوقت بين فعل هذه الصلاة وتركها، لا إلى بدل، فصارت كالنوافل. ولا معنى لقولهم: إن هذا حد الواجب المضيق، فأما الموسع: فحده ما لا يجوز تأخيره عن وقته؛ لأنا لم نقصد مقصد التحديد، وإنما ذكرنا علة رددناها إلى الأصل، فلا معنى للمنازعة بحد لم نذكره. 1613 - ولا يقال: إنا لا نسلم أنه يتركها إلى غير بدل؛ لأن العزم على فعلها في الثاني بدل؛ وذلك لأن العزم لو كان بدلا لقام في المصلحة مقام الأصل، ولو كان كذلك لسقط به الوجوب. ولأن العزم لا يكون إلا بفعل واجب، وكونه لا يقتضي

سقوط الوجوب، وهذا تناقض. 1614 - ولا يقال: إن فعل الصلاة في آخر الوقت بدل؛ لأن هذا البدل متروك في أول الوقت، ونحن دللنا على عدم وجوبها في أوله بجواز تركها وبدلا فيه، فأما فعل بدل في الثاني فيدل على وجوبها في الجملة، ولا يدل على وجوبها في الوقت الأول. ولأن وجوب الصلاة يختلف باختلاف حال المكلف في آخر الوقت دون أوله، وكذلك صفات الفرض تختلف باختلاف حاله في آخر الوقت. 1615 - ألا ترى أن الحائض في آخر الوقت لا يلزمها الصلاة، والطهارة في آخره يلزمها الفرض، والمسافر في أخر الوقت يصلي ركعتين، فجرى أول الوقت مجرى حين لم يؤثر في الوجوب ولا في الصفة مجرى ما قبل الوقت. 1616 - ولا معنى لقولهم: إن الوجوب قد يتعلق بأول الوقت ويتعين صفته بما يطرأ عليه، كالعبد إذا أعتق بعد الزوال وجبت عليه الجمعة وإن لم يكن مخاطبا بها في أول الوقت؛ لأن هذا يؤكد ما قلنا. 1617 - ألا ترى أنه إذا أعتق فهو في آخر الوقت من أهل الجمعة، فلذلك كانت فرضه، ولم نعتبر برقِّه في أول الوقت؛ لأنه ليس بوقت الوجوب. 1618 - قالوا: الصحيح إذا فاته الفرض ثم مرض جاز أن يقضي بإيماء، فتعين القضاء بصفته في حال القضاء لصفه فإن لم تكن حالة الوجوب. 1619 - قلنا: دليلنا اقتضى أن ما لا يتعين به صفة الفرض ليس بوقت للوجوب، فإذا تعين الفرض في غير وقت الوجوب لم يلزمنا، ولأن الفرض عندنا يسقط بالفوات، والقضاء فرض آخر الوقت، فلم يتعين عندنا الفرض بغير حال الوجوب،

وإنما اعتبرت صفته في حال الوجب. ولأنها فرض مؤقت يتسع وقته لفعل أمثاله، فكان له وقت جواز ووقت وجوب، كالزكاة. ولأنها صلاة لا حرج في تأخيرها عن هذا الوقت فلم تكن واجبة، كالعصر في وقت الظهر يوم عرفة. 1620 - احتجوا: بقوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل}، فأمر بفعل الصلاة في عموم الوقت، والأمر يدل على الوجوب، فاقتضى وجوبها في أي وقت فعلها فيه. 1621 - والجواب: أن فعل الصلاة لا يجب في جميع الوقت، وإنما يجب في وقت من الجملة باتفاق، وزعم مخالفنا أنه أول الوقت وادعينا أنه آخره، فلم يكن ما يدعيه بأولى مما نقوله. ولا يقال: إن الظاهر اقتضى الفعل في وقت غير معين من جملة هذه الأوقات، ففي أيها فعل كان واجبا؛ لأن الآية إذا اقتضت وجوب المفعول في أول الوقت قلنا به؛ لأن من مذهب أبي الحسن: أن الوجوب يتعين بالفعل وتأخير الوقت. 1622 - قالوا: عبادة على البدن ليس من شرط وجوبها المال، فوجب أن يكون أول جواز فعلها متبوعة وقت الوجوب بها، كالصوم. 1623 - قلنا: تخصيص العبادة بالبدن لا معنى له؛ لأن العبادة المؤقتة في المال والبدن حكم الوقت، والأمر فيها على وجه واحد. ثم جواز الفعل لا يستدل به على الوجوب؛ لأن الوقت قد يجعل وقتا للجواز دون الوجوب، كوقت الظهر للعضر بعرفة، والزكاة في أول الحول. ثم المعنى في الصوم أن وقته مقدر بفعله، فلا يتصور فيه إلا وقت الوجوب، والصلاة يتسع وقتها لإمساك فعلها، فهي كالزكاة.

1624 - قالوا: كل ما كان وقتا لجواز فعل الصلاة في حق الكافة كان وقتا لوجوبها، كآخر الوقت. 1625 - قلنا: المعنى في آخر الوقت أنه لا يخير بين فعلها وتركها، فكان وقت وجوبها، ولما خير في ابتداء الوقت بين فعل الصلاة وتركها لم تكن واجبة، ولا يلزم على هذا قضاء رمضان: أنه مخير بين تقديمه وتأخيره وهو واجب؛ لأنه مؤقت فيما بين رمضان، ووجوب على هذه الطريقة يتعلق بآخر الوقت. 1626 - قالوا: عبادة، فوجب أن يتسع وقت وجوبها لأدائها، كسائر العبادات. 1627 - قلنا: إذا بقي من الوقت مقدار الأداء فقد وجب فعل العبادة، فالوقت يتسع للفعل. وقول أصحابنا: إن الوجوب يعتبر فيه من آخر الوقت مقدار التحريمة إنما هو في الوقت الذي يتعلق به الخطاب في حق من لم يكن مخاطبا قبله، ويتعين نية الصلاة بفواته من الأداء إلى القضاء، فأما وجوب الفعل فيتعلق بما قدمناه. 1628 - قالوا: الإنسان لا يأثم بتأخير العبادة قبل وجوبها، وإنما يأثم بالتأخير بعد الوجوب، وفي علمنا أنه يأثم يتأخير الصلاة إذا بقي من الوقت مقدار أربع ركعات؛ دلالة على أن الوجوب يتعلق به. 1629 - قلنا: كذلك نقول على ما قررناه. ثم لا يمتنع أن يتعلق الوجوب بآخر الوقت ويأثم بالتأخير عما قبله؛ لأنه يؤدي إلى فعل بعض الصلاة في غير وقت الوجوب والأداء، كما يمتنع من تأخير الصلاة عن أول الوقت إذا حضرت الجماعة وهو في المسجد وإن كان موسعا عليه في التأخير في الجملة. 1630 - قالوا: اختلف الناس في أن الصلاة في أول الوقت أفضل أو في آخره، والتفضيل يقع بين المتساويين: إما واجبين أو ندبين، فأما أن يفضل بين مندوب وواجب فلا. 1631 - قلنا: المفعول في أول الوقت يجب بالفعل، فإذا فضلنا بينه وبين المفعول في آخره فقد فضلنا بين الواجبين، هذا على قول أبي الحسن. وعلى غير هذا

الوقت، المفعول في أول الوقت مراعى فيصير واجبا في الثاني، فالتفضيل يقع بين واجب مراعى وواجب غير مراعى، والتفضيل يجوز أن يقع بين واجبين مختلفي الصفة.

مسألة 80 وقت الظهر

مسألة 80 وقت الظهر 1632 - قال أبو حنيفة: آخر وقت الظهر إذا صار ظل كل شيء مثليه سوء فيء الزوال. 1633 - وقال أبو يوسف ومحمد: إذا صار ظل كل شيء مثله، وهو قول الشافعي. 1634 - لنا: ما روي أبو بكر بن أبي موسى عن أبيه أن سائلا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مواقيت الصلاة، فقال له: ((اجعل صلاتك معنا))، فصلى الظهر في اليوم الأول حين زالت الشمس، وصلى العصر والشمس بيضاء مرتفعة، وهذا لا يقال عند المثل، فدل على أن وقت العصر بعد المثل، وهذا حديث مدني؛ لأنه ذكر فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بلالًا فأذن، والأذان سن في المدينة. 1635 - ويدل عليه حديث ابن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن مثلكم ومثل أهل الكتابين من قبلكم كرجل قال: من يعمل معي إلى صلاة الظهر بقيراط؟ فعملت اليهود، ثم قال: من يعمل معي إلى صلاة العصر بقيراط؟ فعملت النصارى، ثم قال: من يعمل معي إلى صلاة المعرب بقيراطين؟ فعملتم أ، تم، فغضبت اليهود والنصارى وقالوا: ما بالنا أكثر عملا وأقل أجرًا))، فأخبر بأن عمل النصارى أكثر من عمل

المسلمين، فدل على أن ما بين الظهر والعصر أطول مما بين العصر والمغرب. ولا يجوز أن يكون المراد بالخبر أن عملهما أكثر من عمل المسلمين؛ لأنه لو كان كذلك لم يقل ((وأقل أجرا))؛ لأن أجر أحدهما كأجر المسلمين. 1636 - ولا يقال: إن العمل قد يزيد مع قصر الوقت لكثرته؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قصد بيان كثرة العمل لاتساع الوقت، ولو أراد كثرته في نفسه لم يكن لذكر الوقت معنى. ولأنها صلاة لا تكره النافلة في وقتها، يليها صلاة تكره النافلة بعدها، فكانت الأولى أطول وقتا، كالعشاء والفجر. ولأنها صلاة تتوسط صلاتين فتكره النافلة في وقتها فكانت أطول مما يليها، كالعشاء. ولأنها صلاة تتوسط أحد الزمانين، كالعشاء. ولأنها صلاة قبلها صلاة لا تقصر في السفر، فكانت أطول وقتا مما بعدها، كالعشاء. وهذه الأقيسة لبيان سفة الوقت، ألا ترى: أنا أجمعنا على جواز الظهر بعد المثل، وإنما يختلف في أنها أداء، فالقياس لبيان صفة الوقت دون الوقت، ولأن ما بعد المثل وقت لو بلغ فيه الصغير وجبت الظهر، فكان وقتا لأدائها في حق غيره، كما قبل المثل، ويدل على وقت العصر بقوله تعالى: {وأقم الصلاة طرفي النهار} والطرف ما قرب من الغاية، فهذا يدل على أن وجوبها آخر وقت النهار، ولأن الواقيت لا تثبت إلى بتوقيف أو اتفاق وقد اتفقنا على جواز العصر بعد المثلين واختلفنا في جوازها قبل ذلك، فلم يجز إثباته من غير توقيف. ولأنها صلاة يجاورها غروب الشمس، فأثر ذلك في قصر وقتها، كالمغرب.

1637 - احتج المخالف بحديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أمني جبريل عند باب البيت مرتين، فصلى بي الطهر حين زالت الشمس، وصلى بي العصر حين صار ظل كل شيء مثله، وصلى بي في اليوم الثاني الظهر حين سار ظل كل شيء مثله، والعصر حين صار ظل كل شيء مثليه، ثم التفت إلي فقال: الوقت ما بين هذين الوقتين)). 1638 - قالوا: وكلٌّ موضع، قال في اليوم الأول: ((صلى)) معناه: ابتدأ، وفي اليوم الثاني ((صلى)) معناه فرغ؛ لأنه بيان لأول الوقت وآخره، وذلك لا يكون إلا على هذا الوجه. 1639 - والجواب: أنه يروى في هذا الخبر أن جبريل جاءه في اليوم الثاني ((حين صار ظل كل شيء مثله، قال: قم فصل الظهر))، وهذا يفيد جوازها بعد المثل، وذلك معارض لما فعله في اليوم الأول. ولا يمكن حمله على ما ادعوه من انتهاء الصلاة؛ لأنه نقل الابتداء بعد المثل، والتأويل لا يجوز بخلاف المنصوص. ولا يجوز أن يقال بحمله على المثل مع الزوال؛ لأن جميع ما ذكر في الخبر من المثل والمثلين المراد به: ما سوى في الزوال، فلو كان المراد في هذا الوضع المثل مع الفيء كان ذلك تلبيسا في البيان؛ لأنه صار الظل مثله، وهذا عبارة عن الحدوث، وفي الزوال لم يحدث. فلو كان هذا التأويل مع ما بعده جاز لنا أن نحمل ما روي في اليوم من فعله للعصر حين صار ظل كل شيء مثله على بيان الوقت ليوم عرفة، أو على الأمر بالتأهب للصلاة، وقد يسمى المشتغل بسبب الصلاة مصليا؛ كما

قال - عليه السلام -: ((وإنكم في صلاة ما انتظرتموها)). ولا يقال: إن هذا يؤدي إلى نسخ ما فعل في اليوم الأول بما فعل في الثاني ولم يجر في القصة نسخ؛ لأن هذا دعوى، ولا يمتنع أن يقع النسخ إذا تنافى الفعلان، ولأن هذا الخبر كان بمكة وخبرنا بالمدينة، فالرجوع إليه أولى. 1640 - قالوا: صلاتان يجمعان في وقت إحداهما فكانت الأُولى أقصر وقتا، كالمغرب والعشاء. 1641 - قلنا: نعكس فنقول: فكان ما يقع في الجميع في وقتها أطول، كالمغرب والعشاء، ولأن المغرب والعشاء دليلنا، ألا ترى أن وقت العشاء وَسِعٌ في باب النوافل، والمغرب ضيق وقتها، وذلك لأنه لا يتنفل قبلها، ولما اتسع وقت الظهر للنوافل وضيقت في وقت العصر كان ما اتسع في النوافل أطول. 1642 - قالوا: الظهر صلاة يدخل وقتها بخروج وقت تكره فيه النافلة فكانت أقصر وقتا مما يليها، كالمغرب. 1643 - قلنا: كراهة النفل قبل دخول الوقت لا يجوز أن يؤثر في حكم الوقت، كما أن الأحكام المتعلقة بعبادة لا تؤثر في غيرها، ولو جاز اعتبار هذا كان المنع من النفل في الوقت أدل على ضيق الوقت من المنع قبله. ثم المغرب إنما ضاق وقتها للمنع من التنفل وفي وقتها، لا لما قالوه. ثم إن هذا يبطل بصلاة العيد؛ لأن دخول وقتها تعلق بخروج وقت الكراهة وهي أطول وقتا من الظهر الذي يليها. 1644 - احتجوا: في العصر خاصة بما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى العصر فجاء رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله، إن عندي جزورًا ,غني أحب أن أنحره وتحضره، فانصرف رسول الله وانصرفنا معه، فنحر الجزور ,اصْلح وطعمنا قبل

أن تغرب الشمس. 1645 - وروي عن أنس أنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي العصر فيسير السائر إلى العوالي ويرجع والشمس حية مرتفعة. 1646 - والجواب: أن هذا لا يمكن أن يجعل حدا للوقت؛ لأن الطبخ يختلف بحسب الإسراع، لا سيما العب فإنهم لا يعرفون طبخ أهل البلاد، وكذلك السير مختلف بالأسراع، فإذا صلى عند المثلين في زمان الصيف أمكن هذا، فلم يجز أن يجعل دلالة على ما قالوه.

مسألة 81 وقت العصر

مسألة 81 وقت العصر 1647 - قال أصحابنا: وقت العصر يمتد إلى غروب الشمس. 1648 - ومن أصحاب الشافعي من قال: إلى المثلين. 1649 - والدليل على ما قلناه: ما روي في حديث عبد الله بن عمرو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((وقت العصر ما لم تصفر الشمس))، وحديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((وخر وقت العصر ما لم تغرب الشمس)).

1650 - روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها)) وقال: ((من فاته العصر حتى غربت الشمس فكأنما وتر أهله وماله)). ولأنها صلاة تقصر في السفر، فلم يكن بينها وبين ما يليها فاصلة وقت، كالظهر. ولأن ما بعد المثلين وقت لمن بلغ أو أسلم فوجب أن يكون وقتا لغيرهم، كسائر مواقيت الصلوات. 1651 - احتجوا: بما روي أن جبريل صلى بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثله، وقال: الوقت ما بين هذين. 1652 - والجواب: أن الأخبار التي رويناها مدنية، وإمامة جبريل كانت بمكة، والمتأخر أولى. وهذه المسألة إجماع، فلا يلتفت إلى خلاف من خالف فيها.

مسألة 82 وقت المغرب

مسألة 82 وقت المغرب 1653 - قال أصحابنا: وقت المغرب متسع، له أول وآخر. 1654 - وقال الشافعي: مقدار ما يتطهر ويؤذن ويصلي ثلاث ركعات، فإذا مضى ذلك فقد فات الوقت. 1655 - لنا: ما روي في حديث عبد الله بن عمرو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((وقت الظهر ما لم يحضر العصر، ووقت العصر ما لم تصفر الشمس، ووقت صلاة المغرب ما لم يسقط فور الشفق، ووقت العشاء إلى نصف الليل، ووقت صلاة الفجر ما لم تطلع الشمس)). وروى الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن للصلاة أولًا وآخرًا، وإن أول وقت المغرب حين تغرب الشمس وإن آخر وقتها حين تغيب الأفق)). ولأن معنى لقولهم: إن المراد به آخر وقتها في حال البقاء؛ لأن ما كان وقتا فهو وقت لأمرين، فمن ادعى أنه وقت من وجه دون وجه فقد خص. 1656 - وروي في حديث أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه في قصة السائل عن المواقيت قال في اليوم الثاني: ((ثم أخر المغرب حتى كاد سقوط السفق))، وهذا لبيان آخر الوقت. ولأنها صلاة مفروضة، فكان لها وقت ممتد، كسائر الصلوات. أو نقول: فلم يتقدر وقتها بفعلها، كسائر الصلوات. ولأنه وقت في حق المعذور، فكان وقتًا في حق غيره، كأول الوقت. ولأنه وقت البقاء عليها، فكان وقتا لأدائها، كسائر المواقيت. ولا يلزم على هذا آخر وقت الجمعة، أنه وقت للبقاء وليس بوقت للابتداء؛ لأن معنى قولنا إنه وقت للابتداء أن الوقت لم يفت في حق المبتدئ، وكذلك نقول في الجمعة؛ لأن الداخل في آخر وقتها لا يدخل في فائتة، فهو وقت الابتداء، ولأنها صلاة تجمع إلى ما يليها فلم يفصل بين وقتيهما فاصلة، كالظهر والعصر. 1657 - احتجوا: بما روي في حديث ابن عباس أن جبرائيل صلى بالنبي - صلى الله عليه وسلم - المغرب في اليومين في وقت واحد، فلو جاز تأخيرها لأخرها، كسائر الصلوات. 1658 - والجواب: أن فعله في اليومين يحتمل ما ذكروه. 1659 - ويجوز أن يكون لكراهة تأخيرها فلم يعرضه لفعل المكروه، وإذا احتمل الوجهين ساقط التعلق به. ولهذا المعنى لم يؤخر العصر إلى المغرب، والعشاء إلى ما بعد نصف الليل. ولأنّ أخبارنا مدنية فهي أولى مما كان بمكة. ولا يجوز أن يقال: إن جبريل لم يقصد بيان فضيلة الوقت، وإنما قصد نفس الوقت؛ لأنه قصد بيان الوقت الذي لا يكره، والمغرب عندنا فيما بعد الزوال والوقت مكروهة، فلم يكن ذلك

بيان فضيلة. 1660 - قالوا: خبر ابن عباس مشهور، وأخباركم مجاهيل، فلا ينسخ بها. 1661 - قلنا: أخبارنا وردت ورود الآحاد، وكذلك خبر ابن عباس، وقولهم: إنها مجاهيل غلط؛ لأن خبر أبي موسى ذكره أصحاب الأسانيد، وخبر أبي هريرة ذكره ابن أبي شيبة. 1662 - قالوا: روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((لا يزال أمتي بخير ما لم يؤخروا المغرب إلى اشتباك النجوم))، وروى جابر بن سمرة قال: كنا نصلي عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المغرب فنمضي إلى دور بني سلمة فنتناضل وترى مواقع النبل. 1663 - والجواب: أن هذا يدل على فضيلة التعجيل وكراهة التأخير، فأما اختصاص الجواز بهذا الوقت فلا. 1664 - قالوا: روي أن عمر أخر المغرب حتى طلع نجمان فأعتق رقبتين وقدم أبو أيوب مصر وعليها عقبة بن عامر فأخر المغرب فأنكر

عليه، ولم يعرف لهما مخالف، ولأن الناس يبادرون إليها في سائر الأعصار، فدل على اختصاصها بأول الوقت. 1665 - والجواب: أنه روي عن ابن عباس أنه قال: ما بين الظهر والعصر وقت، وما بين العصر والمغرب وقت، وما بين المغرب والعشاء وقت. وهذا مثل قولنا، وما ذكروه عن عمر وأبي أيوب يدل على كراهة التأخير دون غيره، وأما مبادرة الناس على فعلها فلكراهة تأخيرها. ولا يقال: إنهم لا يبادرون إلى الظهر في الشتاء؛ لأن تأخيرها لا يكره، فلذلك عجلوها تارة وأخروها أخرى. 1666 - قالوا: صلاة أصل لا تقصر فوجب أن يكون بينها وبين التي تليها زمان تفوت فيه، كالصبح. 1667 - قلنا: الصبح لا تجمع إلى ما يليها، فلذلك انفصل وقتاهما، والمغرب بخلافه، ولأن الفجر وسائر المواقيت دلالة لنا؛ لأن وقتها لا يتضيق بمقدار فعلها. فأما قولهم: إنها وتر في العدد وكذا في الوقت، فليس بشيء؛ لأن الأوقات لم توضع على أعداد الصلوا، ولو كان كذلك لاتسع الظهر لزيادة عدده، ولصار لها أربعة أوقات. 1668 - وقد خالف الشافعي في هذه المسألة مواقيت الصلوات كلها، فجعل الوقت مقدرًا بالفعل، ثم بقّى الوقت ببقاء المصلي في الصلاة فيؤدي إلى

فوات الوقت في حق واحد وبقائه في حق آخر، وهذا لايصح. وأما من قال منهم: إن وقتها يفوت ,عن بقي على الصلاة إذا مضى مقدار ثلاث ركعات فخالف الأخبار؛ ألا ترى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخر المغرب حين بين للسائل إلى غيبوبة الشفق، فدل على أن الوقت لا يبقى في حال البقاء. وقد روي أنه قرأ في المغرب الأعراف، وهذا لا يكون إلا والوقت يمتد في حال البقاء.

مسألة 83 أول وقت العشاء

مسألة 83 أول وقت العشاء 1669 - قال أبو حنيفة: أول وقت العشاء إذا غاب الشفق، وهو البياض، وقال أبو يوسف ومحمد: إذا غابت الحمرة، وبه قال الشافعي. 1670 - والكلام في هذه المسألة يقع في الحكم والاسم. فأما الحكم: فالدليل عليه قوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل} وهذا يقتضي بقاء وقت المغرب المتعلقة بالدلوك إلى غسق الليل وهو اجتماع الظلمة، وذلك لا يكون مع البياض. 1671 - وروى أبو مسعود الأنصاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي العشاء إذا اسود الأفق. 1672 - ولا يقال: أسود مع البياض. ولا معنى لقولهم: إن هذا يدل على جواز العشاء بعد البياض ونحن لا نمنع جوازها فيه؛ لأن الخبر يقتضي المداومة على هذا الفعل، فدل على أنه أول الوقت. ولأن البياض المجاور للحمرة لا يجمع معه وقت العشاء، كبياض الفجر. ولأن المغرب صلاة لا تقصر في السفر، فاجتمع في وقتها الحمرة والبياض، كالفجر. ولا معنى لقولهم: إن الحمرة تكون بعد الطلوع وذلك لا يكون في وقت

الفجر؛ لأن هذا ضد المشاهدة، وحمرة الأفق تسبق الطلوع، وتتأخر عن الغروب. 1673 - فإن قالوا: فوجب أن يكون بينها وبين وقت ما يليها فاصلة كالصبح أو فوجب أن لا يتعلق آخر وقتها بالبياض، انتقض ذلك بالوتر، ولأن ذلك وقت لو بلغ فيه الصبي لزمته المغرب، فلم يجز فعل العشاء فيه، كما قبل غيبوبة الحمرة. ولأن العشاء هي الصلاة المختصة بالليل، فكان موضوع وقتها فيما هو أشبه بالليل، وذلك بعد البياض. 1674 - ولأن البياض أحد الشفقين، فاعتبر غروبه في دخول وقت العشاء، كالحمرة. وأما الكلام في الاسم: فلأن الشفق اسم البياض والحمرة، وقد روي البياض عن عمر، ومعاذ، وعمر بن عبد العزيز، وروي الحمرة عن ابن عمر.

والكلام في الأولى منهما، فالبياض أولى لأن الاسم قيل: إنه مأخوذ من الرقة، ومنه: شفقة القلب ونور شفق، وآخر البياض أرق، فكل حمل الاسم عليه أولى. وقد قيل: إنه مأخوذ من أواخر الشيء وما يخاف فوته، ولهذا يقال: فلان شفق من حياته، والبياض يتأخر، فحمل الاسم عليه أولى. ولأن البياض لا يوجد إلا ويتناوله الاسم، والحمرة توجد نهارا ولا تسمى شفقا، فكان ما يتناوله الاسم بكل حال أولى. 1675 - احتجوا: بما روى جابر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى العشاء قبل أن يغيب الشفق. ولا يجوز أن يكون المراد به الحمرة، فلم يبق إلا البياض. 1676 - والجواب: أن الجماعة روت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى العشاء بعد ما غاب الشفق، والألف واللام للجنس، فيقتضي البياض والحمرة جميعا، فإذا روى جابر ما يخالف الجماعة حمل على الشفق الذي هو بياض الجو، وذلك لا يغيب إلى آخر الليل. 1677 - ولا معنى لقولهم: إنا لا نعلم أن ذلك يسمى شفقًا؛ لأن الخليل سماه، وقوله حجة، ثم هذا الخبر لا دلالة فيه على أصلهم؛ لأن جابر لم يحك المداومة، وإنما ذكر مجرد الفعل، فيجوز أن يكون صلى العشاء في وقت المغرب على طريق الجمع عندهم فلم يمكنهم الاستدلال به مع الاحتمال. 1678 - قالوا: روى النعمان بن بشير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي العشاء لغيبوبة

القمر الثالثة. 1679 - قلنا: البياض يغيب في الليلة الثالثة قبل غيبوبة القمر، فلم يكن فيما قالوه دلالة. 1680 - قالوا: روي مثل قولنا عن ابن عباس وابن عمر وأبي هريرة وعبادة. 1681 - قلنا: قد بينا أن قول عمر ومعاذ مثل قولنا، فلم يجز ادعاء الإجماع. 1682 - قالوا: صلاة تجب بعَلَم يشاركه غيره في اسمه، فوجب أن يجب بأظهرهما، كالصبح. 1683 - قلنا: فوجبت الصلاة بالثاني منهما، كالفجر. 1684 - قالوا: الطوالع ثلاثة، فتعلق وجوب الصلاة منها بالأوسط. 1685 - قلنا: لم يجمعوا بين الأمرين بعلة، ثم الطوالع أربعة: الفجر الأول، والثاني، والحمرة، والشمس، فالصلاة لا تتعلق بأوسط الطوالع، ثم الطوالع التي هي من آيات الشمس لما حصلت في وقت الفجر كان جميعها فيه، فالغوارب التي هي أثر الشمس يجب أن تجتمع في وقت المغرب. 1686 - وأما الاسم: فاحتجوا بما روي فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((الشفق الحمرة)). وهذا لا أصل له، وإنما رواه نافع عن ابن عمر من قوله، ذكره مالك في الوطأ. وذكر الدارقطني أنه وجده في أصل الرملي عن عتيق بن يعقوب عن مالك مسندًا، وعتيق بن يعقوب ساقط الرواية، ذكره الساجي في الضعفاء. ولو ثبت

احتمل أن يكون المراد به الشفق الذي يجب المغرب بغيبوبته، فيكون دلالة على أن وجوب الصلاة يتعلق بآخر الوقت. 1687 - قالوا: روي أن أعرابيا رأى رجلًا عليه ثوب أحمر فقال: هو كالشفق. 1688 - قلنا: هذا يدل على تسمية الحمرة شفقا، ونحن لا نمنع ذلك، وإنما الكلام في أخص الأسمين. 1689 - قال: تغليب البياض أظهر في اللغة من أن يدل عليه.

مسألة 84 حكم الصلاة السابقة زوال العذر

مسألة 84 حكم الصلاة السابقة زوال العذر 1690 - قال أصحابنا: إذا بلغ الصبي، أو أسلم الكافر، أو طهرت الحائض، أو أفاق المجنون في وقت العصر لم يلزمهم الظهر، وإن كان ذلك في وقت العشاء لم يلزمهم المغرب. 1691 - وقال الشافعي: إذا بقي من الوقت مقدار خمس ركعات لزمتهم الصلاتان. 1692 - لنا: أنه بلغ بعد فوات الوقت الموضوع للعبادة، فلم يلزمه فعلها، كما لو بلغ بعد غروب الشمس. ولأنها عبادة مؤقتة بلغ بعد خروج وقتها الموضوع لها، فلم يلزمه، فصار كمن بلغ بعد مضي رمضان. ولأنه وقت للجمع بين الصلاة فلم تجب بإدراكه، قياسا على وقت الظهر. 1693 - احتجوا بقوله تعالى: {وأقم الصلاة طرفي النهار}، وهذا يقتضي وجوب إقامة الجنس في وقت العصر. 1694 - والجواب: أنهم أجمعوا على أن المراد بذلك صلاة العصر، فلم يجز حمله على الجنس مع الإجماع على خلافه. ولأنه منهي عن تأخير الصلوات إلى وقت العصر، فلم يجز أن يتناوله الأمر. 1695 - قالوا: زال عذره قبل غروب الشمس فوجب أن يلزمه الظهر، كالمغمى عليه. 1696 - قلنا: هذا يبطل بمن أدرك من الوقت مقدار ركعة. ثم المغمى عليه لا نسلمه على الإطلاق: إذا أفاق وقد زاد الإغماء على اليوم والليلة لزمته، والمعنى فيه أن

المغمى عليه لو أفاق في وقت المغرب جاز أن يلزمه الظهر إذا كان الإغماء بمعصية، فجاز أن يلزمه الظهر إذا أفاق في وقت العصر، والصبي لا يلزمه الظهر إذا بلغ في وقت المغرب، فكذلك في وقت العصر. 1697 - قالوا: كل من يلزمه عصر يومه لزمه، كالمغمي عليه. 1698 - قلنا: وجوب العصر يتأخر عن وجوب الظهر، فلا يكون علة. ولا يقال: إنما يتقدم وجوب الظهر في غير المعذور وأما في حق المعذور فتجبان معا، فيصح أن يكون أحدهما علة الآخر؛ لأن العلة لا بد أن يتصور تقدمها على الحكم، فلا توجد معه كما لا تتأخر عنه، والمعنى في المغمى عليه ما ذكرناه. 1699 - قالوا: وقت العشاء وقت لأداء المغرب متبوعًا، فجاز أن يلزم فرضها بإدراكه، كوقت المغرب. 1700 - قلنا: وقت العشاء ليس بوقت لأداء المغرب عندنا، وما يفعله المحرم قضاء؛ لأن من شرط الصلاة عندنا المكان، فإذا لم يقدر عليه في وقت المغرب جاز التأخير، فإذا فعل بعد الوقت كان قضاء. ثم نقول بموجب هذه العلة في المغمى عليه: إذا أفاق في وقت العشاء لزمه المغرب إذا لم يكن إغماؤه يوما وليلة، ولأن لا يمتنع أن يكون الوقت وقتا للأداء العارض، ولا يكون بإدراكه مدركا للوجوب. كوقت الظهر [أنه وقت لأداء العصر يوم عرفة، وإن لم يجب بإدراكه وقت الظهر، واحترازهم عنه بأن العصر في وقت الظهر تابعة ليس بصحيح؛ لأن الفرضين لا يتبع أحدهما الآخر، وإنما يجوز تقديم العصر لأجل الترتيب، لا لكونها تبعًا.

مسألة 85 إذا أغمي عليه يوما وليلة أو ما دونه قضى الصلوات

مسألة 85 إذا أغمي عليه يومًا وليلة أو ما دونه قضى الصلوات 1701 - قال أصحابنا: إذا أغمي عليه يوما وليلة أو ما دونه قضى الصلوات. 1702 - وقال الشافعي: لا يقضي. 1703 - لنا: ما روي أن عليًّا - عليه السلام - أغمي عليه أربع صلوات فقضاهن. 1704 - وعن عمار أنه أغمي عليه خمس صلوات فقضاهن. وما لا يستدرك من طريق القياس إذا قاله الصحابي أو فعله حمل على التوقيف، ولا يحمل فعله على الاستحباب؛ لأن القضاء عبارة عن الواجب، أو عن ما كان بأصله ثابتًا. وما فات في الإغماء لا يلزم عندهم، فما يفعل في الثاني لا يسمى قضاء. ولا معنى لقولهم: إنه يقال قضاء ركعتي الفجر؛ لأن المقضي كان ثابتًا فصح أن يوصف في الثاني بالقضاء، فأما ما يبتدئ استحبابا وليس له أصل ثابت فلا يقال فيه قضاء. ولا معنى لقولهم: إن التوقيف يجوز أن يكون اقتصر الاستحباب، لأنا بينا أن ظاهر الفعل والتسمية اقتضى الوجوب، فإذا أخذ من التوقيف كان التوقيف مقتضيًا للوجوب، ولأنها صلاة ذهب وقتها في حال الإغماء، فوجب أن يلزمه ما لم يدخل في حد

التكرار، أصله: إذا أغمي عليه وقت الظهر فأفاق في وقت العصر. ولا يلزم الحائض إذا أغمي عليها؛ لأنا لا نسوي بين الفرع والأصل، ولأن كل صلاة لو تركها في معنى هو عاص في سببه لزمه فعلها لزمه وإن لم يكن عاصيا في السبب، أصله: الظهر إذا أفاق في العصر. ولأنها صلاة ذهب وقتها في حال الإغماء فجاز أن يلزمه قضاؤها، أصله: إذا أغمي عليه بسبب هو معصية. 1705 - احتجوا: بأن كل معنى أسقط كثيرة فرض الصلاة وجب أن يسقط الفرضَ قليلُه، كدم النفاس. 1706 - والجواب: أنا لا نسلم أن كثير الإغماء يسقط الفرض، وإنما يسقط بلحوق المشقة في القضاء فيما تركه بعذر من جهة الله تعالى. ولأن دم النفاس لو حصل بسبب معصية سقطت به الصلاة، وهو أن تشرب دواء يقتل الحمل، فكذلك إذا حصل بسبب غير معصية، ولما كان الإغماء إذا حصل بمعصية لم ينف القضاء كذلك إذا حصل بغير معصية. 1707 - قالوا: لأنها صلوات فائتة في حال هو معذور فيه، فسقط عنه فرضها كما لو زادت على يوم وليلة. 1708 - قلنا: ذكر العذر لا معنى له في أسباب الوجوب، لأن ما يسقط الصلاة يستوي فيه العذر، كالحيض: لا فرق بين أن يوجد ابتداء أو بسبب هو معصية، وكذلك النفاس، وما لا يسقط لا فرق بين أن يكون بعذر أو بغير عذر، كالسكر والنوبة، ثم المعنى فيما زاد على يوم وليلة أن المشقة تلحق في قضائه، وما دونه لا يلحق. وحكم الأمرين مختلف في الأصول، ولهذا المعنى وجب على الحائض الصوم وسقط عنها قضاء الصلاة، ولأن المعنى فيما زاد على يوم وليلة

أنه لا يلزم فعل الظهر التي مضت فيه فلم يلزم بقية الصلوات، وما دون اليوم يجوز أن يلزمه فعل الظهر بعد مضي وقتها فيه فجاز أن يلزم غيرها من الصلوات. 1709 - قالوا: كل معنى أسقط فرض الصلوات إذا دخلت في التكرار أسقطها وإن لم تدخل في حد التكرار، كالجنون. 1710 - قلنا: الأصل غير مسلم: روى عمرو بن عمرو، عن محمد أن الجنون فيما دون اليوم والليلة لا ينفي القضاء، وكذلك ذكره في المنتقى عن أبي حنيفة.

مسألة 86 لا يجوز الأذان للفجر قبل طلوع الفجر

مسألة 86 لا يجوز الأذان للفجر قبل طلوع الفجر 1711 - قال أبو حنيفة ومحمد: لا يجوز الأذان للفجر قبل طلوع الفجر. 1712 - وقال أبو يوسف: يجوز ذلك في النصف الأخير من الليل، وبه قال الشافعي. 1713 - لنا: ما روى شداد مولى عياض بن عامر، عن بلال أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: ((لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا))، ومد يديه. وروى نافع عن ابن عمر أن بلالًا أذن قبل طلوع الفجر، فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يرجع فينادي: ألا إن العبد قد نام، ثلاث مرات. 1714 - وروى أبو يوسف عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس

ابن مالك، أن بلالًا أذن قبل الفجر فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يصعد فينادي: إن العبد نام، ففعل وقال: ليت بلالًا لم تلده أمه. وابتل من نضح دم جبينه. 1715 - قالوا: روي عن علي بن المديني أنه قال: وهم حماد بن سلمة في هذا الخبر، وإنما قال هذا لأن حماد بن سلمة روى حديث عمر، وقد روينا الخبر من طرق من غير جهة حماد، فأما قصة عمر: فروى نافع أن مؤذنا كان يقال له مسروح أذن قبل الفجر، فغضب عمر وأمره أن ينادي، إلا إن مسروحًا يهم، يعني وسنان، فليس أحدى القصتين من الأخرى في شيء. 1716 - قالوا: يجوز أن يكون أنكر على بلال لأنه أخر الأذان عن وقته، فقد كانوا يتسحرون بأذانه، ولهذا قال: ((إن العبد نام))؛ ألا ترى أن من نام أخر الأذان ولم يقدمه. 1717 - قلنا: لو كان الإنكار للتأخير لم يقل: أذن قبل الفجر؛ لأن هذا يوهم أن الأذان قبل الفجر لا يجوز بكل حال، فلما أطلق السبب وهو الأذان قبل الفجر علم أن الحكم به تعلق. 1718 - وقولهم: كيف يقال: لمن قدم الأذان نام، ليس بصحيح؛ لأنه يقال

ذلك لمن فعل الشيء على غير جهته أنه: نام عنه: أنه غافل، ويكون معناه: أنه أذن وهو من بقية النوم فلم يعرف الوقت. 1719 - قالوا: ذكر ابن خزيمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان له مؤذنان: بلال وابن أم مكتوم، وكانا يتناوبان: هذا يوما وهذا يوما، فيجوز أن يكون بلال قدم الأذان في يوم تقدم فيه ابن أم مكتوم فأنكر عليه. 1720 - قلنا: لم ينقل أن بلالا كان يؤذن في وقتين مختلفين، ولو كان كذلك لنقل، ولأنه لو كان كما قالوا لاشتبه على الناس الأذان الأول والثاني ولم يعرفوا المقصود. وقد روي أن ابن أم مكتوم كان لا يؤذن حتى يقال له: قد أصبحت قد أصبحت، فدل على خلاف ما قالوه. ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يمنعكم أذان بلال من السحور فإنه يؤذن بليل))، وهذا يدل على أنه كان يؤذن في جميع الأحوال قبل الفجر. 1721 - قالوا: يجوز أن يكون قدم الإقامة، والإقامة تسمى أذان. 1722 - قلنا: إطلاق الاسم لا يتناولها، ومن حكم الاسم أن يحمل على إطلاقه، ولأنه كان لا يقيم حتى يخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - ويجتمع الناس، فكيف يقدم ذلك على طلوع الفجر، ولأنها صلاة فلا يقدم أذانها على وقتها، كسائر الصلوات. 1723 - ولا يقال: إن سائر الصلوات لا يقع في حال النوم والغفلة، والفجر بخلاف

ذلك، ولهذا جعل لها أذانين؛ وذلك لأنه متى أذن عقيب الفجر زال النوم وأمكن التأهب إلى آخر الوقت، فلم يحتج إلى تقديم الأذان، ولأنه ذكر يتقدم التحريمة، كالخطبة. 1724 - وقولهم: إن الخطبة المقصود منها مخاطبة الحاضرين فلهذا لا يتقدم الوقت لا يصح؛ لأن الخطبة تجوز عندنا بغير حضرة أحد. 1725 - ولأن المؤتمين في العادة يحضرون الجمعة قبل الزوال، ولأن الأذان ليس بقربة في النصف الأول من الليل، فلم يكن قربة في النصف الأخير، كالإقامة، وعكسه الوتر ونية الصوم والوقت بعرفة وعشاء الآخرة. ولا معنى لقولهم: إن الإقامة للدخول في الصلاة وذلك لا يجوز قبل الوقت؛ لأن الأذان للدعاء إلى الصلاة، ولا يصح الدعاء إلى شيء لا يصح فعله. 1726 - احتجوا: بما روى سالم عن أبيه عبد الله بن عمر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن بلالًا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)). 1727 - قلنا: هذا بعض الخبر، وتمامه رواه ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال؛ فإنه يؤذن بليل ليوقظ نائمكم ويرد قائمكم)).

فأخبر أن الأذان يقع لغير الفجر، فلم يجز أن يزاد في تعليله ويجعل الأذان لصلاة الفجر. 1728 - ولا يقال: إن الأذان لا يقع لغير الصلاة، فكيف يقع للسحور. ولأن الأذان دعاء إلى الصلاة، وذلك لا يقال لغير الصلاة؛ وذلك أن في الخبر أن الأذان وقع لصلاة الليل فلم يُقَل الأذان لغير الصلاة. 1729 - قالوا: صلاة الليل نافلة والأذان موضوع لبعض الفرائض، فكيف يوضع للنوافل؟ 1730 - قلنا: هذا استدلال يرد العلة المنصوصة في الخبر، ولا يجوز لنا رد ما نُص عليه بالاستدلال، ولأن صلاة الليل قد كانت واجبة ثم نسخت، فيجوز أن يكون الأذان لها في حال وجوبها. 1731 - قالوا: صلاة الليل نسخت بمكة بقوله عز وجل: {ومن الليل فتهجد به نافلة لك}، والأذان لم يسن إلا بالمدينة. 1732 - قلنا: هذه الآية لا تدل على النسخ؛ لأنه لا يمتنع أن يفعل بالليل صلاة واجبة ويتنفل بأخرى، ولأنه قد روي في الخبر: ((لا يمنعكم أذان بلال أو نداء بلال)) والنداء يعبر به عن غير الأذان، وإذا احتمل الخبر الأمرين لم يجز حمله على الأذان بالشك، ولأن هذا الخبر مضطرب؛ لأن ابن عمر روايه وقد روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنكر على بلال تقديم الأذان. وقد روي عن عائشة أنها قالت: كان ابن أم مكتوم لا يؤذن حتى يقال له: أصبحت، وبين أذانه وأذان بلال ما ينزل هذا ويصعد هذا. وهذا ينافي التقديم. ذكر الطحاوي حديث قتادة عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

((لا يغرنكم أذان بلال؛ فإن في بصره شيئًا))، فهذا يدل على أنه قبل الفجر؛ لأن الوقت لم يكن له. ولأنا نمنع تقديم الأذان على الفجر إذا اعتد به لها واقتصر عليه، فأما إذا أذن بعد الفجر وقدم الأذان لعارض فلا يمنع ذلك. 1733 - قالوا: الأذان المقدم هو أذان الفجر، بدلالة أن بلالًا كان يقيم، والأفضل أن يقيم من أذن، فدل على أن أذانه هو المعتد به. 1734 - قلنا: يجوز عندنا أن يقيم غير المؤذن، وهما في الفضيلة سواء. 1735 - قالوا: زياد بن الحرث الصدائي قال: خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فتبرز لحاجة، فتبعته، فلما كان أول وقت الأذان أمرني أن أؤذن، فأذنت وجعلت أقول: أقيم؟ ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر إلى المشرق وإلى الفجر، فلما طلع نزل وقد تلاحق أصحابه، فأراد بلال يقيم، فقال: ((إن أخا صداء أذن، وإن الذي أذن يقيم)). 1736 - قلنا: لا دلالة في هذا الخبر؛ لأن قوله: (جعل ينظر إلى الفجر) يقتضي فجرًا موجودًا. وقوله: (فلما طلع) يقتضي: أنه لم يكن، فتعارض اللفظان، فليس ترك ظاهر أحدهما بأولى من ترك ظاهر الآخر، على أنا نجمع بينهما فنقول: (لما طلع) يعني: ظهر وانتشر. 1737 - قالوا: روي عن سعد القرظ قال: كنا نؤذن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقباء

وعلى عهد عمر بالمدينة تأذينا واحدا في الشتاء لسبع ونصف يبقى، وفي الصيف لسبع. 1738 - قلنا: يجوز أن يكون سعد ظن أن أذان بلال يقتصر عليه للفجر، فأذن قبل الفجر فبدأ بفعله، وقد بينا ضم فعله، ولأنه لم ينقل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عرف ذلك فأقره. 1739 - قالوا احتج الشافعي بالإجماع، فقد كان آل أبي محذورة تؤذن للصبح بليل ويروون ذلك عن آبائهم. وقال مالك: لم يزل يؤذن للصبح بليل. وقال الأوزاعي: كان بلال يؤذن للصبح بليل، وكذلك مؤذنو الحجاز والشام، حتى أنكره رجال من أهل الكوفة. 1740 - وهذا ليس بصحيح؛ لأنا روينا عن عمر أنه أنكر على مؤذنه تقديم الأذان، وروى الأسود أن الأذان بالمدينة كان بعد الفجر في زمن عائشة. ولأن فعل أهل الكوفة عارض فعل أهل المدينة، فلم يجز ادعاء الإجماع. 1741 - وقولهم: إن أهل المدينة يفعلون وينقلون، لا يصح؛ لأن أهل الكوفة يفعلون وينقلون، ومن انتقل إلى الكوفة من الأئمة أكثر ممن بقي بالمدينة، وقد روى إبراهيم أنه خرج مع علقمة ليشيعه حين حج، فسمع رجلا يؤذن قبل الفجر، فقال: أما هذا فقد خالف سنة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لو نام حتى طلع الفجر كان خيرا له. 1742 - قالوا: عبادة مقصودة يدخل وقتها بطلوع الفجر؛ فوجب أن يختص بسبب يتقدم على وقتها، كالصوم. 1743 - قلنا: يبطل بمن أوجب اعتكاف يوم، فإن وقته يدخل بطلوع الفجر

ولا يختص بسبب يتقدم، ولأن الأذان ليس بسبب للعبادة؛ لأن الأسباب ما أثر في الوجوب أو صحح الأداء. والأذن ليس من واحد من القبيلين؛ فلم يسم سببا، ولأن نية الصوم لما كانت قربة في النصف الأول من الليل لم يكن قربة في النصف الآخر، كركعتي الفجر. ولا يلزم على علة الفرع الدفع من المزدلفة للمعذور؛ لأن ذلك يجوز في النصف الأول من الليل، وقد أطلق في الأصل جواز الدفع بالليل للمعذور، ولأن ذلك ليس بقربة، وإنما هو مباح. 1744 - قالوا: النية في سائر العبادات تقارنها، وإنما جوز تقديمها في الصوم لما يلحق من المشقة في مقارنتها، ففارقت سائر العبادات، كذلك هذه الصلاة تفارق سائر الصلوات لدخول وقتها والناس نيام؛ فاحتاجت إلى نداء ليتأهبوا. 1445 - قلنا: التأهب قبل دخول الوقت ليس بواجب، فلا معنى للنداء له. ولأن التأهب يمكن في أول الوقت، فإذا وقع النداء بعد الفجر حصل المقصود، فلا معنى للتقديم. 1746 - قالوا: صلاة نهار مفروضة يجهر فيها بالقراءة، فجاز أن يبتدئ لها الأذان في وقت لا يجوز فعلها، كالجمعة. 1747 - قلنا: نعكس فنقول: فوجب أن لا يختص الأذان لإرادتها بوقتها، كالجمعة. 1748 - وقولنا: (صلاة نهار) احتراز من المغرب ليلة المزدلفة، (ومفروضة) من صلاة العيد، و (يجهر فيها القراءة) احتراز من العصر يوم عرفة. ولأن الجمعة يؤذن لها في وقت فعلها لكن من شرط فعلها تقديم الخطبة، فلا يخرج ذلك الوقت من أن يكون وقتا، ولا منعنا الدعاء في صلاة لا يجوز فعلها أنه لا فائدة فيه، وهذا المعنى لا يوجد في الجمعة لأن الدعاء يقع إلى ما يجوز فعله؛ ألا ترى أن الأذان ينتهي وقد خطب ما يقع عليه الاسم.

مسألة 87 حكم الترجيع في الأذان

مسألة 87 حكم الترجيع في الأذان 1749 - قال أصحابنا: الترجيع في الأذان ليس بسنة. 1750 - وقال الشافعي: هو سنة. 1751 - لنا: ما روي في حديث عبد الله بن زيد الذي أُري الأذان في منامه، فذكره للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولقنه بلالًا وليس فيه ترجيع. 1752 - وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: رأيت مثل ذلك. وروى سويد بن غفلة أنه سمع بلالًا يؤذن ببطحاء مكة بصوتين

صوتين ويقيم مثل ذلك. والإقامة إذا كانت مثل الأذان فلا ترجيع فيه، ولأنه دعاء إلى الصلاة، كالإقامة. 1753 - ولا معنى لقولهم: إن الإقامة دعاء للحاضر والأذان دعاء للغائب؛ لأن الإقامة دعاء للغائب أيضًا، ولأن ذلك لم يمنع من تساويهما في بقية الألفاظ، ولأنه ذكر يتقدم الصلاة، كالخطبة. ولا يقال: إن المقصود منها مخاطبة المعنى، فلا معنى للتكرار؛ وذلك لأن المقصود منها الوعظ والتعليم، والتكرار يحتاج إليه في ذلك، ولأن الشهادة من ألفاظ الأذان، فلا يرجع، كبقية الألفاظ. ولا يلزم التكبيرات؛ لأن معنى الترجيع أن ينتقل عن الذكر إلى غيره ثم يعيده كما ابتدأه، وهذا لا يوجد في التكبيرات. ولأن من سنن الشهادة في الأذان أن يتعقب التكبير، أصله: الابتداء، والشهادة في الانتهاء، فلو ثبت الترجيع لكانت الشهادة الثانية غير مرتبة على التكبير. 1754 - احتجوا: بما روي عن أبي محذورة قال: قلت: يا رسول الله: علمني سنة الأذان: فقال: ((قل: الله أكبر الله أكبر، ترفع بها صوتك، ثم قل: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، تخفض بها صوتك، ثم ارفع صوتك وقل: أشهد أن لا إله إلا الله)). 1755 - والجواب أن أصل حديث أبي محذورة رواه ... أنه قال: خرجت مع

نفر في طريق حنين، فإذن مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فصرخنا نحكيه ونستهزئ به، فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أن أوقفنا بين يديه، وقال: ((أيكم الذي سمعت صوته قد ارتفع؟)) فأشاروا إليّ، فأرسلهم وحبسني، ثم قال: ((قم فأذن للصلاة))، ولا شيء أكره إليّ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما يأمرني به، فألقى عليّ الأذان بنفسه، وذكر الأذان، فلما فرغ من الشهادتين قال: ((ارع فمد صوتك، وقل: أشهد أن لا إله إلا الله)) ثم وضع يده على ناصيتي وأمرّها على رأسي ووجهي وفؤادي، ثم قال: ((بارك الله عليك وفيك))، وأعطاني صرة فيها شيء من الورق، فزالت عني الكراهة، وانصرفت ولا شيء أحب إلي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما يأمرني به. فهذا أصل الخبر، وهو محمول على أنه ردد عليه؛ لأنه لم يأت به على وجهه، أو لأنه أراد أن يتعود لفظ الشهادة لأنه كان كافرًا، وكرر ذلك؛ فقد جرت عادة من يلقن غيره أن يردد عليه ما يلقنه ليحفظ، فلما حفظ أمره بإعادتها بصفتها. وإذا احتمل الخبر ما ذكرناه وما ذكروه سقط التعلق به. ولأن الأذان رواه عبد الله بن زيد، وعمر بن الخطاب، وسويد بن غفلة ولم يذكروا الترجيع، فالرجوع إلى ما كثرت روايته أولى، ولأن بلالا وابن أم مكتوم كانا يؤذنان بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأبو محذورة كان يؤذن بمكة، فالرجوع إلى الأذان بحضرته - عليه السلام - أولى، فأما ما رفعه أن أبا محذورة قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: لقني سنة الأذان: فهو مأخوذ من هذا الخبر. ولو ثبت جاز أن يكون أمره بالشهادتين يخفض بها صوته لا على طريق

الأذان ورفع صوته على طريق الأذان، كما ندب لمن سمع المؤذن أن يقول مثل قوله في نفسه، يبين صحة ذلك أن الأذان ليس من سنته خفض الصوت، فلما أمره بأحد الذكرين خافضًا صوته علم أنه لا على وجه الأذان. وما رووه عن أبي محذورة قال: لقنني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الاذان تسعة عشر كلمة فإنه ظن أن ترداد النبي - صلى الله عليه وسلم - الألفاظ لأنها أذان، ولم يحملها على معنى التكرار، فقد جمع الألفاظ. 1756 - قالوا: روى عمر بن سعد القرظ عن أبيه، قال: كان بلال يؤذن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالترجيع. 1757 - قلنا: رُوِيَ أذان بلال من جهات كثيرة لم يذكر فيه الترجيع، ولو كان يرجع لنقل ذلك من طريق الاستفاضة؛ لتكرار الأذان، ويحتمل أن يكون قد عبر بالترجيع عن لاتثويب؛ لأنه رجوع إلى قوله: حي على الفلاح. 1758 - قالوا: روي أن سعد القرظ كان يؤذن في إمارة ابن الزبير بالترجيع، وأبو محذورة بمكة، وسعد القرظ بقباء، وكان يؤذن لعمر بعد خروج بلال. وروى ذلك أولاد أبي محذورة، لأنهم اعتقدوا جواز إثبات ذلك بخبر الواحد. وهذا لا يلزمنا؛ لأنها لا تقبل فيما يظهر ويلتبس خبر الواحد لا سيما إذا خالفه الجماعة عليه.

1759 - قالوا: ذِكر في الأذان قبل الدعاء إلى الصلاة، فوجب أن يتكرر أربعًا، كالتكبير. 1760 - قلنا: التكبير دليلنا؛ لأنه لما ثبت فيه التكرار ثبت في حالة واحدة قبل أن ينتقل عنه، فلو تكررت الشهادة لتكررت قبل الانتقال عنها. ولأن التكبير لما كان في آخر الأذان مرتين كان في أوله على الضِّعف، والشهادة بالرسول إحدى الشهادتين؛ فجاز أن يعود بعد الانتقال عليها، ككلمة التوحيد. 1761 - كلمة التوحيد عادت ذِكرًا مبتدأ لا على طريق الإعادة، ولو جاز عود الشهادة بالرسول لجاز مبتدأ لا على طريق الإعادة.

مسألة 88 الإقامة مثنى مثنى

مسألة 88 الإقامة مثنى مثنى 1762 - قال أصحابنا: الإقامة مثنى مثنى. 1763 - وقال الشافعي: فرادى. 1764 - لنا: حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عبد الله بن زيد، الذي أُرِيَ الأذان في منامه، فقال بعد ذكر الأذان: ثم قام فقال مثل ذلك إلا أنه زاد فيه: قد قامت الصلاة، مرتين. 1765 - وقولهم: إنه مرسل؛ لأن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يلق عبد الله بن زيد خطأ؛ لأن أبا داود ذكره عن معاذ بن جبل عن عبد الله بن زيد، ولأن عبد الرحمن روى عن عمر، وعبد الله بن زيد مات في إمارة عثمان؛ فيجوز أن يكون رآه. 1766 - ويدل عليه حديث أبي محذورة وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقنه الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبعة عشر. وهذا خبر رجع إليه مخالفنا.

1767 - وروى أبو عروبة بإسناده عن مكحول، عن عبد الله بن محيريز، عن أبي محذورة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الإقامة مثنى مثنى)). وروى سويد بن غفلة أنه سمع بلالًا ببطحاء يؤذن بصوتين صوتين ويقيم مثل ذلك. ولأن الإقامة دعاء إلى جميع الصلوات، كالأذان. ولأنه قد ثبت فيها ما ليس في الأذان؛ فلأن لا يسقط ما هو ثابت في الأذان أولى. ولا معنى لقولهم: إن المقصود بالأذان دعاء الغائب والمقصود من الإقامة إعلام الحاضر؛ لأن هذا المعنى لم يمنع من زيادة الإقامة على الأذان، ولا يمنع من التسوية في سائر الألفاظ. 1768 - وقولهم: إن الإقامة لما خفت عن الأذان في الصفة جاز أن تخف في الألفاظ يبطل بقوله: ((قد قامت الصلاة))؛ لأن الإقامة تأكدت به على الأذان مع خفة صفتها؛ فيجوز أن تساوي في بقية الألفاظ وإن خفت صفتها. ولأن ألفاظ الإقامة لا يقتصر فيها على مرة، كقوله: قد قامت الصلاة. 1769 - ولأن التكبير في آخرها مثنى، فكان في أولها على الضعف، كالأذان. ولأن التهليل في آخرها مرة، فكان في أولها على الضعف، كالأذان.

1770 - احتجوا: بحديث أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بلالًا أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة. 1771 - والجواب: أن الصحيح من هذا الخبر أن بلالًا أُمر، من غير ذكر أَمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، هكذا رواه أبو داود وغيره. وإذا لم يذكر الآمر لم يكن حجة؛ لجواز أن يكون أمر بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيحتاج أن ينظر في صحة الأمر. 1772 - وقولهم: هو مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا قيل: أمر، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَهُ، لا يصح؛ لأنه أذّن بعده، وإنما كان يُقال ذلك لمن لا يؤذن إلا له، ولأنه يحتمل أن يكون المراد من أن يشفع الأذان: بالصوت، فيأتي بصوتين صوتين، ويوتر الإقامة في الصوت، ويحتمل بشفع الأذان بمعنى: يؤذن قبل الفجر وبعده، ويقتصر على إقامة واحدة. 1773 - ولا يقال: لم يكن بلال يؤذن إلا مرة واحدة؛ لأنه إذا ثبت أن الأذان كان دفعتين جاز أن يتفق أمر بلال بفعلهما جميعًا، ويحتمل أن يشفع الأذان بالتثويب ويوتر الإقامة عن التثويب. 1774 - قالوا: في الخبر أمر يشفع الأذان ويوتر الإقامة، إلا الإقامة. 1775 - قلنا: هذا صحيح على التأويل الأول، وهو الإيتار في الصوت؛ لأنه

يقتصر على صوت صوت، إلا قوله: قد قامت الصلاة؛ فإنه يأتي به بصوتين؛ لاختصاصه بالإقامة، ولأنهم رووا عن بلال ما ذكروه، فروينا في أذان بلال حديث ابن أبي جحيفة، قال: كان بلال يؤذن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثنى مثنى، ويقيم مثنى مثنى، فتعارض الروايتان، وقد تأولنا ما رووه، ولا يمكن تأويل ما رويناه، ولو تساويا كان فعل بلال بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - يشهد لخبرنا. 1776 - وقد روى سويد بن غفلة: أنه رأى بلالًا ببطحاء بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - يقيم مثنى مثنى. والظاهر أنه بقي على ما كان عليه. وقولهم: إذا تعارضت الروايتان فخبرنا طارئ لأن قوله: أمر أن يوتر الإقامة يدل على أنها كانت شفعة، ليس بصحيح؛ لأنا بينا أن إيتار الإقامة يحتمل غير ما ذكروه، ولو لم يحتمل كان قوله: أمر أن يوتر الإقامة معناه: يفعلها وترًا، فلا يقتضي تقديم الشفع. 1777 - قالوا: روى أبو صالح عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أبا محذورة أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة. 1778 - قلنا: المشهور من خبر أبي محذورة ما ذكرناه من التثنية، وقد قيل: أنه لم ينقل في الإقامة أصح طريقًا منه، على أنه لو ثبت كان تأويله ما قدمناه. 1779 - قالوا: روي عن ابن عمر أنه قال: كان الأذان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرتين مرتين، والإقامة مرة مرة؛ غير أنه يقول: قد قامت الصلاة مرتين. 1780 - قلنا: هذا خبر طعن عليه أهل النقل، وقالوا: رواه أبو جعفر مؤذن مسجد العريان عن أبي المثنى، وهما مجهولان.

1781 - قالوا: رواه أبو جعفر مؤذن مسجد العريان عن أبي المثنى مؤذن المسجد الأكبر -يعني مسجد الكوفة-، ورواية المؤذن عن المؤذن أصح في النقل. 1782 - قلنا: إذا كان المؤذن ممن يتعلق بنقله حكم، فأما إذا طعن عليه فلا، ولو ثبت احتمال أن يكون المراد به: كان الأذان مرتين مرتين، يعني قبل الفجر وبعده، والإقامة مرة. وقوله: غير أنه يقول: قد قامت الصلاة مرتين؛ إنما ذكره ليبين وجها آخر في مفارقة الإقامة للأذان. 1783 - قالوا: روى عمر بن سعد القرظ عن أبيه قال: سمعته يقول: إن هذا الأذان أذان بلال الذي أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإقامته. وذكر إفراد الإقامة. 1784 - قلنا: قد ذكر في هذا الخبر قوله: قد قامت الصلاة؛ مرة واحدة، وقد اتفقنا على سقوطه؛ فعلم أن ما نقله ليس بمضبوط عن أذان بلال. 1785 - وقولهم: إن الإقامة إقامة أولاد أبي محذورة، وسعد القرظ، وأهل الحرمين، لا يصح؛ لأن هذا أمر غيره بنو مروان. قال مجاهد: هو شيء استخفته الأمراء، قال إبراهيم: كان أذان بلال وإقامته مثنى مثنى، فلما كان هؤلاء جعلوا الإقامة واحدة؛ لأجل السرعة. وروي الأسود، وإبراهيم، وعبد الرحمن بن أبي ليلى أن أذان بلال وإقامته مثنى مثنى. 1786 - قيل لحماد: إبراهيم عمن، قال: عمن هو خير منك، وكان إقامة علي مثنى مثنى. وروي أنه مر برجل يفرد الإقامة فقال: ألا جعلتها

شفعًا، لا أم لك. 1787 - قالوا: روى ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من أذن اثنتى عشرة سنة وجبت له الجنة، وكتب له بتأذينه في كل مرة ستون حسنة، وبإقامته ثلاثون حسنة))، وهذا يدل على أن الإقامة على النصف. 1788 - قلنا: يجوز أن النقصان لنقصان المشقة في الإقامة؛ لأن يمد صوته في الأذان ويرتله ولا يرتل الإقامة. 1789 - قالوا: الإقامة تأتي الأول يستفتح بالتكبيرات المتواليات، فوجب أن يكون الثاني أطول من الأول، كصلاة العيد. 1790 - قلنا: صلاة العيد لما لم يثبت في الثاني ما ليس في الأول جاز أن يساويه أو ينقص عنه، ولما ثبت في الإقامة ما ليس في الأذان باتفاق لم يمتنع الزيادة عليه، ولأن الوصف الذي قالوه غير مسلم، لأن الركعة الثانية لا تفتتح بالتكبير عندنا، وإنما يتأخر التكبير عن القراءة. 1791 - قالوا: لما خالفت الإقامة الأذان في الصفة جاز أن تخالفه في القدر، كالركعتين الأخروين لما خالفت القراءة فيهما الأوليين في الصفة نقصت في القدر. 1792 - قلنا: لما لم يثبت في الأخروين زيادة في الذكر جاز أن ينقص، ولما ثبت في الإقامة زيادة ذكر ليس في الأذان لم يجز أن ينقص. وسقط ما ذكروه بالترجيع على أصلهم؛ لأن الذكر الثاني تأكد على الأول في رفع الصوت ولا مزيد عليه.

مسألة 89 التثويب في أذان الفجر سنة

مسألة 89 التثويب في أذان الفجر سنة 1793 - قال أصحابنا: التثويب في أذان الفجر سنة. 1794 - وقال الشافعي في الجديد: أكره التثويب. 1795 - لنا: ما رواه الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن بلال قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا بلال، ثَوِّب في الفجر، ولا تُثَوِّب في غيرها))، وروى عبد الرحمن ابن زيد بن أسلم عن أبيه أن بلالًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤذنه بالصلاة فوجده راقدًا فقال: الصلاة خير من النوم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ما أحسن هذا، اجعلها في أذانك)).

1796 - روى أبو بكر بن عياش عن عبد العزيز بن رفيع قال: سمعت أبا محذورة يقول: كنت غلامًا فأذنت بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، فلما انتهيت إلى: حي على الفلاح، قال لي ((ألحق فيها: الصلاة خير من النوم)). 1797 - وروى ابن سيرين عن أنس بن مالك قال: كان التثويب على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الصلاة خير من النوم. ولأن الفجر صلاة تقع في حال النوم والغفلة، فاحتاجت إلى زيادة إعلام، وكل من قال بزيادة قال: هي التثويب. فأما الشافعي فخالف الأخبار المشهورة، وقال: لأن التثويب لم ينقل عن ابي محذورة. وقد بينا أنه نقل عنه، ولو لم ينقل كان الرجوع إلى الزائد من الأخبار أولى. 1798 - وقول أبي محذورة: لقنني النبي - صلى الله عليه وسلم - الأذان تسعة عشر كلمة لا ينفي التثويب؛ لأنه لقنه نفس الأذان، والتثويب زيادة لا تفعل في كل صلاة، فلم يعدها من ألفاظ الأذان.

مسألة 90 التثويب الأول: الصلاة خير من النوم

مسألة 90 التثويب الأول: الصلاة خير من النوم والتثويب الآخر: حي على الصلاة حي على الفلاح يقول ذلك بعد الأذان 1799 - قال أصحابنا: التثويب الأول: الصلاة خير من النوم، والتثويب الآخر: حي على الصلاة، حي على الفلاح، يقول ذلك بعد الأذان بقدر ما يقرأ عشر آيات من القرآن أو عشرين. 1800 - وقال الشافعي: التثويب الثاني ليس بسنة. 1801 - لنا: ما رواه الواقدي عن موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبيه قال: كان بلال إذا أذن الأذان الأول أى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوقف على الباب وقال: الصلاة يا رسول الله، حي على الصلاة حي على الفلاح. 1802 - وروى أبو يوسف عن الكامل عن العلاء السعدي قال: كان بلال إذا أذن أتى

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسلم عليه، ثم قال: حي على الصلاة حي على الفلاح، الصلاة يرحمك الله. وروي عن إبراهيم أنه قال: كان التثويب الأول: الصلاة خير من النوم، ثم أحدث الناس: حي على الصلاة، وهذا إخبار عن فعل الصحابة بالكوفة؛ فدل على أنه سنة، ولأن اسم التثويب أخص بالثاني؛ لأنه عبارة عن الرجوع فيقتضي إعادة ما تقدم ذكره والصلاة خير من النوم لم يتقدم له ذكر حتى يسمى تثويبًا، فكان هذا أولى. 1803 - قال أصحاب الشافعي: ترك أبو حنيفة ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في التثويب واستحسن ما فعله الناس. وهذا جهل؛ لأنا بينا أن التثويب الثاني كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ولأن أبا حنيفة استحسن لفعل الصحابة، وفعلهم حجة: إما أن يكون إجماعًا أو تقليدًا. 1804 - قالوا: وخالف أبو حنيفة في موضع التثويب السنة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لبلال حين ثَوّب: ((اجعل هذا في أذانك))، وهذا يقتضي نفس الأذان، وعند أبي حنيفة يفصل بين الأذان والإقامة)). وهذا غلط، والصحيح من مذهبنا ما ذكره ابن شجاع والطحاوي أن التثويب الأول في نفس الأذان، والتثويب الثاني بين الأذان والإقامة. والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال لبلال حين قال: فقد بينا في الخبر أن بلالًا كان يقوله بعد فراغه من الأذان على باب النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فدل على أنه ليس في نفس الأذان. ولأن التثويب إذا ثبت في هذه الصلاة لزيادة الإعلام ففعله بين الأذان والإقامة أوقع من فعله في نفس الأذان.

مسألة 91 إذا فاتت الصلاة أذن لها وأقام

مسألة 91 إذا فاتت الصلاة أذن لها وأقام 1805 - قال أصحابنا: إذا فاتت الصلاة أذن لها وأقام. 1806 - وقال الشافعي في أحد قوليه: يقيم ولا يؤذن. 1807 - لنا: حديث أبي قتادة أنه كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة -أو سرية-، فلما كان السحر عرسنا، فما استيقظنا حتى أيقظنا حر الشمس، فجعل الرجل منا يثب فزعًا ورهبًا، فاستيقظ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأمرنا فارتحلنا حتى ارتفعت الشمس. ثم أتى لنا، فقضى منا حوائجهم، ثم أمر بلالًا فأذن، فصلينا ركعتين، ثم أقام فصُليت الغداة، وروى عمران بن الحصين هذه القصة كذلك. 1808 - ولأنه دعاء إلى الصلاة، كالإقامة. ولأنه مسنون يتعلق بالصلاة مع بقاء الوقت؛ فتعلق بما بعده، كالتعوذ والاستفتاح. 1809 - احتجوا: بحديث أبي هريرة في قصة الوادي الذي قدمناه، قالوا فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بلالًا فأقام وصلينا. وهذا لا دلالة فيه؛ لأن القصة واحدة،

فالزيادة أولى. 1810 - قالوا: الأذان عَلَم على الوقت؛ بدلالة أنه لا يؤذن لصلاة العصر يوم عرفة لأنها في غير وقتها. 1811 - قلنا: الأذان الأول وقع لهما عندنا، فلم نسلم أن الأذان علم على الوقت. 1812 - قالوا: الأذان للاجتماع، والفائتة لا تتفق فيها الجماعة. 1813 - قلنا: الأذان للاجتماع، فأشبه الصلاة؛ بدلالة أن من صلى في بيته كان مأمورًا بالأذان وإن لم يكن للجمع، ولأن الصلاة قد تفوت الجماعة فيؤذن لجمعهم. 1814 - قالوا: الأذان للفائتة فيلتبس على الناس؛ لأنهم يصلون لغير الوقت ظنًّا منهم أن الأذان للصلاة الرتبة. 1815 - قلنا: إذا فعلت الفائتة عند ارتفاع الشمس لم يتلبس على أحد، ولأنا لا نقول: إنه يؤذن لها على المنائر حتى يلتبس على الناس، وإنما يفعل الأذان كما تفعل الإقامة عندهم.

مسألة 92 إذا فاتهم صلوات فإن أذنوا وأقاموا لكل صلاة جاز

مسألة 92 إذا فاتهم صلوات فإن أذنوا وأقاموا لكل صلاة جاز 1816 - قال في الأصل: إذا فاتهم صلوات، فإن أذنوا وأقاموا لكل صلاة جاز. 1817 - وروى ابن أبي مالك عن أبي يوسف عن أبي حنيفة أنه قال: يؤذن للأولى ويقيم، ويؤذن للثانية ويقيم، فإن ترك الأذان جاز، يعني في الثانية، وقال محمد في الإملاء: إن شاء أذن. فحاصل المذهب أنه مخير في الثانية: إن شاء أذن وأقام، وإن شاء أقام. 1818 - وقال الشافعي: لا يؤذن للثانية. 1819 - لنا: ما رواه أبو عبد الرحمن السلمي عن ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فاته أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب ما شاء الله من الليل، فأمر بلالًا فأذن وأقام وصلى الظهر، وأذن وأقام فصلى العصر، وأذن وأقام فصلى المغرب، وأذن وأقام فصلى العشاء. ولأنها صلاة فائتة فجاز أن يؤذن لها، كالأولى. ولأنها صلاة غير مقدمة على وقتها سن لها الإقامة، فكان من سننها الأذان، كسائر الصلوات. 1820 - احتجوا: بحديث أبي سعيد الخدري قال: حبسنا يوم الخندق عن الصلاة فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالًا بإقامة الظهر فصلاها، ثم أمره بإقامة العصر على نحو ذلك، ثم أمره بإقامة المغرب.

1821 - والجواب: أنا روينا أنه أذن وأقام، وروي أنه أذن للظهر وأقام لما بعدها، وروي ما ذكروه، فكان الزائد أولى. ولأن أمره بإقامة الظهر معناه: الأذان لها والإقامة. 1822 - والدليل عليه أنه قال: ثم أمره بإقامة العشاء. والعشاء مفعولة في وقتها، فلا يجوز أن يكون ترك أذانها باتفاق، فدل على أن قوله: ثم أمره بإقامة العشاء: الأذان والإقامة كذلك في بقية الصلوات، ولو ثبت أنه لم يؤذن للفائتة لم يدل؛ لأنا بينا أنه مخير، فإذا فعل أحد جهتي التخيير لم تسقط الأخرى. 1823 - قالوا: روى ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة بإقامة واحدة. 1824 - قلنا: المغرب في ذلك اليوم ليس بفائتة؛ لأن وجوبها يتعلق بالمكان عندنا، والكلام في الفوائت. 1825 - قالوا: صلاتان تفعلان في وقت واحد، فلا يؤذن للثانية، كصلاتي عرفة والمزدلفة. 1826 - والجواب: أن هناك جمع بين صلاتين للتخفيف حتى يتصل الوقوف؛ فجاز أن يخفف بترك الأذان، وهذا المعنى غير موجود في مسألتنا.

مسألة 93 يجوز أن يؤذن واحد ويقيم غيره

مسألة 93 يجوز أن يؤذن واحد ويقيم غيره 1827 - قال أصحابنا: يجوز أن يؤذن واحد ويقيم غيره. 1828 - وقال الشافعي: يكره. 1829 - لنا: ما روي في حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه الذي أُري الأذان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: ((لقنها بلالًا)) فأذن بلال ثم أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن زيد فأقام. 1830 - وذكر ابن شجاع في السنن: أن ابن أم مكتوم كان يؤذن، ويقيم بلال، وربما أذن بلال وأقام ابن أم مكتوم. ولأن الأذان والإقامة ينفرد أحدهما عن الآخر؛ بدلالة صلاة العصر بعرفة يقال لها ولا يؤذن، والفائتة على أصلهم، فجاز أن يتولاهما اثنان، كالصلاتين. 1831 - ولا يقال: إنه يبطل بصلاتي عرفة لأن الظهر ينفرد عن العصر ويكره الجمع بإمامين؛ لأنه لا يكره عندنا. 1832 - احتجوا: بما روي في حديث الصدائي أنه أذن فأراد بلال أن يقيم، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أخا صدى أذن، والذي أذن يقيم)).

1833 - والجواب: أن الطحاوي قال: مدار هذا الحديث على عبد الرحمن بن زياد بن أنعم المعافري، وليس يثبت في الحديث، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كره أن يؤذن بلال فيكسر قلب الصدائي؛ لأنه يعتقد أنه أمر بالأذان لعدم غيره، فأحب أن يجمع له الفضيلة. 1834 - قالوا: هذا إبطال للتعليل؛ لأن قوله: ((والذي أذن يقيم)) تعليل. 1835 - قلنا: ما ذكرناه يعود إلى هذا التعليل. ألا ترى أنه لم يجعله مؤذنًا وإنما أخبر أنه يقيم لأنه أذن؛ حتى لا ينكسر، فإذا عقلنا تأويلنا بالعذر لم يسقطها. 1836 - قالوا: خبرنا متأخر عن خبر عبد الله بن زيد. 1837 - قلنا: خبر عبد الله أشهر وأصح رواية؛ فهو أولى أن يُقَدَّم. ولأنا نقلنا فعل بلال وابن أم مكتوم، فصار ما كثر نقله أولى. 1838 - قالوا: ذِكْران متجانسان يتقدمان الصلاة شُرعا لها فكان من شأنهما أن يتولاهما، كالخطبتين. 1839 - قلنا: الخطبة عكس علتنا؛ لأن إحدى الخطبتين لا تنفرد عن الأخرى، والإقامة تنفرد عن الأذان، ولأن الخطبتين أقيمتا مقام الصلاة وتنفرد إحداهما عن الأخرى، كالأذان والخطبة.

مسألة 94 حكم أخذ الأجرة على الأذان

مسألة 94 حكم أخذ الأجرة على الأذان 1840 - قال أصحابنا: لا يجوز أخذ الأجرة على الأذان. 1841 - ومن أصحاب الشافعي من جوز ذلك، ومنهم من منع. 1842 - لنا: ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعثمان بن أبي العاص: ((وإنه مؤذنك أن يأخذ على الأذان أجرًا)). وروي أنه قال: ((واتخذ مؤذنًا لا يأخذ على الأذان أجرًا))، ولأن من شرط الأذان أن يكون قربة لفاعله، فلا يجوز أخذ الأجرة عليه، كالصوم، ولأنه يقع لمنفعة الفاعل ولغيره، فلم يستحق الأجرة على عمل نفسه، ولأنه ذكر مسنون متعلق بالصلاة، كالاستفتاح والتعوذ.

1843 - احتجوا: بما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم أبا محذورة الأذان وأنفذه إلى مكة ليؤذن وأعطاه صرة فيها دراهم. 1844 - والجواب: وهذا لا دلالة فيه؛ لأنه لم يكن على طريق الأجرة؛ ألا ترى أنه لم يذكر مدة معلومة. 1845 - قالوا: إذا جاز أخذ الرزق على الأذان جاز أخذ الأجرة؛ لأن كل واحد منهما بدل. 1846 - قلنا: يبطل بالإمام يأخذ الرزق من بيت المال ولا يجوز له أخذ الأجرة، وكذا القاضي ومن يتولى الصلاة بالناس، ولأن الرزق في مقابلة العمل وليس ببدل عنه، والأجرة بدل، ويجوز في غير الأبدال ما لا يجوز فيها، ولذلك يجوز في المضاربة وإن كان ما يتحصل للمضارب من الربح مجهولًا؛ لأنه ليس ببدل، ولو استأجره ببعض الربح لم يجز. 1847 - قالوا: يجوز للعامل أخذ الأجرة؛ لأنه يقوم بمصالح المسلمين، كذا الأذان. 1848 - قلنا: يبطل بالقاضي. ولأن العمالة ليس من شرطها أن تكون قربة لفاعلها؛ بدلالة أنها تجوز من الذمي، والأذان بخلاف ذلك. 1849 - قالوا: الأذان عمل معلوم، كسائر الأعمال. 1850 - قلنا: كون العمل معلومًا لا يُجَوز أخذ الأجرة عنه ما لم يثبت أنه في نفسه مما يجوز أخذ البدل عنه؛ ألا ترى أن الصلاة والصوم كل واحد منهما عمل معلوم ولا يدل ذلك على جواز الاستئجار عليهما؟

مسألة 95 الإسفار بالفجر أفضل

مسألة 95 الإسفار بالفجر أفضل 1851 - قال أصحابنا: الإسفار بالفجر أفضل. 1852 - وقال الشافعي: التغليس أفضل. 1853 - لنا: ما روى عبد الرحمن بن يزيد، قال: حججت مع عبد الله بن مسعود، فلما كانت ليلة المزدلفة طلع الفجر، فقال: أقم، قلت: يا أبا عبد الرحمن، إن هذه لساعة ما رأيتك تصلي فيها، فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان لا يصلي هذه الساعة إلا هذه الصلاة في هذا المكان من هذا اليوم، قال عبد الله: هما صلاتان تحولان عن وقتهما: صلاة المغرب بعد ما يأتي الناس المزدلفة، وصلاة الغداة، رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل ذلك. فقد أخبر أن هذه الصلاة غيّرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن وقتها، فلم يجز أن يكون عن وقت الجواز، فلم يبق إلا أنه غيرها عن وقت الفضيلة. 1854 - ولا معنى لقولهم: إنه يجوز أن يكون صلاها لما غلب على ظنه طلوع الفجر، وذلك غير مستحب عندنا وهو جائز؛ لأنه قال: لما طلع الفجر، وهذا يقتضي اليقين دون الظن، ولأنه لا يدخل وقت الفجر بغلبة الظن حتى يتبين الطلوع؛ لأن ذلك مما يعلم بيقين.

1855 - ويدل عليه: ما رواه رافع بن خديج قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أسفروا بالفجر؛ فكلما أسفرتم فهو أعظم لأجوركم))، وروى جابر بن عبد الله قال: أخبرنا بلال مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أسفروا بالصبح -أو بالفجر-؛ فإنه أعظم للأجر)). 1856 - وروى عاصم بن عمر بن قتادة الظفري أن رجلًا من قومه من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أصبحوا بالصبح؛ فإنه كلما أصبحتم بالصلاة كان أعظم للأجر)). 1857 - قالوا: هذه الأخبار محمولة على الأمر بالصلاة عند إسفار الفجر، وهو اليقين بطلوعه. 1858 - قلنا: هذا لا يصح؛ لأن الكلام خرج على طريق التفضيل، وما لم يتيقن بطلوع الفجر لا تجوز الصلاة، فكيف يفاضل بينها وبين الجائز. 1859 - وقولهم: إنه يجوز عندنا إذا غلب على ظنه وإن لم يتيقن، ليس

بصحيح؛ لأن الأصل بقاء الليل، فلا يجوز إسقاط اليقين بغلبة الظن، ولأن الإسفار في اللغة ضد التغليس، فلو حمل على طلوع الفجر لكان التغليس هو الإسفار، أو يكون التغليس بعد الإسفار، وهذا لا يصح، ولأنه قال في الخبر: ((كلما أسفرتم كان أعظم لأجوركم)) وهذا يدل على فضيلة التأخير وإن تيقن الطلوع، وذلك لا يكون إلا على قولنا. ولأن تأخير الفجر يؤدي إلى تكثير الجماعة، فكان أفضل؛ لقوله - عليه السلام -: ((كلما كثرت الجماعة فهو أفضل)). ولا يلزم تأخير المغرب؛ لأنا استدللنا بعموم الخبر، فلا يرد عليه نقض. ولأن لوقت الصلاة أول وآخرا، فإذا جاز أن تتعلق الفضيلة بأول الوقت في موضوع المواقيت جاز أن تتعلق بآخره. وكل من قال بذلك قال بتأخير الفجر. ولأن الصلاة أخص بآخر الوقت من أوله؛ ألا ترى أنه مأمور بفعلها في أوله غير منهي عن تركها وهو في آخره مأمور بفعلها منهي عن تركها، فإذا جاز أن تتعلق الفضيلة بأوله فتعلقها بآخره أولى. ولأنها صلاة نهار فجاز أن تعلق الفضيلة بتأخيرها، كالظهر في الصيف. 1860 - احتجوا: بحديث ابن مسعود وأم فروة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أفضل الأعمال الصلاة لأول وقتها)). 1861 - والجواب: أن هذا الخبر روي من طرق كثيرة، وفيه: ((الصلاة لوقتها)) ولم يذكر أول وقتها إلا شاكا. 1862 - فدل على أن العموم أصل الخبر والخصوص تأويل الراوي. ومتى كان الخبر

((الصلاة لوقتها)) لم يكن فيه دلالة، ولو ثبت ما قالوه احتمل أن يكون أول وقت جوازها واحتمل أول وقت وجوبها: فإن كان وقت الجواز المراد فهو دلالة لهم، وإن كان وقت الوجوب فهو لنا؛ لأنه آخر الوقت عندنا، فسقط التعلق به. 1863 - احتجوا: بما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أول الوقت رضوان الله، وأوسطه رحمة الله، وآخره عفو الله))، قالوا: والعفو هو المغفرة، وذلك لا يكون إلا عن تقصير، ولذلك قال أبو بكر الصديق: رضوان الله أحب إلينا من عفوه. 1864 - والجواب: أن العفو يعبر به عن الغفران، ويعبر به عن التخفيف والتسهيل، ومنه قوله - عليه السلام -: ((عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق)). فإن كان المراد بالعفو التسهيل فكأنه قال: آخر الوقت سهّل الله تعالى تأخير الصلاة إليه، وذلك لا ينفي الرضوان. ولو سلمنا أن العفو لا يكون إلا عن تقصير لم يدل الخبر بأن آخر الوقت يكره التأخير إليه؛ لأنه يوجب وقوع بعض الصلاة عند الطلوع أو في حالة لا يؤمن معه الطلوع، وذلك يكره عندنا، فقد قلنا بظاهر الخبر. 1865 - قالوا: روي عن عائشة أنها قالت: إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

ليصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات بمروطهن لا يعرفن من الغلس. 1866 - والجواب: أن هذا كان في حال حضور النساء الجماعة، فيجوز أن يكون قدم الصلاة حتى لا يطلع عليهن الرجال، ولهذا كان يحبس الرجال في المسجد حتى تنصرف النساء. ولا معنى لقولهم: إنها حكت المداومة؛ لأن قولها: ((إن كان ليصلي)) يقتضي وقوع الفعل دون استمراره. 1867 - قالوا: روى أبو مسعود البدري: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الصبح مرة فغلَّس ومرة فأسفر، ثم لم تزل صلاة التغليس إلى أن فارق الدنيا، لم يعد إلى أن يسفر. 1868 - والجواب: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أسفر عند البيان حتى كادت الشمس أن تطلع، وهذا الإسفار لم يعد إليه؛ لأنه يكره عندنا في غير حال البيان. فأما قوله: لم يزل صلاة التغليس: فقد علمنا من فعله خلاف ذلك؛ بدلالة خبر ابن مسعود. 1869 - قالوا: روت عائشة رضي الله عنها قالت: ما صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة لوقتها الأخير إلا مرتين حتى قبضه الله. 1870 - قلنا: وقتها الأخير يمنع منه عندنا؛ لأنه لا يأمن معه الفوات، والكلام في

التأخير على هذا الوجه. 1871 - قالوا: صلاة مفروضة لا تقصر فكان فعلها في أول وقتها أفضل، كالمغرب. 1872 - قلنا: التفضيل يقع بين الجائزين، وعندهم لا وقت للمغرب إلا واحد، فكيف يفضل بين الصلاة في وقتها والفائتة؟ فأما على أصلنا فيكره تأخير المغرب، والتفضيل لا يقع بين الجائز والمكروه. ثم نعكس فنقول فكان فعلها فيما يقرب إلى النهار أفضل، كالمغرب. 1873 - قالوا: صلاة مكتوبة، فوجب أن يكون فعلها في أول وقتها من غير عذر أفضل، أصله: الظهر في الشتاء. 1874 - قلنا: تعجيل الظهر في الشتاء يؤدي إلى تكثير الجماعة؛ لأنه لا يؤمن من الحوادث من المطر وغيره، فوزانه أن يؤخر الفجر؛ لأنه أكثر جماعة. ولا يلزم المغرب؛ لأن كلامنا في التفضيل، وتأخيرها مكروه، فلذلك لا يؤخر وإن كثرت الجماعة. 1875 - قالوا: فعلها في أول الوقت أبعد من المخاطرة والنسيان. وهذا يبطل بالظهر في الصيف، ولأن الناسي غير مكلف لما نسيه؛ فلا معنى لتعجيل الصلاة لأجله.

مسألة 96 تأخير العصر ما لم تصفر الشمس أفضل

مسألة 96 تأخير العصر ما لم تصفر الشمس أفضل 1876 - قال أصحابنا: تأخير العصر ما لم تصفر الشمس أفضل. 1877 - وقال الشافعي: تعجيلها أفضل. 1878 - لنا: ما روى علي بن شيبان قال: قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، فكان يؤخر العصر ما دامت الشمس بيضاء نقية. وروى رافع بن خديج: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأمرنا بتأخير العصر، ولا يعترض على هذا قولهم: إنه تفرد به عبد الواحد بن نافع عن عبد الله بن رافع؛ وذلك لأن عبد الواحد بن نافع لم يعترضه الدارقطني بأكثر من قوله: إنه قيل: عبد الواحد بن نافع وقيل: بن نفيع، وهذا جهل؛ لأن نفيع تصغير نافع، فلا يعد اختلافًا.

1879 - قالوا: يحتمل أن يكون أمر بذلك في حال الجمع بين الصلاتين، فأمر بتأخير العصر عن الظهر. 1880 - قلنا: ظاهر الخبر يقتضي المداومة، وقد فهم الراوي غير هذا؛ لأن عبد الواحد بن نافع قال: مررت بالمدينة فدخلت مسجدا فأقيمت الصلاة -يعني العصر- وفي المسجد شيخ، فلما صلى لام الذي أقام الصلاة، وقال: ما علمت من ابن خديج أخبرني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر بتأخير هذه الصلاة، فسألت عن الشيخ، قالوا: عبد الله بن رافع بن خديج. 1881 - قالوا: قال الدارقطني: روي عن رافع خلاف هذا. وهذا خطأ، إنما روي عن رافع قال: صلينا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - العصر، فنحر جزور، فقسم سبعة أقسام وطبخ منه فنضج قبل غروب الشمس، وهذا لا يخالف الأول؛ لأنه حكاية فعل في يوم واحد، فيجوز أن يكون التقديم فيه لعارض. ولأنا بينا أن نحر الجزور وطبخه إذا كان يختلف في العادة لم يدل على الوقت. ولأنها صلاة تلي غروب الشمس فكان فعلها فيما قرب من الغروب أفضل، كالمغرب، ولأنها صلاة تلي غروب الشمس فكان فعلها فيما قرب من الغروب أفضل، كالمغرب، ولأنها صلاة حولت عن وقتها لأجل النسك فكان فعلها في غير حال النسك فيما بعد غير موصع التحويل أفضل، كالمغرب، ولأنه لا يجوز التنفل بعدها، فإذا أخرها جمع بين الفرض وكثرة النفل؛ فكان أولى من أحدهما، ولا يلزم تأخيرها إلى الاصفرار؛ لأن التفضيل يقع بين وقتين جائزين لا كراهة فيهما. 1882 - احتجوا: بحديث أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي العصر والشمس

مرتفعة حية، فيذهب الذاهب إلى العوالي فيأتيها والشمس مرتفعة. قال الدارقطني: والعوالي من المدينة على ستة أميال. 1883 - قلنا: ذكر أبو داود عن سعيد بن المسيب أن العوالي على ميلين أو ثلاثة، وهذا المقدار يمكن أن يسار إذا صلى في وسط الوقت. 1884 - واحتجوا: بحديث الجزور الذي قدمناه، وقد بينا أن هذه الأفعال تختلف بحسب الفاعل، فلا يرجع إليها في التقدير، ولأن معناه قول وفعل، والفعل لا يعارض القول. 1885 - قالوا: روي أن عمر بن الخطاب كتب إلى عماله أن صلوا العصر والشمس بيضاء نقية قدر ما يسير الراكب ثلاثة فراسخ. 1886 - والجواب: أنه روي أن مؤذن علي جاءه يؤذنه بالعصر وهو في مسجد الكوفة فقال: قد جاء هذا الكذا والكذا يعلمنا السنة! وأخر العصر، حتى لما فرغنا جثونا على الرُّكب ننتظر غروب الشمس، والكوفة يومئذ أخصاص. وكان أصحاب علي وابن مسعود يؤخرون العصر. وروى أبو حنيفة عن خالد

الحذاء عن أبي قلابة قال: ما اجتمع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كاجتماعهم على تأخير العصر والتبكير بالمغرب والتنوير بالفجر. قال أبو قلابة ومحمد ابن الحنفية وسعيد بن المسيب: إنها سميت العصر لتعصر، فيعارض هذا ما رووه عن عمر بن الخطاب. 1887 - قالوا: تعجيل العصر يؤدي إلى كثرة الدعاء بعدها، والدعاء بعد العصر يرجى به ما لا يرجى في غيره. 1888 - قلنا: فضيلة صلاة النفل قبل العصر أفضل وأكثر فضيلة من الدعاء، فكان اتساع وقت النفل أولى.

مسألة 97 تأخير العشاء ما بينه وبين ثلث الليل أفضل

مسألة 97 تأخير العشاء ما بينه وبين ثلث الليل أفضل 1889 - قال أصحابنا: تأخير العشاء ما بينه وبين ثلث الليل أفضل. 1890 - وقال الشافعي في أحد قوليه: تعجيلها أفضل. 1891 - لنا: ما رواه أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسي بالعشاء ويقول: ((احترسوا ولا تناموا)). وعن أبي المنهال قال: انطلق أبي وانطلقت معه، فدخلنا على أبي برزة فقال له أبي: حدثنا كيف كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي المكتوبة، فقال: كان يستحب أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة، وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها. 1892 - وفي حديث معاذ رضي الله عنه لما بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن فعلمه المواقيت، فقال: ((إذا كان الشتاء فأخر العشاء الأخيرة، فإن الليل طويل، وإذا كان الصيف فعجل العشاء، فإن الليل قصير وإن الناس ينامون)). وروى جابر بن

سمرة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يؤخر العشاء الآخرة. ذكر هذه الأخبار كلها ابن شجاع في سنن الصلاة. 1893 - وروى ابن عمر قال: مكثنا ذات ليلة ننتظر النبي - صلى الله عليه وسلم - لصلاة العشاء الأخيرة، فخرج إلينا حين ذهب ثلث الليل أو بعده، فقال حين خرج: ((إنكم لتنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم، ولولا أن أثقل على أمتي لصليت بهم هذه الساعة)). 1894 - ولا يقال: إن الشرع يؤخذ من قوله وفعله، وهاهنا لم يفعل وإنما أضمره فلا يكون شرعًا؛ وذلك لأنه أخبر أنه ترك التأخير لنفي المشقة، وهذا لا ينفي الفضيلة وتحمل المشقة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)). ولأنها صلاة تقصر في السفر، فجاز أن تتعلق الفضيلة بتأخيرها، كالظهر في الصيف. 1895 - احتجوا: بما روي: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي العشاء لسقوط القمر ثالثة. وهذا لا دلالة فيه؛ لأنا بينا أنه كان يؤخر، فيجوز أن يكون التعجيل في

الصيف، كما ذكر في خبر معاذ. 1896 - وقد روي أن جابرا سئل عن المواقيت، فذكر العشاء وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعجلها أحيانًا ويؤخرها أحيانًا.

مسألة 98 صلاة الوسطى الظهر

مسألة 98 صلاة الوسطى الظهر 1897 - قال أصحابنا: صلاة الوسطى الظهر. 1898 - وقال الشافعي: الفجر. 1899 - لنا: ما روى زيد بن ثابت قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي الظهر بالهاجرة، فكان يصلي معه صف أو صفان، ورسول الله لم يكن يصلي صلاة أشق على أصحابه منها، فنزلت: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى}، فكثر الناس. فهذا يدل أنهم فهموا من الظاهر الظهر. 1900 - ويدل عليه: ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخر يوم الخندق الظهر والعصر والمغرب، ثم قال: ((شغلونا عن صلاة الوسطى))، فدل على أن الوسطى

غير الفجر. ولأنها تقع في وسط النهار، فتوصف بالوسطى لمعنى لا يتغير، وما سواها يجوز أن يوصف بالوسطى لمعنى كان يجوز أن يتغير؛ ألا ترى أن عدد الصلوات إذا تغير خرجت الفجر أن تكون من الوسطى؟ 1901 - احتجوا: بقوله تعالى: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين}، قالوا: والقنوت في الصبح، فثبت أنها وسطى. 1902 - والجواب: أن القنوت المذكور في الآية المراد به السكوت عن الكلام: روى زيد بن أرقم قال: كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت {وقوموا لله قانتين}، فأمرنا بالسكوت. 1903 - قالوا: روي عن ابن عباس أنه قنت في الفجر وقال: هذه الصلاة التي أمرنا الله تعالى أن نكون فيها قانتين. 1904 - قلنا: هذا قول ابن عباس، وقد خالفه غيره من الصحابة: فقالت عائشة وزيد بن ثابت: الظهر، وقال علي وأبو هريرة: العصر، فلم يكن الرجوع إلى قوله بعضهم أولى من الرجوع إلى قول الباقين.

1905 - قالوا: قوله: {حافظوا على الصلوات} قد انتظم الوسطى وإنما أفردها لفائدة، وهي أن الفجر ينامون قبلها، فأخبر أن الواجب المحافظة عليها وترك النوم. 1906 - قلنا: هذه الفائدة مثلها نقول في الظهر؛ لأنها تقع في الهاجرة فكان يشق فعلها، فأمر بالمحافظة عليها وتحمل المشقة، فإذا تساوينا في الفائدة سقط ما ذكروه.

مسألة 99 إذا طلعت الشمس في صلاة الصبح بطلت

مسألة 99 إذا طلعت الشمس في صلاة الصبح بطلت 1907 - قال أصحابنا: إذا طلعت الشمس في صلاة الصبح بطلت. 1908 - وقال الشافعي: يبني عليها. 1909 - لنا: ما روي في حديث عقبة بن عامر قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نصلي في ثلاث ساعات أو نقبر فيهن موتانا: عند طلوع الشمس، وعند قيامها، وعند غروبها. وهذا عام في الابتداء، والنهي يفيد الفساد. وكذلك ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يتحرى أحدكم فيصلي عند طلوع الشمس ولا عند غروبها)). ولأنها عبادة يدخل وقتها بطلوع الفجر، فجاز أن يكون خروج وقتها كإفسادها، أصله: الصوم.

1910 - ولا يلزم الطواف؛ لأنه يتصور إفساده، وكذلك الرمي. ولا يلزم الأضحية؛ لأن خروج وقتها كإفسادها؛ ألا ترى أنها لا تفعل بعد مضي الوقت كما لا يسقط الفرض بها إذا أفسدها بالإخلال بشرائط الذبح. ولأن الصلاة عبادة يؤثر فيها الحدث فجاز أن يبطل بخروج الوقت، أصله: الطهارة. ولأن الصلاة على ضربين: صلاة شرطها الجماعة، وصلاة لا تشرط فيها الجماعة، فإذا أثر خروج الوقت في أحد النوعين جاز أن يؤثر في الآخر. وهذه المسألة مبنية على أن الصلاة لا تجوز عند الطلوع بكل حال، وما نافى الابتداء منع البقاء. 1911 - احتجوا: بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((لا يقطع الصلاة شيء)). 1912 - والجواب: أن هذا الخبر لا يمكن حمله على ظاهره، فوجب أن يقصر على سببه، وهو المار بين يدي المصلى. 1913 - قالوا: روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من أدرك ركعة من الصبح فقد أدرك الصبح)). 1914 - قلنا: هذا متروك الظاهر بالاتفاق؛ لعلمنا أن المدرك للركعة مدرك لبعض الصبح وباقيها يقع قضاء، وإذا عدل عن الظاهر كان معناه عندنا: من أدرك مقدار ركعة فقد أدركها، معناه: وجب عليه، وهذا الظاهر؛ لأن الإدراك يكون في الوقت. وما روي في هذا الخبر أنه قال: ((أضاف إليها أخرى)) فيجوز أن يكون تأويل الراوي؛ لأنه ليس بمشهور في الخبر. وقد قيل: إن أصل هذا الخبر موقوف على أبي هريرة.

1915 - قالوا: صلاة صحت في وقت فوجب أن لا تبطل بخروج الوقت، أصله: إذا غربت الشمس في العصر. 1916 - قلنا: لا تبطل بخروج الوقت عندنا، وإنما تبطل بطلوع الشمس الذي لا يجوز الابتداء معه، فإن أرادوا أن خروج الوقت سبب انتقضت علتهم بالمسح على الخفين إذا ذهب الوقت في خلال الصلاة: إن صلاته تبطل وخروج الوقت سبب في بطلانها. ولأن الشمس إذا غربت جاز ابتداء الصلاة، فلم يمنع البقاء، وإذا طلعت لا يجوز الابتداء، فلا يجوز البقاء. 1917 - قالوا: اعتراض الوقت الذي يكره فيه التنفل لا يمنع فعل الصلاة، كغروب الشمس. 1918 - قلنا: ليس المانع عندنا اعتراض وقت يمنع التنفل فيه، وإنما يمنع الصلاة فيه، ثم المعنى في الغروب ما ذكرناه.

مسألة 100 إذا أدى صلاة إلى جهة باجتهاده ثم تبين له الخطأ لم يقض

مسألة 100 إذا أدى صلاة إلى جهة باجتهاده ثم تبين له الخطأ لم يقض 1919 - قال أصحابنا: إذا أدى صلاة إلى جهة باجتهاده ثم تبين له الخطأ، لم يقض. 1920 - وقال الشافعي: يقضي. وأما إذا كان ذلك بمكة، فقد ذكر ابن رستم عن محمد أنه: لا يقضي، وكان أبو بكر الرازي يقول: يقضي. واختلف أصحابنا في فرض المصلي إذا بعد عن الكعبة، فقال أبو الحسن وأبو بكر: فرضه الجهة، واختار شيخنا أبو عبد الله أن الفرض عين الكعبة في الحالتين. 1921 - والدليل على ما قلناه: ما روى عامر بن ربيعة قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ليلة سوداء مظلمة، فلم نعرف القبلة، فجعل كل رجل يصلي بين يديه أحجار، فلما أصبحنا إذا نحن على غير القبلة، فذكرنا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأنزل الله تعالى: {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله}. وروى قيس بن طلق

عن أبيه أن قوما خرجوا في سفر فصلوا فتاهوا عن القبلة، فلما فرغوا تبينوا ذلك، فذكروه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((تمت صلاتكم)). 1922 - وروى جابر قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية كنت فيها، فأصابتنا ظلمة فلم نعرف القبلة، فقال طائفة منا: قد عرفنا القبلة هاهنا قبل الشمال -فصلوا، وقالت طائفة: قد عرفنا القبلة هاهنا قبل الجنوب- فصلوا، فلما أصبحنا وجدنا القبلة على غير ذلك، فذكرنا ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فنزلت الآية، فهذا يدل على أن الآية نزلت في حال الاجتهاد، ولم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقضاء، وقال في بعض الأخبار: ((تمت صلاتكم)). 1923 - ولا يقال: روى ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على راحلته حين هاجر تطوعًا، فنزلت هذه الآية. وروي أن اليهود تكلموا في شأن القبلة حين حولت، فنزلت هذه الآية، وهذا يوجب تعارض الأسباب، وكذلك أنه لا يمتنع اتفاق هذه الأسباب ونزول الآية على جميعها؛ لأنها لا تتنافى. 1924 - قالوا: روي عن قتادة أن الآية منسوخة بقوله تعالى: {وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره}. 1925 - قلنا: النسخ لا يثبت بقول الواحد، ولأن قوله: {فولوا وجوهكم شطره} يتناول القادر على التوجه، ولا يتناول من لا يعلم، فكيف ينسخ به ولم يتضمنه. 1926 - قالوا: حمل الآية على التطوع أولى؛ لأن ظاهرها يقتضي التخيير في جميع الجهات، وذلك لا يكون إلا في التطوع. 1927 - قلنا: قد نقلنا نزلها في حال الاجتهاد، فكأنه قال: {ولله المشرق

والمغرب فأينما تولوا} حال الاجتهاد، {فثم وجه الله} يعني: فأينما تولوا مما غلب على اجتهادكم أنه قبلة. 1928 - قالوا: يجوز أن يكون القوم صلوا بالليل تطوعا. 1929 - قلنا: لم يستفصل النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولو كان الحكم يختلف لبين. ولا يقال: إنه يحتمل أن يكون انحرفوا عن يمين القبلة وعن يسارها؛ لأنا روينا أن بعضهم صلى إلى الجنوب وبعضهم إلى الشمال، وهذا تضاد. 1930 - ويدل عليه: حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما بين المشرق والمغرب قبلة))، وهذا عام. ولأنها جهة تجوز الصلاة إليها مع العلم، فجاز مع الاجتهاد، كجهة القبلة. ولأن الاشتباه عذر، وكل جهة جاز الصلاة إليها حال العذر لم يلزم القضاء عند زواله، كحال الخوف، ولا يلزم إذا كان بمكة؛ لأنا نقول: لا يقضي على رواية ابن رستم. 1931 - ولا معنى لقولهم: إن حكم العالم بالفعل مع العذر مخالف لحكم من فعله وهو غير عالم؛ بدلالة أنه يجوز الجمع بين الصلاتين فيترك الوقت مع العذر والعلم، ولا يجوز أن يتركه مع الاجتهاد، وتصلي المستحاضة للعذر مع الحدث ولا يجوز صلاتها للاجتهاد مع الحدث؛ وذلك لأن التارك للوقت مع الاجتهاد غير معذور فيه؛ لأن فرض الوقت لم يبن على الاجتهاد، وكذلك المصلي مع الحدث، فاختلف المعذور وغير المعذور، وأمر القبلة مبني على الاجتهاد، والاشتباه عذر كما أن الخوف عذر. 1932 - ولأنها عبادة ذات أركان فجازت مع الخطأ في بعض شرائطها حال الاجتهاد، أصله: إذا أخطأ الناس في الوقوف فوقفوا يوم النحر. 1933 - قالوا: هذا دلالة لنا؛ لأن الخطأ في المكان لا يعتد به، كما لو وقفوا في غير مكان الوقوف، وفي مسألتنا الخطأ في المكان فلذلك لم يعتد به.

1934 - قلنا: لا فرق بينهما؛ لأن المكان بني على الاجتهاد في مسألتنا فصار كالزمان هناك، والمكان هناك بنى على اليقين فصار كالوقت في مألتنا، فالواجب اعتبار معنى المسألتين دون صورتهما. ولأن فرض التوجه بني على الاجتهاد؛ بدلالة أن من غاب عن الكعبة لا يتوصل إلى فرضه يقينا وإنما فعله باجتهاد، فإذا أخطأ فقد انتقل من اجتهاد إلى اجتهاد فلا ينسخ الأول، كالحاكم إذا حكم باجتهاد ثم بان له اجتهاد آخر، ولا يلزم إذا كان بمكة؛ لأنا نقول: يعيد، على ما قاله أبو بكر؛ لأنه انتقل من اجتهاد إلى يقين. 1935 - ولا يقال: لأن الخطأ يعد على وجه قد يؤمن مثله في القضاء؛ ألا ترى أنه متى رأى هلال ذي الحجة أمكنه أن يقف بيقين؟ وهذا معنى مجوز ومع ذلك لا يلزمه القضاء. ثم المعنى في الثوب أن المقصود منه ليس هو الاجتهاد، وإنما المعتبر استعمال الثوب الطاهر؛ ألا ترى أنه لو صلى فيه من غير تحر جازت صلاته؟ والمقصود في القبلة الاجتهاد دون إصابة عينها؛ ألا ترى أنه لو صلى إليها من غير اجتهاد لم تجز صلاته، فإذا فعل الاجتهاد فقد حصل المقصود فلم تجب الإعادة؟ على أن قولهم في الصلاة يأمن مثله في القضاء غير مسلم؛ لأن القضاء ليس هو على الفور؛ فيجب أن يسافر ثم يقضي في السفر فيتفق له الغلط.

مسألة 101 إذا تمت مدة البلوغ للصبي في خلال صلاته لم تجز عن فرضه

مسألة 101 إذا تمت مدة البلوغ للصبي في خلال صلاته لم تجز عن فرضه 1936 - قال أصحابنا: إذا تمت مدة البلوغ للصبي في خلال صلاته لم تجز عن فرضه. 1937 - وقال الشافعي: تجزيه، وكذلك إن بلغ بعدها في الوقت. 1938 - لنا: أنها عبادة تفتقر إلى النية، فإذا تمت قبل بلوغ لم يسقط بها الفرض بعده، كالصوم. ولأنه افتتحها مع وجود معنى يمنع التكليف، فلم يجز أن يسقط بها الفرض، كالمجنون إذا افتتحها. 1939 - ولا يقال: إن المجنون غير مأمور بها؛ لأن الصبي عندنا غير مأمور بها أيضًا من جهة الله تعالى، وإنما هو مأمور من جهة وليه، وأمره غير مؤثر، ولأن ما فعله الصبي نافلة؛ بدلالة أنه ليس من أهل الفرض، والنافلة لا يسقط بها الفرض، كالبالغ إذا تنفل. ولا معنى لقولهم: إن فعل الصبي أزيد من النفل؛ لأنه يضرب على تركه؛ لأنه لا يتصور في القسمة إلا واجب أو نفل، فأما ما بينهما فلا يصح التزايد في النفل. ولا يلزم على هذا ما يفعله البالغ في أول الوقت؛ لأنه ليس بنفل، وإنما هو

واجب على قول أبي الحسن، وعلى قول غيره: هو مراعاة. 1940 - ولا معنى لقولهم: إن فعل الصبي مراعى عندنا؛ لأن الفعل يقف مراعى إذا كان الفاعل من أهل الوجوب، فيقف على صفة ينضم إليه، والصبي ليس من أهل الوجوب، فيصير كمؤدي الزكاة قبل الحول والنصاب، فلا يقف مراعى. 1941 - قالوا: البالغ لم يفعل الصلاة بنية الظهر، فلذلك لم تُجز عنها، والصبي مأمور بفعلها بنية الظهر فأجزأت عنها. 1942 - قلنا: علة الأصل تبطل بمن خرج عنه وقت الجمعة وهو فيها أنه يبنى عليها الظهر، والمفعول ابتداء لم يقع بنية الظهر وجاز عنها، وعلة الفرع لا نسلم أنه مأمور بها. 1943 - فإن قالوا: فعلها بنية الظهر، يبطل بما يفعله المجنون وبما يفعله البالغ قبل الوقت. 1944 - احتجوا: بأنها عبادة ترجع إلى شطرها حال العذر، فإذا فعلها في صغر سقط فرضها عنه في كبره، كالطهارة. 1945 - والجواب: أنا لا نسلم أنه فعل العبادة في صغيره؛ لأنه يعتد بالفرض، وما فعله قبل البلوغ نفل. ثم المعنى في الطهارة: أنها إذا وقعت لعبادة جاز أن يؤدى بها غيرها، فكذلك إذا وقعت قبل الوجوب جاز أن يسقط بها الفرض بعده، والصلاة إذا وقعت النية لفرض بعينه لم يسقط بها غيره، كذلك إذا فعلها قبل الوجوب لم يسقط بها ما يجب عليه. 1946 - قالوا: مأمور بفعلها مضروب على تركها، فإذا فعلها وجب أن يعتد بها، كالكبير. 1947 - قلنا: يبطل بالصبي إذا صلى ثم بلغ بعد الوقت، ويبطل بالمحبوس على أصلهم، والوصف غير مسلم؛ لأنه غير مأمور بها من جهة الله تعالى. ثم المعنى في

الكبير: أنه فعلها مع وجود سبب الوجوب، والصبي فعلها قبل السبب، فصار كالبالغ إذا صلى قبل الوقت. 1948 - قالوا: صلاة مأمور بها حال نقصه فوجب أن يلزمه الإعادة بعد كماله، كالأَمَة إذا صلت مكشوفه الرأس ثم أعتقت. 1949 - قلنا: يبطل بالأمة إذا صلت في الحبس بغير طهارة ثم خرجت فأعتقت. ولأن المعنى في الأمة أن النقص إذا زال بعد الوقت اعتد بما فعله في الوقت عن الفرض، فكذلك إذا زال في الوقت، ونقص الصغير إذا زال بعد الوقت لم يعتد بما فعله في الوقت، كذلك إذا زال مع بقاء الوقت.

مسألة 102 يجوز تقديم النية بشرط

مسألة 102 يجوز تقديم النية بشرط 1950 - حكى أصحاب الشافعي عنا: أن نية الصلاة يجوز أن تتقدم وتنقطع، وهذا غلط. 1951 - والذي نقوله: إن تقديم النية يجوز بشرط أن يستصحب النية إلى أن يدخل في الصلاة. 1952 - وحكى أصحابنا عنهم: أن النية لا يجوز أن تتقدم على التحريمة، وإن أنكروا هذا وقالوا: يجوز أن تتقدم إذا لم تنقطع فصارت المسألة على هذا اتفاقًا. 1953 - والدليل على جواز تقديم النية: قوله عليه الصلاة والسلام: ((الأعمال بالنيات))، ولأنها عبادة فجاز أن تتقدم نيتها عليها، كالصوم.

مسألة 103 إذا دخل في الصلاة ثم نوى أن يقطعها

مسألة 103 إذا دخل في الصلاة ثم نوى أن يقطعها أو نوى صلاة أخرى لم تؤثر نيته في صلاته 1954 - قال أصحابنا: إذا دخل في الصلاة ثم نوى أن يقطعها، أو نوى صلاة أخرى لم تؤثر نيته في صلاته. 1955 - وقال الشافعي: تبطل. 1956 - لنا: أنها عبادة صح دخوله فيها فلا تفسد إذا نوى الخروج منها، كالحج، ولأن اعتقاد فعل ما يختص بإفساد العبادة لا يصير كوجود المعنى المفسد، أصله: من اعتقد في خلال الطهارة أن يحدث. ولا يلزم إذا نوى في الصلاة أن يرتد؛ لأن الردة لا تختص بإفساد الصلاة. 1957 - احتجوا: بأنه إذا نوى الخروج فقد ترك قصد القربة، فصار كما لو عمل عملًا من غير الصلاة، وهذا ليس بصحيح؛ لأن أكثر الأحوال أن يصير هذا الفعل واقعًا من غير نية القربة، وهذا لا يؤثر في البقاء على الصلاة، كما لو غربت نيته.

مسألة 104 يجوز الدخول في الصلاة بكل لفظ يقصد به تعظيم الله تعالى

مسألة 104 يجوز الدخول في الصلاة بكل لفظ يقصد به تعظيم الله تعالى 1958 - قال أبو حنيفة ومحمد: يجوز الدخول في الصلاة بكل لفظ يقصد به تعظيم الله تعالى. 1959 - وقال أبو يوسف: لا يجوز إلا بالتكبير. 1960 - وقال الشافعي: لا يجوز إلا بقوله: الله أكبر أو: الأكبر. 1961 - لنا: قوله تعالى: {وذكر اسم ربه فصلى} فجعله مصليًا عقيب ذكر اسم الله، ولم يفصل بين اسم دون اسم، ولم يشرط فيه صفة مع الاسم. 1962 - ولا يقال: هذا إخبار عما في الصحف الأولى؛ لأن ما فيها لازم لنا إلا أن يدل دلالة على نسخة. 1963 - قالوا: ظاهر الآية يقتضي أن الصلاة تقع بعد الاسم، فهذا يدل على أن المراد به غير التكبير. 1964 - قلنا: الفاء تقتضي تعلق ما بعدها بما قبلها، والاسم الذي تتعلق الصلاة به هو التحريمة، ومن حكمها أن تتقدم على الصلاة عندنا. ولأنه ذكر اسم الله على طريق التعظيم المحض فكان داخلًا في الصلاة،

أصله: إذا قال: (الله أكبر). 1965 - قالوا: يبطل بقوله: (اللهم). 1966 - قلنا: يدخل به في الصلاة. 1967 - قالوا: يبطل بقوله: (مالك يوم الحساب). 1968 - قلنا: يدخل به. 1969 - قالوا: يبطل بقوله: (اللهم اغفر لي). 1970 - قلنا: ليس بتعظيم محض، وإنما هو مسألة ودعاء. 1971 - قالوا: المعنى في الأصل أن (أكبر) يقتضي التعظيم والِقدَم، وهذا لا يوجد في غير (أكبر). 1972 - قلنا: هذا غير مسلم؛ لأن (أكبر) يفيد التعظيم ولا يفيد القدم، وإنما يقال: أكبر من الحوادث ويراد به التقدم في الزمان، والله تعالى عن ذلك، ولأن وصفه بأكبر كوصفه بكبير، ولا فرق بينهما؛ ألا ترى أن (أفعل) إذا لم يحمل على معنى (فعيل) اقتضى المشاركة؟ ولا يصح أن يقال: الله أكبر من غيره بمعنى المشاركة في الكبر؛ ألا ترى أنه لو صح ذلك لجاز أن يقال: إن غيره أصغر، وهذا لا يصح في صفاته؟ ولو سلمنا ما قالوه لم يصح؛ لأنه لو قال: (الرحمن أكبر) لم يجز عندهم وإن كان قد أتى بالاسم والصفة المتضمنة للقدم والتعظيم. ولو قال: (الله الكبير القديم) لم يجز عندهم، وإن أتى بالمعنيين جميعًا، والمدح لا يختلف أن يحصل بلفظ أو لفظين. 1973 - ولأنه لفظ يجب اعتباره لحق الله، فلا يختص بعبارة بعينها، كالشهادتين. ولأن الشهادة آكد؛ ألا ترى أنها شرط في جميع العبادات ويتعلق بها حق الدم، فإذا لم تختص بعبارة فالتكبير أولى. ولا يلزم الشهادة بالحقوق؛ لأنه لا تختص؛ ألا

ترى أنها تجوز بالفارسية؟ 1974 - ولأن المقصود منها حق الآدمي. ولا يلزم اللعان؛ لأنه ثبت لحق الله تعالى وحق الآدمي، ثم لا يختص بعبارة؛ لأنه يجوز بالفارسية، وقد التزم بعضهم الشهادتين فقال: لا يجوز بعبارة غير لا إله إلا الله، ومتى قال غيرها لم يكن مسلما، وهذا غلط؛ لأنه لو اعتقد معناها صار مسلما، واختلاف العبارة لا يكون أقل من الاعتقاد المجرد من غير عبارة. 1975 - ويدل عليه قوله تعالى: {قولوا آمنا بالله} وهذا يقتضي وجوب هذا القول دون غيره. ولا يلزم على ما قلناه الأذان؛ لأنه لا يختص بعبارة، ولو أذن بالفارسية والإعلام يقع به جاز. 1976 - ولأنه ذكر يقع في ابتداء العبادة ويتكرر في أثنائها فجاز بغير لفظ التكبير، كالتلبية. ولأنه ذكر جعل شرطًا في صحة الصلاة، فلا يختص بعبارة بعينها، كالخطبة. 1977 - قالوا: الخطبة أضعف من التكبيرة؛ لأنها لم تشرط في كل الصلوات. 1978 - قلنا: الأذان لم يشرط في شيء من الصلوات، وإن اختص بلفظ بعينه عندكم. 1979 - قالوا: الخطبة شرط تتقدم على الصلاة، كستر العورة، والتحريمة لا تتقدم، فهي كالركوع. 1980 - قلنا: التحريمة متقدمة على الصلاة عندنا، ويبطل هذا الفرق بالأذان؛ لأنه متقدم ويتعين عندهم. ولأن ما جاز أن يذكر في التسمية على الذبيحة جاز أن

يدخل به في الصلاة، أصله: الله أكبر. 1981 - قالوا: المعنى فيه أنه يجوز أن يفتتح به الأذان. 1982 - قلنا: لو افتتح الأذان بالله أَجَل والإعلام يقع جاز عندنا، ولأن (الرحمن) اسم من أسماء الله تعالى فجاز أن يدخل به في الصلاة مع القدرة على غيره، كقوله: الله. 1983 - احتجوا: بقوله - عليه السلام -: ((مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير)). فاقتضى أن لا تحريم لها غيره، كما قيل: مال زيد الإبل، اقتضى أن لا مال له سواه، ولأن تخصيص التكبير يقتضي مشاركة غيره له وإلا بطل فائدة التخصيص. 1984 - والجواب: أن هذا الخبر يقتضي جواز الدخول بقوله: الله أكبر، وهذا ضد قولهم. ولا معنى لما قالوا: إنه لا يسمى مكبرًا؛ لأن هذا خلاف اللغة، ولا فرق فيها بين الكبير وأكبر في أنه تكبير. ولأن التكبير مصدر فيقتضي إيجاب كل ما فيه معناه، فإذا أتى بما يفيد معنى التكبير فقد فعل المأمور -وإن لم يلفظ بالتكبير-. وقوله: (أعظم) فيه معنى التكبير، فتضمنه الخبر. 1985 - قالوا: التعظيم -وإن كان فيه معنى التكبير- فلا يقال: (كبّر) إلا لمن قال: الله أكبر. ويقال: (هلَّل) لمن أتى بلفظ التهليل، و (حمد) لمن قال: الحمد لله، ولا يستعمل بعضها فيما لا يتناوله اللفظ. 1986 - قلنا: هذا يختص من طريق العرف، فأما في الحقيقة فالمعتبر المعنى؛ ألا ترى إلى قوله تعالى: {فتحرير رقبة مؤمنة} وإن كان التحرير مصدرًا، فإذا أتى بما يفيد العتق جاز -وإن لم يعبر عنه بلفظ التحرير-، كقوله: أعتقت. ويبين أن التكبير والتعظيم واحد قوله تعالى: {فلما رأينه أكبرنه}

يعني عَظَّمنه، وروي أنه لما نزل قوله تعالى: {وربك فكبر} قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا إله إلا الله)) فدل على أنه فعل موجب الأمر. 1987 - ولا يقال: إن في الآية {قم فأنذر} والإنذار يقع بلا إله إلا الله، فهذا امتثال للإنذار لا للتكبير؛ وذلك لأنه أمره أن ينذر الناس، وذلك لا يقع بقوله، وإنما يقع بدعائهم إلى التهليل، فأما أن يفعل التكبير فالظاهر أن هذا الامتثال للأمر الثاني. 1988 - قالوا: روى رفاعة بن رافع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه)) إلى أن قال: يقول: ((الله أكبر)). 1989 - والجواب: أن هذا الخبر المشهور فيه ((ثم يكبر)) فإن كان أصل الخبر المشهور فلا دلالة فيه؛ لأن التكبير موجود في التعظيم؛ ألا ترى أنه يقال: عظيم القوم وكبيرهم بمعنى واحد؟ 1990 - ولا يجوز أن يكون أصله الخبر ما ذكروه؛ لأنه أخص، فالأشبه أنه نقل الراوي لبعض ما سمعه. ثم لا دلالة فيه؛ لأنه قال في الخبر: ((وما نقصته فإنما تنقصه من صلاتك))، وظاهر هذا يقتضي أنه إذا نقص أكبر واقتصر على الاسم جازت صلاته. 1991 - قالوا: روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((صلوا كما رأيتموني أصلي))،

وروت عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفتتح صلاته بالتكبير. 1992 - والجواب: أن أنسًا روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفتتح الصلاة بلا إله إلا الله، فتعارضت الأخبار. ولا دلالة فيما قالوه؛ لأن قوله: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) يقتضي وجوب الإتباع في الفعل على الجهة التي فعلها، فمتى لم يعرف الوجه الذي فعله هل واجب أم لا لم يلزمه الاتباع. 1993 - قالوا: روي عن ابن مسعود. 1994 - وقد قال إبراهيم والشعبي مثل قولنا، وهم أخذوا عن أصحاب ابن مسعود. ثم لا يمكن دعوى الإجماع؛ لأنه روي عن زيد وغيره أن من ترك تكبيرة الافتتاح أجزأته تكبيرة الركوع، فإذا لم يرها واجبة فكيف يدعى الإجماع على وجوب شيء معين. 1995 - قالوا: افتتح الصلاة بغير لفظ التكبير مع القدرة فلم ينعقد صلاته، كقوله: اللهم اغفر لي. 1996 - قلنا: قولكم بغير لفظ التكبير: فإن أردتم ما فيه لفظ التكبير فذلك موجود في التكبير، ولا يجوز عندكم، وإن أردتم لفظة: أكبر، فلذلك غير موجود في قوله: الأكبر، وإن جاز الدخول به عندكم. 1997 - قالوا: الأكبر فيه أكبر على جهة قدرته فيه حرف زائد

فالانعقاد عندنا بأكبر دون الزيادة المنضمة إليه، كما لو قال: أكبر من غيره وأكبر كبيرًا. 1998 - قلنا: هذا غلط بَيِّن؛ لأن الأكبر اسم غير أكبر، ومعناه مخالف لمعناه. قال أهل اللغة: تصح الإضافة في أكبر فيقول: أكبر من كذا، ولا تصح في الأكبر. وأكبر ليس له تأنيث من لفظه، والأكبر يقع في التأنيث. وأجمعوا على أن من جمع في القافية بين الأكبر وأكبر جاز، ولم يكن إيطاء؛ قالوا: لأن أكبر نكرة، والأكبر معرفة، فلم يصح دعواهم أنها لفظ واحد. ثم المعنى في الأصل: أنه لفظ لم يقصد به التعظيم، وإنما قصد به المسألة والطلب، وليس الاعتبار عندنا باللفظ المعظم حتى يقصد به التعظيم. 1999 - قالوا: كلمة لا يصح افتتاح الأذان بها، فلا يصح افتتاح الصلاة بها، كقوله: مالك يوم الحساب. 2000 - قلنا: الوصف غير مسلم؛ لأنه لو قال في الأذان: الله أجل والإعلام يقع به جاز. 2001 - قالوا: وقول: لا يصح افتتاح الأذان بها بكل حال. 2002 - قلنا: إذا لم يقع الإعلام فالمقصود ذكر الله تعالى على وجه يقع الإعلام به ولم يوجد، وفي مسألتنا: المقصود ذكر الله تعالى على طريق التعظيم وقد وجد. والأصل غير مسلم؛ لأنه يجوز افتتاح الصلاة به. 2003 - قالوا: عبادة صح افتتاحها بالتكبير فلم يصح بغيره مع القدرة، كالأذان. 2004 - قلنا: إن كان الإعلام يقع بغيره صح، وإن لم يقع فلأن المقصود لم يوجد، ولأن الأذان ليس بواجب، والتكبير فيه إنما يصح على طريق السنة -وكذلك نقول في الصلاة على إحدى الروايتين: إن السنة أن يفتتح بالتكبير دون غيره، فإذا

تركه كان تاركًا للسنة -وكذلك نقول في الأذان، فلا فرق بينهما. وقد حكوا عنا أن من قال: بالله، لم يكن داخلا في الصلاة، وهذا غلط إذا قلنا: إن الدخول يقع بالاسم، كان قوله: بالله إنما يجوز إذا ضم إليه المسألة.

مسألة 105 يجوز التكبير بالفارسية كالعربية

مسألة 105 يجوز التكبير بالفارسية كالعربية 2005 - قال أبو حنيفة: يجوز التكبير بالفارسية، كالعربية. 2006 - وقال الشافعي: لا يجوز. 2007 - لنا قوله تعالى: {وذكر اسم ربه فصلى}، ولم يفصل، ولأنه ذكر يقصد به تعظيم الله تعالى فصار كالعربية، ولأنه ذكر واجب فجاز بالفارسية مع القدرة على العربية، كإظهار الإسلام. ولأنه ذكر مشروع في ابتداء عبادة فلا يختص بالعربية، كالتلبية. 2008 - احتجوا: بقوله - عليه السلام -: ((تحريمها التكبير)). 2009 - والجواب: أن هذا الخبر رواه عبد الله بن محمد بن عقيل، وهو ضعيف الحديث. ولأن التكبير بالفارسية يسمى تكبيرًا. 2010 - قالوا: روي في حديث رفاعة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ثم يقول: الله أكبر)).

2011 - قلنا: قد بينا أن أصل الخبر: ثم يكبر وهذا عام في كل لغة. 2012 - قلنا: لا يكبر بالعربية مع القدرة، فصار كما لم يذكر. 2013 - قلنا: اعتبار من فعل الذكر الذي يقصد به التعظيم كمن لم يذكر فاسد؛ بدلالة أن العاجز عن العربية لو كبر بالفارسية جاز ولو دخل في الصلاة من غير ذكر لم يجز، ثم لم يعتبر أحدهما بالآخر.

مسألة 106 هل تكبيرة الإحرام من الصلاة؟

مسألة 106 هل تكبيرة الإحرام من الصلاة؟ 2014 - كان أبو الحسن يقول: إن التحريمة ليست من الصلاة، إنما يتعقبها الصلاة. 2015 - وقال الشافعي: هي منها. 2016 - لنا: قوله تعالى: {وذكر اسم ربه فصلى}، فجعله مصليا عقب الذكر، فهذا يدل على أن الصلاة بعد التكبيرة. ولا يحمل الذكر على الإقامة؛ لأن الفاء تقتضي تعلق ما بعدها بما قبلها، وأفعال الصلاة تتعلق بالتحريمة، ولا تتعلق بالإقامة. 2017 - ويدل عليه: قوله عليه السلام: ((تحريمها التكبير)) فجعله تحريما لجميعها، فهذا يدل على أنه ليس منها. ولا يقال: إن الشيء قد يضاف إلى غيره وقد يضاف إلى بعضه كما يقال: رأس زيد، فلا يمتنع إضافة التحريمة إلى الصلاة وإن كانت منها؛ لأن الحقيقة أن المضاف غير المضاف إليه، وما سوى ذلك معدول عن ظاهره، فلا يقاس عليه. ولأنه ذكر لا يتقدمه جزء من أجزاء الصلاة، فلم يكن منها، كالإقامة والخطبة، ولا يلزم إذا قال: الله أكبر كبيرا أن كبيرا لم يتقدمه جزء وهو في الصلاة؛ لأن ما بين الفراغ من الجزء الأول والانتقال إلى الثاني يوجد جزء من الصلاة تنعقد فيه الصلاة، فسبق ذلك قوله: كبيرًا. 2018 - قالوا: الإقامة والخطبة لا يشترط فيها ما شرط في الصلاة، والتكبير' شرط فيها ما شرط في الصلاة. 2019 - قلنا: تساوي الشيئين في شروطهما لا يقتضي أن يكون أحدهما من

الآخر؛ ألا ترى أن الصلاتين تستوي شروطهما وإن كانت كل واحدة منهما غير الأخرى، وسجد التلاوة والصلاة يستويان في الشرائط وليس أحدهما من الآخر في شيء. ولأن أفعال الصلاة مرتبة على التحريمة وواجبة بها فحلت محل المنذور، فكما أن المنذر ليس من الصلاة كذلك التحريمة. 2020 - ولأنه لا يدخل بابتداء التحريمة أو بالفراغ منها، أو يكون الدخول مراعى، فإذا تم التكبير صح من ابتدائه. 2021 - ولا يجوز الوجه الأول؛ لأنه يقتضي الدخول فيها بغير تكبير، والوجه الثاني قولنا. ولا يجوز أن يكون مراعى؛ لأن ما وقع غير صلاة لا ينقلب فيصير صلاة. 2022 - قالوا: يلزمكم هذا بعينه في السلام؛ لأنه ليس من الصلاة. فإن قلتم خرج بأوله فقد خرج بغير ذكر، وإن قلتم بالفراغ منه حصل في الصلاة. 2023 - قلنا: نقول في الخروج: إنه مراعى، فإذا تم السلام صح الخروج من ابتدائه، ويجوز أن يكون الشيء صلاة ثم ينقلب فيخرج من أن يكون صلاة، ولا يجوز أن يكون غير صلاة ثم يصير صلاة. 2024 - قالوا: هذا غير ممتنع؛ ألا ترى أن من نوى الصوم قبل الزوال كان صائما لجميع اليوم وما قبل النية لم يكن صوما وانقلب بالنية فصار صوما. 2025 - قلنا: الصوم يقوم ما ليس من جنسه مقامه، فجاز أن يكون الإمساك غير صوم ثم يصير صوما، وليس كذلك الصلاة؛ لأنه لا يقوم مقامها غير جنسها، فلم يجز ن يقع الفعل مراعى ثم ينقلب إليها. ولأن من أصبح في رمضان ولم ينو فهو صائم عندنا؛ لأن النية لا يعتبر مقارنتها، ومن شرط هذا الصوم وجود النية قبل الزوال، فإذا وجدت فالصوم لم يتغير عما وقع عليه، وإن لم يوجد بطل ما تقدم من الصوم لفقد شرطه، كما يبطل بالأكل. 2026 - احتجوا: بقوله - عليه السلام -: ((إن صلاتنا لا يصلح فيها شيء من كلام

الآدميين، إنما هو تسبيح)). 2027 - قلنا: هذا يدل على أن التكبير يقع في الصلاة، ولا يدل على أن تكبيره صلاة. 2028 - قالوا: لأنه ذكرٌ من شرط صحة كل صلاة فوجب أن يكون منها، كالقراءة. 2029 - قلنا: كون الشيء شرطا في العبادة لا يدل أنه منها؛ ألا ترى أن الطهارة، والستر، والاستقبال، والخطبة شرائط ليست من الصلاة، والمعنى في القراءة أنها شرط مقدّمة آخر الصلاة فكان منها، والتحريمة لما لم يتقدمها جزء لم يكن منها. 2030 - قالوا: التحريمة تفتقر إلى ما تفتقر إليه كل صلاة من الطهارة والستر والاستقبال فكانت منها. 2031 - قلنا: قد بينا أن تساوي الشيئين في الشرائط يقتضي التماثل، فأما أن يقتضي كونها شيئًا واحدًا فلا. ولأن الجزء الذي يبتدئ فيه التكبير يفتقر إلى هذه الشرائط إن لم يكن من الصلاة. 2032 - ولا يقال: إنه لا يفتقر إلى النية؛ لأن النية إذا لم يجز تأخيرها لا بد أن يتقدم جزء منها؛ لاستحالة أن يكون ابتدأها مع الهمزة. 2033 - وقد قال أصحابنا: إن هذه الشرائط لا تعتبر في التحريمة لنفسها، ولكن للجزء الذي يتعقبها من الصلاة. 2034 - قالوا: لو كان كذلك لجاز أن يبتدئ الافتتاح منحرفا عن القبلة ثم يحصل الاستقبال قبل استكمال التكبير. 2035 - قلنا: إذا شرط الاستقبال في التكبير للجزء الذي بعده وجب أن يستقبل من ابتدائه؛ لأنه لا ينحصر آخر التكبير حتى يستقبل في بعضها دون بعض؛ فاعتبر في جميعها.

مسألة 107 حد تكبيرة الإحرام

مسألة 107 حد تكبيرة الإحرام 2036 - قال أصحابنا: يرفع يديه في التكبيرة الأولى حتى يحاذي بإبهامه أذنيه. 2037 - وقال الشافعي: إلى منكبيه. 2038 - لنا: ما رواه عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه حتى يحاذي بأذنيه وذكر أبو الحسن بإسناده عن ميمونة بنت حجر ابن عبد الله قالت: سمعت عمتي كبشة بنت عبد الجبار بن وائل عن أبيها وعن علقمة عمها عن وائل بن حجر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا وائل بن حجر، إذا صليت فاجعل يديك حذاء أذنيك)). وعن أبي مسعود الأنصاري قال: ألا أخبركم عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: فكبر ورفع يديه حتى حاذتا أذنيه. وعن مالك بن الحويرث قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - رفع يديه حتى

حاذى بهما فروع أذنيه. 2039 - وروى أبو إسحاق عن البراء قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين افتتح الصلاة رفع يديه حتى حاذت إبهاماه فروع أذنيه، وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه حذاء أذنيه. 2040 - ومن أصحابنا من روى عن أنس، وعن ابن بريدة عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رفع يديه إلى أذنيه. ولأن ما تعلق بافتتاح الصلاة فالأظهر منه أولى من الأخفى، كالجهر بالتكبير. 2041 - ولا يلزم مجاوزة الأذن؛ لأن الأولى تدخل بين الجائزين ومجاوزة الأذن لا يجوز بالاتفاق. ولأن كل موضع سن تقديم اليد إلى أعالي بدنه في الصلاة فإنه يحاذي بهما أذنيه، كالوضع عند السجود، فإن نازعوا فيه دللنا عليه بحديث البراء ووائل بن حجر: قالوا: وضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجهه في السجود بين كفيه. 2042 - احتجوا: بحديث ابن عمر قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى تحاذي منكبيه، وروى أبو حميد الساعدي بحضرة

عشرة من الصحابة فصدقوه، وذكر إلى المنكبين. 2043 - والجواب: أنه يحتمل حال العذر؛ فقد بين ذلك وائل بن حجر فقال: قدمت عليهم في العام الثاني فوجدتهم يرفعون أيديهم في الأكسية من البرد. 2044 - قالوا: خبرنا أكثر رواة؛ لأن أبا حميد رواه بحضرة عشرة. 2045 - قلنا: روي في قصة حميد مثل قولنا، فلم يبق لهم إلا ابن عمر، وما ذكرناه من الرواة أكثر، فالزائد أولى. 2046 - قالوا: نستعمل الخبرين فنقول: رفع يديه حذاء منكبيه، فصار أطراف الأصابع بحذاء شحمة الأذن. 2047 - قلنا: قوله: حتى يحاذي يديه أذنيه يقتضي المحاذاة بهما أو بأكثرهما. ثم إنا نستعمل خبرهم على نحو هذا فنقول: إن اليد اسم لجميع العضو، وقوله: حاذى بيديه منكبيه يعني الركوع. 2048 - قالوا: رفع اليد على المنكب زيادة على ما جرت به العادة في الرفع فلم يكن مسنونا، كمجاوزة الأذنين. 2049 - قلنا: لا عادة في رفع اليدين إلى المنكب حتى نعتبره بمجاوزتها. ولأن الواجب الفرق بين أفعال الصلاة وما يعتاد في غيرها، ولأن ما ذكرناه أشق فكان أولى.

مسألة 108 وضع اليدين في الصلاة

مسألة 108 وضع اليدين في الصلاة 2050 - قال أصحابنا: يأخذ يساره بيمينه فيجعلهما تحت سرته. 2051 - وقال الشافعي: عند صدره. 2052 - لنا: ما رواه أبو جحيفة عن علي قال: من السنة وضع اليمين على اليسار تحت السرة. وروى أبو وائل عن أبي هريرة قال: من السنة أن يضع الرجل يده اليمنى تحت السرة في الصلاة. ولأنه وضع ليديه على يديه في صلاته فكان الأيسر أولى من الأشق، كوضعهما على الركبتين في الركوع، ولأن وضعهما تحت السرة أقرب إلى حفظ الإزار فيجمع بين الوضع والستر، فكان أولى. 2053 - احتجوا: بحديث وائل بن حجر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يضع اليمين على اليسار تحت صدره. 2054 - والجواب: أن هذا حكاية فعل وفيه احتمال؛ لأن ما تحت السرة يقال إنه تحت الصدر، فلم يكن الرجوع إليه أولى من قول أبي هريرة.

2055 - قالوا: وروي عن علي مثل قولنا، وهو إمام، فهو أولى. 2056 - قلنا: قد روينا عن علي أنه قد قال ضد قولهم. 2057 - قالوا: ما تحت السرة يجب ستره في الصلاة فلم يكن محلا لوضع اليد حال الانتصاب، كالفخذ. 2058 - قلنا: وجوب الستر يدل على الاستحباب في وضع اليد؛ لأنه أقرب إلى الستر. 2059 - قالوا: وضعها تحت الصدر أشق وأبعد من العادة، فكان أولى. 2060 - قلنا: هذا عادة أهل الكتاب، فمخالفتهم أولى.

مسألة 109 ما يستحب في الاستفتاح

مسألة 109 ما يستحب في الاستفتاح 2061 - قال أبو حنيفة ومحمد: أستحب في الاستفتاح: سبحانك اللهم وبحمدك. 2062 - وقال الشافعي: يفتتح بوجهت وجهي. 2063 - لنا: قوله تعالى: {وسبح بحمد ربك حين تقوم}. وروي عن الضحاك ابن مزاحم أنه قال: حين تقوم إلى الصلاة، فهذا يدل على أن الذكر المتعلق بحال القيام التسبيح. 2064 - ولا يقال: هذا يقتضي ما قبل التكبير؛ لأنه لا ذكر قبل التكبير مسنون، والأمر يجب حمله على المسنون إذا سقط الوجوب. 2065 - ويدل عليه: حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا افتتح الصلاة يرفع يديه حذو منكبيه ويكبر ثم يقول: ((سبحانك اللهم وبحمدك ... إلى آخره)).

2066 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستفتح الصلاة بسبحانك اللهم وبحمدك. وروى أبو الأحوص عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا افتتح الصلاة قال: ((سبحانك اللهم وبحمدك)). ورواه محمد بن المنكدر عن جابر، والأسود عن عمر، وعيسى عن أنس، وعبد الله بن زيد عن أبيه، كلهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 2067 - وروى عمرو بن ميمون قال: صلى بنا عمر الصبح بذي الحليفة وهو يريد مكة، فقال: الله أكبر، سبحانك اللهم وبحمدك. 2068 - وروى الأحمر عن ابن عجلان قال: بلغني أن أبا بكر الصديق كان إذا افتتح الصلاة قال: سبحانك اللهم وبحمدك. وروى الحرث بن سويد عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال: إن من أحب الكلمة إلى الله أن يقول الرجل: سبحانك اللهم وبحمدك. ولأنه ركن يكون مدركه مدركا للركعة فجاز أن يتضمن التسبيح، كالركوع. ولأنه ركن من أركان الصلاة فلم يسن فيه صفة حاله، كالركوع والسجود.

2069 - أو نقول: فوجب أن لا يكون من سنته ذكر التوجه. 2070 - احتجوا: بحديث علي قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة كبر، ثم قال: وجهت وجهي. وروى أبو هريرة نحوه. 2071 - والجواب: في حديث علي: وكان إذا ركع قال: اللهم لك ركعت، وإذا سجد، قال: اللهم لك سجدت، فهذا يدل على أنه كان قبل أن يسن التسبيح في الأركان. وقد روى عبد الله بن أبي الخليل عن علي قال: سمعته يقول حين كبر في الصلاة: ((لا إله إلا أنت سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي ذنوبي؛ إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)). وعدوله عن العمل بما رواه، يدل على أنه عرف نسخه. ولأن خبرنا أكثر رواة فكان أولى، ولأن الأئمة عملوا به. 2072 - قالوا: خبرنا زائد. 2073 - قلنا: الزائد يعتبر في جنس واحد، وكل واحد من الخبرين يتضمن جنسًا آخر، فأما قوله: فيه آيات من القرآن، قلنا: الأذكار المسنونة الأفضل فيها من غير القرءان، كالتشهد وتسبيح الركوع. 2074 - قالوا: هذا أليق بالحال. 2075 - قلنا: قد نسخ نظيره، وهو قوله: لك ركعت ولك سجدت. 2076 - قالوا: التسبيح في الركوع والسجود، فكان ذكرٌ غيره في القيام أولى.

2077 - قلنا: ثبوته في بعض الأركان دليل على ثبوته في غيرها، ويجاب عن خبرهم بأن يقال: يحتمل أن يكون في صلاة نافلة. وقد روي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفتتح في صلاة الليل بغير ما يفتتح في الفرائض. 2078 - قالوا: ذكر يؤتى به حال الانتصاب فكان القرآن أولى به من التسبيح، كما بعد الافتتاح. 2079 - قلنا: لا يمتنع أن يفعل في حال الانتصاب ما ليس بقرآن، كتكبيرة العيد والقنوت. ولأن هذا الذكر لا يفعل على طريق القراءة، وما يذكر لا على طريق القراءة ليس يشبه ألفاظ القرآن. 2080 - قالوا: ركعة من الصلاة فلم يسن افتتاحها بالتسبيح، كالثانية. 2081 - قلنا: نعكس فنقول: فلا يفتتح بالتوجه، كالثانية. 2082 - قالوا: ذكر شرع من جنسه في غير القيام، فلم يشرع من جنسه في القيام في عموم الصلوات، كالتشهد. 2083 - قلنا: يبطل بالتكبير، والمعنى في التشهد: أنه يختص بالقعدة فلم يسن في حال القيام، والتسبيح من أذكار الصلاة لا يختص بالقعدة، فجاز أن يفعل في حال القيام، كالتكبيرة.

مسألة 110 الواجب في القراءة

مسألة 110 الواجب في القراءة 2084 - قال أبو حنيفة: الواجب من القراءة ما يتناوله الاسم. 2085 - وقال الشافعي: الواجب فاتحة الكتاب. 2086 - لنا: قوله تعالى: {فاقرءوا ما تيسر من القرءان}، وهذا غاية ما يقال في إسقاط التعيين، يقول القائل: افعل ما تيسر. 2087 - ولا يقال: إن المراد بالآية الصلاة؛ لأن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فرض الله قيام نصف الليل ثم خفف عنهم، ونسخ بقوله: {فاقرءوا ما تيسر من القرءان}. 2088 - قالوا: ويدل على ذلك سياق الآية؛ لأنه قال: {قم الليل إلا قليلا * نصفه}، ثم قال: {علم أن يكون منم مرضى}. فلما قال: {فاقرءوا ما تيسر}

علم أن المراد به: صلوا ما تيسر؛ وذلك لأن حقيقة قوله: {فاقرءوا} الأمر بفعل القرءان، وحمله على الصلاة مجاز، فلا يصار إليه إلا بدليل، ولا دليل لهم في قول ابن عباس؛ لأنه يجوز أن يكون أمر بتخفيف القراءة، فصار الأمر بذلك تخفيفا للصلاة، فيكون النسخ والمعنى. 2089 - قالوا: الذي تيسر هو الفاتحة في العادة. 2090 - قلنا: من تيسرت عليه الفاتحة فما دونها أيسر، وظاهر الآية يقتضي وجوب كل ما تيسر. 2091 - فلو قلنا: إن من ترك تشديد حرف من الفاتحة لم تجز صلاته، فلم يكن تيسيرا. ولأن الآية لا يجوز أن يراد بها الفاتحة؛ لأنها نزلت بمكة، والفاتحة بالمدينة، فكيف يجوز أن يراد بها؟ 2092 - ويدل عليه: ما رواه رفاعة بن رافع، وأبو هريرة في قصة الذي صلى في المسجد فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ارجع فصل فإنك لم تصل ... إلى أن قال: ثم اقرأ ما تيسر معك من القرءان)). وهذا في حال البيان، فلو كانت الفاتحة واجبة لذكرها. 2093 - ولا يقال قد روي في الخبر أنه قال: ((ثم اقرأ بفاتحة الكتاب))؛ لأن هذا لا يعرف، والمشهور ما بيناه. وقد طرق الخبر ابن شجاع وأبو الحسن على ما ذكرناه. ولو ثبت لم يكن فيه دلالة؛ لجواز أن يكون ذكر الأمرين فبين بأحدهما: الوجوب وبالآخر: المسنون. 2094 - ويدل عليه ما رواه أبو عثمان النهدي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله

- صلى الله عليه وسلم -: ((أخرج فناد في المدينة: إنه لا صلاة إلا بقراءة، ولو بفاتحة الكتاب، فما زاد)). وهذا ينفي التعيين، ذكره أبو داود. 2095 - قالوا: قد روي في الخبر: ((لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب فيما زاد)). 2096 - قلنا: الخبر واحد، والزائد أولى، ويجوز أن يكون يبين الأمرين: الواجب والمسنون. 2097 - قالوا: المراد بالخبر الأمر بتكثير القراءة أو الاقتصار على الأدنى، وهو فاتحة الكتاب، كما يقال: أقم البينة ولو رجل وامرأتين. 2098 - قلنا: ظاهر قوله: ولو بكذا الخيير بينه وبين غيره، وما سواه عدول عن الظاهر، فلا يصار إليه إلا بدليل؛ ولأنه ذكر جعل شرطًا في صحة الصلاة فلم يتعين، كالتكبير والخطبة. 2099 - قالوا: التكبير يتعين عندنا؛ لأنه لا يجوز إلا بالله أكبر فإذا قال: الأكبر انعقدت الصلاة ببعضه. 2100 - قلنا: قد بينا فيما سلف أن كل واحدة من اللفظتين غير الأخرى، وقد جوز الشافعي بكل واحدة منهما. 2101 - قالوا: الخطبة غير متكررة في الصلاة فلم تتعين، والقراءة ذكر متكرر فيها فتتعين. 2102 - قلنا: علة الأصل تبطل بالتعوذ والاستفتاح، فإنه غير متكرر ويتعين في

باب المسنون، وعلة الفرع تبطل بالتسبيحات؛ لأنها تتكرر في الصلاة ولا تتعين عندهم؛ لأنه يجوز أن يقول: لك سجدت، ولك ركعت، ولأنه أتى بما يسمى قرآنًا، فصار كفاتحة الكتاب. 2103 - ولا يقال: إن فاتحة الكتاب تجمع الثناء والحمد والدعاء مع قصرها، وذلك لا يوجد في غيرها؛ لأنه لو قرأ آيات متفرقة فيها هذه المعاني لم يجز عندهم؛ لوجود ما قالوه. ولأن ما ثبت لحرمة القرآن لم يختص بفاتحة الكتاب، كمنع المحدث من مسه، والجنب من قراءته. 2104 - ولا يقال: إن المنع من مسه ليس لحرمة القرآن، لكن لأجل ظَرفه؛ لأن المنع لحرمة القرآن، فتعلقت تلك الحرمة بما كتب فيه. 2105 - احتجوا: بما رواه سفيان بن عيينة عن الزهري، عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصامت، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)). 2106 - والجواب: أن لفظة (لا) مشتركة: يحتمل نفي الجواز، ونفي الكمال، كقوله: ((لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد)). وإذا احتملت الأمرين

حملت على نفي الكمال؛ لأنه متيقن. 2107 - ولا يقال: حمله على نفي الإجزاء يدخل على نفي الكمال؛ لأن العموم يتعين في الألفاظ دون التقدير والإضمار. ولأن قوله: ((لا صلاة)) يقتضي نفي الفعل، وهو موجود، فالمراد غير الظاهر فاحتمل: لا صلاة جائزة ولا صلاة كاملة. ولأنه روي في هذا الخبر أنه قال: ((وآيات معها))، وقد أريد بالنفي فيما زاد على الفاتحة نفي الكمال، فكان هو المراد في الفاتحة؛ لأن اللفظ يتناولهما على وجه واحد. 2108 - قالوا: عندكم أن ترك الفاتحة ليس فيه نفي الكمال. 2109 - قلنا: ليس كذلك؛ لأن الأفضل عندنا قراءة الفاتحة. 2110 - قالوا: روي في هذا الخبر أنه: ((لا تجزئ صلاة لا يقرأ الرجل فيها بفاتحة الكتاب))، وهذا مفسر لا يحتمل. 2111 - قلنا: هذا الخبر رواه الأئمة عن سفيان بن عيينة باللفظ الأول، وذكره البخاري في الصحيح، وكذلك رواه الشافعي. وإنما تفرد بهذا اللفظ زياد بن أيوب، راويه عن سفيان، والرجوع إلى رواية الأئمة أولى مما تفرد به واحد. 2112 - وقول الدارقطني: هذا الإسناد صحيح رجع إلى أصل الرواة للخبر؛ لأنه ساق حديثهم في حديث واحد، ولو ثبت لم يدل على أن الإجزاء هو الكفاية، فكأنه قال: لا تكفي صلاة، وعندنا أن الكفاية تقع بالمسنون والمفروض، فأما الاقتصار على المفروض فليس بكاف. 2113 - قالوا: روى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((كل صلاة لم يقرأ فيها بأم

الكتاب فهي خداج)). 2114 - قلنا: الخداج: الناقص. وعندنا أن من ترك الفاتحة فصلاته ناقصة، فقد قلنا بالظاهر. 2115 - قالوا: الخداج نقصان عضو من أصل الخلقة، يقال: أخدجت الناقة إذا وضعت ولدها على هذه الصورة، فاقتضى أن تكون الصلاة نقصت ركنا من أصلها. 2116 - قلنا: قال أبو عبيد: أخدجت الناقة إذا ولدت ولدا ناقص الخلقة، وخدجت إذا وضعته لأقل من مدة الحمل. فلو كان المراد ما قالوه لقال: فهي إخداج. ولأن هذه أخبار آحاد، فلو حملت على الوجوب لنسخت الآية، وما دل عليه ظاهر القرآن لا ينسخ بأخبار الآحاد. 2117 - قالوا: قوله: {فاقرءوا ما تيسر} مجمل؛ لأنه يختلف ما تيسر، فهذه الأخبار بيان. 2118 - قلنا: ليس مجملا وإن اختلف ما تيسر؛ لأن اللفظ يحمل على أدناه. 2119 - قالوا: روي مثل قولنا عن عمر، وابن عباس، وخوات بن جبير وعثمان ابن أبي العاص، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، ولا مخالف لهم.

2120 - قلنا: ذكر ابن شجاع عن خالد الحذاء عن عبد الله بن الحارث قال: جلست إلى رهط من أصحاب محمد من الأنصار، فذكروا الصلاة فقالوا: لا صلاة إلا بقراءة ولو بأم الكتاب، قال خالد: قلت لعبد الله: هل سمي منهم أحدا، قال: خوات بن جبير وذكر. عن أبي العالية البراء قال: قلت لابن عمر: في كل ركعة تقرأ؟، فقال: إني لأستحيي من رب البيت أن لا أقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وما تيسر. وسألت ابن عباس، فقال: هو إمامك: إن شئت فأقل منه، وإن شئت فأكثر. 2121 - قالوا: ركن من أركان الصلاة، فوجب أن يكون معنيا، كالركوع والسجود. 2122 - قلنا: نحن نسلم لأنه لا فرق بينهما، يجوز في كل واحد منهما ما يتناوله الاسم وإن كان فرضه. وقولهم: إنا نريد بالتعيين أن عين الانحناء لا يقوم مقام الركوع لا يصح؛ لأن هذا يفيد تعيين جنسه، فنقول بموجبه في القراءة؛ لأن جنسها يتعين والخلاف في القدر. 2123 - قالوا: صلاة واجبة عريت عن فاتحة الكتاب مع القدرة، فوجب أن لا يعتد بها، كما لو لم يقرأ أصلًا. 2124 - قلنا: يبطل بمن أدرك إمامه راكعًا، فالركعة صلاة عريت عن فاتحة الكتاب مع القدرة. 2125 - قالوا إنما سقطت عندنا لأنه مأمور بمتابعة الإمام، فلا يقدر أن يقرأ ويتابع.

2126 - قلنا: القدرة موجودة، وإنما أمر بتقديم غيرها. ولأن الطواف عندهم صلاة واجبة ويجوز مع عدم فاتحة الكتاب. ولأن من لم يأت بشيء من القرآن فقد ترك الركن أصلًا، فصار كمن ترك الركوع، ومن قرأ ما يتناوله الاسم فقد أتى بما يطلق عليه الاسم، فصار كما لو ركع ولم يطول. 2127 - قالوا: الصلاة عبادة لها تحريم وتحليل تشتمل على أركان مختلفة، فوجب أن يكون من جملة أركانها ما له عدد سبع، كالحج. 2128 - قلنا: يبطل بالسجود المنذورة؛ لأنها عبادة ذات أركان لها تحريم وتحليل؛ لأنه يكبر فيها ويسلم وليس في جملة أركانها ما له عدد سبع. ولأن الركن عندنا في الطواف أربعة أشواط وما بعده ليس بركن، فهو كالقراءة التي لا يتقدر عددها بالسبع، وإن كان الإتيان بذلك أفضل.

مسألة 111 البسملة ليست آية من الفاتحة وإنما هي افتتاح لها تبركا

مسألة 111 (بسم الله الرحمن الرحيم) ليست آية من الفاتحة وإنما هي افتتاح لها تبركا 2129 - قال أصحابنا: (بسم الله الرحمن الرحيم) ليست آية من الفاتحة، وإنما هي افتتاح لها تبركا. 2130 - وقال الشافعي: هي آية منها ومن كل سورة، فمن أصحابه من قال: الصحيح أنها منها حكما، ومنهم من قال: هي قرآن على القطع والحقيقة. 2131 - لنا: أن طريق إثبات [القرآن] وضعها لا أصل لها. 2132 - قالوا: روي [عن] علي بن أبي طالب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في السورتين معا. 2133 - قلنا: رواه عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي، عن أبي الطفيل عن علي

وعمار. وعمرو بن شمر وجابر الجعفي: قال الدارقطني: جابر كذاب، وقال البستي: عمرو بن شمر لا يحل حديثه. وعن يحيى بن معين أن عمرو بن شمر ليس بثقة، ولا يكتب حديثه، وروي عن أبي حنيفة أنه قال: ما رأيت أكذب من جابر الجعفي، وقيل: إنه كان يؤمن بالرجعة. 2134 - قالوا: روى نافع عن ابن عمر أنه قال: صليت خلف النبي [- صلى الله عليه وسلم -] وخلف أبي بكر وعمر، فكانوا يجهرون ببسم الله. 2135 - قلنا: رواه محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، عن [ابن] أبي ذئب، عن نافع، عن ابن عمر. ومحمد بن إسماعيل ضعيف، ذكره محمد بن سعد في الطبقات فقال فيه: ليس حديثه بحجة. 2136 - احتجوا: بحديث القاسم بن محمد عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر ببسم الله. 2137 - قلنا: رواه الحكم بن عبد الله بن سعد الأيلي، وهو ممن يروي الموضوعات، وكان ابن المبارك شديد الحمل عليه. قال أبو زرعة: سمعت أحمد يقول: أحاديث الحكم كلها موضوعة [وقال عباس الدوري: سمعت يحيى بن معين

يقول] الحكم بن عبد الله الأيلي ليس بثقة. 2138 - احتجوا: بما روى محمد بن يحيى بن حمزة، قال: حدثني أبي عن أبيه قال: صلى بنا أمير المؤمنين المهدي [صلاة المغرب] فجهر ببسم الله، [فقلت: يا أمير المؤمنين، ما هذا؟ قال: حدثني أبي عن أبيه عن جده عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جهر ببسم الله]. 2139 - قلنا: المهدي صلى بالبصرة في مسجد الجماعة الصلوات كلها أربع سنين فلم ينقل عنه أحد من أهل البصرة الجهر، وكيف يرجع إلى نقل واحد من الثقات ممن انفرد بذلك. وقد ذكر الدارقطني/ هذه الأخبار وغيرها وليس فيها خبر صحيح، ومن العجب أن يسكت عن الكلام على جمعيها مع شهرة الطعن على رواتها على ما قدمناه، ويقابل بذلك حديث [أنس]، وهو في الصحيحين، ثم يروي أحاديث عن ابن عقدة عن مجاهيل الكوفيين وعن ليث: ابن عقدة لا يقبل عند أصحاب الحديث. ثم لو ثبت هذه الأخبار احتملت الجهر بها على طريق التعليم، أو الجهر الذي يسمعه القارئ كما قال ابن مسعود: ما خافت من اسمع نفسه. 2140 - احتجوا: بما روى أنس من صلاة معاوية بالمدينة وإنكار المهاجرين

عليه ترك بسم الله. قالوا: فلولا أن من سننها الجهر لم يعلم أنه تركها. 2141 - والجواب: أن [هذا] الخبر لا يصح الاحتجاج بمثله، لأنه [لو] كان ثابتا بالمدينة لم يختلف على فقهائها وقد قالوا: لا يقرأ بسم الله [في الصلاة] سرا ولا جهرا، حتى أن المسيبي أمر المدينة وكان يجهر بها، فترك مالك الصلاة في المسجد، وكان يسمع الأذان ولا يصلي فيه، وكيف يجوز أن يكون هذا صحيحا ويتشدد فقهاء المدينة في تركها، ثم الذي روي أنه لم يقرأها، وهذا غير موضوع الخلاف. 2142 - وقولهم: لو كان لا يجهر بها لم يعلموا بتركها ليس بصحيح؛ لأنه إذا وصل الجهر بالتكبير والسورة بآمين علم أنه لم يقرأها. 2143 - قالوا: ذكر بين التعوذ والركوع فكان من سنته الجهر، كسائر الآيات. 2144 - قلنا: هذا معارض بمثله، وهو أنه ذكر بين التكبير والحمد لله، فكان من سنته الإخفاء، كالاستفتاح. * * *

مسألة 112 القراءة واجبة في ركعتين من الصلاة بغير أعيانها

مسألة 112 القراءة واجبة في ركعتين من الصلاة بغير أعيانها 2145 - قال أصحابنا: القراءة واجبة في ركعتين من الصلاة بغير أعيانها. 2146 - وقال الشافعي: تجب في جميع الركعات. 2147 - لنا: قوله تعالى: {فاقرءوا ما تيسر من القرءان}، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا صلاة إلا بقراءة). وظاهره يقتضي جواز الصلاة بالقراءة في ركعتين وفي ركعة واحدة لولا الدلالة. ولأنه ذكر من سنته الإخفاء في صلاة يجهر فيها بالقراءة، فلم يكن واجبا، كالتسبيحات. 2148 - قالوا: سقوط الجهر لا يدل على عدم الوجوب، كالقراءة في الظهر. 2149 - قلنا: لم نجعل سقوط الجهر علما على نفي الوجوب، وإنما اعتبرنا سقوط الجهر بصفة، وهي تركه بكل حال. 2150 - قالوا: نعكس فنقول: فوجب أن يستوي حكم الركعتين [الأوليين والأخريين].

2151 - قلنا: لا تأثير لوصفنا في العكس، ويبطل بالتشهد فإنه يستوي عندهم ما حصل في الركعتين وفي الرابعة. ولأن القراءة يستوي عندنا [فيها] الأوليين والأخريين، لأنه في أيها قرأ كان واجبا. ولأنه ذكر واجب فلا يتكرر في الأربع ركعات، كالتكبير. 2152 - قالوا: التكبيرة لا يتكرر وجوبها، فلذلك لم تجب في الأربع، ولما تكرر وجوب القراءة جاز [أن يجب] في الأربع. 2153 - قلنا: لا يمتنع أن يتكرر وجوب القراءة وإن لم يجب في [كل] الركعات، كالمرد في الركوع ولأن وجوب القراءة لو استوي في جميع الركعات تساوت في الهيئة والقدر كركعتي الفجر، فلما خالف الأخريان الأوليين في القدر والصفة دل على مخالفتها في الوجوب. ولأنه ذكر يختص وجوبه بالصلاة فجاز أن يبتدئ [فيه] في المكتوبة مسنونا، كالتكبير. 2154 - احتجوا: بحديث الأعرابي وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما علمه الصلاة وذكر القراءة والركوع والسجود قال: (وكذلك فاصنع في كل ركعة). 2155 - والجواب: أنه قال: (وما نقصته فإنما تنقصه من صلتك) فهذا يدل أنه إذا ترك القراءة في بعض الركعات جازت صلاته مع النقصان، ولأن قوله: (وكذلك فافعل) ينصرف إلى الأفعال دون الأقوال، فلم يتناول القراءة. 2156 - وقولهم: إن القول والفعل إذا اجتمعا تناولهما اسم الفعل دعوى،

والظاهر أن الاسم عند الاجتماع يتناول ما يفيد حال الانفراد. 2157 - قالوا: روى أبو قتادة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الأوليين من الظهر بفاتحة الكتاب وما تيسر، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب. وروى مالك بن الحويرث أنه قال: قال - عليه السلام -: (صلوا كما رأيتموني أصلي). 2158 - قلنا: إن هذا يقتضي وجوب الفعل على الجهة التي فعلها - عليه السلام -، فمتى لم يعلم لم يجز الاقتداء مع المخالفة في الجهة. 2159 - قالوا: ركن يتكرر في الصلاة فوجب أن يتكرر في كل ركعة، كالركوع والسجود. 2160 - قلنا: الركوع والسجود آكد؛ لأن الأصل في الصلاة الأفعال، والأذكار تبع، وليس إذا تكرر الآكد وجب أن يتكرر الأضعف. ولأن الركوع والسجود دلالة لنا؛ لأنه لما وجب في كل ركعة استوت صفته في جميع الركعات، ولما اختلفت صفة القراءة في الركعات دل على أنها لا تستوي في الوجوب. 2161 - قالوا: قيام مقصود في نفسه فوجب أن يكون مضمنا بذكر واجب، كالقيام الأول. 2162 - قلنا: لا نسلم الأصل، لأن القراءة تجب في ركعتين بغير أعيانها. 2163 - وقولهم: إن القراءة تجب عندكم في الأوليين، فإذا تركها فعلها في الأخريين ليس بصحيح، وإنما يستحب تقديمها في الأوليين، فإذا تركها وقعت في الأخريين ليس بصحيح، وإنما يستحب تقديمها في الأوليين، فإذا تركها وقعت في الأخريين موقعها، ولم يكن قضاء عن الأوليين؛ ويطل ما ذكروه بمن أدرك إمامه في الركوع، فالقيام مقصود وليس فيه قراءة واجبة. 2164 - قالوا: القيام ركن ليس بقربة في نفسه، بدلالة أنه أشترك فيه الخالق

والمخلوق، فضمن ذكرا واجبا لتمييز العبادة من العادة. 2165 - قلنا: يبطل هذا على أصلهم بالقيام الذي يفصل بين الركوع والسجود وهو ركن ولا يتضمن ذكرا واجبا، وكذلك القيام الذي يدرك إمامه فيه، ولأن القيام إن كان مضمنا بالذكر ليفصل [به] بين العادة والعبادة فليس يفتقر ذلك إلى ذكر واجب؛ لأن المسنون يقع به الفصل كما يقع بالواجب، ولأن القيام الذي يتعقب التكبير ويتعقبه ركوع ينفصل من قيام العبادة بمفارقة الأركان، فلا يحتاج إلى فصل آخر. 2166 - قالوا: صلاة مفروضة فوجبت القراءة في كل ركعة منها، كالصبح. 2167 - قلنا: نعكس هده العلة فنقول: فلا يجب القراءة في كل ركعة [منها] كالصبح. ولأن القراءة في الصبح دلالة لنا؛ لأن صفة القراءة تتساوى في الركعتين، فتتساويان في الوجوب، ولما اختلفت القراءة في الركعات اختلفت في الوجوب.

مسألة 113 السنة الإخفاء بآمين

مسألة 113 السنة الإخفاء بآمين 2168 - قال أصحابنا: السنة الإخفاء بآمين. 2169 - وقال الشافعي: الجهر. 2170 - لنا: قوله تعالى: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية} وآمين من جملة الدعاء: لأن معناها: اللهم أجب، فيدخل في عموم الآية. وروى أبو موسى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بقوم يرفعون أصواتهم بالدعاء، فقال: (إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، وإن الذي تدعونه أقرب إليكم من حبل الوريد). وروي: (إن الذي تدعونه بينكم وبين رقاب مطاياكم). 2171 - ويدل عليه: ما رواه الأعمش عن أبي صالح قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا قال الإمام: غير المغضوب عليهم ولا الضالين فأنصتوا)، ذكره الدارقطني. 2172 - وروى الحسن عن سمرة بن جندب قال: حفظت سكتتين في الصلاة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: سكتة إذا كبر الإمام [حتى يقرأ]، وسكتة إذا فرغ من فاتحة الكتاب، فأنكر ذلك عمران بن الحصين، فكتبوا إلى المدينة إلى أبي بن كعب،

فصدق سمرة. وروي في الخبر قال: كان رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] إذا قال: (ولا الضالين) سكت سكتة، فهذا يدل [على] أنه كان لا يجهر بآمين. وروى شعبة عن سلمة بن كهيل عن حجر عن علقمة قال: أخبرنا وائل بن حجر قال: صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسمعته حين قال: (ولا الضالين) قال: (آمين) وأخفى بها صوته. 2173 - قالوا: قال البخاري: سها شعبة في هذا الحديث في ثلاثة مواضع فقال: عن حجر بن أبي العنبس، وهو حجر بن عنبس، وقال: عن علقمة عن وائل، وإنما هو وائل، وعنبس منه، وقال: خفض صوته، وإنما هو: مد بها صوته. 2174 - قلنا: هذا ليس بصحيح؛ لأن شعبة ليس ممن يتهم في الحديث، فيجوز أن يكون حجر بن العنبس وأبوه أبو العنبس، وأما ذكر علقمة فيجوز أن يكون سمعه بنزول. وأما حديث من روى في حديث حجر: مد بها صوته لا ينافي رواية شعبة؛ لجواز أن يكون إخفاضا ومد صوته بها. 2175 - ويدل عليه: ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا قال الإمام: ولا الضالين

فقولوا: آمين، فإن الإمام يقولها)، فلو كان يجهر لم يكن لهذا القول معنى. ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ الفاتحة وداوم عليها، فلو كان يجهر بآمين كجهره بآياتها لنقل على وجه واحد، فلما لم ينقل الجهر إلا متعارضا دل على أنه لم يداوم عليه. ولأنه ذكر من غير القرآن يفعل في حال القيام في جميع الصلوات، فكان من سنته الإخفاء، كالاستفتاح. ولأنه ذكر مسنون فلا يكون من سنة الإمام الجهر به، كسائر الأذكار. ولأنه ذكر يفعله المأموم في مقابلة ذكر [يقوله] الإمام، فكان كقوله: ربنا ولك الحمد. 2176 - احتجوا: بحديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا أمن الإمام فأمنوا) فلولا أنهم يسمعون تأمينه ما علق تأمينهم بتأمينه. 2177 - والجواب: أن محل التأمين معلوم، فإذا انتهوا إليه علموا أنه أمن؛ لأن الظاهر أنه لا يترك السنة، فلم يحتاجوا إلى السماع. 2178 - قالوا: روى سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن حجر بن قيس، عن وائل بن حجر قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ: (ولا الضالين) [فقال]: (آمين)، ومد بها صوته. 2179 - قلنا: قد عارضه ما رواه شعبة، فليس الرجوع إلى رواية سفيان بأولى من

رواية شعبة، ولأن مد الصوت لا يدل على الجهر. 2180 - قالوا: إذن تعارض خبر وائل، وقد روى أبو هريرة وابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ما ذكرناه. 2181 - أما [أبو] هريرة، فقد روينا من طريقه مثل قولنا، فتعارضا أيضا، وأما ابن عمر فقد روى حديثه بحر السقاء عن الزهري عن سالم عن ابن عمر، وكذلك روى بحر عن الزهري عن أبي سلمة. قال الدارقطني: بحر السقاء ضعيف. ولأنه يحتمل أن يكون رفع صوته بها في صلاة نافلة، أو على طريق التعليم. 2182 - قالوا: قال [عطاء]: سمعت الأئمة- عبد الله بن الزبير ومن بعده- إذا قالوا: ولا الضالين قالوا/: آمين، ويقولها من في المسجد حتى تسمع في المسجد ضجة. 2183 - قلنا: روى أبو وائل أن عليا وعبد الله كانا لا يجهران بآمين. 2184 - قالوا: ذكر بين التعوذ والركوع، فجاز أن يكون من سنته الجهر، كالقراءة. 2185 - قلنا: المعنى في القراءة أنها ذكر من القرآن، فجاز أن يجهر بها، وآمين ذكر من غير قرآن، يفعل في جميع الصلوات لا على طريق العلامة. 2186 - قالوا: ذكر في أثناء القراءة، فكان من سنته الجهر، كالقراءة. 2187 - قلنا: هذا ليس بصحيح؛ لأنه لا يقال: إن القراءة في أثناء القراءة. ونعكس فنقول: ذكر في أثناء القراءة فلا يجهر به المؤتم كالقراءة.

مسألة 114 لا تجب على المؤتم قراءة ويكره له فعلها

مسألة 114 لا تجب على المؤتم قراءة ويكره له فعلها 2188 - قال أصحابنا: لا تجب على المؤتم قراءة، ويكره له فعلها. 2189 - وقال الشافعي: تجب القراءة عليه. 2190 - لنا: قوله تعالى: {وإذا قرئ القرءان فاستمعوا له وأنصتوا}. 2191 - وري عن ابن عباس - رضي الله عنه - أن نبي الله [- صلى الله عليه وسلم -] قرأ في صلاة مكتوبة، وقرأ أصحابه وراءه فخلطوا عليه، فنزل {وإذا قرئ القرءان فاستمعوا له وأنصتوا}. وعن مجاهد أنها نزلت في الصلاة خلف الإمام، ووجوب الإنصات والاستماع يمنع القراءة. 2192 - ولا يقال: روي أنها نزلت في شأن الخطبة؛ لأنا قد بينا أنها [في] شأن الصلاة، فيجوز أن يكون نزلت فيهما، وروي ذلك عن مجاهد. 2193 - قالوا: عندنا يقرأ في سكتات الإمام، فالاستماع واجب. 2194 - قلنا: لو قرأ مع الإمام جاز عندكم، والآية تنفي هذا. 2195 - ويدل عليه: ما روى زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال:

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إنما جعل الإمام ليؤتم به؛ فإذا قرأ فأنصتوا). قال الطحاوي: قال الأثرم: قلت لأحمد بن حنبل: من يقول عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (وإذا قرأ الإمام فأنصتوا)، فقال: حديث ابن عجلان الليثي يرويه أبو خالد،- يعني حديث أبي هريرة-، قال: والحديث الذي رواه جرير عن التيمي، وقد زعموا أن المعتمر رواه، قلت: نعم فإن رواه المعتمر؟ قال فأي شيء تريد؟ فصحح الحديثين. 2196 - وروى أحمد بن إسماعيل ابن علية عن أيوب عن أبي قلابة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة فلما انفتل قال: (أتقرأون في صلاتكم والإمام يقرأ؟) قالوا: نعم، قال: (قلا تفعلوا). وإرسال هذا الخبر لا يمنع الاحتجاج به، لاسيما مع رواية الأئمة [له]. وروي من غير هذا الطريق، وفيه أبو قلابة عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ذكره أبو الحسن. 2197 - وقولهم: إنه لا يقرأ عندنا والإمام يقرأ ليس بصحيح؛ لأنه عندهم يقرأ مع قراءة الإمام في غير حال الجهر، ولو قرأ مع قراءته في حال الجهر جاز. وهذا ضد الخبر. 2198 - وروى أبو الدرداء - رضي الله عنه - قال: سأل رجل النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ أفي كل صلاة قراءة؟ فقال: (نعم)، فقال رحل من القوم: وجبت، فقال النبي - عليه السلام -: ما أرى الإمام إذا قرأ إلا كان كافيا).

2199 - وروى ابن عباس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (يكفيك قراءة الإمام: خافت أو جهر). وروى أبو سعيد - رضي الله عنه - قال: سألنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل خلف الإمام لا يقرأ شيئا أيجزيه ذلك؟ قال: (نعم). 2200 - وروى عمر بن موسى وجابر وليث بن أبي سليم، عن أبي الزبير عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة). 2201 - قالوا: رواه جابر الجعفي وليث بن أبي سليم، وهما ضعيفان. 2202 - قلنا: ذكره أبو الحسن من طريق إسماعيل ابن علية عن أيوب عن أبي الزبير، وقد روى سالم بن عبد الله عن أبيه معناه ليأتي بالعبارة الأولى؛ لأنا روينا أنه قال له: شراء طعام الفاجر. 2203 - وروى الأعمش عن أنس - رضي الله عنه - أنه قال: وأصوب قيلا، فقيل له: يا أبا حمزة، إنما هي وأقوم قيلا، فقال: أقوم وأصوب وأهيأ واحد. وقد روي عن جماعة من السلف أن في القرآن كلمات غير العربية. قال: سعيد بن جبير لما قلت قريش: {لولا فصلت ءاياته ءأعجمي وعربي} نزل بعد ذلك في القرآن بكل

لسان. وعن ابن عباس أنه قال: {طوبى لهم}: اسم الجنة بالحبشية، وقال في {ناشئة الليل}: قيام الليل بالحبشية، وقال: القسورة: الأسد بالحبشية، وقال: {سجيل} بالفارسية، وقال أبو موسى: {كفلين}: ضعيفين بالحبشة، وقال عكرمة: {طه} بلسان الحبشة يا رجل، و {وطور سينين} قال: السينين: الحسن بالحبشية. وقال سعد بن عبادة: المشكاة الكوة بالحبشية، وعن سعيد بن جبير: {إذا الشمس كورت} بالفارسية. وقال مجاهد: يدل على أن اختلاف اللغات لا يمنع جواز الصلاة، ومن كون المعبر عنه واحدا؛ لأنه إذا جاز في بعض الكلام جاز في جميعها. 2204 - احتجوا: بقوله تعالى: {وإنه لتنزيل رب العالمين} إلى قوله: {بلسان عربي مبين}. وقال تعالى: {إنا أنزلناه قرءانا عربيا}، وقال: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه}، وهذا يدل على أن غير العربي ليس بقرآن، وما ليس بقرآن لا يجزئ الصلاة به لقوله - عليه السلام -: (لا صلاة إلا بقرآن). 2205 - والجواب: أن هذه الآية تدل على أن المنزل عربي، وكذلك

نقول؛ لأن القرآن لم ينزل إلا بالعربية، والكلام إذا نقل إلى العجمي هل يكون قرءانا أم لا، فأما أن ندعي أنه منزل فلا. ولأن هذه الآية دلالة لنا؛ لأنه أخبر أنها أنزلت، ووصف المنزل بصفة، وهي العربية. وقد قيل: الصفة لا تغير الموصوف؛ ألا ترى: أن سائر الصفات إذا فقدت فقدنا الموصوف بحالها، فهذا يدل أنه قرءان بغير العربية. 2206 - قالوا: روي أن عمر بن الخطاب سمع هشاما يقرأ على غير الوجه الذي سمعه فتلبب به وأتيا النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال لكل واحد منهما: (إقرأ)، فقرأ، فقال: النبي - صلى الله عليه وسلم -: (هو كما قرأت، أنزل القرآن على سبعة أحرف، كلها شاف كاف). قالوا: فإنكار عمر - رضي الله عنه - يدل على أنه لا يجوز القراءة بغير المسموع، وقوله - عليه السلام -: (أنزل على سبعة أحرف) يمنع من إثبات ما زاد عليها. 2207 - قلنا: هذا الخبر دليل لنا على ما بيناه: أنه أخبر أن القرآن على سبعة أحرف، ونزل وهو واحد، فلو اختلف- لاختلف الألفاظ- صار كل واحد منهما غير الآخر، وهذا لا يقوله أحد. وأما إنكار عمر فصحيح؛ لأن عندنا وإن كان المنقول قرءانا فيمنع من قراءته [ومن] نقله، وينكر كما ينكر شواذ القراءة. 2208 - وقولهم: لو جاز النقل لكان أكثر من سبعة أحرف، فليس بصحيح؛

لأنه - عليه السلام - قال: (أنزل القرآن على سبعة [أحرف]) ومتى نقل إلى لغات يتغير المنزل عما هو عليه. 2209 - قالوا: روي أن رجلا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -[فقال]: إني [لا أستطيع] [أن] أحفظ شيئا من القرآن، [فما أصنع] فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: (قل: سبحان الله والحمد لله) ولم يقل له: أحفظ بأي لغة سهل عليك. 2210 - قلنا: الرجل عربي، وقد أخبر انه لا يقدر على حفظه [بالعربية]، فهو على لغة أخرى أعجز، فلذلك لم يذكر له. 2211 - قالوا: اختلفت الصحابة في التابوت والتابوه، فقال عثمان: اكتبوه بالتاء؛ فإنها لغة قريش، وإنما نزل بلغتها، ولو كان الكل واحدا لم يختلفوا. 2212 - قلنا: الكل واحد في المعنى والجواز، وليس بواحد في الإنزال، وهم اختلفوا في المنزل دون الجائز. 2213 - قالوا: القرآن لا يثبت قرءانا إلا بالنقل المستفيض، ولم ينقل أن معناه قرءان. ولأن تسميته قرءانا لا يثبت إلا بالتوقيف، وليس معناه توقيفا. 2214 - قلنا: قد نقلنا ما يدل على أن اختلاف العبارة لا يوجب اختلاف المعبر عنه، ودللنا عليه بالقرآن والنقل، فلا يحتاج مع ذلك إلى توقيف آخر. 2215 - قالوا: الاختلاف في الإعجاز على وجهين: منهم من قال: إنه في اللفظ والنظم والمعنى، ومنهم من قال: إن الإعجاز في اللفظ والنظم، فمن قال: عن المنقول

قرءان فقد خالف الإجماع. 2216 - قلنا: الخلاف فيما وقع في أن الإعجاز هل يعود إلى المعنى واللفظ، أو المعنى خاصة، فعندنا أن الإعجاز في الترتيب والنظم والاختصار دون العبارة. ومن الناس من قال: إن كل واحد من الأمرين معجز، فإن صح الأول فالإعجاز في المنقول قائم، وإن صح الثاني فأصل الإعجاز قد حصل، وجواز الصلاة يتعلق بالمعجز. ولأن الإعجاز في القرآن قد حصل من غير هذه الوجوه أيضا، وهو الخبر عن الغيوب، وهذا المعنى موجود في المنقول. ومتى حصل الإعجاز من وجه لم يلزم من كل وجه. 2217 - قالوا: القرآن أجل الكلام، ومعلوم أن من أتى بمعاني شعر امرئ القيس لا يقال أتى بقصائده، فبأن لا يقال قد أتى القرآن إذا عبر عنه بغير عبارته أولى. 2218 - قلنا: من أتى بشعر امرئ القيس منظوما بلغة أخرى على روية ونظمه فقد أتى بشعر بغير لغته، - فهو- كالقرآن- لا يكون شعرا إلا بالنظم، وإنما لا يسمى بذلك لعدم معناه، فهو كمن نقل القرآن ولم يأت بمعانيه، فصارا سواء من هذا الوجه. * * *

مسألة 115 لا ترفع اليدين في تكبير الركوع 2219 - قال أصحابنا: لا ترفع اليدين في تكبير الركوع. 2220 - وقال الشافعي: يرفع يديه إذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع. 2221 - لنا: ما رواه سفيان عن عاصم بن كليب عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يرفع يديه في أول تكبيرة ثم لا يعود. وروى حماد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - و [خلف] أبي بكر وعمر - رضي الله عنهم - فكانوا لا يرفعون أيديهم إلا عند افتتاح الصلاة. وروى ابن مسعود أنه قال: ألا أصلي بكم صلاة رسول الله

- صلى الله عليه وسلم -؟ قالوا: بلى، ورفع يديه في التكبيرة الأولى ثم لم يرفع بعد ذلك، وروى يزيد بن أبي زياد/ عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه، ثم لا يعود. 2222 - قالوا: قال سفيان بن عيينة حدثني يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وفيه: إذا افتتح الصلاة رفع يديه ولم يزد على هذا، ودمت الكوفة ورأيت يزيد ابن أبي زياد يقول فيه: ثم لا يعود، وأظن [أن] الكوفيين لقنوه. 2223 - قلنا: هذا لا يصح؛ لأنه جرح الراوي وحمل أمره بالكذب، بل الواجب أن يحمل على أنه نسي الزيادة ثم تذكرها؛ فقد روى هذا الحديث ابن شجاع فقال: حدثنا المعلى قال: حدثا خالد ويعقوب، عن ابن أبي ليلى عن أخيه [عن أبيه] عن البراء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دخل في الصلاة رفع يديه ثم لا يعود حتى ينصرف من صلاته. فقد وافق يزيد غيره في هذه الزيادة. وذكر أبو داود عن وكيع عن ابن أبي ليلى عن أخيه عيسى عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء قال: رأيت رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] يرفع يديه حين افتتح الصلاة، ثم لم يرفعها حتى انصرف وروى جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال: خرج رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] ذات يوم على أصحابه فقال: مالي أركام رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس! اسكنوا في

الصلاة. وفي بعض الألفاظ لا يختص بالسبب. وروى مقسم عن ابن عباس ونافع عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن، وذكر افتتاح الصلاة ولم يذكر حال الركوع. وروى عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه في ابتداء الصلاة ولا يرفع بعد ذلك، وذكر سيف في أول الفتوح عن عمرو بن محمد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] يرفع يديه في الصلاة كلما خفض ورفع، ثم صار إلى افتتاح الصلاة وترك ما سوى ذلك. ولأنها تكبيرة مفعولة في غير حال الاستقرار فلم يكن من سننها رفع اليد، كتكبيرة السجود. ولأنها تكبيرة الانتقال، كتكبيرة السجود. ولأن الرفع فعل، فلو يكون في الصلاة لكان من جنسه ما هو واجب، كالركوع، فلما لم يجب دل أنه لا يتكرر. ولأن الانتقال فيه أعلى وأدنى، فالأعلى: الانتقال من القيام إلى السجود، ومن السجود إلى القيام، والأدنى: انتقال من القيام إلى الركوع، ومن الركوع إلى القيام، فإذا لم يكن من سنته على الانتقالين رفع اليدين كذلك أدناه.

2224 - احتجوا: بما رواه سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: رأيت رسل الله [- صلى الله عليه وسلم -] إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي منكبيه، وإذا أراد أن يركع، وبعد ما يرفع، ولا يرفع بين السجدتين. وروى مثل ذلك علي، ووائل بن حجر ومالك بن الحويرث وأبو هريرة، وروى محمد بن عمرو بن عطاء قال: سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم: أبو قتادة، قال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] [قالوا: فلم، فوالله ما كنت بأكثرنا له تبعة ولا أقدمنا له صحبة، قال: بلى، قالوا: فأعرض، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] إذا قام إلى الصلة رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثم يكبر، وكذلك يرفع إذا ركع وإذا رفع من الركوع. 2225 - والجواب عنه: أن عاصم بن كليب روى عن أبيه أن عليا - عليه السلام - كان يرفع يديه في أول تكبيرة من الصلاة ثم لا يرفع بعده. وروى مجاهد قال: صليت مع ابن عمر فلم [يكن] يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى. وروى بشر بن حرب قال: سمعت ابن عمر يقول: والله إن رفع الأيدي في الصلاة لبدعة. فلما روي عنهما

خلاف ما روينا دل على أنهما عرفا نسخه، وأوجب ذلك ضعف ما روياه، ألا ترى أنهما لا يرويان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ويخالفانه إلا أن يعرفا النسخ. وأما حديث أبي حميد الساعدي ففيه أنه: كان يرفع يديه إذا قام من الركعتين. وهذا متروك بالإجماع. ومتى قضى خبرنا على بعض خبرهم قضى على جميعه. قال ابن شجاع: سمعت على ابن المديني يقول: كان يحيى بن سعيد يضعف حديث عبد الحميد بن جعفر عن محمد بن عمرو بن عطاء ولا يحتج به. وأما حديث وائل بن حجر ففيه أنه: كان يرفع يديه بين سجدتيه. فقد قضى خبرنا على خبرهم: بعضه، فقضى على جميعه. وحديث حميد عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه في الركوع: قال ابن أبي شيبة: هو حديث منكر؛ لأن الجماعة رووه موقوفا على أنس. 2226 - ولأن أخبارنا عارضت هذه الأخبار وفيها نهي، والنهي أولى من الفعل؛ ألا ترى: أنه يجب متابعة النهي- وإن خالف فعله - عليه السلام -، كما روي أنه واصل ونهى عن الوصال. ولأن في أخبارنا قول، والقول والفعل إذا اجتمعا فالقول أولى. ولأن أخبارنا متأخرة؛ لأن الأصل كان الرفع في كل تكبيرة ثم نسخ ذلك. ولأن ابن عباس بين أن آخر الفعلين منه - عليه السلام - كان ما نقوله. 2227 - وقد روي أن إبراهيم النخعي لما سمع خبر وائل أنكره وقال: لعل وائلا رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - مرة، وقد رآه ابن مسعود يصلي كذا [وكذا] وروي عن أبي بكر بن عياش أنه قال: أتى علي بضع وتسعون سنة وأنا نصف الإسلام، وما رأيت فقهيا يرفع يديه إلا في أول التكبيرة. وروى مطرف قال: قال مالك: رفع اليدين مما

نسخ من الحديث. فإذا كان كذلك كان الرجوع إلى ما قلناه أولى. ولا معنى لترجيحهم بكثرة الرواة؛ لما بينا من كثرة رواة خبرنا. وكذلك الترجيح بالزيادة والإثبات لا يصح؛ لأن التاريخ في خبرنا أولى. وعلى أنا نستعمل أخبارهم في الرفع للقنوت، وقد كان - عليه السلام - يقنت مرة قبل الركوع ومرة بعده، فاحتمل أن يكون من روى الرفع قبل الركوع وبعده إنما أراد به رفع اليد للقنوت، ويحتمل أن يكون رفع يده عن مكانها حال الركوع، بمعنى أنها لم تبق قي مكان واحد. 2228 - قالوا: قال عبد الرزاق: أخذ أهل مكة رفع اليدين عن ابن جريج، وابن جريج عن عطاء، وعطاء عن الزهري وأبي الزبير، وأبو الزبير عن أبي وائل. 2229 - قلنا: روى الأسود قال: صليت خلف عمر فلم يرفع يديه في شيء من الصلاة إلا حين استفتاح الصلاة. قال الشعبي: كان أصحاب علي وعبد الله لا يرفعون أيديهم إلا في التكبيرة الأولى. وحكى ابن مسعود فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر مثل ذلك. 2230 - قالوا: صلاة ذات ركوع فوجب أن يتكرر رفع اليدين فيها، كصلاة العيد. 2231 - قلنا: صلاة العيد لما زيد في أذكارها جاز أن يزاد في أفعالها، ولما لم يزد في أذكار سائر الصلوات لم يتكرر رفع اليد فيها. ولأن تكبيرة العيد تفعل في حال الاستقرار ولا تقوم مقام غيرها، ولما كانت هذه التكبيرات تفعل في غير حال الاستقرار حلت محل تكبيرات السجود.

2232 - قالوا: تكبيرة تبتدى وتستوفى على حال يزيد على مستوى الجلوس، فكان رفع اليدين معها مسنونا، كتكبيرة الإحرام. 2233 - قلنا: تكبيرة الإحرام مقصودة في نفسها غير قائمة مقام غيرها، فجاز أن يثبت لها تبع؛ وتكبيرة الركوع ليست مقصودة لنفسها فلم يثبت لها تبع، كتكبيرة السجود. ولأن الرفع لما شرع في تكبيرة الافتتاح قدر بذكر يستغرقه، وهو التكبير، فلو شرع الرفع في تكبيرة [الركوع] لاجتمع الفعل- الذي هو ارفع أو الوضع- مع رفع اليد، فكانا فعلين، فكان الواجب أن يشرع فيهما ذكران، ألا ترى أن كل فعل شرع في الصلاة شرع معه ذكر، فلما لم يشرع إلا ذكر واحد دل أنه فعل واحد. 2234 - قالوا: ركعة من الصلاة فوجب أن يكون من تكبيرها ما يرفع معه اليدين، كالركعة الأولى. 2235 - قلنا: حكم الركعة الثانية مفارق للركعة الأولى، [بدلالة] [أن تكبيرة] الافتتاح أجمعنا على رفع اليد فيها، ثم لم يثبت رفع اليد في نظيرها من الركعة الثانية بالاتفاق، واختلفنا في تكبيرة الركوع، فلأن لا تثبت في الثانية وقد اختلف في أصلها أولى. * * *

مسألة 116 الواجب من الركوع أدنى ما يتناوله الاسم

مسألة 116 الواجب من الركوع أدنى ما يتناوله الاسم 2236 - قال أصحابنا: الواجب من الركوع أدنى ما يتناوله الاسم. 2237 - وقال الشافعي: مقدار الطمأنينة. 2238 - لنا: قوله [تعالى] {اركعوا واسجدوا} واسم الركوع عبارة عن الميل، يقال ركعت النخلة إذا مالت. قال لبيد: أدب كأني كلما قمت راكع وظاهر الآية يقتضي جواز الأدنى. ولأنه إنما يتناوله اسم الركوع، فصار كما لو طول. ولأنه ركن لا يتعقبه الخروج من الصلاة فلم تجب فيه زيادة على ما يتناوله الاسم، كالتحريمة. 2239 - احتجوا: بحديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما علم الأعرابي الصلاة قال له: (اركع حتى تطمئن راكعا) والأمر يقتضي الوجوب.

2240 - قالوا: ولأنه لم يعلمه ما سوى الأركان، ولهذا لم يذكر له قراءة السورة؛ فدل [على] أن الطمأنينة ركن. 2241 - والجواب: أنه قال في هذا الخبر: (ما نقصته فإنما تنقصه من صلاتك) فدل على أنه إذا فعل ذلك كانت صلاته ناقصة جائزة، ولا يفيد علمه ما سوى الأركان؛ ألا ترى أنه ذكر في الخبر: (ثم تكبر وتحمد الله وتثني عليه، ثم قال: تقول: سمع الله لمن حمده)، فلم يصح ما قالوه. 2242 - قالوا: روى أبو مسعود البدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود) /. 2243 - والجواب: أن هذا لا دلاله فيه؛ لأنه قد يقيم ظهره ولا يطمئن، ولأن الإجزاء عبارة عن الكفاية، وذلك يقال في المسنون والمفروض. 2244 - قالوا: فعل هو ركن في الصلاة، فوجب أن تكون الطمأنينة واجبة فيه، كالقيام. 2245 - قلنا: لا نسلم؛ لأن الواجب من القيام ما يتناوله الاسم، فإذا أتى بذلك جاز. 2246 - فإن قاسوه على القعدة قلنا: إنه لم يتعقبها الخروج من الصلاة فضعفت، فلهذا قويت بزيادة على ما يتناوله الاسم، ولهذا قدرت بغيرها في الشرع، ولم تقدر سائر الأركان بغيرها. ولأن الخروج يحصل فيها، والقطع يبطل ما يقابله،

فلو اقتصر على الأدنى لبطل بالخروج فلم يبق بعده، فلذلك شرط التطويل، وهذا المعنى لا يوجد في بقية الأركان. * * *

مسألة 117 إذا رفع الإمام رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده وقال المؤتم: ربنا لك الحمد، لا يشتركان في ذلك

مسألة 117 إذا رفع الإمام رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده وقال المؤتم: ربنا لك الحمد، لا يشتركان في ذلك 2247 - قال أبو حنيفة: إذا رفع الإمام رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده، وقال المؤتم: ربنا لك الحمد، لا يشتركان في ذلك. 2248 - وقال الشافعي: يأتي كل واحد منهما بالذكرين. 2249 - لنا: ما رواه أنس وأبو سعيد الخدري وأبو موسى وأبو هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا لك الحمد).

فخص كل واحد منهما بذكر، وتخصيص الحكم يدل على [نفي] ما عداه، ولأن كل واحد منهما لو كان يأتي بالذكرين لم يكن للتخصيص فائدة. ولا يقال: فائدته أن الإمام لا يجهر بالذكر الثاني ولا يعلم به المؤتم، فلذلك علقه بالذكر الأول؛ لأن هذه فائدة من جهة الإمام، فأما علم المأموم فلا يوجد هذه الفائدة فيه، فتخصيصه بأحد الذكرين يدل على أنه يأتي بغيره، ولأنه غاية في الرفع فلا يضم إليه غيره، كالتكبيرات. ولأنه ذكر مسنون يقتضي الجواب من غير الذاكر فلم يشاركه فيه، كالسلام. ولأن الإمام يجهر بقوله: سمع الله لمن حمده، والمؤتم إذا جهر فمن سننه أن يجهر بربنا لك الحمد متى كان مكبرا، فلم كانت المشاركة ثابتة لجهر أحدهما بما يجهر به الآخر. 2250 - احتجوا: بحديث أبي هريرة قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع صلبه من الركوع يقول: (سمع الله لمن حمده)، ويقول: (ربنا لك الحمد) وهو قائم. وروى علي قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع رأسه من الركوع يقول: (سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد). 2251 - والجواب: أن هذا يحتمل أن يكون على وجه القنوت، وقد كان يقنت بعد الركوع، الدليل على ذلك أنه ذكر دعاء طويلا، ويحتمل أن يكون من نفس الصلاة، فلم يصح التعلق به. ولأن الرجوع إلى خبرنا أولى؛ لأنه قول وبيان لما يقوله

كل واحد من الإمام والمؤتم وخاص في حال المشاركة، وخبرهم يحتمل [أن يكون] في حال الإنفراد، وذلك جائز في إحدى الروايتين عندنا. 2252 - قالوا: ذكر مسنون للمأموم، فوجب أن يكون مسنونا للإمام، كالتكبيرات. 2253 - قلنا: الأذكار المسنونة لم توضع على المبالغة، فلا يمتنع أن يثبت في حق المؤتم ما لا يثبت في حق الإمام؛ ألا ترى أنه يجوز أن يثبت في حق المؤتم صفة الذكر ولا يثبت في حق الإمام، وهو الجهر والإخفاء، فكذلك نفس الذكر. ولأن المؤتم قد يزيد في عدد التسبيحات ودعاء التشهد على ما يأتي به الإمام، فلا يمتنع أن يأتي بذكر لا يأتي به الإمام. 2254 - ولأن التكبيرات لما وضعت على وجه العلامة للانتقال ولم يقم غيرها مقامها تساويا فيها، وفي مسألتنا يكون مقام [هذا] الذكر غيره للانتقال، فلذلك لم يتساويا فيه. 2255 - قالوا: الإمام أكمل في باب الأذكار من المؤتم، ويجهر بالقراءة دونه، فإذا كان هذا الذكر يأتي به المؤتم فأولى أن يأتي به الإمام. 2256 - قلنا: كمال الإمام في الذكر يمنع أن يزيد المؤتم عليه، فأما إذا أتى المؤتم بذكر بدلا عن ذكر يأتي به الإمام وجوابا له فلم يزد عليه، وصار كأنه ساواه، وقد يساوي المؤتم الإمام في الأذكار المسنونة؛ بدلالة التشهد والتسبيحات والاستفتاح. * * *

مسألة 118 القيام الذي يفصل بين الركوع والسجود ليس بواجب

مسألة 118 القيام الذي يفصل بين الركوع والسجود ليس بواجب 2257 - قال أصحابنا: القيام الذي يفصل بين الركوع والسجود ليس بواجب. 2258 - وقال الشافعي: واجب. وعن أبي يوسف نحوه. 2259 - لنا قوله تعالى: {اركعوا واسجدوا} فظاهر الآية يقتضي جواز الركوع والسجود من غير قيام بينهما، وهذا خلاف قولهم. 2260 - قالوا: هذا من حيث دليل الخطاب؛ لأن جوابهما لا ينفي وجوب غيرهما. 2261 - قلنا: ليس هذا من حيث الدليل، ولكن على قول مخالفنا إذا لم يأت بالقيام لم يصح السجود، وهذا خلاف الآية. ولأن القيام كر ليس فيه معنى الخضوع فلم يتكرر وجوبه في ركعة واحدة، كالركوع. 2262 - قالوا: الركوع لم يشرع تكراره ومنع من فعله، والقيام شرع تكراره، فلم يجز اعتبار ما هو مشروع، وإنما اختلفنا في وجوبه بما لم يشرع. 2263 - قلنا: ليس إذا شرع تكراره دل على أنه يتكرر واجبا، كالتكبيرات والقعدة، وقد شرع تكرار الركوع على أصلهم في صلاة الكسوف ولم يدل ذلك على وجوب تكراره. 2264 - قالوا: المعنى في الركوع أنه لا يجوز تكراره في الصلاة. 2265 - قلنا: يبطل على أصلكم بصلاة الكسوف. ولأنه قيام لا تتعلق به قراءة القرآن فلم يكن واجبا في الصلاة، أصله: قيام القنوت. ولا يلزم القيام في الأخريين؛

لأنه يتعلق بالقراءة المسنونة إن كان قد قدم القراءة، وواجبة إن لم يقرأ في الأوليين. ولا يلزم قيام المؤتم؛ لأن القراءة تتعلق به وتقوم قراءة الإمام مقامه، ولا يلزم القيام الذي يأتي فيه بالتحريمة؛ لأنا قلنا: فلا يكون واجبا في الصلاة، وذلك القيام ليس في الصلاة عندنا. 2266 - قالوا: المعنى في قيام القنوت أنه استدامة للقيام، فلذلك لم يجب. 2267 - قلنا: الاستدامة على الواجب لا يمتنع أن يكون واجبا، كالقيام الذي يأتي فيه بالقراءة. 2268 - استدلوا: بحديث الأعرابي. أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: ([ثم] ارفع حتى تعتدل)، والأمر يقتضي الوجوب، ولأنه لم يعلمه إلا الأركان. وقد أجبنا عن هذا الخبر، وبينا أنه قال [له]: (وما نقصته فإنما تنقصه من صلاتك) وأنه علمه ما سوى الأركان. 2269 - قالوا: روي أن حذيفة رأى رجلا يصلي ولا يرفع عن الركوع، فلما فرغ قال له: مذ كم تصلي هذه الصلاة؟ فقال: منذ أربعين سنة، فقال: ما صليت منذ أربعين سنة. 2270 - قلنا: هذا الاستدلال إن كان من حيث التقليد فعندكم لا يلزم تقليد الصحابي، وعندنا لا يقلد إذا خالف قوله العموم. وإن كان من حيث الإجماع فلا نعلم انتشاره، ويجوز أن يكون معناه ما صليت صلاة كاملة. 2271 - قالوا: الركوع ركن ضمن تسبيحات فوجب أن يكون الرفع عنه

واجبا، كالسجود. 2272 - قلنا: الأصل غير مسلم؛ لأن الواجب الفصل بين السجدتين، فإن سجد على وسادة ثم أزيلت فأنحط إلى الأرض جاز ذلك عن السجدة الثانية من غير رفع. ولأن الكلام في وجوب ما يزيد على الانتقال عن السجود إلى ما بعده إلا برفع، فوجب الانتقال في الحالين على وجه واحد، والخلاف فيما سوى الانتقال. 2273 - قالوا: اعتدال في الصلاة فوجب أن يكون واجبا، كالاعتدال الأول. 2274 - قلنا: المعنى في الاعتدال الأول أنه لم يوجب تعلق به قراءة القرآن في موضوعه، ولما لم يتعلق بهذا القيام قراءة القرآن في موضوعه لم يكن واجبا في الصلاة. ولأن وجوب الفعل في الصلاة لا يدل على وجوبه كلما تكرر، بدلالة القعدة. * * *

مسألة 119 إذا سجد على أنفه دون جبهته جاز

مسألة 119 إذا سجد على أنفه دون جبهته جاز 2275 - قال أبو حنيفة: إذا سجد على أنفه دون جبهته جاز. 2276 - وقالا: لا يجوز مع القدرة. وهو قول الشافعي. 2277 - لنا: قوله تعالى {اركعوا واسجدوا} فظاهره يقتضي وجوب ما يسمى سجودا، وذلك موجود وإن لم يضع جبهته؛ لأن السجود هو الالتصاق بالأرض، يقال: سجد البعير إذا وضع جرانه على الأرض، ولأنه موضوع للسجود في الوجه، فصار كجانب الجبهة. 2278 - ولا يقال: إن قلتم لمسنون السجود لم يوجد في الأصل، وإن قلتم لمفروضه، لم نسلم في الفرع؛ لأنا نريد [أنه] قد شرع السجود عليه، ولا يعني شيئا مما ذكروه. 2279 - قالوا: المعنى في الجبهة أنه يسقط فرض السجود بها، وليس كذلك الأنف؛ لأنه يسقط فرض السجود بغيره، فلم يجز الاقتصار عليه.

2280 - قلنا: على الفرع تبطل بجوانب الجبهة؛ لأن كل جزء منها يسقط الفرض بغيره، ولو اقتصر عليه جاز. ولأن الأنف والجبهة عظم واحد، فإذا جاز الاقتصار في السجود على أحد جانبيه جاز على الآخر، ولأن من كان بجبهته عذر انتقل فرض السجود إلى أنفه، فلو لم يكن محلا للفرض في الأصل لم ينتقل إليه الفرض، كالخد والذقن، وطرده جوانب الجبهة. 2281 - قالوا: لا ينتقل الفرض إليه، وإنما يلزمه أن يقرب جبهته في الأرض غاية التقريب وذلك لا يمكن إلا بإلصاق انفه من الأرض؛ فلذلك لزمه، ولو أمكن تقريب الجبهة من غير إلصاق الأنف بأن تقابل أنفه حفره جاز. 2282 - قلنا: الدليل على أن الفرض ينتقل إلى الأنف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أجرى الجبهة والأنف في السجود مجرى واحدا، بقوله: (مكن جبهتك وأنفك من الأرض) وروى عكرمة قال: مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على رجل ساجد لا يضع أنفه على الأرض، فقال: (من صلى صلاة لا يصيب/ أنفه ما يصيب الجبين لم تقبل صلاته)، وإذا تعلق فرض السجود بهما ثم عجز عن أحدهما لم يسقط عن الأخر، كجوانب الجبهة. 2283 - احتجوا: بحديث ابن عباس قال: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يسجد على سبع: يديه، وركبتيه، وأطراف أصابعه، وجبهته. فحصر السجود بالجبهة.

2284 - قالوا: وروى رفاعة بن رافع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه ... إلى أن قال: ثم يسجد فيمكن جبهته من الأرض). 2285 - والجواب: أن العباس وسعدا رويا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (أمرت أن اسجد على سبعة أعظم) فذكر الوجه؛ وهذا يدل على مساواة غير الجبين له، وهو زائد، فالرجوع إليه أولى. 2286 - وقد روي عن طاووس [أنه قال] في هذا الخبر: الأنف والجبين عظم واحد. ولأن خبرهم يقتضي السجود على الجبهة ولا ينفي غيره، وخبرنا يقتضي وجوب الأنف، فوجب الجمع بينهما. 2287 - ولا يقال: إن خبركم يقتضي وجوب السجود على جميع الوجه، وذلك لا يجب باتفاق، فليس لكم أن تحملوه على وجوب الأنف إلا ولنا أن نحمله على وجوب الجبهة؛ لأنا نحمله على وجوب الجبهة والأنف وقيام كل واحد منهما مقام الآخر، وهذا أولى؛ لأنه أقرب إلى الظاهر. 2288 - ولا يقال: خبركم ذكر فيه الوجه مجملا، وخبرنا فسر فيه الواجب من الوجه؛ لأن خبرنا ذكر فيه جميع ما يتعلق به حكم السجود، وخبرهم فيه بعض ذلك، فالرجوع إلى خبرنا أولى. 2289 - قالوا: اختلف التابعون على وجهين: منهم من قال: السجود على الجبهة

واجب دون الأنف، ومنهم من قال: يجب عليهما. فمن قال: يجب على الأنف دون الجبهة خالف إجماعهم. 2290 - قلنا: إجماع التابعين لا يحتج به على أبي حنيفة؛ لأن خلافه معتد به عليهم. ولأن من قال بوجوب السجدة على الجبهة لم ينقل عنه أن الأنف لا يقوم مقامها، فلم يجز إثبات مذهب لهم بالاستدلال. 2291 - قالوا: جاز بالسجود على الجبهة مع القدرة عليه فلم تجز صلاته، كما لو سجد على خده. 2292 - قلنا: شرط القدرة لا تأثير له في الأصل؛ لأنه لا يجوز السجود على الخد مع العجز والقدرة، ولأن الخد لم يشرع السجود عليه، فلم يجز الاقتصار عليه، ولما كان الأنف قد شرع السجود عليه في الوجه جاز الاقتصار عليه. 2293 - قالوا: فرض يتعلق بالجبهة فلم يجز إقامة غيره مقامه، كالطهارة. 2294 - قلنا: نقلب هذه العلة فنقول: فاستوى فيه الأنف والجبهة، كالطهارة. ولأن كحل الطهارة لا يقوم بعضه مقام بعض، ومحل السجود يجوز الاقتصار على بعضه، بدلالة جوانب الجهة. 2295 - قالوا: عضو هو محل لفرض السجود فلم يقم عضو آخر مقامه في الفرض، قياسا على سائر أعضاء السجود. 2296 - قلنا: الأنف والجبهة عضو واحد في باب السجود، وإذا اقتصر [على] أحدهما فلم يقم عضو مقام عضو، بل اقتصر على بعض محل السجود، وبمثل ذلك يجوز في سائر الأعضاء؛ لأنه لو اقتصر على كفه أو بعض أصابع رجله جاز. * * *

مسألة 120 إذا سجد على كور عمامته جاز

مسألة 120 إذا سجد على كور عمامته جاز 2297 - قال أصحابنا: إذا سجد على كور عمامته جاز. 2298 - وقال الشافعي: لا يجوز. 2299 - لنا: قوله تعالى {اركعوا واسجدوا} ومن سجد على كور عمامته تناوله الاسم كما يتناوله إذا كانت على الأرض فسجد عليها. ومن ادعى الفصل بينهما باللغة فقد ادعى ما لا دليل عليه. 2300 - وروي عقبة بن خالد عن عبد الله بن محرر عن يزيد الأصم عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسجد على كور العمامة. ولا يقال: إنها الحكاية

فعل، فيحتمل أن يكون سجد على بعض الجبهة وكور العمامة؛ لأن قوله: سجد على كور عمامته يقتضي الاقتصار عليه. ولأنه ركن لا ينفيه ما يحول بينه وبين الأرض إذا كان منفصلا، كذلك حال اتصاله، أصله: القيام. 2301 - ولا يقال: المعنى في الرجل أنه ليس لها مدخل في الطهارتين ليس له تعلق بالحائل، ألا ترى أن اليد تدخل في الطهارتين والحائل لا يؤثر في السجود عليها، ولأن افتراقهما من هذا الوجه لم يمنع تساويهما في الحائل المنفصل، وكذلك المتصل، ولأن كل عضو يتعلق به السجود فالحائل المتصل لا ينفيه، أصله: الأنف ولأن ما جاز السجود عليه في سائر أعضائه جاز في جبهته، أصله: المنفصل. 2302 - احتجوا: بقوله - عليه السلام -: (لا يتم صلاة أحدكم حتى يتوضأ كما أمره الله ... إلى أن قال: ثم يسجد فيمكن جبهته من الأرض. 2303 - والجواب أن ظاهر الخبر متروك بالإجماع؛ ألا ترى أن الحائل مضمر بالاتفاق، إلا أن نقتصر على إضمار الحائل ويضمرون الحائل المنفصل، ومن اقتصر على أحد الإضمارين كان أولى. 2304 - احتجوا: بحديث ابن عباس قال: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يسجد على سبعة: يديه، وركبتيه، وأطراف أصابعه، وجبهته. 2305 - والجواب: أنه يقال: سجد على الجبهة- وإن حالت العمامة بينها وبين الأرض، كما لو كانت منفصلة.

2306 - قالوا: روى خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شدة الرمضاء في جباهنا وأكفنا، فلم يشكنا، فلو جاز السجود على الحال لذكر ذلك. 2307 - قلنا: هذا اللفظ مشترك، ويقال: فلم يشكنا بمعنى أزال شكوانا، ويقال: لم يشكنا بمعنى لم يجبنا، وإذا احتمل اللفظ الأمرين سقط التعلق به. 2308 - قالوا: روي عن علي وابن عمر وعبادة مثل قولنا. 2309 - قلنا: يجب [نقل اللفظ الذي] روى عنهم، ثم لو ثبت لم يمكن دعوى الإجماع؛ لأنه لم يثبت، ولم يجز التقليد إذا روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلافه. وقد روي عن إبراهيم أن عمر صلى بالناس الجمعة في يوم شديد الحر، فطرح طرف ثوبه على الأرض، فجعل يسجد عليه ثم قال: يا أيها الناس إذا وجد أحدكم الحر فليسجد على طرف ثوبه. وعن أنس قال: كنا نصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فيسجد أحدنا على ثوبه يتقي

الحر. وعن ابن عمر قال: كان الناس يفعلون ذلك في زمن عثمان. 2310 - قالوا: لم يباشر بجبهته ما انفصل عنه مع القدرة فوجب أن لا يجزيه، أصله: إذا سجد على قصاص شعره. 2311 - قلنا: اعتبار ما انفصل عنه لا معنى له؛ لأن الحيلولة موجودة في المنفصل والمتصل على وجه واحد. وقولهم لا يمتنع أن يختلف المنفصل والمتصل؛ بدلالة من صلى وعليه طرف ثوب طويل وعلى طرفه الآخر نجاسة لم تجز صلاته، ولو كان منفصلا فصلى على الموضع الطاهر منه أجزأه، ولو صلى في خف نجس لم يجز، ولو وقف على خف باطنه نجس جاز؛ وذلك لأنا بينا أن الحائل المتصل والمنفصل سواء، وما ذكروه لا يختلف بالحائل، وإنما يختلف لمعنى آخر، فلم يدعى تساوي المتصل والمنفصل في حال؟ ثم ما ذكروه غير مسلم؛ لأن أصحابنا قالوا: إذا كان على رأسه طرف عمامة وطرفها الآخر نجس- وهو لا يتحرك بتحركه- جازت صلاته؛ فقد سوينا بين المتصل والمنفصل في باب النجاسة. ثم المعنى فيمن سجد على قصاص شعره أنه لو باشر الأرض به لم يجز، وكذلك مع الحائل، ولما كانت الجبهة إذا باشرتها الأرض جاز السجود، وكذلك مع الحائل. 2312 - قالوا: حكم يتعلق بالوجه، فوجب أن يجب مباشرة [به] كالطهارة. 2313 - قلنا: الحكم الذي يعنونه هو السجود، وقد باشر الوجه به- وإن كان هناك حائل- كما قد باشر به إذا انفصل الحائل. ولأن حكم الطهارة مخالف للسجود؛ بدلالة أن الحائل المتصل لا يجوز إيقاع الطهارة فيه، كالطرة،

ولو سجد عليها جاز. ولأن الطهارة لما جاز أن يمنع [منها] الحائل المتصل في غير الوجه، منع في الوجه، ولما كان الحائل المتصل لا يمنع السجود في غير الوجه كذلك فيه. 2314 - قالوا: البساط بدل عن الأرض، وكور العمامة بدل على الوجه، فلو أجرنا [هذا أجزنا] بدلين عن مبدل واحد، وهذا لا سبيل إليه. 2315 - قلنا: هذا غلط؛ لأن الفرض لم يتعلق بالأرض حتى يجعل البساط بدلا عنها، وإنما يتعلق الفرض بالبساط لا على طريق البدل، وكذلك كور العمامة لا يجعل بدلا عن الجبهة كما لا يجعل إذا كان منفصلا. ثم هذا غلط؛ لأنا لو سلمنا ما قالوه كان أحد البدلين عن مبدل- وهو الأرض- والآخر بدلا عن غيره، فلا يمتنع اجتماع بدلين عن مبدلين؛ الدليل عليه: المصلي في الخف والنعل على البساط، والبساط على ما قالوه بدل عن الأرض، والخف بدل عن الرجل، ويجوز القيام والسجود عليه. * * *

مسألة 121 السجود على اليدين والركبتين ليس بواجب

مسألة 121 السجود على اليدين والركبتين ليس بواجب 2316 - قال أصحابنا: السجود على اليدين والركبتين ليس بواجب. 2317 - وقال الشافعي: واجب، في أحد قوليه. 2318 - دليلنا: قوله تعالى {اركعوا واسجدوا} ويقال: سجد- وإن لم يضع يديه على الأرض-. وروي في حديث ابن عباس قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (مثل الذي يصلي وهو عاقص شعره كمثل الذي يصلي وهو مكتوف) فأجراهما مجرى واحدا، فدل [على] أن ذلك صفة الفضيلة. ولأن ما لا يجب الإماء به عند العجز لا يجب السجود عليه في الأصل، كسائر الأعضاء، وعكسه الوجه. 2319 - احتجوا: بحديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أمرت أن اسجد على سبع: الوجه، واليدين، والركبتين [والقدمين]). 2320 - والجواب: أن المراد بذلك المسنون؛ بدلالة أنه ذكر الوجه، والسجود على

جميعه ليس بواجب. 2321 - قالوا: كل عضو وجب غسله في الطهارة الصغرى وجب السجود عليه، كالوجه. 2322 - قلنا: وجوب غسله في الطهارة لا يدل على وجوب السجود عليه، كالأنف، ولأن الوجه عكس علتنا؛ لأن الإيماء يجب به عند العجز، فلذلك كان السجود عليه واجبا عند القدرة. * * *

مسألة 122 إذا سجد على يديه وهما في كميه جاز

مسألة 122 إذا سجد على يديه وهما في كميه جاز 2323 - قال أصحابنا: إذا سجد على يديه وهما في كميه جاز. 2324 - وقال الشافعي: لا يجوز- في أحد قوليه- حتى يكشفهما، والخلاف في هذه المسألة لا يتحقق؛ لأن وضعهما عندنا ليس/ بواجب، فكيف نتكلم على صفات الوضع. 2325 - والدليل على أن السجود [على] الحائل لا يؤثر في السجود عليهما قوله - عليه السلام -: (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم) وذكر اليدين، ويقال: سجد على يديه وإن كانتا في كميه. وروى عبد الله بن عبد الرحمن قال: جاءنا النبي - صلى الله عليه وسلم - فصلى في بني عبد الأشهل فرأيته واضعا يديه في ثوبه إذا سجد. وروى عكرمة عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثوب واحد يتقي بفضله حر الأرض وبردها. ولأن الحائل المتصل لا يمنع من فعل السجود عليهما، كذلك المتصل، أصله: الرجلين والركبتين. 2326 - ولا معنى لقولهم: إن الركبة عورة فلا يجوز كشفها؛ لأنه لو كان عليه ثوبان لم يلزمه كشف أحدهما، وإن لم يحتج إليه في ستر العورة. 2327 - قالوا: روى خباب بن الأرت - رضي الله عنه - قال: شكونا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شدة

الحر فلم يشكنا. وقد أجبنا عن هذا الخبر. 2328 - قالوا: عضو من أعضاء التيمم، فوجب أن يجب كشفه في السجود، كالجبهة. 2329 - قلنا: لا نسلم الأصل، وقد قدمناه. * * *

مسألة 123 القعدة بين السجدتين ليست واجبة

مسألة 123 القعدة بين السجدتين ليست واجبة 2330 - قال أصحابنا: القعدة بين السجدتين ليس واجبة. 2331 - خلافا للشافعي. 2332 - لنا: قوله تعالى {اركعوا واسجدوا}. ولأنها سجدة يتأخر عنها أركان الصلاة فلا يجب بعدها قعدة، كالسجدة الثانية. ولا يلزم السجدة الأخيرة؛ لأن ليس بعدها إلا ركن واحد. ولأن هذه قعدة للفصل بين الأركان فلا تجب، كالقعدة الأولى للتشهد. ولأنها لو كانت واجبة لتعلق بها ذكر مسنون أو واجب، كسائر الأفعال. ولأنها قعدة لا يتعقبها الخروج من الصلاة فلم تكن واجبة، كالقعدة الأولى. 2333 - احتجوا: بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال للذي علمه الصلاة: (ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا). 2334 - والجواب ما قدمناه أنه قال في هذا الخبر: (وما نقصته فإنما تنقصه من صلاتك)، وهذا يدل على أنه إذا ترك بعض ما علمه كانت صلاته ناقصة جائزة.

2335 - قالوا: سجود لا يتعقبه قيام، فوجب أن يتعقبه جلوس واجب، كالسجدة الأخيرة. 2336 - قلنا: يبطل برفع الرأس من السجدة الثانية في الركعة الثانية أن القيام لا يتعقبه وليس بعدها قعود واجب. 2337 - والمعنى في السجدة الأخيرة أن القعدة لما وجبت عقبها تعلق بها ذكر مسنون، ولما لم يتعلق بهذه القعدة ذكر مسنون دل أنها لا تجب. 2338 - قالوا: سجدة في الصلاة فوجب أن يتعقبها اعتدال، قياسا على السجدة الثانية. 2339 - قلنا: السجدة الثانية يتعقبها الركن الواجب، وذلك اعتدال، فلذلك وجب، والسجدة الأولى بعدها ركن هو سجود، فوجب فعله عقيبها ولم يجب الاعتدال. ولأنا نعكس هذه العلة فنقول: فلا يجب بعدها قعدة بغير التشهد، كالثانية. * * *

مسألة 124 إذا رفع رأسه من السجدة الثانية نهض على صدور

مسألة 124 إذا رفع رأسه من السجدة الثانية نهض على صدور قدميه ولا يجلس ولا يعتمد بيديه على الأرض 2340 - قال أصحابنا: إذا رفع رأسه من السجدة الثانية نهض على صدور قدميه، ولا يجلس، ولا يعتمد بيديه على الأرض. 2341 - وقال الشافعي: يجلس جلسة خفيفة ثم ينهض معتمدا على يديه. 2342 - لنا: ما روى صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينهض في الصلاة على صدور قدميه. [وروى وائل بن حجر - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -]- صلى الله عليه وسلم - - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رفع رأسه من السجود استوى قائما بتكبيرة. 2343 وفي حديث رفاعة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للأعرابي: (ثم اسجد

حتى تطمئن ساجدا، ثم قم) ولم يذكر القعدة. وذكر ابن شجاع عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عمر وابن الزبير أنهم كانوا ينهضون على صدور أقدامهم. وعن علي قال: من السنة في الصلاة المكتوبة في الركعتين الأوليين أن لا يعتمد بيديه على الأرض إلا أن يكون شيخا كبيرا. وعن النعمان بن أبي عياش قال: أدركت غير واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان إذا رفع رأسه من السجدة الثانية في أول ركعة قام كما هو ولم يجلس. ولأن هذه القعدة تفعل للاستراحة فلا تسن في الصلاة، أصله: سائر [الأركان]. ولأنه معتمد بيده على غيره في صلاته من غير حاجة، كما لو اتكأ على حائط. ولأن الانتقال تارة يكون من القيام إلى السجود [وتارة] من السجود إلى القيام، فإذا لم يثبت في أحد الانتقالين قعدة كذلك الآخر. ولأنه لو وقع الفصل بين السجود والقيام بفعل ليست تكبيرة عند الانتقال إلى الفعل، وتكبيرة عند الانتقال من الفعل، أصله: القعدة بين السجدتين، فلما اقتصر على تكبيرة واحدة، دل أنه انتقال واحد. 2344 - احتجوا: بما روى [أبو] حميد الساعدي حين وصف صلاة رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] في عشرة من الصحابة، فذكر إلى أن قال: في السدة الثانية ثم يقول: الله أكبر، ويرفع ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها.

2345 - والجواب: أن الطحاوي روى خبر أبي حميد وذكر فيه: ثم كبر وسجد، ثم كبر فقام ولم يتورك، فتعارضت الروايتان عن أبي حميد، وبقيت أخبارنا من غير معارضة. 2346 - قالوا: روى مالك بن الحويرث قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع رأسه من السجدة الأخيرة في الركعة الأولى استوى قاعدا واعتمد على الأرض. 2347 - والجواب: أن هذا حكاية فعل، فيحتمل أن يكون في حال ما بدن وضعف؛ لأن الظاهر أن أسهل الأمرين يختار في حال الضعف، وما ذكرناه أشقهما، والظاهر أنه لا يفعل في حال الاختيار. ولا يقال: إن الأصل السلامة وعدم الإعذار، ولو كان هناك عذر لنقله الراوي؛ لأنه لم يذكر عذر هو مرض، وإنما ذكرنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم -[بدن] وهذا معنى معلوم. وقد روي عنه أنه قال: (لا تبادروني بالركوع والسجود فإني امرؤ قد بدنت). 2348 - قالوا: سجود في الصلاة فوجب أن يتعقبه جلوس، كالسجدة الثانية من الركعة الثانية. 2349 - قلنا: لما سن هناك الجلوس كان مقصودا في نفسه، لا للاستراحة، وتعلق به ذكر مسنون، ولما [لم] تقصد هذه القعدة لنفسها وإنما تفعل للاستراحة لم تكن مسنونة. 2350 - قالوا: سجدتان متواليتان فوجب أن يتعقبهما جلوس، كالركعة الثانية. 2351 - قلنا: نعكس، فنقول: فلا يتعقبهما قعدة الاستراحة، كالثانية. 2352 - قالوا: قال الشافعي: القعدة أشبه بأفعال الصلاة- لأن كل سجدة بعدها

قعدة- وأعون للمصلي- لأنه يعتمد- وأحرى أن لا ينقلب- لأنه إذا نهض على صدور قدميه [لا يأمن] أن ينقلب-. 2353 - قلنا: قوله: إنه أشبه بأفعال الصلاة غلط؛ لأنه ليس في أفعال الصلاة قعدة للاستراحة. 2354 - وقولهم: أنه أعون فهذا المعنى بمكن وإن لم يقعد، بل ينهض من السجود معتمدا على يديه، ولأن الأعون غير معتبر؛ بدلالة كراهة الاعتماد على عصا. وأما خوف الانقلاب فعندنا إذا خاف الانقلاب لضعفه [جاز] أن يعتمد على الأرض. * * *

مسألة 125 السنة في القعدتين أن يفترش رجله اليسرى وينصب اليمنى

مسألة 125 السنة في القعدتين أن يفترش رجله اليسرى وينصب اليمنى 2355 - قال أصحابنا: السنة في القعدتين أن يفترش رجله اليسر وينصب اليمنى. 2356 - وقال الشافعي: مثل ذلك في القعدة الأولى، وفي الثانية: يتورك. 2357 - لنا: ما روى وائل بن حجر - رضي الله عنه - قال: صليت خلف [رسول الله]- صلى الله عليه وسلم - فقلت: لأحفظن صلاته، فلما قعد للتشهد فرش رجله لليسرى فقعد عليها ووضع كفه اليسرى على فخذه ووضع مرفقه [الأيمن] على فخذه اليمنى. وروى عبد الله ابن عبد الله بن عمر: قال رأيت ابن عمر يتربع إذا جلس وأنا يومئذ حديث السن، ففعلته، فنهاني، فقلتك: رأيتك تفعل، قال: إنها ليست من سنة الصلاة، سنة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى وتثني رجلك اليسرى، وقال ابن عمر:

إن رجلاي لا تحملانني، وروت عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجلس في الصلاة فينصب قدمه اليمنى ويجلس على اليسرى، يكره أن يسقط على شقه الأيسر. 2358 - وعن ميمونة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جلس في الصلاة نصب قدمه اليمنى ويجلس على اليسرى، يكره أن يسقط على شقه الأيسر. 2359 - عن ميمونة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قعد اطمأن على فخذه اليسرى. ويعني في الصلاة. 2360 - وروى أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا جلست [فلا تقع كما يقعي الكلب]، وضع أليتيك بين قدميك ثم الصق ظهر قدمك بالأرض). ولأنها قعدة للتشهد، كالأولى. ولأنه فعل متكرر في الصلاة فلا يبتدئ الثاني منه على صفة تخالف الأول، كالرككوع والسجود. ولا يلزم القيام؛ لأنه لا يبتدأ في جميع الركعات إلا على وجه واحد.

2361 - قالوا: الركوع والسجود لما لم يختلف في القدر، لم يختلف في الصفة، ولما اختلف التشهد في القدر جاز أن يختلف في الصفة. 2362 - قلنا: القيام في الأخريين خالف القيام في الأوليين في القدر ولم يخالفه في لصفة، وكذلك قراءة التشهد في القعدتين تختلف في القدر ولا تختلف في الصفة. ولأنها هيئة مسنونة حال القعدة فلم يبتدأ في الثانية على خلاف الأولى، كوضع اليدين على الركبتين. 2363 - احتجوا: بحديث أبي حميد الساعدي أنه وصف صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أن قال: جلس للتشهد الأولى ففرش رجله اليسرى وجلس عليها، ونصب اليمنى، وجلس للتشهد الأخير فأماط رجليه وأخرجهما من تحت وركه اليمنى. 2364 - والجواب: أن الطحاوي قال: هذا من حديث عبد الحميد بن جعفر، وهو ضعيف في روايته، وقد خولف فيه فأدخل بين محمد بن عمرو وعطاء رجل مجهول. قال الطحاوي/: وهو الصحيح؛ لأنه ليس في سنن محمد بن عمرو أنه لقي من ذكرلقاءه، وهذا الحديث فقد ضعفه الراوي وبين أنه مرسل، وقد بينا الكلام على طريق هذا الحديث، وأن يحيى بن سعيد القطان لا يحتج به. ولأنه حكاية فعل فيحتمل أن يكون حال العذر. وقد اختار النبي - صلى الله عليه وسلم - في أخر عمره أسهل الفعلين. 2365 - ولا يقال: لو كان كذلك لسوى بين القعدتين؛ لأنه يجوز أن يكون تحمل المشقة في الأولى لقصرها، واختار الأخف في الثانية لطولها. 2366 - ولا يقال: لو كان ذلك حال العذر لم يبينه أبو حميد

[للناس] ليقتدوا به ولسكت عن العذر؛ لأن أبا حميد لم يشاهد إلا هذه الحال، فظن أنها للسنة دون غيرها. 2367 - قالوا: لأنه معنى يتكرر في الصلاة يخالف بعضه بعضا قدرا، فوجب أن يخالفه هيئة، كالقراءة. 2368 - قلنا: يبطل بالقيام؛ لأنه في الأوليين أطول من الأخريين، ولا يخالفه خيئة. 2369 - قالوا: القيام لا يختلف، وإنما يختلف قدر القراءة. 2370 - قلنا: قد يختلف قدر القيام وإن كان لأجل غيره. ويبطل بالقعدة الأولى والقعدة بين السجدتين: أنهما قد اختلفا قدرا ولم يختلفا [فيه] هيئة، وقيام الصلاة والقيام بعد الركوع: وقد اختلفا قدرا ولم يختلفا هيئة. ولأن الإخفاء لما جاز أن يكون سنة جاز أن يكون في آخرها، والتورك لما لم يكن سنة للقعدة في أول الصلاة لم يكن في آخرها. 2371 - قالوا: المخالفة بين القعدتين أحوط للصلاة؛ لأن الإمام يتذكر أنه في آخر الصلاة حتى لا يشتبه بأولها، فيقوم، والداخل يعلم أنه في آخر الصلاة. 2372 - قلنا: هذا المعنى موجود في السجود، ولم يفرق بين السجدة في آخر الصلاة وبين أولها، وإن كانا لو افترقا لتذكر المصلي ولم يشك، ثم سوى بينها فكذلك القعدة مثله. ولأن القعدة بين السجدتين والقعدة الأولى على صفة واحدة، وإن [كان] التفريق بينهما أحوط من الوجه الذي قالوه، والقعدة في الفجر يتورك فيها وإن لم يحتج إلى الفصل بينها وبين قعدة أخرى. 2373 - قالوا: إذا تمكن من الجلوس كان أسهل وأمكن من تطويل الدعاء، وهو على ما يقوله كان أشق، وفعل القرب على أشق الأمرين أفضل ما لم يرد عنه نهي.

2374 - وترجح أخبارنا بأنها رويت من جهات لم يطعن عليها، ولأنها قول وفعل وخبرهم فعل، وأقيستنا أولى؛ لأنها تقتضي التسوية بين الأفعال، ولأن قياس الشيء على نظيره وحنسه أولى من قياسه على غيره. * * *

مسألة 126 قراءة التشهد مسنون

مسألة 126 قراءة التشهد مسنون 2375 - قال أصحابنا: قراءة التشهد مسنون. 2376 - وقال الشافعي: واجب في القعدة الأخيرة. 2377 - لنا: ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لابن مسعود - رضي الله عنه -: (فإذا فعلت هذا [أو قلت هذا] فقد تمت صلاتك). فعلق التمام بأحد الأمرين، وقد ثبت أن القعدة واجبة، فانتفى أن يجب التشهد؛ لأن وجوبه يقتضي تمام الصلاة يهما. 2378 - وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما علم الأعرابي الصلاة ذكر القعود ولم يذكر التشهد، ولو كان واجبا لذكره. 2379 - ولا يقال: لجواز أن يكون ذلك قبل أن يفرض التشهد؛ لأنا لا نسلم أن التشهد فرض، وإنما يقدر بعد أن لم يكن مقدورا، ولم ينقل أن الصلاة كانت تفعل من غير تشهد.

2380 - ويدل عليه حديث علد الله بن عمرو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا قضى الإمام الصلاة فقعد وأحدث هو أو أحد ممن أتم الصلاة معه قبل أن يسلم الإمام، فقد تمت صلاته فلا يعود فيها). ولا يقال: يحتمل أن يكون هذا قبل أن يجب التشهد؛ لم بينا أنه لم ينقل أن الصلاة كانت تفعل من غير تشهد. 2381 - قالوا: معناه قد قارب التمام، كما قال: (من وقف بعرفة فقد تم حجه). 2382 - قلنا: مقاربة التمام يعلم من طريق المشاهدة، وهو لا يبين المشاهدات. ولأن حقيقة التمام تنفي بقاء فرض عليه، وما سواه يصار إليه بدلالة. وقوله في الحج: (من وقف بعرفة فقد تم حجه) صحيح؛ لأنه قد تم، بمعنى أنه لا يفسد بالوطء. ولأنه ذكر في الصلاة من غير القرآن، كالتسبيحات. ولأنه ذكر من سنته الإخفاء في صلاة يجهر بها بالقراءة، كالتسبيحات. لأنه ذكر من سنته الإخفاء بتحميد الله، فلا يجب في الصلاة، كالاستفتاح. ولأنه لو كان واجبا لم يفعل إلا في محل واحد، كالقراءة. ولأنه ذكر متكرر في الصلاة لا يجب الأول منه فلم يجب الثاني، كالتسبيحات، وعكسه القراءة. 2383 - قالوا: المعنى في التسبيحات أنها ذكر هو في نفسه قربة، وفي مسألتنا:

ذكر في حالة مقصودة ليس في نفسه قربة. 2384 - قلنا: الأفعال في الصلاة كلها قربة، سواء أعيد فعلها في [غير] الصلاة، أو لم يعد، ألا ترى أن مقارنة الأركان لها تجعلها قربة، فلا يحتاج إلى الذكر لتخلص القربة. 2385 - احتجوا: بحديث [ابن] مسعود قال: كنا نقول قبل أن يفترض التشهد: السلام على الله، السلام على جبريل، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (قولوا: التحيات لله)، وهذا يدل على أن التشهد فرض، وحقيقة الفرض في الشرع الوجوب، وقوله: (قولوا) أمر، ثم قال في الخبر: (إذا قلت هذا أو قضيت هذا فقد قضيت صلاتك)، فعلق التمام به. 2386 - والجواب: أن قوله: قبل أن يفترض؛ معناه: قبل أن يقدر، والفرض: التقدير، يقال: فرض القاضي النفقة، بمعنى قدرها، فلما ذكر أبن مسعود ذكرا غير مقدر ثم ذكر المقدر دل على أنه أراد بالفرض التقدير، وقوله: ([قولوا] التحيات) فهو تعليم، ومن أصحابنا من قال: إن الأمر إذا كان للتلقين لم يفد الوجوب. ولأن قوله: (قل) لم يرد به الوجوب في بعض الكلمات؛ لأن الواجب عندهم خمس كلمات: التحيات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وما سوى ذلك ليس بواجب في بعض الألفاظ، انتقى في نفسها؛ لأن الأمر يتناولهما على وجه واحد. 2387 - وقولهم: علق تمام الصلاة ليس بصحيح؛ لأنه علق التمام بأحد الأمرين:

إما فعل القعود والتشهد؛ ألا ترى أنه قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي، فقال: (إذا جلست وكنت في آخر الصلاة فقل: التحيات ... ثم قال: فإذا فعلت هذا أو قضيت هذا)، فظاهره يقتضي التخيير بين الفعل والقول، وتعليق التمام بأحدهما. 2388 - قالوا: ذكر لله من شرطه صحة الأذان، فوجب أن يكون شرطا في صحة الصلاة، كالتكبير. 2389 - قلنا: الشهادة شرط في كون الأذان مسنونا، وهي شرط في الصلاة على هذا الوجه، فلا فرق بينهما. ولأنا نقول بموجب العلة؛ لأن الشهادة شرط في الإسلام، وهو شرط في الصلاة، فقد صارت الشهادة شرط من شرائطها. 2390 - فإن قالوا: وجب أن يكون شرطا في الصلاة لم نسلم ذلك في التكبير. ثم التكبير ليس بشرط في الصلاة عندنا؛ لأنه يجوز الدخول بغيره، والأصل غير مسلم. 2391 - ثم المعنى فيه: أنه لما وجب- لا على وجه العلامة- كان الجهر من سنته، ولما كان من سنة التشهد الإخفاء في صلوات الجهر، لم يكن واجبا. 2392 - قالوا: الجلوس حال من أحوال الصلاة، مقصودة ليست بنفسها قربة، فوجب أن يتضمن ذكرا واجبا، كالقيام. 2393 - قلنا: أفعال الصلاة كلها قربة، فالركوع والسجود قربة في نفسه، والقعدة والقيام قربة أيضا لمقارنة الأركان له؛ ألا ترى أنه لا يعتاد فعله على هذا الوجه، فلم يحتج إلى معنى آخر ليصير قربة. ولأنهم إذا أرادوا قيام الصلاة فذلك لا يكون إلا قربة، وإن أرادوا القيام في غير الصلاة فالركوع مثله؛ لأن الإنحناء خارج الصلاة ليس بقربة في نفسه، وقد يفعل لحمل الشيء كما يفعل [القيام] لغير القربة. ولأن القيام لما وجب فيه الذكر كان من جنس القرآن، فلو وجب في القعدة الركن لكان مثله. 2349 - قالوا: الأذكار في الصلاة فيما ليس بخضوع في نفسه على ثلاثة أضرب: تكبيرة، وقراءة، وتشهد. ثم ثبت من التكبير والقراءة واجب [وغير واجب]

وجب أن يكون من التشهد واجب وغير واجب. 2395 - قلنا: أيمتنع [أن يثبت] في الصلاة ذكر متكرر لا يثبت شيء منه، كالتسبيحات والتكبيرات على أصلنا. ولأن القراءة والتكبير لما وقع ابتدأ ما يفعل منه واجبا جاز أن يكون له في الوجوب مدخل، ولما كان التشهد ذكرا يبتدأ به غير واجب لم يكن له في الواجب مدخل، كالتسبيحات. والمعنى في جميع ما ذكروه أنه لما لم يفعل إلا في محل واجب كان له مدخل في الوجوب، ولما كان التشهد يفعل في محل غير واجب لم يكن واجبا. * * *

مسألة 127 أي صيغ التشهد أفضل؟

مسألة 127 أي صيغ التشهد أفضل؟ 2396 - قال أصحابنا: الأفضل تشهد ابن مسعود - رضي الله عنه -، وهو: (التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي [ورحمة الله وبركاته]). 2397 - وقال الشافعي: الأفضل تشهد ابن عباس - رضي الله عنه -: (التحيات المباركات، الصلوات الطيبات لله [السلام] عليك [أيها] النبي). 2398 - لنا: ما روى ابن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيده وقال: (قل: التحيات لله والصلوات ...) وهذا الخبر أولى من جميع الأخبار؛ لأنه أحسنها إسنادا، ولأن أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده تأكيد في التعليم، وقوله (قل) أمر، وأقل أحواله أن يحمل على الاستحباب، ثم علق به تمام الصلاة بقوله: (فإذا قضيت هذا فقد تمت صلاتك). 2399 - وروي أن معاوية - رضي الله عنه - روى على المنبر التشهد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل تشهد ابن مسعود، ذكره الطحاوي. وفي حديث جابر مثل حديث ابن مسعود إلا أنه زاد في أوله: (بسم الله وبالله) /.

2400 - ومن أصحابنا من ذكر حديث عمر بن يزيد الأزدي عن سلمان الفارسي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علمه التشهد فقال له: (قل: التحيات لله والصلوات والطيبات ... ، ثم قال: قلهن في صلاتك لا تزد فيهن شيئا ولا تنقص منهن شيئا). 2401 - وروي أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - علم الناس على منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التشهد مثل قولنا، فالظاهر أنه أخذ ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ولأن اسم الله تعالى إذا قدم علا الممدوح في ابتداء الكلام، ومتى أخر كان محتملا، ولأن يزيل الاحتمال بأول الكلام أولى. 2402 - ولا يقال: إنه إذا أخر الاسم زاد الاحتمال، وإذا قدمه بقي الاحتمال فيما بعده؛ لأن العطف من حكمه أن يشرك بين الثاني والأول في حكمه، فإذا قلت: هذه الدار لزيد وهذه، فلا احتمال في الثاني بوجه. ولأن الواو تجعل كل لفظ ثناء بنفسه، وإذا سقطت صار جميع الكلام ثناء واحدا، ألا ترى أن قولنا: التحيات: عام فإذا قال: الصلوات، فكأنه قال: [التحيات التي هي الصلوات. 2403 - ولأن قوله: التحيات عام في الصلاة وغيرها، فإذا قال]: الصلوات، خص اللفظ، وإذا قال: والصلوات نفي العموم في الأول وكرر بعض المذكور. ولأنه ذكر ممتد في أحد طرفي الصلاة فكانت الواو من سننه، كالاستفتاح. ولأن التشهد يتضمن ثناء وشهادة، ثم كان حرف العطف من سنة الشهادة، فكذلك في الثناء. 2404 - احتجوا: بحديث ابن عباس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا التشهد

كما يعلمنا القرآن، وكان يقول: (التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله).قالوا: وهذا أولى؛ لأن فيه زيادة كلمة، وهو: (المباركات) ولأنه يوافق القرآن: قال الله تعالى: {تحية من عند الله مباركة طيبة} والقرآن أشرف الكلام، فما وافقه أولى. ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ألقى ذلك إلقاء شائعا ظاهرا، فكان أولى مما لم يلقه على هذا الوصف. 2405 - ولأنه متأخر عن خبر ابن مسعود؛ لأن ابن عباس صغير السن فنقل ما تأخر عن الشرع، وابن مسعود قدمت صحبته وشهد بدرا والعقبة، فنقل السنن المتقدمة. ولأن ابن مسعود قال: كنا نقول قبل أن يفرض التشهد، فهذا يدل على أن ما علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ابتداء ما فرض التشهد، فما سواه متأخر عنه. 2406 - والجواب: أن خبر ابن مسعود أولى، لما قدمناه، ولأنه وافقه عليه غيره، وخبرهم لم ينقله إلا ابن عباس، ولأن أصحاب الحديث قالوا: لم ينقل في التشهد أحسن إسنادا من حديث ابن مسعود، وحديث ابن عباس رواه أبو الزبير عن سعيد، وطاوس، وقد تكلم في أبي الزبير فقيل: إنه مدلس، وكان شعبة لا يحدث عنه، وقال: رأيته يصلي فما أعجبتني صلاته، ولأن خبر ابن مسعود لم يختلف فيه، وقد اختلف على ابن عباس: فروي: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) وروي: (السلام عليك أيها النبي، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله)، وما لم يختلف فيه أولى. 2407 - فأما قولهم: إن فيه زيادة لفظة، فلو ترجح بذلك لرجح خبر جابر؛

لأن فيه زيادة (بسم الله وبالله) ولأن في خبرنا زيادة الواو وزيادة الألف [واللام في (السلام)]، وزيادة الشهادة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وقوله: (عبده ورسوله). فأما [قولهم]: إنه يوافق القرآن، فقراءة القرآن تكره في القعدة، فكيف يستحب ما يوافقه. ولأن الله تعالى ذكر تحية مباركة في خطاب الآدميين، وإذا كان الصلاة كلما بعدت عن خطاب الآدمي كانت أولى. 2408 - وقولهم: ألقاه إلقاء شائعا، كذلك خبر ابن مسعود؛ لأنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن، ويعلمنا الواوات. والسورة محصورة. وقول ابن عباس: كما يعلمنا القرآن لا يقتضي الحصر. 2409 - فأما قولهم: إن خبرنا متأخر فغلط؛ لأن أبا الحسن روى في حديث ابن مسعود قال: كنا نقول في أول الإسلام: التحيات الطاهرات الزكيات، السلام على جبريل والملائكة، فالتفت رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] فقال: (قولوا: التحيات لله والصلوات)، فدل على أن خبر ابن مسعود متأخر عما رواه ابن عباس من ذكر (المباركات). 2410 - وقولهم: إن ابن عباس يروي آخر السنن لصغر سنه غلط؛ لأن الصحابة لم ترجح رواية أصاغرها، ولأن ابن مسعود وإن تقدمت هجرته فقد دامت صحبته إلى أن قبض النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولأن أصاغر الصحابة [قد] كانوا يروون الأخبار لأنهم سمعوها من أكابرهم، لا أنهم سمعوها من النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد ذكر الدارقطني في حديث ابن عباس أنه قال: أخذ عمر بن الخطاب بيدي فزعم أن

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيده فعلمه: (التحيات لله الصلوات الطيبات المباركات لله)، فهذا يدل على أن ابن عباس أخذ عن عمر بن الخطاب، ولو كان أخذه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يروه عن عمر، ومتى ثبت أنه أخذ التشهد عن عمر- وعمر قديم الصحبة- سقط ما قالوه. * * *

مسألة 128 الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ليست شرطا في الصلاة

مسألة 128 الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ليست شرطا في الصلاة 2411 - قال أصحابنا: الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ليست شرطا في الصلاة. 2412 - وقال الشافعي: هي شرط بعد التشهد، ولو قدمها عليه أو أتى بها قبل القعدة لم يسقط الغرض. 2413 - لنا: ما قدمناه من الأخبار الثلاثة في مسألة التشهد، والقياسين الأولين. ولأنه ركن من أركان الصلاة، فلا يشترط فيه الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، كسائر الأركان. ولا يقال: إن سائر الأركان يكره فيها الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ وذلك لأنه لا يكره الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في قيام القنوت، والقيام ركن. ثم ليس إذا لم يكره في القعدة كان واجبا، كالصلاة على آل النبي - صلى الله عليه وسلم -. ولأن إيجاب الصلاة على النبي [- صلى الله عليه وسلم -] [مع التشهد] إيجاب ذكرين [من] جنسين في ركن واحد، وهذا لا يصح، أصله: سائر الأركان. ولا يقال: إن التكبيرة والقراءة تجب في حال لقيام؛ لأن التكبيرة عندنا خارج الصلاة، والركن ما بعدها لا يجب فيه إلا ذكر واحد. ولأنه [ذكر] شرع في القعدة فلم يكن واجبا في الصلاة، كالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -.

2414 - احتجوا: بقوله تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما}، قالوا: وهذا أمر يقتضي الوجوب، وقد أجمعنا [على] أنه لا يجب في غير الصلاة، فلم يبق إلا أن يحمل على الصلاة. 2415 - والجواب: أن مذهب أبي الحسن أن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - تجب في غير الصلاة مرة واحدة. 2416 - وقد قال الطحاوي: الصلاة واجبة عليه كلما ذكر، وليست شرطا في الصلاة. ومتى قلنا بوجوب ذلك خارج الصلاة لم يمكن ما قالوه. ولا يقال: إن الكلام مع أبي حنيفة فلا يلزمنا قول غيره؛ لأن الطحاوي لم يضف ما قاله إلى نفسه، ويجوز أن يكون على طريق الرواية. 2417 - قالوا: من أصلنا أن الأمر يفيد التكرار، فظاهر الآية يقتضي وجوب الصلاة في كل حال- الصلاة وغيرها-، ويسقط ما سوى الصلاة بدليل، وبقي الأمر في الصلاة. 2418 - قلنا: الأمر لا يفيد التكرار عند الشافعي، ثم لو سلمنا ذلك اقتضى ظاهر الآية وجوب الصلاة بكل حال، فنقول بذلك على ما حكاه الطحاوي، ولا يمكنهم استعماله إلا بالتخصيص، ومن استعمل العموم أولى ممن خصصه. 2419 - قالوا: قال الله تعالى: {وسلموا تسليما} فدل على أن الصلاة المأمور بها التي يتعقبها السلام. 2420 - قلنا: لو كان المراد ما قلتموه لقال: وسلموا تسليما؛ لأن سلام الصلاة معرف، فلما ذكر سلاما منكرا دل على أن المراد به: السلام لأمره تعالى، كما قال: {ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}. 2421 - قالوا: وروى كعب بن عجرة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في

صلاته: (اللهم صل على محمد)، وقال: (صلوا كما رأيتموني أصلي). 2422 - والجواب ما قدمناه: أن قوله: (صلوا كما رأيتموني أصلي) يقتضي وجوب الاتباع إذا عرفنا جهة [الفعل] أنها واجبة أو مسنونة، ومتى أوقعنا الفعل على غير الجهة لم يجز، وقد اختلفنا في الجهة التي أوقع عليه الصلاة والسلام الفعل عليها. 2423 - قالوا: روت عائشة قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (لا يقبل الله صلاة إلا بطهور وبالصلاة علي). 2424 - قلنا: هذا الخبر قال الدارقطني: رواه عمر بن شمر عن جابر الجعفي، وهما ضعيفان. ثم هو محمول على الفضيلة؛ بدلالة ما قدمناه. ويجوز أن يقال: (لا يقبل) في ترك ما ليس بواجب؛ كما قال - عليه السلام -: (لا يقبل الله صلاة امريءحتى يضع الطهور مواضعه) وذكر في الخبر التحميد والتسبيح. وذكر الدارقطني حديث سهل بن سعد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا صلاة لمن لم يصل على نبيه)، وذكر الدارقطني أن رواية عبد المهيمن بن عباس عن أبيه عن جده سهل، قال:

وليس بالقوي. ثم يحتمل. لا صلاة على/ سائر الأنبياء إلا لمن يصلي علي. وذكر حديث أبي مسعود الأنصاري: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من صلى صلاة لم يصل فيها علي ولا على آل بيتي لم يقبل منه)، وذكر أن راويه جابر الجعفي، وقد اختلف عليه: فمرة أوقفه على أبي مسعود، ومرة أسنده، ولو ثبت كان المراد به الاستحباب؛ ألا ترى أن ذلك هو المراد في الصلاة على أهل بيته. 2425 - قالوا: روى فضالة بن عبيد قال: سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلا يدعو في الصلاة، فلم يحمد الله ولم يصل على رسول الله، فقال: (عجل هذا)، فدعاه فقال له ولغيره: (إذا صلة أحدكم فليبدأ بالحمد لله والثناء عليه ثم يصلي علي، ثم يدعو بعد بما شاء. 2426 - والجواب: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تركه حتى فرغ من الصلاة ولم يأمر بإعادتها، فدل على أنه ذكر على طريق الاستحباب. 2427 - قالوا: روى أبو مسعود الأنصاري قال: أقبل رجل حتى جلي بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن عنده، فقال: يا رسول الله، أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا؛ فقال: إذا صليتم علي فقولوا: اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد).

2428 - والجواب: أنه قال: (إذا صليتم فقولوا كذا)، وهذا أمر يتعلق بشرط اختيار الفعل، وذلك لا يدل على الوجوب قبل اختيار الصلاة. ولأنه قدر أريد به الاستحباب في أكثر الألفاظ؛ لأن الواجب عندهم: اللهم صل على محمد، وما سواه ليس بواجب. 2429 - قالوا: كل ما كان ذكره شرطا في الأذان كان ذكره شرطا في الصلاة، كالله تعالى. 2430 - قلنا: ذكر الله تعالى ليس بشرط في الصلاة عندنا؛ لأن التحريمة خارج الصلاة، ويجوزان على ما ليس فيه ذكر الله تعالى. ولأن ذكر النبي [- صلى الله عليه وسلم -] [في الأذان] شرط [في كونه] مسنونا، وكذلك هو شرط عندنا في سنة الصلاة، فأما في الوجوب فلا. ولأن ذكر الله تعالى لا يتكرر وجوبه في ركن واحد، وكذلك ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يتكرر وجوبه في ذكر واحد. 2431 - قالوا: كلما افتقر إلى ذكر الله افتقر إلى ذكر رسوله، كالإيمان، وهذا معنى قوله [تعالى]: {ورفعنا لك ذكرك}، قيل في التفسير: لا أذكر إلا وتذكر معي. 2432 - قلنا: نعكس هذه العلة، فنقول: ما افتقر إلى ذكر اسم الله لم يقف صحته على الصلاة على رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -]، كالإيمان. وقوله: {ورفعنا لك ذكرك} يدل على أنه يذكر مع ذكره، ولا يدل على الوجوب ولا على الاستحباب. * * *

مسألة 129 السلام ليس بركن

مسألة 129 السلام ليس بركن 2433 - قال أصحابنا: السلام ليس بركن. 2434 - وقال الشافعي: هو ركن. فاما الخروج بفعله فاختلف أصحابنا فيه: 2435 - فقال أبو سعيد: هو واجب عند أبي حنيفة. 2436 - وقال [أبو] الحسن: ليس بواجب عنده. والكلام في هذه المسألة يقع في فصلين: أحدهما: نفي الوجوب، والآخر: أن السلام ليس من الصلاة. 2437 - والدليل على الأول: حديث ابن مسعود: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما علمه التشهد قال له: (فإذا فعلت هذا أو قلت هذا فقد تمت صلاتك، فإن شئت ان تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد، واختر من أطيب الكلام ما شئت)، فحكم بتمام الصلاة قبل السلام، وخيره بين القعود والقيام، وهذا ينفي بقاء واجب عليه.

2438 - قالوا: هذه الزيادة في الخبر، قيل: إنها من قول ابن مسعود [وأدرجها الراوي في الخبر. وقد روى ثوبان هذا الخبر، وجعل آخره من قول ابن مسعود]. وروى الخبر جماعة من غير ذكر هذه الزيادة. وقد روى شبابة بن سوار هذا الخبر عن زهير بن معاوية وقال فيه: قال عبد الله: فإذا قلت ذلك فقد قضيت ما عليك، ففصل ذلك من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وكذلك رواه غسان بن ربيع. 2439 - قلنا: قد روي هذا على ما ذكرتم، وروى موسى بن داود وغيره الخبر وذكر فيه بعد قوله: أشهد أن محمدا عبده ورسوله قال: ثم قال: إذا قضيت هذا فقد تمت صلاتك، إن شئت تقوم قم وإن شئت [أن] تجلس فاجلس. فظاهر هذا أنه من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويجوز أن يرويه ابن مسعود تارة، ويفتي به أخرى. 2440 - وروى أبو سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا شك أحدكم في صلاته فليلغ الشك، وليبن على اليقين، فإذا استيقن التمام سجد سجدتين، فإن كانت صلاته تامة كانت الركعة نافلة). ولو كان السلام ركنا لم يصح النفل مع بقائه. وحديث عبد الله بن عمرو والذي قدمناه دليل في هذا. ولأنهما ذكران متكرران يتعلقان بالصلوات فالأول منهما في حكم الثاني، كالأذان والإقامة. 2441 - قالوا: المعنى في الثانية: أنه لا يسقط بها ما هو شرط في الصلاة،

فكانت واجبة. 2442 - قلنا: لا نسلم هذا- على قول أبي الحسن-. ولو سلمناه بطل بمتابعة الإمام: تسقط القراءة إذا أدركه في الركوع، وليس بواجب. ولأنه ذكر لا يتعقبه شيء من أفعال الصلاة، كتكبير التشريق. ولأته ذكر شرع بعد التشهد، كالدعاء. 2443 - فأما الدليل على أنها خارج الصلاة لأنها تحية للحاضر، كالثانية. ولأن ما يفسد الصلاة إذا وقع به الخروج أبطل الجزء الذي يصادفه، أصله: إذا سلم في وسط الصلاة. 2444 - ولا يقال: إن التسليم إنما يبطل إذا اعتمد في خلالها، وهذا موجود في الركوع؛ لأنا لا نسلم أن اعتماد زيادة ما دون الركعة يفسدها. ولأنه ذكر يفعل إلى غير القبلة فلا يجب في الصلاة، أو لا يكون منها، كالتسليمة الثانية، وعكسه التكبير والقراءة. 2445 - قالوا: ليس [كل ما] إذا فعل لغير القبلة انتفي وجوبه؛ لأن الركوع والسجود يفعل إلى غير القبلة، ألا ترى أنه لا يترك توجيه ما يقدر على توجيهه، وما لا يمكن أن يتوجه به لا يخرج من أن يكون موضوع الركن إلى القبلة، ألا ترى أن القائم من سنته ان ينظر إلى موضع سجوده، ولا يخرج ذلك القيام أن يكون مفعولا إلى القبلة. 2446 - والدليل على أنه خرج بغير السلام: أن كل فعل منه لو حصل في وسط الصلاة أفسدها إذا حصل في آخرها صح به الخروج، كالسلام. 2447 - احتجوا: بما رواه على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم). 2448 - والجواب: أن هذا الخبر رواه عبد الله بن محمد بن عقيل، فرواه من طريق أبي سعيد الخدري أبو سفيان طريف بن شهاب السعدي، وكلاهما ضعيف الرواية. ولو ثبت لم يدل، لأن قوله: (تحليله التسليم) يدل أن جنس السلام يقع

به التحليل، ولا يدل أن جنس [السلام] يقف على التحليل. ولا يقال: إنه إذا قيل: مال فلان الإبل؛ اقتضى أن لا مال له غيره؛ لأنا لا نسلم ذلك، بل عندنا أن ذلك جل ماله، ولا نيفي غيره. 2449 - قالوا: روى جابر بن سمرة قال: كان إذا صلينا خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسلم أحدنا أشاره بيده [من] عن يمينه [ومن] عن يساره، فلما صلى قال: (ما بال أحدكم يومئ بيديه كأنها أذناب خيل شمس! إنما يكفي أحدكم أن يقول هكذا- وأشار بأصبعه- يسلم على أخيه [من عن يمينه ومن عن شماله)] فثبت أن الكفاية [هو السلام]. 2450 - قلنا: ذكر الكفاية في الإشارة، ولا خلاف أن ذلك ليس بواجب، وأن الكفاية تستعمل في الواجب والمسنون. 2451 - قالوا: كل ما كان شرطا في صحة الصلاة إذا سقط بالنطق لم يسقط بغيره، كالقراءة. 2452 - قلنا: لا نسلم أن الخروج شرط. ولو سلمناه بطل بالقراءة؛ لأنها تسقط بالمنطق، وبمتابعة الإمام- وليس بنطق-. ثم المعنى في القراءة أنها [إن] كانت من جنس المعجز جاز أن تجب في الصلاة، [و] ما لم يكن السلام من جنس المعجز لم يجب فيها.

2453 - قالوا: أحد طرفي الصلاة فافتقر إلى نطق واجب، كالطرف الأول. 2454 - قلنا: الطرف الأول يحتاج إلى الدخول والالتزام، وذلك يقف على اللفظ، والطرف الآخر يحتاج إلى الخروج والترك، فلذلك لم يفتقر إلى اللفظ. ونعكس فنقول: أحد طرفي الصلاة فلم يجب فيه التسليم، كالطرف الأول. 2455 - قالوا: عبادة تفتقر إلى ذكر يستقبل به القبلة، فوجب أن تفتقر إلى ذكر [لا] يستقبل به القبلة، [كالأول والجمعة. 2456 - قلنا: ينتقض هذا بالحج- على أصلنا-؛ لأنه يفتقر إلى التلبية، وموضوعها إلى القبلة، ولا يفتقر إلى ذكر لا يستقبل به القبلة. ولأن الجمعة لما افتقرت إلى ذكر لا يستقبل به القبلة لم يكن ذلك الذكر مبتدأ به مع بقاء الصلاة، ولا يشترط فيه الاستقبال، فلم يكن واجبا. ولن الجمعة قد تأكدت في الشرائط [فلم يعتبر غيرها بها]. ولأن الأفعال تجب إلى القبلة، ولم يدل ذلك على وجوب فعلها إلى غيرها، كذلك الأذكار. 2457 - قالوا: ما ينقض الطهارة لا تتم به الصلاة عندنا. 2458 - قلنا: لأنها قد تمت قبله على قول أبي الحسن. ولو قلنا بقول غيره فالحدث يسقط به الواجب وإن لم يكن في نفسه واجبا، كما تسقط الصلاة الواجبة بما فعله في الدار المغصوبة. [و] لأن انقضاء مدة المسح يؤثر في الطهارة، ويستند [إلى حال] سابقة، فيصير الحدث كالموجود في الصلاة، والحدث المستند لا يستند إلى أمر سابق، فإنما يؤثر في الجزء الذي يصادفه، كالسلام.

2459 - احتجوا: في أن السلام في الصلاة/ بقول ابن مسعود: ما نسيت من الأشياء لم أنس تسليم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة عن يمينه وشماله. 2460 - وقالت عائشة [رضي الله عنها]: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسلم في الصلاة تسليمة واحدة تلقاء وجهه. 2461 - والجواب: أن [في] بمعنى: من؛ بدلالة [أن] ابن مسعود ذكر التسليمتين، ولا خلاف أن الثانية ليست في الصلاة، فعلم أن المراد بالخبر: كان يسلم من الصلاة، وهذه الحروف تقوم بعضها مقام بعض. 2462 - قالوا: ذكر يسقط به ما هو شرط في صحة كل صلاة، فوجب أن يكون فيها، كالقراءة. 2463 - قلنا: الوصف غير مسلم على ما قدمناه. ولأن سقوط الشرط بالذكر لا يدل على أنه في الصلاة، كالخطبة. ثم المعنى في القراءة [ما] قدمناه. 2464 - قالوا: لا خلاف أنه إذا ابتدأ السلام وقع في الصلاة، فكيف يكون فيها إذا أكمله. 2465 - قلنا: إذا ابتدأ وقع في الصلاة- وذلك الجزء منها مراعى فإذا تم خرج من أن يكون صلاة، وقد يبتدئ بالفعل صلاة ثم يخرج بعد ذلك، كالصلاة التي يفسدها. * * *

مسألة 130 لا يجوز الدعاء في الصلاة بما يشبه الناس مثل أن يسأل تزويج امرأة أو تمليك عبد وثوب

مسألة 130 لا يجوز الدعاء في الصلاة بما يشبه الناس مثل أن يسأل تزويج امرأة أو تمليك عبد وثوب 2466 - قال أصحابنا: لا يجوز الدعاء في الصلاة بما يشبه خطاب الناس، مثل أن يسأل تزويج امرأة أو تمليك عبد وثوب. 2467 - وقال الشافعي: كل ما ساغ الدعاء به في غير الصلاة ساغ فيها. 2468 - لنا: حديث معاوية بن الحكم - رضي الله عنه - أن النبي قال: (إن صلاتنا لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي تكبير وتسبيح وقراة القرآن) فظاهره نفي ما سوى ذلك من الذكر. 2469 - ولا يقال: إن الخبر خرج على سبب، وهو أن معاوية شمت عاطا، فنهاه عن مخاطبة الغير؛ لأن محل الاحتجاج بعموم اللفظ- وإن كان السبب خاصا-. وروى سعد أنه رأى ابنه يدعو في صلاته فقال: لا تتعدى في

الدعاء، إنما يكفيك أن تقول: اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، وأعوذ بك من النار وما قرب [إليها] من قول وعمل؛ إني سمعت رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] يقول: (سيكون قوم يعتدون في الدعاء)، ثم قرأ {ادعوا ربكم تضرعا وخفية* إنه لا يحب المعتدين}. وهذا يدل أنه في جملة الأدعية ما نهي عنه. ولأن ما يقولون يزيل هيئة الصلاة؛ ألا ترى أن من سمع رجلا يسأل الطعام والمرأة المعينة اعتقد أنه في غير صلاة، وما أزال هيئة الصلاة من الأذكار لم يجز فيها، كخطاب الآدميين. ولأنه كلام يتخاطب به الناس بينهم فلم يجز في الصلاة، كذكر السلام وتشميت العاطس. ولأنه نوع ذكر، فما أبيح منه خارج الصلاة جاز أن يفسد الصلاة، ككلام الآدميين. 2470 - احتجوا: بقوله عليه الصلاة والسلام لابن مسعود - رضي الله عنه - لما علمه التشهد: (ثم ليختر أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فليدع به). وروى فضالة بن عبيد - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلا يدعو في الصلة فقال: (عجل هذا) ثم دعاه، فقال له ولغيره: (إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد الله والثناء عليه، ثم يصلي علي ثم يدعو بما شاء). 2471 - والجواب: أن قوله لابن مسعود - رضي الله عنه -: (ثم ليختر أحدكم أعجب الدعاء) يدل على أن في الدعاء المباح ما منع منه. وقد روي أنه قال له: (واختر من أطيب الكلام ما شئت)، وهذا يدل على أنه يأتي بكل [دعاء]. ولأن هذا ذكر بعد التشهد، والكلام عندنا في تلك الحال يقع به الخروج ويقوم مقام السلام. ولأنه يحتمل أن يكون في حال إباحة الكلام. 2472 - وكذلك الجواب عن حديث أبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما رفع رأسه من

الركعة الأخيرة من الفجر قال: (ربنا لك الحمد، اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام). ولا يقال: إن حظر الكلام كان بمكة، وهذا بالمدينة؛ لأن الكلام قد أبيح بالمدينة، وروي عن زيد بن أرقم أنه قال: كنا نتكلم في الصلاة حتى نزل قوله {وقوموا لله قانتين}. 2473 - قالوا: روي عن علي أنه دعا في قنوته على قوم بأعيانهم. وعن أبي الدرداء أنه قال: إني لأدعو في صلاتهي لسبعين أخخ من إخواني بأسمائم وأنسابهم. 2474 - قلنا: قد عارضه حديث سعد. وروي [عن] جماعة من التابعين مثل قولنا. وقال طاووس: ادع في الفريضة بما في القرآن. وعن النخعي أنه كره أن يدعو في صلاته بما يشبه الكلام. 2475 - قالوا: كل دعاء ساغ في غير الصلاة ساغ فيها، كالدعاء بمصالح [الدين]. 2476 - قلنا: جواز الشي خارج الصلاة لا يدل على جوازه فيها؛ ألا ترى أن خطاب الغير بالتسبيح يجوز في غير الصلاة ولا يجوز فيها. ولأن الدعاء بمصالح الدين مما يشبه القرآن والأدعية، فلذلك جاز فيها. 2477 - قالوا: قال الله تعالى: {فادع لنا ربك يخرج [لنا] مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها [وفومها وعدسها]}، وأنتم لا تجوزون الدعاء بذلك،

وقد ورد به القرآن. 2478 - قلنا: إن قال: اللهم ارزقني من بقلها وقثائها وفومها وعدسها لم تفسد، لأن هذا قرآن، وإن ذكره لا على هذا الوجه أفسد؛ لأنه لا يشبه لفظ القرآن. ولأن هذا حكاه الله تعالى دعاء مذموما فلا يقتضي ذلك جوازه. * * *

مسألة 131 القنوات في الفجر ليس بسنة

مسألة 131 القنوات في الفجر ليس بسنة 2479 - قال أصحابنا: القنوت في الفجر ليس بسنة. 2480 - وقال الشافعي: هو سنة في الفجر بكل حال، وفي بقية الصلوات إذا حدثت حادثة بالمسلمين، وإن لم يحدث فله قولان. 2481 - والكلام في هذه المسألة يقع في بقية الصلوات ثم فجر الفجر. 2482 - والدليل على أنه لا يقنت في جملة الصلوات: أن القنوت أمر ظاهر، فلو كان سنة لفعله النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولو داوم عليه لنقل من طريق الاتسفاضة؛ كنقل سائر الأذكار، فلما لم ينقل دل على أنه ليس بسنة. وقد ادعى الطحاوي الإجماع في هذا الفصل، وقال: إن السلف اختلفوا، والفقهاء بعدهم: فمنهم من أثبت القنوت في بعض الفرائض، ومنهم من نفاه، ولم يقل أحد القنوت في جميع الصلوات إلا الشافعي، فلا يعتد بخلافه على الإجماع. 2483 - ولا معنى لقولهم: إنه روي عن علي أنه قنت في المغرب؛ لأن هذا لا

يعترض على الإجماع؛ ألا ترى أنه لم يقنت في كل الصلوات. ولأن القنوت ذكر زائد فلا يفعل في جميع الواجبات، كتكبير العيد. 2484 - ولا يقال: فكان من جنسه ما يفعل في جميع الصلوات كتكبير العيد؛ لأن جنس القنوت: الدعاء، وذلك يفعل في كل الصلوات وإن لم يكن في محل القنوت. 2485 - وأما الكلام في الفجر، فالدليل عليه: ما روى إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: لم يقنت النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا شهرا، لم يقنت قبله ولا بعده. وروى أبو مالك الأشجعي سعد بن طارق قال: قلت لأبي: يا أبت، إنك قد صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي بالكوفة نحوا من خمس سنين، أكانوا يقنتون؟ قال: يا بني، محدث. وروي: بدعة. ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لو داوم على القنوت في الفجر لنقل ذلك كنقل القراءة والتكبير؛ لأن الحاجة إلى جميع ذلك على وجه واحد، فلما لم ينقل إلا من جهة الآحاد دل على أنه لم يداوم عليه. 2486 - وقد استدل أصحابنا بحديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن القنوت في الفجر. وعن صفية بنت أبي عبيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله. وقد اعترض عليه بأن راويه محمد بن يعلى زنبور عن عنبسة بن عبد الرحمن القرشي عن عبد الله بن نافع عن أبيه، قالوا: ومحمد بن يعلى وعنبسة وعبد الله بن نافع: ضعفاء. قالوا: ونافع لم يسمع من أم سلمة. وهذا حديث كوفي، وأصحاب الحديث يعترضون بعض رواة

الكوفيين بغير سبب يوجب الضعف. ولأنها صلاة مفروضة، كسائر الصلوات. ولأنها صلاة سن لها أذان وإقامة، أو صلاة شفع، أو صلاة يكفر جاحدها. ولأنها صلاة يدخل وقتها بطلوع الفجر، كركعتي الفجر. ولأنها صلاة نهار كالعيد. ولأنه ذكر زائد فلا يثبت في الفجر، كتكبير العيد. 2487 - احتجوا: بحديث أبي هريرة قال: لما رفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأسه من الركعة الثانية من الصبح قال: (اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وابن أبي ربيعة، والمستضعفين بمكة، واشدد وطأتك على مضر، ورعل، وذكوان، واجعل عليهم سنين كسني يوسف). قالوا: وهذا في صحيح البخاري. والجواب عنه: أنه لا دلالة فيه؛ لأن المذكور فيه مبارك بإجماع- وهو تسمية الرجال-، وإنما الخلاف في ذكر آخر لم يذكر في الخبر. ولأنه روي أنه - عليه السلام - ترك الدعاء بعد شهر، أو تسع وعشرين ليلة، فدل [على] أنه ليس بسنة حين لم يداوم عليه. 2488 - احتجوا: بحديث أنس قال: ما زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا. 2489 - والجواب: أن حديث أنس قد روي مختلفا: فروى أبو مجلز عن أنس قال: قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الفجر بعد الركوع شهرا يدعو على رعل وذكوان، وقال: (عصية عصوا الله ورسوله). وروى أبو معاوية عن عاصم، عن أنس - رضي الله عنه -.

قال: سألته عن القنوت قبل الركوع أو بعده؟ فقال: قبل الركوع، فقلت: إن أناسا يزعمون أن رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] قنت قبل الركوع، فقال: إنما قنت يدعو على أناس قتلوا أناس من أصحابه يدعون القراء. وإذا تعارض الخبر عنه كان الرجوع إلى خبر ابن مسعود الذي لم يتعارض أولى. ولا يجوز أن يقال: يجمع بين الروايتين أيضا فنقول: الذي روي أنه لم يترك القنوت/ يعني: تطويل القيام، وذلك يسمى قنوتا. وقد روي عن ابن عمر أنه قال: ما أعرف القنوت إلا طول قيام وسئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أفضل الصلاة، فقال: (طول القنوت)، يعني [طول] القيام. فأما الدعوة على الأئمة الأربعة فليس بصحيح؛ وإنما روي عن عمر أنه قنت وروي عنه خلافه: قال إبراهيم: حدثني الأسود أنه صحب عمر سنين في السفر والحضر فلم يقنت. وأن عثمان لم يقنت. وأن أهل العراق أخذوا القنوت عن علي، وأخذ أهل الشام عن معاوية. وقد روي عن ابن عباس وسعيد بن جبير أنه كان لا يقنت في الفجر.

[وعن] ابن عمر أنه قيل له: يمنعك الكبر من القنوت؟ فقال: ما أعرفه عن أصحابي. والذي روي من فعل علي فإنما فعله في المحاربة أياما ثم قال: لا أزيد على قنوت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فدل على أنه لا يرى القنوت بكل حال. 2490 - قالوا: كل ذكر كان مسنونا في صلاة الوتر كان مسنونا في صلاة الفجر، كالتكبيرات. 2491 - قلنا: يبطل بالتشهد الأول إذا أوتر بأكثر من ركعة. ولأن سائر الأذكار لما سنت في ركعتي الفجر سنت في فرضها، ولما لم يسن القنوت في ركعتي الفجر لم يسن في فرض الفجر. 2492 - قالوا: كل ذكر كان مسنونا في غير الفرائض وجب أن يكون من جنسه ما هو مسنون في الفرائض، كالاستفتاح والتشهد والمسح. 2493 - قلنا: نقول بموجبه؛ لأن القنوت دعاء، وجنس ذلك ثابت في الفرائض، وإنما يختلف المحل، فهو كتكبير العيد الذي يثبت جنسه في الفرائض وإن اختلف المحل. والمعنى فيما ذكروه [من] الأذكار أنها تثبت في جميع النوافل، فكذلك جاز أن يثبت من [جنسها] في الفرائض، ولما لم يسن القنوت في كل النوافل لم يسن في الفرائض. * * *

مسألة 132 الترتيب في الفوائت واجب ما لم تتكرر

مسألة 132 الترتيب في الفوائت واجب ما لم تتكرر 2494 - [قال أصحابنا]: الترتيب في الفوائت واجب ما لم تتكرر. 2495 - وقال الشافعي: لا يجب. 2496 - لنا: حديث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من نسي صلاة فلم يذكرها إلا وراء الإمام فليمض في هذه، ثم يصلي التي ذكر، ثم ليعد هذه. ووجوب الإعادة يدل على وجوب الترتيب. 2497 - ولا يقال: إن هذا الخبر موقوف على ابن عمر وإنما وهم فيه إبراهيم الترجماني فرفعه؛ لأن إبراهيم ثقة، فانفراده بالإسناد لا يوجب ضعف الخبر وإن أوقفه غيره. ولأن ابن عمر يجوز أن يكون اتخذه مذهبا فأفتى به. ولا معنى لاعتراض من اعترض عليه برواية سعيد بن عبد الرحمن- راوي هذا الخبر، قاضي مدينة السلام، الهادي، والذي صلب محمد بن سعيد الشامي- وقد قال الطحاوي: لم ينقل عن

ابن عمر من الصحابة خلاف هذا، وقوله حجة. 2498 - قالوا: قوله - عليه السلام -: (فليمض في هذه) يقتضي وجوب المضي، وقوله: (وليعد) يقتضي وجوب الإعادة، فعندكم المضي استحباب والإعادة واجبة، وعندنا المضي واجب والإعادة استحباب، فتساويا في ترك أحد الظاهرين. 2499 - قلنا: عندنا المضي واجب في إحدى الروايتين، ذكرها الطحاوي. ثم قوله: (وليعد) الإعادة لا تقال إلا فيما لم يقع موقعه، فيسقط الفرض بالثاني، فأما إذا فعل مثل ذلك الفعل والفرض يسقط بالأول لم يطلق الاسم عليه. 2500 - وروى أصحابنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا صلاة لمن عليه صلاة). وروى قتادة عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، فإن ذلك كفارتها، لا كفارة لها إلا ذلك). وقوله: (لا كفارة لها إلا ذلك) يقتضي وجوب تقديمها على صلاة الوقت؛ لأن صلاة الوقت كفارة إذا فعلها بعدها. ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخر الصوات يوم الخندق وقضاها مرتبة، وفعله في الفوائت ببيان لفعله في صلاة الوقت. ولا يقال: إن جواز تأخير الصلاة للخوف قد نسخ؛ لأن التأخير كان لعدم القدرة على الفعل لأجل القتال، وهذا لم ينسخ، ولو

نسخ جواز التأخير بقي حكم الترتيب فيما فات وقته. ولأنهما صلاتان واجبتان جمعهما وقت واحد يتسع لهما يفعلان فيه لا على وجه التكرار، فلزم الترتيب فيهما، كصلاتي عرفة والمزدلفة. ولا يلزم المنسية؛ لأنها ليست واجبة مع النسيان؛ ألا ترى أنه لو فعلها لم يقع موقع الواجب. 2501 - ولا يقال: إن صلاة العصر بعرفة ليست واجبة؛ لأنها إذا فعلت كانت واجبة. ولأن كل شرط اعتبر في الصلاتين- إذا كانت إحداهما واجبة والأخرى جائزة جاز أن يعتبر بين الواجبين، كالطهارة وستر العورة. 2502 - ولأن كل ترتيب واجب مع بقاء الوقت [جاز أن يجب بعد الفوات، كترتيب الركوع والسجود. ولأن الواجب عليه مع بقاء الوقت] الترتيب في الفعل والوقت، فإذا فات الوقت تعذر الترتيب في الوقت، فبقى الترتيب في الفعل ممكنا، فوجب عليه فعله. 2503 - ولا يقال: المعنى في جميع ما قستم عليه أن الترتيب يجب فيه مع النسيان، ولما لم يجب هذا الترتيب مع النسيان لم يجب مع الذكر؛ لأنا لم نسلم هذا، ولا نقول في جميع المواضع يوجب الترتيب ناسيا، وإنما يجب عليه بعد الذكر عبادة أخرى، والعبادات المبتدأة تجب بحسب الدلالة. ولأنه قد يسقط الشيء [بالنسيان]- لأنه عذر- ولا يسقط مع عدمه لفقد العذر. 2504 - ولا يقال: إن مع بقاء الوقت لا يتصور الترتيب إلا من حيث الوقت، فأما الفعل فلا؛ وذلك لأنه يتصور بالفعل؛ ألا ترى أن في صلاتي عرفة وفي الجمع في حال السفر عندهم يسقط الترتيب بالوقت، ويجب الترتيب بالفعل؟! 2505 - احتجوا: بحديث ابن عباس [- رضي الله عنهم -] أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أمني

جبريل عند البيت مرتين، وقال لي: ما بين هذين وقت)، وهذا يقتضي أن الوقت جيمعه للظهر وحدها. 2506 - والجواب: أن الخبر اقتضى كون الوقت لها، وخبرنا اقتضى كونه وقتا للفائتة، والكلام يقع في تقديم أحد الواجبين، ولا دلالة في الخبر على هذا. ولأن كونه وقتا لها لا يمنع من وجوب فعل غيرها قبلها. 2507 - احتجوا: بقوله - عليه السلام -: (فلا ينصرفن حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا). 2508 - والجواب: أن هذا يقتضي النهي عن الانصراف، وعندنا يمضي في الصلاة، ولا ينصرف عنها. 2509 - قالوا: عبادتان يسقط الترتيب فيهما مع النسيان فوجب أن يسقط مع الذكر، أصله: إذا فاته يومان من رمضان، وأصله: آخر الوقت، وعكسه صلاتي عرفة. 2510 - قلنا: سقوط الفرض مع [النسيان لا يدل على سقوطه مع] الذكر؛ لأن النسيان عذر، وقد يسقط الفرض بالعذر وإن لم يسقط بغيره. ولأن قضاء رمضان فرض متكرر، والفرائض المتكررة لا ترتيب فيها، كالفوائت إذا كثرت، والصلوات فرض لم يتكرر، فصار كالسجود والركوع. ولا يقال: هذا يبطل بظهرين من يومين لأن الترتيب واجب فيها عندكم وإن كانت متكررة؛ وذلك أن الظهر الثانية لا تجب إلا في آخر وقتها، والترتيب هناك ساقط، فإذا دخل وقت العصر [فقد] سقط الترتيب؛ لأن المعتبر ليس هو كون الفوائت ستة، وإنما المعتبر أن يكون بين الصلاتين أكثر من خمسة. ذكره الطحاوي في مختصره. 2511 - قالوا: صلوات فوائت، أو صلوات استقرت في الذمة، فأشبهت إذ دخلت في التكرار.

2512 - قلنا: إذا دخلت في التكرار لحق مشقة بترتيبها، ولما لم تتكرر لم يلحق المشقة، فلذلك سقط الترتيب في أحد الموضعين دون الآخر. ولأنا بينا أن التكرار له تأثير في الترتيب. 2513 - ولا يقال: لو كان الترتيب واجبا لم يسقط وإن تكرر، كترتيب السجود والركوع؛ لأن ترتيب السجود على الركوع أقوى من ترتيب العبادتين إحداهما على الأخرى؛ ألا ترى أنه [لا ينفرد] الركوع عن السجود وقد تنفرد إحدى الصلاتين عن الأخرى، فلقوة الترتيب هناك وجب وإن تكررت العبادة. 2514 - قالوا: الترتيب في العبادات ضربان: ترتيب من ناحية الوقت، وترتيب من ناحية الفعل، فالترتيب في الوقت: يسقط بفواته، كصوم رمضان وقضاء رمضانين، والترتيب من حيث الفعل: لا يسقط بحال، كصوم الكفارة. والعصر والمغرب ترتيبها من حيث الوقت، فسقط بالفوات. 2515 - قلنا: الترتيب في الصلوات قد بينا أنه من حيث الفعل والوقت؛ ألا ترى أن الوقت قد يسقط في صلاتي عرفة ويبقى ترتيب الفعل. فإذا فاتت الصلوات سقط ترتيب الوقت وبقي ترتيب الفعل. * * *

مسألة 133 إذا سلم على المصلي لم يرد بلسانه لا بالإشارة

مسألة 133 إذا سلم على المصلي لم يرد بلسانه لا بالإشارة 2516 - قال أصحابنا: إذا سلم على المصلي لم يرد بلسانه ولا بالإشارة. 2517 - وقال الشافعي: يشير برأسه. وفي قول آخر: بيده. 2518 - لنا: حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: خرجت في حاجة ونحن نسلم بعضنا على بعض في الصلاة، ثم رجعت فسلمت فلم يرد علي- يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: (إن في الصلاة شغلا)، وقوله: فلم يرد علي يدل على أنه لم يرد بلسانه ولا بغيره. وقوله - عليه السلام -: (إن في الصلاة شغلا) تنبيه على أنه لا يشتغل عنها بالرد. 2519 - وروى أبو الزبري عن جابر - رضي الله عنه - قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فبعثني في حاجة، فانطلقت إليه، فسلمت عليه فلم يرد علي ورأيته يركع ويسجد، فلما سلم

رد علي. ولأنه إن كان يشير بيده فقد قال - عليه السلام -: (كفوا أيديكم عن الصلاة)، وإن كان برأسه فقد قال: (اسكنوا في الصلاة). ولأنها إشارة تنبئ عن معنى ليس فيه إصلاح الصلاة، فصار كالإشارة في حوائجه. 2520 - احتجوا: بحديث ابن عمر/ قال: خرج سول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى قباء فصلى فيه، فجاءت الأنصار فسلموا عليه وهو يصلي، فقال: لبلال: كيف رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين كانوا يسلمون عليه [وهو يصلي]، قال: كان يقول هكذا- وبسط كفه- يعني: أشار بيده. وروي أنه قال: وكان معه صهيب، فسألته: كيف كان يرد عليهم، قال: كان يشير بيده. 2521 - والجواب: أنه حكاية فعل، فيحتمل أن يكون أشار بيده يسكنهم ويمنعهم من السلام؛ لئلا يشغلوه عن صلاته. 2522 - قالوا: عمل يسير فأشبه الخطوة والضربة على الحربة. 2523 - قلنا: هذا يفعل لإصلاح الصلاة، حتى لا يشغل قلبه بها، والخلاف فيما وقع لغير صلاحها. * * *

مسألة 134 إذا سبح في صلاته يردي خطاب غيره ولا يقصد بذلك إصلاح الصلاة فسدت، وكذلك إن فتح القرآن على غير الإمام

مسألة 134 إذا سبح في صلاته يردي خطاب غيره ولا يقصد بذلك إصلاح الصلاة فسدت، وكذلك إن فتح القرآن على غير الإمام 2524 - قال أبو حنيفة ومحمد: إذا سبح في صلاته يريد خطاب غيره ولا يقصد بذلك إصلاح الصلاة فسدت، وكذلك إن فتح القرآن على غير الإمام. 2525 - وقال أبو يوسف: لا يبطل. وبه قال الشافعي. 2526 - لنا: حديث معاوية بن الحكم - رضي الله عنه - أنه شمت عاطسا، فقال له - عليه السلام -: (إن صلاتنا لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي تكبير وتسبيح وقراءة القرآن)، ومعلوم أن التشميت ذكر الله تعالى ودعاء، إلا أنه أنكره لأنه قصد به خطاب الآدمي، فدل على أن ذكر الله تعالى يجوز أن يفسد الصلاة. ولا يقال: إنه لم خطاب الآدمي، فدل على أن ذكر الله تعالى يجوز أن يفسد الصلاة. ولا يقال: إنه لم يأمره بالإعادة، لأن قوله [- عليه السلام -]: (لا يصلح فيها شيء من كلام الناس)

يدل على الفساد، ومتى فسدت وجبت الإعادة. ويجوز أن يكون تحريم الكلام لم يبلغ معاوية فلم يلزمه حكمه. 2527 - ولا يقال: إنه جوز التسبيح؛ لأنه لما منع عن خطاب الآدميين وليس فيه إصلاح الصلاة أبطلها، كسائر الكلام. وكمن قال: يا يحيى خذ الكتاب، وهو لا يريد التلاوة. ولا يلزم من سبح ليعلم غيره أنه في الصلاة؛ لأن هذا رفع لإصلاحها. ولأن الصلاة تتضمن الأفعال والأذكار، فإذا جاز أن تفسد بالأفعال الموضوعة فيها- كمن زاد في صلاته ركعة- جاز أن تفسد بالأذكار الموضوعة فيها. ولا يصح القول بموجب هذه العلة فيمن قال: يا يحيى خذ الكتاب وهو لا يقصد التلاوة؛ لأن ما لا يقصد به التلاوة ليس بمشروع فيها. ولأنه ذكر مشروع في الصلاة، فجاز أن تفسد به، أصله: إذا قال: يا يحيى خذ الكتاب وهو لا يقصد التلاوة. ولأن التسبيح من أذكار الصلاة فجاز أن تفسد به، كالسلام إذا اعتمده في حال صلاته. 2528 - احتجوا: بحديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا نابكم في صلاتكم [شيء] فليسبح الرجال ولتصفق النساء). 2529 - والجواب: أن قوله: (إذا نابكم في الصلاة) يقتضي أمرا حدث فيها، وذلك لا يفسد الصلاة متى سبح لأجله؛ الدليل عليه: أن الأمر إذا لم يحمل على الوجوب حمل على الندب، ولا يندب إلى التسبيح إلا إذا أصلح به الصلاة. 2530 - قالوا: الخبر خرج على سبب، وهو أنه - عليه السلام - مضى ليصلح بين بني عمرو بن

عوف، فحان وقت الظهر، فقدم الناس أبا بكر ليصلي بهم، فوافى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم في الصلاة، فأكثروا التصفيق ليعلموا أبا بكر مجيء رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -]. 2531 - قلنا: هذا هو الدليل؛ لأن مجيء النبي - صلى الله عليه وسلم - سبب في تأخير أبي بكر؛ إذ لا يجوز أن يتقدم عليه، وهو أمر حادث في الصلاة فقصدوا إصلاحها. 2532 - قالوا: ذكر أبو داود عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم -[قال]: (التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء). 2532 - قلنا: هذا بعض الخبر، وتمامه ما قدمناه. 2534 - قالوا: روي عن علي [- رضي الله عنه -]: كانت لي ساعة من وقت السحر أدخل فيها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن كان في الصلاة سبح، وكان إذنا. 2535 - قلنا: قد روى الطحاوي في هذا الخبر أنه قال: كنت إذا دخلت عليه وهو يصلي تنحنح. ولأنه يجوز أن يكون سبح ليعلم أنه في الصلاة، وهذا لا يفسد عندنا. 2536 - قالوا: روي عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها أنها قالت: دخلت على عائشة [رضي الله عنها] في كسوف الشمس وهي تصلي عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا أم المؤمنين ما شأن الناس؟ فأشارت برأسها [إلى السماء]، أي: نعم. 2537 - قالوا: فقد سبحت لتعلمها بالكسوف. ولا شك ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

علم ذلك ولم ينكره. 2538 - قلنا: علم النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يعلم إلا بنقل- ولم ينقل-، وفعلها في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يكون حجة. ويجوز أن يكون سبحت لتكفها عن سؤالها، وأشارت إلى السماء لتعلمها بالحادث، والتسبيح لإصلاح الصلاة والإشارة لا تفسد. 2539 - قالوا: التسبيح إذا قصد به التنبيه لم يبطل صلاته، كما لو سبح بإمامه. 2540 - قلنا: إذا سبح بإمامه فقد قصد إصلاح صلاته، والأذكار وضعت في الصلاة لهذا المعنى، ومتى سبح بعيره فنهاه عن شيء أو أمره به فلم يقصد به إصلاح الصلاة، فكان منهيا عنه، كالفعل الذي لا يقصد به إصلاح الصلاة. 2541 - قالوا: [إن] كان التسبيح كلاما يبطل الصلاة إذا كان مع غير الإمام أبطلها إذا كان معه، كالكلام. 2542 - قلنا: الكلام ليس من أذكارها، فلم يجز فيها وإن قصد به إصلاحها والتسبيح من أذكارها، فجاز أن يختلف بالقصد، كالسلام. 2543 - قالوا: فتح القراءة على غيره فلم تبطل صلاته، كما لو فتح على الإمام. 2544 - قلنا: إذا فتح على الإمام فقد تلا القرآن لإصلاح الصلاة، فصار كالقارئ بنفسه، وإذا فتح على غيره فلم يقصد إصلاح الصلاة، فهو كمن تلا يخاطب غيره ولا يقصد القرآن. * * *

مسألة 135 إذا صلى وكشف من عورته المغلظة مقدار الدرهم ومن المخففة ما دون الربع جاز

مسألة 135 إذا صلى وكشف من عورته المغلظة مقدار الدرهم ومن المخففة ما دون الربع جاز 2545 - قال أصحابنا: إذا صلى وقد كشف من عورته المغلظة مقدار الدرهم، ومن المخففة ما دون الربع جاز. 2546 - وقال الشافعي: لا يجوز. 2547 - لنا: قوله تعالى {خذوا زينتكم عند كل مسجد}، ويقال: أخذ زينته وإن كشف الثمن من فخذه. 2548 - وقال عليه الصلاة والسلام: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)، فظاهره يقتضي أنها [إن] تخمرت وانكشف شيء من بدنها جاز.

2549 - وروى أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (الفخذ عورة والفرج فاحشة)، وهذا يقتضي افتراقهما في باب الستر، فمن سوى بينهما وجعل وجوب أحدهما كوجوب الآخر فقد خالف الخبر. ولأنه شرط من شرائط الصلاة لا ينتقل إلى بدل، فاختلف حكم كثيره ويسيره، كالنجاسة. ولأنه تجوز الصلاة مع تركه حال العذر من غير بدل، فاختلف قليله وكثيره حال عدم العذر، كالمشي. 2550 - ولأن ما اختلف في كونه عورة إذا صلى مع كشف اليسير منه جازت صلاته، كالركبة. 2551 - احتجوا: بقوله تعالى: {خذوا زينتكم}. [قالوا]: والمراد: ثيابكم، وهذا مجمل، ففعله عليه السلام بيانه، ولم يصل قط إلا بعد ستر جميع العورة، فكان واجبا. 255 - والجواب: أن الآية ليست مجملة؛ لأنها تقتضي أخذ ما يسمى زينة، وهذا معنى مفهوم لا يحتاج إلى بيان. 2553 - قالوا: روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بجرهد وهو كاشف فخذه/ فقال له: (غطها فإن الفخذ من العورة).

2554 - والجواب: أن هذا يقتضي وجوب التغطية، وعندنا أنها تجب، فإذا ترك بعضها عفي عنه. ولأن الخلاف في تغطيتها للصلاة، وأما من الآدمي فيجب في الجميع، ولم يذكر في الخبر الصلاة. 2555 - قالوا: روت أم سلمة قالت: قلت: يا رسول الله، تصلي المرأة بخمار ودرع إذا لم يكن عليها إزار؟ فقال: (نعم). 2556 - فلا يدل على نفي ما عداه. ولأن تغطية القدم واجبة في إحدى الروايتين. 2557 - قالوا: كل عضو لو انكشف ربعه منع الصلاة، إذا انكشف أقل من ربعه منع، كالعورة المغلظة. 2558 - قلنا: اعتبار إحدى العورتين بالأخرى فاسد؛ لتغليظ أحدهما وتخفيف الآخر، ولأن أحدهما مجمع عليه، ولأن أحدهما مختلف فيه، فلم يصح اعتبار أحدهما في القدر بالآخر. ولأن ما دون الربع في العورة المغلظة قد يعفى عنه عندنا؛ لأن السرة قد يكون ربعها مقدار الدرهم فيعفى عنه. 2559 - قالوا: كشف من عورته ما هو قادر على تغطيته، كما لو كشف ربع فخذه. 2560 - قلنا: ما كان شرطا من شرائط الصلاة جاز أن يختلف اليسير منه والكثير- كالنجاسة-، فلم يجز قياس أحدهما على الآخر. ولأن اليسير لا يمكن الاحتراز منه؛ لأن الإنسان قد يغفل عنه في العادة، والكثير يمكن الاحتراز منه، فلذلك افترقا. 2561 - قالوا: لما وجب في تغطيته عن الغير التسوية فيما دون الربع والربع، كذلك في باب الصلاة. 2562 - قلنا: التغطية عن الغير إنما يمنع للشهوة، وذلك يستوي فيه القليل والكثير، والستر في الصلاة؛ طلب لأنه شرط فيها قد يختلف فيها القليل والكثير.

مسألة 136 ركبة الرجل عورة

مسألة 136 ركبة الرجل عورة 2563 - قال أصحابنا: ركبة الرجل عورة. 2564 - وقال الشافعي: ليست بعورة. 3565 - لنا: ما روى علي قال - رضي الله عنه -: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الركبة من العورة)، ذكره الدارقطني. 2566 - وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ما بين السرة والركبة عورة)، فلا تجزي الصلاة مع كشف ذلك، فجعل الركبة غاية، والغاية قد تدخل في الكلام وقد لا تدخل، فوجب تغطيتها لتؤدى الصلاة [بيقين]؛ ولأنه عضو مختلف في كونه عورة من الرجل، فأشبه الفخذ. 2567 - ولأنه شرط من شرائط الصلاة شرع فرضه إلى غاية، فكانت الغاية داخلة فيه، كالوضوء. 2568 - احتجوا: بحديث أبي أيوب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما فوق الركبتين من العورة) وحديث عمرو بن شعيب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا زوج الرجل أمته فلا تنظر

إلى عورته، فإن عورة الرجل إلى ما تحت السرة إلى الركبة. 2569 - والجواب: أن الخبر بقتضي أن ما فوق الركبتين من العورة، ولا ينفي ما سواها، وخبرنا اقتضى كونها من العورة. والخبر الثاني حجة لنا على ما بيناه. وذكر الطحاوي عن أبي موسى أنه قال: لا أعرفن أحدا نظر إلى جارية إلا إلى ما فوق سرتها وأسفل ركبتها إلا عاقبته. وهذا يدل أن الكربة عورة. ولم يحك عن غيره ضده. * * *

مسألة 137 قدم المرأة ليس بعورة

مسألة 137 قدم المرأة ليس بعورة 2570 - قال أصحابنا: قدم المرأة ليس بعورة- في إحدى الروايتين-. وروي عنهم أنه عورة. 2571 - وهو قول الشافعي. 2572 - لنا: أن المرأة تحتاج إلى كشف قدمها عند مشيها كما تحتاج إلى إظهار وجهها ويدها عند المعاملة، فإذا خرج أحدهما من أن يكون عورة للحاجة فالآخر مثله. ولأن الكف يشتهي ما لا يشتهى القدم، فإذا خرج كفها ووجهها من أن يكون عورة فالقدم أولى. ولأنه عضو يتعلق به القطع في السرقة، كاليد. 2573 - احتجوا: بوقله تعالى {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها}، قال ابن عباس: الوجه والكفان. فالظاهر أن عليها ستر ما سواه. 2574 - قلنا: ذكر الطحاوي عن ابن مسعود أنه قال في تفسير الآية: القرط والخلخال. وظاهر هذا يقتضي جواز النظر إلى القدم.

2575 - احتجوا: بحديث أم سلمة الذي قدمناه. 2576 - والجواب: أنه يجوز أن يكون اعتبر تغطية ظاهر القدم لاستيفاء تغطية الساق، لا لمعنى في نفسه. 2577 - قالوا: عضو يسقط في التيمم، فوجب على المرأة ستره في الصلاة، كالرأس. 2578 - قلنا: الرأس يشتهى النظر إليه، ولا تدعو الضرورة إلى كشفه [وما تدعو الضرورة إلى كشفه] ليس بعورة- وإن اشتهي-، كالوجه، فما لا يشتهى أولى. * * *

مسألة 138 إذا كان معه ثوب فيه نجاسة لا يجد غيره صلى فيه وإن كان كله نجسا فهو مخير

مسألة 138 إذا كان معه ثوب فيه نجاسة لا يجد غيره صلى فيه وإن كان كله نجسا فهو مخير 2579 - قال أصحابنا: إذا كان معه ثوب فيه نجاسة لا يجد غيره صلى فيه، وإن كان كله نجسا فهو مخير عند أبي حنيفة. 2580 - وقال الشافعي: صلى عريانا في المشهور من قوليه، وفي قول آخر: يصلي فيه ويعيد. 2581 - لنا: أنها نجاسة لا يجد ما يزيلها فجازت الصلاة معها وإن لم يخش الضرر، كالنجاسة على البدن. 2582 - ولأن طهارة الثوب شرط كما أن طهارة البدن والمكان شرط فإذا جازت الصلاة مع أحدهما- وإن لم يخش- كذلك الآخر. ولأن كل عين لو كانت على البدن لم تمنع الصلاة إذا كانت على الثوب لم تمنع في مثل ذلك الحا، كالمني. ولا يمكن القول بموجب هذه العلل إذا كان يخاف البرد؛ لأنا ذكرنا من غير ضرر. وأما إذا كان جميعه نجسا فلأنه دفع إلى ترك الستر أو استعمال عين جميعها نجس، وكل واحد منهما شرط، فكان الخيار في ترك أحد الشرطين.

ولأنه ستر واجب فجاز إسقاطه بالثوب النجس من غير ضرر، كالستر عن الآدمي. 2583 - احتجوا: بانها صلاة مع نجاسة مقدور على إزالتها يمكن الاحتراز عنها غالبا، فوجب أن لا يعتد بها، كما لو كان معه ثوبان: طاهر ونجس. 2584 - والجواب: أن قولهم: مقدور على إزالتها، غير مسلم؛ لأنه لا يقال فيمن ألقى عنه الثوب: أزال النجاسة، وإنما يقال: لم يستعمل النجس. وإذا لم يصح هذا الوصف انتقضت العلة بمن معه ثوب نجس وهو يخاف البرد. ثم أصلهم: من كان معه ثوب طاهر، والمعنى فيه أنه يقدر على الستر وترك النجاسة، فلم يجز له استعمالها، وفي مسألتنا لا يقدر على ترك النجاسة إلا بترك الستر، فلذلك عفي عنها. 2585 - قالوا: كلما لزمه استعماله للصلاة إذا كان نجسا، كالماء. 2586 - قلنا: نجاسة الماء مخالفة لنجاسة الثوب؛ لأن اليسير يعفى عنه في أحدهما دون الآخر. ولأن الطهارة بالماء النجس لا تجوز بحال، والصلاة في الثوب النجس تجوز بحال إذا خاف البرد، فلم يعتبر أحدهما بالآخر. 2587 - ولأن الماء يراد التطهير، والنجس لا يطهر، فلا يستفيد باستعماله فائدة، والثوب يراد للستر، وهذا المعنى يحصل بالنجس، فهو يستفيد باستعماله فائدة. * * *

مسألة 139 الأفضل للعريان أن يصلي قاعدا يومئ بالركوع والسجود

مسألة 139 الأفضل للعريان أن يصلي قاعدا يومئ بالركوع والسجود 2588 - قال أصحابنا: الأفضل للعريان أن يصلي قاعدا، يومئ بالركوع والسجود. 2589 - وقال الشافعي: لا يجوز له ترك القيام. 2590 - لنا: أنه يقدر على ستر العورة المغلظة وترك صفة الأركان، أو فعل الأركان وكشف العورة، فكان ستر العورة أولى؛ ألا ترى أن صفة الأركان يجوز تركها في النافلة، ولا يجوز ترك الستر. ولأن الستر يجب لحق الله تعالى ولحق الآدمي، وصفة الأركان تجب لحق الله تعالى، فكان الستر آكد، ففعله أولى. 2591 - ولا يقال: إن الستر إنما يكون بغيره؛ لأن الستر يجب بيديه كما يجب بالثوب. 2592 - ألا ترى ان الستر يجب للصلاة وعن الآدمي، ثم كان في حق الآدمي يجب عليه بيديه كما يجب ثوبه، فكذلك في حق الله تعالى. 2593 - [ولا يقال إنه] لا يحصل له الستر بالقعود وبترك الأركان؛ لأنه يستر العورة المغلظة وبعض المخففة، ولأنه دفع إلى ترك ما يجوز تركه في النافلة من غير عذر، أو ما لا يجوز تركه في النافلة فكان ترك ما يجوز تركه في النافلة أولى، أصله: إذا دفع إلى ترك القيام وترك الركوع، وترك التوجه إلى القبلة، أو ترك القعدة. 2594 - ولأنه يأتي بستر العورة المغلظة وما قام مقام الأركان، وإذا صلى قائما

أتى بالأركان وترك الستر من غير أن يقوم غيره مقامه، ففعل أحد الأمرين وما قام مقام الآخر أولى من فعل أحدهما وترك الآخر أصلا. 2595 - احتجوا: بحديث عمران بن الحصين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (صل قائما، فإن لم تستطع فجالسا). 2596 - والجواب: أن هذا يقتضي وجوب القيام، وعندنا أنه واجب، وقد عارضه قوله - عليه السلام -: (غط فخذك) وهذا يقتضي وجوب الستر، والكلام في الترجيح. 2597 - قالوا: القيام ركن، فلا يجوز تركه بالعجز عن الكسوة، كالقراءة. 2598 - قلنا: لا يترك القيام عندنا للعجز، لكن ليحصل له الستر، وهذا المعنى لا يوجد في القراءة؛ ألا ترى [أنه] لا يستفيد بتركها ما يقوم مقام الكسوة. 2599 - قالوا: العجز عن الركن لا يسقط ما قدر عليه، كمن عجز عن القراءة لا يسقط عنه الستر والقيام. 2600 - قلنا: عجزه عن الستر لم يسقط القيام، ولكن وجبا جميعا، وكان عليه فعل أولاهما إذا لم يمكن الجمع بينهما. 2601 - قالوا: إذا صلى قاعدا أخل بالقيام والركوع والسجود ولم يأت بستر العورة بكماله، وإذا صلى قائما أتى بالأركان وترك ستر العورة، فكان أولى. ولأن حفظ الأركان أولى من حفظ الشرائط، فلم يجز ترك ثلاثة أركان ليحصل له شرط. 2602 - قلنا: إذا صلى قاعدا ستر العورة المغلظة، وهذا حكم المقصود، وأتى بما يقوم مقام الأركان، فحصل الشرط والأركان، وإذا صلى قائما حصل الأركان ناقصة، لأن ترك التسر نقض فيها وأخل بالشرط.

2603 - وقولهم: حفظ الأركان أولى من حفظ الشرائط، ليس بصحيح؛ لأن المتنفل يجوز له ترك الأركان مع القدرة، ولا يجوز ترك الشرائط التي هي الستر والطهارة. * * *

مسألة 140 إذا تكلم في صلاته ناسيا لها أو جاهلا بطلت صلاته

مسألة 140 إذا تكلم في صلاته ناسيا لها أو جاهلا بطلت صلاته 2604 - قال أصحابنا: إذا تكلم في صلاته ناسيا لها أو جاهلا بطلت صلاته. 2605 - وقال الشافعي: إذا قل الكلام لم تبطل، وإن كثر ففيه وجهان، وإن فعل فيها فعلا ليس منها ناسيا لم يفسد قليله، وأفسد كثيره قولا واحدا. 2606 - لنا: حديث ابن مسعود أنه لما قدم من الحبشة سلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في الصلاة، فلم يرد عليه، فلما قضى صلاته قال: (إن الله يحدث من أمره ما يشاء، وإن مما أحدث أن لا يتكلم في الصلاة). وهذا خبر يتناول الناسي والعامد. وروي في حديث جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الكلام ينقض الصلاة، ولا ينقض الوضوء). 2607 - وقال - عليه السلام -: (من قاء في صلاته أو رعف فلينصرف وليتوضأ، وليبن على ما مضى من صلاته ما لم يتكلم)، ولم يفصل. 2608 - قال في حديث معاوية بن الحكم - رضي الله عنه -: (إن صلاتنا لا يصلح فيها شيء

من كلام الناس، إنما هي تكبير وتسبيح وقراءة). 2609 - ولا يقال: إن معاوية تكلم في صلاته ولم يأمره بالإعادة؛ لأنه يجوز أن يكون لم يبلغه تحريم الكلام فلم يثبت حكمه في الرجعة. 2610 - ولا يقال: إنه أخبر ان الكلام لا يصلح، وهذا يقتضي فساد الكلام، فأما فساد الصلاة فلا يدل عليه؛ لأن فساد الكلام إنما يقال متى تناقض ولم ينتظم، فأما أن يقال: كلام فاسد- لأنه لا يجوز في العبادة- فليس بصحيح، كما لا يقال لمن جامع في الصوم أو أكل: إنه فعل فاسد، وإذا لم يوصف الكلام بالفساد لأجل النهي لم يبق أن ينصرف ضد الصلاح إلا إلى الصلاة. ولأن كلام الآدميين تنفي التحريمة جنسه، فاستوى حال الذاكر للصلاة والناسي، كالحدث. 2611 - ولا معنى لقولهم: إن الحدث لا يبطل الصلاة وإنما يبطل الوضوء؛ لأنا لم نتعرض لفساد الصلاة، وإنما عللنا للتسوية بين الأمرين. ولأن الحدث يفسد الصلاة وإن كان بواسطة. ولأن الحدث قد يبطل الصلاة وإن لم يبطل الطهارة، كمن صلى ولم يجد ماء ولا ترابا فأحدث، بطلت صلاته عندهم وإن لم يبطل حدثه طهارته. 2612 - قالوا: ليس إذا أبطلها الكلام عمدا أبطلها سهوا؛ لأن عمد السلام في غير موضعه يبطلها ولا يبطلها سهوه. 2613 - قلنا: لا فرق بينهما؛ إذا تعمد السلام ولم يقصد الخروج لم تبطل صلاته. 2614 - قالوا: المعنى في الحدث أنه ليس من جنس سهوه ما لا يؤثر في الصلاة، فلم يفرق بين سهوه وعمده، والكلام من جنس سهوه ما لا يؤثر في الصلاة، فلهذا فرق بين سهوه وعمده. 2615 - قلنا: علة الأصل غير مسلمة؛ لأن سيلان الاستحاضة حدث ولا يؤثر في الصلاة، فمن جنس الحدث ما لا يؤثر وإن استوى عمده وسهوه. وعلة الفرع تبطل بزيادة الأفعال؛ لأن في جنس سهوها ما لا يؤثر، وهو المشي القليل، وإن

كان كثيره يستوي عمده وسهوه. 2616 - ولأن التحريمة نهي فيها عن أفعال وأقوال، فإذا كانت الأفعال المنهي عنها يستوي فيها الساهي والعامد إذا كثرت، كذلك الأقوال. 2617 - ولأن الصلاة نهي فيها عن أفعال وأقوال، أمر فيها بأفعال وأقوال: ثم كان ترك ما أمر به يستوي فيه النسيان والعمد، كذلك ما نهي عنه. 2618 - قالوا: اعتبار أحدهما بالآخر لا يصح؛ لأن الخروج من العبادة مأمور به، ولم يفرق بين عمده وسهوه، وهو منهي عنه في غير موضعه، وقد فرق في السلام بين سهوه وعمده. 2619 - قلنا: لا فرق بين سلام الساهي والعامد عندنا [على ما قدمناه]. ولأنه قاصد إلى الكلام الذي يفسد جنسه الصلاة، فلا يعتبر بنسيانه لصلاته، كلفظ الزيادة. 2620 - ولأن التحريمة عقد، وما يبطل العقود لا فرق فيه بين الجهل والعلم والنسيان والعمد، كالمعاني المفسدة للبيع. ولأنه قول ينافي موجب عقد ما يستوي فيه الذكر للعقد والنسيان، كالطلاق. 2621 - احتجوا: بقوله عليه الصلاة والسلام: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه). 2622 - والجواب: أن الخطأ هو الفعل، وذلك غير مرفوع، فعلم أن المراد غير الظاهر، فعندهم معناه: رفع حكم الخطأ، وعندنا: رفع مأثم الخطأ، فتساوينا في ترك الظاهر. 2623 - ولا يقال: إن الإثم داخل في الحكم، فإضمارنا أولى؛ وذلك لأن الإضمار لا يرجح بالعموم، وإنما يضمر أسفل الكلام، فإذا اكتفي بإضمارين لم يفتقر إلى ما زاد عليه. 2624 - ولأن الحكم لا يرتفع باتفاق؛ بدلالة الجاني ناسيا مخطئا، والمأثم مرتفع في جميع المواضع، فكان إضمار ما يمكن حمله على العموم أولى من إضمار

ما أجمعوا على تركه في بعض المواضع. 2625 - احتجوا: بحديث أبي هريرة قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة العصر فقام في ركعتين، فقام ذو اليدين فقال: أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فأقبل على القوم وقال: (أصدق ذو اليدين؟) فقالوا: نعم. فأتم ما بقي من صلاته، وسجد سجدتين [للسهو] بعد التسليم. قالوا: فقد تكمل ساهيا؛ لأنه اعتقد أنه خرج من الصلاة وأتمها. 2626 - والجواب: أن هذا الخبر مضطرب في نفسه؛ لأن أبا هريرة روى أنه صلى إحدى الصلاتين، وروى أنه صلى العصر، وروى أنه سلم في ركعتين. وروى عمران بن الحصين القصة وذكر أنه سلم في الثالثة. ثم لو ثبت كان متروكا بالإجماع؛ لأن ذا اليدين قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أقصرت الصلاة أم نسيت، فقال: (كل ذلك لم يكن)، فقال ذو اليدين: بلى، قد نسيت. ومعلوم أنه تكلم ابتداء، وهو يجوز الفسخ ثم علم أنه لم يفسخ فكلامه الثاني عامدا. 2627 - وقول أبي بكر وعمر للنيب - صلى الله عليه وسلم -[نعم] كلام عامد، وهذا يفسد الصلاة باتفاق.

2628 - ولا يقال: إن أبا بكر وعمر لزمهما جواب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإذا وجب الكلام لم يفسد؛ لأن ما ينافي الصلاة إذا وجب فيها أفسدها، كتخليص الغريق. 2629 - ولأن هذا لا يوجد في كلام ذي اليدين، فلم يبق أن يكون هذا في حال إباحة الكلام، فلم تبطل الصلاة، لا للنسيان، لكن لأن الكلام لا يفسدها. 2630 - ولا يقال: إن تحريم الكلام كان قبل قدوم ابن مسعود من الحبشة، وقصة ذي اليدين بعد إسلام أبي هريرة، وأبو هريرة أسلم بعد الهجرة بسبع سنين، وقال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 2631 - قلنا: يجوز أن يكون هذا قبل إسلام أبي هريرة، ويقول: صلى بنا، أي: بقومنا، كما قال الحسن: خطبنا علي، يعني: أهل بلدنا. يبين ذلك أن ذا اليدين قتل يوم بدر، ذكره ابن إسحاق في جملة شهداء بدر من بني زهرة، وهو أعلم [أهل] زمانه بالسيرة. 2632 - قالوا: لا يظن بأبي هريرة أنه يقول: قام ذو اليدين. وقد قتل ذو اليدين ببدر، فالظاهر أنه كان حيا، وإنما الذي قتل ببدر هو ذو الشمالين ابن عبد عمرو ابن نضلة، وذو اليدين عاش بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومات في أيام معاوية، وقبره بذي حسب، واسمه خرباق. والدليل على أن هذا هو الراوي: ما روى عمران بن الحصين

في القصة وقال: فقام الخرباق فقال: أقصرت؟ 2633 - قلنا: ذو الشمالين هو ذو اليدين، وهو ابن عبد عمرو، حليف بني زهرة من خزاعة، وإنما غير النبي [- صلى الله عليه وسلم -] اسمه من ذي الشمالين إلى ذي اليدين، كما كان يغير الأسماء المستنكرة. 2634 - والدليل عليه: ما روى الزهري عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة قال: سلم النبي - صلى الله عليه وسلم - في الركعتين فقال له ذو الشماليين ابن عبد عمرو: أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فثبت أن ذا الشمالين هو ذو اليدين، وكذلك روى الأوزاعي في هذه القصة. 2635 - وقولهم: غلط الأوزاعي، ليس بصحيح؛ لأنه إذا اجتمع فيها الزهري وابن إسحاق والأوزاعي لم يصح دعوى الغلط بغير حجة. ولو ثبت ما قالوه من تأخير القصة عن قدوم ابن مسعود لم يدل؛ لأن الكلام أبيح بعد ذلك. 2636 - والدليل عليه: ما روى زيد بن أرقم قال: كنا نتحدث في الصلاة حتى نزلت: {وقوموا لله قانتين} فأمرنا بالسكوت. وزيد بن أرقم أصغر سنا من أبي هريرة. 2637 - قالوا: الدليل على أن هذا كان في حال حظر الكلام أنه روي في الخبر أنه - عليه السلام - قال: (أصدق ذو اليدين)، فأومأوا، أي: نعم. فلو كان في حال إباحة الكلام

لم يؤمنوا. ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد للسهو، ولو كان الكلام مباحا لم يسجد. 2638 - قلنا: قد روي في عامة الأخبار أنهم قالوا: نعم، فيجوز أن [يكون] تكلم بعضهم وأشار بعضهم على عادة الناس في الكلام. فأما سجود السهو فليتأخر الأركان ويسلم من السهو، ومن سلم في صلاته ناسيا وجب عليه سجود السهو. وقد روى عمران أنه سلم في الثالثة، فإن كان كذلك فالقعدة في الثالثة. يبين ما قدمناه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إنما التسبيح للرجال والتصفيق للنساء)، فلو كانت هذه القصة بعد هذا لسبح به ذو اليدين ولم يتكلم، ولكان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينكر عليه ترك التسبيح إلى غيره، كما روي أنه دخل المسجد وأبو بكر يصلي بالناس فصفقوا، فأنكر عليهم [ترك التسبيح إلى غيره] [فقال]: (إنما التصفيق للنساء والتسبيح للرجال)، فإنكار الكلام أولى. فلما لم ينكر دل على أن هذا متقدم على الأمر بالتسبيح. ولو ثبت أن هذا الخبر بعد حظر الكلام اقتضى إباحة الكلام بكل حال؛ لأنه إذا تكلم ناسيا ولم يستأنف لم يختص إباحة الكلام بالنسيان، كما لا تختص بوجوده من النبي - صلى الله عليه وسلم -، فعلم أن هذا متقدم التحريم. 2639 - قالوا: خطاب آدمي على وجه السهو، فوجب أن لا يبطل الصلاة، كما لو سلم ساهيا. 2640 - قلنا: يبطل بمن خاطب غيره بكلمة الكفر. ولأن السلام موضوع في الصلاة، فإذا حصل فيها من غير موقعه جاز أن لا يفسد، وكلام الآدميين لم يوضع

فيها، فصار كسائر المعاني المنافية لها، فلا يختلف بالسهو والعمد. ويبين صحة الفرق أن الأفعال الموضوعة فيها وقد اختلف فيها النسيان والعمد، كزيادة السجدة عندهم، ولم يختلف في الأفعال التي لم توضع فيها إذا كثرت باتفاق. 2641 - قالوا: كل معنى منه في العبادة منعا يختص بها فإن سهوه لا يبطلها، كالأكل في الصوم. 2642 - قلنا: لا نسلم. الوصف في الأصل؛ لأن الأكل لا يختص النهي عنه بالصوم؛ لأنه ممنوع منه في الصلاة. 2643 - ثم اعتبار الصلاة بالصوم في المعاني المفسدة لا يصح؛ لضعف الصلاة فيما يفسدها وقوة الصوم، فتفسد الصلاة معان لا تفسد الصوم، وقد يفسد الصوم عندهم ما لا يفسد الصلاة؛ ألا ترى أن من ظن أن الشمس قد غربت فأكل بطل صومه، ولو ظن أنه أتم الصلاة فسلم وأكل لم تبطل صلاته عندهم. ثم المعنى في الصوم أنه ينعقد وإن لم يكن للمكلف قصد في انعقاده، فجاز أن يكون ما يفسده يختلف بقصده وعدم قصده، والصلاة لا يصح انعقادها والمكلف غير قاصد لانعقادها، فما يبطلها يستوي أن يوجد في حال ذكرها والسهو عنها. 2644 - قالوا: لو كلفناه القضاء لم نأمن فيه ما لحقه من الأذى، إلا أنه لا يحترز عن أن ينسى. 2645 - قلنا: يبطل بمن فعل فيها فعلا طويلا ناسيا لا يأمن مثله في القضاء وإن وجب عليه، وكذا إذا ترك الأركان ناسيا. 2646 - قالوا: الكلام كان مباحا عمدا، وسهوه مثله، والنسخ نهي، والنهي لا يتناول إلا القاصد، فبقي المحظور على أصل الإباحة/. 2647 - قلنا: الكلام كان مباحا لجنسه فحظره يعود إلى جنسه، ولا يختص بأنواعه. ولأنا بينا الحظر بلفظ الخبر، والأمر والخبر ينصرف إلى الساهي.

مسألة 141 إذا سبقه الحدث في صلاة توضأ وبنى

مسألة 141 إذا سبقه الحدث في صلاة توضأ وبنى 2648 - قال أصحابنا: إذا سبقه الحدث في صلاة توضأ وبنى. 2649 - وقال الشافعي: يستأنف. 2650 - لنا: ما رواه ابن عباس وعائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم -[قال: (من قاء في صلاته أو أمذى فلينصرف وليتوضأ وليبن على ما مضى من صلاته ما لم يتكلم). ولا يجوز] حمله لعلى الانصراف لغسل النجاسة؛ لأن إطلاق الوضوء يتناول ما وقع للحدث، ولأنه ذكر المذي والانصراف، وفيه الوضوء باتفاق. ولا يجوز أن يقال: بنى بمعنى ابتدأ؛ لأنه لو كان كذلك لم يشرط فيه ترك الكلام. 2651 - ولا يقال: إن راوي الخبر إسماعيل بن عياش عن ابن جريج عن عروة وابن أبي مليكة عن عائشة، قالوا: وإسماعيل ضعيف؛ وذلك أن إسماعيل

روى عنه محمد بن الحسن وعدله، ومن طعن فيه من أصحاب الحديث قال: هو ضعيف فيما يرويه عن الشاميين، ومن كان قويا فيما يرويه عن قوم فهو كذلك فيما يرويه عن غيرهم. 2652 - ولأنه حدث موجبه الوضوء طرأ على صلاته لا بفعل محدث فلم ينف [البناء، كدم الاستحاضة]. ولا يلزم الاحتلام؛ لأنه موجبه الغسل. ولا يلزم انقضاء مدة المسح؛ لأنه ليس بحدث ولا يوجب الوضوء، وإنما يوجب غسل الرجل بسبب سابق. ولا يلزم الإغماء والجنون؛ لأن البناء لا يمتنع للحدث، ولكن البقاء على حالته بعد ذلك، فهو كالمحدث إذا لم ينصرف. ولأن الإغماء ليس بحدث، وإنما الحدث ما لا يخلو منه المغمى عليه، ويجوز أن يكون ذلك بفعله. ولا يلزم القهقهة؛ لأن المعنى في البناء ليس هو الحدث، ولكن هي من جنس الكلام، فنافى الكلام البناء، ويصير كمن أحدث وتكلم. 2653 - ولا يقال: المعنى في دم الاستحاضة أنه لا يمنع المعنى فكذلك لا يمنع البناء؛ لأنه قد يمنع المضي ما لا يمنع البناء، ألا ترى أن الأمة إذا أعتقت في الصلاة لم يجز لها المضي مع كشف الرأس وإن جاز أن تغطي وتبني. وكذلك من وقع على ثوبه نجاسة [يابسة] لم يجز له المضي وجاز إلقاؤها والبناء. ولأن كل ما لو حدث من جهة الإمام لم يمنع المؤتم من البناء لم يمنع الإمام، أصله: الرعاف، وعكسه الكلام والاحتلام على أصلنا. ولأن كل بناء لا يمنع منه الرعاف لا يمنع منه سبق الريح، أصله: بناء المؤتم إذا وجد ذلك من جهة الإمام. 2654 - احتجوا: بقوله - عليه السلام -: (فلا ينصرفن حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا)، وهذا يقتضي الانصراف عن الصلاة.

2655 - والجواب: أن الخبر دل على الانصراف، وعندنا ينصرف، والبناء مأخوذ من دليل آخر، وقولهم: إنه لا ينصرف عندكم عن الصلاة، ليس بصحيح؛ لأن الخبر لا يقتضي الانصراف عنها، وإنما يقتضي الانصراف مطلقا. ولأنه عندنا منصرف عن صلاته لأنه لا يكون مصليا حال الانصراف. 2656 - قالوا: روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا قاء أحدكم وهو في الصلاة فلينصرف وليتوضأ وليعد الصلاة). 2657 - والجواب: إنه ذكر فعلا مضافا إليه، وذلك يكون فيما اعتمده، فأما ما جاء غالبا فلا يضاف إليه، والخلاف فيه. 2658 - قالوا: حدث منع المضي في الصلاة، فوجب أن [يمنع] [الاستدامة، كالمني. 2659 - قلنا: منع المضي لا يستدل به على منع الاستدامة] على ما ذكرنا في الأمة إذا أعتقت ورأسها مكشوف، ومن أصابه نجاسة، ومن سقط إزاره فأخذه، وفي صلاة الخوف الطائفة المنتظرة لا تمضي على الصلاة وتستديمها، ثم المعنى في المني أنه يوجب الاغتسال، وذلك لا يمكن إلا بأن تبدو العورة، فتفسد الصلاة لهذا المعنى، ومن أصحابنا من قال: إن الإنزال لا يكون إلا بغلبة النوم، والمصلي متى انتهى إلى هذا الحد في [حال] النوم بطلت صلاته. ولأن المني يوجب الغسل وذلك فعل كثير، والحديث يوجب الوضوء وهو فعل قليل، ولا يمتنع أن يعفى عن قليل العمل في الصلاة وإن لم يعف عن كثيره. ولأن للمني تأثيرا في منع البناء على العبادة ما ليس للحدث؛ ألا ترى أن ماسح الخفين يستديم المسح ويبني على المدة مع الأحداث ولا يستديم ذلك مع المني. ولأنه قد يطرأ

على الصلاة حدث لا يوجب الغسل فلا يمنع البناء باتفاق، وهو دم الاستحاضة، ولا يطرأ عليها ما يوجب الغسل، فيجب معه البناء. 2660 - قالوا: حدث يمنع افتتاح الصلاة فمنع استدامتها، كالحدث العمد. 2661 - قلنا: الابتداء [أضعف]، والبقاء أقوى، فيجوز أن يمنع الابتداء ما لا يمنع البقاء؛ ألا ترى أن الأمة المعتقة لا يجوز أن تفسخ الصلاة مع الكشف، ولا يمنع ذلك الاستدامة، ودم الاستحاضة إذا حدث في الصلاة لم يمنع الاستدامة، ومنع عندهم الابتداء مثلها. ولأن حدث العمد حصل بفعله فلم يعذر فيه، وما سبقه حصل بفعل الله تعالى فجز أن يكون معذورا فيه، كدم الاستحاضة. * * *

مسألة 142 ما يدركه المؤتم من صلاة الإمام آخر صلاته حكما وأولها فعلا

مسألة 142 ما يدركه المؤتم من صلاة الإمام آخر صلاته حكما وأولها فعلا 2662 - قال أبو حنيفة وأبو يوسف: ما يدركه المؤتم من صلاة الإمام آخر صلاته حكما وأولها فعلا. 2663 - وقال محمد: أولها فعلا وحكما، وبه قال الشافعي. والخلاف يظهر في فصول، منها: تكبير العيدين على إحدى الروايتين، إذا أدرك مع الإمام الركعة الثانية قدم التكبير فيما يقضي على الصلاة، وإذا أدركه في الأخريين قضى وقرأ فيما يقضي بفاتحة الكتاب وسورة. وحكي عن ابن شجاع أنه قال: إذا قضى أتى بالاستفتاح في الركعة التي يقضيها؛ لأنها أول الصلاة عندهما. 2664 - والدليل على ذلك: ما رواه أبو سلمة عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا). والقضاء عبارة عما يقع في مقابلة الفائت ومثله، والذي فات أول الصلاة، فوجب أن يقضى أولها؛ ألا ترى أن

المفعول بعد الإمام يسمى قضاء، فلو كان آخر الصلاة كان أداء ولم يكن قضاء؛ لأنه لم يفت آخرها. ولأن ما أدركه آخر صلاة الإمام فلم يكن أول صلاة المأموم، أصله: إذا أدرك أول الصلة. ولأن أول صلاة الإمام لا يجوز أن يكون آخر صلاة المؤتم. وكذلك آخر صلاة الإمام لا يكون أول صلاة المؤتم؛ لأن ذلك يؤدي إلى مخالفة الإمام في جهة الفعل في الوجهين. ولأن من أدرك الإمام في ثالثة الوتر قنت معه ولم يقنت فيما يقضي، ولو كان ما يقضيه آخر الصلاة وجب إعادة القنوت ولم يعتد بقنوته في أولها. 2665 - احتجوا: بحديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم [فأتموا])، وحقيقة الإتمام تقتضي إكمال ما ابتدأ به. 2666 - والجواب: أن التمام يقتضي الكمال، سواء كان فعل أول الشيء أو آخره ألا ترى أن من ابتدأ كتابا قيل له: أتمه، بمعنى أكمله بأوله، كذلك يصح أن يقال: أتم الصلاة بمعنى: أفعل ما لا يصح إلا به، وإن كان ذلك أولها. 2667 - قالوا: فعل معتد به [يلي تحريمته] فوجب أن يكون أول صلاته، أصله: إذا أدرك أول الصلاة. 2668 - قلنا: قد يلي التحريمة بحكم المتابعة ما لا يكون أول الصلاة؛ بدلالة من أدرك إمامه في القعدة [أو في] السجود. ولأنا اعتبرنا أفعال المؤتم بفعل الإمام واعتبروه بتحريمة نفسه، وما اعتبرنا أولى؛ لأن صلاة المؤتم مرتبة على صلاة الإمام، لا على تحريمة نفسه، ولهذا يتبدلها بالسجود وإن كانت تحريمته تعتبر بفعل الإمام، وغير مخالف له كذلك إذا أدرك آخرها. 2669 - قالوا: لو أدرك الإمام بعد ما رفع رأسه من الركوع في الرابعة شاركه ولم يعتد بذلك، لأنه لا يصح أن يكون أول الصلاة، فلو كان ما يفعله آخر الصلاة

لاعتد به. 2670 - قلنا: الاعتداد لا يقع بالمشاركة في أكثر أفعال الركعة، ولم يجعل ذلك في مسألتنا، فلم يعتد به لهذا المعنى، لا لما قالوه. 2671 - قالوا: ركعة تليها ركعة، فوجب أن لا يكون آخر صلاته، كالمنفرد. 2672 - قلنا: إن كان التعليل للآخر من طريق المشاهدة فكذلك نقول، وإن كان الآخر حكما فلا يمتنع أن يكون حكم ما أدركه حكم الآخر، وإن كان [بعده] من طريق المشاهدة غيره، كالمسافر إذا صلى ركعتين والثانية آخر صلاته ويجوز أن يكون بعدها غيرها بأن ينوي الإقامة، ثم أصلهم المنفرد، والمعنى فيه أن صلاته غير معتبرة بصلاة غيره، فترتبت على تحريمته، وفي مسألتنا: صلاته مرتبة على صلاة إمامه، فلذلك اعتبرت بها. 2673 - قالوا: لو أدرك إمامه في ثالثة المغرب قضى بعدها ركعتين وجلس عقيب كل واحدة منهما، فلو كان ما يقضيه أول صلاته لم يجلس عقيب الركعة الأولى. 2674 - قلنا: الجلوس موضوع بعد كل ركعتين من طريق المشاهدة، فإذا صلى ركعة تقدمتها ركعة مع الإمام فقد أتى بركعتين فوجب أن يقعد وإن كان أول صلاته. ولأن عندهم ما فعله مع الإمام أول صلاته ومع هذا يقعد فيه، والقعدة لا تكون أول الصلاة. 2675 - فإن قالوا: إن ذلك يفعل على طريق المتابعة. 2676 - قلنا: فعندنا يقعد فيما يقضي؛ لأن المتابعة في بعض الصلاة غيرت أحكامها من حال الانفراد. 2677 - قالوا: القعدة إنما تجب في آخر الصلاة، وقد فعلها عندكم مع الإمام، فكان يجب إذا ترك القعدة في آخر صلاته أن لا تفسد.

2678 - قلنا: القعدة إنما تجب عقيب الفراغ/ من الصلاة، وهو وإن كان قعد في آخرها [حكما] فقد بقيت فروضها عنها عليه، فلابد من قعدة تتعقب جميع الأفعال حتى يكون قد ختم الأفعال بها. * * *

مسألة 143 إذا صلى الفرض ثم أدرك الجماعة صلى معهم الظهر والعشاء ولم يصل الفجر والعصر والمغرب

مسألة 143 إذا صلى الفرض ثم أدرك الجماعة صلى معهم الظهر والعشاء ولم يصل الفجر والعصر والمغرب 2679 - قال أصحابنا: إذا صلى الفرض ثم أدرك الجماعة، صلى معهم الظهر والعشاء ولم يصل الفجر والعصر والمغرب. 2680 - وقال الشافعي: يصلي الجميع. 2681 - والدليل عليه: أنه إذا صلى في الجماعة كان ذلك نافلة، والتنفل بعد الفجر والعصر لا يجوز عندنا وإن كان له سبب- وسيأتي الكلام في ذلك- فلم تجز الإعادة. وأما المغرب فلا يخلو أن يصلي مع الإمام منها ركعتين أو ثلاثا ويسلم معه، أو يضيف إليها أخرى، ولا يجوز أن يقتصر على ركعتين؛ لأنه دخول في بعض صلاة الإمام، وذلك لا يجوز، ولا يجوز أن يصلي معه الثلاثة؛ لأن هذا تنفل بوتر، وذلك لا يجوز عندنا- وسنذكره فيما بعد-، ولا يجوز أن يضيف إليها أخرى؛ [لأنه يلزم] نفسه القعود في ثالثة النفل، وهذا مكروه. وأما العشاء والظهر فيجوز التنفل

بعدهما بمثل عددهما فجاز الدخول مع الإمام فيهما. 2682 - احتجوا: بما روى يزيد بن الأسود قال: صلى [رسول الله]- صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح في مسجد الخيف، فلما سلم إذا هو برجلين في ناحية المسجد لم يصليا، فأرسل إليهما فجيء بهما ترعد فرائصهما، فقال [لهما]: (ما منعكما أن تصليا معنا؟)، فقالا: كنا صلينا في رحالنا، فقال: (إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الناس يصلون فليصل معهم، تكون صلاته الأولى، وصلاته معهم تطوع). 2683 - والجواب: أنه روي في هذه القصة أنه قال: (والأولى نافلة)، فجعل الفرض الثاني: وروي ما قالوه، فتعارضا. فإن كان الثاني والفرض فذلك في حال ما كان يعاد الفرض مرتين، فلا يكون متنفلا بعد الفجر. ولأن خبرهم لو ثبت أفاد الإباحة، نهيه - عليه السلام - عن الصلاة بعد الفجر والعصر يفيد الحظر، فكان أولى. 2684 - قالوا: صلاة راتبة أدركها مع جماعة فاستحب إعادتها، كالظهر والعشاء. 2685 - قلنا: الظهر والعشاء يجوز التنفل بعدهما بمثل عددهما، فلذلك جازت الإعادة، والفجر والعصر لا يجوز التنفل بعدهما فيما لا سبب له، كذلك فيما له سبب. 2686 - قالوا: إذا لم يصل مع القوم لحقته التهمة. 2687 - قلنا: إذا كان الامتناع له سبب ظاهر- وهو النهي عن الصلاة في هذا الوقت- زالت التهمة. * * *

مسألة 144 إذا عجز عن الركوع والسجود جاز له أن يصلي قاعدا وإن قدر على القيام

مسألة 144 إذا عجز عن الركوع والسجود جاز له أن يصلي قاعدا وإن قدر على القيام 2688 - قال أبو حنيفة: إذا عجز عن الركوع والسجود جاز له أن يصلي قاعدا وإن قدر على القيام. 2689 - وقال الشافعي: لا يجوز. 2690 - لنا: قوله: (صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم إلا المتربع). ولأن من سقط عنه الركوع عاجز عن القيام، وما سوى ذلك نادر، فصار الغالب من العذر كالموجود، فوجب أن يسقط أحدهما بسقوط الآخر. 2691 - ولأن القيام لو وجب عليه من غير ركوع وسجود خرجت الصلاة عن

موضوعها إلى موضوع صلاة الجنازة؛ لأنها قيام واحد، وهذا لا يصح. 2692 - احتجوا بقوله تعالى: {وقوموا لله قانتين}. 2693 - والجواب: أن هذا يتناول القادر على كل الأركان؛ لأنه قال: {حافظوا على الصلوات}، وهذا ينصرف إلى الصلاة المعهودة بصفاتها، ثم قال: {وقوموا لله قانتين}، والخلاف بيننا في حال العجز. 2694 - قالوا: روى عمران بن الحصين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (صل قائما، فإن لم تستطع فعلى جنب). 2695 - والجواب: أن الخبر يتضمن القادر على الركوع والسجود؛ بدلالة أنه قال: (فإن لم تستطع فعلى جنبك تومئ إيماء)، فهذا يدل على أن الإيماء يختص بهذه الحالة؛ لأنه مذكور فيها دون ما تقدم. 2696 - قالوا: ركن من أركان الصلاة، فلا يجوز الإخلال به للعجز عن غيره، [كالقراءة]. 2697 - قلنا: لا يسقط القيام عنه لعجزه عن الركوع، لكن العاجز عن أحدهما يعجز عن الآخر في الغالب، فلا يمكنه فعله إلا بمشقة؛ ألا ترى: أن النهوض من القعود إلى القيام يجري مجرى الركوع وزيادة. ولأن العجز عن القراءة ليس له تعلق بالقيام؛ لأن العجز عن أحدهما لا يؤثر في الآخر، والعجز عن الركوع مؤثر في القيام؛ بدلالة الراكب ومن عجز عن الأمرين. 2698 - قالوا: متمكن من القيام في صلاة الفرض، فلا يجوز له الإخلال،

كما لو قدر عليهما. 2699 - قلنا: القادر عليهما لو ترك لترك الأركان من غير عذر، والعاجز عن الركوع إنما ترك القيام لعذر. ولأن العذر في الركوع عذر في القيام غالبا، والمعتبر في الأعذار الغالب؛ بدلالة المسافر: لما كانت المشقة تلحقه غالبا جاز الترخص وإن لم يشق عليه. * * *

مسألة 145 إذا صلى المريض مضطجعا يستلقي على ظهره ويجعل رجليه نحو القبلة

مسألة 145 إذا صلى المريض مضطجعا يستلقي على ظهره ويجعل رجليه نحو القبلة 2700 - قال أصحابنا: إذا صلى المريض مضطجعا يستلقي على ظهره، ويجعل رجليه نحو القبلة. 2701 - وذكر الطحاوي عن أبي حنيفة رواية أخرى: أنه يصلي على جنبه الأيمن ويجعل وجهه إلى القبلة، وهو قول الشافعي. 2702 - وذكر ابن طاش عن أصحابنا: أنه يصلي على جنبه الأيمن فإن لم يقدر استلقى على ظهره. 2703 - وجه الرواية المشهورة: أن من لزمه الاستقبال لم يجز مع الانحراف، كالقائم والقاعد. 2704 - ولأن المريض معرض لزوال العذر وإمكان القعود أو القيام، ومن كان على ظهره إذا جلس كان تاركا للتوجه حتى ينتصب وينحرف إلى القبلة، فكان ما هو أقرب إلى الاستقبال أولى. ولأن القائم يستقبل بوجهه القبلة، فإذا انتقل إلى القعود انتقل إلى ما كان عليه من التوجه من غير انحراف، فكذلك القاعد إذا اضطجع

يجب أن يضطجع على ما هو عليه من غير انحراف. 2705 - واحتج المخالف بقوله تعالى: {وعلى جنوبهم}. وبحديث عمران بن الحصين: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (صل قائما، فإن لم تستطع فجالسا، فإن لم تستطع فعلى جنب). 2706 - والجواب: أنه يقال لمن استلقى على ظهره إنه على جنبه. قال عمر بن أبي ربيعة: إن جنبي على الفراش لناتي ... كنتو الأسير فوق الطراب ومعلوم أنه أخبر بعدم النوم والاستقرار، بذلك لا يكون بالجنب خاصة، وإنما يكون بجملة البدن. 2707 - قالوا: إذا كان مستقبلا بجميع بدنه القبلة وإذا كان مستلقيا فهو مستقبل السماء وإنما أسفل رجليه إلى القبلة. 2708 - قلنا: بل هو مستقبل بجملته [وإن كان وجهه غير مقابل، كما أن الراكع مستقبل بجملته القبلة] وإن كان وجهه غير مقابل لها. * * *

مسألة 146 إذا افتتح الصلاة مضطجعا ثم قدر على الركوع والسجود استأنف

مسألة 146 إذا افتتح الصلاة مضطجعا ثم قدر على الركوع والسجود استأنف 2709 - [قال أصحابنا]: إذا افتتح الصلاة مضطجعا الصلاة مضطجعا ثم قدر على الركوع والسجود استأنف. 2710 - وقال زفر: يبني، وهو قول الشافعي. 2711 - وهذه فرع على اقتداء القائم بالمؤمئ، فعندنا لا يصح، وكل صلاتين لا يبني إحداهما على الأخرى في حق نفسه كصلاة الكسوف وغيرها من الصلوات. 2712 - ولأنها صلاة كاملة الأركان فلا يجوز بناؤها على صلاة ناقصة الأركان، كما لا تبنى صلاة على صلاة الجنازة. ولا يلزم القاعد إذا قدر على القيام؛ لأنها صلاة كاملة الأركان، وإنما نقص ركن واحد. 2713 - احتجوا: بأنه قدر على المبدل بعد صحة شروعه في البدل فلم تبطل صلاته، كما لو كان جالسا فقدر على القيام. 2714 - قلنا: لا نسلم أن القعود بدل، وكذلك الإيماء، وإنما هو جزء من فرض الأصل قدر عليه وعجز عما سواه، فسقط ما عجز عنه، ولزم ما قدر عليه. والمعنى في صلاة الجالس أنها صلاة كاملة من غير عذر، فلم يبن عليها صلاة كاملة. 2715 - قالوا: حدوث قدرة على ركن من أركان الصلاة فلا يبطلها، كما لو

تلبس عاجزا عن القراءة ثم تلقنها. 2716 - قلنا: حدوث القدرة لا يبطلها عندنا، وإنما تعذر بناء أحد الفرضين على الآخر. والأصل غير مسلم؛ لأن الآدمي إذا تلقن سورة لا يبنى عندنا. 2717 - قالوا: إذا صلى قائما ثم عجز بنى، وهو انتقال من كمال إلى نقص. فإذا صلى عاجزا ثم قدر فهو ينتقل من نقص إلى كمال، فهو أولى بالبناء. 2718 - قلنا: لا نسلم هذا؛ لأن في إحدى الروايتين لا يجوز أن يبني صلاة الإيماء على [صلاة] القيام؛ لتنافي الفرضين، وعلى الراوية الأخرى إنما جاز البناء لأنه لا يصح اقتداء المومئ بالقائم، فجاز أن يبني بعد العجز، ولا يجوز اقتداء القائم بالمومئ، فلم يبن عند القدرة. * * *

مسألة 147 إذا كان بعينه مرض قد يزول إذا صلى مستلقيا جاز له الاستلقاء

مسألة 147 إذا كان بعينه مرض قد يزول إذا صلى مستلقيا جاز له الاستلقاء 2719 - قال أصحابنا: إذا كان يعينه مرض فقال الأطباء: عن صليت مستلقيا زال، جاز له الاستلقاء. 2720 - لنا: أنه فرض من فروض الصلاة، فجاز تركه لخوف الضرر، كاستقبال القبلة. ولأن الصائم إذا خاف الضرر بالصوم وكان يرجو الصحة بالفطر جاز له الفطر، فإذا جاز ترك الفرض لخوف الضرر فترك صفاته أولى. 2722 - ولا يقال: إنه ينقل في الصوم [إلى بدل كامل، وفي الصلاة إلى بدل ناقص؛ لأنه لا فرق بينها؛ ألا ترى أن فعل الصوم] في غير رمضان أنقص منه في رمضان، ولهذا يتعلق بالوطء في أحدهما الكفارة دون الآخر. 2723 - احتجوا: بحديث ابن عباس أنه لما كف بصره أتاه رجل فقال له: إن صبرت على سبعة أيام لم تصل إلا مستلقيا رجوت أن تبرأ فأرسل إلى أبي هريرة وغيره من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - فكلهم قال: إن مت في هذه الأيام فما الذي

تصنع بالصلاة، فترك معالجة عينه. 2724 - والجواب: أن ابن عباس إنما كان [يرجو] بحدوث العلاج عود بصره، فكرهوا له التعرض بما يحتاج مع إلى ترك القيام، والخلاف في غير هذا الموضع، وهو إذا فعل العلاج الذي يحتاج معه إلى ذلك هل يجوز ترك القيام أم لا، وهذا لم ينقل عنهم. 2725 - قالوا: لأنه متمكن من القيام في صلاة الفرض فوجب أن لا يجوز تركه، كمن [لا رمد به. 2726 - قلنا: لا نسلم أنه متمكن من القيام إذا لحقه به ضرر، واعتباره بمن لا رمد به ليس بصحيح؛ لأن من لا ضرر به لا يجوز له] ترك الصوم وكذلك ترك القيام، ولما جاز له في مسألتنا ترك الصوم كذلك ترك القيام. * * *

مسألة 148 إذا قرأ الإمام آية رحمة أو آية عذاب كره أن يستعيذ بالله أو يسأله الرحمة

مسألة 148 إذا قرأ الإمام آية رحمة أو آية عذاب كره أن يستعيذ بالله أو يسأله الرحمة 2727 - قال أصحابنا: إذا قرأ الإمام آية رحمة أو آية عذاب/ كره أن يستعيذ بالله أو يسأله الرحمة. 2728 - وقال الشافعي: أستحب ذلك. 2729 - لنا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في صلاة الفرض في كل موضع، فلو كان يستحب الدعاء في خلال القراءة لم يتركه، ولو فعله لنقل من طريق الاستفاضة، فلما لم ينقل دل على أنه ليس بمستحب. ولأنه لا يخلو إذا أتى بالدعاء أن ينقص من قراءة المسنونة أو يأتي بها، فإن نقص ففعل القراءة بكمالها أولا من الدعاء، وإن أتم القراءة أدى إلى تطويل الصلاة على المؤتم، وهذا منهي عنه. ولأنه بالدعاء يقطع نظم القرآن، أو يأتي بالدعاء في غير محله، وهذا مكروه. 2730 - احتجوا: بما روى حذيفة قال: صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما مرت آية رحمة إلا سألها، ولا بآية عذاب إلا استعاذ منها.

2731 - والجواب: أن هذا بعض الخبر، وتمامه أنه قال: صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الليل. وهذا يقتضي التطوع، وعندنا التطوع لا يكره له ذلك. ى يبين ذلك أنه روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ البقرة وآل عمران والنساء على [ما] في مصحف ابن مسعود، ومعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يقرأ في الفرض بكل هذا، فعلم أن ذلك كان في النفل. * * *

مسألة 149 إذا وقعت المرأة إلى جنب النبي أو بين يديه وهما مشتركان في صلاة، بطلت صلاته

مسألة 149 إذا وقعت المرأة إلى جنب النبي أو بين يديه وهما مشتركان في صلاة، بطلت صلاته 2732 - قال أصحابنا: إذا وقعت المرأة إلى جنب الرجل أو بين يديه وهما مشتركان في صلاة، بطلت صلاته. 2733 - وقال الشافعي: لا تبطل. 2734 - لنا: قوله - عليه السلام -: (أخروهن من حيث أخرهن الله)، وهذا منع من القيام بجنبهن، فاقتضى فساد القيام، وفساده يوجب فساد الصلاة. 2735 - وروي في حديث أنس قال: أقامني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واليتيم وراءه، وأقام أم سليم خلفنا. والإنفراد خلف الصف مكروه، فلو كان قيام الرجل بجنب

المرأة مكروها لم يعدل عنه إلى مكروه آخر، فثبت أنه أختار لها المكروه لترك ما لا يجوز. ولأنه قام مقاما لا يجوز أن يقومه بحال مع اختصاصه بالنهي في صلاة ذات أركان شاركته فيها، فأشبه إذا تقدم على إمامه. ولا يلزم المنفرد خلف الصف؛ لأنه مقام يجوز أن يقومه بحال إذا لم يجد موضعا. ولا يلزم من وقف على يسار الإمام؛ لأنه مقام يجوز أن يقومه إذا صلى العريان بالعراة فوقف وسط الصف. ولا يلزم إذا وقف الإمام في جانب المسجد؛ لأن هذا مقام يجوز أن يقومه بحال إذا سبقت الجماعة فصلى جماعة ثانيا وقف في ناحية من المسجد. 2736 - ولا يقال: إن الأصل غير مسلم؛ لأنا نقيس على من تقدم تقدما كثيرا. 2737 - ولا يقال: المعنى في المتقدم أنه لو كان في صلاة الجنازة فسدت صلاته كذلك في غيرها، والقيام بجنب المرأة معنى لا يفسد في صلاة الجنازة فلم يفسد في غيرها، وذلك لأنه قد يفسد الصلوات ما لا يفسد صلاة الجنازة؛ بدلالة ترك الركوع والسجود. ولأنه قام فيها مقام الائتمام في صلاة ذات أركان اشتركا فيها، فأشبه إذا استخلفها الإمام فنوا المؤتم الاقتداء بها. ولأن الإمام والمؤتم مشتركان في الصلاة، ثم جاز أن يلحق المأموم فساد من جهة إمامه، فلذلك يجوز أن يلحق الإمام فساد من جهة المؤتم في الصلاة التي لم يشرط فيها الجماعة. 2338 - احتجوا: بحديث أبي سعيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يقطع الصلاة شيء، وادرءوا ما استطعتم). 2739 - والجواب: أن هذا الخبر لا يمكن اعتبار عمومه؛ لعلمنا بوجود أشياء تقطع الصلاة، ومتى خرج الكلام على سبب وسقط عمومه كثر على سببه فكأنه - عليه السلام - قال:

لا يقطع الصلاة مرور شيء. ولهذا قال: (وادرءوا ما استطعتم) على أن هذا الخبر معارض بما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب). 2740 - قالوا: صلاة لو وقف فيها أمام المرأة لم تبطل، فوجب إذا وقفت المرأة فيها أمامه أو إلى جنبه أن لا تبطل، كصلاة الجنازة. 2741 - قلنا: إذا وقف أمامها فقد فعل ما أمر به، وإذا وقف إلى جانبها فقد فعل ما نهى عنه، فلا يقال: إن من فعل المأمور إذا لم تفسد صلاته وجب أن لا تفسد إذا ترك المأمور. والمعنى في صلاة الجنازة أنها ناقصة الأركان، فضعفت في باب الشرائط، وكذلك إذا جاز أن تضعف في هذا الشرط. ولما قويت الصلاة في اعتبار الشرائط جاز أن يعتبر فيها هذا الشرط. ولأن المرأة ليست من أهل صلاة الجنازة مع الرجال بحال، ولهذا قال - عليه السلام - (أتصلين فيمن يصلي؟ انصرفن مأزورات غير مأجورات). وإذا لم تكن من أهلها صار قيامها كقيام من استوفى الصلاة، فلذلك لم تفسد. 2742 - ولا يقال: إنه يكره لها حضور الجمعة والجماعات وإن كان لها فيها مقام؛ وذلك لأن الكراهة في الصلوات للزينة التي تلحقها، ولهذا لا يكره

للعجوز التي لا تشتهي الحضور، فكان المنع لمعنى في غير الصلاة. وأما الجنازة: فالمنع للصلاة؛ ألا ترى أنه - عليه السلام - أخرجهن من فعلها بقوله: (أتصلين فيمن يصلي، أتحملن فيمن يحمل؟ انصرفن مأزورات). فإذا كان النهي لمعنى في الصلاة خرجت من أن تكون من أهلها. 2743 - قالوا: لأنه وقوف لو كان في صلاة الجنازة لم تبطل به، فوجب إذا كان في غيرها أن لا تبطل، كما لو وقف أمامها. 2744 - قلنا: قد تبطل صلاة الفرض بما لا تبطل صلاة الجنازة؛ بدلالة ما بيناه، والمعنى إذا وقف أمامها أنه وقف موقفا مأمورا به، وفي مسألتنا وقف موقفا منهيا عنه بمعنى يختص بصلاته في جميع الأحوال. 2745 - قالوا: خالف سنة الموقف إلى موقف لمأموم بحال، فوجب أن لا تبطل صلاته، أصله: إذا وقف [عن يسار الإمام أو وقف] الإمام وسط الصف. 2746 - قلنا: المبطل عندنا ليس هو مخالفة سنة الموقف، وإنما هذا بعض وصف علتنا، والمبطل لكلام خصمه يجب أن يذكر جملة أوصاف علته، فأما بعضها فمن يسلم أنه لا يبطل. والمعنى فيمن وقف عن يسار الإمام أنه موقف مأمور به بحال على ما قدمناه، وفي مسألتنا وقف موقفا منهيا عنه بكل حال مع اختصاصه بالنهي واشتراكهما في الصلاة. * * *

مسألة 150 سجدة التلاوة واجبة

مسألة 150 سجدة التلاوة واجبة 2747 - قال أصحابنا: سجدة التلاوة واجبة. 2748 - وقال الشافعي: مسنونة. 2749 - لنا قوله تعالى: {واسجد واقترب}، وقال: {فاسجدوا لله واعبدوا}؛ وهذا أمر، فاقتضى الوجوب، وقال: {إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا}، فجهل ذلك من شرط الإيمان وصفته، وهذا يقتضي الوجوب، ويدل عليه قوله تعالى: {فما لهم لا يؤمنون* وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون}، فذمهم على ترك السجود، والذم يستحق بترك الواجب. 2750 - قالوا: المراد به الخضوع؛ بدلالة أنه علقه بجميع القرآن، والسجود لا

يجب في جميع القرآن. 2751 - قلنا: حقيقة السجود عبارة عن خضوع بصفة، فلا يجوز حمله على غير حقيقته. 2752 - قالوا: فنحن نترك ظاهر السجود وأنتم تتركون ظاهر العموم فتوجبون السجود في بعض القرآن. 2753 - قلنا: اعتبار الحقوق أولى من اعتبار العموم لأن المتكلم في غالب حاله يقصد الحقيقة، والغالب في العموم دخول التخصيص فيه. 2754 - قالوا: الآية ذكر فيها الكفار، وفعل السجود لا يصح منهم، فعلم أن المراد بها الخضوع. 2755 - قلنا: يصح أمر الكافر بالسجود [ويلحقه الذم بتركه، وإن كان لا يصح فعله إلا بتقديم الإيمان، كما يصح أمر المحدث بالسجود] ولا يصح منه إلا بتقديم الطهارة، وقد ذم الله الكفار بترك الزكاة وإن كانت لا تصح إلا بتقديم الإيمان: فقال سبحانه: {وويل للمشركين* الذين لا يؤتون الزكاة}. ولأنها سجدة تختص بما طريقه الأقوال فكان لها مدخل في الوجوب، كالمنذورة. ولأنه فعل مختص بتعظيم القرآن فكان واجبا، كترك مسه مع الجنابة ولأنه يجوز قطع القراءة وترك أفعال الصلاة بها، وما جاز ترك الواجب لأجله كان واجبا. ولأن ما طرأ على التحريمة وجاز للمصلي ترك الصلاة [بما كان واجبا، كتخليص الغريق. ولأنه فعل غير ركن الصلاة، فإذا أفرد عن جملة أركانها] كان واجبا، كصلاة الجنازة. 2756 - قالوا: لا نسلم أنه فعل أفرد؛ لأن السجدة يجب فيها التحريمة [والسلام وهما ركنان، وكذلك قيام الجنازة يجب فيه التحريمة والقراءة] والسلام فليس بمفرد. 2757 - قلنا: قد ذكرنا أنه أفرد عن جمل الأركان، وما ذكروه- وإن كان

عندهم ركنا- لم يخرج أن يكون القيام أفرد عن جمل الأركان التي هي الركوع والسجود والقعدة. ولأنها سجدة يتكرر فعلها في الصلاة بتكرار سببها، أو بفعل في الصلاة عقيب سببها، أو بفعل في الصلاة بحكم الشرع، أو ينتقل إليها عن قيام الصلاة، فصارت كسجدات الصلاة. 2758 - قالوا: المعنى فيها أنها راتبة في الصلاة. 2759 - قلنا: كونها راتبة [في الصلاة] يدل على وجوبها فيها، وكونها غير راتبة ينفي وجوبها فيها، وعندنا ليست من واجباتها، وكون الشيء غير راتب في الصلاة لا يمنع وجوبه في الجملة، كسائر الواجبات. ولأن السجدة التي يأتي بها المسبوق واجبة عندنا وليست براتبة. 2760 - قالوا: المعنى في سجدة الصلاة أنها تجوز في السفر راكبا من غير عذر. 2761 - قلنا: صلاة الفرض لا تفعل في عموم حال المسافر، فلم يكن معذورا في الإيماء والتلاوة بفعلها في غالب حاله، فكان معذورا في الإيماء كما كان معذورا بالنفي، فلم نسلم أنها تفعل من غير عذر. 2762 - احتجوا: بقوله تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين/ كتابا موقوتا}، قالوا: وهذه صلاة غير موقوتة، فلم تكن مكتوبة. 2763 - قلنا: سجدة التلاوة ليست صلاة عندنا، ولو كانت صلاة لم تكن مكتوبة، بل هي واجبة. 2764 - قالوا: روى طلحة بن عبيد الله أن أعرابيا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإسلام فقال: (خمس صلوات في اليوم والليلة)، فقال: هل علي غيرها، قال: (لا إلا أن تتطوع).

2765 - والجواب: أن قوله: هل علي غيرها، معناه: صلاة غيرها؛ ألا ترى أن سائر الواجبات لم يفهم سقوطها بهذا الخبر، وإذن تضمن الخبر سقوط وجوب الصلوات، والسجدة ليست بصلاة. ولأنه قال: (خمس كتبهن الله في اليوم والليلة) فقوله: هل علي غيرها، معناه: مكتوبة غيرها، وهذه ليست بمكتوبة. ولأن قوله: (إلا أن تتطوع) فيجب حتى يكون الاستثناء من جنس المستثنى منه، وعندنا أنه يتطوع بالتلاوة، فتجنب السجدة. 2766 - قالوا: روى زيد بن ثابت أنه قرأ عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سورة النجم فلم يسجد. 2767 - قلنا: يحتمل أن يكون على غير طهارة أو وقت لا يجوز فيه السجود، ويحتمل أن يكون أخر الفعل ليبين أنها لا تجب على الفور. ولأن زيدا لم يقل: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: [لم أسجد]، وإنما لم يشاهده سجد، فيجوز أن يكون سجد بغير حضرته. 2768 - قالوا: نفى نفيا عاما فيجوز أن يكون سمع من النبي - صلى الله عليه وسلم -. 2769 - قلنا: ويجوز أن يكون لم يشاهده، فبقي على غالب ظنه. 2770 - قالوا: روي أن عمر بن الخطاب قرأ السجدة على المنبر يوم الجمعة فنزل وسجد، فلما كان في الجمعة الثانية قرأها فتهيأ الناس للسجود، فقال: أيها الناس، على رسلكم، إن الله لم يكتبها علينا إلا أن نشاء.

2771 - قالوا: [روي] إنا: نمر بالسجدة، فمن سجد فقد أصاب وأحسن، ومن لم يسجد فلا إثم عليه. 2772 - والجواب: أن ترك الجمعة لفعل السجود يدل على وجوبه؛ ألا ترى أن الواجب لا يقطع لفعل ما ليس بواجب، وتأخير الفعل لا يسقط الوجوب؛ لأن الوجوب قد يكون على الفور وعلى التراخي. ولأن قوله: لم يكتبها إلا أن نشاء، يقتضي أنها تكتب بمشيئتنا، وهذا محال، فبقي أن يكون معناها: [إن نشأ تلاوتها فتجب علينا]؛ لأنه نفى أن تكون مكتوبة، وقد بينا أنها واجبة وليست مكتوبة. ولو ثبت عن عمر ما قالوه كان على مخالفنا؛ لأنه روي عنه أنه قال: عزائم السجود أربع: تنزيل السجدة، وحم السجدة، والنجم، واقرأ بسم ربك. والعزيمة عبارة عن الواجب. 2773 - قالوا: سجود يجوز فعله على الراحلة في السفر، وجب أن لا يكون واجبا، كصلاة النافلة. 2774 - قلنا: يبطل بسجدة المنذورة: إنها واجبة وتجوز على الراحلة في

السفر. ولأنها إنما جازت على الراحلة لأن سببها وجد من جهته وهو على هذه الحال، فتعلق الوجوب بالحال التي هو عليها. 2775 - ولا يقال: لو كان كذلك لوجب إذا زالت الشمس وهو راكب أن يصلي على ما هو عليه؛ لأن الوجوب هناك ليس بسبب من جهته. 2776 - قالوا: فإذا نذر الراكب أن يصلي [لم يجز] بالإيماء وإن كان السبب من جهته. 2777 - قلنا: ليس كذلك، بل يجوز أن يصلي راكبا وإن أطلق، ذكره أبو الحسن [رحمه الله]. ثم المعنى في صلاة التطوع أنه لا يجوز فعلها في خلال الفرض، وليس كذلك السجدة؛ لأنها سجدة تفعل في خلال صلاة الفرض سجداتها. 2778 - قالوا: سجود زائد على الراتب في الصلاة، فوجب أن لا يكون واجبا، كسجود السهو. 2779 - قلنا: يبطل بالسجدة التي يدركها المؤتم مع الإمام. وسجود السهو غير مسلم؛ لأن أبا الحسن كان يقول بوجوبه. ولو سلم فالمعنى فيه أنه لا يتكرر في [الصلاة بتكرار] سببه، أو لا ينتقل إليه عن قيام الصلاة، أو لا يفعل عقيب سببه. 2780 - قالوا: تلاوة فلا يجب بها السجود، كما لو قرأها ثانيا. 2781 - قلنا: لا نسلم؛ لأن الثانية تجب عندنا وتتداخل وجوبها [في] وجوب الأولى، فتجزئ السجدة عنها، وهذا المعنى لا يمنع الوجوب كتكرار أسباب الحد. 2782 - قالوا: هذه عبادة لا فائدة فيها وأسباب الحدود يتعلق بها الوجوب ولا يقال إنها عبادة. 2783 - قالوا: لو كانت الثانية يتعلق بها الوجوب لم تجزأ الأولى، وقد

وجد الفعل قبل سبب الوجوب. 2784 - قلنا: لا يمتنع مثل هذا فيما يصح فيه التداخل، كحد القذف إذا استوفى ثم تكرر القذف. 2785 - ولو قلنا: إن التلاوة الثانية لا توجب لم يدل على أنها لا تجب ابتداء، كالحدث الثاني لا يوجب الوضوء وإن كان الأول يوجب. 2786 - قالوا: تلاوة لو كررها في المجلس لم يجب فعل الثانية، كذلك إذا تلاها أولا أصله آخر الحج. 2787 - قلنا: سجدة الحج لما ذكرت مقرونة بركن لم يكن موضع السجدة، كقوله: {واسجدي وأركعي}، ولما ذكر السجود غير مقرون بركن على طريقة المخالفة للكفار كان موقع سجود واجب. * * *

مسألة 151 في المفصل ثلاث سجدات: في سورة النجم، وفي سورة السماء انشقت، وفي سورة اقرأ

مسألة 151 في المفصل ثلاث سجدات: في سورة النجم، وفي سورة السماء انشقت، وفي سورة اقرأ 2787 - قال أصحابنا: في المفصل ثلاث سجدات: في سورة النجم، وفي سورة السماء [انشقت]، وفي سورة اقرأ. 2789 - وقال الشافعي في القديم: لا سجود فيه. 2790 - لنا: ما روى الأسود عن عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ والنجم فسجد فيها فلم يبق أحد إلا سجد، إلا شيخ أخذ كفا من تراب وقال: هذا يكفيني. فلقد رأيته من بعد قتل كافرا. 2791 - وروى ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ والنجم فسجد وسجد معه المسلمون والمشركون حتى سجد الرجل على الرجل، وحتى سجد الرجل على شيء رفعه إلى

وجهه بكف. وعن أبي هريرة [- رضي الله عنه -] أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ والنجم فسجد وسجد الناس معه إلا رجلين أرادا الشهرة. 2792 - وروي أن أبا هريرة - رضي الله عنه - سجد في {إذا السماء انشقت} وقال: سجدنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها. وعنه أنه قال: سجدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إذا السماء انشقت، واقرأ باسم ربك سجدتين. وقد روي السجود في والنجم عن عمر وعثمان وابن مسعود وابن عمر - رضي الله عنه -. وعن علي: عزائم السجود أربعة. 2793 - وروي السجود في إذا السماء انشقت عن عمر وابن مسعود وعمار وابن عمر وأبي هريرة. وروي في اقرأ باسم ربك عن علي وابن مسعود. وعن عقبة ابن عامر أنه قال: من قرأ اقرأ باسم ربك فلم يسجد فلا عليه أن لا يقرأها. ولأنهم

اتفقوا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد في المفصل وادعوا النسخ، فاحتاجوا إلى دلالة. 2794 - احتجوا: بما روي عن زيد عن - رضي الله عنه - أنه قرأ عند النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنجم فلم يسجد فيها، وروي عن ابن عباس وأبي بن كعب: ليس في المفصل سجود. وروي أنه لم يسجد في المفصل بالمدينة، قال الشافعي: زيد قرأ على النبي - صلى الله عليه وسلم - مرة، وأبي مرتين، وهما أعرف الصحابة بالقراءة فلو كان فيها سجود لم يخف عليهما. 2795 - والجواب عنه: أن رواية زيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسجد يدل على التأخير، ولا يدل على الترك؛ ألا ترى أنها لا تثبت على الفور عندنا، وقوله: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسجدن نفي، وقد أخبر أبو هريرة أنه سجد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في المفصل، وهو متأخر الإسلام. فأما ما قرأه زيد وأبي على النبي - صلى الله عليه وسلم - فمعارض بقراءة ابن مسعود [وعلي]، فلم يصح الاحتجاج بقولهما. * * *

مسألة 152 السجدة الثانية في الحج ليست بموضع السجدة

مسألة 152 السجدة الثانية في الحج ليست بموضع السجدة 2796 - قال أصحابنا: السجدة الثانية في الحج ليست بموضع السجدة. 2797 - وقال الشافعي: يسجد. 2798 - لنا: أن مواضع السجدات لا يجو إثباتها إلا بالنقل المستفيض والاتفاق، ولم يوجد واحد من الأمرين فيها. 2799 - ولأنه ذكر السجود مقترنا بالركوع، كقوله: {واسجدي واركعي}. ولأن السورة [الواحدة] لا يجتمع فيها سجدتان، كسائر السور. 2800 - ولأن مواضع السجود ما كان خبرا أو أمرا رتب على خبر، فأما إذا تجرد للأمر فليس بموضع للسجود، كقوله: {وكن من الساجدين}. 2801 - ولا يقال: إن قوله {اركعوا واسجدوا} مرتب على خبر، وهو قوله: {وما قدروا الله حق قدره}؛ لأنه فصل بينهما آيات مرتبات [عليه]. ولأن كل تلاوة لا يجب بها السجود لا يكون موضع السجدة، كسائر الآي. 2802 - احتجوا بقوله تعالى: {اركعوا واسجدوا}، وهو أمر السجود. 2803 - قلنا: لما جمع بين الركوع والسجود دل على أن المراد الصلاة التي تجمع

الأمرين، ولو حملناه على السجدة لألغينا ذكر الركوع. 2804 - قالوا: روى عقبة بن عامر قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: في الحج سجدتان؟ فقال: (نعم، من لم يسجدهما فلا يقرأهما). 2805 - قلنا: رواه ابن لهيعة عن مشرح بن هاعان عن عقبة، وابن لهيعة: ضعفه الدارقطني في كتابه، ومشرح: ثقال البستني: كنيته أبو مصعب، عداده في أهل مصر، يروي عن عقبة بن عامر أحاديث مناكير [لا يتابع] عليها، والصواب ترك ما انفرد به والذي يلحق بتركهما. وما نقوله أقرب إلى الظاهر؛ لأنا نحملهما على الوجوب وإن خالفنا بين صفتهما فيجوز أن يستحق الذم، ومخالفنا حملهما على الاستحباب، والذم لا يستحق بتركه. 2806 - قالوا: روي عن عمرو بن العاص قال: أقرأني رسول الله خمس عشرة سجدة، ثلاثة في المفصل وسجدتان في الحج.

2807 - قلنا: هذا يدل على تلاوة ما فيه ذكر السجود [وليس كل ما فيه ذكر السجود] وجب عنده. 2808 - قالوا: فما فائدة النقل. 2809 - قلنا: الافتخار بكثرة القراءة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما روي [عن] ابن مسعود أنه قال: علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبعين سورة، وزيد بن ثابت في الكتاب له ذؤابتان. 2810 - قالوا: روي/: في الحج سجدتان، عن عمر، وعلى، وابن عمر، وأبي الدرداء، ولا يعرف له مخالف. 2811 - قلنا: روي عن ابن عباس: في الحج سجدة واحدة. وهي الأولى. وقد روي عن ابن عباس مثل قولهم. وعن إبراهيم، ويحيى بن وثاب، ومسروق، وسعيد بن جبير، وجابر بن يزيد، وسعيد بن المسيب، والحسن أن في الحج سجدة واحدة، وهي الأولى. وخلاف هؤلاء معتد به على الصحابة. * * *

مسألة 153 سجدة سورة (ص) للتلاوة

مسألة 153 سجدة سورة (ص) للتلاوة 2812 - قال أصحابنا: سجدة (ص) للتلاوة. 2813 - وقال الشافعي: سجدة شكر. 2814 - ويتعين الخلاف في جواز فعلها في الصلاة، فعندنا يسجدها التالي في الصلاة، وعندهم لا يسجدها، حتى قالوا على أحد الوجهين: إن اعتمد سجودها بطلت صلاته. 2815 - لنا: ما روي [عن] ابن عباس - رضي الله عنه - أنه سجد في (ص) وقال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسجد فيها. والحكم المنقول مع السبب يدل على تعلقه [به]. وروي أنه سئل عن ذلك، فتلا قوله تعالى: {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده}.

ولأنها سجدة تفعل في حال الخطبة، فوجب أن تفعل فى حالة الصلاة، أصله سائر مواضع السجود. فإن منعوا الوصف دللنا عليه بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه تلا على المنبر سورة (ص) يوم الجمعة، فنزل وسجد. ولأنها سجدة اختصت بنبي من الأنبياء، كقوله تعالى: {واسجد واقترب}. ولأنها سجدة تفعل عند التلاوة، وكانت متعلقة بها، كسائر السجدات. 2816 - احتجوا: بما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم -[قال]: (سجدها داود توبة، ونحن نسجدها شكرا). 2817 - والجواب: أن الشافعي روى هذا الخبر عن سفيان بن عيينة عن عمر ابن ذر، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا مرسل. ولأن ابن ذر تابعي كوفي، ومن أصلهم أن المراسيل لا تقبل. 2818 - قالوا: أسنده الدارقطني. 2819 - قلنا: رواه مسندا عن عبد الله بن رشيد الدمشقي عن عمر بن ذر عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. قال البستي: عبد الله بن مسلم بن رشيد

مولى بني هاشم قدم نيسابور، يروي عن الليث [بن سعد] وابن لهيعة ومالك، ويضع عليهم الحديث، لا يحل كتب حديثه ولا ذكره، [وهو الذي روي عن أبي هدبة] نسخة كلها معمولة، فإذا أسند مثل هذا ما رواه سفيان بن عيينة ومحمد ابن الحسين مرسلا لم يقبل. ثم إنه لو ثبت لم ينف ما قلناه؛ لأنه يجوز أن يكون سجدة تلاوة سببها الشكر. 2820 - احتجوا: بما روى أبو سعيد الخدري قال: قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر سورة (ص) فنزل وسجد وسجد الناس معه، فلما كان [في الجمعة الثانية قرأها فتشزن] الناس للسجود فنزل وسجد وسجد الناس معه، وقال: (لم أرد أن أسجدها، فإنها توبة نبي، وإنما سجدت لأني رأيتكم تشزنتم للسجود). 2821 - والجواب: أن فعله للسجود بقطع الخطبة دلالة عليهم، تركه لذلك ليس بدلالة لهم؛ لأنه يجوز التأخير عندنا. وقوله: (إنها توبة نبي) بيان أن هذا [لما] لم يختص بشريعته لم يتأكد؛ [فلذلك] أراد أن يؤخرها.

وإنما كان يصح هذا الاستدلال لو كان بينا في التلاوة والتوبة. 2822 - ولأن داود - عليه السلام - سجدها قبل التوبة، والشكر لا يتقدم على النعمة، فعلم أنه سجدها لا للشكر، ونحن أمرنا بالاقتداء به. 2823 - قالوا: روي عن ابن عباس أنه قال: سجدة (ص) ليست من العزائم. 2824 - قلنا: العزائم: الواجبات، ونفي وجوبها لا ينفي كونها سجدة، كسائر السجدات عندهم. * * *

مسألة 154 تجب السجدة على كل من سمعها

مسألة 154 تجب السجدة على كل من سمعها 2825 - قال أصحابنا: تجب السجدة على كل من سمعها. 2826 - وقال الشافعي: إنما تسن في حق التالي ومن اعتمد سماعها، فإن طرقت من غير قصد لم يسجد. 2827 - لنا: أن السماع سبب للسجدة، كالتلاوة، فإذا لم يعتبر القصد في أحدهما فكذلك الآخر. 2828 - ولأن أسباب القرب إذا جاز أن تثبت من غير جهة المكلف لم تقف على قصده، كدخول وقت الصلاة. ولأن المقصود بالسجود تعظيم القرآن ومخالفة المشركين بإظهار الخضوع، وهذا المعنى موجود في حق السامع وإن لم يقصد. 2829 - احتجوا: بما روي عن عثمان [- رضي الله عنه -] أنه مر بقاص فقرأ سجدة، فلم يسجد عثمان معه، وقال: ما استمعنا له. وعن ابن مسعود وعمران بن

الحصين قال: ما جلسنا لها. وسلمان الفارسي قال: ما عدونا لها. ولا يعرف لهم مخالف. 2830 - قلنا: ذكر ابن شجاع في سنن الصلاة عن عمار وابن عمر ونافع وسعيد بن جبير مثل قولنا، فلم يصح [دعوى] الإجماع. * * *

مسألة 155 إذا ركع بسجدة التلاوة جاز

مسألة 155 إذا ركع بسجدة التلاوة جاز 2831 - قال أصحابنا: إذا ركع بسجدة التلاوة جاز. 2832 - وقال الشافعي: لا يجوز. 2833 - لنا: قوله تعالى: {وخر راكعا وأناب}، فعبر عن السجود بالركوع، فلولا أن أحدهما يقوم مقام الآخر لم يعبر عنه به. 2834 - وروي عن ابن مسعود في سجدة الأعراف التخيير بين السجود لها والركوع، ولا يعرف له مخالف. ولأنه ركن هو الخضوع، فجاز أن يشرع في التلاوة، كالسجود. ولأنه ركن هو فعل لا يتعقبه الخروج من الصلاة، فجاز أن ينفرد عنها، كالقيام. ولأن المقصود إظهار الخضوع مخالفة للمشركين، وهاذ المعنى موجود في الركوع والسجود. 2835 - احتج المخالف: بأنه قادر على السجود، فلا يجوز إقامة الركوع مقامه، كسجدة الصلاة. 2836 - والجواب: أن قوله: قادر، لا تأثير له في الأصل؛ لأن الركوع لا يقوم مقامه وإن لم يقدر، ولأنه لا يركع بسجدة الصلاة حتى لا يتكرر الركوع في ركعة، وهو ركن لم يوضع على التكرار. * * *

مسألة 156 قراءة الإمام لآية سجدة في الصلاة السرية

مسألة 156 قراءة الإمام لآية سجدة في الصلاة السرية 2837 - قال أصحابنا: يكره للإمام إذا كان يخفي القراءة أن يقرأ آية سجدة. 2838 - وقال الشافعي: لا يكره. 2839 - لنا: أنه إذا تلا ولم يسجد ترك السجدة عقيب سببها، وإن سجد لم يعلم القوم سبب السجود، فظنوا أنه سها عن الركوع فسبحوا له ولم يتبعوه، فوجب أن لا يقرأ. 2840 - احتج الشافعي بما روى ابن عمر قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الظهر فسجد فيها فرأى أصحابه أنه قرأ تنزيل [السجدة]. 2841 - [والجواب: أن الطحاوي ذكر هذا الحديث عن يزيد بن هارون] قال: أخبرنا سليمان التيمي عن أبي مجلز قال: ولم أسمعه منه، عن ابن عمر، فصار الحديث مرسلا، فلم يقبل على أصلهم. ولو ثبت لم يدل؛ لجواز أن يكون ظن أنه ترك سجدة من ركعة قبلها فسجد للصلاة، لا للتلاوة. * * *

مسألة 157 سجدة التلاوة لا يجب فيها السلام

مسألة 157 سجدة التلاوة لا يجب فيها السلام 2842 - قال أصحابنا: سجدة التلاوة لا يجب فيها السلام. 2843 - وقال الشافعي في البويطي: لا تشهد فيها ولا سلام. فمن أصحابه من قال بهذا، ومنهم من قال تفتقر إلى تشهد وسلام. 2844 - وقال ابن سريج والمروزي: تفتقر إلى سلام ولا تفتقر إلى تشهد. 2845 - لنا: أن سجدة التلاوة لما أفردت عن الصلاة وجب اعتبارها بسجداتها، ومعلوم أن سجدة الصلاة لا يتعقبها سلام، كذلك سجدة التلاوة. ولأنه ذكر أفرد فلا يثبت فيه القعدة للتشهد، كقيام صلاة الجنازة. ولأن من تلا في الصلاة سجد، وعاد

بالتكبير إلى الحالة التي كان عليها قبل السجود من غير فعل، كذلك إذا سجد خارج الصلاة وجب أن يعود إلى ما كان عليه بتكبيرة من غير فعل [آخر]. 2846 - احتجوا: بأنها صلاة تفتقر إلى التحريمة فافتقرت إلى التحليل. 2847 - والجواب: أنا لا نسلم أنها صلاة، ولا أنها تفتقر إلى تحريم، والتكبيرة للانتقال دون التحريمة؛ يبين هذا أنها لو كانت للتحريم وجب أن يأتي بعدها بتكبيرة للانتقال، فلما قالوا: إن الانتقال يتعلق بها دل على أنها ليست بتحريمة. * * *

مسألة 158 حكم سجود الشكر

مسألة 158 حكم سجود الشكر 2848 - ذكر الطحاوي عن أبي حنيفة: أن سجود الشكر ليس بشيء مسنون. وقال محمد: لا بأس به. وذكر في السير الكبير عن أبي حنيفة كراهته. 2849 - وقال الشافعي في القديم: يستحب أن يسجد سجود الشكر. قال أصحابه: إذا أنعم الله تعالى عليه نعمة أو دفع عنه بلية، فالمستحب أن يسجد. 2850 - لنا: ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا رأيتم أهل البلاء فاسألوا ربكم العافية، ولم يذكر السجود. ولأن نعم الله تعالى كانت نبينا أكثر من أن تحصى، فلو كان السجود مسنونا لكرره عند سببه، ولو فعل لنقل من طريق الاستفاضة، فلما لم ينقل أنه فعله إلا نادرا دل على أنه ليس بمسنون. 2851 - وقد روي أن الناس شكوا القحط وهو على المنبر، فدعا، فسقوا عند دعائه، واتصل الغيث إلى الجمعة [الثانية]، فشكوا إليه كثرة المطر، فقال:

(حوالينا ولا علينا)، فاستدار الغمام حول المدينة كالإكليل، وهذه نعمة ظاهرة أجاب الله [تعالى] دعاءه، وصدق دعواه بالمعجز، وأنعم على الناس بزوال الجدب ولم يسجد ولا أمرهم بالسجود، فلو كان [ذلك] مسنونا لم يتركه عند سببه. ولأن من أعظم نعم الله تعالى على الإنسان هدايته إلى الإسلام، وقد كانوا يسلمون على يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعده عند صحابته، ولم ينقل عن أحد منهم أنه أمر من أسلم بالسجود. 2852 - ولا يقال: إن ما ليس بواجب يجوز تركه؛ لأن ما كان مسنونا لم يستحب تركه عند وجود سببه. ولأنه ركن من أركان الصلاة [فلا يسن لأجل الشكر، كالركوع. ولأنها سجدة لا يقوم الركوع مقامها فلا تشرع في غير الصلاة]، كالسجود عند/ طلب الرزق وسؤال الحاجة. ولأن مخالفنا إن قال: أنه يسجد عند كل نعمة ظاهرة وباطنة، أدى إلى قطع جميع الأوقات بالسجود؛ لأن الإنسان لا يخلو من نعم الله تعالى عليه في كل أحواله، وإن خص ذلك بالنعم الظاهرة فلا معنى له؛ لأن الشكر واجب عند النعم الظاهرة والباطنة، فلا معنى لتخصيص أحدهما بالسجود، وقد بينا أن هذا الخبر لا يحتج به. 2853 - قالوا: روى أبو بكرة [- رضي الله عنه -] قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جاءه شيء يسر به خر ساجدا. وروى عبد الرحمن بن عوف: سجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

فأطال السجود، فقلنا له: سجدت فأطلت السجود، فقال: (أتاني جبريل، فقال: من [صلى] عليك مرة صليت عليه عشرا، فسجدت شكرا). وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أتى برأس أبي جهل سجد. وروى [أنه رأى نغاشا فسجد. 2854 - قالوا: وروي عن أبي بكر [- رضي الله عنه -] لما بلغه فتح البحائر سجد. وعن علي أنه لما وجد ذا الثدية يوم النهروان سجد. 2855 - والجواب: أن هذا يدل على جواز السجود، ونحن لا نأبى ذلك على إحدى الروايتين، وإنما نمنع أن يكون مسنونا، وما ذكروه لا يدل على السنة؛ [ألا ترى أن النعم] [الظاهرة اتفقت للنبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر مما ذكروه وكذلك لأبي بكر، فلو كان السجود مسنونا] لم يترك عند سببه. 2856 - وقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما بلغه قتل أبي جهل صلى ركعتين، ولما فتح مكة

صلى ركعتين، ولم يدل ذلك على أن صلاة الشكر مسنونة، فكذلك لا يدل [على] أن السجود مسنون. * * *

مسألة 159 إذا صلى على سطح الكعبة وليس بين يديه بناء جاز

مسألة 159 إذا صلى على سطح الكعبة وليس بين يديه بناء جاز 2857 - قال أصحابنا: إذا صلى على سطح الكعبة وليس بين يديه بناء جاز. 2858 - وقال الشافعي: لا يجوز حتى يكون بين يديه بناء، وكذلك قالوا. إذا صلى في نفس الكعبة ولا بناء لها، أو توجه إلى الباب وليس له عتبة. 2859 - لنا: قوله تعالى: {وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود}، ولم يفصل بين حال دون حال. 2860 - ويدل عليه قوله تعالى: {فول وجهك شطر المسجد الحرام}، والشطر يعبر به عن البعض، ومن صلى على سطحه فقد توجه ما بين يديه منه. 2861 - ولا يقال: إنه لم يتوجه إلى شيء منه؛ ألا ترى أن الكعبة تحته وليست بين يديه؛ لأن هواها بين يديه، وهواء البقعة من البقعة؛ لأنه متوجه إلى الأرض التي بين يديه بناء جاز وإن لم يكن، كمن صلى خارج الكعبة ومن

صلى على أبي قيس. 2862 - ولأن البيت يتعلق به حكمان: صلاة وطواف، فإذا لم يعتبر في جواز أحدهما البناء بحال، فكذلك الآخر. 2863 - ولأن الأحكام المتعلقة بالبيت لا يقف ثبوتها على البيان؛ بدلالة منع الجنب من دخوله، ويحرم الاصطياد فيه. 2864 - ولأن كل بقعة صحت الصلاة فيها صحت على ظهرها من غير بناء، كسائر البقاع. 2865 - ولأن بين يديه جزأ من الكعبة فصار كالبناء. 2866 - احتجوا بقوله تعالى: {فول وجهك شطر المسجد الحرام}. 2867 - والجوابي: أن الشطر قد قيل إن المراد به البعض، وهذا موجود، وقيل إن المراد به الجهة، وهذا موجود. 2868 - ولا يقال: إن من صلى على السطح لا يقال: صلى إليها، وإنما يقال: صلى فيها؛ لأن هذا كلام من يمنع الصلاة بكل حال، والخلاف بيننا في الأحوال لا في الأصل. 2869 - قالوا: روي عن ابن عباس أنه قال: لا يجوز الصلاة في سبع مواطن. وذكر فيها ظهر البيت العتيق. 2870 - قلنا: هذا متروك بالإجماع؛ ألا ترى أن الصلاة جائزة بالاتفاق مع الحائل، فيحتمل أن يكون نهى عن ذلك لما فيه من الاستعلاء على البيت، وهذا يؤدي إلى حمل النهي على العموم، أو يحمل على من صلى على طرف منها لا يبقى بين يديه شيء.

2871 - قالوا: روى أن الكعبة لما احترقت في أيام ابن الزبير أمره ابن عباس أن يعلق عليها أنطاعا، فلو كان الحائل غير معتبر لم يكن للأمر بذلك معنى. 2872 - قلنا: إنما أمر بذلك لأن الناس يستديرون في الصلاة إليها، فإذا لم يكن حائل صلى بعضهم إلى وجوه بعض، وهذا لا يصح. 2873 - قالوا: ترك التوجه إلى جزء من الكعبة في صلاة فرض آمنا، فصار كمن صلى على طرفها. 2874 - قلنا: لا نسلم الوصف؛ لأنه متوجه إلى جزء منها. والمعنى في الأصل أنه لو كان هناك بناء لم تجز الصلاة، كذلك مع عدمه. ولما كان في مسألتنا تجوز الصلاة إذا كان بين يديه بناء، فكذلك مع عدمه. 2875 - قالوا: الحكم إذا تعلق بالبقعة، فالمقصود نفس البقعة دون الهواء، والدليل عليه البيع. 2876 - قلنا: تحريم الصيد يتعلق بالبقعة والهواء، وكذلك جواز الاعتكاف والامتناع من الاستقبال بالفرج. * * *

مسألة 160 إذا قرأ المصلي في المصحف بطلت صلاته

مسألة 160 إذا قرأ المصلي في المصحف بطلت صلاته 2877 - قال أبو حنيفة: إذا قرأ في المصحف بطلت صلاته. 2878 - وقال الشافعي: لا تبطل. 2879 - لنا: أنه متلقن القرآن من غيره في صلاته، فأشبه إذا تلقن من أجنبي. ولا يلزم إذا تلقن من المؤتم؛ لأنه إن كان يحفظ ما تلقنه فتلقن فسدت الصلاة. 2880 - ولأن القراءة من الكتاب في الصلاة تشبه صنع الكفار، وقد قال عليه السلام: (من تشبه بقوم فهو منهم). 2881 - ولا يقال: إن التشبه بهم إنما منع منه فيما لا يجوز فأما في الجائز فلا يمنع منه؛ لأنا لا نسلم لهم جواز هذا الفعل في الصلاة. 2882 - ولأنه غير حافظ لما يقرأه، فإذا قرأه من كتاب فسدت صلاته، كما لو قرأه بالفارسية.

2883 - احتجوا: بأن حمل المصحف بمجرده لا يبطل والنظر بانفراده لا يبطل، وكذلك القراءة والفكر، فإذا اجتمعت لم تبطل. 2884 - قلنا: ليس إذا كان الفعل لا يبطل الصلاة لم يبطلها إذا انضم إلى غيره؛ الدليل عليه: المشي والعمل اليسير لا يبطل، وإذا طال أبطل. * * *

مسألة 161 لا يجب على المرتد قضاء الصلوات إذا أسلم

مسألة 161 لا يجب على المرتد قضاء الصلوات إذا أسلم 2885 - قال أصحابنا: لا يجب على المرتد قضاء الصلوات إذا أسلم. 2886 - وقال الشافعي: يجب. 2887 - لنا: قوله تعالى: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف}، والغفران يقتضي إسقاط حكم ما تقدم. 2888 - ولا يقال: إن المرتد لا يسمى كافرا لأن له اسما خاصا؛ وذلك لأن الكفر عام، وإن كان كل نوع منه يختص باسم، كقولنا: وثني، ومجوسي. وقد سمى الله تعالى المرتد كافرا بقوله: {إن الذين أمنوا ثم كفروا}. 2889 - قالوا: المراد به: الكافر الأصلي؛ لأنه قال {وإن يعودوا فقد مضت سنت الأولين}، يعني في القتل والجزية، والمرتد لا تؤخذ منه الجزية، وقال: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة}، ولم تكن للمرتدين فئة زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

2890 - قلنا: قوله: {وإن يعودوا} إلى الكفر ف {سنت الأولين} التوبة أو القتل، وأما الجزية فقد يكون سنة وقد لا يكون؛ ألا ترى أن الوثني من العرب [لا] يثبت في حقه. 2891 - وأما قولهم: لم يكن للمرتدين فئة، فغلط؛ لأن مسيلمة ارتد ومن معه وكان لهم فئة، ولو لم يكن اقتضت الآية المرتد إذا صار من جملة الكفار الأصليين، فيلزمهم فئة. 2892 - ولا يقال: إنا لا نسلم أن الانتهاء يكون مع ترك القضاء، أن القضاء مختلف فيه والإسلام لا يقف على التزام يختلف فيه، كما لا يقف على التزام الأضحية. 2893 - ولا يقال: المراد به غفران المأثم؛ لأن الغفران يقتضي الإسقاط والتغطية، وهذا يوجب رفع العبادة من كل وجه. 2894 - ويدل عليه قوله - عليه السلام -: (الإسلام يجب ما قبله)، وفيه إجماع الصحابة؛ لأن غطفان وبني حنيفة ارتدوا ثم أسلموا ولم ينقل أنهم أمروا بقضاء الصلوات، فلو وجب ذلك لم يتركه الصحابة. ولأنها توبة من كفر فأشبه الكافر الأصلي. 2895 - ولا يقال: المعنى فيه أنه لم يلتزم الصلوات، والمرتد قد التزمها؛ لأن الواجب لا يقف على الالتزام؛ ألا ترى أن الفقير لو التزم الحج والزكاة لم يلزمه، ولو لم يلتزم الصلاة لزمته. ولا يقال: إن المرتد يضمن ما أتلفه علينا، والحربي لا يضمن، لالتزام أحدهما، كذلك الحربي يضمن التزام الضمان؛ لأنا لا نسلم ذلك، بل يلزمه الضمان؛ لأنه من أهل دارنا، ويسقط الضمان عن الحربي لاختلاف الدارين أن المرتد لو

لحق بمن أتلف لم يلزمه الضمان. 2896 - ولأنها صلوات الكافر ولأنها صلاة معنى وقتها في حال هو فأشبه ما تركه الكافر الأصلي. 2897 - ولا معنى لقولهم: إن الوصف تأثير المسلم ثم ارتد ثم أسلم لا يقضيه، وإن كان تركه في حال له الإيمان؛ لأنا وضعنا العلة بحكم خاص، والمعلل أن يختص حكمه ونعمه، فإذا دل على حكم. 2898 - لا يقال: إن علته غير مؤثرة، ولأن الكفر معنى ينفي وجوده فعل الصلاة من جميع نافيا لقضاء ما فات وقته من الصلوات معه، كالحيض. 2899 - ولأنه لو وجد بقى قضاء ما مضى وقته من الصلوات، فكان الطارئ مثله، [أصله: الحيض]. 2900 - [احتجوا]: بقوله - عليه السلام -: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها)، فعبر بالنسيان عن الترك، وهذا شائع؛ كقوله تعالى: (ما ننسخ من آية أو ننسها}، وقال: {نسوا الله فنسيهم}. بمعنى تركهم. 2901 - والجواب: أن حقيقة/ النسيان يفيد ما تركه الإنسان وهو غافل عنه، فأما ما اعتمد تركه فلا يقال: إنه نسيه على الإطلاق؛ ألا ترى أنه لا يقال: نسي فلان عامدا، ولو صح أن يعبر عن الترك لجاز أن يجمع بينه وبين العمد، وليس إذا عبر بالنسيان عن الترك على وجه التوسع يجوز أن يترك الحقيقة في كل موضع. 2902 - قالوا: نفرض المسألة فيمن نسي صلاة حال ردته. 2903 - قلنا: ظاهر الخبر يقتضي الصلات التي يجب فعلها بالذكر، وهذه الصلاة

لا يلزمها بالذكر حتى تسلمّ، فلا يتناولها الخبر. 2904 - قالوا: نفرض الكلام فيمن نسي صلاة قبل ردته ثم ارتد ثم أسلم ثم ذكرها، فعليه أن يقضيها بنفس الذكر عندنا. 2905 - قلنا: ظاهر الخبر يقتضي وجوب القضاء عند الذكر بكل حال، وهذا لا يوجد فيما ذكرتموه. 2906 - قالوا: ترك الصلاة بفعله بمعصية فوجب أن يكون عليه القضاء، كالسكران. قلنا: لا تأثير بقولكم: بمعصية؛ لأن ما تركه المرتد في حال نسيانه ونومه لم يتركه بمعصية، والقضاء واجب،. ثم المعصية إن أرادوا بها السكر فذلك من فعل الله تعالى، وليس بمعصية، وإن أرادوا الشرب فالترك لا يقع به. 2908 - ثم المعنى في السكر [أنه] لو قارن البلوغ لم يمنع وجوب القضاء، فكذلك إذا طرأ، والكفر لو قارن البلوغ منع القضاء، كذلك إذا طرأ. 2909 - قالوا: خرج من أهل الصلاة بما هو غير معذور فيه، كالسكران. 2910 - قلنا: الوصف غير مسلم في الأصل؛ لأنه لم يخرج عن أهل الصلاة، كما لا يخرج النائم، ولأن السكر لا يكون بفعله، فهو فيه معذور، وإنما لا يعذر في الشرب، والترك لا يقع به. 2911 - قالوا: ترك الصلاة بعد اعتقاد وجوبها بمعصية فلزمه قضاؤها، كما لو تركها عامدا. 2912 - قلنا: الوصف غير مسلم على من يقول من أصحابنا: إن الكافر غير مخاطب؛ لأن الصلاة إذا لم تجب لم يقل تركها، واعتقاد وجوبها لا معنى له؛

لأنا قد بينا أن الاعتقاد لا تأثير له في الوجوب، وذكر المعصية لا تأثير له على ما قدمناه. ثم المعنى فيه إذا تركها عامدا أنه تركها مع اعتقاد وجوبها ولم يطرأ ما يمنع الوجوب، وليس كذلك في مسألتنا؛ لأنه تركها مع جحود وجوبها، فصار كما تركه الكافر الأصلي. 2913 - قالوا: كل من التزم شيئا واعتقده لزمه حكمه، والدليل عليه: المسلم لما التزم ضمان الأنفس والأموال ووجوب العبادات لزمه حكمها، والتزم الإيمان فلم يقر على تركه بجزية ولا استرقاق، والحربي لم يلتزم ضمان النفس والأموال والعبادات الشرعية، فلم يلزمه ضمانها، ولام يلتزم الإسلام فجاز أن يقر على الكفر بالجزية والاسترقاق. 2914 - قلنا: المسلم لم يلزمه ضمان الأنفس والأموال لأنه التزمها لكن بحكم الدار؛ ألا ترى أن الصبيان في دار الإسلام يلزمهم ضمان الأنفس والأموال وإن لم يلتزموها، وكذلك العبادات، ولا يلزم المسلم بالالتزام؛ لأن صبيان المسلمين إذا بلغوا لزمتهم العبادات وما التزموها، وكذلك المسلم لا يقر عليه؛ ألا ترى أن عبدة الأوثان من العرب لا يقدرون على كفرهم مع عدم الالتزام، والحربي إنما سقطت عنه هذه الأحكام ليس لعدم التزامه، لكن لمباينة الدار. 2915 - قالوا: عبادة على البدن لا مدخل للمال فيها فلا يسقطها الكفر كالإيمان. 2916 - قلنا: نقول بموجبه؛ لأن الكفر لا يسقط الصلاة عندنا، وإنما يسقط الإسلام. وعلى قول من قال: الكافر لا يخاطب نقول لم يجب، [فلا يصح أن يقال: يسقطها. ثم لا فرق بين الإيمان والصلاة؛ لأن المرتد لا يجب] عليه

قضاء الإيمان؛ لأن ذلك لا يتصور فيه، وإنما يجب استقبال الإيمان، فكذلك نقول في الصلاة لا يجب عليه القضاء ويستقبل فعلها بعد الإسلام. 2917 - ولا يقال: إن المرتد أشبه بالمسلم منه بالكافر الأصلي؛ لأنه يضمن بالإتلاف ولا يسترق ولا يطاب بالجزية ويقتل إذا قتل. 2918 - قلنا: إن ارتد أهل بلد تسبى نساؤهم وذراريهم ولم يضمنوا بالإتلاف إذا تخبروا ولا يسترق رجالهم ولا يؤخذ منهم الجزية، كعبدة الأوثان من العرب. * * *

مسألة 162 إذا شك المصلي في صلاته لايتكرر منه استأنف

مسألة 162 إذا شك المصلي في صلاته لايتكرر منه استأنف 2919 - قال أصحابنا: إذا شك في صلاته والشك لا يتكرر منه استأنف. 2920 - وقال الشافعي: يبني على اليقين. 2921 - لنا: ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (لا غرار في الصلاة)، والغرار: الخروج من فرضها بالشك. وهذا يدل على وجوب الاستئناف. 2922 - وقال - عليه السلام -: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك). 2923 - ولأن يمكنه إسقاط فريضة بيقين من غير مشقة، فوجب أن يلزمه، أصله:

من شك في جهة القبلة أنه لا يصلي إلى الجهات؛ لأنه تكرار كل فرض أربع مرات، وفيه مشقة؛ ولأنه قادر على فعله من غير مشقة، فوجب أن يلزمه، كمن شقة في القبلة وبحضرته من يسأل عنها، 2924 - ولأن مخالفنا قد وافقنا على اعتبار اليقين، وما ذكرناه أقر إليه، فكان أولى. وهذه المسألة مبنية على أن الزيادة في الصلاة على وجه النسيان يبطلها، فإذا بني على اليقين جاز أن يكون قد زاد فيها ركعة، فبطلت، وإذا استأنف أدى الفرض بيقين. 2925 - احتجوا: بحديث أبي سعيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من شك في صلاته فلم يدر أثلاثا [صلى] أم أربعا، فليلغ الشك وليبن على اليقين). 2926 - والجواب: أن إلغاء الشك يكون بالاستئناف، كما يكون بما يقولونه، والاستئناف أولى؛ لأنه يسقط الفرض بيقين، فهو أبعد من الشك. 2927 - ولا يقال: إن الاستئناف لا يسمى بناء؛ لأنه يقال: بنى على الصلاة، ويقال: بنى على اليقين، بمعنى أنه أخذ بذلك وعمل عليه. 2928 - قالوا: روي في حديث عبد الرحمن بن عوف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر أواحدة صلى أم اثنتين فليجعلها واحدة). 2929 - والجواب: أنه محمول على من يعتاد الشك؛ بدليل ما قدمناه. 2930 - قالوا: كل معنى إذا تكرر منه ما لا يلزمه استئناف الصلاة به كذلك

إذا أصابه أول مرة، كالتبسم. 2931 - قلنا: يبطل بسلس البول ودم الاستحاضة، فإنه أول ما يعرض يلزم معه الاستئناف، وإن تكرر جازت الصلاة معه. ولأن من يعتاد الشك يشق عليه أداء الصلاة بيقين، ومن لا يعتاد [هـ] لا يشق عليه، والفرض يسقط بالمشقة، ولا يسقط مع عدمها. * * *

مسألة 163 إذا شك في صلاته والشك يكثر منه بنى على غالب ظنه

مسألة 163 إذا شك في صلاته والشك يكثر منه بنى على غالب ظنه 2932 - قال أصحابنا: إذا شك في صلاته والشك يكثر منه، بنى على غالب ظنه. 2933 - وقال الشافعي: يبني على اليقين. 2934 - لنا: ما رواه إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا شك أحدكم فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب فليتم عليه ثم ليسجد سجدتي السهو). 2935 - وروى سعيد عن عمرو بن دينار أنه سمع سليمان اليشكري يحدث

عن أبي سعيد الخدري أنه قال في الوهم: يتحرى الصواب. وروي في هذا الخبر أنه قيل له: أتقوله عن نفسك أو سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ولأن عدد الركعات شرط من شرائط الصلاة فجاز أن يتحرى فيه، أصله: جهات القبلة. ولأنها عبادة يكثر فيها الشك، فجاز أن يعمل فيها بغالب الظن، أصله: إذا دفع الزكاة إلى فقير ثم شك فيه. ولأن عدد الركعات شرط مختلف بالسفر والحضر، فجاز أن يسقط بالاجتهاد، كجهات القبلة. 2936 - [قالوا: جهات القبلة] جعل لها أمارة، فجاز أن يرجع فيها إلى الاجتهاد وأعداد الركعات لم يجعل لها أمارة، فلذلك لم يرجع فيها إلى الاجتهاد. 2937 - قلنا: يبطل بالأواني: أن التحري جائز فيها وإن لم يكن عليها أمارة، وكذلك الثياب. ولأن الاجتهاد يجوز في القبلة مع عدم الأمارة، كمن صلى في بيت مظلم. ولأن الاجتهاد يجوز أن يعمل به في نفس الصلاة إذا شك في أحكامها، ويجوز الإقدام على القتل إذا قصده قاصد بالسلاح وغلب في ظنه أنه يقتله، وقد اعتبر الاحتياط في الدماء ما لم يعتبر في العبادات، فإذا جاز أن يؤخذ بالاجتهاد في ذلك فلأن يؤخذ به في أعداد الركعات أولى. 2938 - احتجوا: بحديث أبي سعيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من شك في صلاة فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا فليلغ الشك، وليبن على اليقين). وروى ابن عباس أنه سمع عبد الرحمن بن عوف يحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من شك في صلاة فلم يدر أركعتين صلى أم واحدة، فليجعلها واحدة).

2939 - والجواب: أن الشك عبارة عن تساوي الظنين، ومتى قوي أحدهما خرج عن أن يكون شكا، وعندنا من لا يغلب في اجتهاده أحد العددين بنى على اليقين. 2940 - فإذا قلنا: بخبرهم واستعملنا خبرنا فيمن له غلبة ظن كان أولى من العمل بأحد الخبرين دون الآخر. 2941 - قالوا: فيمن يحمل خبرهم على الاجتهاد ليعلم به الأعداد، فإن علمها بالتأمل والنظر وإلا بنى على اليقين. 2942 - قلنا: النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالاجتهاد/ والعمل عليه؛ ألا ترى أنه قال: (فليتحر الصواب فليتم عليه)، وهذا يقتضي البناء على التحري، وهم لا يقولون بذلك. 2942 - قالوا: شك في عدد ركعات صلاة هو فيها، فوجب أن يلزمه البناء على اليقين، كمن لا ظن له. 2944 - قلنا: من لا اجتهاد له، يخالف في الحكم من له اجتهاد، الدليل عليه: الأحكام الشرعية. ثم المعنى فيمن لا اجتهاد له: أنه لا يجوز له استعمال أحد الأواني بالاجتهاد، فجاز أن يؤدي الركعات. 2945 - قالوا: كما وقع الشك في أصله بنى الأمر فيه على اليقين، فكذلك في عدده، كالطلاق. 2946 - والجواب: أنا لا نسلم هذا الوصف، قد روي عنهم في ذلك روايتان إحداهما: أنه يبني على الاجتهاد إذا كثر ذلك منه، وأخرى: أنه يبني على اليقين، فأما الطلاق فإنما اعتبر فيه اليقين لأن ذلك يؤدي إلى زوال الملك، وإزالة الملك لا تجوز بالظن، وليس كذلك أداء العبادات؛ لأنه يجوز بالظن والاجتهاد، كالماء الطاهر والنجس.

2947 - قالوا: إذا بنى على اليقين مترددة بين زيادة لا تضر وبين تمام يسقط الفرض، وإذا تحرى كان مترددا بين نقصان يفسد وبين تمام يسقط الفرض، فاليقين أحوط. 2948 - قلنا: لا نسلم ذلك؛ لأن الزيادة تفسد، ولا فرق عندنا بين السهو والعمد. 2949 - قالوا: سجود السهو دخل جبرانا للصلاة، وإنما يجبر به نقصان سنة أو زيادة، ولا يجبر به ركنا؛ بدلالة أنه لو علم بنقصان ركعة لم يجبرها سجود السهو. 2950 - والجواب: أنا لا نقول إن السجود جبران لركعة تركها، وإنما يسجد للشك الذي كان منه ترغيما للشيطان، وهذا المعنى يستوي فيه الزيادة والنقصان. 2951 - قالوا: عبادة وقع الشك في أركانها، فوجب أن يأخذ باليقين، كالحج. 2952 - قلنا: لا نسلم، وقد كان أبو بكر الرازي يقول في أركان الحج: يجوز أداؤها بالاجتهاد، وإذا كثر الشك ولو في قياسهما كان الفرق ظاهرا؛ لأن تكرار أركان الحج غير مؤثر فيه؛ فلذلك جاز أن يأخذ باليقين، وتعداد أعداد الركعات مؤثر في الصلاة بالإجماع إذا حصل على طريق فجاز أن يمنع مما يؤدي إليه حال السهو. * * *

مسألة 164 سجود السهو بعد السلام

مسألة 164 سجود السهو بعد السلام 2953 - قال أصحابنا: سجود السهو بعد السلام. 2954 - وقال الشافعي: قبله. 2955 - لنا: ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قولا وفعلا: أما القول: فروى إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر أقرب ذلك إلى الصواب، وليسجد سجدتين بعدما يسلم). وروى: (فليسلم وليسجد سجدتي السهو وليتشهد وليسلم). وروى ثوبان أن النبي - صلى الله عليه وسلم -

[قال]: (لكل سهو سجدتان بعدما يسلم). و [روي] في سنن أبي داود حديث عبد الله بن جعفر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعد ما يسلم). وأما الفعل: فروى أبو هريرة قصة ذي اليدين وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد بعد السلام. [وروى] منصور عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله أنه سجد سجدتي السهو بعد السلام وذكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك. وروى أيوب عن محمد، عن أبي هريرة قال: سجدهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد السلام، يعني سجدتي السهو. وروى المسعودي عن زياد بن علاقة قال: صلى بنا المغيرة بن شعبة فنهض في الركعتين، فسبحنا به، فلم أتم صلاته وسلم سجد سجدتي السهو، ثم قال: صلى بنا

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصنع بنا مثل ما صنعت، وعن عمران بن الحصين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سها، فصلى ركعة ثم سلم، ثم سجد سجدتين ثم سلم. وروى عبد الله بن مالك أنه أبصر النبي - صلى الله عليه وسلم - قام في الركعتين ونسى أن يقعد، فمضى في قيامه ثم سجد سجدتين بعد الفراغ من صلاته، وروي عن سعد بن أبي وقاص أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد سجدتي السهو بعد السلام. 2956 - ولا يقال: إنه محمول على أنه نسي السهو حتى سلم؛ لأن الأصل أنه لم ينس، ولأنه لا يتفق النسيان حتى يتكرر في سجود السهو. على أن مثل هذا التأويل قائم في أخبارهم؛ لأنه يجوز أن يكون نسي أنه لم يسلم. 2957 - قالوا: يجوز أن يكون بين الخيار بخبركم الجواز، وقيد يفعل - صلى الله عليه وسلم - المكروه على وجه البيان.

2958 - قلنا: إلا أنه لا يكرر ذلك، وقد نقلنا أنه كرر، ولا يحمل [خبرنا] على بعد السلام على النبي [- صلى الله عليه وسلم -]؛ لأن إطلاق السلام ليس من [موجب التحريمة، لأنه] موجب ما أوجبته، فلم يكن محالا إلا أن لا يكون موضع مسنونة قبل السلام، كسجدة المنذورة. ولا يلزم سجدة التلاوة؛ لأنها موجبة بالتلاوة، والتلاوة موجبة بالتحريم. ولأنها سجدة لا تفعل عقيب سببا فلم تفعل قبل السلام، كالمنذورة. 2960 - قالوا: المعنى في المنذورة أن الصلاة لا تتم بها، وسجدة السهو تتم بها الصلاة، كسجدة الصلاة. 2961 - قلنا: لا يمتنع أن لا يقع تمام الصلاة بالسجدة وإن كان يفعل فيها. كسجدة التلاوة والسجدة التي يدرك فيها، وقد يقع التمام بما لا يفعل. كالصلاة والخطبة. ولأن كل محل لو سهى فيه تعلق به السجود لم يكن محلا للسجود، أصله: القعدة. لأنه سجود تعلق بسبب تصح الصلاة دون جنسه، فلا تكون التحريمة محلا لفعله، كسجدة النذور. ولأنه بقي عليه شيء من موجبات التحريمة فلم يجز [له] سجود السهو، كما قبل القعدة. 2962 - ولا يقال: عن المعنى فيما قبل القعدة أنه يجوز أن يسهو، فأمر بتأخير السجود حتى يقع عن كل سهو؛ لأن هذا المعنى يوجب تأخير السجود عن السلام، حتى إن سها قبل السلام وقع السجود له.

2963 - قالوا: المعنى فيما قبل القعدة أنه محل لو سجد فيه لسهو لم يعتد به، فلذلك لم يجز السجود فيه، وحال القعدة محل لو سجد فيه اعتد به، فكان محلا، كما بعد السلام. 2964 - قلنا: في هذه المسألة روايتان، إحداهما: إذا سجد قبل السلام لزمه إعادتها بعد السلام ولم يعتد به، ولا يمتنع [ان يعتد بالسجود في محل والسنة فعله في غيره، كمن سجد بعد السلام]، [وأن ما] قبل السلام حالة يجوز أن يطرأ على صلاته الفساد، أو حالة مدركها يكون مدركا للجماعة، فصار كما قبل القعدة. 2965 - ولا يقال: ما بعد السلام يلحق الفساد فيه عندكم إذا عاد إلى السجود؛ ولأن التعليل لما قبل السلام في حق من لا سهو عليه، وهناك بعد السلام لا يجوز أن يلحق الفساد. 2966 - احتجوا: حديث أبي سعيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا شك أحدكم في صلاته فليلغ الشك وليبن على اليقين، فإذا استيقن التمام سجد سجدتين). 2967 - قالوا: وإنما يستيقن التمام قبل السلام. 2968 - والجواب: أن تمام الصلاة يقع بالسلام، فهو لا يستيقن تمامها قبل وجوده، فاقتضى الخبر فعل السجود بعد السلام. 2969 - قالوا: روى ابن عباس عن عبد الرحمن بن عوف أنه سمعه يحدث عمر ابن الخطاب [- رضي الله عنه -] قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا، جعلها ثلاثا وأضاف إليها أخرى فإذا أراد أن يسلم سجد سجدتين). 2970 - والجواب: أن في الصلاة سلامين عندنا، فاحتمل السلام الثاني واحتمل

الأول، فسقطا. 2971 - قالوا: روى عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا، فليصل ركعة ثم ليسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم، فإن كان الركعة التي صلاها خامسة شفعها بهاتين السجدتين). 2972 - والجواب: أن قوله (قبل التسليم): يحتمل التسليم الأول ويحتمل الثاني. 2973 - ولا يقال: إنه ذكر (السلام) بالألف واللام، فإن كانتا للجنس اقتضى فعل السجود قبل السلامين، وإن كانتا للعهد فالمعهود الأول؛ وذلك لأن المعهود السلام الذي لا يبقى بعده شيء من الصلاة، وهذا هو السلام الثاني عندنا. 2974 - قالوا: روي في الخبر: (شفعها بسجدتين)، وهذا يقتضي أنه لم يفصل بينهما بسلام. 2975 - قلنا: عندنا يعود بالسجود إلى حكم التحريمة فيصير شفعا بالسجود، وإن تحلل التسليم. 2976 - قالوا: روى الأعرج عن عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر أو العصر فقام من اثنتين، فسبحوا به، فمضى على صلاته، فلما كان في آخر صلاته وانتظر الناس سجد للسهو ثم سلم.

2977 - والجواب: أنا قد روينا في خبر ابن مسعود بيان القصة مفسرا وفعل السجود بعد السلام، فيحمل هذا الخبر على السلام الخير، وهو الأشبه؛ لأنه قال: فلما كان آخر صلاته، وآخر الصلاة عندنا ما كان بعد السجود السهو. ولأنا نجمع بين أخبارنا وأخبارهم، فيحمل أخبارنا على ما بعد السلام الأول، وخبرهم على ما قبل السلام الثاني، وتعلق بذكر التشهدين في خبر ابن مسعود فائدة، ولابد لهم على كل التأويلات من إسقاط ذلك. 2978 - قالوا: أخباركم منسوخة؛ لأنه روي عن الزهري أنه قال: سجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل السلام وبعده، وكان آخر الأمرين منه أنه سجد قبل السلام. 2979 - قلنا: سلمتم صحة أخبارنا، والنسخ لا يثبت بقول الزهري، وهو مرسل عندكم. ويجوز أن يكون الزهري رجع في ذلك إلى ما رجع إليه الشافعي، أن أخبارهم رواها صغار الصحابة فجعل ذلك تاريخا، ومثل ذلك لا يلتفت إليه. 2980 - قالوا: روى أخبارنا أبو سعيد، وابن عباس، وأبو هريرة، ومعاوية، وروى أخباركم ابن مسعود، وهو من المهاجرين الوين، فرواية من تأخرت صحبته نقل لآخر الأمرين/. 2981 - قلنا: هذا يؤدي إلى بأصاغر الصحابة، ولم يقل بهذا أحد. ولأن ابن مسعود- وإن تقدمن هجرته- فقد دامت صحبته إلى وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فشارك غيره في العلم بتأخير الأمور، وانفرد [بعلم] بما تقدم منها. 2982 - قالوا: خبرنا أكثر رواة؛ لأنه رواه ابن عباس، وأبو سعيد، وعبد

الرحمن، وأبو هريرة، وعبد الله ابن بحينة، ومعاوية. 2983 - قلنا: فقد نقل خبرنا عن أن مسعود، وثوبان، وعبد الله بن جعفر، والمغيرة بن شعبة، وعمران بن الحصين، وسعد بن أبي وقاص، وأنس بن مالك، روي أنه سجد بعد السلام وقال: هكذا فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقد روى أبو سعيد وأبو هريرة أيضا مثل قولنا، فصار خبرنا أكثر رواة. 2984 - قالوا: نحمل خبركم على أنه نسي حتى سلم. 2985 - قلنا: يبعد أن يتكرر النسيان منه كلما سها، وهذا التأويل لا يمكن في القول، ويسقط ذكر التشهد والسلامين، وتساويهم في هذا الاستعمال؛ لأنا نحمل أخبارهم على النسيان. 2986 - قالوا: نحمل أخباركم على ما بعد السلام على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد. 2987 - قلنا: إطلاق السلام لا يتناوله، ولا يحتاج بعده إلى التشهد. 2988 - قالوا: خبرنا معلل بقوله: (فإن كانت خامسة شفعها بسجدتين)، وخبركم غير معلل. 2989 - قلنا: التعليل إذا لم يدل على ما يقولون فوجوده وعدمه سواء. 2990 - قالوا: سجود معتد به في الصلاة فوجب أن يكون فيها، أو سجود يقع سببه في الصلاة، فينبغي أن يكون فيها، كسجود التلاوة. 2991 - قلنا: الوصف الأول غير مسلم على إحدى الروايتين، والوصف الثاني يبطل بسجود الشكر إذا أصابت نعمة وهو في الصلاة من زوال مرض وما أشبهه. 2992 - فإن قالوا: النعمة ليست في الصلاة. 2993 - قلنا: إن أردتم أنها ليست منها فزيادة قيام ليس منها، وإن كان سببا قس السجود فنقول بموجب هذه العلة؛ لأن سجود السهو يفعل في الصلاة؛ ألا ترى

أنه يعود إلى حكم التحريمة حتى يفسد صلاته بطلوع الشمس ورؤية الماء. ثم المعنى في الأصل أنه سجود يفعل عقيب سببه، ولما كان في مسألتنا لا يفعل عقيب سببه وجب أن يؤخر عن السلام، كالمشفوعة وسجدة الشكر. 2994 - قالوا: سجدة يقع بها تمام الصلاة فوجب أن تفعل قبل السلام، كسجدة الصلاة. 2995 - قلنا: لا يمتنع أن يقع بالشيء تمام الصلاة ولا يكون فيها، كالخطبة، ويقع فيها ما لا يتم به، كالسجدة التي يدركها المؤتم. ثم المعنى في الأصل أنها من موجب التحريمة، سجود السهو ليس من موجبها، فالأمر من موجب ما أوجبته. 2996 - قالوا: سجود السهو جبران النقص، وجبران العبادة يكون فيها، كالحج. 2997 - قلنا: لا نسلم الوصف؛ لأن السجود ترغيم للشيطان، والأصل غير مسلم؛ لأن جبران الحج لا يختص بما قبل التحلل، وإنما يختص بذلك دم المتعة ودم التطوع. 2998 - قالوا: سجود السهو من حكم العبادة؛ بدلالة أنه يفسده طلوع الشمس ورؤية الماء. 2999 - قلنا: إنما يفسد لأنه عاد إلى حكم التحريمة، وقد يفعل الشيء في نفس التحريمة وعلى حكمها، كطواف الحج الذي يفعل بعد التحليل.

مسألة 165 إذا عقد الخامسة من الظهر بسجدة ولم يقعد في الرابعة، بطلت الصلاة

مسألة 165 إذا عقد الخامسة من الظهر بسجدة ولم يقعد في الرابعة، بطلت الصلاة 3000 - قال أصحابنا: إذا عقد الخامسة من الظهر بسجدة ولم يقعد في الرابعة، بطلت الصلاة. 3001 - وقال الشافعي: إن كان عمدا بطلت، وإن كان سهوا لم تبطل. 3002 - لنا: أن كل فعل لو حصل [في الصلاة] عمدا أبطل الفرض، فإن كان سهوا أبطله، كالحدث وكزيادة ركعتين إذا قطعت الموالاة. ولأنه زاد في صلاته زيادة معتد بها لم يوجبها التحريمة فوجب أن تبطل الصلاة، أصله إذا تعمد. ونريد بقولنا: معتد بها: أن المسبوق يعتد بها من فرضه. ولأنه ترك القعد بفعل معتد به ففاتت عن موضعها، كالقعدة الأولى إذا تركها بالقيام، ومتى فات فعل الصلاة الواجبة بطلت الصلاة. 3003 - وهذه المسألة فرع على أصلنا أن الركعة إذا عقدها بسجدة كان نفلا. 3004 - وقال الشافعي: ملغاة.

3005 - والدليل على ما قلناه: ما روي في حديث أبي سعيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "فإن كانت تمت صلاته فالركعة والسجدتان نافلة" إذا ضم إليها السادسة، وعندنا إذا نوى النفل؛ لأنه نافلة عندنا وإن لم يضم إليها شيئا، وإنما نقول: إن الركعة لا تكون نافلة إذا أفردها بالتحريمة. 3006 - ويدل عليه: ما روى ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر خمسا. وما سمي باسم الظهر لا يكون لغوا. ولأنه مأمور بفعل الخامسة عند الاشتباه منهي عن تركها، فإذا أداها بشرائطها لم يكن لغوا، كمن دخل في صلاة يظنها عليه. ولا يلزم من صام يوم الفطر يظنه من رمضان؛ لأنه لم يؤده بشرائطه؛ ألا ترى أن من شرط صوم الواجب أن يقع في غير يوم الفطر. ولأن هذا الصوم لا يلغو عندنا؛ لأنه يصح صوم يوم الفطر عندنا. ولأنه أتى بأكثر أفعال الركعة فلم يجز إلغاؤها، كالمسبوق إذا أدرك مع الإمام، فإذا ثبت أنها نافلة فقد صح خروجه إلى النقل مع بقاء فرض من فروض الصلاة عليه، فوجب أن لا يجزئ ما يفعله عن الفرض، كمن افتتح النقل في خلال الفرض.

3007 - ولا يقال: إن هناك يا يبطل ما مضى، بل يستحق عليه الثواب؛ لأن كذلك نقول، وقد قال أبو يوسف في مسألتنا: إن الظهر يصير نفلا. ولا يلزم إذا قام إلى الخامسة ولا يعقدها؛ لأنه لم يصح خروجه إلى النقل؛ ألا ترى أن ذلك الفعل غير معتد به ويجوز إلغاؤها كما يلغي المسبوق أقل الركعة. 3008 - احتجوا: بحديث ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر خمسا، قالوا: والظاهر أن الإنسان يقوم إلى الخامسة وهو يعتقد أن ما قبلها ثالثة، والثالثة لا قعود فيها، فكان ظاهر الخبر أنه لم يقعد وسجد للسهو. 3009 - والجواب: أن قوله (صلى الظهر) عبارة عن جميع فرائضها، والقعدة منها، فكأنه قال: صلى الظهر فقعد. وقوله إن الإنسان يقوم إلى الخامسة ويعتقد أن ما قبلها ثالثة ليس بصحيح؛ لأنه [قد] يقوم إلى الخامسة بعد ما قعد في الرابعة، فيظن أنه سها في القعدة فقدمها، أو يظن أنها القعدة الأولى، فكل واحد من الأمرين محتمل. 3010 - قالوا لم يضف النبي - صلى الله عليه وسلم - إليها أخرى، وعندك يجب أن يضيف إليها. 3011 - قلنا: لا يجب ذلك، وإنما الأفضل الإضافة في الرواية المشهورة. ولا يقال: قد ترك الأفضل من غير عذر؛ وذلك لأنه قد يذكر بعد السلام، فلذلك لم يبين. 3012 - قالوا: فقد سجد للسهو بعد السلام. 3013 - قلنا: حكم السهو وبناء ركعة مختلف؛ ألا ترى أن من سلم في صلاته جاز أن يبني سجود السهو ولا يجوز أن يبني عليها صلاة أخرى. 3014 - ولا يقال: إنه سلم ناسيا، وسلام الناسي عندكم لا يمنع البناء. 3015 - قلنا: إنما لا يمتنع إذا بقي شيء من موجبات التحريمة، فأما بعد استيفاء موجبها فيمنع.

3016 - وقد قال أبو الحسن: لو قام ثالثة النفل ثم ظن أنها الرابعة [فسلم] لم يجز البناء؛ لأنه استوفى موجب تحريمة النقل بفعل ركعتين. 3017 - قالوا: روي أنه صلى الظهر خمسا ولم يقعد. 3018 - قلنا: هذه الزيادة قال الطحاوي: تفرد بها محمد بن مرة، وهو ممن لا يقوم بقوله حجة، ويحتمل أن يكون المراد [به] لم يقعد في الأولى. 3019 - قالوا: روى أبو سعيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من شك في صلاة فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا فليلق الشك وليبن على اليقين وليضف إليها ركعة، فإن كانت تمت صلاته فالركعة والسجدتان له نافلة"، ولم يشرط القعود. 3020 - قلنا: قال: "فإن كانت تمت صلاته" ولا يكون التمام إلا بالقعود، وقال: "فليبن على اليقين" ومن لم يقعد [فلم يبن] على اليقين. 3021 - قالوا: سماها نفلا، وعندكم واجبة. 3022 - قلنا: ليس كذلك، بل هي نفل لازم دخل في فرض يظنه عليه تبين له أن لا فرض عليه، لم يجب بالدخول. 3023 - قالوا: زاد في صلاته فعلا على طريق السهو، فلا يبطل صلاته، كأقل أفعال الركعة. 3024 - قلنا: يبطل بما يقطع الموالاة من الزيادة. ثم المعنى في الأصل أنه لا يعتد به المسبوق من صلاته فلذلك لم تفسد، وأكثر أفعال الركعة يعتد بها المسبوق من صلاته، فلم يلغ في الصلاة. ولأن القليل يوجد عمدا زائدا فلا يبطل مثل ما يفعله المسبوق، وأكثر الأفعال لا توجد عمدا إلا وتبطل مخالفة حكم الأقل. 3025 - قالوا: فعل لو ذكر السهو قبله لزمه الرجوع إلى الرابعة، فإذا ذكر بعده

لزمه الرجوع إليها، قياسا على الركوع. 3026 - قلنا: لا يمتنع أن يلزمه الرجوع إلى القعدة إذا [فعل فعلا يسيرا، وإن كثر الفعل لم يلزمه القعدة الأولى إذا] ذكرها قبل استتمام القيام عاد إليها. ولأنه لو ذكرها بعد ما استتم لم يعد. ولأنه إذا ذكر [فعلا] بعد فعل غير معتد به جاز إسقاطه، وإذا ذكر بعد فعل معتد به لم يجز رفضه، فلذلك افترقا. 3027 - قالوا: لو كانت الخامسة نفلا جمعت التحريمة الفرض والنفل. 3028 - قلنا: لا يمتنع أن يوجب التحريمة الفرض ويؤدي بها ما لا يعتد بها من الفرض، كالمدرك في السجدتين. 3029 - قالوا: الدخول في النفل يحتاج إلى تحريمة، كالدخول في الفرض. 3030 - قلنا: لا نسلم، بل يصح الدخول في النفل بناء على تحريمة، كمن قام إلى ثالثة النفل، فأما الفرض فلا يجوز أن يبنى على غيره؛ لأنه يفتقر إلى نية لا توجد/ في ضمن نية غيره، والنقل يفتقر إلى نية توجد في ضمن غيره؛ ألا ترى أن من دخل في فرض يظنه عليه كان متنفلا بما في مضمون نية الفرض. 3031 - قالوا: القيام إلى الخامسة معنى يخرج به من الصلاة، فلا يدخل في أخرى، كالسلام. 3032 - قلنا: يبطل على أحد الوجهين بمن نوى النفل في خلال الفرض أنه يخرج عليه من الفرض ويدخل في النفل، وكذلك إذا كبر سوى النافلة. ولأن السلام ينافي الصلاة فلم يصح الدخول به فيها، والقيام لا ينافيها، فجاز أن يدخل فيها. ***

مسألة 166 إذا ترك أربع سجدات من أربع ركعات قضاها وصحت صلاته

مسألة 166 إذا ترك أربع سجدات من أربع ركعات قضاها وصحت صلاته 3033 - قال أصحابنا: إذا ترك أربع سجدات من أربع ركعات قضاها، وصحت صلاته. 3034 - وقال الشافعي: يصلي ركعتين. وفي [وجه] آخر: يسجد سجدة ويصلي ثلاث ركعات. 3035 - لنا: قوله عليه الصلاة والسلام: "ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا"، فظاهر هذا يقتضي أن من أدرك الإمام في الثانية وقد ترك من الأولى سجدة يعتد بالثانية ويقضي الأولى، وهذا خلاف قولهم. 3036 - قالوا: لا نسلم أنه أدرك شيئا من الصلاة. 3037 - قلنا: الإدراك معلوم مشاهد. ولأنه فرض متكرر فلم يجب الترتيب فيه، كقضاء أيام [من] رمضان.

3038 - ولا يقال: إن الترتيب لا يجب في القضاء مع العمد كذلك مع النسيان، ويجب الترتيب في السجدات حال الذكر كذلك حال النسيان؛ لأنا لا نسلم ذلك، وإنما يستحب الترتيب، ولو ترك سجدة عامدا جاز. ولأنها سجدة محلها الركعة الأولى، فإذا أخرها لم يمنع من صحة الثانية، كسجدة التلاوة. ولأنه أتى بجنس أفعال الركعة فصح بناء ما بعدها عليها وإن أخل بفعل منها، كمن قام إلى الركعة الثالثة وترك القعدة الأولى. ولأنه أتى بأكثر أفعال الركعة فصح البناء عليها، كالمؤتم إذا أدرك إمامه في الركوع. ولا يلزم إذا ترك الركوع؛ لأن من ترك ذلك لا يعتد له بالسجود فيصير تاركا لأكثر أفعالها. 3039 - ولا يقال: إن المدرك يتحمل عنه الإمام ما بقي من أفعال الركعة فلذلك صح البناء، وفي مسألتنا لم يتحمل عنه [فلم يصح البناء]؛ لأن التحمل يقع في الأركان دون الأفعال، ولأن الإمام لو تحمل عنه لكان الفعل قد سقط عنه في الحال والثاني، وصح البناء، وفي مسألتنا يأتي بالفعل في الثاني، فهو أولى بصحة البناء. 3040 - واحتج الطحاوي: بأن الداخل في الصلاة قد لزمه جميع أفعالها ولا يمنع ذلك من انعقاد الركعة الأولى، فكذلك بقاء فرض سجدة من الأول لا يمنع انعقاد الثانية. 3041 - قالوا: إنما لم يمنع وجوب بقية الصلاة انعقاد الركعة الأولى؛ لأن وجوب ذلك متأخر عنها، ووجوب السجدة متقدم. 3042 - قلنا: لا نسلم ذلك إذا لم نقل بوجوب الترتيب. ولأن السجدات تتكرر في كل ركعة كتكرار الركعات في الصلاة، ومعلوم أن ترك الترتيب بين الركعات لا يمنع من انعقادها، كذلك ترك الترتيب في السجدات 3043 - والدليل على هذا الأصل: ما روي أن معاذا ترك قضاء الفوائت

ودخل مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد كان الواجب عليه البداية بالفائت، ولم يأمره بالإعادة. 3044 - احتجوا: بأن كل ترتيب كان شرطا مع الذكر كان شرطا مع النسيان، كترتيب الركوع والسجود. 3045 - والجواب: أنا لا نسلم وجوب ترتيب السجدات مع الذكر؛ لأنه لا فرق بين ترك السجدة ساهيا أو عامدا، ولا يجوز أن يختلف حكم السهو والعمد؛ ألا ترى أن عندهم لو ترك السجدة ناسيا واشتغل بالثانية لم تبطل صلاته، وإن تركها عامدا واشتغل بالثانية بطلت صلاته. ولأن المعنى في الركوع والسجود أنه فرض غير متكرر فجاز أن يجب فيه الترتيب، والسجود فرض متكرر فلم يجب فيه الترتيب. 3046 - قالوا: شرع في الثانية قبل إتمام الأولى فوجب أن لا يعتد بما شرع فيه، كما لو لم يسجد في الأولى. 3047 - قلنا: يبطل بمن ترك الأذكار المسنونة في الأولى أنها تكمل ويعتد بالشروع في الثانية. ثم المعنى في الأصل أنه لم يأت بأكثر من أفعال الركعة فلم يصح البناء، وفي مسألتنا اعتد له بأكثر أفعال الركعة فلذلك صح البناء. 3048 - ولا يقال: إنا لا نسلم فيمن ترك السجدتين أنه لم يأت بأكثر الأفعال؛ لأنه أتى بالتحريمة والقيام والركوع؛ لأن التحريمة والقيام والركوع؛ لأن التحريمة والقراءة ليست من الأفعال، وإنما أتى بالقيام والركوع وهما ركنان وترك سجدتين، فلم يأت بالأكثر. 3049 - قالوا: ترك ركنا من الركعة الأولى فلم تنعقد له الثانية، كم ترك الركوع. 3050 - قلنا: لا نسلم أنه إذا ترك الرجوع في الأولى وصلى الثانية انعقدت الثانية وبطلت الأولى. ولأنه إذا ترك الركوع لم يعتد بما بعده فلم صح البناء على أقل الأفعال، وفي مسألتنا قد اعتد له بجميع ما فعله فصح البناء على أكثر الأفعال. 3051 - وقد ترك الشافعي في هذه المسألة أصله؛ لأنه قال: يقضي ركعتين،

فجعل سجدة الركعة الثانية بمنزلة الأولى من غير قعدة بينهما، والقعدة عنده واجبة. وزعموا أن القيام يقوم مقامها، وهذا غلط؛ لأن القيام لا يقوم مقام قعدة واجبة، كالقعدة الأخيرة. 3052 - ومنهم من قال: إن قعد في الركعة الثانية للتشهد، فتلك القعدة قائمة مقام القعدة بين السجدتين، وهذا غلط؛ لأنها غير واجبة، ولا تقوم مقام القعدة الواجبة. 3053 - ومنهم من قال: قد صح له ركعة بسجدة واحدة وعليه بقية الصلاة، وهذا ترك للموالاة بين الركعات، ومن أصلهم أنها واجبة. ***

مسألة 167 إذا جهر الإمام في موضع الإخفاء أو خافت في موضع الجهر سجد للسهو

مسألة 167 إذا جهر الإمام في موضع الإخفاء أو خافت في موضع الجهر سجد للسهو 2054 - قال أصحابنا: إذا جهر الإمام [في] موضع الإخفاء أو خافت في موضع الجهر سجد للسهو. 3055 - وقال الشافعي: لا يسجد. 3056 - لنا: حديث ثوبان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لكل سهو سجدتان بعد ما يسلم". ولأن ما يدخله الجبران يجوز أن يدخله النقص لترك بقية ركن، كالحاج إذا أفاض من عرفة قبل الإمام، أو تجاوز الميقات من غير إحرام. 3075 - ولأن الصلاة تشتمل على أفعال وأركان وهيئات ثم جاز ثبوت السجود فيما عاد إلى الفعل والركن كذلك الهيئة. ولأن هناك الركن

أقوى من السنة المفردة التي ليست هيئة لركن، فإذا جاز أن يثبت السجود في السنن ففي هيئة الركن أولى. 3058 - احتجوا: بحديث أبي قتادة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسمعنا الآية والآيتين في الظهر أحيانا. 3059 - والجواب: أن هذا فعله على وجه العمد، وعندنا لا يثبت السجود فيما اعتمده. ولأنه إنما يستحب إذا ترك هيئة لمقدار ما تجزي به الصلاة، وذلك ثلاث آيات في إحدى الروايات، فعلى هذا لا تجب بالجهر في الآية والآيتين. 3060 - قالوا: روي عن ابن عباس أنه جهر بالقراءة في صلاة الجنازة. 3062 - قلنا: لا سهو فيها. 3062 - قالوا: روي عن خباب بن الأرت أنه جهر بالقراءة في الظهر والعصر ولم ينقل أنه سجد.

3063 - قلنا: إنما فعل ذلك عامدا على طريق التعليم، والعامد عندنا لا سهو عليه. 3064 - قالوا: ترك هيئة لركن، فصار كمن قعد متوركا. 3065 - قلنا: من أصحابنا من التزم هذا، ولو لم يلتزمه كان المعنى فيه: أن صفة القعدة ليست بمقصودة في نفسها. 3066 - قالوا: الجهر معنى لا يثبت في جميع الصلوات، فلا يتعلق بتركه [سجود جبران]، كالرمل ما لم يثبت في طواف. 3067 - قلنا: الفرق [في الوتر] لا يثبت في كل صلاة ويتعلق بتركه سجود، والقعدة الأولى لا تثبت في كل صلاة ويتعلق بتركها سجود. 3068 - قالوا: معنى لو تركه المنفرد لم يلزمه سجود، وكذلك إذا تركه الإمام، أصله التسبيحات. 3069 - قلنا: المنفرد لا يتحتم عليه الجهر، بل هو مخير: إن شاء جهر وإن شاء أخفي، والإمام منهي عن ترك الجهر، فلذلك اختلفا. ***

مسألة 168 إذا سها الإمام فلم يسجد لم يسجد المؤتم

مسألة 168 إذا سها الإمام فلم يسجد لم يسجد المؤتم 3070 - قال أصحابنا: إذا سها الإمام فلم يسجد، لم يسجد المؤتم. 2071 - وقال الشافعي: يسجد. 3072 - لنا: قوله - عليه السلام -: "فإذا سجد فاسجدوا". فعلق سجود المؤتم بسجود الإمام، ولا يجوز فعله بغير الشرط. 3073 - ولأن سهو الإمام ليس بأكثر من سهو المؤتم، فإذا لم يجز أن ينفرد بسجود سهو، كذلك سهو الإمام. 3074 - ولأن هذه السجدة يفعلها المؤتم على طريق المتابعة، فلم يجز فعلها على غير ذلك، أصله السجدة التي أدركها مع الإمام. ولأنها سجدة في الصلاة فإذا [تركها الإمام يفعلها المؤتم، كسجدة التلاوة. ولأنها نقتص في الصلاة فإذا] لم يسجد له الإمام لم يسجد له المؤتم، كترك الجهر.

3075 - احتجوا: بأن سهو الإمام أوجب نقصا في صلاة المؤتم فإذا لم يسجد الإمام بقي النقص [حاصل] بحاله، فكان عليه الجبران. 3076 - قلنا: يبطل هذا [بما] إذا سها بنفسه أن النقص حاصل في صلاته ولا يلزم السجود. ولأنه ينفرد عن الإمام، كذلك في مسألتنا، وإن دخل النقص في صلاته لم يسجد حتى لا ينفرد عن الإمام. ***

مسألة 169 إذا ترك تكبيرات العيدين ساهيا سجد للسهو

مسألة 169 إذا ترك تكبيرات العيدين ساهيا سجد للسهو 3077 - قال أصحابنا: إذا ترك تكبيرات العيدين ساهيا سجد للسهو. 3078 - وقال الشافعي: لا يسجد. 3079 - لنا: قوله - عليه السلام - /: "لكل سهو سجدتان بعد ما يسلم". لأنه ذكر مسنون [يختص] بنوع من الصلوات، فإذا تركه ساهيا كان عليه سجود السهو، كالقنوت. ولأن الصلاة تتضمن تكبيرات وغير تكبيرات، فإذا جاز ثبوت السجود فيما سوى التكبيرات من الأذكار جاز بترك التكبيرات. 3080 - احتجوا: بأنها تكبيرة صلاة فلم تجبر بسجود السهو، كسائر التكبيرات المسنونة. 3081 - قلنا: سائر التكبيرات ليست مقصودة لأنفسها وإنما تفعل على طريق العلامة، وما ليس بمقصود في نفسه يختص ببعض الصلاة، كالقنوت. 3082 - قالوا: كل ما لا يجبر بالسجود في غير العيدين لا يجبر في

العيدين، كالتسبيحات. 3083 - قلنا: نقول بموجبه؛ [لأن ما لا يجبر في غير العيد لا يجبر في العيد]، وهو تكبيرات الركوع والسجود، فأما تكبيرات العيد فلا يوجد في غيره، فلم يصح ما قالوه. ***

مسألة 170 إذا سجد المسبوق للسهو مع الإمام لم يعد في آخر صلاته

مسألة 170 إذا سجد المسبوق للسهو مع الإمام لم يعد في آخر صلاته 3084 - قال أصحابنا: إذا سجد المسبوق للسهو مع الإمام لم يعد في آخر صلاته. 3085 - وقال الشافعي في أحد قوليه: يعيد. 3086 - لنا: قوله - عليه السلام -: "فإذا سجد فاسجدوا"، فأمر المؤتم بفعل السجود الذي فعله الإمام، وهذا قد فعل، فلا يلزمه إعادته, ولأن هذه السجدة فعلها المؤتم على طريق المتابعة فلا يجوز فعلها على غير المتابعة، كالسجدة التي يدركه فيها. ولأن سهو الإمام لا يكون بأكثر من سهو المؤتم، فإذا لم يجز أن ينفرد المؤتم بالسجود لسهوه، كذلك لا ينفرد بالسجود لسهو الإمام. ولأنها سجدة تفعل في الصلاة لعارض، فإذا فعلها مع الإمام لم يلزمه إعادتها، كسجدة التلاوة. 3087 - احتجوا: بان هذه سجدة فعلها [على طريق] المتابعة فلا يعتد بها مما يلزمه، كما لو أدرك الإمام في السجدتين. 3088 - الجواب: أنا لا نسلم أن المؤتم يلزمه سجود لا على [طريق] المتابعة حتى لا يقال: لا يعتد بها مما لزمه. 3089 - ولأنه إذا أدركه في السجدتين لا يلزمه إعادتها، وإنما يأتي بركعة فيها مثل

هاتين السجدتين. يبين ذلك أن يلزمه فعل السجود غير مرتب على ركوع، ولا يقضى سجود بهذه الصفة. ***

مسألة 171 إذا ترك في صلاته فعلا عامدا أو زاد فيها شيئا عمدا لم يسجد للهو

مسألة 171 إذا ترك في صلاته فعلا عامدا أو زاد فيها شيئا عمدا لم يسجد للهو 3090 - قال أصحابنا: إذا ترك في صلاته فعلا عامدا، أو زاد فيها شيئا عمدا، لم يسجد للهو. 3091 - وقال الشافعي: يسجد. 3092 - لنا: ما روي في حديث أبي سعيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في الشاك في صلاته: "فإن كانت تمت صلاته فالسجدتان مرغمتان للشيطان"، وإنما سماهما بذلك لأن الشيطان كان سببا في وجوب السهو، وهذا لا يوجد فيما اعتمده، وإن كان سببه من الشيطان فهو يرغم نفسه والشيطان، والنبي - صلى الله عليه وسلم - جعلها لإرغام الشيطان خاصة. ولأنها سجدة سميت لسببها في الشرع، فلا يجوز فعلها عند غيره، كسجدة التلاوة. وعلى هذا صلاة الكسوف والجنازة لما أضيفت إلى سببها لم يجز فعلها عند غيره. 3093 - ولأنه معنى تركه عامدا فلم يتعلق به سجود السهو، كتكبير العيد.

ولأن ما لا يتعلق بترك تكبير العيد لا يتعلق بترك السنن، أصله: سائر الأحكام. 3094 - احتجوا: بان كل عبادة يدخلها الجبران إذا ترك ساهيا دخلها إذا تركه عامدا، كالحج. 3095 - قلنا: من زاد في صلاته فلم يجبر بالسجود. ولان الحج لا يدخله الجبران بترك مسنون، وإنما يدخله في ترك واجب، والواجبات يستوي فيها العمد والسهو، والصلاة لا يدخلها الجبران في ترك واجباتها، وإنما يدخل في مسنوناتها، فضعف الجبران، فلذلك اختلف في العمد والسهو. ولأن الحج أقوى في باب الجبران؛ ألا ترى أنه يدخله الجبران بعد الفساد، والصلاة لا يدخلها الجبران بعد الفساد، فدل على افتراقهما. 3096 - ولا يقال: إذا لزمه الجبران مع السهو فمع العمد أولى؛ لأنه يبطل بزيادة السجدة. 3097 - ولأن الأولى إنما يصح متى اشترك النسيان في العلة ولأحدهما مزية، وهذا المعنى لا يوجد في تعليلهم. ***

مسألة 172 إذا لم يحسن القراءة لم يلزمه الذكر

مسألة 172 إذا لم يحسن القراءة لم يلزمه الذكر 3098 - قال أصحابنا: إذا لم يحسن القراءة لم يلزمه الذكر. 3099 - وقال الشافعي: يجب عليه أن يحمد الله ويكبر. 3100 - لنا: أنه محل في الصلاة سقط فيه قراءة القرآن، فلا يجب فيه ذكر أحد، أصله: القيام الذي يدرك فيه الإمام، والقيام الذي بين الركوع والسجود. 3101 - ولأنه ذكر من غير القرآن فلا يجب في الصلاة، كالتسبيحات. ولأن جواز الصلاة بالذكر يختص بالقرآن على طريق التعظيم، فلا يتعلق بغيره، كمنع الجنب من مسه. 3102 - احتجوا: بما روى رفاعة بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قام أحدكم إلى الصلاة فيتوضأ كما أمره الله، ثم ليكبر، فإن كان معه شيء من القرآن قرأ به، وإن لم يكن معه فليحمد الله وليكبر". 3103 - والجواب: أن هذا خبر واحد فلا يثبت به بدل. ولأنه يقتضي تعيين هذا الذكر، ولا خلاف أنه لا يتعين الوجوب، فبقي أن يحمل على الاستحباب. 3104 - قالوا: روى عبد الله بن أبي أوفي أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: إني لا أستطيع أن آخذ شيئا من القرآن، فعلمني ما يجزيني عنه، فقال: "قل سبحان الله

والحمد الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله". 3105 - والجواب: أنه لم ينقل في الخبر حكم الصلاة، فيجوز أن يكون علمه ما يجزئ في القراءة عن الدين والثواب، ألا ترى أن هذه الألفاظ لا تتعين للوجوب عنه أحد. ولأنه قال لما علمه: هذا، فما لي، فقال: "قل اللهم ارحمي وعافني وارزقني"، وأنصرف وقد قال: ويديه هكذا، قبض عليهما، فقال - عليه السلام -: "أما هذا فقد ملأ يديه خيرا"، فهذا يدل أنه علم ما يحصل به الثواب للدعاء لا للقراءة. 3106 - قالوا: محل قراءة واجبة، فإذا عري عن الذكر مع القدرة عليه لم يصح، كما لو ترك القراءة مع القدرة. 3107 - قلنا: يبطل بمن أدرك الإمام في الركوع؛ لأنه ترك القراءة في جزء من القيام، وذلك محل القراءة. [و] لأن القادر على القراءة لما وجب عليه الذكر كان ذلك الذكر هو القرآن، ولما لم يجب القرآن في مسألتنا في هذا المحل لم يجب أن يقيم غيره مقامه. 3108 - قالوا: ركن من أركان الصلاة، فكان له بدل، كالقيام. 3109 - قلنا: الأبدال لا يجوز إثباتها بقياس. ولأن القيام ليس له بدل عندنا، وإنما يأتي بجزء منه عند العجز، فلم نسلم الأصل. 3110 - قالوا: الصلاة تفتقر إلى نوعين من الذكر: قراءة وتكبير، فلما جاز تكرار وجوب القراءة جاز [تكرار] وجوب التكبير. 3111 - [قلنا: لا تجب القراءة على طريق البدل عن غيرها، كذلك لا يجب التكبير] على طريق البدل.

3112 - قالوا: القيام ليس بقربة في نفسه، فضمن بالذكر ليصير قربة، فإذا عجز عن القراءة وجب أن يأتي بذكر آخر ليصير قربة. 3113 - قلنا: وقوع القيام في خلال الأركان يجعله قربة، فلا يحتاج إلى ذكر فيه لهذا المعنى. ***

مسألة 173 إذا صلى خلف جنب وهو لا يعلم لم تصح صلاته

مسألة 173 إذا صلى خلف جنب وهو لا يعلم لم تصح صلاته 3114 - [قال أصحابنا]: إذا صلى خلف جنب وهو لا يعلم لم تصح صلاته. 3115 - وقال الشافعي: صلاته جائزة. 3116 - لنا: أن كل ما لا يصح الاقتداء به مع العلم لا يصح مع الجهل، كالكافر والمرأة. ولأن كل طهارة كانت شرطا في صحة الصلاة استوى العلم والجهل بها، كطهارة نفسه. 3117 - ولان عدم طهارة الإمام أجريت مجرى عدم طهارة المأموم؛ بدلالة أنه إن علم بذلك لم تجز صلاته، فإذا استوى في طهارة نفسه العلم والجهل كذلك طهارة إمامه. 3118 - ولا يقال: لو صلى المتوضئ خلف المتيمم جاز، ولو كانت طهارة الإمام كطهارة المؤتم لصار كمن صلى بالتيمم مع القدرة على الماء؛ لأنا لم نقل: إن طهارته أجريت مجرى طهارته، ولهذا لا يصلي المحدث خلف المتطهر، ولو كانت طهارة الغمام كطهارة المؤتم لجاز ذلك، وإنما قلنا: عدم طهارة الإمام أجريت مجرى

عدم طهارة المؤتم. 3119 - ولا يقال: إنها بطلت صلاته مع العلم؛ لأنه يعتقد أن إمامه في غير صلاة؛ ألا ترى أنه لو اعتقد ذلك- والإمام على طهارة- لم تصح صلاته خلفه، وذلك لا يمتنع أن تكون صلاته مع العلم فاسدة لأمرين: لعدم الطهارة والاعتقاد، فإذا كان الإمام على الطهارة بطلت صلاته للاعتقاد خاصة. يبين ذلك أن فعل الطهارة في التأثير في الصلاة أبلغ من الاعتقاد، فلا يجوز أن يعلق الحكم بما دون العلتين مع وجود أقواهما، ولهذا من علم بعدم طهارة نفسه لم تجز صلاته؛ لفقد الطهارة لا للاعتقاد. 3120 - ولا يقال: إن الكافر والمرأة لهما أمارة يستدل [عليهما]، فكان مفرطا في الائتمام، والطهارة لم يجعل لها أمارة فلم يكن مفرطا في الائتمام؛ لأن من/ صلى في ليلة مظلمة بصلاة شخص في مسجد ولا أمارة له على حاله فهو كالطهارة التي لم يجعل لها أمارة. 3121 - ولأن التفريط مؤثر فيما أخذ على الإنسان اعتباره فلم يعتبره. وقد أبيح لنا في الشرع أن نصلي خلف من ظاهره الإسلام، ولا يتبع الأمارات، فلا معنى لاعتبار أمارة لا يلزم حكمها؛ ألا ترى أن الطهارة قد يتوصل إلى العلم بها بدليل وهو أن يسأله قبل أن يقتدي به أو يشاهده يتطهر، ثم لم يجب [عليه] ذلك؛ لأنه غير مأخوذ عليه. ولأنها تحريمة يلزمه سجود السهو بمقتضاها، فبطلانها بفقد

الطهارة يوجب بطلان صلاته لتحريمة نفسه، أو نقول: إنها تحريمة يلزم المأمور أن يأتي بالأفعال بمقتضاها. ولأنا حكمنا ببطلان صلاة الإمام حال صلاة المؤتم فوجب أن تفسد صلاته، أصله: إذا علم بفقد الطهارة أو كان الإمام كافرا, أو لأنها صفة للإمام لو علمها المؤتم لم يصح اقتداؤه به، فكذلك إذا لم يعلمها، كالكفر والأنوثة. 3122 - وهذه المسألة مبينة على أن صلاة المؤتم متعلقة بصلاة الإمام، والدليل على ذلك قوله - عليه السلام -: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا"، والأمر بالأئتمام يقتضي تلعق إحدى الصلاتين بالأخرى، ولا يجوز أن يكون المراد [به] الاقتداء في الأفعال؛ لأن هذا قد بينه بقوله: "فإذا ركع فاركعوا"، فلم يجز حمل اللفظ على التكرار. 3123 - ولأن كل تحريمة يلزم المصلى سجود السهو بالسهو فيها؛ فإن صلاته مبينة على صلاته، لم يصح تحمله عنه، كالمفردين. 3124 - ولأنه يوقع الأفعال بمقتضى تحريمته، ولهذا يلزمه الإتمام إذا كان مسافرا، فصارت كتحريمة نفسه. 3125 - ولأنا صلاته تبطل إذا علم بفقد طهارته، ولو لم يتعلق بها لم يؤثر علمه، كالمؤتمين. 3126 - ولا يقال: لو كان كذلك لبطلت طهارته ببطلان طهارة الإمام؛ لانا لم يجعل وجود إحدى الطهارتين كوجود الأخرى، وإنما جعلنا فقدها كفقدها. 3127 - ولا يقال: لو كانت مبينة عليها لكان الإمام إذا سلم يخرج المؤتم وإن كان مسبوقا.

3128 - قلنا: هذا يبطل على أصلكم بالأفعال الظاهرة أنه لا يخرج من متابعته فيها السلام، وإن كان متابعا له فيها. 3129 - ولا يقال: فعلا أفسدت صلاة الإمام بفساد صلاة المؤتم؛ لأنها كصلاة واحدة؛ لأن صلاة الإمام غير متعلقة بصلاة المؤتم، فلذلك لم تفسد بفسادها، [وإذا ثبت أن صلاته مبينة على صلاته ثبت أنها تفسد بفسادها]. أو نقول: كل تحريمة تعلقت الصلاة بها ففسادها يؤثر فيما تعلق بها، كتحريمة نفسه. 3130 - احتجوا: بحديث أنس قال: دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة فكبر وكبرنا معه ثم أشار إلى القوم: كما أنتم، فلم نزل قياما حتى أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد اغتسل ورأسه يقطر ماء. وفي حديث أبي هريرة: فصلى بهم، قالوا: ولو لم تكن صلاتهم منعقدة لم يكلفهم استدامة القيام؛ لأنه قال: "إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني قد قمت".

3131 - قالوا: ولان القوم اعتقدوا انعقاد الصلاة وصحتها، فلو كانت باطلة غير منعقدة لما أخر البيان عند الحاجة. 3132 - والجواب: أن هذه القصة رواها ابن سيرين، وذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أومأ إليهم أن اقعدوا. ومعلوم أنهم لو كانوا في الصلاة لم يأمرهم بالقعود. 3133 - ولأن قوله: على رسلكم وامكثوا لا يدل على القيام ولا على القعود، وإنما هو أمر بترك التفرق. فأما قوله: "لا تقوموا حتى تروني" فيفيد البقاء، على أنا بينا أن ليس في الخبر ما يفيد البقاء على القيام. 3134 - وقولهم: كان يجب أن يبين لهم بطلان التحريمة ليس بصحيح؛ لأنه إذا أشار إليهم إن اقعدوا فقد بين [لهم] أنهم ليسوا في الصلاة، ولو ثبت ما قالوه احتمل أن يكون في حال لم تكن صلاة المؤتم متعلقة بصلاة الإمام، فلم تبطل ببطلانها، فلذلك أمرهم بالقيام. وهذه الحال قد تستحب عندنا، فاحتاجوا إلى تاريخ. 3135 - قالوا: روى جويبر عن الضحاك بين مزاحم عن البراء بن عازب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إيما إمام سها فصلى بقوم وهو جنب، فقد مضت [صلاتهم]، ثم ليغتسل هو ثم ليعد صلاته، فإن كان بغير وضوء فمثل ذلك". 3136 - والجواب: أن هذا ذكره الدارقطني عن بقية بن الوليد عن عيسى بن إبراهيم عن جويبر عن الضحاك. ورواه أيضا أيضا عن بقية عن عيسى بن عبد الله الأنصاري عن جويبر،

والضحاك لم يلق البراء، فهو مرسل. وكان شعبة لا يروي عن الضحاك شيئا، وقد رواه استعظاما له. 3137 - وأما جويبر بن سعيد، فقال البستي عن يحيى بن سعيد: كنت أعرفه بحديثين. ثم أخرج هذه الأحاديث وضعفه جدا. قال: وهو يروي عن الضحاك أشياء مقلوبة، وكان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عنه، وقال يحيى بن معين: هو ضعيف. وأما عيسى بن إبراهيم الهاشمي، قال البستي: هو يروي المناكير، لا يجوز الاحتجاج به انفرد. وعيسى بن عبد الله الأنصاري، قال البستي: يروي عن نافع ما لا يتابع عليه، ولا يحتج بما انفرد به. وأما بقية بن الوليد الحمصي، فذكر البستي عن أحمد أنه قال: توهمت أن بقية لا يحدث المناكير إلا عن المجاهيل، فإذا هو يحدث المناكير عن المشاهير، من أين أتي. ولو ثبت لم يكن فيه دلالة؛ لأن قوله: صلى بهم وهو جنب، يقتضي فعله الصلاة, وقوله: وهو جنب، يقتضي تعين، الجنابة، وذلك لا يكون مع الصلاة، فيحمل الخبر على من صلى ثم ظهر انه جنب، فيكون قوله: صلى، على حقيقته، وقوله: وهو جنب، [على مجازه]، ومخالفنا: يحمل قوله: صلى، على المجاز، وقوله: وهو جنب، على الحقيقة فتساوينا.

3138 - وعندنا أن من صلى بقومه، ثم ظن أنه جنب لم يلزمهم الإعادة، واستحب له أن يعيد. وقد روى سعيد بن المسيب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الناس وهو جنب فأعاد وأعادوا، فيعارض هذا ما رووه. 3139 - ولا يقال: رواه أبو جابر البياضي، وهو متروك الحديث، عن سعيد بن المسيب، مرسل؛ لأن المرسل والمتصل عندنا سواء، وعندهم مراسيل سعيد بن المسيب مقبولة، وأبو جابر البياضي وإن ضعف أقوى من جويبر. 3140 - قالوا: إعادة الصحابة لا تدل على الوجوب. 3141 - قلنا: الإعادة إذا تعلقت بسبب فالظاهر فيها الوجوب. ولأن الاستحباب لا يختص بسبب. 3142 - قالوا: روي عن عمر وعثمان وعلي وابن عمر - رضي الله عنهم - قولا وفعلا، ولا مخالف لهم. 3143 - قلنا: روى عاصم بن ضمرة عن علي أنه صلى بالقوم وهو جنب فأعاد وأمرهم بالإعادة. 3144 - ولا يقال: رواه أبو خالد الواسطي، وهو عمرو القرشي، قال أحمد: هو

كاذب؛ لان أبا خالد قد بينا انه ثقة، وهو صاحب زيد بن علي، وإنما طعنوا عليه من حيث المذهب. 3145 - ثم ما روي عن عمر يحتمل أن يكون لهم يتيقن الجنابة، كما روي عن عثمان أنه صلى ثم أصبح فرأى في ثوبه أثر احتلام، فأعاد ولم يأمرهم بالإعادة ومتى لم يتيقن لم يجز أمرهم بالإعادة. 3146 - قالوا: لأنه غير منسوب إلى التفريط بالائتمام، فوجب أن لا تبطل صلاته ببطلان صلاة الإمام، أصله: إذا كان المأموم مسبوقا فجلس للتشهد وأحدث أو تكلم. 3147 - قلنا: يبطل بمن اقتدى بكافر أو امرأة في زي غلام، فإنه لا يكون منسوبا إلى التفريط، ومع ذلك تبطل الصلاة [ببطلان] صلاة [الإمام] 3148 - فإن قالوا: إذا صلى خلف الكافر لم تبطل ببطلان صلاة الإمام؛ لأنها لم تنعقد، وكذلك نقول فيمن صلى [خلف] الجنب، قلنا: نقول بموجب العلة؛ لأنها تبطل ببطلان صلاة الإمام، وإنما تبطل لأنهم اقتدوا بمن لا يصح الاقتداء به؛ ألا ترى أنهم إذا اقتدوا بامرأة لم تصح صلاتهم وإن صحت صلاتها. 3149 - ولأن المسبوق إذا حدث يبطل الجزء الذي صادفه الحدث من صلاته، فبطل ما لاقاه من صلاة المؤتم، فتساويا في البطلان، وإنما بطل ما مضى من صلاة الإمام لبقاء فروض لا يمكنه أن يبنيها على ما مضى، ولم يبق على المؤتم فرض، فلم يؤثر فيما مضى من صلاته. 3150 - قالوا: عبادة يبطلها الحدث.

3151 - وإنما يبطلها عدم الطهارة. ثم نقول بموجب العلة على ما قدمنا. ولأن الطهارة لا تبطل غي المأموم وإن علم أن إمامه على غير طهارة، وكذلك إذا لم يعلم، وفي الصلاة يبطل إذا علم ببطلان صلاته، وكذلك إذا/ لم يعلم. 3152 - قالوا: أحد المشتركين في الصلاة فلا تبطل صلاته ببطلان صلاة الآخر، كالإمام. 3153 - قلنا: نقول بموجبها، فلا نسلم أن الإمام لا تبطل صلاته ببطلان صلاة المؤتم؛ لأن في الجمعة إذا نقص العدد بطلت صلاة الإمام. ولأن الإمام ليس بتابع للمؤتم فلا تبطل صلاته ببطلان صلاته، والمؤتم تابع لإمامه فجاز أن تبطل صلاته بمعنى يعود إليه، كما لو علم أنه على غير طهارة. 3154 - قالوا: المأموم يستفيد بالجماعة فوجب أن تبطل ببطلان صلاة الإمام ما استفاد بالشركة، وهو الفضيلة. 3155 - قلنا: يبطل بحال العلم. ولأنه لا يمتنع أن يستفيد بالمشاركة الفضيلة، وإذا بطلت المشاركة زالت الفضيلة ومعنى الإجزاء؛ ألا ترى أن المرتدة والشيخ الكبير لا يستفيدان بالإسلام حقن الدم: في الشيخ الكبير على المذهبين، وفي المرتدة على أصلهم، وكذلك الحجة النافلة إذا دخل فيها استفاد المضي عليها، فإذا أفسدها لزمه المضي فيها، وهذا زيادة على ما استفاده بالدخول. 3156 - قالوا: من صلى الظهر يوم الجمعة بقوم ثم صلى الجمعة، بطلت صلاته ولم تبطل صلاتهم؛ لأن المؤتم غير منسوب [إلى التفريط] في الائتمام.

3157 - قلنا: بطلان صلاة الإمام بعد الفراغ من الصلاة لا يوجب بطلان صلاة المؤتم، كما لو ارتد. ولأن بطلان صلاة المؤتم إنما هو لأنه بنى صلاته على صلاة باطلة، وهذا المعنى لا يوجد إذا بطلت بعد الفراغ. ***

مسألة 174 بول الصبي والصبية نجس لا يطهر إلا بالغسل

مسألة 174 بول الصبي والصبية نجس لا يطهر إلا بالغسل 3158 - قال أصحابنا: بول الصبي والصبية نجس، لا يطهر إلا بالغسل. 3159 - وقال الشافعي: بول الصبي- ما لم يطعم- يقتصر فيه على الرش حتى يغمره، ويطهره وإن لم ينفصل عنه. 3160 - لنا قوله - عليه السلام - "إنما يغسل الثوب من المني والدم والبول". ولأنها نجاسة لا تطهر بالرش، كسائر النجاسات. ولأنه حيوان يجب غسل بول الأنثى منه فوجب غسل بول الذكر، كسائر الحيوانات، ولان كل حيوان وجب غسل بوله إذا طعم وجب وإن لم يطعم، كالأنثى. ولأن الرش يزيد في النجاسة ويتسع في الثوب، فلا معنى له، ولأنه بول نجس، كسائر الأبوال. 3161 - ولا يقال: لا يمتنع أن تتفق الأبوال في النجاسة وتختلف في الإزالة، كالمني- على أصلكم- وغيره من النجاسات، وكذلك النجاسة في الخف والثوب [متساويان في النجاسة ومختلفان] في الإزالة؛ وذلك لأن الاختلاف إنما

يعود إلى مكان إزالة إحدى النجاستين بالمسح دون الأخرى، والرش لا يزيل النجاسة ولا يخففها. 3162 - احتجوا: بما روي عن علي بن أبي طالب [- رضي الله عنهم -] أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يغسل من بول الجارية وينضح من بول الغلام. وفي حديث لبابة بنت الحارث أن الحسين [بن علي] بال على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: أعطني ثوبك أغسله، فقال: "إنما يغسل من [بول] الأنثى وينضح من بول الذكر". 3163 - وعن أم قيس بنت محصن أنها أتت بابن لها لم يأكل الطعام إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأجله في حجره، فبال على ثوبه، فدعا بماء، فنضحه ولم يغسله. وعن عائشة [رضي الله عنها] أنها قالت: أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بصبي يحنكه ويدعو له، فبال عليه، فدعا بماء، فنضحه عليه.

3164 - والجواب: أن النضح عبارة عن صب الماء؛ بدلالة قوله - عليه السلام -: "إني لأعرف مدينة ينضح البحر بحافتها"، ومعلوم انه لم يرد الرش، وإنما أراد جريان الماء. وقد روت عائشة [رضي الله عنها] أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتي بصبي فبال عليه [فأتبعه الماء] ولم يغسله. وفي حديث أم الفضل قالت في الحسين: قلت: يا رسول الله، أعطنيه لأكفله أو أرضعه بلبني، ففعل فأتيته به، فوضعه على حجره، فبال عليه وأصاب إزاره، فقلت [له]: يا رسول الله، أعطني أزارك أغسله، فقال: "إنما يصب على بول الغلام ويغسل بول الجارية". فعلم بهذه الأخبار أن المراد بالنضح الصب، وذلك يجزئ عندنا. 3156 - وقوله: ولم يغسله، صحيح؛ لأن الصب متى حصل على النجاسة فزالت لم يحتج إلى الغسل الذي هو عصر [الثوب]. وفرق بين الجارية والغلام إما أن يكون قاله في حالين فجمع الراوي بينهما وظن أنه فرق بينهما؛ لأن بول الصبي لا يتسع في الثوب وبول الجارية يتسع فيه، فاكتفى في أحدهما بالصب، وفي الآخر بالصب والغسل. 3166 - قالوا: الغلام يقع بلوغه بمعنى ظاهر، والجارية يقع بلوغها بشيء نجس، فلذلك افترقا.

3167 - قلنا: لا فرق بينهما عندنا؛ لأن كل واحد منهما يقع بلوغه بما هو نجس، ولو سلمنا ما قالوه لم يصح الفرق؛ لأن هذا المعنى لما لم يمنع من تساوي يولهما بعدما طعما كذلك قبله. ***

مسألة 175 قليل النجاسة معفو عنه

مسألة 175 قليل النجاسة معفو عنه. 3168 - قال أصحابنا: قليل النجاسة معفو عنه. 3169 - وقال الشافعي: لا يعفى إلا عن دم البراغيث، وأثر الاستنجاء. وله في سائر الدماء قولان: أحدهما- ذكره المزني-: أن قليل كل دم معفو عنه، وذكر المروزي أن ذلك يختص بدم البراغيث، وما سواه غير معفو عنه. 3170 - لنا: ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلع نعله في الصلاة فلما سلم قال: "أخبرني جبريل أن عليهما أذى"، وروي: "سرجين"، وروي: "دم حلمة"، ولم يستأنف الصلاة. فلولا أن قليل النجاسة معفو عنه لاستأنف. وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:

"من صلى وفي ثوبه أكثر من مقدار الدرهم من الدم أعاد الصلاة"، فعلق الإعادة بما زاد على مقدار الدرهم، فلو كان الجميع سواء لم يكن للتخصيص معنى. ولأنها نجاسة لم تزد على مقدار الدرهم، كموضع الاستنجاء. ولأنه دم فوجب أن يعفى عن قليله، كدم البراغيث. ولأن الصلاة تجوز مع النجاسة في حال العذر من غير أن ينتقل فرضها إلى البدل، فصار يسيرها معفوا عنه حال عدم العذر، كالمشي في الصلاة. 3171 - احتجوا بقوله تعالى: {وثيابك فطهر}. 3172 - والجواب: أنه قيل في التفسير: قلبك، الدليل عليه: {والرجز فاهجر}. يعني: الأوثان، ولا يقال: طهر ثوبك ولا تعبد الوثن، ويقال: طهر قلبك ولا تعبد الوثن. 3173 - واحتجوا: بقوله - عليه السلام -: "حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء"، ولم يفصل.

3147 - قلنا: الغالب أن دم الحيض إذا أصاب الثوب زاد على قدر الدرهم، فخرج كلامه على الأغلب. ولأن الخبر أريد به الغسل المستحب؛ بدلالة قوله: "حتيه ثم اقرصيه"، فالمستحب عندنا غسل القليل والكثير. 3175 - احتجوا: بقوله - عليه السلام -: "استنزهوا [من] البول". 3176 - قلنا: هذا وجوب تنزهها في الجملة، وكذلك نقول، والكلام في تفصيل ما يجوز الصلاة معه، وما لا يجوز موقوف على دليل آخر. 3177 - قالوا: روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إنما يغسل الثوب من المني والدم والبول". 3178 - قلنا: المراد به الكثير؛ بدلالة أنه ذكر الدم، وقد وافقونا في قليل الدم أنه معفو عنه. 3179 - قالوا: نجاسة مقدور على إزالتها من غير مشقة، فأشبه ما زاد على قدر الدرهم. 3180 - قلنا: باطل بموضع الاستنجاء، أنه لا يشق إزالته؛ ألا ترى أن الإنسان يزيله في غالب أحواله. 3181 - فإن قالوا: إن ذلك يشق. 3182 - قلنا: يسير النجاسة يشق إزالتها أيضا؛ لأن الإنسان لا يمكنه التحفظ من يسير النجاسة، فلو كلفناه تكرار غسل الثوب لشق عليه. ثم المعنى فيه أنه لا يعفى عنه في موضع الاستنجاء فلم يعف في غيره، قلنا: القليل معفو عنه في موضع الاستنجاء، كذلك في غيره. ***

مسألة 176 إذا أصاب الخف أو النعل نجاسة لها جرم فدلكه بالأرض جازت الصلاة فيه

مسألة 176 إذا أصاب الخف أو النعل نجاسة لها جرم فدلكه بالأرض جازت الصلاة فيه 3183 - قال أبو حنيفة وأبو يوسف: إذا أصاب الخف أو النعل نجاسة لها جرم، فدلكها بالأرض، جازت الصلاة فيه. 3184 - وقال محمد: لا يجوز إلا الغسل، وهو أحد قولي الشافعي. 3185 - لنا: ما رواه سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة [- رضي الله عنه -] أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أصاب نعل أحدكم أو خفه أذي فليمسحه بالأرض، ثم ليصل فيه، فإن ذلك له طهور". 3186 - ولا يجوز أن يحمل الأذى على الطين؛ لأنه عام. ولان إزالة الطين لا تسمى طهورا؛ لأنه طاهر في نفسه.

3187 - وفي حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى المسجد، فأراد أن يدخل فأخبره جبريل - عليه السلام - أن على نعله دم حلمة. وروت عائشة: فمسحه بالأرض ودخل وصلى. ولأنها إحدى الطهارتين، فإذا وقعت في الخف جاز أن يكتفي فيه المسح، كطهارة الحدث. ولأنها طهارة تتعلق بالرجل حال ظهورها، فجاز/ أن ينتقل [إلى المسح] حال تغطيتها بالخف، كطهارة الحدث. 3188 - ولأن طهارة الإزالة تتعلق بالبدن: تارة غسلا وتارة مسحا، فجاز أن تتعلق بالخف مسحا، كطهارة الحدث. 3189 - ولأنها عين لها جرم، فإذا جفت على الخف وحكت جازت الصلاة فيه، كالمني. 3190 - احتجوا: بأنه محل أصابه نجاسة، فوجب أن لا يطهر بالمسح، كالثوب. 3191 - والجواب: أن من أصحابنا من قال: لا يطهر الخف، وإنما تخف النجاسة، فعلى هذا نقول بموجب العلة. 3192 - ولأن الخف صقيل غير متخلل، فإذا وقعت النجاسة عليه وكشف ما لاقى الأرض اجتذب الرطوبة التي على وجه الخف، فإذا دلكت لم يبق إلا أجزاء [يسيرة من النجاسة، وذلك معفو عنه، وليس كذلك الثوب؛ لأنه متخلل الأجزاء]، فإذا حصلت النجاسة لم تزل بالمسح، وصار كالخف الذي لم يمسح.

3193 - ولا يقال: إن الرطوبة التي في السرجين لو أصابت الخف لم يجز فيها إلا الغسل، فكذلك إذا انضم إليه غيره أولى أن لا يجزئ إلا الغسل. 3194 - وربنا قالوا: كلما كان رطبا لم يجز فيه إلا الغسل، كذلك إذا كان يابسا كما لا جرم له. 3195 - والجواب: أن ما لا جرم له إذا التصق بالخف بقي بحاله، فإذا مسح لم يزل، وما له جرم يجتذب الرطوبة، فيخف خروجه من الخف، فصار وزانه ما لا جرم له أن يصيب الخف البول فيلتصق عليه طين ثم يجف فيمسحه، فيطهر عندنا. ***

مسألة 177 دم السمك طاهر

مسألة 177 دم السمك طاهر 3196 - قال أبو حنيفة ومحمد: دم السمك طاهر. 3197 - وقال أبو يوسف: نجس، وبه قال الشافعي. 3198 - لنا: أن السمك أبيح أكله [بدمه] فحل دمه محل سائر أجزائه. 3199 - ولأن ما أبيح أكله من أجزاء الدم محكوم بطهارته، أصله: ما في اللحم بعد ذكاته. ولأنه لو كان نجس وقف استباحته على الذكاة، كالشاة. 3200 - احتجوا: بقوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة والدم}، وقوله [تعالى] {أو دما مسفوحا}. 3102 - والجواب: أن هذا يدل على التحريم، وقد أجمعنا على الإباحة، والخلاف في النجاسة، فلم يصح التعلق بالظاهر. 3202 - قالوا: روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "أحلت لنا ميتتان ودمان".

3203 - وهذا يدل على أنه لم يبح دم ثالث. 3204 - والجواب: أن هذا الخبر دليلنا؛ لأنه أباح السمك بدمه وجميع أجزائه، فدل على طهارته، فأما حصره للدماء فلا يدل على نفي غيرها؛ لأن المحصور بالعدد لا ينفي ما سواه. ولأنه إنما اقتصر على دمين لأن دم السمك استفيد بإباحة السمك، لم يكرر ذكره. ولأن الخبر فيه إباحة، والنجاسة والطهارة غير الإباحة. 3205 - قالوا: دم مسفوح فكان نجسا، كدم سائر الحيوان. 3206 - قلنا: هذا دليل لنا؛ لانه لما وقف استباحة الحيوان على سفحه دل على نجاسة دمه، ولما لم يقف استباحة السمك على سفح دمه دل على طهارته. ولأن قوله: دم مسفوح، لا تأثير له؛ لأن سائر الدماء نجسة وإن كانت مسفوحة. ***

مسألة 178 المني نجس

مسألة 178 المني نجس 3207 - قال أصحابنا: المني نجس. 3208 - وقال الشافعي: طاهر. 3209 - لنا: ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لعمار: "مم تغسل ثوبك." قال: من نخامة، فقال: "إنما يغسل الثوب من المني والدم والبول". فنقله عن غسل النخامة وأمره بغسل المني، فلو كان واحد منهما كالآخر لم يكن للتفريق معنى، وأمره بغسل الثوب من المني، وهذا يفيد وجوب غسله. 3210 - ولا يقال: قوله: "إنما يغسل الثوب" [خبر] وليس بأمر، فكأنه قال: إنما يغسل الثوب من هذه الأشياء؛ وذلك لأنه - عليه السلام - لا يعلم العادات، ولا يخبر عنها، وإنما يعلم الأحكام ويخبر عنها، فالظاهر أنه بين الحكم وأمر به، دون العادة، فلا فرق بينهما، ولو [كان] يخبر عن العادة لم يفرق؛ لأن العادة غسل الجميع.

3211 - ويدل [عليه] ما روى سليمان بن يسار أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر عائشة بغسل المني وقال: "إذا رأيت المني رطبا فاغسليه". وروي أنها قالت: أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغسل المني [من الثوب إذا كان] ركبا وبفركه [إذا كان] يابسا. وهذا يقتضي وجوب الغسل. وكل من قال بوجوب غسله قال بنجاسته. 3212 - ولا يقال: إن كان نجسا لم يجز فيه الفرك؛ لأن وجوب الغسل يدل على النجاسة، وجواز غير الغسل لا ينفي ذلك، كمسح موضع الاستنجاء، ومسح الخف على أصلنا. 3213 - ولأنه مائع خارج من السبيل، كالبول. ولأنه مائع يتعلق بخروجه نقض الطهارة، كالبول. ولأن خروجه يتعلق به الغسل، كالحيض. ولا يلزم الولد؛ لأن الغسل لا يتعلق بخروجه، وإنما يتعلق بما يكون معه من الدم. 3214 - ولا يقال: إن الغسل لا يجب بخروج الحيض وإنما يجب بانقطاعه؛ لأن خروج الحيض ينقض الطهارة، فإذا انقطع وجب الغسل عند الانقطاع بالخروج السابق، ولا يجب قبل الانقطاع؛ لأن الصلاة [لا] تجب. ولأنه لا يصح وجوده. ولأن المذي من أجزاء المني؛ بدلالة أن الشهوة تجلب كل واحد منهما،

وإذا رق المني صار على صفة المذي، فإذا كان المذي نجسا فكذلك المني. 3215 - قالوا: [المعنى في جميع ما ذكرتموه أنه لما وجب غسله يابسا وجب غسله رطبا، ولما لم يجب غسل المني يابسا لم يجب غسله رطبا]. 3216 - قلنا: التعليل وقع للنجاسة، والمعارضة في وجوب الغسل معارضة في فصل آخر؛ لأنا لا نسلم أن المني لا يجب غسله يابسا؛ لأنه إذا كان على البدن لا يجزئ [فيه] إلا الغسل. وكذلك لا نسلم في علة الأصل؛ لان الدم لا يجب غسله يابسا إذا كان على الخف وما جرى مجراه. ولأن المني إذا يبس على الثوب زال بالفرك، وإذا كان رطبا لم يزل. 3217 - ولا يقال: لما لم يتعين وجوب الغسل إذا زالت العين به وبغيره لم يتعين إذا لم تزل إلا به. ولأن النجاسة قد تتساوى ويختلف إزالتها باختلاف صفاتها، فلم يجز أن يستدل باختلاف صفة الإزالة على الطهارة. ولأنه [مني] حيوان محرم، كمني الكلب والخنزير. 3218 - قالوا: المعنى في الكلب أنها دابة نجسة فكذلك منيه، والإنسان طاهر. 3219 - قلنا: طهارة الحيوان لا يستدل بها على طهارة ما ينفصل منه، كالبول. ولأن المني يجري مجرى النجاسة، فوجب أن يكون نجسا كسائر المائعات إذا حصلت في محل [نجس]. 3220 - ولا يقال: إن الخلاف في كونه نجسا في أصله لا في نجاسته لمجاورة النجاسة؛ وذلك لأنه نجس عندنا في الأصل، وقد حدث معنى يوجب نجاسته لو كان طاهرا، وعندهم أنه طاهر في الأصل، وطاهر مع وجود هذا المعنى، فصار كالحكم الثابت [بعلتين]، فيجوز الاقتصار على أحدهما.

3221 - ولا يقال: إن مجرى المني غير مجرى البول. وهذا يجوز أن يقال في الأصل، فأما في قصبة الذكر فخروجهما واحد، وذلك معلوم بالمشاهدة، وداخل القصبة نجس، لجريان البول فيه. 3222 - قالوا: لا يحكم بنجاسة المني وإن خرج وجرى في محل النجاسة؛ لأن الشيء إنما ينجس بالمجاورة في ظاهر البدن، فأما في داخل البدن فلا يحكم له بذلك؛ ألا ترى أن الله تعالى أخبر أنه يخرج اللبن من [بين] فرث ودم، ولم يوجب ذلك نجاسته. 3223 - قلنا: هذا يبطل على أصلهم بلبن الميتة أنه ينجس [في داخل البدن، وكذلك من ابتلع ماء ينجس بحصوله في جوفه وإن لم يكن في ظاهر البدن. فأما اللبن فهو نحس في حال كونه في] الفرث والدم، وإنما يطهر بالاستحالة منهما، كما يحدث من المني النجس حيوان طاهر بالاستحالة. 3224 - واحتج المخالف: بقوله تعالى: {وهو الذي خلق من الماء بشرا}، وإطلاق الماء يقتضي الطاهر. 3225 - والجواب: أن المني لا يسمى ماء في الإطلاق، الدليل على هذا: اللغة والعرف؛ ألا ترى أن الألف واللام إذا لم تكن للجنس فهي للتعريف والتعريف، يمنع الإطلاق، كقولهم: ماء نجس. 3226 - احتجوا: بقوله تعالى {ولقد كرمنا بنى ادم}، ومن أخبر بكرامته وأبان عن فضيلته لم يجز أن يخلقه من نجس؛ ألا ترى أن هذا مما يقع به المدح والذم، [يقال]: فلان من أصل طاهر.

3227 - والجواب: أن الله تعالى أخبر بكرامة [بني آدم]، وعندنا أنه حال كونه آدميا طاهر، فلأن يكون من الكرامة أن يخلقه من ماء نجس ويجعله طاهرا مكرما، وهذا أبلغ في باب المنة. 3228 - ولأن كرامته لا تمنع من نجاسة أجزائه، كالدم وما أشبهه، كذلك لا يمنع من نجاسة أصله. 3229 - قالوا: روى ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في المني: "أمطه عنك بإذخرة؛ فإنما هو كمخاط أو بصاق"، أنه شبهه بالمخاط والبصاق فهذا يدل على أنه مثله في الحكم. 3230 - والجواب: أن هذا الخبر رواه الثقات موقوفا عن ابن عباس، وإنما غلط فيه إسحاق الأزرق ورواه عن شريك عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ورواه عن شريك عن ابن أبي ليلى في غير هذا الحديث، وسكت عنهما هاهنا، وقال غيره: إن رواية ابن أبي ليلى عن عطاء لا يلتفت إليها؛ لأنه لقيه بعد ما اختلط حديثه. ولو ثبت لم يدل؛ لان أمره بالإماطة يقتضي وجوبها، وعندهم ليس بواجب، فصار هذا دليلا لنا من الخبر، وتشبيهه بالمخاط والبصاق دليل لهم، فتساوينا.

3231 - ولا يقال: إن تشبيهه بالمخاط والبصاق/ يقتضي الحكم؛ لأنه يجوز أن شبهه لحقه حكم في باب الإزالة. ولأنه ملصق بظاهر الثوب. ويمكن أن نجيب عنه بشيء. مفارقته لسائر النجاسات التي تتداخل في أجزاء الثوب، فلا يزول بالفرك. 3232 - ولا يقال: تركتم ظاهر التشبيه في البصاق وخصصتم الإماطة؛ لأن عندك يجوز بالإذخر إذا كان يابسا على الثوب؛ لأنا لم نترك ظاهر التشبيه؛ لأن الشيء لا يشبه بالشيء من جميع الجهات، وإنما يشبه من وجه، فإذا بينا وجها واحدا وبينوا آخر تساوينا، فبقي تركهم لظاهر الخبر وتخصيصنا العموم، فهو ظاهر بظاهر. على انه قد روي عن محمد أنه قال في رطبه: يزول بحب كيابسه، فعلى هذا لم يخص العموم. ويجوز أن يقال: قوله - عليه السلام -: "أمطه عنك بإذخرة" يفيد إماطة جميعه، وذلك لا يمكن بالإذخر إلا أن يغسل به، فكأنه قال: اغسله عنك بإذخر. فاعتبر الإذخر لأن المني لزج لا يزول بمجرد الماء إلا بمشقة. 3233 - قالوا: روت عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أفرك المني من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي. 3234 - والجواب: أنه يجوز أن يكون أقل من مقدار الدرهم. 3235 - قالوا: روى ابن عباس وسعد وعائشة رضي الله عنها مثل قولنا.

3236 - قلنا: روى عن عمر وابن عمر أنه يغسل الثوب منه. 3237 - ولا يقال: [إنه يحمل] على الاستحباب؛ لان المذاهب لا تتأول، وإنما يتأول قول صاحب الشريعة. 3238 - قالوا: لأنه مبتدأ خلق بشر، فكان طاهرا، كالصلصال. 3239 - قلنا: هذا الوصف لا يصح؛ لأن ابتداء الخلق لا يقع من المني، وإنما وقع من التراب، فالخلق من المني إنما هو توسط أحواله، فلا يقتضي الطهارة، فمحال كونه دما. ولأنا لا نعلم أن الصلصال الذي خلق منه آدم - عليه السلام - كان طاهرا. ولو سلمنا فالمعنى فيه أن الطهارة تقع [به]، فكان طاهرا، والمني ينقض الطهارة، فكان نجسا. 3240 - قالوا: لأنه مسمى في الشرع بالماء، فأشبه الماء. 3241 - قلنا: يبطل بمني الكلب والخنزير؛ لأنه في الشرع ماء؛ قال الله تعالى: {والله خلق كل دابة من ماء} الآية. ولأن المعنى في الماء أنه يقع به الطهارة، وليس كذلك المني، لأنه ينقض الطهارة. 3242 - قالوا: الإنسان طاهر، فوجب أن يكون متولدا من طاهر، كالدجاجة والبيضة. 3234 - قلنا: ينتقض بالدود المتولد من النجاسة، إنه طاهر مع تولده من نجس. ولأن طهارة الحيوان بعد الاستحالة لا تدل على طهارته قبلها، كسائر الأعيان الطهارة الاستحالة. ولأن الدجاجة لا تتولد من البيضة قبل الحياة، وفي ذلك الحال هو عندنا نجس.

3244 - قالوا: مائع يثبت الحرمة فأشبه اللبن. 3245 - قلنا: الحرمة تثبت بالوطء، فأما بالماء فلا. ولأن اللبن لا يتعلق بخروجه من الإنسان الطهارة، فكان طاهرا، ولما تعلق بخروج المني الطهارة كان نجسا. 3246 - قالوا: ما لا يجب غسل يابسه لا يجب غسل رطبه، كالمخاط. 3247 - قلنا: سقوط الغسل لا يستدل به على الطهارة، كموضع الاستنجاء، ونقول- بموجب هذه العلة- بما روي عن محمد أن الرطب لا يجب غسله، والمعنى في المخاط أنه يخرج من الآدمي فلا يتعلق به نقض الطهارة، والمني بخلافه. ***

مسألة 179 العلقة نجسة

مسألة 179 العلقة نجسة 3248 - قال أصحابنا: العلقة نجسة. 3249 - واختلف أصحاب الشافعي: فقال أبو إسحاق مثل قولنا. وقال الصيرفي: طاهرة. 3250 - والدليل على ما قلناه قوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة والدم}. والمني من جنس الدم، ولا يقال: المحرم من الدماء ما كان مسفوحا؛ لأن اللفظ عام. ولأنه دم خارج من الرحم، كدم الحيض. 3251 - احتجوا: بقوله تعالى: {أو دما مسفوحا}، فدليله أن غير المسفوح طاهر. 3252 - والجواب: أنا لا نقول بدليل الخطاب. ولأن هذه الآية دلت على تحريم المسفوح، والآية الأخرى دلت على تحريم غيره. ***

مسألة 180 إذا جبر عظمه بعظم الخنزير ونبت عليه اللحم لم يجب قلعه

مسألة 180 إذا جبر عظمه بعظم الخنزير ونبت عليه اللحم لم يجب قلعه 3253 - قال أصحابنا: إذا جبر عظمه بعظم الخنزير ونبت عليه اللحم، لم يجب قلعه. 3254 - وقال الشافعي: إذا لم يخف التلف أو تلف عضو من الأعضاء قلعه، وإن خاف التلف فظاهر قول الشافعي أنه لا يجب قلعه. ومنهم من قال: يجب. 3255 - لنا: أنه نجاسة معينة في البدن فلا يجب إزالتها، كالدم. ولأنه محل لا يجب إزالة نجاسته الأصلية، فلا يجب إخراج نجاسة طارئة فيه، كالمعدة. ولأن القيء فيمن شرب الخمر أيسر من كسر العظم، فلما لم يجب أيسر الأمرين فلأن لا يجب [إخراجها] [أولى]. 3256 - ولأن إزالة النجاسة تسقط لخوف الضرر، [أصله: من كان معه ماء وهو يخاف العطش. ولأنها تسقط لخوف الضرر] على ماله، فلأن تسقط إذا خاف الضرر على بدنه أولى. 3257 - [ولا يقال: إن الخمر] إذا شربها استحالت فتغيرت، فلذلك لم يجب إخراجها؛ لأن إخراجها لم يجب عقيب شربها وإن لم تستحل. ولأن ما وجب

إزالته من النجاسة إذا لم يستحل ويتغير وجب وإن تغير، كناجسة الثوب والأرض. 3258 - ولا يقال: إن الخمر إذا أخرجت لم يطهر محلها، والعظم إذا قلع طهر محله؛ لأن الواجب إزالته [جملة] النجاسة وما قدر عليه منها، كموضع الاستنجاء. 3259 - ولا يقال: إن النجاسة التي في موضع العظم أصلية ونجاسة العظم طارئة، فلذلك وجب إزالة العظم دونها؛ لان يبطل بنجاسة المعدة [؛ لأنها أصلية، ويستوي سقوط إزالتها وإزالة الطارئ فيها. 3260 - ولا يقال: إن المعدة] محل النجاسة، فلذلك لم يجب إزالة النجاسة منها؛ لان داخل اللحم محل النجاسة ويجب إزالة العظم عندهم. 3261 - ولأن موضع الاستنجاء محل النجاسة ولو أصابها نجاسة أخرى وجب إزالتها. 3262 - احتجوا: بقوله تعالى: {والرجز فأهجر}. 3263 - والجواب: أنه قيل في التأويل: الأوثان، فلا يحمل على النجاسة. 3264 - في غير محلها لا يخاف التلف من أزالتها، فوجب أن يجب إزالتها، أصله: إذا لم ينبت عليه اللحم، وإذا وصلت شعرها بشعر الميتة. 3265 - قلنا: لا يطلق على من كان في باطن بدنه نجاسة أنه حامل لها، كما لا يقال لمن شرب الخمر: حامل للنجاسة. ثم لا نسلم أن هذه النجاسة في غير محلها؛ لأن هذا محل النجاسات. 3266 - ثم المعنى في الأصل أنه لم يحصل النجاسة في باطن البدن، وإنما هي [في] ظاهره، فجاز أن يجب، وفي مسألتنا حصلت في باطن البدن، أو نقول: المعنى فيما قاسوا عليه انه لا يلحقه ضرر بالإزالة، فجاز أن يلزم، وفي

مسألتنا يلحقه ضرر بالإزالة، فلذلك ل يلزم. وينتقض ما قالوه بمن جبر عظمه ثم مات: لا يجب قلعة، نص الشافعي عليه، مع وجود ما قالوه من العلة. ***

مسألة 181 إذا نجست الأرض فذهب أثر النجاسة بالشمس ومضى الزمان جازت الصلاة عليها

مسألة 181 إذا نجست الأرض فذهب أثر النجاسة بالشمس ومضى الزمان جازت الصلاة عليها 3267 - قال أصحابنا: إذا نجست الأرض فذهب أثر النجاسة بالشمس ومضي الزمان، جازت الصلاة عليها. 3268 - وقال زفر: لا تجوز، وبه قال الشافعي. 3269 - لنا: قوله - عليه السلام -: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" وقوله "ليس على الأرض من أنجاس الناس شيء، إنما أنجاسهم على أبدانهم". ولأن من شأن الأرض إحالة الأشياء وتغييرها عن جنسها، والاستحالة لها تأثير في التطهير؛ بدلالة الخمر إذا تخللت. 3270 - ولأن استحالة ما على الأرض أبلغ من استحالة الخمر؛ [لأن استحالة الخمر] يؤثر [في] طعمها خاصة، وهذه الاستحالة تغير سائر صفاتها، فإذا

طهرت الخمس بالاستحالة فهذا أولى. ولأنها نجاسة طرأت على عين يصح فيها الاستحالة، فجاز أن تطهر بالاستحالة، كجلد الميتة وما وقع في الملاحة. 3271 - احتجوا: بما روي أن الأعرابي بال في المسجد فقال - صلى الله عليه وسلم -: "صبو عليه ذنوبا من ماء"، ولو كان يطهر بالترك لم يكلفهم الغسل. 3272 - والجواب: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يجعل تطهير المسجد، والطهارة بالبقاء تحتاج إلى زمان طويل، فهذه فائدة تكليف الغسل. 3273 - قالوا: موضع لا يجوز التيمم منه لأجل النجاسة فلم تجز الصلاة عليه، أصله: إذا لم يذهب [في] الأرض. 3247 - قلنا: الوصف غير مسلم؛ لان ابن كاس روى عن أصحابنا أن التيمم من تلك البقعة جائز. ثم لو سلمنا فالنجاسة إذا استحالت بقي أجزاء منها يسيرة، ويسير النجاسة إذا جعل فيما يتطهر به منع، وإن حصل فيما بصلي عليه لم يمنع. 3275 - ثم المعنى في الأصل أن الاستحالة لم تحصل فبقيت [النجاسة] على ما كانت عليه، وفي مسألتنا استحالت، فجاز أن تطهر بالاستحالة. 3276 - قالوا: محل نجس لا يطهر بالشمس، كالبساط. 3277 - والجواب: أنا نقول بموجبه: أنها لا تطهر بالشمس عندنا، وإنما تطهر بالاستحالة.

3278 - فإن قالوا: فوجب أن لا تطهر بالاستحالة، لم يصح ذلك في البساط؛ لأنها لا تحيل النجاسة، فإن استحالت النجاسة التي على البساط بمعنى آخر طهرت. 3279 - قالوا: إذا نجس جميع البقعة فاستحالت، والأجزاء التي تثبت من النجاسة منبسطة على الموضع كما كان الأصل، وذلك أكثر من قدر الدرهم، فيمنع الصلاة. 3280 - قلنا: أما في إحدى الروايتين فلم يبق نجاسة كبيرة ولا صغيرة وعلى الرواية الأخرى: يبقى أجزاء يسيرة، إلا أنها لا تكون متصلة،/ وإنما هي متفرقة في البقعة، ولا يوجد منها في مكان واحد أكثر من قدر الدرهم، ولو وجد ذلك لم تكون الاستحالة حاصلة. ***

مسألة 182 إذا ورد الماء على النجاسة نجس

مسألة 182 إذا ورد الماء على النجاسة نجس 3281 - قال أصحابنا: إذا ورد الماء على النجاسة نجس. 3282 - وقال الشافعي: إذا ورد ماء دون القلتين لم ينجس إلا أن يتغير. 3283 - لنا: قوله تعالى: {ويحرم عليهم الخبائث}، وهذا لا يتوصل إلى جزء من الماء إلا بجزء من الخبث، فوجب أن يكون محرما. ولأن كل ماء نجس بورود النجاسة [عليه نجس بوروده عليها، كالخل واللبن. 3284 - ولأن الماء إذا لاقى النجاسة] نجس كما لو تغير. ولان كل ملاقاة لو حصلت مع التغيير نجست كذلك وإن لم يتغير، أصله: إذا وردت النجاسة على الماء.

3285 - ولأن تأثير النجاسة في الماء أبلغ من تأثيرها في الثوب؛ بدلالة أنه يستوي قليلها وكثيرها في الماء ويختلف في الثوب، فإذا استوي في الثوب أن يرد على النجاسة أو ترد عليه فالماء أولى. 3286 - احتجوا: بما روي أن الأعرابي بال في المسجد فقال - عليه السلام -: "صبوا عليه ذنوبا من ماء"، فلو كان الماء ينجس إذا ورد على النجاسة لم يكن في [الصب] فائدة؛ لأنه زيادة نجاسة. 3287 - والجواب: [أن الموضع] يجوز أن يكون رخوا، فإذا صب الماء عليه نزلت النجاسة إلى أسفل الأرض وطهر وجهها، كما يطهر بالعصر. 3288 - قالوا: [لو] نجس الماء إذا ورد على النجاسة لم تطهر النجاسة بالغسل؛ لان الماء ينجس بالملاقاة، فيصير كما لو غسلها بماء نجس. 3289 - قلنا: هذا هو القياس عندنا، وإنما تركناه للإجماع. 3290 - ولأن الماء [الأول] يجاور النجاسة، والماء الثاني وكذلك الثالث يجاور ما جاور النجاسة، فلا يكون نجسا في نفسه. 3291 - ولا يقال: لو كان كذلك لم يجز أن يطهر الثوب بغسل مرة واحدة. 3292 - قلنا: إنما [يطهر] بمرة إذا كثر الصب، فيصير الجزء الأول من الماء كالغسلة الأولى، والجزء الثاني كالغسلة الثانية، والجزء الثالث كالغسلة الثالثة، ولهذا المعنى لو صب ماء يسيرا لم يطهر الثوب؛ لأنه يصير في حكم الغسلة الأولى. 3293 - ويجوز أن يقال: إن الماء لا ينجس، وإنما يجاور النجاسة، فالماء الأول يخرج من الثوب معظم النجاسة، وكذلك الثاني، ويبقى أجزاء يسيرة تخرج بالماء

الثالث، فلا يبقى في الثوب شيء من الأجزاء حتى ينجس البلل الذي فيه، فلذلك [كان المنفصل] في الدفعة الثالثة نجسا وما بقي من البلل في الثوب طاهرا. ولان هذا يلزم مثله في الماء إذا صب على الثوب وتغير بالنجاسة يكون نجسا وقد انفصل من ثوب طاهر. ويلزمهم في الماء الأول إذا لم يتغير؛ لأنه طاهر عندهم ينفصل من ثوب نجس. ***

مسألة 183 إذا وقعت النجاسة على الأرض فإن كانت رخوة طهرت بصب الماء، وإن كانت صلبة لم تطهر

مسألة 183 إذا وقعت النجاسة على الأرض فإن كانت رخوة طهرت بصب الماء، وإن كانت صلبة لم تطهر 3294 - قال أصحابنا: إذا وقعت النجاسة على الأرض فإن كانت رخوة طهرت بصب الماء، وإن كانت صلبة لم تطهر. 3295 - وقال الشافعي: إذا كوثرت بالماء طهرت. ومن أصحابه من قال: يعتبر صب الماء سبعة أمثالها. 3269 - وهذه المسألة مبنية على الأولى؛ وذلك لأن الماء إذا ورد على النجاسة نجس، وإن كانت الأرض رخوة نزل الماء من وجه الأرض إلى أسفلها واجتذب النجاسة، فصارت كالثوب إذا غسل وعصر، فأما إذا كانت صلبة فالماء ينجس، ويبقى على وجه الأرض فتزيد النجاسة بالصب، فلذلك لم تطهر. والشافعي بنى على أصله: أن الماء إذا صب على النجاسة لم ينجس إلا بالتغيير، ويحتج في بقية المسألة أن كل نجاسة لا تطهر بصب الخل عليها لا تطهر بصب الماء، كجلد الميتة. 3297 - احتجوا: بحديث الأعرابي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بأن يصب على بوله ذنوب من ماء.

3298 - والجواب: أن الأرض يجوز أن تكون رخوة فتطهر بصب الماء عليها، ويجوز أن تكون صلبة، وحكاية الفعل إذا احتملت وجهين سقطت. 3299 - وروي أن الأعرابي بال عند سدة المسجد، فيجوز أن يكون - عليه السلام - أمر بصب الماء عليه ليندفع مع النجاسة إلى خارج المسجد فيطهر المسجد- وإن نجس ما اندفع الماء إليه-. وقد روي في هذا الخبر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بحفر الموضع الذي بال عليه الأعرابي، وهذا يدل أنه ظن أن الأرض رخوة فلما تبين أنه صلبة أمر بحفرها، ولو كانت طهرت بالصب لم يكن لحفرها معنى. ***

مسألة 184 إذا احترقت النجاسة بالنار طهرت

مسألة 184 إذا احترقت النجاسة بالنار طهرت 3300 - قال أبو حنيفة ومحمد: إذا احترقت النجاسة بالنار طهرت. وقال أبو يوسف: لا تطهر. 3301 - وبه قال الشافعي. 3302 - لنا أن المعنى الموجب لنجاسة الأشياء المستحيل ما فيها من الاستحالة، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الروثة، "إنها ركس"، ومتى احترقت زالت الاستحالة، فزالت النجاسة بزوال علتها. ولأنها [عين نجسة] فجاز أن تطهر بالاستحالة، كالخمر وجلد الميتة. 3303 - ولأن النار تحيل النجاسة أبلغ من إحالة الخل؛ لأنها تغير سائر الصفات والتخليل يغير الطعم خاصة، فإذا طهرت الخمر بالتخليل فلأن تطهر النجاسة بالنار أولى. 3304 - احتجوا: بقوله: {وأنزلنا من السماء ماء طهورا}، فخصه بالتطهير، وهذا ينفي أن يقع بغيره. 3305 - والجواب: أن تخصيص الاسم بالذكر لا يدل على نفي ما عداه، وهذا قول عامة الناس، وإنما خالف في ذلك شذوذ لا يعتد بهم.

3306 - ولا يقال: إن هذه الآية خرجت مخرج الامتنان فنفى مشاركة غير الماء للماء؛ لأن المشاركة لا تمنع الامتنان. ولأن الماء فيه معنى المبالغة، وذلك غير موجود في غيره، فيجوز أن يكون لتخصيص الامتنان لذلك. 3307 - قالوا روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة في المقبرة، وكان المعنى فيها أنها تنبش فيخرج التراب النجس إلى وجه الأرض، ولو طهر بالاستحالة لجازت الصلاة. 3308 - قلنا: إنما نهى عن الصلاة في المقبرة لا لما ذكرتموه، لكن لما في ذلك من تعظيم القبور، ولهذا نهى عن الصلاة إلى قبر الني [- صلى الله عليه وسلم -] فقال: "لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". 3309 - ولو سلمنا أن النهي لأجل النجاسة لم يدل؛ لأن المقبرة تنبش فيخرج من بطن الأرض ما لم يستحل كما يخرج منها ما استحال. 3310 - قالوا: ما لا ينجس بالاستحالة لم يطهر بالاستحالة، كالدم. 3311 - قلنا: يبطل بجلد الميتة. والأصل غير مسلم؛ لأن الدم يطهر بالاستحالة. 3312 - قالوا: نجس لم يرد عليه الماء، فصار كما لم يحترق. 3313 - قلنا: ينتقض بالخمر إذا تخللت. 2214 - قلنا: النار لا مدخل لها في تطهير الحدث، كذلك في تطهير النجاسات. 3315 - قلنا: يبطل بالدباغ وباستحالة الخمر. 3316 - ولا يقال: إن عين النجاسة باقية بعد الاحتراق؛ لأنها باقية مع الاستحالة، فصارت كالجلد إذا دبغ، وكالخمر إذا تخللت.

مسألة 185 لا يجوز للجنب الاجتياز في المسجد

مسألة 185 لا يجوز للجنب الاجتياز في المسجد 3317 - قال أصحابنا: لا يجوز للجنب الاجتياز في المسجد. 3318 - وقال الشافعي: يجوز الاجتياز ولا يجوز اللبث. 3319 - لنا: حديث عائشة [رضي الله عنها] أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج فرأى أبوابا مشروعة إلى المسجد فقال: "سدوا هذه البيوت عن المسجد؛ فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب"، ومعلوم أن الأبواب [تراد] للاجتياز دون القعود، فدل على أن الاجتياز لا يجوز. ولأن قوله: "لا أحل المسجد" [عام]، ألا ترى

أن أبلغ التحريم أن يعلق بالعين، كقوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة} و {حرمت عليكم أمهاتكم}. 3320 - ولا يقال: هذا الخبر رواه الأفلت بن خليفة عن جسرة بنت دجاجة عن عائشة، قالوا: والأفلت ضعيف. 3321 - قلنا: ذكر هذا الخبر أبو داود ولم يطعن فيه. ورواه عن الأفلت عبد الواحد بن زياد، وهو لا روي إلا عن ثقة. وقد طرق الطبري هذا الخبر في تاريخه من وجوه كثيرة فلم يجز الطعن عليه مع شهرته. ولأن كل بقعة [منع] من اللبث [فيها] لمعنى منع من الاجتياز لذلك المعنى، كدار الغير، ولا يلزم عليه الطريق؛ لأنه منع من القعود إذا أضر بغيره، ولا يمنع متى لم يضر. والاجتياز على وجه يضر ممنوع، ومباح على وجه لا يضر. 3322 - ولأنها بقعة منع القعود فيها فمع من دخلوها للاجتياز، كالدار المغصوبة. ولأنه كائن في المسجد مع الجنابة من غير ضرورة، فصار كالقاعد. 3323 - ولا يقال: إن القعود في ملك الغير والاجتياز ممنوع منه لمعنى واحد، وهو عدم الإذن فلم يجز أن يجعل أحدهما علة للآخر؛ لأنه لا يمتنع تعليل الأصل بعلل، ولا يمتنع [أيضا] أن يحمل الفرع على الأصل بغير علة الأصل.

3324 - قالوا: الاجتياز لا يغير بالقعود؛ بدلالة أن المحتلم في المسجد يجوز له الخروج منه ولا يجوز له اللبث؛ وذلك لأن الخروج إنما يجب للضرورة، واللبث لأجل الضرورة جائز أيضا، وهو إذا خاف السبع. ولأنه إنما يخرج بعد ما يتيمم، واللبث على هذه الصفة عند الحاجة جائز؛ بدلالة من لم يجد الماء. ولأن من حاضت في المسجد لا يجوز لها اللبث ويجوز لها الخروج، ولا يجوز لها أن تبتدئ [دخول المسجد] إذا لم يؤمن تلويثه. ولان من احتلم في المسجد ابتدأ الدخول على وجه مباح ثم طرأ الخطر، فصار- كم أذن لغيره في دخول داره ثم نهاه- أن اللبث لا يجوز، وقد يجوز الاجتياز للخروج، ولا يجوز ابتداء الدخول [على وجه مباح]، فكذلك في مسألتنا. 3326 - ولأنها مماسة منع الجنب منها لحق الله تعالى، فاستوى فيها القليل والكثير، كمس المصحف. 3327 - ولأنه حكم يعود إلى منعه لحق الله تعالى، فإذا تعلق باللبث تعلق بالاجتياز، كالوقوف بعرفة. 3328 - احتجوا: بقوله تعالى: {يا أيها الذين أمنوا لا تقربوا الصلاة وأنت سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عباري سبيل حتى تغتسلوا}، والصلاة يعبر بها عن مكان الصلاة، كقوله تعالى: {لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد}، فقد أجاز الله تعالى الاجتياز في المسجد للجنب، والمصلي لا

يسمى عابر سبيل، والمجتاز يسمى بذلك. 3329 - قالوا: ولأن الصحابة [- رضي الله عنهم -] قد اختلفوا في قوله تعالى: {لا تقربوا الصلاة} فقال ابن مسعود [المراد] المكان، وقال علي وابن عباس: المراد به: الصلاة، قالوا: وحمله على المكان أولى؛ لأنه قال: {لا تقربوا الصلاة} والقرب يكون في الأماكن دون الأفعال. ولأن حمله على الصلاة يقتضي أن يسمى المصلي عابر سبيل، وهذا لا يصح. 3330 - والجواب: أن حقيقة الصلاة عبارة عن الأفعال، وإنما يسمى المكان [الصلاة] مجازا، وحمل الاسم على الحقيقة أولى. 3331 - ولأنه قال: {حتى تعلموا [ما تقولون]}، وصحة الصلاة تقف على القول، والمكان لا تعلق له بالقول. 3332 - وقد روي أن الآية نزلت في قوم سكروا فلم يحسنوا القراءة في الصلاة على الترتيب. 3333 - فأما قولهم: إن القرب يقتضي المكان، فليس بصحيح؛ لأنه يقال: قرب يقرب بضم الراء من المكان، ويقال: قرب يقرب بكسر الراء من التلبس بالفعل، والمذكور في الآية: {لا تقربوا}، فدل على أن المراد به ترك التلبس بالفعل. 3334 - فأما قولهم: إن المصلي لا يقال عابر سبيل، فإنه لا يقال للمجتاز عابر سبيل، إنما يقال ذلك للمسافر على الإطلاق. 3335 - قالوا: حمل الآية على ما تقولونه يقتضي إضمار التيمم. 3336 - قلنا: التيمم مذكور في آخر الآية: فلا نضمره. ولأنا لو أضمرناه

لكان مضمرا بالإجماع، ولأن الإضمار ترك الظاهر، وقد بينا تركهم للظاهر من وجوه، فإن تركنا ظاهرا واحدا- وهم المستدلون- وقف الكلام. 3337 - قالوا: ظاهر الاستثناء أن يكون من جنس المستثنى منه، وعلى قولكم: استثناء جنب المتيمم من جنب غير متيمم. 3338 - قلنا: الاستثناء يقتضي أن يكون من لجنس، ولا يقتضي أن يكون على [تلك] الصفة؛ ألا ترى أنه إذا قال: جاءني السودان إلا زيدا، اقتضى أن يكون زيد أسود، ولا يقتضي موافقته السودان في الطول. 3339 - قالوا: حمل الآية على ما تقولون ترك لعمومها، ونحن نجريها على العموم. 3340 - قلنا: وأنتم تحملونها على الخصوص أيضا؛ لأنكم تجيزون الاجتياز لحاجة ولا تجوزونه للجلوس. 3341 - قالوا: فعندكم يجوز لغير المسافر أن يقرب الصلاة مع الجنابة إذا كان مريضا، وعندنا لا يجوز غير الاجتياز، والآية تقتضي تخصيص المذكور. 3342 - قلنا: المخصوص بالذكر لا يدل على نفي ما عداه. ولأن الله تعالى بين حكم المسافر وجعله تنبيها على غيره. 3343 - قالوا: [روي] عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها: "ناوليني الخمرة" وكان في المسجد، فقالت: إني حائض فقال: - عليه السلام -: ليست الحيضة

في يدك"، قالوا: وهذا يدل على جواز اجتيازها. 3344 - والجواب عنه: أنه يحتمل أن يكون في مسجد بيته، وهذا هو الظاهر؛ لأنه لا يعرض النساء للخروج إلى مسجد الجماعة، ويجوز أن يكون في موضع [من] المسجد لا يحتاج في المناولة إلى دخوله. 3345 - قالوا: روى هشيم عن أبي الزبير عن جابر أنه قال: كان أحدنا يمر في المسجد وهو جنب مجتاز. 3346 - والجواب: أنا لا نعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم بذلك فأقر عليه. وقد روي عن علي وابن عباس منع الاجتياز، فصار خلافا بينهم. 3347 - قالوا: مكلف أمن تلويث المسجد فجاز ألاجتياز فيه، كالمحدث. 3348 - قلنا: المعنى في المحدث أنه يجوز له القعود فجاز له الاجتياز، ولما كان الجنب لا يجوز له القعود من غير عذر لم يجز له الاجتياز. ونعكس هذه [العلة] فنقول: فوجب أن يستوي فيه القعود والاجتياز، كالمحدث. 3349 - فإن قيل: قولكم مكلف لا يؤثر في العكس لأنه لا يحتاج في علتهم إليه أيضا، ألا ترى أنهم احترزوا به عن الصبي والمجنون، والاحتراز ارتفع عنه بقولهم:

أمن من تلويث المسجد، وهذه العلة تنتقض على أصلهم بالكافر؛ لأنه مكلف يؤمن منه تلويث المسجد، ولا يجوز له دخول المسجد الحرام. ***

مسألة 186 يجوز للكافر دخول المساجد كلها بغير إذن

مسألة 186 يجوز للكافر دخول المساجد كلها بغير إذن 3350 - قال أصحابنا: يجوز للكافر دخول المساجد كلها بغير إذن. 3351 - وقال الشافعي: لا يجوز له دخول الحرم ولا المسجد الحرام، ويجوز له دخول سائر المساجد إذا أذن له في دخولها. 3352 - لنا: قوله - عليه السلام -: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن تعلق بأستار الكعبة فهو آمن"، فهذا يدل على جواز دخولهم المسجد. ولأن من جاز دخول غير المسجد الحرام جاز له دخوله، كالمسلم. ولأن بدنه طاهر فجاز له دخول المسجد الحرام، كالمسلم. ولان الحرم بقعة من بقاع المناسك فجاز دخولها، كعرفة، ولأن الجنب والحائض يجوز لهما دخول الحرم، وكل بقعة جاز للجنب والحائض دخولها جاز للكافر، كسائر البقاع. ولأنه أحمد الحرمين فجاز للكافر دخوله كحرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 3353 - فأما الدليل على [جواز] دخول سائر المساجد بغير إذن، فما روي أن صفوان بن أمية واطأ عمير بن وهب الجمحي على قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاء حتى دخل

المسجد وسيفه معه، وقعد بين يدي رسول الله فقال له - صلى الله عليه وسلم -: "وأطأت صفوان على كيت وكيت فجئت لهذا"، فقال: والله ما كان بيننا أحد، ثم أسلم ومعلوم أنه - عليه السلام - لم ينكر دخوله المسجد، ولا سأل هل أذن له أم [لم] يؤذن. ولأن من جاز له دخول المسجد لم يقف دخوله على الإذن، كالمسلم من لا يجوز له الدخول لا يدخل وإن أذن له، كالجنب والحائض. ولأن المنع من دخول البقعة إنما يكون لحق مالكها، والإذن إذا اعتبر في الإباحة اعتبر من جهة المالك دون غيره، وهذا لا يوحد في إذن غير الله تعالى. 3354 - احتجوا: بقوله تعالى: {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا}، وهذا نص على أن دخول الحرم لا يجوز. 3355 - والجواب: أن المراد بالآية قرب الحرم على طريق الحج والعمرة، والدليل عليه ما روي أن هذه الآية لما نزلت أنفذ النبي - صلى الله عليه وسلم - فنودي: ألا لا يطوفن بالبيت مشرك ولا عريان، ولم يقل: ولا يدخلن المسجد مشرك. فدل على أن القرب الذي اقتضته الآية هو القرب على وجه الإحرام، ويدل على ذلك قوله تعالى: {وإن خفتم عيلة} وهو إنما خافوا ذلك إذا منعت العرب من الحج

والعمرة؛ لما في ذلك من انقطاع المواسم. 3356 - ولا يقال: إن المنع لو كان لأجل الإحرام لقال: لا يقربوا عرفات؛ لان الوقوف هو الركن المقصود الذي يفوت الحج بفواته؛ وذلك لأن النهي جمع بين الحج والعمرة، والمنع من الحرم منع من الأمرين؛ لأن المعتمر والحاج لابد له من دخوله، والمنع من عرفات منع من الحج وليس بمنع من العمرة؛ لأن المعتمر لا يحتاج إلى عرفات، فلو ذكر ذلك لاحتاج إلى ذكر الحرم، فاقتصر على الحرم الذي يمنع به الأمران. 3357 - ويجوز أن تحمل الآية على عبدة الأوثان من العرب، أنهم منعوا من دخول الحرم؛ لأن قتلهم واجب، وعندنا أن من دخل الحرم امتنع قتله، فيجوز أن يكون منعوا بهذه الآية. ***

مسألة 187 إذا كانت على طرف عمامته نجاسة وهو ملقى على الأرض بحيث لا يتحرك بحركة المصلي جاز بها الصلاة

مسألة 187 إذا كانت على طرف عمامته نجاسة وهو ملقى على الأرض بحيث لا يتحرك بحركة المصلي جاز بها الصلاة 3358 - قال أصحابنا: إذا كان على طرف عمامته نجاسة وهو ملقى على الأرض بحيث لا يتحرك بحركة المصلي، جازت الصلاة. 3359 - وقال الشافعي: لا تجوز. 3360 - لنا: أنه غير حامل للنجاسة، ولا يتصرف فيها، فصار كم صلى على بساط وجانبه نجس. 3361 - قالوا: إنه حامل للنجاسة؛ بدلالة أنه إذا مشى جر باقي العمامة، فصار كما لو تحرك بحركته. 3362 - قلنا: الحامل للشيء هو المتصرف فيه، وطرف العمامة لا يقع فيه التصرف في حال الصلاة، وإنما يحدث فعلا آخر، وهو المشي، فيصير بذلك الفعل متصرفا، فهو كثوب آخر إذ حمله، لما كان متصرفا فيه بفعل مستقل لم يمنع الصلاة قبل ذلك الفعل. ***

مسألة 188 إذا وضع المصلي يديه وركبتيه على النجاسة جازت صلاته

مسألة 188 إذا وضع المصلي يديه وركبتيه على النجاسة جازت صلاته 3363 - قال أصحابنا: إذا وضع المصلي يديه وركبتيه على النجاسة جازت صلاته. 3364 - وقال زفر: لا تجوز، وبه قال الشافعي. 3365 - وإن وضع/ جبهته على النجاسة، ففيه روايتان. 3366 - وهذا مبني على أصلنا: أن وضع اليدين والركبتين ليس بواجب، فصار وضعها على النجاسة كلا وضع، فلم يمنع ذلك من جواز الصلاة، وليس كذلك القدم والوجه؛ لان وضعهما واجب، فإذا حصل على النجاسة صارت صلاته على النجاسة، فمنع ذلك من جواز صلاته. 3367 - وجه الرواية الأخرى في الوجه: أن الواجب من الوضع على أصل أبي حنيفة أقل من الدرهم، وهو طرف الأنف، وذلك القدر من النجاسة لا يمنع من صحة الصلاة. 3368 - ولا يقال: هلا جعلتم وضع اليد على النجاسة كحمل النجاسة؛ لأن حكم الوضع أخف؛ بدلالة أنه إذا صلى ووجه الأرض طاهر وتحته نجس لم يمنع ذلك من جواز الصلاة. ولو لبس ثوبا في باطنه نجاسة لم تجز صلاته، وإذ كان الوضع أخف جعل وجوده مع النجاسة كعدمه. 3369 - احتجوا: بان كل موضع لو كان نجسا لم تجز الصلاة معه- إذا وضعه على النجاسة لا تجوز الصلاة، كالقدمين.

3370 - والجواب: أن وضع القدم واجب، ووضع اليد غير واجب، فلهذا افترقا. 3371 - ولا يقال: إن الوجه يجب السجود عليه، كالقدمين؛ لأنا نسوي بينهما في إحدى الروايتين، وعلى الرواية الأخرى أقل ما يجزي من السجود في الوجه أقل من مقدار الدرهم، وأقل ما يجزي في القدمين أكثر من مقدار الدرهم، فلهذا افترقا. ***

مسألة 189 لا تجوز الصلاة في ثلاثة أوقات: عند طلوع الشمس وعند قيامها في الظهيرة وعند غروبها

مسألة 189 لا تجوز الصلاة في ثلاثة أوقات: عند طلوع الشمس وعند قيامها في الظهيرة وعند غروبها 3372 - قال أصحابنا: لا تجوز الصلاة في ثلاثة أوقات: عند طلوع الشمس، وعند قيامها [في الظهيرة]، وعند غروبها إلا عصر يومه عند الغروب. 3373 - وقال الشافعي: لا تجوز في هذه الأوقات النوافل المتبدأة، وتجوز الفرائض والنوافل التي لا سبب.

3374 - لنا: ما رواه مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يتحرى أحدكم فيصلي عند طلوع الشمس ولا عند غروبها". وروى عقبة بن عامر قال: ثلاث ساعات نهى رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] أن نصلي فيهن أو نقبر [فيهن] موتانا: إذا طلعت الشمس حتى ترتفع، ونصف النهار، وحتى تضيف الشمس للغروب". وروى ابن مسعود قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد إذا جاء من بني سليم يقال له: عمرو بن عنبسة وكان ممن بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الإسلام بمكة، فلم يره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى قدم المدينة فجاءه فقال: يا رسول الله، علمني ما أنت به عالم وأنا به جاهل، فأنبني ما ينفعني ولا يضرك: هل من الليل ساعة [يتقى] فيها الصلاة؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أما الليل، فإذا صليت المغرب فالصلاة مقبولة مشهودة حتى تصلي صلاة الفجر، فإذا صليت الفجر فاجتنب الصلاة حتى ترتفع [الشمس] وتبيض؛ فإن الشمس تطلع بين

قرني الشيطان، ثم الصلاة مقبولة محضورة حتى ينتصف النهار، وتعدل الشمس التي تسعر فيها جهنم، فإن شدة الحر من فيح جهنم، فإذا مالت الشمس فالصلاة مقبولة محضورة حتى [تصفر] الشمس؛ فإنها تغرب بين قرني الشيطان". 3375 - وروى مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان، فإذا ارتفعت فارقها، فإذا استوت قارنها، فإذا عربت فارقها".ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة في تلك الساعات، وروى عروة عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا بدا حاجب الشمس فلا صلاة حتى تطلع الشمس، وإذا غاب حاجب الشمس فلا صلاة حتى تغرب". 3376 - وهذا الأخبار عامة، فوجب اعتبار عمومها، إلا ما دل عليه الدليل. ولأنه وقت يكره فيه النفل المبتدأ، [فوجب أن يكره [فيه] النفل] الذي له سبب من جنسه، أصله: صوم يوم النحر. ولأنه نهي عن العبادة في هذه الأوقات لمعنى يختص بالوقت، فاستوى فيه النفل الذي له سبب والذي لا سبب له، أصله: [صوم]

يوم النحر. ولا يلزم عصر يومه؛ لأنا عللنا للنفل. ولا يلزم الصلاة بعد [العصر و] الفجر [لأنه يلزمه لمعني الوقت، ولهذا لو لم يصل الفرض جازت الصلاة. ولا يلزم يوم الشك]؛ لأن النهي عن الصوم ليس لمعنى مختص بالوقت، وإنما هو لحصول الشك. ولأنها [صلاة شرعية فكرة فعلها عند الطلوع، كالنفل المبتدأ ولأنها] عبادة على البدن لها وقت يكره فيه نقلها، فكان له وقت يكره فيه فرضها، الدليل على صحة هذا: الصوم. 3377 - احتجوا: بحديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أدرك ركعة من الفجر قبل طلوع الشمس أضاف إليها أخرى"، فهذا يدل على جواز الصلاة في ذلك الوقت. 3378 - والجواب: أن قوله: "من أدرك ركعة من الصلاة" يحتمل أن يكون المراد به: من أدرك مقدار الركعة فقد أدركها، بمعني: لزمه وجوبها. وقوله: "أضاف إليها أخرى" معناه: إذ لم يدرك من الوقت مقدار ما يصلي فيه ركعتين يلزمه جميع الفرض، حتى لا يظن انه يلزمه من الفرض بقدر ما أدرك. ولان هذا الخبر يفيد الإباحة، وخبرنا يفيد الحظر، والحظر والإباحة إذا اجتمعا فالحظر أولى. 3379 - ولا يقال: قد روي في بعض الألفاظ: "إذا صلى أحدكم ركعة من

الصبح فطلعت، فليتم صلاته". 3380 - لأن أصل الخبر ما تقدم، وهذا تأويل الراوي، ويحتمل أن يكون قوله: "فليتم صلاته" يعني: [يصلي ركعتين؛ ليبين أن إدراك] بعض الفعل لا يمنع من كمال الوجوب. 3381 - احتجوا: بحديث أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها؛ فإن ذلك وقتها"، وهذا يقتضي جواز الفوائت في هذه الأوقات. 3382 - قلنا: هذا الخبر قصد به وجوب القضاء، وخبرنا قصد به تفصيل الأوقات، فكل واحد منهما مستعمل به بابه، وهذا كقوله تعالي: {فعدة من أيام أخر}، ونهيه - عليه السلام - عن صوم يوم الفطر والنحر، وهذا إلزام لمخالفنا في ترتيب العام والخاص. 3383 - قالوا: وقت يكره فيه الصلاة التي لا سبب لها، فلا يكره فيه ما له سبب، كالعصر وقت الغروب. 3384 - قلنا: كراهة النافلة في الوقت تجعل دلالة على الكراهة، فأما على الإباحة فهو وضع فاسد؛ لان العصر في وقت الغروب مؤداة في وقت وجوبها، ويستحيل أن يكون وقت الوجوب ولا يكون وقت الأداء. فإن قاسوا بهذه العلة على ما بعد العصر؛ قلنا إن ذلك الوقت وقت الفرائض؛ بدلالة جواز العصر؛ فلذلك يكره الفرض، وليس بوقت للنوافل؛ بدلالة ما [لا] سبب له. 3385 - قالوا: كل صلاة لم تكره في الوقت الذي نهي عن الصلاة فيه لأجل

الفعل لم يكره فعلها في الوقت الذي نهي لأجل الوقت، [أصله]: عصر يومه. 3386 - قلنا: ما نهي عنه لأجل الوقت آكد مما نهي عنه لأجل الفعل؛ ألا ترى أن يوم النحر لما نهي عن صومه لأجل الوقت كان آكد من يوم الشك فيما يعتبر أحدهما بالآخر، ثم المعنى في عصر يومه ما قدمناه. 3387 - قالوا: صلاة لها سبب فجاز أداؤها عند الغروب، كعصر يومه. 3388 - قلنا: الأوقات التي نهي عن فعل العبادة فيها يستوي فيها ما له سبب وما لا سبب له، كيوم النحر، فلا معنى لهذا التخصيص. ولأن ما له سبب أكثر الأحوال أن يتأكد على ما لا سبب له، وهذا المعنى لا يوجب اختلافهما؛ بدلالة يوم النحر. ولأن عصر يومه [يجوز أن] يجب بإدراك وقت المغرب، فلهذا المعنى جاز أداؤها فيها، وهذا المعنى لا يوجد غير غيرها. ***

مسألة 190 يكره النوافل بعد الفجر والعصر

مسألة 190 يكره النوافل بعد الفجر والعصر 3389 - قال أصحابنا: يكره النوافل بعد الفجر والعصر. 3390 - وقال الشافعي: لا يكره ما له سبب. 3391 - لنا: ما رواه ابن عباس [- رضي الله عنه -] قال: حدثني رجال مرضيون، فيهم عمر، وأرضاهم عندي عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وعن صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس. وقد روى الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عمر وعائشة وابن مسعود ومعاذ [بن عفراء] وابن عمر وأبو ذر وأبو هريرة وأبو سعيد. 3392 - ويدل عليه حديث عمرو بن عنبسة الذي قدمناه ولأنه وقت تكره

فيه النافلة التي لا سبب لها، [فوجب أن يكره [فيه] ما له سبب من جنسه]، كالصوم يوم النحر. 3393 - ولأنها صلاة نفل، فوجب أن تكره في هذين الوقتين، كما لا سبب له. 3394 - احتجوا: بحديث قيس بن فهد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الفجر فلما انصرف رأى فتى يصلي، فقال [له]: "ما هذه الصلاة؟ " قال: ركعتا الفجر. لم ينكر عليه. 3395 - قلنا: يحتمل أن يكون لم يصل الفرض فصلاها قبله. 3396 - قالوا: روي أن قيسا قال: صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصبح، فلما فرغت قمت وصليت ركعتي الفجر. 3397 - قلنا: يجوز أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعلم بصلاته معه. ولان هذا الخبر يفيد الإباحة، وخبرنا يفيد الحظر، فكان أولى. 3398 - احتجوا: بما روي/ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الفجر فرأى رجلين قاعدين لم يصليا معه، فقال: "علي بهما"، [فأتي بهما] فقال: "ما حملكما على أن لا تصليا معنا؟ " فقالا: قد صلينا في رحالنا، فقال: "إذا صليتما في رحالكما ثم

أدركتم الإمام فصليا معه؛ فإنها لكما نافلة". 3399 - [قلنا: روي في هذا الخبر أنه قال: "فإنهما لكما نافلة"] يعني: الأولى. فهذا يدل على أنه كان في حال ما يعاد الفرض مرتين، فلا يكون متنفلا بهذا الفرض، وإذا روي في الخبر كل واحد من اللفظين وجب التوقف فيه. 3400 - قالوا: روي عن عائشة [رضي الله عنها] أنها قالت: لم يترك رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] ركعتين بعد العصر في حجرتي. 3401 - قلنا: ذكر الطحاوي [أن معاوية] بعث إلى عائشة يسألها عن ذلك. فقالت [عائشة]: ما صلى عندي، حدثتني أم سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاها في بيتها فعبث إليها فقالت: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيتي [يوما] وصلى ركعتين بعد العصر، فقلت: ما هذه الصلاة التي لم تكن تصليها من قبل؟ فقال: "ركعتين أصليهما قبل العصر، فشغلني الوفد عنهما، فكرهت أن أصليهما في المسجد فيراني الناس"، فقلت: أفنقضيهما إذا فاتتنا؟ فقال: "لا". وقد روي

عن أم سلمة أنها قالت: يغفر الله لعائشة، ما هكذا حدثتها، إنما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتين تركهما بعد الظهر ... وذكرت الخبر. وقد روي أن عائشة أخبرت ابن الزبير أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى عندها بعد العصر ركعتين، فقال زيد بن ثابت: يغفر الله لعائشة، نحن أعلم بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إنما كان ذلك لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتاه ناس من الأعراب بهجير فقعدوا يسألونه ويفتيهم حتى صلى صلاة الهجير، ثم قعد يفتيهم حتى صلى العصر وانحرف إلى بيته، فذكر أنه لم يصل ركعتين بعد الظهر، فصلاهما، ثم نهى عن الصلاة بعد العصر. وروى عبد الملك عن عطاء عن عائشة أنها قالت: إذا أردت الطواف بعد الفجر والعصر فأخر الصلاة حتى تغيب الشمس أو تطلع، فهذا يدل على أنها عرفت نسخ ما روته أو تخصيص النبي - صلى الله عليه وسلم - به. 3402 - قالوا: روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا بني عبد مناف، إذا ولي أحدكم شيئا من أمر هذا البيت فلا يمنعن أحدا أن يطوف بالبيت [ويصلي] أي ساعة من ليل أو نهار". 3403 - والجواب: أنا لا نمنع الطواف في الأوقات، ونؤخر الصلاة إلى الوقت

الذي تجوز الصلاة. كما روي أن عمر بن الخطاب طاف بعد طلوع الشمس وصفى ركعتين بذي طوى، وروي عن أبي سعيد الخدري أنه طاف بالبيت بعد العصر، فقال الناس: انظروا ما صنع هذا الرجل، فإنه من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما طاف قعد حتى غربت الشمس ثم صلى. 3404 - قالوا: صلاة لها سبب فجاز أداؤها في هذين الوقتين، كالفوائت وصلاة الجنازة. 3405 - قلنا: المعنى في الأصل أنها وجبت بإيجاب الله تعالى ابتداء فجاز أداؤها في هذين الوقتين، والنافلة لم تجب بإيجابه، فصارت كالمبتدأ. 3406 - ولا يقال: إنما كان سببه من الله تعالى، فقد ساوى ما له سبب من [غير] جهة الله عز وجل وإن اختلفا في قوة السبب، وهذا المعنى لا يمنع من تساويهما في الأداء، كالوتر والفرض. 3407 - قلنا: الوتر والفرض وإن اختلفا فقد تساويا في ثبوتهما من جهة الله تعالى، وإن تأكد احدهما على الآخر، وليس كذلك النفل الذي له سبب؛ لأن سببه لا يكون جهة الله تعالى، فصار كما يبتديه من النوافل. ولأن هذا الوقت قد جعل وقتا للفرائض، بدلالة صلاة الوقت. وليس في الأصول وقت لا يكره فيه فعل بعض الفرائض ويكره بقيتها. وفي الأصول ما لا يكره فيه الفرائض ويكره فيه النوافل [بدلالة النوافل] المبتدأة. 3408 - قالوا: وقت لا يكره فيه سجدة التلاوة فلا يكره فيه النفل الذي له سبب، كسائر الأوقات. 3409 - قلنا: نقلب هذه العلة فنقول: فوجب أن يستوي النوافل التي لها سبب والتي لا سبب لها، كسائر الأوقات.

مسألة 191 لا يجوز أداء الصلاة في الأوقات المنهي عنها في جميع البلاد وجميع الأيام

مسألة 191 لا يجوز أداء الصلاة في الأوقات المنهي عنها في جميع البلاد وجميع الأيام 3410 - قال أصحابنا: لا يجوز أداء الصلاة في الأوقات المنهي عنها في جميع البلاد و [في] جميع الأيام. 3411 - وقال الشافعي: تجوز الصلاة في الأوقات الثلاثة بمكة، وتجوز الصلاة في وقت الزوال يوم الجمعة. 3412 - لنا: ما قدمناه من حديث عقبة بن عامر وعمرو بن عنبسة، وكل واحد منهما عام في جميع البلاد والأيام. ولأن كل وقت يكره فيه [فعل عبادة بغير مكة، يكره فيه تلك العبادة بمكة، كصوم يوم النحر. ولان كل وقت تكره فيه] الصلاة إذا لم يصادق يوم الجمعة فيكره وإن صادف الجمعة، أصله: وقت الطلوع يكره، فعند الزوال كذلك، أصله: غير يوم الجمعة. 3413 - ولا يصح أن يقال: [إن] في يوم الجمعة لا تكره الصلاة في

الاوقات الثلاثة؛ لأن الشافعي قال: لا تكره الصلاة في وقت الزوال لمن حضر الجامع، وهذا يدل على تخصيص هذا الوقت. 3414 - احتجوا: بما روي عن أبي ذر [أنه أخذ بعضادتي] باب المسجد فقال: من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي، نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الفجر حتى تطلع الشمس إلا بمكة. 3415 - والجواب: أن هذا الخبر روي من جهات كثيرة من غير هذه الزيادة. فلو كانت ثابتة لنقلت كنقل الأصل. ولان هذا الخبر يبيح الصلاة، وخبرنا يحظرها، والحظر أولى. ويجوز أن يكون قوله: إلا بمكة، بمعنى: [ولا] بمكة، كقوله تعالى: [{وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا}، معناه: ولا خطأ. وقوله تعالى] {لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا}. 3416 - احتجوا: بما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا بني عبد مناف، من ولي منكم شيئا من أمر هذا البيت فلا يمنعن طائفا يطوف به ويصلي في أي ساعة شاء من ليل أو نهار". 3417 - والجواب: أن هذا الخبر قد روي من غير ذكر الصلاة، فإذا أباحه

الطواف في جميع الأوقات فيجوز أن يكون قوله: "ويصلي" معناه: يطوف في أي ساعة شاء ويصلي في الأوقات الجائزة؛ بدلالة خبرنا. 3418 - قالوا: كل وقت جاز فيه فعل الطواف جاز فيه ركعتا الطواف، كسائر الأوقات. 3419 - قلنا: سائر الأوقات يجوز التنفل فيها في غير مكة، وهذا الوقت لا يجوز التنقل فيه في غير مكة، كذلك فيها. 3420 - [و] احتجوا في الفصل الثاني: بما روي عن أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة. 3421 - والجواب: ما قدمناه أن أخبرنا تفيد الحظر وهذا يفيد الإباحة. ولأنه يحتمل أن يكون المراد به: ولا يوم الجمعة، كما بيناه في الخبر الآخر. ***

مسألة 192 الوتر واجب

مسألة 192 الوتر واجب 3422 - قال أبو حنيفة: الوتر واجب. 3423 - وقالا: هو سنة، وبه قال الشافعي. 3424 - لنا: قوله - عليه السلام -: "إن الله زادكم صلاة، ألا وهي الوتر، فصلوها ما بين عشاء الآخرة إلى طلوع الفجر". وروى عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تعالى حرم على أمتي الخمر والميسر والمزامير والكوبة، وزادني صلاة الوتر". وعن خارجة بن حدافة قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إن الله تعالى أمركم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم: الوتر، جعله [الله] لكم فيما بين العشاء إلى أن يطلع الفجر، وهذه الأخبار تدل على الوجوب [من

وجوه]، منها: أنه جعلها زيادة، والواجبات محصورة فالزيادة ترد عليها، والنوافل غير محصورة فلا ترد عليها زيادة. والثاني: أنها أمر، والأمر يفيد الوجوب، والثالث: أنه خصها بوقت، والواجبات تختص بأوقات. 3425 - ولا يقال: إنه قال: "زادكم"، وهذا يفيد ما لنا من النوافل، ولو أراد الوجوب، لقال: زاد عليكم؛ وذلك لأن الواجب يصح أن يقال: إنه لنا بمعنى أن ثوابه لنا. ولأنه يقال: زادكم وزاد لكم، بمعنى: عليكم؛ لقوله تعالى: {زدناهم عذابا فوق العذاب}، وقال: {لهم عذاب أليم}، وقال {فزادتهم رجسا إلى رجسهم}. 3426 - قالوا: النوافل غير محصورة والواجبات كذلك، وإنما المحصور الفرائض، وليست بفرض عندكم. 3427 - قلنا: الفرائض واجبات، فهي محصورة، والوتر زيادة عليها من حيث الوجوب. 3428 - قالوا: النوافل على ضربين: محصورة وغير محصورة، فالمحصورة: نوافل الصلوات، وقد قال [عليه] السلام: "من صلى ثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة بنى [الله] له بيتا في الجنة"، فالوتر زيادة على هذه.

3429 - قلنا: جنس النوافل غير/ محصور، والزيادة على الجنس، ويدل عليه حديث على [- رضي الله عنه -] أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أوتروا يا أهل القرآن"، وهذا أمر. ولا يقال: إنه خص أهل القرآن؛ لأنه إذا ثبت وجوبها عليهم ثبت على غيرهم. ويجوز أن يكون معناه: من آمن بالقرآن؛ لقوله: {يا أهل الكتاب} والمراد به: من آمن به، والذي يبين ذلك أنه عندهم سنة، ولا يختص بأهل القرآن. 3430 - قالوا: روي أن أعرابيا قام إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - عند هذا القول، فقال: ما تقول؟ فقال - عليه السلام -: "إنها ليست لك ولا لأصحابك". 3431 - قلنا: يجوز أن يكون الأعرابي كافرا، ويجوز أن يكون أراد بها: ليست لك ولأصحابك خاصة، يبين ذلك انه سنة عندهم، وهي للأعرابي ولقومه، فلابد على قولهم أن يحمل على ما قلنا. ويدل عليه حديث أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا ذكره". ويدل عليه ما رواه ابن بريدة عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الوتر حق، فمن لم يوتر فليس منا". وروى أبو أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الوتر حق على كل مسلم".

3432 - ولا يقال: روي في هذا الحديث انه قال: "الوتر حق مسنون"؛ لان ما ذكرناه ذكره أبو داود وغيره، وما قالوه لا يعرف، ثم لا ينفي الوجوب؛ لان المسنون يجوز أن يراد به المشروع. 3433 - ولا يقال: روي في هذا الخبر أنه قال: "فمن شاء أوتر بسبع [ومن شاء أوتر بخمس]، ومن شاء [أوتر] بثلاث"، فعلق ذلك بمشيئته، وهذا ينفي الوجوب؛ وذلك لأنه إذا ثبت الوجوب بالخبر سقط التخيير؛ لأن أحدا لا يفصل بينهما. ولان المشيئة جعلها في زيادة العدد، ولم يجعلها في نفس الفعل. ولأنها صلاة تؤدي في وقتها وتقضى بعد وقتها منفردة، فكانت واجبة، كسائر الصلوات. 3434 - ولأنها وتر في الشريعة فكانت واجبة، كالمغرب. 3435 - ولأنها صلاة اختصت بوقت يكره فيه غيرها، كسائر الصلوات. ولأنها صلاة تختص بذكر في حال القيام تفارق غيرها، كصلاة الجنازة. ولأنه أحد الزمانين فكان الواجب فيه عشر ركعات، كالنهار. ولأنها صلاة تفعل في جميع السنة، تارة في جمع، وتارة منفردا، فوجب أن لا يكون نفلا، كسائر الصلوات. 3436 - قالوا: المعنى في سائر الصلوات أن لها أذانا، فلهذا كانت واجبة، وهذه ليس لها أذان وإقامة، فلم تكن واجبة. 3437 - قلنا: من أصحابنا من قال: إن أذان العشاء يقع لها، فعلى هذا لا نسلم الوصف. ولو سلمناه بطل بصلاة الجنازة، وأنها واجبة وليس لها أذان.

ولأن الأذان إنما يثبت في الصلوات التي تفعل في الجماعة في موضعها، والوتر لا يجمع بكل حال، فلذلك لم يوضع لها أذان. 3438 - ولا يقال: إن القياس لا يثبت به الوجوب عندكم قي مثل هذا الموضع. لأنا نقيس لإثبات صفة الصلاة، وصفة العبادة يجوز إثباتها بقياس. أو نقيس لنفي كونها نفلا. 3439 - ولا يقال: إن ما قدمتوه من الأخبار أخبار آحاد، فلا يقبل فيما تعم البلوى به عندكم؛ وذلك لأن هذه الأخبار قد رويت مختلفة الطرق، فيقطع أن في جملتها ما هو ثابت، وإن كنا لا نقطع على واحد بعينه، ومن أصحابنا من قال: الوتر ثابت في الشرع والخلاف في صفتها، ويجوز [إثبات] ما تعم البلوى به بأخبار الآحاد. 3440 - احتجوا: بقوله تعالى: {حافظوا على الصلوات والصلواة الوسطى}، قالوا: ولو كانت الوتر واجبة كانت الصلوات ستا، فلا يكون لها وسطى. 3441 - والجواب: أنه قد اختلف في الوسطى، فروي أنها العصر، وروي: أنها الفجر، فإن كانت الظهر فلا يتغير بزيادة العدد؛ لأنها سميت بذلك لأنها تقع في وسط النهار، وإن كانت الوسطى العصر أو الفجر كان دلالة لهم، فوجب التوقف فيه. ولان الله تعالى جعل الوسطى للفرائض، والوتر ليست بفرض، فلا تتغير صفة الفرائض. ويجوز أن تكون هذه الآية نزلت قبل وجوب الوتر، فلذلك صح أن يسمى وسطى. 3442 - احتجوا: بحديث طلحة بن عبيد الله قال: جاء أعرابي إلى النبي

- صلى الله عليه وسلم - ثائر لصوته دوي لا يفهم ما يقول، حتى دنا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا هو يسأله عن الإسلام، فقال: "خمس صلوات في اليوم والليلة"، فقال: هل عي غيرها؟ فقال: "لا، إلا أن تطوع" وذكر الخبر إلى أن قال: فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه، فقال [النبي]- صلى الله عليه وسلم -: " [قد] أفلح إن صدق". 3443 - والجواب: انه [قد] روي في هذا الخبر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خمس صلوات كتبهن الله على عباده"، والوتر ليست مكتوبة، وقول الأعرابي: هل غي غيرها، استفهام يرجع إلى ما تقدم، فكأنه قال: [هل] كتب علي غيرها؟ وهذا لا ينفي وجوب ما سوى المكتوبة، كما لا ينفي وجوب النذر وصلاة الجنازة. ولأن الاستثناء من جنس المستثنى منه، فكأنه قال: إلا أن تطوع، فيكون عليك. وكل من قال: إن من تطوع بالوتر وجبت قال بوجوبها ابتداء. ولأن هذا الخبر يجوز أن يكون قبل وجوب الوتر ثم وجبت بعد ذلك. 3444 - ولا يقال: هذا يودي إلى نسخ الخبر؛ وذلك لأن أخبار الآحاد يجوز أن تنسخ بعضها ببعض. ولأن إيجاب فرض آخر ليس له تعلق بالأول لا يكون نسخا. 3445 - احتجوا: بحديث المعراج: "أن الله تعالى أوجب خمسين صلاة

فاستنقص النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى خمس، ثم قال الله عز وجل: "تمت كلمتي، وصدق وعدي، وحق [القول لدي]: أجزي بواحدة عشرة يقمن مقام الخمسين، ولا يبدل القول لدي". وروي أنه قال في الخبر: "الآن خففت على عبادي". 3446 - والجواب: أن هذا كان قبل وجوب الوتر. ولأن الله تعالى أقام خمسا مقام خمسين في الثواب، وإيجاب الوتر ليس بتبديل لذلك. 3447 - قالوا: فقد أخبر أنه خفف عنهم، فكيف يغلظ عليهم؟ 3448 - قلنا: لا يمتنع أن ينقل الله [تعالى] من الأخف إلى الأغلظ، ومن الأغلظ إلى الأخف. 3449 - قالوا: روى عاصم بن ضمرة عن علي أنه قال: الوتر ليس بحتم، وإنما هو سنة، سنها نبيكم. وهذا ينفي الوجوب. 3450 - والجواب: أن الأسود بن يزيد روى عن عبد الله أنه قال: الوتر واجب على كل مسلم. فتعارضا. ويجوز أن يكون قول علي: ليس بحتم، [أي] ليس بفرض. وقوله: سنة سنها نبيكم، لا ينفي الوجوب؛ لأن الواجب مسنون، بمعني أنه أثبت بالسنة.

3451 - قالوا: روى ابن محيريز، عن المخدجي قال: سمعت أبا محمد الأنصاري يقول: الوتر واجب. فرجعت إلى عبادة بن الصامت فأخبرته، فقال عبادة: كذب [أبو] محمد، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "خمس صلوات كتبهن الله تعالى على العبادة، فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة"، قالوا: والصحابي لا ينكر على الصحابي إلا عن توقيف. 3452 - قلنا: خلاف أبي محمد يعتد به على عبادة، وقد روينا عن ابن مسعود خلاف قول عبادة، فصار ذلك خلافا بينهم، فأما إنكار عبادة فقد ينكر الصحابة بعضهم على بعض وإن لم يكن هناك نص، كإنكار ابن عباس العول. ويجوز أن يكون أنكر لأنه ظن أن الواجب هو الفرض، ولهذا ذكر الخبر الذي فيه ذكر المكتوبات. 3453 - قالوا: روى ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاث علي فرض ولكم تطوع: الوتر، والنحر، وركعتا الفجر". 3454 - والجواب: أن هذا الخبر رواه أبان بن أبي عياش، وهو ضعيف،

وقد روي فيه::ثلاث كتبت علي ولم تكتب عليكم"، فنفى كونها مكتوبة، وكذلك نقوله، فيحتمل أن يكون قوله: "ولكم تطوع" معناه أن وجوبه ليس كوجوب الفرائض، ويحتمل أنه في حكم التطوع؛ لأن القراءة شرط في جميعه، أو لأنها تفعل تبع لفرض. 3455 - قالوا: روى نافع عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يوتر على راحته وصلي التطوع عليها حيث ما توجهت به، يومئ برأسه إيماء، قالوا: وهذا حديث في الصحيح. 3456 - والجواب: أنه اختلف على ابن عمر في ذلك. فروي حنظلة بن أبي سفيان عن نافع عن ابن عمر أنه كان يصلي على راحلته ويوتر بالأرض، وقال ابن عمر: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كذلك فعل، وروى مجاهد عن ابن عمر انه كان يصلي في السفر على بعيره بإيماء، فإذا كان السحر نزل فأوتر، وكذلك روى سعيد بن جبير عنه، فإذا اختلفت الأخبار جاز أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - أوتر على راحلته في حال العذر. 3457 - قالوا/: صلاة راتبة في وقت لم يسن لها الأذان فلم تكن واجبة بأصل الشرع، كركعتي الفجر.

3458 - قلنا: من أصحابنا من قال: إن أذان العشاء يقع لها وللوتر، فلم يسقط الوصف. ولان عدم الأذان لا يدل على نفي الوجوب؛ بدلالة صلاة الجنازة والمنذورة. ولأن الأذان وضع للاجتماع، فما لا يفعل في جماعة [في] موضوعه لم يوضع له أذان. والمعنى في الأصل أنها صلاة لم تختص بوقت تنفرد به، والوتر بخلافه. 3459 - قالوا: صلاة مفعولة بين العشاء والفجر فلم تكن واجبة، كالتهجد. 3460 - قلنا: وقتها [عندنا] عند غيبوبة الشفق والفجر، فالوصف غير مسلم. وإن قالوا: بين الشفق والفجر، انتقض بالعشاء. 3461 - قالوا: صلاة نزلت عن رتبة الفرض، فلم تكن واجبة، كسائر النوافل. 3462 - قلنا: الفرض ما كان في أعلى منازل الوجوب، ونقصان الشيء عن أعلى منزلة الوجوب لا ينفي وجوبه. ثم المعنى في سائر السنن ما قدمناه. 3463 - قالوا: النافلة أحد نوعي الصلاة، فوجب أن تنقسم إلى شفع ووتر، كالفرائض. 3464 - قلنا: النافلة لا يتعين عددها؛ بدلالة أن عندنا لا يجب تحريمتها أكثر من ركعتين، وعندهم لا يجوز أن يؤدي بها أكثر من ركعتين، فلذلك لم تتغير صفتها شفعا ووترا، ولما كان الفرائض تختلف أعدادها جاز أن تتعين. ولأنا نعارض هذا بمثله فنقول: صلاة الفرض تنقسم إلى شفع ووتر، فإذا كان الشفع يتكرر في الوجوب كذلك الوتر. ***

مسألة 193 الوتر ثلاث ركعات بتحريمة واحدة

مسألة 193 الوتر ثلاث ركعات بتحريمة واحدة 3465 - وقال أصحابنا: الوتر ثلاث ركعات بتحريمة واحدة. 3466 - وقال الشافعي: إن أوتر بواحدة جاز، وإن أوتر بثلاث وسلم في الثنتين فهو أفضل، وكذلك كلما زاد، إلى أحد عشر. 3467 - لنا: أن فرض الصلاة مجمل في القرآن، وفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - بيان [له، فيفيد الوجوب]. 3468 - وقد روى أبي بن كعب وابن عباس وعلي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يوتر بثلاث لا يسلم [حتى ينصرف. وعن عائشة قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم -] لا يسلم من ركعتي الوتر، وعنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي من الليل أربعا، ثم أربعا، ثم

ثلاثا. وعن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يوتر بثلاث، وهذه الأخبار تدل على مداومته على الثلاثة، فاقتضى ذلك الوجوب. 3469 - ولا يقال: إن أكثر ما فيه أنه أوتر ثلاث، وذلك جائز عندنا؛ [وذلك] لأن الأفضل عندهم أنه يسلم بعد ركعتين، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لا يترك الفضيلة. وروى محمد كعب القرظي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن البتيراء: أن يوتر الرجل بركعة. وهذا التفسير لا يخلو إما أن يكون من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - أو من كلام الراوي، فإن كان من كلامه - عليه السلام - فهو حجة، وإن كان من قول الراوي فلا يخلو أن يكون قاله لغة أو شرعا. فإن كان لغة فقوله مقبول فيها، وإن شرعا فالشرع يوجب من صاحب الشريعة. 3470 - ويدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله زادكم صلاة"، والزيادة تقتضي مزيدا عليه، فلا يخلو إما أن تكون زيادة على الفرائض أو السنن الراتبة، وأيهما كان فليس فيها ركعة. ولأنه ركعة في الشريعة، كالمغرب. ولأنه لو تكلم عقيب الركعتين عامدا بطلت، كذلك إذا سلم، أصله: المغرب.

3471 - والدليل على أنه غير مخير في عدد الوتر أنها صلاة تختص بوقت، فلا يخير في عددها، كسائر الصلوات. ولأنها وتر في الشريعة لم يخير في عددها، كالمغرب. ولأن كل صلاة لو اقتصر فيها على ثلاث ركعات جاز فإنه لا يخير في زيادة عددها على ذلك، كالمغرب. 3472 - ولا يلزم النافلة؛ لأنه لو اقتصر على ثلاثة لم يجز. 3473 - والدليل على أن الاقتصار على ركعة واحدة لا يجوز ما روي ما في حديث محمد بن كعب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن البتيراء: أن يوتر الرجل بركعة، وروي عن أبن مسعود أنه قال: ما أجزأت ركعة قط، وهذا إخبار عن الشرائع الماضية، وذلك لا يعلم إلا من طريق التوقيف، وروي أن ابن مسعود بلغه أن سعد بن مالك أوتر بركعة، فقال: ما هذه البتيراء؟ الوتر ثلاث ركعات لا يسلم إلا في آخرهن، وروى عكرمة عن ابن عباس أنه أنكر على معاوية حين أوتر بركعة، ذكره الطحاوي، والصحابي لا ينكر على غيره ما يسوغ فيه الاجتهاد. ولأنه قدر لا يجوز الاقتصار عليه [في الفرائض، فلا يجوز الاقتصار عليه] في النفل، كما دون الركعة. ولان الاقتصار لو جاز على ركعة لتنصف ضعفها في السفر، كالركعتين. 3474 - ولأنه لو تكلم عقيبها، أو أحدث بطلت، فلا يجوز الاقتصار عليه، كالفرائض.

3475 - ولأن كل محل يبطله الكلام يبطله السلام، أصله: وسط الصلاة. ولأن السلام عقيب ركعة واحدة يبطل الفرائض، وكل معنى أبطل الفرائض أبطل الوتر. 3476 - احتجوا: بما روى سلم عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشيت الصبح فأوتر بركعة". 3477 - والجواب: أن الطحاوي ذكر [عن] عقبة بن مسلم قال: سألت عبد الله بن عمر عن الوتر، فقال: أتعرف وتر النهار؟ قلت: نعم، صلاة المغرب، قال: صدقت، ثم قال: بينا نحن في المسجد فقام رجل فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوتر أو عن صلاة الليل فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صلاة [الليل] مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة"، وهذا القول من ابن عمر يدل على أنه فهم من الخبر: الوتر بواحدة متصلة بركعتين، حتى شبهها بالمغرب. يبين ذلك ابن عمر روى في هذا الخبر من طريق أبي عون عن نافع قال: "فصل ركعة توتر لك صلاتك". وهذا لا يكون إلا إذا اتصلت بها.

3478 - وروى الشعبي عن ابن عباس وابن عمر أنهما سئلا عن الصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -[بالليل]، فقالا: ثلاث عشرة ركعة ويوتر بثلاث وركعتين بعد الفجر. 3479 - احتجوا: بحديث أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "الوتر حق على كل مسلم، فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل، ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل". 3480 - والجواب: أن هذا قبل استقرار الوتر؛ ألا ترى أن سائر الفرائض المستقرة والنوافل الراتبة لا يخير في أعدادهما، فدل ذلك على أن هذا قبل الاستقرار. ولأنه يحتمل أن يكون المراد [به]: فمن شاء أوتر بخمس متصلة بما قبلها، [أو بثلاث متصلة بما قبلها]، أو بواحدة متصلة بما قبلها. 3481 - ولا يدل ذلك على جواز الاقتصار على ركعة واحدة. والذي يدل على ذلك ما روت عائشة [رضي الله عنها] أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي بالليل ثمان ركعات، ويوتر بتاسعة، فلما بدن صلى ست ركعات وأوتر بسابعة. وروت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي من الليل تسع ركعات، فيهن الوتر.

3482 - فهذا يدل على انه كان يصلي ركعة متصلة بما قبلها. وقد قال الطحاوي: إن الأمة أجمعت بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن عدد الوتر لا يخير فيه، وأنه مستقر على أمر واحد. فدل على نسخ هذا الخبر. وحكى إجماعا سابقا للشافعي، ولا يعتد بالخلاف بعد الإجماع. 3483 - قالوا: روت أم سلمى [رضي الله عنها] أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يوتر بخمس وسبع، لا يسلم إلا في آخرهن. 3484 - قلنا: هذا دليل عليكم؛ أنه لا يجوز الاقتصار على ركعة، فتساوينا فيه. 3485 - قالوا صلاة الصبح صلاة فرض شفع، فصح أن يكون بعضها صلاة، كالظهر والعصر والعشاء. 3486 - قلنا: الظهر والعصر دلالة لنا؛ لأنها لما كانت صلاة شفع تنتصف بالسفر، كان نصفها صلاة يقتصر عليها، ولما كانت الركعتان لا تنتصف بالسفر، لم يجز الاقتصار عليها. 3487 - قالوا: قعد بعد التشهد الأول، فوجب أن يكون صلاة، أصله: ما بعد التشهد من الظهر. 3488 - قلنا: ما بعد التشهد من الظهر إذا ضم إلى مثله فصل بينهما بقعدة، فجاز الاقتصار عليه، وما بعد التشهد من المغرب إذا ضم إلى مثله لم يفصل بينهما بقعدة، فلذلك لا يقتصر عليه.

3489 - قالوا: الركعة الواحدة يفصل بينها وبين ما قبلها بقعدة، كالركعتين. 3490 - قلنا: القعدة عقيب الركعتين لا تفعل لمعنى يعود إلى الركعتين اللتين بعدها، وإنما يفعل لمعنى يعود على ما قبلها؛ بدلالة أنه تفعل وإن لم/ يتأخر عنها شيء من الصلاة، فلم يكن ذلك صفة لما بعدها حتى يؤثر فيه. ولأن الركعة الواحدة لا يفصل بينها وبين ما بعدها بقعدة، فالركعتان بخلافها. 3491 - قالوا: عدد الصلاة مبني على شفع ووتر، ثم كان أقل الشفع صلاة يجوز الاقتصار عليها، فكذلك أقل الوتر. 3492 - قلنا: أقل الشفع لما شرع فرضا جاز الاقتصار، وأقل الوتر لما لم يشرع فرضا لم يجز الاقتصار عليه. 3493 - ولا يقال: إن المغرب لما كان فيه ثلاث صلوات كان عددها على عددها، والوتر فيها من صلاة الليل صلاة واحدة، وكان عددها على قدرها؛ لأنا نقول: إن المغرب وضع عددها ثلاثة أرباع الفرض الذي قبلها. ولأن الوتر يتقدم عليها صلاة من صلاة الليل فوجب أن لا يقتصر في عددها على ركعة على فور ما قالوا. 3494 - قالوا: تعارضت الأخبار، وما ذكرناه أولى؛ لأنه روي النهي عن الوتر ثلاث، ولم يرد النهي عن غيرها، الدليل عليه ما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا توتروا بثلاث، أوتروا بخمس أو سبع، ولا تتشبهوا بصلاة المغرب". 3495 - قلنا: إنما نهى أن يفرد الرجل صلاة الوتر عن نافلة يتقدمها حتى

تصير كالمغرب التي لا يتقدمها نافلة، والذي يدل عليه أنه لم يرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه اقتصر على الوتر إلا بعد تقدم النافلة. ***

مسألة: 194 القنوت في الوتر سنة في جميع السنة

مسألة: 194 القنوت في الوتر سنة في جميع السنة 3496 - قال أصحابنا: القنوت في الوتر سنة في جميع السنة. 3497 - وقال الشافعي: لا يقنت إلا في النصف الأخير من شهر رمضان. 3498 - لنا: ما روي عن ابن عباس قال: أمرني أبي أن أبيت بأهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أنام حتى أنظر إلى صلاته [بالليل] وأخبره بها. فأوتر بثلاث وقنت قبل الركعة. 3499 - وروي أبن مسعود أنه بات يراعي صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالليل، فأوتر بثلاث ركعات وقنت قبل الركوع، قال: فأرسلت أمي فباتت عنده القابلة فأخبرتني أنه فعل مثل ذلك. 3500 - وروي عن علي أنه راعى صلاة النبي [- صلى الله عليه وسلم -] بالليل فقنت في

وتره. وفي حديث أبي بن كعب، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يوتر بثلاث ركعات لا يسلم فيهن حتى ينصرف، أول ركعة بسبح اسم ربك الأعلى، والثانية بقل يا أيها الكافرون، والثالثة بقل هو الله أحد، وأنه قنت قبل الركوع، فلما انصرف من صلاته قال: سبحان الملك القدوس مرتين ورفع صوته وجهر بالثالثة. 3501 - ومعلوم أن كل واحد من هؤلاء شاهد فعله في زمان، فيبعد أن يكون اتفق لجميعهم النصف الأخير من [شهر] رمضان. ولأن أبيا قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقنت قبل الركوع. وهذا يقتضي المداومة. 3502 - يدل عليه: ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما علم الحسن دعاء القنوت قال له: "اجعل هذا في وترك"، ولم يفصل. ولأنه ذكر متعلق بالوتر مما لا يختص بالنصف الأخير من رمضان، كالتشهد. ولأنه ذكر زائد اختص بصلاة، فتعلق بها في جميع الأحوال، كتكبير العيد. ولأن كل ذكر يتعلق بالصلاة في النصف الأخير من رمضان تعلق بها في غيره، كسائر الأذكار. 3503 - احتجوا: بما روي أن عمر بن الخطاب [- رضي الله عنه -] جمع الناس على أبي ابن كعب، فكان يصلي بهم عشرين ليلة ولا يقنت إلا في النصف الثاني، فإذا كان العشر

الأواخر تخلف في بيته. وهذا بحضرة الصحابة [رضي الله عنهما] من غير خلاف. 3504 - والجواب: أن قوله: كان لا يقنت، يحتمل أن يكون المراد به طول القيام. وفي العادة أن القيام في النصف الثاني من الشهر أطول، ولهذا ترك الصلاة في العشر لأنه كان يقوم [في] جميع الليل، وطول القيام يسمي قنوتا. 3505 - الدليل عليه: ما روي عن ابن عمر أنه قال: ما أعرق القنوت إلا طول القيام. وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن أفضل الصلاة، قال: "طول القنوت". والذي يدل على ذلك أن الطحاوي قال: لم يقل بهذا القول إلا الشافعي والليث. ويستحيل أن يكون مثل هذا الإجماع يخفى على جميع التابعين والفقهاء، فدل [على] أن المراد به ما قلنا. ولأنه قال: كان لا يقنت إلا في النصف الثاني من الشهر فسقط التعلق به. ***

مسألة 195 القنوت في الوتر قبل الركوع

مسألة 195 القنوت في الوتر قبل الركوع 3506 - قال أصحابنا: القنوت في الوتر قبل الركوع. 3507 - وقال الشافع: بعد الركوع. 3508 - لنا: حديث ابن مسعود الذي قدمناه. 3509 - قالوا: رواية أبان ابن أبي عياش. 3510 - قلنا: روى عنه الثوري، وروايته تعديل. 3511 - ويدل عليه أيضا حديث ابن عباس وأبي بن كعب [على ما قدمناه]. ولأنه ذكر يختص بنوع من الصلوات فكان موضعه قبل الركوع، كالتكبيرات في العيد. ولأن القيام الذي بعد الركوع يقع للفصل، فلم يكن موضعا لذكر ممتد، كالقعدة بين السجدتين. أو بأنه ليس بمحل للقراءة فلم يكن موضعا للقنوت، كحال الركوع. ولأنه ليس بمحل للقنوت في الوتر في غير رمضان لم يكن محلا له فيه، كحال الركوع. ولأنها حال لا يكون المدرك لها مدركا للركعة، فلا يكون محلا للقنوت، كحال القعود.

3512 - احتجوا: بحديث أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قنت في الفجر بعد الركوع. 3513 - والجواب: أن القنوت في الفجر قد دلت الدلالة على نسخه عندنا، فلم يصح الرجوع إلى صفته، ولو لم ينسخ كان قنوت رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] فيها بعد الركوع لا يوجب ثبوته في غيرها إلا من طريق القياس. 3514 - قالوا: روى سويد بن غفلة قال: سمعت أبا بكر وعمر وعثمان يقولون: قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في آخر الوتر، وكانوا يفعلونه. قال: وآخر الوتر ما بعد الركوع، وما قبله ليس بآخره؛ لأن معظم الركعة باق. 3515 - قلنا: الركعة الثالثة يتناولها اسم آخر؛ لأن ما زاد على النصف من كل شيء يقال: إنه في آخره، فلم يكن في الخبر دليل. ولأنا روينا صريح الحكم عن رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] فلم يعارض بالمحتمل. وقد روى الأسود أن ابن مسعود كان يقنت قبل الركعة. 3516 - وقال ابن عمر: ما أعرف القيام بعد الركوع ما هو. وروى عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: صليت خلف علي، فقنت قبل الركوع. وذكر أبو الحسن بإسناده عن سفيان عن مخارق عن طارق أنه صلى خلف عمر بن

الخطاب الفجر فلما فرغ من القراءة كبر، ثم قنت، ثم كبر ثم ركع. وروى أبو الجهم عن البراء مثله. فإن كان الاستدلال بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -[فقد نقلنا عنه الفعل الصريح، وإن كان بفعل الصحابة] فقد نقلنا عنهم خلافه. 3517 - قالوا: اعتدال قبل الركوع، فوجب أن لا يكون محلا للقنوت، كسائر الصلوات. 3518 - وهذا ليس بصحيح؛ لان القنوت ذكر زائد، فإذا لم يفعل في محل في بعض الصلوات لم يستدل به على أنه لا يفعل في ذلك المحل في بعضها. 3519 - قالوا: محل للقراءة، فلم يكن محلا للقنوت، أصله: ما قبل القراءة. 3420 - قلنا: إذا أتى بالقراءة فقد انقضى محلها، فلم يصح أن يقال محل للقراءة. ولأن كونه محلا للقراءة لا يمنع أن يكون محلا للذكر المسنون؛ الدليل عليه: ما بعد التحريمة محل للقراءة، وقد جعل محلا للاستفتاح والتعوذ. ولأن ما قبل القراءة واجبة فكان الاشتغال بها أولى من القنوت، وما بعد الفراغ من القراءة لم يبق عليه ذكر واجب فكان محلا للقنوت، كما بعد الركوع. 3521 - قالوا: ما بعد الركوع محل للدعاء؛ بدلالة أنه يقول: سمع الله لمن حمده، فبأن يكون محلا للقنوت- الذي هو دعاء- أولى. 3522 - قلنا: ليس إذا كان محلا لنوع من الدعاء كان محلا لبقيته؛ ألا ترى أنه لا يكون محلا للدعاء الذي هو سوى القنوت. ولأن قوله: سمع الله لمن حمده، لا يفعل في حال القيام عندنا، وإنما يفعل في حال الرفع. 3523 - قال المزني: زاد أبو حنيفة تكبيرة في القنوت لم تثبت بها سنة،

ولا دل عليها قياس. 3524 - وهذا خطأ؛ لأنه قد روي عن علي - عليه السلام - أنه كبر حين قنت، وكبر حين أراد أن يركع. وعن عمر الخبر الذي قدمناه. وعن البراء أنه [كان] يكبر قبل أن يقنت. فهذه السنة تبعها أبو حنيفة - رضي الله عنه -، والقياس يدل عليه أيضا؛ لأن التكبيرات وضعت في الصلاة للفصل، وحال القنوت محل مخالف لحال القراءة، فوجب أن يكبر للفصل بين الحالين، كما يكبر للفصل بين الركوع والسجود. ***

مسألة 196 يجوز التنفل بالليل والنهار إن شاء بركعتين وإن شاء بأربع

مسألة 196 يجوز التنفل بالليل والنهار إن شاء بركعتين وإن شاء بأربع 3525 - قال أبو حنيفة: يجوز التنفل بالليل والنهار، إن شاء بركعتين وإن شاء بأربع. 3526 - وقال الشافعي: التنفل بما زاد على ركعتين. 3527 - لنا: ما روى أبو أيوب الأنصاري قال: أدمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربع ركعات/ بعد زوال الشمس، فقلنا إنك تدمن هؤلاء الأربع ركعات، فقال: "يا أبا أيوب، إذا زالت الشمس فتحت أبواب السماء فلم ترتج حتى يصلى الظهر، فأحب أن يصعد لي فيهن عمل صالح قبل أن ترتج"، فقلت: يا رسول الله، أفي كلهن قراءة؟ قال: "نعم"، قلت: بينهن سلم فاصل؟ قال: "لا، إلا التشهد". وروى

عاصم بن ضمرة عن علي [- رضي الله عنه -] أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي أربعا قبل الظهر. وروى ابن عمر عن عمر بن الخطاب [- رضي الله عنه -] قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أربع ركعات بعد الزوال قبل الظهر تعدلان صلاة السحر"، وروى عبد الله بن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صلى أربع ركعات قبل العصر لم تمسه النار"، وعن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا"، وعن سعد بن هشام، قال: قلت لعائشة: كيف كانت صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الليل؟ قال: كان يصلي العشاء، ثم يصلي بعدها أربعا، ثم يجيء فيضطجع، وعن أبي سلمة، قال: سألت عائشة عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان، فقالت: ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعا لا تسل عن

حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعا لا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثا، وروى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "صلوا بعد الجمعة أربع ركعات"، وفي حديث [آخر]: "من كان مصليا بعد الجمعة فيصل بعدها أربعا"، وعن ابن عمر قال: من صلي بعد العشاء أربع ركعات يتم ركوعهن وسجودهن ويقرأ فيهن عدلن بمنزلتهن من ليلة القدر. وهذا لا يعلم إلا من طريق التوقيف. 3528 - ولا يجوز أن يقال: يحتمل أن تكون أربع ركعات فصل بينهن بالسلام؛ لأن خبر أبي أيوب [نص في إسقاط السلام]، وبقية الأخبار محتملة؛ لأن الإطلاق في قول الراوي: أربع ركعات، يتناول ما لا يفصل

بعضهن عن بعض؛ ألا ترى أن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يصلي أربعا وأربعا، ولو أرادت بيان العدد في الجملة لقالت: يصلي ثمانيا. 3529 - وقولكم: إنما نحمل خبركم على الجواز لا يصح؛ لأنه - عليه السلام - لا يداوم إلا على الأفضل. ولأن كل عدد جاز في فرض النهار كان مسنونا [إذا انفرد]، كالركعتين. ولأن ما كان مسنونا في عدد النافلة إذا اقتدى بالإمام كان مسنونا إذا انفرد، كالركعتين. ولأن المتابعة شرط في بعض العبادات، فلأن تكون من صفات الفضيلة أولى. ولأن البقاء على التحريمة أشق، وفعل النافلة على الوجه الأشق أفضل ما لم يرد عنه نهي، كطول القيام. 3530 - احتجوا: بحديث عمر أن رجلا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صلاة الليل، فقال: " [صلاة الليل] مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى"، ومن طريق مالك: "صلاة الليل [والنهار] مثنى مثنى"، قالوا: ولا يجوز أن يكون المراد الجواز، فلم يبق إلا أن يكون المراد به المسنون.

3531 - والجواب: أنه يحتمل أن يكون المراد به: "مثنى مثنى" معناه: أنه يتشهد في كل ركعتين، والدليل عليه أنه قال: "فصل ركعة توتر لك ما قد صليت"، وهذا لا يكون إلا وهي متصلة بما قلها؟ ويجوز أن يكون قوله: "صلاة الليل والنهار مثنى" بمعنى أنه لا يلزم بالتحريمة أكثر من ركعتين؛ ليبين مخلفة النافلة في ذلك الفرض. وقد روي عن ابن عمر أنه كان يصلي قبل الجمعة أربعا لا يفصل بينهن بسلام، وبعدها ركعتين ثم أربعا، وهذا يدل على أن قوله - عليه السلام -: "مثنى مثنى" المراد بهما ذكرناه؛ لاستحالة أن يخالف ما رواه. 3532 - قالوا: روت عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى أن يتصدع الصبح إحدى عشرة ركعة، يسلم من كل ركعتين ويوتر بواحدة. 3533 - قلنا: يحتمل أن يكون: يسلم من ركعتين، أي يتشهد، الدليل عليه: ما رويناه عنها أنه كان يصلي ثمان ركعات لا يجلس إلا آخرهن، يعني السلام. 3534 - قالوا: النوافل ضربان: نافلة سن لها الجماعة، [ونافلة لم يسن لها الجماعة]. ثم ثبت أن ما سن لها الجماعة- وهو الاستسقاء والخسوف- مثنى

مثنى، وكذلك الضرب الآخر. 3535 - والجواب: أما الاستقساء فليس بمسنون في جماعة عندنا. وأما الخسوف فإن شاء صلى ركعتين، وإن شاء صلى أربعا، فلم نسلم الأصل. 3536 - قالوا: إذا صلى مثنى مثنى زادت صلاته على الأربع ثلاثة أركان متفق عليها: تكبيرة الإحرام، وقعدة التشهد، والسلام، وركنان مختلف فيهما: التشهد، والصلاة على الرسول - عليه السلام - فكانت أولى. 3537 - والجواب: أنه إذا صلى أربعا فإنه يأتي بالتكبيرة الثالثة، وهذه التكبيرة مساوية للتكبيرة التي يدخل بها؛ لأن وجوبها يتعلق بفعله، والركن إنما يزيد على من ليس بركن فيما وجب بفعل الله، وأما القعدة فإنها واجبة في إحدى الروايتين، وقد قالوا: إن من السنة إذا قام إلى ثالثة النفل أن يستفتح. فأما السلام، والتشهد، والصلاة فليست بواجبة عندنا، وإنما هي مسنونة، فيأتي بها في القعدة الأولى والثانية في النفل، وقد قالوا: إنه يدعو في القعدة الأولى كما يدعو في الثانية. فلم نسل لهم الترجيح بشيء مما قالوه. ثم الترجيح معنا؛ لأن الكون في العبادة إذا لم ينه عنه فهو أفضل، ولأن القيام الذي يقع في الثالثة يكون مفعولا في الصلاة، ولأن يأتي بقيام في الصلاة أفضل من يأتي به في غيرها. 3538 - قالوا: أكثر الفرض يزيد على مثنى مثنى، والأفضل في التطوع ما خالف أكثر الفرض ليتميز؛ عن الفرض. 3539 - قلنا: النوافل فرع الفرائض، وحمل الفرع على أصله أولى من مخالفته. ***

مسألة 197 إذا قدر المومئ على الركوع أو السجود استأنف

مسألة 197 إذا قدر المومئ على الركوع أو السجود استأنف 3540 - قال أصحابنا إلا زفر: إذا قدر المومئ على الركوع والسجود استأنف. 3541 - وقال الشافعي: يبني. 3542 - فالمسألة مبنية على المومئ لا يقتدي به الراكع، فإذا ثبت أن إحدى الصلاتين لا تبنى على الأخرى في حق المؤتم والإمام ثبت أنها لا تصح في حق نفسه؛ لأن أحدا لا يفصل بينهما. ولأنه قدر على الركوع والسجود قبل سقوط الفرض عنه، فلم يجز أن يسقط فرضه بالإيماء، أصله: إذا قدر قبل الدخول [في الصلاة، وأصله: إذا رعف ثم قدر على الركوع والسجود. ولان كل حالة لو مس ذكره لم يجز له البناء فكذلك إذا لم يمس، أصله: إذا قدر قبل الدخول]. 3543 - قالوا: قدر على ركن من أركان الصلاة في أثنائها فوجب أن لا تبطل، أصله: إذا صلى قاعدا ثم قدر على القيام. 3544 - قلنا: صلاة القاعد تجوز في حال الاختيار من غير عذر، فصارت كصلاة الصحيح، فجاز أن يبني فرض القيام عليها، وصلاة الايماء لا تجوز من غير عذر، فصار فرضها مخالفا لفرض الركوع والسجود، فلم يبن أحدهما على الآخر، كما لا تبنى صلاة المستحاضة بعد ما انقطع دمها على طهارة الاستحاضة. ***

مسألة 198 إذا افتتح الصلاة عريانا ثم وجد الثوب، استأنف

مسألة 198 إذا افتتح الصلاة عريانا ثم وجد الثوب، استأنف 3545 - قال أصحابنا: إذا افتتح الصلاة عريانا ثم وجد الثوب، استأنف. 3546 - وقال الشافعي: يبني. 3547 - لنا: أنه فرض لزمه في أثناء الصلاة لسبب متقدم على التحريمة، فصار كانقضاء مدة المسح. ولا يلزم الأمة إذا أعتقت؛ لأن لستر لا يلزمها لسبب متقدم، وإنما يلزمها في حال العتق. 3548 - قالوا: وكذلك العاجز يلزمه لستر حال القدرة، ولا يلزم قبل الدخول مع العجز. 3549 - قلنا: معنى قولنا: إنه يلزمه، أنه مخاطب به حتى لا يجوز تركه إلا للضرورة، وهذا لا المعنى لا يجود في الأمة. ولأنه شرط من شرائط الصلاة، فإذا صلى [صلى] مع عدمه وعدم ما يقوم مقامه، ثم قدر- استأنف، أصله: من دخل في الصلاة بغير ماء ولا تراب ثم قدر على أحدهما. ولأنه قدر على الستر بعد ما

كان مخاطبا به فلم يجز إسقاط فرضه من غير ستر، أصله: إذا قدر عليه في الابتداء. ولأنه لو قدر بعد اللمس أو مس الذكر لزمه الاستئناف، فكذلك قبله، أصله: الدخول في الصلاة. 3550 - احتجوا: بأن كل من لزمه فرض الستر في الصلاة أثناء صلاته لم تبطل صلاته، أصله: الأمة. 3551 - والجواب: أن الآمة يلزمها فرض الستر بسبب موجود في الحال غير مستند إلى ما تقدم، وليس كذلك في مسألتنا؛ لأن لزوم الفرض يستند إلى ما قبل الدخول؛ لأنه كان مخاطبا [به]، فصار كانقضاء مدة المسح وكنزع الخفين. 3552 - قالوا: انتقل من [حال نقص إلى حال كمال، وقد ثبت أنه لو انتقل عن الكمال إلى النقص بنى، كذلك إذا انتقل إلى] الكمال أولى. 3553 - قلنا: إذا انتقل إلى حال النقص في مسألة الإيماء فقد قالوا في إحدى الروايتين لا يبني، فيجوز أن يقال: إذا عدم الستر في حال الصلاة لا يبني. ***

مسألة 199 لا يجوز أن يقتدي الصحيح بالمومئ

مسألة 199 لا يجوز أن يقتدي الصحيح بالمومئ 3554 - قال أصحابنا إلا زفر: لا يجوز أن يقتدي الصحيح بالمومئ. 3555 - وقال زفر: يجوز، وبه قال الشافعي. 3556 - لنا: قوله - عليه السلام -: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا على أئمتكم". وليس في الاختلاف أكثر من الإيماء والركوع. 3557 - ولا يقال: إن الخبر اقتضى أن لا يفعل الركوع قبل ركوعه؛ لأن عمومه يقتضي الجميع، لا يمكن دعوى التخصيص. 3558 - ولأنه لم يشارك في الركوع الإمام، ولا أتى بركوعه مما عليه، فلا يعتد بالركعة، كمن/ أدرك الإمام بعد الركوع. ولأنها صلاة لا ركوع فيها ولا سجود، فلم يجز أن يقتدي به فيها من يلزمه فرض الركوع والسجود، أصله: صلاة الجنازة. ولأنها صفة لا يجوز أداء الصلاة عليها في غير حال العجز، فإذا وجدت في الإمام لم يجز أن يقتدي به من فقدت فيه، كمن صلى بلا طهارة. 3559 - قالوا: كل من أسقط فرض نفسه بالصلاة صح أن يكون إماما للقيام،

كالقائم. 3560 - قلنا: القائم شاركه المؤتم في الركوع فاعتد له به، والمومئ لم يشاركه مؤتمه في الركوع، ولا رتبه على ركوعه، فلم يعتد بالركعة. 3561 - قالوا: العجز عن ركن إذا لم يمنع [سقوط الفرض لم يمنع] أن يأتم به القادر عليه، كالقاعد بالقائم. 3526 - قلنا: اعتبار سقوط فرض الإمام في جواز الائتمام لا معنى له على أصلهم؛ لأنه لو كان محدثا جاز الاقتداء به وإن لم يسقط فرضه. ثم المعنى في الأصل أنه عدمت المشاركة في القيام، وهذا لا يمنع من الاعتداد، كما لو أدركه راكعا. 3563 - قالوا: كل شخصين صح أن يأتم كل واحد منهما بصاحبه فإذا تفاضلا بما لا يمنع سقوط الفرض صح أن يكون الأفضل مؤتما، أصله: الغاسل رجليه إذا اقتدى بالماسح. 3564 - قلنا: الطهارة لا يقع فيها الاقتداء، فإذا اختلفا في الطهارة لم يمنع الاقتداء، وليس كذلك الأركان؛ لأن الاقتداء يقع فيها، فجاز [أن يكون] الاختلاف مانعا من الاقتداء. وهذه المسألة مبنية على أن الإيماء ليس ببدل؛ بدلالة أنه جزء من الأصل، والأبدال ما خالفت مبدلاتها، فأما من عجز عن بعض الشيء وفعل بعضه لا يكون بدلا، أصله: إذا قطعت بعض أعضاء الوضوء لا يكون باقيها بدلا. 3565 - قالوا: الركوع ركن من أركان الصلاة فوجب أن يكون له بدل، كالقيام. 3566 - قلنا: لا فصل بينهما؛ لأن القعود ليس ببدل عن القيام، وإنما هو جزء منه. 3567 - وإذا ثبت أن الإيماء ليس ببدل فقد عدم من جهة الإمام الأركان وما قام مقامها، فصار كصلاة الجنازة. ***

مسألة: 200 لا يجوز للمفترض أن يصلي خلف المتنفل

مسألة: 200 لا يجوز للمفترض أن يصلي خلف المتنفل 3568 - قال أصحابنا: لا يجوز للمفترض أن يصلي خلف المتنفل، ولا يجوز لمصلي الفرض أن يقتدي بمصلي فرض آخر. 3596 - وقال الشافعي: يجوز ذلك. 3570 - لنا: قوله - عليه السلام -: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه". وإذا كان كل واحد منهما [يصلي] [فرضا آخر كان مخالفة]، فكان ممنوعا منها. ولا يجوز حمل الخبر على المخالفة في الأفعال؛ لأن حمله على العموم أولى، ولأن المخالفة في الأفعال قد استفيدت من آخر الخبر بقوله: "فإذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا"، فلم يجز حمل اللفظ على التكرار. ولأن صلاة لا يجوز أداؤها بنية الإمام، فلا يجوز أن يقتدي به فيها، كمصلي الفجر إذا اقتدى بمن يصلي الكسوف، ومصلي الظهر خلف من يصلي الجمعة، ولأنه لا يجوز أن يبني إحدى الصلاتين على الأخرى في حق نفسه، وكذلك لا يجوز في حقه وحق الإمام، أصله: ما ذكرنا. 3571 - ولأن نية الفرض عدمت من جهة الإمام، فلم يجز أن يقتدي به المفترض، أصله: إذا صلى الكسوف. ولأن تعيين النية شرط معتبر في الفرض بكل حال، فإذا عدم

من جهة الإمام لم يجز أن يقتدي به من وجد معه ذلك الفرض، أصله: إذا لم يأت الإمام بالنية. ولا يلزم المتوضئ خلف المتيمم؛ لأن الوضوء لا يعتبر في الصلاة بكل حال. وكذلك لا يلزم القائم خلف القاعد؛ لأن القيام لا يعتبر في الفرض بكل حال؛ ألا ترى أنه يصلي في السفينة قاعدا. ولا يلزم على العلتين الأوليين المتنفل خلف المفترض؛ لان النفل يجوز أداؤه بنية الفرص إذا دخل في الصلاة يظنها عليه. 3572 - ولا يلزم إذا صلى ركعتي الفجر خلف المفترض أنه يجزئه ولو بناها على تحريمة نفس الفرض لم يجزه ذلك؛ لأنا إن قلنا: إن تعيين النية ليس [من شرط] ركعتي الفجر فإذا صلى خلف المفترض جاز، فإن ظن بعد الفجر أن عليه الفجر من أمس فافتتحها، ثم تبين له أن لا شيء عليه أجزأ ذلك عن ركعتي الفجر. 3573 - ولا يلزم إذا دخل المتنفل في صلاة المفترض ثم أفسدها أنه إن دخل فيها مع الإمام ينوي القضاء جاز ولا يجوز أن يبنيها على تحريمة الفرض في حق نفسه؛ لأن هذه المسألة ليس لأبي حنيفة فيها قول، وإنما اختلف أبو يوسف وزفر، فقال أبو يوسف: يجوز أن يدخل معه بنية القضاء، وقال زفر: لا يجوز؛ لأنهما واجبان مختلفان، فإن قلنا بقول زفر سقط السؤال. 3574 - ولا يقال: إنما لم يجز بناء الفرض على صلاة الكسوف والجنازة لاختلافهما في الأفعال الظاهرة؛ وذلك لأن مصلي المغرب خلف من يصلي الظهر، والظهر خلف من يصلي الفجر لا يجوز مع الاختلاف في الأفعال الظاهرة. 3575 - احتجوا: بما روى جابر قال: كان معاذ يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم -[العشاء] ثم يرجع فيها فيصليها في بني سلمة، فأخر النبي - صلى الله عليه وسلم - العشاء ذات

ليلة، فصلى معاذ معه، ثم رجع فأم قومه، فقرأ سورة البقرة، فتنحى رجل من خلفه فصلى وحده، فقالوا له: نافقت، فقال: لا، ولكني آتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأتاه فقال: يا رسول الله، إنك أخرت العشاء، وإن معاذا صلى معك، ثم رجع فأمنا. فافتتح بسورة البقرة، فلما رأيت ذلك تأخرت صليت، وإنما نحن أصحاب نواضح نعمل بأيدينا، فأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على معاذ فقال: "أفتان أنت يا معاذ اقرأ بسورة كذا"، قالوا: وروي عن جابر قال: كان معاذ يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - العشاء ثم ينطلق إلى قومه فيصليها بهم، هي له تطوع و [هي] لهم مكتوبة"، قالوا: وهذا يدل على جواز صلاة المفترض خلف المتنفل. 3576 - والجواب: أن معاذا يجوز أن يكون يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - النافلة ثم يعود فيصلي بقومه الفريضة، الدليل عليه: ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [لمعاذ]: "يا معاذ، لا تكن فتانا، إما أن تصلي معي، وإما أن تخفف على

قومك"، ومعلوم أنه [قد] كان يصلي معه، وقوله: "إما أن تصلي معي" معناه: إما أن تصلي الفرض معي ولا تصلي بقومك، أو تصلي بهم الفرض وتخفف، وهذا يدل أنه كان يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم -[غير الفرض. 3577 - ولا يجوز أن يقال: قد روينا انه كان يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم -] العشاء ثم يرجع فيتطوع بقومه؛ لأن هذا قول جابر فيجوز أن يكون ظن ذلك، والنبي [- صلى الله عليه وسلم -] عرف حقيقة الأمر، وكان الرجوع إلى قوله أولى. 3578 - ولا يقال: كيف يظن بمعاذ أنه يترك فضيلة الصلاة مع رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] ويصلي معه النافلة؛ وذلك لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمره أن يصلي بقومه- ولا يجوز له ذلك إلا بترك الفرض مع رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -]- كان ائتماره بأمره أفضل من فعل الصلاة معه؛ لأن أمره على الوجوب، وفعل الفريضة. [معه] ليس على الوجوب. 3579 - ولا يقال: لو كان الحكم يختلف لفصل؛ لأن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] كان يعرف الأمر فلا يحتاج إلى التفصيل، ولهذا قال: "أو تجعل صلاتك معنا". ويجوز أن يكون فعل معاذ في الوقت الذي كان يعاد الفرض مرتين، فكان ما يفعله مع النبي [- صلى الله عليه وسلم -] فرضا ثم يعيده فيكون فرضا، فلا يكون مفترضا خلف متنفل. 4580 - قالوا: لا نعرف في الشريعة إعادة الفرض مرتين. 3581 - قلنا: قد روى عمرو بن شعيب عن خالف بن أيمن المعافري قال: كان أهل العوالي يصلون في منازلهم ويصلون مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فنهاهم أن يعيدوا الصلاة في

اليوم مرتين، قال عمرو: قد ذكرت ذلك لسعيد بن المسيب، فقال: صدق. وروى أبو قتادة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تفريط في النوم، إنما التفريط في اليقظة، فإذا سها أحدكم عن صلاته فليصلها حين يذكرها ومن الغد للوقت"، ذكره أبو داود، ثم نسخ ذلك بقوله - عليه السلام -: "لا ظهران في يوم، ولا وتران في ليلة". وقال: "لا تصلوا صلاة في يوم مرتين". 3582 - قالوا روي عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بالناس صلاة الظهر في الخوف [مرتين] ببطن نخل، فصلى بطائفة ركعتين ثم سلم، وجاءت طائفة أخرى فصلى بهم ركعتين ثم سلم. ولابد أن يكون إحداهما تطوعا، وروي أنه صلى

المغرب بطائفة ثم صلاها بطائفة أخرى. 3583 - قلنا: يحتمل أن يكون هذا وقت يعاد الفرض مرتين، ويحتمل الخبر الأول: أن صلاتهم صلاة إقامة فصلى بكل طائفة ركعتين. وقول الراوي: [صلى بهم] ركعتين وسلم، بمعني تشهد. 3584 - قالوا: روي أن عمر [- رضي الله عنه -] صلى بقوم فخرج من واحد خلفه ريح، فلما انصرف من صلاته قال: عزمت [على] من خرجت منه هذه الريح أن يتطهر ويعيد الصلاة، فقيل له: أو كلنا يعيدها؟ فقال: نعم، وأنا معكم، فأعادوا الطهارة [وصلى بهم] ثانيا ولم يخالفه أحد/. ومعلوم أن الذي أحدث مفترض صلى خلف عمر وهو متنفل. 3585 - الجواب: أنه لم ينفل أن الصلاة كانت فريضة، فيجوز [أن تكون] صلاة الكسوف أو استسقاء. ويجوز أن يكون هذا الرجل متنفلا بالصلاة خلف عمر، وإن كان مفترضا؛ ألا ترى أنه لا يظن بالمسلم أنه يترك فعل الفريضة حتى يفعلها على هذا الوجه، فكان الظاهر أنه متنفل بها. 3586 - قالوا: صلاتان اتفقتا في الأفعال الظاهرة يصحان فرادى وجماعة، فصح أن يكون الإمام في واحدة والأموم في أخرى، أصله: إذا صلى ركعتي الفجر خلف من يصلي الفجر. 3587 - قلنا: اعتبار الموافقة في الأفعال الظاهرة غير صحيح، بل الموافقة في الجهات أولى؛ ألا ترى: أن القائم يصلي خلف القاعد والمومئ عندهم مع اختلافهما

في الأفعال الظاهرة، ولا يجوز الجمعة خلف مصلي الظهر لاختلاف جهتهما وإن اتفق بفعلهما الظاهر، فدل على أن المعتبر خلاف الجهات، فأما الأصل الذي ذكروه فلا نعرفه. 3588 - فإن قلنا بوجوب تعيين النية- كركعتي الفجر- لم نسلم جوازها خلف المفترض، وإن سلمنا فالمعنى فيه أنه يبني أنقص الصلاتين على أكملهما فجاز، كما يبني في حق نفسه إذا دخل في فرض، فتبين أنه لا فرض عليه، وفي مسألتنا أكمل الصلاتين على أدناهما فلم يجز، كما لو افتتح لنفسه النفل ثم بنى عليها الفرض. 3589 - قالوا: كل صلاة وافقت الإمام في الأفعال الظاهرة صح أن يؤتم به فيها، أصله: النفل خلف من صلي الفرض. 3590 - قلنا: يبطل بصلاة الجمعة خلف من صلي الظهر. ولأن النفل يجوز أداؤه بنية الفرض، فلذلك جاز أن يبني على تحريمته، والفرض لا يؤدى بنية النفل، [فلذلك لا يجوز أن يبني على تحريمته. 3591 - قالوا: كل معنى لا يمنع استدامة النفل] إذا لم يكن شرطا في النفل لم يكن شرطا في الفرض، أصله: اختلاف الطهارتين 3592 - قلنا: هذا موضوع فاسد؛ لأن النفل أخف في الشرائط، فلا يجوز أن يقال: ما لم يشترط في النفل لا يشترط في الفرض. ثم لا نسلم أن اختلاف الطهارتين لا يؤثر؛ لأن المتوضئ لا يصلي خلف من به سلس البول لاختلاف طهارتهما، فإن عنوا بالأصل المتوضئ خلف المتيمم، قلنا: [كل] واحد منهما طهارة صحيحة يجوز أن يؤدى بها الفرض، فلذلك جاز بناء إحديهما على الأخرى، [ونية الفرض ليست بنية] لأداء الفرض بحال، فلذلك [لا يجوز] أن يبني عليها.

3593 - قالوا: كل ما لا [يمنع] ائتمام المتنفل بالمفترض لم يمنع [ائتمام] المفترض بالمتنفل، أصله: [اختلاف] الطهارتين. 3594 - قلنا: هذا إشارة إلى اختلاف النيات، وليس هذا هو المانع، وإنما المانع عندنا ما ذكرناه، فنقول بموجب العلة. ثم المعنى في الطهارة ما قدمناه. 3595 - قالوا: لو صلى رجل يوم الجمعة الظهر بجماعة ثم توجه إلى الجماعة صارت ظهره نفلا، وجازت صلاة المفترض خلفه. 3596 - قلنا: هناك خرجت الصلاة من حيز الفرض بعد انقطاع المتابعة، والحكم يتعلق يحال المتابعة، وما حدث بعدها لا يعتبر؛ ألا ترى أن من صلى الظهر بقوم ثم ارتد ومات بطلت صلاته باتفاق، ولا يؤثر ذلك في صلاة المؤتمين؛ لأن هذا حصل بعد انقضاء المتابعة. 3597 - قالوا: من شك في صلاته فلم قدر أثلاثا صلى أم أربعا ولم يغلب على ظنه شيء بنى على اليقين وقام فصلى ركعة، وهذه الركعة يحتمل أن تكون فريضة ويحتمل أن تكون نافلة، فلو أدركه مؤتم فيها صحت صلاته مع تجويز كونها نافلة، فلو لم يجز الاقتداء في النفل لم يجز الاقتداء. 3598 - قلنا: لا نعرف هذه المسألة، ويجوز أن نقول على أصولهم: لا يجوز الاقتداء وإن وجب عليه فعلها، كم ترك صلاة من يوم وليلة بغير عينها أنه يصلي خمس صلوات، ولا يجوز الاقتداء به في شيء منها لمفترض وإن كانت قد وجبت عليه، ويجوز أن نقول: [قد] وجب عليه فعلها عن الظهر، فإذن اقتدى به فقد اقتدى بما هو واجب، فإن تبين انه كانت خامسة بطلت صلاة المؤتم. 3599 - قالوا: إذا أحدث الإمام في السجود فاستخلف رجلا في تلك الحال،

فالثاني يأتي بسجدتين نافلة؛ لأنه غير معتدة من فرضه، وهي للمؤتمين فريضة. 3600 - قلنا: لا نقول ذلك، بل هي فريضة الأمام الثاني بحكم المتابعة، وإن لم يعتد بها، قال أبو الحسن: ولو تركها فسدت صلاته، فسقط ما قالوه. ***

مسألة 201 إذا أحس الإمام بداخل لم ينتظره

مسألة 201 إذا أحس الإمام بداخل لم ينتظره 3601 - قال أصحابنا: إذا أحس الإمام بداخل لم ينتظره. ذكر الطحاوي عن ابن أبي عمران، عن ابن شجاع، عن أبي حنيفة الخوارزمي، قال: سألت أبا حنيفة عن الإمام إذا سمع خفق النعال وهو راجع، أينتظر أصحابه؟، قال: لا يفعل، فإن فعل فصلاته فاسدة، وأخشى عليه. [ورد الطحاوي هذه الرواية عن الإمام، وجهل الخوارزمي، وهو حقيق بذلك]. 3602 - وقال الشافعي إن كان الإمام في غير الركوع: لم ينتظره. وإن كان في الركوع فله قولان. 3603 - لنا: ما روي أن أبا بكرة [- رضي الله عنه -] دخل المسجد ورسول الله - صلى الله عليه وسلم -

راكع وكبر عند باب المسجد فركع ومشى إلى الصف. فلو كان من عادة النبي - صلى الله عليه وسلم - انتظار الداخل لم يسبق بالتكبير ويكثر المشي في الصلاة، ولكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلمه أن ذلك لا يحتاج إليه، فلما قال له: "زادك الله حرصا ولا تعد" دل [ذلك] على انه لا ينتظره. ولأنه ركن من أركان الصلاة فلا ينتظر الداخل، كالقيام والسجود. ولأن من حكم الصلاة [أن] يفعل خالصا لله تعالى، ومتى طول الركوع ليدركه الداخل فقد أشرك معه غيره، وهذا لا يصح. ولأنه يسقط حق الحاضرين بالتطويل عليهم ليستدرك حق الداخل، وهذا لا يجوز، أصله: إذا طول لتكثير اجتماع الناس، ولا خلاف أنهم لو اجتمعوا في المسجد كره للإمام تأخير الصلاة انتظارا لبعض الجماعة؛ لما في ذلك من إسقاط حق الحاضرين، وهذا المعنى موجود إذا انتظر في الصلاة. 3604 - احتجوا: بما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي وقد أجلس الحسن [- رضي الله عنه -] بين يديه، فلما سجد ركب الحسن ظهره، فأطال السجود حتى نزل، فقيل له: إنك أطلت السجود، فقال: "نعم، كان ابني ارتحلني، فأطلت السجود ليقضي وطره"، قالوا: فإذا جاز الانتظار لنزول الحسن فالانتظار لإدراك الصلاة أولى. 3605 - والجواب: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -[يجوز أن يكون] خاف على الحسن إن

رفع رأسه من السجود أن يسقط فيستضر بذلك، فطول حتى لا يلحقه ضرر، ومثل هذا لا يمنع. ولا يقال: إنه كان يأخذه بيده فينحيه؛ لأنه يجوز أن اف إن تحرك لرفع يده سقط، أو يكون أراد أن [لا يعمل] عملا في الصلاة. 3606 - قالوا: فالنبي - صلى الله عليه وسلم - علل تطويل السجود بقضاء الوطر ولم يعلل بخوف الضرر. 3607 - قلنا: لأنه إذا قضى وطره نزل. 4608 - وقال: "إني لأسمع صوت الصبي يبكي فأتجوز؛ لئلا تفتتن أمه ببكائه". 3609 - والجواب: أن هذا فعل لإصلاح الصلاة؛ لأن الجنة إذا كانت تقربه شغلت قلبه فلم يتمكن من فعل الصلاة، [وكذلك إذا بكى الصبي اهتم ببكائه فاشتغل عن فعل الصلاة]. فصار ذلك مفعولا لإصلاح صلاته لا لمعنى في الغير. 3610 - قالوا: روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أبصر رجلا يصلي وحده فقال: "ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه". فإذا استحب له أن يصلي معه استحب للإمام أن ينتظره لتحصيل الفضيلة.

3611 - والجواب: أن استحباب الانتظار ليس بقول لأحد، وإنما قال الشافعي: لا بأس بانتظاره، وهذا لا يفيد الإباحة. ولأن هناك لا يؤدي إلى أن يفعل الصلاة لغير الله تعالى، وفي مسألتنا يشرك في زيادة الفعل غير الله تعالى، وهذا لا يجوز. 3612 - قالوا: إذا صلى الإمام صلاة الخوف بالطائفة الأولى انتظر الثانية، وفي انتظار الثانية تطويل الصلاة. 3613 - قلنا: عندنا لا ينتظر، ولكنه يمضي في الصلاة فتدركه الطائفة الثانية أين أدركته. ولأن انتظاره ثم لا يؤدي إلى تطويل على بعض المؤتمين. 3614 - قالوا: إذا انتظر حصل لمن معه فضيلة الانتظار والثواب، وحصل للداخل كمال الركعة، وإذا لم ينتظر فاتت الفضيلتان. 3615 - قلنا: لا نسلم حصول الفضيلة؛ لأنه إذا انتظره كره له ذلك؛ وفي إحدى الروايتين عن أبي حنيفة تفسد صلاته، ولو سلمناه بطل بانتظاره الثاني والثالث. ***

مسألة 202 تقديم الحر في الإمامة أولى من تقديم العبد

مسألة 202 تقديم الحر في الإمامة أولى من تقديم العبد 3616 - قال أصحابنا: تقديم الحر في الإمامة أولى من تقديم العبد. 3617 - وقال الشافعي: هما سواء. 3618 - لنا: أن المعنى في الإمامة تقديم من يؤدي تقديمه إلى تكثير الجماعة، وهذا لا يوجد في العبد؛ لأن الناس لم تجر عادتهم/ بتعظيم العبيد ولا بتقديمهم، فتقل الجماعة، فصار تقديمهم كتقديم الجاهل على العالم، والصغير على الكبير. 3619 - والذي روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اسمعوا وأطيعوا ولو ولي عليكم عبد حبشي مجدع، ما أقام فيكم الصلاة"، [فالمراد به: ولاية إلا مرة والحث على

الطاعة، دون التقديم في الصلاة]. ولأن عندنا إذا تقدم العبد فالمستحب أن لا يترك الصلاة خلفه لأجل الرق وعدم النسب، وكلامنا على عادة الناس والحمية التي تقع لهم. ولهذا إن المستحب للعربي أن لا يمتنع من تزويج غيره إذا كان من أهل الدين، [وإن كان لو امتنع] كان له ذلك. 3620 - قالوا: روي أن عبيد الله بن عمير والمسور بن مخرمة وناس كثير كانوا يأتون عائشة رضي الله عنها فيؤمهم أبو عمرو مولاها، وكان صهيب يؤم الناس وهو عبد لأنس، وصلى ابن عمر خلف عبد. 3621 - والجواب: أن الصلاة خلفه جائزة غير ناقصة، وإنما يستحب تقديم غيره؛ لأن الناس يكرهون الصلاة خلفه فتقل الجماعة [فلا حجة] فيما ذكروه. وقد حكوا عنها أن تقديم ولد الزنا في الإمامة لا يكره، وهو غلط، والذي نقول إنه يكره تقديمه؛ لأن الناس يستنكفون من الصلاة وراءه فيؤدي ذلك إلى تقليل الجماعة. ***

مسألة 203 إمامة الأمي

مسألة 203 إمامة الأمي 3622 - قال أصحابنا: لا تجوز صلاة القارئ خلف الأمي. 3623 - وقال الشافعي في أحد قوليه: تجوز فيما خافت فيه الإمام، ولا تجوز فيما يجهر. وخرج أصحابه قولا آخر أنها جائزة بكل حال. 3624 - قلنا: قوله - عليه السلام -: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله"، والأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده. ولأن القراءة شرط معتبر في الفرض والنفل، فإذا عدم من جهة الإمام لم يلزمه ذلك الشرط الاقتداء به، كالطهارة. 3625 - ولأن الإمام يتحمل القراءة عن المؤتم في جميع الأحوال عندنا، وعلى قول

مخالفنا: إذا أدركه في الركوع، والأمي ليس من أهل التحمل، فلم يجز أن يكون إماما له. ولأنها صفة للصلاة لا تجوز إلا في حال العجز، فلا يجوز أن يأتم به القادر، أصله: المستحاضة إذا صلت بالطاهرات. 3626 - ولا يلزم المتوضئ إذا صلى خلف المتيمم؛ لأن عندنا في غير حال العجز، كصلاة العيد والجنازة. 3627 - والدليل على إبطال القول الآخر: أن من لا يصح أن يكون إماما في الصلاة التي [يجهر فيها بالقراءة لا يجوز أن يكون إماما في الصلاة التي] يسر فيها بالقراءة، كالمرأة إذا أمت الرجال. 3628 - احتجوا: بأنه ركن من أركان الصلاة، فالعاجز عنه يصح أن يكون إماما للقادر عليه، كالقيام. 3629 - والجواب: أن القيام ليس بشرط في الصلاة بكل حال، [بدلالة: أن النافلة تجوز مع ترك [القيام] من غير عذر، والقراءة شرط بكل حال]، فلهذا اختلفا. ولأن الإمام يتحمل عن المؤتم القراءة، فإذا لم يكن من أهل التحمل لم تصح إمامته، ولا يتحمل عنه القيام، فلذلك صحت إمامته وإن لم يقدر على القيام. 3630 - قالوا: لما جاز أن يأتم المتطهر بالمتيمم وإن كان أكمل منه [جاز أن يأتم القارئ بالأمي وإن كان أكمل منه]. 3631 - قلنا: هذا دعوى بغير علة. ولأن الإمام لا يتحمل الطهارة عن المؤتم فلم يعتبر اتفاقهما فيها إذا كان كل واحد منهما لم يتعقب طهره حدث. ولما تحمل القراءة عن المؤتم، جاز أن يكون عجزه عن التحمل مانعا من صحة الإمامة.

مسألة 204 حكم الصلاة القارئ خلف الأمي

مسألة 204 حكم الصلاة القارئ خلف الأمي 3632 - قال أبو حنيفة: إذا اقتدى القارئ بالأمي فسدت صلاتهما. 3633 - وقال أبو يوسف ومحمد: صلاة الإمام جائزة، وبه قال الشافعي. 3634 - لأبي حنيفة: أن الإمام قادر على أداء صلاته [بقراءة بأن يقدم المؤتم، فإذا تقدم فقد ترك القراءة في صلاته] مع القدرة، فصار كالقارئ إذا تركها. ولا يلزم على هذا أن لا تجوز صلاته بحال؛ لأنه يجد في البلد أئمة يقرءون؛ لأن من أصحابنا من التزم ذلك فقال: إذا لم يلحقه مشقة في الصلاة معهم لم تجز صلاته، ومنهم من قال: إذا لم يكن معه في المسجد لم يلزمه ذلك؛ لأن في تتبع المساجد مشقة، وقد يلزم مع القرب ما لا يلزم من البعد؛ بدلالة أن من عدم الماء ومع رفيقه بحضرته ماء لم يتيمم حتى يطلبه، ولو كان بعيدا منه لم يلزمه طلبه، وكذلك الإمام في المسجد إذا كبر للجمعة وليس في المسجد أحد فيكبر المؤتمون بتكبيرة خارج المسجد لم تنعقد الجمعة، ولو كانوا في المسجد انعقدت، فاختلف حكم المسجد وما سواه. 3635 - ولا يقال: فعلى هذا يجب بأن لا تفسد صلاته إلا بعد العلم بأن المأموم قارئ. 3636 - قلنا: من أصحابنا من قال ذلك، ومنهم من قال: لا يعتبر ذلك؛ لأنه إذا كان قادرا لم يعتبر علمه بالقدرة، كما لو كان قارئا فنسي أنه يحسن القراءة.

3637 - ولا يقال: فيجب على أصلكم انه لا يصح دخوله معه حتى ينويه؛ لأن صلاته تفسد بمشاركته؛ لأنا كذلك نقول. ولا يقال: إن طهارة الإمام عندكم طهارة المؤتم، ولو صلى المتيمم بالمتوضئ جاز، ولا يجعل كأن المؤتم صلى بالمتيمم مع القدرة على الماء؛ وذلك لأن عدم الطهارة الإمام عندنا كعدم طهارة المؤتم، وكذلك يصح الاقتداء، ولسنا نجعل طهارة الإمام كطهارة المؤتم؛ بدلالة أن المحدث إذا صلى خلف المتوضئ لا يجوز. ولأن القارئ والأمي يتساويان في فرض التحريمة، وإنما يختلفان في القراءة، فصح دخوله معه وقد التزم صحيح صلاته، ومن شرطها القراءة، ومن التزم القراءة فلم يأت بها بطلت صلاته، كمن لزمته فلم يأت بها. ولأنه كيف تلزمه بالتزامه وهو لا يقدر عليها؛ وذلك لأن الله تعالى لا يوجب عليه ما لا يقدر على فعله، ويصح أن يلزم نفسه ما لا يقدر على فعله، كمن ألزم نفسه ألف حجة، وكم دخل في الصلاة قبل طلوع الشمس وفي آخر مدة المسح. 3638 - ولا يقال: لو صح دخوله لوجب عليه القضاء، وقد قال في الأصل: لا يلزمه القضاء؛ وذلك لأنه أوجب على نفسه صلاة بغير قراءة، وقد قال زفر: إن من نذر ذلك لم يلزمه بنذره شيء، وليس عن أبي حنيفة خلافه. 3639 - ويجوز أن يقال بوجوب القضاء ويجعل الذي في الأصلة قولهما. 3640 - وقد يقال: في الأصل: إذا اقتدى لم يقصر. وهذا صحة الدخول. ولا يقال: لو صح دخوله لكان إذا ضحك يجب عليه الوضوء وقد قالوا: إن ذلك لا يلزمه؛ وذلك لأن دخوله يصح [ويفسد تحريمه] عقيب الدخول، فيصادف

الضحك الصلاة وقد خرج منها، فلا يجب الوضوء. 3641 - ولا يقال: إن تساويهما في التحريمة لا يوجب صحة الدخول إذا اختلفا في شرائط الصلاة؛ لأن القادر على الركوع والسجود إذا دخل في صلاة القادر على القيام العاجز عن الركوع لم يصح دخوله وإن كانا يتساويان في فرض التحريمة والقيام؛ وذلك لأن القيام غير واجب على من عجز عن الركوع، فإذا فعله فهو متطوع به، فلا يصح الاقتداء، كالمفترض خلف المتنفل. ولا يقال: فعلى هذا إذا دخل في الآخرين وجب أن لا تفسد صلاته؛ لأن الإمام لا يتحمل عنه؛ وذلك لأن هذه الحالة من أحوال التحمل؛ بدلالة أن الإمام لو لم يقرأ في الأوليين وجبت عليه في الآخرين وتحملها عن المؤتم، فصار ذلك كالابتداء. ولا يقال: فإذا دخل في التشهد وجب أن لا تفسد؛ لأنه لم يبق حال للتحمل؛ وذلك لأن دخوله معه لما لم يصح- لتعذر التحمل [الذي] هو شرط في الجملة- أوجب ذلك اختلاف فرضهما، فصار كما لو تعلم سورة في هذه الحال، بطلت صلاته وإن لم يكن المحل محلا لها. ولأنهما اشتركا في صلاة وجبت فيها القراءة، فإذا تركها الإمام لم تصح صلاته، كما لو كان قارئا. 3642 - احتجوا- بأن كل من صحت صلاته إذا كان منفردا فإذا أم من لا يصح أن يكون إماما له لم تبطل صلاته، كالمرأة إذا أمت الرجال. 3643 - والجواب أن الرجل لا يتحمل عن المرأة فرضا عن القراءة، فإذا تقدمت عليه فقد أتت بشروط صلاتها، فلا تبطل ببطلان الاقتداء. وفي مسألتنا الإمام يتحمل القراءة باتفاق، فإذا لم يأت بها بطلت صلاته، كما لو لزمته.

3644 - قالوا: كل من صح أن يأتم بغيره فإذا أمه لم تبطل صلاته، كالقائم بالقاعد. 3645 - قلنا: هذا ليس بصحيح؛ لأن جواز الاقتداء لا يستدل به على جواز الصلاة إذا كان إماما؛ ألا ترى أن المرأة يجوز أن تقتدي في الجمعة، ولو أمت لم يصح. ولأن القائم والقاعد يختلفان [في القيام، وعدم المشاركة فيه لا يمنع الاقتداء، وفي مسألتنا] في القراءة وعدمها يؤثر في صلاة المؤتم، فجاز أن يؤثر في صلاة الإمام إذا التزمها. 3646 - قالوا: الفساد يتعدى من صلاة الإمام إلى صلاة المأموم، ولا يتعدى من صلاة المأموم إلى صلاة الإمام، كما لو صلى المتوضئ بالمحدث. 3647 - قلنا: لم يتعد الفساد عندنا من صلاة المؤتم، ولكن لأن الإمام ترك شرطا يقدر على أدائه والتزم ما عجز عنه. ***

مسألة 205 إذا صلى الكافر في جماعة حكم بإسلامه

مسألة 205 إذا صلى الكافر في جماعة حكم بإسلامه 3648 - قال أصحابنا: إذا صلى الكافر في جماعة/ حكم بإسلامه. وذكر الطحاوي في الاختلاف عن محمد أنه إذا صلى في مسجد حكم بإسلامه وإن كان منفردا، قال: ولم يحك خلافا. 3649 - وقال الشافعي: لا يكون إسلاما. 3650 - لنا: قوله تعالى {إنما يعمر مسجد الله} الآية، فلا يخلو [إما] أن يكون حقيقة العمارة أو فعل الصلاة، ولا يجوز أن يكون المراد الأول لأن ذلك لا يكون إيمانا بالاتفاق، فلم يبق إلا الثاني. 3651 - وقد روى جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا رأيتم [الرجل] يلزم المسجد فاشهدوا له بالإيمان؛ لأن الله تعالى قال: {إنما يعمر مساجد الله من ءامن بالله} ".

3652 - [ولا يقال: إن الله تعالى ذكر إقامة الصلاة بعد الحكم بالإيمان. فقال {إنما يعمر مساجد الله من ءامن بالله}] ثم عطف عليه قوله {وأقام الصلواة}؛ وذلك لأن العمارة إذا ثبت أن المراد بها الصلاة، فكأنه قال: إنما يعمرها بالصلاة المؤمن المقيم للصلاة، [وهذا] غير ممتنع، ويدل عليه حديث أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فله ما لنا وعليه ما علينا". 3653 - قالوا: لا نسلم أنه يصلي صلاتنا إلا بعد تقديم الإيمان. 3645 - قلنا: الخبر يقتضي أن صلاتنا يعلم بها الإيمان، كما لو قال قائل: فهو شجاع، دل للقائل على الشجاعة وإن [لم] يتقدم العلم بوجوده. ويدل عليه قوله - عليه السلام -: "نهيت عن قتل المصلين". وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنفذ أبا بكر إلى رجل فأمره بقتله، فرآه يصلي فرجع، ثم أمر عمر، فلما رآه يصلي رجع، ثم أمر

عثمان فرجع، ولم ينكر عليهم، فدل على أن [فعل الصلاة يستدل بها على الإيمان، فجوزوا أنه يكون تجدد بعد أمره - عليه السلام - ما لم يعلمه، فلولا أن] الصلاة يتدل بها لأنكر عليهم [عدم] فعل الأمور به. 3655 - ولا يقال: روي في الخبر أنه أمر عليا بقتله فرآه يصلي فقتله؛ لأنه استدل بتكرار الأمر بالقتل على أنه - عليه السلام - عرف من حاله ما يوجب القتل مع إظهار الإسلام. ولأنه عبادة على البدن يستدل بها على الإسلام فيمن لم يعلم منه الكفر، فاستدل بها على الإسلام فيمن يعلم منه الكفر، كالشهادتين. 3656 - ولأنها عبادة تختص بشرعنا، أتى بها على أكمل صفاتها، فاستدل بها على الإسلام، كالشهادتين. ولا يلزم سجدة التلاوة؛ لأن الطحاوي ذكر أنه يصير مسلما، واستدل [على ذلك] بخبر خالد بن الوليد. ولا يلزم [إذا حج؛ لأن محمدا قال: لو تجرد وأحرم وطاف كان مسلما. 3657 - ولا يلزم] إذا صام؛ لأن الصوم لا يختص بشريعتنا. ولا يلزم إذا أدى الزكاة؛ لأن الصدقة لا تختص بشرعنا، فإن أخرج شاة من خمس من الإبل وقال: أنا أديتها زكاة، صار مسلما. 3658 - ولا يلزم إذا صلة [منفردا؛ لأن محمدا قال: إذا كان في المسجد كان مسلما. 3659 - ولا يلزم إذا صلى] في غير المسجد؛ [لأنه] لم يأت

بالصلاة على أكمل صفاتها، فصار كم أتى بالشهادتين ولم يبرأ من الشرك. فلما لم يأت بها بكمالها لم يكن مسلما. 3660 - ولا يلزم إذا تيمم؛ لأنا لا نعرف فيه رواية. ولأن إطلاق العبادة [لا يتناوله]، وليس له حال كمال. 3661 - ولا يقال: إن الوصف لا يسلم في الأصل؛ لأن الشهادتين نفس الإسلام، فكيف يقال: يستدل بها على الإسلام؛ وذلك لأن الإسلام يقع بالاعتقاد، والشهادة لظاهر المعتقد ودلالة عليه. 3662 - فإن قالوا: إنه لا يكون مسلما باللفظ. 3663 - قلنا: في الحكم، فوجب أن بحكم بإسلامه. 3664 - قالوا: المعنى [في] الشهادة أنه لو أتى بها منفردا كان مسلما، ولما كانت الصلاة لو أتى [بها] منفردا لم يكن مسلما، فكذلك في الجماعة. 3665 - قلنا: هذا غير مسلم على رواية محمد، ثم هو غير صحيح؛ لأن [صلاة] المنفرد لا يختص بشرعنا؛ ألا ترى أنهم يصلون ويركعون ويسجدون، وقد تتفق القبلتان أو تشتبه عليهم فيصلون إلى قبلتنا. والجماعة تختص بشرعنا. ولأن الكفر والإسلام طريقهما الاعتقاد، فإذا جاز أن يحكم له بالكفر بفعله وإن كان قادرا على القول [جاز أن يحكم له بالإسلام [بفعله] وإن كان قادرا على القول]. ولأن الكفر والإسلام كل واحد منهما يعاقب الآخر، فجرت مجرى واحدا. ولأن الإسلام متضمن الأفعال والأقوال، فإذا جاز أن يحكم

الإنسان [بحكم الإسلام] بما طريقه الأقوال جاز بما طريقه الأفعال، وإن كان قادرا على القول. 3666 - احجتوا: بما روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم"، وهذا يقتضي وجوب قتلهم- وإن صلوا- ما لم يأتوا بالشهادة. 2667 - والجواب: أنه - عليه السلام - ذكر أمر الله تعالى بالقتل، وذلك لا يكون إلا فيمن يقطع بوجوب قتاله، ومن صلى لا يقطع بوجوب قتاله، ولا يطلق عليه الأمر. ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر ما يسقط به القتل في حال المقاتلة وذلك يكون بالشهادة؛ لأنها توجد في العادة حال القتال، فأما الصلاة فيبعد وجودها مع القتال، فلذلك لم يذكرها. ولأنه أسقط القتل بالشهادتين لأنها تدل على الإسلام، فصار ذلك تنبيها على حصول الإسلام بما هو أبلغ منها في الدلالة. وفعل الصلاة في الجماعة أبلغ في الدلالة على الإسلام من الشهادة، فكان السقوط بها أولي. ولأن هذا الخبر قد دل على سقوط القتل بالصلاة، قوله - عليه السلام -: "نهيت عن قتل المصلين" يدل على سقوط القتل بالصلاة، فيجمع بين الخبرين. ولأن خبرهم يفيد وجوب القتال، وعندنا أن من صلى وأقام على كفره صار مرتدا ووجب قتاله، فقد قلنا بموجب الخبر. 3668 - احتجوا: بما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنفذ أبا بكر وأمره بقتل رجل. وقد جعلنا هذا الخبر دلالة لنا، ولا دلالة لهم فيه؛ لانه لم ينقل أنه كان يصلي في المسجد ولا الجماعة.

3669 - قالوا: كل ما لا يحكم به بإسلامه إذا فعله منفردا فكذلك في الجماعة، كالجهاد. 3670 - قلنا: هذا الوصف غير مسلم على ما ذكرناه عن محمد، والمعنى في الجهاد أنه لا يختص بالإسلام، فلم يستدل به عليه، ولما كانت الصلاة بالصفة التي نعتبرها تختص بالإسلام جاز أن يدل عليه. 3671 - قالوا: كل ما لم يحكم بكفره بتركه لم يحكم له بالإسلام بفعله؛ كالصوم 3672 - قلنا: يبطل بترك الشهادتين؛ لأنه لا يصير به كافرا وإن صار مسلما بفعله، وإنما يصير كافرا بجحوده للشهادتين، وكذلك متى جحد الصلاة كان كافرا، فلا فرق بينهما. ثم المعنى في الصوم أنه لا يخص بالإسلام؛ ألا ترى أن الكفار يصومون كما نصوم، وقد يوافق صومهم رمضان [فلم يجز أن يستدل به على الإسلام] وهو غير مختص. 3673 - ولا يقال: إن الصوم بنية من الليل يختص بشرعنا؛ لأن النية لا نعلمها، وقولهم فيها غير مقبول. 3674 - قالوا: فريضة لا تستدام مع الحدث، فوجب أن لا يحكم بإسلامه بها، كالطهارة. 3675 - قلنا: الوصف غير مسلم؛ لأن الصلاة تستدام مع الحدث فيمن سبقه الحدث، والمستحاضة ومن لا يجد ماء ولا ترابا عندهم. والمعنى في الطهارة أنها لا تختص بشرعنا؛ لأن غسل الأعضاء قد يتفق في جميع الناس للنظافة. ولأنها من توابع العبادات، والشيء إنما يستدل عليه بالمقصود من فروعه دون التبع.

مسألة 206 إن افتتح الصلاة وحده، ثم اتبع الإمام لم يجز إلا أن يستأنف التكبير

مسألة 206 إن افتتح الصلاة وحده، ثم اتبع الإمام لم يجز إلا أن يستأنف التكبير 3676 - قال أصحابنا: إن افتتح الصلاة وحده ثم اتبع الإمام لم يجز إلا أن يستأنف التكبير. 3677 - وقال الشافعي: يجوز من [غير] تكبير. واختلف أصحابه؛ فمنهم من قال: يجوز ذلك ما لم يركع، فإن ركع لم يجز، ومنهم من قال: يجوز بعد الركوع. 3678 - لنا: قوله - عليه السلام -: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا على أثمتكم"، وقال: "فإذا كبر فكبروا"، وهذا ينفي تقديم التكبير. ولأنه ركن سبق به الإمام فلم يعتد له به من غير عذر، كما لو ركع قبل ركوعه. 3679 - ولا يلزم إذا أحدث الإمام فاستخلف مسبوقا أنه يصير إماما له وقد سبقه بأركان؛ لان هناك عذرا في الاستخلاف. ولأنه تقدم على الإمام

بالتكبير، فصار كما لو كانا في المسجد فسبقه بالتكبير. 3680 - ولا يزم المسبوق؛ لأنا سوينا بين من لم يكن في المسجد إمامه و [من] هو في المسجد، وهما مستويان عندنا في المسبوق. ولأن صلاة الجماعة والانفراد مختلفان؛ بدلالة أن إحداهما يتحمل فيها القراءة والأخرى لا يتحمل، ويأتي المنفرد بالفاتحة والسورة ويجهر، ويتحمل سجود السهو عن المؤتم ويسقط حكم سهوه. والصلاتان المختلفتان لا يخرج من إحداهما إل الأخرى بمجرد نيته، كالظهر والجمعة، والظهر والعصر. 3681 - احتجوا: بما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استخلف أبا بكر [- رضي الله عنه -] [في الصلاة] ثم خرج فأم أبا بكر وهو قاعد، وأم أبو بكر الناس وهو قائم، فخرج أبو بكر من الإمامة وصار مأموما. 3682 - والجواب: أن أبا بكر [- رضي الله عنه -] انتقل من حال الإمامة إلى [حال] الائتمام بعذر، وهو أنه لم يجز أن يتقدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا غير ممتنع عندنا، كما لو سبق الإمام الحدث. والخلاف في الانتقال من الانفراد إلى الجماعة بغير عذر، وهذا ليس في الخبر. 3683 - قالوا: روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كبر، ثم أومأ إلى أصحابه [ومضى]،

فاغتسل وعاد وكبر، ولم ينقل أنهم كبروا. فقد سبقوه بالتكبير ثم اقتدوا به. 3684 - قلنا: لم ينقل أنهم كبروا ابتداء. ولم يقل لم يدل/؛ لأنه روي أنه أشار إليهم أن اقعدوا، وهذا يدل على أنهم في غير الصلاة. 3685 - قالوا: صلاة انعقدت فرادى فإذا صارت جماعة وجب أن تصح، أصله: إذا افتتح وحده فجاء رجل ودخل معه. 3686 - قلنا: حال الإمام لم يتغير؛ لأنه كالمنفرد؛ ألا ترى أنه لا يتحمل عنه القراءة ولا السهو، فإذا لم يتغير حاله جاز، وفي مسألتنا بتغير حال المصلي إلى فرض مخالف لفرضه، فلذلك لم يجز. ولأن هناك تصير الصلاة جماعة من طريق الحكم، وهذا غير ممتنع عندنا، وإنما نمنع أن يصير كذلك بفعله. 3687 - قالوا: للصلاة أول وآخر، ثم ثبت أنه يصح أولها جماعة وآخرها فرادى في المسبوق، فكذلك يصح أن يكون أولها فرادى وآخرها جماعة، والمعنى فيه أنه صلاة تصح أن تكون فرادى وآخرها جماعة. 3688 - قلنا: المسبوق إنما تصير صلاته فرادى من طريق الحكم، [وهذا غير ممتنع عندنا، ومن كان أول الصلاة فرادى [يمكن] أن يصير آخرها جماعة من طريق الحكم] بأن يتابع المنفرد غيره، والخلاف في الانتقال من إحدى الحالتين إلى الأخرى بفعله، وذلك غير جائز في الوجهين عندنا. ***

مسألة 207 لا تصح إمامة الصبي

مسألة 207 لا تصح إمامة الصبي 3689 - قال أصحابنا: لا تصح إمامة الصبي. 3690 - وقال الشافعي: إذا بلغ حدا يعقل ويميز صح أن يكون إماما في النفل والفرض. 3691 - وكان أبو بكر الرازي يقول: لا تنعقد صلاته. والصحيح أن يقال: إن صلاته تنعقد، وتكون أنقص من النفل. 3692 - لنا: أن الصبي لم يوجد منه اعتقاد الإيمان؛ كالكافر. ولأنه لا يعتد به في عدد المؤتمين في الجمعة، فلا يجوز أن يكون إماما، كالصبي الذي لا عقل [له] أو المرأة. 3693 - ولأنه إن كان الفرض لا يوجد [منه] فلم تجز إمامته، كالكافر.

ولأنه [لا يصليها] واجبة، فلم يكن للمفترض الاقتداء به، كمن يصلي الكسوف. وهذه مبنية على أصلنا: أن المفترض لا يجوز أن يقتدي بالمتنفل. وأكثر أحوال الصبي أن يكون في حكم المتنفل. 3694 - احتجوا: بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "مروا صبيانكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع". فدل على أن صلاته صحيحة، وإلا لكان لا يؤمر بها ولا يضرب على تركها. 3695 - والجواب: أن الأمر إنما حصل ليألف الصبي العبادة ويعتادها، وهذا فيه فائدة، فيجوز أن يؤمر به وضرب على تركه، كتأديبه. ومتى ثبت لصحة الفعل وجه جاز الأمر به. 3696 - ولا يقال: إن الأمر يقتضي فعلا شرعيا؛ لأن جواز التزام الصبي هذه المشقة إنما يعلم بالشرع. 3697 - قالوا: روى أنس بن مالك قال: صليت أن ويتيم في بيتنا خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمي خلفنا: أم سليم. 3698 - والجواب: أنه يؤمر بالصلاة ليعتادها على الوجه المأمور به، فيؤمر بالمقام المسنون ليعتاد ذلك كما يعتاد سائر السنن. 3699 - قالوا: روي عن عائشة [رضي الله عنها] أنها قالت: كنا نأخذ الصبيان من

الكتاب يصلون بنا في رمضان. 3700 - قلنا: هذا إخبار؛ [لأنه] لا يمكن المتابعة مع عدم الإمام وإمكان الإقتداء به. 3701 - قالوا: استفاد بالجماعة الفضيلة، فإذا خرج منها وجب أن يذهب ما استفاد. 3702 - قلنا: المرأة بالإسلام لم تستفد حقن الدم، فإذا ارتدت زال حقن دمها عندكم، وهذا أكثر مما استفادت بالإسلام! ***

مسألة 208 يكره للنساء أن يصلين جماعة

مسألة 208 يكره للنساء أن يصلين جماعة 3703 - قال أصحابنا: يكره للنساء أن يصلين جماعة. 3704 - وقال الشافعي: يستحب. 3705 - لنا: أن الجماعة لو كانت تستحب للنساء كما تستحب للرجال لبين [ذلك]- عليه السلام - وحث عليه، ولو فعل لنقل من طريق الاستفاضة. ولأنه لا يسن لهم الأذان، وكل صلاة راتبة لا أذان لها لا يستحب فعلها في جماعة، كالنوافل. 3706 - ولأنه لا يمكن الإتيان بسنن الجماعة؛ بدلالة أنها لا تقف موقف الإمام، ولا تجهر بالتكبير والقراءة. وإذا لم يمكن استيفاء سننها لم يستحب فعلها. ولأنه لو استحب لهن الجماعة كره تركها، كالرجال. ولأنه يكره لهن فعل الجماعة في المساجد، فيكره في غير المساجد، كالوتر في [غير] رمضان.

3707 - احتجوا: بما روي عن أم ورقة بنت نوفل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما عزا بدرا قالت له: ائذن لي في الخروج معك أمرض مرضاكم، لعل الله يرزقني شهادة، فقال: "قري في بيتك، فإن الله تعالى يرزقك الشهادة"، فكانت تسمى شهيدة، فاستأذنت رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] أن تتخذ في بيتها مؤذنا. وروي: فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزورها في بيتها وجعل لها مؤذنا يؤذن لها، وأمرها أن تؤم بأهل دارها. 3708 - والجواب: أن هذا كان في ابتداء الإسلام، وقد كن النساء يحضرن الجماعات. فإذا لم يكره لها حضور المساجد لم يكره لهن الجماعة، ولهذا جعل لها مؤذنا. 3709 - ولا خلاف أن الأذان لا يثبت في حقهن. 3710 - [قالوا: روى عطاء عن عائشة أنها صلت بنسوة العصر، فقامت وسطهن. وأمت أم سلمة نساء فقامت وسطا. 3711 - والجواب: أن هذا يدل على الجواز، والخلاف في الكراهة. ويجوز أن يكن فعلن ذلك على طريق التعليم]. 3712 - قالوا: صلاة تفعل جماعة وفرادى، فكان فعلها في الجماعة أفضل، أصله: الرجال. 3713 - قلنا: يبطل بالتراويح؛ لأنه ذكر في المزني أن فعلها منفردا أفضل. ولان المعنى في صلاة الرجال أن الفضيلة لما تعلقت بفعلها تعلقت الكراهة بتركها، ولما لم تتعلق الكراهة بترك النساء لم تتعلق الفضيلة بفعلهن. ولأن الرجال لما

أمكنهم استيفاء سنة الجماعة استحبت لهم، فوزان صلاة النساء، [ما] قال أصحابنا: إن المرأة يكره لهم فعل الجماعة؛ لأن الإمام لا يتقدم وقف وسطهم. ***

مسألة 209 إذا قال المؤذن: حي على الفلاح والإمام في المسجد، قام الإمام والناس، فإذا قال: قد قامت الصلاة كبر

مسألة 209 إذا قال المؤذن: حي على الفلاح والإمام في المسجد، قام الإمام والناس، فإذا قال: قد قامت الصلاة كبر 3714 - قال أبو حنيفة: إذا قال المؤذن: حي على الفلاح، والإمام في المسجد، قام الإمام والناس، فإذا قال: قد قامت الصلاة، كبر. 3715 - وقال الشافعي: لا يقوم إلا بعد الفراغ من الإقامة. 3716 - لنا: ما روي عن بلال أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: مهما سبقتني بفاتحة الكتاب فلا تسبقني بآمين. وقد كان بلال يؤذن على باب المسجد وكان المسجد صغيرا، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يرتل القراءة، فلو كان لا يكبر إلا بعد الفراغ من الإقامة لم يجز أن يسبق بفاتحة الكتاب، فدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكبر في حال الإقامة. 3717 - ولأن المؤذن إذا سبق في جنس أذكار الإقامة جاز للإمام أن يكبر، كما لو فرغ منها، ولأن قوله: قد قامت الصلاة، حقيقة وجود فعلها، وما أمكن حمل خبره على الحقيقة كان أولى.

3718 - احتجوا: بما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول". فالظاهر أنهم يقولون مثل جميع قوله. 3719 - والجواب: أن هذا يقتضي أن يقول مثل قوله في الأذان، وخلافنا في الإقامة. 3720 - قالوا: روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أقامها الله وأدامها". 3721 - والجواب: أنه يحتمل أن تكون الصفوف لم تستو، وعندنا إذا لم تستو الصفوف أخر التكبير. 3722 - قالوا: روى أبو سهيل بن مالك عن أبيه قال: قدمت على عثمان بن عفان وأنا غلام وقد أقيمت الصلاة، فقلت: إلى متى في الدواب؟ فقيل له: قد استوت الصفوف، فكبر. 3723 - والجواب: أنه يحتمل أن يكون كبر فظن أنه لم يكبر، ويحتمل أن تكون الصفوف لم تستو. ***

مسألة 210 لا تدخل المرأة في صلاة الإمام إلا أن ينوي إمامة النساء

مسألة 210 لا تدخل المرأة في صلاة الإمام إلا أن ينوي إمامة النساء 3724 - قال أصحابنا- إلا زفر-: لا تدخل المرأة في صلاة الإمام إلا أن ينوي إمامه النساء. 3725 - وقال الشافعي: تدخل بغير نية. 3726 - لنا: أن الإمام يلزمه فرض بمشاركتها عقيب المشاركة، وهو التقدم عليها وتأخرها إن تقدمت، فلم يجز أن يحصل المشاركة منه إلا بالنية، أصله: المؤتم إذا دخل في صلاة الإمام لما لزمه فرض عقيب الدخول لم يصح مشاركته إلا بالنية. 3727 - فإن نازعونا في الوصف دللنا عليه بقوله - عليه السلام -: "أخروهن من حيث أخرهن الله عز وجل". ولا يلزم على هذا دخول الإمام مع المؤتم في الجمعة أنه لا يفتقر إلى نية الإمام كان يلزمه فرضها؛ لأنه يجب عليه نية الجمعة، وذلك نية للاجتماع. ولا يلزم القارئ إذا دخل في صلاة الأمي؛ لأن على قول أبي حازم لا يصح دخوله؛ لأن الإمام يفسد

صلاته، وعلى قول أبي الحسن لا يلزمه فرض عقيب الدخول، وإنما يلزمه فرضان في حال القراءة. ولأن الإمام والمؤتم يشتركان في الصلاة فإذن جاز أن يشترط نية الإمام. 3728 - احتجوا: بأن من صح ائتمامه إذا نوى إمامته صح وإن لم ينو، كالرجل. 3729 - والجواب: أن الرجل لا يلزم الإمام فرضا بائتمامه؛ فلذلك لا يحتاج إلى النية، والمرأة تلزم الإمام بالمشاركة فرضا. ولأن الإمام يلحقه فساد من جهتها، وهو أن تتقدم فتحاذيه، فلم يصح أن يلزمه حكم الفساد إلا بنيته، وليس كذلك الرجل؛ لأنه لا يلحق الإمام الفساد من جهته في هذه الصلاة التي شاركه فيها. 3730 - قالوا: قال الشافعي: لو نوى إمامة عشرة صح أن يدخل غيرهم وإن لم ينو. 3731 - قلنا: إذا نوى إمامة عشرة من النساء لم يختلف الحكم فيما زاد عليهم؛ لأنه التزم الفرض الذي هو التقدم وحصل بحيث يلحقه الفساد من جهة مؤتمه، فلا يعتبر منه الأعداد والأشخاص. * * *

مسألة 211 أقل مدة السفر ثلاثة أيام ولياليها بسير الإبل ومشي الأقدام

مسألة 211 أقل مدة السفر ثلاثة أيام ولياليها بسير الإبل ومشي الأقدام 3732 - قال أصحابنا: أقل مدة السفر ثلاثة أيام ولياليها بسير الإبل ومشي الأقدام. 3733 - وقال الشافعي: يقصر فيما كان مسيرة ليلتين قاصرتين، وذلك ستة وأربعون ميلا بالهاشمي. 3734 - وقال في القديم: يقصر فيما جاوز الأربعين ميلا. 3735 - وقال أصحاب المذهب: إن السفر الطويل أربع برد، كل برد: أربع فراسخ، كل فرسخ: ثلاثة أميال. 3736 - لنا: قوله - عليه السلام -: (يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليها والمقيم يوما وليلة). وهذا بيان لرخص المسافرين، ومن حكم البيان أن يستغرق. فلو كان

السفر يثبت فيما دون ذلك كان الخبر بيانا لبعض المسافرين، وهذا لا يصح. ولأن الألف واللام للجنس، فظاهر هذا يقتضي أن جميع المسافرين يكون يمسح ثلاثة أيام. 3737 - ولا يقال: إن من سافر يومين يمكنه أن يستوفي المسح بأن يقطع المسافة في ثلاثة أيام؛ لأن إطلاق السفر يقتضي السير المعتاد، وهو بيان المسافة التي [يتكرر لها] سير معتاد لم يمكنه استيفاء الرخصة فيها. 3738 - ويدل عليه ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر ثلاثة أيام إلا مع محرم أو زوج). ولو كان ما دون الثلاث سفرا لم يكن لتخصيص الثلاثة معنى. 3739 - قالوا: روى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تسافر المرأة يوما إلا مع ذي محرم). 3740 - والجواب: أن هذا لا يعارض خبرنا؛ لأنا نجمع بينهما فنقول: لا تسافر يوما قاصدة مسيرة ثلاثة أيام إلا مع محرم، فنكون قد [علقنا بكل واحد] منهما فائدة. ومتى جعل اليوم مدة السفر بطل تعلق الحكم بالثلاثة وتخصيصه بها. ولأنها مدة لا يمكن استيفاء رخصة مسح المسافر فيها، فلا تكون مدة لأقل السفر، كما دون اليوم. 3741 - [ولا يقال: إنا نعتبر المسافة دون المدة؛ لأن قولنا: مدة] يعني أن

مدة سير هذه المسافة في العادة لا يمكن استيفاء المسح فيها. ولأن كل مسافة لو قطعها في معصية لم يترخص برخص السفر، وكذلك في الطاعة، كالمرحلة الواحدة. 3742 - ولأنها مسافة يجوز للمرأة الخروج إليها للحج من غير محرم أو زوج، فلا تكون مدة لأقل السفر، كالمرحلة. 3743 - ولأن ما يقدر به مدة الخيار لا يقدر به أدنى [مدة] السفر كاليوم، الواحد. ولأنه معنى يؤثر في الصلاة والصوم، فلا يقدر أقله بليلتين، كالحيض. ولأن الحيض يشبه السفر؛ بدلالة أن السفر يسقط الركعتين من الصلاة إلى غير بدل ويسقط الصوم إلى بدل، كما يسقط الحيض الصلاة إلى غير بدل والصوم إلى يدل. ولأن كل حالة لا يجب فيها القصر وجب فيها الإتمام، كالمسافة اليسيرة. 3744 - احتجوا: بقوله تعالى: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة}، قالوا: والضارب هو السائر والماشي، فظاهره يقتضي جواز القصر لكل سائر إلا ما خصه دليل. 3745 - والجواب: أن إطلاق الضرب في الأرض يتناول السفر الطويل؛ ألا ترى أنه يقال لمن سافر أياما: هذا ضارب في الأرض. ومن حكم اللفظ أن يحمل على إطلاقه. ولأن المذكور في الآية القصر في صفة الصلاة الذي من شرطه الخوف؛ بدلالة أن قصر الركعات لا يقف على الخوف، وقصر الأفعال يقف عليه،

فلم يكن في الآية دليل. 3746 - ولا يقال: [روي] أن يعلى بن أمية قال لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: ما لنا نقصر الصلاة وقد أمنا، فدل على أنه فهم من الآية قصر الركعات الذي يثبت من غير خوف؛ لأنه يجوز أن يكون سأل عمر عن قصر الأفعال على الراحلة من غير خوف، فلا يدل على ما قالوه. 3747 - قالوا: روى مجاهد وعطاء بن أبي رباح عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (يا أهل مكة، لا تقصروا في أدنى من أربعة [برد، من] مكة إلى عسفان)، فدل على جواز القصر في الأربعة. 3748 - والجواب: أن هذا الخبر ذكره الدارقطني، ورواه عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن عطاء بن أبي رباح، قال الدارقطني: عبد الوهاب بن مجاهد ليس بالقوي، ولم يرفعه غيره، وقال: والمحفوظ أنه عن ابن عباس. وقال البستي: عبد الوهاب ابن مجاهد كان يروي عن أبيه ولم يره ويجيب في كل ما يسأل عنه وإن لم يحفظ، [فاستحق الترك]، وكان الثوري يرميه بالكذب، وقال يحيى بن معين:

ليس بشيء، وقال أحمد: هو ضعيف جدا. ورواه عن عبد الوهاب بن مجاهد إسماعيل بن عياش، وقد أجمعوا على ضعفه فيما يرويه عن الشاميين، وعبد الوهاب منكر. ثم الخبر لا دلالة فه؛ لأنه يدل على أنه لا يقصر فيما دون هذه المسافة، وحكمها موقوف على الدليل. 3749 - [قالوا: مسافة تجمع مراحل فجاز القصر فيها، كالثلاث. 3750 - قلنا: اعتبار المراحل لا معنى له]؛ لأن الأحكام المؤثرة في العبادات إنما تقدرت في الشريعة بالأزمان دون الأماكن؛ بدلالة الحيض والإغماء على أصلنا، والنفاس. ولأن أصلهم: إن كان ثلاثة مراحل فهو غير مسلم؛ لأنا عندنا إذا كانت تقطع في أقل من ثلاثة أيام سيرا معتادا لم يقصر فيها، وإن كان على أصلهم ثلاثة أيام فقد لا تجمع المراحل بأن يكون طريقا صعبا على جبل أو عقبة، ولا يمكن أن يسلك في ثلاثة أيام إلا مرحلة واحدة مراحل تستوفى في ثلاثة أيام. 3751 - قلنا: المعنى فيها أنها مسافة جمعت مراحل، وليس كذلك في الفرع؛ لأنها دون المراحل، فصارت كمرحلة واحدة. 3752 - قالوا: القصر إنما جاز في السفر لأجل المشقة، وذلك يوجد في المرحلتين؛ لأن العادة أن الإنسان يغيب عن داره يوما معتادا، فإذا زاد ذلك شق عليه. 3753 - قلنا: فعلى هذا يجب أن يقدر بأقل من مرحلتين، وهذا خلاف قولكم. ولأن العادة أن المشقة تحصل بتكرار السفر والانتقال، وذلك لا يكون إلا في الثلاثة.

3754 - قالوا: معنى له تأثير في إسقاط الصلاة، فوجب أن يقصر أقله عن الثلاث، كالجنون والإغماء والنفاس. 3755 - قلنا: هذه المواضع لم يجعل لأقلها قدر حتى يقع الكلام فيه، وقد جعل لأقل السفر قدر، فلم يصح أن يوجد حكم المقدر في التقدير عن غير المقدور. ونقلب هذه العلة فنقول: ولا نقدر أقله بليلتين، كأقل النفاس والجنون. * * *

مسألة 212 فرض المسافر ركعتان

مسألة 212 فرض المسافر ركعتان 3756 - قال أصحابنا: فرض المسافر ركعتان. 3757 - وقال الشافعي: هو مخير: إن شاء صلى صلاة السفر فكانت رخصة، وإن شاء صلى صلاة الإقامة. 3758 - لنا: ما رواه مسروق عن عائشة قالت: أول ما فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة صلى إلى كل صلاة مثلها غير المغرب- فإنها وتر النهار- وصلاة الصبح أقرها، وكان إذا سافر عاد إلى صلاته الأولى). وهذا ينفي أن تكون رخصة، وروي أنها قالت: فزيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر على ما كانت عليه.

3759 - وروى مجاهد عن ابن عباس قال: فرض الله تعالى على لسان نبيكم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين. 3760 - ولا يقال: هذا يدل على أن فرض السفر ركعتان ولا ينفي الزيادة، وعندنا أنه إذا صلى أربعا فلم يصل فرض السفر؛ وذلك لأن الخبر يقتضي كون الركعتين فرضا، وعندهم أنه رخصة، وهذا يدل على أنه لا يجوز الزيادة عليه؛ لأن الفرائض المعدودة لا يجوز الزيادة عليها. 3761 - وروى عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عمر قال: صلاة الأضحى ركعتان، والجمعة ركعتان، وصلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم. وعن ابن عمر أنه قال: صلاة السفر ركعتان، من خالف السنة كفر. وهذا نص من جهة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لولا ذلك لم يذكر الوعيد. ويدل عليه ما روي أن فتى سأل عمران بن الحصين عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السفر، فقال: إن هذا الفتى سألني عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السفر، فاحفظوها علي: ما سافر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سفرا إلا صلى ركعتين حتى يرجع، فإنه أقام بمكة زمن الفتح ثمان عشرة يصلي ركعتين ثم يقول: (يا أهل مكة، قوموا فصلوا ركعتين أخريين فإنا

قوم سفر)، ثم غزا حنين والطائف فصلى ركعتين ركعتين، ثم رجع إلى الجعرانة فاعتمر منها في ذي القعدة فصلى ركعتين، ثم غزوت مع أبي بكر واعتمرت مع عمر فصلى ركعتين، [ومع عثمان صدرا من إمارته فصلى ركعتين]، ثم إن عثمان صلى [بعد ذلك] أربعا بمنى، فلو كان يخير في حال السفر لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - كل واحد من الأمرين. 3762 - ولأنه قال: (أتموا فإنا قوم سفر) ولم يقل فإنا لا نريد الإتمام. ويدل عليه إجماع الصحابة، وهو ما روي أن عثمان - رضي الله عنه - صلى بمنى أربعا فأنكروا عليه، وقالوا: صلينا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر ركعتين ركعتين. 3763 - وروي عن الزهري أنه قال: إنما أتم عثمان لأنه كان نوى الإقامة بمكة بعد الحج وعنه أنه قال: إنما أتم لأنه قال: إنما يقصر من حمل الزاد والمزاد ورحل وارتحل. ولم ينقل أن عثمان قال: إنما أتممت لأني لم أنو القصر، أو: إني مخير بين الأمرين.

764 - ولا يجوز أن يقال: كيف يظن بعثمان أنه يصلي أربعا والفرض ركعتان لئلا يظن الناس أن الفصل ركعتان؛ وذلك لأنه يجوز أن يكون لما خاف ذلك نوى الإقامة ليجوز له فعل الأربعة على طريق البيان. 3465 - ولا يقال: روي أن ابن مسعود أنكر عليه، ثم قام فصلى بهم أربعا، فقيل له في ذلك؛ فقال: الخلاف شر؛ وذلك لأن ابن مسعود من جملة الجند، فحمل أمر عثمان على أنه نوى الإقامة بمكة كما قال الزهري، فصار مقيما بإقامة إمامه، وهذا معنى قوله: الخلاف شر، أي: لا يجوز مخالفة الإمام في النية. 3766 - ولا يقال: إنما أنكروا عليه ترك المستحب؛ لأن ترك الفضيلة لا يستحق به الإنكار. وروي أن سعد بن أبي وقاص والمسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن عبد يغوث كانوا في سفر فكان سعد يقصر ويفطر وكانا يتمان، فقيل لسعد: نراك تقصر الصلاة ويتمان، فقال سعد: نحن أعلم. وروي أن سلمان خرج في ثلاثة عشر من أصحا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان سلمان أسنهم، فحضرت الصلاة، فقالوا: تقدم، فقال: ما أنا بالذي أتقدم، أنتم العرب، ومنكم النبي، فليتقدم بعضكم، فتقدم بعض القوم، فصلى أربعا، فلما قضى الصلاة قال سلمان: ما لنا وما للمربعة، إنما يكفينا نصفها، قال الطحاوي: ولا يجوز أن يعترض على

الإجماع بفعل هذا الإمام، ولا بما روي عن مسور وعبد الرحمن؛ لأن من روى عنه الإنكار يدل قوله على أن الإتمام لا يجوز، ومن روى عنه الإتمام بفعله يحتمل إما أن يكون يعتقد أن القصر لا يجوز إلا في سفره القربة، وقد حكي ذلك عن ابن مسعود، أو يعتقد أن المسافة لا يقصر في مثلها، أو يعتقد أن المسافر إذا دخل بلدا أتم، كما روي عن عثمان أنه قال: إنما يقصر من رحل وارتحل. ولا يعترض على ذلك بما روي أن عائشة كانت تتم في السفر؛ لأنه روي عنها أنها قالت: أنا أم المؤمنين فأين حللت فهو داري. ولأنه عدد من الركعات يجوز له تركه منفردا فلم يكن واجبا، كعدد النفل. 3767 - ولا يلزم العبد والمرأة إذا حضرا؛ لأنه لا يجوز لهم ترك عدد الظهر مع الانفراد. ولأنه عدد يجوز أن يقتصر عليه المنفرد، كصلاة الفجر. 3768 - ولا يقال: المعنى في صلاة الفجر أنه لا يتغير عددها بنية الإقامة [ولا بالاقتداء] بالمقيم، وليس كذلك في مسألتنا؛ لأن عددها لما جاز أن يتغير بالنية والاقتداء [لم يكن أصل فرضه؛ لأن معارضة الأصل تبطل على أصلنا بالجمعة؛ لأنها لا تتعين بالاقتداء] وليست أصل الفرض عندهم. ولأن من لا يخير في صلاة الفجر لم يخير في عدد الظهر، كالمقيم. 3769 - ولأنها إحدى حالتي المصلي، فلم يخير فيها بين أعداد الركعات، كحال الإقامة ولا نقلب العلة؛ لأنهم إن قالوا: فجاز أن يصلي أربعا، قلنا بموجبه إذا

اقتدى بمقيم، فإن قالوا: فوجب أن يصلي أربعا، انتقض بالصبي. 3770 - ولأن ما يكره الزيادة عليه من الأعداد لا يكون الزيادة عليه فرضا، كالفجر والجمعة. ولأنها صلاة شفع فجاز أن يجب إسقاط فرضها بركعتين، كالظهر في يوم الجمعة والفجر. 3771 - احتجوا: بقوله تعالى: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة}، ورفع الجناح في الشيء يدل على إباحته، لا على وجوبه. 3772 - والجواب: أن هذه الآية لا تتضمن صلاة السفر، إنما تتضمن صلاة الخوف، والقصر إنما عني به القصر في أفعالها بالإيماء وترك بعض الشرائط، الدليل على ذلك أنه شرط فيه الخوف، وفعل الركعتين لا يشترط فيه الخوف. 3773 - ولا يقال إنه شرط فيه الضرب في الأرض، وصلاة الخوف لا يشترط فيها السفر؛ لأن الغالب أن الخوف يكون مع السفر، فخرج الكلام على الغالب. 3774 - ولا يقال: إن يعلى بن أمية قال لعمر بن الخطاب: ذكر الله تعالى القصر في الخوف فأين القصر في غير الخوف، فقال: عجبت ما عجبت منه فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته). ففهما جميعا أن المراد بالآية السفر؛ وذلك أن يعلى بن أمية يجوز أن يكون اشتبه عليه فعل الصلاة على الراحلة نفلا في غير حالة الخوف فسأل عمر عن ذلك وقال: لم يجوز في غير الخلاف؟. ويجوز أنه اعتقد أن القصر في الصفات إذا وقف على

شرط الخوف فقصر الركعات مثله، فبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهما يختلفان. 3775 - وقد روي أن أمية بن خالد قال لابن عمر: إنا نجد صلاة الخوف وصلاة الحضر في القرآن، فأين صلاة السفر؟ فقال ابن عمر: إنا نفعل كما رأينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل، فهذا يدل على أنهما لم يفهما من الآية صلاة السفر، فعارض ذلك ما رووه. 3776 - قالوا: روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعمر: (صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته)، وقبول الصدقة في الشرع ليس بواجب، وإنما المتصدق عليه بالخيار. 3777 - قلنا: (فاقبلوا صدقته) أمر، والأمر يقتضي الوجوب، وقولهم: إن قبول الصدقة ليس بواجب، ليس بصحيح؛ لأنه لا يمتنع أن لا يجب عليه قبول الصدقة من الآدمي؛ لأن طاعتهم لا تجب، ويجب عليه قبول صدقة الله تعالى؛ لأن طاعته واجبة. ولأن الصدقة إنما يجب قبولها إذا كان فيها تمليك للمتصدق عليه، فإن لم يكن فيها تمليك وجبت ولم يحتج إلى القبول، كالعفو عن دم العمد والعتق والبراءة من مال الكتابة. 3778 - قالوا: روت عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السفر يصوم ويفطر ويتم ويقصر.

3779 - [والجواب: أن هذا الخبر لا يصح، وقد أنكره أحمد وغيره]. وقد روى جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة صبيحة يوم الرابع من ذي الحجة وخرج إلى منى يوم التروية وكان يقصر الصلاة، فهذه إقامة أكثر من أربعة أيام. 3780 - ولا يقال: يجوز أن يكون لم ينو الإقامة؛ لأن من دخل مكة للحج فلابد أن ينوي الإقامة حتى يقضي حجه. 3781 - وروى أبو حنيفة عن عمر بن ذر عن مجاهد عن ابن عباس وابن عمر أنهم قالوا: إذا دخلت بلدة وأنت مسافر وفي نيتك أن تقيم بها خمسة عشر يوما فأكمل الصلاة، وإن كنت لا تدري متى تخرج صلى ركعتين، والمقادير لا تعلم إلا من جهة التوقيف، فكأنهما رويا ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. 3782 - قالوا: روي عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: ثلاثة عشر يوما، وروى عن علي وابن عباس - رضي الله عنهم -: عشرة أيام. وعن عثمان - رضي الله عنه - من أربعا صلى أربعا.

3783 - قلنا: نحمل أقوالهم على التوقيف، فكأنها أخبار رويت، فالزائد منها أولى. ولأنه معنى يؤثر في الصلاة والصوم، فلا يقدر أقله بأربعة أيام، كالطهر. ولأن ما لا يجعل مدة للفصل بين الحيضتين لا يكون مدة للإقامة، أصله: ما دون أربعة أيام. ولا معنى لقولهم: إن الطهر عندنا قد يكون أربعة أيام؛ لأن الحامل تحيض وتطهر [من حيضتها] وتلد بعد أربعة أيام، فيكون الأربعة طهرا صحيحا، وكذلك إذا طهرت بعد النفاس أربعة أيام ثم رأت الدم كان حيضا؛ لأنهم لا يقدرون ذلك بأربعة أيام، ولو كان يوما واحدا كان طهرا عندهم. ولأنها مدة يتكرر فيها رخصة مسح المسافر، كما دون الأربعة. ولأنها مدة يجوز الحيض فيها فلم يتقدر بها الإقامة، كما دون الأربعة. 3784 - احتجوا: بما روي أن عمر بن عبد العزيز سأل جلساءه: ماذا سمعتم في مقام المهاجر بمكة؟ فقال السائب بن يزيد: حدثني العلاء بن الحضرمي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (يمكث المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثا)، فحرم عليهم المقام بمكة، وقدر لهم ثلاثة أيام، فلو كانت المدة خمسة عشر لم يقدر لهم الثلاثة؛ لأنه أراد التخفيف عليهم، فكان زيادة المدة أخف. 3785 - والجواب: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - منعهم من المقام لئلا يتذكروا ديارهم فيتركوا

المدينة، لا المعنى يعود إلى الإقامة والسفر؛ ألا ترى أنه لو أراد ذلك لقدر بأربعة أيام؛ لأن يوم الخروج عندهم لا يعتد به. وفائدة تقديره بالثلاث أنه علم أن حاجتهم في التأهب للسفر يكتفى فيها بهذا القدر، فلم يزد عليه. 3786 - قالوا: روي أن عمر - رضي الله عنه - أجلى أهل الذمة من الحجاز ثم ضرب لمن دخل منهم تاجرا مقام ثلاثة أيام. ولو كانت الخمسة عشر هي المدة لما حد الثلاث. 3787 - والجواب: أنه يجوز أن يكون فعل ذلك لأن هذه المدة أدنى المدد التي يتمكن فيها من التصرف، وما زاد عليها يحتج إليه فقدرها تضييقا عليهم؛ ألا ترى أنه لم يقدر ذلك بأربعة وإن لم تكن مدة للإقامة عندهم. 3788 - قالوا: قال الله تعالى: {ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب}، ثم قال: {تمتعوا في داركم ثلاثة أيام}، فدل ذلك على أن الثلاث قريب. 3789 - ولا يدل على أن الأربع ليس بقريب. ويجوز أن يكون كل واحد منهما قريبا وإن كان أحدهما أقرب. 3790 - قالوا: كل مدة زادت على مدة المسح في السفر وجب أن تقطع القصر، كمدة خمسة عشر يوما. 3791 - قلنا: هذا يبطل بمن نوى أربعة أيام مع يوم الخروج، ومن نوى ثلاثة أيام وبعض اليوم الرابع. ولأن هذا إثبات مدة بقياس، والمقادير لا تثبت قياسا، والمعنى في

الخمسة عشر أنها يجوز أن تفصل بين دمي الحيض، وليس كذلك ما دونها؛ لأنه لا يفصل بين دمي الحيض، فلم يكن مدة للإقامة. 3792 - قالوا: المدة التي تغير الفرض إلى القصر ابتداء لا تقدر بخمسة عشر. وكذلك المدة التي تغير الفرض إلى الانتهاء لا تقدر بخمسة عشر. 3793 - قلنا: اعتبار إحدى المدتين يتقدر بيومين، والأخرى بستة، وكذلك على قولنا لا يمتنع أن يختلفا. 3794 - قالوا: الإتمام إنما يوجب بطول المقام، والثلاث في حد القليل، ولذلك قدر بها مدة الخيار، فوجب أن يعتبر ما زاد عليها. 3795 - قلنا: الثلاث وإن كانت في حكم القليل في حكم فقد جعلت في حكم الكثير في حكم آخر؛ بدلالة أنها أقصى مدة الخيار وأكثر مدة المسح، فدل على أن ما جعل قليلا في حكم لا يكون كذلك في كل حكم. * * *

مسألة 213 إذا أقام المسافر في بلد ولم ينو الإقامة صلى ركعتين

مسألة 213 إذا أقام المسافر في بلد ولم ينو الإقامة صلى ركعتين 3796 - قال أصحابنا: إذا أقام المسافر في بلد ولم ينو الإقامة صلى ركعتين. 3797 - وقال الشافعي: إذا أقام سبعة عشر يوما أتم وإن لم ينو الإقامة. وقال المروزي: له قول آخر، إنه إذا أقام أكثر من أربعة أيام أتم، وقال: في المحارب إذا أقام أكثر من سبعة عشر قولان. 3798 - لنا: ما روي عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقام بمكة زمن الفتح سبعة عشر يوما يصلي ركعتين، وروي أنه أقام بتبوك عشرين ليلة يقصر الصلاة.

3799 - ولا يجوز أن يقال: روي أنه أقام سبعة عشر؛ لأن الزائد من الخبرين أولى. 3800 - ولا يقال: إن الشافعي قال: إذا أقام أكثر مما أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - بتبوك أتم، فإن ثبت أنه أقام عشرين يوما قلنا بذلك؛ لأن الشافعي قدره بسبعة عشر، وجعل العلة فيه مقامه - عليه السلام - بتبوك، والخطأ في العلة لا يتغير بها مذهبه، وفيه إجماع السلف. 3801 - وروي أن أنسا أقام بنيسابور سنة وشهرين يصلي ركعتين، وعن سعد بن أبي وقاص أنه أقام بقرية من قرى الشام يقال لها: عمان أو عوان فكان يصلي ركعتين. وأقام أنس بالشام مع عبد الملك بن مروان شهرين يصلون صلاة المسافر. وروي أن ابن عمر أقام بأذربيجان أشهرا، فكان يصلي ركعتين. وأقام مروان بالسلسلة سنتين وقصر. وروى إبراهيم عن علقمة أنه أقام بخوارزم

سنتين يقصر. 3802 - ولأنه لم ينو الإقامة، ولا دخل في صلاة مقيم فلم ينقطع حكم سفره بفعله، كما إذا أقام أقل من أربعة. 3803 - ولأن المقيم للحرب لا تتعلق إقامته باختياره؛ لأنه إن هزم انصرف، فلم تعتبر إقامته، كالعبد مع مولاه. 3804 - ولأن كل حكم لا يتعلق بإقامة خمسة عشر يوما لا يتعلق بإقامة ما زاد عليها، أصله: وجوب الأضحية. 3805 - وقد قال الطحاوي: إن قول الشافعي أنه يصير مقيما بإقامة أربعة أيام خلاف الإجماع؛ لأنه لم ينقل ذلك عن أحد تقدمه. 3806 - احتجوا: بقوله تعالى: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة}، فعلق القصر بالضرب، وهذا ليس بضارب. 3807 - والجواب: أنا قد بينا أن المراد بالآية قصر الصفات، لا قصر الركعات. 3808 - قالوا: إذا كان محاربا فقد نوى الإقامة أربعة أيام، فلم يجز له القصر، كالتاجر. 3809 - قلنا: لا نسلم هذا؛ لأن التاجر إذا نوى أربعة أيام لم يصر مقيما. 3810 - فإن قالوا: يصير مقيما، فكذلك المحارب.

3811 - فالجواب: إن] نوى إقامة خمسة عشر يوما، فالمعنى في التاجر أن إقامته في دار الحرب متعلقة باختياره، فصار كنية الإقامة في دار الإسلام، والمحارب إقامته لا تتعلق اختياره، فصار كالعبد مع مولاه. * * *

مسألة 214 يجوز للمسافر أن يصلي ركعتين وإن لم ينو القصر

مسألة 214 يجوز للمسافر أن يصلي ركعتين وإن لم ينو القصر 3812 - قال أصحابنا: يجوز للمسافر أن يصلي ركعتين وإن لم ينو القصر. 3813 - وقال الشافعي: لا يجوز إلا أن ينوي القصر مع نية الصلاة. 3814 - وهذا فرع على أصلنا: أن الركعتين أصل الفرض وليس رخصة، وفعل الفرض لا يفتقر إلى نية عدده، كصلاة الفجر. 3815 - ولأن الرخصة تارة تكون في نقصان العدد، وتارة في نقصان الأفعال. ومعلوم أن صلاة المومئ والقاعد تجوز من غير نية الإيماء، فكذلك الرخصة في الأعداد تجوز من غير نية الرخصة. ولأنه مؤدي للفرض فلا يحتاج مع نية صلاة معينة إلى نية أخرى، كالظهر والجمعة. 3816 - احتجوا: بأن الأصل الإتمام، والقصر رخصة، فإذا أطلق النية لزمه الأربع فلم يجز فعل الركعتين. 3817 - وهذا غير مسلم؛ لأن الفرض عندنا في هذه الحالة لا يخير فيه، فإذا أطلق النية لم يلزم بها إلا ركعتان.

مسألة 215 إذا سافر في آخر الوقت جاز له أن يصلي صلاة المسافر

مسألة 215 إذا سافر في آخر الوقت جاز له أن يصلي صلاة المسافر 3818 - قال أصحابنا: إذا سافر في آخر الوقت جاز له أن يصلي صلاة المسافر. 3819 - وقال الشافعي: إن كان بقي من الوقت ما يصلي فيه أقل من أربع ركعات لزمه الإتمام. 3820 - وهذا فرع على أصلنا: أن الوجوب يتعلق بآخر الوقت مقدار التحريمة، فمتى حصل وقت الوجوب وهو مسافر جاز له أن يصلي صلاة المسافر، كما قبله. ولأنه وقت لو أقام فيه المسافر لم يجز له أن يقصر، فإذا سافر فيه المقيم جاز له القصر، كما لو بقي مقدار أربع ركعات. ولأنه سافر مع بقاء شيء من الوقت، فأشبه إذا سافر في وسط الوقت. 3821 - والمخالف بنى على أصله: أن الوجوب يتعلق بأول الوقت ويتضيق إذا بقي من الوقت مقدار أربع ركعات، وإذا استقر الفرض لم يتغير بعد ذلك، وهذا أصل نخالفه فيه. * * *

مسألة 216 إذا فاتت الصلاة في حال السفر قضاها في الحضر صلاة السفر

مسألة 216 إذا فاتت الصلاة في حال السفر قضاها في الحضر صلاة السفر 3822 - قال أصحابنا: إذا فاتت الصلاة في حال السفر قضاها في الحضر صلاة السفر. 3823 - وقال الشافعي: يلزمه الإتمام. 3824 - وهذا فرع على أصلنا: أن فعل الركعتين نفس الفرض، وليس برخصة، فإذا فات الوقت استقر الفرض بفواته فلم يتغير عل حاله، وقد قال - عليه السلام -: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها). وهذه إشارة إلى الفائتة بصفتها. ولأن كل عدد جاز الاقتصار عليه في حال السفر لم يزد بالإقامة بعد الوقت، كصلاة الفجر. ولا يلزم المسافر إذا حضر الجمعة؛ لأن العدد عندنا [لا يتغير] [بالإقامة]. إنما يتغير بفواتها مع الإمام. ولأن السفر والإقامة كل واحد منهما يطرأ على الآخر، ومعلوم أن ما فات في حال الحضر إذا قضاه في السفر لم يتغير، كذلك ما فات في حال السفر إذا قضاه في [حال] الحضر لم يتغير.

3825 - وحكى ابن المنذر في الاختلاف إجماع الأمة في المقيم إذا سافر بعد الوقت أنه لا يقصر. 3826 - احتجوا: بقوله تعالى: {وإذا ضربتم في الأرض}، وهذا غير ضارب. 3827 - وقد بينا أن صلاة السفر غير مرادة [بالآية]. 3828 - قالوا: لأنه مقيم، فلم يكن له القصر، كمن ترك صلاة الحضر في الحضر وتذكرها فيه. 3829 - قلنا: هناك لم يجز إسقاط فرضها حال وجوبها بركعتين ابتداء فلم يجز عند القضاء، ولما جاز في مسألتنا إسقاط الفرض ابتداء بالركعتين جاز عند القضاء. 3830 - قالوا: صلاة ردت إلى ركعتين فوجب أن يكون من شرطها الوقت. 3831 - قلنا: يبطل بمن فاتته صلاة في السفر فقضاها في السفر. 3832 - قالوا: القصر إنما يجوز بالمشقة، وقد زالت. 3833 - قلنا: لا نسلم، بل المفعول أصل الفرض، فأما أن يتعلق بالمشقة فلا. * * *

مسألة 217 إذا صلى المسافرون خلف المسافر وأحدث الإمام فاستخلف مقيما لم يجز للمؤتم الإتمام

مسألة 217 إذا صلى المسافرون خلف المسافر وأحدث الإمام فاستخلف مقيما لم يجز للمؤتم الإتمام 3834 - قال أصحابنا: إذا صلى المسافرون خلف المسافر وأحدث الإمام فاستخلف مقيما، لم يجز للمؤتم الإتمام. 3835 - وقال الشافعي: يلزمه. 3836 - وهذا مبني على أن [أصل] الفرض ركعتان. 3837 - وإنما يلزمه الإتمام بنية الإقامة، أو بالتزام تحريمة الإمام، وهذا المعنى لم يوجد. 3838 - ولأن الإمام الثاني قائم مقام الأول، ولولا ذلك كانت الصلاة مؤداة بإمامين، فصار الأول باقيا. 3839 - احتجوا: بأنه مؤتم بمقيم فأشبه إذا دخل معه في أول الصلاة.

3840 - قلنا: هناك التزم تحريمته فلزمه موجبها، وهنا لم يلتزم تحريمة الإمام الثاني فلم يلزمه موجبها. 3841 - قالوا: كل ما لزمه الإتمام أول الصلاة لزمه في أثنائها، كنية الإقامة. 3842 - قلنا: الذي يلزمه في ابتداء الصلاة التزامه تحريمة المقيم، وهذا المعنى لا يوجد حال البقاء. * * *

مسألة 218 تجوز الصلاة في السفينة قاعدا وإن قدر على القيام

مسألة 218 تجوز الصلاة في السفينة قاعدا وإن قدر على القيام 3843 - قال أبو حنيفة: تجوز الصلاة في السفينة قاعدا وإن قدر على القيام. 3844 - وقالا: لا يجوز إلا من عذر، وبه قال الشافعي. 3845 - لنا: قوله - عليه السلام -: (صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم)، ولم يفصل. 3846 - ولا يقال: إن التفصيل حصل بين الصلاتين، وعندنا من صلى قاعدا في السفينة فليس يصلي؛ وذلك أن من صلى الفرض قاعدا من غير عذر فقد أخل بشرط من شرائط الفرض ليس بشرط في النفل، فيكون صلاته نفلا، كمن ترك تعيين النية، أو صلى قبل الوقت، ويدل عليه ما رواه هشام وحماد عن أنس بن سرين أنه خرج مع أنس بن مالك فصلى بهم جماعة في السفينة جالسا على بساط وهم جلوس، صلى بهم ركعتين، فسلم، ثم قام فصلى ركعتين، وذلك في نهر معقل. وروى

جابر قال: كنا مع جنادة بن أبي أمية في البحر وكنا نصلي قعودا نتحرى القبلة في السفر. وهذا صحابيان إذا فعلا ما لا يستدرك من طريق القياس حمل على التوقيف، وإذا لم يعرف لهما مخالف وجب تقليدهما. ولا يقال: روي عن أبي سعيد أنه كان يصلي في السفينة قائما؛ لأن هذا ليس بخلاف إذا كان مخيرا بين الأمرين. 3847 - قالوا: هذه قصة في عين، فيحتمل أنه فعل ذلك لعذر أو لضيق الموضع. 3848 - قلنا: قد روي أنه صلى في الحال قائما، وروي أنه قال: لو شئنا لخرجنا إلى الحد. 3849 - ولا يقال: يجوز أن يكون نافلة؛ لأن النافلة لا تفعل في جماعة إلا في قيام رمضان. ولأنها صلاة جازت مع السير، فلم يكن من شرطها القيام، كصلاة الراكب. 3850 - ولا يقال: إن صلاة الراكب لما جاز فيها ترك الركوع والسجود جاز ترك القيام؛ لأن الراكب يعجز عن القيام والركوع والسجود، وراكب السفينة يشق عليه القيام ولا يشق عليه الركوع والسجود، فلذلك اختلفا. 3851 - ولأن راكب السفينة أجري مجرى راكب الدابة في جواز صلاته مع السير، ومجرى من على الأرض في مكان القيام، فأعطي الشبه بينهما في أن له ترك القيام، فلم يجز له ترك ما سواه. ولأن الغالب من القائم في السفينة خوف

الضرر بالقيام؛ لأن رأسه تدور، فتعلق الحكم بالغالب، ولم يعتد بالنادر، كمشقة السفر التي تعلق بها الرخص في حق من لا مشقة عليه. 3852 - ولأن القيام لو لزمه لكان إذا أتى به مع عدم الاستقرار لم يجز، كالراكب. 3853 - احتجوا: بحديث عمران بن الحصين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (صل قائما فإن لم تستطع فجالسا). 3854 - والجواب: أن الخبر يدل على وجوب القيام، وليس فيه تكرار؛ لأن الأمر لا يفيد ذلك. 3855 - قالوا: كل ركن لم يجز تركه في السفينة إذا كانت واقفة لم يجز إذا كانت سائرة، كالركوع والسجود. 3856 - والجواب: أن السفينة إذا وقفت لم يلحق المصلي قائما ضرر، فلم يسقط عنه القيام، وإذا كانت سائرة لحقه الضرر في الغالب فلم يلزمه القيام وإن لم يستقر، فأما الركوع والسجود فلا يلحقه فيهما ضرر بكل حال، فلم يسقط عنه. * * *

مسألة 219 إذا خرج الرجل إلى بلد له طريقان، أحدهما: لا يقصر فيه الصلاة والآخر: يقصر في الصلاة فسلك الأبعد، صلى ركعتين

مسألة 219 إذا خرج الرجل إلى بلد له طريقان، أحدهما: لا يقصر فيه الصلاة والآخر: يقصر في الصلاة فسلك الأبعد، صلى ركعتين 3857 - قال أصحابنا: إذا خرج الرجل إلى بلد له طريقان أحدهما: لا يقصر فيه الصلاة، والآخر: يقصر فيه الصلاة، فسلك الأبعد صلى ركعتين. 3858 - وقال الشافعي: إن سلك الأبعد لغرض قصر، وإن سلك لغير غرض إلا القصر لم يقصر، في أحد قوليه. 3859 - لنا: قوله - عليه السلام -: (صلاة المسافر ركعتان حتى يؤوب إلى أهله). ولأنه إذا طول لغير غرض لا يكون بأكثر ممن سافر ابتداء لغير غرض، فإذا جاز القصر في أحد الموضعين كذلك الآخر. ولأنه سفر صحيح فجاز أن يقصر فيه الصلاة، كما لو سلكه لغرض. 3860 - احتجوا: بأنه لما عدل عن الأقرب لغير غرض صار كمن خرج في الأقرب وجعل يعرج يمينا وشمالا حتى طال سفره. 3861 - والجواب: أنه إذا عرج يمينا وشمالا والمسافة لا تقصر في مثلها

الصلاة فلم يعتبر بفعله، وإنما تعتبر المعتاد فيها. وفي مسألتنا المسافة يقصر فيها الصلاة، فالغرض في قطعها غير معتبر، كالسفر لغير غرض. * * *

مسألة 220 إذا سافر الرجل لقصد المعصية- كمن خرج لقطع الطريق أو البغي على الإمام أو العبد يأبق من مولاه- جاز لهم الترخص برخص السفر

مسألة 220 إذا سافر الرجل لقصد المعصية- كمن خرج لقطع الطريق أو البغي على الإمام أو العبد يأبق من مولاه- جاز لهم الترخص برخص السفر 3862 - قال أصحابنا: إذا سافر الرجل لقصد المعصية- كمن خرج لقطع الطريق أو البغي على الإمام أو العبد يأبق من مولاه- جاز لهم الترخص برخص السفر. 3863 - وقال الشافعي: إذا أنشأ السفر للمعصية لم يترخص، وإن طرأ العصيان في حال السفر ففيه وجهان. وإن أقام [لمعصية هل يمسح مسح المقيم، فيه وجهان]. [وهل يمسح المسافر مقدار [مسح] المقيم، فيه وجهان]. 3864 - والكلام في هذه المسألة يقع في كل رخصة على حيالها: فأما جواز الاقتصار على ركعتين فلقوله - عليه السلام -: (صلاة المسافر ركعتان حتى يؤوب إلى أهله). ولأن كل عدد جاز الاقتصار عليه في حال السفر لم يختلف [حال] الطاعة والمعصية، كصلاة الفجر والجمعة، ولأن فعل الركعتين عندنا أصل الفرض وليس برخصة، فلم يؤثر فيه العصيان، كصلاة الإقامة.

3865 - ولأن الصلاة تفعل في حال الإقامة والسفر، فإذا لم تؤثر المعصية في فعل أحد الفرضين فكذلك الآخر. 3866 - وأما جواز مسح ثلاثة أيام فلقوله - عليه السلام -: (يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليها) ولم يفصل. ولأنه مسح أقيم مقام غسل فجاز استباحته في سفر المعصية، كما يجوز في سفر الطاعة، أصله: مسح الجبيرة والتيمم. ولأنه سافر سفرا صحيحا فجاز أن يستبيح مسح المسافر، كالطائع. 3867 - وأما جواز أكل الميتة عند الضرورة فلقوله تعالى: {إلا ما اضطررتم إليه}. وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن أكل الميتة فقال: (ما لم تصطحبوا أو تغتقبوا أو تحتفئوا بقلا بشأنكم بها). ولأنه يخشى التلف بترك الأكل، فصار كالطائع. ولأن ترك الأكل حتى يموت معصية، وإقامته على معصية لا يبيحه معصية أخرى، كسائر المعاصي، ولأن المعصية لا تبيح قتله، ولا يجوز له قتل نفسه، فما لا يبيح القتل أولى. 3868 - ولا يقال: إنا لا نأمره بقتل نفسه، لكنا نأمره بالتوبة ثم يأكل فيتوصل إلى إحياء نفسه؛ لأن ترك التوبة معصية ليس لها تعلق بالأكل، وقتل نفسه

معصية، ففعل إحداهما لا يجوز الأخرى. 3869 - ولأن هذا يؤدي إلى أن لا تباح الميتة للعاصي المقيم والكافر ما لم يقدم الإيمان. ولأن الميتة في حق المضطر كالطعام المباح [في حق القادر، ومعلوم أن العاصي لا يجوز له ترك المباح]، فكذلك لا يجوز له ترك الميتة عند العجز. ولأن أكل الميتة يقف على الضرورة وليس له تعلق بالسفر، فصار كسائر الرخص التي يستوفيهن المسافر والمقيم. 3870 - وأما الدليل على جواز الفطر في رمضان فلقوله تعالى: {[أو على سفر] فعدة من أيام أخر}، وقوله - عليه السلام -: (إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة والصوم). ولأنه سافر سفرا صحيحا فجاز له الفطر، كالطائع. ولأن السبب المبيح للفطر لا يختلف أن يكون بمعصية أو طاعة. كالمرض. 3871 - وأما الصلاة على الراحلة: فلقوله تعالى: {فإن خفتم فرجالا أو ركبانا} ولأن كل من جاز له [ترك] القيام إذا كان طائعا جاز وإن كان عاصيا، كالمريض. 3872 - احتجوا: بقوله تعالى: {فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم} وقوله تعالى: {فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه}،

قالوا: حظر الله تعالى الميتة، وأباحها بشرط، وهو ترك الإثم، ولا يجوز استباحتها مع فقد الشرط. 3873 - والجواب: أن قوله تعالى: {فمن اضطر في مخمصة} شرط لا يجوز أن يكون جوابه: {فإن الله غفور رحيم}، وكذلك قوله تعالى: {فمن اضطر غير باغ} فلا يجوز/ أن يكون جوابه {فلا إثم عليه}. فإن الضرورة لا تعود إلى فعله، فعلم أن [في] الآية جوابا محذوفا، فيصير تقدير الآية: فمن اضطر [في مخمصة فأكل غير متجانف لإثم، فيكون الإثم صفة للأكل. وعلى قولهم: فمن اضطر] غير متجانف فأكل، فيصر الإثم صفة له قبل أكله. وإذا احتمل إضمار الأمرين سقط التعلق به، وما لناه أولى؛ لأن الأكل عندنا لا يباح إلا بشرط ترك الإثم فيه، وعندهم قد يباح للآثم الأكل إذا لم يكن الإثم في سفره. ومن حمل اللفظ على العموم كان أولى. وهذا التقدير يتقدر في قوله تعالى: {فمن اضطر غير باغ ولا عاد}. ويجاب عنه أيضا بأن البغي لا يجوز حمله على البغي على الإمام؛ لأن هذه الآية نزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - فلابد أن تكون تلك الحال مرادة بها، والباغي على النبي - صلى الله عليه وسلم - كافر. ولأن الأكل قد جرى له ذكر، والسفر لم يجر له ذكر، فكان حمل البغي على الأكل المراد بالآية أولى. 3874 - ولا يجوز أن يقال: إنه حمل اللفظ على التكرار؛ لأنا نحمل البغي على من قصد الأكل ليشبع، والعدوان على من تعدى سد الرمق، فيكون كل واحد من اللفظين محمولا على فائدة أخرى. 3875 - قالوا: معنى لم يوجد أكثره له تأثير في إسقاط الصلاة، فوجب أن يتنوع نوعين: مؤثرا وغير مؤثر، كزوال العقل. 3876 - قلنا: هذا يبطل بالدخول في الجمعة؛ لأنها تؤثر في إسقاط ما زاد على

عدد الركعتين ولا يتنوع. وكذلك الكفر الأصلي يسقط الصلاة ولا يتنوع عندنا؛ لأن القليل منه لا يسقط، وهو من نوعه. 3877 - قالوا: معصية، فوجب أن يتعين بها فرض الصلاة، كالمسابقة في المعصية. 3878 - قلنا: المسابقة يتعين بها الفرض؛ لأنه يجوز أن يؤخر الصلاة لأجلها إذا كان يخاف على نفسه ترك القتال، ولأن المعصية في مسألتنا لا يتعين الفرض بها عندنا، وإنما يتعين بالمشقة التي تلحق السفر، وذلك ليس بمعصية. ولأن المسابقة في المعصية مأمور بتركها، فلا يجوز أن يتشاغل بها عن فعل الصلاة، والمسافر في المعصية غير مأمور بترك السفر، وإنما هو مأمور بترك المعصية. 3879 - قالوا: التخفيف بالسفر رخصة، فإذا أتاه عاصيا فيريد أن يستبيح بالمعصية الرخص، وهذا لا يصح. 3880 - قلنا: هذا يبطل بمن غصب خفا فلبسه ليمسح عليه؛ فإنه يتوصل بالعصية إلى الرخصة، ومع ذلك يجوز، وكذلك من كسر رجله ليصلي قاعدا. 3881 - قالوا: ترك القيام يتعلق بالعجز، وليس ذلك بمعصية. 3882 - قلنا: وجواز القصر يتعلق بالمشقة، وليس ذلك بمعصية، وإنما السفر سبب فيها، كما أن لبس الخف المغصوب سبب في الرخصة. * * *

مسألة 221 لا يجمع المسافر بين الصلاتين في وقت إحداهما

مسألة 221 لا يجمع المسافر بين الصلاتين في وقت إحداهما 3883 - قال أصحابنا: لا يجمع المسافر بين الصلاتين في وقت إحداهما. 3884 - وقال الشافعي: هو مخير: إن شاء صلى الظهر والعصر في وقت الظهر، وإن شاء صلاهما في وقت العصر، وكذلك المغرب والعشاء: إن شاء صلاهما في وقت المغرب، وإن شاء صلاهما في وقت العشاء. 3885 - لنا: ما روى أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (إن للصلاة أولا وآخرا، وإن أول وقت الظهر حين تزول الشمس، وآخر وقتها حين يدخل وقت العصر، وأول وقت العصر حين يدخل وقتها، وآخر وقتها حين تصفر الشمس).

3886 - وروى أبو قتادة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (ليس في النوم تفريط، إنما التفريط أن يؤخر الصلاة إلى وقت أخرى). وروى عبد الله بن مسعود قال: ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة لغير ميقاتها [إلا صلاة بجمع وصلاة بالمزدلفة، وصلاة الصبح من الغد قبل ميقاتها]. وقد كان ابن مسعود يصحب النبي - صلى الله عليه وسلم - في السفر والحضر، فلو كان يجمع بين الصلاتين لم يخف عليه. ومن أصحابنا من حكي عن مسند الحسن بن سفيان حديثا عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من جمع بين صلاتين من غير عذر فقد أتى بابا من أبواب الكبائر)، وذكره الدارقطني أيضا. ولأن كل صلاتين لا يجمع بينهما في الحضر من غير مطر لم يجمع بينهما في السفر، كصلاة الفجر والظهر. 3887 - ولأنهما صلاتان لا يجوز للعاصي في سفره أن يجمع بينهما، فلم يجز لغير العاصي، كالعشاء والفجر. ولأنها صلاة مؤقتة، فلم يجز تقديمها على وقتها

الموضوع لها لأجل السفر، كالظهر. ولأنها عبادة تختص بوقت فلم يجز تقديمها على وقتها لأجل السفر، كصلاة رمضان. 3888 - ولأن السفر عذر واحد، فلم يجز أن يؤثر في الصلاة من وجهين، كالمرض والخوف، بيان ذلك أن السفر متى أثر في أعداد الركعات لم يؤثر في أوقاتها، [كالمرض] المؤثر في صفات الأركان لا يؤثر في الأعداد، وكذلك الخوف المؤثر في الصفات لا يؤثر في الأعداد. ولأن وقت العصر يفسق بتأخير الظهر إليه من غير سفر ولا مطر، فلم يجز له التأخير إليه لأجل السفر، كوقت المغرب. 3889 - ولا يقال: المعنى في سائر الصلوات أنه لا يجمع بينهما بحق النسك، فكذلك بحكم السفر، ولما جاز الجمع بين الظهر والعصر بحق النسك جاز الجمع بينهما بحق السفر، وذلك أن الجمع عندهم ليس بحق النسك، وإنما هو لأجل السفر، ولذلك لا يجوز للمقيم عندهم. 3890 - فلم يصح هذا التعليل على هذا القول، وعلى القول الآخر لا يصح؛ لأن النسك لما كان عذرا في الجمع كان مؤثرا من وجه واحد، فلم يؤثر في الأعداد، فعلى هذا إذا أثر السفر في الأعداد لم يؤثر في الجمع. 3891 - قالوا: الفجر والظهر لا يتصل وقتهما، فلذلك لا يجمع بينهما، والظهر والعصر يتصل وقتهما، فلذلك جمع بينهما. 3892 - قلنا: صلاة العشاء والفجر يتصل وقتهما، فلا يجمع بينهما عندكم. 3893 - احتجوا: بما رواه كريب عن ابن عباس أنه قال: ألا أخبركم بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السفر، كان إذا زالت الشمس وهو في منزله جمع بين الظهر والعصر في الزوال، فإذا سافر قبل الزوال أخر الظهر حتى يجمع بينها وبين العصر في وقت العصر.

3894 - والجواب: أن هذا الخبر رواه الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن كريب عن ابن عباس، قال البستي: الحسين بن عبد الله يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل. وقال يحيى بن معين: هو ضعيف. فلا يجوز الاحتجاج بمثل هذا الخبر في إسقاط الوقت الذي ثبت من طريق الاستفاضة، لاسيما ابن مسعود أكثر صحبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأضبط من ابن عباس لأفعال النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو يقول: ما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة لغير ميقاتها. ثم قوله: جمع بينهما في الزوال، متروك الظاهر؛ لأن فعل الصلاة في الزوال لا يجوز، فكان في الخبر إضمار، فإن أضمروا؛ يجمع بينهما فيما يلي الزوال. 3895 - وأما قوله: أخر الظهر حتى يجمع بينها وبين العصر لوقت العصر، معناه: أخر الظهر إلى آخر وقتها وفعل العصر أول وقتها، فيكون جامعا بينهما في وقت العصر؛ [ألا ترى أن الجمع يقع بفعل الثانية، فإذا كان ذلك في وقت العصر] أضيف الجمع إليه وإن لم يفعل فيه إلا إحدى الصلاتين. 3896 - ولا يقال: إن الجمع عندكم لا يكون إلا على وجه واحد، والخبر يقتضي جمعا على صفتين. 3897 - قلنا: المراد بالخبر عندنا الجمع بين الصلاتين في نزول واحد. فالجمع

الأول: يصلي الظهر في وقت الزوال والعصر في أول وقتها، والثاني: يصلي الظهر في آخر وقت الظهر والعصر في أول وقتها. 3898 - قالوا: روى ابن شهاب عن أنس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما، وإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب. 3899 - قلنا: لا دلالة فيه؛ لأن قوله: أخر الظهر إلى وقت العصر، يقتضي أن جميع وقت العصر غاية لفعل الظهر، وذلك لا يكون إلا والظهر مفعولة في آخر وقتها. 3900 - قالوا: روي الجمع بين الصلاتين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب، وابن عمر، وأبو موسى، ويعد بن أبي وقاص، وعائشة وغيرهم. 3901 - قلنا: الجمع الذي رووه يحتمل لما قاله أصحابنا من تأخير الظهر إلى آخر وقتها وتعجيل العصر في أول وقتها. وقد روي ذلك مفسرا في أخبارنا: فذكر الطحاوي عن العطاف بن خالد المخزومي عن نافع قال: أقبلنا مع ابن عمر، حتى إذا كنا في بعض الطريق استصرخ على زوجته صفية بنت أبي عبيد، فراح مسرعا حتى غابت الشمس، فنودي بالصلاة، فلم ينزل حتى أمسى، فظننا أنه قد

نسى، فقلت: الصلاة، فسكت، حتى إذا كاد الشفق أن يغيب نزل فصلى المغرب، ثم غاب الشفق فصلى العشاء وقال: هكذا نفعل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جد به السير. 3902 - وقالت عائشة: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السفر يؤخر المغرب حتى كاد يظلم ثم يصلي المغرب ويقدم العشاء. وعن علي أنه كان في السفر يؤخر/ المغرب حتى كاد يظلم، ثم يصلي المغرب، ثم يدعو بعشائه فيتعشى ثم يصلي ويقول: كذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجمع في السفر بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء، يؤخر المغرب حتى يكون آخر الوقت، ويعجل الآخرة منهما حتى تكون في أول الوقت. فإذا روي عنهم الجمع على هذا الوجه وجب حمل الأخبار عليه. 3903 - ولا يقال: قد روي أنه كان يجمع بينهما في وقت العصر، وهذا خلاف قولكم. 3904 - قلنا: قد بينا أنه إذا فعل كل واحدة في وقتها فالجمع يقع بالثانية، وهي مفعولة في وقت العصر، فحقيقة الجمع إنما وقع حينئذ. 3905 - قالوا: روى ابن عباس: ألا أخبركم عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السفر. والجمع الذي يقولونه لا يختص بالسفر. 3906 - قلنا: هذا الجمع يكره عندنا في غير حال السفر، فهو مختص به. 3907 - قالوا: الجمع على ضريين: مقارنة ومتابعة. فالمقارنة أن يوجدا

معا، وهذا غير مراد، والمتابعة أن يكون أحدهما بعد الآخر، ولا يجوز عندكم حتى يمضي وقت الأولى. 3908 - قلنا: يجوز عندنا؛ لأنه إذا صادف الفراغ من الأولى انقضى وقتها وفعل الثانية بعدها بلا فصل. على أنا قد بينا الجمع من وجه ثالث، وهو الجمع في نزول واحد، وهذا يسقط ما قالوه. 3909 - قالوا: وكل من كان له القصر جاز له الجمع، كالحاج. 3910 - قلنا: الحاج إن أردتم به المسافر فالأصل هو الفرع عندكم، وإن أردتم به المكي فالوصف لا يوجد في الأصل؛ لأنه لا يجوز له القصر، والمعنى فيه أن النسك لما أثر في الوقت [لم يؤثر] في العدد، ولما أثر السفر في العدد لم يؤثر في الوقت. ولأن المسافر لا يجوز اعتباره بالناسك؛ لأنهم قالوا: يستحب للمسافر أن يصلي كل صلاة في وقتها ليخرج من الخلاف، ويستحب للناسك أن يجمع، فإذا جاز أن يختلفا عندهم في المستحبات جاز أن يختلفا عندنا في الجواز. 3911 - قالوا: أفعال الصلاة آكد من وقتها؛ لأن الوقت يراد للفعل، فإذا أثر السفر في نقصان الأفعال فبأن يؤثر في تعيين الوقت أولى. 3912 - قلنا: يبطل بالمرض والخوف: أن كل واحد منهما أثر في أفعال الصلاة ولم يؤثر في وقتها. 3913 - قالوا: وقت أضيق من وقت الصلاة، فإذا كان للسفر تأثير في وقت الصوم فبأن يؤثر في وقت الصلاة أولى. 3914 - قلنا: الصوم دليلنا، لأن السفر ليس له تأثير في تقديمه على وقته، فكذلك لا يؤثر في تقدير الصلاة على وقتها. ولأن السفر لما أثر في وقت الصوم كان تأثيره من وجه واحد، فإذا أثر في الصلاة من وجه لم يؤثر من وجه آخر. * * *

مسألة 222 لا يجوز للمقيم الجمع بين الصلاتين

مسألة 222 لا يجوز للمقيم الجمع بين الصلاتين 3915 - قال أصحابنا: لا يجوز للمقيم الجمع بين الصلاتين. 3916 - وقال الشافعي: يجمع بينهما في المطر. 3917 - لنا: ما قدمناه في المسألة الأولى، ولأنها صلاة مؤقتة فلا يؤثر في تقديمها على وقتها الموضوع لها المطر، كالفجر والظهر. ولأن المطر لا يؤثر في صفات الصلاة فلا يؤثر في أوقاتها، كالريح والبرد. 3918 - احتجوا: بحديث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع بين الظهر والعصر في الحضر في المصر. 3919 - والجواب: يحتمل أن يكون جمع بينهما في خروج واحد إلى المسجد فأخر إحدى الصلاتين وقدم الأخر. 3920 - قالوا: روى ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع بين المغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر.

3921 - قلنا: قد روي أنه قال: جمع بينهما من غير مطر ولا سفر. فيحتمل أن يكون ذلك قبل استقرار المواقيت. 3922 - كما روي أن جبريل صلى بالنبي - صلى الله عليه وسلم - الظهر في اليوم الثاني لوقت العصر بالأمس. 3923 - قالوا: صلاتان جاز للناسك أن يأتي بهما على صفة فجاز في المطر، أصله: إذا صلاهما في وقتهما. 3924 - قلنا: المعنى فيه أنه صلاهما على وجه يجوز في [غير] حال العذر، فجاز في حال المطر، وليس كذلك في مسألتنا؛ لأنه صلاهما في وقت لا يجوز من غير عذر فلم يجز في حال المطر. * * *

مسألة 223 لا تجب الجمعة على من كان في غير المصر

مسألة 223 لا تجب الجمعة على من كان في غير المصر 3925 - قال أصحابنا: لا تجب الجمعة على من كان في غير المصر وربضه. 3926 - وقال الشافعي: إذا كانوا أربعين على مسافة يبلغهم النداء من آخر البلد من الجانب الذي بينهما، إذا كان المؤذن صيتا والأصوات هادئة والريح ساكنة، فإنه يجب عليهم دخول المصر لإقامة الجمعة. 3927 - لنا: أن الجمعة لو وجبت على من يقارب الأمصار لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - من يقارب المدينة بالحضور، وكذلك الأئمة، ولو فعلوا ذلك لنقل

من طريق الاستفاضة ولاستفاض، فلما لم ينقل دل على أنها لا تجب عليهم. 3928 - ولا يقال: [قد] روي في حديث عبد الله بن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأهل العوالي ولذي الحليفة: (اشهدوا الجمعة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)؛ لأن هذا الخبر لا يعرف، ولم يذكره إلا الساجي، والمنقول أنهما كانوا يحضرون، وفعلهم لا يدل على الوجوب، ولو كان ثابتا لنقل نقلا ظاهرا. ولأن كل قوم لا يجب عليهم إقامة الجمعة في موضعهم لا يجب عليهم [المصير] إلى المصر لإقامتها، أصله: أهل البوادي. 3929 - ولأن كل من كان في موضع لا يسمع فيه النداء لم يجب عليه حضور المصر للجمعة [لم تجب] وإن كان في موضع يسمع النداء، أصله: المريض، والقرية إذا كان فيها أربعين. ولأن كل بقعة إذا خرج إليها المسافر جاز له القصر لم يجب على أهلها دخول المصر للجمعة، كما بعد. ولأنه ذكر يتقدم على الجمعة فلا يعتبر سماعه في وجوبها، كالخطبة. ولأنه منفصل عن المصر وتوابعه فلم يجب عليه حضور المصر للجمعة، كأهل البوادي. 3930 - احتجوا: بقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله}. 3931 - والجواب: إن في الآية إضمارا بالاتفاق، أضمر مخالفنا فيها أن يكون في المصر أو في موضع يسمع النداء، وأضمرنا فيها كونه في المصر، فكان إضمارا أولى؛ لأنه متفق عليه. 3932 - قالوا: روى أبو الزبير عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من كان يؤمن بالله

واليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة إلا مريض، أو مسافر، أو صبي، أو مملوك). 3933 - والجواب: أن الخبر فيه إضمار، فعند مخالفنا الجمعة واجبة على كل مسلم كان بحيث يسمع النداء. وعندنا المضمر فيها كل مسلم كان في المصر، فتساوينا. 3934 - احتجوا: بما روى عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الجمعة على كل من سمع النداء). 3935 - والجواب: أن هذا ذكره أبو داود عن قبيصة عن سفيان عن محمد بن سعيد الطائفي عن أبي سلمة بن نبيه عن عبد الله بن هارون عن عبد الله بن عمرو. [قالوا أبو داود: رواه جماعة عن سفيان مقصورا على عبد الله بن عمرو]، ولم

يرفعوه، وإنما أسنده قبيصة، وقد قال أصحاب الحديث: إن قبيصة ليس بثبت عن سفيان فيما لا يخالف فيه، فكيف فيما يخالفه فيه المشاهير. وأبو سلمة بن نبيه وعبد الله بن هارون لا يعرفان. ولأن النداء لا يعبر به عن الأذان، وإنما يراد به إشعار الناس بالصلاة، وهذا في العادة لا يبلغ إلى خارج المصر. ولأن الخبر متروك الظاهر؛ لأن عندهم لا يعتبر السماع دائما، وإنما يعتبر كونه بحيث يسمع. وعندنا المعتبر المصر، وإذا اتفقوا على سقوط الشرط سقط التعلق به. 3936 - احتجوا: بالحديث الذي قدمناه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأهل العوالي وذي الحليفة: (اشهدوا الجمعة)، وقد بينا أنه خبر لا يعرف، ولو ثبت احتمل أن يكون أمرهم بحضور جمعة بعينها لغرض في حضورهم لتعليم شرع، أو أمر بخروج إلى موضع. ويجوز أن يكون حضروا المصر في يوم الجمعة فأمرهم أن يشهدوا لأنها وجبت بحضورهم. 3937 - قالوا: روي عن الصحابة - رضي الله عنهم - قولان: فقال عبد الله بن عمرو مثل قولنا، وقال ابن عمر وأنس وأبو هريرة على من يأتي بالليل إلى وطنه. وهذا إجماع منهم على وجوبها على من كان خارج المصر. فمن قال: لا يجب، فقد أحدث قولا ثالثا. 3938 - قلنا: روي عن حذيفة أنه قال: ليس على أهل القرى جمعة، وإنما الجمعة

على أهل الأمصار من المدائن. 3939 - قالوا: صحيح لو كان في المصر لزمته الجمعة، فكذلك إذا كان على مسافة يسمع النداء، أصله: إذا كان في البلد. 3940 - قلنا: اعتبار سماع النداء في المصر غير معتبر؛ لأنه لا يجب على من كان في نواحي المصر وإن كان لا يسمع النداء. ولأن من كان في المصر فهو في موضع يصلح لإقامة السلطان غالبا، فلذلك كان ممن يخاطب بالجمعة، وليس كذلك من خارج المصر؛ لأنه في مكان لا يصلح لإقامة السلطان غالبا. 3941 - قالوا: النداء إشعار الجماعة، وقد جعل في الشرع علما على حضورها؛ بدلالة: ما روي أن عتبان بن مالك قال: يا رسول الله، [إني ضرير شاسع الدار ولي قائد لا يلائمني، فهل تجد لي من رخصة في ترك الجماعة. 3942 - قال: [تسمع النداء؟] فقال: نعم، فقال: (لا أجد لك رخصة). 3943 - قلنا: هذا سأل عن ترك الجماعة. وعندنا لا يجوز تركها بكل حال، وإنما الكلام في صلاة مخصوصة في وقت مخصوص، وليس في الخبر ما يدل على ذلك. * * *

مسألة 224 لا يجوز إقامة الجمعة في القرى

مسألة 224 لا يجوز إقامة الجمعة في القرى 3944 - قال أصحابنا: لا يجوز إقامة الجمعة في القرى. 3945 - وقال الشافعي: إذا كانت قرية مجتمعة المنازل لا يظعن أهلها عنها شتاء ولا صيفا إلا ظعن حاجة وكان أهلها أربعين رجلا وجبت عليهم الجمعة وصح فعلها فيها. 3946 - والدليل على ما قلناه: ما روى سعيد بن المسيب عن علي [- رضي الله عنه -] أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا جمعة ولا تشريق ولا فطر ولا أضحي إلا في مصر جامع)، وروى سراقة بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله. 3947 - ولا يقال: إنه موقوف على علي؛ لأنه روي مرفوعا وموقوفا، ذكره محمد في الجامع. وذكره أبو يوسف في الأصل مسندا مرفوعا.

3948 - ولا يقال: رواه شعبة عن سعيد بن المسيب ولم يقله؛ لأن المراسيل مقبولة عندنا. 3949 - وقد روي ذلك عن علي وعن حذيفة أنه قال: ليس على أهل القرى جمعة، وإنما الجمعة على أهل الأمصار من المدائن. وتخصيص العبادات بمكان دون مكان لا يعلم إلا من طريق التوقيف. ولأنها لو وجبت على أهل القرى كوجوبها على أهل الأمصار لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك والأئمة بعده، ولو فعلوا ذلك لنقل من طريق الاستفاضة، فلما لم ينقل دل على أنه لا يصح فعلها. ولأنه ليس بمكان لإقامة الحدود غالبا، فأشبه المفاوز. 3950 - ولأن كل بقعة لو نقص أهلها عن أربعين لم تصح إقامة الجمعة فيها لم يصح وإن تم العدد، كالبوادي. 3951 - ولأنه ليس بمكان لإقامة السلطان [غالبا]، فصار كمياه العرب. ولأن كل عبادة لا تجب على أهل موضع تفرقت منازلهم لم تجب وإن اجتمعت، كصلاة العيد. 3952 - احتجوا: بقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله}. 3953 - والجواب: أن الذكر المراد به خطبة الجمعة، وما يفعل في السواد فليس بخطبة للجمعة، وكذلك النداء المذكور إنما هو نداء الجمعة، وذلك لا يوجد في السواد عندنا. 3954 - قالوا: روي عن جابر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -[أنه] قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة إلا مريض أو مسافر، أو امرأة أو صبي أو مملوك). 3955 - والجواب: أن المكان مضمر بالاتفاق، فنحن نضمر: إذا كان في مصر، وهو يضمرون: إذا كان في وطن بالصفات التي قدمناها، وليس أحد الإضمارين أولى من الآخر. 3956 - قالوا: روى ابن عباس أن أول [جمعة] جمعت في الإسلام بعد

جمعة جمعت في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدنية جمعت جمعة بجواثا: قرية من قرى البحرين. 3957 - والجواب: أنه لم ينقل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم بذلك فأقر عليه، فلا يثبت بفعل من فعلها حجة. 3958 - ولأنها بلدة كبيرة معروفة بالبحرين، وتسميتها قرية لا يمنع أن تكون بلدا، كتسمية مكة قرية: قال الله تعالى: {وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك}. 3959 - وقول الشافعي: دخلتها وهي قرية، لا يمنع أن تكون نقضت عما كانت عليه، أو تكون قرية فيها أسواق قريبة وسلطان وجامع. 3960 - قالوا: روي عن كعب بن مالك أنه قال: أول من جمع بنا أسعد بن زرارة في [هزم النبيت] من حرة بني بياضة في نقيع يقال له: نقيع الخضمات. 3961 - والجواب: أن الحرة من توابع المصر، [وتوابع المصر] تقام فيها

الجمعة عندنا. 3962 - وقولهم: إن ابن حنبل قال: بين هذا المكان وبين المدينة ميل، لا يؤثر، [لأن] عندنا يجوز أن يقام في مصلى المدينة وإن كان بينهما أكثر من ميل. 3963 - قالوا: روى عبد الله بن بدر قال: كان طلق بن علي يجمع بنا بقرن: قرية من اليمن، وذكر [أن] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره بذلك. 3964 - والجواب: أنه لم يروه إلا الساجي، وهو ضعيف فيما يرويه عند أهل النقل، ولم يذكر الإسناد فينظر فيه، ويحتمل أن تكون بلدة سماها قرية على ما قدمنا. 3965 - قالوا: أبنية مجتمعة يستوطنها عدد ينعقد بهم الجمعة، فصح منهم إقامة الجمعة، كأهل المصر. 3966 - والجواب: أنا نقول بموجبها؛ لأن أهل هذه البقعة يصح منهم الجمعة في المصر عندنا. والمعنى في المصر أنه موضع لإقامة السلطان غالبا، وهذا الذي يفعل الجمعة. ولما كان السواد ليس بموضع لإقامتها لم يجز فعلها فيه. 3967 - قالوا: إقامة صلاة فوجب أن لا يكون من شرطها المصر، كسائر الصلوات. 3968 - قلنا: اعتبار هذه الصلاة كسائر الصلوات في مكان إقامتها فاسد؛ بدلالة اختصاصها بمكان باتفاق، وإن كانت سائر الصلوات لا تختص. ولأنا نقول: فوجب أن يستوي إقامتها في [السواد] والبوادي، كسائر الصلوات. ولأن سائر الصلوات يصح فعلها فرادى فصحت في السواد، ولما كانت الجماعة من شرط هذه الصلاة بكل حال اختصت بالمصر. * * *

مسألة 225 تصح إقامة الجمعة بثلاثة سوى الإمام

مسألة 225 تصح إقامة الجمعة بثلاثة سوى الإمام 3969 - قال أبو حنيفة يصح إقامة الجمعة بثلاثة سوى الإمام. 3970 - وقال الشافعي: لا ينعقد بأقل من أربعين. 3971 - لنا: قوله تعالى: {فاسعوا إلى ذكر الله}، وهذا خطاب بلفظ الجمع، فيتناول الثلاثة، فدل على أن الجمعة تنعقد بهم إذا كان هناك من يذكر. 3972 - ولا يقال: إن هذا خطاب لجميع المسلمين فلا يختص بالثلاث؛ لأن الخطاب إذا أنصرف إلى الجمع يتناول أحادهم، فإذا كان بلفظ الجمع يتناول كل جمع على الانفراد. 3973 - ويدل عليه حديث جابر قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يخطب يوم الجمعة إذ قدمت عير تحمل الطعام، فانبعثوا إليها، فانفضوا [إليها] وتركوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[قائما] ليس معه إلا اثنا عشر رجلا، منهم: أبو بكر وعمر، فأنزل الله تعالى [على النبي - صلى الله عليه وسلم -]: {وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما}،

ولم ينقل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك صلاة الجمعة منذ دخل المدينة، فدل على أنه صلى بهم. 3974 - ولا يقال: لم ينقل في الخبر الصلاة؛ لأن من أصحابنا من نقل ذلك. ولو لم ينقل كان الاستدلال من الطريق الذي ذكرناه. 3975 - ولا يقال: يجوز أن يكون رجع منهم تمام الأربعين؛ لأن الأصل عدم الرجوع. 3976 - ولا يقال: قد روي في هذا الحديث أنهم تركوا رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] ليس معه إلا أربعين رجلا؛ لأن هذا الخبر رواه حصين عن سالم بن أبي الجعد عن جابر، فروى أصحاب حصين كلهم عنه ما ذكرناه: هشيم وغيره، وإنما انفرد بهذا عن حصين علي بن عاصم. هكذا ذكره الدارقطني [ولم يبين حال علي بن عاصم] على عادته في إغفال الطعن على من يروي ما يوافقه، وذكر البستي أنه من أهل واسط، وأنه كان يخطئ ويقيم على خطئه، فإذا بين له لم يرجع، وكان شعبة يقول: أفادني علي بن عاصم عن خالد الحذاء أشياء سألت خالدا عنها فأنكرها.

وروى الزهري عن أم عبد الله الدوسية قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الجمعة واجبة على كل قرية فيها وإن لم يكونوا أربعة)، ذكره الدارقطني وقال: لم يروه عن الزهري إلا متروك. وهذا ليس بصحيح؛ لأن من جملة من رواه الوليد بن حجمة الموقري، وهو ثقة، وإنما تركه أهل الحديث في زعمهم لقوله بالقدر، وهذا لا يقدح في الرواية، ولا يحتج بهذا الحديث علينا في إقامة الجمعة في القرية؛ لأنه قال في الخبر: (أدركها، ومن أدرك ما دونها صلى أربعا) فظاهر هذا يقتضي أن الإمام إذا بقي معه واحد بعد ما عقدها سجدة فقد أدرك الجمعة، وإن كان قبل أن يعقدها صلى الظهر. ولأن مشاركة الإمام للمأمومين لا يحتاج إليه للانعقاد، وإنما يحتاج إليه للبناء مع الاعتداد بما تقدم، فاعتبر فيه أكثر أفعال الركعة، كإدراك المؤتم لصلاة الإمام. 3977 - ولا يلزم إذا أدركه في حال التشهد من الجمعة أنه يبني جمعة وإن لم يشاركه في [أكثر] أفعال الركعة؛ لأن تلك المشاركة لا يحتاج إليها لتعيين الفرض، ولأنه لا يعتد معها بما تقدم. ولأن الإمام شارك العدد المشروط في الجمعة في أكثر أفعال الركعة، فوجب أن يبني عليها الجمعة وإن لم يشارك في نفسها، كالمؤتم إذا أدرك من الجمعة أكثر أفعال الركعة الثانية. ولأن كل حال لا يعتبر فيها بقاء الجماعة في صلاة العيد لا يعتبر بقاء في صلاة الجمعة، كما بعد التسليمة.

3978 - وأما الكلام على قوله الآخر: إنه يعتبر بقاء اثني عشر، فلأن الجماعة المشروطة [في الجمعة] عدمت قبل أن يعقدها بسجدة فأشبه إذا بقي وحده. 3979 - احتجوا للقول الأول: بأنه شرط يختص بالجمعة فوجب أن يكون شرطا في الابتداء والاستدامة، كالوقت والاستيطان. 3980 - والجواب: أن الجماعة عندنا شرط في الابتداء والاستدامة؛ لأن من شرط الاستدامة أن يوجد في أكثر الركعة. 3981 - فإن قالوا: يعتبر وجود الجماعة في الابتداء والاستدامة انتقض بالخطبة؛ لأنها شرط يختص بالجمعة. 3982 - ولا يعتبر وجودها حال الاستدامة. ثم المعنى في الوقت أنه لما كان شرطا في حق المسبوق [كان شرطا في حق المدرك، ولما لم تكن الجماعة شرطا في حق المسبوق] فكذلك في حق المدرك للركعة. 3983 - قالوا: العدد معتبر في ابتداء الخطبة وفي ابتداء الصلاة، ثم ثبت أنه شرط في استدامة الخطبة، وكذلك في استدامة الصلاة. 3984 - قلنا: لا نسلم هذا؛ لأنه قد روي عن أبي حنيفة أنه إذا خطب وليس بحضرته عدد جاز. ولو سلمنا على الرواية الأخرى في اعتبار العدد حال افتتاح الخطبة لم نسلم أنه يعتبر في الاستدامة؛ لأن الواجب الجزء الأول من الخطبة، فسماع ما بعده لا يعتبر. 3985 - احتجوا للقول الآخر: بأن الجمعة قد انعقدت بيقين، فلا يجوز إبطالها باجتهاد، وجوازها مع الاثنين قول لبعض الفقهاء، فلا يجوز أن يبطل مع بقائهم. 3986 - والجواب: أن هذا يبطل إذا خرج الوقت بفساد وقد انعقدت بيقين، ففسادها مجتهد فيه؛ لأن عند مالك لا يفسد بخروج الوقت. * * *

مسألة 226 إذا زحم المؤتم في الجمعة بعد ما ركع الإمام، فلم يسجد معه حتى قام الإمام إلى الثانية سجد المؤتم ولم يتابع الإمام حتى يفرغ من السجود

مسألة 226 إذا زحم المؤتم في الجمعة بعد ما ركع الإمام، فلم يسجد معه حتى قام الإمام إلى الثانية سجد المؤتم ولم يتابع الإمام حتى يفرغ من السجود 3987 - قال أصحابنا: إذا زحم المؤتم في الجمعة بعد ما ركع الإمام، فلم يسجد معه حتى قام الإمام إلى الثانية، سجد المؤتم ولم يتابع الإمام حتى يفرغ من السجود، وكذلك إن ركع الإمام في الثانية وسجد. 3988 - وقال الشافعي: إذا لم يقدر على السجود حتى فرغ الإمام من الركوع للثانية فإنه يسجد مع الإمام ولا يسجد لنفسه قولا واحدا. وقد تلفقت له ركعة من ركعتي الإمام، فإن لم يتمكن من السجود والإمام راكع فهل يتابعه في الركوع، وجهان، وإن كان الإمام قائما لم يركع، سجد قولا واحدا ولم يتابعه. 3989 - لنا: قوله - عليه السلام -: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا)، وقد سجد الإمام للركعة الأولى فوجب على المؤتم السجود لها. 3990 - ولا يجوز أن يقال: إن الإمام ساجد للثانية فوجب أن يسجد معه؛ لأن الأمر بالسجود للأولى سابق، فكان أولى بالتقديم. ولأنه شارك الإمام في

التحريمة، فلا يجوز ان يتابعه في ركن وعليه شيء قبله، كما لو أدركه قائما. ولأن القيام ركن، وكذلك السجود: إذا لم يتابعه في القيام لم يتابعه في السجود. 3991 - احتجوا: بأنه أدرك إمامه على الصفة الواجبة عليه، فكان عليه متابعته في فعله، كمن أحرم خلف إمامه والإمام قائم. 3992 - والجواب: أنه إذا أحرم خلف الإمام فسجد الإمام فذلك السجود هو الواجب عليه؛ لأنه لم يبق عليه ما قبله، فلذلك تابعه فيه، وليس كذلك إذا سجد للثانية؛ لأنه غير ما وجب عليه؛ ألا ترى أن عليه ما قبله، فصار اختلاف السجود من الركعتين كاختلاف الأركان. وما ذكرناه أولى؛ لأنه يأتي الصلاة على ترتيبها من غير أن يلغى منها شيء، وإذا تابع الإمام ألغى شيئا منها وصحت له ركعة من ركعتين. * * *

مسألة 227 صلاة الصحيح الظهر بعد الجمعة في بيته

مسألة 227 صلاة الصحيح الظهر بعد الجمعة في بيته 3993 - قال أصحابنا إلا زفر: إذا صلى الصحيح بعد الجمعة الظهر في بيته جاز. 3994 - وقال الشافعي: لا يجوز. 3995 - والكلام في هذه المسألة يقع في فصلين: أحدهما: أن فرض الوقت عندنا الظهر، وإنما أمر بإسقاطه بالجمعة، وهو أحد قولي الشافعي. 3996 - وقال في القول الآخر: فرض الوقت الجمعة. 3997 - والثاني: الكلام في [نفس] المسألة، فعندنا إذا صلى الظهر جاز، وعنده لا يجوز إلا أن يصليها بعد فوات الجمعة. 3998 - والدليل على الفصل الأول: قوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس}، والمراد به: الظهر، وهذا عام في جميع الأوقات. 3999 - ولا يقال: إن فعل الظهر يوم الجمعة منهي عنه فلا يتناوله الأمر؛ لأنا [نقول]: ليس بمنهي عن الظهر، وإنما هو منهي عن ترك الجمعة. 4000 - ويدل عليه قوله - عليه السلام -: ([إن] أول وقت الظهر حين تزول الشمس،

وآخر وقتها إذا دخل وقت العصر). 4001 - ولأن الظهر فرض معهود في هذا الوقت في غير يوم الجمعة، فكان [فرض] الوقت يوم الجمعة، كالعصر. 4002 - ولا يقال: إن العصر لما كانت فرض الوقت كانت هي الواجبة؛ لأنا كذلك نقول في مسألتنا: إن الواجب هو الظهر، والجمعة واجبة، فقد اجتمع واجبان، أمر بتقديم أحدهما، وهو الجمعة. ولأن الوقت إذا خرج من غر أن يصلي لزمه قضاء الظهر، فلو لم يكن وجبت لم يلزم قضاؤها بمضي الوقت. 4003 - ولا يقال: إن الجمعة عندنا ظهر مقصورة تفعل بشرائط، وهي: الخطبة والجماعة والوقت، فإذا فات الوقت سقطت الشرائط، فوجب عليه أن يقضي ظهرا كاملة، وذلك أن الظهر التي هي القضاء لا يخلو أن يكون وجبت في الوقت أو بعده، ولا يجوز أن يكون وجبت في الوقت؛ لأن بقاء وقت الجمعة وإمكان فعلها يمنع عندهم من وجوب الظهر. وإذا صلى الإمام لم يجز أن يجب الظهر؛ لأن وجوب الصلاة في الشرع لا يقف على فراغ الناس من الصلاة، ولا يجوز أن يكون وجوب الظهر بعد خروج الوقت؛ لأن مضي الوقت ينفي وجوبها، فلا يجوز أن يجب فيه ابتداء. 4004 - وقولهم: إن الجمعة ظهر مقصورة، ليس بصحيح؛ لأن هذا عبادة، وإلا فالفرض الذي يجب حال القضاء غير الذي كان فرض الوقت عندهم. ولأن الظهر عندهم بدل عن الجمعة، والبدل والمبدل لا يتفقان في الصفة، ويكون البدل أكمل، والدليل عليه سائر الأبدال. ولأن الجمعة تقف على شرائط لا يفتقر الظهر

إليها، فكان أصل الفرض ما لا يفتقر إلى تلك الشرائط، كغسل الرجلين ومسح الخفين. ولأن كل وقت كان وقتا لصلاة معهودة في حق المريض كان وقتا لها في حق الصحيح الحر المقيم، أصله: سائر الأوقات. ولا يقال: إن بعد غروب الشمس يوم عرفة وقت للمغرب في سائر الأيام وليس بوقت لها في حق الحاج؛ لأنه وقت لها؛ بدلالة أنه لو نفر قبل الإمام فلحق المزدلفة مع بقاء الوقت جاز له فعلها. 4005 - وأما الدليل على الفصل الثاني: فهو أن كل وقت لو صلى فيه المريض الظهر جاز، فإذا صلى الصحيح جاز، أصله: بعد صلاة الإمام. ولأن كل من لو صلى الظهر بعد صلاة الإمام الجمعة جاز، إذا صلاها قبل فراغه جاز، أصله: المرأة. 4006 - احتجوا: بقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا [إلى ذكر الله]}، وبحديث جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة). 4007 - والجواب: أن هذا يدل على وجوب الجمعة، وكذلك نقول به، والخلاف أنها واجبة فرضا للوقت أو واجبة يسقط بها الفرض، وليس في الظاهر دلالة على هذا. 4008 - قالوا: لأنها صلاة يأثم بترك أدائها، فوجب أن تكون واجبة في نفسها، كسائر الصلوات. 4009 - والجواب: أن كونها يأثم بتركها لا يدل على أنها فرض الوقت؛ ألا ترى أن من كان يصلي فرأى ماله يسرق، أو صبيا يغرق فإنه يأثم بترك تخليصه؟ ولأن سائر الصلوات لما لزمت بعد فوات الوقت دل على أنها فرض الوقت، ولما كان الواجب [في مسألتنا] عند فوات الجمعة الظهر دل على أنها فرض الوقت.

4010 - قالوا: الأبدال في الأصول ضربان، مرتب: وهو كفارة القتل والظهار، على التخيير: وهو كفارة اليمين، وليس في الأصول [بدل] يجب فعله مع القدرة على المبدول. 4011 - والجواب: أن الجمعة عندنا قائمة مقام الظهر، وليس ببدل، ولو كانت بدلا لم يمتنع أن يجب فعلها، ولو أتى بالأصل جاز، كمن يخاف العطش: أن الواجب عليه التيمم، ولو توضأ بالماء أثم وجازت طهارته، وكذلك صوم السبعة عندكم بدل عن الهدي ويجب فعله مع القدرة على أصله، فأما على قولنا: فهما واجبان أحدهما أوجب من الآخر، فهو مأمور بتقديم ما تأكد وجوبه وإن كان فرض الوقت غيره، كالفائتة وصلاة الوقت، وكصلاة وتخليص الغريق. * * *

مسألة 228 إذا صلى المريض في منزله ثم حضر الجمعة فصلى مع الإمام ففرضه الجمعة

مسألة 228 إذا صلى المريض في منزله ثم حضر الجمعة فصلى مع الإمام ففرضه الجمعة 4012 - قال أصحابنا إلا زفر: [إذا صلى المريض في منزله ثم حضر الجمعة فصلى مع الإمام، ففرضه الجمعة. 4013 - وقال زفر]: فرضه الظهر. وبه قال الشافعي. 4014 - لنا: أن كل من لو صلى الجمعة ابتداء كانت فرضه، إذا صلاها بعد صلاة الظهر كنت فرضه، كالصحيح. ولأن الخطاب بالجمعة متوجه إلى المريض كتوجهه إلى الصحيح، وإنما رخص له للعذر، ولهذا لو قدر على السعي في الوقت لزمته فإذا حضر الجمعة صار كما لو حضرها ابتداء، وصار كالصحيح الذي خوطب بفعلها. 4015 - احتجوا: بأن الجمعة غير واجبة عليه، فصحت الظهر من غير مراعاة، فلا تبطل بعد ذلك، كسائر الفرائض إذا صلاها ثم حضر مع الإمام. 4016 - والجواب: أنا لا نسلم أن الصلاة جازت من غير مراعاة؛ لأن حكم الخطاب باق؛ لجواز أن يجد خفة، فإذا كانت المراعاة فيها قائمة صار كالصحيح إذا صلى. * * *

مسألة 229 إذا صلى الظهر في منزله ثم توجه إلى الجمعة بطلت الظهر

مسألة 229 إذا صلى الظهر في منزله ثم توجه إلى الجمعة بطلت الظهر 4017 - قال أبو حنيفة: إذا صلى الظهر في منزله ثم توجه إلى الجمعة بطلت الظهر. 4018 - وقال أبو يوسف ومحمد: لا تبطل حتى يكبر للجمعة، وبه قال الشافعي. 4019 - لنا: أن السعي من فروض الجمعة المختصة بها؛ بدلالة قوله تعالى: {فاسعوا إلى ذكر الله}، فأمر السعي إليها، ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن السعي إلى بقية الصلوات بقوله: (إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون)، والفرض المختص بالجمعة إذا اشتغل به بطلت ظهره، كتحريمة الجمعة. 4020 - ولأن شرائط الجمعة المتقدمة عليها قد أجريت مجرى نفس الجمعة في بعض أحكامها؛ بدلالة أن الخطبة لا يجوز الكلام فيها كما لا يجوز الكلام في

الصلاة، فجاز أن يكون لهذا السعي حكم الصلاة من وجه، وهو بطلان الظهر به كما يبطل بنفس الصلاة. ولأن الظهر لو لم تبطل بالسعي إلى الجمعة لم تبطل بفعلها، كالسعي إلى الجماعة وسائر الصلوات. 4021 - احتجوا: بأنها صلاة محكوم بصحتها بالفراغ منها فوجب أن لا تبطل بالتوجه إلى جنسها، كمن صلى الظهر ثم سعى إلى الجماعة. 4022 - والجواب: أن صحة الصلاة بعد الفراغ لا يمنع أن يرد عليها ما يفسدها، كالردة وكفعل الجمعة [بعد الظهر. ولأن الجماعة ليست بواجبة، فلو فعلها لم تبطل الظهر بفعل الجمعة]، وكذلك بالسعي إليها. * * *

مسألة 230 تنعقد الجمعة بائتمام العبيد والمسافرين

مسألة 230 تنعقد الجمعة بائتمام العبيد والمسافرين 4023 - قال أصحابنا: تنعقد الجمعة بائتمام العبيد والمسافرين. 4024 - وقال الشافعي: لا تنعقد. 4025 - لنا: أن من صح أن يكون إماما في الجمعة صح أن تنعقد بحضوره الجمعة، كالأحرار المقيمين. 4026 - ولأن من جاز أن يكون إماما للرجال في الصلوات المفروضات جاز أن يكمل به العدد في الجمعة، كالأحرار. ولأن الإمامة يعتبر فيها من الشروط والاحتياط ما لا يعتبر في الائتمام، فإذا جاز أن يكون إماما فجواز أن يكون مؤتما أولى. 4027 - احتجوا: بأن كل من لا تجب عليه الجمعة بحال لم تنعقد به الجمعة، كالنساء. 4028 - والجواب: أن النساء لما لم يجز أن يكن أئمة لم يكمل بهن

العدد، [ولما جاز في العبد أن يكون إماما جاز أن يكمل به العدد]، واعتبار هذا أولى، وما أشبهه لا تجب عليه الجمعة وإن اعتد به في العدد فيها. * * *

مسألة 231 اعتبار العدد الذي ينعقد بهم الجمعة عند الخطبة

مسألة 231 اعتبار العدد الذي ينعقد بهم الجمعة عند الخطبة 4029 - المشهور عن أصحابنا: اعتبار العدد الذي تنعقد بهم الجمعة عند الخطبة، وروي عنهم رواية أخرى: أنه غير معتبر. 4030 - وبالمشهور قال الشافعي. 4031 - فإن دللنا على إحدى الروايتين لتصير خلافا، فالوجه فيه: أن الخطبة ذكر يتقدم الصلاة فلا يعتبر حضور المؤتمين له، كالأذان والإقامة. 4032 - ولأن مشاركتهم ليس بشرط، فحضورهم لأجلها ليس شرطا، كالأذان والإقامة. 4033 - احتجوا: بأن كل ذكر كان شرطا في افتتاح الجمعة كان العدد شرطا فيه، كتكبيرة الإحرام. 4034 - والجواب: أن تكبيرة الإحرام لما اعتبر فيها العدد اعتبر فعلها، ولما لم يعتبر

فعل الخطبة في حق المؤتم لم يعتبر حضوره. ويبطل هذا بالشهادتين؛ لأنها شرط في افتتاح الجمعة، والعدد ليس بشرط فيها. 4035 - قالوا: الخطبة أقيمت مقام ركعتين؛ بدلالة أنه لو لم يخطب صلى الظهر أربعا، فإذا كان العدد شرطا في الركعتين كان شرطا في الخطبتين. 4036 - والجواب: أنا لا نسلم أن الخطبة قائمة مقام شيء من الصلاة، وليس إذا كانت شرطا في الجمعة قامت مقام ركعتين، كالعدد والإمام. * * *

مسألة 232 لا يكره السفر يوم الجمعة قبل الزوال وبعده

مسألة 232 لا يكره السفر يوم الجمعة قبل الزوال وبعده 4037 - قال أصحابنا: لا يكره السفر يوم الجمعة قبل الزوال وبعده. وقال محمد في السير الكبير: إلا أن يكون لا يفارق البلد حتى يخرج وقت الجمعة، فهذا لا يجوز له تركها. 4038 - وقال الشافعي: لا يجوز السفر بعد الزوال. وبعد طلوع الفجر قبل الزوال على قولين. 4039 - لنا: ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما جهز جيش مؤتة أمرهم بالخروج يوم الجمعة، فلما صلى رأى عبد الله بن رواحة، فقال له: (ما أخرك؟). فقال: أشهد الجمعة ثم أروح، فقال: (لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها)، قال: فراح منطلقا.

4040 - ولا يجوز أن يقال: [إن] هذا كان قبل الزوال؛ لأنه روي أنه صلى معه، ولو لم يرو كان اللفظ عاما. 4041 - ولا يقال: إن الخلاف في السفر المباح، فأما الواجب فيجوز ترك الجمعة لأجله؛ وذلك لأن الغدو لا يجب إلا إذا تعين. وقوله - عليه السلام -: (غدوة في سبيل الله) عام فيما تعين وجوبه وفيما لم يتعين. وقد روى الأسود ن قيس عن أبيه عن عمر - رضي الله عنه - قال: لا تحبس الجمعة عن سفر، قال الطحاوي: ولا نعلم عن أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا خلافا. 4042 - ولأنه لما جاز السفر في وقت العصر من هذا اليوم جاز في وقت الظهر، أصله: سائر الأيام. ولأنه سافر قبل حضور آخر الوقت، فصار كما لو سافر قبل طلوع الفجر. ولأنه ليس في ذلك أكثر من سقوط الوجوب بسفره، وهذا لا يكره، كالسفر في رمضان. 4043 - احتجوا: بأن الجمعة تجب بالزوال فلم يجز التشاغل بما يسقطها، كترك فعلها حتى تفوت. 4044 - والجواب: أنا لا نسلم أنها تجب بالزوال؛ لأن الوجوب عندنا يكون بآخر الوقت. ولأنه إذا تشاغل عن فعلها من غير سفر فلم يوجد معنى يؤثر في إسقاطها، وإذا سافر فالسفر يؤثر في ذلك، وفرق بين الأمرين في الأصول؛ بدلالة من سافر في رمضان جاز له ترك الصوم، ولو أراد تركه مع الإقامة لم يجز. * * *

مسألة 233 إذا دخل الرجل والإمام يخطب يوم الجمعة لم يصل تحية المسجد

مسألة 233 إذا دخل الرجل والإمام يخطب يوم الجمعة لم يصل تحية المسجد 4045 - قال أصحابنا: إذا دخل الرجل والإمام يخطب يوم الجمعة لم يصل تحية المسجد. 4046 - وقال الشافعي: يركع ركعتين خفيفتين لا يزيد عليهما. 4047 - لنا: قوله تعالى: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا}، وروي أن ذلك نزل في شأن الخطبة، وروي أنه نزل في شأن الصلاة، فيحمل عليهما. 4048 - ولا يقال: إنه يجمع بين الصلاة والاستماع؛ لأن الاشتغال بالصلاة والقراءة فيها تنفي الاستماع، فلذلك لا تجوز القراءة والزيادة على الركعتين. ولأنه أمر بالإنصات والاستماع، والمصلي لا ينصت. 4049 - وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب: أنصت،

فقد لغوت)، ومعلوم أن الأمر بالإنصات واجب، وقد جعله - عليه السلام -: لغوا لأنه يشغل عن الخطبة. 4050 - وروى ابن عباس قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة يخطب إذ تلا آية فقال رجل إلى جنب ابن مسعود: متى نزلت هذه الآية، ما سمعتها إلا الساعة؟ فقال ابن مسعود: سبحان الله! فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة قال ابن مسعود: (إنك لم تجمع معنا)، فانطلق الرجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بما قال ابن مسعود، قال: (صدف ابن أم عبد). ومعلوم أن السؤال عن تاريخ نزول الآية واجب في ذلك الوقت؛ لأنه يكون نسخا، فإذا كان الواجب الذي يشغل عن الاستماع غير مشروع فيه، فالنفل أولى. 4051 - ويدل عليه حديث ابن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا خرج الإمام فلا صلاة ولا كلام). 4052 - ولأن استماع الخطبة واجب وفعل الركعتين نفل، والفرض لا يجوز تركه بالنفل. ولأنها صلاة غير مستحقة فمنعه منها الخطبة، كالزيادة على الركعتين. 4053 - ولا يلزم الفائتة؛ لأنها مستحقة. ولأن كل حالة لا يجوز [فيها الزيادة]

على ركعتين لأجل الخطبة لا تجوز الركعتين، أصله: إذا أدرك آخر الخطبة فخاف [أن] يفوته بعض الصلاة مع الإمام. 4054 - ولأنه ذكر جعل شرطا في صحة الجمعة فوجب أن يمنع من النفل، كالتكبيرة والقراءة. 4055 - احتجوا: بحديث جابر - صلى الله عليه وسلم - قال: دخل سليك الغطفاني يوم الجمعة والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب فقال [له]: (أصليت؟) فقال: لا، قال: (صل ركعتين). 4056 - والجواب: أن ابن عبدل قال: روى/ أيوب عن عامر [عن] ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر سليكا الغطفاني أن يصلي ركعتين، ثم نهى عن الصلاة والإمام يخطب. قال: رواه محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح عن مجاهد عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب، فجاء سليك فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: (قم فاركع ركعتين ولا تعد لمثل هذا). 4057 - وهذا يدل على نسخ الفعل، أو على أنه اختص بذلك. وقد روى ليث عن أبي الزبير عن جابر قال: جاء سليك يوم الجمعة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعد على المنبر،

وهذا يدل على أنه صلى ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ممسك عن الخطبة؛ لأنه كان لا يخطب قاعدا، فقد ذكر الدارقطني حديث أبي معشر عن محمد بن قيس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أمره أن يصلي أمسك عن الخطبة حتى فرغ من ركعتيه ثم عاد إلى الخطبة. 4058 - ولا يقال: إن عندكم إذا خرج الإمام لم تجز الصلاة وإن لم يخطب فكيف في حال الخطبة؛ وذلك لأنا لا نجوز ذلك؛ لأن الإمام غير منتظر، فهو يبتدئ بالخطبة فينقطع عن السماع، وهاهنا النبي - صلى الله عليه وسلم - ترك الخطبة فأمن أن يعود إليها وهو يصلي. ويجوز أن يكون هذا في حال إباحة الكلام في الصلاة وفي حال الخطبة، ومتى جاز الكلام جازت الصلاة، يبين ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تكلم في خطبته. 4059 - ويحتمل أن يكون في يوم جمعة يخطب غير خطبة الجمعة، فلا يمنع من الصلاة. وما رواه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا دخل أحدكم والإمام يخطب فليصل ركعتين) محمول على الحالة التي كان الكلام مباحا في الصلاة وفي حال الخطبة. 4060 - قالوا: روي أن أبا سعيد الخدري - رضي الله عنه - جاء ومروان يخطب، فقام فصلى ركعتين فجاء إليه الأحراس يجلسوه فأبى أن يجلس، فلما قضى صلاته أتيناه فقلنا: يا أبا سعيد كاد هؤلاء أن يفعلوا بك فقال: ما كنت لأدعهما لشيء بعد شيء رأيته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، جاء رجل وهو يخطب فدخل المسجد بهيئة بذة فقال:

(أصليت؟) قال: لا، قال: (فصل ركعتين)، وحث الناس على الصدقة، فألقوا ثيابا، فأعطاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها ثوبين، فلما كانت الجمعة الأخرى جاء الرجل والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب فقال له: (ما صليت؟ فقال: لا، فقال: (صل ركعتين)، ثم حث الناس على الصدقة، فطرح أحد ثوبيه، فصاح به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال: (خذه). 4061 - والجواب: أن هذا يحتمل أن يكون حالة إباحة الكلام، أو في غير خطبة الجمعة، والدليل عليه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (انظروا إلى هذا، جاء تلك لجمعة بهيئة بذة، فأمرت الناس بالصدقة، فطرحوا ثيابا، فأعطيته منها ثوبين، فلما جاءت الجمعة أمرت الناس بالصدقة فجاء فألقى أحد ثوبيه)، وهذا كلام من النبي - صلى الله عليه وسلم - في حال الخطبة، فدل على ما قلناه. وجملة هذا أن هذه الأخبار محتملة للتأويل، مخالفة للمشهور من فعل السلف، فلا يعترض بها. وقد روي عن علي - رضي الله عنه - أنه قال: أخطأ السنة من صلى والإمام يخطب. 4062 - قالوا: لأنه ممن يصح منه الصلاة لا يخاف فواتها دخل موضعا بني لها فوجب أن يصلي في الخطبة، كما قبل الخطبة. 4063 - والجواب: أن هذا ينتقض بمن دخل حال التحريمة. ثم إن ما قبل الخطبة غير مسلم إذا خرج الإمام. وقبل خروج الإمام لما جاز الزيادة على الركعتين جازت

الركعتان، ولما لم تجز الزيادة في حال الخطبة على ركعتين كذلك الركعتان. 4064 - قالوا: تحية المسجد، فلا يمنع منه الخطبة، كالطواف. 4065 - قلنا: غير مسلم، ولا يجوز الطواف في حال الخطبة. 4066 - قالوا: إذا أتى بالتحريمة حفظها ولم يفت [الإنصات، وإذا أنصت ضيع التحية، فكان حفظ الأمرين أولى. 4067 - قلنا: الإنصات] مع الصلاة محال. [و] لأنه يأتي بالواجب ويترك النفل فكان أولى من فعل النفل وترك بعض الواجب. * * *

مسألة 234 يكره للمعذور أن يصلي الظهر يوم الجمعة في جماعة

مسألة 234 يكره للمعذور أن يصلي الظهر يوم الجمعة في جماعة 4068 - قال أصحابنا: يكره للمعذور أن يصلي الظهر يوم الجمعة في جماعة. 4069 - وقال الشافعي: لا يكره. وقال في الأم: يخفونها حتى لا يظن بهم أنهم رغبوا عن الصلاة مع الإمام. 4070 - لنا: أن الناس في سائر الأعصار يغلقون المساجد يوم الجمعة ولا يجمعوا فيها الظهر ولا تخلو ممن لا يلزمه الفرض، فلو جاز الجمع لم يترك. ولأن في إباحة فعلها في جماعة تسهيل لترك الجمعة؛ لأنهم يتبعهم من ليس بمعذور فيصلي معهم، فحسمت المادة في ذلك. [ولأنهم صلوا الظهر في المصر يوم الجمعة جماعة فيكره ذلك لمن ليس بمعذور]. ولأنه لما كره إظهار الجماعة كره فعلها، كالنوافل في غير رمضان. 4071 - وما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من الحث على الجماعة منصرف إلى الصلوات التي خوطب العامة بفعلها في جماعة، وهذا لا يوجد في مسألتنا. 4072 - ولا يقال لمن لم يلزمهم الجمعة: صاروا كأهل الصلوات كلها؛ وذلك لأن تلك الصلوات خوطب العامة بفعلها في جماعة، وهذه خوطب العامة بتركها، فكان الأقل تابعا للأكثر.

مسألة 235 يكره الكلام إذا خرج الإمام

مسألة 235 يكره الكلام إذا خرج الإمام 4073 - قال أبو حنيفة: يكره الكلام إذا خرج الإمام. 4074 - وقال أبو يوسف ومحمد: لا يكره ما لم يأخذ في الخطبة، وهو قول الشافعي. 4075 - لنا: ما روى [ابن عمر] أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا خرج الإمام فلا صلاة ولا كلام). 4076 - وذكر الطحاوي عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب إن كان عنده ولبس من أحسن ثيابه ثم خرج حتى يأتي المسجد فلم يتخط رقاب الناس ثم ركع ما شاء الله أن يركع وأنصت إذا خرج الإمام، كانت كفارة ما بينها وبين الجمعة التي قبلها). 4077 - ولأن كل حالة منع من الصلاة فيها لأجل الخطبة فإنه يكره الكلام، كحال الخطبة. 4078 - ولا يقال: إن الصلاة منع منها لأنه يخطب الإمام فلا يقدر على قطعها، والكلام يمكن قطعه؛ لأن الإمام إذا كان شيخا كبيرا يعلم أنه لا يقدر على بلوغ المنبر

حتى يصلي ركعتين خفيفتين لم تجز الصلاة وإن أمن ما ذكروه. 4079 - ولا يقال: إن المعنى في حال الخطبة أنه ينقطع عن السماع؛ لأنه يكره الكلام في الجلسة بين الخطبتين وإن كان لا يسمع خطبة. 4080 - ولأن ما نهي عنه في حال الخطبة كان منهيا عنه إذا خرج الإمام قبل الخطبة، أصله: الصلاة. 4081 - احتجوا: بما روى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت). وهذا يقتضي أن حال الخطبة يخالف ما قبله. 4082 - والجواب: أن هذا لا دلالة فيه؛ لأن الحكم إذا علق بشرط عندنا لم يدل على نفي ما عداه. ولأن الخلاف في الكلام المباح، والأمر بالإنصات واجب، فيجوز أن يقال: إنه لغو في حال الخطبة وليس بلغو قبلها. 4083 - قالوا: روى السائب بن يزيد قال: رأيت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يتحدث يوم الجمعة والمؤذنون يؤذنون. وعن عثمان مثله، وعن ثعلبة بن أبي مالك قال: كنا نصلي يوم الجمعة حتى يخرج عمر، فإذا خرج وجلس على المنبر فأذن المؤذنون جلسنا نتحدث، حتى إذا سكت المؤذنون قام عمر فسكتنا فلم يتكلم أحد. 4084 - والجواب: أنه روي عن ابن مسعود وابن عباس كراهة الصلاة والكلام في هذه الأوقات، ويحتمل أن يكون عمر تحدث والمؤذن يؤذن خارج المسجد، أو

يكون تكلم بما لابد منه، ومن أصحابنا من قال: إن الإمام يجوز له أن يتكلم في هذا الوقت بما لابد منه، وإن لم يجز للمؤتم. 4085 - احتجوا: بما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ربما نزل عن المنبر وقد أقيمت الصلاة فيقوم له الرجل فيحدثه حديثا طويلا ثم يتقدم إلى الصلاة. 4086 - والجواب: أن هذا يحتمل أن يكون في حال إباحة الكلام في الخطبة. 4087 - قالوا: حالة قبل الخطبة، فوجب أن لا يحرم فيها الكلام، كما قبل ظهور الإمام. 4088 - والجواب: أن المعنى فيه أن الصلاة لا تكره، فكذلك الكلام. 4089 - قالوا: لو كان الكلام محرما وجب أن يكون منوعا من الأذان، كحال الخطبة. 4090 - قلنا: الأذان سنة، وليس إذا جاز المشروع من الذكر جاز الكلام، كما يجوز للإمام أن يخطب الخطبة [ولا يجوز لغيره أن يتكلم]. 4091 - [قالوا: الإنصات إنما هو إلى الخطبة، فوجب أن يكون حين الخطبة]. 4092 - قلنا: هذا يبطل بالعقدة بين الخطبتين، أن الإنصات واجب وإن لم يسمع الخطبة. * * *

مسألة 236 إذا أحدث الإمام في الجمعة استخلف من يصلي الجمعة

مسألة 236 إذا أحدث الإمام في الجمعة استخلف من يصلي الجمعة 4093 - قال أصحابنا: إذا أحدث الإمام في الجمعة استخلف من يصلي الجمعة. 4094 - وقال الشافعي في أحد قوليه: لا يجوز. 4095 - لنا: ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أبا بكر - رضي الله عنه - أن يصلي بالناس ثم وجد في بعض الأيام [في نفسه] خفة فخرج فوقف عن يسار أبي بكر فابتدأ بالقراءة من الموضع الذي انتهى أبو بكر إليه. فدل على جواز الاستخلاف وفعل الصلاة بإمامين. 4096 - وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج يصلح بين بني عمرو بن عوف فقدم الناس أبا بكر [- رضي الله عنه -] فلما رجع رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] رآه الناس صفقوا، فالتفت أبو بكر، فرأى النبي - صلى الله عليه وسلم - فتأخر، فقال له النبي/ - صلى الله عليه وسلم -: (مكانك)، فتأخر أبو بكر وتقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما قضى صلاته قال له: (ما منعك أن تقف؟) فقال أبو بكر - رضي الله عنه -: ما كان الله ليرى ابن أبي قحافة يتقدم بن يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ولأن

الجماعة تنتظم الإمام والمأموم، فإذا جاز أن يخلف الإمام غيره جاز أن يخلف الإمام غيره. ولأن حدث المأموم لم يغير الصلاة عن حكم الجماعة، كذلك حدث الإمام، بعلة اشتراكهما فيها. 4097 - احتجوا: بما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كبر بأصحابه ثم تذكر أنه جنب فأشار إليهم: كما أنتم، ودخل الحجرة واغتسل وخرج ورأسه يقطر ماء، فصلى بهم. ولو جاز الاستخلاف لاستخلف. وروى عن عمر أنه أحرم [وتذكر أنه جنب، قال: كما أنتم، وخرج فاغتسل وعاد فصلى. وعن علي أنه أحرم] ثم خرج وتطهر ورجع فأتم صلاته. 4098 - والجواب: أنا قد بينا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استأنف الصلاة بعد العود. ولو ثبت ما قالوه لم يدل؛ لأنه لم يصح دخوله في الصلاة لأجل الجنابة؛ فلذلك لم يستخلف، وإنما الخلاف فيمن صح دخوله ثم أحدث. 4099 - قالوا: صلاة بإمامين فلم تجز، كما لو استخلف في الجمعة من لم يدخل معه فيها. 4100 - قلنا: يجوز استخلافه عندنا. 4101 - قالوا: جواز الاستخلاف يفضي إلى المناقضة؛ لأن من حكم المأموم أن لا يجهر بالقراءة ولا يزيد على الفاتحة ولا يسجد إذا سها، فإذا صار إماما

تغيرت هذه الأحكام. 4102 - قلنا: غير ممتنع؛ لأن المسبوق إذا قام يقضي تغير حكمه: يجهر بالقراءة ويسجد للسهو، فإذا كان قبل ذلك لا يفعل. 4103 - ولا يجوز أن يقال: لو جاز الاستخلاف لكان الإمام إذا فرغ من صلاته وخلفه مسبوقون يستخلف من يتم بهم؛ وذلك لأن خليفة الإمام يقوم مقامه، وهو لا يجوز أن يؤم المسبوق فيما يقضيه، فلم يجز لخليفته. ولأن المسبوق قد اقتضت تحريمته أن يفعل ما سبق به على الانفراد، فإذا فعله في جماعة [تغير حكم التحريمة. وفي مسألتنا: التحريمة أوجبت فعل الصلاة في جماعة] فالاستخلاف لا يغير حكمها. * * *

مسألة 237 السنة في الخطبة أن يخطب قائما فإن خطب جالسا مع القدرة جاز

مسألة 237 السنة في الخطبة أن يخطب قائما فإن خطب جالسا مع القدرة جاز 4104 - قال أصحابنا: السنة في الخطبة أن يخطب قائما، فإن خطب جالسا مع القدرة جاز. 4105 - وقال الشافعي: لا يجوز. 4106 - لنا: قوله تعالى: {فاسعوا إلى ذكر الله}، ولم يفصل. ولأنه ذكر يتقدم التحريمة، فلم يكن من شرطه القيام، كالأذان. 4107 - ولا يقال: المعنى في الأصل أنه ليس بواجب، فلذلك لم يجب فيه القيام؛ لأنه لا يمتنع أن يكون الشيء واجبا في نفسه فإذا فعله لم يصح إلا بشرائط، كصلاة النافلة. 4108 - ولأنه ذكر لا يعتبر فيه استقبال القبلة بحال، فلا يجب فيه القيام، كالشهادتين، ولأنه إنشاء لذكر الله تعالى على وجه التعظيم، فأشبه إذا كان قائما. ولأن المقصود من القيام المبالغة في سماع الصوت، فصار كصعود المنبر. 4109 - احتجوا: بقوله تعالى: {وتركوك قائما}، وهذا يدل على اعتبار القيام. 4110 - والجواب: أن هذا خبر عما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - في تلك الخطبة،

وذلك لا يدل على الوجوب أو غيره. 4111 - قالوا: روى جابر بن سمرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب قائما ثم يجلس ثم يقوم فيخطب قائما، فمن حدثك أنه كان يخطب جالسا فقد كذب. وروى جابر وابن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب يوم الجمعة قائما يفصل بجلوس، قالوا: وقوله تعالى: {فاسعوا إلى ذكر الله} مجمل، ففعله - عليه السلام - كان بيانا له. 4112 - والجواب: أن هذا ليس بمجمل؛ لأنه يقتضي وجوب السعي إلى ذكر الله تعالى، فيفيد كل ما يتناوله الاسم، وإذا لم يكن مجملا يخرج فعله من أن يكون بيانا. 4113 - قالوا: فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (صلوا كما رأيتموني أصلي). 4114 - قلنا: هذا يقتضي إيقاع الفعل كفعله إذا علمت جهته. 4115 - قالوا: ذكر واجب يختص بالصلاة ليس من شرطه الجلوس، فجاز أن

يكون من شرطه القيام، كالقراءة في الصلاة. 4116 - قلنا: الأصل غير مسلم؛ لأن القيام ليس من شرائط القراءة عندنا، وإنما يفعل القيام لأنه ركن في نفسه، والقيام في مسألتنا عندهم شرط في الذكر. ويجوز أن يقال: إن القراءة شرط في القيام في الصلاة فلا يمكن قياس الخطبة عليه. ولأن القراءة في الصلاة تابعة للقيام؛ بدلالة أنه قد يجب القيام بغير قراءة، والقيام في مسألتنا تابع للخطبة؛ بدلالة أنه لا يجب دونها، فلم يصح قياس أحدهما على الآخر. 4117 - قالوا: لأن الخطبتين تقوم مقام ركعتين؛ بدلالة أن من لم يخطب يلزمه الظهر، فإذا كان القيام شرطا في الركعتين فكذلك في الخطبتين. 4118 - قلنا: لا نسلم الوصف؛ لأن الخطبة لا تقوم مقام ركعتين عندنا. وليس إذا وجبت الظهر لعدم الخطبة كان قائمة مقام بعضها، كما أن الجماعة إذا لم توجد والإمام والاستيطان عندهم والمصر والسلطان عندنا وجبت الظهر، ولم يدل ذلك على أن هذه المعاني تقوم مقام ركعتين. * * *

مسألة 238 إذا خطب الإمام بتسبيحة واحدة جاز

مسألة 238 إذا خطب الإمام بتسبيحة واحدة جاز 4119 - قال أبو حنيفة: إذا خطب الإمام بتسبيحة واحدة جاز. 4120 - وقال أبو يوسف ومحمد: لا تجوز إلا بما يسمى خطبة. 4121 - وقال الشافعي لا يجوز إلا بخطبتين تتضمن أربعة أجناس: حمد الله، والصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والعظة، والقرآن. 4122 - لنا: قوله تعالى: {فاسعوا إلى ذكر الله}، ولم يفصل، والتسبيحة الواحدة ذكر الله. 4123 - وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى مصعب بن عمير: (إذا مالت الشمس من اليوم الذي يتجهز فيه اليهود لسبتها فاجمع من قبلك من المسلمين وذكرهم بالله، وازدلف بهم إليه ركعتين، ولم يخص ذكرا بعينه أو قدرا بعينه. 4124 - وروي عن عمار أنه خطب فأوجز، فقيل له: لو تنفست! فقال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإقصار الخطب وإطالة الصلاة. 4125 - وروى جابر بن سمرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان [لا] يطيل الموعظة يوم

الجمعة، وإنما هي كلمات. 4126 - [وروي عن عثمان - رضي الله عنه - أنه صعد المنبر] في أولى جمعة ولي، فقال: الحمد لله. وأرتج عليه، فقال: إنكم إلى إمام فقال: أحوج منه إلى إمام قوال، وإن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا يعدان لهذا المقام مقالا، وستأتيكم الخطب من بعد واستغفروا الله لي ولكم، بحضرة المهاجرين فلم ينكره أحد. ولأنه أتى بذكر الله تعالى على وجه الخطبة، فأشبه إذا خطب خطبتين. ولأنه ذكر يتقدم الصلاة فلا يفتقر إلى [قراءة] القرآن، كالأذان. ولأنه ذكر جعل شرطا في ابتداء الجمعة فجاز (بالله أكبر)، كالتحريمة. 4127 - ولأنه ذكر متعلق بالصلاة فلا يكون من شرطه الوصية والعظة، كسائر [الأذكار]. 4128 - ونفرض الكلام في أن الذكر اليسير يمسى خطبة، والدليل عليه ما روي أن رجلا قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - علمني علما يدخلني الجنة، فقال - عليه السلام -: (لئن قصرت الخطبة لقد عرضت المسألة). ولأن الخطبة مأخوذة من مخاطبة الغير، وهذا المعنى موجود في القليل والكثير. ولأن المقصود ذكر الله تعالى على وجه المخاطبة، ولهذا لو طول الذكر ولم يذكر الله تعالى لم يجز، وهذا المعنى موجود في اليسير،

فإذا ثبت هذا قلنا: أتى بما يسمى خطبة، فأشبه إذا خطب خطبتين. 4129 - احتجوا: بقوله تعالى: {فاسعوا إلى ذكر الله}، وهذا مبهم يحتاج إلى تفسير، وقد بينه النبي - صلى الله عليه وسلم - وفسره، وخطب لنا نقلت فاقتضى ذلك وجوبها. 4130 - والجواب: [أن الآية] لا تفتقر إلى البيان؛ لأنها مستقلة بنفسها تفيد كل ما سمي ذكر اسم الله عليه، فلم يسلم الإجمال، فلا يبين إلا مجرد فعله - عليه السلام -، وذلك لا يدل على الوجوب. 4131 - قالوا: ذكر راتب يتقدم صلاة مفروضة، فوجب أن لا يقتصر على كلمة، كالأذان. 4132 - قلنا: إنما الأذان لا يجوز الاقتصار على كلمة واحدة فيه على وجه السنة لأنه ليس بواجب، وكذلك لا يجوز الاقتصار في الخطبة مسنونا، والكلام في الفرض. ولأن المقصود بالأذان الإعلام، وذلك لا يوجد في بعض كلماته، والمقصود من الخطبة ذكر الله [تعالى]، وذلك يوجد في بعض الكلام. ولأن الأذان لما اعتبر فيه لفظ محصور لا يجوز مجاوزته لم يجز الاقتصار على بعضه، ولما لم تنحصر الخطبة بذكر لم تنحصر بقدر. وينعكس عليهم فيقال: فلا يكون من شرطه/ قراءة القرآن، كالأذان. 4133 - قالوا: الدليل على أن ذكر الخطبة لا يقع على ذكر واحد [أن] من جلس يأكل فقال: (بسم الله)، أو ذبح فقال: (بسم الله)، لم يقل إنه خطب. ولأن العرب جعلت لكل صيغة اسما، فقالت لمن قال (بسم الله): سمى، ولمن

قال الحمد لله: حمد، ولمن قال (لا اله إلا الله): هلل، ولمن قال: (الله أكبر): كبر، ولمن أتى بكلام منظوم: خطبة. 4134 - قلنا: هذا كلام في اعتبار الخطبة، وعند أبي حنيفة من شرط الجمعة ذكر الله، فأما الخطبة فلا، وهذه الأفكار كلها أذكار الله. ثم لا معنى لتشاغلهم بما يسمى خطبة. 4135 - ولو خطب عندهم خطبة طويلة لم يجز حتى يأتي بخطبتين. ثم ما قالوه ليس بصحيح؛ لأن من سمى على الأكل والذبيحة لم يقصد مخاطبة الغير، ولا يمتنع أن يختلف الاسم بالقصد؛ ألا ترى أن أحدا لا يمتنع أن يقول إذا قال الإمام (الحمد لله): قد خطب، وأسمع الخطبة؛ لأنه يقصد بها المخاطبة. فأما قولهم: إنه يقال لمن قال (لا اله إلا الله): هلل، فلا يمتنع أن يقال [له]: هلل، ويقال: إنه خطب إذا خاطب به الغير. 4136 - قالوا: الأصل الظهر، وإنما ينتقل عنها إلى الجمعة بشرائط، فوجب أن لا ينتقل عنها إلا بما أجمعنا عليه. 4137 - قلنا: هذا لا يصح على أصلكم؛ لأن الأصل الجمعة، والظهر بدلها. ثم الانتقال عن الأصل يكون بالاتفاق ويكون بالنص، وقد بينا أن الله تعالى شرط فيها ذكره ولم يشرط غيره، فوجب الانتقال بالنص وإن لم يتفق. * * *

مسألة 239 إذا خطب الإمام من غير طهارة جاز ويكره

مسألة 239 إذا خطب الإمام من غير طهارة جاز ويكره 4138 - قال أصحابنا: إذا خطب الإمام من غير طهارة جاز ويكره. 4139 - وقال الشافعي في أحد قوليه: لا يجوز. 4140 - لنا: قوله تعالى: {فاسعوا إلى ذكر الله}، ولم يفصل. ولأنه ذكر تقدم التحريمة فلم يكن من شرطه الطهارة، كالأذان. 4141 - ولأنه ذكر في غير الصلاة، كالشهادتين. 4142 - ولأنه ذكر يجوز مع استدبار القبلة في جميع الأحوال فلم يشرط فيه الطهارة، كخطب الحج والتسليمة الثانية في الصلاة. 4143 - قالوا: ذكر واجب يختص بالصلاة فوجب أن يكون من شرطه الطهارة، كتكبيرة الإحرام. 4144 - قلنا: تكبيرة الإحرام ليس من شرطها الطهارة عندنا، ولكن الصلاة تتعقبها، فالطهارة مشروطة لما يتعقبها من الصلاة. ولأنه لما وجب فيه استقبال القبلة وجب الطهارة، ولما كان استدبار القبلة مسنونا في الخطبة لم يكن من شرطها الطهارة. 4145 - قالوا: الخطبة أقيمت مقام ركعتين فوجب أن تكون الطهارة من شرطها. 4146 - قلنا: هذا غير مسلم. وقد بيناه فيما مضى. * * *

مسألة 240 يقرأ في الجمعة بما شاء ولا يتعين سورة بعينها

مسألة 240 يقرأ في الجمعة بما شاء ولا يتعين سورة بعينها 4147 - قال أصحابنا: يقرأ في الجمعة بما شاء، ولا يتعين سورة بعينها. 4148 - وقال الشافعي: يستحب أن يقرأ في الأولى سورة الجمعة، وفي الثانية {إذا جاءك المنافقون}. 4149 - لنا: قوله تعالى: {فاقرءوا ما تيسر من القرآن}، ولم يفصل. وروي أنه - عليه السلام - نهى عن تحزيب القرآن وأن يتخذ من القرآن شيئا مهجورا. وروى النعمان ابن بشير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في يوم الجمعة على أثر سورة الجمعة: {هل أتاك حديث الغاشية}.

4150 - وروي أنه كان يقرا بـ {سبح اسم ربك الأعلى}، و {هل أتاك حديث الغاشية}. وروى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ بسورة الجمعة و {إذا جاءك المنافقون}، وهذا يدل على أن القراءة فيها لا تتعين. ولأنها صلاة من الصلوات فلا يسن فيها مع الفاتحة سورة بعينها، كسائر الصلوات. ولأن كل سورة لا تتعين في الظهر لا تتعين في الجمعة، كسائر السور. وأما حديث أبي هريرة فقد بينا أنه قد روي خلافه، فدل على أن القراءة لا تختص. 4151 - قالوا: لأنها تواليها في التأليف، ولأن المنافقين يستمعون إليها. 4152 - قلنا: سورة الجمعة لا تتعين عندنا، فلا معنى لاعتبار ما يليها. فأما استماع المنافقين فموجود في سائر الصلوات. * * *

مسألة 241 إذا دخل وقت العصر وهو في صلاة الجمعة خرجت من أن تكون فرضا

مسألة 241 إذا دخل وقت العصر وهو في صلاة الجمعة خرجت من أن تكون فرضا 4153 - قال أصحابنا: إذا دخل وقت العصر وهو في صلاة [الجمعة خرجت من أن تكون فرضا. 4154 - وقال الشافعي: يبني عليها الظهر. 4155 - لنا: أن] الجمعة والظهر صلاتان مختلفتان؛ بدلالة أن الجمعة تحتاج إلى شرائط لا يفتقر الظهر إليها، وهي المكان والإمام والعدد والوقت والخطبة والسلطان، واختلاف العبادات يدل على اختلافها، وليس كذلك صلاة السفر والإقامة؛ لأن المفعول في السفر يوافق صلاة الحضر في شرطها، وإنما يحتاج إلى الشرط في سقوط ما بقي من الشرائط، والجمعة تحتاج إليها في صحة المفعول. وإذا ثبت أنهما فرضان مختلفان لم يجز بناء أحدهما على الآخر، الظهر والعصر. ولأنهما صلاتان تختلف شرائطهما، فلا يبنى إحداهما على الأخرى، كالفجر

والجمعة. ولأن إحداهما لا يجوز أداؤهما بنية الأخرى ابتداء، فلا يجوز أن يبني عليها، كالظهر والعصر. ولأنهما صلاتان يجهر بالقراءة في إحداهما ولا يجهر في الأخرى، كالظهر والفجر. 4156 - ولا يقال: المعنى في الأصل أنهما فرضا وقتين فلذلك لم يبن أحدهما على الآخر، وفي مسألتنا هما فرضا وقت واحد؛ وذلك لأن علة الأصل تبطل على أصلهم بجواز الاقتداء مع اختلاف الفرضين، وعلة الفرع تبطل بحال بقاء الوقت أن البناء لا يجوز مع بقاء الجماعة وإن كانا فرضا وقت واحد. 4157 - قالوا: المعنى في الأصل أن فرض إحداهما لا يسقط بفعل الأخرى، فلذلك لم يبن عليها، ولما سقط في مسألتنا فرض إحداهما بفعل الأخرى جاز أن يبنى عليها. 4158 - قلنا: هذا يبطل بحال بقاء الوقت. ولأنهما صلاتان لا يبنى إحداهما على الأخرى في الوقت مع بقاء شرائطها، فلا يبنى عليها بحال بقاء الوقت والعدد. ولأنها عبادة يبطلها الحدث، فجاز أن تبطل بخروج الوقت، كالمسح على الخفين. 4159 - احتجوا: بأن كلا صلاة صحت تحريمته بها لم تبطل بخروج وقتها، كالظهر والعصر. 4160 - قلنا: المعنى في الظهر أنه يجوز أن يبتدئها عقيب خروج وقتها، فلذلك لم

تبطل بخروجه، ولما لم يجز ابتداء الجمعة عقيب خروج وقتها بطلت بخروجه. ولا يلزم على علة الأصل صلاة الفجر؛ لأن عندنا يجوز أن يبتدئ بها عقيب خروج وقتها. ونقلب العلة، فنقول: فلم يجز أن يبنى عليها فرض يخالفها في شرائطها، كالظهر والعصر. 4161 - قالوا: صلاتان يسقط فرض إحداهما بفعل الأخرى، فجاز بناء الأكثر منهما على تحريمة الأقل، كالإتمام والقصر. 4162 - قلنا: لا نسلم أن صلاة السفر والإقامة صلاتان، بل هما صلاة واحدة وإن اختلف عددها. ثم المعنى فيه أن صلاة الإقامة يجوز بناؤها على صلاة السفر في الوقت بكل حال، ولما لم يجز بناء الظهر على الجمعة في الوقت بكل حال لم يجز بعد الوقت. 4163 - قالوا: عبادة جاز الإتيان ببدلها عقيب خروج وقتها، كالظهر، وعكسه الحج والصوم. 4164 - قلنا: الوصف غير مسلم؛ لأن الظهر ليس ببدل عن الجمعة. 4165 - فإن قالوا: إنه يأتي عقيب خروج وقتها بما يقوم مقامه ويسقط فرضها، بطلت بالمسح؛ لأنه يجوز أن يأتي عقيب خروج وقته بما يقوم مقامه، وهو الغسل، ولا يجوز أن يبنى عليه بعد [خروج الوقت]، والمعنى في الأصل ما ذكرناه. 4166 - قالوا: فرضا وقت، فجاز أن يبنى أحدهما على الآخر، كصلاة السفر والإقامة. 4167 - قلنا: الوصف غير مسلم؛ لأن فرض الوقت عندنا الظهر. وكذلك من الفرع غير مسلم؛ لأن صلاة السفر والإقامة فرض واحد، فإن أرادوا بهما فرضين يؤديان في هذا الوقت بطل بالظهر والعصر بعرفة، وإن أرادوا أنهما واجبان بطل بالفائتة وصلاة الوقت، والمعنى في الأصل ما قدمناه. * * *

مسألة 242 إذا أدرك المؤتم الإمام في الجمعة بعد ما قعد مقدار التشهد بنى عليها الظهر

مسألة 242 إذا أدرك المؤتم الإمام في الجمعة بعد ما قعد مقدار التشهد بنى عليها الظهر 4168 - قال أبو حنيفة وأبو يوسف: إذا أدرك المؤتم الإمام في الجمعة بعد ما قعد مقدار التشهد بنى عليها الظهر. 4169 - وقال [محمد: إن أدركه قبل الركوع بنى عليها الجمعة وإن أدركه بعد الركوع بنى عليها الظهر]، وبه قال الشافعي. 4170 - لنا: ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - انه قال: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا)، والذي فاته الجمعة فوجب أن يقضيها. 4171 - ولا يقال: قوله: (ما أدركتم فصلوا) يقتضي أن يكون المدركة صلاة، وذلك لا يكون إلا أن يدرك ركعة؛ وذلك لأن المدرك وإن لم يسم صلاة فإنه يصح أن يقول: صلى مع الإمام، وإن كان المفعول ليس بصلاة، كما يقال

للداخل في الصلاة: أنه يصلي مع الإمام، وإن لم يأت بركعة. ولأن الاستدلال من قوله: (وما فاتكم فاقضوا) إن لم يكن صلاة. ولأنه أدرك حكم تحريمة الإمام للجمعة، فجاز أن يبني عليها جمعة، أصله: إذا أدرك ركعة. ولا يلزم إذا أدرك أول الصلاة ثم نفر الناس/؛ لأنه يجوز له البناء وإن انقطع حكم الجواز [كما يجوز في مسألتنا، وإن انقطع حكم الجواز] إذا خرج الوقت. 4172 - ولأنها صلاة تختص بذكر فوجب أن يستوي إدراك ركعة منها وما دونها في جواز البناء، أصله: العيد. 4173 - ولأن مشاركة المؤتم يحتاج إليها لتعين الفرض، فاعتبر فيها قدر التحريمة، أصله: مشاركة المسافر للمقيم. ولأن كل محل لو دخل المسافر في صلاة المقيم لزمه الإتمام إذا أدركه المؤتم من الجمعة بنى عليه جمعة، أصله: حال الركوع. 4174 - ولا يقال: إن المسافر ينتقل من نقص إلى كمال، فلذلك اعتبر مقدار التحريمة، وفي مسألتنا انتقل من كمال إلى نقص، ففرق [فيه] بين القليل والكثير، كالمقيم إذا سافر اختلف كثير سفره ويسيره؛ وذلك لأن علة الأصل تبطل بنية الإقامة؛ لأنها انتقال من نقص إلى كمال، ولا يستوي فيها القليل والكثير؛ لأن إن نوى الإقامة يوما لم يكن مقيما، وإن نوى عندهم أربعة أيام صار مقيما. وعلة الفرع تبطل بالسفر؛ لأن خروج المسافر من مصره ينقله من كمال إلى نقص، ولا يختلف فيه القليل والكثير؛ لأن من كان على طرف قصر إذا جاوز البيوت، ومن كان في أول البلد لم يقصر حتى يجاوز البيوت. وأما قولهم: إنه يختلف بالسفر القليل والكثير فليس بصحيح؛ لأن هذا الاختلاف إنما هو فيما يصير مسافرا. 4175 - احتجوا: بما روى الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة)، وروي: (من أدرك من

الجمعة ركعة فليصل إليها أخرى). وفي بعضها: (فليضف إليها أخرى)، فدليله: أن من لم يدرك ركعة لم يدرك الصلاة ولا يضيف إليها أخرى. 4176 - والجواب: أن هذا يدل على أن من أدرك ركعة فقد أدرك، ومن أدرك ما دونها غير مذكور، فلا يثبت حكمه بدليل الخطاب. ويجوز أن يحمل الخبر على إدراك أول الصلاة، فإن أدرك مع الجماعة ركعة أضاف إليها أخرى، وإن أدرك ما دونها صلى الظهر. ويجوز أن يكون فائدة تخصيص إدراك الركعة بالذكر أن يبين جواز تبعيض الجمعة؛ لئلا يظن ظان أن الجمعة إذا لم يجز فعلها إلا في جماعة لم يجز في المسبوق أيضا. 4177 - قالوا: روى ياسين بن معاذ الزيات عن الزهري الخبر، وفيه: (من أدرك من الجمعة ركعة صلى إليها أخرى، فإن أدركهم جلوسا صلى إليها أربعا)، ووافقه على هذا صالح بن أبي الأخضر، وسليمان بن أبي داود عن الزهري. 4178 - والجواب: أن ياسين بن معاذ كنيته: أبو خلف، قال البستي: كان يروي الموضوعات عن الثقات ويتفرد بالمعضلات عن الأثبات، لا يجوز

الاحتجاج به. وأما صالح فهو ابن أبي الأخضر، هكذا ذكره الدارقطني، وهو مولى هشام بن عبد الملك، قال البستي: يروي عن الزهري أشياء مقلوبة، واختلط عليه ما سمع من الزهري بما وجده مكتوبا، فلم يكن يميز هذا من ذاك. وأما سليمان بن أبي داود الحراني، فقال البستي: هو منكر الحديث لا يحتج به إلا فيما وافق الأثبات. ثم أصل هذا الخبر ما رواه معمر والأوزاعي، ومالك عن الزهري [عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها). قال معمر: قال الزهري:] فنرى الجمعة من الصلاة، [فهذا ليس من الخبر، بل كلام الزهري] أدرجه الرواة وبينه معمر. وقد ذكر الدارقطني في

حديث ياسين بن معاذ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (وإن فاتته الركعتان صلى أربعا)، فدليله: إن فاتته أقل من ركعتين صلى الجمعة. وذكر الدارقطني في هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من أدرك الإمام جالسا قبل أن يسلم فقد أدرك الصلاة)، وهذا معارض لما قالوه. 4179 - وقولهم: إن راويه نوح بن أبي مريم وهو ضعيف، فليس بدون من ذكرنا. ويحتمل أن يكون المراد به: أدركهم جلوسا بعد السلام ليبين أن الجمعة لا تقضى إذا فرغ منها الإمام. ولأن ما ذكرناه من الخبر متفق على استعماله، [وهو] غير مختلف في طريقه، فكان الرجوع إليه أولى. 4180 - قالوا: روي عن ابن مسعود وابن عمر وأنس مثل قولنا. وعن عمر: (إن أدركها مع الخطبتين وإلا صلى الظهر). ولم يقل أحد منهم مثل قولكم، فلا يجوز إحداث قول ثالث. 4181 - والجواب: أنه قد روي عن معاذ مثل قولنا. 4182 - قالوا: لم يدرك معه ما يعتد به من فرضه، فوجب أن لا يكون مدركا للجمعة، أصله: إذا أدرك معه التسليمة الثانية. 4183 - قلنا: الأصل غير مسلم؛ لأنه إذا أدركه في [تسليمة ثانية] فسجد

للسهو كان مدركا. ولأن الإدراك لتعيين الفرض لا يعتبر فيه ما بعتد به، كدخول المسافر في صلاة المقيم، والمعنى: إذا أدركه في التسليمة الثانية لم يدرك حكم التحريمة، وليس كذلك ما قبلها؛ لأنه أدرك حكم التحريمة. أو نقول: إنه محل لو أدرك فيه المسافر المقيم لم يلزمه الإتمام. 4184 - قالوا: لم يدرك من الجمعة ركعة مع العدد فوجب أن لا يكون مدركا لها، كما لو انفضوا عنه قبل الركعة. 4185 - قلنا: حكم الإدراك في أول الصلاة أضيق منه في آخرها؛ ألا ترى أن من لم يدرك الخطبة لا يجوز أن يفسخ الجمعة، ويجوز أن يكون خليفة في الرأي. ولأن الإدراك في أول ما يحتاج إليه للبناء، فلذلك اعتبر أكثر أفعال الركعة. وفي مسألتنا يحتاج إليه لتغيير الفرض، فاعتبر فيه قدر التحريمة. 4186 - قالوا: العدد شرط في صحة الجمعة، لا فيما يقضيه؛ ألا ترى أنه لا يعتبر في ركعة واحدة إذا قضاها ولم يخرج من أن يكون شرطا. ولأن العدد إنما يعتبر في حال الجماعة، وأما بعد القضاء [بها] فلا يعتبر. 4187 - قالوا: الركعة أصل؛ بدليل أن المدرك يعتد به وما دونه لا يعتد به؛ فلذلك لم يجز الإضافة إليه. 4188 - قلنا: الركعة أصل في باب الاعتداد؛ فأما في تغيير الفرض والبناء فلا؛ بدلالة ما ذكرناه. 4189 - قالوا: من لم يدرك الركوع لم يسقط عنه شيء من فرض الانفراد، أصله: سائر الصلوات. 4190 - [قلنا: نعكس فنقول: فوجب أن لا يمنع بناء تلك الصلاة، أصله: سائر الصلوات] أو: فوجب أن لا يبنى عليها صلاة لأخرى. ثم الوصف غير مسلم؛ لأن

عندنا يسقط شيء من فرض الانفراد؛ لأن من فرض الانفراد أن لا يتابع، والمتابعة واجبة هنا. ويبطل ما قالوه بدخول المسافر في صلاة المقيم؛ أنه يسقط بها شيء من فرض الانفراد، وهو وجوب القعدة عقيب الركعتين. * * *

مسألة 243 إذا صعد الإمام المنبر فظاهر المذهب أنه لا يسلم

مسألة 243 إذا صعد الإمام المنبر فظاهر المذهب أنه لا يسلم 4191 - قال الطحاوي: إذا صعد الإمام المنبر، فظاهر المذهب أنه لا يسلم. 4192 - وقال الشافعي: يسلم ثم يجلس. 4193 - وهذا مبني على أصلنا أن خروج الإمام يقطع الكلام، فلا يجوز السلام كما لا يجوز سائر أنواع الذكر، ولأنها حالة منع فيها من ابتداء الصلاة لأجل الخطبة، فلا يسن فيها السلام [كحال الخطبة. ولأنه ذكر يتقدم الصلاة فلا يسن السلام] في ابتدائه، كالإقامة. 4194 - احتجوا بحديث نافع عن ابن عمر قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قرب من منبره سلم على من عند منبره ويصعد، فإذا أقبل على الناس سلم وجلس. 4195 - والجواب: أن الطحاوي قال: لم نجد في هذا حديثا صحيحا يجب القول به، ووجدنا فيه أحاديث ضعافا [لا يقوم] الحجة بمثلها، ولو ثبت احتمل أن يكون في وقت إباحة الكلام.

4196 - قالوا: إقبال بعد استدبار فوجب أن يسلم، كما لو انصرف من مجلس ثم عاد إليه. 4197 - قلنا: يبطل بالإمام إذا سلم ثم توجه إلى القبلة ثم انحرف بوجهه إلى القوم. ولأن الكلام في هذه الحالة هل يجوز فيها الكلام أو لا، فلا معنى لتعليله بالاستقبال والاستدبار. * * *

مسألة 244 القعدة بن الخطبتين ليست بواجبة

مسألة 244 القعدة بن الخطبتين ليست بواجبة 4198 - قال أصحابنا: القعدة بين الخطبتين ليست بواجبة. 4199 - وقال الشافعي: واجبة. 4200 - لنا: قوله تعالى: {فاسعوا إلى ذكر الله}، ولم يفصل. وروي أن عمارا خطب فأوجز، فقيل: لو تنفست، فقال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا بإقصار الخطب وإطالة الصلاة. وحديث عثمان وقد قدمناه، وروي أن عليا خطب ولم يجلس. ولأنه ذكر يفعل في حال القيام، فلا يجب فيه الفصل. ولأنهما ذكران يتقدمان الصلاة فلا يجب الفصل بينهما بقعدة، كالأذان والإقامة. 4201 - احتجوا: بحديث جابر بن سمرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب قائما ثم يجلس فيوم فيخطب قائما. 4202 - والجواب: أن مجرد الفعل لا يدل على الوجوب.

4203 - قالوا: الخطبة أقيمت مقام ركعتين، فكما يجب القعدة في الركعتين كذلك في الخطبة. 4204 - قنلا: القعدة تجب عقيب الركعتين، فأما بينهما فلا. * * *

مسألة 245 لا يرد في حال الخطبة السلام ولا يشمت العاطس

مسألة 245 لا يرد في حال الخطبة السلام ولا يشمت العاطس 4205 - قال أصحابنا: لا يرد في حال الخطبة السلام، ولا يشمت العاطس. 4206 - وقال الشافعي في أحد قوليه: يرد السلام، ويشمت العاطس. 4207 - وهذا مبني على أصلنا: أن الإنصات واجب. 4208 - وقال الشافعي في أحد قوليه: يستحب. 4209 - لنا: قوله تعالى: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا}، وروي أن ذلك نزل في شأن الخطبة. 4210 - والجواب: أن الخبر يقتضي صلاة تفعل في الحالتين حتى يصح التفصيل، وعندنا أن العيد لا يفعل حال الانفراد فلا يتصور التفصيل. 4211 - قالوا: صلاة لا يشترط في انعقادها عدد مخصوص، فلم يفرض فيها الجماعة، كسائر الصلوات. 4212 - قلنا: الوصف غير مسلم؛ لأن ظاهر مذاهبهم أن العدد معتبر، كما يعتبر المصر والجماعة، والمعنى في سائر الصلوات أنه لم يشرع لها خطبة.

4213 - قالوا: صلاة تفعل في السنة دفعتين، كصلاة الكسوف. 4214 - قلنا: إن أردتم أنها لا تفعل أكثر من دفعتين لم يصح؛ لأن الكسوف قد يتفق أكثر من ذلك، وإن أردتم أنها تفعل مرتين وما زاد عليها انتقض بالجمعة. * * *

مسألة 246 من شرط صلاة العيد المصر

مسألة 246 من شرط صلاة العيد المصر 4215 - قال أصحابنا: من شرط صلاة العيد المصر. 4216 - وقال الشافعي: يجوز في الأمصار وغيرها، وللمسافر والمقيم. 4217 - لنا: قوله - عليه السلام -: (لا جمعة ولا تشريق ولا فطر ولا أضحى [إلا في مصر جامع)، [ومعلوم أنه] لم يرد نفس الفطر ونفس الأضحى]، فلم يبق إلا أن يكون المراد به الصلاة. 4218 - ولا يجوز أن يقال: إن الخبر يقتضي جوازها في المصر منفردا فيصر مشترك الدليل؛ لأن كل من جعل المصر شرطا جعل الجماعة شرطا. 4219 - ويدل عليه: ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فتح مكة في رمضان وخرج منها إلى هوازن، فاتفق له العيد في سفره فلم يصل، ولو وجبت على المسافر لم يتركها.

4220 - ولا يجوز أن يقال: إنه اشتغل بالقتال فكان أولى؛ لأن فعل صلاة العيد لا يقطع عن القتال والسفر، كما لا يقطع الفرائض، لاسيما على قولهم: يفعلها راكبا أو منفردا. ولأنها صلاة شرعت لها خطبة فكان من شرطها الوطن، كالجمعة، فإذا ثبت أن الوطن شرط ثبت أن السلطان شرط، كالجمعة على أصلنا. 4221 - احتجوا: بأنها صلاة يتوالى فيها التكبير حال القيام، فجاز فعلها في السفر والحضر، كالجنازة. 4222 - قلنا: نقول بموجبه؛ لأن الإمام إذا كان مسافرا صلى بالناس العيد في المصر الذي يتفق فيه، والمعنى في صلاة الجنازة أنها لا تختص بخطبة، فلذلك لم تختص بالمصر، وليس كذلك العيد لأنها تختص بخطبة. * * *

مسألة 247 يتعوذ في صلاة العيد عقيب الاستفتاح ثم يكبر

مسألة 247 يتعوذ في صلاة العيد عقيب الاستفتاح ثم يكبر 4223 - قال أبو يوسف: يتعوذ في صلاة العيد عقيب الاستفتاح ثم يكبر. 4224 - وقال محمد: بعد التكبير. وبه قال الشافعي. 4225 - وجه قول أبي يوسف: أن التعوذ ذكر مسنون يفعل في حال القيام، فكان متقدما عل التكبيرات، كالاستفتاح. ولا يلزم قراءة السورة؛ لأنها قد تكون واجبة وقد تكون مسنونة. ولأن الاستفتاح استفتاحان: فإذا جاز تقدم أحدهما على التكبير، فكذلك [الآخر]، ولأن التعوذ لا يفصل بينه وبين الاستفتاح بشيء، كسائر الصلوات. 4226 - وجه قول محمد: قوله تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله}، فهذا يدل على أنه لا يفصل بينهما بشيء. 4227 - والجواب: أنه لا يمتنع أن يكون استفتاحا لها وإن تخلل بينهما ذكر، كما لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم. * * *

مسألة 248 إذا أدرك الإمام في الركوع من صلاة العيد كبر ثم ركع وأتى بالتكبيرات في حال الركوع

مسألة 248 إذا أدرك الإمام في الركوع من صلاة العيد كبر ثم ركع وأتى بالتكبيرات في حال الركوع 4228 - قال أبو حنيفة ومحمد: إذا أدرك المؤتم الإمام في الركوع من صلاة العيد، كبر ثم ركع وأتى بالتكبيرات في حال الركوع، وإن نسي الإمام التكبير ثم تذكره في حال القيام كبر. 4229 - وقال الشافعي: إذا نسي الإمام التكبير حتى أخذ في القراءة، لم يعد إليه. في الصحيح من مذهبه، وله قول آخر أنه يعود. 4230 - وإذا أدركه المأموم قائما وقد كبر، لم يكبر، [أما الإمام]: فلقوله - عليه السلام -: (أربع كتكبيرات الجنائز لا يسهو)، ولم يفصل. ولأن محل التكبير باق ليه فجاز أن يأتي به، كما لو كبر بعد ما تعوذ. 4231 - ولأنه ذكر زائد، فلا يسقط ما دام القيام باقيا، كالقنوت. ولأنها تكبيرات متوالية تفعل في حال القيام فإذا تركها وأتى [بها] بذكر بعدها لم يسقط، كتكبيرات الجنازة إذا نسيها وتشاغل بالدعاء والسلام.

4232 - أما المأموم: إذا أدركه في حال القيام، فلأنه ذكر غير تابع لغيره يأتي به الإمام والمؤتم، فإذا أدركه بعد فراغه جاز أن يأتي به المأموم، كالاستفتاح. 4233 - ولأنه إذا أدركه قبل القراءة فهذه حالة لو تذكر الإمام فيها التكبير لزمه أن يأتي به، فإذا أدركه المؤتم فيها لم يسقط عنه، كالابتداء. 4234 - وأما الكلام في حال الركوع: فهو فرع على أصلنا أن تكبيرة الركوع يعتد بها من تكبيرة العيد، وهي مدخولة في حال الانحناء وتلك الحال أجريت مجرى حال القيام، فكذلك الركوع لما أجرى مجرى القيام جاز أن يفعل فيه التكبير. 4235 - ولأنه محل يكون مدركه مدركا، فجاز أن يأتي فيه بتكبير العيد، كالقيام. 4236 - ولا يقال: إنه وإن أجري مجرى القيام فيما ذكرتم فإنه لا يجري مجراه في الأذكار، ولهذا لا يقرأ فيه ولا يستفتح؛ وذلك لأن القراءة لا تلزم المؤتم عندنا، فلا يتصور أنه يفعلها في الركوع، فأما الإمام فلا يأتي بالتكبير في الركوع عندنا، وإنما يعود إلى حال القيام فيكبر، كما لا يقرأ في حال الركوع، وأما الاستفتاح فإنما لا يفعل في حال الركوع؛ لأنه محل التسبيح، فلا يجتمع فيه تسبيحان. ولأنه لو استفتح لوقع عن تسبيح الركوع ولم يقع عن غيره. 4237 - ولا يقال: المعنى في القيام أنه محل للقراءة، فكان محلا للتكبير، والركوع ليس بمحل للقراءة، فلم يكن محلا للتكبير؛ وذلك لأن التكبير قد يثبت في غير محل القراءة؛ بدلالة تكبيرات الركوع والسجود. وعلى الصحيح من مذهبهم: إذا قرأ الغمام فذلك المحل محل للقراءة، وليس بمحل للتكبير.

4238 - احتجوا: بقوله - عليه السلام -: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، ولم ينقل أنه كبر راكعا. 4239 - والجواب: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يفعل العيد مأموما مسبوقا، وإنما فعله إماما، وعندنا الإمام لا يكبر إلا في حال القيام. 4240 - قالوا: فلا يؤتى به حال الركوع، كالقراءة. 4241 - قلنا: إن أردتم أنه شرع في حال القيام دون غيرها لم نسلم؛ لأنه يفعل عندنا في حال الانحطاط. وإن أردتم أنه شرع في حال القيام وغيره انتفض بتكبير غير العيد؛ لأنه شرع في القيام وغيره ويفعل في حال الركوع. ثم المعنى في القراءة أنها لا تختص بصلاة العيد، [فلم تقض في غير محلها، والتكبير يختص بصلاة العيد]، فجاز أن يقضى في غير محله. 4242 - قالوا: الركوع ركن مضمن بالتسبيح، فلا يكون محلا للتكبير، كالسجود. 4243 - قلنا: السجود لم يجر مجرى القيام في باب الإدراك، ليس كذلك الركوع؛ لأنه بخلافه. 4244 - قالوا: تكبيرة الركوع إلى الركوع أقرب من تكبير العيد إليه، فإذا لم يؤمر بها حال الركوع فتكبير العيد أولى. 4245 - قلنا: تكبيرة الركوع تقعل على طريق العلامة، فإذا فعلت في غير محلها خرجت من غير موضعها، وتكبير العيد مقصود في نفسه، فلذلك جاز أن يثبت حكمه مع فوات علة الموضع له. * * *

مسائل تكبيرات التشريق

مسائل تكبيرات التشريق [249 - 258] مسألة 249 البدء بالتكبير عقيب صلاة الفجر من يوم عرفة 4246 - المشهور عن أصحابنا: أنه يبتدئ بالتكبير عقيب صلاة الفجر من يوم عرفة. 4247 - ومن أصحاب الشافعي من قال: عقيب الظهر من يوم النحر قولا واحدا. ومنهم [من] قال: ثلاثة أقوال: أحدها: الفجر من يوم عرفة. والثاني: المغرب من ليلة النحر. والثالث: الظهر من يوم النحر. 4248 - لنا: قوله تعالى: {واذكروا الله في أيام معدودات}، روى جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم - أنهم قالوا: أيام العشر. ومنهم من قال: يوم النحر ويومان

بعده، والاسم إذا تناول شيئين حمل على أولهما، فظاهر الآية يقتضي أن يكبر من أول العشر إلا ما قام عليه الدليل. ولأن مجموع القولين أن يوم النحر من الأيام، فيقتضي التكبير في أوله. 4249 - ولا يقال: إن المراد {واذكروا} لأجل ما رزقكم من بهيمة الأنعام؛ وذلك لأن المراد به {واذكروا} لأجل ما رزقكم من بهيمة [الأنعام] {ولتكبروا الله على ما هداكم}. ويدل عليه: ما روى جابر قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح من يوم عرفة كأن وجهه حلقة فضة. فقال: (السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله) ثم قال: (الله أكبر الله أكبر لا إله ألا الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد). 4250 - وروى مجاد عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه فيهن العمل [من] هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن التهليل والتكبير والتحميد). 4251 - وذكر الدارقطني حديث عمرو بن سمرة عن جابر عن أبي الطفيل عن علي وعمار بن ياسر أنهما سمعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكبر في دبر الصلوات المكتوبات من صلاة الغداة يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق. 4252 - وعن أبي جعفر عن علي بن الحسين عن جابر بن عبد الله، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكبر في صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق حين يسلم من المكتوبات. وهذا فيه ضعف؛ لأن عمرو بن سمرة متروك الحديث.

4253 - ولأنه يوم يختص بركن من أركان الحج فكان وقتا للتكبير، كيوم النحر. ولا يلزم [اليوم] الثاني من يوم النحر؛ لأن الطواف لا يختص به. ولأن الفجر إحدى مكتوبات يوم النحر، فيسن عقيبها التكبير. 4254 - احتجوا: بقوله تعالى: {فإذا قضيتم تناسككم فاذكروا الله} وقضاء المناسك يكون ضحى نهار يوم النحر. 4255 - والجواب: أن المراد بهذا الذكر هو التكبير، وإنما كانوا يتفاخرون في الجاهلية بأفعال آبائهم، فأمر الله تعالى بأن يبدأ بذكره، فهذا ليس له تعلق بالصلاة. 4256 - احتجوا: بأنه يوم لم يسن فيه الرمي فلم يسن فيه التكبير، كما قبله. 4257 - والجواب: أنه باطل بيوم الفطر على أصلهم؛ لأنه ليس بوقت للرمي، وهو وقت للتكبير. ولأن التكبير ليس له تعلق بوقت الرمي؛ بدلالة ما قبل الظهر من يوم النحر، وليس بوقت للتكبير عندهم. والمعنى فيما قبل يوم عرفة أنه لا يدخل فيه أول وقت ركن من أركان الحج. 4258 - قالوا: ما كان محلا للصوم لم يكن التكبير مسنونا فيه، كما قبله. 4259 - قلنا: كونه محلا لعبادة لا يدل على أنه ليس بمحل لذكر، كاليوم الذي هو محل للطواف ومحل للذكر. والمعنى في الأصل ما قدمناه. 4260 - قالوا: يوم عرفة مختص بالتلبية والدعاء، فكان الاشتغال به أولى من الاشتغال بالتكبير. 4261 - قلنا: يبطل بمن أحرم بالعمرة في أيام التشريق. * * *

مسألة 250 يقطع التكبير بعد العصر من يوم النحر

مسألة 250 يقطع التكبير بعد العصر من يوم النحر 4262 - قال أبو حنيفة: يقطع التكبير بعد العصر من يوم النحر. وقال أبو يوسف ومحمد: يكبر إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق. 4263 - وقال الشافعي أقوالا، أحدها: الفجر من آخر أيام التشريق، والآخر: الظهر، والآخر: العصر. 4264 - لنا: أن التكبير لا يجوز إثباته إلا من طريق التوقيف والاتفاق، ولم يوجد ذلك فيما بعد يوم النحر. ولأنه وقت لا يختص بركن من أركان الحج، كسائر الأيام. ولأنه وقت لا يسن فيه التلبية للحج، فلا يسن فيه التكبير، أصله: ما بعد أيام التشريق. ولأنه ذكر سن عقيب الصلاة، فجاز أن يقطع يوم النحر، كالتلبية. 4265 - احتجوا: بقوله تعالى: {واذكروا الله في أيام معدودات} وهي: يوم النحر ويومان بعده، وأيام التشريق، فالظاهر يقتضي وجوب التكبير فيها. 4266 - والجواب: أن المراد بهذا الذكر عقيب الرمي؛ لدلالة أنه قال: {فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه}، والتعجيل ليس له تعلق بالتكبير وإنما يتعلق بالرمي. 4267 - قالوا: كل يوم سن فيه الرمي سن فيه التكبير، كيوم النحر. 4268 - قلنا: [قد] قدمنا أنه ليس للرمي تعلق بالتكبير. ولأن يوم النحر لما دخل فيه أول وقت ركن من أركان الحج جاز أن يكون وقتا للتكبير. * * *

مسألة 251 صفة التكبير

مسألة 251 صفة التكبير 4269 - قال أصحابنا: صفة التكبير أن يقول: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد. 4270 - وقال الشافعي: يقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر، ثلاث مرات نسقا، ويزيد بعد ما شاء. وله في التهليل قولان. 4271 - لنا: حديث جابر الذي قدمناه، وحديث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد). وعن عمرو بن سعد قال: كان علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود يكبران: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد). ولأن فعل المسلمين في سائر الأعصار مثل قولنا.

ولأنها تكبيرات متواليات، فكانت شفعا، كالأذان والجنازة. ولأنه تكبير خارج الصلاة، فكان التهليل مسنونا معه، كالأذان. 4272 - احتجوا: بقوله تعالى: {ولتكبروا الله على ما هداكم}، فأمر بالتكبير، وهذا يقتضي أن لا يكون معه غيره. 4273 - والجواب: أن التكبير هو التعظيم، وهذه الأذكار كلها تعظيم لله تعالى. 4274 - قالوا: [و] روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صعد الصفا وقال: (الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده). 4275 - والجواب: أن هذا ذكر يختص بالصفا والمروة، يفعل عند السعي في أيام التشريق وغيرها. 4276 - قالوا: تكبير من شعار العيد فوجب أن يؤتى به خالصا لا يشوبه غيره، قياسا على التكبير في أثناء الصلاة. 4277 - قلنا: لا نسلم أنه من شعار العيد؛ لأنه يفعل يوم عرفة عندنا، وعندهم بعد صلاة الظهر من يوم النحر. ولأن أذكار الصلاة لا تجمع مع التكبير غيره، وخارج الصلاة يضم إليها غيره؛ بدلالة الأذان. 4278 - قالوا: ذكر جعل شرطا للعبادة وسن فيه الإظهار والإعلان، فوجب أن يؤتى به خالصا، كالتلبية. 4279 - قلنا: يبطل بالأذان. ولأن عندنا الذكر الذي جعل شعارا جملة هذه الأذكار، وهي عندنا خالصة غير مشوبة. ولأن التلبية وإن كانت شعارا فإن التحميد مسنونا فيها، فلذلك سن في مسألتنا. * * *

مسألة 252 من شرط تكبير التشريق المصر والإقامة

مسألة 252 من شرط تكبير التشريق المصر والإقامة 4280 - قال أبو حنيفة: من شرط تكبير التشريق المصر والإقامة. 4281 - وقال أبو يوسف ومحمد: يكبر المسافر. 4282 - وهو قول الشافعي. 4283 - لنا: قول - عليه السلام -: (لا جمعة ولا تشريق ولا أضحى ولا فطر إلا في مصر جامع). والمراد بالتشريق تكبيره؛ لأنه مأخوذ من الظهور. ولا يجوز أن يقال: إن الأصمعي قال: التشريق الصلاة؛ لأنها تفعل عند إشراق الشمس؛ لأن الصلاة قد فهمت من قوله: (لا فطر ولا أضحى)، فلم يحمل اللفظ على التكرار. ولا يجوز أن يحمل على تشريق اللحم؛ لأن الأضحية لا تختص بالمصر. ولأنه ذكر زائد يلي الصلاة ويختص بها فاختص ببعض الأماكن، كالخطبة. ولا يلزم التثويب؛ لأنه لا يلي الصلاة. ولا التلبية؛ لأنها لا تختص الصلاة. ولأن الأذكار تارة تتقدم الصلاة وتارة تتأخر، فإذا كان ما يتقدم يجوز أن يختص ببعض الأماكن

فالمتأخر مثله! 4284 - احتجوا: بقوله تعالى: {واذكروا الله في أيام معدودات}، ولم يفصل. 4285 - والجواب: ما قدمناه: أن المراد به التكبير عقيب الرمي. * * *

مسألة 253 النساء لا يكبرن إذا انفردن بالصلاة

مسألة 253 النساء لا يكبرن إذا انفردن بالصلاة 4286 - قال أبو حنيفة: لا يكبر النساء إذا انفردن بالصلاة. 4287 - وقال الشافعي: يكبرن. 4288 - لنا: أن ما اختص بالمصر لم ينفرد به النساء، كالجمعة. ولأنه من سنة التكبير رفع الصوت، والنساء منهيات عن ذلك. 4289 - احتجوا: بما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج من المصلى ومعه العباس والفضل بن العباس وعبد الله بن العباس وعلي وجعفر والحسن والحسين، وزيد وأسامة وكانوا يصرخون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الله أكبر، الله أكبر). 4290 - والجواب: أن هذا تكبير في طريق المصلى، والخلاف في التكبير عقيب الصلاة. ولأن الصبيان لا ننهاهم عن التكبير وإنما لا نلزمهم به. 4291 - قالوا: تكبير من شعار العيد، فيجب أن يكون مسنونا لكل أحد، كتكبير العيد. 4292 - قلنا: يبطل على أصلهم بالتكبير في أول خطبة العيد. ولأنه لا فرق بينهما عندنا؛ لأن النساء لا يكبرن للعيد إلا على طريق التبع للإمام. 4293 - قالوا: التكبير من شعار العيد كما أن التلبية من شعار الإحرام، فإذا لم

تختص التلبية بالرجال، كذلك الحريم. 4294 - قلنا: التلبية ذكر يفعل في أثناء العبادة، كتكبيرات الصلاة، والتكبير ذكر زائد على الصلاة وتختص بها الخطبة. * * *

مسألة 254 لا يكبر عقيب النافلة

مسألة 254 لا يكبر عقيب النافلة 4295 - لا يكبر عقيب النافلة عندنا. 4296 - وقال الشافعي في أحد قوليه: يكبر. 4297 - لنا: ما روي عن ابن مسعود وابن عمر مثل قولنا، ولا مخالف لهما. ولأنه ذكر زائد فلا يثبت في النوافل، كالخطبة. ولأنها صلاة نافلة فلا يكبر عقيبها، أصله: نوافل يوم عرفة. 4298 - ولا يقال: إنها صلاة راتبة كالفرائض؛ لأن الفرائض سن فعلها في الجماعة في جميع الأوقات والنافلة بخلاف ذلك. * * *

مسألة 255 إذا غم الهلال فلم يعلم بيوم العيد حتى زالت الشمس صلى العيد من الغد

مسألة 255 إذا غم الهلال فلم يعلم بيوم العيد حتى زالت الشمس صلى العيد من الغد 4299 - قال أصحابنا: إذا غم الهلال فلم يعلم بيوم العيد حتى زالت الشمس صلى العيد من الغد. 4300 - وقال الشافعي في أحد قوليه: إنها لا تقضي. 4301 - لنا: ما روي عن [أبي عمير بن أنس] عن عمومته من الأنصار أنهم قالوا: غم علينا هلال شوال، فجاء ركب بعد الزوال فشهدوا بأنهم شهدوا الهلال البارحة، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يفطروا ويغدوا إلى المصلى. ولأنها صلاة أصل، فجاز أن يقضيها، كالوتر. ولا يلزم الجمعة؛ لأنها قائمة مقام غيرها. ولا النوافل؛ لأنها تقضي إذا

أفسدها. ولا يمكن القول بموجبها إذا شهدوا بالليل؛ لأن ما يفعل من الغد عندهم أداء وليس بقضاء. ولأنه يوم يجوز الأضحية فيه، فجاز فيه صلاة العيد، كيوم النحر. 4302 - ولا يقال: إنه أحد شعاري العيد، فلا يقضي، كتكبير التشريق؛ لأنه يقضي عندنا إذا فاتت صلاة من الأيام فتذكرها فيها. ولأن تكبير التشريق ذكر يتعلق بالصلاة [في وقت مخصوص، فلا يقضي بعد فوات وقتها]، كالخطبة. 4303 - ولا يقال: إن القضاء بعد الزوال أقرب إلى وقت الفوات، فإذا لم يقض فيه فمن الغد أولى؛ لأن موضوع العيد أن يفعل في وقت ليس بوقت لصلاة مفروضة، فجب أن يقضى على الوجه الموضوع لها في الأأصل؛ لأنها لا تصلى بالليل عندهم إذا شهد الشهود بالليل، وإن جاز أن يصلى من الغد، والليل إلى وقت الفوات أقرب. * * *

فصل

فصل مسألة 256 صلاة العيد لا تقضى بعد الزوال 4304 - وقد قال أصحابنا: إنها لا تقضى بعد الزوال. 4305 - وقال الشافعي: إذا أمكن اجتماع الناس جاز. 4306 - لنا: أنه وقت لصلاة الظهر، فلم يجز العيد فيه، كسائر الأيام. ولأن موضوعها أن تفعل في وقت تنفرد به لا يشاركها صلاة مفروضة فيه، فلم يجز أن تفعل في غير وقتها. ولأنها عبادة لها تحريم وتحليل، فجاز أن يختص قضاؤها بمثل وقت أدائها، قياسا على الإحرام. * * *

فصل

فصل مسألة 257 إذا شهد الشهود بالليل صلى العيد من الغد 4307 - وقد قال أصحابنا: إذا شهد الشهود بالليل صلى العيد من الغد، وكانت قضاء. 4308 - وقال الشافعي: يكون أداء. 4309 - لنا: أن كل وقت لا يكون وقتا لأداء صلاة العيد مع العلم بمضي يوم العيد لا يكون وقتا لأدائها مع الجهل، كسائر الأيام. ولأن الوقت الموضوع لها قد فات، فإذا فعل بعده كانت قضاء، كسائر الصلوات. * * *

فصل

فصل مسألة 258 إذا أخر صلاة عيد الفطر من غير عذر لم تقض من الغد 4310 - وقد قال أصحابنا: إذا أخر صلاة الفطر من غير عذر لم تقض من الغد. 4311 - وقال الشافعي: إذا شهد الشهود قبل الزوال يوم الفطر فلم يجتمع الناس فعيدهم من الغد. 4312 - والدليل على ما قلناه: أنه أخر صلاة الفطر عن وقتها بغير عذر فأشبه إذا شهد في ليلة الفطر، فلم يصلها من الغد. * * *

مسائل الكسوف

مسائل الكسوف [259 - 261] مسألة 259 صلاة الكسوف في كل ركعة ركوع واحد 4313 - قال أصحابنا: صلاة الكسوف في كل ركعة ركوح واحد. 4314 - وقال الشافعي: في كل ركعة ركعتان. 4315 - لنا: ما روى حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب، [عن أبيه]، عن عبد الله بن عمرو، قال: كسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[فقام بالناس فلم يكد يركع ثم يركع، فلم يكد يرفع ثم يرفع، وفعل فيالثانية مثل ذلك). وروى أبو قلابة، عن قبيضة الهلالي أن الشمس كسفت على عهد رسول الله

- صلى الله عليه وسلم -] فخرج فزعا يجر ثوبه وأنا معه يومئذ بالمدينة، فصلى ركعتين أطالهما، ثم انصرف وتجلت الشمس، فقال: (إنما هذه الآيات يخوف الله بها، فإذا رأيتموها فصلوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة). وهذا يقتضي أن تكون صلاة الكسوف على صفة الفرض. وروى سمرة بن جندب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى، فقام بنا كأطول ما قام بنا في صلاة قط، لا نسمع له صوتا، ثم ركع بنا كأطول ما ركع وما سجد بنا في صلاة قط، لا نسمع له صوتا، ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك. 4316 - وروى ابن مسعود قال: كسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: (إذا رأيتم هذه الأفزاع فاحمدوا الله وسبحوه وكبروا وصلوا حتى ينجلي كسوفها)، ثم نزل فصلى ركعتين. وهذا يفيد ركوعا في كل ركعة. وروى النعمان ابن بشير قال: كسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقام وصلى ركعتين وسلم، ويصلي ركعتين ويسلم حتى انجلت. وعن أبي بكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى ركعتين نحوا من صلاته.

4317 - وروي عنه - صلى الله عليه وسلم -: (صلوا كما تصلون). وعن أبي مسعود الأنصاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا رأيتم ذلك فقوموا إلى الصلاة). وهذا يقتضي المعهود. ولأنها صلاة نافلة فلا يجمع فيها ركوعان في ركعة، كسار النوافل. ولأنا إن اعتبرناها [بالنوافل لم تجز الزيادة في ركوعها، وإن اعتبرناها] بالفرائض فكذلك. ولأن الزيادة في الصلاة إنما ثبتت في الأذكار، فأما [في] الأفعال فلا؛ كسائر الصلوات. ولأنه ركن من أركان الصلاة فلا يزاد لأجل الكسوف، كالسجود. ولأن ما أوجب نقصان في سائر الصلوات لم يكن مسنونا في صلاة الكسوف، كالالتفات وزيادة السجود. 43118 - احتجوا: بحديث ابن عباس قال: خسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقم قياما طويلا نحوا من سورة البقرة، ثم ركع ركوعا طويلا، وهو دون الركوع الأول، وروى عروة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله.

4319 - وروى ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بالناس ركعتين، [في كل ركعة ركوعين]. 4320 - وروى أبو الزبير عن جابر، وأبو قلابة عن عائشة وابن عباس ما يعارض هذا. 4321 - وروي عن عطاء عن عبيد بن عمير عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم فيركع ثلاث ركعات، ثم يسجد سجدتين، ثم يقوم ويركع ثلاث ركعات، ثم يسجد سجدتين، يعني في صلاة الخسوف. 4322 - وروى طاووس ع ابن عباس قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخسوف فقام فافتتح، ثم قرأ ثم ركع، ثم رفع رأسه فقرأ، ثم ركع، ثم رفع رأسه فقرأ، ثم ركع، [ثم رفع رأسه فقرأ، ثم ركع]. وأما جابر: فذكر أبو داود حديث عطاء عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ركع في كل ركعة خمس ركوعات. فإذن تعارضت هذه الأخبار، وقد رويت أخبارنا من غير معارضة، فكان الرجوع إليها أولى.

ولأن في خبرنا [قوله]: (كأحدث الصلاة)، والقول والفعل إذا اجتمعا فالقول أولى. ولأن أخبارنا يشهد لها أصول الصلوات وأخبارهم تخالفها. 4323 - ولا يجوز أن يقال: إن في خبرنا زيادة، فهو أولى؛ لأن الزيادة لو اعتبرت لوجب إثبات أزيد ما روي، فلما لم يثبت سقط الرجوع إلى الزيادة. 4324 - ولا يقال: إنما نستعمل ما قلتموه، لأنه يجوز أن يأتي بركوع واحد؛ لأن ذلك وإن جاز فالأفضل عندهم فعل الركوعين. 4325 - ولا يقال: متى خشي أن تنجلي الشمس إن طول اقتصر على ركوع واحد؛ وذلك لأنه روي في خبرنا: أنه قام حتى قلنا: لا يركع، ثم ركع حتى قلنا: لا يقوم. فلو كان اقتصر على ركوع واحد للمبادرة لم يطول. وقد استعمل أصحابنا خبرهم فقالوا: طول النبي - صلى الله عليه وسلم - الركوع وتقدم فيه وتأخر، فلما فرغ من صلاته قال: (ما من شيء توعدون [به] إلى يوم القيامة إلا وقد رأيته في مقامي هذا، قربت من النار حتى كدت أدخلها، فرأيت أكثر أهلها النساء، وقربت من الجنة حتى كدت أدخلها فرأيت أكثر أهلها المساكين). فيجوز أن يكون لما تقدم وتأخر ظن الراوي أنه ركع ركوعين، أو يكون جعل الركوع في موضعين ركوعين.

ويحتمل أن يكون ركع بدلا من سجدة التلاوة ثم عاد إلى القراءة فظن الراوي أنه ركع للصلاة. وعلى هذا يحمل ما روي أنه ركع أكثر من ركوعين. ويحتمل أن يكون هذا في الوقت الذي يباح الكلام في الصلاة، فيباح فيها ركوعان ليس منها، ففعل ذلك على أنه من الصلاة. وأما حديث أبي موسى وأبي هريرة وابن عمر فلم يذكرها أبو داود وأصحاب المسانيد، ولا تعرف، والكلام عليها من الوجه الذي ذكرناه. 4326 - قالوا: روي عن عثمان أنه صلى صلاة الخسوف ركعتين في كل ركعة [ركوعين]. وعن ابن عباس أنه صلى بالبصرة كذلك، ولا مخالف لهما. 4327 - قلنا: روي حديث عن علي أنه صلى بالناس فركع أربع مرات وسجد سجدتين. وعن أبي إسحاق: كسفت الشمس فصلى المغيرة بن شعبة بالناس ركعتين وأربع سجدات. وروى الزهري أن عبد الله بن الزبير صلى بالمدينة يوم كسفت الشمس فلم يزد على ركعتين مثلا صلاة الصبح. ذكرها الطحاوي في صحيح الآثار. 4328 - قالوا: صلاة نافلة سن لها الجماعة تختص بوقت، فوجب أن تختص بزيادة تباين بها سائر الصلوات، كصلاة العيد. 4329 - قلنا: لا نسلم أن العيد نافلة. ويبطل بالتراويح؛ لأنها تختص بوقت، وهو ما بعد العشاء إلى طلوع الفجر. ثم العيد لما اختصت بزيادة كانت الزيادة من طريق الذكر، وهذا موضوع الصلوات: أن تكون الزيادة في أذكارها، وأما الأركان فلم يثبت زيادتها في الصلاة. 4330 - قالوا: ركن قبل السجود فوجب أن يتكرر في موضع الفرض في صلاة غير راتبة، كالتكبير. 4331 - قلنا: هذا الوصف لا يسلم في الأصل والفرع؛ لأن التكبير لا يتكرر

في موضع [فرض] التكبير، وكذلك الركوع [عندهم لا يتكرر] في موضع فرض الركوع. ولأن التكبير في سائر الصلوات [جاز أن يتكرر في العيد على طريق الزيادة، ولما لم يتكرر الركوع في سائر الصلوات] لم يجز أن يتكرر في مسألتنا على وجه الزيادة. * * *

مسألة 260 ليس في صلاة الخسوف خطبة

مسألة 260 ليس في صلاة الخسوف خطبة 4332 - قال أصحابنا: ليس في صلاة الخسوف خطبة. 4333 - وقال الشافعي: يخطب بعد الصلاة خطبتين. 4334 - لنا: ما روى جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم -[قال]: (إن الشمس [والقمر] آيتان من آيات [الله] لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم شيئا من ذلك فصلوا حتى تنجلي). 4335 - وفي حديث أبي بكر [أن النبي - صلى الله عليه وسلم -] قال: (فصلوا حتى تنجلي).

4336 - وفي حديث ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (فقوموا فصلوا). وما هذا بيان لجميع الحكم المتعلق بالكسوف من غير ذكر الخطبة. ولأنها صلاة نافلة فلم يكن فيها خطبة، كسائر النوافل، ولأنه ليس من شرطها الجماعة، كسائر الصلاة. ولأنها صلاة تفعل لخوف الضرر، كالصلاة التي تفعل عند الزلازل والأمطار. 4337 - احتجوا: بحديث عائشة (قالت: خسفت الشمس فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم خطب فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: (إن الشمس والقمر آيتان). 4338 - وروى سمرة بن جندب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى ركعتين ثم حمد الله وأثنى عليه، وروى الحسن أن ابن عباس صلى بالبصرة في خسوف القمر ثم ركب فخطب وقال: فعلت مثل ما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 4339 - والجواب: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد بيان حكم شرعي؛ لأن الناس قالوا: إنها كسفت لموت إبراهيم - عليه السلام -، فرد ذلك عليهم وأخبرهم أن السنة: الفزع إلى الصلاة. وهذا لا يتعلق بالصلاة، والخلاف في خطبة تتعلق بالصلاة. من ذلك أنه لم ينقل في شيء من الأخبار ذكر الخطبتين على ما شرطوه. 4340 - قالوا: صلاة نافلة سن لها الجماعة تختص بوقت، فكان من سننها الخطبة، كصلاة العيد.

4341 - قلنا: لا نسلم أنها نافلة. ولأن الخطبة في العيدين يحتاج إليها لتعليم صدقة الفطر والأضحية، وموضوع الخطبة أن تفعل؛ لأنها شرط، أو لتعليم شرع. 4342 - ولا يجوز أن يقال: إنها تفعل في مسألتنا للتعليم، لتعلم أن صلاة الكسوف سنة وتبيين صفتها؛ لأن هذا المعنى قد بينه بفعله بفعله؛ ألا ترى أن [في] خطبة العيد لا تبين كيفية صلاة العيد؛ لأنه قد فعلها في الحال، وإنما تبين صدقة الفطر والأضحية. * * *

مسألة 261 صلاة خسوف القمر ليس من سننها الجماعة

مسألة 261 صلاة خسوف القمر ليس من سننها الجماعة 4343 - قال أصحابنا: صلاة خسوف القمر ليس من سننها الجماعة. 4344 - وقال الشافعي: من سننها الجماعة، ككسوف الشمس. 4345 - لنا: أن كسوف القمر اتفق على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما اتفق كسوف الشمس أو أكثر؛ لأن العادة أنه يتكرر أكثر من الشمس، فلو صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - جماعة وداوم لنقل؛ ككسوف الشمس، فلما لم ينقل نقلا ظاهرا، دل على أنه ليس من سننها الجماعة. ولأن كسوف القمر يقع بالليل، والاجتماع فيه متعذر، فلم يسن الاجتماع، كالصلاة في الأمطار والزلازل. 4346 - احتجوا: بما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله) إلى قوله (فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة) فأمر بالصلاة فيهما معا، فدل على تساويهما. 4347 - والجواب: أن الخبر يدل على فعل الصلاة، ولا يقتضي الجماعة، وإنما

أثبتناها في الشمس بدليل الخبر، ولم يوجد ذلك الدليل في القمر. 4348 - قالوا: روي عن ابن عباس أنه صلى بهم في كسوف القمر بالبصرة، وقال: صليت كما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 4349 - قلنا: نحن لا ننكر أن تفعل في جماعة، وإنما نقول إنها ليست سنة، إنما هو مخير فيها؛ للمشقة التي تلحق، فلا يكون في مجرد الفعل دليل حتى تنقل المداومة؛ لأن السنة تتكرر بتكرر سببها. 4350 - قالوا: كسوف يصلى لأجله، فسن فيه الجماعة، ككسوف الشمس. 4351 - قلنا: كسوف الشمس يتفق نهارا فلا يتعذر فيه الاجتماع، [وهذا يقع في وقت يتعذر فيه الاجتماع]. 4352 - قالوا: صلاة يفعل مثلها ليلا ونهارا، فإذا كانت الجماعة مسنونة لصلاة النهار منها وجب أن تكون مسنونة لصلاة الليل، كالفرائض. 4353 - والجواب: أن الفرائض موضوعها أن تفعل في جماعة، فلا تختص بأحد الزمانين، والنوافل موضوعها أن تفعل فرادى؛ بدلالة قوله - عليه السلام -: (صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجده إلا المكتوبة). وإنما تفعل

الجماعة في النوافل لعارض، فيجوز أن تختص بأحد الزمانين، كالتراويح: إنها نافلة سن لها الجماعة بالليل ويتنفل بمثلها في النهار، ولا يسن لها الجماعة. * * *

مسألة 262 ليس في الاستسقاء صلاة في جماعة

مسألة 262 ليس في الاستسقاء صلاة في جماعة 4354 - قال أبو حنيفة: ليس [في] الاستسقاء صلاة في جماعة. وكان أبو بكر الرازي [يقول]: إنه ليس فيه صلاة مسنونة، فإن صلى جاز. 4355 - وقال أبو يوسف ومحمد: يصلي ركعتين، وبه قال الشافعي. 4356 - لنا: قوله تعالى: {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا}. فعلق نزول الغيث بالاستغفار، فلو كان فيه صلاة يتعلق بها نزول الغيث لذكرها. روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استسقى فقال: (اللهم [اسق عبادك] وبهائمك وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت)، ولم يذكر الصلاة. وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استسقى في [يوم] الجمعة على المنبر ونزل

فصلى الجمعة ولم يصل الاستسقاء، فلو كانت مسنونة لم يتركها. 4357 - ولا يقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين في هذه الأخبار جواز الترك، وفي أخبارنا فضيلة الفعل؛ لأنا نقول: إن مثل ذلك أنه بين بأخبارنا أن الفعل ليس بمسنون؛ لأن المسنون لا يترك عند سببه، وبأخبارهم جواز الفعل، ونحن لا نمنع من جوازه. وروي عن عمر - رضي الله عنه - أنه استسقى بالعباس فقيل له: ما زدت على الاستغفار، فقال: لقد استسقيت بمجاديح السماء التي يستنزل بها القطر. ولم ينقل أنه صلى. ولأنه خوف ضرر في الدنيا، فأشبه الزلازل. ولا يلزم الكسوف؛ لأنه من علامات الآخرة، فأما أن يكون خوفا في الدنيا فلا، ولهذا قال [النبي]- صلى الله عليه وسلم -: (إنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته). 4358 - ولأنها صلاة نافلة، والأصل في النوافل أن يفعلها منفردا أفضل؛ بدلالة

قوله - عليه السلام -: (صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجده إلا المكتوبة). ولأنها حالة لاستنزال الغيث، فلم يسن فيها الصلاة لأجله، أصله: حال الخطبة يوم الجمعة. 4359 - احتجوا: بحديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج [يوما] مستسقيا، فصلى بنا ركعتين بلا أذان ولا إقامة. وفي حديث ابن عباس قال: فصلى ركعتين كما يصلي في العيد. 4360 - والجواب: أن هذا الخبر يقتضي فعل الصلاة، وقد بينا جوازها. والكلام في أنها مسنونة، والمسنون ما تكرر عند سببه ولم يترك من غير عذر، وهذا لا يوجد؛ لأنا قد نقلنا أنه ترك. 4361 - قالوا: حادثة سن لها الاجتماع والدعاء، فسن لها الصلاة، كالخسوف. 4362 - والجواب: أن الخسوف يتعلق بأمر الآخرة؛ لأنه من أمارتها، فجاز أن يسن، والاستسقاء يعود إلى أمر الدنيا، فلم يسن فيها الصلاة. * * *

فصل

فصل مسألة 263 صلاة الاستسقاء ركعتان كصلاة الفجر 4363 - قال أبو يوسف: يصلي في الاستسقاء ركعتين كهيئة صلاة الفجر. 4364 - وقال الشافعي: كصلاة العيد: يكبر في الأولى سبعا وفي الثانية: خمسا. 4365 - لنا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في الاستسقاء بحضرة الجماعة، فلو كبر فيها لنقل كنقله في العيد، فلما لم ينقل إلا في خبر محتمل دل على أنه ليس بثابت. ولأنها صلاة مسنونة فلا يتوالى فيها التكبير، كصلاة الكسوف. 4366 - احتجوا: بحديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى ركعتين كما صلى في العيد. 4367 - قلنا: يحتمل أنه صلاهما بغير أذان ولا إقامة وجهر بالقراءة فيهما وخرج إلى المصلى ولم يخرج المنبر، ويخرج إليها النساء والرجال والصبيان، فشبهها بالعيد من هذه الوجوه. وقد يشبه الشيء بالشيء إذا أشبهه من وجه وإن خالفه في غيره، كقوله تعالى: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم} فشبهه من حيث

عدم الأب وإن اختلفا في وجود الأم. 4368 - قالوا: روي في حديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كبر في الأولى سبع تكبيرات وقرأ: {سبح اسم ربك الأعلى}، وقرأ في الثانية: {هل أتاك حديث الغاشية} وكبر فيها خمس تكبيرات. 4369 - قلنا: هذا الخبر ذكره الدارقطني عن محمد بن عبد العزيز عن أبيه عن طلحة قال: أرسلني مروان إلى ابن عباس أسأله عن سنة الاستسقاء، وذكر الحديث، ومحمد بن عبد العزيز هو [من] ولد عبد الرحمن بن عوف، قال البستي: يروي عن الثقات المعضلات، وإذا انفرد بالطامات عن الأثبات، حتى سقط الاحتجاج به. وهو [الذي جلد بمشورته ابن مالك بن أنس] وقد ذكروا في هذه المسألة عن الأئمة الأربعة مثل قولهم، وهذا لا يعرف، ولم يذكره أحد يوثق به. * * *

فصل

فصل مسألة 264 السنة في الاستسقاء الدعاء من غير خطبة 4370 - وقد قال أبو حنيفة: إن السنة في الاستسقاء الدعاء من غير خطبة. 4371 - وقال الشافعي: يخطب بعد الصلاة خطبتين يجلس بينهما جلسة. 4372 - لنا: حديث ابن عباس أنه قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متواضعا مبتذلا متخشعا متضرعا، فصلى ركعتين كما يصلي في العيد ولم يخطب خطبتكم). ولأن من أصلنا أنه مخير بين الصلاة وتركها، فلا يسن فيها خطبة، كسائر النوافل. ولأن كل ذكر لا يسن في الزلازل لا يسن في الاستسقاء، كالأذان، وعكسه الدعاء. فأما حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى ركعتين وخطب، فيحتمل أن يكون دعاء، فظن أنه خطبة، وقد بين ابن عباس أنه لم يخطب. * * *

مسألة 265 ليس من السنة تقليب الرداء

مسألة 265 ليس من السنة تقليب الرداء 4373 - قال أبو حنيفة: ليس من السنة تقليب الرداء. 4374 - وقال الشافعي: هو سنة. 4375 - لنا: ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استسقى يوم الجمعة على المنبر ولم يقلب الرداء، ولأن من أصلنا أنه لا يخطب، وكل من قال ذلك قال: لا يقلب الرداء. ولأن هذه الخطبة إما أن تعتبر بخطبة الجمعة أو العيد، وكل واحد منهما لا يقلب فيها الرداء. ولأنها حالة خوف، فصار كالزلازل. 4376 - وما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استسقى وعليه خميصة سوداء فأراد أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلاها فلما ثقلت عليه قلبها على عاتقه)، فيحتمل أن

يكون ذلك كما يتفق للإنسان من تغيير الرداء أو إصلاحه. ويجوز أنه علم من طريق الوحي أن الحال [ينقلب إلى الخصب] إذا قلب الرداء، فقلب الرداء لذلك، وهذا لا يوجد في غيره. * * *

مسألة 266 إذا ترك الصلاة معتقدا لوجوبها، حبس وعزر حتى يصلي

مسألة 266 إذا ترك الصلاة معتقدا لوجوبها، حبس وعزر حتى يصلي 4377 - قال أصحابنا: إذا ترك الصلاة معتقدا لوجوبها، حبس وعزر حتى يصلي. 4378 - وقال الشافعي: يقتل. واختلف أصحابه، فمنهم من قال: إذا ترك الأولى وتضيق وقت الثانية قتل. ومنهم قال: إذا ترك ثلاثة وتضيق وقت الرابعة قتل. ونص الشافعي على أنه يقتل بالسيف. 4379 - وقال ابن سريج يضرب بالعصا وينخس بالسيف حتى يصلي أو يأتي على نفسه.

4380 - لنا: قوله - عليه السلام -: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس). ولا يقال: إن قتل تارك الصلاة ثابت بخبر آخر فيضم إليه كما ضم نهيه - عليه السلام - عن كل ذي ناب من السباع إلى قوله: (إلا أن يكون ميتة)؛ لأن الضم إنما يصح إذا لم يسقط شيء من الخبر، ولو ضممنا في مسألتنا بطل قوله: (إلا بإحدى ثلاث)، فصار الحكم بتعلق بإحدى أربع. 4381 - ولا يقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوجب قتل المسلم بكفر يوجد مع الإسلام، وهذا لا يكون إلا في ترك الصلاة؛ لأنه كفر بعد إيمان، وهذا لا يقتضي اجتماعهما. ولأنه إيقاع عبادة شرعية، فتركه لا يوجب القتل، كالحج والصوم والزكاة. ولا يلزم ترك الزنا؛ لأنه ليس بإيقاع عبادة؛ ألا ترى أن الزنا له أضداد، فالنهي عنه لا يكون أمرا بشيء من أضداده. 4382 - ولا يلزم التصديق برسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنها عبادة عقلية لها وقت يكره فعلها فيه، كالحج. ولأنها عبادة تنتقل بجنسها، كالصوم. أو عبادة لها تحريم

وتحليل. أو عبادة يطرأ عليها الفساد. أو عبادة تؤدى وتقضى، كالحج، ولا يلزم الإيمان؛ لأنه لا يوصف بالفساد. 4383 - ولا يقال: المعنى في الحج والصوم أنه تقع النيابة فيها بالبدن والمال فلذلك لم يقتل بتركها، والصلاة [لا تقع] النيابة فيها عندهم في ركعتي الطواف إذا حج عن غيره، فلم يصح هذا الفرق. ولأنها عبادة يبطلها الحدث، كالوضوء. 4384 - ولا يقال: [إن] الوضوء تاركه تارك للصلاة، فيقتل عندنا؛ لأنه يقتل لترك الصلاة، لا لترك الوضوء. ولأنها عبادة شرط فيها تقديم الإيمان، كالصوم. 4385 - ولا يقال: إن المقصود من الصلاة لا يحصل بغيره؛ وذلك لأن المقصود من الحج والصوم لا يحصل إلا بالنية، وذلك لا يقع بغيره، فإن اقتصروا على ظاهر الفعل فمثله في الصلاة ممكن؛ لأنه يوضأ ويجبر على القيام والركوع والسجود خلف إمام حتى لا يحتاج إلى القراءة. ولأنه لا يخلو أن يقتل بترك الأولى أو الثانية، ولا يجوز أن يقتل بالأولى؛ لأنها فائتة، ووقت فعلها غير متضيق. ولا يجوز أن يقتل بالثانية؛ لأنها لم تفت عن وقتها، فلا يقتل بها، كالأولى. ولا يقال: إنه يضرب عندكم فيلزمكم مثل ما ألزمتمونا؛ لأن العازم على ترك الصلاة يضرب عندنا بالعزم، فلا يلزمنا [ما ألزمناهم]. 4386 - احتجوا: بقوله تعالى: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم}، ولم يقتل المشركين، ورفع القتل عنهم بشرط التوبة وإقامة الصلاة. 4387 - والجواب: أن الآية لا تتناول موضع الخلاف؛ لأن من يسلم ارتفع

القتل المتعلق بالكفر بالإجماع، فإذا ترك الصلاة ابتداء فإنما يجب القتل عليه عندهم: قتل آخر غير ذلك القتل، فلا يصح الاستدلال. فأما [من] فعل الصلاة ثم تركها فلا شبهة أن الآية لا تفيد قتله؛ لأن الصلاة إذا سقطت سقط القتل. ولأن إقامة الصلاة المذكورة [في الآية] المراد بها: اعتقاد وجوبها؛ بدلالة أن قتل الكافر يسقط بالاعتقاد وإن لم ينضم إليه الفعل بالإجماع، وهذا هو المراد بقوله تعالى: {وآتوا الزكاة}. 4388 - ولا يقال: إن حمل الإقامة على الاعتقاد مجاز؛ لأنه مجاز صرنا إليه بدليل مجمع عليه. 4389 - قالوا: روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة، فمن تركها فقد كفر). 4390 - قالوا: وقد علمنا أنه لم يرد به كفر يخرج به عن الإسلام، فثبت أن المراد به بعض أحكام الكفر، وهو القتل؛ وذلك لأن الكفر حقيقة يقتضي الجحود، وهذا

لا يكون إلا في تارك الاعتقاد، وجب حمل اللفظ على حقيقته. ولأنا نحمل الصلاة على الاعتقاد، وهو مجاز، ونحمل الكفر على حقيقته، ويحملون الصلاة على حقيقة الفعل، ويحملون الكفر على مجازه، فتساوينا في الظاهر. على أن الترك حقيقة يقتضي تركا من جميع الجهات، وهذا لا يكون إلا في ترك الاعتقاد والفعل معا. 4391 - ولا يقال: إن حمله على الاعتقاد يسقط فائدة تخصيص الصلاة، وحمله على الفعل لا يسقط فائدة التخصيص؛ وذلك لأنه يجوز أن يخص الصلاة؛ لأنها أشرف العبادة، فيخصها بالوعيد. ولأنها تجب على كل واحد [وإن كانت العبادة يختلف وجوبها. ولأنها ما يستدل بها على الإسلام، وذلك لا يوجد] في غيرها. ولأنهم إذا حملوا الخبر على ثبوت بعض أحكام الكفر فكذلك نقول؛ لأن الضرب والحبس من أحكام الكفر في المرتدة عندنا. 4392 - قالوا: روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (نهيت عن قتل المصلين)، فدليله أنه لم ينه عن قتل غيره، فإذا لم ينه عن قتله ثبت وجوبه، أي: وجوب قتله بالإجماع. 4393 - قلنا: نحن لا نقول بدليل الخطاب؛ لأن المراد: نهيت عن قتل من هو من أهل الصلاة؛ بدلالة أن المعتقد للفعل لا يقتل بإجماع قبل فوات الوقت، فدليله أنه يقتل من لم يكن من أهل الصلاة، وكذلك نقول. 4394 - قالوا: الصلاة عبادة محضة تجب لا بفعله، لا يدخلها النيابة ببدن ولا مال فجاز أن يقتل بتركها، كالإيمان. أو لأنها أحد الأركان الخمس لا يدخلها النيابة مقصودة بوجه. 4395 - والجواب: أن هذه الأوصاف كلها موجودة في الفائتة. 4396 - ولا يقال: إنه كان يقتل لأجلها قبل فواتها؛ لأن الصلاة الأولى لا يقتل

لأجلها في الوقت ولا بعده. 4397 - ولا يقال: إن التعليل لجملة الصلاة؛ لا نعكس كلامهم من طريق المعنى. ولأن المعنى في الإيمان أنه عبادة مقصودة لا تفتقر إلى شرائط تتقدم عليها، فلهذا جاز أن يقتل بتركها، ولما كانت الصلاة لا تصح إلا بتقديم الإيمان عليها صارت كسائر الشرعيات. 4398 - قالوا: صلاة مشبهة بالإيمان؛ لأنها لا تفعل إلا خالصة لله تعالى، وسائر العبادات [يفعل مثلها] لغير الله تعالى؛ لأنه يتطهر تبردا، ويمسك عن الأكل تداويا، ويدفع تلطفا، ويحج لتجارة، والإيمان والصلاة لا يفعلان إلا لله، وقد قال الله تعالى: {وما كان الله ليضيع إيمانكم}، أي: صلاتكم. 4399 - والجواب: أن الصلاة قد تفعل نفاقا ومراءاة، فلا يقصد بها الله تعالى، والحج إذا فعل للتجارة فهو مفعول لله تعالى وإن انبعث للتجارة في سفره. 4400 - قالوا: تسمية الصلاة إيمانا. 4401 - فلا حجة فيه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الإيمان بضع وسبعون خصلة، أدناها إماطة الأذى عن الطريق)، فسمى ذلك إيمانا.

4402 - قالوا: أحكام الشرع التابعة للإيمان ضربان: مأمور به، ومنهي عنه، قم في المنهي عنه: ما يقتل بفعله مع اعتقاد وجوبه، وهو الزنا والقتل، كذلك يجب في المأمور ما يجب القتل بتركه مع اعتقاد وجوبه. 4403 - قلنا: عندنا المأمور به من طريق الشرع يجوز أن يقتل بتركه، وهو ترك التزام الجزية وترك التعظيم للنبي - صلى الله عليه وسلم -. 4404 - ولأن المنع من الزنا لا يقتل [بتركه وإنما يقتل بإيقاع] فعل آخر، وهو جحود الصلاة لغير الله تعالى. * * *

مسائل الجنائز

مسائل الجنائز [267 - 295] مسألة 267 الأفضل في الميت أن يجرد من ثيابه وتغطى عورته ثم يغسل 4405 - قال أصحابنا: الأفضل في الميت أن يجرد من ثيابه وتغطى عورته ثم يغسل. 4406 - وقال الشافعي: السنة أن يغسل في قميص ويكون كمه واسعا حتى يدخل يده فيغسل بدنه، فإن كان ضيقا جرده. 4407 - لنا: ما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: (لما اجتمعوا لغسل النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يدروا كيف يغسلونه. 4408 - قالوا: ما ندري أنغسله كما نفعل بموتانا أو نغسله وعليه ثيابه؟ فأرسل الله عز وجل عليهم النوم حتى ما فيهم رجل إلا وذقنه في صدره نائما، إذ ناداهم مناد: أن

غسلوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه ثيابه، ([فغسلوه وعليه ثيابه]) وهذا يدل أن غسل جميع الناس مخالف لغسله، وهذا خلاف قولهم. 4409 - ولأن المقصود بغسله النظافة، وإذا جرد كان أمكن، بدلالة الحي. ولأن القميص يبقي عليه بلل النجاسة، وتعود إلى جسمه فلا يطهر إلا بمشقة. ولأنه غسل واجب، كالجنابة. 4410 - ولا يقال: إن الجنب يتجرد لنفسه والميت يطلع عليه غيره؛ لأن هذا القميص ينزع عنه فيحصل الاطلاع. ولا معنى للاستدلال بغسله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن ذلك اختص به لعظم حرمته، وقد بينا من قول الصحابة أنه مخالف لغيره. 4411 - ولا يقال: إن الميت يكون ببدنه عيب أو أثر من الموت فإذا جرد اطلع عليه؛ لأن هذا المعنى موجود في نزع هذا الثوب عنه في حال التكفين. * * *

مسألة 268 ليس في غسل الميت مضمضة ولا استنشاق

مسألة 268 ليس في غسل الميت مضمضة ولا استنشاق 4412 - قال أصحابنا: ليس في غسل الميت مضمضة ولا استنشاق. 4413 - وقال الشافعي: يصب الماء في فمه وفيما يصل إليه من أنفه. 4414 - لنا: أن المضمضة إدارة الماء في فمه، والاستنشاق: جذبه بخياشيمه، وهذا المعنى لا يتأتى فيه، ومتى سقط موضوع الشيء سقط حكمه. 4415 - ولأن في صب الماء في فمه مثلة؛ لأنه يصل إلى جوفه. 4416 - ولا يقال: إن الحي لو تمضمض وبلع الماء جاز عندكم؛ لأنه قد روى عن أبي يوسف: أنه إذا شرب الماء لا يعتد به من المضمضة. 4417 - ولأنه إن صب الماء كان مثلة، وإن مسح الفم بخرقة كان مسحا، والمضمضة ليس من سنتها المسح. 4418 - احتجوا: بما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأم عطية لما غسلت ابنته: (ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء). 4419 - والجواب: أنه يحتمل أن يريد الواجب من مواضع الوضوء.

مسألة 269 لا يسرح شعر الميت

مسألة 269 لا يسرح شعر الميت 4420 - قال أصحابنا: لا يسرح شعر الميت. 4421 - وقال الشافعي: يسرح بمشط واسع الأسنان. 4422 - لنا: أن التسريح يتناثر معه الشعر في العادة، ومن حكم الشعر أن يدفن مع الميت، فلا معنى لإزالته. 4423 - ولا يقال: إن الغسل بالسدر يزيل الشعر وهو جائز؛ لأن هذا يراد للنظافة، والتسريح لا يحتاج إليه لهذا المعنى، ولأن التسريح يفعل للزينة والميت لا يزين وإنما ينظف. 4424 - احتجوا: بما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (اصنعوا بموتاكم ما تصنعون بعرائسكم).

4425 - والجواب: أنه لم يرد به كما يصنع بالعروس، وإنما المراد به: ما يصنع من التنظيف والطيب. * * *

مسألة 270 يستحب أن يغسل الميت بماء حار

مسألة 270 يستحب أن يغسل الميت بماء حار 4426 - قال أصحابنا: يستحب أن يغسل الميت بماء حار. 4427 - وقال الشافعي: إذا لم يكن عليه وسخ أو نجاسة لا يزول إلا بماء حار جاز، وإلا فالأفضل البارد. 4428 - لنا: أن المقصود من الغسل النظافة، والحار أبلغ في إزالة الدرن، ولهذا إذا أراد الحي المبالغة في النظافة استعمله، فكان أولى. 4429 - ولا يقال: إن البارد يصلب البدن، والحار يرخيه؛ لأن الميت يصير إلى البلى، فلا معنى لاعتبار ما يصلبه ويقويه. * * *

مسألة 271 لا يقص شعر الميت ولا ينتف شعر إبطه ولا يؤخذ شعر عانته

مسألة 271 لا يقص شعر الميت ولا ينتف شعر إبطه ولا يؤخذ شعر عانته 4430 - قال أصحابنا: لا يقص شعر الميت ولا ينتف إبطه ولا يؤخذ شعر عانته. 4431 - وقال الشافعي: يجوز ذلك في أحد قوليه إلا أنه قال: ليس بسنة، وقال: في حلق رأسه على وجهين: إن كان ممن يتزين بترك الشعر لم يحلق، وإن كان ممن عادته أن ينظف حلق. 4432 - لنا: ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (أتريدون أن أنصوا موتاكم)

فأنكرت ذلك، ولا مخالف لها. 4433 - ولا يقال: روي (أن سعدا غسل ميتا فاستدعى موسى). لأنه يجوز أن يكون شعر التزق به دم، أو نجاسة لا تزول إلا بإزالته، ولأنه شيء من بدنه من غير حاجة، كالختان. 4434 - ولأنه إذا حلق دفن معه، فلا فائدة للتفريق بينهما. 4435 - ولأن أخذ الشارب واللحية مسنون في حال الحياة، ولا يثبت بعد الموت وكذلك أخذ الإبط. 4436 - احتجوا: بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (اصنعوا بموتاكم ما تصنعون بعرائسكم). 4437 - قلنا: نحن نعلم أنه لم يرد جميع ما يصنع بالعروس، فبقى أن يكون المراد بعضه من الغسل والطيب. 4438 - قالوا: إزالة هذه الأشياء نظافة ليس فيها قطع عضو، فأشبه الغسل وإزالة النجاسة. 4439 - قلنا: الحلق إنما يفعل للنظافة، لكن لا يحصل فيه وسخ في الثاني، وإلا فبالغسل يتنظف؛ فالحي يجوز أن يصيبه وسخ ونجاسة، فأمرنا بإزالة ذلك عنه، والميت إذا نظف بالغسل، أمن به النجاسة، فلم يحتج إلى إزالته، ألا ترى أن موضع الحار يراد للنظافة حين لا يجتمع فيه البول، فلما أمن من الميت هذا المعنى لم يحتج إلى إزالته؟. * * *

مسألة 272 إذا خرج من الميت نجاسة بعد الغسل غسل ذلك الموضع ولم يعد غسله

مسألة 272 إذا خرج من الميت نجاسة بعد الغسل غسل ذلك الموضع ولم يعد غسله 4440 - قال أصحابنا: إذا خرج من الميت نجاسة بعد الغسل، غسل ذلك الموضع، ولم يعد غسله. 4441 - ومن أصحاب الشافعي من قال: يعاد الغسل، ومنهم من قال: يعاد الوضوء. 4442 - فالقول الأول: فاسد؛ لأن غسل الميت كالغسل من الجنابة، ومعلوم أن من اغتسل من الجنابة ثم خرجت منه نجاسة؛ لم يعد الغسل. 4443 - والقول الثاني: خطأ أيضا؛ لأنه يؤدي إلى انتقاض طهارة الميت بالحدث، والموت ينافي ابتداء وجوب الأحكام عليه. 4444 - ولأن الموت في نفسه حدث، فلو كان الوضوء يجب بخروج خارج لوجب بالموت.

مسألة 273 إذا مات المحرم فعل به ما يفعل بغيره من تخمير رأسه وتطييبه

مسألة 273 إذا مات المحرم فعل به ما يفعل بغيره من تخمير رأسه وتطييبه 4445 - قال أصحابنا: إذا مات المحرم فعل به ما يفعل بغيره من تخمير رأسه وتطييبه. 4446 - وقال الشافعي: لا يخمر رأسه ولا يقرب طيبا. 4447 - لنا: ما روي عن عيسى بن أحمد، عن علي بن عاصم، عن عطاء، عن ابن عباس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (خمروا رؤوس موتاكم، وغطوا وجوههم، ولا تتشبهوا باليهود). وبإسناده: (قال - صلى الله عليه وسلم - في المحرم يموت: خمروهم، ولا تتشبهوا باليهود).

4448 - ولا يقال إن هذا الخبر رواه عطاء مرسلا؛ لأنه قد روي عن عطاء أنه قال: (إذا مات المحرم فليخمر رأسه؛ فإنه بلغنا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (خمروا وجوههم، ولا تتشبهوا باليهود) وروي [مسندا مرسلا]. 4449 - ويدل عليه: ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (إذا مات المرء المسلم انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينتفع به، وولد صالح يدعو له، وصدقة جارية). 4450 - ومعلوم أن الميت ينقطع عمله من طريق المشاهدة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لا يعلمنا المشاهدات، [فعلم أنه أراد: انقطع عمله]، ولهذا استثنى منه الحكم. 4451 - ولا يقال: إن المراد به: ثواب العمل؛ لأنه الظاهر إيقاع الحكم الذي هو الثواب وغيره لا يختص إلا بدليل؛ لأن العمل إذا علم بانقطاعه؛ فالثواب الذي يستحقه لا ينقطع بالإجماع، وما يستحق في الثاني لا يستحق مع انقطاع العمل، فلم يكن ادعاء العموم. 4452 - ولأنها عبادة شرعية أو يتعلق بالجوارح الظاهرة، أو لا يصح إلا بعد اعتقاد الإيمان، أو لها تحليل وتحريم، أو يخرج عنها بفعل مباح فوجب أن ينقطع بالموت، كالصوم والصلاة.

4453 - ولا يقال: إن الصلاة لا تنقطع بالموت؛ لأنا نريد بقولنا: أنه لا يبقى لها حكم، بدلالة أنه يستدبر به القبلة وينتقل حكمه، ينقطع بالجنون فانقطع بالموت، والإحرام عبادة محضة لا يبطل حكمها بالجنون، فلا يبطل بالوفاة. 4454 - قلنا: إن جعلنا أصل العلة الصوم؛ لم نسلم أنه يبطل بالجنون، وإن كان الأصل الصلاة؛ فلا يصح على أصلهم؛ لأن الجنون لا يبطل الصلاة وإنما يبطل الطهارة، فتبطل الصلاة لفقدها. 4455 - ولأن الإحرام لا يبطل بالجنون؛ لأن أداء الأفعال ممكن مع الجنون أو مرجو بعده، وذلك لا يوجد في الموت. 4456 - ولا يقال: إن الصلاة تفتقر إلى الطهارة فبطلت بالموت، والإحرام لا يفتقر إليها فلم يبطل؛ لأن الصوم لا يفتقر إلى الطهارة ويبطل بالموت. 4457 - ولأن الصلاة افتقرت إلى طهارة، والإحرام يفتقر إلى التكليف في حال فعله، أو جواز أن يفعل في الثاني، ولأن الموت معنى يمنع وجوب الكفارات، كالتحلل. 4458 - ولا يقال: إن الكفارات تجب للانتفاع والميت لا ينتفع؛ لأن المجنون يجب عليه الكفارات وإن لم ينتفع. 4459 - ولأن الكفارة وإن كانت تجب للانتفاع فالحظر وقع للاستمتاع، والميت لا يستمتع. ولأن ما كان مسنونا في الميت الحلال كان مسنونا في المحرم، كالتكبير والغسل؛ لأن كل من سن فيه التكبير سن فيه التطيب وتغطية الرأس، كالحلال. 4460 - ولأنه لا يمنع من تغطية وجهه، فلا يمنع من تغطية رأسه كالحلال. 4461 - ولا يلزم على هذه العلل المحرم الذي مات على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأن

التعليل لثبوت الحكم في المستقبل؛ فلا يناقض بالماضي. 4462 - ولأن حكم ذلك مخصوص به لمعنى لا يوجد في غيره وسنبينه. 4463 - احتجوا بحديث ابن عباس - رضي الله عنه - (أن محرما وقصته ناقته فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا رأسه؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا)، وروى: (ولا تقربوه طيبا). 4464 - والجواب: أن ترك تخمير الرأس كان مشروعا في بدء الإسلام في جميع الموتى اتباعا لشرع من تقدم حتى نسخ بقوله عليه الصلاة والسلام: (خمروهم، ولا تتشبهوا باليهود). فيجوز أن يكون هذا قبل النسخ، فمنع من تخميره ليس لأجل الإحرام، ومنعهم من تطييبه؛ لأنهم محرمون. وقوله: (فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا) بيان حاله في الآخرة. 4465 - وجواب آخر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علق الحكم بعلة، وهو بقاء إحرامه في الآخرة وذلك لا يعلم في غيره، فلم يجز إثبات الحكم مع عدم العلم بالعلة. * * *

مسألة 274 إذا ماتت المرأة لم يجز لزوجها غسلها

مسألة 274 إذا ماتت المرأة لم يجز لزوجها غسلها 4466 - قال أصحابنا: إذا ماتت المرأة؛ لأم يجز لزوجها غسلها. 4467 - وقال الشافعي: يجوز ذلك. 4468 - لنا: ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (لا ينظر الرجل إلى فرج امرأة وابنتها تحل له). 4469 - [ومعلوم أن زوجته لو ماتت قبل الدخول جاز له أن يتزوج بابنتها، فلو غسل أمها لنظر إلى فرجها وابنتها تحل له]. 4470 - ولا يقال: النظر إلى الفرج لا يجوز في حال الحياة، ولا بعد الموت؛

لأن مذهب الشافعي: أن النظر جائز في الحالتين، وإنما هذا شيء التزمه بعض أصحابه. 4471 - قالوا: المراد به: النظر للشهوة. قلنا: ظاهر الخبر يقتضي العموم وحمله على التخصيص لا يجوز بغير دليل. 4472 - ويدل عليه: ما روي أبو عمر الشيباني عن ابن مسعود - رضي الله عنه - (أنه قال: قلت لعلي: لم غسلت فاطمة؟ فقال: أما علمت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضمن أنها زوجتي في الدنيا والآخرة)، فدل من اتفاقهما أن الغسل لا يجوز. 4473 - وروي عن عمر "أن امرأته لما ماتت قال لأهلها: نحن كنا أحق بها في حال حياتها، فأما الآن فأنتم أحق). ولأنه ارتفع النكاح وأحكامه؛ فوجب أن لا يغسلها كما لو ماتت في حياته. 4474 - ولا يلزم إذا اشتراها؛ لأنه يغسلها بحكم الملك، ولا يجوز له تزوج أختها؛ فلم يجوز له غسلها [بحكم النكاح] كما لو طلقها، ولأنه كل حالة لا يجوز للزوج الاستمتاع به لم يجز له غسلها بحكم النكاح، كما لو طلقها طلاقا رجعيا ثم ماتت. 4475 - قالوا: المعنى فيما ذكرتموه أنه لا يجوز لها الغسل فلم يجز له أن يغسلها، ولما جاز لها في مسألتنا غسله إذا مات، كذلك جاز له. 4476 - قلنا: القياس عندنا يمنع غسلها له، وموضع الاستحسان لا يحصل وصفا في المعارضة. 4477 - ولأنه إنما جاز لها الغسل لبقاء العدة التي أوجبها النكاح، فجاز أن يبقي حكم النظر، ولما لم يبق بعد موتها نكاح ولا عدة؛ لم يجز الغسل بحكم، وصار

وزانه أن يموت الرجل ثم تضع حملها. ولا يلزم على ما ذكرناه العدة حال الحياة. 4478 - لأن تلك العدة لم يوجبها النكاح وإنما أوجبها الوطء، وعدة الوفاة أوجبها النكاح، بدلالة ثبوتها، وطئ أو لم يطأ. ولا يلزم إذا مات المظاهر؛ لأنه روي عن أبي يوسف في جواز غسلها روايتان. 4479 - وإذا ارتدت بعد موت الزوج: قال زفر: تغسله، وعند أبي يوسف لا تغسله، ولا يعرف مذهب أبي حنيفة. 4480 - احتجوا: بما روي عن عائشة رضي الله عنها (أنها قالت: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أجد صداعا قلت: وا رأساه فقال: (بل أنا وا رأساه ما عليك لو مت قبلي فغسلتك وكفنتك ودفنتك). 4481 - وهذا يدل على أن له غسلها. والجواب: أنه يحتمل أن يكون المراد: أمرت بغسلك. وقد يضاف الشيء إلى الإنسان بمعنى: الأمر به، كما قيل: زنا ماعز، فرجمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ ولأن الزوجية لم تنقطع بينهما بالموت؛ لأن النبي

- صلى الله عليه وسلم - قال لها: (أنت زوجتي في الدنيا والآخرة)، وقال: (كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي)، وإذا لم ينقطع النكاح بالموت جاز الغسل، ولهذا لم يجز لهن التزويج لبقاء حكم النكاح. 4482 - قالوا: لو كان كذلك، لم تجب عليهن عدة. 4483 - قلنا: لسنا نقول: إن نفس النكاح باق والعدة ثابتة. ولا يقال: إن زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا متن جاز له أن يتزوج بأخواتهن. وقد تزوج علي - رضي الله عنه - بعد فاطمة رضي الله عنها بأمامة بنت بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فدل أن النكاح قد زال. 4484 - قلنا: المعنى المانع من الجمع: خشية العداوة، وقطع الرحم، وهذا المعنى يزول بالموت. 4485 - قالوا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (كل سبب [ونسب] ينقطع يوم القيامة، إلا سببي ونسبي) يريد به الإسلام، بدلالة أن نسبه كنسب غيره. 4486 - قلنا: المفهوم من النسب النكاح، وقد فهم ذلك عمر - رضي الله عنه - وهو الراوي، فقال لما خطب أم كلثوم: (إنما تزوجتها لأني سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة) الخبر. 4487 - قالوا: نسب النبي - صلى الله عليه وسلم - كنسب غيره يوم القيامة.

4488 - قلنا: قد روي: (إن الناس يدعون يوم القيامة بأمهاتهم)؛ فيجوز أن يكون نسبه [عليه الصلاة والسلام] غير منقطع؛ لأنه يدعى بالأب وكذلك ولده ينسب إليه، ولا ينسب إلى أمه. 4489 - قالوا: روي عن أسماء رضي الله عنها أنها قالت: (أوصت إلي فاطمة أن أغسلها أنا وعلي، فغسلتها أنا وعلي). 4490 - قالوا: ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة. 4491 - قلنا: قد روينا أن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنكر. ولأنه إنما غسلها لما بينا أن الزوجية بينهما لم تنقطع. وقد رويت هذه القصة متعارضة، فذكر الواقدي أن أسماء غسلتها. وروي أن أم هانئ كانت تغسلها وعلي يعطيها الماء، فأضيف الغسل إليه. كما روي (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - غسله ستة: العباس وعلي والفضل بن العباس وقثم بن العباس، ومولياه: شقران وأسامة، وإنما كان العباس يصب الماء وعلي يتولى الغسل). 4492 - وأضيف إلى جماعتهم لأجل المعاونة. وقد ذكر الطحاوي بإسناده

عن محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن علي عن أبي رافع عن أبيه، عن أمه سلمى قالت: (كنت أمرض فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأصحت يوما كأصح ما كانت في مرضها، وخرج علي إلى بعض حاجته، فقالت: أي أمة، اسكبي لي غسلا [فسكبت] فاغتسلت كأحسن ما كانت تغتسل، ثم قالت: أي أمة أعطيني ثيابي الجدد، قالت: فأعطيتها فلبست، ثم قالت: أي أمة قدمي فراشي وسط البيت، قالت: ثم اضطجعت واستقبلت القبلة، ثم قالت: أي أمة إني ميتة وقد اغتسلت فلا يكشفني أحد، وقبضت مكانها، فجاء علي فأخبرته فقال: والله لا يكشفها أحد، فدفنها بغسلها ذلك). 4493 - قالوا: إنها فرقة حصلت بالوفاة، فلم توجب تحريم الغسل، كما لو مات الزوج، أو لأنها لا تقطع الإرث. 4494 - قلنا: اعتبار الإرث لا معنى له؛ لأن المكاتب يغسل امرأته ولا يرثها، وكذلك العبد. ولأن الزوج إذا مات، فغسلها له استحباب، فلا يقاس عليه.

4495 - ولأن المعنى فيه بقاء للعدة التي أوجبها الموت، وهذا المعنى لا يوجد إذا ماتت، فصار وزانه أن تضع حملها، فلا يجوز لها غسله بجكم النكاح. 4496 - قالوا: حكم من أحكام النكاح، فإذا لم ينقطع بموت الزوج لم ينقطع بموت الزوج، كالإرث. 4497 - قلنا: الإرث حكم يوجبه الموت، والغسل مستباح بالنكاح. فقولهم: في الفرع لا يقطعه الموت، غير صحيح في الأصل؛ لأن الموت إنما يقطع ما كان ثابتا، وأما ما يجب بالموت؛ فإنه يقال: يثبت بالموت أو لم يثبت، ولأنه يبطل بتحريم الجمع؛ لأن النكاح يوجب أن لا يتزوج بأختها ولا تتزوج بزوج، ولا ينقطع هذا الحكم بموته وينقطع بموتها. 4498 - ولأن الإرث يجب بالموت فلا يتصور انقطاعه به، واستباحة الغسل يتعلق بالملك فيبقى ببقائه أو يبقى حكم موجب به. 4499 - قالوا: كل معنى لو أحدث بالزوج لم يمنع غسل الزوجة له إذا حدث بها لم يمنع غسله لها، كالجنون. 4500 - قلنا: لا يمتنع أن يختلف حال ملكه لم يجز لها غسله، وتنتقض العلة بإسلام أحد الزوجين؛ لأن زوج الذمية إذا أسلم غسلته، ولو أسلمت وهو ذمي لم يغسلها، والمعنى في الجنون: أنه لا يحرم الاستمتاع؛ فلم يحرم الغسل، ولما أثر الموت في تحريم الاستمتاع جاز أن يؤثر في تحريم الغسل. 4501 - قالوا: معنى يزيل التكليف، كالجنون. 4502 - قلنا: ما يزيل التكليف لا يمنع الغسل وإنما يمنع زوال النكاح والعدة الموجبة به. 4503 - قالوا: كل حالة جاز للزوجة غسل الزوج فيها؛ جاز له غسلها كحال المرض.

4504 - قلنا: يبطل بما ذكرناه من إسلام أحدهما. 4505 - قالوا: كل شخصين جاز لكل واحد منهما غسل صاحبه في حال الحياة جاز ذلك بعد الوفاة، كالأخوين. 4506 - قلنا: في حال الحياة الملك قائم، وبعد الموت زال الملك وأحكامه، فلم يجز اعتبار أحدهما بالآخر. ولأن الموت لا يؤثر في الأخوة، ولو أثر فيها لم يمنع الغسل، لأن الأجنبي يغسل الأجنبي، والموت يؤثر في الزوجية، فإذا زالت أحكامه صار في حقها كالأجنبي فلم يجز أن يغسلها. * * *

مسألة 275 إذا مات المولى لم تغسله أم ولده

مسألة 275 إذا مات المولى لم تغسله أم ولده 4507 - قال أصحابنا إلا زفر: إذا مات المولى لم تغسله أم ولده، وإن ماتت لم يغسلها. 4508 - وقال الشافعي: يغسل كل واحد منهما الآخر. 4509 - لنا: أنها إذا ماتت زال ملكه عنها، فصا كزواله بالبيع. ولأنه سبب لإسقاط الرق، كالعتق. ولأن المولى إذا مات عتقت بموته، فصار كما لو أعتقها في [حال] حياته قبل موته. 4510 - ولأنها عدة وطء، بدلالة وجوبها في حال الحياة والوفاة على وجه واحد فأشبه الموطوءة بالشبهة. 4511 - احتجوا: بأن كل شخصين جاز لأحدهما أن يغسل صاحبه في حال حياته: فإذا لم ينقطع النسب بينهما إلى حال الوفاة جاز له غسله كالأخوين. 4512 - والجواب: ما قدمناه. 4513 - قالوا: لأنها معتدة عن وفاة فجاز لها الغسل كالزوجة. قلنا: هذا غير

مسلم؛ لأن عدتها عن الوطء وليست عن الوفاة، ثم إن هناك بعض الأحكام المختصة بالملك تبقى بعد الموت، فجاز أن يبقى الغسل، وفي أم الولد: لا يبقى من الأحكام المختصة بالملك، فلم يبق جواز الغسل. ولا يقال: إنه قد بقي وجوب التكفين؛ لأن ذلك لا يختص بالملك، وإنما يتعلق بوجوب النفقة في حال الحياة من غير حصول منفعة، بدلالة وجوبه في ذوي الأرحام لهذا المعنى مع عدم الملك. * * *

مسألة 276 يجوز تكفين الميت في القميص

مسألة 276 يجوز تكفين الميت في القميص 4514 - قال أصحابنا: يجوز تكفين الميت في القميص. 4515 - وقال الشافعي: ليس بمسنون. 4516 - لنا: ما روي في حديث عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه - أنه قال: (كفنوني في قميصي؛ فإني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كفن في قميصه). وروى ابن عباس - رضي الله عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كفن في قميصه الذي مات فيه).

4517 - وروي أنه قال في قميصه الذي غسل فيه: (جففه ثم ألبسه). ولأن ما جاز أن يستر به حال الحياة} جاز أن [يكفن فيه، كالإزار. ولا يلزم السراويل؛ لأنه يجوز أن] يستعمل مكان الإزار. 4518 - احتجوا بحديث عائشة رضي الله عنها: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كفن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص). 4519 - والجواب: أنها لم تنف ما زاد على الثلاث، وإنما أخبرت أنه لم يكن في الثلاثة قميص، فيجوز أن يكون القميص كان زائدا. 4520 - وقد روي عن علي - رضي الله عنه -: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كفن في سبعة أثواب) ولأنا روايتنا مثبت، فهو أولى من النافي. 4521 - ولأن عائشة لم تحضر الغسل، وابن عباس وعلي حضرا، ولأن عائشة يجوز أن يكون لما نزع القميص الذي غسل فيه ظنت لم يزد إليه، ولأن خبرنا أكثر رواة.

4522 - قالوا: حال الميت يجب أن يعتبر بأعلى أحوال الحي، والحي أعلى أحواله لا يلبس القميص؛ وهو الإحرام. 4523 - قلنا: لو اعتبر ذلك لم يغط رأسه، ولم يطيب اعتبارا بأعلى أحواله. ولأن المحرم منع من لبس القميص؛ ليس بما ذكروه، ولكن للمنع من الترفه والاستمتاع، والميت لا يوجد فيه هذا المعنى. ولأن المرأة عندهم لا تكفن بالقميص، وإن كانت في حال إحرامها تلبسه. * * *

مسألة 277 الجنين إذا لم يستهل لم يغسل ولم يصل عليه

مسألة 277 الجنين إذا لم يستهل لم يغسل ولم يصل عليه 4524 - قال أصحابنا في الجنين: إذا لم يستهل؛ لم يغسل، ولم يصل عليه. 4525 - وقال الشافعي: إن ألقته لأقل من أربعة أشهر يغسل ولم يصل عليه، وإن كان له أربعة أشهر وأكثر، وكان قد تخلق وتصور ففيه قولان: 4526 - أحدهما: يغسل ولا يصلى عليه. 4527 - والآخر: مثل قولنا. ومنهم من قال: إن قوله في القديم: يغسل ويصلى عليه. 4528 - لنا: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا استهل المولود؛ كفن، وصلي عليه، وورث، وإن لم يستهل؛ لم يصل عليه)، ولم يثبت ديته).

ولأنه لم تعلم حياته، فلم يصل عليه، أصله: إذا لم يكن له أربعة أشهر. 4529 - ولأنه لم يكمل بدل نفسه، فأشبه ما دون أربعة أشهر. 4530 - احتجوا بحديث ابن مسعود - رضي الله عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (النطفة تبقى في رحم المرأة أربعين يوما، ثم تصير مضغة أربعين يوما، ثم تصير علقة، [وتبقى علقة] أربعين يوما، ثم يبعث الله ملكا يكتب: أجله، ورزقه، وأنه شقي أم سعيد، وبنفخ فيه الروح) فدل على أنه حي. 4531 - والجواب: أن هذا خاص فيمن يعلم الله [تعالى] يبقى، بدلالة قوله: يكتب شقبا أو سعيدا. 4532 - احتجوا: بما روى المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (السقط يصلى عليه، ويدعا لوالديه بالمغفرة والرحمة). 4533 - قلنا: هذا محمول على من علمت حياته، بدلالة الخبر الآخر. ولأن جابرا وابن عباس - رضي الله عنهم - رويا، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا استهل المولود صلي

عليه). 4534 - ودليل هذا الخبر خاص، فبقي على الخبر العام على أصلهم. 4535 - قالوا: قد ثبت له حكم الأنفس، بدلالة أنه يجب فيه الغرة ويورث عنه، وتصير أم ولد. 4536 - قلنا: هذه الأحكام موجودة فيه وإن نقص عن أربعة أشهر، ومع هذا لا يصلى عليه. ولأن هذه الأحكام كلها ترجع إلى حقوق غيره والسقط ولد في حق غيره، وإن لم يكن ولدا في حق نفسه، بدلالة أنه لا يرث ولا يورث عنه. * * *

مسألة 278 يسنم القبر ولا يسطح

مسألة 278 يسنم القبر ولا يسطح 4537 - قال أصحابنا: يسنم القبر ولا يسطح. 4538 - وقال الشافعي: يسطح. 4539 - لنا: ما روى سعيد بن جبير وعروة عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: (صلى جبريل على آدم - عليه السلام - وكبر أربعا وصلى جبريل بالملائكة يومئذ، ودفن في مسجد الخيف، وأخذ من قبل القبلة، وألحد له، وسنم قبره). 4540 - وروي عن إبراهيم قال: (أخبرني من رأي قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأبي بكر وعمر - رضي الله عنهم - مسنمة، عليها فلق من مدرة). 4541 - ولأن التسنيم أبعد من أبنية الدنيا، ومن التشبه بأهل الكتاب فكان أولى. ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - (نهى عن الجلوس على القبور) والتسنيم يمنع الجلوس المنهي عنه.

4542 - احتجوا: بما روى القاسم بن محمد قال: (دخلت على عائشة رضي الله عنها فقلت: يا أمة اكشفي لي عن قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه فكشفت لي عن ثلاثة قبور، لا مشرفة ولا لاطية، مبطوحة ببطحاء العرضة الحمراء، وهذا دليل على أنها مسطحة. 4543 - قالوا: روى المزني (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سطح قبر ابنه إبراهيم وجعل عليه حصباء). 4544 - والجواب: إن الخبر الأول لا دلالة فيه؛ لأنه يجوز أن تكون مبطوحة، والتسنيم في وسطها، وبطحا العرضة على ما سوى التسنيم، وخبرنا مفسر في التسنيم، فهو أولى من المجمل المستدل عليه، والخبر الثاني: لا يعرف، ويجوز أن يكون سطح القبر وجعل التسنيم في وسطه. 4545 - قالوا: روى أبو هياج الأسدي قال: (بعثني علي، وقال: أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أن لا تدع قبرا إلا سويته ولا تمثالا إلا طمسته). 4546 - قلنا: المراد بذلك قبور المشركين التي كانوا يبنون عليها الأنصاب والأبنية، فأراد أن يزيل ذلك لتزول آثار الشرك، وهذا جمع بينه وبين التمثال الذي يفعله الكفار.

مسألة 279 يجعل شعر المرأة على صدرها

مسألة 279 يجعل شعر المرأة على صدرها 4547 - قال أصحابنا: يجعل شعر المرأة على صدرها. 4548 - وقال الشافعي: يضفر ويجعل وراءها. 4549 - لنا: أن هذا أجمع للكفن وأبعد من الانتشار، فكان أولى كربط اليدين، ولأن الضفر إنما يفعل للزينة، وكذلك إلقاء الشعر على الظهر، والميت لا يزين. 4550 - احتجوا بما روي في حديث أم عطية رضي الله عنها (أنها قالت: ضفرنا شعر بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة قرون وناصيتها وقرنيها، فألقيناها خلفها). 4551 - والجواب: أنه لم يذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عرف ذلك، ألا ترى أنها ذكرت ما أمر به من صفة الغسل والتكفين فما أضافته إلى فعلها، فالظاهر أنه لم يأمر به، ويجوز أن يكون الكفن ضاق عليها فضفرت الشعر ليكون أمكن مع ضيق الكفن.

مسألة 280 حكم صلاة الجنازة على الشهيد

مسألة 280 حكم صلاة الجنازة على الشهيد 4552 - قال أصحابنا: يصلى على الشهيد. 4553 - وقال الشافعي: لا يصلى عليه. 4554 - لنا: ما روى القاسم عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: (أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد بالقتلى فجعل يصلى عليهم، فيوضع تسعة وحمزة، فيكبر عليهم [سبع تكبيرات]، ثم يرفعون ويترك حمزة، ثم يجاء بتسعة، فيكبر عليهم سبعا حتى فرغ منهم). 4555 - روى الزبير - رضي الله عنه -: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر يوم أحد بحمزة سجي ببرد ثم صلي عليه، فكبر عليه سبع تكبيرات، ثم أتى بالقتلى يصفون ويصلى عليه وعليهم معه، فصلى عليهم سبعون صلاة).

4556 - ولا يجوز أن يقال: [إن] هذا الخبر رواه حجاج بن أرطاة، قال شعبة: (أو ما ترى إلى هذا المجنون؟) يعني حسن بن أبي حازم يكلمني في الحسن بن عمارة، وهو يروي عن الحكم بن عتيبة عن مقسم عن ابن عباس: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم -[صلى على أحد قتلى أحد). وهذا حماد بن أبي سليمان روى عن إبراهيم، عن علقمة عن ابن مسعود - رضي الله عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم -] لم يصل عليهم). وذلك لأن هذا ليس بطعن صحيح؛ لأن حمادا وإن كان أثبت في الرواية لم تكن روايته للنفي طعنا على من نقل الإثبات. وقد روى هذا الخبر أبو بكر بن عياش عن يزيد بن أبي زياد عن مقسم من غير طريق الحجاج. وروى عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على قتلى أحد وبدر)، ولا يعارض ذلك ما روى جابر - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصل عليهم؛ لأن المثبت أولى من النافي، ولأن جابرا اشتغل بقتل أبيه؛ فيجوز أن يكون خفي عليه ما جرى.

4557 - ولا يقال: إن النافي في مسألتنا أولى من المثبت؛ لأنه ينقل أمرا حادثا؛ وذلك أن المثبت إنما كان أولى ليس لأنه ينقل معنى حادثا، لكن لأنه شاهد ما لم يشاهده غيره كشهادة المثبت، وشهادة النافي. 4558 - ولا يقال: صلى عليهم بمعنى دعا؛ لأن الصلاة في الحقيقة يفهم منها غير الدعاء. 4559 - ولأنه روي في خبر ثعلبة بن صعير (أنا النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على قتلى أحد صلاته على الجنازة). ولأنه نقل عدد التكبير، وهذا لا يكون إلا في الصلاة. 4560 - ولا يقال: روى عقبة بن عامر - رضي الله عنه -: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على قتلى أحد بعد ثمان سنين)؛ لأن هذا محمول على الدعاء، ولو حمل على الصلاة كان دلالة على مخالفنا، ويكون تكرار الصلاة لفضيلتهم، وجوازها بعد مضي المدة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر (أنهم باقون ولم يتغيروا). 4561 - ولا يقال: [إنه روى] (أنه كبر على كل فريق سبعا)، وذلك لا يبلغ سبعين؛ لأن الغلط في عدد التكبيرات، لا يمنع ثبوت أصل الخبر. ولأن القتلى كانوا ثلاثة وسبعين، فكبر النبي - صلى الله عليه وسلم - على حمزة وحده سبعة، ثم كبر على تسعة سبعة، فيكون جملة ذلك ثلاثة وستين تكبيرة، وصلى عليهم بعد ثمان سنين، فيجوز أن يكون كبر سبعا، فكمل جميع التكبيرات سبعين. 4562 - ولا يقال: يجوز أنه صلى على من ارتث؛ لأن حمزة لم

يرتث وقد صلي عليه. 4563 - ويدل عليه: ما روى شداد بن الهاد: أن أعرابيا آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - واتبعه ثم نهضوا به إلى قتال؛ فأصابه سهم فقتل وكفن في جبة له ثم قدمه النبي - صلى الله عليه وسلم - فصلى عليه، وقال: (اللهم هذا عبدك خرج مجاهدا في سبيلك قتل شهيدا وأنا عليه شهيد). 4564 - وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (صلوا على من قال: لا إله إلا الله). ولأنه مسلم تجب موالاته، فتجب الصلاة عليه، كسائر المسلمين. ولا يلزم المحترق؛ لأنه يستوي فيه الأصل والفرع. 4565 - ولأن الصلاة عليه واجبة وإنما يتعذر إذا صار رمادا. ولأنه قتل في طاعة، كمن قتل في الأمر بالمعروف. ولأنه اعتبر بمن عظمت درجته فصلي عليه، كالأنبياء. 4566 - ولا يجوز أن يقال: إن المعنى في سائر الموتى أنه يجب عليهم؛ لأن غسل الشهيد واجب، وإنما قامت الشهادة مقامه كما يقوم التيمم مقامه عند عدم الماء. 4567 - ولا يقال: إن سائر الموتى يحتاجون إلى الاستغفار والشهيد قد غفر له؛ لأن الصلاة قد تطلب للاستغفار، وتطلب لثواب المصلي، ولأن ما قالوه يبطل بالصبي والأنبياء عليهم السلام.

4568 - احتجوا: بحديث أنس، وجابر - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصل على قتلى أحد. وقد أجبنا عن هذا فيما مضى. ولا يقال: من أصلكم أن الخبر المتفق على بعضه [أولى من المختلف فيه، وخبرنا متفق على بعضه]؛ لأنه ذكر فيه ترك الغسل؛ لأن هذا قد روي في خبر ابن عباس [أيضا]، فتساوى الخبران من هذا الوجه. 4569 - قالوا: كل من لم يجب غسله مع القدرة لم تجب الصلاة عليه، كالسقط والكافر. 4570 - قلنا: غسل الشهيد واجب وإنما قام غيره مقامه، كما يقوم التيمم مقامه عند عدم الماء. ولأن الغسل فيه متعذر حتى لا يزول الدم عنه، كما يتعذر في المحترق ومن لا يجد الماء. ولأن الغسل إنما سقط فيه على طريق التعظيم حتى صار دمه طاهرا وليس في سقوط الصلاة تعظيم. ولأن الكافر والسقط لا يصلى عليهم؛ لأن الصلاة وضعت للموالاة والدعاء وذلك لا يجوز فيهما، والشهيد ممن يستحق الدعاء والموالاة بيننا وبينه ثابتة، فجاز أن يصلى عليه. 4571 - ولا يقال: إن الموالاة ثابتة مع البغاة، بدلالة التوارث، وإن كان لا يصلى عليهم عندكم؛ لأنا نعني بالموالاة التعظيم والدعاء والنصرة، ولا نعني بها موالاة الدين. 4572 - قالوا: صلاة مقرونة بالطهارة، فإذا سقط فرض الطهارة مع القدرة عليها

سقط فرض الصلاة قياسا على الحائض والمجنون. 4573 - [قلنا: قد بينا أن الطهارة لم تسقط وإنما قامت الشهادة مقامها، وبينا أيضا أن الطهارة غير مقدور عليها، فأما الحائض والمجنون]: فإنما سقط وجوب الصلاة عليهما فسقطت الطهارة التي تراد للصلاة، فأما أن تكون الصلاة سقطت لسقوط الطهارة فلا. ولأنا لا نقول: إن طهارة الشهيد عدمت وإنما الموت فيه لا ينقض طهارته فبقي على الطهارة المتقدمة، ولهذا لو كان جنبا وجب غسله عندنا. 4574 - قالوا: فرض كفاية يسقط في حق السقط، فسقط في حق الشهيد كالغسل. 4575 - قلنا: سقوط الصلاة في السقط لا يستدل بها على سقوطها في حق الشهيد؛ لأن السقط لا تعلم حياته، وهذه الصلاة تجب لأجل الموت، والشهيد قد علمنا حياته، فجاز أن يتعلق بموته الصلاة وإن كان من أهل الموالاة. ولأن الغسل لم يسقط فيه على ما بينا. 4576 - قالوا: الصلاة إنما سقطت في [حق] الشهداء؛ لأنهم في حكم الأحياء. 4577 - [قلنا: هم في حكم الأحياء] في باب بقاء ذكرهم واستحقاق الثواب، وليسوا في حكم الأحياء في بقية الأحكام، بدلالة: أنهم يورثون، وتنكح نساؤهم. * * *

مسألة 281 ينزع عن الشهيد ما لا يبتدئ به التكفين كالسلاح والفراء والجلود

مسألة 281 ينزع عن الشهيد ما لا يبتدئ به التكفين كالسلاح والفراء والجلود 4578 - قال أصحابنا: ينزع عن الشهيد ما لا يبتدئ به التكفين، كالسلاح والفراء والجلود، ويستحب تكفينه في ثيابه ولا ينزع جميعها، فإن أحبوا الزيادة فيها جاز، وكذلك النقصان. 4579 - وحكى أصحاب الشافعي: أنه يجب تكفينه بها. وليس كذلك، بل نقول: هو مستحب، لقوله عليه الصلاة والسلام: (زملوهم بدمائهم وثيابهم). ولأن ما عليه أثر الشهادة لا يزال من الشهيد ما لم يكره تغيبه بالدفن. * * *

مسألة 282 من وجد في المعترك ميتا لا أثر فيه غسل

مسألة 282 من وجد في المعترك ميتا لا أثر فيه غسل 4580 - قال أصحابنا: من وجد في المعترك ميتا لا أثر فيه؛ غسل. 4581 - وقال الشافعي: لا يغسل. 4582 - لنا: أن الظاهر أنه مات حتف أنفه؛ بدلالة أن القتل يكون له أثر في الغالب، ولم يجز سقوط غسله؛ ولأن الغسل يتعلق بالموت وإنما سقط بوجود الشهادة، فإذا لم تعلم لم يسقط الغسل بالشك. ولأنه لم يعلم قتله ولا أثر للقتل، فصار كمن وجد ميتا في المصر. 4583 - احتجوا: بأن من وجد والحرب قائمة، فالظاهر أنه قتيل؛ لأنه يقتل بمثقل على الخاصرة، أو على مقتل أو بعصر أنثييه فيموت بغير أثر. 4584 - والجواب: أن هذه المعاني كلها [يحصل] لها أثر في الغالب فإذا لم يوجد فالظاهر أنه مات حتف أنفه، ولأن المجوز إذا كان موجودا لم يجز إسقاط الغسل بالشك.

مسالة 283 إذا قتل الصبي غسل

مسالة 283 إذا قتل الصبي غسل 4585 - قال أبو حنيفة: إذا قتل الصبي غسل، وقالا: لا يغسل. 4586 - وبه قال الشافعي. 4587 - لنا: ما روي (أن الملائكة غسلت آدم - عليه السلام - وقالت: هذه سنة موتاكم)، وهو عام. ولأنه غير مكلف فإذا قتل غسل، كمن قتل في المصر، ولأن الشهادة يقع بها تطهير الذنوب من طريق الحكم، فيصير كالغسل من طريق المشاهدة، وهذا المعنى لا يوجد في الصبي، ولأن سقوط غسله إنما هو لتعظيمه، حتى حكم طهارة دمه، والتعظيم المستحق بأفعال القرب لا يثبت إلا في المكلفين. 4588 - ولا يلزم من بلغ في المعركة وقتل؛ لأنه يجوز أن يكون حصل له ذنبا في الحال إذ الذنوب لا تختص الأفعال المشاهدة بل توجد بالاعتقادات وأفعال القلب، ولأنه صار مكلفا، فاستحق الثواب بفعله.

4589 - احتجوا: بما روي (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في قتلى أحد: (زملوهم بكلومهم ودمائهم). 4590 - والجواب: أن هذه قصة في عين ولسنا نعلم أنه كان فيهم غير بالغ، وقد نقل عدد القتلى وليس فيهم صغير، ولا يجوز اعتبار التعليل؛ لأنا لا نعلم أنه وجد في الصغار. 4591 - قالوا: مسلم قتل في معترك المشركين بغير حق فسقط فرض الغسل في حقه، كالبالغ. 4592 - قلنا: يبطل بمن قتله المسلمون في معترك الكفار. ولأن البالغ ممن يستحق الثواب بفعله؛ فجاز أن يسقط حكم غسله على طريق لتعظيم وهذا لا يوجد في الصبي. 4593 - قالوا: الصبي كالبالغ في أحكام الموت، أصله: إذا مات حتف أنفه. 4594 - قلنا: إذا مات حتف أنفه فليس هناك حكم يثبت على طريق التعظيم، فلذلك لم يختلف، وسقوط الغسل يثبت على طريق التعظيم، فلهذا لم يثبت. * * *

مسألة 284 إذا استشهد الجنب غسل

مسألة 284 إذا استشهد الجنب غسل 4595 - قال أبو حنيفة: إذا استشهد الجنب غسل، وقالا: لا يغسل. 4596 - وبه قال الشافعي. فأما الحائض والنفساء: فإن كان الدم انقطع فكذلك، وإن كان لم ينقطع؛ فعن أبي حنيفة روايتان. 4597 - لنا: ما روي: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أسرع إلى جنازة سعد بن معاذ، قال: (خشيت أن تسبقني الملائكة إلى غسله كما سبقت إلى غسل حنظلة). 4598 - فهو يدل أن الملائكة لو لم تغسل حنظلة، لغسله عليه الصلاة والسلام، وقد كان استشهد وهو جنب. 4599 - ولا يقال: إنه لو وجب غسله، لم يقتصر على غسل الملائكة، ألا ترى أنهم صلوا عليه ولم يقتصر على صلاتهم، وذلك لأن الصلاة إذا وقعت من غير الولي جاز للولي إعادتها، ولو وقع الغسل من غيره لم يجز له إعادته.

4600 - ولأن غسل الملائكة يجري مجرى غسل الآدميين، بدلالة أنه غسل من مكلف، كغسل الآدمي. ولأنهم غسلوا آدم فاكتفي بذلك. ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بادر إلى غسل سعد - رضي الله عنه -[حتى] لا يسبقوه فلو لم يعتد بغسلهم؛ لم يكن للمبادرة معنى. ولا يقال: إنما بادر ليكون هو المبدئ؛ لأن غسلهم إذا لم يعتد به، فلا فرق بين الابتداء وغيره. 4601 - ولا يقال: إنا لا نعلم أن الغسل كان واجبا حين مات آدم - عليه السلام -؛ لأن الملائكة قالت: (هذا سنة موتاكم)، فدل على أن حكمه حكم سائر الموتى. 4602 - ولا يقال: إن الغسل فرض على الكفاية، والملائكة لم يدخلوا في الفرض، فلا يسقط بفعلهم كما لا يسقط بالجهاد، [و] لأن فرض الكفاية لا فرق بين سقوط بفعل من لزمه، أو بفعل من لم يلزمه إذا صح منه، كالدفن والتكفين لو وجد من الملائكة، وكما لو قام بالجهاد الصبيان سقط الفرض عن البالغين وإن لم يكونوا من أهله، وإذا ثبت ذلك وقد غسلوا حنظلة؛ دل على أن غسلهم قام مقام غسلنا [فيه]. ولأنه غسل يمنع من اللبث في المسجد أو يتعلق بجميع البدن، فلا يسقط بالشهادة، كغسل النجاسة. 4603 - ولا يقال: إن غسل النجاسة لو حصل سببه مع الموت أو بعده لم يسقط، كذلك إذا حصل قبله؛ لأنا لا نسلم ذلك، ألا ترى أن خروج الدم من بدن الشهيد بعد الموت أو معه يسقط حكمه؟ ولا يقال: إن الشهادة لا تؤثر في شيء من غسل النجاسة فلم تؤثر في نفسه ولما أثرت في شيء من طهارة

الحدث؛ جاز أن تؤثر في نفسها؛ لأن الشهادة لا تؤثر في طهارة يتقدم بعضها على الموت إذا لم يكن سببها موجودا، وإنما أثرت في الوضوء؛ لأن سببه موجود وهو الموت ولا يتعلق به حكم. ولا يلزم على ما ذكرناه غسل الحيض والنفاس؛ لأنه إن وجب قبل الموت لم يسقط، كالجنابة، وإن لم ينقطع الدم حتى قلت؛ ففي إحدى الروايتين مثله، وفي الرواية الأخرى: لم يجب الغسل في حال الحياة؛ لأنه يجب بالانقطاع، فلذلك لم يجب بعد الموت. ولأنه مسلم استشهد جنبا فلا يسقط غسله، كمن قتل في المصر، ومن لم يمت وهو مغمى عليه في المعترك حتى يقضي القتال. 4604 - احتجوا: بقوله عليه الصلاة والسلام: (زملوهم [بكلومهم] ودمائهم، وثيابهم). 4605 - والجواب: إن هذا كان في قتلى أحد. والظاهر ممن يشهد الحرب عدم الجنابة وما ذكرناه من خبر حنظلة خاص في الجنب، فوجب استعمالها. 4606 - قالوا: مسلم قتل في معترك المشركين بغير حق، فسقط فرض الغسل في حقه قياسا على غير الجنب. 4607 - قلنا: يبطل بمن قتله المسلمون في المعترك. ولأن غير الجنب لم يكن غسله واجبا قبل موته، والشهادة لا تنقض الطهارة فبقي على ما كان عليه، فأما الجنب: فالشهادة لم تؤثر في إيجاب الغسل بالموت، وبقي ما يثبت في حال الحياة بحاله. 4608 - قالوا: طهارة عن حدث، فسقطت بالشهادة في المعترك كالوضوء.

4609 - قلنا: الوضوء لا يصح إيجابه بعد الموت؛ لأن سببه موجود وهو زوال العقل، فلم يصح ثبوته، وأما الجنابة: فسببها لا يوجد بعد الموت؛ فجاز إثبات الغسل بها. ولأن غسل الجنابة أعم من غسل الميت؛ لأنه يجب فيه المضمضة، فلم يثبت الأقل عن الأكثر، فليس كذلك غسل الموتى والوضوء؛ لأن الوضوء أقل؛ فجاز أن ينوب الأكثر عنه. 4610 - قالوا: الاستشهاد قائم مقام الغسل، فالغسل الواحد يقوم مقام غسلين كالحائض الجنب، وكذلك تقوم الشهادة مقام غسلين. 4611 - قلنا: الطهارة يقع فيها التداخل [في الاستيفاء، ولا يقع فيها التداخل] عند السقوط، ألا ترى أن من تكرر منه الزنا قام الحد الواحد في الاستيفاء مقام جميع الحدود؛ ولو سقط بعض الحدود بشبهة دخلت فيه لم تسقط بعينها، فتداخلت في الاستيفاء ولم تتداخل في السقوط، كذلك في مسألتنا. ولأن الشهادة عندنا تمنع انتقاض الطهارة، ولا تقوم مقام الغسل، فلم يسلم ما ذكروه. 4612 - قالوا: إنما لا نغسل الشهيد؛ لأن الله تعالى أكرمه بالشهادة واشتغل أهل الحق عنه بالقتال، وهذا موجود في الجنب. 4613 - قلنا: يبطل بقتل أهل العدل مع أهل البغي. ولأن الاشتغال بالقتال لا يجوز أن يكون علة في سقوط الغسل، بدلالة غسل النجاسة. * * *

مسألة 285 إذا أكل القتيل أو شرب أو صار إلى حال المريض غسل

مسألة 285 إذا أكل القتيل أو شرب أو صار إلى حال المريض غسل 4614 - قال أصحابنا: إذا أكل القتيل أو شرب أو صار إلى حال المريض غسل. 4615 - وقال الشافعي: لا يغسل. 4616 - لنا: أنه صار إلى حال التمريض، فصار كسائر المرضى، ولأنه صار إلى حال الدنيا بعد الخروج، فصار كمن خرج في المصر إذا أكل، فأما إذا لم يأكل ولم يشرب ولكن بقي في مكانه حتى انقضى القتال، فإن كان مضى عليه وقت صلاة كامل وهو عاقل؛ فإنه يصير مرتثا فيغسل، وإن كان لم يمض وقت صلاة؛

لم يغسل. وقال الشافعي: إذا انقضت الحرب غسل. 4617 - لنا: أن الشهيد لم يصر إلى أحوال الدنيا، فأشبه إذا مات عند الإصابة. 4618 - قالوا: مسلم مات في غير المعترك؛ فوجب أن يغسل، كما لو أوصى. 4619 - قلنا: إذا مات في غير المعترك وقد حمل على أيدي الرجال وهو حي غسل عندنا. ولأن ما قالوه ينتقص بمن حمل فمات قبل نقض الحرب. 4620 - قالوا: كل من وجبت الصلاة عليه وجب غسله، كسائر الموتى. 4621 - قلنا: يبطل بالمحترق، ولأن المعنى الموجب للصلاة هو المعنى الموجب لترك الغسل؛ لأنه يصلي عليه للموالاة، ويغسل على طريق التعظيم؛ فلم يكن أحد الأمرين معتبرا بالآخر. 4622 - قالوا: إنما سقط الغسل لأنه استغنى بالشهادة عنه حال الاشتغال بالقتال، وهذا المعنى موجود وإن أكل. 4623 - قلنا: الشهادة إنما تقوم مقام الغسل إذا كانت كاملة، فإذا نقص معناها لم يسقط الغسل، كالمبطون والغريق. * * *

مسألة 286 من خرج من الجماعة لا يصلى عليه

مسألة 286 من خرج من الجماعة لا يصلى عليه 4624 - قال أصحابنا: من خرج من الجماعة لا يصلى عليه. 4625 - وقال الشافعي: يصلى عليه. 4626 - لنا: ما روى الحسن بن علي (أن معاوية - رضي الله عنه - صلى على حجر قال خصمه: ورب الكعبة؟)، فدل على أنه اعتقد أن من خرج من الجماعة لا يصلى عليه. ولا يقال: إن معاوية صلى عليهم؛ لأن ذلك لم ينقل في خبر، ولأنه لم يكن يعتقد أن أصحاب علي بغى. ولأنهم باينوا أهل العدل، فأشبه الكفار. 4627 - ولا يقال: إن الكافر وإن باين لم يصل عليه لكفره لأن الكفر قد باين بالاعتقاد، كما باين الباغي بالبغي. 4628 - قالوا: الكافر إذا مات لم يصل عليه، والباغي يصلى عليه إذا مات فكذلك إذا قتل. لا نسلم هذا فنقول: لا يصلى عليهم في الحالتين وتبطل علة الفرع بالشهيد على أصلهم، ولأن قتلهم لا يختص بآلة كأهل الحرب،

وعكسه القتل بالقصاص. ولأنهم بالغوا في المعصية بمفارقة الجماعة وتفريق شملهم وشق العصا، فوجب أن يعاقبوا أبلغ العقوبات، وبترد لو أنهم ..... 4629 - ولا يقال: إنهم مجتهدون عندنا ولهم أجر على ذلك؛ لأن هذا خلاف الإجماع، ألا ترى أنهم افترقوا وكل فرقة اعتقدت أن الأخرى مخطئة آثمة. ولأن هذا من العقليات فلا يجوز أن يسوغ الاجتهاد في المخالفة فيه. ولأن قتالهم واجب لحراسة الدين كالكفار. ولأن الصلاة فيها موالاة لمن يصلى عليه، والباغي لا يجوز توليه في حياته فكذلك بعد موته. ولا يقال: إنما لا يتولاه في حياته لبغيه، فإذا مات فقد زال بغيه، فصار كما لو رجع في حياته، وذلك لأن المعنى المانع من التولي: إذا كان فعله للمعصية، جاز أن يزول بتركه ولا يزول بموته مصرا عليها، كما لا يزول بفسقه وتضليله، وإن زال ذلك بتركه. 4630 - احتجوا: بحديث ابن عمر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (صلوا على من قال: لا إله إلا الله). 4631 - قالوا: وروى وائلة بن الأسقع - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تكفروا واحدا من أهل ملتكم وإن فعلوا الكبائر، وصلوا خلف كل إمام، وجاهدوا مع كل أمير، وصلوا على كل ميت من أهل القبلة). 4632 - والجواب: أن هذه الأخبار ذكرها الدارقطني وطرقها لم يصح خبر منها،

فمنها: حديث عثمان بن عبد الرحمن، عن عطاء، عن ابن عمر، وعثمان بن عبد الرحمن، هو الوقاصي. 4633 - روي عن الزهري. قال البستي: يروى عن الثقات الموضوعات، لا يجوز الاحتجاج به ومنها: حديث العلاء أبو سالم عن أبي الوليد المخزومي، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع عن ابن عمر، والعلاء أبو سالم: قال البستي: يروى عن العراقيين المقلوبات، لا يحل الاحتجاج به بحال. ومنها: حديث محمد بن الفضل، سكن بخاري، قال البستي: كان ابن أبي شيبة شديد الحمل عليه، وكان يروي الموضوعات. 4634 - ومنها: حديث بقية عن أشعث، عن زيد بن زيد بن جابر، عن مكحول عن أبي هريرة، وأشعث هذا مجهول، وبقية إذا روى عن المجاهيل لم يقبل خبره ومكحول لم يلحق أبا هريرة. ومنها: حديث بقية عن أبي إسحاق العشري مجهول [قرأ ابن سليمان عن محمد بن سليمان عن الحارث عن علي. وأبو إسحاق العشري مجهول]، والحارث لا يقبل مخالفونا أخباره. ثم قال الدارقطني عقيب هذه الأسانيد: ليس فيها شيء يثبت، وأما حديث وائلة بن الأسقع: فذكره عن الحارث بن نبهان، وقد قال يحيى بن معين: الحارث بن نبهان

ليس بشيء. 4635 - وقال الدارقطني: رواه أبو سعيد عن مكحول وأبو سعيد مجهول، وذكر حديث مكحول عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (صلوا خلف كل بر وفاجر، وعلى كل بر وفاجر). رواه معاوية بن صالح، وكان يحيى بن سعيد لا يحدث عنه. ومكحول لم يسمع من أبي هريرة. وذكر بعده حديث ابن مسعود، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ثلاث من السنة: الصلاة خلف كل إمام؛ لك صلاتك وعليه إثمه، والجهاد مع كل أمير؛ لك جهادك وعليه شره، والصلاة على كل ميت من أهل التوحيد وإن كان قاتل نفسه). 4636 - قال الدارقطني: رواه عمر بن صبح، وهو متروك. وهذه الأخبار كلها رواها الشاميون، وقال يحيى بن سعيد: لا تقبل أخبار الشاميين في طاعة الأمراء، ولو ثبتت هذه الأخبار حملناها على أهل المعاصي من أهل دارنا، بدلالة ما ذكرنا [هـ]. 4637 - قالوا: روي (أن طائرا ألقى بمكة يدا من وقعة الجمل، فعرفت بالخاتم،

وكانت يد ابن عتاب بن أسيد، فغسلها أهل مكة وصلوا عليها). 4638 - قلنا: الذي روي من هذا، أنها وقعت باليمامة ولم ينقل بمكة، ولا يعلم حال أهل اليمامة حتى يعتبر بفعلهم، ولو ثبت أنه صلي عليها بمكة؛ فلأن أهل مكة كانوا عثمانية، وهم جهزوا الجيش فلم يكونوا يعتقدون أنهم بغاة. 4639 - قالوا: مسلم قتل بحق؛ فوجب غسله والصلاة عليه، كمن قتل قصاصا أو رجما. 4640 - قلنا: الوصف غير مؤثر في الأصل؛ لأن المقتول بالرجم أو القصاص يصلى عليه، بحق قتل أو بغير حق، مثل أن يقتله بغير الآلة، أو يقتله بغير رجم. ثم المعنى فيهما: أنه لم يوجد منهما مباينة أهل الحق والخروج من طاعة الإمام، ولما باين الباغي الإمام؛ حل محل الكافر. 4641 - قالوا: مسلم قتل في غير معترك المشركين، كالمقتول في المصر ممن يستحق الثواب ويجوز توليه، فلا يمنع من الصلاة عليه. 4642 - قلنا: الباغي لا يجوز توليه، فلا تجوز الصلاة عليه كالكافر. 4643 - قالوا: قتل البغاة على طريق الدفع، فصار كمن قتل دفاعا عن المال والنفس.

4644 - قلنا: لا فرق بينهما؛ لأن قصده أخذ المال والنفس والتجبر؛ فهو قاطع الطريق، وقد قال أصحابنا: لا يصلى عليهم. 4645 - قالوا: قتالهم لإزالة بغيهم، والموت يزيل هذا المعنى؛ فصار كوضعهم السلاح في حال الحياة. 4646 - قلنا: وضع السلاح إذا كان لترك التجبر؛ فهو رجوع إلى الطاعة، فيجوز أن يصلى عليهم، والقتل على تلك الحال يوجب بقاءهم على المعصية إلى الموت، فلا يظهر موالاتهم بالصلاة عليهم، كحال الحياة. 4647 - قالوا: الصلاة على الميت إشفاقا عليه ليدعى وترجى له الرحمة والمغفرة، والباغي إلى هذا أحوج. 4648 - قلنا: الصلاة لم توضع لهذا، بدلالة أنه يصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى الأطفال وإن لم يحتاجوا إلى الدعاء. * * *

مسألة 287 إذا وجد الأقل من الآدمي لم يصل عليه

مسألة 287 إذا وجد الأقل من الآدمي لم يصل عليه 4649 - قال أصحابنا: إذا وجد الأقل من الآدمي لم يصل عليه. 4650 - وقال الشافعي: إذا وجد جزء منه صلي عليه قل أو كثر. 4651 - لنا: أنه جزء، لا يصلى عليه إذا انفصل حال حياة الأصل، فلا يصلى عليه بعد موته، أصله الأذن الملصقة والشعر والظفر والمتن. ولأن الصلاة حكم يثبت لحرمة [الحياة]، التفرق فلا تتعلق بالطرف، كالقسامة والكفارة. ولأنه جزء ينفصل مع بقاء الحياة فلا يصلى عليه إذا انفرد من غيره، لم يصل

عليه بعد الموت، كما لو وجد من الشهيد. ولأن كل جزء لو انفصل من الشهيد لم يصل إذا انفرد من غيره لم يصلى عليه، كالشعر والظفر. 4652 - وهذه المسألة مبنية على أنه لا يصلى عليه مرتين، ولو صلينا على الجزء؛ أدى إلى أن يصلى على الباقي إذا وجد فتكرر الصلاة عليه مرارا. 4653 - ولا يقال: فإذا أكل السبع بعضه فوجد بعضه يجب أن يصلى عليه. 4654 - قلنا: لا يمتنع أن يثبت الحكم في الأصل لعلة، ثم تفقد ويبقي الحكم لعلة أخرى. 4655 - احتجوا: بما روي (أن طائرا ألقى بمكة يدا) من وقعة الجمل فغسلها أهل مكة وصلوا عليها)، فقيل: كانت يد طلحة، وقيل: كانت يد عبد الرحمن ابن عتاب بن أسيد). 4656 - والجواب: ما قدمناه، أن هذه اليد سقطت باليمامة، وفعل أهل اليمامة لم يكن حجة؛ لأنهم أهل الردة وبقايا مسيلمة، ففعلهم لا يعتد به، ولو ثبت أنه كان بمكة، فلم يكن بقي فيها من يعتد بفعله. 4657 - قالوا: روي: (أن عمر - رضي الله عنه - صلى على عظام بالشام).

4658 - قلنا: العظام لا يصلى عليها باتفاق؛ لأن البلى يمنع الصلاة فيحتمل أن يكون صلى بمعنى: دعا. 4659 - قالوا: روي عن أبي عبيدة - رضي الله عنه - (أنه صلى على رؤوس) فالسنة له التقدم دون التأخر قياسا على من يحملها. 4660 - قلنا: الحامل إنما يبتدئ بمقدمها، ليكون عند فراغه في الموضع الأفضل خلفها، ولو بدأ بمؤخرها لصار مقامه عند فراغه في الموضع الأنقص، فلهذا بدأ بمقدمها. * * *

مسألة 288 السلطان أولى بالصلاة على الميت

مسألة 288 السلطان أولى بالصلاة على الميت 4661 - قال أصحابنا: إذا حضر السلطان فهو أولى بالصلاة على الميت. وعن أبي يوسف أن المولى أحق. 4662 - وبه قال الشافعي في الجديد، وفي إمام الحي روايتان. 4663 - لنا: ما روى أبو مسعود الأنصاري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (لا يؤم الرجل الرجل في سلطانه، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه). 4664 - وروي أيضا: (لا يؤم أمير في إمارته). ولا يقال: إنه محمول على صلاة الفرض؛ لأن هذا تخصيص بغير دليل.

4665 - ويدل عليه: ما روي: (أن الحسين قدم سعيد بن العاص على الحسن، وقال: لولا السنة لما قدمتك) وذكر بشر بن غياث في (كتاب الصلاة) أنه قال: (لولا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن التقدم لما قدمتك). 4666 - ولا يقال: إن الحسن صلى عليه، ثم قدمه ثانيا، وقال: (لولا أن السنة الصلاة لما قدمتك)، [بدلالة ما روي عن الحسن البصري: أن الحسن صلى على أخيه وكبر أربعا]. 4667 - قلنا: الصلاة الثانية لا يحتاج فيها إلى التقديم، ولا يقع فيها منع، وإنما يقع التقديم في الأولى، وقول الحسن لا دلالة فيه؛ لأنه يجوز أن يكون صلى مأموما وكبر أربعا. ولأنا قد روينا أنه قال: (لولا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن التقديم لما قدمتك) وقد روي أن سعيد بن العاص - رضي الله عنه - قال: (أنتم أحق بموتاكم؛ إن شئتم تركتموني أتقدم، وإن شئتم فأنتم أحق به، فصلوا، فقدمه الحسين وقال: لولا السنة لما قدمتك). 4668 - وهذا يدل أنه قد ابتدأ. ولا يقال: إن الحسين خاف الفتنة؛ لأن الإمارة كانت لهم، فقال: لولا أن السنة من إطفاء الفتنة لما قدمتك. 4669 - قلنا: هذا يفضي إلى إسقاط السبب المنقول، وتعلق الحكم بسبب لم ينقل، وهذا لا يصح.

4670 - وقد روى أصحابنا عن الشعبي (أن رجلا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - حضره الموت فقال: إذا مت فحضر جنازتي الوالي فقدموه وإلا فرجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن حضر إمام الحي فيصلي علي، ولا تخالفوا لي السنة). ولأنها صلاة شرع لها الجماعة، فحلت محل العيدين والجمعة، أو سن لها الجماعة فلا يتقدم فيها على الإمام حال حضوره إلا بإذنه، كسائر الصلوات. 4671 - ولا يقال: إن سائر الصلوات حق لله خالصا، وصلاة الجنازة فيها حق لله وحق للميت، فاعتبر تقدم الولي، كالولاة في النكاح. 4672 - ولأن صلاة الجنازة حق لله تعالى خالص وليس إذا سن فيها الدعاء للميت كانت حقا له، كما أن سائر الصلوات يستغفر فيها للمسلمين ولا حق لهم فيها. 4673 - ولأن دار الإسلام سلطان الأمير، فلا يتقدم عليه من لا سلطان له في البقعة، كدار الإنسان لا يتقدم غيره فيها. ولا يقال: إن صاحب الدار يتقدم وإن كان السلطان الأمير؛ لأن صاحب الدار أخص بها من الأمير وهو سلطانها. 4674 - واحتجوا: بقوله تعالى: {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض}. 4675 - قلنا: لا يمكن ادعاء العموم في ذلك؛ فوجب أن يختص بسببه. وقد روي أن الآية نزلت في شأن المواريث. 4676 - قالوا: ولأنه يستحق بالنسب فكانت متقدمة على الولاية العامة كولاية النكاح. 4677 - قلنا: تولي عقد النكاح بين يدي السلطان فليس فيه إسقاط

هيئته؛ لأن من عادة أن يوكلوا فيه ولا يتولونه، وهذا غير موجود في الصلاة؛ لأن التقدم عليه إسقاط هيئته؛ لأن العادة تقديم الأفضل فيها. 4678 - قالوا: فرض كفاية يفعل في حق الميت، فكان ولي الميت أولى كالغسل والتكفين والدفن. 4679 - قلنا: لا يمتنع أن يختص بالغسل من يكون غيره أولى منه بالصلاة، بدلالة أن الزوج عندهم أولى بالغسل والتكفين، والولي أولى بالصلاة عليه، وكذلك النساء أحق بغسل النساء، والصلاة إلى الرجال، ولأن مباشرة الغسل والتكفين ليس فيه تعظيم الإمام فلم يكن في التقديم عليه إسقاط هيئته، ومباشرة الصلاة فيها تعظيم، فكان في التقديم عليه إسقاط هيئته. 4680 - قالوا: القصد من الصلاة الدعاء والتضرع والاستغفار، والمولى أشد تضرعا وأخشع في الاستغفار والدعاء؛ لأنه أشفق وأرق فكان أولى كالنكاح، لما كان الولي فيه أشفق كان أولى. 4681 - قلنا: دعاء الإمام يرجى فيه ما لا يرجى في دعاء الولي، بدلالة ما روي عنه عليه الصلاة والسلام، أنه قال: (ثلاثة لا يحجب دعاؤهم) وذكر الإمام. ولأن دعاء الولي موجود، إماما كان أو مأموما. 4682 - ولا يقال: إنه إذا كان مأموما استعجل الإمام الصلاة فقطعه عن الدعاء؛ لأن الدعاء؛ يكون في آخر الصلاة؛ فيجوز له أن يبقى في الصلاة وإن خرج الإمام.

مسألة 289 تكره الصلاة على الموتى في مسجد الجماعة

مسألة 289 تكره الصلاة على الموتى في مسجد الجماعة 4683 - قال أصحابنا: تكره الصلاة على الموتى في مسجد الجماعة. 4684 - وقال الشافعي: يجوز. 4685 - لنا: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له). 4686 - ذكره أبو داود. ولا يقال إنه متروك الظاهر؛ لأنا أجمعنا على استحقاقه الثواب لسقوط الفرض؛ لأن الفرض وإن سقط فيجوز أن لا يحصل له الثواب،

وسقوط الفرض لا يوصف أنه له من غير ثواب. 4687 - وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما نعى النجاشي إلى أصحابه خرج فصلى عليه في المصلى)، ولو كان يجوز الصلاة في المسجد لم يكن للخروج معنى. 4688 - ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم)، وكأن المعنى فيه: أنه لا يؤمن تلويث المسجد منهم وهذا موجود في الميت. ولأن الناس أفردوا للجنائز مسجدا في سائر الأعصار، ولو جاز في المسجد لم يكن لإفراد موضع لها معنى. 4689 - احتجوا: (بأن عائشة رضي الله عنها لما مات سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - فقالت: أدخلوه المسجد لأصلي عليه، فأنكر عليها ذلك، فقالت: ما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سهيل بن البيضاء إلا في المسجد). 4690 - والجواب: أن إنكارهم يدل على أن الظاهر من الشرع خلاف ذلك ولأنهم لا ينكرون ما يسوغ فيه الاجتهاد. 4691 - وقولها: (ما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ابن البيضاء إلا في

المسجد)، دلالة عليهم؛ لأنه لو كان يجوز ذلك لصلى على جميع الناس، ولم يخصه بابن البيضاء. 4692 - ولأنه يجوز أن يكون صلى عليه لعذر من مطر أو غيره. ويجوز أن تكون الجنازة وضعت خارج المسجد وصلى عليه في المسجد فظنت عائشة رضي الله عنها أن الناس أنكروا عليها فعل الصلاة. 4693 - وما روي هم عمر أنه صلى على أبي بكر - رضي الله عنهم - في المسجد، وصلى صهيب على عمر - رضي الله عنهم - في المسجد، يجوز أن يكون في مسجد الجنائز. 4694 - ولأنه لا يثبت به إجماعا مع إنكار من أنكر على عائشة رضي الله عنها. 4695 - قالوا: صلاة شرعية، [فلم يكره] فعلها في المسجد، كسائر الصلوات. د 4696 - قلنا: نقول بموجبه؛ لأن الصلاة لا تكره عندنا، وإنما يكره إدخال الميت. ولأن سائر الصلوات يؤمن فيها تلويث المسجد، ويبطل بصلاة المستحاضة ومن به سلس البول. 4697 - قالوا: المسجد أفضل من غيره من البقاء، فكانت الصلاة فيه أفضل. 4698 - قلنا: من أصلكم أن صلاة العيدين والاستسقاء في غير المسجد أفضل، وإن كان المسجد أفضل البقاع. * * *

مسألة 290 لا يصلى على الجنازة في الأوقات الثلاثة

مسألة 290 لا يصلى على الجنازة في الأوقات الثلاثة 4699 - قال أصحابنا: لا يصلى على الجنازة في الأوقات الثلاثة. 4700 - وقال الشافعي: لا يكره. 4701 - لنا: حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: (نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نصلي في ثلاثة أوقات، وأن نقبر فيهن موتانا) ونحن نعلم أنه لم يرد به الدفن؛ فلم يبق إلا أن يكون المراد به الصلاة. 4702 - وقد روي (أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة في هذه الأوقات) وهو عام. ولأنها صلاة شرعية، فيكره فعلها عند الطلوع كالنافلة التي لا سبب لها. 4703 - احتجوا: (بأن عقيلا صلى عليه والشمس مصفرة، لم يبق إلى غروبها إلا قليل). 4704 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه صلى على جنازة حين اصفرت الشمس، وهذا

بمحضر من الصحابة - رضي الله عنهم -. 4705 - والجواب: أن عندنا لا تكره في هذين الوقتين وإنما تكره عند الغروب. 4706 - قالوا: صلاة لها سبب لم يسن لها البدل؛ فجاز فعلها في الوقت المنهي عنه كعصر يومه. 4707 - قلنا: عندنا إذا فعلها في هذا الوقت جاز وإنما يكره فعلها فيه، وكذلك يجوز العصر، ويكره تأخيرها إليه، ولأن العصر لو لم يفعلها في هذا الوقت صارت فائتة، وهذا لا يوجد في الجنازة. 4708 - قالوا: وقت منهي عن الصلاة فيه فوجب أن يختص النهي بما لا سبب له دون ما له سبب قياسا على الوقتين. 4709 - قلنا: إنما منع من الصلاة في الوقتين لا لمعنى في الوقت، بدلالة أنه تجوز صلاة الوقت فيها وإن لم يخش الفوات، وليس كذلك الأوقات الثلاثة؛ لأنه منع من الصلاة فيها لمعنى في الوقت بدلالة أنه يمنع من فرض الوقت فيها. * * *

مسألة 291 لا يصلى على ميت غائب

مسألة 291 لا يصلى على ميت غائب 4710 - قال أصحابنا: لا يصلى على ميت غائب. 4711 - وقال الشافعي: يصلى عليه بالنية. 4712 - لنا: أن ذلك لو جاز لصلى على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كان غائبا من الصحابة، ولصلى على أبي بكر جيوشه بالعراق والشام، ولصلى على عمر المسلمون في الشرق والغرب، وكذلك على عثمان، وعلي - رضي الله عنهم - ولو فعلوا ذلك لنقل من طريق الاستفاضة، فلما لم ينقل؛ دل على أنهم لم يفعلوا. 4713 - [ولأنه لو صلى عليه في المصر وهو لا يشاهده لم يجز، فإذا كان غائبا أولى وأحرى]. 4714 - ولا يقال: لا ضرورة بمن في المصر؛ لأن صلاة الجنازة يسقط فرضها بفعل من يفعلها، فلا توجد الضرورة، ولأن الميت أجري مجرى الإمام، بدلالة أن عدم طهارته يمنع من الصلاة، ومعلوم أن الصلاة لا تجوز خلف الإمام مع الغيبة، كذلك مع الميت.

4715 - [ولأنهم يقولون: إن الصلاة جائزة على غائب وإن كان في غير جهة القبلة]، والصلاة مع استدبار الميت لا تجوز، أصله: إذا كان بحضرته. 4716 - احتجوا: بما روي (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وخرج الناس معه إلى المصلى، فصف بهم وكبر أربعا). 4714 - والجواب: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - زويت له الأرض حتى صار بين يديه، وهذا المعنى لا يوجد في غيره، بدلالة: ما روي أنه قال: (إن القبور مملوءة ظلما حتى أصلي عليها)، فجاز أن يختص بالصلاة مع البعد، [وإن لم يجز لغيره]. 4718 - قالوا: ميت يلحق في حضور جنازته مشقة، فجازت الصلاة عليه بالنية قياسا عليه إذا مات ولم يصل عليه. 4719 - قلنا: هذا غير مسلم، لا يجوز مع الغيبة بكل حال. * * *

مسألة 292 يرفع يديه في التكبيرة الأولى من صلاة الجنازة ثم لا يرفع

مسألة 292 يرفع يديه في التكبيرة الأولى من صلاة الجنازة ثم لا يرفع 4720 - قال أصحابنا: يرفع يديه في التكبيرة الأولى من صلاة الجنازة ثم لا يرفع. 4721 - وقال الشافعي: يرفع عند كل تكبيرة. 4722 - لنا: ما رواه الزهري عن سعيد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى على الجنازة رفع يديه [في أول تكبيرة] ثم وضع يده اليمنى على اليسرى). 4723 - وروى طاووس عن ابن عباس - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه على الجنازة في أول تكبيرة ثم لا يعود). ذكرهما الدارقطني. ولأن كل تكبيرة منها قائمة مقام ركعة، بدلالة أن المسبوق يقضيها. ومعلوم أن تكبير الركعة الثانية لا يقع فيه. 4724 - ولأنه ذكر واجب في الصلاة فلا يرفع اليد عنده، كالقراءة. ولأنها

تكبيرة في صلاة [تؤدى، لا تختص] بوقت فلا ترفع اليد عندها، كتكبيرات السجود. 4725 - واحتجوا: بما روي عن أنس وابن عمر [- رضي الله عنهم -] (أنهما رفعا أيديهما عند كل تكبيرة). 4726 - قلنا: روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال: (لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن). وروينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يخالف ذلك؛ فلا يلزم تقليد الصحابي معه. 4727 - قالوا: تكبيرة واحدة كالأولى. 4728 - قلنا: المعنى فيها أنها تكبيرة يقع بها الدخول، وفي مسألتنا: ذكر واجب لا يقع به الدخول في الصلاة، كالقراءة. 4729 - قالوا: تكبيرات متواليات، كتكبيرات العيدين أو تكبيرات تفعل في جميع القيام. 4730 - قلنا: يبطل بتكبيرات الأذان، والتكبيرات في خطبتي العيد والمعنى في الأصل: أنها تكبيرات غير قائمة مقام ركعة، وتكبيرات الجنازة كل واحدة منها أقيمت مقام التكبيرة التي ينتقل بها إلى الركعة الثانية؛ فصارت كتكبيرة الركعة الثانية. * ... * ... *

مسألة 293 القراءة في صلاة الجنازة لا تجب ولا تكره

مسألة 293 القراءة في صلاة الجنازة لا تجب ولا تكره 4731 - قال أصحابنا: القراءة في صلاة الجنازة لا تجب ولا تكره. 4732 - وقال الشافعي: واجبة. 4733 - لنا: ما روي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - (أنه سئل عن صلاة الجنازة فقال: لم يؤقت لنا فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قولا ولا قراءة، كبر ما كبر الإمام واختر من أطيب الدعاء ما شئت). 4734 - وروي أن مروان سأل أبا هريرة - رضي الله عنه - عن صلاة الجنازة، فقال: كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي، وذكر أنه كان يقول: (اللهم أنت ربها وأنت خلقتها)، وذكر دعاء طويلا، ولم يذكر قراءة، ولأنه ركن أفرد عن أفعال الصلاة؛ فلم يجب فيه قراءة، كسجدة التلاوة. 4735 - ولا يقال: إنه ليس بمفرد؛ لأنه يجب فيه التكبير والتسليم؛ لأن هذا لا يخرجه من أن يكون منفردا عن الأفعال.

4736 - ولا يقال: فوجب أن يحتذى به، أصله: كالسجود؛ لأن هذا خلاف الإجماع. 4737 - ألا ترى أن قيام الجنازة لا يحتذى به قيام الصلاة في باب التعوذ والاستفتاح والسورة، فأما سجدة التلاوة فلا نسلم أنه يحتذى فيها بالأصل؛ لأنه ليس في ذلك رواية، ويجوز أن تكون السنة ما ورد به الخبر من قوله: (سجد لك سوادي) وما ذكر في القرآن من قوله: {سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا}. ولأنه ليس فيها قراءة السورة، فلا يجب فيها قراءة الفاتحة، كالطواف. 4738 - ولأن القراءة لا يتكرر وجوبها في صلاة الجنازة فلم يجب فعلها، كالأذان والقعدة. ولا يقال: لا يمتنع أن تساوي صلاة الجنازة الظهر في وجوب القراءة، ولا تساويها في سننها، كما تساويا في التكبير الواجب وإن لم يتساويا في التكبير المسنون؛ وذلك لأنا لم نجعل عدم السنة دلالة على عدم الواجب، وإنما جعلنا عدم صفة الواجب من السنة دلالة على نفي وجوبه، والتكبير في صلاة الجنازة يفعل على أنه سنة، وإنما لا يفعل تكبير آخر مسنون. 4739 - احتجوا: بما روي في حديث جابر - رضي الله عنه -: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كبر على ميت أربعا، وقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى). 4740 - قلنا: هذا يدل على الجواز، ونحن لا نمنع من ذلك؛ لأنه يجوز أن يقرأ بدلا من الدعاء، والكلام في الوجوب، وفعله عليه الصلاة والسلام لا يدل على الوجوب.

4741 - قالوا: روي عن ابن عباس - رضي الله عنه -: (أنه صلى على جنازة فقرأ فاتحة الكتاب وجهر بها، وقال: إنما جهرت لتعلموا أنها سنة). 4742 - قلنا: قول الصحابة: (السنة كذا) لا يدل على سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنهم يقولون ذلك في سنته، وفي سنة الأئمة، ألا ترى أن السنة مأخوذة من سنن الطريق الذي يقتدي به، وذلك موجود في فعل الأئمة، وإذا لم يدل ذلك على سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -. 4743 - والصحابة قد اختلفوا: فروي عن أبي هريرة، وفضالة بن عبيد، وابن عمر - رضي الله عنهم - ترك القراءة، فتعارض ذلك؛ لأنه قال: (إنها من السنة)، ولم يقل: من الواجب، والخلاف ذلك. 4744 - احتجوا: بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا صلاة إلا بقراءة). 4745 - والجواب: أنه محمول على ما سوى صلاة الجنازة؛ لأنه قد روي في الخبر: (يقرأ فيها فاتحة الكتاب، أو ما شاء من القرآن). وروي: (فاتحة الكتاب، فما زاد) وصلاة الجنازة لا يقرأ فيها فاتحة الكتاب. 4746 - قالوا: صلاة واجبة، وصلاة لها تحريم وتحليل، أو صلاة تسن لها الجماعة، كسائر الصلوات.

4747 - والجواب: أما قولهم: (واجبة) فيبطل بالطواف على أصلهم. وقولهم (لها تحريم وتحليل) يبطل بسجدة التلاوة؛ لأنها صلاة لها تحريم وتحليل على أصلهم. قال الله تعالى: {أضاعوا الصلاة}، المراد: سجود التلاوة. 4748 - وقولهم: (تسن لها الجماعة) ليس لها تأثير في الأصل؛ لأن سائر الصلوات يجب فيها القراءة، وإن لم تسن لها الجماعة. ثم المعنى فيها: أن القراءة لما ثبتت سنتها كانت شرطا، ولما لم تثبت سنتها في مسألتنا لم تكن شرطا. 4749 - قالوا: صلاة تضمنت قياما، كسائر الصلوات. 4750 - قلنا: يبطل بالطواف على أصلهم. ولا يقال: إن إطلاق الصلاة لا يتناول الطواف؛ لأن الإطلاق لا يتناول صلاة الجنازة أيضا. 4751 - قالوا: صلاة يتوالى فيها التكبير في حال القيام، فكان من شرطها القراءة قياسا على صلاة العيد. 4752 - قلنا: صلاة العيد لما تكررت فيها القراءة كانت شرطا، ولما لم يتكرر في هذه الصلاة، لم تكن شرطا. 4753 - قالوا: إنما لا تتكرر؛ لأنها بنيت على التخفيف، وصلاة العيد لم تبن على التخفيف. 4754 - قلنا: هذا الفرق يقتضي القراءة [أيضا]، فكأنكم ضممتم إلى فرقنا فرقا آخر. * * *

مسألة 294 المسبوق في صلاة الجنازة لا يكبر حين يكبر الإمام ويدخل بتكبيره

مسألة 294 المسبوق في صلاة الجنازة لا يكبر حين يكبر الإمام ويدخل بتكبيره 4755 - قال أبو حنيفة ومحمد: المسبوق في صلاة الجنازة لا يكبر حين يكبر الإمام، ويدخل بتكبيره. 4756 - وقال أبو يوسف: يكبر [بتكبيرة] يفتتح بها ثم يتبع الإمام. [وبه قال الشافعي]. 4757 - لنا: قوله عليه الصلاة والسلام: (ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فاقضوا). وظاهره يقتضي: أن من سبقه الإمام بتكبيرة يجب أن يؤخر قضاءها عن فعل ما أدركه. ولا يقال: إن قوله: (ما أدركتم فصلوا) سابق فيقتضي إذا أدركه بين التكبيرتين أن يفعل معه الصلاة، وهذا لا يكون إلا بتقديم التكبير؛ وذلك لأنه عليه الصلاة والسلام أمر بفعل الصلاة المدركة، ولو كبر لفعل ما ليس بمدرك، وهذا خلاف الخبر. 4758 - ولا يقال: المراد بالخبر: ما سوى تكبيرة الافتتاح، بدلالة سائر الصلوات؛ لأن الخبر يقتضي تأخير الفائت من التكبيرة وغيرها، وقام الدليل في سائر

الصلوات أنه لا يتناول التكبير؛ لأنه ليس من الصلاة، فبقيت هذه الصلاة على ظاهرها. 4759 - ولأنها تكبيرة واجبة، فلا يقدم عليها فعل ما لم يدركه، أصله: التكبيرة الأولى. ولأنها تكبيرة [واجبة] لم يدركها من صلاة الجنازة؛ فلم يجز له أن يأتي بها قبل مشاركة الإمام، أصله: التكبيرة الثانية. ولأنه يمكنه الدخول بمشاركة الإمام في التكبير، فلم يجز أن يقدم عليه ما لم يدركه، كالتكبير، ولا يلزم على هذا- إذا كان المؤتم حاضرا فكبر الإمام- أن المؤتم يكبر بعد ذلك؛ لأنه أدرك هذه التكبيرة وما لم يفت موضعها بفعل الثانية جاز له أن يفعلها؛ لأنه يؤدي ما أدرك، ولأن كل تكبيرة قائمة مقام ركعة، بدلالة أنها تقضى، ومعلوم أن المؤتم لا يجوز أن يقدم على مشاركة الإمام ركعة ثم يدركها، كذلك التكبير. 4760 - احتجوا: بأنه أدرك إمامه في أثناء صلاته فلزمه متابعته فيما يدركه عليه قياسا على سائر الصلوات؛ لأنه لا يمكن الدخول بتكبيرة شارك بها الإمام، وفي مسألتنا يمكن الدخول بذلك، فلم يقدم عليه ما لم يدركه، على أنا لا نسلك أنه أدرك إمامه؛ لأن المتابعة لا تصح عندنا في هذه الحالة، فهو أدرك من يصير إمامه ويبطلها بالمرأة والمسافر إذا أدركا الإمام في الجمعة؛ لأنه لا يلزمهما المتابعة. 4761 - قالوا: كل ما لم يجب قضاؤها إذا فات حال الحضور، لم يجب

حال الغيبة قياسا على دعاء الافتتاح، وعكسه الركوع. 4762 - قلنا: إذا كبر مع حضور المؤتم فلم يثبت التأخير، ألا ترى: أن في سائر الصلوات يأتي المؤتم بالتكبير بعد الإمام مما لم يدرك موضعه وقد أدرك محله جاز أن يأتي به، وإذا كبر الإمام مع غيبته فليس بمدرك، فلذلك لم يفعله. 4763 - وقد قالوا: إن الإمام لو كبر يوم الجمعة مع حضور المؤتمين انعقدت الجمعة، ولو كبر مع غيبتهم لم تنعقد وإن انفرد بالتكبير في الوجهين. * * *

مسألة 295 لا تعاد صلاة على ميت بعد سقوط فرض الصلاة

مسألة 295 لا تعاد صلاة على ميت بعد سقوط فرض الصلاة 4764 - قال أصحابنا: لا تعاد صلاة على ميت بعد سقوط فرض الصلاة. 4765 - وقال الشافعي: يجوز أن تعاد عليه مرة بعد مرة، وعلى قبره إذا كان الذي يصلي من أهل الصلاة عند الموت. 4766 - لنا: أنه لو جاز الصلاة مرة بعد مرة لصلي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد دفنه، فلما لم ينقل أن أحدا من الصحابة لما عاد إلى المدينة صلى على القبر؛ دل على أن الصلاة لا تعاد، وكذلك لم ينقل أن الصلاة تكررت على الأئمة: أبي بكر وعمر - رضي الله عنهم -. 4767 - ولا يقال: هذا الخبر دلالة لنا: (أنهم كرروا الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أيام)، وذلك لأن هذا لم يكن إعادة للصلاة، بل كان الجميع في حكم صلاة واحدة، ألا ترى أن الفرض على جميع من بالمدينة ومن يقرب منهم، فكل من صلى إنما سقط فرضه، والخلاف في الإعادة بعد سقوط الفرض. ولا يقال: إنما لم

يصلوا على قبره لئلا يصير فتنة. وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لا تتخذوا قبري مسجدا). 4768 - قلنا: هذا نهي عن فعل الصلوات المعهودة، فأما صلاة الجنازة: فلا يكون فعلها على القبر فتنة. 4769 - ولا يقال: إنما لم يصلوا عليه لأنه رفع إلى السماء ولم يكن في قبره، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن لحوم الأنبياء حرام على الأرض؛ فإنها لا تبتلعها). وذلك لأنه لا يمنع أن تحرم لحومهم على الأرض ولا يرفعون منها، وقد روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (أنا أول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة ولا فخر). 4770 - ولأن الناس يزورون النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولو لم يكن في قبره لم تكن للزيارة معنى، ولأنه عليه الصلاة والسلام قال: (إن الله تعالى وكل في قبري ملكا يبلغني سلام من يسلم علي).

4771 - ولأن عندهم تجوز الصلاة على الغائب، ورفعه من القبر لا يمنع الصلاة. ثم يجمع ما يذكرونه غير موجود في أبي بكر وعمر - رضي الله عنهم - ومع ذلك لم يعيدوا الصلاة عليهما. 4772 - ولا يقال: إن الذين حضروا بعد الصلاة لم يكونوا من أهل الصلاة عند الموت؛ لأن معاذا كان باليمن ثم حضر وغيره وهم من أهل الصلاة، ويدل عليه: ما روي: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة على القبور)، وهو عام، ولأنه حكم من أحكام الموت، فإذا تم سببه؛ لم يعد كالغسل والتكفين. ولا يقال: إن المعنى في الأصل: أنه لو فعل غير الولي لم يعد؛ لأن هذا لا نسلمه في التكفين. فأما الغسل: فلأن الفرض يسقط بفعل غير الولي، فالصلاة لا تسقط بفعل غير الولي، فلذلك أعادها الولي. ولأن كل من صلي عليه لم يجز لغيره أن يصلي عليه، كالشهيد. 4773 - ولأن كل حالة لا يجوز أن يصلى على الشهيد لا يصلى علي غيره كما قبل الغسل. ولأن الفرض قد سقط بالصلاة الأولى، فلو صلى ثانيا كانت نفلا، والنفل لا يجوز بالصلاة على الميت، أصله: من صلى عليه بأمره. فإن لم يسلموا؛ قلنا: صلاة الجنازة صلاة واجبة فلا يتطوع بها كالظهر، ولأنه من أحكام الموت فلا يكرر بعد الفراغ منه كالتكفين. 4774 - احتجوا: بما روي أن مسكينة مرضت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 4775 - فقال: (إذا ماتت فآذنوني)، فماتت ليلا، فكرهوا أن يوقظوه،

فلما كان من الغد أخبروه بذلك فخرج إلى قبرها وصلى عليه وكبر أربعا). وروى الشعبي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى قبرا دفن حديثا فصلى عليه وكبر أربعا. 4776 - والجواب: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان هو الولي لمن مات بالمدينة فلم يسقط الفرض بفعل الصلاة عليه، ولهذا قال: (إن القبور مملوءة ظلمة، حتى أصلي عليها). 4777 - وروي أنه قال: (لا يصلى على موتاكم- ما دمت بين أظهركم- غيري). وإذا كان هو الولي جاز له الإعادة بالإجماع. ولا يقال: لو كان كذلك لأنكر عليهم الدفن بغير صلاة؛ لأن قوله: (ما منعكم أن تؤذنوني؟) إنكار، فأما أن يكونوا دفنوا بغير صلاة؛ لأن ما يفعله غير الولي مراعى فإذا لم يعده الولي سقط الفرض؛ فلا يكون الدفن بغير صلاة. 4778 - قالوا: روي عن ابن عباس - رضي الله عنه -: (أن أم سعد بن أبي وقاص ماتت وهو غائب فقدم بعد شهر، فاستأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة على قبرها فأذن له) وعندكم لا تعاد الصلاة بعد أكثر من ثلاثة أيام. 4779 - والجواب: أن سعدا كان الولي، ولم يعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى عليها

فسقط الفرض بفعله، فيجوز للولي إذا حضر أن يعيد. فأما قولهم: إنه بعد شهر، فهذا كلام في مسألة أخرى، ولأن عندنا إنما لا تعاد بعد شهر؛ لأن الميت تغير فيجوز أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - علم من حالها أنها لم تتغير. 4780 - قالوا: كل من جاز أن يصلي على الميت إذا لم يكن قد صلي عليه جاز، وإن كان قد صلي عليه، كالولي. 4781 - قلنا: الولي أحق بالتقدم، فإذا صلى غيره لم يسقط حقه، وغير الولي ليس له حق في التقدم، فإذا تقدم الولي الذي له حق سقط الفرض، فلم يجز لغيره أن يفعل ما ليس بفرض، كما لا يجوز للولي أن يعيد. 4782 - قالوا: كل حالة جاز للولي أن يصلي عليه، جاز لغير الولي قياسا عليه إذا لم يكن قد صلى عليه. 4783 - قلنا: إذا لم يصل عليه فالفرض باق، وصلاة الفرض يجوز أداؤها، فرضنا أنه محمول على النهي عن إعلامهم بالموت، والخلاف في إعلامهم بالصلاة!. * * *

كتاب الزكاة

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب الزكاة

مسألة 296 إذا زادت الإبل على مائة وعشرين استؤنفت الفريضة في كل خمس شاة

مسألة 296 إذا زادت الإبل على مائة وعشرين استؤنفت الفريضة في كل خمس شاة 4784 - قال أصحابنا: إذا زادت الإبل على مائة وعشرين استؤنفت الفريضة في كل خمس: شاة، وفي كل خمس وعشرين: بنت مخاض إلى مائة وخمسين، ثم تستأنف الفريضة. 4785 - وقال الشافعي: إذا زادت على مائة وعشرين واحدة، ففيها: ثلاث بنات لبون. 4786 - لنا: حديث حماد بن سلمة - رضي الله عنه - قال: (قلت لقيس بن سعد: اكتب لي كتاب أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، فكتبه لي في ورقة ثم جاء بها وأخبرني أنه أخذه من أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وأخبرني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتبه لجده

عمرو بن حزم في ذكر ما يخرج من فرائض الإبل، فكان فيه: أنها إذا بلغت إحدى وتسعين، ففيها حقتان إلى أن تبلغ عشرين ومائة، فإذا كانت أكثر من ذلك؛ ففي كل خمسين: حقة، فما فضل؛ فإنه يعاد إلى أول فريضة الإبل، فما كان أقل من خمس وعشرين؛ ففيها الغنم في كل خمس ذود شاة). وهذا نص في عود الفريضة. 4787 - فإن قيل: إن ابن لهيعة روى حديث عمرو بن حزم مثل قولنا. 4788 - قلنا: ابن لهيعة ضعيف، ثم الذي روى عنه إيجاب الحقاق وبنات اللبون خاصة وهذا بعض الخبر، وتمامه في خبر حماد بن سلمة. 4789 - فإن قيل: المراد به: استئناف الفرض بخلاف ما تقدم. 4790 - قلنا: قوله (يعاد إلى أول فريضة الإبل): يقتضي الفريضة المعروفة، وهذا هو الذي تقدم ذكره. ولأنه ذكر فيه الغنم وهذا يبطل التأويل. 4791 - فإن قيل: نحمله على المستفاد. 4792 - قلنا: قوله (فما فضل): يقتضي زيادة موجودة، والمستفاد يقال فيه فيما حدث ويدل عليه: (ما روى يحيى بن سعيد القطان، عن عاصم بن ضمرة عن علي - رضي الله عنه - قال: إذا زادت الإبل على عشرين ومائة استقبلت الفريضة، وكان في خمس: شاة وفي عشر: شاتان). وكذلك رواه يحيى بن آدم عن حفص بن غياث

عن أشعث عن الحكم عن علي - رضي الله عنه -. 4793 - وقد روي أنه خطب فقال: (ما عندنا ما يقرأ إلا كتاب أو صحيفة فيها أسنان الإبل أخذتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 4794 - وعن محمد ابن الحنيفة قال: جاء الناس يشكون سعاة عثمان إلى علي، لو كان ذكره بسوء لذكره يومئذ. 4795 - فقال لي: (خذ هذه الصحيفة فإن فيها سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاذهب بها إلى عثمان، فذهبت بها إليه فقال: لا حاجة لنا فيها، عندنا مثلها وخير منها)، وهذا يدل على أن الصحيفة فيها أسنان إبل الزكاة ولا يظن به أنه يخالف ما أخذه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدل أن استئناف الفريضة منها، ودل أن عند عثمان مثل ذلك؛ لأنه قال: (عندنا مثلها). ولا معنى لقولهم: إن عاصم بن ضمرة ضعيف، لأن الثوري قال: ما زلنا نعرف فضل عاصم بن ضمرة، ووثقه ابن المديني في كتاب ابن البراء. وروى ابن عبيدة وزياد بن أبي مريم عن ابن مسعود القول باستئناف الفريضة في الغنم وبنت مخاض، وذلك لا يعلم إلا من طريق التوقيف.

4796 - فإن قيل: روى الشافعي عن علي - رضي الله عنه - خلاف هذا. 4797 - قلنا: غلط؛ لأنه ذكر في كتابه [الذي] سماه لعلي، وعبد الله عن علي: إذا زادت الإبل على عشرين ومائة، ففي كل خمسين: حقة، وفي كل أربعين: بنت لبون)، وهذا لا يخالف خبرنا بل هو بعضه، والراوي عاصم بن ضمرة راوي خبرنا. 4798 - ولأن كل حيوان وجب في الخمسين الأولى؛ جاز أن يعود بعد المائة والعشرين فرضا بنفسه، كالحقاق وبنات اللبون. ولأن كل مائة جاز أن يجب فيها بنات اللبون والحقاق جاز أن يجب فيها الغنم وبنت مخاض فرضا بنفسه، كالمائة الأولى. ولأن الغنم حيوان يجب في ابتداء الفريضة؛ فجاز أن يعود بعد الانتقال عنه بنفسه كالتبيع في صدقة البقر. 4799 - ولأن الغنم حيوان تكرر قبل المائة والعشرين؛ فجاز أن يعود بعدها بناء عليها، كبنت لبون. ولأن بنت مخاض سن بعده سن في الزكاة أو ينتقل منه إلى سن أعلى منه؛ فجاز أن يعود بعد المائة والعشرين بنفسه، كبنت لبون، وعكسه الجذعة. ولأنه أول سن يجب في الفريضة من جنسها؛ فوجب أن يعود بنفسه، كالتبيع. ولأن بنت لبون حيوان متكرر في نفسه فما قبله متكرر، كالحقة. 4800 - قالوا: المعنى في بنت اللبون: أنها تتكرر قبل المائة بعد تجاوزها، وبنت مخاض لا تتكرر قبل المائة بعد تجاوزها.

4801 - قلنا: تتكرر عندنا قبل المائة بدلا عن بنت لبون مع الشاتين. فأما الدليل على إبطال مذهبهم: فرض أن الحقتين وجبت في مائة وعشرين بأخبار الاستفاضة والإجماع؛ فلا يجوز إسقاطها بخبر واحد. ولأن إيجاب ثلاث بنات لبون إن كان في مائة وعشرين فالواحدة عفو فلا يغير الواجب المتقدم، وإن أوجبها في مائة وإحدى وعشرين كان خلافا للخبر؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: في كل أربعين بنت لبون؛ فلا يجوز إيجابها في كل أربعين بخلاف الخبر. 4802 - فإن قيل: لا يمتنع أن يغير حكم غيرها وإن لم يتعلق بها شيء، كالإخوة يحجبون الأم ولا يرثون. 4803 - والجواب: أن اعتبار الزكاة بيانها أولى من اعتبارها بالفرائض. ولأن الإخوة من أهل الإرث فنقصوا الأم فرضها وإن لم يرثوا، والعفو ليس بمحل للوجوب فلا يغير فرض غيره، كالإخوة الكفار والقاتلين لا يحجبون الأم. 4804 - فإن قالوا: فنحن نخالف الأصول بخبر الواحد. 4805 - قلنا: فنحن لا نريد إلزامكم أكثر من ترك الأصول، ثم هذا غلط؛ لأن هذا خبر واحد يخالف خبرا هو أشهر منه، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (فإذا زادت الإبل؛ ففي كل أربعين بنت لبون) فتعارضت الأخبار، وبقيت لنا الأصول دالة على إبطال ما قالوه. 4806 - احتجوا: بحديث أنس - رضي الله عنه - عن كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيه: (فإذا زادت على مائة وعشرين: ففي كل خمسين حقة، وفي كل أربعين: بنت لبون).

4807 - والجواب: أن قوله عليه الصلاة والسلام: (ففي كل خمسين) فيه مفعول محذوف يحتمل في الزيادة، ويحتمل فيها وفي المزيد عليه، فإن كان المراد به في الزيادة لم يتناول موضع الخلاف وإنما يتناول زيادة فيها خمس وأربعون؛ على أن قوله: (فإن زادت) شرط. وقوله: (ففي كل خمسين حقة) جواب، [و] قوله: (وفي كل أربعين) معطوف على جواب الشرط؛ فالظاهر اجتماعهما معا فيتناول الخبر موضعا يجب فيه الأمران، وذلك مائة وتسعون، فيها ثلاث حقاق وبنت لبون، ومائتان فيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون. 4808 - فإن قيل: لا يمكن حمله على الزيادة خاصة؛ لأنه يقتضي أن يجب في مائة وستين حقتان وبنت لبون، وفي مائة وسبعين ثلاث حقاق. 4809 - قلنا: عمومه يقتضي ذلك، لكنا خصصنا بدليل، والظاهر ما ذكرناه لأنه عليه الصلاة والسلام بين حكم الجملة الأولى وما يتعلق بها [فالظاهر أنه لم يغير الحكم المتعلق بها] وإنما استأنف حكم الزيادة التي لم ينسبها. 4810 - احتجوا: بحديث الزهري عن سالم عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (فإذا زادت الإبل على مائة وعشرين واحدة، ففيها ثلاث بنات لبون). وهذا خبر أصله: الزهري عن سالم عن صحيفة عند آل عمر وهذا مرسل لا يحتج

به على أصلهم. وقد رواه سفيان بن الحسين عن الزهري عن سالم بن عمر مسندا وهو حديث، قيل: إن سفيان بن الحسين أوهم فيه وخالفه فيه أكابر أصحاب الزهري فقالوا فيه: عن سالم أنه كان [في كتاب] عند آل عمر، قد روى يونس عن الزهري قال: هذه نسخة كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي كتبه في الصدقة، وهو عند آل عمر وأقرأنيها سالم، وفيه: (فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة، ففيها ثلاث بنات لبون)، وهذا خبر منقطع لا يرويه عن يونس بهذا اللفظ من يوثق به؛ على أنه في هذا الخبر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يخرج هذا الكتاب إلى عماله، ولو كان شرعا لم يؤخر بيانه. 4811 - فإن قيل: لابد أن يكون بيانا أملاه على غيره؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لا يكتب، وإملاؤه بيان. 4812 - قلنا: إنما يكون بيانا إذا تلاه على من يعمل به أو يرويه، وليس معنا هذا، وهو محمول عندنا على مائة وعشرين، بنين ثلاثة، لأحدهم: خمس وأربعون والآخر: خمس وثلاثون والآخر: أربعون؛ ففيها بنتا لبون وبنت مخاض، فإذا زادت واحدة في نصيب صاحب الخمس والثلاثين؛ صار فيها ثلاث بنات لبون، وقد استعملنا هذا الخبر مع ضعفه والخبر الذي قبله. ولا يمكنهم استعمال خبرنا في

العود إلى الغنم على وجه صحيح. 4813 - فإن قيل: عندكم بنت لبون لا تجب في أربعين وكذلك الحقة لا تجب في خمسين وإنما يختار في ست وثلاثين، وفي ست وأربعين. 4814 - قلنا: لما ذكر الجملة والكثرة بين العقود الصحيحة التي يتعلق بها هذا السن وإن وجب في أكثرها وهذا غير ممتنع، كما روى بهز بن حكيم (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (في أربعين من الإبل بنت لبون) وهي تجب في ست وثلاثين. 4815 - قالوا: أخبارنا أولى؛ لأنها أصح أسانيد؛ ولأن خبر عاصم بن ضمرة اتفق على إسقاطه بعينه، وهو قوله: (في خمس وعشرين خمس شياه). ولأن خبرنا عمل به إمامان أبو بكر وعمر - رضي الله عنهم -. ولأنه أكثر رواة، رواه أبو بكر وأنس، وابن عمر - رضي الله عنهم -. 4816 - والجواب: أن خبرنا أقوى؛ لأن أبا بكر بن محمد أحد الفقهاء السبعة بالمدينة رواه عن جده ولم يكن يرويه إلا وقد علم صحته، وخبر ابن عمر قد بينا أنه عن صحيفة؛ ولأن عليا أخذ [عن] عثمان - رضي الله عنه - بالعمل به، والمجتهد لا يطالب الإمام أن يعمل بقوله وإنما يطالبه أن يعمل بالنص. 4817 - فدل على أن ما قاله علي - رضي الله عنه - نص عنده عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأخبارهم

تكلم عليها، فقيل: إن حديث أنس يرويه محمد بن المثنى، وهو مذكور برواية المناكير. وحديث ابن عمر: ذكر حماد أنه أخذه من صحيفة أخذا، ولم يقل: حدثني بها. وحديث الزهري لا أصل له، ولم يروه ثقات أصحاب الزهري، وكيف يظن أن هذا الخبر عند الزهري، ولا يأخذه مالك عنه، ولا يرجع إليه؟ فأما كثرة الراوية: فخبرنا عن كتاب عمرو بن حزم وخبرهم عن كتاب أبي بكر - رضي الله عنه -، فأما أنس: فيرويه عن أبي بكر، وأما ابن عمر: فيرويه عن الصحفية، وليس بصحيح في الحديث ذكر ابن عمر، ويبقى لنا رواية علي بن أبي طالب. 4818 - وقولهم: إن خبرنا عمل به إمامان، فخبرنا عمل به علي - رضي الله عنه -. 4819 - فإن قالوا: ليس معكم أنه عمل به. 4820 - قلنا: هذا غلط، كيف يجوز أن يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خبرا ويطالب عثمان بالعمل به ولا يعمل هو به، وقد بينا أن عثمان عمل به أيضا؛ لأنه قال: عندنا مثل هذا. 4821 - وقولهم: (إنه اتفق على إسقاط بعض خبر علي) لا يقدح فيه؛ لأن سفيان الثوري قال: هذا إنما قاله علي - رضي الله عنه - على طريق القصة، ولا يجوز أن يخفى هذا عليه، وهو أصل من أصول الشريعة، على أن الدارقطني ذكر في خبر الزهري (عن سالم عن ابن عمر - رضي الله عنه - وجدنا في كتاب كتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

كما كتب لأبي بكر) فتساوينا، والإرسال لا يقدح عندنا ويقدح عندهم. 4822 - [ولأن خبرنا يبقي الحقتين التي دل الإجماع على ثبوتهما وخبرهم يسقطهما]؛ ولأن خبرنا تشهد له الأصول؛ لأن موضوع العبادات المكررة إذا ابتديت على وجه عادت إليه فيها، كالركعة الثانية في الصلاة، وتكرار الصوم في رمضان. 4823 - قالوا: نصاب؛ فجبر الفرض فيه من جنسه، فلم يجب من غير جنسه كخمس وعشرين في صدقة البقر والغنم. 4824 - قلنا: عندنا يجب الإبل في مائة وعشرين، والغنم في زيادة وهو نصاب آخر فلم نسلم الوصف؛ ولأن أصلهم خمس وعشرون وهو نصاب واحد، فلم يجب فيه أمران، وفي مسألتنا زيادة على جملة وجب فيها جنس الفروض متكررة وغير متكررة؛ فجاز أن يجب فيها الغنم مع الإبل كما لو كانت مستفادة وإن كان أصل الغنم والبقر؛ فلأن فرضها أبدا لا يتعلق بغير جنسها فلم يتعلق في البقاء. 4825 - وفي مسألتنا هنا ابتدئ الفرض بغير الجنس، [فـ] جاز أن يجب حال البقاء. 4826 - قالوا: نصاب من الإبل يجب فيه الفرض من جنس الإبل فلم يجز فيه من جنس الغنم كالمائة والعشرين. 4827 - قلنا: لا نسلم أنه نصاب واحد، بل هما نصابان مختلفان، ويبطل هذا بمن

له إحدى وتسعون فوجد فيها حقة وبنت لبون، أنهما يوجدان مع شاتين فيجمع في نصابه الإبل والغنم. والمعنى في الأصل: أن الواجب لم يزد على الحقتين. 4828 - وفي مسألتنا: لما زاد الوجوب على حقتين؛ جاز أن يجب الغنم مع الإبل، كالزيادة المستفادة. 4829 - قالوا: بنت مخاض فرض لا يعود إلى المائة الأولى بعد مجاوزته إلى غيره فوجب أن لا يعود بدلا عن بنت لبون مع شاتين ويعود بدلا عن الحقة. ولأن الجذعة أعلى سن يجب في الإبل وليس كذلك بنت مخاض؛ لأنها دون السن الأعلى فعادت لبنت لبون. 4830 - قالوا: أحد طرفي سن فريضة الإبل فلا يتكرر، كالجذعة. 4831 - قلنا: الجذعة أعلى ما يجب في الإبل، فتكرارها يجحف بالمال، وبنت مخاض أدنى الأسنان، فتكرارها لا يجحف ولا يلزم المسنة في البقر لأنا قيدنا القلة بالإبل؛ ولأن هناك لا يجب إلا ستين فلو لم يتكرر لبقي سن واحد، وما اختلف سن الواجب فيه لم يستقر على سن واحد. 4832 - قالوا: بنت لبون لا تعود فريضة. 4833 - قلنا: الأصل في الزكوات أن ما وجب في ابتدائها عاد، وعدم العود خارج عن أصله، فلا يقال لما جرى على الموضوع نظير ما كان لما خرج عن موضوعه نظير أيضا. ولأن بنت لبون لما كان قرينها ما يجاوزها، فلما

لم يقارن الجذعة في عدم العود ما يجاوزها؛ دل على أن لا قرينة [لها]. 4834 - قالوا: أجمعنا أن في مائة وخمسين ثلاث حقاق، وكل عدد وجب من الحقاق يقدم عليه بمثله من بنات اللبون، كما قبل المائة. 4835 - قلنا: قد تقدمها بعددها من الإبل وهو حقتان وبنت مخاض، والواجب أن يتقدم عدد الحقاق عدد من الإبل وإن لم يكن سنا مخصوصا، ألا ترى: أن مخالفنا يوجب في مائة وثلاثين بنتا لبون وحقة ويتقدمها ثلاث بنات لبون وليست بعدد الحقاق التي بعدها. 4836 - قالوا: موضوع الزكاة أن يجب في المال من جنسه، وإنما وجبت الغنم في الإبل؛ لأن ذلك القدر لا يحتمل إيجاب جنسها فإذا كثر المال احتمل إيجاب الجنس فعاد إلى الأصل. 4837 - والجواب: أن الغنم لما وجبت في غير جنسها؛ دل على تأكيد وجوبها ثم تكررت بعد ذلك فصلا بين كل سنين متباينين، فدل على اختصاصها بهذه الفريضة. ثم لو صح ما قالوه لم يضرنا؛ لأنها إذا وجبت عند قلة المال لما ذكروه، وما بعد المائة وعشرين عندنا جملة من المال مبنية على الأولى في وجه، ومنفردة بالحكم في وجه كالمستفاد عندهم، ولذلك وجب فيها الغنم. 4838 - قالوا: وقص حده الشرع بحد في جنس معين فرضه بالسن والعدد فوجب أن لا يتعقبه وقص كسائر الأوقاص.

4839 - قلنا: ينتقض بالثلاثمائة في صدقة الغنم، وأجزأهم عنه بتعين الفرض بالسن والعدد لا يعني؛ لأن فرض الغنم عندنا يتعين بالسن والعدد في الكبار والحملان. ولأن هذا يلزم في فريضة واحدة وعندنا قد تناقصت الفريضة الأولى، وهذه فريضة ثانية ابتدئ بها وقص. 4840 - قالوا: ما قبل المائة إلى نصاب بنت مخاض أقرب فإذا لم يعد مع قرب نصابها فلأن لا يعود مع بعده أولى. 4841 - قلنا: إحدى وستين إلى نصاب بنت لبون أقرب من ست وسبعين ولم تعد فيه بنت لبون وعادت فيما بعد ذلك في مسألتنا. ولأن ما قبل المائة لم يعد عشرها نصابها، فلم يعد فيه، فلما عاد غيرها في العشر الخامس عشر نصابا ليس فيه ما هو أولى منها؛ جاز أن يبني فيه. ولا يلزم خمس وعشرون من الإبل؛ لأن الشاة لا تجب فيه وإن عاد نصابها؛ لأنا عللنا للعود مبني، والغنم قد تكررت أربع مرات، ولا يلزم عود الجذعة في العشر الرابع عشر؛ لأن هناك نصابا فيه ما هو أولى منها وهو الغنم، ألا ترى أن عود الغنم أخف، ولا يلزم عود بنت لبون في العشر السادس عشر؛ لأن العود الذي ذكرناه يجب اعتباره في ابتداء العود دون ما بعده ولهذا وقع التعليل. ألا ترى أن بنت لبون تجب ابتداء في العشر الرابع ويعود في الثاني بإجماع، ويعود عندهم في العشر الثالث عشر، وقد كان يجب أن يعود في

العشر الذي قبله؛ فدل على مفارقة العود على وجه التنبيه لحكم العود بعده. 4842 - قالوا: النصب في الحيوان ينتهي إلى أوقاص متفقة، أصله: البقر والغنم. 4843 - قلنا: البقر والغنم على اختلاف الأوقاص في ابتدائها فاتفق الوقص في أثنائها، ولما كثر اختلاف الأوقاص في ابتداء فريضة الإبل اختلف آخرها؛ ولأن ما قاسوا عليه دلالة لنا؛ لأنه لما اتفق أوقاص آخره وجب فيها ما وجب في ابتدائها، فلما جاز لمخالفنا أن يخالف بين الإبل وسائر النصب في الواجب في الانتهاء؛ جاز لنا أن نخالف بين الإبل وغيرها من الأوقاص في أثناء فرضها. * * *

مسألة 297 يجوز أخذ ابن لبون عن خمس وعشرين مع وجود بنت مخاض

مسألة 297 يجوز أخذ ابن لبون عن خمس وعشرين مع وجود بنت مخاض 4844 - قال أبو حنيفة ومحمد: يجوز أخذ ابن لبون عن خمس وعشرين مع وجود بنت مخاض. 4845 - وقال أبو يوسف: لا يجوز إلا عند عدمها. 4846 - وبه قال الشافعي. 4847 - لنا: قوله عليه الصلاة والسلام: (خذوا الأقل من الإبل). ولأن كل نصاب جاز في زكاته ذكر وأنثى، لم يقف أحدهما على عدم الآخر، كالتبيع والتبيعة في صدقة البقر وبنت مخاض وبنت لبون عن خمس وعشرين. ولا يمكن القول بموجب العلة إذا كانت بنت مخاض خيرا من ماله؛ لأنا عللنا بالوجوب. 4848 - ولأن عدم بنت مخاض لو كان شرطا في الانتقال إلى ما يقوم مقامها كان عدم القدرة على ما يتوصل به إليها شرطا، كالماء والتراب. 4849 - فإن قيل: عدم الحرية شرط في جواز نكاح الأمة، وعدم ما يتوصل به إلى نكاحها ليس بشرط.

4850 - قلنا: أحد النكاحين لا يقوم مقام الآخر. 4851 - قالوا: المكفر إذا كان يملك عبدا يحتاج إلى خدمته لا يجوز أن ينتقل إلى الصوم، ولو كان ثمنه عنده وهو محتاج إليه جاز أن ينتقل. 4852 - قلنا: إذا كان محتاجا إلى الثمن فليس بقادر على أن يتوصل به إلى الرقبة. 4853 - احتجوا: بقوله عليه الصلاة والسلام: (فإن لم يكن فيها بنت مخاض فابن لبون ذكر). 4854 - والجواب: أن الطحاوي ذكر بإسناده عن محمد بن عبد الله الأنصاري قال: حدثنا أبي عن ثمامة عن أنس في كتاب أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - الذي كتبه له إلى أن قال: (ومن بلغت صدقته بنت مخاض وعنده ابن لبون ذكر، فإنه يقبل منه، وليس معه شيء) وهذا يقتضي جواز ابن لبون بكل حال. 4855 - ولأن قولهم: (إذا لم يكن فيها بنت مخاض) معناه: زكاتها، ألا ترى: أنه لو كان فيها بنت مخاض أفضل من صفة ما له أو أدون جاز أخذ ابن لبون، وإذا كان هذا هو المراد بإجماع، وعندنا: إنما زكاتها إذا اختارت المال دفعها فإن لم يختر فليس فيها بنت مخاض هي زكاتها، فجاز ابن لبون.

4856 - قالوا: لو كان ابن لبون بقيمته لاختلف باختلاف الأزمان والبلدان. 4857 - قلنا: هذا كلام في فصل آخر، وهو: أنه هل يعتبر في جوازه القيمة أم لا، وخلافنا الآن في جواز أخذه مع وجود بنت مخاض. ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما جعل زيادة سنة بنقصان صفته علم أن قصد التقويم على غالب الأمر في وقته. * * *

مسألة 298 الوجوب يتعلق بالنصاب دون العفو

مسألة 298 الوجوب يتعلق بالنصاب دون العفو 4858 - قال أبو حنيفة وأبو يوسف: الوجوب يتعلق بالنصاب دون العفو. 4859 - وقال محمد: يتعلق بهما، وهو قول الشافعي في الإملاء. 4860 - وفائدة الخلاف: أن العفو إذا هلك لم يتغير الوجوب عندنا، وعندهم يتغير. 4861 - لنا: ما روي في كتاب عمرو بن حزم في خمس من الإبل شاة ولا شيء في الزيادة إلى تسع، وفي خمس وعشرين: بنت مخاض، ولا شيء في الزيادة إلى خمس وثلاثين ذكره شيخنا أبو الحسن وإسماعيل بن إسحاق في كتاب الأموال. 4862 - فإن قيل: المراد ليس فيها شيء آخر. 4863 - قلنا: تخصيص بغير دليل؛ ولأن الزيادة على النصاب لم يجب لأجلها شيء،

فلا يتعلق الوجوب بها، أو لا ينتقل الوجوب إليها، كالزيادة المستفادة، والزيادة من غير جنس المال والزيادة المعلوفة على نصاب السائمة. 4864 - فإن قيل: المعنى في الأصل: أن جواز الأخذ لا يتعلق بالزيادة فلم يتعلق الوجوب. وفي مسألتنا: جملة يتعلق الأخذ بها، فتعلق الوجوب بها. 4865 - قلنا: هذه المعارضة لا تصح في المستفاد؛ ولأن جواز الأخذ به يتعلق به وكذلك في الجنس؛ لأن من له خمس من الإبل وعشر من الغنم فجواز الأخذ يتعلق بالغنم، وكذلك المعلوفة يتعلق جواز الأخذ بها؛ لأن المالك إذا دفعها عن زكاته جاز. 4866 - فإن قيل: يعني بجواز الأخذ ما يأخذه المصدق بغير رضا رب المال. 4867 - قلنا: لا نسلم إذن الوصف؛ لأن عندنا ليس له الأخذ من النصاب بغير رضاه، ثم معارضة الأصل تبطل بالصغار مع الكبار، فإن جواز الأخذ لا يتعلق بالصغار ويتعلق بها الوجوب، وعلى الفرع: يبطل بمن له خمس من الإبل وأربعون من الغنم، فإن الغنم جملة؛ يتعلق جواز أخذ زكاة الإبل منها ولا يتعلق الوجوب بها. 4868 - ولأن زيادة المال بغير قدر الزكاة ومحلها، فإذا كانت هذه الزيادة لا تغير القدر كذلك المحل. ولأنه عدد لم يبلغ نصابا فلم يتعلق به وجوب، كأربع من الإبل؛ ولأنه نصاب فوجب أن يتقدمه عفو لا يتعلق به وجوب كالنصاب الأول، والدليل على أن الهالك من العفو: أنه تابع للنصاب، بدلالة أنه لا يثبت إلا بعد وجوده، فالهالك منه كالربح في مال المضاربة، ومن أوصى لرجل بما زاد على ألف من ماله. 4869 - فإن قيل: المضارب ضمن لرب المال سلامة رأس ماله ثم يشتركان في الربح. 4870 - قلنا: الموصي له لا يضمن للورثة سلامة الألف.

4871 - احتجوا: بقوله عليه الصلاة والسلام: في خمس وعشرين إلى خمس وثلاثين بنت مخاض. 4872 - قلنا: قد عارضه خبرنا، وفيه الوجوب فيجمع بينهما، ويكون قوله: (إلى خمس وثلاثين) بمعنى أنه لا يجب غيرها. 4873 - قالوا: فيحمل خبركم على أنه لا يجب شيء مبتدأ فتساوينا. 4874 - قلنا: إلا أن خبرنا قد اقتضى وجوب بنت مخاض في خمس وعشرين بكل حال، وعندكم يجب فيها ذلك إذا انفردت، ويجب بعضها إذا انضم إليها عفو، وهذا ترك لظاهر آخر من خبرنا. 4875 - قالوا: حكم يتعلق بنصاب فجاز أن يتعلق به وبما زاد عليه إذا وجد معه، ولم ينفرد بالوجود، أصله: الزيادة على نصاب القطع. 4876 - قلنا: الأصل غر مسلم؛ لأن القطع عندنا يتعلق بالنصاب خاصة. 4877 - قالوا: لو كان كذلك لوجب أن يضمن الزيادة إذا قطع. 4878 - قلنا: لا يضمنها وإن لم يقطع فيها؛ لأنه لو ضمنها ملكها فصار شريكا في النصاب، والشركة تنافي القطع فلم يجز إيجاب ما ينافي القطع بعد استيفائه، ولو سلمنا الأصل فالمعنى فيه: أن الزيادة لا تأثير لها في زيادة الوجوب فلم يتعلق بها حكم منفرد، فتبعت ما تقدم في حكمه، والزيادة في مسألتنا لها حالة منتظرة تعلق بها وجوب مستأنف، فوقف أمرها على بلوغ ذلك الوجوب، ولم يتعلق بها ما تقدم. 4879 - قالوا: كل جملة تعلق جواز الأخذ بها تعلق الوجوب بها، كخمس من الإبل.

4880 - قلنا: إن أردت أن جواز الأخذ يتعلق بها باختيار رب المال انتقض بخمس من الإبل، وثلاثين من الغنم، وإن أردت جواز الأخذ من غير رضا رب المال، فالوصف غير مسلم، والمعنى في الأصل: أن الوجوب لأجل هذه الجملة يتعلق بها، وفي مسألتنا: لم تجب الزكاة لأجل الزيادة، فلم يتعلق بها. 4881 - قالوا: كل حق تعلق بالنصاب، فإذا لم يزد الحق بزيادة المال كان ذلك الحق متعلقا بالنصاب والزيادة كالقطع وعلى هذا أرض الموضحة، ووجوب الدم بحلق الرأس. 4882 - قلنا: أما القطع: فقدمنا الكلام عليه، وأما الموضحة والحلق: فالأوصاف لا توجد فيها؛ لأنها لا تتعلق بالمال. 4883 - فإن قالوا: يتعلق بمقدار يبطل بالزيادة على خمس من صفات: أن التحريم لا يتعلق به، وكذلك المرة الثامنة في غسل الإناء من ولوغ الكلب لا يتعلق التطهر بها. ولأن الأرش في الموضحة يتعلق بما يتناوله الاسم، والزيادة تبع كالكف مع الأصابع، وكذلك وجوب الدم يتعلق بحلق ربع الرأس، والزيادة تابعة كما يتبع في المسح، وكالإيلاج للناسي أنه يتبع الأول في وجوب الدم، ولا يتعلق به شيء، كاللبس بعد اللبس في مجلس واحد؛ ولأن الموضحة وإن اتسعت فلم تزد على الموضحة وإنما هي موضحة كبيرة وزيادتها كالسمن في الشاة، وإنما الزيادة في الموضحة: أن تذهب الجراحة طولا حتى تصير هاشمة فلا يتعلق بذلك الوجوب الأول. ثم لو سلمنا الأصل في الموضحة والحق؛ فالمعنى فيه ما قدمناه أن الزيادة ليس لها تأثير في الوجوب بحال.

4884 - أو نقول: المعنى في هذه الأصول: أنه لا يتقدم على المقدر ما يتعلق به بحال فلا يتأخر عنه ما لا يتعلق به وجوب، ولما تقدم النصاب في مسألتنا ما لا يتعلق به وجوب في الحال؛ جاز أن يتأخر عنه ما لا يتعلق به وجوب. 4885 - قالوا: الوجوب عندكم يتعلق بعدد غير معين؛ فإذا هلكت واحدة وجب أن تسقط الزيادة بجواز أن يكون الهالك من النصاب. 4886 - قلنا: الوجوب عندنا يتعلق بمقدار غير معين، والهالك مما لا يتعلق به حكم، كمن باع قفيزا من صبرة فهلك بعضها لم يبطل شيء من البيع، وكمن أعتق احد عبديه فمات أحدهما تعين في الباقي. 4887 - قالوا: النصاب مختلط بالعفو، فالهالك منهما كما لو اختلط النصاب بعد الحول. 4888 - قلنا: هناك الوجوب تعلق بمعين فإذا اختلط ثم هلك بعضه لم يتعين، كمن أعتق عبدا ثم اختلط بعبد آخر فهلك أحدهما. 4889 - وفي مسألتنا: تعلق الحق ابتداء بغير معين فيتعين بالهالك، كمن أعتق أحد عبديه ثم مات أحدهما ولأن في مسألتنا الأولى أمر أحد المالين ليس بتابع للآخر، فالهالك بينهما، وفي مسألتنا العفو تابع للنصاب، بدلالة: أنه لا يثبت إلا بعقد مقدم كالربح في مال المضاربة. 4890 - قالوا: كل جملة انضم إليها مثلها تعلق الوجوب بها إذا انضم إليها مثلها تعلق الوجوب بها، كخمس من الإبل، والفرع عشرون من الغنم. 4891 - قلنا: المعنى في الأصل: أن الوجوب وقف على الجملة؛ فلذلك تعلق بها، وفي مسألتنا: الوجوب لم يقف على هذه الجملة فلم يتعلق بها.

مسألة 299 وجوب الزكاة على التراخي

مسألة 299 وجوب الزكاة على التراخي 4892 - قال أبو بكر الرازي: وجوب الزكاة على التراخي وكذلك حكى ابن شجاع من مذهب أصحابنا. 4893 - وقال أبو الحسن هي على الفور. وذكر في المنتقى عن أبي يوسف ومحمد ما يدل على الفور. 4894 - وهو قول الشافعي. وجه ما كان يقول أبو بكر: أنها عبادة شرعية لا تفوت بفوات وقت فلم يكن أصل وجوبها على الفور، كالكفارات وقضاء رمضان والصدقة المنذورة. 4895 - ولا يلزم إذا طالب الإمام؛ لأنها تتضيق كما قبل إمكان الأداء. ولأنها عبادة يجوز تقديمها على وقتها فجاز تأخيرها عن أول وقتها، كصلاة العصر بعرفة، وعكسه الصوم. 4896 - احتجوا: بقوله تعالى: {وآتوا الزكاة}. 4897 - قلنا: محمولة على حالة المطالبة، بدلالة ما ذكرنا.

4898 - قالوا: روى ابن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من كان له مال لم يؤد زكاته؛ مثل له يوم القيامة شجاع أقرع). 4899 - قلنا: هذا فيمن ترك الأداء، والكلام فيمن أخره. 4900 - قالوا: عبادة يتكرر وجوبها، فلم يجز تأخيرها إلى وقت وجوبها مثلها كالصلاة. 4901 - والجواب: أن وجوب الزكاة لا يتعلق بوقت وإنما يتعلق بشرط، فأي وقت حال الحول وجبت، فإن أرادوا هذا بطلت العلة بالكفارات؛ لأنه يجوز تأخيرها إلى حين وجوب مثلها، ونعكس فنقول: فلم يكن أصل وجوبها على الفور مع اتساع وقتها وهذا العكس على ما قال ابن شجاع: إن وجوب الزكاة يتعلق بأول الوقت، والوصف مؤثر في الحج والأيمان؛ لأن وجوبهما غير متكرر، والمعنى في الصلاة: أنها عبادة مؤقتة فمنع من تأخيرها عن وقتها من غير عذر، وفي مسألتنا: الوجوب غير مؤقت وإنما يتعلق بشرط، فإذا وجد جاز أن يتراخى [في] الأداء، كقضاء رمضان. 4902 - قالوا: عبادة تجب في السنة مرة، كالصيام. 4903 - قلنا: يبطل بالحج على أصلهم. والمعنى في الصوم: أن وقته قدر بفعله فلا يجوز فيه التأخير بعد الوجوب وليس كذلك الزكاة؛ لأن وقتها غير مقدر بفعلها، فإذا جاز تقديمها عليه جاز تأخيرها. * * *

مسألة 300 إمكان الأداء ليس بشرط في وجوب الزكاة

مسألة 300 إمكان الأداء ليس بشرط في وجوب الزكاة 4904 - قال أصحابنا: إمكان الأداء ليس بشرط في وجوب الزكاة. 4905 - وهو قول الشافعي في الإملاء، وقال في الأم والقديم: هو شرط. 4906 - لنا: قوله عليه الصلاة والسلام: (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول) وما بعد الغاية بخلاف ما قبلها. ولأنها حالة لو أتلف المال ضمن الزكاة وكانت واجبة كما بعد التلف، وعكسه قبل الحول وهذا إجماع. 4907 - فإذا أقدموا على أن إمكانه قلنا: كل حق يضمنه إذا استهلك المال بعد إمكان أدائه يضمنه استهلكه قبل إمكان الأداء لا يكون شرطا في وجوبها، كالصلاة. ولأن إمكان الأداء لو شرط في الوجوب لم ينعقد الحول الثاني عقيب الأول، ولوقف انعقاده على حال الإمكان وهذا لا يقولونه. 4908 - قالوا: الأمر بالزكاة بشرط الإمكان، ولهذا لا يأثم بتأخيرها،

والوجوب يتبع الأمر. 4909 - والجواب: أن الأمر تعلق بالحول. والإمكان من شرائط الأداء فلا يأثم؛ لأنه لا يلزم الأداء وليس الوجوب من الأداء في شيء؛ لأنه يجب عليه عند الحول العزم على الأداء مع المقدرة. كما أن الدين يجب في الذمة والأداء موقوف على الإمكان. 4910 - قالوا: لو هلك المال لم يضمن زكاته؛ فدل على أنها لم تجب. 4911 - قلنا: سقوط الحق بالهلاك لا يدل على أنه لا يثبت، بدليل أن هلاك العبد الجاني يسقط الحق، وهلاك الرهن يسقط حق الإمساك، ولا يدل ذلك على أن الحق لم يكن ثابتا قبله وإنما وجب الضمان بالاستهلاك، فيدل على أن الوجوب باق. 4912 - قالوا: عبادة، فبإمكان الأداء شرط في وجوبها، كقضاء رمضان في حق المريض. 4913 - قلنا: ينتقض برمضان فإن وجوبه لا يقف على الإمكان، بدلالة أن الصوم يجب بطلوع الفجر، والأداء لا يمكن إلا بمضي جميع اليوم؛ ولأن قضاء رمضان [يتعلق بالوقت] وحصوله في الذمة يقف على مضي وقت الإمكان كنفس رمضان. * * *

مسألة 301 الزكاة تتعلق بالمال

مسألة 301 الزكاة تتعلق بالمال 4914 - قال أصحابنا: الزكاة تتعلق بالمال. 4915 - وهو المشهور في قول الشافعي، وقال في قول آخر: تجب في الذمة، والعين مرتهنة بها وفائدة الخلاف: أنه إذا توالى على نصاب واحد حولان لم تجب زكاة الثاني. 4916 - لنا: قوله عليه الصلاة والسلام: (في أربعين شاة شاة، وفي خمس من الإبل: شاة). وظاهر هذه الأخبار تقتضي تعلق الوجوب بالمال؛ ولأنه حق الله تعالى فسقط بهلاك العين؛ فوجب أن يتعلق بها، أصله: إذا نظر أن يتصدق بعين من ماله، وعكسه صدقة الفطر. ولا يلزم الرهن والثمن؛ لأنهما حق آدمي. ولأن الحق لا يسقط بهلاك الرهن وإنما يصير مستوفيا لدينه. 4917 - فإن قيل: الزكاة في الذمة، وتسقط بهلاك سببها، كما أن الثمن في الذمة ويسقط بهلاك المبيع. 4918 - قلنا: الثمن لا يسقط بهلاك المبيع وإنما ينفسخ بهلاك المبيع لفوات القبض فسقط الثمن بالفسخ، ولهذا لو هلك المبيع بعد القبض لا يسقط الثمن.

ولأن صفة الواجب تختلف باختلاف صفة المال فيجب في الصحاح منها وفي المرضي مثلها؛ فدل على أن الوجوب فيه. 4919 - فإن قالوا: صدقة الفطر تجب بصفة المال؛ لأنها تجب من جنس قوته. 4920 - قلنا: قد يكون ماله غير الأقوات، ولا تجب في ماله. وقد يكون قوته الحنطة، ويجوز أن يخرج من الشعير. ولأنه حق يسرف إلى أهل السهمين شرعا، فإذا وجب من المال تعلق به، كخمس الزكاة. 4921 - [احتجوا: بأنها زكاة واجبة فتعلقت بالذمة، كصدقة الفطر]. 4922 - قلنا: صدقة الفطر تجب عما ليس بمال وهو رقبة الحر فلم يتعلق بالموجب عنه، والزكاة لا تجب إلا لأجل المال فتعلقت برقبة العبد الجاني والأرض من غير جنس العبد. 4923 - قالوا: لو وجبت الزكاة في العين لم يملك رب المال تعيينها ولا دفع عين أخرى عنها، كالمال المشترى. 4924 - قلنا: يبطل بحق المجني عليه، يتعلق برقبة العبد الجاني ولمولاه إسقاط الحق بدفع الأرش من غيره؛ ولأن لحقوق تتعلق بالمال ولا تستقر لحق

الجناية، وقد تتعلق به فيستقر، فحق أحد الشريكين مستقر لحق الآخر؛ فلذلك لم يملك، تغيير حقه ولا إسقاطه، وحق الزكاة غير مستقر لحق ولي الجناية. 4925 - قالوا: [لو] تعلق حق الفقراء بعين المال منع التصرف وثبت حقهم في نتاجها بعد الحول. 4926 - قلنا: إذا أوصى له بألف من ثمن جارية بعينها تعلق الحق بها، فلا يمنع ذلك التصرف، ولا يثبت حق الموصي له في ولدها، وكذلك حق ولي الجناية يتعلق برقبة الجارية ولا يثبت في ولدها. * * *

مسألة 302 إذا هلك المال بعد وجوب الزكاة بغير فعل المالك لم يضمنها

مسألة 302 إذا هلك المال بعد وجوب الزكاة بغير فعل المالك لم يضمنها 4927 - قال أصحابنا: إذا هلك المال بعد وجوب الزكاة بغير فعل المالك لم يضمنها. 4928 - وقال الشافعي: إذا هلك بعد إمكان الأداء. واختلف أصحابنا: إذا طالب الساعي ثم هلك؛ فقال أبو الحسن: يضمن وقال أبو طاهر، وأبو سهل الزجاجي: لا يضمن. 4929 - لنا: أن المال هلك بعد الحول فلم يضمن زكاته بغير مطالبة آدمي، أصله: قبل إمكان الأداء. ولا يلزم إذا استهلكه؛ لأن إطلاق قولنا: (هلك) يتناول ما هلك

بنفسه؛ ولأن الأصل والفرع يستويان في الاستهلاك. 4930 - ولا يقال المعنى فيه: أنه تلف قبل القدر على الإخراج. وفي مسألتنا: تلف بعد القدرة، ولهذا إذا طالب الإمام مع القدرة على الأداء ضمن، ولا يضمن مع عدم القدرة، وذلك لأن التمكن يصير سببا في الضمان إذا وجب الإخراج على الفور، فأما إذا لم يجب على الفور لم يضمن، كما لو أخر الإمام تفريق مال بيت المال، وكمن نظر عتق عبد فلم يعتقه مع التمكن حتى مات. ولأن كل مال لو هلك قبل التمكن من أدائه إلى مستحقه لم يضمن، فإذا هلك بعده لم يضمن بالتأخير، أصله: الوديعة. 4931 - ولا يقال: إن الوديعة حصلت في يده برضا مالكها؛ لأن الزكاة حصلت في يده بفعل الله تعالى وهو المالك لها. ولأن لرب المال ضربا في الولاية على الفقراء، بدلالة: أنهم إذا اجتمعوا جاز أن يمنع بعضهم ويعطي البعض ويزيد في المدفوع وينقص، فلم يضمن بتأخير الدفع، كالإمام ولأن الزكاة تجب ابتداء أمانة، بدلالة: أنها لو هلكت قبل إمكان الأداء لم يضمنها، ولو كانت مضمونة يستوي الإمكان وعدمه. 4932 - ولأن تعلق الزكاة بالمال كتعلق الحج بالمال المغصوب، فإذا لم يكن المال مضمونا عليه بنفس الوجوب كذلك الزكاة، وإذا ثبت أنها تجب أمانة ولها مطالب من الآدميين بعينه وهو الإمام فلم يضمنها بالتأخير، والحبس قبل مطالبته كالوديعة. وفي الأموال الباطنة أنها أمانة ليس لها مطالب من الآدميين معين، فلا يضمن بالحبس، كاللقطة. ولأنها أمانة لم يتعين من يستحق تسليمها إليه، كاللقطة.

4933 - فإن قيل: اللقطة لا يعرف مستحقها؛ لأن المستحق هو الله تعالى وقد أذن في دفعها إلى من شاء من الفقراء، فصار كصاحب الوديعة إذا قال: سلم الوديعة إلى أي غلماني؛ شئت فلا يضمن بتأخير الدفع عن أحدهم. 4934 - فإن قيل: هو مأمور بدفع الزكاة إلى الفقراء، فصار كصاحب الوديعة إذا قال: ادفعها إلى من قدرت عليه من وكلائي فأخر الدفع. 4935 - قلنا: لا خلاف أن لرب المال أن يتخير من هو أحوج، فهو يؤخر لالتماسه؛ فلا نسلم أنه مأمور بدفعها إلى من قدر عليه من الفقراء. 4936 - احتجوا: بقوله تعالى: {وآتوا الزكاة} ولم يفصل بين هلاك المال وبقائه. 4937 - قلنا: أمر بأداء زكاة واجبة ونحن لا نسلم الوجوب مع الهلاك. قالوا: إنها زكاة واجبة مقدور على أدائها، فوجب أن لا تسقط بتلف النصاب، أصله: إذا طلب الساعي. 4938 - والجواب: أن الأصل غير مسلم على ما قدمنا، ولو سلمناه فالمعنى فيما بعد المطالبة: أنها حالة لو هلكت الوديعة ضمن، كذلك إذا هلك المال، وفي مسألتنا بخلافه. ولأن الأمانات تختلف فيها المطالبة وغيرها. 4939 - فإن قيل: الوديعة: المستحق لها معين، فترك المطالبة رضا بالتأخير، والزكاة مستحقها غير معين، ومن يطالب وهو الإمام لا يملك التأخير. 4940 - قلنا: إذا أودع الأب والوصي مال اليتيم لم يضمن المودع بالهلاك، وإن كان المستحق لم يرض بالتأخير، لكن لما رضي الولي قام مقام رضاه، كذلك في مسألتنا رضا الإمام الوالي على الفقراء كرضاء المستحق.

4941 - قالوا: زكاة وجبت بحول ونصاب، فإذا كان إخراجها بعد التمكن من أدائها وجب ضمانها على من وجبت عليه، كما لو أتلفها. 4942 - قلنا: قولكم (وجبت بنصاب وحول) لا معنى له، وعندكم جميع الزكاة لا تسقط بالهلاك، والمعنى في الإتلاف: أنه لو حصل قبل إمكان الأداء ضمن، والتلف لو حصل قبل الإمكان لم يضمن، كذلك بعده. 4943 - قالوا: علة الفرع تبطل بمطالبة الإمام؛ فإنها لو حصلت قبل الإمكان لم يضمن، ولو حصلت بعد الإمكان ضمن. 4944 - قلنا: لأن المطالبة التي يضمن بها هي المطالبة الوحيدة، وقبل: الإمكان لا يتصور وجود مطالبة واجبة. 4945 - قالوا: زكاة واجبة فلم تسقط بتلف المال الذي وجبت لأجله بعد التمكن من الأداء كصدقة الفطر. 4946 - والجواب: أنه يجوز إيجابها عما ليس بمال، وهي رقيقه وولده، فلم يسقطها [هلاك ماله، والزكاة لا تجب إلا من مال، فهلاك المال من غير مطالبة] يسقطها. ولأن صدقة الفطر أجمعنا على وجوبها في الذمة فلم تسقط بهلاك المال، كالدين، وقد دللنا على أن الزكاة تتعلق بالمال، وهو كالجناية المتعلقة برقبة العبد. 4947 - قالوا: الزكاة في الأموال الباطنة لا يطالب الإمام بها، ولا يلزم تعجيل إخراجها فإذا هلك المال سقطت؛ فلم يبق للأمر بها فائدة. 4948 - والجواب: أن هذا يبطل بالحج عندهم، ثم عندنا للإمام أن يطالب من الأموال الباطنة إذا غلب على ظنه أن المالك لا يخرجها إذا احتاج المسلمون؛ فيتعين الوجوب بمطالبته، فإن لم يطالب كان في سعة من التأخير إلى حين يغلب على ظنه أنه يعجز عن الأداء فيلحقه المأثم بالتأخير في تلك الحال، ويلزم الوصي بها إذا حضره

الموت، فهذه فوائد الأمر. 4949 - وأما من قال من أصحابنا: إنه لا يضمن وإن طولب فنقول: يجوز له دفع المنصوص ويجوز له دفع القيمة، فإذا طالبه المتصدق؛ جاز أن يكون أخره حتى يحصل القيمة، فلا تفريط في ترك دفع العين، وليس دفعها واجبا؛ ولأن الصدقة حق الله تعالى بدلالة: قوله سبحانه {أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات} فإذا ماتت الماشية فقد أخذها المستحق، قال الله تعالى: {الله يتوفى الأنفس حين موتها} فإذا أخذ المستحق ما تعلق حقه به سقط الحق. * * *

مسألة 303 إذا زادت البقر على أربعين ففي الزيادة حسابها

مسألة 303 إذا زادت البقر على أربعين ففي الزيادة حسابها 4950 - قال أبو حنيفة: إذا زادت البقر على أربعين ففي الزيادة حسابها. وروى الحسن عنه: أنه لا شيء في الزيادة [حتى تبلغ خمسين. وروى أسد بن عمرو عنه: أنه لا شيء في الزيادة] إلى ستين. 4951 - وهو قول أبي يوسف ومحمد والشافعي. 4952 - وجه الرواية الأولى: قوله تعالى {خذ من أموالهم صدقة} والزيادة مال. 4953 - فغن قيل: عندنا الوجوب يتعلق بالعفو، فقد أخذنا من الزيادة. 4954 - قلنا: الظاهر يقتضي أخذ الصدقة من المال لأجله، وعندهم لا يؤخذ من الزيادة لأجلها شيء؛ ولأن الحيوان أحد نوعي المال المزكي؛ فجاز أن تجب الزكاة فيه ابتداء بالكثير كالأيمان. ولا يمكن القول بموجب العلة من المستفاد؛ لأن

الإيجاب هناك بناء وليس بابتداء، ولا في المال المشترك؛ لأن عندهم الإيجاب واحد لا يعتبر نصيب كل واحد من الشركاء؛ ولأنها زيادة لو استفادها في أثناء الحول وجبت فيها الزكاة بالكثير، كذلك إذا ملكها ابتداء كما زاد على نصاب الذهب. 4955 - ولأنه حيوان يجزي في الأضحية عن سبعة، فجاز أن يكون بين الأربعين والستين فيه ما يجب فيه زيادة زكاة ابتداء كالإبل. ووجه رواية الحسن أنه عفو مرتب على نصاب فلم يقدر في البقر بتسعة عشر كما زاد على الستين. 4956 - قالوا: إنما يقدر ما بعد الستين بتسعة؛ لأنه يمكن إيجاب التبيع أو المسنة فيه. 4957 - قلنا: الزيادة المستفادة لا يمكن إيجاب واحد منها وتجب فيها الزكاة؛ ولأن العشر التي بعد الأربعين لو استفادها في خلال الحول وجب فيها الزكاة، فإذا ملكها ابتداء وجب فيها، كالعشرين. 4958 - احتجوا: بما روى الحكم عن طاووس عن ابن عباس - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث معاذا إلى اليمن وأمره أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعا أو تبيعة جذعا أو جذعة، ومن كل أربعين بقرة بقرة مسنة، فسئل عن الأوقاص. 4959 - فقال: لم يأمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها بشيء، وسأسأله إذا لقيته، فقدم معاذا على النبي - صلى الله عليه وسلم - وسأله عن ذلك فقال: لا شيء فيها. 4960 - والجواب: أن أهل السير اتفقوا على أن معاذا لم يرجع إلى المدينة

إلا بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك روى الشافعي عن مالك عن حميد بن قيس عن طاووس. 4961 - ولا يقال: إن المثبت أولى؛ لأن أهل السير إذا اتفقوا على نقل شيء لم يلتفت إلى من يخالفهم والترجيح بالإثبات يكون عند التساوي؛ ولأنه ذكر الأوقاص وعندنا الوقص: ما بين الثلاثين والأربعين، وبين الستين والسبعين، فأما بعد الأربعين فلا وقص، فاحتاجوا إلى أن يثبتوا الوقص حتى يدخل تحت الخبر. 4962 - وقد ذكر الدارقطني عن المسعودي قال: والأوقاص: ما بين الثلاثين وما بين الأربعين إلى الستين، وقول المسعودي ليس بحجة لقول مخالفنا. ولأن الخبر متروك الظاهر عندهم [لا شيء فيها] غير ما تقدم؛ ولأن العفو عندهم فيه وجوب، وعندنا لا شيء فيه في التبيع والمسنة، فتساوينا. 4963 - احتجوا: بالخبر من وجه آخر وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يجوز أن يبعث مصدقا ولا يبين له جميع الفريضة. 4964 - قلنا: لا يمتنع ذلك ونكله إلى الاجتهاد، كما لم يبين لهم ما يستفاد في خلال الحول عندهم. 4965 - قالوا: مال له وقص بعد النصاب [الأول: فوجب أن يكون له وقص بعد النصاب] الثاني عددا، كالإبل. 4966 - قلنا: نقول بموجب هذه العلة على رواية الحسن، وعلى الرواية الأخرى أيضا؛ لأنا إذا أثبتنا عفوا بعد الستين فقد أثبتناه بعد الأربعين؛ ولأن سائر النصب دلالة لنا؛ لأن العفو المتوسط فيها لا يزيد على ما بعده.

4967 - فإن قيل: إن الخلاف في ثبوت العفو؛ فلا معنى للكلام في قدره، وقد يتساوى النصابان في ثبوت العفو بعدهما وإن اختلفا في مقداره. 4968 - قلنا: هذا في غير النفي، فأما في النفي: فمقادير الأوقاص فيها متساوية. 4969 - قالوا: زيادة على نصاب من جنس من الحيوان حولها حول الأصل فلم يتغير الفرض فيها بالكثير كالإبل. والغنم تبطل بستين من البقر إذا هلك منها عشرة فالزيادة على الأربعين يتعين فيها فرض العين، ويجب فيها الكثير. 4970 - ولأن الأصل إن كان الإبل فمعنى الكثير فيها ثابت؛ لأنه يأخذ بعض بنت لبون عن بنت مخاض. وفي مسألتنا: لم يجب فيه معنى الكثير والواجب مختلف، جاز أن يجب الكثير وإن كان أصل العلة الغنم، فلأن فرضها فرض واحد غير مختلف فلم يتغير؛ بما سواه، ولما كان الفرض في مسألتنا: يتغير جاز أن يجب الكثير أو ما في معناه. 4971 - قالوا: أحد فريضتي البقر، فوجب أن لا يجب جزء منها مع التساوي يف الحول كالتبيع. 4972 - قلنا: ينتقض إذا كانت البقر ثمانين فهلكت منها ثلاثون قبل إمكان الأداء، أو نعكس فنقول: فلم يكن العفو بعدها زائدا على ما قبلها كالتبيع والوصف مؤثر في الغنم. 4973 - قالوا: زيادة لم يوجد بها أحد نصابي البقر، فلم يجب فيها فرض كالتسعة الزائدة على ثلاثين.

4974 - [قلنا: ينتقض بالزيادة على الأربعين إذا بلغت ستين ثم هلكت منها عشرة قبل الإمكان؛ ولأن ما زاد على ثلاثين] لما تغير الفرض بعشرة لم يجب فيما دونها. [ولما لم يتغير الفرض فيما زاد على أربعين بعشرة جاز أن يجب فيما دونها]. 4975 - قالوا: الزكاة مبنية على الرفق وإيجابها بالكثير يؤدي إلى المشقة [وسوء الشركة] فلم يجب ذلك كما لم يجب في الإبل والغنم. 4976 - قلنا: يبطل بالمستفاد عندكم وبما بعد الهلاك على الأصلين، على أن عندنا لا مشقة في إيجاب الكثير إذا جاز دفع القيمة عندنا. 4977 - قالوا: عللنا للتسوية بين البقر والإبل وهما يتساويان في إيجاب الكثير في المستفاد. 4978 - قلنا: نحن أبطلنا معناكم فلا تنفع التسوية مع انتقاض المعنى. * * *

مسألة 304 المستفاد في خلال الحول من جنس النصاب يضم إليه ويزكى بالحول

مسألة 304 المستفاد في خلال الحول من جنس النصاب يضم إليه ويزكى بالحول 4979 - قال أصحابنا: المستفاد في خلال الحول من جنس النصاب يضم إليه ويزكى بالحول. 4980 - وقال الشافعي: إذا لم يتولد من ماله لم يضم، والظاهر من مذهبه في الربح أنه يضم، وإذا وجد ركازا وعنده ما يتم به النصاب أخرج خمس الركاز، وهل يزكي ما عنده إذا حال الحول؟ فيه وجهان. 4981 - لنا: قوله عليه الصلاة والسلام: (في خمس وعشرين إلى خمس وثلاثين بنت مخاض، وإذا زادت واحدة ففيها بنت لبون)، ولم يفصل بين الزيادة في أول الحول أو وسطه. وروى جابر بن زيد - رضي الله عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: اعملوا من السنة شهرا تؤدون فيه زكاة أموالكم، فما حدث من مال بعد فلا زكاة فيه حتى يجئ

رأس السنة)، وهذا يقتضي سنة معروفة، وهي التي أعلمها ولأنها زيادة في الحول على نصاب من جنسه فوجب أن يكون حوله حول الأصل إذا لم يكن له بدل مزكي، أصله: السخال. 4982 - ولأن كل زيادة تضم إلى الأصل في النصاب جاز أن تضم إليه في حوله، كالسخال. ولا يلزم ثمن الإبل المزكاة؛ لأنه يجوز أن يضم إذا علفها ثم باعها، وإن علله للجواز في العلة الأولى فأسقط في الحكم فذلك ليس له بدل فيزكي. ولأنها زيادة لو كانت في أول الحول ضمنها؛ فإذا استفادها غني في أثنائه ضمها في حكم الحول كالسخال. وإن عللت للجواز أسقطت، فإذا استفاد بها؛ غني. 4983 - فإن قيل: المعنى في السخال: أنها متولدة من ماله فتبعت أصلها في حكمه، والمستفاد ليس بمتولد من ماله فلا فرع له فلم يتبعه في حكمه، كما أن ولد أم الولد يتبع أمه في حكمها ولا يتبع غيرها. 4984 - والجواب: أن على الأصل تنتقض بالمتولد، وعلة الفرع لا تصح؛ لأنه لما جاز أن يتبع ماله في النصاب وإن لم يتولد منه جاز بمثله في الحول، وإن لم يتولد منه. 4985 - فإن احترزوا من علة الأصل فقالوا: إنها متولدة من النصاب الجاري في الحول، وهي في معنى النصاب في وجوب الزكاة فيها.

4986 - فالجواب: أن الولد لو ثبت [له] هذا الحكم لتولده لضم في الحول الأول وإن انفصل بعده؛ لأنه تولد بعد استقرار الحق في الأم. ولأن هذا الحكم لو ثبت بالتولد لم يتغير حكم الأمهات؛ لأن المتولد يتغير حكمه بأمه ولا يكسبها حكما لم يكن. ولأن الولد يغير حكم جميع النصاب [فلو كان هذا حكم يثبت بالمتولد لم يغير حكم غير أمه. ولأن علتنا مستفادة من الحول على نصاب] من جنسه. 4987 - فقولهم: (متولد) قد أفاد معنى مستفادا، فكأنهم عارضوا بأوصافنا وزيادة. ولأنه أحد سببي وجوب الزكاة فلم يعتبر في المستفاد بنفسه كالنصاب. فلا يلزم ثمن الإبل المزكى؛ لأنها إذا كانت أقل من نصاب ضمت وإن كانت نصابا يعتبر فيها الشرطان. 4988 - فإن قيل: يمكن أن يمضي كل الحول على النصاب ولا يمكن أن يكون كل جزء نصابا. 4989 - قلنا: هذا يبطل بالسخال؛ ولأن كل جزء من المال وإن لم يمكن أن يكون نصابا فيمكن أن ينتظر به كمال النصاب، كما لو ملك ابتداء بعض نصاب، فلما لم ينتظر به كمال النصاب وضم إلى ما عنده كذلك في الحول. 4990 - فإن قيل: المستفاد يجوز أن يبنى في العدد ولا يبنى في الوقت كما أن اللاحق في الجمعة يبنى وإن لم يكمل به العدد فلا يبنى مع فقد الوقت. 4991 - والجواب: أن اللاحق في الجمعة يتبع الجماعة في العدد دون الوقت وإنما لا يبنى بعد الوقت لبطلان الجمعة؛ ولأن اللاحق في الجمعة دليلنا؛

لأنه إنما لحق العدد الأول عدد مثله. ثم لما انقضى الأول تعلق بالعدد الثاني من حكم الوقت، وصحة الجمعة ما تعلق بالأول [كذلك لما استفاد نصابا وهلك النصاب الأول تعلق بالثاني من حكم الحول ما تعلق بالأول]. 4992 - ولأن زكاة المستفاد حق الله تعالى لا يعتبر في وجوبه النصاب؛ فلا يعتبر فيه الحول، كخمس الغنيمة والركاز، وربح مال التجارة. ولأنه حق لله تعالى يتكرر بتكرار الأحوال؛ فجاز أن يجب فيما استفاده من غير أصل ما له عند الوجوب، كصدقة الفطر. 4993 - احتجوا: بقوله عليه الصلاة والسلام: (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول). 4994 - والجواب: أنه ذكر حؤول الحول المعروف وذلك حول ماله، وحؤول آخر جزء منه، ولهذا يقال: حال الحول على مال فلان اليوم، فصار الحول عبارة عن الانتهاء، وقد وجد ذلك في المستفاد. 4995 - فإن قيل: حؤول، الحول عبارة عن مضي جميعه، ولهذا لا يقال لمن ولد في آخر السنة: حال عليه حول، وذلك لأن المراد لو كان مضي جميع الحول؛ لم يجز إضافته إلى يوم واحد، فأما المولود فلم يعرف له حول حتى يقال: حال عليه آخره. ولأنه لا يمتنع أن يذكر الحول ويريد بقيته، كما يقال: لا أكلم فلانا اليوم،

فيحمل على بقية اليوم، وإذا أراد يوما كاملا، قال: لا أكلمه يوما، فلو كان المراد ما قالوه لقال: حتى يحول عليه حول. 4996 - قالوا: روى زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ليس في مال المستفاد زكاة حتى يحول عليه الحول). 4997 - والجواب: أن راويه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عبد الرحمن ضعفه ابن معين وابن المديني، وذكر الشافعي عن مالك أنه ضعفه. ولو ثبت حملناه على حؤول آخر الحول رخصة بالمستفاد ليبين أن الوارث يبني على حول نفسه، ولا يزكي بحول الميت؛ ولأنهم يضمرون فيه ليس في مال المستفيد إذا لم يتولد من ماله ولا بما عليه ولا خارجا من الأرض؛ لأنهم يضمون السخال والربح ويوجبون العشر في الخارج وهو زكاة، ونحن نضمر إضمارا واحدا إذا لم يكن له نصاب من جنسه إذا زكي بدله. 4998 - قالوا: لأنه أصل في نفسه تجب الزكاة في عينه؛ فوجب أن يعتبر حوله بنفسه، أصله: إذا كان من غير جنس المال. 4999 - قلنا: لا نسلم أنه أصل بنفسه، وهو عندنا تابع للنصاب. 5000 - قالوا: نريد أنه ليس بمتولده. 5001 - قلنا: فلا يؤثر في الأصل؛ لأن ما ليس من الجنس وإن كان متولدا لم

يضم عندهم، كالمتولد بين الظبي والشاة. والمعنى في الأصل: أنه لا يضم إليه في النصاب فلا يضم إليه في الحول، والمستفاد من جنسه لما ضم إليه في النصاب ضم في الحول. 5002 - أو نقول: المعنى فيه: أنه لو وجد في أول الحول لم يضم، كذلك لا يضم في أثنائه، والزيادة من جنس المال لو وجدت في أول الحول ضمت، فإذا حدث في أثنائه جاز أن يضم. 5003 - قالوا: لأنه مستفاد من عين ماله، تجب الزكاة في عينه، فلم يبن حوله على حول غيره قياسا على ما زكى بدله. 5004 - قلنا: لا نسلم في الأصل أنه مستفاد من عين ماله؛ لأن ثمن الإبل ماله، وكيف يقال: إنه غير مستفاد منه، ولا تأثير للوصف في الأصل؛ لن المزكي لا فرق بين أن يكون مما تجب الزكاة في عينه أو في قيمته، والأصل غير مسلم؛ لأن من أصحابنا من قال: إن بدل المزكي يضم إلا أنه قد عجل زكاته. 5005 - ثم المعنى فيه: أنه بدل مال قد زكاه بالحول فاعتبر حوله بنفسه ما لم يقطع حكم الحول فيه. وفي مسألتنا: ليس ببدل لمال مزكي، فاعتبر في آخر الحول لحكمه في أوله. 5006 - قالوا: ما يقولونه يؤدي إلى إيجاب زكاة مال مرتين؛ لأن المالك يزكي إبله ثم يبيعها ممن قرب حوله فيزكيها. قلنا: إنما يمتنع إيجاب زكاتين عن مال واحد على مالك واحد، فأما على مالكين فغير ممتنع كما نقول نحن، وهم من ربح مال التجارة. 5007 - وكما قالوا: إن المديون يزكي ثم يقبضه صاحب الدين فيزكيه.

5008 - فإن قالوا: إن أحدهما زكى ما في الذمة، والآخر العين. قلنا: عندكم المقبوض يعتبر ما كان في الذمة فليس ببدل عنه؛ فقد زكي مرتين. 5009 - قالوا: الزكاة اعتبر فيها حول ونصاب، فالنصاب ليبلغ المال حدا يحتمل المواساة، والحول ليتكامل نماء المال فيه، فلو أجمعنا في المستفاد زكاة، أبطلنا معنى الحول. 5010 - قلنا: هذا يبطل بالسخال. 5011 - قالوا: كل حيوان دخل في حكم تبعا لغيره فإنما يتبع ما كان أصلا له ومتولدا عنه دون غيره، كولد أم الولد. 5012 - قلنا: يبطل بدخول المستفاد مع الأصل في حكم النصاب، والعبيد والنساء يتبعون الرجال في حكم السفر وإن لم يكونوا تولدوا منهم، والمسبي عندهم يتبع السابي في الدين وإن لم يكن أصلا له. * * *

مسألة 305 لا يؤخذ في زكاة الغنم إلا الثني

مسألة 305 لا يؤخذ في زكاة الغنم إلا الثني 5013 - قال أبو حنيفة: لا يؤخذ في زكاة الغنم إلا الثني. وروى الحسن عنه: أنه يجوز الجذع من الضأن المسان. 5014 - وبه قال الشافعي. 5015 - لنا: أن كل سن لا يجوز من المعز، لا يجوز من الضأن المسان، كالصغير. ولأنه أحد النوعين يكمل به النصاب في الآخر، فلم يختلف سن الواجب فيه، كالبخاتي والعراب والبقر والجواميس.

5016 - احتجوا: بما روى سويد بن غفلة قال: (أتانا مصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أمرت أن لا آخذ من الراضع، وأمر بالجذعة من الضأن، والثنية من المعز). 5017 - والجواب: أن هذه الزيادة لا تعرف في الخبر ولا هي موجودة في كتاب. 5018 - قالوا: روى سعد أخو بني عدي قال: (كنت في شعب من هذه الشعاب على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غنم لي، فجاءني رجلان على بعير، فقالا: أنا رسولا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليه لتؤدي صدقة غنمك ذكر أن ذكر، قلت: أي سن تأخذان، قالا: عناقا، جذعة، أو ثنية). 5019 - قلنا: هذا خلاف المذهبين؛ لأن العناق من المعز، ولا يجوز فيه الجذع بإجماع. 5020 - قالوا: روي عن عمر (أنه قال لساعيه: لا تأخذ الربي، ولا الماخض، ولا الأكولة. ولا فحل الغنم، وخذ الجذعة والثنية؛ فذلك عدل بين آل

المال وخياره). 5021 - قالوا: (عن ابن عمر قال: يجوز في الأضحية ما يجوز في الصدقة). 5022 - قلنا: قد عارض هذا ما روي عن علي - رضي الله عنه - أنه قال: (لا يجوز في الزكاة إلا الثني فصاعدا)، وهذا لا يعلم إلا بالتوقيف. وما قالوا عن ابن عمر، يجوز أن يكون قياسا، فالمرجع إلى التوقيف أولى. 5023 - قالوا: كل سن تقدرت به الأضحية؛ وجب أن يقدر بها فرض الغنم، كالثني من المعز. 5024 - قلنا: حكم الزكاة والأضحية مختلف بإجماع، بدلالة أنه يجوز في الأضحية الذكر، والبقرة عن سبعة، ولا يجوز في الزكاة عندهم. ويجزئ في الزكاة الصغير والمعيب، ولا يجزئ في الأضحية. والمعنى في الثني: أنه سن يجزئ من النوعين، ولما كان الجذع لا يجزئ في الزكاة من أحد النوعين لم يجز من الآخر. * * *

مسألة 306 يجوز في زكاة الغنم الأنثى والذكر

مسألة 306 يجوز في زكاة الغنم الأنثى والذكر 5025 - قال أصحابنا: يجوز في زكاة الغنم الأنثى والذكر. 5026 - وقال الشافعي: إذا كانت إناثا وذكورا لم يجز الذكر، وإن كان النصاب ذكورا جاز الذكر، وهل يجوز الذكر عن خمس من الإبل، فيه وجهان. 5027 - لنا: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (في أربعين شاة شاة)، وهذا اسم جنس فيتناول الذكر والأنثى، لا خلاف في ذلك بين أهل العلم. ولأنه حق الله تعالى يتعلق بالحيوان فاستوى فيه الذكر والأنثى من الغنم، كالأضحية. 5028 - ولا يقال: المقصود من الأضحية اللحم؛ فلذلك لم يختلف الذكر والأنثى. والمقصود بالزكاة: المنفعة بالذر والنسل؛ لأن هذا الرفق يبطل بالتبيع في البقر. ولأن ما جاز فيه الأنثى من الغنم جاز الذكر بنفسه، كالأضحية. 5029 - ولأن كل نصاب جاز أن يؤخذ في زكاته الأنثى جاز أن يؤخذ الذكر كثلاثين من البقر؛ ولأن كل نصاب إذا كان كله ذكورا جاز أن يؤخذ في زكاته

الذكر، إذا كان إناثا وذكورا جاز الذكر بنفسه كثلاثين من البقر. 5030 - فإن قيل: الكلام في الوجوب لا في الأخذ لأن عندكم يجوز أن تؤخذ القيمة. 5031 - قلنا: ولكن لا تؤخذ بنفسها. 5032 - قالوا: قال عليه الصلاة والسلام: في أربعين شاة، شاة يقتضي الأنثى؛ لأن الهاء للتأنيث. 5033 - قلنا: هاء التأنيث تتناول الذكر والأنثى إذا كانت للجنس، كقولنا: هبة وتفيد الفرق بين الواحد والجنس، يقال: شاة وشاء، وبقرة وبقر. 5034 - احتجوا: بحديث سويد (أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجذعة والثنية). وقد بينا أن هذه الزيادة لا أصل لها. 5035 - قالوا: قال عمر - رضي الله عنه - لساعيه: (خذ الجذعة). 5036 - قلنا: هذا يدل على جواز الأنثى، ولا ينفي أخذ الذكر. 5037 - قالوا: نصاب من الحيوان لم ينص في فرضه على ذكر، فإذا كان إناثا؛ وجب أن يكون فرضه الأنثى، كأحد وستين من الإبل. 5038 - قلنا: ألمعنى في الأصل أنه نصاب نص على فرضه بالأنثى خاصة، فكانت فرضه، وفي مسألتنا لم ينص على فرضه بالأنثى؛ فجاز فيه الذكر. 5039 - قالوا: حيوان تجب الزكاة في عينه، فجاز أن تكون الأنثى معتبرة في فرضه، أصله: الإبل.

5040 - قلنا: الأنثى في الإبل أفضل من الذكر؛ فجاز أن يكون صفة الفضيلة شرطا، والذكر في الغنم أفضل من الأنثى، فلذلك لم تشرط الأنوثة. 5041 - قالوا: صفة إذا نقصن عن صفة المال ولم يكن منصوصا عليه؛ لم يجز أن يؤخذ منها قياسا على أخذ المريضة عن الصحاح. 5042 - قلنا: لا نسلم أنه لم ينص على الذكر في مسألتنا؛ لأن الشاة اسم للذكر والأنثى؛ ولأن هذا القياس لا يصح إلا بفرض مسألة في النصاب إذا كان كله إناثا، وأما إذا كان بعضه إناثا؛ فالذكر لا ينقص عن صفته ولا يؤثر الوصف حينئذ؛ لأنه لا فرق عندهم بين أن ينقص أو لا ينقص. 5043 - ولأن المعنى في المرض: أنه نقص يؤثر في زكاة البقر فأثر في زكاة الغنم، ولما كان هذا النقص لا يؤثر في صدقة الثلاثين من البقر لم يؤثر في الغنم. 5044 - قالوا: فرائض الزكاة نص فيها على الإناث وإنما عدل عن الذكر عند عدمها؛ فدل على أن الأنثى هي الأصل فوجب اعتبار الأنوثة في كل موضع أطلق الفرض. 5045 - قلنا: الزكاة نص فيها على الأنثى وعلى الذكر مع وجود الأنثى في البقر، فإذا أطلق الفرض اعتبر عموم الحائزين؛ لأنه لو اختص نص عليه كما نص في الإبل. * * *

مسألة 307 لا زكاة في الفصلان والحملان والعجاجيل

مسألة 307 لا زكاة في الفصلان والحملان والعجاجيل 5046 - قال أبو حنيفة ومحمد: لا زكاة في الفصلان والحملان والعجاجيل. وصورة المسألة: أن يكون له نصاب من الكبار فتتوالد كعددها، ثم تموت الأمهات فيحول الحول وهي صغار. 5047 - وقال أبو يوسف: فيها واحدة منها، وبه قال الشافعي رحمه الله. 5048 - لنا: حديث سويد بن غفلة قال: (سرت مع مصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا نأخذ من راضع شيئا). [وسمعته يقول: في عهدي أن لا آخذ من راضع شيئا]. ولا يجوز حمله على الراضع الذي لم يحل عليه الحول؛ لأنه تخصيص بغير دليل ولأن ما لم يحل عليه الحول لا يختص بالراضع،

فلا يجوز حمله على أن لا يأخذ الراضع، كما قال: (وما بالربع من أحد)؛ لأنهم يأخذون الراضع من أمثاله والخبر من هذا، ولا يحمل على نفي الزكاة من مال الصبي؛ لأنه عندهم يؤخذ من مال الراضع. 5049 - وعلى قولنا لا فائدة لذكر الراضع، ويدل عليه: قوله عليه الصلاة والسلام: (ليس فيما دون أربعين شاة صدقة) وأربعون حمل دون أربعين شاة. وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (إن الله تجاوز لكم عن ثلاث: عن الجبهة و [عن] النخة، والكسع). قال الراوي: يريدون بالجبهة الخيل، والنخة، الإبل العوامل والنواضح، والكسع: صغار الغنم. 5050 - فإن قيل: الكسع: الحمير. 5051 - قلنا: إن تناولهما الاسم حمل عليهما، وعلى أصلهم ما تأوله الراوي أولى. ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوجب الزكاة في عدد يجب في خمس وعشرين منه بنت مخاض ويجب إلى ست وسبعين ثلاثة أسنان، فمن أوجب في عدد لا يجب في الخمس والعشرين [فيه بنت مخاض؛ ولا يكون بين الخمس والعشرين] والست والسبعين فرض، فقد خالف الخبر؛ ولأنه حق لله تعالى يتعلق بالنعم، فاختص بدون سن، كالأضحية والهدايا. 5052 - ولا يقال: المعنى في الأضحية: أنها لا تتعلق بالمعيب، وليس كذلك الزكاة لأنها تتعلق بالمعيب فجاز أن تتعلق بالصغار، وذلك لأن الأضحية لا يمنع

فيها كل عيب، وإنما يمنع فيها بعض العيوب وكذلك في الزكاة؛ لأن العمي لا زكاة فيها. ولأن الأضحية تتعلق عندهم بالصغير إذا ولدت الشاة بعد التعيين مع كون العيب مؤثرا في الأضحية. 5053 - ولأن فرض الزكاة يتعين تارة بالسن وتارة بالعدد، فلما كان كذلك؛ كان لنقصان العدد تأثير في المنع من الوجوب فكذلك السن. أو نقول: السن آخر ما يتعين به فرض الزكاة. 5054 - فإن قيل: زيادة العدد لها تأثير في زيادة الوجوب فكان لنقصانها تأثير، ولما لم يكن لزيادة السن تأثير في زادة الوجوب لم يكن لنقصانه تأثير. 5055 - قلنا: زيادة السن تؤثر عندكم في زيادة الوجوب فيجب في الصغار صغيرة، وفي الكبار منه، فالوصف لا يصح. ثم لا يمتنع أن يكون السنون نقصان السن، والعدد في التأثير وإن اختلف زيادتهما، ألا ترى أن نقصان السن كنقصان العدد في التأثير في الأضحية والشهادة؟ وإن كان زيادة السن فيهما غير مؤثر، فاستوى النقصان واختلف الزيادة، فأثرت زيادة [العدد]، ولم تؤثر زيادة السن. 5056 - فإن قيل: زيادة الصفة تؤثر في زيادة الوجوب؛ لأنه يجب في السمان سمينة، ونقصان الصفة لا يؤثر.

5057 - قلنا: الهزال إذا منع الرعي أثر في الوجوب عندنا، ولا نسلم أن نقصان الصفة لا يؤثر في إسقاط الوجوب؛ ولأن نقصان الصفة لا يتغير به الفرض، وإنما يتغير به صفته، فلم يلزم على علتنا. 5058 - قالوا: زيادة الجنس يتغير بها الفرض؛ لأنه يجب في أعلى الأجناس مثله، ونقصان الجنس لا يسقط الزكاة. 5059 - قلنا: نقصان الجنس يسقط في المتولد عندكم بكل حال. وعندنا: إذا كانت الأمهات من الوحش. 5060 - قالوا: نقصان العدد أثر فيما هو من جنسه [وهو العدد، ونقصان الصفة يجب أن يؤثر فيما هو من جنسه]، وهو نقصان الصفة. 5061 - قلنا: نقصان العدد لم يؤثر [في جنسه؛ لأنه تارة ينقص عن العدد، وتارة يرفعه أصلا، كذلك نقصان الصفة يؤثر] في نقصان صفة الواجب تارة، وهو المعيب من أمثاله، وتارة يؤثر في إسقاط الوجوب أصلا. ولأنه حق يختص في الشرع بنوع من البهائم فاختص ببعض الأسنان، كالدية والأضحية. 5062 - احتجوا: بما روى: أن أبا بكر - رضي الله عنه - لما هم بقتال مانعي الزكاة، قال: (والله لو منعوني عناقا مما كانوا يؤدونه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[لقاتلتهم عليه)، فعلم أنهم كانوا يؤدون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] العناق، وهي لا تؤخذ إلا من الصغار؛ ولأن هذا قاله بحضرة الصحابة - رضي الله عنهم - فلم ينكره أحد.

5063 - والجواب: أن هذا الخبر مداره على الزهري، وقد اختلف فيه عليه فروي (عناقا)، وروي (عقالا) والعقال: قيل فيه: صدقة عام، وقيل: الحبل الذي يعقل به أرجل الإبل، واللفظ واحد في الأصل. 5064 - وإذا اختلف فيه لم يصح التعلق به؛ ولأنه أرباب الأموال لم يكونوا يؤدون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما يدفع السعاة إليه، وقد يتوالد في الغنم في يد الساعي فيعطي الولد؛ لأنه من حق المساكين، وقد كان السعاة أخذوا الزكوات وارتدوا وهي في أيديهم، منهم مالك بن نويرة التميمي وطليحة بن خويلد الأسدي، فيجوز أن يكون توالدت في أيديهم فقال: (لو منعوني عناقا من ذلك). ولأنه يجوز أن يقول ذلك على طريق التأكيد، كأنه قال: لو كانت العناق حقا لي فمنعوني منها لقاتلتهم، كما يقول الرجل: لو منعتني خردلة من حقي حاكمتك، وإن لم تكن الخردلة من الحقه، و [على] هذا يحمل قوله: (لو منعوني عقالا). ولأن العناق عندنا تؤخذ على طريق القيمة.

5065 - فإن قيل: فالقيمة لا يقاتل على منعها. 5066 - قلنا: إذا أخذ المصدق ومنعها واعتصم منه قوتل. 5067 - قالوا: روي عن علي - رضي الله عنه - أنه قال لساعيه: عد عليهم الصغار والكبار. 5068 - قلنا: هذا يقتضي اجتماعهما، وهو الغالب؛ إذ الصغار لا تنفرد عن الكبار. 5069 - قالوا: مال جاز في الحول، فإذا هلك منه ما لم ينقص باقيه عن نصاب؛ وجب أن لا ينقطع حكم الحول، كما لو كانت له خمسون من الإبل فهلك منها عشر. 5070 - والجواب: أنا لا نسلم أن الباقي لم ينقص عن نصاب الإبل؛ لأن النصاب عندنا السن والعدد. والمعنى في الأصل: أنه بقي ما يجوز أخذه عن الكبار، فلم ينقطع حكم الحول، كما لو بقي أقل من النصاب ثم تمت في آخر الحول. قالوا: كل مالين ضم أحدهما إلى الآخر في النصاب، فتلف أحدهما لا يسقط الزكاة عن الآخر، ولا يقطع حوله، كالضأن والمعز. 5071 - قلنا: ينتقض إذا بقي أقل من أربعين. 5072 - فإن قالوا: لا تسقط الزكاة بالهلاك لكن بنقصان النصاب. 5073 - قلنا: كذلك نقول في مسألتنا، ثم المعنى في الضأن والمعز: أن كل واحد منهما يجزئ سنه في الأضحية وفي الصغار والكبار بخلافه، أو نقول: الضأن والمعز إذا اجتمعا جاز أن تؤخذ زكاتها من كل واحد من النوعين على الانفراد، والصغار والكبار إذا اجتمعا لم يجز أخذ الزكاة من الصغار؛

فلذلك ينقطع الحول مع بقائها. 5074 - قالوا: سن يعد مع غيره، فجاز أن يعد بنفسه، كالجذاع والثناء. 5075 - قلنا: المعنى في الأصل: أنه يجوز في زكاة الكبار بنفسها، وفي مسألتنا: لم يجز في مسألة الكبار بنفسها، فلم يعد. 5076 - قالوا: ما صلح للوصل صلح للأصل إذا تم عدده، كالكبار. 5077 - قلنا: الوصف تبع لغيره، والأصل يثبت بنفسه وليس إذا جاز الشيء تبعا جاز أصلا. 5078 - فإن قيل: كيف يكون الصغار تبعا والكبار أقل من النصاب؟. 5079 - قلنا: الدليل على أنه تبع: أنه يؤخذ منها ما يؤخذ من الكبار، ولو كانت متبوعة لاعتبر حكم المأخوذ بها. 5080 - قالوا: السخال إذا تبعت الأمهات من الحول؛ لم يسقط حكم الحول فيها بتلف الأمهات، كما لو بقي كبيرة. 5081 - قلنا: لا يسقط حكم الحول بتلف الأمهات، وإنما يسقط بنقصان النصاب؛ بدلالة أنه لو استفاد كبيرة ثم هلكت الأمهات لم يسقط حكم الحول. والمعنى في الأصل: أنه بقي ما يجوز أخذه في الزكاة عن الكبار. 5082 - وفي مسألتنا بخلافه، فتبين الفرق بينهما، أنه إذا بقيت الكبيرة؛ فالواجب على ما كان من السن، وإذا لم يبق لغير الفرض عندهم فدل على الفرق بين الأمرين.

5083 - قالوا: أجمعنا على بقاء الحول ببقاء الكبيرة، فلا يخلو إما أن يكون ذلك لبقاء الحول في الأمهات، أو لأنه انعقد في السخال، ولا يجوز أن يكون لأجل الأمهات؛ لأنها ناقصة عن النصاب، فلم يبق إلا أن يكون انعقد في السخال. 5048 - قلنا: إنما يبقى حكم الحول ببقاء الكبيرة، والسخال شرط في الوجوب ونقصان الأمهات لا يمنع بقاء حكم الحول؛ لأن عندنا لو هلكت إلا واحدة وليس هناك سخال لم ينقطع حكم الحول منها. 5085 - قالوا: ذات رحم تبعها ولدها، فلم ينقطع ذلك الحكم عن ولدها بموتها، كولد أم الولد والأضحية. 5086 - قلنا: نقول بموجبه؛ لأن عندنا لو هلكت الأمهات وبقيت كبيرة لا ولد لها، لم ينقطع حكم الحول فدل على أن الحكم لا يتعلق بهلاك الأمهات ولأن أخذ الكبيرة ثابت حال الاجتماع، فإذا هلكت الأمهات سقط هذا الحكم عندهم ووجبت صغيرة فانتقض ما قالوه. 5087 - قالوا: نقصان صفة لا تؤثر في إسقاط الزكاة، كالمرض. 5088 - قلنا: [المرض] لا يغير سن الواجب، فلذلك لم يسقط الوجوب؛ ولأن المرض نقص في الموجب فيه، وهلاك الأمهات عدم الموجب فيه؛ ولهذا لا يتغير سن الواجب في المرض ويتغير في الصغار. * * *

مسألة 308 إذا ملك عدد النصاب من الصغار لم ينعقد عليه الحول

مسألة 308 إذا ملك عدد النصاب من الصغار لم ينعقد عليه الحول 5089 - قال أصحابنا: إذا ملك عدد النصاب من الصغار لم ينعقد عليه الحول. 5090 - وقال الشافعي: ينعقد. 5091 - لنا: أنه سن لا يجزي في الأضحية، فلا ينعقد الحول فيه بنفسه، كالصغار المتولدة. ولأنه حكم معلق بحيوان مخصوص فلم يتعلق بالسخال ابتداء، كما في الأضحية. 5092 - ولأن ما لا يجوز أخذه عن الكبار لا ينعقد به الحول منفردا، كالمتولد. 5093 - قالوا: نوع مال ينعقد الحول عليه مع غيره؛ فجاز أن ينعقد الحول فيه بنفسه، كالجذاع والثناء. 5094 - والجواب: أن السن ينعقد عليه الحول تبعا فلا ينعقد أصلا، بدلالة كل جزء من النصاب، وكذلك النساء تتم الشهادة بهن تبعا، ولا يثبت لهن هذا

الحكم بأنفسهن، والمعنى في الأصل: أنه يجوز أخذه مزكي والكبار بنفسه، وانعقد الحول فيه، وفي مسألتنا بخلافه. 5095 - قالوا: الصغار يكمل بها النصاب، فإذا بلغت نصابا في نفسها جاز وجوب الزكاة فيها، كالكبار. 5096 - قلنا: لا نسلم أنها بلغت نصابا؛ لأن النصاب عبارة عن السن والعدد، والمعنى في الكبار ما قدمناه. 5097 - قالوا: الصغر نقص كالعيب. 5098 - قلنا يبطل بالمتولد على أصلهم. ولأن المعيبة السن الواجب في الكبار يؤخذ منها؛ فلذلك انعقد لها الحول، والصغار لا يؤخذ منها السن الواجب من الكبار إذا كانت كبارا آخر الحول. * * *

مسألة 309 إذا ملك نصابا من نوعين كالضأن والمعز أخذ منها وأخذ وسطها من دون أعلى الجنسين

مسألة 309 إذا ملك نصابا من نوعين كالضأن والمعز أخذ منها وأخذ وسطها من دون أعلى الجنسين 5099 - قال أصحابنا: إذا ملك نصابا من نوعين، كالضأن والمعز أخذ منها وأخذ وسطها من دون أعلى الجنسين، أو من أعلى دون الجنسين، ذكر معنى هذا في المنتقى. 5100 - وقال الشافعي في أحد قوليه: يأخذ المصدق من أعلى النوعين، فإن تساويا أخذ من أيهما شاء. 5101 - وقال في القول الآخر: يؤخذ بالحصة فيقوم ثنية من المعز، فإن كانت عشرة قومنا جذعة من الضأن، فإن كانت عشرين: أخذ نصف القيمتين، فيقول: أعط أحد عشر من الضأن قيمتها خمسة عشر أو ثنية من المعز قيمتها ذلك، وكذلك [هذا] في الإبل المختلفة. 5102 - لنا: قوله عليه الصلاة والسلام [لمعاذ]: (إياك وكرائم الأموال، وخذ من أوسطها وروي) من حواشيها)، وقال: (ألا إنه لم يسألكم

خياره ولا قبل منه شراره) لأن صفات الحيوان إذا اختلفت لم يتقسط الواجب على قدر أنواعها، كالصغار والكبار، والسمان والمهازيل. أو نقول: فلا يعتبر الأغلب؛ ولأن ما يقولون يؤدي إلى إيجاب الزكاة في الحيوان بالقيمة. ولأنه ملك نصابا من الغنم فلا يتسقط الواجب، كالنوع الواحد. 5103 - احتجوا: بأنه مال اشتمل على نوعين فوجب أن يتسقط الواجب منهما كالحبوب. 5104 - قلنا: المقسط الواجب هناك أخذ من كل نوع بقدره، ولما لم يؤخذ في مسألتنا من كل نوع بقدره لم يتقسط. * * *

مسألة 310 لا زكاة في المال المجحود والمال المغصوب

مسألة 310 لا زكاة في المال المجحود والمال المغصوب 5105 - قال أصحابنا: لا زكاة في المال المجحود والمال المغصوب. 5106 - وهو قول الشافعي في القديم، وقال في الجديد: يجب فيهما الزكاة: وأما الماشية إذا أسامها الغاصب فعادت إلى مالكها بنمائها: قال بعضهم: يزكيها لما مضي قولا واحدا، ومنهم من قال على قولين، وإن عادت دون نمائها على قولين. [وإن علفها الغاصب: فمنهم من قال: لا زكاة قولا واحدا، ومنهم من قال: على قولين]. 5107 - لنا: ما روي أن عثمان - رضي الله عنه - خطب فقال: (لا زكاة في مال ضمار)،

والضمار الثاوي. وعن ابن عمر (إنما الزكاة في الدين الذي إذا اقتضيته أمكنك أخذه)، ولا يعرف لهما مخالف. ولأنه خارج من يده ممنوع من الانتفاع به؛ فلا يجب عليه زكاته لما مضي، كرقبة المكاتب بعد العجز، ومال المكاتب. 5108 - فإن قيل: مال المكاتب لا يملكه المولى، بدلالة أنه يجوز أن يشترى منه ويبيع. 5109 - قلنا: ذاك لتعلق حق غيره، كمال المضاربة. 5110 - فإن قالوا: يجوز تصرفه بالعتق ويبيعه من الغاصب. 5111 - قلنا: العتق إتلاف، وليس المقصود من التصرف الإتلاف، فأما بيعه فإنما يحكم بجوازه لأن قبول البيع اعتراف فيخرج من أن يكون جاحدا. ولأنه تقدر فيه المال الذي يعتبر في وجوب زكاته النماء فصار كما لو علف السائمة. ولأن ما [غلب] عليه العذر خارج عن يده وتصرفه، كالخيل السائمة. 5112 - احتجوا: بقوله عليه الصلاة والسلام: (في أربع وعشرين فما دونها الغنم) وقوله: (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول). 5113 - وقال: (في الرقة ربع العشر). 5114 - قلنا: قد أريد به إذا كان لمالك تام الملك بإجماع، فصار ذلك

كالمشروط في اللفظ، ونحن لا نسلم تمام الملك. ولأنه عليه الصلاة والسلام اعتبر الحول حتى يتمكن من النماء فيه، فصار هذا تنبيها على اعتبار التمكن من النماء. 5115 - قالوا: مال لو كان في يده ولم تحصل الحيلولة بينه وبينه لوجبت فيه الزكاة، فإذا وجدت الحيلولة وجبت أن لا يمنع وإنما يمنع نقصان ملكه. ولأنه إذا أيسر؛ فقد منع المالك من ملكه، وإذا غلب على المال فقد منع الملك منه. وفرق في الأصول بينهما بدلالة أن المتغلب يضمن المال في إحدى الحالتين دون الأخرى، وإن حصل المنع فيهما؛ ولأن المأسور ماله في يده وتصرفه فيه جائز، ألا ترى أنه إن تعذر أن يتصرف بنفسه جاز تصرف وكلائه، وفي مسألتنا زالت يده ولم ينفذ تصرفه المقصود بالإملاك. 5116 - قالوا: يبطل ما ذكرتموه بالمال المدفون في داره. 5117 - قلنا: جعلنا العلة في سقوط الزكاة انتفاء شرطين، اليد والتصرف، وأما دفنه في داره فيده فيه باقية وإن امتنع تصرفه. 5118 - قالوا: فالدين في ذمة الغير ليس في يده. 5119 - قلنا: هو كذلك إلا أن تصرفه جائز فيه بالحوالة والانتفاع به، وليس إذا أسقطنا الزكاة بإلغاء شرطين جعلنا وجودهما علة للإيجاب؛ بل توجب الزكاة لوجود أحدهما. 5120 - قالوا: ملكه صحيح وهو مسلم، وقد وجد الحول والنصاب، ولا اعتبار بثبوت اليد، ولا يجوز التصرف، بدلالة الدين المؤجل، والدين على مفلس لا

يمكن قبضه ولا التصرف فيه، والزكاة واجبة على صاحبه، وكذلك الأسير المحبوس لا يجد من يشتري ماله. 5121 - قلنا: الدين المؤجل وفي ذمة المفلس يجوز تصرفه فيه بالحوالة، فلم تفقد اليد والتصرف، والمأسور يده ثابتة على ماله، ويجوز تصرف وكلائه فيه. 5122 - فأما قولهم: إن ملكه صحيح فقول بعيد؛ لأن غلبة الكفار على المال وحصوله في دار الحرب، أو حصوله في الحرب إذا كان لا يوجب نقصان الملك فلا يتصور ملك ناقص؛ لأن كل سبب يوجب نقصان الملك دون هذا. 5123 - قالوا: الزكاة تجب في الأموال النامية وإن لم تنم، كالذكران والمهازيل التي لا ذر لها ولا نسل. 5124 - قلنا: المعتبر بكون المال مما يمكن إرصاده للنماء إذا أرصده المالك، وليس المعتبر بحصول النماء، وما في يد الغاصب لا يتمكن المالك من إرصاده للنماء. 5125 - قالوا: لو رهن حليا على دين وفيه فضل مقدار النصاب؛ فيه الزكاة، وإن كان الرهن خارجا عن يده وتصرفه. 5126 - قلنا: الرهن إذا كان فيه فضل وله ما يكفيه فهو يقدر على التصرف فيه، وإن كان لا إمكان له فيقدر على بيع بعضه من المرتهن بيده ويتصرف في الباقي، أو يبيع القاضي عليه عندهم إذا علم أنه لا مال له، وعندنا يلزمه البيع. * * *

مسألة 311 إذا طرق الغنم فحول الظباء فولدت وجب في أولادها الزكاة

مسألة 311 إذا طرق الغنم فحول الظباء فولدت وجب في أولادها الزكاة 5127 - قال أصحابنا: إذا طرق الغنم فحول الظباء فولدت؛ وجب في أولادها الزكاة. 5128 - وكان أصحابنا يقولون. يجزي في الأضحية والهدي، ولا يجب على المحرم بقتلها الجزاء، وعلى هذا المتولد بين البقر الأهلي والوحشي. 5129 - وقال الشافعي: لا زكاة في ذلك. 5130 - لنا: قوله عليه الصلاة والسلام: (في أربعين شاة شاة، وفي ثلاثين من البقر تبيع)، ولم يفصل. والمتولد شاة. وقد قيل: إن الغنم المكية أولاد الظباء والاسم يتناولها. 5131 - فإن قيل: المتولد من الغنم يسمى رقلا.

5132 - قلنا: هذا لا يعرف، وقد عمل الأصمعي كتابا في المتولد ولم يذكر فيه اسما لهذا. 5133 - وقال أهل اللغة: ليس في اللغة رقل بكسر الراء وإنما ورد رقل بفتح الراء، الطوال النخل، وانشدوا فيه: لا تقيلن عبد شمس عثارا .... واقطعن كل رقلة وغراس على أنهم لم يدعوا للمتولد من البقر اسما منفردا، وكيف يدعي ذلك واسم البقر يشمل أباه وأمه؟. 5134 - فإن قالوا: هذا إثبات اسم بقياس. 5135 - قلنا: بل هذا كشف عن معنى التسمية كما يكشف لمن ادعى أن المتولد من البخت والعراب لا يتناوله اسم الإبل. 5136 - فإن قالوا: هذا يتناوله الاسم على التقييد.

5137 - قلنا: الأصل الإطلاق؛ ولأن هذا التقييد في أبيها، كالتقييد بقولنا: أهلية. 5138 - فإن قيل: من عادة العرب أن تضع للمتولدات أسماء منفردة فيجوز أن يكونوا وضعوا لولد البقر، فلم نسلم الاسم مع التجويز. 5139 - قلنا: الأسماء إنما تثبت بالنقل لا بالظن فإذا لم ينقل تناولها اسم أبيها وأمها يسمى به كل واحد على الانفراد. ولأنه ينفصل عما يجب فيه الزكاة بالإجماع حيوانا، فجاز أن يجب فيه الزكاة، أصله إذا كان الأب معلوفا، أو نقول: إنه ينفصل عما يوجد في الزكاة حيوانا، ولا يلزم النقل؛ لأن الزكاة لا تتعلق بأمه بإجماع، وعلى العلة الثانية أنه لا يؤخذ في الزكاة. 5140 - قلنا: ولد البقر شابه الأم شبها واسما؛ ولأنه نتاج شاة فصار كما ذكرنا. 5141 - فإن قيل: المعنى في المعلوفة والسائمة أن كل واحد منهما يجوز أن يجب فيه الزكاة. 5142 - قالوا: وفي مسألتنا الآن لا يجوز أن تجب فيه الزكاة. 5143 - قلنا: قد جعلنا وجوب الزكاة في الأم علته وجعلوا تعلق الزكاة في الأم والأب علة، وتعليق الحكم بأحد الوصفين أولى، وعلة الوصف تبطل إذا

كانت الأم معلوفة. ولأنه حكم يختص بالملك، فإذا ثبت الأم بالإجماع تبعها الولد فيه، كالرق. 5144 - ولا يلزم وطء الرجل لجاريته ووطء المغرور؛ لأن العتق هناك يثبت بالنسب لا بالملك، بدلالة أنه لو وطئ جارية ابنه كان الولد حرا وإن لم يكن في ملكه. 5145 - ولا يلزم وجوب الزكاة في البغل؛ لأن الزكاة لا تثبت في الأم بإجماع. ولا يلزم الإسهام للبغل؛ لأن ذلك لا يختص بالملك، بدلالة أن المستعير يسهم لفرسه. 5146 - فإن قيل: الرق هو الملك فقولكم: إنه حكم يختص بالملك لا يوجد في الأصل. 5147 - قلنا: الرق هو المعنى الذي يملك من العبد، والملك غبر المملوك. 5148 - احتجوا: بأنه جنس متولد من جنسين لا زكاة في أحدهما بحال فلم يجب فيه الزكاة، كما لو كانت الأم من الظباء. 5149 - الجواب: أن انتفاء الحكم عن أحد الأبوين لا يدل على انتفائه عن الولد، بدلالة الرق والحرية والإسلام والكفر، والمعنى في الأصل: أنه انفصل وهو وصف تتعلق به الزكاة، وفي مسألتنا بخلافه. 5150 - فقالوا: الإسقاط والإيجاب إذا اجتمعا في باب الزكاة غلب حكم الإسقاط أصله: إذا علفها في بعض الحول. 5151 - قلنا: الأب عندنا لا اعتبار به، فلم نسلم اجتماع الموجب والمسقط، ولو سلمنا بطل إذا كانت الآباء معلوفة، وإذا علف السائمة يوما واحدا، ولو قيل إذا

اجتمع الموجب والمسقط؛ فالإيجاب أولى؛ لأنه أحوط كان أقرب، فأما إذا علفها بعض السنة؛ فلأن ذلك المالك لم يبرئه لسقوط المؤنة، إلا أنا غلبنا الإسقاط. 5152 - قالوا: احتج الشافعي: بأن الخيل يسهم لها ويجب فيها الزكاة ويؤكل لحمها، ثم يخالفها البغل في كل واحد من هذه الأحكام، وكذلك في مسألتنا. 5153 - الجواب: أن هذه دعوى من غير جمع، ثم قد قال الشافعي: في السمع إنه لا يؤكل اعتبارا بأبيه، وأوجب فيه الجزاء اعتبارا بأمه. 5154 - وقلنا: جمعا في ولد الحر من المملوكة الزوجة بأنه يتبعها في الرق والإسلام، فلا فرق بين الأم والولد في الزكاة اعتبارا بالبغل، ولم يسو بينهما اعتبارا بهذا الأصول، فأما أكل البغل: فإن أباه لا يؤكل وأمه يكره أكل لحمها فيغلب حكم الحظر لحصوله في الجهتين، فأما الأسماع: فلأن الغالب من حاله أنه لا يصلح للطلب والهرب، فصار كالفرس الهرم الزمن لا ينتفع به في الحرب، فلا يسهم له. وأما الزكاة: فلأن الزكاة للسوم يتعلق بالنماء، والبغل ليس له نماء من جهة الدر والنسل، ولا من جهة اللحم، فلذلك لم يجب فيه زكاة السوم. * * *

مسألة 312 الخلطة لا تأثير لها في إيجاب الزكاة

مسألة 312 الخلطة لا تأثير لها في إيجاب الزكاة 5155 - قال أصحابنا: الخلطة لا تأثير لها في إيجاب الزكاة، فيعتبر كل واحد من الخليطين على حياله فيوجب عليه عند الشركة ما يوجب عليه حال الانفراد. 5156 - وقال الشافعي: إن كانت خلطة أعيان لا يتميز مال أحدهما من مال الآخر، أو خلطة أوصاف، وهي التي يتميز نصيب كل واحد منهما إلا أن المناخ والمسرح والمشرب والفحل والراعي واحد، ففي كل الخليطين يزكي المال زكاة الملك الواحد، وأما الخلطة فيما عدا المواشي من الأموال، فقال في القديم: لا تؤثر الخلطة، وقال في الجديد: هي كالماشية. 5157 - لنا: ما روي في كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي كتبه أبو بكر - رضي الله عنه - لأنس: (ومن لم يكن له إلا أربع من الإبل؛ فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها).

5158 - قالوا: وقوله في صدقة الغنم: (وإذا كانت سائمة الرجل ناقصة عن أربعين شاة واحدة)، فليس فيها صدقة إلا [إن] شاء ربها. 5159 - قالوا: [قوله: (و] إذا كانت سائمة الرجل) أراد به: جنس الرجال؛ لأن الألف واللام للعهد أو للجنس وليس هاهنا عهد ينصرف إليه، فبقي أن يراد به الجنس، وقد يذكر الواحد ويراد به: الجنس، كقوله تعالى {إن الإنسان لفي خسر}. 5160 - قلنا: قوله: (ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل) دليل ليس يدخل عليه هذا الاعتراض. ثم هذا غلط؛ لأن المراد به: التعريف، وقد صار صاحب السائمة معروفا بإضافة السائمة إليه، فكيف يراد الجنس وسائمة جنس الرجال لا تنقص عن أربعين، فلا يكون لذكر الأربعين في الجنس معنى. 5161 - فإن قيل: قوله: (إلا أن يشاء ربها) لا معنى له إلا أن يشاء المشاركة بها، وإلا فكيف تجب الزكاة فيما دون النصاب لمشيئته. 5162 - قلنا: معناه: إلا أن يشاء التطوع، كما قال عليه الصلاة والسلام للأعرابي: لما قال: هل علي غيرها؟ قال: (لا؛ إلا أن تطوع)، تبين ذلك أنه إذا شاء المشاركة فشارك، وجبت الزكاة لا لمشيئته عندهم؛ بل تجب وإن لم يشأ. والخبر يقتضي: أن يكون فيها صدقة بمشيئته للصدقة لا لغيرها. 5163 - والدليل عليه: قوله عليه الصلاة والسلام: (أمرت أن آخذ الصدقة من أغنياكم وأردها على فقرائكم)، فجعل الناس فيه صنفين. 5164 - فمن قال: إن كل واحد من الشريكين في نصاب واحد تؤخذ منه الصدقة وترد فيه الصدقة، فقد أثبت نوعا ثالثا، وهذا مخال للخبر. ولأن ملك

كل واحد منهما ناقص عن النصاب، فلم يجب فيه الزكاة، كالمنفرد وكشريك الذمي، وكالمكاتب، وكما لو اختلف حولهما. ولأن كل من لو شارك كافرا أو مكاتبا لم تجب عليه الزكاة، فإذا شارك حرا مسلما لم تجب عليه الزكاة، كما لو اشتركا في بعض الشرائط، أو اشتركا بعد ما ثبت لكل واحد من المالين حكم الانفراد واختلف حولهما. 5165 - فإن قيل: المعنى في شريك الكافر: أن أحدهما لو انفرد بالمال [لم تجب الزكاة. وفي مسألتنا: كل واحد منهما لو انفرد بالمال] وجبت عليه الزكاة. 5166 - قلنا: لو انفرد به المسلم؛ وجبت الزكاة والإيجاب عليه خاصة، فلا معنى لاعتبار خلطة شريكه. 5167 - قالوا: الكافر لا زكاة لكفره، وهذا المعنى لا يرتفع بالشركة. 5168 - قالوا: لا يعتبر حال الشركة بحال الانفراد، بدلالة أن المشركين في الموضحة تتحمل العاقلة عنهما، ولو انفرد أحدهما لم تتحمل. 5169 - قلنا: كل واحد من المشرتكين في الموضحة تتحمل العاقلة عنهما فعليه إيضاح. فلو انفرد لحملته العاقلة؛ ولأن عندنا ليس المعتبر في التحمل أن يبلغ الأرش مقدارا معلوما، وإنما المعتبر أن توجد جناية يتقدر أرشها، بدلالة أن الصيد إذا كانت قيمته عشرة دراهم تحملت قيمته العاقلة؛ لأن الجناية في

نفسها بما يتقدر بدلها، وكل واحد من المشتركين في الموضحة جنايته بما يتقدر أرشها. ولأنه حق الله تعالى لا يجب عليه قبل الشركة فلا يجب بعدها، كالحج والكفارة. 5170 - قالوا: إذا اشتركا فالمال لا يكفي كل واحد منهما في نفقة الحج فلم يجب الحج، وفي مسألتنا: إذا اشتركا فقد بلغ المال نصابا، فلذلك زكى كل واحد بقدر حقه. 5171 - قلنا: المال يحتاج إليه للنفقة، فإذا لم تبلغ نفقتها، لم تجب عليها، والنصاب يحتاج إليه ليصير مال المزكي قدرا يحتمل الزكاة وبالشركة لم يصر مال كل واحد ذلك المبلغ. 5172 - فإن قيل: الحج لا يتبعض بالإيجاب فلا يمكن أن يجب على كل واحد منهما بعض الحج، والزكاة تتبعض فيمكن إيجاب بعضها على كل واحد، كما يجب إذا هلك ماله. 5173 - قلنا: وكذلك الزكاة لا تتبعض في الإيجاب ابتداء، وإنما يجب جميعا. ثم يسقط بعضها، وكذلك نقول في الحج: إذا تعلق بالمال وهلك بعضه حج بالباقي من حيث بلغ. ولأن كل واحد من المشتركين يجوز دفع الزكاة إليه مع ثبوت يده على ماله فلم تجب الزكاة عليه، كالمنفرد والمكاتب. ولأن النصاب شرط في وجوب الزكاة كالحول، فإذا لم يبن حول مكلف على حول غيره؛ لم يبن نصابه على نصاب غيره, 5174 - قالوا: لا يمتنع أن بقع الضم في النصاب دون الحول، كما انضم في

الموضحة ولم يتغير الحول. 5175 - قلنا: هناك لا يعتبر حال الانفراد في النصاب وإنما يعتبر جناية يتقدر أرشها. 5176 - قالوا: ضم حول أحدهما إلى حول الآخر لا يتعلق به تخفيف، وفي ضم أحد المالين إلى الآخر تخفيف. 5177 - قلنا: عندكم الخلط تخفيف فلأجل ذلك ضم بعض المال إلى بعض كذلك كان يجب لأجل خفة المؤنة أن يضم حول إلى حول. 5178 - قالوا: لا يمكن ضم كل واحد منهما إلى الآخر في الحول وإنما يضم أحدهما إلى حول الآخر ويمكن ضم نصيب كل واحد إلى نصيب الآخر. 5179 - قلنا: كان يمكن أن يبني الوارث على حول الميت فيضم بعض حول الميت إلى بعض حول الوارث؛ فيصير كل واحد من جزئي الحول مضموما إلى الآخر: كما أن كل واحد من جزئي النصاب مضموما إلى الجزء الآخر. 5180 - قالوا: نقول بموجب العلة؛ لأن عندنا قد ضم أحد الحولين إلى الآخر؛ لأن كل واحد لو انفرد بماله لم يخير في الحول، فإذا اشتركا خير في الحول. 5181 - قلنا: هذا هو الضم في النصاب الذي هو فرع العلة، والضم في الحول هو ضم جزء من الحول إلى الآخر وهذا لا يقولونه. ولأنه لم يستفد بالشركة غني لم يكن؛ فصار كالشركة في بعض الشرائط. ولأنه حق لله تعالى يعتبر في وجوب نصاب مقدر، فاعتبر كمال النصاب في حق كل واحد ممن وجب عليه، كالسرقة. 5182 - فإن قيل: المعنى في السرقة: أن فعله لا يبني على فعله، بدلالة: أنه لو سرق في دفعات نصابا لم يقطع فلذلك لم يبن فعله على فعل غيره، وفي الزكاة

يبنى ماله على ماله؛ لأن من ملك نصابا متفرقا في مواضع بني بعضه على بعض، كذلك جاز أن يبني نصابه على نصاب غيره. 5183 - قلنا: علة الفرع تبطل بالحج؛ لأن ماله يبني على ماله في إيجاب الحج، ولا يبني على مال غيره. 5184 - قالوا: الواجب بالسرقة لا يتبعض، فلا يمكن أن يوجب على كل واحد من السارقين بقدر ما أخذ. 5185 - قلنا: والزكاة لا يتبعض وجوبها ابتداء عندنا، فلا يمكن أن يوجب على كل واحد بعض شاة. 5186 - قالوا: نقلب العلة فنقول: فجاز أن يتعلق بنصاب مشترك، كالقطع. 5187 - قلنا: الشركة في الزكاة إنما تؤثر في حق الموجب عليه، فنظيره من السرقة، تأثير الشركة في الفعل الموجود من الموجب عليه، فأما الشركة في حق غير الموجب عليه؛ فهي كالشركة في الزكاة بين الراعيين والمصدقين. 5188 - والجواب: أن الخطاب بالإيجاب ينصرف إلى كل واحد من المكلفين في نفسه، فيتناوله بجميع الحكم المذكور، كقوله [تعالى] {وأقيموا الصلاة}. ولأن هذا بيان لقوله تعالى: {وآتوا الزكاة}. والمراد بتلك الآية: خطاب كل واحد بإيتاء الزكاة من مال نفسه، كذلك بيان النصاب في حقه، وهذا كقوله عليه الصلاة والسلام: (لا قطع إلا في ثمن المجن). لما كان بيانا لقوله

[تعالى]: {والسارق والسارقة فاقطعوا} لأنه أفاد وجوب النصاب بكماله في حق كل سارق. 5189 - احتجوا: بقوله عليه الصلاة والسلام: (لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع). ولا يخلوا إما أن يكون المراد به: المفترق في الملك، أو في المكان أو فيهما. ولا يجوز أن يراد به المكان لاتفاقهم أن السائمة للرجل الواحد في الأماكن المختلفة يجب جمعها للصدقة، ولا يجوز أن يراد به الملك والمكان؛ لأن ذلك يتنافى. 5190 - ألا ترى أنا إذا أضمرنا المكان اقتضى [أن] مال الواحد إذا تفرق في أماكن لم تجب فيه الزكاة، وإذا كان المراد الملك، اقتضى وجوب الزكاة فيه وإن تفرق، وإضمار ما يؤدي إلى تناقض الحكم لا يصح، فلم يبق إلا أن يكون المراد الملك فكأنه قال: لا يجمع بين مفترق في الملك، ولا يفرق بين مجتمع في الملك؛ لأنه ذكر للنهي ع التفريق الذي يقتضي الجمع الذي ابتدأ به، ثم قال: وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما، وهذا الاستئناف يدل على أن الجملة قد اشتملت على الخليطين وغيرهما، لولا ذلك لم يكن للاستئناف بذكر الخليطين معنى، ومتى تناولت الجملة الخليطين وغيرهما، والجمع والتفريق [في غير الخليطين لا يتناول إلا الملك]. 5191 - قالوا: عموم اللفظين يقتضي الملك والمكان، فخصصنا الأول، بدليل نفي الظاهر على عمومه. 5192 - قلنا: قد بينا أن إثبات العموم في الأول يؤدي إلى التناقض؛ فلم يصح أن

يفيد إلا الخصوص وما عطف عليه ي حكمه، ولأنا إذا حملناه على الملك حملناه على العموم ولم يشترط فيه شيئا، وإذا حملوه على المكان احتاجوا إلى إضمار الشرائط التي هي الفحل والمشرب والمسرح والمناخ، وحمل اللفظ على العموم من غير إضمار أولى. 5193 - قالوا: قوله: (لا يجمع بين متفرق) معناه: في الملكين؛ لأن المتفرق في الملك الواحد يجمع وقوله: (ولا يفرق بين مجتمع) معناه: في ملكين. 5193 - قلنا: لا يصح أن يقال: مجتمع في ملكين؛ لأن تباين الملكين افتراق فكيف يوصف بالاجتماع الذي هو ضده، ولأنا إذا حملنا اللفظ الأول على التفرق في الملك اكتفينا به لأنه يفيد الملكين، فإذا اضمروا ملكين زادوا في الإضمار زيادة لا تفتقر صحة الكلام إليها، وهي الياء والنون، ومن أثبت الفائدة وقل إضماره أولى بالظاهر. 5195 - فإن قيل: حقيقة الاجتماع تقتضي تقارب الأجسام، وحقيقة الافتراق تقتضي تباعدها. 5196 - قلنا: الحقيقة هي المفارقة وذلك غير مراد بالإجماع، فهم يحملون اللفظ على الاجتماع الذي هو التجاوز، ونحن نحمله على الاجتماع في الحكم وهو الملك، فكل واحد منا تارك للظاهر، وإذا ثبت أن المراد بالخبر: الاجتماع في الملك والافتراق فيه. 5197 - قلنا: قوله: (لا يجمع بين متفرق في الملك) أفاد إبطال قول مخالفنا، لأن الخليطين يزكيان زكاة رجل واحد؛ فيجمع ما لهما في الزكاة مع افتراقه في الملك، هذا إن صرفنا النهي إلى المصدق، وإن انصرف إلى أرباب الأموال كان معناه: الرجلان، لكل واحد منهما أربعون شاة يجمعانها حتى

يعمل صدقتهما. 5198 - وقوله: (ولا يفرق بين مجتمع) معناه: إذا كانت ثمانون شاة لرجل واحد، لا يفرقها المصدق حتى يأخذ منها شاتين، وإذا كان له إحدى وستون من الإبل لم يفرقها، فيأخذ منها بنت لبون وبنت مخاض، وإن انصرف ذلك إلى أرباب الأموال لم يجز لصاحب الأربعين أن يفرقها: فيقول: هذه لي ولآخر، حتى لا يجب فيها شيء. 5199 - قالوا: بيان حكم الملك الواحد قد سبق في هذا الخبر فلا يحمل اللفظ على التكرار. 5200 - قلنا: هذا ليس تكرارا؛ لأنه عليه الصلاة والسلام بين زكاة الواحد ثم عقبه بالنهي عما يفعله، ليسقط بعض الواجب أو يفعله المصدق ليزيد في الواجب، والأمر إذا كان فيه النهي عما يخالفه لم يكن ذلك تكرارا. 5201 - قالوا: قوله عليه الصلاة والسلام: (وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية) يدل على أن للخلطة تأثيرا في الزكاة ويدل على إثبات التراجع وذلك لا يصح على قولكم. 5202 - والجواب: أن استئناف ذكر الخليطين يدل على أن المراد بالجملة الأولى: الخليطان وغيرهما، وهذا لا يكون إلا على قولنا. 5203 - فأما قولهم: إنه يدل على أن للخلطة تأثيرا فليس كذلك، بل يدل على بيان الحكم في حال الخلطة، وذلك لا يقتضي أن لها حكما لا يؤخذ

بعدمها، فأما التراجع فليس يجب بين كل خليطين؛ لأن خلطة الأعيان عندهم لا يثبت التراجع فيها [إلا إذا كان الواجب من غير الجنس وخلطة الأوصاف يثبت فيها التراجع] إذا أخذ من نصيب أحدهما زكاة الآخر، وإذا أخذ المصدق من مال كل واحد منهما من نفسه لم يتراجعا، فإذا ثبت التراجع لا يثبت بكل حال، فنحن نقول به. إذا كانت الإبل خلطة أعيان، وهي إحدى وستون، لأحدهما: ستة وثلاثون جزءا وللآخر: خمسة وعشرون جزءا فأخذ المصدق بنت لبون، وبنت مخاض، رجع صاحب الكثير على صاحبه بحصته من بنت مخاض فيرجع الآخر عليه بحصته من بنت لبون فيثبت التراجع في حالة واحدة من كل واحد على صاحبه، وهذا حقيقة البقاء على المضارب، وعندهم يرجع هذا تارة ويرجع الآخر عليه في حالة الأخرى وليس ذلك حقيقة الكلام. 5204 - قالوا: المراد بالخليطين خلطة الأوصاف، الدليل عليه ما روى السائب بن يزيد قال: صحبت سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - زمانا فما سمعت منه حديثا؛ إلا أني سمعته ذات يوم يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع بين متفرق، والخليطان ما اجتمعا في الحوض والفحل والراعي)، وإذا كان المراد بالخلطة خلطة الأوصاف ثبت ما قلنا. 5205 - الجواب: أن هذا الخبر رواه ابن لهيعة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن

السائب، وهذه الزيادة من كلام يحيى بن سعيد أدرجها ابن لهيعة. والدليل على ذلك: أن ليثا روى هذا الخبر عن يحيى بن سعيد. وقال الليث: قال يحيى: والخليطان ما اجتمعا في الفحل والحوض والراعي وابن لهيعة عندهم ضعيف، والليث أثبت منه، فالرجوع إلى روايته أولى على أن حقيقة الخلط تقتضي ما لا يتميز، وذلك لا يكون في شركة الأوصاف وإنما يكون في شركة الأعيان، ألا ترى أن المنفردين بالمال إذا جعلاه في دار مشتركة لم يسم خليطين في المال بإجماع، وإن اختلطا في محرز المال. 5206 - فإن قيل: النهي عن الجمع والتفريق خشية الصدقة يدل على أن للخلطة تأثيرا في الصدقة والجمع والتفريق في الملك لا يؤثر. 5207 - والجواب: أن لها تأثيرا لو لم ينه عنه، فأما إذا نهي عنها فلا يكون لها تأثير كما أن الله تعالى نهي عن نكاح الأمهات لا يقتضي أن يكون له حكم الأنكحة لو أوجد، والذي يدل ويبين صحة ما قلنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر عقبة الاجتماع والافتراق، ولو لم يكن معه إلا أربع من الإبل فلا زكاة عليه وعموم ذلك يتناول حال الخلطة والانفراد. 5208 - قالوا: من جاز أخذ زكاة من ماله بغي إذنه، كانت الزكاة واجبة فيه كالمنفرد. 5209 - والجواب: أنا لا نسلم جواز أخذ زكاة أحد الشريكين [من مال الآخر بغير إذنه؛ لأن شركة الأملاك لا تبيح أحد الشريكين] التصرف في مال الآخر، فكيف يبيح غير الشريك. ومن أصحابنا من قال: إن الساعي يطالبهما بالقسمة، فإن امتنعا منها صار ذلك رضا بالأخذ، فيكون الأخذ حينئذ بإذن الشريك.

5210 - فإن قيل: يكون الأخذ بإذن شريكه، ولو كان شريكه صغيرا أخذ من ماله ولا يصح إذنه. 5211 - قلنا: لا يجوز أن يأخذ من مال الصغير زكاة غيره إلا أن يفعل ذلك الحاكم الذي يملك أن يقرض من ماله. 5212 - فإن قيل: لو كان ترك القسمة إذنا في أداء الزكاة لجاز أخذ الديون من ماله إذا لم يقسم النفقات. 5213 - قلنا: ذلك لا يتعلق بالمال وإنما يتعلق بالذمة، وإنما الزكاة تتعلق بعين المال؛ فإذا لم يتقاسما حتى يؤدى الحق من العين؛ صار ذلك إذنا، ثم لو سلمنا جواز الأخذ انكسر بمن له خمس من الإبل وعشر من الغنم، فإن جواز الأخذ يتعلق بالغنم، ولا يتعلق الوجوب بها، كذلك المستفاد يجوز أن يؤخذ منه كالزكاة، الأصل والوجوب لا يتعلق به. 5214 - فإن غيروا العبارة فقالوا: (من جاز أخذ الزكاة من ماله بغير إذنه؛ وجب أن تكون الزكاة ثابتة في حقه. 5215 - قلنا: أخذ زكاة غيره من ماله، لما لم يدل على وجوب المأخوذ في حقه فأولى أن لا يدل على وجوب غيره في ماله، ولو استهلك الذمي المال بعد الحول، فالزكاة تؤخذ منه، ولا يدل على وجوبها في حقه. والمعنى في المنفرد بالنصاب أنه لو شارك به كافرا أو مكاتبا وجبت عليه الزكاة. وفي مسألتنا: إن شارك بماله كافرا لم تجب الزكاة، كذلك إذا شارك مسلما. 5216 - قالوا: مال بين مالكين لو انفرد به كل واحد منهما وجبت فيه

الزكاة، فإذا كان مشتركا بينهما وجبت فيه الزكاة، كثمانين من الغنم. 5217 - وربما قالوا: كل مال مأخوذ جاز أن يزكيه الواحد جاز أن يزكيه الاثنان كالثمانين. 5218 - قلنا: المعنى في الأصل: أن الزكاة تجب فيه مع كفر الشريك وفي مسألتنا: لا تجب مع كفر الشريك، فلم تجب مع إسلامه؛ ولأن الثمانين لم يتجدد فيها وجوب لم يكن عند الانفراد [وكذلك الأربعون لا يتجدد فيها وجوب لم يكن عند الانفراد]. 5219 - قالوا: الزكاة يعتبر فيها الملك والمالك فإذا كان الملك يضم بعضه إلى بعض إذا كان المالك واحدا كذلك إذا كان الملك مجتمعا يضم بعضه إلى بعض، وإن تفرق الملاك. وتحريره أنه أحد نوعي الاجتماع، فكان له تأثير في إيجاب الزكاة، كاجتماع الملك. 5220 - والجواب: أن الزكاة يعتبر فيها الحول والملك والمالك، ثم لا يضم حول مالك إلى حول غيره ليكمل حولا واحدا، كذلك لا يضم حول ملكه إلى ملك غيره ليكمل نصابا واحدا. 5221 - قالوا: خفة المؤنة تؤثر في وزيادة الزكاة وزيادتها تؤثر في نقصانها، بدلالة ما سقته السماء، وما سقى بدالية، والخلطة فيها خفة مؤنة؛ لأنهما يكتفيان براع واحد ومراح واحد. 5222 - قلنا: فعند الشافعي لخفة المؤنة تأثير في نقصان الزكاة؛ لأنه يقول في مائة وعشرين من الغنم بين ثلاثة فيها شاة واحدة. 5223 - وقيل: الخلطة كان فيها ثلاثة؛ ولأن الملك الواحد قد يخف مؤنة بأن يجتمع، ويكثر بأن يتفرق، والزكاة على وجه واحد.

مسألة 313 لا زكاة في مال الصغير والمجنون

مسألة 313 لا زكاة في مال الصغير والمجنون 5224 - قال أصحابنا: لا زكاة في مال الصغير والمجنون. 5225 - وقال الشافعي: تجب الزكاة في مالهما. 5226 - لنا: قوله عليه الصلاة والسلام: (رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ). 5227 - ولا يقال: إن الوجوب على الولي؛ لأن الولي عندهم مخاطب بإخراج ما وجب على الصبي، بدلالة إذا لم يخرج حتى بلغ وجب ذلك عليه، وكيف تجب الزكاة على الصبي ولا مال له؟ قالوا: المراد رفع المؤاخذة والمحاسبة والمطالبة؛

بدلالة وجوب الزكاة على النائم، ووجوب الفطرة على الصبي. 5228 - قلنا: ظاهر الخبر يقتضي رفع كل الأحكام إلا ما دل الدليل عليه؛ ولأن الله تعالى قرن وجوب الزكاة بالصلاة في القرآن إذ أوجبها بخطاب ينصرف إلى المكلف، لقوله [تعالى]: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} الآية. 5229 - ولهذا قال عليه الصلاة والسلام لمعاذ حين وجهه إلى اليمن: (ادعم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله)، ثم قال: (فإن أجابوك؛ فادعهم إلى خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن أجابوك؛ فأعلمهم أن الله تعالى فرض عليهم حقا في أموالهم). وقال أبو بكر - رضي الله عنه - (لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة). ومعلوم أن الصبي ليس من أهل الصلاة ولا الطهارة، فلا تجب عليه الزكاة. 5230 - ولا يقال: إن الفطرة أوجبها عليه الصلاة والسلام للصائم طهرة من الرفث، ثم تجب على الصغير؛ لأن ظاهر التعليل يمنع من وجوبها لولا الإجماع، ولأنه ليس من أهل الصلاة فلم يكن من أهل الزكاة، كالكافر. 5231 - ولا يقال: إن الكافر لا تجب الفطرة عليه والصبي تجب عليه؛ لأن زكاة المال مفارقة للفطرة، بدلالة أن الفقير عندهم يلزمه الفطرة دون الزكاة، وعندنا يلزم من له قدر النصاب ولا يلزم الزكاة، فالزوجة تجب عليها الزكاة دون الفطرة في أحد قوليهم. 5232 - وفي القول الآخر: تجب على العبد ويتحملها المولى ولا تجب الزكاة عليه. ولأنها أحد الأركان الخمسة الذي بني الشرع عليها، كالصلاة

والصوم، والحج، والجهاد. ولأنها عبادة شرعية لا تلزم الإنسان [عن] غيره، فلا يثبت حكمها في حق الصبي، كالصلاة. 5233 - قالوا: الصلاة والصوم عبادات بدن، فلو وجب عليه أمر بفعلها وهذا لا يكون إلا بعد البلوغ والعقل، وليس كذلك ما يجب في المال فإنه لا يتضمن التكليف والخطاب، وإنما يخرج من المال، ومال الصبي والمجنون كمال المكلف. 5234 - قلنا: الصبي أدخل في العبادات البدنية منه في المالية، بدلالة أنه يؤمر بالصوم والصلاة إذا أطاقهما ويصح منه الحج عندهم، ولا يؤمر بشيء من العبادات المالية، فإذا لم تجب عليه العبادات البدنية الخالصة فأولى أن لا تجب المالية. 5235 - فإن قيل: الصلاة حق بدن، والزكاة حق مال. 5236 - قلنا بطلت علة الأصل بعدة الصغيرة، وعلة الفرع بالكفارات. 5237 - فإن قيل: الصلاة لا تجب على الصبي ما اختلف في وجوبه منها؛ فلم يجب ما هو متفق عليه، ولما وجب عليه ما اختلف فيه من الصدقة جاز أن يجب المتفق عليه. 5238 - قلنا: البالغ عندكم لا تجب عليه الصلاة المختلف في وجوبها وهي الوتر، ويجب عليه المجمع على وجوبه منها، وعلى أصلهم: لا يجب عليه كفارة رمضان، وهي مختلف فيها، ويجب عليه كفارة القتل المتفق عليها. 5239 - قالوا: الصلاة لا تجب من جنسها فلم تجب، والزكاة تجب عليه من جنسها، وهي الفطرة، فلذلك وجبت. 5240 - قلنا: كفارة القتل تجب على الصبي عندكم، فلا يجب جنسها وهي كفارة اليمين.

5241 - فإن قيل: الزكاة وإن كانت حقا لله تعالى فلها تعلق بحق الآدمي فصارت كالدين. 5242 - قلنا: يبطل بالإطعام في الكفارة؛ ولأن مال الصبي لا يثبت فيه التبرع؛ فلم تتعلق به الزكاة، كمال المكاتب. 5243 - فإن قيل: المعنى به: أنه ناقص الملك؛ ولأنه لا يرث، ولا يورث، ولا تلزمه نفقة أقاربه، ولا يعتقون عليه. 5244 - قلنا: الصبي ناقص الملك، بدلالة أنه لا يصح في ماله العتق والهبة ومتى بينوا صفات كمال الملك وأحلوا بواحدة منها، لم يدل أن البعض يكتفي فيه بوجه واحد؛ على أن المكاتب لا يورث لتعليق دين الكتابة [بماله، كما لا يورث الحر المدبر، ويورث عنه ما فضل من مال الكتابة] كما يورث ما فضل عن دين الحر، ولا يرث؛ لأن ذلك يؤدي إلى استحقاق مولاه الإرث وهو أجنبي من الموروث، لا لنقصان ملكه. ولا تجب عليه نفقة الأقارب؛ لأنها صلة الرحم، والرق يمنع وجوب صلة الرحم، ويلزمه التوفر على المولى ولا يعتق عليه أقاربه؛ لأن الحر إذا ملكهم ساووه، والمكاتب إذا ملكهم ساووه أيضا بدخولهم في كتابته. ولأنا قسنا

على مال المكاتب، وهذه معارضة في نفس المكاتب وليس هو أصلنا. ولأن الصغر معنى يمنع وجوب الحج فأثر في نفي وجوب الزكاة كالرق وعدم المال. 5245 - ولا يقال: المغلب على الحج عبادة البدن، ولهذا يصح إيجابه من غير مال، لأن الحج في حق المغصوب يتمحض حق المال ولا يجب في مال الصبي؛ ولأن للزكاة حكما يعتبر فيه الحول؛ فلا يثبت في حق الصبي، كتحمل العقل والحرية، والتأجيل في العنة. 5246 - فإن قيل: الجزية لحقن الدم، والصبي [محقون الدم وتحمل الدية للنصرة، والصبي] لا نصرة له. 5247 - قلنا: الزكاة للطهرة والصبي ليس من أهل الطهرة لأنه لا يحتاج إليها. 5248 - قالوا: التأجيل في العنة يعمل به للعجز عن الوطء، والصبي لا يعلم ذلك منه بتأجيله. 5249 - قلنا: جواز أن يبلغ فيقدر كجواز أن يقدر البالغ في الثاني ولا يمنع ذلك من تأجيله؛ ولأن عدم الوطء في البالغ إذا أثر في النكاح جاز أن يكون تأخره مؤثرا فيه، كما أن عدم التسليم يؤثر في البيع، وتأخره في العبد الآبق يؤثر فيه أيضا. 5250 - ولأن من لا تجب الزكاة فيه خيله لا تجب في إبله، كالمكاتب، أو من لا تجب في خيله لا تجب في دراهمه، كمن أسلم في دار الحرب ولم يعلم بوجوب الزكاة. 5251 - احتجوا: بقوله عليه الصلاة والسلام: (في الرقة ربع العشر) وفي خمس من الإبل شاة).

5252 - والجواب: أن هذه الأخبار بيان لقوله تعالى: {وآتوا الزكاة}، وقد بينا أن ذلك الأمر لم يتناول الصبي؛ ولأن المراد بها: الملك التام بإجماع، ونحن لا نسلم في مال الصبي. وعلى طريقة أبي الحسن أن هذه الأخبار مجملة؛ لأن الوجوب يقف على شرائط لا يبنى اللفظ عليها. 5253 - احتجوا: بحديث عمرو بن شعيب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ابتغوا بأموال اليتامى، لا تأكلها الصدقة). وهذا خبر لا أصل له، وقد قال مالك بمذهبهم ولم يحتج به، ولا أورده أبو داود، ومن شرط كتابه الصحيح وما يشبه الصحيح. وقد ذكره الدارقطنى، ولا شرط لكتابه، وإنما جمع ما روي؛ فتارة يطعن على الرواة، وتارة يترك الطعن الظاهر إذا قدح في مذهبه، وقد أورده من طرق ثلاثة ليس فيها طريق سليم، فمنها: عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام فخطب، فقال: (من ولي يتيما فليتجر له ولا يتركه حتى تأكله الصدقة) وروى هذا الحديث المثني بن الصباح عن عمرو بن شعيب والمثني متروك الحديث، تركه يحيى وعبد الرحمن وطعن عليه أحمد،

ثم لا دلالة فيه؛ لأنه عليه الصلاة والسلام أمر أن يتجر للأيتام في حال صغرهم؛ فإنه لا زكاة عليهم فتزيد أموالهم بالربح وبعدم الزكاة، وقال: لا يتركه إلا حين يبلغوا فتأكل الزكاة أموالهم بإزاء التجارة. 5254 - وجواب آخر: أن الخبر يقتضي أن الصدقة تأكل مال الصبي وكذلك نقول في صدقة الفطر، وليس في الخبر ما يقتضي عموم الصدقات. 5255 - وجواب ثالث: وهو أن المراد بالصدقة: النفقة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (كل معروف صدقة). وقال: (نفقة الرجل على نفسه وعياله صدقة). 5256 - فإن قيل: نفقة العيال تسمى صدقة؛ لأن الرجل إذا أنفق ينوي بنفقته أداء الواجب، استحق ثواب صدقته، وهذا لا يصح في إنفاق الوصي على اليتيم.

5257 - قلنا: إذا قصد الوصي بالإنفاق فعل الواجب، استحق أيضا الثواب ولا فرق بينهما. وذكر أيضا حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده [قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -]: (احفظوا اليتامى في أموالهم لا تأكلها الزكاة) ورواه مندل عن أبي إسحاق عن عمرو، ومندل ضعيف. قال البستي: كان مندل يرفع المراسيل، ويسند الموقوفات فاستحق الترك. ثم عمرو بن شعيب متى لم يذكر جده عبد الله بن عمرو لم يصح استدلاله، على أصل الشافعي؛ فإنه محتمل للإرسال؛ إذ لا يعلم عن أي جد يروي؛ الذي له صحبة، أو عن محمد بن عبد الله، الذي لا صحبة له، والإعراب ليس بمضبوط من يقرأ هذا الحديث فإن كان لا يأكلها- بجزم اللام-، فهو جواب الأمر؛ فيصح احتجاجهم به وإن كان لا يأكلها- بالرفع- فهما جملتان لا تعلق [بينهما] [و] للثانية بها حالان. فكأنه عليه الصلاة والسلام قال: احفظوهم في أموالهم ولا تخرجوا زكاتها، فإن الزكاة لا تتسلط على أموالهم. ثم هو محمول على زكاة الفطر وهي التي تأكل جميع المال، فأما الزكاة فتأكل بعضه، وذكر [في] خبر عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: في مال اليتيم زكاة) رواه محمد بن عبيد الله

العزرمي، عن عمرو، وهو أيضا مرسل، والعزرمي متروك. 5258 - قال الفلاس: تركه يحيى، وعبد الرحمن. قال ابن نمير: ذهبت كتبه، وكان رد الحفظ. قال البستي: تركه ابن المبارك. ولأنه يقتضي زكاة واحدة ولا يقتضي كل زكاة؛ فيجوز أن يكون ذلك الزكاة العشر على أصولهم، ويجوز أن تكون صدقة الفطر. 5259 - فإن قيل: صدقة الفطر تتعلق بالذمة. 5260 - قلنا: العشر يتعلق بالمال، والفطرة تتعلق بذمة من له ذمة، فأما الصبي فذمته لا تحتمل الصدقات، فتتلعق الفطرة بماله، وجملة الأمر: أن هذا حديث محفوظ عن عمر، ولا أضل له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكيف يظن أن الزكاة تجب في مال الصبي فلا يبينها النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الحاجة إليها إلا لعبد الله بن عمرو دون سائر الصحابة - رضي الله عنهم -.

5261 - ولو احتججنا بمثل هذا الخبر رأيت مخالفينا ينسبوننا إلى قلة العلم بالحديث، والمعرفة بالرجال والأخذ بالمراسيل. 5262 - قالوا: روي في وجوب الزكاة في مال الصبي عن عمر، وعلي وعائشة، وابن عمر - رضي الله عنهم -. 5263 - قلنا: روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال: (ليس في مال الصبي زكاة حتى يجب عليه الصلاة). 5264 - قالوا روى عنه ابن لهيعة. 5265 - قلنا: قال الشافعي: رجع إلى خبر ابن لهيعة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قوله: (والخليطان ما اشتركا في الفحل)، فكيف يقبل قوله على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يقبل على ابن عباس. وذكر ابن شجاع عن يحيى بن آدم عن حفص عن هشام عن الحسن عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا: (ليس في مال الصبي زكاة) وذكر محمد في الآثار عن أبي حنيفة عن ليث عن مجاهد عن ابن مسعود قال: (ليس في مال اليتيم زكاة). 5266 - قالوا: روي عن ابن مسعود أنه قال: (لا يخرج الزكاة حتى يبلغ)

فخالف في الأداء. 5267 - قلنا: قد نقلنا عنه نفي الوجوب، والذي رووه لا ينافي ذلك؛ لأنه قال: يحصي الوصي السنين، فإذا بلغ أخبره، فإن شاء أخرج، وهذا يمنع الوجوب أيضا. 5268 - قالوا: معناه قول إمامين. 5269 - قلنا: هذا لا يقع به ترجيح، وقد خالف الشافعي الأئمة الأربعة في مسألة ذوي الأرحام وأخذ بقول زيد. 5270 - قالوا: حر مسلم فجاز أن تجب الزكاة في ماله، كالبالغ. 5271 - والجواب: أن وجوب العبادة على المكلف لا يدل على وجوبها على غير مكلف؛ ولأن البالغ مخاطب بالصلاة؛ فجاز أن تجب في ماله الزكاة، والصبي غير مخاطب بالصلاة؛ فلم تجب في ماله الزكاة. ولا يلزم الحائض؛ لأنها مخاطبة بما في ذمتها من الفوائت. ولا يلزم النائم؛ لأنه غير مخاطب بالصلاة، ولا بالزكاة حتى يستيقظ، ولو حال الحول وهو نائم لم تلزمه الزكاة حتى يستيقظ. أو نقول: البالغ يجوز أن يجب عليه الحج لأجل ماله، أو في ماله إذا كان مغصوبا، والصبي بخلافه. 5272 - قالوا: زكاة واجبة فاستوى فيها مال الصغير والكبير كصدقة الفطر، أو كل زكاة وجبت في حق المكلف وجبت في حق غير المكلف، كصدقة الفطر. 5273 - والجواب: أن إطلاق الزكاة لا يتناول صدقة الفطر وإنما يقال صدقة الفطر، ولأنها أجريت مجرى حقوق الآدميين، ولهذا يلزم الإنسان عن غيره.

ولأن الفطرة تجب عن رقبة الحملان على طريق البدل؛ فجاز إيجابها في حق الصبي [والزكاة حق مال لا تجب عن رقبة الحر، فإذا افتقر إلى المسلم يجب البدل؛ فجاز إيجابها في حق الصبي]، كالحج. 5274 - قالوا: من جاز دفع الصدقة إليه مع الفقر جاز وجوبها عليه مع الغني؛ ولأن شرط الفقر في الدفع لا معنى له، وعندهم يجوز دفع الزكاة؛ لأن للغني العامل ومن لا كسب له. ولأن الدفع والوجوب مفترقان، بدلالة أن المكاتب يجوز دفع الزكاة إليه ولا تجب عليه، والهاشمي تجب عليه، ولا يجوز دفعها إليه، والقوى المكتسب لا يجوز الدفع إليه عندهم ولا تجب عليه. ولأن عدم التكليف يؤثر في وجوب العبادات المحضة والأخذ ليس بعبادة. 5275 - قالوا: حق ينصرف إلى أهل السهمين شرعا، كالعشر. 5276 - قلنا: من أصحابنا من قال: إن العشر لا يجب في مال الصبي وإنما ينعقد الحب مشتركا على حق صاحب الأرض والمساكين، فلا يوصف الصبي بوجوبه عليه، كما لا يقال: وجب عليه خمس الركاز، وقد حكي هذا القول عن محمد. 5277 - فإن قيل: البذر للصبي، فكيف ينعقد الحب على ملك من لا حق له في البذر؟. 5278 - قلنا: هذا غير ممتنع كما ينعقد لرب الأرض والمزارع، وإن كان البذر لرب الأرض، وكما أن ربح المضاربة يحدث مشتركا وإن كان الأصل لرب المال. ولأن المعنى في العشر: أنه يجب مقابلا لحق ثبت في حق الكافر وهو الخراج، فلذلك يثبت في حق الصبي، ولهذا لزمه صدقة الفطر؛ لما ثبت في مقابلو حق يلزم

الكفار وهي الجزية. ولما كانت الزكاة حق مال الله تعالى لا يجب في مقابلة حق الكفار لم يلزم الصبي، كالحج. ولأن المعنى في العشر: أنه يجوز أن يجب بسبب غلة الوقف؛ فجاز أن يجب بسبب [مال الصبي، والزكاة لا يجوز إيجابها بسبب] غلة الوقف؛ فلم يجز لإيجابها بسبب مال الصبي. 5279 - [فإن قيل: الفطر لا يجب بسبب غلة الوقف ويجب بسبب مال الصبي]. 5280 - قلنا: يجب بسبب غلة الوقف على الموقوف عليه. 5281 - قالوا: حق هو مال مشترك فيه الرجال والنساء يجب بغير فعله؛ فجاز أن يشترك فيه الصغير والكبير، كأروش الجنايات وقيم المتلفات. 5282 - قلنا: الوصف غير موجود في الأصل؛ لأن قيمة التلف وأرش الجناية لا تجب بغير فعل من وجب عليه ويبطل بالحج في حق المدين، والمعنى في الأصل: أنه حق لآدمي لا ينفيه الكفر فلم ينفه الصغر، ولما كانت الزكاة حقا لله تعالى خالصا ينفيها الكفر؛ جاز أن ينفيها الصغر. 5283 - قالوا: الحقوق على ضربين: حق لله تعالى، وحق لآدمي، وكل واحد منهما ينقسم قسمين: حق على البدن، وحق على المال، فحق الآدمي

المتعلق بالبدن لا يثبت في حق الصبي، كحد القذف والقصاص، وما كان متعلقا بالمال كالأرش والقيم يثبت في حقه، فكذلك حقوق الله تعالى المتعلقة بالبدن لا تثبت في حقه، كالصلاة والصوم، وما يتعلق بالمال يثبت في حقه. 5284 - قلنا: هذا التقسيم لا يصح؛ لأن حقوق البدن تثبت في حقه لحق الله تعالى ولحق الآدمي، ألا ترى أنه يمنع من الوطء المحرم، ومن شرب الخمر، والزنا، ولو آجره الولي لعمل من الأعمال ألزمه الحاكم العمل، وهذا حق بدن يثبت للآدمي، وتجب العدة على الصغيرة وهي عبادة بدنية. 5285 - وقولهم: إنها مضي الزمان وتسقط بغير علمها، غلط؛ لأنها عبادة يستحق الثواب بفعلها والعقاب بتركها، وهي معنى زائد على مضي الزمان؛ لأنها تجنب الظن والريبة عندهم، فأما الصلاة والصوم فلا يلزمانه؛ لأن كل واحد منهما عبادة خالصة، وأما الحدود والقصاص؛ فلما فيها من العقوبة. 5286 - قالوا: ومن وجب عليه العشر في زرعه وجب ربع العشر في ماله. قلنا: عندنا لا يجب العشر في زرعه، بأن يحدث شركة، كما يحدث المعدن والركاز. 5287 - قالوا: قسنا الصدقة على نظيرها، وهي الفطرة والعشر، وهو أولى من قياسها على الصلاة. 5288 - قلنا: نحن قسنا ركنا من أركان الشريعة على بقية أركانها؛ فكان ذلك أولى من اعتبار الأركان بالتوابع. * * *

مسألة 314 إذا استسلف الإمام الزكاة فهلكت في يده من غير تفريط وبغير حال رب المال لم يضمنها

مسألة 314 إذا استسلف الإمام الزكاة فهلكت في يده من غير تفريط وبغير حال رب المال لم يضمنها 5289 - قال أصحابنا: إذا استسلف الإمام الزكاة فهلكت في يده من غير تفريط وبغير حال رب المال، لم يضمنها. 5290 - وقال الشافعي: إذا استسلفها بغير مسألة المساكين ولا رب المال ضمنها. وإن استسلف بمسألة رب المال لم يضمن، وإن استسلف بمسألة المساكين فهي من ضمانهم، وإن استسلف بمسألة الفريقين ففيه وجهان: 5291 - أحدهما: من ضمان رب المال. 5292 - والآخر: من ضمان المساكين. 5293 - لنا: أنه قبض بالولاية ما له قبضه في الشريعة، فصار كقبض الأب والوصي، وكما لو سأله رب المال. 5294 - ولا يقال: إن الأب يتصرف في حق من لا قول له، والإمام يتصرف في أهل رشد؛ وذلك لأن الإمام يتصرف في قول في حق من لا ينفذ قوله في المبيع وإن نفذ قوله

في غيره، فصار كالصغير الذي لا ينفذ قوله أصلا، ولأنه إذا أخذ من رب المال من غير مسألة فقد أخذ باختياره؛ لأنه لم يجبره عليه، فصار كما لو قبض بمسألة؛ لأن الإمام لو ضمن بغير تفريط لم ينفذ قوله فيما يتصرف به كقبضه لنفسه. 5295 - احتجوا: بقوله عليه الصلاة والسلام في زكاة العباس: (هي علي ومثلها). 5296 - والجواب: أنه روي: أن العباس سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - في تعجيل صدقته. والقبض إذا كان بمسألة رب المال لم يضمن بإجماع. 5297 - ولأن قوله: (هي علي) معناه علي الاحتساب بها؛ لأن العباس لم يتعين فلا يجب الرد وإنما يجب الاحتساب. 5298 - قالوا: الإمام يتصرف على أهل رشد فإذا قبض لهم ما لم يأذنوا في قبضه ضمن، كمن وكل وكيلا بقبض دينه المعجل فلو قبض المؤجل ضمن. 5299 - والجواب: أن الإمام يتصرف لهم بالولاية وهو مأذون في القبض شرعا، فصار كإذن المستحق وآكد. ألا ترى. أن الصبي لم يأذن للوصي في القبض لكنه مأذون بالشرع، فلم يضمن؟. 5300 - قالوا: الصبي لا إذن له، فلم يعتبر إذنه. 5301 - قلنا: وأهل السهمين لا يتوصل إلى إذن جميعهم، ومن يتوصل إلى إذنه منهم لا ينفذ إذنه في حق الباقين، فصاروا كمن لا نطق له.

5302 - قالوا: الإذن في القبض شرعا لا يسقط الضمان، بدلالة أن رجلا لو قال للمودع: أنا وكيل رب الوديعة، فسلم إليه؛ كان مأذونا في ذلك ويضمن، وكذلك الواصف لعلامة اللقطة مأذون في التسليم إليه شرعا ويضمن. 5303 - قلنا: إذا لم يكن مستحقا ولا وليا فلم يؤذن له في القبض شرعا؛ فلذلك ضمن والإمام قد أذن له في الشرع فصار كالوصي. * * *

مسألة 315 إذا عجل شاة من أربعين فحال الحول وعنده تسع وثلاثون مما عجله فليس بزكاة

مسألة 315 إذا عجل شاة من أربعين فحال الحول وعنده تسع وثلاثون مما عجله فليس بزكاة 5304 - قال أصحابنا: إذا عجل شاة من أربعين فحال الحول وعنده تسع وثلاثون مما عجله، فليس بزكاة، فإن كان أعطاها الفقراء فهو تطوع. 5305 - وقال الشافعي: يضم إلى ما عنده ويجزي عن الواجب. 5306 - لنا: أن ملكه زال عنها قبل الحول فلا يكمل بها النصاب كما لو باعها أو وهبها، ولأنها خرجت من أن تكون سائمة، فكأنها في يده وقد أخرجها من السوم؛ ولأنه مال أخرجه إلى مسكين بنية الزكاة فلا يكمل به نصابه، كما لو عجلها بغير مسألة فتلفت في يده. 5307 - احتجوا: بأن المعجل في ملكه، بدلالة جوازه عن الزكاة إذا حال الحول وعنده نصاب؛ فكان كالباقي من تمام النصاب. 5308 - والجواب أن الحول إذا حال على نصاب سقط الفرض بما كان عجله، وجاز المدفوع حين الدفع، فأما أن يجزئ في الحال فلا، ولو جعلناه كالباقي في باب جوازه عن الواجب فلم يجعله، كالباقي في باب الموجب فيه وقد يجزئ ما لا يتعلق به وجوب؛ كالمعلوف والفائدة. 5309 - قالوا: مال تجب فيه الزكاة بحؤول الحول عليه؛ فجاز تعجيلها منه،

أصله: إذا كان أكثر من نصاب. 5310 - قلنا: إن كان التعليل لجواز التعجيل؛ قلنا بموجبه، وإن كان التعليل لجواز المعجل مع نقصان النصاب؛ انتقض إذا عجل بغير مسألة فهلك المعجل في يد الإمام. ولأن المعنى فيما زاد على النصاب: أن الباقي بعد التعجيل نصاب كامل. وفي مسألتنا: بخلافه. 5311 - فإن قيل: يبطل إذا كان المعجل من يد الساعي حين حال عليه الحول. 5312 - قلنا: لا يكمل به النصاب؛ لأن ملكه زال عنه، هذا هو الصحيح، وهو رواية عن أبي يوسف، وقد ذكر هشام عن محمد: أنه يكمل به النصاب، والقول على الأول. 5313 - قالوا: إنما جاز التعجيل رفقا بالفقراء، فإذا منع ذلك الوجوب أضر بهم. 5314 - قلنا: المعتبر في الزكاة الرفق بالمساكين وبأرباب الأموال ولو اعتددنا على رب المال بما أخذوه لأضررنا به، فوجب اعتبار الرفق في الجهتين. * * *

مسألة 316 إذا عجل صدقته فدفعها إلى الفقير ثم هلك ماله لم يرجع عليه

مسألة 316 إذا عجل صدقته فدفعها إلى الفقير ثم هلك ماله لم يرجع عليه 5315 - قال أصحابنا: إذا عجل صدقته فدفعها إلى الفقير ثم هلك ماله، لم يرجع عليه. 5316 - وقال الشافعي: إذا بين له أنها صدقة [معجلة يرجع عليه بها، وإن أطلق الدفع لم يرجع. 5317 - لنا: أنها صدقة] وصلت إلى الفقير بإذن مالكها، فلم يرجع فيها كما لو أطلق الدفع، أو لأنها صدقة وصلت إلى الفقير بنية الزكاة. ولا يلزم الملتقط إذا تصد باللقطة ثم حضر مالكها؛ لأنا نقول: وصلت إليه بإذن مالكها، وفي العلة الثانية: قلنا بنية الزكاة. 5318 - فإن قيل: المعنى في الأصل أنه متهم في الاسترجاع لجواز أن يكون أخرجها عما وجب عليه. 5319 - قلنا: هو المالك، فالقول قوله كيف ملك، كمن دفع إلى رجل شيئا

فزعم أنه قرض، وقال المدفوع إليه: هو هبة، فالقول قول الدافع. 5320 - احتجوا: بأنه مقبوض عن زكاة مستقبلة، فإذا طرأ ما يمنع أن يكون زكاة [وجب رده، أصله: إذا تلف ماله والزكاة في يد الساعي. 5321 - والجواب: أنه يبطل إذا أطلق الدفع، ولأنه إذا طرأ ما يمنع أن تكون زكاة] بقي معنى الصدقة، وذلك يمنع الرجوع كالصدقة المبتدأة، والمعنى في الأصل: أنه لم يتم المقصود بالصدقة وإذا قبضها الفقير فقد تم المقصود بها. 5322 - فإن قيل: قبض الساعي قائم مقام قبضهم، ولهذا لو تلف المقبوض في يده لم يجب على رب المال إعادة الصدقة. 5323 - قلنا: إنما تقوم يده مقام أيديهم فيما يستحقونه، فأما هاهنا فلا حق لهم، فإذا قبض؛ فقد أذن له رب المال في إمضاء القربة، فإن فعل تم ما أمره به، فكأن رب المال أعطاها للمساكين ومادامت في يده فلم يكمل المقصود حتى انقطع حق له وكان له استرجاعها، وإذا تلفت في يده كانت من ضمان الفقراء؛ لأن حق الرجوع سقط عن عينها فهلكت عن حقهم. 5324 - قالوا: قبضها عما يجب في المستقبل؛ فهو كالمؤجر إذا تعجل الأجرة ثم انهدمت الدار. 5325 - والجواب: أن المؤجر قبض على وجه العوض، فإذا بطل العوض صار المال مقبوضا بغير حق، وفي مسألتنا: إذا خرج المدفوع من أن يكون واجبا نفى كونه صدقة، وذلك معنى يمنع الرجوع، كالصدقة المبتدأة.

5326 - قالوا: عندكم حكم المعجل مراعي؛ فإن تم الحول استحق ثواب الواجب، وإن لم يتم استحق النفل، كذلك نحن نقول: إن لم يرجع استحق ثواب النفل، وإن استرجع لم يستحق الثواب. 5327 - قلنا: عندنا بالدفع قد استحق ثواب النفقة والزيادة مراعي، فإن تم الحول استحقت، وإلا سقطت، وثواب النفل يمنع الرجوع، وعندكم الثواب مستحق بالدفع، ثم يثبتون الرجوع، وحصول ثواب الصدقة يمنع الرجوع، وليس إذا سقط الوجوب سقط الثواب لأنه يبقي ثواب الصدقة المطلقة. * * *

مسألة 317 إذا دفع الزكاة معجلة ثم أيسر الفقير من غيرها أو ارتد أو مات جازت عن الواجب

مسألة 317 إذا دفع الزكاة معجلة ثم أيسر الفقير من غيرها أو ارتد أو مات جازت عن الواجب 5328 - قال أصحابنا: إذا دفع الزكاة معجلة ثم أيسر الفقير من غيرها، أو ارتد، أو مات، جازت عن الواجب. 5329 - وقال الشافعي: لا يجزئ عن الواجب. 5330 - لنا: أن الدفع صادف الفقر، فما يحدث من الغني لا معتبر به، كما لو استغنى من المدفوع. 5331 - فإن قيل: إذا استغنى من المدفوع لو فسخنا الدفع في الأصل فسخ في النماء فعاد فقيرا. 5332 - قلنا: النماء حادث على ملك الفقير، والفسخ في الأصل لا يوجب الفسخ في النماء عندهم، كالرد بالعيب، وعلى أصلنا: هو مملوك بغير عوض، فبفسخ العقد فيه، لا يوجب الفسخ في النماء عندهم، كالرجوع في الهبة؛ ولأن ما جاز تقديمه على رجوعه؛ فالمراعي فيه صفات التعجيل عند التعجيل دون حال الوجوب، أصله: من أعتق عبدا في كفارة القتل قبل الموت ثم عمي العبد أو حدث فيه ما يمنع جوازه عنها. 5333 - احتجوا: بان فقر المدفوع إليه وإسلامه وحياته شرط في جواز دفع الزكاة إليه، فإذا زال قبل تمام الحول من غير جهة الزكاة؛ منع من جوازه عن الزكاة، أصله: تلف النصاب وموت رب المال. 5334 - الجواب: أن الوجوب يحصل بالحول، فلابد من اعتبار صفات المالك،

والنصاب عند الوجوب، والزكاة يجزئ عند الحول بالدفع السابق، فيعتبر صفات المدفوع إليه حال الدفع، يبين ذلك: أنها لو نقصت في يد الفقير أو عجلت قبل الحول أجزأت، فلولا أن المعتبر فيها بحال الأداء لم يجز، وكذلك الغني منها لا يمنع، وإن كان الدفع إلى الغني في الحال لا يجوز. 5335 - فإن قيل: إنما يدفع إليه الزكاة ليستغني بها، فالغنى بها لا يمنع الدفع. 5336 - قلنا: إنما لا يمنع؛ لأن الدفع صادف الفقر، فلولا أن المعتبر تلك الحال لم يجز. * * *

مسألة 318 الزكاة تسقط بالموت، فإن وصى بإخراجها أخرجت من الثلث

مسألة 318 الزكاة تسقط بالموت، فإن وصى بإخراجها أخرجت من الثلث 5337 - قال أصحابنا: الزكاة تسقط بالموت، فإن وصي بإخراجها أخرجت من الثلث. 5338 - وقال الشافعي: لا تسقط، ويخرجها الوارث من غير وصية من جميع المال. 5339 - لنا: قوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} وهذا ينفي أن يكون الزكاة لو أخره، ولأنها أحد الأركان الخمس، كالصوم والصلاة، أو عبادة [مقصودة كالصلاة. ولا يلزم العشر؛ لأنه يسقط في رواية ابن المبارك، وفي الرواية الأخرى: ليس بعبادة]؛ لأنه يجب ولا متعبد. ولا يلزم الجنب إذا استشهد أن التيمم لا يسقط؛ لأن التيمم ليس بعبادة مقصودة. 5340 - فإن قيل: المعني في الصلاة أن النيابة لا تصح فيها. 5341 - قلنا: فالزكاة لا تصح النيابة فيها بغير أمر المزكي. 5342 - قلنا: ينتقض بالزكاة إذا أوصي بها. 5343 - قلنا: سقط ما كان واجبا بموته ووجب بالوصية مثله؛ ولأن أداء الزكاة لا يصح إلا بنية المزكي أو إذنه، أصله: حال الحياة.

5344 - فإن قيل: يعتبر إذنه إذا أمكن، ويسقط إذا تعذر، كما لو امتنع في حال حياته وأخذها الإمام. 5345 - قلنا: لا يجوز أن يأخذها، ولكنه يحبسه حتى يؤدى، كالديون. وقوله عليه الصلاة والسلام: (فإن أبا فخذوها وشطر ماله) إنما كان أخذا على وجه العقوبة لا على وجه الزكاة، ولا يستحق به الثواب. ولأنه اجتمع في التركة حقان: حق الله تعالى، وحق الآدمي [ومتى اجتمعا في عين واحدة قدم حق الآدمي]، كالقطع في السرقة والقصاص. ولأنها بعد الموت لا تخلى إما أن تجب وجوب العبادات، أو وجوب الديون؛ ولا يجوز أن تجب وجوب الديون؛ لأنه يؤدي إلى أن تجب على غير الوجه الذي وجب في كل حال الحياة، ولكان يجب أن يجوز للأجنبي التبرع بأدائها وتصح الكفالة بها، ولا يجوز أن تجب عبادة؛ لأن العبادة لا تكون ولا متعبد؛ فبطل الوجهان. 5346 - احتجوا: بقوله عليه الصلاة والسلام: (فدين الله حق). 5347 - قلنا: إن كان الاستدلال بالتسمية؛ فاسم الدين لا يتناول الزكاة على الإطلاق، وإن كان على جواز الأداء؛ فالخثعمية سألته في حياة أبيها، وعندنا الوجوب مع الحياة باق وإنما سألت عن الجواز؛ فكأنه قال: فدين الله أحق بالجواز. 5348 - قالوا: حق واجب عليه يصح الوصية به فوجب أن لا يسقط بموته، كالدين. 5349 - والجواب: أن الدين يجوز التبرع بأدائه عنه في حال حياته بغير أمره؛

فجاز أن يؤدي بعد موته بغير وصية؛ ولأن الدين يجوز إيجابه في المال ولا مدين، مثل أن يقترض الإمام على بيت المال، ولا يجوز إيجاب الزكاة ولا متعبد. 5350 - قالوا: حق مال استقر وجوبه في حال حياته فوجب أن لا يسقط بموته، كالدين. 5351 - والجواب: أنا لا نسلم استقراره إذا سقط بغير أداء، ولأنها لا تسقط بالموت، وإنما تسقط بعدم المتعبد، ولهذا تسقط بردته. ولأن الدين يؤدي بعد الموت على الوجه الذي وجب، والزكاة لا تؤدي بعد الموت على الوجه الذي وجب. ***

مسألة 319 ومن ارتد بعد وجوب الزكاة سقطت

مسألة 319 ومن ارتد بعد وجوب الزكاة سقطت 5325 - قال أصحابنا: ومن ارتد بعد وجوب الزكاة سقطت، ولا تجب في مال المرتد. 5353 - وقال الشافعي: لا تسقط الزكاة بالردة، وهل تجب مع الردة؟. 5354 - قالوا: فيه ثلاثة أقوال، أحدها: أنها تجب، والثاني: مراعي، فإن أسلم وجبت، والثالث: لا تجب. 5355 - لنا: أن من خوطب بالإسلام لم يؤخذ من ماله الزكاة، كالكافر الأصلي. ولأن الردة عندنا تزيل الأملاك إلى الورثة، كالموت. ولأنه كافر فلا تجب عليه الزكاة، كالكافر الأصلي. 5356 - ولا يقال: [إن الأصلي لم يلتزمها؛ لأن الواجبان تجب بإيجاب الله تعالى] دون التزامنا، فإذا أسلم لم يؤخذ منه، لقوله عليه الصلاة والسلام: (الإسلام يجب ما قبله). ولأن الزكاة وجبت على وجه الطهرة، فإذا تعذر/ استيفاؤها على الوجه الذي وجبت عليه سقطت. 5357 - فإن قيل: الحد وجب عقوبة ويستوفى بعد التوبة على غير الوجه الذي وجب.

5358 - قلنا: سقط عندنا بالتوبة، ووجب مثله. 5359 - قالوا: القصاص يجب عقوبة ثم يجئ القاتل فيستوفي منه. 5360 - قلنا: سقط على إحدى الروايتين. 5361 - قالوا: أداء حق لم يسقط الزكاة الواجبة، وقد تعذر استيفاؤها على وجه الطهرة. 5326 - قلنا: لم يتعذر، لجواز أن يعتق فيستوفي على الوجه الذي وجبت، ولهذا لا يؤخذ في حال الحياة. 5363 - فإن قيل: فقولوا في الردة مثله. 5364 - قلنا: لا يمكن؛ لأنه يخاطب بعد الإسلام بعبادة تقدمت عليه، وبهذه الطريقة قال أصحابنا إن الجزية تسقط بالإسلام؛ لأنها وجبت على وجه الصغار فتعذر استيفاؤها على ذلك الوجه. 5365 - احتجوا: بأن الزكاة حق واجب في المال فلا يسقط بالردة، أصله: دين الآدمي. 5366 - والجواب: أن الدين يستوفي بعد الردة على الوجه الذي وجب [فأما الزكاة فقد تعذر استيفاؤها على الوجه الذي وجب]. ولأن الدين يجب مع الكفر الأصلي، فالكفر الطارئ لا يسقط، والزكاة لا تجب مع الكفر الأصلي، والطارئ يسقط. 5367 - قالوا: حق يدخله النيابة استقر عليه في حال إسلامه، فلا يسقط بردته، كالدين. 5368 - قلنا: يبطل بمهر امرأته. 5369 - فإن قالوا: لا يسقط بالردة، لكن بزوال أملاكه، فالمعني في الدين ما ذكرناه. ***

مسألة 320 لا يبني الوارث على حول الميت

مسألة 320 لا يبني الوارث على حول الميت 5370 - قال أصحابنا: لا يبني الوارث على حول الميت، وبه قال الشافعي في الجديد، وقال في القديم: يبني. 5371 - لنا: حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول)، والمراد به: في حق ملك واحد بالإجماع. ولأن الإرث سبب لنقل الملك فيقطع الحول، كالبيع، والوصية، والهبة. ولأن ملكه مستحدث، فلا يبني على جول الجاني والدين الذي به رهن. 5372 - والجواب: أن هناك وجبت الحقوق، والموت لا ينافيها، وفي مسألتنا لم يجب الحق وإنما الحول سبب للوجوب الثاني، فإذا مات قبل الوجوب سقط، كمن قال: إذا حال الحول فلعي أن أتصدق بألف، فمضى الحول ثم مات. ***

مسألة 321 يجوز إخراج القيمة في الزكاة عن المنصوص عليه

مسألة 321 يجوز إخراج القيمة في الزكاة عن المنصوص عليه 5373 - قال أصحابنا: يجوز إخراج القيمة في الزكاة عن المنصوص عليه. 5374 - وقال الشافعي: لا يجوز. 5375 - لنا: ما روي: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى في إبل الصدقة ناقة كوماء فأنكرها، وقال: لا تأخذوا من حزرات المال، وسأل المصدق عنها، فقال: أخذتها ببعيرين من إبل الصدقة (ونحن نعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يأذن للمصدقين أن يبيعوا الصدقات، فعلم أنه أخذها من أرباب الأموال بالقيمة. 5376 - فإن قيل: يجوز أن يكون قبض البعيرين، ثم باعهما بناقة. 5377 - قلنا: لم يصح؛ لأن المصدقين ليس لهم التصرف بالبيع؛ ولأن الحكم لو اختلف لسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هل أخذها قبل القبض أو بعده؟ 5378 - ويدل عليه: حديث أبي قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مصدقا، فمررت

برجل، فلما جمع ماله، لم أجد فيه إلا بنت مخاض، فقلت له: أد بنت مخاض فإنها صدقتك، فقال: ذلك ما لا لبن فيه ولا ظهر، ولكن هذه ناقة فتية عظيمة سمينة [فخذها] فقلت له: ما أنا بآخذها، لم أومر به، وهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منك قريب، فإن أحببت أن تأتيه فتعرض عليه ما عرضت علي فافعل، فإن قبله منك قبلته، وإن رده عليه رددته، قال: فإني فاعل ذلك، فخرج معي، وخرج بالناقة التي عرضها علي حتى قدمنا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقص عليه القصص. فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ذلك الذي عليك، فإن تطوعت بخير، آجرك الله عنه، وقبلناه منك) فها هي يا رسول الله قد جئتك بها، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقبضها ودعا له بالبركة. فلا يخلو أن ينصرف التطوع إلى جميعها أو إلى بعضها أو إلى الدفع، ولا يجوز أن ينصرف إلى الجميع؛ لأن هذا يقتضي بقاء الفرض في ذمته، ولم يقصد الرجل ذلك ولا قصده النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يجوز أن ينصرف إلى الدفع؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (قبلناه منك)، وهذا يقتضي أن يكون التطوع منفردا بالقبول، وذلك لا يكون إلا في المدفوع، فلم يبق إلا أن يكون بعضها تطوعا وبعضها واجبا، وبعض ناقة في الإبل لا يجزى إلا على طريق القيمة. 5379 - فإن قيل: هذا لا يدل على جواز القيمة في الأضحية. 5380 - قلنا: هناك الواجب لا يتبعض فيقع جميع السنة عن الواجب،

وهاهنا الواجب يتبعض، ولهذا جعله عليه الصلاة والسلام متطوعا بالزيادة. 3581 - ويدل عليه ما روي: أن معاذا - رضي الله عنه - قال لأهل اليمن: (ائتوني بكل خميس، أو لبيس، آخذه منكم في الصدقة مكان الذرة والشعير، فإنه أيسر عليكم، وأنفع لمن بالمدينة من المهاجرين والأنصار). فأخبر أنه يأخذ الثياب بالقيمة وينقلها إلى المدينة. وقد عمل للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر - رضي الله عنه -، ففي أي الزمانين نقل فهو حجة. 5382 - قالوا: هذا كان في الجزية؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يأخذ الإبل من الإبل، والحب من الحب، فكيف يخالف أمره، وقال له: (أعلمهم أن الله فرض عليهم حقا يؤخذ من أموالهم، يؤخذ من أغنيائهم فيرد إلى فقرائهم)؟ وكيف ينقلها عنهم، ومن مذهب معاذ أن النقل لا يجوز؛ لأنه قال: (من انتقل بصدقته من مخلاف عشيرته إلى غير مخلاف عشيرته؛ فهي مردودة في مخلاف عشيرته؟). وكيف تكون الصدقة حقا لكل المهاجرين وفيهم القرابة والغني، والجزية حق لجميعهم؟ 5383 - والجواب: أن قوله في الجزية لا يصح؛ لأنه قال: (آخذها في الصدقة)، وكيف يكون جزية والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: (خذ من كل حالم وحالمة دينارا) فكيف يأخذ الذرة والشعير؟. فأما قوله عليه الصلاة والسلام: (خذ الحب من

الحب، والإبل من الإبل) فبيان لما يطالب المصدق به، والقيمة لا يطالب بها بغير اختيارهم، وأما أمره بتفريق الصدقة فيهم: فإن النقل يجوز أن يكون فيما زاد على فقرائهم، ومتى لم يوجد أهل السهمان في بلد نقلت الصدقة، وأما قول معاد: فدليل عليهم؛ لأنه يقتضي أن الصدقة مردودة في عشيرته وإن كانوا في بلد آخر، فأما قوله: (كيف تكون الصدقة حقا لكل المهاجرين)، فالمراد به: من يستحقها منهم، كما نقول: الزكاة حق المسلمين وإن كان المراد الفقراء منهم. 5384 - فإن قيل: إن معاذا قال ائتوني، فمن أين لكم؟ أنهم أعطوه حتى يثبت النقل. 5385 - قلنا: روى طاووس (أن معاذا كان يأخذ العروض بالثمن في الزكاة ويجعلها في صنف واحد). 5386 - قالوا: لا يمتنع أن تسمى الجزية صدقة، قال عمر - رضي الله عنه -: (هذه جزية، فسموها ما شئتم) ولأن كل ما جاز أن يتطوع بالصدقة به جاز الواجب، كالمنصوص عليه، وهذا تعليل للثياب. ولأن كل صدقة جاز إخراج غير الطعام فيها جاز إخراج الطعام، أصله: صدقة الفطر. ولأنه مال يعتبر في الحول، كالجزية. 5387 - فإن قيل: الجزية يجوز أخذ المنافع بدلها، فجاز إخراج القيمة، والزكاة لا تؤخذ عنها المنافع، فلم يجز أخذ القيمة.

5388 - قلنا: الجزية يجوز أن تجب [ابتداء لأجل المنافع؛ لأن الفقير المعتمل يوضع عليه الجزية ولا مال له، ويجوز أن تجب] منافع؛ بأن يجعل جزيتهم عملا يعملونه للمسلمين؛ فلذلك جاز أخذ المنافع في عوضها. ولما كانت الزكاة لا تجب إلا في مال، ولم يوجب فيها إلا المال؛ لم يجز أن يأخذ عوضها ما ليس بمال. 5389 - ولأن ما جاز إخراجه في الزكاة [عن جنس من المال جاز إخراجه] عن جنس آخر، كالدراهم يجوز عن جنسها وعن العروض؛ ولأن الإمام لو أخذ الزكاة فتصرف فيها إلى جنس آخر لمصلحة المساكين ثم فرقه جاز [فإذا أخذ مالا آخر جاز]، كالوصي. ولا يلزم ثمن الصرف؛ لأن يأخذ غيره وهو أن يأخذ رأس الماس ويتصرف في رأس ماله فيأخذ عوضه ما شاء. ولا يلزم لحم الهدي؛ لأنه لا حق للإمام في أخذه. 5390 - فإن قيل: يجوز أن يأخذ الزكاة فيجعلها عوضا عن منافع المسلمين، مثل أن يستأجر بها من يعمل لهم، أو يستأجر دارا بمالهم، ولو أخذ من المزكي المنافع عوضا لم يجز. 5391 - قلنا: قد احترزنا عن هذا بقولنا: (فجاز أن يأخذ مالا آخر) والفرق بينهما من طريق المعني: أن المنافع إذا أخذها والدافع متبرع لم ينقطع حقه عنها كما لا ينقطع في العارية، ولا يحصل له ما يحصل بأخذ المنافع من غير المزكي؛ ولأن ما جاز إخراجه من الفريضتين جاز إخراجه عن نصاب من السائمة، كالشاة. ولأن ما جاز إخراجه في زكاة جنسه جاز في زكاة غير جنسه، كالشاة، والتعليل للإبل والبقر. 5392 - احتجوا: بما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: (خذ الحب من الحب، والإبل من الإبل). 5393 - قلنا: هذا بيان لما يطالب به الساعي/ ويبتدئ أخذه، ولا يجوز أن يطالب بالقيمة حتى يبدلها المالك، وقد فهم معاذ من الخبر ما ذكرناه حتى أخذ من أهل

اليمن الثياب مكان الحبوب في الصدقة. 5394 - قالوا: روى ابن عمر قال: (فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، أو صاعا من طعام، أو صاعا من زبيب) فخصه بالأقوات، فدل على أنه غيرها لا يجوز. 5395 - والجواب: أنه قال: (اغنوهم عن المسألة)، وهذا يفيد عموم ما يقع بالاستغناء، فيجمع بين الخبرين ويكون فائدة التخصيص: أن القوم لم يكونوا أصحاب أموال، وإنما كان مالهم التمر، وقوتهم الحنطة والشعير، فذكر الأسهل عليه، وقد فهم السلف هذا المعني. فروى ابن عون عن ابن سيرين عن ابن عباس قال: (صاع صاع، من جاء ببر قبل منه، ومن جاء بسويق قبل منه، ومن جاء بدقيق قبل منه).

وقال أبو إسحاق: (أدركتهم يعطون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام).قال عمر بن عبد العزيز: (من كان من أهل الديون فعليه نصف درهم صدقة الفطر). وروى ليث عن عطاء: أن عمر - رضي الله عنه - أخذ العروض في الصدقة من الثياب وغيرها. 5396 - احتجوا: بما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (في أربع وعشرين من الإبل فما دونها الغنم، وفي خمس وعشرين إلى خمس وثلاثين بنت مخاض، فإن لم يكن فيها بنت مخاض؛ فابن لبون ذكر). 5397 - وهذا يدل على وجوب هذا السن، فمتى عدل عنه بقي الواجب في ذمته، ويدل على أنه لا ينتقل إلى بدل مع وجود المنصوص، وأن الانتقال إلى بدل معين، وأن ابن لبون يجوز من غير اعتبار قيمة، وأن الواجب ابن لبون كامل، فمن جوز نصفه خالف الخبر. 5398 - والجواب: أن الخبر يقتضي وجوب ما نص عليه، وهذا موضع قد اتفقنا عليه واختلفنا هل يقوم غيره مقامه أم لا؟ وليس في وجوب الشيء ما يمنع جواز أخذ بدله، فلم يبق إلا استصحاب الإجماع. ولأن الخبر يقتضي جواز بنت مخاض على أي صفة كانت وكل من جوزها معينة لو يجوزها إلا بالقيمة. 5399 - فأما قوله: (فإن لم يكن فيها بنت مخاض): فقد بينا أن ذلك على

طريق التخيير وليس على طريق الشرط. 5400 - وأما قوله: (نقله إلى بدل معين): فلأن الحيوان كان أسهل على القوم؛ لأنه غالب حالهم: (فنقله إلى بدل يقرب منه غالبا، وجعل زيادة سنه بفضل الأنوثية فيها. 5401 - وأما قولهم: (إنه نقله إلى ابن لبون): مطلق، ولم يعتبر القيمة، ولأنه أطلق بنت مخاض وأراد الوسط، وذلك لا ينتقص عن قيمتها غالبا. 5402 - فأما قولهم: (إن الخبر يدل على أن نصف ابن لبون لا يجزئ)، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - جوز ابن لبون عن بنت مخاض وسط، وعندنا يجوز ابن لبون جيد عن نصف بنت مخاض جيدة. 5403 - قالوا: روي أنه قال: (ومن بلغت صدقته الجذعة وليست عنده، وعنده حقه، قبلناها منه، وما استيسر من شاتين أو عشرين درهما). 5404 - قالوا: فنقله إلى بدل معين وقدر ما بينهما تقديرا شرعيا، ولو كان قيمة لاختلف بالزمان والبلدان. 5404 - والجواب: أن هذا دليل لنا؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يجحف بأرباب الأموال ولا يضر بالمساكين. ومعلوم أن المصدق إذا أخذ بنت لبون مكان بنت مخاض ورد شاتين أو عشرين درهما من مال الفقراء، وقيمة بنت لبون عشرون درهما؛ فقد أضر بالفقراء، وإذا أخذ من رب المال بنت مخاض وعشرين درهما؛

وكانت بنت لبون قيمتها عشرون درهما؛ فقد اجحف به فعل لضرورة الشريعة أنه أمر بذلك إذا كانت القيمة بقدر الفضل، وإلا فكيف يظن به - صلى الله عليه وسلم - أنه يأمر بإتلاف حق الفقراء تارة وبالإجحاف بأرباب الأموال أخرى؟. 5406 - قالوا: عدل من منصوص عليه في الزكاة إلى قيمته فأشبه إذا أخرج المنافع. 5407 - قلنا: يبطل إذا أخرج بعيرا عن خمس من الإبل، وإذا أخرج بازلا عن بنت مخاض. 5408 - فإن قيل: لم تعدل عن النص؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (خذ الإبل من الإبل)؟ 5409 - قلنا: لو كان كذلك لجاز بعيرا معيبا لا يساوى شاة، فلما لم يجز علم أنه قيمة؛ ولأن قولهم: (عدل عن المنصوص) إن أرادوا الفرض المنصوص فالنقض متوجه، وإن أرادوا غير منصوص لم نسلم؛ لأن القيمة منصوص عليها بقوله: (خذ من أموالهم صدقة). ولأن المعني في المنافع: أن الزكاة لا تجب لأجلها؛ فلم يجز إخراجها منها، ولما كانت الأموال يجوز أن تجب الزكاة لأجلها جاز إخراجها منها. 5410 - قالوا: كل ما لا تجب فيه، لا يجوز إخراجه منها، كالمنافع. 5411 - قلنا: لا يشيرون إلى نوع مال إلا وعندنا زكاة التجارة تجب فيه، فالوصف غير مسلم؛ ولأن الإخراج يجوز مما لا يتعلق به وجوب باتفاق، بدلالة أن المعلوفة يجوز إخراجها ولا يجب فيها، والمعني في المنافع: أنها متى لو توجد على وجه المعاوضة لم ينقطع حق صاحب الرقبة عنها، بدلالة العارية. والزكاة يستحق دفعها على وجه ينقطع حق المزكي عن المدفوع، وأعيان الأموال بخلاف ذلك. 5412 - فإن قيل: المنافع مأخوذة على وجه العوض عن الزكاة. 5413 - قلنا: القيمة عندنا تتقدر بالمنصوص، ثم هي زكاة في نفسها ليست

بدلا عن الفريضة 5414 - قالوا: إخراج قيمة في الزكاة، فوجب أن لا يجوز كمن أخرج نصف صاع جيد عن صاع وسط. 5415 - قلنا: المخرج يجوز عن مقداره، والخلاف في جواز الأعيان لا في مقادير الجائز، وإنما لا يجزئ عن أكثر من كيله؛ لأن الشريعة لم تجعل للجودة قيمة فيما يثبت فيه الربا عند ملاقاته لجنسه، والقيمة أنها يرجع فيها إلى العرف الشرعي. 5416 - قالوا: فجوزا شاة سمينة عن شاتين. 5417 - قلنا: يجوز ذلك. 5418 - قالوا: فجوزوا مد قمح عن صاع من شعير في صدقة الفطر؛ لأن التفاضل يجوز من الجنسين. 5419 - قلنا: نص عليهما جميعا، والفرض فيهما واحد فلا يجزئ كل واحد إلا عن نفسه، كما لا يجوز ذراع من ثوب جيد عن ثوب الكسوة في الكفارة. 5420 - قالوا: فعندكم القيمة فرض بنفسها ليست ببدل عن المنصوص، فلا تؤدي إلى الربا. 5421 - قلنا: عندنا أنها تتقدر بالقيمة ثم تصير أصلا في نفسها، فلابد من اعتبار التقويم. 5422 - قالوا: مخرج على وجه الطهرة، فلا يجوز إخراج القيمة فيه، كالعتق في الكفارة. 5423 - قلنا: الواجب هناك العتق، وهو إتلاف لا يتقوم فلا يكون إخراج قيمة ما لا قيمة له؛ ولأن العتق إتلاف الرق على ملك المعتق، وليس هناك شيء يصل إلى العبد.

حتى تقوم القيمة إذا دفعت إلى مقامه, ولأن القيمة لا تخلوا إما أن تدفع إلى العبد أو إلى الفقراء؛ فإن دفعت إلى الفقراء فليس العتق حقا لهم فلا يجوز دفع بدله إليهم، وإن دفعها إلى عبد نفسه لم يملكها، وإن دفع إلى عبد غيره فقد ملكها لمولاه وهو حر، فلذلك لا يجوز القيمة. 5424 - فإن قيل: فجوزوا دفعها إلى المكاتبين ليصلوا به إلى العتق. 5425 - قلنا: العتق ليس بحق للمكاتب وعتقه في الكفارة لا يجوز. 5426 - قالوا: الزكاة تعلقت بجنس مخصوص [فالواجب فيها جنس مخصوص] كالأضاحي. 5427 - قلنا: الديات تعلقت في الأصل بجنس مخصوص، ويجوز أخذ القيمة فيها وكذلك الجزية. ولأن المقصود من الأضحية إراقة الدم، وذلك معنى لا يتقوم، وإنما يمكن تقويم اللحم، وهو بعض المقصود، ولهذا لو أخرج اللحم لم يجز. 5428 - قالوا: الموجب فيه وهو النصاب، لا تقوم قيمته مقامه، فكذلك الواجب لا يقوم قيمته مقامه. 5429 - قلنا: النصاب إن كان من الحيوان فشرطه السوم، وقيمته لا يوجد فيها هذا الشرط، وإن كان من الأثمان فثمنه، [و] إن كان من الأموال النامية فقد شغلها الوجوب، ولا يقوم مقام واجب آخر، وإن كان ما ليس بنامي، كدور السكني والعوامل؛ فمن شرط الزكاة أن تتعلق بمال يطلب النماء من عينه، فإذا لم يوجد هذا في البدل؛ لم يقم مقام النصاب. ***

مسألة 322 في الخيل السائمة إذا كانت ذكورا وإناثا الزكاة

مسألة 322 في الخيل السائمة إذا كانت ذكورا وإناثا الزكاة 5430 - قال أبو حنيفة: في الخيل السائمة إذا كانت ذكورا وإناثا الزكاة، وفي الإناث المنفردة روايتان، ذكرهما الطحاوي، وفي الذكور المنفردة: ذكر محمد في الآثار تجب فيها الزكاة. 5431 - وقال أبو يوسف ومحمد الشافعي: لا زكاة فيها. 5432 - لنا: ما روى مالك عن زيد بن أسلم عن أبي صالح، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الخيل ثلاثة: لرجل تسر ولرجل أجر وعلى رجل وزر)، وذكر حديثا طويلا قال فيه: ورجل اتخذها تعففا ولم ينس حق الله في ظهورها/ ولا رقابها.

5433 - وهذا يدل على وجوب حق تعلق برقابها، فلا يحمل على الجهاد؛ لأنه حق في الظهور. ولأنه ذكره في القسم الآخر فلا يحمل على حمل المنقطع؛ لأنه حق في الظهور. ولأنه فرق في الخبر بين الخيل والحمير فما تقول: في الحمير؟ 5434 - قال: ما أنزل على فيها إلا هذه الآية الجامعة: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره}. 5435 - فدل أن الحق الذي علقه برقابها يختلف فيه الخيل والحمير، وما ذلك الحق إلا زكاة العين، ويدل عليه: ما روى عكرمة عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إني ممسك بحجزكم عن النار، وتغلبوني فتقاحمون فيها تقاحم الفراش والجنادب، ويوشك أن أرسل حجزكم، فأنا فرط لكم إذن على الحوض، فتردون علي معا وأشتاتا فأعرفكم بأسمائكم وسيماكم كما يعرف الرجل الغربية من الإبل في إبله، فيذهب بكم ذات الشمال وأنا منشد رب العالمين فأقول: أي رب رهطي أي رب أمتي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، كانوا يمشون بعدك القهقري، ولأعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل شاة لها ثغاء، فينادى: يا محمد يا محمد، فأقول: لا أملك لك شيئا قد بلغت، ولأعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل بعيرا له رغاء ينادى: يا محمد يا محمد، فأقول:

لا أملك لك من الله شيئا قد بلغت ولأعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة [يحمل فرسا له حمحمة ينادى: يا محمد يا محمد، فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد بلغت، ولأعرفن أحدكم يوم القيامة] يحمل سلخا من آدم ينادى: يا محمد يا محمد، فأقول: لا أغني عنك من الله شيئا، ألا قد بلغت). 5436 - وهذا يدل على وجوب الزكاة في هذه الأنواع. 5437 - فإن قيل: يجوز أن يكون علة في سبيل الله، أو ترك الجهاد عليه. 5438 - قلنا: لما ذكره مع أنواع تتعلق الزكاة بها دل على أنه أراد الزكاة، فأما العلول فلا يختص بهذه الأنواع، وأما الجهاد: فإنه يذم إذا ترك الجهاد بنفسه أكثر ما يذم إذا تركه بفرسه فلو كان لأجل الجهاد لم يخص الوعيد بالفرس. ويدل عليه: حديث جعفر عن أبيه عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (في كل فرس سائمة دينار، وليس في الرابطة شيء). 5439 - فإن قيل: رواه غورك السعدي وهو ضعيف، ولهذا رواه أبو يوسف عنه ولم يأخذ به. 5440 - قلنا: غورك مولي جعفر بن محمد، وقول أصحاب الحديث: ضعيف لا يقبل مطلقا حتى يبينوا جهة الضعف، وليس من شرط قبول الخبر عمل الراوي.

[به]؛ لأنه يجوز أن يكون رجح غيره عليه فعدل عنه لما عارضه لا لضعفه، ويدل عليه: ما روى (أن أهل الشام قالوا لأبي عبيدة - رضي الله عنه -: إنا أصبنا أموالا خيلا وعبيدا فخذ زكاتها، فكتب إلى عمر فقال: كيف آخذ ما لم يأخذه صاحباي؟ ثم استشار الصحابة. 5441 - فقالوا: حسن، وعلي ساكت، فسأله فقال: لا بأس به ما لم يصر جزية راتبة يؤخذون بها بعدك، فكتب عمر - رضي الله عنه - إلى أبي عبيدة وأمره أن يخيرهم، فإن شاءوا أعطوا من كل فرس عشرة دراهم، وإن شاءوا قوموها، وخذ من كل مائتي درهم خمسة دراهم). وروى ابن شهاب (أن عثمان - رضي الله عنه - كل يصدق الخيل) ولا يحمل ذلك على النافلة؛ لأنها لا تتقدر ولا يستشار فيها. 5442 - ولا يقال: لو كانت واجبة لم يستشر فيها؛ لأنه علم وجوبها وشك في أن الإمام يأخذها أولا. وقوله: (كيف آخذ ما لم يأخذ [هـ] صاحباي) لا ينفي الوجوب؛ لأن ترك الأخذ لا ينفي الوجوب، كالكفارات. ويجوز أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يطالب بها لعلتها. وقول علي - رضي الله عنه - لا ينفي الوجوب، وإنما اعتقد أن المطالبة بها لا يجوز.

5442 - ولا يقال: إن عمر - رضي الله عنه - عوضهم عما أخذ؛ لأنه أرزق لكل فرس عشرة أجربة شعيرا وأخذ منه [عشرة] دراهم، قال أبو إسحاق: أعطاهم أكثر مما أخذ منهم. ولأن الإمام لا يجوز له أن يأخذ صدقة النفل ويعوض عنه من بيت المال، وإنما أرزقهم كما يرزق ذراري المسلمين، ويكفي مؤنة خيلهم وعبيدهم. 5444 - فإن قيل: روي أنه كتب إلى أبي عبيدة (إن أحبوا فخذها منهم وارددها عليهم). 5445 - قلنا: هذا رواه مالك، وقال: ومعنا: (وارددها على فقرائهم). ولأنه حيوان يطلب النماء بسومه في العادة فلم يحل جنسه من زكاة الغير، كالإبل. ولا يلزم عليه الحمير؛ لأنها لا تسام في مواضع السوم غالبا. ولا يلزم النحل؛ لأن هذا لا يسمى سوما. 5446 - ولو قيل: نحل سائمة لقيل: ذباب سائمة، وإنما يقال ذلك: فيما يثبت عليه اليد فتعلف تارة وتسام أخرى. 5447 - فإن قيل: المعنى في الإبل: أنها تجزى في الأضحية. قلنا: قد تتعلق الزكاة بما لا مدخل له في الأضحية، كالأثمان والزروع، والثمار عندهم والمعيبة على الأصلين، وقد يجزى في الأضحية ما لا يتعلق به الزكاة، كالمعلوف والعامل. ولأنه حيوان طاهر السؤر يركب في العادة، كالإبل. ولأنه يجوز المسابقة عليه؛ فجاز أن تتعلق زكاة السوم بجنسه، كالسوم. ولأن السوم يثبت لإيجاب الزكاة؛ فجاز أن يكون له تأثير في إيجاب الزكاة في الخيل، كالتجارة.

5448 - احتجوا: بحديث عراك بن مالك عن أبي هريرة - رضي الله عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة). 5449 - والجواب: إن هذا الخبر رواه مالك مسندا، ورواه سفيان بن عيينة موقوفا على أبي هريرة، وهذه طريقة يضعف بها أصحاب الحديث الخبر. ولأنه عليه الصلاة والسلام نفي الصدقة فيها، وصدقة الخيل لا تتعلق بأعيانها، وإنما المالك يتخير في تعينها في العين أو في قيمتها. 5450 - احتجوا: بحديث علي - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق إلا أن في الرقيق صدقة الفطر). 5451 - والجواب: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعفو عن حقوق نفسه، ولا يصح أن يعفو عن حقوق المسلمين للمطالبة والأخذ، وترك المطالبة لا ينفي الوجوب. ولأن المراد بهذا: خيل الركوب، بدلالة أنه قرنه بالعبد، والمراد به: عبد الخدمة، يبين.

ذلك ما روى أن زيد بن ثابت سئل عن صدقة الخيل في مجلس مروان؛ فبادر أبو هريرة - رضي الله عنه - فروى الخبر فقال زيد: (ما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو حق إلا أنه أراد فرس الغازي، فقيل له: يا أبا سعيد، كم صدقتها، قال: شاتان أو عشرة دراهم (، وتقدير الواجب لا يعلم إلا بالتوقيف. 5452 - احتجوا: بقوله عليه الصلاة والسلام: (ليس في الجبهة، ولا في الكسعة، ولا في النخة، صدقة)، قال أبو عبيدة: الجبهة الخيل. 5453 - والجواب: أنه نفي الوجوب فيها، فالوجوب عندنا غير متعلق بأعيانها إلا أن يعينه المالك. ولأن هذه الأخبار نافية، وأخبارنا مثبتة، فهي أولى. 5454 - ولا يقال: أخبارنا متأخرة، ويبان لما استقر الشرع عليه؛ لأن قوله: (عفوت) يقتضي إسقاط شيء كان، وذلك لأن أحدا لم يقل: صدقة الخيل كانت ثم نسخت، فلم يجز التأويل بما يخالف. وقد ذكروا في حديث أبي هريرة ليس في الخيل والرقيق زكاة. 5455 - والجواب عنه ما ذكرنا [هـ]. 5456 - قالوا: جنس حيوان لا تجب الزكاة في ذكوره وإناثه كالحمير. 5457 - والجواب: أن الوصف غير مسلم؛ لأن الذكور فيها الزكاة، ذكر ذلك محمد في الآثار، وإن قلنا بالرواية الأخرى فالذكور المنفردة لا يوجد فيها نماء مقصود؛ لأن النسل لا يوجد واللحم غير مقصود؛ لأنه مختلف، والإناث فيها النماء، فالزكاة تجب

بوجود النماء وتسقط بعدمه، وقد تكلف بعضهم فقال: في الذكور نماء مقصود وهو شعورها، وهذا بعيد؛ لأن ذلك يوجد منها بعد الموت وهذا لا يعد نماء. والمعني في الحمير: لأنها محرمة الأكل، والخيل حيوان غير محرم الأكل يسام في العادة. 5458 - قالوا: حيوان لا يجوز أن يضحي بجنسه فلا يجب زكاة السوم منه، كالحمير والبغال. 5459 - والجواب: أن الزكاة أوسع من الأضحية، بدلالة وجوبها في المعيب والصغير عندهم، ولا يجوز الأضحية بهما. ولأن الأضحية تراد للحم، والخيل مختلف في لحمها فلم يتعلق بها، والزكاة تجب بالنماء، ونماء الخيل أضعاف نماء البقر. 5460 - قالوا: حيوان يسهم له كالآدمي. 5461 - قلنا: نقلب فنقول: فجاز أن يجب على مالكه زكاة عن رقبته، كالعبد. 5462 - قالوا: ذو حافر، كالبغل. 5463 - قلنا: مخالفة الفرض للنعم/ بالحافر لا يدل على اختلافهما في الزكاة، ألا ترى: أن النعم مختلفة، فيها ذات الخف وذوات الظلف وقد تساوت في وجوب الزكاة مع اختلافها وتساويها في الوحوش في الظلف والخف ولا زكاة فيها، فدل على بطلان هذه الشبهة. 5464 - قالوا: لو وجبت الزكاة فيها لتعلقت بأعيانها. 6465 - قلنا: العبيد تجب عليهم الفطرة ولا تتعلق بأعيانهم. 5466 - قالوا: الزكاة لا تجب إلا بطلب الذر والنسل، والخيل لا ذر لها. 5467 - قلنا: هذا غلط؛ لأن الخيل لها لبن مقصود، يشرب وينتفع به، وهو في مواضع السوم، كلبن الإبل والغنم وأيسر عندهم.

مسألة 333 لا زكاة في المهر قبل القبض وكذلك المبيع لا ينعقد عليه الحول فيه قبل القبض وكذلك الدية على العاقلة

مسألة 333 لا زكاة في المهر قبل القبض وكذلك المبيع لا ينعقد عليه الحول فيه قبل القبض وكذلك الدية على العاقلة 5468 - قال أبو حنيفة: لا زكاة في المهر قبل القبض وكذلك المبيع لا ينعقد عليه الحول فيه قبل القبض، وكذلك الدية العاقلة. 5469 - وقال الشافعي: لا يعتبر القبض في انعقاد الحول، واختلف أصحابه في الدية على العاقلة. 5470 - لنا: أن المهر بدل عما لا يجب فيه الزكاة فلم يجب فيه الزكاة قبل القبض كالخيل. 5471 - فإن قيل: المهر بعد القبض بدل عما ليس بمال ويجب فيه الزكاة. 5472 - قلنا: بعد القبض يسقط حكم الملك الأول، بدلالة أن الهبة المقبوضة تجب فيها الزكاة وليست بدلا عن شيء. ولأنها حالة لو هلكت السائمة هلكت على ملك غيرها فلم ينعقد حولها فيه، كالمبيع إذا كان الخيار للبائع. ولأن الدية على العاقلة ليست بدين صحيح بدلالة أنه يسقط بالموت، فصار كمال الكتابة. 5473 - [فإن قيل: المعني أنه لا يستحق قبضه، وللمكاتب إسقاطه عن نفسه]. 5474 - قلنا: لم نسلم؛ لأن عندنا يجبر المكاتب على دفع مال الكتابة، ولا يملك إسقاطه عن نفسه إلا بإسقاط الحاكم. ولأن المبيع في يد البائع لم يكمل المشترى فيها، بدلالة امتناع تصرفه، ونقصان المالك يمنع وجوب الزكاة؛ كمال الكتابة فإنه

مال ملكته واستحقت قبضه، فوجب أن لا يشترط في عقد الحول قبضه. أصله: إذا ملك بالشراء أو بالميراث. 5475 - قالوا: وفيه احتراز عن مال الكتابة لأن قبضه غير مستحق. 5476 - والجواب: المملوك بالشراء مثل مسألتنا، فأما المملوك بالميراث فقد تقدم ملك الوارث فيه، بدلالة أنه إذا كان عينا فهو في حكم يده؛ لأن يد من هو في يده يد الوارث، ولأنه لا يملك على ملك غيره، والمهر بخلاف ذلك. 5477 - قالوا: إذا كان المهر في نفسه مالا؛ فالزكاة تجب فيه، فلا معني لقولكم: إن بدله ليس بمال. 5478 - قلنا: حكم الزكاة يؤثر فيه أحكام البدل، ألا ترى أن بدل مال التجارة للتجارة من غير نية؛ وبدل عبيد الخدمة لا يكون للتجارة وإنما المؤثر فيه بدله. ***

مسألة 334 الشعر واجب في قليل ما أخرجت الأرض وكثيره

مسألة 334 الشعر واجب في قليل ما أخرجت الأرض وكثيره 5479 - قال أبو حنيفة: العشر واجب في قليل ما أخرجت الأرض وكثيره، وهو قول مجاهد والنخعي، حكاه عنه حماد والحكم. 5480 - وقال أبو يوسف ومحمد: لا يجب الحق في أقل من خمسة أوسق. 5481 - وبه قال الشافعي.

5482 - لنا: قوله تعالى: {ومما أخرجنا لكم من الأرض} وقوله تعالى: {وءاتوا حقه يوم حصاده}. وقال عليه الصلاة والسلام: (فيما سقت السماء العشر)، وهو عام في القليل والكثير رواه على ومعاذ، ومجاهد وأبو هريرة وابن عمر وبشير بن سعد وأنس رضي الله عنهما. ولأن النصاب سبب في وجوب الزكاة، فلم يشترط فيه العشر، كالحول. 5483 - ولا يقال: إن الحول يعتبر [لتكامل النماء والنصاب يعتبر] ليبلغ المال قدرا يحتمل المواساة، والخارج كله نماء، وذلك لأن النصاب اعتبر فيما يعتبر الواجب فيه ليبلغ المال حدا يحتمل ذلك التقدير والواجب في مسألتنا غير مقدر،

فاحتمل القليل والكثير. ولأن حق الله تعالى متعلق بغير المال لا يعتبر فيه الحول، فلا يعتبر فيه نصاب، كخمس الغنائم وحق المعدن. ولأنه حق لله تعالى كغير المال لا يؤثر فيه الصغر والجنون، فلم يعتبر فيه النصاب كما ذكرناه. 5484 - قالوا: ينتقض بصدقة الفطر، فإن النصاب عندكم معتبر، وهو العبد الكامل ولا يعتبر الحول. 5485 - قلنا: الفطرة لا تتعلق بغير المال والنصاب غير معتبر فيها، وإنما يعتبر كمال ولايته على المخرج عنه، فإذا ملك بعض عبد لم تكمل ولايته. 5486 - قالوا: المعني في الخمس: أنه لا يتعلق بمال مخصوص، فلم يتعلق بقدر مخصوص. ولما كان العشر يتعلق بمال مخصوص تعلق بقدر مخصوص. 5487 - [قلنا: علة الأصل تبطل بالقطع في السرقة؛ فإنه لا يتعلق عندهم بمال مخصوص ويتعلق بقدر مخصوص]. ولأنه خارج من أرض عشرية، كالخمسة الأوسق أو نماء خارج من أرض العشر، كالكثير. ولأنه أحد حقي الأرض، فلم يعتبر في وجوبه نصاب، كالخراج. ولأنه حق هو مال لا يعتبر له عفو في الباقي، فلا يعتبر له عفو في الابتداء، كالخمس. ولأن ما تعلق به وجوب العشر لم يتقدمه عفو؛ أصله: الكثير. 5488 - فإن قيل: العفو بعد النصاب يعتبر في الحيوان، حتى لا يؤدى إلى ضرر الشركة بإيجاب الكثير عندنا في البقر وعندهم في الفائدة، ولو صح ما قالوا لوجب في ثلاثين من الإبل بنت مخاض وشاة؛ لأن ذلك لا يؤدى إلى الكثير.

5489 - احتجوا: بحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة). 5490 - والجواب: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نفي وجوب الصدقة عن القليل، وحق الزرع [له] اسم يخصه في الإطلاق، وهو العشر، فوجب حمل الخبر على ما يسمي صدقة على الإطلاق، وهو زكاة التجارة؛ لأن ابن عمر قال: (كنا نتبايع بالبقيع بالأوسق) فيجوز أن يكون ثمنا. 5491 - ولأن ما دونها ما يبلغ مائتين في العادة، فنفي عنه زكاة التجارة، يبين ذلك أنه قال: (ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة)، كما قال: (ليس فيما دون خمس ذود صدقة). 5492 - وقد قيل أن ذلك محمود على حقوق كانت في بدء الإسلام، نسخت بالعشر، وكانت تجب في كثير المال دون قليله. روي (أن من كثر نخله كانت عليه صدقة يأتي بعذق ويعلقه في باب المسجد تأكله المارة).

5493 - وقد قيل: معناه: ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة يطالب بها الإمام، وقد فسر ذلك في حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - فقال: (لا تؤخذ الصدقة من الحرث حتى يبلغ حصاده خمسة أوسق) فيجوز [أن يكون] وكل القليل إلى أرباب الأموال وأثبت حق الساعي في الكثير، كما روى أنه عليه الصلاة والسلام قال: (إذا أخرصتم فدعوا له الثلث)، ومعلوم أنه لا يسقط الواجب عنه، فعلم أنه وكل صدقته إلى أربابه. 5494 - فإن قيل: نفي عن القليل ما أثبته في الخمسة الأوسق. 5495 - قلنا: كذلك نقول في التأويلات الثلاثة. 5496 - قالوا: الدليل على أن العشر زكاة، حديث عتاب بين أسيد، (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر في الكرم أن يخرص، كما يخرص النخل، فتؤدى زكاته زبيبا). 5497 - قالوا: روي عن أبي موسى ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما حين بعثهما النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن فأمرهما أن يعلما الناس أمر دينهم وقال: (لا تأخذوا الصدقة إلا من هذه الأربعة: الشعير، والحنطة، والزبيب، والتمر) وعن ابن عباس - رضي الله عنه - في قوله تعالى

{وءاتوا حقه يوم حصاده} الزكاة المفروضة يوم تكال. 5498 - والجواب: أنه لا معني للتشاغل بهذا؛ لأنا لا نمنع أن تسمي زكاة وصدقه، وإنما منعنا إطلاق الاسم. وليس في التسمية ما يدفع قولنا، على أن معولهم في هذا على حديث عتاب بن أسيد، وهو مرسل، رواه سعيد بن المسيب عن عتاب ولم يلقه، ولم يروه عن الزهري أحد من أثبات أصحابه، مثال مالك، وابن عيينة، وقد ذكر بعضهم سعيد بن المسيب عن المسور بن مخرمة عن عتاب، وليس بالقوي. 5499 - فإن قيل: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) نفي، فيتناول المطلق والمقيد. 5500 - قلنا: نحن نعلم أنه لم يرد نفي جميع الصدقات على عمومها، بدلالة أن زكاة التجارة تجب فيما دون خمسة أوسق، وإنما المراد به: صدقة واحدة، فكيف يدعي في جميع الصدقات؟. 5501 - وجواب آخر: وهو أن قوله: (فيما سقت السماء العشر) عموم متفق على استعماله وقوله: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) خصوص مختلف في استعماله، فكان المتفق على استعماله أولى؛ ولأن كلاهما خبر واحد، واستعمال الآية ترجيح يقترن بأحدهما فتقدم به على الأخرى، وقد تعاطى بعضهم القدح في هذا فقال: قد ناقضتم هذه الطريقة؛ لأنكم حرمتم أكل الطافي بحديث جابر، وهو مختلف في استعماله وقضيتم به على عموم قوله/ - صلى الله عليه وسلم -: (أحلت لنا ميتتان ودمان) وهو متفق على استعماله، وهذا غلط؛ لأن قوله - صلى الله عليه وسلم -: (أحلت لنا

ميتتان) ليس بعموم ولا يفيد ظاهره أكثر من ميتتين. وقوله: - صلى الله عليه وسلم - (السمك والجراد) تفسير لنكرة، فاللام للعهد لا للجنس، فكيف يكون هذا وزان ما ذكرنا؟. وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: (فيما سقت السماء العشر)، فهو عموم؛ لأن تقديره في الذي سقته السماء. 5502 - فإن قيل: في خبرنا أيضا ما اتفق على استعماله، وهو قوله: (والوسق ستون صاعا). 5503 - قلنا: هذا ليس بثابت بالخبر وإنما هو معلوم بالعادة، ثم هذا القائل، كمن أراد القدح في العموم فأورد لفظا عاما عدل مخالفه عن عمومه [فلا يكون ذلك قدحا في الأصل. 5504 - وقد قالوا: إن خبر الأوسق أولى؛ لأنه خاص فيقضي به على العموم، فهل يحسن أن يقول لهم: قد ناقضتم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - (نهي عن بيع ما لم يقبض) ونهي عن بيع الطعام قبل القبض]؛ فلم يقضوا بالخصوص على العموم. 5505 - ولو قلنا هذا، قيل لنا: هذا مناقضة، لأجل ذلك نحن أيضا نقول.

5506 - قالوا: روى الزخري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب في الكتاب الذي سلمه إليه وبعثه إلى اليمن: (فيما سقت السماء العشر، وما سقي بناضح أو غرب ففيه نصف العشر إذا بلغ خمسة). 5507 - والجواب: أن قوله: - صلى الله عليه وسلم - (فيما سقت السماء العشر) قد نقل من الجهات التي قدمناها، فلو كان معه دليل التخصيص لم يظن بالصحابة أنهم ينقلون اللفظ العام ويتركون فعل المخصص، ولو ثبت حملناه على ما يأخذه المصدق ويترك ما دونه على اختيار أرباب الأول. 5508 - قالوا: روى عن جابر وابن عمر - رضي الله عنه -: (لا زكاة في زرع ولا نخل حتى يبلغ خمسة أوسق). 5509 - قلنا: قد روي في كتاب عمر - رضي الله عنه - (فيما سقت السماء العشر)، وهذا كتاب كتبه إلى عماله، ولم يبين في الأوسق. وروي عن علي - رضي الله عنه - (فيما سقت السماء العشر)، وهو عام. 5510 - قالوا: حق يجب في مال ينصرف إلى الأصناف الثمانية، فوجب أن يعتبر فيه النصاب، كالماشية.

5511 - والجواب: إنكم إن أردتم أنه يجب صرفه إلى الأصناف الثمانية لم نسلم، وإن قلتم إن الأصناف جهة الصرف لم نسلم أيضا؛ لأن المؤلفة سقطوا فلم يبق إلا أن يكون جهته بعض الأصناف، وهذا يبطل بخمس من الغنيمة. 5512 - فإن قالوا: الخمس لا يجب في المال ولكن يثبت مع ملك الغانمين مشتركا. 5513 - قلنا: من أصحابنا من يقول في العشر مثله؛ ولأن المواشي اعتبر فيها الحول فاعتبر النصاب. 5514 - وفي مسألتنا: حق هو مال لا يعتبر فيها الحول فلم يعتبر النصاب، أو نقول: إن المواشي لما جعل لها عفو بعد النصاب؛ جاز أن يجعل لها عفو في الابتداء ولما كان في مسألتنا زيادة الواجب لا يصير لها عفو، كذلك الواجب نفسه لا يعتبر له عفو. 5515 - قالوا: جنس مال يجب فيه الزكاة، كالدراهم. 5516 - قلنا: المعني في الدراهم: أن الحول يعتبر فيها؛ ولأن ما دون النصاب إنما يجب فيه الزكاة؛ لأن الدراهم تخلو من حق الله تعالى إذا كانت لذمي أو صغير أو مجنون والخارج لا يخلو من حق، فلو لم يجب العشر فيما دون الأوسق احتجنا إلى إيجاب حق آخر، كالخارج من أرض الذمي. 5517 - قالوا: الزكاة تجب على طريق المواساة، فوجب أن يعتبر بلوغ المال قدرا يحتمل المواساة. 5518 - قلنا: يبطل هذا بصدقة الفطر والكفارات على أصلهم، ثم الزكاة حق متكرر في المال، فلو لم يعتبر النصاب استغرقت بتكرارها المال، والعشر غير متكرر. أو نقول: الواجب من الزكاة مقدار مقدر، فاعتبر النصاب حتى يحتمل

ذلك القدر في مسألتنا بخلافه. 5519 - قالوا: حق لا يجب إلا في مال مخصوص فلم يتعلق إلا بقدر مخصوص كالزكاوات. 5520 - قلنا: خمس الركاز يتعلق بمال مخصوص [وهو مما يصح أن يدفن، ولا يعتبر فيه مقدار مخصوص، والسرقة لا تتعلق عندهم بمال مخصوص]، ويعتبر فيها قدر مخصوص. 5521 - قالوا: قياسنا على الزكاة أولى من قياسكم على الخمس؛ لأنه من جنسها، بدلالة أنه يصرف إلى من يصرف إليه الزكاة ويجب على المسلمين من أموالهم كما تجب الزكاة، ويحرم على من يحرم عليه الزكاة من الأغنياء وذوى القربي والكفار. ويعتبر في أدائه النية، ويخير بين أن يخرجه من ذلك المال أو غيره ويختص بجنس دون جنس، وخمس الغنيمة مخالف في جميع ذلك؛ لأنه يخالفه في المصرف ولا يجب على المسلمين في أموالهم، وإنما ينتقل إليهم من المشركين. ولا يعتبر في أدائه فعل الغانمين ونياتهم، وليس لهم أن يخيروا في إخراجه أو من غيرها. 5522 - والجواب: أن الكفارات وصدقة الفطر قد وافقت الزكاة في هذه المعاني وفارقتها في النصاب، فأما العشر فقد فارق الزكاة في سقوط اعتبار الحول وفي تكرار العقوبة، وفي أنه لا يتكرر في المال بل يتعلق بالمال ثم لا يجب فيه بعد ذلك. ***

مسألة 325 يخرص التمر ويحزر الزرع ليعرف قدرهما

مسألة 325 يخرص التمر ويحزر الزرع ليعرف قدرهما 5523 - قال أصحابنا: يخرص التمر ويحزر الزرع ليعرف قدرهما ويترك في يد أرباب الأموال، فإن ادعوا نقصانا ينقص مثله في العادة قبل قولهم، وإن ادعوا نقصانا كثيرا لم يقبل قولهم. 5524 - وقال الشافعي: يخرص النخل والكرم ويخير المالك، فإن شاء أمسكه أمانة ولم يجز له الانتفاع بشيء منه، وإن شاء أمسكه مضمونا، وحل تصرفه فيه ويضمن للمساكين عشره تمرا فكان يتفق في الخرص ويختلف في الفرض به. 5525 - والدليل على أنه لا يجوز تمليكه لرب المال بخرصه أنه تمليك رطب بتمر حزرا فلا يجوز كغير الزكاة؛ ولأن حق المساكين كحق أحد الشريكين

[فإذا لم يجز لأحد الشريكين] أن يضمن شريكه الرطب بالتمر، كذلك حق الفقراء. ولأن تضمين مقدار العشر لرب المال لا يجوز بالحزر، أصله: عشر الزرع. 5526 - ولا يقال: إن الحنطة غير ظاهرة، فلا يكن حزرها؛ لأن إمكان الحزر في أحدهما كهو في الآخر، والإصابة في أحدهما كالإصابة في الآخر، والخطأ في أحدهما كالخطأ في الآخر. 5527 - احتجوا: بحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض عبد الله بن رواحة - رضي الله عنه - إلى خيبر خارصا، فخرص عليهم أربعين ألف وسق وخير اليهود، فقال: إن أردتم أخذته ورددت عليكم عشرين ألف وسق وإن أدرتم تأخذونه وتردوا علي عشرين ألف وسق. وروى الشافعي - رضي الله عنه -: (إن شئتم فلكم، وإن شئتم فلي). 5528 - والجواب: إن اليهود كانوا معاملين في خيبر فاستحقوا النصف بالعمل، وأحد الشريكين لا يملك نصيب شريكه بالإجماع، وإنما ادعى مخالفنا جواز ذلك في مقدار العشر، فلابد أن يحمل على وجه يصح مع الشريكين فعندنا صح؛ لأن حق الاسترقاق يتعلق برقابهم فالعقد معهم لا يثبت فيه ربا، أو نقول: روي أن الشعبي روى القصة، وذكر فيها: (إن شئتم كلتم لنا [كذا] ولكم

سواقط الحطب وسواقط النخل [وإن شئتم كلنا لكم كذا، ولنا سواقط الحطب وسواقط النخل] وإذا اجتمع الرطب مع غيره فاقتسما الرطب وجعلا الحطب لأحد المتقاسمين جاز عندنا؛ ولأن قوله: (إن شئتم لي وإن شئتم لكم) يحتمل ما يقوله أبو حنيفة: إن الحزر لحفظ الثمرة وحتى لا يدعوا نقصا كثيرا إلا إنه أراد التمليك الذي يذكرونه. 5529 - وجواب آخر: وهو أنه قد روي الخرص على ما ذكروه. وروي النهي عن المزابنة، وعن بيع الثمر بالتمر إلا أصحاب العرايا. فروي ذلك عن رافع بن خديج وسهل بن أبي حثمة، وأبي سعيد الخدري، وزيد بن ثابت، وجابر وابن عمر - رضي الله عنه - فيحتمل أن يكون الخرص قبل هذا النهي. والذي

يبين ذلك: ما روي عن السلف من كراهة الخرص. روي ذلك عن ابن سيرين والشعبي والنخعي. قال الشيباني: (حدثني النخعي بحديث الخرص، فعملت به في السواد، فنهاني عن ذلك)، فلولا أنه عرف نسخ ما فعله ابن رواحة لم ينه عن فعله. 5530 - وجواب آخر: وهو أن خرص عبد الله بن رواحة كان لا يختلف مع الكيل، وكان ذلك من معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد روي (أنه خرص على اليهود أربعين ألف وسق فكالوه فوجوده كما قال: لا يزيد ولا ينقص)، وبمثل هذا الخرص يجوز التمليك عندنا. 5531 - قالوا: ما بني على الرفق يجوز فيه من المسامحة ما لم يجز في غيره كالفرض، وجواز العقد على المنافع قبل أن تخلق، وفي الخرص رفق حتى يجوز تصرف رب المال وينتفع المساكين وأن لا يحتسب عليهم بالهالك. 5532 - قلنا: أما جواز/ التصرف؛ فيجوز عندنا قبل الخرص؛ لأن وجوب حق الله تعالى في المال لا يمنع البيع، وأما الأكل: فعندنا يأكل رب المال بالمعروف، ويطعم ولا يحسب عليه، وأما المساكين: فعند الشافعي إذا ادعى رب المال نقصا، قبل قوله فيه: كما نقول نحن قبل الفرض، فلا يكون للخرص فائدة حتى يترك لها حكم ثابت متفق عليه. ***

مسألة 326 يجب العشر في كل شيء يخرج من الأرض

مسألة 326 يجب العشر في كل شيء يخرج من الأرض 5533 - قال أبو حنيفة: يجب العشر في كل شيء يخرج من الأرض مما تبتغي زراعته في الأرض. 5534 - وقال الشافعي في الجديد: لا يجب العشر في ثمرة إلا النخل والعنب وفي الحب الذي يزرع للاقتيات والادخار حال الاختيار. 5535 - لنا: قوله تعالى: {يا أيها الذين ءامنوا انفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض}، ولم يفصل. وقال الله تعالى: {وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابهه كلوا من ثمره إذا أثمر وءاتوا حقه يوم حصاده} وهذا نص في وجوب الحق في جميع المذكور في الآية. 55360 فإن قيل: هذه الآية نزلت بمكة، والزكاة وجبت بالمدينة.

5537 - قلنا: الآية المكية فيها الأمر بالصلاة والزكاة. 5538 - قالوا: الحصاد لا يكون إلا في الزرع. فأما النخل فالجذاذ والكرم: القطاف، والثمار: الجني. 5539 - قلنا: الحصاد القطع، بدلالة قوله تعالى: {منها قائم وحصيد} وقال تعالي: [{فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس}] فاسم القطع عام وإن تخصص كل نوع باسم، فلما أراد الله تعالى الجميع ذكر الاسم الذي يعم الجميع. 5540 - قالوا: لو كنى عن الجميع لكنى بلفظ التأنيث. 5541 - قلنا: الكناية ترجع أولا إلى أفراد المذكور، وهو الزيتون والرمان. 5542 - قالوا: ذكر الله [حقا] يخرج يوم الحصاد، والعشر يخرج يوم التصفية، فالآية محمولة على صدقة النفل. 5543 - قلنا: روي عن ابن عباس وجابر بن زيد، العشر ونصف العشر. ولأن إيجاب الحق يوم الحصاد، يدل على وجوب الحق فيما ينتفع به يوم حصاده، وهو الخضر. على أن الشافعي قال في (باب الوقت الذي تؤخذ فيه الصدقة مما أخرجت الأرض (: إذا بلغ ما أخرجت الأرض ما يكون فيه الزكاة أخذت صدقته

ولم ينتظر بها [تمام] الحول؛ لأن الله تعالى قال: {واءتوا حقه يوم حصاده} ولم يجعل له وقتا إلا الحصاد. ويدل عليه قوله الصلاة والسلام: (فيمت سقت السماء العشر (. 5544 - فإن قيل: هذا بعض الخبر، وتمامه: حديث معاذ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (يكون ذلك من التمر والحنطة والحبوب، فأما القثاء والبطيخ والرمان والخضر عفو، عنا عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -). 5545 - قلنا: قد بينت أن حق العشر منقول من طرق كثيرة، فلو كانت هذه الزيادة فيه لم يجز أن ينقله الصحابة ويترك دلالة التخصيص، فعلم أنهما خبران. ولأن ما انتفي بزراعته نماء الأرض غالبا وجب فيه العشر، كالحنطة. ولأنه مقصود بالحرث والزرع، كالحنطة والشعير. 5546 - ولا يلزم الخطب والحشيش؛ لأنه لا يزرع للنماء وإنما ينبت في الأرض فيقلع منها، وكذلك القصب، فإن زرع القصب، فإن زرع القصب في موضع لطلب النماء وجب فيه العشر، وإنما أجاب أبو حنيفة في القصب على عادة أهل الكوفة، ولا يلزم عليه ورق التوت والسدر؛ لأن هذا النوع من الشجر يغرس للنماء والعشر واجب في ثمرته، والذي يلزمها بحكم العلة وجوب العشر لأجله، فأما أن يجب في كل شيء منه فلا، ألا ترى أن العشر لا يجب في ورق الكرم ولا خوص النخل، ولم يدل ذلك على سقوط العشر في ثمرتها.

5547 - فإن قيل: المعنى في الحنطة إنها تقتات حال الاختيار، والخضر بخلافها. 5548 - قلنا: الدخن والماش والحمص لا يقتات حال الاختيار وفيه العشر والزبيب لا يقتات بنفسه كالتين وكل اقتيات يوجد في العنب ففي التين مثله، والعشر في أحدهما دون الآخر. 5549 - ولأن الحق الواجب بسبب الأرض حقان: أحدهما: في الخارج. 5550 - والآخر: لأجله، ثم إن كان الواجب لأجل الخارج يجب عن أرض الخضر كذلك الواجب في الخارج يتعلق بالخضر؛ ولأن الخضر آكد في وجوب الحق، لأن الخراج الواجب عن أرض الرطاب أكثر مما يجب عن أرض الحنطة، وإذا وجب العشر في الحنطة فوجوبه في الرطبة أولى. 5551 - احتجوا: بحديث موسى بن طلحة، عن أبيه طلحة بن عبيد الله وعن أنس بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ليس في الخضروات صدقة). وكذلك رواه ابن عباس عن علي. 5552 - وروى الأسود عن عائشة - صلى الله عليه وسلم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ليس فيما أنبتت الأرض من الخضر زكاة). وروى موسى بن طلحة عن معاذ بن جبل أن النبي - صلى الله عليه وسلم -

قال: (فيما سقت السماء والبعل والسيل العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر، يكون ذلك في التمر والحنطة والحبوب، فأما القثاء والبطيخ والرمان، والخضرة فعفو عفا عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -). 5553 - والجواب: أن مدار هذا الباب على موسى بن طلحة وقد قيل: إن مروان لما بعث إلى موسى بطلب صدقة أرضه فقال موسى: إن أرضنا أرض حضر ورطاب، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما بعث معاذا إلى اليمن أخذ العشر من الحنطة والشعير والتمر والزبيب، فلو كان عنده غير أبيه لذكره، ولو كان عنده غير معاذ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يخلد إلى فعل معاذ، ولأنه نفى العشر عن عين الخضروات؛ لأن المصدق إذا أخذ لم يسلم في يده حتى يدفعه إلى الإمام، وهذا يدل على نفي حق يؤخذ من قيمتها، كما قال عليه الصلاة والسلام: (ليس في أقل من خمس ذود صدقة) فنفى صدقة العين فيها ولم يدل ذلك على نفي زكاة تؤخذ من قيمتها إذا كانت للتجارة، فأما قول معاذ: (إن ذلك عفو عفا عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فقد بينا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعفو عن حقه، وهو المطالبة، وسقوط المطالبة لا ينفي الوجوب، وقد روى مسروق وغيره عن معاذ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يأخذ مما سقته

السماء العشر، ولم يذكره هذه الزيادة، يجوز أن يكون قول معاذ. 5554 - جواب آخر: وهو ما قدمنا: أن العشر اسم أخص به من الصدقة والزكاة، فيحمل الخبر على نفي الصدقة إذا أمر بها على العاشر. ولان خبرنا عموم متفق على استعماله فيقضي به على الخصوص المختلف في استعماله على ما قدمنا [هـ]. 5555 - قالوا: روي عن عمر وعثمان وابن عمر ومعاذ وعائشة رضي الله عنهما مثل قولنا. 5556 - قلنا: روي عن ابن عباس (وجوب العشر في الزيتون) وهو بيوت حولكم. وروى أبو رجاء العطاردي قال: كان ابن عباس يأخذ منا صدقة أرضنا يأخذ من كل شيء حتى دستجه من كل عشر دساتج. 5557 - وقولهم: إن المرودي قال: طلبنا في دواوين البصرة فلم نجد لها ذكر كلام بعيد؛ لأنا ننقل لهم ما فعله ابن عباس بالبصرة فيدفع الرواية بأن ذلك لم يوجد في ديوان البصرة الآن، وقد جرى من التغيير أخذ الصحابة ما لا خفي به. وقد أخذ أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - العشر من الورس وليس بمقتات. وقد قال الحسن والزهري (إن الخضر لا يجب العشر في أعيانها وإنما يجب في أثمانها إذا

بلغت مائتين (، فقد أوجبنا فيها العشر ورآياه في أثمانها. 5558 - قالوا: كل ما لا يقتات حال الاختيار لم يجب فيه العشر، كالحشيش. 5559 - قلنا: لا نسلم أن التين لا يقتات كما يقتات الزبيب والدخن، وما جرى مجراه لا يقتات حال الادخار والعشر فيه، والحشيش والحطب عكس علتنا، لأنه لا يقصد بالحرث والزرع؛ ولأن الغالب أن الحشيش لا ينبت على ملك مالك وإنما هو مباح وحقوق الله تعالى لا تتعلق إلا بما يحدث في الغالب على الملك، أو يحدث غير تافه، ولهذا العلة تعلقت الزكاة بالمواشي ولم تتعلق بالصيود. 5560 - قالوا: جنس مال لا يراعى فيه النصاب [فلم يجب فيه العشر، كالحطب. 5561 - قلنا: حقوق الله تعالى المتعلقة بالأموال: منها: ما يعتبر له نصاب] ومنها: ما لا يعتبر في وجوبه نصاب، كخمس الغنيمة والركاز، فلم يستدل بسقوط اعتبار/ النصاب على عدم الوجوب؛ ولأن النصاب اعتبر للواجب المقدر في نفسه ليحتمل إيجابه، والواجب هاهنا غير مقدر، والمعنى في الحطب: ما بينا 5562 - [قالوا: نبت ينتفع به فلم يجب فيه العشر كالقصب الفارسي، والمعنى في الحطب ما بينا]. 5563 - قلنا: كون منتفعا به يدل على تعلق الحق به؛ لأن حقوق الله تعالى تتعلق بما ينتفع به من الأموال ولأن القصب إن كان مما لا يقصد بالحرث والزرع فهو عكس علتنا، وإن كان يقصد فالحق يتعلق به. ولأن وجوب الصدقات في أنواع الأموال ليصل إلى من لا يملك منها فينتفع بها، وكل منتفع به لا يوحد مباحا

تعلق به العشر ليصل إلى من لا يملك مثله. 5564 - قالوا: حق الله تعالى إذا تعلق بالمال اعتبر فيه بأعلى الأموال دون أدناها بدلالة الحيوان. 5565 - قلنا: قد علقناه بالأعلى ولم يعلق بالأدنى، وهو القصب والحطب. ولأن عند مخالفنا لا يوجب الحق في الزعفران وهو أعلى الجنس ويوجب في الدخن والرمان والتين أعلى منه؛ ولأن الزكاة تتعلق بالمال الذي [هو] أعظم نفعا، والخضر أعلم نفعا من الدخن والذرة. 5566 قالوا: لم ينقل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ منها شيئا. 5567 - قلنا: ولم ينقل إنه أخذ من الدخن والذرة، ولأنه يجوز أن يكون لم يأخذ منها لقلتها، فوكلها إلى أرباب الأموال. ***

مسألة 327 يجب في العسل إذا كان في أرض العشر، العشر

مسألة 327 يجب في العسل إذا كان في أرض العشر، العشر 5568 - قال أصحابنا: يجب في العسل إذا كان في أرض العشر، العشر. 5569 - وقال الشافعي لا شيء فيه. 5570 - لنا: ما روى أسامة بن زيد عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ من العسل العشر، من عشر قرب قربة). وعن أبي سيارة المتعي قال: قلت يا رسول الله إن لي نحلا، قال: أد العشر، قال: قلت: يا رسول الله احمها، فحماها). وروى عبد الله بن محرر قال:

(سمعت الزهري يحدث عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أن يؤخذ من العسل العشر). وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عند جده (أن بني شبابة كانوا يؤدون إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من نحل كان نحلهم العشر من كل عشر قرب قربة، وكان يحمي واديين لهم، فلما كان عمر بن الخطاب استعمل سفيان بن عبد الله الثقفي فأبوا أن يؤدوا إليه شيئا. 5571 - وقالوا: إنما كنا نؤديه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكتب سفيان إلى عمر فكتب إليه عمر إنما النحل ذبابة غيث يسوقه الله تعالى رزقا من يشاء، فإن أدوا إليك ما كانوا يؤدون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاحم لهم واديهم. وإلا فخل بينه وبين الناس، فأدوا إليه ما كانوا يؤدون إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وحمى لهم واديهم). 5572 - قالوا: إنما أخذ منهم عوضا عن الحماية. 5573 - قلنا: هذا لا يصح؛ لأن الإمام لا يحمي بعوض يأخذه، لأن الإمام لا يحمي بعوض يأخذه، وإنما يأخذ حقوق المسلمين ويحميهم. ويجوز أن يكون هذا النحل من الجبل غير مملوك فإذن لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في الانفراد به، فصار كالمملوك فلزمهم عشره، فلما

امتنعوا على عامل عمر - رضي الله عنه - قال: إنه مباح الأصل فإن أحبوا القيام على الإقطاع أدوا العشر؛ وإلا عاد إلى حكم الإباحة فانتفع به من وصل إليه من الناس. 5547 - قالوا: روي عن سعد بن أبي ذباب (قال: قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلمت وقلت: يا رسول الله اجعل لقومي ما أسلموا عليه، قال: ففعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستعملني عليهم، ثم استعملني أبو بكر - رضي الله عنه - بعده، ثم استعملني عمر - رضي الله عنه - بعده، فقال: فقدم على قومه فقال لهم: في العسل زكاة، فإنه لا خير في مال لا يزكى، قال: قالوا: كم ترى؟ قلت العشر [قال: فأخذ منهم العشر] فقدم به على عمر فأخبره بما فيه فأخذه عمر فجعله في صدقات المسلمين). 5575 - قالوا: فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يطالبهم به ولا أبو بكر ولا عمر رضي الله عنهما. 5576 - قلنا: يجوز أن يكونوا لم يعلموا به، فلما علم به عمر أخذه منه. 5577 - قالوا: فقالوا له: (كم ترى؟)، فهذا يدل على أنه ليس بواجب. 5578 - قلنا: ذكر الطحاوي هذا الخبر بإسناده، وذكر فيه: أنه قال: (أتيت عمر فقلت: يا أمير المؤمنين ما ترى في العسل؟، قال: خذ منه العشر). وروى أيضا أنه طالبهم بزكاة العسل.

5579 - قالوا: (وذكروا ذلك لعمر بن الخطاب، فقال: خذ منه عشره فقلت: أين أجعله؟، فقال: اجعله في بيت المال)، وهذا يدل على الوجوب ولأن العسل يتولد من نور الشجر فهو كالثمر. 5580 - قالوا: فنحل أرض الخراج قد يخرج إلى أرض العشر فترعى فيها. 5581 - قلنا: المعتبر تولده وليس المعتبر أصله، كما أن المعتبر في الثمرة انعقادها دون الموضع الذي كانت النحلة منه. 5582 - قالوا: غير مقتات فلم تجب فيه الزكاة، كاللبن. 5583 - قلنا: الزبيب غير مقتات بنفسه، وإنما يتبع القوت، فهو كالعسل. 5584 - قالوا: كل ما لو كان في أرض الخراج لاعتبر فيه، كذلك في أرض العشر كالبيض والحشيش. 5585 - قلنا: أرض الخراج قد وجب على مالكها حق لأجل ثمارها، فلم يجتمع معه لأجلها خراج، وأرض العشر لم يجب في ذمته عما ينتفع به في ثمارها، فلذلك وجب الحق فيما يتكون منها. ***

مسألة 328 العشر واجب في زرع المكاتب

مسألة 328 العشر واجب في زرع المكاتب 5586 - قال أصحابنا: العشر واجب في زرع المكاتب. 5587 - وقال الشافعي: لا عشر عليه. 5588 - لنا: قوله تعالى: {وءاتوا حقه يوم حصاده}، وقوله عليه الصلاة والسلام: (فيما سقت السماء العشر)، ولأنه أحد حقي الأرض، كالخراج. ولأنه حق لا يمنع الصغر من تعلقه بالمال. ولا يمنع الرق من وجوبه كخمس الركاز والغنيمة. ولأنه أرض ينتفع بها في دار الإسلام فلا تخلو من حق الله تعالى كأرض الحر. 5589 - احتجوا: بما روى أبو الزبير عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ليس في مال المكاتب زكاة حتى يعتق). 5590 - قلنا: قد بينا أن العشر لا يسمى زكاة على الإطلاق، وأن له اسما

يختص به، فوجب أن يحمل هذا الهبر على الزكاة المطلقة ويوجب العشر بالخبر الآخر؛ لأنه عموم متفق على استعماله، وهذا خصوص مختلف في استعماله. وهذا خصوص مختلف في استعماله. ولأن هذا الخبر يرويه عن ابن جريح عبد الله بن بزيع ولا يعرف. 5591 - قالوا: من لا يجب في ماله ربع العشر لا يجب فيما يخرجه أرضه العشر كالذمي. 5592 - قلنا: الذي وجب عليه حق لأجل تمكنه من الانتفاع بأرضه، فلذلك لم يجب في الخارج منها شيء وليس كذلك المكاتب؛ لأنه لم يجب عليه حق لأجل تمكنه من الانتفاع بهذه الأرض، فتعلق الحق بالخارج منها كالمسلم، ولهذا نقول: إن الذمي إذا وضع عليه خراج المقاسمة أخذ من زرعه العشر لما يجب عليه حق لأجل تمكنه م الانتفاع [بها]، ولأن الزكاة والفطرة حقوق قدرت بأنفسها، فاعتبر في وجوبها مالكها، والعشر حق يتقدر بما يؤخذ منه كخمس الغنيمة والركاز، وحق المعدن على أصلنا، فلا يختلف بالمكاتب وغيره. ***

مسألة 329 العشر والخراج لا يجتمعان

مسألة 329 العشر والخراج لا يجتمعان 5593 - قال أصحابنا: العشر والخراج لا يجتمعان، ومنهم من قال: لا خلاف في الحقيقة؛ لأن الخراج عندنا أجرة أو ثمن، وعندكم الثمن والأجرة لا ينفيان العشر، وعندك: إن الخراج حق يتعلق بالأرض، وهذا عندنا لا يجتمع مع العشر والكلام في الخراج ما هو يجي في موضعه، لكن الخلاف يتصور في أرض السواد وعندنا لا عشر في الخارج منها. 5594 - وقال الشافعي: فيه العشر. 5595 - والدليل على ما قلنا: ما روى أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم، عن علقمة عن ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يجتمع عشر وخراج في أرض واحدة) وقد روى هذا موقوفا على ابن مسعود - رضي الله عنه -، وذلك لا يقدح فيه؛ لأن الراوي يروي ثم يفتي.

5596 - فإن قيل: عندنا لا يجتمعان العشر والخراج في الأرض. 5597 - قلنا: النبي - صلى الله عليه وسلم - ينفي الشيء الذي يصح به ثبوته، ألا ترى: أنه عليه الصلاة والسلام إذا قال: (لا يجمع بين أختين) كان معناه: لا يجمع بينهما على الوجه الذي [يصح] ثبوت كل واحد منهما. 5589 - ولا يصح أن يقال: لا يجمع الرجال بين أمه وأجنبية؛ لأن إحديهما لا يصح على الانفراد. ومعلوم أن العشر لا يتعلق بنفس الأرض وإنما يتعلق بالخارج منها فكأنه عليه الصلاة والسلام قال: (لا يجتمع عشر الخارج والخراج في أرض واحدة). 5599 - فإن قيل: نحمله على خراج وضع على أرض الكفار التي فتحت صلحا فيكون جزية فلا عشر معه، فإذا أسلموا سقط الخراج؛ لأنه جزية ووجب العشر/. 5600 - قلنا: هذا تخصيص بغير دليل، ويدل عليه: ما روى أبو هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (منعت العراق قفيزها ودرهمها). ومعلوم أن من منع الخراج منع العشر، وقد ذمهم على منع الخراج، فلو كان العش واجبا بالعراق لذمهم على منعه، ولكان أولى بالذكر؛ لأن عندهم صدقة وعبادة، والخراج ثمن والذم:

إنما يكون بالامتناع من القرب، فأما الأثمان: فهي كدين الآدميين. 5601 - ويدل عليه: إجماع الأمة، أن أئمة العدل وولاة الجور لم يأخذوا من السواد العشر مع الخراج، فمن جمع بينهما فقد خالف الإجماع. 5602 - ويدل عليه: (ما روي أن دهقانة نهر الملك أسلمت فكتب في ذلك عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، فكتب إن أقامت على أرضها فخذ منها الخرج) ولو كان العشر يجب بالإسلام لبينه وأمر به، وكان بيانه لتجدده أولى من بقاء ما كان واجبا. 5603 - فإن قيل: إنما بين الخراج ليعلم أنه ليس بجزية وأنه لا يسقط بالإسلام، ولم يبين العشر الذي يجب مع الإسلام. 5604 - قلنا: حكم العشر أمر قد خفي على الفقهاء، فكيف لا يحتاج إلى بيانه؟ والذي يدل أنه قد سكت عنه لأنه ليس بواجب؛ لأنه لو وجب لأخذ، ولو أخذ لنقل ولأنهما حقان يتعلق كل واحد منهما بالمال النامي فلا يجتمع وجوبهما بسبب مال واحد، كزكاة السوم والتجارة. 5605 - فإن قيل: العشر يجب لأجل الزرع، والخراج لأجل الأرض. 5606 - قلنا: الأرض سببهما جميعا، ألا ترى: أن قدر العشر يختلفان باختلاف الأرضي، والزرع يؤثر فيهما، بدلالة: أن قدر الخراج يختلف باختلاف الخارج.

5607 - فإن قيل: زكاة السوم والتجارة سببهما الحول والنصاب، وإسلام المالك والتجارة تراد للنماء، والسوم للنماء. والمستحق لإحدى الزكاتين المستحق للأخرى فلذلك لم يجتمعا، والعشر محله غير محل الخراج، وسبب أحدهما غير سبب الآخر ومستحق أحدهما غير مستحق الآخر. 5608 - قلنا: زكاة السوم والتجارة حقان مختلفان، بدلالة أن حول أحدهما قد يخالف [حول] الآخر، فلا يجبان بحول واحد، ونصاب أحدهما غير نصاب الآخر، ومحل أحدهما غير محل الآخر؛ لأن زكاة السوم تتعلق بالعين، وزكاة التجارة تتعلق بالقيمة عندهم، فقد يتفقان في وجه ويختلفان في وجوه، وكذلك الخراج والعشر كل واحد منهما حق يختص بالأراضي ويجب لأجل نمائهما، بدلالة: أن الأرض التي لا تصلح للزرع لا خراج عليها ويسقط أحدهما ما يسقط الآخر، وهو غلبة الماء على الأرض وانقطاعه عنها، ومستحق العشر مستحق الخراج، وإن استحق الخراج من لا حق له في العشر فقد اتفق مستحقها من وجه ويتنافى وصفهما ابتداء، وقد يتعلق أحدهما بما يتعلق به الآخر، وهو خراج المقاسمة. ولأنهما حقان لله تعالى يسقطان بقوات منفعة الأرض، فوجوب أحدهما يمنع من وجوب الآخر، أصله: الأرض العشرية لا يجب فيها خراج، ولأنه خارج من أرض الخراج فلم يجب فيه عشر الخضراوات، ولأنه خارج لا يجب العشر في قليله. فلم يجب في كثيره، كالخارج م أرض الذمي والمكاتب. 5609 - فإن قيل: المعنى في الذمي أن الزكاة لا تجب في أمواله، ولما وجبت الزكاة في أموال المسلم وجب العشر في زرعه.

5610 - قلنا: انتفاء الزكاة لا يدل على انتفاء الحقوق المتعلقة بما يستفاد من الأرضي، بدلالة: الركاز. ولأن كل أرض وجب الخراج عنها لم يجب العشر عن زرعها، أصله: الأرض الخراجية إذا آجرها من ذمي. ولأنه نبت خارج من أرض السواد فلم يجب فيه عشر، كما دون خمسة أوسق. ولأنهما حقان يجبان لأجل نماء الماس أحدهما: يثبت على طريق الشركة والآخر: في الذمة، فلم يجتمعا في الوجوب كربح المضاربة والأجرة لأجل عمله، وكذلك المزارع لا يجب له جزء من الزرع مع الأجرة. ولأنهما حقان لا يجوز ابتداء المسلم بأحدهما ولا ابتداء الكافر بالآخر، فلم يجز اجتماعهما، كالجزية والعشر. 5611 - ولأن سبب الحقين يتنافى ابتداء بدلالة: أن سبب العشر قسمة [أرض] العنوة، وإسلام أهل الأرض، وسبب الخراج أن يفتح عنوة ولا يقسم، ولهذا لا يجمع بين الحقيق ابتداء فلم يجمع بينهما في الاستيفاء بقاء؛ أصله: القصاص والدية والجزية، والصدقة والأجرة والربح في المضاربة. ولأن الخراج إذا كان مقاسما فلا يخلو إما أن يجب معه العشر أو لا يجب، فإن أسقطه قسنا عليه، وإن أوجبه فلا يخلوا إما أن يوجبه في جميع الخارج، وهذا لا يجوز؛ لأنه يودى إلى إيجاب حق الله تعالى من حقه. 5612 - ولا يجوز إيجاب العشر فيما سوى الخراج لأنه يؤدي إلى وجوبه في بعض الخارج دون بعض، وهذا لا يصح. ولأن العشر لو وجب استقلت الأرض بحق الفقراء، فلم يجب الخراج في ذمة صاحبها، كما لو غصبها غاصب. 5613 - احتجوا: بقوله تعالى {ومما أخرجنا لكم من الأرض}

5614 - قلنا: عندكم الخارج من الأرض لا يتعلق به عشر وإنما يتعلق بما ينعقد منه وإنما يصح هذا على قولنا في وجوب العشر في الخضر. 5615 - قالوا: قال الله تعالى: {وءاتوا حقه يوم حصاده}. 5616 - قلنا: عند الشافعي لا يجب أداء العشر يوم الحصاد وإنما يجب أداؤه يوم التصفية فوجب حمل الآية على حق يجب أداؤه يوم الحصاد، وذلك الحق الخراج، لأن الزرع إن هلك قبل الحصاد سقط خراجه، وإن هلك بعده لم يسقط. 5617 - احتجوا: بقوله عليه الصلاة والسلام: (فيما سقت السماء العشر، وما سقى بالسواقي والنضح نصف العشر). 5618 - والجواب: إن أرض السواد لا تكتفي بسقي الماء، ولا يكون فيها فعل وإنما هي في أرض العرب، واللفظ يتناول الأرض التي توجد فيها هذه الصفة تارة وهذا تارة، ولأن هذا عموم مخصوص بإجماع الصحابة. 5619 - قالوا: ما يجب فيما يستفاد من غير أرض الخراج يجب فيما يستفاد من أرض الخراج، أصله: حق المعدن. 6520 - قلنا: عندنا موضع المعدن من أرض الخراج لا خراج فيه؛ لأنها بقعة لا تصلح للزراعة، فلم نسلم أن حق المعدن يتعلق بما يستفاد من أرض خراج، ولو سلمنا الوصف فالمعنى فيه: أن الخراج لم يوضع لأجل منفعة المعدن، فإيجاب الخمس لا يؤدي إلى إيجاب حقين لمنفعة واحدة، وأما الزروع فالخراج وضع على الأرض لأجل الانتفاع به، ولهذا لا خراج عليهما فيما لا يمكن زرعه، فلم يجب الحق فيه حتى لا يؤدي إلى إيجاب حقين في صفقة واحدة. 5621 - قالوا: حر مسلم أخذ من ملكه نصابا من القوت يلزمه العشر،

أصله: الأرض التي لا خراج عليها. 5622 - قلنا: الأرض التي لا خراج عليها لم يلزمه حق في الذمة لأجل الانتفاع بنمائها، فجاز أن يلزمه حق مقاسمة في الخارج منها. 5623 - وفي مسألتنا: لما لزمه حق في الذمة لسلامة هذه المنفعة لم يجز أن يلزمه حق مقاسمة، كما ذكرنا في الربح والأجرة. 5624 - قالوا: كل أرض تعلق ربع العشر بمعادنها لا يتعلق بها عشر؛ لأن موضع المعدن لا يمكن زراعته. ولأنا بينا أن الخراج يوضع لأجل منفعة الزرع، فإذا حصلت لم يجز فيها شيء، ولما كان الخراج لا يوضع لمنفعة المعدن لم يكن وجوب الخراج مانعا من وجوب حق المعدن، والمعني في أرض العشر ما ذكرناه. 5625 - قالوا: نوع زكاة فلم يمنع وجوب الزكاة [فيه] كسائر الزكوات. 5626 - قلنا: لا نسلم أن العشر زكاة، ولأن سائر الزكوات لم يوضع الخراج لأجلها فوجوبه لا ينفيها، والزرع وضع الخراج لأجله فلذلك لم يجب عشر مع وجوبه. 5627 - قالوا: العشر يجب في الحب، والخراج في الأرض كأجرة الدكان والزكاة. 5628 - قلنا: وقد يجب الخراج في الزرع إذا كان خراج مقاسمة، ولا ينفي ذلك العشر عندهم، ولأن كل واحد من الخراج والعشر حق الأرض إلا أن محل أحدهما الذمة ومحل الآخر: الخارج، ولهذا يسقطان ببطلان منفعتهما ويختلف العشر باختلاف صفتها، فتارة يجب العشر، وتارة يجب نصفه. 5629 - قالوا: الخراج يجب على الأرض إذا تمكن من زراعتها زرع أو لم يزرع والعشر يجب في الحب. وإذا وجب الحقان عن عينين لم يتنافى الوجوب ولم

يمنع أحدهما الآخر، أصله الزكاتان في نصابين، وإذا اشترى دكانا وترك فيه متاعا للتجارة. 5630 - والجواب: ما بينا أن كل واحد من العشر والخراج يجب لسلامة منفعة الأرض، بدلالة: أن فوات المنفعة يبطلها، ولكن محل احد الحقين الذمة، فإذا تمكن من الانتفاع فقد وجد محل الحق، والآخر محله الخارج وذلك لا يوجد بالتمكن حتى يحصل الزرع الذي هو محل الوجوب، يبين ذلك أن الخراج إذا أوجب في الخارج، وهو خراج المقاسمة لم يجب بالتمكن من منافع الأرض، وإنما يجب لحصول محله الذي هو الزرع، فأما زكاة نصابين وأحد النصابين لا يجب زكاته للانتفاع بالنصاب الآخر، وإنما يجب للانتفاع به خاصة، فلذلك اجتمعا، وأجرة الدكان عوض منافعه وهذه المنافع ليس لها تعلق بالزكاة، فلم يمنع منها، ومنفعة الأرض التي وجب الخراج لأجلها يطلب فيها الزرع، فصارت كالشيء الواحد فلم يجب فيها حقان. 5631 - قالوا: فتفرقهما مختلف فلم يمنع اجتماعهما كالجزاء والقيمة. 5632 - وربنا قالوا: حقان مختلفان يجبان بسببين مختلفين لصفتين مختلفتين فجاز أن يجتمعا، كالجزاء والقيمة. 5633 - والجواب: إنه فرق عندهم بين اختلاف الحقين واتفاقهما؛ لأن خراج المقاسمة كالعشر، ويجوز اجتماعها. 5634 - وقولهم: بسببين مختلفين يدل على أنهما لا يجتمعان، بدلالة أن السببين يتنافى وجودهما، وهذا يدل على التنافي لا على الاجتماع، وأما

اختلاف المصرف فلا تأثير له في الأصل؛ لأنهما يجتمعان وإن اتفق مصرفهما، كالصيد المنذور، إذا قتله المحرم وجب عليه قيمته مع الجزاء والمصرف واحد، ولأن الجزاء والقيمة يجوز اجتماعهما لحق مستحق واحد. 5635 - ألا ترى: أن الصيد المنذور إذا أتلفه مالكه وجب ضمانه بالجزاء لحق الله تعالى، وبالقيمة لحقه، فكذلك يجوز لحق المستحقين وأما الحقوق المتعلقة بالأموال إذا كان طريقها واحد لم يجز اجتماعهما لأجل [حق] مستحق واحد، كذلك المستحقين. 5636 - قالوا: العشر وجب بالنص، والخراج بالاجتهاد، فلم قدمتم ما ثبت بالاجتهاد على ما ثبت بالنص؟ 5637 - قلنا: الخراج ثبت بالإجماع، فهو كما ثبت بالنص، فإذا لم يجز اجتماعهما لما بينا فالخراج أنفع للمسلمين وأعم منفعة؛ لأنه يجب وإن عطلت الأرض، ويستحق ذلك الغني والفقير، فكان إيجابه أولى. ***

مسألة 330 إذا آجر أرضه فأخرجت زرعا فعشره على المؤجر

مسألة 330 إذا آجر أرضه فأخرجت زرعا فعشره على المؤجر 5638 - قال أبو حنيفة: إذا آجر أرضه فأخرجت زرعا فعشره على المؤجر. 4639 - وقال أبو يوسف ومحمد: على المستأجر، وبه قال الشافعي. 5640 - لنا: أن منفعة الأرض بالزراعة سلمت لرب المال، فوجب عليه العشر كما لو زرعها، ولا يلزم إذا باع الزرع بقلا؛ لأن المشتري إن قصل الزرع فالعشر على البائع وإن تركه حتى انعقد الحب بغير أجرة فقد سلم لرب الأرض بعض المنفعة، وإن تركه بأجرة فالعشر عليه، ولأنه أحد حقي الأرض، فكان على المؤجر، كالخراج. 5641 - فإن قيل: العشر حق الزرع. 5642 - قلنا: يقال أرض عشرية، فدل على أن العشر من حقوقها، كما يقال: أرض خراجية فيضاف كل واحد من الحقين إلى الأرض كالأجرة، ولهذا المعنى يختلف الواجب باختلاف الأرضي، فتارة يجب العشر وتارة يجب نصف العشر، والخارج على صفة واحدة، ولأن المستأجر لزمه حق لأجل منفعة الأرض وهو الأجرة فلا يلزمه لسلامة المنفعة له حق آخر كالأجرة والخراج. ولأنه زرع الأرض بإجارة فلم يجب عليه العشر كالمكاتب. 5643 - ولأن منفعة الأرض سلمت للمؤجر فلا يجب العشر على غيره، أصله: إذا قصله المستأجر. 5644 - احتجوا: بقوله تعالى: {ومما أخرجنا لكن من الأرض}.

5645 - والجواب: أن عند الشافعي لا يجب العشر في الخارج من الأرض، وهو البقل وساق الزرع، وإنما يجب عنده في الخارج مما أخرجت الأرض فلم يصح تعلقه بالآية. 5646 - قالوا: روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (فيما سقت السماء العشر). 5647 - قلنا: هذا يدل على أن الواجب فيه، ولا يدل على أنه متى يجب، وليس يمتنع أن يجب الحق من مال يؤخذ من غيره، كما يجب في الإبل الزكاة وتؤخذ من الغنم، وكما لو استعار شيئا ليرهنه فرهنه، فالدين في الرهن ووجوبه على غير مالك الرهن، ولأن قوله: (فيما سقت السماء العشر) يحتمل أن يكون المراد به: أن الوجوب لأجله، كما قال عليه الصلاة والسلام (وفي العينين الدية وفي الأنف الدية). 5648 - قالوا: حق واجب في المال، فوجب أن يكون على مالك المال وقت وجوبه أصله: سائر الزكوات، وإذا زرع المستعير، وإذا باع رب الأرض الزرع فانعقد الحب في ملك المشتري. 5649 - قلنا: لا نسلم وجوب الحق في المال؛ لأن عندنا يجب في ذمة المؤجر، ولأن الزكاة واجبة عن المال، فكانت على مالكه والعشر من حقوق الأرض،

فكان على مالكها إذا سلمت له منفعتها، وأما المستعير: فروى ابن المبارك عن أبي حنيفة: (إن العشر على رب الأرض). ولو سلمنا، فلأن منفعة الأرض لم تسلم له، ولا يسلم له عوضها، وأما إذا باع الزرع بقلا فانعقد الحب في ملك المشتري، فإن كان ترك الزرع بأجرة فهو مسألتنا، وإن كان بإذنه بغير أجرة فهي مسألة المستعير، وإن كان بغير إذنه فهو غاصب، فإن نقصت الأرض بفعله لزم رب الأرض العشر، وإن لم ينقص لم يسلم له منفعتها فلا يلزمه عشره. 5650 - قالوا: لو سلم له العوض الزرع ثم تركه المشترى حتى انعقد الحب [لم يجب عليه عشر، وعوض الزرع إليه أقرب من عوض منفعة الأرض. 5651 - قلنا: إذا سلم له عوض الزرع ثم انعقد الحب] فما سلم له عوضا صار تبنا لا شيء فيه، فسلامة عوضه لا توجب عليه شيئا، فأما عوض المنفعة فهو المعنى المطلوب بالزراعة فيجب العشر على من سلم له. 5652 - قالوا: عشر وجب لأجل زرع، فوجب على مالكه، كمن زرع في أرض نفسه. 5653 - قلنا: لا نسلم أن العشر وجب لأجل الزرع وإنما وجب لسلامة منفعة الأرض، فإذا زرع في ملك نفسه فقد سلمت له المنفعة، وإذا زرع في أرض غيره بأجرة، فالمنفعة سلمت لرب الأرض، والمستأجر إنما استفادها بعوض. 5654 - قالوا: زرع لو كان لمالك الأرض وجب فيه العشر، فإذا كان لغيره وجب فيه العشر، أصله: المستعير. 5655 - قلنا: المستعير غير مسلم، وإن سلمنا على رواية الأصل، فمنفعة الأرض سلمت للمستعير، بدلالة: أنه لم يعاوض عنها، فكان العشر عليه.

5656 - قالوا: الخراج يتعلق برقبة الأرض، بدلالة: أنه يستحق وإن لم يزرع إذا تمكن من الزراعة، والعشر يتعلق بغلتها، بدلالة: أنه لا يجب وإن تمكن من الزراعة إلا أن توجد الغلة، فإذا كان خراج الأرض على مالكها كان عشر الغلة على مالكها. 5657 - قلنا: لا فرق بين الحقين؛ لأن كل واحد منهما يجب لأجل منفعة الأرض لوجوب الآخر، إلا أن أحدهما: له مدة مضروبة، [فيجب بالتمكن، وإن لم يوجد الانتفاع، والآخر: ليس له مدة مضروبة] فلا يجب حتى تحصل المنفعة ونظيره الإجارة إذا استأجره ليخدمه شهرا استحق الأجرة بالتمكن من المنافع وإن لم يعمل، ولو استأجره ليقصر له ثوبا لما لم يكن للاستحقاق مدة لم تجب الأجرة إلا بوجود العمل، وإذا ثبت أن الحقين لأجل المنفعة وجبا على من تمكن من الانتفاع في أحد الموضعين وعلى من سلم له الانتفاع في الموضع الآخر. 5658 - قالوا: هذا يفضي إلى أن يؤاجر أرضه بمائة فيخرج ما يبلغ عشرة أضعافها فيلزمه. 5659 - قلنا: هذا فرط في الإجارة وضيع حقه، فصار كمن باع الخارج بثمن يسير عندنا وكم أتلفه على الأصلين. ***

مسألة 331 لا شيء فيما زاد على مائتين من الورق حتى يكون أربعين

مسألة 331 لا شيء فيما زاد على مائتين من الورق حتى يكون أربعين 5660 - قال أبو حنيفة: لا شيء فيما زاد على مائتين من الورق حتى يكون أربعين. 5661 - وقال أبو يوسف ومحمد فيما زاد بحسابه وإن كان يسيرا. وبه قال الشافعي. 5662 - لنا: حديث معاذ بن جبل (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره حين وجهه إلى اليمن أن لا يأخذ من الكسور شيئا إذا كانت الورق مائتي درهم أخذ منها خمسة دراهم ولا يأخذ مما زاد شيئا حتى يبلغ أربعين درهما فيأخذ منها درهما). 5663 - اعترض الدارقطني على هذا الخبر، فقال: رواه محمد بن إسحاق عن

المنهال بن الجراح عن حبيب بن نجيح عن عبادة بن أنس عن معاذ قال: والمنهال بن الجراح متروك الحديث، وهو أبو العطوف الجراح بن المنهال/، وكان ابن إسحاق يقلب اسمه إذا حدث عنه، وعبادة مدلس لم يسمع من معاذ. 5664 - قلنا: أبو العطوف الجراح بن المنهال عدله أبو حنيفة، وروى عنه في الأصل وكان فقيها فلا يضرنا من تركه إذا عدله صاحب المقالة، ومن عادة المحدثين أن يتركوا رواية الفقهاء، فأما تعيين اسمه: فهذا انقلب على الراوي، وما نسبه إلى ابن إسحاق غلط لا يظن به؛ لأن هذا يكون كذبا. 5665 - وأما قوله: إن عبادة لم يلق معاذا، فالإرسال عندنا لا يضر لاسيما إرسال عبادة، وهو في أهل الشام كابن المسيب بالمدينة. وروى الزهري عن أبي بكر بن محمد عن أبيه عن جده (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب في خمس اواق خمس الدراهم فما زاد ففي كل أربعين درهم). ذكره أبو الحسن بإسناده في الجامع. ولأنه حق مال جعل له عفو في الابتداء، فكان له عفو بعد النصاب [كالسوائم. ولأن الأموال التي تتعلق بها الزكاة ضربان: حيوان، وغير حيوان، فإذا

اعتبر في أحدهما عفو بعد النصاب] كذلك الآخر. 5666 - ولأن الزيادة مال اعتبر في وجوب الزكاة فيه الحول، فاعتبر في وجوبها النصاب، كالمائتين. ولأن كل قدر من الإثمان تعلقت الزكاة به وجب أن يتقدمه، وقص كالمائتين، ولأنها زيادة على النصاب الأول فكانت عفوا إلى نصاب ثاني، كالسوائم. 5667 - فإن قيل: النصاب الأول اعتبر حتى يبلغ المال قدرا يحتمل المواساة، واعتبر النصاب الثاني في الحيوان حتى لا تجب الزكاة بالكسر فيضر ذلك بأرباب الأموال لسوء المشاركة وهذا المعنى لا يوجد في دراهم. 5668 - قلنا: الزيادة على النصاب الأول إنما كانت عفوا نظرا لأرباب الأموال وتخفيفا عنهم لا ذكروه، ألا ترى: أنه لا يجب في ثلاثين من الإبل بنت مخاض وشاة وإن كان لا يؤدي إلى سوء الشركة. ثم مثل ما قالوا: يلزمهم في الدراهم، لأن المائتين الوضح إذا زادت درهما، فإن أخرج ربع عشره قطعة كانت أنقص منه، وإن دفع منه جزءا مشاعا كان في ذلك سوء المشاركة، وإن كسره أفسد وأعطى أنقص منه وإذا زادت دانقا ففي تخليص قدر الزكاة منه مشقة فيجب أن يعتبر العفو لذلك كما اعتبر في المواشي لهذه العلة. 5669 - احتجوا: بقوله عليه الصلاة والسلام: (في الرقة ربع العشر).

6570 - قلنا: هذا مجمل في المقدار؛ لأن اتفاقهم أن المراد: إذا بلغت قدرا مقدرا واللفظ لا يبنى عن ذلك وخبرنا لبيان ذلك القدر المراد. 5671 - فإن قيل: هذا عموم متفق على استعماله، وخبركم خصوص مختلف في استعماله. 5672 - قلنا: لم يجمعوا على كونه عموما؛ لأن من الناس من قال: إنه مجمل وقد دخله التخصيص أيضا بإجماع. 5673 - قالوا: روى أبو إسحاق عن الحارث عن علي - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (هاتوا ربع العشر من كل أربعين درهما درهم، فإذا كان الورق مائتي درهم ففيه خمسة وما زاد فعلى حساب ذلك). 5674 - والجواب: إن الحارث ضعيف، وقد طعنوا عليه ورموه بالكذب ثم احتجوا به وقد ذكر أبو داود هذا الخبر من طريقين قال في أحدهما: قال زهير: (أحسبه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -)، وقال في الآخر: (فما زاد فبحساب ذلك، فلا أدري أعلي يقول: فبحساب ذلك، أو رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -،) فشك الراوي في الخبرين جميعا. ثم الخبر دليلنا؛ لأن قوله عليه الصلاة والسلام: (في كل أربعين درهما درهم) لا يجوز أن يكون المراد به: ما قبل المائتين؛ لأن الأربعين قبلها لا شيء فيها، فلم يبق إلا أن يكون ذلك تقديرا لما بعدها، كقوله عليه الصلاة والسلام: (في كل خمس شاة وقوله: (فما زاد بحسابه)، يعني الأربعينات.

5675 - قالوا: روي عن علي وابن عمر رضي الله عنهما مثل قولنا ولا مخالف لهما. 5676 - قلنا: ذكر الطحاوي بإسناده عن حميد الطويل قال سمعت أنس بن مالك يقول: (جعلني عمر على الجباية فأمرني أن آخذ إذا بلغ مال المسلم مائتي درهم خمسة، وما زاد ففي كل أربعين درهما درهم، وجعل أبو موسى على الصلاة). وقد روي مثل قولنا: عن سعيد بن المسيب، والحسن، وعطاء، وطاووس ومكحول والشعبي. 5677 - قالوا: بأنه مال يتجزأ وينقص فلا يعتبر فيه [النصاب] بعد وجوب الحق فيه كالثمار والحبوب. 5678 - وربنا قالوا: زيادة في جنس مال يضمن بالمثل، أو لأنه مستفاد من الأرض. 5679 - قلنا: المعنى في الزرع والثمر: أن الحول لا يعتبر في تعلق الحق بالزيادة فلم يعتبر النصاب، ولما اعتبر الحول في مسألتنا بتعلق الحق بالزيادة جاز أن يعتبر النصاب. 5680 - قالوا: زيادة على نصاب ما يتجزأ فوافقه في الصفة فوجب أن تجب الزكاة فيها بقسطها، أصله: إذا كانت أربعين، وربما قالوا: زيادة مال

يصلح أن تكون جزءا من النصاب. 5681 - قلنا: قولكم يوافقه في الصفة لا تأثير له؛ لأن الزيادة لو خالفت صفة النصاب، وكانت سودا أو غلة ففيها الزكاة؛ لأن تعلق الزكاة بمقدار من المال لا يدل على تعلقها بما دونها. والمعنى في الأربعين: إن زيادة بلغت حدا تجب فيه الزكاة من غير كسر، وليس كذلك في مسألتنا؛ لأنها زيادة على نصاب لا يبتدأ الوجوب فيه بالكسر فلم يجز إيجاب الزكاة فيها بالكسر قياسا على نصب السوائم. 5682 - قالوا: النصاب الأول يعتبر ليبلغ المال قدرا يحتمل المواساة والنصاب الثاني حتى لا تجب الزكاة بالكسر، وهذا المعنى لا يوجد فيما ينتقض. 5683 - قلنا: قد أجبنا عن هذا في خلال كلامنا، ثم الشافعي رحمه الله قد أوجب الزكاة بالكسر في المستفاد، وقتل: (فيمن له أربعون شاة، باع معد مضي بعض الحول عشرة، ثم باع بعد مضي جزء آخر عشرة من آخر، ثم عشرة من آخر، فحال حوله والشركة باقية فعلى البائع ربع شاة، وكلما تم حول واحد وجب عليه ربع شاة)، فلم يصح ما ذكروه من امتناع الوجوب بالكسر. ***

مسألة 332 إذا كان معه من الذهب والفضة ما لا يتم من كل واحد نصاب ضم أحدهما إلى الآخر

مسألة 332 إذا كان معه من الذهب والفضة ما لا يتم من كل واحد نصاب ضم أحدهما إلى الآخر 5684 - قال أصحابنا: إذا كان معه من الذهب والفضة ما لا يتم من كل واحد نصاب ضم أحدهما إلى الآخر في إحدى الروايتين عند أبي حنيفة بالقيمة، وفي الأخرى: بالأجزاء. 5685 - وقال الشافعي: لا تجب الزكاة حتى يكمل نصاب كل جنس بنفسه. 5686 - قلنا: قوله تعالى: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله} ولم يفصل بين أن يكون كل واحد نصابا أو يكونا نصابا واحدا، والنفقة المذكورة: هي الزكاة، بدلالة ما روي عن عطاء عن أم سلمة قالت: (كنت ألبس أوضاحا من ذهب فقلت: يا رسول الله أكنز هو؟ فقال: ما بلغ أن تؤدي زكاته فزكى؛ فليس بكنز)

5687 - فإن قيل: الوعيد لا يستحق فيما يسوغ الاجتهاد في تركه. 5688 - قلنا: الآية تفيد من بلغه حكمها ولم يقابله دليل آخر، وهذا يستحق الوعيد عندنا. 5689 - فإن قيل: المراد بالآية زكاة كل واحد على الانفراد وليس المراد زكاتهما على الاجتماع؛ لأنه تعالى قال: ولا ينفقونها. 5690 - قلنا: العرب تذكر المذكر وتعطف عليه المؤنث ثم تكني عن المؤنث خاصة وتردهما. قال الله تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلواة وإنها لكبيرة} وقال تعالى: {وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها} 5691 - قالوا: المراد بالآية: منع الزكاة الواجبة، ونحن لا نسلم الوجوب في موضع الخلاف. 5692 - قلنا: الآية قد دلت على الوجوب لأنها تقتضي الوعيد بترك إخراج الزكاة في جميع الأحوال ويدل عليه: حديث عبد الله بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب لعمرو بن حزم إذا بلغ الذهب قيمة مائتي درهم ففي كل أربعين درهما درهم) وقد أجمعنا أن الذهب بانفراده لم يعتبر قيمته، فلم يبق إلا أن يكون المراد حال الاجتماع، ذكر هذا الخبر أبو الحسن في الجامع بإسناده. ولأنهما مالان زكاة كل واحد منهما ربع العشر في جميع الأحوال، فجاز أن يضم أحدهما إلى الآخر، أصله: عروض التجارة. 5693 - ولا يلزم أربعون من الغنم والدراهم والدرهم لأنهما لا يتفقان إلا في حالة

واحدة/ دون غيرها، ولا يلزم من له نصف فرسين لأن كل زكاة الخيل إما ربع العشر أو الدينار، فلا يكون زكاتهما ربع العشر بكل حال ولأن عندنا في نصفي فرسين الزكاة. 5694 - فإن قيل: عروض التجارة نصابهما من قيمتهما وهي منفعة. 5695 - قلنا: لا نسلم؛ لأنا نقوم العروض بما هو أنفع للمساكين، وقد يكون الأنفع في بعضها بالعين، وكذلك عندهم تقوم بما اشتراها به، وقد يختلف ذلك. 5696 - فإن قيل: المعنى فيها: أن الزكاة تجب في قيمتها. 5697 - [قلنا]: لم نسلم؛ لان الزكاة تجب في أعيانها. 5698 - قالوا: المعني في العروض: أنها لو بلغت النصاب وأكثر منه فقومت إذا نقصت عنه، والدراهم إذا بلغت نصابا لم يقوم، فكذلك إذا أنقصت. 5699 - قلنا: أصل علتنا العروض إذا كانت نصابا، أو أكثر فلا يعلل الأصل بنفسه، وعلة الفرع غير مسلمة. لأن الدراهم تقوم إذا كانت نصابا، ومعها دنانير أقل من نصاب ولأن نصاب كل واحد منهما يكمل بما يكمل به نصاب الآخر، فوجب أن يكمل أحدهما بالآخر، كالعروض. بيان ذلك أن من عنده مائة درهم، وورث ثوبا فباعه بثوب للتجارة، وغالب نقد البلد العين والورق على جهة واحدة في التعامل فإنه يكمل بهذا الثوب نصاب الورق، ولو كان عنده عشرة دنانير كمل نصابها ولأنهما من جنس الأثمان، أو لأنهما قيم الأشياء، أو تصح المضاربة بهما، أو يعتبر فيهما التقابض إذا بيع أحدهما بالآخر، فصار كالسود والبيض والغلة والصحاح، وكمن له مائتا درهم للتجارة

باع منها مائة بعشرة دنانير، فإنها تصح بلا خلاف. 5700 - فإن قيل: المعنى فيهما أنهما جنس واحد، ولهذا يكمل نصابهما بغير القيمة وفي مسألتنا: هم جنسان. 6701 - قلنا: علة الأصل تبطل بالسائمة والمعلوفة والنصاب والفائدة، وعلة الفرع تبطل بعروض التجارة. 5702 - فإن قيل: المعنى فيهما: اتفاق نصابهما، وفي مسألتنا: اختلف نصابهما. 5703 - قلنا: تبطل علة الأصل بالحنطة والتمر على أصلهم اتفق نصابهما في العشر، ولا يضم أحدهما إلى الآخر، وعلة الفرع تنكسر بالنصاب الأول والثاني من الغنم، هما مختلفان ويضم أحدهما إلى الآخر. ولأنه نصاب قدر بأحد النقدين ويجوز أن يكمل بالعروض، فجاز أن يكمل بالنقد الآخر، كنصاب السرقة. 5704 - احتجوا: بحديث جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ليس في أقل من عشرين مثقالا من الذهب شيء، ولا في أقل من مائتي درهم شيء). 5705 - والجواب: أنا لا نوجب فيما دون خمسة أواق شيئا، وإنما

يكمل بالقيمة الذهب حتى يتم فيوجب فيها، وإنما الخبر يتناول حال الانفراد. ولأن الخبر مشترك الدليل؛ لأنه يقتضي من ملك أقل من مائتي درهم. وذهب قيمته تمام النصاب، ثم باعه في خلال الحول بورق أن تجب الزكاة فيه، لأنه خمسة أواق [من الورق] وكل من أوجب في هذا؛ أوجب الزكاة؛ وإن لم يبع. 5706 - قالوا: مالان نصبهما مختلفة فلم يضم أحدهما إلى الآخر، كالغنم والإبل. 5707 - قلنا: نصابهما متفق في المعنى وإن اختلفت الصورة. ولأن كل دينار مقوم في الشرع بعشرة، فنصاب أحدهما، كنصاب الآخر، واتفاق النصب في المعنى موجب للضم، بدلالة العروض، والمعنى في الأصل: [أن] أحد النصابين لا يكمل بما يكمل به الآخر، وفي مسألتنا بخلافه. 5708 - قالوا: ما لا يقوم بانفراده لا يقوم مع غيره، كالماشية. 5709 - قلنا: إذا انفرد لم يحتج إلى التقويم، وإذا اجتمع جنسان قوما، والمعنى في الماشية أنه اختلف مقدار الواجب فيها، ولما اتفق مقدار الواجب في مسألتنا جاز الضم بالتقويم. 5710 - قالوا: ما لا يضم إذا كان نصابا لا يضم إذا نقص، كالماشية، وكما لو انفرد أحد الجنسين. 5711 - قلنا: لا نسلم أنها لا تتقوم إذا بلغت النصاب؛ لأنها يجوز أن تقوم عندنا إذا بلغت النصاب ليضم إلى الجنس الآخر إذا كان أقل من نصاب، والمعنى في الماشية: أنه لو باعها بالعروض لم ينقطع حولها. فلهذا ضمت القيمة وإن قاسوا على الجنس المنفرد.

5712 - قلنا: إن كان نصابا فلا معنى للتقويم، وإن كان أقل من نصاب، فلو قومنا لأوجبنا الزكاة بالقيمة، ونحن نضم بالقيمة ولا نوجب فيها الزكاة بالقيمة، وليس يمتنع أن يقوم الشيء عند لحاجة إلى التقويم، ولا يقوم عند عدمها، كما أن من استهلك جرام فضة قومناه بالذهب للحاجة إلى تقويمه، وإن لم يقومه عند فقد الحاجة. 5713 - قالوا: عينان يجري فيهما الربا فلا يضم أحدهما إلى الآخر كالتمر والزبيب. 5714 - قلنا: إباحة التفاضل فيهما إن امتنع الضم فيجب أن يكون تحريم النساء فيهما يوجب الضم ويجعلهما كالجنس الواحد. ولان الغنم أعيان يجوز التفاضل فيهما ويضم بعضها إلى بعض. والمعنى في التمر والزبيب: أنهما لا يضمان إلى شيء واحد، وليس كذلك الذهب والفضة؛ لأنهما يضمان إلى شيء واحد، وهو عروض التجار فلذلك ضم أحدهما إلى الآخر. 5715 - قالوا: ما تجب الزكاة في عينه لا تعتبر قيمته لإخراج الزكاة، أصله: إذا بلغ نصابا. 5716 - قلنا: لا نسلم أن الزكاة تجب في عينه، بدلالة: أن الدين تجب فيه الزكاة، وليس بعين الورق، وبدلالة: أن [من] ملك مائتي درهم بعض الحول ثم ابتاع بها عرضا لم ينقطع الحول، ولو كانت عين النصاب معتبرة لانقطع الحول، كالماشية إذا باعها بماشية فلما لم ينقطع في مسألتنا دل على أن الزكاة تجب في معانيها، والمعنى فيها إذا كانت نصابا: أنه انفرد فلم يحتج إلى التقويم، وفي مسألتنا: لنا: حاجة إلى التقويم.

5717 - قالوا: مال لو بلغ نصابا لم تعتبر قيمته لإخراج الزكاة منه، فكذلك إذا كان أقل من نصاب، كالماشية. 5718 - قلنا: لسنا نقول: إنه يقوم لإخراج الزكاة، ولكنا نقوم للضم ثم نخرج الزكاة من الجملة. ولا فرق عندنا بين النصاب وما دونه إذا كان معه غيره في التقويم، والمعنى في الماشية ما قدمنا. ***

مسألة 333 إذا وجد النصاب كاملا في طرفي الحول ونقص في خلاله لم يمنع وجوب الزكاة

مسألة 333 إذا وجد النصاب كاملا في طرفي الحول ونقص في خلاله لم يمنع وجوب الزكاة 5719: قال أصحابنا: إذا وجد النصاب كاملا في طرفي الحول ونقص في خلاله لم يمنع وجوب الزكاة 5720 - وقال الشافعي: اعتبر في السائمة والأثمان كمال النصاب من أول الحول إلى آخره. 5721 - لنا: أن النصاب كمل في طرفي الحول، فنقصانه في خلاله لا يمنع وجوب الزكاة كعروض التجارة إذا نقصت قيمتها. ولأن كل حال لو نقصت قيمة العروض لم يمنع وجوب الزكاة، إذا نقصت السائمة لم يمنع وجوب الزكاة كما بعد الحول، ولأنها حال لا ينعقد فيها الحول ولا تجب الزكاة، فنقصان النصاب لا يمنع وجوب الزكاة كما بعد الحول. 5722 - فإن قيل: مراعاة كمال النصاب في العروض من أول الحول إلى آخره يشق؛ لأن القيمة تختلف بالأيام وليس كذلك بقية الأموال؛ لأن المعتبر

فيها كمال العين وذلك لا يشق اعتباره من أول الحول إلى آخره. 6723 - قلنا: والسائمة إذا كثرت توالدت وتماوتت فيشق عدتها من أول الحول إلى آخره، فأما العروض فإذا عرف قيمتها في أول الحول فنقصان السعر لا يشق على التجار اعتباره في كل وقت، فإذا نقص السعر عرف النقصان، ثم ما يسقط الزكاة لا فرق بين أن يمكن الاحتراز منه، أو لا يمكن، كهلاك المال. 5724 - قالوا: نقصان النصاب في مال التجارة في أثناء الحول لا يتحقق ونقصان العين يتحقق. 5725 - قلنا: إذا نقص أكثر القيمة تحقق، ولا يؤثر عندكم. 5726 - قالوا: عروض التجارة لو بدلها بغيرها لم ينقطع حولها، كذلك إذا نقصت وما سواها لو بدله انقطع الحول، كذلك إذا نقص. 5727 - قلنا: عندنا الأثمان إذا بدلها لم ينقطع/ حولها، فأما السوائم فلأن أعيانها مقصودة؛ فإذا تبدلت انقطع الحول، والعروض المقصود منها قيمتها فإذا تبدلت لم يبطل المقصود. 5728 - قالوا: عروض التجارة اعتبر فيها الحول؛ ليتكامل النماء بالتقلب، فلذلك لم يراع فيه نقصان النصاب كما لا يراعي بقاء عينه، وفي السائمة روعي الحول؛ ليتكامل النماء من العين، فإذا نقصت نقص النماء. 5729 - قلنا: المعتبر فيا العروض تكامل النماء بالتقلب في مقدار مخصوص، ألا ترى: أن نماء النصاب أكثر من نماء ما دونه، كما أن من السوائم نماء الأعيان معتبر، ونماء النصاب أكثر من نماء ما دونه، ولا فرق بينهما.

5730 - ولأن بقاء شيء مما انعقد عليه الحول يلحق المستفاد بالأصل، دليله العروض، ولأن الحكم المتعلق بأحد طرفي الحول لا يسقطه نقصان المال بعده، أصله: هلاك بعض المال بعد الحول. 5731 - احتجوا: بقوله عليه الصلاة والسلام: (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول). 5732 - والجواب عنه ما بينا: أن حول الحول وجود آخر جزء منه، وقد وجد ذلك ولأن الخبر مشترك الدليل. لأنه يقتضي وجوب الزكاة [فيما بقي من النصاب. لأنه مال حال عليه الحول، وإذا ثبت وجوب الزكاة] في القدر ثبت في غيره. 5733 - فإن قيل: الباقي دون النصاب ولا زكاة في ذلك. 5734 - قلنا: لا ينعقد فيما دون النصاب حول، ولا يجب فيه الزكاة، وأما أن يبقى حكم الحول فلا يمتنع كما لا يمتنع أن يبقى الوجوب، إذا هلك بعض المال بعد الحول. 5735 - قالوا: ما شرط في وجوب الزكاة في طرفي الحول وجب أن يشترط في أثنائه، أصله: بقاء جزء منه، وربما قالوا ما شرط في وجوب الزكاة في ابتداء الحول وانتهائه وجب أن يشترط في أثنائه. 5736 - قلنا: لا يمتنع أن يشترط في ابتداء الحول ما لا يشترط في أثنائه؛ لأن البقاء أقوى من الابتداء، ولأن ابتداء الحول ينعقد، وآخره تجب الزكاة؛ فهما حالتان يتجدد فيهما حال يتجدد فيهما للنصاب حكم، وفي أثنائه لا يتجدد له حكم، فلم يؤثر نقصانه كما بعد الحول.

5737 - فإن قالوا: عدم الدين، وعدم زوال العقل والردة عندكم شرط واستوى فيه الابتداء والبقاء. 5738 - قلنا: لا نسلم؛ لأن الدين كمسألتنا إذا حصل في الابتداء والانتهاء منع، وإن حصل في خلال الحول غير مستغرق لم يمنع، وإن استغرق منع، كالهلاك، وأما زوال العقل فلا نسلم أنه شرط في الابتداء والبقاء؛ لأنهم قالوا: إذا أفاق في بعض الحول وجبت زكاة الحول، وأما الردة: فإنها ترفع التكليف، فلا يبقى للزكاة حكم كما لا يبقى لها بعد هلاك المال. ثم أصلهم بقاء جزء من المال، والمعنى فيه: أنه شرط في العروض، فكان شرطا في غيرها، وإذا كان كمال النصاب لا يشترط في خلال الحول في العروض لم يشترط في غيرها. 5739 - قالوا: مال تجب الزكاة في عينه انقطع نصابه في أثناء الحول فوجب أن ينقطع حوله، أو فوجب أن لا تجب فيه الزكاة، أصله: إذا هلك. 5740 - وربنا قالوا: نقص على النصاب في شيء من الحول. 5741 - قلنا: لا نسلم أن النصاب انقطع بالنقصان، وإنما تغيرت صفته كما تتغير بالردة، أو بموت أكثر الأمهات وقد توالدت في الحول. ولأنه إذا هلك النصاب فلم يبق شيء مما انعقد الحول فيه، [فسقط حكم الحول. 5742 - وفي مسألتنا: بقي شيء مما انعقد حكم الحول فيه] فألحق الفائدة بالأصل، وتتعدى هذه العلة إلى المستفاد، يبين الفرق بين الموضعين: أن المستفاد بين الموضعين أن مال المضاربة إذا بقي منه شيء لحق الربح الحادث بالأصل،

ولو هلك انقطع حكم المضاربة، فلم يستحق رب المال شيئا من الربح الحادث، ولو هلك جميع النصاب بعد الحول سقط الوجوب اتفاق إذا لم يتمكن من الأداء، ولو نقص لم يسقط الوجوب، فعلم أن اعتبار احدهما بالآخر فاسد. 5743 - قالوا: النصاب شرط، كالحول ثم ثبت أن الحول لو انقطع لا زكاة، فكذلك إذا انقطع النصاب. 5744 - قلنا: لا نسلم أن النصاب ينقطع بالنقصان، وإنما يعتبر صفته. ثم المعنى في انقطاع الحول: أنه يمنع الوجوب في العروض، وإذا كان انقطاع النصاب ولا يمنع كبقاء الحول في العروض لم يمنع في غيرها. 5745 - قالوا: الحول اعتبر لتكامل النماء، فإذا نقص النصاب لم يتكامل. 5746 - قلنا: هذا يبطل بالعروض إذا نقصت قيمتها. ***

مسألة 334 يجب في حلي الذهب والفضة الزكاة

مسألة 334 يجب في حلي الذهب والفضة الزكاة 5747 - قال أصحابنا: يجب في حلي الذهب والفضة الزكاة. وهو أحد قولي الشافعي في الأم. وقال في القديم، والبويطي: لا زكاة في الحلي إذا أعد لاستعمال مباح. 5748 - لنا: قوله تعالى: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله} والكنز عبارة عما لم تؤد زكاته. 5749 - بدليل: حديث أم سلمة قالت: (كنت ألبس أوضاحا من ذهب فقلت يا رسول الله أكنز هو؟ قال: ما بلغ أن تؤدي زكاته فزكي فليس بكنز). فعلم أن الكنز في الشرع عبارة عما لم تؤد زكاته. ويدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام: (في الرقة ربع العشر)، وهي اسم لجنس الفضة. 5750 - فإذا قيل: إن الرقة اسم للمضروب، كالورق. 5751 - قلنا: بل اسم للجنس، قال خالد بن الوليد، وخالد من دينه على

ثقة: (لا ذهب ينجيكم ولا رقة). و [قد] قال العتبي: إن الورق أيضا اسم للفضة، بدلالة ما روي: (أن عرفجة أصيب أنفه يوم الكلام فاتخذ أنفا من ورق [فأنتن] فدل على أن الفضة تسمى ورقا. ثم أجمعت والأمة أن المراد بالخبر إياب الزكاة في الجنس، فلا معنى لدفعه ذلك بما لا يثبت. 5752 - ويدل عليه: حديث ثابت بن عجلان عن عطاء عن أم سلمة رضي الله عنها (أنها كانت تلبس أوضاحا من ذهب قالت: فقلت: يا رسول الله أكنز هو؟ فقال: إذا أديت زكاته فليس بكنز). 5753 - وقولهم: إن ابن عجلان ليس بالقوي لا يقدح فيه؛ لأن أصحاب الحديث يضعفون من يعمل الفقهاء بقوله ويطعنون فيما ليس بطعن. وروى عمر بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن امرأتين أتيتا النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي أيديهما سواران من ذهب، فقال لهما أتؤديان زكاتهما، قالتا: لا، فقال لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

أتحبان أن يسوركما الله بسوار من نار؟ قالتا: لا، قال: فأديا زكاتهما). 5754 - ويدل عليه حديث عبد الله بن شداد بن الهاد عن عائشة رضي الله عنها قالت: (دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأى في يدي فتخات من ورق، فقال: ما هذا يا عائشة: فقلت: صنعتهن أتزين لك فقال: أتؤدين زكاتهن؟ فقال: لا، قال: حي حبل من نار) وروى الشعبي قال: (سمعت فاطمة بنت قيس تقول: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بطوق فيه سبعون مثقالا من ذهب، فقلت: يا رسول الله خذ منه الفريضة فأخذ مثقالا وثلاثة أرباع مثقال). 5755 - فإن قالوا قد كان لبس الحلى عن النساء محظور، بدلالة قوله عليه الصلاة والسلام: (من تطوق بطوق من ذهب طوق من نار)، وفي حديث فاطمة بنت قيس أنها أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي يدها سواران من ذهب، فقال: (من تسور بسوار من ذهب سور بسوار من نار).

5756 - قالوا: ومتى كان اللبس محظور ففيه الزكاة. 5757 - قلنا: لا نعلم أن هذا كان محظورا على النساء، فأما الخبر الأول: فمحمول على الرجال، وأما الثاني: فإنما قاله فيمن لا يؤدي الزكاة، ولو ثبت ما قالوا فأخبارنا في حال الإباحة، ألا ترى: أنه لو كان ذلك في حال الحظر لأنكر اللبس أولا ثم أمر بإخراج الزكاة؟ 5758 - فإن قيل: إنه أمر بزكاة الحلي الذي هو عاريته كما روي عن ابن عمر وجابر وابن المسيب والشعبي: زكاة الحلي عاريته. 5759 - قلنا: العارية مستحبة والوعيد لا يستحق إلا بترك الواجب. 5760 - قالوا: لا يمتنع أن يرد الوعيد على ترك المستحب، كقوله تعالى: {ويمنعون الماعون} وقال - صلى الله عليه وسلم -: (من كانت له إبل أو بقر لم يؤد زكاتها إلا بطح لها بقاع قرقر). 5761 - قالوا: يا رسول الله ما زكاتها؟ قال: إطراق فحلها وإعارة دلوها ومنحة لبنها يوم ورودها. 5762 - قلنا: إن ثبت هذا دل على أن هذه المعاني كانت واجبة في أول الإسلام/، ولأن من ملك مقدار النصاب من الأثمان ملكا تاما، وهو من أهل الزكاة وجب عليه

الزكاة، أصله الآنية والدراهم والدنانير، وحلية الفرس. 5763 - قالوا: المعنى في الأصل: أنه لم يعدل بها عن جهة النماء، والحلي عدل به عن جهة النماء إلى استعمال مباح. 5764 - قلنا: لا نسلم هذه المعارضة في الابتداء؛ إذ لا يحدث الاستعمال فيما لا يختص بالأبدان، ولا نسلمها أيضا في حلية الفرس؛ لأنه مباح عندنا، ثم هي تبطل بأموال المصارف، وعلة الفرع غير مؤثرة؛ لان الاستعمال المباح والمحظور يتساوى في الشريعة، بدلالة الثياب، ولأنه مال لو أعد لاستعمال محظور لم تسقط زكاته، فإذا أعد لاستعمال مباح لم تسقط زكاته، كإبل التجارة إذا حمل عليه الحاج، أو حمل عليها لسلاح إلى أهل الحرب، وعكسه ثياب الجزية إذا لبسها الراجل والنساء. ولأنه حق الله تعالى يتعلق بالذهب والفضة، فوجب أن يتعلق بالحلي المستعمل، كالتقابض، وترك التفاضل. ولأنه حق لله تعالى يعتبر فيه المال اعتبر فيه بالحل، كالحج. ولأن وجوب الزكاة في الذهب والفضة تتعلق بأعيانها دون طلب النماء منها، بدلالة أنه لا يقف الوجوب على معنى ينضم إلى الملك ولو اعتبر النماء لوقف الوجوب على معنى ينضم إلى

مطلق الملك كما يعتبر السوم في الحيوان والتجارة في غيرها، ولهذا لو ورث ذهبا لم يعلم به حتى حال عليه الحول وجبت زكاته، وليس في الحلي أكثر من قيمة النماء، فبقي على مطلق الملك فلم تسقط زكاتها. 5765 - فإن قيل: لو وجبت الزكاة في عينها لوجب إذا اشترى بها عروضا أن تسقط زكاتها لأن عينها نقلت ولكان لا يبني حول العروض على حولها، كما لا يبني على حول السائمة. 5766 - قلنا: العروض تجب الزكاة فيها لأجل قيمتها، وهي من جنس الدراهم فلذلك يبني على حولها، وكما يضم النماء في الحول كذلك يبني على حولها، ولما لم تضم العروض إلى السائمة في حولها لم يبن حولها. 5767 - احتجوا: بما روى جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ليس في الحلي زكاة). 5768 - قلنا: هذا خبر موضوع لا أصل له رووه عن عافية بن أيوب عن ليث وعافية لا يعرف. ثم هو معارض بما ذكر الدارقطني بإسناده عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: في الحلي زكاة) على أنها نحمله على الحلي من اللؤلؤ، قال الله تعالى: {وتستخرجوا منه حلية تلبسونها}.

5769 - فإن قيل: عند أبي حنيفة إذا حلق لا يلبس حليا فلبس لؤلؤا، لم يحنث. 5770 - قلنا: الأيمان عندنا مبنية على العادة لا على إطلاق الاسم، ولهذا لو نوى بيمينه الجوهر حنث وهذا كما قالوا فيمن حلف لا يأكل لحما [إنه] لا يحنث بأكل السمك وإن كان لحما في الحقيقة. 5771 - وجواب آخر: وهو أن في الخبر إضمارا عندهم إذا كان مستعملا في مباح وعندنا إذا كان في غير الأثمان، وإذا كان ليتيم. وفائدة تخصيصه باليتيم: انه لا يستحب عاريته. 5772 - احتجوا: بحديث فريعة بنت أبي أمامة قالت: (حلاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحلا أختي وكنا في حجره فما أخذ منا زكاة حلى قط). 5773 - قلنا: يحتمل أن يكون ليتمهن أو لقصوره عن النصاب ولا يقال: إنها أخبرت وهي كبيرة، أنه يؤخذ منها. 5774 - قلنا: يجوز أن تكون صغيرة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم تعلم بذلك من بعده؛ ولأن ترك الأخذ لا يدل على عدم الوجوب عند مخالفنا؛ لأن عنده لا يجب على الإمام أن يأخذ، ولا يجب الدفع إليه. 5775 - قالوا: روي مثل قولنا عن ابن عمر، وجابر، وأنس، وعائشة وأسماء رضي الله عنهما.

5776 - قلنا: في هذه المسألة خلاف مشهور، فأما عائشة رضي الله عنها فقد ذكر الدارقطني عنها أنها قالت (لا بأس بلبس الحلي إذا أديت زكاته) والذي روي عنها أنها كانت لا تركي حلي أولاد أختها، فيجوز أن يكون لصغرهم، وأما جابر: فقد روى الثوري عمرو بن كيسان عن جابر بن عبد الله: (أنه سئل ن الحلي أفيه الزكاة؟ فقال: لا. فقال له رجل: وإن كان ألف دينار، فقال: ألف دينار كثير). 5777 - وقد روي وجوب الزكاة في الحلي عن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمر، وابن عباس رضي الله عنهما، فأما تأويل ما روي عنهم فغلط؛ لأن التأويل لا يستعمل في مسائل الخلاف الظاهرة لسقط الخلاف، كما لا تتأول أقاويل الفقهاء ولو ساغ ما قالوا لجاز لقائل أن يقول: أجمعوا على أن فيه الزكاة، ومن روى شيئا خلاف ذلك إنما قالوا فيما سوى الأثمان، وإن كان يتسعان. 5778 - فإن. قالوا: مال مرصد لاستعمال مباح، أو مقتنى لاستعمال

مباح فوجب أن لا تجب فهي الزكاة، أصله: ثياب البدن، واثاثه وآلات منزله، وأدوات الصناع. 5779 - قلنا: قولكم: استعمال مباح لا تأثير له في الأصل؛ لأن المحظور من استعمال الثياب وهو الحرير للرجال، والمباح سواء في إسقاط الزكاة، وكذلك أثاث البيت محظوره ومباحه سواء، وآلة الصناع مثله؛ لأن الآلة المباحة كالمحظور في أنه لا زكاة فيها، وهي آلات الغناء. 5780 - فإن قيل: الاستعمال يسقط الزكاة، إلا أن المحظور من الحلي أسقط الشرع حكم استعماله، فرده إلى أصله. واللباس الحظور أبطل الشرع استعماله فرده إلى أصله. 5781 - قلنا: نحن بينا أنه لا تأثير لقولكم: مباح فيتم أنه لا تأثير لقولكم: مستعمل ولا لمباح، فزعمتم أن الوصفين جميعا لا يؤثران، فهذه الطريقة تبطل مذهبكم لأن الاستعمال يرد المستعمل إلى مطلق الملك، فتجب في الحلي الزكاة، ولا يجب فيما قاسوا عليه. 5782 - قالوا: متبدل في مباح، فلم تجب فيه الزكاة، كالسائمة. 5783 - قلنا: قولكم: [في] مباح، لا تأثير له في الأصل؛ لأن السائمة إذا جعلها حاملة فحمل الحاج أو نقل الخمر لا زكاة فيها، وكذلك إذا جعلها معلوفة. لا فرق بين أن يعلفها علفا مباحا، أو يعلفها ما يعتلف بها الجلالة في

سقوط الزكاة؛ ولأن كونه متبدلا يعتبر عندهم؛ لأن الحلي إذا أعد سقطت زكاته، وإن لم يتبدل، وإذا سقط هذا بطل بالدراهم التي أعدها للنفقة، وبالسبيكة التي أعدت للحلي، وبهذا الطريق يبطل قولهم: صرفه من المال إلى استعمال مباح. 5784 - فإن قيل: للوصف تأثير في الأصل؛ لان الغاصب إذا استعمل السائمة لم تبطل زكاة السوم على أحد الوصفين. 5785 - قلنا: قولكم متبدل في مباح إن عنيتم من جهة المالك لم يتناول الغاصب فالوصف لا تأثير له. وإن أردتم به متبدل في [الجملة انتقض بالسائمة، إذا اضطر إلى ركوبها غير مالكها فركبها، فهذا متبدل في مباح فلا يبطل بسومها؛ ولأن المواشي لما كان استعمالها على وجه مباح] سقط الزكاة، كذلك المحظور لما كان استعمال الحلي على الوجه المحظور لا يسقط الزكاة كذلك على وجه مباح. 5786 - قالوا: جنس مال تجب الزكاة فيه بشرطين فوجب أن يتنوع نوعين، أحدهما: تجب فيه الزكاة، والثاني: لا تجب فيه، كالمواشي. 5787 - قلنا: لا نسلم أن الزكاة تجب بشرطين، بل بشروط الحول، والنصاب والتكليف، وعدم الدين، وتمام الملك. ثم نقول بموجبه في الذهب إذا موه به الأواني والسقوف، أو في ملك المكاتب والصبي وقناديل الكعبة وحلية

المصاحف ونقل العلة فنقول: فوجب أن يستوي فيه الاستعمال المباح والمحظور، كالسوائم. ثم المعنى في الأصل: أن الاستعمال يزيل السوم فيعيدها إلى مطلق الملك، والملك المطلق في المواشي لا زكاة فيه، وفي مسألتنا تبطل جهة النماء فيه فيعود إلى الملك المطلق، وذلك تتعلق به الزكاة في الأثمان. 5788 - قالوا: المواشي إذا علفها انتفع بظهرها وأجرتها، والحلي لا منفعة فيه بحال، فهو أولى بسقوط الزكاة. 5789 - قلنا:/ السوائم ينتفع بالنماء منها [ولا يلزم عليها مؤنة، فوجب الزكاة فيها، والعوامل ينتفع بها ويلزم مؤنتها فسقطت زكاتها، والحلي ينتفع به] ولا يلزم مؤنته ويمكن إجارته، فهو بالسوائم أشبه. 5790 - قالوا: الزكاة تجب في الأموال النامية، أو المرصدة للنماء، والحلي ليس بنام ولا مرصد للنماء. 5791 - قلنا: يبطل بالأواني وحلي الرجال. 5792 - قالوا: ملبوس معتاد، كالثياب. 5793 - قلنا: يبطل بحلي الرجال. 5794 - قالوا: نعني بالعادة ما كان على عهد السلف. 5795 - قلنا: حلي الرجال والخيل كان على عهد السلف معتادا وإن لم يكن منهم، والمعنى في الثياب ما ذكرناه. 5796 - [قالوا: ما لا تجب فيه الزكاة على الصبي لا تجب على البالغ كالثياب].

5797 - قلنا: سقوط الفرض عن غير المكلف، لا يدل على سقوطه على المكلف كالصلاة والصوم، ولأن الثياب تجب الزكاة فيها بنية التجارة، والاستعمال يزيل بنية التجارة، وفي مسألتنا: الزكاة تتعلق بأعيانها، والاستعمال لا يغير العين. 5798 - قالوا: عدل به نماء سائغ إلى استعمال سائغ كالثياب. 5799 - قلنا: سقوط الزكاة عندهم يسبق الاستعمال؛ لأنها تسقط عندهم قبل اللبس، وهذا المعنى موجود في الذهب إذا أعد للحي، وبالحلي إذا انكسر حتى صار بحيث لا يمكن إصلاحه، والزكاة واجبة فيه عندهم وإن كان قد عدل به. 5800 - قالوا: الأصل في باب الأثمان وجوب الزكاة، كما أن الأصل في الثياب عدم الزكاة، ثم كان إذا عدل بالثياب إلى طلب النماء وجبت فكذلك إذا عدل بالحلي عن النماء سقطت. 5801 - قلنا: إذا عدل بالثياب زال مطلق الملك فيها، وهذا سبب الوجوب و [إذا] عدل بالحلي عاد إلى مطلق الملك، وهذا سبب الوجوب، فلم تسقط الزكاة. ***

مسألة 335 إذا كان له دين على مقر به فالزكاة واجبة فيه ولا يلزمه إخراجها حتى يقبضه

مسألة 335 إذا كان له دين على مقر به فالزكاة واجبة فيه ولا يلزمه إخراجها حتى يقبضه 5802 - قال أصحابنا: إذا كان له دين على مقر به فالزكاة واجبة فيه ولا يلزمه إخراجها حتى يقبضه. 5803 - وقال الشافعي في القديم: لا تجب في الدين زكاة، وقال في الجديد: إذا كان مالا على معترف به في الظاهر والباطن وجب عليه إخراج الزكاة، وإن لم يقبضه. 5804 - أما الدليل على وجوب الزكاة: فلأنه في ذمة غيره بفعله كما لو جعله في يد غيره بالوديعة، فإذا وجبت الزكاة كذلك الدين، ولأنه ملك له يجوز تصرف فيه بالتمليك والبراءة كالعين. والدليل على أنه لا يلزمه تعجيل الأداء قبل القبض: أن الدين أنقص من العين، بدلالة: أنه لو أخرج زكاة الدين عن العين لا

يجوز؛ ولأن الدين يجوز تصرفه فيه [مع من هو في ذمته خاصة، والعين يجوز تصرفه فيها] من كل وجه وإذا كان ناقصا والزكاة تجب فيه، بدلالة أنه لو برئ سقطت، فإذا ألزمناه التعجيل ألزمناه الكامل عن الناقص، وهذا لا يجب كما لا يجب أن يخرج البيض عن السود، ولأنه دين في الذمة فلا يجب تعجيل زكاته كالمؤجل، وكما لو كان على معسر. 5805 - فإن قيل: المعني فيه أنه لا يقدر على قبضه. 5806 - قلنا: هذا المعنى إذا لم يمنع عندهم الوجوب فيجب أن لا يمنع الأداء أيضا. 5807 - احتجوا: بقوله عليه الصلاة والسلام: (هاتوا ربع العشر من أموالكم). 5808 - قلنا: هذا أمر بإخراج الزكاة من المال، والدين لا يدفع منه الزكاة، وإنما الخلاف في إخراج الزكاة من غير ذلك، وهذا لا يدل عليه الخبر. 5809 - احتجوا: بقوله تعالى: [وءاتوا الزكاة]. 5810 - قلنا: هذا يدل على وجوب دفها من المال، وهذا يختص بالمال الذي يمكن الدفع منه وهو الأعيان، فأما الديون التي لا يمكن دفعها فلا يتناوله. 5811 - قالوا: نصاب وجبت فيه الزكاة مقدور على قبضه من غير منع فلزمه إخراج الزكاة عنه قبل قبضه، كالوديعة. 5812 - والجواب: أن ما لا يقدر على قبضه لا تجب فيه الزكاة، فلا يجب إخراجها؛ لأن المراد أكمل منه، وهذا موجود فيما يقدر على قبضه.

ولأن الوديعة لا يجب عليه إخراج زكاتها قبل قبضها، وإن سلمنا فلأنه يخرج عينا من عين وفي مسألتنا: يخرج كاملا عن ناقص، وهذا لا يجب. 5813 - قالوا: الدين أكمل من العين؛ لأنه لا يقوم، والعين تتلف. 5814 - قلنا: كل واحد مهما يهلك، وأما العين فتتلف مشاهدة، وأما الدين فيهلك بموت من ليه مفلسا أو بجحده، والعين فيها ملك ويد، والدين ملك بغير يد، والعين يتصرف فيها تصرفا عاما، والدين لا يتصرف فيه إلا مع صاحب الذمة، فهو كأم الولد الذي لا يصح أخذ العوض عن رقها إلا منها، فهي أنقص من العبد القن الذي يأخذ عوضه من جميع الناس. ***

مسألة 336 تقوم العروض بما هو أنفع للفقراء ولو في الزكاة

مسألة 336 تقوم العروض بما هو أنفع للفقراء ولو في الزكاة 5815 - قال أبو حنيفة: تقوم العروض بما هو أنفع للفقراء ولو في الزكاة. 5816 - وقال الشافعي: إن اشتراها بدراهم أو دنانير قومها بجنس ما ابتاعها به فإن اشتراها بعرض القنية قومها بغالب نقد البلد، فإن كانت المعاملة بالنقدين سواء وهي: إذا قومت بأحدهما بلغت نصابا وبالآخر لا تبلغ، قومت فيما يبلغ النصاب. 5817 - لنا: أن كل مال وجب تقويمه بعرض لم تختص القيمة بثمنه، أصله: المستهلك. 5818 - فإن قالوا: لا يقوم بالأجرة لمن قوم له. 5819 - قلنا: يبطل بما إذا اشتراه بعرض القنية وتقويمه بأحد النوعين يبلغ النصاب؛ ولأن التقويم يجوز في المقومات بكل واحد من النقدين، فوجب اعتبار حظ المساكين كمائة وعشرين من البقر، والواجب فيها ثلاث مسنات أو أربعة تبيعات.

والمصدق يأخذ ما هو الأنفع، وكذلك إذا ابتاع عرضا بعرض للقنية، والمعاملة بالنقدين قوم ما يبلغ النصاب؛ لأنه أنفع للمساكين؛ ولأن رب المال حصل حقه من الملك والتصرف في الحول، فكان ما أدى إلى تحصيل حظ الفقراء أولى. 5820 - احتجوا: بأنها زكاة تجب بحول الدراهم، فكان الواجب فيها كما لو بقيت الدراهم في يده. 5821 - والجواب: أنه لا معني لقولهم: وجبت بحول الدراهم؛ لأن عندهم لو اشترى بمائة درهم عرضا يبلغ في آخر النصاب لا حول له. ولأن المعنى فيه: إذا بقيت الدراهم؛ لأن الزكاة لا تعتبر فيها بالتقويم. فتعلقت بمعين وفي مسألتنا: التقويم يعتبر، فلم يختص كسائر المقومات. 5822 - قالوا: السلعة لها تعلق بالثمن، بدلالة أنها تبني على حوله، فكان اعتبار ما لها به تعليق أولى ويفارق الملتفات؛ لأنه لا تتعلق السلعة بثمنها. 5823 - قلنا: البقاء على حولها ليس لما ذكرتم، لكن لأن الأثمان مختلفة والعروض كالشيء الواحد في الزكاة، بدلالة أن من ابتاع عرضا بالدراهم فباعه بالدنانير، ثم اشترى بها عرضا انقطع الحول، فإذا بنى الدنانير نفسها على الدراهم في هذا الموضع جاز أن يبني العرض المقوم بها، وإن كان الحول انعقد بالدراهم. ولأن الدراهم زال ملكه عنها وتعلق الحول بالمال الموجود، وقيمته معتبرة في الزكاة فكان في ملكه دنانير فيقوم بأقل من مائتين، وهي نصاب في نفسها، فلا تسقط الزكاة منها [كما تقدم في محله].

مسألة 337 الزكاة واجبة في العروض

مسألة 337 الزكاة واجبة في العروض 5824 - قال أصحابنا: الزكاة واجبة في العروض، فإن أخرج ربع عشرها جاز، وإن أخرج ربع عشر قيمتها جاز. 5825 - وقال الشافعي: الزكاة واجبة في قيمتها، وهل يخرج من العين؟ فيه قولان. 5826 - لنا: قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة}. 5827 - فإن قيل: عندكم لا يجب أخذ جزء من العين. 5828 - قلنا: الواجب عندنا من العين والقيمة يجزئ عنه وروى: (أن عمر بن الخطاء - رضي الله عنه - أخذ الزكاة من أديم حماس). وروى أنه كان يأخذ العروض في الصدقة من الثياب وغيرها. ولأنه مال تجب الزكاة لأجله فجاز إخراجها منه كالأثمان والسوائم. ولأنها زكاة تختص بالمال، فكان محلها عين المال، كالسوائم. 5829 - فإن قيل: إن الزكاة تتعلق بالذمة. 5830 - قلنا: قد دللنا على إبطال هذا الأصل، ونحن لا نتكلم في هذه المسألة إلا

بعد تسليم ذلك، ولأنها زكاة فجاز إخراجها من غير النصاب، كخمس من الإبل. 5831 - احتجوا: بأن كل ما اعتبر النصاب فيه تعلق الوجوب/ به، أصله: الأعيان من الماشية. 5832 - قلنا: نصابها عندنا من أعيانها، والتقويم يعتبر لتبلغ العين المقومة مقدارا معلوما، كما يعتبر العدد والوزن ليبلغ الموزون والمعدود مقدارا معلوما. 5833 - قالوا: التقويم يعلم به القيمة، فتتعلق الزكاة بها، كما أن العدد يعلم به المعدود فتتعلق الزكاة به. 5834 - قلنا: بل التقويم يعلم به بلوغ المقوم نصابا كما أن العدد يعلم به كون المعدود نصابا. ثم الماشية يعتبر النصاب من عينها ويخرج الزكاة من غيرها [وهي الشاة من الإبل فلا يمتنع أن يعتبر النصاب من القيمة ويخرج الزكاة من غيرها]؛ ولأن الماشية تتعلق بالوجوب بما هو على مالكه، فكذلك العروض تعلق الزكاة بما هو على ملكه وهو العين دون القيمة التي يملكها. 5835 - قالوا: وجوب الزكاة وسقوطها تتعلق [بالقيمة، بدلالة: أنها إن كملت وجبت الزكاة، وإن نقصت لم تجب فيها فوجب أن يتعلق] الوجوب بها. 5836 - قلنا: الدين يتعلق به وجوب الزكاة وسقوطها والعين إن كانت على صفة فالوجوب متعلق بالعين لا بالصفة، ألا ترى: أنها لا تتعلق بالسوم في السائمة ولا بالتجارة في العروض كذلك القيمة أيضا. ***

مسألة 338 إذا باع الدراهم بجنسها أو بالدنانير لم ينقطع الحول

مسألة 338 إذا باع الدراهم بجنسها أو بالدنانير لم ينقطع الحول 5837 - قال أصحابنا: إذا باع الدراهم بجنسها أو بالدنانير، لم ينقطع الحول. 5838 - وقال الشافعي: إذا باع بعضها ببعض لا يقصد بذلك التجارة انقطع الحول، وإن باعها بنية التجارة، اختلف أصحابه، فمنهم من قال: انقطع الحول ولا تجب في أموال المضاربة الزكاة، ومنهم من قال: تجب. 5839 - لنا: قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة}. وقوله عليه الصلاة والسلام: (هاتوا ربع العشر من أموالكم). ولأن زمانها ربع العشر في جميع الأحوال، فلا ينقطع حولها باستبدال بعضها ببعض، كالعروض. ولأن المقصود من الأثمان التمول بها دون أعيانها، بدلالة: أنها تكون عينا، ثم تصير دينا ثم تنتقل عرضا، فلا ينقطع حولها بحصول معنى التمول من جميعها على واحد، وكذلك إذا باع بعضها ببعض، وأما إذا باعها بنية التجارة، فمن أسقط الزكاة خالف الإجماع؛ لأنه قول لم يسبق به. ولأن الصيارف قبيل من الناس لا يخلو منهم زمان، فلو لم تجب في أموالهم الزكاة لبين لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك والسلف من

الصحابة، والتابعين ولو فعلوا لنقل؛ ولأنه مال تجب فيه الزكاة، فإذا اتجر فيه وجبت فيه الزكاة، كالسوائم. ولأنه إذا اتجر فيما لا زكاة فيه، وهي المعلوفة وثياب البدل وجبت فيها الزكاة، فإذا اتجر فيما يجب فيه الزكاة كان أولى. 5840 - احتجوا: بقوله عليه الصلاة والسلام: (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول). 5841 - والجواب: ما قدمنا أن حؤول الحول وجود آخره وقد حال على هذا المال. 5842 - قالوا: أصل في نفسه تجب الزكاة في عينه، فوجب أن يون حوله من حين ملكه، كالماشية. 5843 - قلنا: المقصود بالماشية أعيانها دون معانيها، وهذا المعني يزول ببعيها، والمقصود من الأثمان التمول بها، وهذا المعني لا يبطل باستبدالها؛ ولأن الماشية نقلها إلى العروض يقطع حولها، فنقله إلى الدراهم يقطعه أيضا، ولما كان نقل الدراهم إلى العروض لا يقطع كذلك إلى الدراهم. 5844 - قالوا: الزكاة تجب في مال التجارة للفائدة، والصرف تقل فائدته؛ لأنه إن باعها بجنسه لم يجز التفاضل، وإن باعها بغير جنسه قل الرب فقد صرفها عن نماء جزيل إلى ما هو أخف وأولى. 5845 - قلنا: يبطل ببيع الحنطة بالحنطة والشعير بالشعير؛ ولأن الصرف وإن قلت الفائدة فيه، ففيه تكرار البيع فيحصل فيه من الفائدة أكثر مما يحصل من غيره.

مسألة 339 إذا كان قيمة العروض أقل من نصاب لم ينعقد حولها

مسألة 339 إذا كان قيمة العروض أقل من نصاب لم ينعقد حولها 5846 - قال أصحابنا: إذا كان قيمة العروض أقل من نصاب لم ينعقد حولها. 5847 - وقال الشافعي: إذا كانت القيمة كاملة في آخر الحول وجبت الزكاة ولا اعتبر ما قبل ذلك. 5848 - لنا: قوله عليه الصلاة والسلام: (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول). والمراد به: لا زكاة في مال هو نصاب، وهذا لم يوجد. ولا يقال: إن الحول حال على العين؛ لأنا لا نسلم لهم أن الحول ينعقد لما دون النصاب. 5849 - ولأن النصاب نقص في أحد طرفي الحول كما لو نقص من آخره، ولأنها حالة يعتبر فيها كمال نصاب الماشية كذلك يعتبر كمال قيمة الروض كآخر الحول. ولأنه مال ناقص عن النصاب، فلم ينعقد له حول، كالماشية. ولأنها حالة يتجدد فيها للنصاب حكم لم يكن، فنقصانه يؤثر في حكم الحول كآخره. 5850 - احتجوا: بقوله عليه الصلاة والسلام: (في البر صدقته).

5851 - والجواب: أن الخبر يدل على أن فيه صدقة، فعندنا إذا تم الحول من حين تمت قيمته، وعندهم فيه الصدقة إذا تمت قيمته نصابا حين حال الحول من يوم ملكه فتساويا. 5852 - احتجوا: بقوله عليه الصلاة والسلام: (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول). 5853 - قلنا: الزيادة لم يحل عليها الحول فتساويا في الخبر. 5854 - فإن قيل: حؤول الحول عندك آخره. 5855 - قلنا: لا نسلم وجود حول لم ينعقد على نصاب. 5856 - قالوا: إذا تساوينا في الخبر كان الإيجاب أولى. 5857 - قالوا: إذا تساوينا لم يجز الإيجاب بالشك. 5858 - قالوا: كل زمان يتعلق وجوب زكاة التجارة فيها بالمال لم يعتبر فيه وجود النصاب كأثناء الحول. 5859 - قلنا: اعتبار النصاب لا يختص بحال الوجوب أصله: سائر الأموال، والمعني في خلال الحول: أنها حالة لا تتجدد للنصاب حكم لم يكن، فلم يعتبر كماله، وأول الحول يتجدد له حكم الانعقاد، فهو كآخره الذي يتجدد له حكم وهو الوجوب. 5860 - قالوا: ما اعتبر نصابه بقيمته وجد نصابا حين وجود الزكاة، أو عند حؤول الحول، فوجب أن تجب الزكاة فيه، أصله: إذا كان كاملا في الطرفين. 5861 - قلنا: لا نسلم أن الحول انعقد إذا لم يكمل في ابتدائه النصاب فكيف

نسلم لهم حؤوله؟. ولأن ما اعتبر فيه النصاب لا فرق بين ما كان نصابه من عينه أو من قيمته في اعتبار الكمال في الحال الذي اعتبر فيه، كنصاب السرقة. 5862 - والمعنى في الأصل: أن النصاب لم ينقص في حال يتجدد للنصاب حكم لم يكن، وفي مسألتنا: نقص النصاب في حال يتجدد للمال حكم لم يكن، فصار كنقصانه في الطرق الآخر. 5863 - قالوا: القيمة معتبرة في زكاة الروض فاعتبارها في جميع الأحوال يشق؛ لأن اختلاف السعر لا يضبط وما بنى على الترخص والمساواة لا يدخلها المشقة ولهذا اعتبر كمال سائر النصب في جميع الحول؛ لأن نصابها من عينها وذلك لا يشق، والاعتبار أنه لا مشقة عليه في اعتبار النصاب في أول الحول كما يعتبر في آخره، ولأنا لا نعتبر إلا تغير السعر الظاهر، وهذا لا يجوز اعتباره في جميع الحول؛ ولأن السائمة يشق اعتبار عددها في كل جزء من الحول؛ لأنها تنمى وتتوالد وإن كان ذلك يعتبر عندهم في أول الحول إلى آخره. ***

مسألة 340 إذا اشترى إبلا أو بقرا أو غنما سائمة ينوى به التجارة فعليه زكاة التجارة

مسألة 340 إذا اشترى إبلا أو بقرا أو غنما سائمة ينوى به التجارة فعليه زكاة التجارة 5864 - قال أصحابنا: إذا اشترى إبلا أو بقرا، أو غنما سائمة ينوى به التجارة فعليه زكاة التجارة فعليه زكاة التجارة دون زكاة السائمة، وإن اشترى أرضا أو نخلا للتجارة ففيه العشر وليس فيه زكاة التجارة. 5865 - وقال الشافعي في الجديد: تجب زكاة العين دون زكاة التجارة. 5866 - وقال في القديم: فيها قولان، أحدهما: هذا، والآخر: تجب زكاة التجارة، وإن ملك أربعا من الغنم: فيها زكاة التجارة قولا واحدا، واختلف أصحابه إذا تقدم أحد الحولين فمنهم من قال: تجب زكاة المقدم قولا واحدا، ومنهم من قال: على قولين. 5867 - لنا: قوله عليه الصلاة والسلام: (هاتوا ربع العشر من أموالكم). ولأنه حيوان لو نقص عدده كان فيه زكاة التجارة. ولأنه معد للتجارة فوجب أن لا تجب فيه زكاة غير زكاة التجارة، كسائر الأموال، ولا يلزم أرض العشر؛ لان ذلك ليس بزكاة. ولأن كل مال لو لم يكن سائما وجبت فيه زكاة التجارة، إذا كان

سائما وجبت فيه زكاة التجار، كالخيل. ولأنه مال يجوز أن يخلو من حق الله تعالى فإذا أمسكه صاحبه بنية التجارة وجبت فيه زكاة التجارة، كسائر الأموال. 5868 - ولا يلزم أرض العشرية والخراجية؛ لأنه لا يجوز أن تخلو أرضا في دار الإسلام من عشر أو خراج. وإن عكسوا فقالوا: فإذا أمسكه للسوم وجبت فيه زكاة السوم، انتقض بالخيل والحمير. ولأنه إذا ملك في أول الحول أربعة من الإبل جرت في حول التجارة، فإذا ولدت واحدة، فإن قال تجب الزكاة، فكل مال إذا كان في آخر الحول على صفة وجبت فيه زكاة التجارة إذا كان في أوله وجبت زكاة التجارة، وإن قال: إن الحول يتغير، أدى إلى أن يتغير الحول/ بزيادة مال، وهذا لا يصح. 5869 - احتجوا: بقوله عليه الصلاة والسلام: (في أربع وعشرين فما دونها من الغنم، وفي سائمة الغنم أذا كانت أربعين إلى مائة وعشرين شاة). 5870 - والجواب: أنه قال في الخبر، وإن كانت أربعا فلا شيء فيها إلا أن يشار بها، وإن كانت أقل من أربعين فلا شيء فيها، فدل على أن الخبر في السائمة التي لا يجب في أقل من خمس، وأقل من أربعين فلا شيء فيها، فدل على أن الخبر في السائمة التي لا يجب في أقل من خمس، واقل من أربعين [شيء، ومتى كانت السائمة للتجارة وجبت فيها الزكاة، وإن كانت أقل من أربعين] فلم يتناولها الخبر. 5871 - قالوا: ما وجبت فيه الزكاة إذا كان لغير التجارة، وجبت الزكاة فيه إذا كانت للتجارة، كالأرض والنحل.

5872 - قلنا: عكس علتنا؛ لأنها لا تخلو من حق الله تعالى فيتعلق بها، إما عشر أو خراج، ويجوز أن تخلو من زكاة التجارة فكان ما لا يخلو منه المال أولى. وفي مسألتنا: يجوز أن يخلو المال من حق يتعلق به، فإيجاب زكاة التجارة التي وجد سببها أولى. ولان العشر آكد في الوجوب؛ لأنه لا يعتبر في وجوبه حول، ولا يعتبر النصاب عندنا، والزكاة يعتبر في وجوبها الحول والنصاب، فإيجاب العشر المتأكد أولى. 5873 - قالوا: زكاة العين وجبت بالنص، وزكاة التجارة وجبت بالاجتهاد فكان ما ثبت بالنص وأجمعوا عليه أولى. 5874 - ولأنه زكاة لا تسقط بنقصان قيمة العين. وزكاة التجارة تسقط بنقصان قيمتها. ولأن زكاة التجارة اعتبار الشيء بغيره، وزكاة العين اعتبار الشيء بنفسه فكان أولى. 5875 - والجواب: أن الترجيح إنما يصح إذا استوى وجوب سبب الزكاتين، وعندنا أن سبب الزكاة السوم، ولم يوجد؛ لأنها تجب في المال المرصد لطلب النماء من عينه ومال التجارة مرصد لطلب النماء من ثمنه، ولكن المعتبر وجود السوم، بدلالة أن العوامل إذا تركها ترعى من الصحراء حولا لم تجب فيها الزكاة؛ لأنها ليست مرصدة للنماء فلم يؤثر إذا لم يجتمع السببان، فلا معنى للترجيح. 5876 - قلنا: اعتبار الوصف في أحدهما، والاجتماع في الآخر يبطل، إذا اشترى عرضا بالدراهم ثم باعه بالدنانير فإنه تجب زكاة الدرهم، وإن كانت الزكاة في العرض مختلفا فيها، وفي الدنانير منصوص عليها أو مجمع على حكمها.

5877 - وأما قولهم: إن زكاة العين لا تبطل بنقصان العين، فقد تساويا من هذا الوجه. ثم نقول: زكاة التجارة تتعلق بجميع الأموال، وزكاة السوم بمال مخصوص؛ فإيجاب أعم الزكاتين أولى؛ لأنها آكد، ولأنها أنفع للفقراء؛ لأنها تزيد بزيادة القيمة، وزكاة السوم لا تزيد. ***

مسألة 341 إذا حال الحول على مال المضاربة وفيه ربح فزكاة نصيب المضارب من الربح عليه

مسألة 341 إذا حال الحول على مال المضاربة وفيه ربح فزكاة نصيب المضارب من الربح عليه 5878 - قال أصحابنا: إذا حال الحول على مال المضاربة وفيه ربح، فزكاة نصيب المضارب من الربح عليه إذا كان المال في عين واحدة أو في عينين يقسم بعضها في بعض، وإن كان في عينين لا يقسم بعضها في بعض مثل أن يشتري عبدين قيمة كل واحد منهما مثل رأس المال وجبت على رب المال زكاة رأس المال ونصيبه من الربح، ذكره الطحاوي. ولا يجب على المضارب شيء، وذكر في الجامع ما يدل على المضارب في نفسه وهو المحكي عن أبي الحسن. 5879 - وقال الشافعي في أحد قوليه: زكاة الجميع على رب المال، ولا يملك المضارب شيئا من الربح قبل القسمة. والقول الآخر: مثل قولنا، وقال: ملك بظهور الربح، فأما العشر في المسافة: فالظاهر من المذهب عنده أن العامل يملك بالظهور ويجب العشر عليهما. ومن أصحابه من قال على قولين، كالقراض. ذكره المزني. 5880 - قالوا: والمذهب على خلافه. 5881 - لنا: إنه أحد الشريكين في مال المضاربة فجاز أن يلزمه زكاة نصيبه من الربح قبل القسمة، ويعتبر رأس المال، أصله: رب المال. ولأنها حالة يلزم رب المال زكاة نصيبه من الربح، فجاز أن يلزم المضارب زكاة نصيبه، أصله: إذا نض

المال وتقاسما. ولأن رب المال لو استهلك نصيب المضارب ضمن، ولو مات لم يورث عنه، فلم يجب زكاته عليه، كسائر الأموال للمضارب؛ ولأن المضارب يملك مطالبة رب المال بالقسمة، والقسمة موضوعة لتمييز الحقوق ولإيجابها، فلولا أن ملكه ثبت لم تصح مطالبته بالقسمة بحق نفسه. 5882 - ولا يلزم إذا اشترى عبدين؛ لأنه لا يملك المطالبة بالقسمة حتى ينض ثمنها، ولان المضاربة عقد شركة على الفضل فإذا ظهر الفضل وملك أحد الشريكين نصيبه من الفضل ملك الآخر؛ لان ملك احد الشريكين لا يسبق ملك الآخر، ولأنها نوع شركة فلم يسبق أحدهما في الربح ملك الآخر كالشركة في الأموال. 5883 - أو نقول: فوجب على كل واحد من الشريكين زكاة نصيبه من الربح، أو فلم تلزم أحد الشريكين زكاة جميع الربح. 5884 - احتجوا: بان من ملك الشيء زائدا ملكه ناقصا، فلما أجمعوا أن الهالك من نصيب المضاربة دل على أنه لم يملك. 5885 - قلنا: وكذلك الهالك من نصيب رب المال من الربح وإن كان مالكا له ويبطل هذا بمن أوصى لرجل بألف من ثلثه ولآخر بما بقى، والثلث أكثر من ألف فكل واحد منهما مالك لما أوصى له به، والهالك من نصيب الموصى له بالزيادة. 5886 - قالوا: نصيب المضارب يجوز أن يسلم له، ويجوز أن لا يسلم،

فصار كمال المكاتب. 5887 - قلنا: يبطل بالمهر قبل الدخول، تجب الزكاة إذا قبض وهو متردد، لجواز أن ترتد المرأة فيزول ملكها عنه، ولأنا نوجب الزكاة لسلامة الملك في الحال وإن جاز أن لا يسلم كما يجوز أن يهلك جميع المال، ولا يمنع ذلك من وجوب الزكاة على المضارب. 5888 - قالوا: لو ملك المضارب لبطلت المضاربة؛ لأنها لا تصح في المال المشترك. 5889 - قلنا: يجوز ابتداء بمال مشترك، فلو كان بين رجلين ألفين فدفعها أحدهما إلى الآخر مضاربة بنصيبه منها جاز. 5890 قالوا: لو ملك الربح بالظهور لصار عاملا في مال مشترك، وكان يجب أن يستحق جزءا من الربح بماله وجزءا بفضله. 5891 - قلنا: دخل في العقد على أن يستحق جزءا من ربح رأس المال، فإذا ربح ثم تصرف استحق جزءا مما أسقط على رأس المال بالمضاربة، ويستحق ربح نصيبه من الربح بحكم ملكه لا يحكم المضاربة. 5892 - قالوا: لو ملك لعتق عليه أبوه إذا ملكه. 5893 - قلنا: إذا كان في المال ربح لم يملك أن يشترى أباه على المضاربة؛ لأنها تتضمن شراء ما يقدر على بيعه، ولو اشتراه ولا فضل في المال، فزادت قيمته عتق نصيبه. 5894 - قالوا: لو ملك لثبت له القصاص إذا قتل العبد، كما يثبت في العبد المشترك. 5895 - قلنا: وكذلك رب المال لا يملك القصاص وإن كان مالكا، وإنما لم يجز أن يثبت للمضارب قصاص؛ لأنه يستوفي ذلك بالربح من فوات رأس المال والربح جميعا، ولا يملك رب المال؛ لأنه حقه من رأس المال لا يسقط بذلك، ألزمونا

إذا اشترى عبدين قيمة كل واحد مهما ألف. 5896 - قلنا: رب المال لا يملك جميعا ولكن كل واحد من العبدين مشغول برأس المال وهذا غير ممتنع، كمن عليه ألف درهم وبها كفيل، ماتا جميعا وخلف كل واحد منهما ألف لم يملكها ورئتهما لاشتغال كل ألف منهما بالدين، وإن كان ألف واحدة، وقد قال أبو الحسن: إن الزكاة على المضارب في هذه المسألة، وإن لم ينفذ عتقه؛ لأنه وإن لم يملك فقد ثبت له حق الملك والزكاة تتعلق بالحقوق كالديون؛ فعلى هذا لم تبق لهم شبهة. ***

مسألة 342 الدين يمنع وجوب الزكاة إن كان مستغرقا

مسألة 342 الدين يمنع وجوب الزكاة إن كان مستغرقا 5897 - قال أصحابنا: الدين يمنع وجوب الزكاة إن كان مستغرقا، وإن كان غير مستغرق وجبت الزكاة في الفاضل من دينه. 5896 - وهو قول الشافعي في القديم وفي اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى. وقال في الجديد: الدين لا يمنع وجوب الزكاة. 5899 - لنا: قوله عليه [الصلاة و] السلام: (أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها على فقرائكم) ومن عليه دين مثل ما في يده، وزيادة ليس بغني. 5900 - فإن قيل: هذا احتجاج بدليل الخطاب. 5901 - قلنا: بل باللفظ؛ لان الألف واللام للجنس، فلم يبق بعد الجنس صدقة تؤخذ من الفقراء. 5902 - فإن قيل: إنما أراد الغني بقدر ما في يده، كما يقال: (مطل الغني ظلم) فالمراد به: الغني عن المطل، وذلك عقلناه بدلالة، ووجه ثان من الخبر: وهو

أنه جهل الناس صنفين: صنف يؤخذ نهم وصنف يرد عليهم، فمن أثبت صنفا ثالثا يؤخذ منه ويرد عليه، خالف الخبر. 5903 - فإن قيل: هاهنا قسم ثالث باتفاق وهو العامل والمؤلفة قلوبهم وابن السبيل. 5904 - قلنا: العامل لا يستحق زكاة، وإنما يأخذه أجرة والمؤلفة قد سقطوا، فأما ابن السبيل فهو فقير في الموضع الذي هو فيه كالغنى في حال الفقير في أخرى، على أنا نوجب عليه الزكاة في الحال الذي يجوز له أخذه حتى يصير إلى الموضع الذي يصير غنيا وإنما يمنع ما يقوله مخالفنا: أنه غني فقير في حال واحد. 5905 - ويدل عليه/: ما روى ابن شهاب عن السائب بن يزيد قال: سمعت عثمان يخطب ويقول: (هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليقضه ثم ليؤد زكاة ما بقى)، ولم يخالفه على ذلك أحد من الصحابة. 5906 - فإن قيل: معناه هذا شهر تعجيل زكاتكم؛ لأنه لا يتفق وجود الزكاة على الكل في شهر واحد. 5907 - قلنا: منهم: من صادف ذلك شهر حوله، ومنهم: من حال حوله قبل فأخر الأداء إليه لفضيلة الوقت، ومنهم: من يعجل فقد عمهم بالأمر، فدل على أن الجميع سواء. 5908 - ولأنا الدين لو كان لا يؤثر في الزكاة لم يكن عثمان - رضي الله عنه - يتوصل إلى إسقاطها بالأمر بالقضاء قبل الحول. ولأنه حق يعتبر في وجوبه تقدم المال فأثر الدين في المنع من وجوبه، كالحج. ولأنه ركن يعتبر في وجوبه المال، كالحج. ولا يلزم العشر؛ لأنه يجب مع الملك فليس يعتبر في وجوبه تقديم المال، وعلى العبادة لا يلزم؛ لأن العشر ليس بركن.

5909 - قالوا: المعنى في الحج: أنه ليس في جنسه ما لا يؤثر فيه الدين، ومن جنس الزكاة ما لا يؤثر فيه الدين، وهو العشر. 5910 - قلنا: من جنس الحج ما لا يؤثر فيه وهو الحجة المنذورة وحج المكي، أما العشر فليس هو من جنس الزكاة عندنا، ليس إذا لم يمنع ما هو من جنس الزكاة الدين لم يمنع الزكاة؛ لأن الدين لا يمنع التمليك بالبيع والهبة، ويمنع وقوع الملك بالوصية والإرث. قالوا: الحج يمنع منه الدين المتوهم فلم يمنعها الدين الواجب. 5911 - قلنا: روى الحسن عن أبي حنيفة أن من وجد الزاد والراحلة وجب عليه وإن لم يفضل منه شيء، فعلى هذا لا نسلم أن نفقة المستقبل تمنع، ولو سلمنا فمن شرط الحج وجود ما ينفق على نفسه وعياله، كما أن من شرطه الراحلة، لا أنه دين يمنع، ألا ترى: أن النفقة لا تصير دينا عندنا، ونفقة الأقارب لا تصير دينا باتفاق. ولأنه مال لا يجب الحج لأجله [فلم تجب الزكاة، كمال المكاتب. 5912 - قالوا: ينتقض هذا بمن حج بماله لا يجب الحج لأجله] وتجب الزكاة لأجله في كل سنة. 5913 - قلنا: التعليل ليس هو للتخصيص وإنما هو للمال، ولا يصح النقص بالشخص، على أن من حج بماله يجوز أن يجب الحج لأجله عندنا، بأن يرتد ثم يسلم. ولأن من جاز له أخذ الزكاة مع ثبوت يده على المال لم تجب الزكاة عليه من ذلك المال كالمكاتب. ولا يلزم العامل؛ لأنه لا يأخذ زكاة، ولا ابن السبيل؛ لأنه يأخذ لعدم ثبوت يده على ماله. 5914 - قالوا: المعنى في المكاتب أنه منقوض بالرق، والحر بخلافه. 5915 - قلنا: نقضه بالرق أثر في نقصان ملكه وحكم في تأثيره في نقصان الملك

كذلك، وعلة الفرع تبطل بالكافر. 5916 - قالوا: المكاتب لا تجب الزكاة في الفاضل من قدر دينه فلم تجب في مقدار الدين، والحر بخلافه. 5917 - قلنا: قياسا على مال المكاتب الفاضل من الدين، ولا تصح المعارضة؛ ولان المكاتب لا يجب الحج لأجل الفاضل في دينه وتأخير الزكاة مع ثبوت يده عليه، فلم تجب الزكاة فيه، والحر يجب عليه الحج من الفاضل، ولا يأخذ الزكاة مع ثبوت يده، فوجبت الزكاة فيه؛ ولأن من وجبت عليه الزكاة وجبت الزكاة في الفاضل عن مقدار الزكاة، ولا تجب في مقدار الزكاة، ولأنه حق يطرأ على المال من طريق الحكم فأثر الدين فيه كالإرث. 5918 - قالوا: الدين لا يمنع الإرث والوصية، وإنما يقدم عليهما، بدلالة: أن الغرماء لو أبرأوا ثبت الميراث والوصية. 5919 - قلنا: لا فرق بينهما؛ لان أبا يوسف قال: إذا أبرأ الغرماء من الدين وجبت الزكاة من حين ملك النصاب وإن مضت سنون. 5920 - وقال زفر: وقت البراءة، وليس عن أبي حنيفة نص. 5921 - فإن قيل: الميراث يؤثر في الدين المتأخر عنه؛ لأن الميت لو حفر بئرا في الطريق فوقع فيها إنسان بعد الموت أو دابة فدم ذلك على الإرث. 5922 - قلنا: هذا يستند إلى حال الحياة فيصير في المعنى متقدما. ولأنه حق لا يجب على المكاتب فلم يجب على المديون، كالأضحية. ولأن ملكه ناقص، بدلالة أن الغير يأخذه بغير تراض ولا قضاء قاض، وإذا أخذه ملكه، وهذا علامة نقصان الملك، كأخذنا أموال أهل الحرب، ولا يلزم أخذ الأب مال ابنه للحاجة؛ لأنه لا يملكه بالأخذ.

ولا يلزم الرجوع في الهبة؛ لأنه لا يصح إلا بالتراضي أو حكم الحاكم، ولا يلزم رجوع الزوج في نصف المهر بعد الطلاق؛ لأنه إن كان عينا فلا يصح إلا بالتراضي أو الحكم، وإن كان في الذمة أثر في نقصان الملك. ولا يلزم أخذ الحربي مالنا، لأن ليس له أخذه؛ ولأن الوصية لا تصح منه ويؤثر في الإرث. 5923 - قالوا: يعتق بعتقه. 5924 - قلنا: نقصان الملك لا يمنع العتق؛ لأنه يصح في غير الملك، وهو إذا عتق جاريته عتق حملها وإن لم يملكه. 5925 - قالوا: يجوز هبته. 5926 - قلنا: الوكيل عندنا يجوز هبته وليس بمالك. 5927 - احتجوا: بقوله عليه الصلاة والسلام: (في كل أربع وعشرين فما دونها من الغنم)، (في كل أربعين شاة شاة). 5928 - والجواب: أن هذا مجمل عند أبي الحسن؛ لان الوجوب يقف على شرائط لا يتضمنها اللفظ، وعلى قول غيره قد أريد به إذا كانت لمالك تام الملك، ونحن لا نسلم أن الغارم تام الملك فيما في يده وقد بيناه. 5929 - قالوا: ما لا يمنع وجوب العشر لا يمنع سائر الزكاوات، دليله الكفارات. 5930 - قلنا: يبطل بعدم تمام الحول، فإنه لا يمنع وجوب العشر ويمنع وجوب الزكاوات والزكاة إذا وجبت منعت الزكاة على الصحيح من القولين ولا يمنع العشر. ولأن الكفارات حق لله تعالى يطالب به آدمي، ولا يمنع الزكاة، وأما الديون فالمطالبة بحق حق لآدمي ليصير في يده من المال حولا بالمطالبة فلا تجب فيه الزكاة، كالأثاث الذي هو مشغول بحاجته إليه.

5931 - فإن قيل: مطالبة الله تعالى وأمره بالكفارات، وأمره بإخراجها كمطالبة الآدمي بالدين. 5932 - قلنا: لا يستويان؛ لان مطالبة الآدمي بجنس المطلوب منه ويجبر على أدائه ويؤخذ ماله به بغير اختياره، ويستحق الحجر عند بعض الفقهاء، والكفارة ليس فيها أكثر من المأثم، وهو موجود في الدين فيبقى له المزايا التي بيناها، فأما الدين غير المستغرق فيمنع الزكاة بقدره وما زاد على مقدار الدين لا يتعلق به حق فتجب الزكاة فيه. يبين ذلك أن الدين المستغرق يمنع الحج، والفاضل من الدين يجب الحج لأجله. 5933 - قالوا: لو كان له خمس من الإبل سائمة وألف درهم وعليه خمس من الإبل صداق زوجته وجبت الزكاة في الإبل فإذا لم يمنع الدين وجوب الزكاة في جنسه [ففي غير جنسه أولى، وتحريره أن ما لا يمنع الزكاة في جنسه لا يمنع في غير جنسه]. كالكفارات. 5934 - الجواب: أن الدين في مسألتان منع الزكاة؛ لأنه لا يحصل في الدراهم عندنا والكلام في تأثير الدين في الزكاة في الجملة، وليس الكلام في اعتبار الأموال وإنما جعلنا الدين في الدراهم؛ لان السائمة للقنية يشق تسليمها في الديون، والدين يجعل فيما هو أسهل قضاء. 5935 - فأما قولهم: إن القضاء من الجنس أسهل فلا يصح عليه، والسائمة جنسه وصرف الدراهم إلى الدين أسهل. 5936 - فأما قولهم: إذا لم يمنع الدين وجوب الزكاة في جنسه لم يمنع في غير جنسه فغير مسلم؛ لان عندنا لو لم يكن له دراهم حصل الدين في الإبل يمنع وجوب الزكاة فكيف نسلم لهم هذا الإطلاق؟ 5937 - قالوا: حق مصروف إلى أهل السهمين يجب في مال من لا دين عليه،

فوجب في مال من عليه الدين. 5938 - قلنا: العشر لا يجب في المال لكن بوجوده؛ ولأن العشر يتكرر وجوبه في حول واحد، فلم يمنع الدين من وجوه، ولما كانت الزكاة لا يتكرر وجوبها في الحول جاز أن يمنع الدين وجوبها كالحج. 5939 - قالوا: العشر والزكاة حقان يستويان في الصرف، فإذا لم يمنع الدين أحدهما لا يمنع الآخر، كالعشر ونصف العشر. 5940 - قلنا: العشر قد دخل في فرع العلة فلم يجز أن يكون هو أصلها؛ ولان الوصية للفقراء مصرفها مصرف الزكاة والدين يؤثر عندهم فيها، ولا يؤثر في الزكاة. 5941 - قالوا: حق يتعلق بمال يسقط بتلفهن فلم يمنع الدين منه، كالجناية. 5942 - قلنا: الدين لا يمنع الزكاة وإنما يمنعها نقصان الملك؛ ولأن الجناية تتعلق بما ليس بمال، وهو رقبة الحر فالدين لا ينفيها، والزكاة لا/ تجب عن مال، فجاز أن يؤثر فيها الدين. أو نقول إن الجناية لا تعتبر في تعلقها الملك؛ لأنها تجب في رقبة عبد الصبي، وعبد الكعبة، وبين المال، بصفة المال لا يعتبر والمالك معتبر في وجوب الزكاة، فجاز أن يعتبر صفاته. 5943 - قالوا: صنف من أهل الصدقات يملكون ما يأخذونه ملكا تاما فجاز أن تجب علهم الزكاة كأبناء السبيل. 5944 - قلنا: لا نسلم أن الزكاة تجب على ابن السبيل حتى تثبت يده على ماله؛ ولان ابن السبيل حلت له الصدقة لزوال معنى الغنى عنه مع ثبوت يده على المال.

5945 - قالوا: الناس صنفان: غني تجب عليه الزكاة وفقير تحل له الزكاة. ثم ثبت أن من تجب عليه تحل له الزكاة، وهو ابن السبيل، وجب أن يكون فيمن تحل له الزكاة من تجب عليه. 5946 - قلنا لا نسلم أن في أصناف الزكاة من يحل له الأخذ مع وجوب الزكاة عليه على ما قدمنا، ونعكس هذا الكلام فنقول: فلما لم يجز أن تحل الصدقة لم تجب عليه مع ثبوت يده على المال، كذلك لا يجب على من يجوز له الأخذ مع ثبوت يده على المال. ***

مسألة 343 حق المعدن يتعلق بكل خارج من الأرض منطبع

مسألة 343 حق المعدن يتعلق بكل خارج من الأرض منطبع 5947 - قال أصحابنا: حق المعدن يتعلق بكل خارج من الأرض منطبع. 5948 - وقال الشافعي: لا يتعلق إلا بالذهب والفضة. 5949 - لنا: قوله عليه الصلاة والسلام: (في الركاز الخمس)، والركاز: المغيب في الأرض. ولا يقال: إن الركاز ما ركز فيها ودفن، يقال: ركز رمحه؛ لان هذا دلينا لأنه يقال: ركز رمحه لأنه غيبه، يبين ذلك أنه عليه الصلاة و

السلام سئل عن الركاز، فقال: (الذهب والفضة اللذان خلقهما الله تعالى في الأرض، فدل على أن المعدن ركاز. 5950 - فإن قيل: قد بين أن الركاز الذهب والفضة. 5951 - هذا يدل على أنهما ركاز، ولا يدل أن غيرهما ليس بركاز، وإنما خصه عليه الصلاة والسلام بالذكر المقصود. ولأنه مما ينطبع، فإذا استفاده من المعدن تعلق به حق المعدن، كالذهب والفضة. ولا يلزم إذا وجد في داره؛ لأن الأصل والفرع يستويان، ويقول: ما وجده في داره تعلق به الحق، لكن الإمام ملكه إياه، ولأنه يستخرج بالنار والمعالجة، كالذهب. والفضة. 5952 - فإن قيل: المعنى فيه: أنه ليس بمقوم وليس كذلك الحديد؛ لأنه يقوم؛ لان الخارج من المعدن التبر وذلك ليس بقيمة الأشياء، فهو مقوم. 5953 - فإن قيل: المعنى فيه: أنه لو ورثه جرى حول الزكاة والحديد والرصاص بخلافه. 5954 - قلنا: المال الجاري في الحول هو النامي أو المرصد للنماء. 5955 - قلنا: ليس بنمي ولا ينوي به التجارة، لا يوجد فيه المعدن، وحق المعدن كله نماء، فجاز أن يتعلق به وإن لم يضم إلى ملكه بمعنى آخر. 5956 - احتجوا: بأنه جنس لا تجب الزكاة في عينه، فلا يجب فيه حق المعدن كالفيروز. 5957 - وربما قالوا: مقوم مستفاد من المعدن. 5958 - قلنا: لا نسلم الوصف؛ لان الزكاة إذا وجبت في العروض وجبت في عينها.

5959 - وقولهم: مقوم ليس باحتراز؛ لأن المنفى ليس بقيمة فهو مفهوم، وإن أرادوا بوجوب الزكاة في عينه أنه يتعلق بمطلق الملك، والحديد لا يزكى بمطلق الملك، فقد بينا أن ذلك لعقد النماء فيه، متى لو توجد التجارة، فإذا حصل من المعدن فكله نماء، والمعنى فيما قاسوا عليه: أنه خارج منطبع، كالطين، وهذا بخلافه. ولا يلزم الزئبق لأن فيه روايتين، وهي مبنية على الانطباع، وإن كان ما ينطبع ففيه الخمس، وإن لم ينطبع فلا شيء فيه. 5960 - فإن قيل: اعتبار ما ينطبع ليس بأولى ممن قال: إنه خارج منتفع به. 5961 - قلنا: من قال هذا أبطل تعليله النص، وهو قوله عليه الصلاة والسلام (لا زكاة في حجر) وانتقض تعليله بالماء والطين. 5962 - قالوا: ما لا يجب فيه حق المعدن إذا أصابه من معدن داره لم يجب إذا أصابه من غير ملكه، أصله: الياقوت. 5963 - قلنا: لا نسلم أن الحق لا يتعلق بالمستفاد من داره بل قد يتعلق به الحق وملكه إياه الإمام، والمعنى في الياقوت ما ذكرناه. 5964 - قالوا: إن كان المعدن كالمستفاد لم يتعلق الحق إلا بالأثمان، كالمواريث. ولا يجوز أن يكون كالغنيمة؛ لأنه لو كان لم يختص بما ينطبع. 5965 - قلنا: هو كالغنيمة؛ لأنه وصل إلينا بزوال يد أهل ألشرك ويخالفها من وجه، وهذا غير ممتنع، كما أن الخارج من الأرض تتعلق به الزكاة عند مخالفنا وإن خالف الزكاة من وجوه كثيرة.

مسألة 344 الواجب في المعدن الخمس

مسألة 344 الواجب في المعدن الخمس 5966 - قال أصحابنا: الواجب في المعادن الخمس يصرف مصرف الفيء. 5867 - وحكى أصحاب الشافعي ثلاثة أقاويل، قال في القديم، والجديد والإملاء: إن الواجب ربع العشر. وقال في قول آخر: الخمس وذكر قولا ثالثا. 5968 - قالوا: إن وجد ندرة مجتمعة أو كان في أثر سيل في بطحاء أو غيرها، ففيه الخمس، وإن كان متفرقا يخرج بالنار والمطبخ، ففيه ربع العشر. ولا يختلف مذهبه أنه يصرف مصرف الزكاة. 5969 - والزكاة في هذه المسألة مبني على أن المعدن ركاز، الدليل عليه: ما روى محمد بن الحسن عن هشام بن سعد المدني قال: (أخبرنا عمر بن شعيب،

عن أبيه، عن جده، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتاه رجل، فقال يا رسول الله: كيف ترى بالمتاع يوجد في الطريق المبني أو في القرية المسكونة؟ فقال: عرفة سنة، فإن جاء صاحبها وإلا قابله به، وما كان في الطريق غير المبني أو في القرية غير المسكونة، ففيه وفي الركاز الخمس). ومعلوم أن الموجود في القرية وفي الأرض مما يجب فيه الخمس، وهو المدفون، وقد عطف عليه الركاز، فدل أن المعدن ركاز وأن حكمه حكم المدفون في وجوب الخمس. 5970 - فإن قيل: معنى الخبر وما كان من المتاع في الطريق غير المبني ففيه وفي الركاز يعني من المتاع، وفي الذهب والفضة. 5971 - قلنا: الركاز لا يختص بالذهب والفضة، وإنما هو كل مال مدفون، فالعطف لا يتضمن إلا المعدن، يدل عليه حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: في الركاز الخمس، فقيل: وما الركاز، قال: الذهب والفضة اللذان خلقهما الله تعالى في الأرض يوم خلقت)، ومعلوم أن المخلوق في الأرض هو المعدن. 5972 - فإن قيل: رواه عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد عن جده وهو ضعيف.

5973 - قلنا: روى هذا الحديث محمد، واحتج به، وطعن أصحاب الحديث إذا يبينوا وجهه لا يلتفت إليه. 5974 - فإن قيل: كيف يسألونه عن أمر الركاز وهم يعلمون ذلك كما نعلمه؟ فثبت أنهم سألوه عن الحكم. فقالوا: ما الذي يجب فيه الخمس؟ قال: الذهب والفضة، ليس أن الخمس لا يجب في غيرهما. 5975 - قلنا: ليس معناه أن السائل كان من أهل اللغة، ثم الاسم عندنا عام في المدفون والمعدن، فصح أن يسئل ليعلم الحكم فيهما عاما أو خاصا. ولأن الأسماء إذا جاز أن تنقل عن اللغة إلى الشرع جاز أن يسألوه ليعلموا انتقل الاسم أم لم ينتقل. 5976 - فأما قولهم: إنه خص الذكر الذهب والفضة لينفي الحق عما سواهما، فعندهم الركاز لمدفون، والحق فيه لا يختص بالذهب والفضة، على أن تخصيص الذهب والفضة بالذكر لا يدل على نفي الحق عن غيرهما كما أن ذكر تحريم التفاضل في الأشياء الستة لا ينفيه عن غيرها. 5977 - قال محمد: تقول العرب: أركزه المعدن إذا كثر ما فيه، ولفظ أفعل لا يستعمل إلا واسم الركاز يتناوله، كما لا يقال: أفضل إلا بعد وجود الفضل فيه، فأما دعواهم أنه يقال: (أركز مال التجارة) فلا يعرف، ولا يصح عن العرب (وأركز المعدن) حكاه محمد عن العرب، قال: وما كنت أرى أن أهل المدينة يخالفون هذا من كلام العرب. 5978 - ومن أصحابنا من احتج بالاشتقاق، فقال: الركاز مأخوذ من تغييب الشيء في الأرض، ومنهك ركزت رمحي، والركز: الصوت الخفي، الركاز أخفى من المدفون فالاسم به أولى. وقول أبي عبيد: إن لغة أهل الحجاز الركاز المدفون، وفي لغة أهل العراق: إنه المعدن، فإنما أراد قول الفقهاء، فأما الاختلاف في اللغة فلا يعرف، وأبو عبيد: إن لغة أهل الحجاز الركاز المدفون، وفي لغة أهل العراق: إنه المعدن، فإنما أراد قول الفقهاء فأما الاختلاف في اللغة فلا يعرف، وأبو عبيد يحكي في كتابه عن محمد، وقد قال محمد ما ذكرناه وقتل: إنما سموا المدفون ركازا تشبيها بالمعدن.

5979 - احتجوا: في/ هذا الفضل بما روى هذيل عن شرحبيل عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) أنه قال: المعدن جبار والبئر جبار والرجل جبار، وفي الركاز الخمس) فعطف الركاز على المعدن، والعطف غير المعطوف. 5980 - والجواب: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما ذكر للمعدن حكمين مختلفين خالف بين الاسم فخالف بين الحكمين. 5981 - فإن قيل: لو كان كما ذكرتم لقال وفيه الخمس. 5982 - قلنا: المراد أن يستوفى الحكم الأول ثم ينتقل إلى الحكم الثاني، ولو قال بعد ذلك: وفيه الخمس رجعت الكناية إلى الأقرب، ولم يكرر اسم المعدن بذكر الركاز، ولأثبت أن اسم الركاز يتناول المعدن، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (وفي الركاز الخمس)، وأما الكلام في بعض المسألة، ولأنه قال: يملك بالاستخراج من الأرض فالواجب فيه يتقدر بالخمس، كالمدفون ولا يلزم الزرع؛ لأنه يملك بالخروج، ولا يلزم الياقوت والنفط؛ لأنه واجب فيه. 5983 - قلنا: الواجب فيه يتقدر بالخمس. 5984 - فإن قيل: المعنى في المدفون أنه مستفاد من الأرض ملكه غيره وهذا لم يملكه غيره. 5985 - قلنا: عللتم الأصل بأوصافنا وزيادة، وعلة الفرع تبطل بالزرع، ولأنه مال وصل إلينا بزوال يد أهل الشرك، كالغنائم. 5986 - فإن قيل: المعنى في الغنيمة: أنها تتعلق بجميع الأموال، فلو كان المعدن في حكمها لتعلق بكل شيء. 5987 - قلنا: لا يمتنع أن يكون كالغنيمة من وجه ويفارقها من وجه كما أن الواجب عندهم في الزرع زكاة ويتعلق ببعض الأموال، وإن كان الزكاة تتعلق بكل

مال؛ ولأنه حق متعلق بالمال في يعتبر فيه الحول، ولا يتقدر بربع العشر، كالقائم. 5988 - احتجوا: بقوله عليه الصلاة والسلام: (وفي الرقة ربع العشر). 5989 - الجواب: أن هذا يدل على وجوب هذا القدر، ولا ينفي غيره، وعندنا يجب في الرقة كل واحد من المقدارين وليس في اللفظ ما ينفي غير المذكور. ولأن عندهم الحكم المعلق بالوصف ونفي ما عداه، فأما إذا علق الحكم بجنس فلا ينفى ما عداه على قول المخالفين. 5990 - احتجوا: بما روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (اقطع لبلال بن الحارث المعادن القبلية، فهي لا يؤخذ منها إلا الزكاة في اليوم) إن هذا الحديث رواه مالك عن ربيعة عن غير واحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو مرسل، وقد نقل من غير طريق مالك أسنده كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف الزمني عن أبيه عن جده. 5991 - قال أصحاب الحديث: كثير وضاع الحديث، وضع عن أبيه عن جده مائة حديث فرواه عن كثير أبو أويس، وهو ضعيف. قال أبو أويس: وحدثني

ثور بن يزيد مولى بني الديل بن بكر بن كنانة، عن عكرمة عن ابن عباس مثله، وهذا طريق صحيح، لكن أبا أويس ضعيف. ثم قوله: (فهي لا يؤخذ منها إلا الزكاة) قول ربيعة، ولم يبين من الذي أخذ الزكاة، ولو كان منقولا من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - والأئمة: لم يخف على الزهري وهو عالم المدينة حتى يقول: (في المعدن خمس)؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقطعه الموضع فملكه بالإقطاع، والمعدن المملوك لا شيء فيه عندنا. وقوله: (فلا يؤخذ منها إلا الزكاة) يعني بعد الحول، حتى لا يظن أن الإقطاع لما اسقط الخمس الذي هو حق لله تعالى أسقط الزكاة أيضا. 5992 - فإن قيل: إقطاع العمل فيه، وليس هو تمليك البقعة. 5993 - قلنا: بل تمليك لهما، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقطعه المواضع فيملكها كما روي عن علقمة بن وائل (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقطع أباه أرضا بحضرموت). 5994 - قالوا: مستفاد من الأرض لم يملكه غيره، فوجب أن لا يملك فيه الخمس كالحبوب. 5995 - قلنا: يبطل بالواحد من الجند إذا عمل في المعدن في دار الحرب وجب فيما يأخذه الخمس مع وجود الأوصاف، والمعنى في الزرع: أنه لم يصل إلينا بزوال أهل الشرك عنه، والمعدن وصل إلينا بزوال أيديهم. 5996 - قالوا: مستفاد من المعدن فكان فيه ربع العشر، كما لو وجده في داره. 5597 - قلنا: عندنا لا يجب في الموجود في داره حق يتعلق بالمعدن، وإنما الزكاة بالحول والنصاب وشرائط الزكاة.

5998 - قالوا: الحق يكثر بقلة المؤنة، ويخف بكثرتها، كالعشر ونصف العشر، ومؤنة المعدن أكثر من مؤنة المدفون. 5999 - قلنا: العشر ونصف العشر يتحقق قلة المؤنة فيه وهاهنا لا يتيقن قلة المؤنة، قلم يؤثر في اختلاف الحق. ***

مسألة 345 ما يجب في المعدن والركاز ليس بزكاة

مسألة 345 ما يجب في المعدن والركاز ليس بزكاة 6000 - قال أصحابنا: ما يجب في المعدن والركاز ليس بزكاة ويصرف مصرف الفيء. 6001 - وقال الشافعي: هو زكاة ويصرف مصرف الزكاة. 6002 - لنا: أنه مال وصل إلينا بزوال يد أهل الشرك عنه، فالواجب فيه لا يصرف مصرف الزكاة، أصله: خمس الغنيمة؛ لأنه مال يظهر عليه بالإسلام، فوجب أن لا يصرف الواجب في مصرف الزكاة، أصله: الغنيمة. ولان الواجب يتعلق بأخذ الصبي والمجنون فلم يكن زكاة، كخمس الغنيمة. 6003 - احتجوا: بحديث بلال بن الحارث، وقد أجبنا عنه. 6004 - قالوا: حق يجب فيما يخرج من الأرض فوجب أن يكون زكاة، أصله العشر. 6005 - قلنا: العشر عندنا ليس بزكاة على ما بينا. 6006 - قالوا: حق يجب على المسلم في ماله فكان زكاة، كسائر الزكوات. 6007 - قلنا: لا نسلم أنه يجب على مال المسلم، فلم يجب الحق مشتركا بين الواجد والمستحق مسلما أو غير مسلم. والمعنى في سائر الزكوات: أنه اعتبر فيه

وجود الحول والنصاب، فلما لم يعتبر ذلك في حق المعدن، والركاز لم يكن زكاة. 6008 - قالوا: حق المعدن والركاز مفارق لخمس الغنيمة؛ لأن الخمس ينتقل إلى أهله كما ينتقل الأربعة الأخماس إلى الغانمين، وكذلك تمييزه إلى الإمام، ولا يخاطب الغانمين بإخراجه، ولا تعتبر فيه النية. ولا يجوز دفعه في غير المال، وحق الزكاة يملك الواحد جميعه، ثم يجب عليه، بدلالة: اعتبار نية إخراجه، وإن شاء دفع من المال، وإن شاء من غيره، ويجب عليه تعفية المعدن، كما يجب عليه تخفيف الثمرة، وحدها. 6009 - قلنا: لو سلم مخالفنا حق الركاز كخمس الغنيمة في بعض الأحكام، لم يمتنع أن يكون في حكمه، كما أنه لو خالف عندهم الزكاة في بعض الأحكام وإن كان زكاة. فأما كون الغنيمة في أحد الموضعين إلى الإمام، وفي الآخر إلى الواجد، فإنما افتقرت الغنيمة إلى قسمة الإمام، ليس لتمييز حق بعض الغانمين من حق بعض، فلو غنم الواجد شيئا كان تمييز الخمس إليه مثل مسألتنا، وكذلك النية تعتبر فيها نية الواجد ويخرج خمسه كما يعتبر في مسألتنا، فأما جواز الدفع من غيره فلا نسلمه في المعدن ولا نقول: إنه ملك جميع المأخوذ، بل أربعة أخماسه كالغنيمة، وأما وجوب التصفية عليه فلا نسلم، ولو أخرج خمس المأخوذ قبل التصفية جاز. ***

مسألة 346 لا يعتبر في وجوب حق المعدن والركاز نصاب بل يتعلق بالقليل والكثير

مسألة 346 لا يعتبر في وجوب حق المعدن والركاز نصاب بل يتعلق بالقليل والكثير 6010 - قال أصحابنا: لا يعتبر في وجوب حق المعدن [والركاز نصاب بل يتعلق بالقليل والكثير. 6011 - وقال الشافعي: لا يجب الحق في المعدن] حتى يكون المأخوذ نصابا. وأما المدفون: فقال في القديم: يخمس قليله وكثيره. وقال في الحديد: لا يجب في اقل من نصابه، وأما الحول فهل يعتبر في المعدن؟ قال في القديم، والأم، والإملاء: يزكى لوقته ولا يعتبر فيه الحول، وأومأ في البويطى إلى القولين، وأما الركاز فلا يعتبر فيه الحول قولا واحدا. 6012 - لنا: قوله عليه الصلاة والسلام: (وفي الركاز الخمس)، ولم يفصل. ولأنه مال مستخرج من المعدن، كالنصاب. ولأنه حق يثبت في حق الصبي فلا يعتبر له نصاب، كصدقة الفطر، وأما الحول فلا يعتبر للخبر. ولأنه مستفاد من الأرض فلا يعتبر فيه الحول، كالزرع. ولأنه حق لله تعالى يثبت في حق الصبي فلا يعتبر فيه الحول كصدقة الفطر. 6013 - وهذه المسألة تسقط الخلاف فيها؛ لأن الشافعي إذا اعتبر الحول

والنصاب وأوجب ربع العشر، فنحن كذلك نقول: أن عندنا يجب حق يختص بالمعدن يخرج من المال فيدل على ذلك بالخبر. ولأنه مال مستخرج من الأرض فالحق المتعلق به يجب في الحال، كالمدفون. 6014 - احتجوا: بحديثي أبي سعيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة) وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه/ عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ليس فيما دون خمس ذود من الإبل شيء، ولا فيما دون عشرين مثقالا من الذهب شيء، ولا فيما دون مائتي درهم شيء). 6015 - والجواب: أما قولهم: ([ليس فيما دون خمس أواق صدقة) فعندنا حق المعدن ليس بصدقة. وقوله: (ليس] فيما دون مائتي درهم شيء) فبقى حقا يجب فيها، وهذا الحق عندنا معها وليس فيها. 6016 - قالوا: مال مستفاد من المعدن، فوجب أن يراعي فيه النصاب، كما لو وجده في ملكه. 6017 - قلنا: قد بينا أنا لا نختلف في وجوب حق في المخرج يعتبر فيه الحول والنصاب كما لو وجده في ملكه. 6018 - قالوا: حق يجب في المال لا يجوز صرفه إلى أغنياء ذوي القربى، فيعتبر فيه النصاب كسائر الزكوات. 6019 - قلنا: الزكوات اعتبر لها عفو بعد النصاب فاعتبر لها ابتداء، ولما كان هذا حق مال لا يعتبر فيه حق في الثاني لم يعتبر فيه الابتداء. 6020 - احتجوا: في الحول بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول).

6021 - والجواب: ما قدمنا أن هذا الحق ليس بزكاة. 6022 - قالوا: فائدة تعجلت دفعه من غير أصل فوجب أن يراعى فيه الحول، كالميراث والهبة والغنيمة. 6023 - قلنا: إن أردتم اعتبار الحول في الجملة فنقول بموجبه في الزكاة الواجبة في هذا المال، وإن عللتم لاعتبار الحول في الحق المختص به انتقض بخمس الغنيمة والركاز. * * *

مسألة 347 حق المعدن والركاز يجوز للإمام وضعه في واجده

مسألة 347 حق المعدن والركاز يجوز للإمام وضعه في واجده 6024 - قال أصحابنا: حق المعدن والركاز يجوز للإمام وضعه في واجده ويجوز للواجد وضعه في آخر. 6025 - وقال الشافعي: لا يجوز ذلك. 6026 - لنا: ما روى الشعبي: أن رجلا وجد خمسة آلاف درهم فحملها إلى علي - رضي الله عنه -، فأخذ منه الخمس، ثم قال: هو مردود فيك). وروى أنه قال: (لك أربعة أخماسها وخمس للمسلمين) ولأنه مسلم محتاج فجاز وضع الخمس فيه كسائر الفقراء. ولأن من جاز دفع خمس الركاز إليه جاز أن لا يؤخذ منه خمس ما أخذ كالمكاتب. 6027 - احتجوا: بأنه حق يجب فيما يخرج من الأرض، فلا يجوز صرفه إلى من وجب عليه، أصله العشر. 6028 - قلنا: العشر يجب لأجل ملكه وما يجب لأجل الملك لا يصرف إلى المالك، وحق المعدن يجب لما لم يكن ملكا فجاز صرفه إليه كصدقة غيره. * * *

مسألة 348 مسائل في صدقة الفطر

مسألة 348 مسائل في صدقة الفطر 6029 - لا يجب على الزوج صدقة الفطر عن زوجته. 6030 - قال أصحابنا لا يجب على الزوج صدقة الفطر عن زوجته. 6031 - وقال الشافعي يلزمه، فإن أخرجت المرأة بإذنه جاز، وإن أخرجت بغير إذنه ففيه وجهان، وعلى من تجب ابتداء؟ فيه قولان، ونص على أن امرأة الفقير لا فطرة عليها. [والكلام في هذه المسألة يقع ابتداء في وجوب الفطرة عليها]، ثم في إبطال التحمل عنها. 6032 - فالدليل على وجوبها عليها: ما روى نافع عن ابن عمر قال: (فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدقة الفطر على كل مسلم صاعا من تمر وروى عن ابن عمر (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرض زكاة الفطر من رمضان على كل نفس من المسلمين حر أو

عبد، رجل أو امرأة، صغير أو كبير صاعا من تمر أو صاعا من شعير). 6033 - فإن قيل: المراد من الخبر عن كل نفس، بدلالة: أنه ذكر العبد، والفطرة لا تجب عليه. 6034 - قلنا: الخبر الأول ليس فيه ذكر العبد، فالثاني: ظاهره يقتضي الإيجاب على المذكورين، وقام الدليل في العبد بقى الباقي على ظاهره، يبين ذلك أن المرأة تجب عليها الفطرة في الجملة، ولابد أن يكون دخلت في الخطاب بالإيجاب عليها. وروي أنه عليه الصلاة والسلام قال في صدقة الفطر: (طهرة الصائم من الرفث) وهي صائمة؛ ولأنها عبادة يعتبر فيه المال، فجاز أن تجب على الحرة التي لها زوج كالحج؛ ولأنها زكاة في الشريعة، كزكاة المال؛ ولأنها تلزمها الفطرة عن مماليكها، وتلزمها عن نفسها، كالتي لا زوج لها. وإذا ثبت وجوب الفطرة عليها لم يتحملها الزوج كالزكاة. 6035 - ولا يقال: إن الزكاة تجب عن مالها فلم يلزم زوجها، والفطرة تجب عن بدنها، وقد عقد على بدنها؛ فلذلك لزمه طهرتها؛ لأنه عقد على منافع بضعها دون بدنها، والفطرة لا تتعلق بمنافع البضع. 6036 - فإن قيل: الزكاة لا تتحمل بالقرابة، والفطرة تتحمل بالقرابة. 6037 - قلنا: ويتحمل بالقرابة ما لا يتحمل بالزوجية كالعقد، ثم القرابة:

لا يتحمل بها الفطرة عندنا، وإنما تجب ابتداء على الأب عن ولده إذا كان فقيرا. ولأن من لزمه [إخراج الزكاة عن ماله لم يلزم غيره إخراج فطرته، كالرجل والمبتوتة. ولأن من لزمه] فطرة غيره لم يلزم غيره فطرته، أصله: امرأة المكاتب. ولأنه ليس عليها ولاية، ولا يلزمه إخراج فطرتها، كالمختلعة، وعكسه الأب. 6038 - احتجوا: بما روى الشافعي عن إبراهيم بن يحيى، عن جعفر بن محمد عن أبيه) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فرض في رمضان على الصغير والكبير، والحر والعبد والذكر والأنثى ممن تمونون). 6039 - وهذا حديث مرسل لا يحتج به على أصلهم، وإبراهيم بن يحيى فقيه مدني ضعفه أهل الحديث، وطعن مالك عليه، وقال: أضعفه مذهبه لكن لحديثه. 6040 - قالوا: فقد ذكر الدارقطني الحديث عن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جده عن آبائه، وذكره نافع عن ابن عمر. 6041 - قلنا: ذكر هذين الحديثين عن ابن عقدة، وهو معروف بوضع

الحديث، وقد كان الدارقطني يقدح في دينه، ثم ردها بأسانيد لا تعرف حديث علي بن موسى: عن محمد بن المفضل الأشعري عن إسماعيل بن همام. 6042 - وحديث ابن عمر: عن [القاسم بن] عبد الله بن عامر بن زرارة عن عمير بن عمار الهمداني، عن الأبيض بن الأغر، عن الضحاك بن عثمان. وهؤلاء رجال لا يعرفون، ولا يجوز الرواية عنهم. والعجب أن الدارقطني ذكر هؤلاء وهو أعرف [الناس] بهم، فيستحيل أن يلبس حالهم، [وقد ذكر الطحاوي أنه لم يرد في هذا الباب إلا حديث ابن أبي مر] وهو مما يجوز أن يذكره العلماء، فأما حديث ابن عقدة عن المجاهيل فلا يسوغ روايتها. ثم إطلاق المؤنة يقتضي ملازمة الإنسان على طريق المعارضة، ونفقة الزوجة عندهم عوض عن الاستمتاع، فلا يتناولها الاسم. ولأن الحق يقتضي من يلزم الإنسان الانفراد بمؤنته وهذا هو الولد والعبد، فأما المرأة فيلزمه لها نفقة مقدرة، ثم لا يجب عليه ما زاد على ذلك من مؤنتها. 6043 - قالوا: روي عن علي - رضي الله عنه - أنه قال: (وجبت عليه نفقتك فأطعم نصف صاع من بر) وعن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه كان يعطي زكاة الفطر عن من كان في النفقة) وكان ابن عمر يؤدي زكاة الفطر عن رقيق امرأته). 6044 - قلنا: إخراج الفطرة لا يدل على وجوبها، فأما قول علي - رضي الله عنه - فلو صح

جعلناه على الولد والعبد، فإن الخبر قد ثبت عن رسول الله أنه فرض الفطرة على كل ذكر وأنثى، وأجمعت الأمة على وجوب الفطرة على المرأة قبل أن تنكح فلا تترك السنة الثابتة والإجماع يقول واحد من الصحابة لم يثبت عندنا. 6045 - قالوا: النكاح سبب يتعلق به تحمل النفقة، فجاز أن يتعلق به تحمل صدقة الفطر، كالملك والقرابة. 6046 - قلنا: الوصف غير مسلم في الأصل لأن الملك والقرابة يوجبان الفطرة على الإنسان ابتداء لأعلى وجه التحمل؛ ولأن الالتقاط سبب يتحمل به النفقة، ألا ترى: أن من وجد لقيطا وليس بحضرته إما ولا وجد من يقرضه ليعتبر ذلك دينا على الملتقط، فإنه يجب على من يمكن من نفقته أن ينفق عليه، ولهذا السبب يتحمل النفقة دون الفطرة، وولاية الإمام سبب يتحمل به نفقة الفقراء في بيت المال، ولا يتحمل بهذا السبب الفطرة. 6047 - فإن قيل: بيت المال ملك المسلمين والإمام يدفع إلى الفقير من نصيبه. 6048 - قلنا: والنفقة دين عندكم على الزوج هو يدفع إليها ما وجب لها عليه فتضير منفعة لمالكها، ولا فرق بينهما. ولأن النفقة من حقوق الآدميين، فيجوز أن يقع فيها التحميل، كالديات، والفطرة عبادة ولا يقع فيها التحمل، كالزكاة ولأن الملك والقرابة كل واحد منهما سبب يثبت به ولاية كاملة فجاز أن يتعلق به وجوب إخراج الفطرة عن غيره كما يخرجها عن نفسه، والنكاح لا يثبت به ولاية كاملة، فلم يجب به إخراج الفطرة. 6049 - فإن قيل: اعتبار الولاية لا يصح؛ لأن الإمام يلي على المسلمين ولا يتحمل فطرتهم، والوصي يلي ولا فطرة عليه، والمجنون والصبي لا ولاية لهما وعليهما فطرة عندنا.

6050 - قلنا: السبب الذي تتعلق به ولاية كاملة يجوز أن يجب به إخراج الفطرة، وهذا مطرد منعكس فالإمام له ولاية كاملة، فيلزمه إخراج الفطرة عن الصغار من مالهم، وكذلك الوصي، والمجنون والصغير لا ولاية لهما فلا يلزمها الإخراج. 6051 - فإن نصبنا هذه العلة للوجوب. قلنا: القرابة والملك كل واحد منهما سب يثبت به ولاية خاصة، فجاز أن يتعلق به وجوب الفطرة عن غيره كما يتعلق عن نفسه. ولا يلزم الولاية؛ لأن ولايته عامة والوصي ولايته ولاية الأب وملك الولاية يتعلق بها الفطرة، والصبي والمجنون كل واحد منهما سبب يثبت به الولاية فاطردت هذه العلة أيضا وانعكست. 6052 - فإن ألزمونا بالأب الفاسق، قلنا: سببه يجوز أن تثبت به ولاية كاملة. 6053 - فإن قيل: الكافر مثله. 6054 - قلنا: فنحن قلنا إنه يلزمه عن غيره ما يلزمه عن نفسه، والكافر لا يلزمه فطرة عن نفسه. 6055 - قالوا: لأنها من أهل الطهرة ومن يمونها من أهل الفطرة واجد لها فلزمه إخراج الفطرة عنها، كأمته. 6056 - قلنا: أمته ملكه ويجوز أن يلزم الإنسان صدقة لأحل ملكه كالزكاة، ولا يجوز أن يلزمه صدقة لأجل زوجته، كالزكاة. * * *

مسألة 349 يجب على المولى أن يخرج الفطرة عن عبيده المسلمين والكفار

مسألة 349 يجب على المولى أن يخرج الفطرة عن عبيده المسلمين والكفار 6057 - قال أصحابنا: يجب على المولى أن يخرج الفطرة عن عبيده المسلمين والكفار. 6058 - وقال الشافعي لا فطرة على المسلم عن عبيده الكفار، وهل تجب الفطرة على المولى الكافر عن عبده المسلم، قالوا: فيه وجهان. 6059 - لنا حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة إلا صدقة الفطر في الرقيق). 6060 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: (عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق إلا أن في الرقيق صدقة الفطر. 6061 - ويدل عليه حديث عكرمة عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

(صدقة الفطر على كل كبير وصغير، ذكر وأنثى يهودي أو نصراني حر أو مملوك نصف صاع من بر أو صاعا من تمر، أو صاعا من شعير). 6062 - فإن قيل: هذا حديث نقلتموه من سنن الدارقطني، وقد أبطله وطعن عليه. 6063 - قلنا: هذا حديث نقله أصحابنا واحتجوا به من كتاب الدارقطني. 6064 - فأما طعنه فقال: رواه سلام الطويل عن زيد العمي عن عكرمة، وسلام ضعيف، وما أسنده غيره. 6065 - قلنا: وسلام بن المعري بصري لا يلتفت إلى من ضعفه وقد روي قبله أحاديث ابن عقدة عمن لا يعرف بضعف ولا قوة ولا على ذكره، ولم يبين حالها، ثم يغر هؤلاء القوم بكتابه، ويظنون أنهم منه على أصل، ولو علموا ما يقول أصحاب الحديث في هذا الكتاب لأقصروا. ولأن كل عبد لو كان للتجارة لزم المولى عنه الزكاة، وإذا كان للخدمة لزم عنه الفطرة، كالمسلم، ولأنه يلي عليه بالملك كالمسلم، ولا يلزم عبد التجارة لأنا سوينا بين الأصل والفرع، وهما يستويان في عبد التجارة. 6066 - قالوا: المعنى في المسلم: أنه من أهل الطهرة دون الكافر لأنه بخلافه. 6067 - قلنا: الفطرة طهرة للمؤدى والواجب اعتبار كونه من أهل الطهرة دون المؤدى عنه الذي لا يخاطب بها. 6068 - فإن قيل: المولى طهرته صاع واحد عن نفسه. 6069 - قلنا: لا يمتنع أن يختلف في حاله ويلزم تارة الطهرة بصاع واحد، وتارة بأصوع كما أن الكفارة طهرة، فيلزمه تارة كفارة واحدة وتارة يلزمه كفارات، وكما

أن المال طهرة فمن قل ماله فطرته مقدار يسير، فكلما تضاعف زادت طهرته. ولأنها زكاة في الشريعة، فيها المسلم والكافر كزكاة التجارة. 6070 - فإن قيل: زكاة التجارة يعتبر فيها جهة المال ولهذا تجب في العروض والبهائم، وجهة المال حاصلة في العبد الكافر، وأما زكاة الفطر فلا يعتبر فيها جهة المال وإنما يعتبر طهرة البدن، ولهذا تجب على الولد فاختصت بأهل الطهارة. 6071 - قلنا: زكاة المال المقصود منها إيصال الطهرة، قال الله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها}. فاعتبار جهة المال لا يمتنع أن يعتبر كونها طهرة للمؤدى فكذلك الفطرة المقصود منها الطهرة لكن للمؤدى. 6072 - قالوا: فيجب أن يلزم الأب أن يخرج الفطرة عن ولده الكافر. 6073 - قلنا: كفره أزال ولايته فأسقط الطهرة عنه، كعتق عبده وبيعه، وعلى أنه لا رواية في الولد المرتد، فيجوز أن يقال كالعبد الكافر. 6074 - احتجوا: بحديث ابن عمر - رضي الله عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من شعير على حر وعبد وذكر وأنثى من المسلمين). 6075 - والجواب: أن هذا يدل على وجوب الفطرة على المسلم، ولا ينفى الوجوب عن غيره إلا من طريق دليل الخطاب، وذلك ليس بحجة. 6076 - فإن قيل: لو كانت الفطرة تجب على المسلم والكافر لأفرد كل واحد بالذكر، كما أفرد الذكر والأنثى، فلما خص المسلمين دل على أن المقصود

المخالفة بين المسلم والكافر. 6077 - قلنا: هذا تفسير لدليل الخطاب، وقد بينا أنه ليس بدليل عندنا وأكثر ما في القرآن من هذا النوع لا دليل فيه وإن خص بالذكر. وفائدة التخصيص: أن الله تعالى يبين الأحكام تارة بالنص، وتارة بالاجتهاد، لما علم في ذلك من صلاح المكلفين، فلا يمتنع أن يبين حكم المخصوص ويكل غيره إلى الاجتهاد على أنه يجوز يكون التخصيص بالمسلمين؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع بين الصغار والكبار، والإناث والذكور والعبيد، والإسلام معتبر في جميعهم إلا المماليك شرطه الإسلام لبيان حكم الأكثر، والذي يبين هذا: أن شرط الإسلام خبر مداره على ابن عمر وقد روي عنه: أنه يخرج عن عبيده الكفار، فعمله بخلاف ذلك يدل على أنه فهم من الخبر ما ذكرنا [هـ]. 6078 - احتجوا: بحديث ابن عباس - رضي الله عنه - قال: (فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر طهرة للصائمين من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين). 6079 - قالوا: والعبد الكافر ليس بصائم. 6080 - قلنا: هي عندنا طهرة للمولى، والصدقة إنما تكون طهرة لمن يؤديها لا لمن تؤدى عنه. 6081 - قالوا: كل من لم يكن من أهل الطهرة لم تؤد عنه الفطرة، كما لو كان المولى أيضا كافرا). 6082 - قلنا: كفر المولى يمنع وجوب الزكاة عن عبد التجارة؛ فمنع وجوب

الطفرة عن عبد القنية، وكفر العبد لا يمنع إحدى الزكاتين، كذلك الأخرى. 6083 - قالوا: ليس من أهل الطهرة أو كافر فلا يجب إخراج زكاة الفطر عنه، أصله: الأب الكافر والعبد للتجارة. 6084 - قلنا: إما الأب فلأن البنوة سبب لا تثبت به الولاية الكاملة، فتتعلق به الفطرة، أما عبد التجارة: فلأن المولى لزمه عن رقبته صدقة لا تختص بالحيوان فلم يجز أن يلزمه عنها صدقة تختص بالحيوان كزكاة السوم والتجارة، والعبد الكافر له عليه ولاية كاملة، فإذا لم يلزمه عن رقبته إحدى الزكاتين جاز أن يلزمه الأخرى. 6085 - قالوا: البعد مؤدى عنه فوجب أن يعتبر إسلامه، كالمؤدى نفسه إذا كان كافرا لم يلزمه أن يؤدي عن نفسه. 6086 - قلنا: وجد الكفر في المخاطب بالفطرة فمنع الخطاب. وفي مسألتنا وجد الكفر في المؤدى عنه، وكفره لا يزيل الولاية عنه فلم يمنع ذلك الفطرة كما لا يمنع الزكاة. فأما الابن المرتد: فردته تزيل الولاية عنه، فلذلك سقطت فطرته، ويجوز أن يقال: الولاية ثابتة عليه فلا تسقط فطرته، وأما إسلام المؤدي فهو شرط اجتمعت الأمة عليه إلا أبا ثور وخلافه غير معتد به على من قبله؛ ولأن الفطرة عبادة تفتقر إلى النية فلا يخاطب بها الكافر، كالصلاة والزكاة، ولأنها إحدى الزكاتين كزكاة المال. * * *

مسألة 350 تجب الفطرة بطلوع الفجر يوم الفطر

مسألة 350 تجب الفطرة بطلوع الفجر يوم الفطر 6087 - قال أصحابنا: تجب الفطرة بطلوع الفجر يوم الفطر، فمن ولد بعد ذلك أو أسلم أو ملك لم تجب فطرته، ومن ولد قبله وجبت فطرته، وهو قول الشافعي في القديم. 6088 - وقال في الجديد: تجب بغروب الشمس من آخر ليلة من رمضان والدليل على ذلك: ما روى مالك، عن ابن عمر،) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس نصف صاع من بر أو صاعا من شعير)، والفطر من رمضان عندنا يوم الفطر، وعنده ليلة الفطر. 6089 - وقد دل على ذلك: ما روي عمر بن الخطاب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن

صيام يومين: يوم فطركم من صيامكم، ويوم تأكلون فيه لحم نسككم، فدل أن الفطر يقع بالنهار. وقال عليه الصلاة والسلام: (فطركم يوم تفطرون)، ومعناه: وقت فطركم يوم تفطرون، فأضاف الفطر إلى اليوم. فإن الفطر معلوم مشاهدة فلا يبينه النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما بين الحكم، فمعناه: (إن يوم الفطر يوم تفطرون) وإن كان في معلوم الله تعالى غيره. 6090 - قلنا: إضافة الفطر إلى النهار لا يعلم بتعين وإنما يعلم شرعا؛ لأنه يكون مفطرا فيه فرضا، وهذا لا يعلم بالمشاهدة، ولا باللغة ولأن هذا اليوم مضاف إلى الفطر في الشرع، كما يضاف اليوم إلى الجمعة والأضحى، وكان ذلك منه دون ما تقدمه. 6091 - فإن قيل قد تضاف الليلة إلى يومها، كما يقال: ليلة الجمعة، وإن كانت الجمعة في اليوم. ولأن الفطر لو كان يقع بالليل لم يضف وقت الفطر إلى ما بعده، كما لا يضاف إلى ما بعد يوم الفطر.

6092 - فإن قيل: إنما يضاف الفطر إلى الليل لوقوعه فيه، ويضاف إلى الغد لأنه أول بها يفطر فيه. 6093 - قلنا: لو كان ذلك لقيل اليوم الثاني من يوم الفطر؛ لأنه أول سبب أفطر فيه، فلما لم يصح ذلك دل على أن الفطر إذا تكرر لم يضف إلى وقت الثاني، وإن لم يسبقه مثله؛ ولأن الفطر في الليلة فطر في يوم، فصار كالفطر في سائر الليالي، فأما يوم الفطر فهو أول وقت أمر بالفطر، فكان مأمورا بالصوم فلذلك أضيف الفطر إليه، بين ذلك: أن ما يضاف إلى الوقت يختص به حتى لا يثبت لما تقدمه؛ ولأن ما بعده كالجمعة، وكالأضحى. ومعلوم أن الفطر بالليل لا يختص بهذه الليلة بل هو حكم كان لما قبلها فلم يجز أن يضاف إليها، ولما كان هذا اليوم له حكم يتجدد لا يوجب لما قبله ولا لما بعده جاز أن يضاف إليها، وإذا ثبت أن الفطر من رمضان يكون يوم الفطر، والصدقة مضاف إليه وجبت في اليوم أيضا. 6094 - والدليل في نفس المسألة: ما روى نافع عن ابن عمر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة يوم الفطر) ومعلوم أن حقوق الأموال يندب إلى أدائها عقيب وجوبها، فلو كان وقت الوجوب يتقدم على اليوم لندب إلى أدائها عقيب وجوبها، فلو كان وقت الوجوب يتقدم على اليوم لندب إلى إخراجها عند الوجوب. 6095 - وروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (اغنوهم عن المسألة في هذا اليوم) لأنه لم يندب إلى الأداء بالليل، بدلالة الخبر الآخر. ولأنه أحد العيدين، فجاز أن يكون وقت العبادة يخرج من المال ابتداء كالأضحية. ولأنه وقت لم يدخل به وقت الأضحية فلم يجب فيه الفطرة، كالفجر الأول.

6096 - احتجوا: بحديث ابن عباس - رضي الله عنه - قال: (فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدقة الفطر من رمضان طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين). 6097 - قالوا: وإذا أفطر آخر ليلة فقد كمل رمضان وكانت طهرة له؛ ولأن ظاهر الخبر يقتضي أن من لم يصم لم يلزمه، وقام الدليل على أنه إذا أدرك جزء من وقت الصوم لزمه فمن لم يصم ولم يدرك الوقت لا يدخل في الخبر. 6098 - والجواب: أن الخبر يقتضي أن الصائم يلزمه الطهرة وليس فيه أنها تجب في حال الصوم أو عقيب الخروج منه أو بعد ذلك. ألا ترى: أن الصائم ليس هو عبارة عن من فعل جميع الصوم وليس إذا كانت طهرة له اختصت بعقيبه؛ لأنه يجوز أن يكون طهرة ويتأخر وقتها. 6099 - فأما قولهم: إن من لم يصم ولا أدرك الوقت لا يلزمه، والخبر يقتضي أن الصائم يجب عليه طهرة ومن لم يصم هل يلزمه، لا ينفيه الخبر فهو موقوف على الدليل وأشياء يوجبها على من لم يصم بهذا الخبر؛ على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في هذا الخبر: (لمن أداها قبل الصلاة فهي صدقة مقبولة، ومن أخرجها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات) فتخصيصها بما قبل الصلاة يدل على اختصاصها به. 6100 - قالوا: زمان لم ينو فيه شيء من شهر رمضان فلا يتأخر عنه وجوب زكاة الفطر؛ أصله: عند طلوع الفجر. 6101 - قلنا: طلوع الفجر يختص بحكم يعدو إلى الصوم لا يساويه فيه ما قبله [ولا ما بعده، وغروب الشمس لا يختص بحكم يعود إلى الصوم لا يساويه ما قبله]. 6102 - قالوا: طلوع الفجر زمان يسبقه الإفطار، والإفطار فيه مستدام، فلا يتعلق

به وجوب الزكاة، أصله: ما بعده. 6103 - قلنا: ما بعده لا يندب إلى إخراج الفطرة فيه، ولما كان طلوع الفجر أول وقت ندب إلى الأداء فيه كان وقت وجوبها. 6104 - قالوا: زمان لا يتعقب محل صوم رمضان فلا يتعلق به زكاة الفطر، أصله: ما بعده. 6105 - قلنا: كونه غير متعقب لزمان الصوم، لا يمتنع أن يندب فيه إلى الإخراج فلم يمنع أن يكون أول وقت الوجوب. 6106 - قالوا: الليلة تابعة لما بعدها من النهار فيما يتعلق بالصوم، فوجب أن يكون محلا للوجوب، كاليوم. 6107 - قلنا: الليلة تتبع اليوم في حكم الصوم؛ لأنه لا يصح الصوم فيها، ويصح الصوم في اليوم، وإنما يمنعه من جواز تقدم النية كما يتبع اليوم عنده في جواز تقديم الفطرة. * * *

مسألة 351 لا تجب على واحد من الشريكين في العبد فطرة

مسألة 351 لا تجب على واحد من الشريكين في العبد فطرة 6108 - قال أصحابنا: لا تجب على واحد من الشريكين في العبد فطرة، ولو كانت الشركة في عبيد لم تجب أيضا عند أبي حنيفة وأبي يوسف. 6109 - وقال الشافعي تجب الفطرة على كل واحد من الشريكين بقدر نصيبه، وهل تجوز من جنس واحد أو من جنسين؟ فيها وجهان. 6110 - لنا: قوله عليه الصلاة والسلام: (أدوا عن كل حر وعبد) والخطاب بالإيجاب يتناول كل واحد من المخاطبين بجميع الحكم، كقوله تعالى {وأقيموا الصلاة}، فكأنه قال لكل مكلف: أد عن عبدك.

ولأن كل واحد منها لا ولاية له عليه؛ لأنه لا يملك تزويجه ولا مكاتبته, فصار كالمكاتب؛ ولأن من لا يلزمه جميع الفطرة لا يلزمه جزء منها, كالوصي. 6111 - ولا يلزم الولد من الأبوين؛ لأن كل واحد يلزمه كل الفطرة عند أبي يوسف, وليس عن أبي حنيفة نص. ولأنه لا يملك عبدا كاملا فلم يلزمه الفطرة, أصله: العبد الكافر إذا كان مشتركا. 6112 - ولا يقال: إن الكافر ليس من أهل الطهرة؛ لأن المولى هو المخاطب, والمعتبر طهرة الموجب عليه. ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - خير من وجبت عليه بين أجناس مختلفة, فلو أوجبنا علي الموليين صاعا واحدا لم يخل أن يوجبه من جنس أو جنسين, ولا يجوز إيجابه من جنس واحد؛ لأنه يؤدى إلى أن يتعين على أحدهما بما يختاره الآخر, فلا يجوز إيجاب فطرة من نوعين, كما لا يجوز إذا كان العبد لواحد. 6113 - قالوا هناك لم يجب على كل واحد إلا مقدار نصيبه وذلك لا يجوز من جنسين. 6114 - قلنا: بالنص اقتضى إيجاب صاع من نوع, وهذا خلاف النص, وعلى أن عندهم الفطرة تطهير للعبد وموجبة عنه, وهو عبد واحد فلا معنى لاعتبار الموالي على أصلهم. 6115 - فإن قيل: من أصحابنا من اعتبر غالب قوت العبد أو غالب قوت البلد, فعلى هذا لا تجب إلا من جنس واحد. 6116 - قلنا: فهذا خلاف النص, فإنه يقتضي التخيير بكل حال, ويدل على أن العبد نصاب, فنقول: إنها صدقة تختص بجنس الحيوان فلم تجب في عين

واحدة مشتركة, كالزكاة. 6117 - فإن قيل: المقصود منها المواساة فاعتبر بلوغ المال حدا يعتبرها, والمقصود هاهنا الطهرة. 6118 - قلنا: والمقصود بالزكاة الطهرة والمواساة فكذلك الفطرة. ولأنها زكاة يتكرر وجوبها في عين واحدة فوجب أن يعتبر فيها النصاب, كزكاة المال. 6119 - قالوا: فعندكم يعتبر النصاب من المال ويعتبر كمال العبد, وهذا يؤدى إلى اعتبار نصابين. 6120 - قلنا: المعتبر عندنا المؤدي كما يعتبر إسلامه, فأما النصاب فلا, ولهذا نوجب إذا ملك عقارا لغير التجارة. 6121 - قالوا: فعندنا في كل واحد من النصابين يعتبر النصاب إلا أنه لا يعتبر في ملك واحد. 6122 - قلنا: هذا مغالطة؛ لأنكم توجبون على مالك نصف العبد إذا كان الباقي حرا الفطرة, فكيف اعتبرتم النصاب؟ ثم النصاب في الزكوات عندكم يعتبر الملك المشترك بشرائطه المشتركة, فهذا غير معتبر في الفطرة. 6123 - احتجوا: بما روي (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فرض زكاة الفطر من رمضان علي الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر وعبد). 6124 - والجواب: أن المراد بالخبر: على واحد من الناس؛ لأن الخطاب بإيجاب إذا توجه إلى الجماعة تناول أحدها على ما بينا, ولأنهم أجمعوا أن كل واحد مراد فقد أوجب على كل واحد فطرة عبد, وكذلك نقول. 6125 - قالوا: روي من حديث/ ابن عمر - رضي الله عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بصدقة الفطر

عن الكبير والصغير والحر والعبد ممن تمونون). 6126 - قلنا: الجواب عنه مثل الأول. 6127 - قالوا: قوله: (ممن تمونون يقتضي اعتبار المؤنة, وهما يمونان فيجب عليهما. 6128 - قلنا: قوله: (ممن تمونون) بيان لقوله: (عن الصغير والكبير والحر والعبد) فإذا كان ذلك يفيد العبد الكامل فهذا مثله. 6129 - قالوا: مسلم يمونه حر مسلم قادر على إخراج الفطرة عنه فلزمه إخراجها, أصله: إذا كان لواحد. ولأنه من أهل الطهرة فوجبت فطرته على من يجب عليه نفقته. 6130 - قلنا: إذا كان لواحد فولايته عليه كاملة، فجاز أن يلزمه إخراج فطرته. وفي مسألتنا ولايته ناقصة، فصار كالمكاتب. 6131 - قالوا: إذا كان بينهما عبيد فكل واحد قد استكمل ملك عبد فلزمته فطرته كثمانين شاة بين رجلين, ولا فرق بين الأعيان المنفردة في السائمة والأشقاص الشائعة, كذلك في الفطرة, وتحريره أنها صدقة صح إخراجها عن الملك المنفرد فصح إخراجها عن الملك المشترك, كزكاة المال. 6132 - قلنا: الزكاة يعتبر فيها جهة المال, والمال موجود في المنفرد والمشترك, والفطرة يعتبر فيها معنى الولاية وهي تكمل في المنفرد وتنقص في المشترك؛ فلذلك افترقا على أصل أبي حنيفة: الغنم تقسم بعضها في بعض, فالمالك لنصف الغنم يجمع ملكه فيها حكما, كما يستحق أن يجمع بالقسمة, والعبد لا يقسم, فلا يمكن جمع نصيبه من العبد حتى يصير كالمالك لعبد منفرد, ولهذا المعنى إذا كانت الغنم

مما لا يقسم كثمانين شاة, لرجل نصفها, ولأربعين رجلا, لكل واحد منهم نصف شاة معينة لا تجب فيها الزكاة على صاحب الأربعين؛ لأنها لا تنقسم فتنفرد, هكذا ذكره هشام عن أبي حنيفة ومحمد نصا. 6133 - قالوا: إذا كانت السائمة مشتركة يجوز أن يقسم نصيبه لا توجب الزكاة قبل القسمة, كما أن المعلوفة يجوز أن تنتقل إلى السوم, ولا تجب الزكاة فيها قبل النقل. 6134 - قلنا: لسنا نوجب الزكاة فيها بمعنى يحصل في الثاني, لكن إذا كانت مما يقسم فهي في الحال على صفة توجب الزكاة, وهو مما يثبت في حق الانفراد والمعلوفة, وإن جاز أن تنتقل إلى السوم فمعنى السوم ليس بقائم فيها في الحال. 6135 - قالوا: الفطرة طهرة كالكفارة, فجاز أن تجب بالسبب الخاص والمشترك. 6136 - قلنا: نقلب فنقول: فإذا اشتركنا في سببها لم يتبعض وجوبها, ككفارة القتل, وكذلك المحرمان يقتلان صيدا عندنا, ولا يلزم إذا قتل الحلالان صيدا في الحرم, لأن ذلك ليس بكفارة عندنا. 6137 - قالوا: حق يلزمه لأجل الملك فوجب أن يلزمه في الخاص, والمشترك, كالنفقة. 6138 - قلنا: لا نسلم أنه يجب لأجل الملك, بدلالة أنه يجب عن نفسه وولده؛ ولأن النفقة إذا وجبت بالقرابة جاز أن تتبعض, فإذا وجبت لأجل الملك جاز أن تتبع [والفطرة إذا وجبت بالقرابة لم تتبعض] , لم تتبعض لأجل الملك. * * *

مسألة 352 إذا أعتق أحد الشريكين نصيبه من العبد فلا فطرة علي الشريك ولا علي العبد

مسألة 352 إذا أعتق أحد الشريكين نصيبه من العبد فلا فطرة علي الشريك ولا علي العبد 6139 - قال أبو حنيفة إذا أعتق أحد الشريكين نصيبه من العبد فلا فطرة على الشريك ولا على العبد. 6140 - وقال الشافعي: إذا كان المعتق معسرا فعلى المولى نصف الفطرة, وعلى المعتق نصفها. 6141 - لنا: أن الحرية حصلت في رقبته, فلم يلزم مالك باقيه قطرة كما لو كاتبه. ولأنه عتق من أحد الشريكين فلم تجب على الآخر فطرة, كما لو كان موسرا وكالمكاتب؛ ولأنه لا يلي عليه كما لو أعتق نصفه وهو موسر؛ ولأن من لا يلزمه كمال فطرته لا يلزمه بعضها, أصله شريك الموسر المعتق. فأما الدليل على أن الفطرة لا تلزم العبد: فلأن شهادته لا تقبل للرق فلا يلزمه فطرة, كالمكاتب؛ ولأن الرق باق في رقبته فلم يلزمه يء من فطرته, كالمكاتب. 6142 - ولأن كل حق لا يلزم إلا معتق بعضه, كالزكاة. 6143 - احتجوا بأن الفطرة, حق في المال تجب على المولى لحق العبد, إذا عتق انتقل إليه, فإذا عتق بعضه وجب أن يتبعض, أصله: النفقة.

6144 - قلنا لا نسلم؛ فإن بعضه إذا أعتق انتقلت النفقة كلها إليه, ولم يتبعض في الوجوب. 6145 - قالوا: ما وجب في حال الرق وفي حال الحرية لم يسقط بعتق بعضه قياسيا على كفارة القتل, وما يجب على العبد من الصلاة والصوم. 6146 - قلنا هذه المعاني تجب على العبد في حال الرق بعتق بعضه إن لم يؤكد الوجوب لم تسقط. 6147 - وفي مسألتنا: الحق يجب على مولاه, والعتق يعني أحكام ملكه بدلالة: أنه يجب عندنا إزالة ملكه عنه, فتزول يده في الحال وتنقص قيمته في العادة لنقصان رقه, فجاز أن يغير ما وجب على المولى لأجله. * * *

مسألة 353 لا تجب الفطرة علي الفقير الذي يجوز له أخذها

مسألة 353 لا تجب الفطرة علي الفقير الذي يجوز له أخذها 6148 - قال أصحابنا لا تجب الفطرة على الفقير الذي يجوز له أخذها. 6149 - وقال الشافعي: إذا ملك قوت يومه لنفسه وعياله وزيادة صاع وجب إخراجه. 6150 - لنا: قوله عليه الصلاة والسلام: (أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها على فقرائكم.) والألف واللام للجنس, فدل أن جنس الصدقات تؤخذ من الأغنياء فلا تبقى بعد الجنس صدقة تؤخذ من الفقير, ولأنه جعل الناس صنفين, صنفا يؤخذ منهم. وصنفا: يرد عليهم. ولا يجوز أن يثبت صنفا ثالثا يعطون ويأخذون. 6151 - فإن قيل: فهذا يقتضي صدقة أخذها إلى الإمام.

6152 - قلنا: الفطرة كانت تؤدى إلي النبي - صلى الله عليه وسلم - فيجوز أن يكون له في ذلك الوقت الأخذ, كالأموال الباطنة. 6153 - فإن قيل: قصد بهذا الحديث أن يبين أن الصدقات للفقراء ليس لآل محمد عليه الصلاة والسلام فيها يء. 6154 - قلنا: الخبر يدل على بيان الحكم المقصود به, وعلى غيره إذا اقتضاه اللفظ. وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (اغنوهم عن المسألة) , وهذا خطاب للأغنياء, فلو وجبت على الفقراء لقال: وليغن بعضهم بعضا. 6155 - وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن أحدكم يتصدق بجميع ماله ثم يقعد يتكفف الناس, إنما الصدقة [ما كان عن ظهر غنى) وروي (خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى) فقوله: (إنما الصدقة)] يدل على أنه لا صدقة تجب على الفقير؛ لأن الألف واللام للجنس. وقوله: (خير الصدقة) يدل على ذلك لأن الصدقة لو وجبت على الفقير كانت صدقة النافلة من الغني خيرا منها, وهذا لا يجوز؛ لأن قوله: إن أحدكم يتصدق بجميع ماله ثم يقعد يتكفف الناس؛ إنكار لهذا الفعل, وعند مخالفنا هذا واجب. 6156 - وقد روى ابن المبارك ويزيد بن هارون وغيرهما عن عبد الملك عن عطاء عن أبي هريرة - رضي الله عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا صدقة إلا عن ظهر غنى) ولأنها زكاة في الشريعة فلم تجب على الفقير المنفرد, [كزكاة المال. ولأنها زكاة تختص

بالحيوان, فلم تجب على الفقير المنفرد] كزكاة السوم, ولأنها صدقة لا تلزم المكاتب, فلم تلزم الفقير المنفرد كزكاة المنفرد. 6157 - فإن قيل: المعنى في زكاة المال أنها تزيد بزيادة المال. فلذلك اعتبر فيها مقدار, وهذه الصدقة لا تزيد بزيادة المال فلم يعتبر قدر المال. 6158 - قلنا: القطع لا يزيد بزيادة المال, ولا يجب إلا في نصاب مقدر. 6159 - فإن قيل: زكاة المال يعتبر في وجوبها مال مخصوص [والفطرة لا يعتبر فيها مال مخصوص. 6160 - قلنا: القطع لا يعتبر في وجوبه مال مخصوص] ويعتبر القدر المخصوص ولا يلزم على العلل الثلاث عشر؛ لأنه ليس بزكاة, ولا يختص الحيوان, ويجب على المكاتب, ولأنها صدقة تجب بحضور وقت كالزكاة. ولأنه من جاز له أخذ صدقة لم تجب عليه تلك الصدقة إلا في حال الأخذ كمن لا يملك قوت يومه, ولا يلزم العشر لأنه ليس بصدقة؛ ولأن العشر إنما يجب على مالك الأرض , فأجابوا على العادة أن الأرض تساوي النصاب وزيادة, فلا يجوز دفع العشر إلى من يجب عليه العشر. 6161 - احتجوا: بحديث الزهري عن ثعلبة بن أبي صغير عن أبيه, عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) أنه قال: صاع من بر أو قمح عن كل اثنين صغير أو كبير, حر أو عبد, ذكر أو أنثى, غني أو فقير, أما غنيكم فيزكيه الله, وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطاه) 6162 - والجواب: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر الفقير والغني في المؤدى عنه وعندنا يجب أن

يؤدى عن الصغير فقيرا كان أو غنيا ولا كلام في فقر المؤدى وليس ذلك في الخبر. 6163 - فإن قيل: قوله/: (وإن كان فقيرا رد الله عليه) يدل على أن الفقير عاد إلي المؤدى. 6164 - قلنا: لا ظاهر يدل على ذلك, ولا يترك النص من غير حاجة, وإنما في الخبر إضمار, فكأنه قال: وأما الفقير فإن أعطى رد الله عليه, والإضمار ترك الظاهر ورد الصفة التي نص عليها: في المؤدى عنه إلي: المؤدى؛ ترك للظاهر. 6165 - وجواب آخر: وهو أنا لو سلمنا رجوع ذلك إلى المؤدى فقد بين في الخبر أن أداء الفقير ليس بواجب؛ لأنه لا فرق بين الفقير والغني فجعل الأداء زكاة للغني ووعد الفقير بالمضاعفة, ولو ساوينا في الوجوب كانت زكاة لهما. 6166 - احتجوا: بحديث ابن عمر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فرض زكاه الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر, أو صاعا من شعير على كل حر وعبد, ذكر وأنثى من المسلمين. 6167 - والجواب: أن الشرط الذي تعلق به الوجوب غير مذكور بإجماع؛ لأن عندنا يعتبر الغنى وعندهم يعتبر الفاضل عن كفايته مقدار ما يخرجه, وإذا تعلق الوجوب بصفة مذكورة أجمعوا عليها, لم يجز الرجوع إلي ظاهره. 6168 - فإن قيل: إذا وجب إخراج الصاع ولا نوجبه إلا على الفاقة, دل اللفظ على شرط وجود ما يؤدى. 6169 - قلنا: عندكم يعتبر وجود قوته وقوت عياله, ولإيجاب لا يدل على أنه لابد من اعتبار كفايتهم كما لا يعتبر كفايتهم من المستقبل, وإيجاب الصاع لا يدل على قدرته عليه؛ لأن الوجوب لم يتعلق بالذمة ويقف الإخراج على القدرة كالكفارة. 6170 - قالوا: جوهر مال لا يزيد بزيادة المال, فوجب أن لا يعتبر فيه النصاب

كالكفارات. 6171 - قلنا لا فرق بينهما؛ لأن الغني بقدر النصاب معتبر في الكفارات والفطرة, ولو سلمنا فالكفارة تجب بمعنى من جهة المكلف فلا يقف على الغني كالنذر, والفطرة تجب بإيجاب الله تعالى ابتداء, ويعتبر فيها المالك, ولا يقف على الفقر, كالزكاة. 6172 - قالوا: حق يجب في الذمة ولا يعتبر فيه النصاب كأرش الجنايات. 6173 - قلنا: أرش الجناية لا يعتبر في وجوبه الفاضل عن الكفاية, ولما اعتبر في الفطرة الغنى بالكفاية وبما يؤديه جاز أن يعتبر الغنى المطلق. 6174 - قالوا: كل من لزمه ذي طهرة لزمه الفطرة عنه مع القدرة, كما لو كان معه نصاب. 6175 - قلنا: من معه نصاب يجوز أن تلزمه إحدى الزكاتين, فجاز أن يلزمه الأخرى, ومن لا شيء له إلا كفايته وصاع لا يجوز أن تلزمه إحدى الزكاتين. 6176 - قالوا: كل صدقة اعتبر فيها نصاب كان من شرط النصاب أن يكون من جنس واحد, كالماشية. 6177 - قلنا: عندنا لا يعتبر النصاب وإنما الغني به؛ ولأن وجوب الزكاة يعتبر النصاب ولا يختص ذلك بمال واحد. * * *

مسألة 354 صدقة الفطر نصف صاع من بر أو صاع من تمر أو شعير

مسألة 354 صدقة الفطر نصف صاع من بر أو صاع من تمر أو شعير 6178 - قال أصحابنا صدقة الفطر نصف صاع من بر أو صاع من تمر أو شعير. 6179 - وقال الشافعي: من كل نوع صاع. 6180 - لنا ما روى الزهري عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير عن أبيه قال: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أدوا صدقة الفطر صاعا من تمر, أو صاعا من شعير, أو نصف صاع من بر عن كل صغير أو كبير, ذكر أو أنثى حر أو عبد). وفي لفظ آخر عن ثعلبة: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب قبل يوم العيد بيوم أو يومين فقال: إن صدقة الفطر مدان بر عن كل إنسان, أو صاع مما سواه من الطعام). 6181 - فإن قيل: هذا الخبر مشكوك فيه, فإنه يقول: عبد الله بن ثعلبة, أو

ثعلبة فلم يتيقن اسم الراوي. 6182 - قلنا: هذا تعاطي ما لا يحسنه من ذكره؛ لأن ثعلبة أستاذ الزهري وهو حليف لبني زهرة, وله صحبة, أخذ عن الزهري النسب أفتراه يشك في نسبه مع هذا؟ وإنما يشك من دون الزهري؛ لأن له صحبة, كما أن لأبيه صحبة. وقد روى هذا الحديث محمد بن الحسن من غير شك. 6183 - فإن قيل: قد ذكر الدارقطني هذا الحديث, ونقل فيه: (أدوا صدقة الفطر عن كل إنسان صاعا من بر [على الصغير والكبير]. وروى (أدوا صدقة الفطر عن كل إنسان صاعا من بر] أو قمح عن كل صغير وكبير حر أو عبد ذكر أو أنثى). 6184 - قلنا: هذا غلط في الرواية, لأن أبا داود ذكر في هذا) صاعا من بر أو قمح على كل اثنين) , فمن نقل (صاعا) في حديثه إنما هو بعض الحديث, فالمشهور الذي لا يختلف فيه أهل النقل, حديث ثعلبة: (نصف صاع). وروى ابن جريح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث مناديا ينادي في فجاج مكة, ألا إن زكاة الفطر واجبة على كل مسلم, على كل ذكر وأنثى, حر وعبد, صغير وكبير, مدان من قمح أو صاع مما سواه من الطعام).

6185 - وروى أبو سلمة بن عبد الرحمن عن ابن عباس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أنه أمر بصدقة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو مدان من قمح على كل حاضر وباد صغير وكبير حر وعبد). وروى الحسن قال: خطبنا ابن عباس ونحن في رمضان على منبر البصرة, فقال: (أخرجوا صدقة صيامكم فكان الناس لم يعلموا فقال: من هاهنا من أهل المدينة قوموا إلى إخوانكم فعلموهم, فإنهم لا يعلمون, فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدقة الفطر صاعا من تمر أو شعير, أو نصف صاع قمح على كل حر ومملوك ذكر أو أنثى, صغير أو كبير, فلما قدم علي - رضي الله عنه - رأى رخص الشعير. 6186 - فقال: قد أوسع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلو جعلتموه صاعا. فروى: (واستشهد بأهل المدينة علي روايته). 6187 - فإن قيل: روى ابن سيرين عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال: (أمرنا أن نعطي صدقة رمضان عن الصغير والكبير, والحر والمملوك صاعا من طعام, من أدى برا قبل منه ومن أدى شعيرا قبل منه). 6188 - قلنا: ابن سيرين لم يلق ابن عباس, ولا يصح الاستدلال به عندكم, ثم قال: (من أعطى برا قبل منه) , وعندنا إذا أعطى ذلك قبل منه ولا كلام فيه, وإنما الكلام هل يجب عليه أم لا؟ وروى ابن شهاب عن سعيد بن المسيب (أن

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرض زكاة الفطر مدين من حنطة) , وقال سعيد: (كانت الصدقة تعطى على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر نصف صاع حنطة) ومراسيل ابن المسيب مقبولة بإجماع. 6189 - وقد روى نصف صاع من بر عن الأئمة الأربعة, وعن ابن عمر, وابن عباس, وابن مسعود, وأبي هريرة وجابر بن سمرة وغيرهم - رضي الله عنهم -. قال أبو الحسن: ولم ينقل عن أحد من الصحابة أن نصف صاع لا يجزئ فصار ذلك إجماعا. 6190 - فإن قيل: أبو سعيد مخالف. 6191 - قلنا: الذي صح عنه أنه قال: لا أخرج مدين قمح, فكأنه اعتقد أن البر ليس من أنواع الفطرة. ولأنها صدقة مقدرة بنفسها تخرج من أجناس فلم تتفق مقاديرها, كالزكاة. ولأن ما لا يتقدر به طعام مسكين في كفارة لا تتقدر به الفطرة كثمانية أرطال من بر. ولأنه قدر لو أخرجه إلا مسكين في كفارة الأداء اكتفى به, فإذا أخرجه في فطرة أجرأ, أصله: صاع من شعير. 6192 - فإن قيل: اعتبار الحنطة في الفطرة بأنواع الفطرة أولى من اعتبارها بغيرها. 6193 - قلنا: الأجناس المختلفة لا تعتبر بعضها ببعض في المقدار, فكان اعتبار الحنطة بجنسها أولى. 6194 - احتجوا: بحديث أبي سعيد الخدري, وذكروا عنده صدقة رمضان,

فقال: (لا أخرج إلا ما كنت أخرج في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صاعا من تمر أو صاعا من حنطة, أو صاعا من شعير أو صاعا من أقط, فقال له رجل: أو مدين من قمح, قال: لا تلك قيمة معاوية, لا أقبلها, ولا أعمل بها). 6195 - والجواب: أن هذا الخبر ذكره أبو داود والحفاظ, ولم يذكر فيه الحنطة, ثم قال: قد روى واحد عن ابن علية الحنطة, وليس بمحفوظ, فلم يجز الاحتجاج بما ذكره أبو داود, والعجب ممن قال: قد روى الزيادة الدارقطني وهو أحفظ منه؛ لأن الدارقطني روى زيادة بين أبو داود أنها غلط, والحافظ من روى وطعن, ليس الحافظ من أمسك عن الطعن او جهله, ومن لم يعرف رتبة أبي داود على الدارقطني ليس من أهل هذا الشأن/, وقد قال أحمد بن حنبل: إن الله ألان الحديث لأبي داود, كما ألان الحديد لداود - عليه السلام - , والصحيح من الخبر أن أبا سعيد اعتقد أن الأنواع ليس فيها الحنطة وإنما يقوم وليس بأصل, وكلامنا في المقدار, فإنا قد اتفقا على أن الحنطة أصل وإن اختلفنا في مقدارها. ثم قد عارض هذا ما روت أسماء رضي الله عنها قالت: (كنا نخرج على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صاعا من بر بين اثنين) فليس الرجوع إلى أحد الأمرين بأولى من الرجوع إلى الآخر, ثم إن أبا سعيد حكى

فعله على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك حجة أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ذلك. 6196 - ألا ترى: أن الأنصار قالوا: كنا نكسل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا نغتسل, فقال لهم عمر: أشيء علمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فريضة الحكم فإن قيل: صدقة الفطر كانت تؤدى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , فلا بد أن يكون عرف ما أخرجه أبو سعيد, ولولا ذلك لم يحتج على معاوية - رضي الله عنه - بعمل نفسه. 6197 - قلنا: الفطرة كانت تؤدى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكن من حمل إليه صاعا من بر قبله منه, يجوز أن يكون عن اثنين, أو يكون بعضه تطوعا, وإنما الحجة أنه لو نقل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ صاعا فطرة لواحد, وهذا لا سبيل إليه واحتجاجه على معاوية - رضي الله عنه - كاحتجاج الأنصار بما لم يعلمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وظن هذا إذا فعل في ذلك العصر كان حجة بكل حال, على أن هذا الخبر يرويه عياض بن عبد الله ابن أبي سرح, ولم يخرجه أحد في صحيح, وأبوه الذي بدل الوحي وغيره. 6198 - احتجوا: بما روى الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فرض صدقة رمضان على كل إنسان صاعا من تمر أو صاعا من قمح. 6199 - قلنا: رواه سفيان بن حسين عن الزهري, وهو ضعيف. قال يحيى بن

معين: جميع روايته عن الزهري عرضا في الموسم, لم يضبط, ولا يلتفت إليها. 6200 - قالوا: روى الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان, قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أخرجوا زكاة الفطر صاعا من طعام, وطعامنا يومئذ البر والتمر والزبيب والأقط). 6201 - قلنا: هذا غلط من الراوي؛ لأن طعامهم الشعير, هكذا روى معمر بن عبد الله. وروى أنه عليه الصلاة والسلام (ما شبع من خبز بر حتى قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 6202 - واحتجوا: بحديث نافع عن ابن عمر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرض زكاة الفطر صاعا من تمر, أو صاعا من بر, ذكره الدارقطني عن الحضرمي عن زكريا بن يحيى بن صبيح, وهذا لا يعرف وهو غلط لا محالة؛ لأن ابن جريج

روى عن سليمان بن موسى, عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: (أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمرو بن حزم في زكاة الفطر: نصف صاع من حنطة أو صاعا من تمر). 6203 - وقد روى نافع عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: كان الناس يخرجون زكاة الفطر في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صاعا من شعير, وتمر وسلت, أو زبيب, فلما كان عمر وكثرت الحنطة جعل نصف صاع من حنطة مكانا من تلك الأشياء) وروى أبو داود: عن نافع قال: عبد الله: (فعدل الناس بعد نصف صاع بر). 6204 - فإذا كان ابن عمر يروي أن نصف صاع تقويم, ما كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن لم يكن الفرض إلا من الشعير والتمر, وما ذكره, كيف يصح عنه رواية صاع من حنطة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - , وإنما مخالفونا رجعوا إلى ما وجدوه في كتاب الدارقطني من غير بحث عنه ولا كشف. 6205 - قالوا: إذا تعارضت الرواية عن ابن عمر, وفي خبرنا زيادة حكم فكان أولى. 6206 - قلنا: بينا أن ما نقلتموه لا يجوز أن يكون إلا غلط, فكيف يتعارض حتى نرجح, ثم إذا تعارضا والأصل أن لا وجوب يثبت ذلك المتفق عليه في الرواية.

6207 - قالوا: روى كثير بن عبد الله بن عوف, عن أبيه, عن جده, قال: (فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من طعام أو صاعا من زبيب, أو صاعا من شعير). 6208 - قلنا كثير بن عبد الله يروي مائة حديث موضوعة عن أبيه عن جده, فلا يلتفت إلى حديثه. 6209 - قالوا: جنس يجوز إخراجه في زكاة الفطر, فوجب أنه يتقدر بالصاع, أصله: سائر الأنواع. 6210 - قلنا: هذا القياس يخالف النص؛ ولأن الحنطة والشعير تختلف قيمتها فلم يجز أن يتساويا في مقدار الواجب. ولأن المقصود من الفطرة غناء المساكين وذلك يقع بالحنطة أكثر من الشعير, فلم يجز أن يتساويا. 6211 - قالوا: الصدقة المخرجة من الحب يستوي في قدرها البر والشعير, أصله: العشر. 6212 - قلنا: العشر ليس بمقدر بنفسه, فذلك لم تختلف قدره, والفطرة مقدرة بنفسها؛ ولأنا نقلب فنقول فجاز أن يجب الشيء ومثل نصفه كالعشر. 6113 - قالوا: صدقة الفطر لم توضع على القيمة, بدلالة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سوى بين الشعير والتمر مع اختلاف قيمتها إذ ذاك سواء. ولأنه اعتبر ما يحصل من الكفاية وكفاية الشعير والتمر سواء, وهما يخالفان الحنطة في الكفاية. * * *

مسألة 355 لا تجب الفطرة عن عبد التجارة

مسألة 355 لا تجب الفطرة عن عبد التجارة 6214 - قال أصحابنا: لا تجب الفطرة عن عبد التجارة. 6215 - وقال الشافعي تجب. 6216 - لنا: قوله - صلى الله عليه وسلم - (ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقه إلا في صدقة الفطر)، فنفى كل صدقة تجب عن العبد إذا وجبت الفطرة وقد وجبت صدقة الفطرة بإجماع فلم يجز إيجاب الفطرة. 6217 - فإن قيل: النبي - صلى الله عليه وسلم - نفى أن تجب صدقة أخرى في العبد وصدقة الفطر تثبت في الذمة. 6218 - قلنا: قوله عليه الصلاة والسلام: ليس على المسلم في عبده) معناه: عن عبده.

6219 - والدليل عليه: الفطرة لا تجب فيه, ويدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام: (عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق إلا أن في الرقيق صدقة الفطر) وهذا يقتضي سقوط كل صدقة عن العبد إذا وجبت عليه الفطرة؛ لأنه معد للتجارة فلم تجب فطرته كالكافر. ولأنها حالة لا تجب فيها الفطرة عن عبد كافر فلا تجب عن عبد مسلم كحال الكتابة, ويدل علي أنهما لا يجتمعان لأنهما زكاتان فلا تجبان عن غير وقتهما كزكاة السوم والتجارة. [ولأن إحدى الزكاتين تخص الحيوان, والأخرى تجب عن الحيوان وغيره, فلا تجبان عن غير وقتها كزكاة السوم والتجارة] أو نقول: زكاتان فلا تجتمعان عن مال واحد. 6220 - ولا يلزم إذا كان له عبد للتجارة قيمته مائتان وجبت عليه الزكاة ووجبت الفطرة على السيد لأجله. 6221 - لأنا قلنا: فلا تجبان عن عين واحدة, والفطرة وجبت على المولى لأجل الغنى بالعبد. 6222 - فإن قيل: زكاة السوم والتجارة سببهما متفق حول ونصاب, ولهذا لا يجتمعان كالمثل والقيمة. وفي مسألتنا سبب وجوبهما مختلف, فسبب الزكاة النصاب والحول, وسبب الفطرة وجود الملك حتى يستهل شوال, أو تحمل النفقة أو الولاية عندكم. 6223 - قلنا فسبب الزكاة ليس هو الحول والنصاب, فسببهما التجارة عندنا, والحول والنصاب شرطان, وزكاة السوم لا تعتبر فيها نية التجارة, فسببهما مختلف أيضا ولا يجتمعان, وعلى قول من قالوا فالفطرة أيضا يعتبر فيها عندنا نصاب وحول؛ لأنها لا تجب في الحول إلا مرة واحدة, ثم اختلاف السببين لو سلمنا عليه بجواز الاجتماع, والكلام في وجوب الاجتماع.

6224 - احتجوا: بحديث ابن - رضي الله عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فرض زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر, أو صاعا من شعير على كل حر وعبد) وروي عن ابن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: (أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصدقة الفطر عن الصغير والكبير, والعبد ممن تمونون). 6225 - والجواب) أن الخبر يدل على وجوب الفطرة, وخبرنا يقتضي: أن كل عبد وجب عنه الفطرة لم تجب عنه صدقة غيرها, فالعبد الذي عنه صدقة بالإجماع لا يتناوله الخبر. 6226 - قالوا: مسلم يمونه حر مسلم قادر علي الفطرة فلزمه إخراجها عنه, أصله: إذا لم يكن للتجارة. 6227 - قلنا المعنى في عبد الخدمة: أنه معد للقنية, فوجبت الفطرة عنه, وفي مسألتنا: معد للتقلب, فلم تجب صدقة الغني, أو نقول المعنى فيه: أنه لم تجب للمولى عن رقبته زكاة القيمة, فلم يلزمه عنه زكاة الغنى, كالكافر. 6228 - قالوا: إذا لم يجز اجتماع إحدى الزكاتين فإيجاب الفطرة أولى؛ لأنها ثابتة بالأخبار المستفيضة والإجماع. 6229 - قلنا إثبات الفطرة دون زكاة التجارة خلاف الإجماع؛ ولأن الفطرة وإن تأكدت فسببها لم يوجد؛ لأن سببها في العبيد القنية والانتفاع بالعين. 6230 - فإن قيل: عندكم الولاية سبب. 6231 - قلنا: العلة مع كون الموجب عنه نصفه. 6232 - قالوا: سببهما مختلف فلا يتنافيان في الوجوب, ككفارة القتل والقيمة والكفارة والدية وجزاء الصيد والقيمة. 6233 - قلنا يبطل بالقصاص والدية والجزية والعشر والخراج الذي هو جزية.

6234 - فإن قالوا: هنا لا يتنافيان لكن القصاص والدية بدلان فلا يجتمعان. 6235 - قلنا: وكذلك هاهنا هما زكاتان, فلا تجتمعان. ولأن اختلاف السببين عليه لجواز اجتماعهما ولا كلام في الوجوب؛ ولأن الفطرة وزكاة المال تتفقان في بعض أسبابهما, وهو إسلام المزكي وأنهما لاتتكرران عن عين واحدة في سنة واحدة, ويقصد بكل منهما التطهير ويختلفان في أسباب أخر, كما أن زكاة السوم والتجارة يتفقان في الحول والنصاب ويختلفان في أن القصد في أحدهما الانتفاع بالعين, والآخر: بالعين ولا فرق بينهما. 6236 - قالوا: الفطرة حق بدن والزكاة حق مال, فهو كالجزاء والقيمة. 6237 - قلنا: الفطرة حق مال إذا وجبت عن العبد, ولهذا يسقط من المال بعتقه لما زال معنى المال عنه. * * *

مسألة 356 لا يجب علي الرجل أن يؤدي الفطر عن والديه

مسألة 356 لا يجب علي الرجل أن يؤدي الفطر عن والديه 6238 - قال أصحابنا: لا يجب علي الرجل أن يؤدي الفطر عن والديه وأجداده, ولا عن ولده الكبير. 6239 - وقال الشافعي: إذا كان الأب زمنا فقيرا عليه نفقته وفطرته, وإن كان صحيحا فقيرا, ففيه قولان, وأما الأولاد الزمني فعليه فطرتهم قولا واحدا, وإن كانوا أصحاء فقراء, فمن أصحابه من قال على قولين خلاف الفقير الصحيح, ومنهم من قال: لا نفقة على الوالدين قولا واحد, والفطرة تتبع النفقة. 6240 - لنا: أنه لا ولاية له عليه فلم يخاطب بإخراج فطرته كالأب الغني وعكسه الصغير , ولا يلزم الأب الفاسق؛ لأن له ولاية في نكاحه وفي ماله أيضا؛ لأنه لو تصرف جاز وإنما يمنعه الحاكم. ولأنه حر مكلف فلا يلزم الغير فطرته كالموسر. ولأنه حر لا يلزمه الأضحية عنه فلا يلزمه الفطرة عنه كالأخ والعم. 6241 - احتجوا: بقوله عليه الصلاة والسلام: (ممن تمونون). 6242 - قلنا: هو محمول على من يلزم جميع مؤنته, وهو العبد والصغير, فأما الابن الكبير فيلزمه أقل ما يكتفي به.

6243 - قالوا: روي أنه قال: (أدوا عن كل حر أو عبد صغير أو كبير). 6244 - قلنا محمول على العبد الكبير. قالوا: لأنه من أهل الطهرة ويلزم مونه من هو من أهل الطهرة فلزمه فطرته مع القدرة, كالابن الصغير والعبد. 6245 - قلنا: المعنى فيه أنه لا يخاطب بفطرة غيره، فجاز أن يخاطب الغير بفطرته, وفي مسألتنا: هو ممن يخاطب بفطرة فلم يخاطب الغير بفطرته. * * *

مسألة 357 لا تجب علي الجد فطرة ابن ابنه مع بقاء الابن

مسألة 357 لا تجب علي الجد فطرة ابن ابنه مع بقاء الابن 6246 - قال أصحابنا: لا تجب على الجد فطرة ابن ابنه مع بقاء الابن, وإذا مات ابنه فالصحيح أن الفطرة تجب عليه, وهي رواية الحسن, وروى محمد عنه أنها لا تجب. 6247 - وقال الشافعي: تجب في الوجهين. أما مع بقاء الابن فلا ولاية له عليه, كالعم والأخ, ولأنه يدلى إليه بغيره, كالأخ والعم. ولأنه إن كان غنيا لم يخرج الفطرة من ماله, وإذا كان فقيرا لم يلزمه إخراجها عنه كالأخ, وأما بعد موت الأب: فإن دللنا على رواية محمد فلأن ولايته منتقلة كالوصي. ولأنه حر لا يلزمه الأضحية عنه فلا يلزمه الفطرة كالأخ. ولأنه ممن يحجب عن ميراثه كالعم, فإن احتجوا بالخبر خصصناه بما ذكرنا. * * *

مسألة 358 إذا أخرج الدقيق والسويق جاز

مسألة 358 إذا أخرج الدقيق والسويق جاز 6248 - قال أصحابنا: إذا أخرج الدقيق والسوبق جاز. 6249 - وقال الشافعي: لا يجوز. 6250 - لنا: قوله عليه الصلاة والسلام: (اغنوهم عن المسألة في هذا اليوم) وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (قدموا قبل الخروج زكاة الفطرة, فإن على كل مسلم مدين قمح أو دقيق)؛ ولأن كل مباح لا يجوز بيعه بالحنطة متفاضلا يجوز إخراجه في الفطرة بنفسه كالحنطة؛ ولأن ما يتبعض إذا جاز إخراجه في الزكاة غير متبعض جاز تبعيضه كالدراهم. 6251 - احتجوا: بحديث ابن عمر - رضي الله عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر, أو صاعا من شعير) وروى أنه أمر بنصف صاع من بر. 6252 - والجواب: أن هذا يدل على جواز هذه الأنواع, وما ذكرناه يدل على غيرها. ولأن الوجوب لا يختص المذكور باتفاق؛ لأن عند الشافعي يجوز الذرة والأرز

إذا كان غالب القوت، فلم يكن لاستدلاله بتخصيص ما في الخبر معنى. 6253 - قالوا: إنه ناقص المنفعة عن كونه حبا, فأشبه الخبز. 6254 - قالوا: ونقصانه أنه لا يصلح للزراعة وطبخ الهريسة. 6255 - قلنا: وهو أكمل من الحنطة لحضور منفعته؛ ولأن المقصود من الحنطة غالبا ليس طبخه, فإن لم يكن طبخه هريسة لم يمنع, كما أن الشعير يجوز ولا يمكن طبخه, وأما الزراعة: فليست المقصود بغناء الفقير عن المسألة في أيام العيد أن يحصل لهم ما يزرعونه, فلا معنى لاعتبار الزراعة. 6256 - فإن قيل: فجوزوا الخبز؛ لأنه المقصود من الحنطة. 6257 - قلنا: عندنا يجوز. 6258 - فإن قيل: فجوزوه أصلا. 6259 - قلنا: لم ينص عليه, ولأن الأصل ما يكال والخبز ليس بمكيل, والدقيق مكيل بدليل أنه لا يجوز بيعه بالحنطة, فلولا أنه مكيل لجاز بيعه بها, كما يجوز بسائر الموزونات. 6260 - قالوا: العنب مكيل ولا يجوز عندكم. 6261 - قلنا: لسنا نعني بالمكيل ما يمكن كيله وإنما نعني ما شرع كونه مكيلا, والعجب ممن جوز الذرة والأرز والدخن, ولم يجوز دقيق الحنطة , ويرجع إلى النص, وقد ذكر الدقيق في خبر ولم يذكر هذه الأنواع, وإن رجع إلى القوت الغالب, فالدقيق قوت غالب. * * *

مسألة 359 لا يجوز الأقط في الفطرة إلا على وجه القيمة

مسألة 359 لا يجوز الأقط في الفطرة إلا على وجه القيمة 6262 - قال أصحابنا: لا يجوز الأقط في الفطرة إلا على وجه القيمة. 6263 - وقال الشافعي في القديم: يجوز لأهل البادية أن يخرجوا صاعا من أقط, أو صاعا من لبن. 6264 - وقال في الأم: ولا أحب لأهل البادية أن يخرجوا الأقط, فأن أدوا أقطا لم يبن لي أن عليهم الإعادة, فمن أصحابه من قال: يجوز قولا واحدا, ومنهم من قال: في الجديد على قولين. 6265 - لنا: أن الأقط يتولد من الحيوان كاللحم؛ ولأن ما لا يجب فيه العشر لا يجزئ في الفطرة بنفسه كالثياب, فأما خبر أبي سعيد فقد أخبر أنهم كانوا يخرجونه فيحتمل أن يكون أصلا ويحتمل أن يكون قيمة, وحديث كثير قد تكلمنا عليه. * * *

مسألة 360 إذا أخرج الشعير وقوت بلده الحنطة أو التمر جاز

مسألة 360 إذا أخرج الشعير وقوت بلده الحنطة أو التمر جاز 6266 - قال أصحابنا: إذا أخرج الشعير وقوت بلده الحنطة أو التمر جاز. 6267 - وقال الشافعي: لا يجوز, فمن أصحابه من قال: فيه قولان؛ فإن أخرج الحنطة وقوتهم شعير جاز قولا واحدا. 6268 - لنا: حديث نافع عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: (أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر عن كل مسلم حر وعبد صغير وكبير, صاعا من تمر أو صاعا من شعير). 6269 - وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر صائحا صاح: إن صدقة الفطر حق واجب على كل مسلم, صغير أو كبير ذكر أو أنثى, حر أو مملوك, حاضر أو باد, مدان من قمح, أو صاعا من شعير أو تمر) وهذا يقتضي التخيير. 6270 - فإن قيل: ليس يمتنع أن يكون ظاهره التخيير, والمراد به الترتيب , كآية المحاربين. 6271 - قلنا: الظاهر لا ينصرف عنه إلا بدليل, وحديث أبي سعيد (كنا نخرج على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صاع طعام, أو صاع تمر, أو صاع شعير, أو صاع زبيب,

أو صاعا من أقط). ولم يكن الزبيب والأقط غالب قوت أهل البلد. ولأن ما جاز عن فطرة أهل بلده جاز عن فطرة غيرهم, أصله: إخراج الحنطة, وغالب قوت أهل بلده الشعير. 6272 - قالوا: ترك قوت أهل بلده إلى ما هو دونه, فلم يجزه كما لو أخرج غير المنصوص. 6273 - [قلنا: إذا أخرج غير المنصوص] جاز عندنا. 6274 - فإن قالوا: لا يجوز أصلا. 6275 - قلنا: ذلك لا يتناوله البر وليس كذلك في مسألتنا؛ لأن النص يتناوله؛ ولأن غير المنصوص لا يجوز أصلا في مكان, ولا يجوز في كل الأماكن. ولما جاز أصلا في مكان, ولا يجوز في كل الأماكن. ولما جاز هذا أصلا في مكان جاز ذلك في غيره كالحنطة. * * *

مسألة 361 إذا عجل الفطرة قبل وجوبها جاز

مسألة 361 إذا عجل الفطرة قبل وجوبها جاز 6276 - قال أصحابنا: إذا عجل الفطرة قبل وجوبها جاز. ولا يختص الوجوب بوقت. 6277 - وقال الشافعي: يجوز في رمضان, ولا يجوز قبله. 6278 - لنا: أنها زكاة في الشريعة فجاز تقديمها على وقت وجوبها تقديما لا يوقت كالزكاة؛ ولأن ما جاز تقديمه قبل وجوبه بما دون الشهر جاز بأكثر من شهر, أصله: الإطعام في كفارة القتل. ولأنها حالة ينتفع الفقير فيها بالفطرة, فجاز تعجلها فيه, أصله: شهر رمضان. 6279 - احتجوا: بقوله عليه الصلاة والسلام: (اغنوهم عن المسألة في هذا اليوم). 6280 - والجواب: أن هذا بيان وقت الوجوب, والكلام في الجواز, ولا خلاف بيننا أن الفطرة لا يختص جوازها وقت وجوبها. 6281 - قالوا: لم يوجد من أسباب هذه الزكاة غير مؤديها فلا يجوز تعجيلها, أصله: زكاة المال قبل النصاب. 6282 - قلنا: يبطل بشهر رمضان, ولأنه إذا وجد العبد قوت يومه وزيادة فقد وجد من أسبابها أكثر من الملك. ولأن زكاة المال تجب عن المال فاعتبر في جواز التقديم [وجوب الموجب عنه, والفطرة تجب عن الرقبة فاعتبر في جواز التقديم] وجودها.

مسألة 362 يجوز صرف صدقة الفطر إلى أهل الذمة

مسألة 362 يجوز صرف صدقة الفطر إلى أهل الذمة 6283 - قال أبو حنيفة: يجوز صرف صدقة الفطر إلى أهل الذمة. 6284 - وقال الشافعي: لا يجوز. 6285 - لنا: أنها صدقة كصدقة النفل, ولأنه من أهل دار الإسلام, فجاز صرف الفطرة إليه كالمسلم. ولأن ما يجب على طريق المواساة صدقة ونفقة، فإذا كانت النفقة يجوز أن تجب على المسلم للذمي جاز أن يجوز دفع الصدقة إلى الذمي. 6286 - احتجوا: بقوله عليه الصلاة والسلام: (أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها على فقرائكم). 6287 - والجواب: أن هذا يتناول ما أخذه إلى الإمام, والفطرة ليس أخذها إليه.

6288 - قالوا: كافر فلا يجوز صرف الفطرة إليه كالحربي. 6289 - قلنا: الحربي إذا دفعها إليه فقد بقى لنفسه فيها حق ملك. ألا ترى: أنه يسرقها فيملكها, وقد استحق إخراجها على وجه لا يبقى لنفسه فيها حقا, ولهذا لا يجوز دفعها إلى ولده ومكاتبه, وليس كذلك الذمي لأنه يقطع بالدفع إليه, فلا يبقى له فيها حق فصار كالمسلم. * * *

مسألة 363 الصاع ثمانية أرطال بالعراقي

مسألة 363 الصاع ثمانية أرطال بالعراقي 6290 - قال أبو حنيفة ومحمد: الصاع ثمانية أرطال بالعراقي. 6292 - وقال أبو يوسف: خمسة أرطال وثلث. 6292 - وبه قال الشافعي. 6293 - لنا: ما روى أنس بن مالك - رضي الله عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يغتسل بالصاع ثمانية أرطال, ويتوضأ بالمد رطلان) وروى جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد رطلان) وهذا قول صحابيين. 6294 - فإن قيل: صاع الطهارة كان أكبر من صاع الكفارة. 6295 - قلنا: من ادعى صاعا غير ما قالا احتاج إلى دليل, وقد وافق ذلك ما روي

عن عائشة رضي الله عنها (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يغتسل بالصاع) قال مجاهد أخرجت إلي إناء, فقالت: بمثل هذا كان يغتسل, فحرزته ثمانية أرطال أو تسعة فقد اتفق قولهما. 6296 - وروي عن الشعبي والنخعي أنهما قالا: (وجدنا صاع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حجاجيا ثمانية أرطال بالعراقي) , ومعنى ذلك: أن الحجاج كشف عن صاع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وختم عليه, وكان يقول لأهل الكوفة: (ألم أظهر لكم صاع عمر, وهذا الصاع قدره وأنفذه إلى الكوفة وإنما ينفذ إلى الأمصار ما يتعلق به الأحكام الشرعية, فدل أنه الصاع الذي يجب به الصدقات, وعمر - رضي الله عنه - لا يجوز أن يخفى عليه صاع رسول الله صلي الله - صلى الله عليه وسلم - , وإذا عرفه لم يجز أن يخالفه, ولأنه حكم يتعلق بالصاع فوجب أن يتقدر بثمانية أرطال كالاغتسال. 6297 - ولأن ما يتقدر به إطعام مسكين في كفارة لا يتقدر به الصاع, أصله: الخمسة أرطال. ولأن الوسق ستون صاعا باتفاق, والوسق حمل بعير, فلو كان الصاع خمسة أرطال وثلث كان الوسق ثلاثمائة وعشرين رطلا, وهذا ليس هو حمل البعير الغالب, وإذا قدرناه بما ورد به الخبر بلغ أربعمائة وثمانين رطلا, وهذا حمل بعير في العادة.

6298 - احتجوا: بما روى عبد الرحمن بن أبي ليلى: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: تصدق على ستة مساكين بثلاثة أصوع من تمر). وروى أنه قال: (تصدق بفرق من زبيب على ستة مساكين) فقال القتيبي: والفرق بتحريك الراء ستة عشر رطلا, سوى بين الفرق وثلاثة أصوع فصح أن الصاع خمسة أرطال وثلث. 6299 - قلنا: قد نقل أصحابنا أن الفرق ستة وثلاثون رطلا [فلا يلتفت إلى قول القتيبي ويجوز أن يكون ستة عشر رطلا] بوزن المدينة, وكل رطل عندهم ثلاثون أستارا فخرج من ذلك ثلاثة أصوع على قولة. 6300 - قالوا: نقل أهل المدينة خلفا عن سلف كما نقلوا موضع القبر والمنبر وذي الحليفة. 6301 - قالوا: وأحضر مالك إلى أبي يوسف أولاد المهاجرين والأنصار, فجاء كل واحد منهم بصاع وهو يقول: أخبرني أبي عن أبيه: أنه كان يؤدى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصدقة بهذا.

6302 - والجواب أن مالكا سئل عن صاعهم, فقال: تحرى عبد الملك بن مروان عن صاع عمر, ولو كان عندهم نقلا مستفيضا لم يحتج عبد الملك إلي التحري ولكان يتحرى على صاع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ولا يتحرى على صاع غيره وليس شيء نقله أهل المدينة يجب الرجوع إليه. لأنهم ادعوا التوارث في إفراد قوله: قد قامت الصلاة, وفي ترك قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة, وترك الاستفتاح والتسبيح في الركوع, وأكل كل ذي ناب من السباع ومخلب, ثم لم يجب الرجوع إلي نقلهم, فكذلك هذا النقل. ولأن صاع أهل الكوفة ثمانية أرطال, وقد حصل عندهم أكابر الصحابة فما أنكروه عليهم, ولا غيره, فكذلك النقل معارض بهذا النقل. 6303 - وروي عن نافع أنه قال: (كان ابن عمر يؤدي صدقة الفطر بالصاع الأول) , ولا يجوز أن يؤدى إلا بصاع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , فدل أن بالمدينة صاعا يعني غير الأول. وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى: عندنا صاع أهل المدينة وجدناه يزيد علي الحجاجي بمكيال, فدل: أن الصاعات اختلف عليهم, ولا يجوز ترك قول الصحابيين في وزن الصاع المطلق بهذا الاحتمال. 6304 - قالوا: الأصل براءة الذمة, فلا يجوز أن يشغلها إلا بدليل. 6305 - قلنا: الفطرة وجبت فلا يسقط فرضها إلا بدليل, وقد اتفقنا علي سقوطها بما نقوله واختلفنا فيما دونه. * * *

كتاب الصيام

موسوعة القواعد افقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب الصيام

مسألة 364 إذا صام في رمضان بنية قبل الزوال جاز

مسألة 364 إذا صام في رمضان بنية قبل الزوال جاز 6306 - قال أصحابنا: إذا صام في رمضان بنية قبل الزوال جاز. 6307 - وقال الشافعي: لا يجوز إلا بنية من الليل، فإن نوى الصوم بعد الفجر كان مفطرا، وإن نوى قبل الطلوع [فلم يكمل النية قبله حتى طلع الفجر قبل إكمال النية كان مفطرا، وإن نوى قبل الطلوع]. 6308 - واختلفوا: في وقت جواز النية، فمنهم من قال: ما بين غروب الشمس وطلوع الفجر. 6309 - ومنهم من قال: النصف الأخير من الليل ولا يجوز في النصف الأول. 6310 - ومنهم من قال: في أول الليل فإن أكل أو شرب أو جامع أو استيقظ قبل الفجر بطلت نيته، واحتاج إلى تجديدها. 3611 - لنا: قوله تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}. [فأمر بصوم

الشهر، والمراد به: صوم شرعي]، وقد أجمعوا أن الصوم الشرعي قد يكون مع تقديم النية وتأخيرها، فاقتضى ذلك جواز كل ما يسمى صوما في الشريعة. ويدل عليه قوله تعالى: {وكلوا وأشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} إلى قوله: {ثم أتموا الصيام إلى الليل}. فأباح محظورات الصوم إلى حين الطلوع، وأمر بالصوم بعده. فظاهره يقتضي: أنه إذا نوى في تلك الحال جاز صومه. 6312 - ويدل عليه: ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في يوم عاشوراء: (من لم يأكل فليصم، ومن أكل فليمسك بقية يومه). وصوم يوم عاشوراء كان واجبا في زمان معين والدليل على وجوبه: أنه أمر بالصوم، وكتب إلى أهل العوالي وأمر بالأمساك، وذلك لا يجب في التطوع. وروت الربيع بنت معوذ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث في الأمصار (من أصبح صائما فليقم على صومه، ومن كان أصبح مفطرا فليتم آخر يومه، فلم نزل نصومه [بعد] ونصومه صبياننا وهم صغار، ونتخذ لهم اللعبة

من العهن، فإذا سألونا [الطعام] أعطيانهم اللعبة). والصبيان إنما يصومون الفرض. 6313 - وقال: ابن مسعود - رضي الله عنه -: (كنا نصومه ثم تركنا) ومعلوم أنه لم يترك استحبابه، فلم يبق إلا وجوبه. وقال عائشة رضي الله عنها: (أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصيام [يوم] عاشوراء قبل أن يفرض رمضان، فلما فرض رمضان فقال: من شاء صام عاشوراء، ومن شاء أفطر). ولو كان قبل رمضان نفلا لم يتغير برمضان؛ لأنه قال/ قبل ذلك: (من شاء صام، ومن شاء أفطر). والخبر يقتضي تغيير حكمه إلى التخيير. 6314 - فإن قيل: لو كان واجبا لأمر من أكل بالقضاء. 6315 - قلنا: لا يمتنع أن يكون واجبا لا قضاء له، كالجمعة. 6316 - قالوا: لو كان واجبا لما تركوه حين فرض رمضان إلا بنسخ. 6317 - قلنا: تركوه بنسخ، بدليل حديث عائشة رضي الله عنها. 6318 - قالوا: روي أن معاوية خطب بالمدينة، فقال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

يقول: (صوم عاشوراء لم يكتب عليكم، من شاء صام، ومن شاء لم يصم). 6319 - قلنا: هذا قاله عليه [الصلاة و] السلام بعد النسخ. 6320 - فإن قيل: إنما يجب الصوم نهارا، وقد قدموا النية على الوجوب. 6321 - قلنا: بل كان الصوم واجبا ولم يعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالوقت. ثم عدم النية عندهم من الليل كالأكل بعد طلوع الفجر، كما أن الأكل يمنع الصوم، كذلك يجب أن يمنع عدم النية؛ ولأن الصوم لو لم يجب إلا في تلك الحال لم يؤثر فيه تقدم الأكل على الوجوب، كما لا يؤثر قبل طلوع الفجر. 6322 - ولأنه وجب بالأمر وأنفذ النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى العوالي فأمرهم بالصوم، فقد تأخرت نيتهم عن وقت الوجوب لا محالة وإن كانوا لم يعلموا به، كما أن من لم يعلم بالشهر حتى أصبح لم يصح صومه عندهم لفقد النية [المقدمة] لوقت الوجوب في الجملة، وإن كان لم يعلم أنه مخاطب بها. 6323 - فإن قيل: هذا الصوم قد نسخ، فسقطت شرائطه. 6324 - قلنا: لم ينسخ فرض الصوم، وإنما نقل من وقت فلا تتغير أحاكمه فيها سوى الوقت، كما أن الصلاة حولت إلى الكعبة فلم تتغير شروطها سوى الاستقبال، ولأنا قسنا عليه لأنه كان صوما في زمان معين، فنسخ وجوبه لا يمنع

القياس، ألا ترى: أن الوجوب لو لم ينسخ ومنع من الصوم بنية قبل الزوال لم يصح القياس عليه. 6325 - ويدل عليه: ما روى عكرمة عن ابن عباس - رضي الله عنه - (أن الهلال غم، فأصبحوا متلومين، فشهد أعرابي عند النبي - صلى الله عليه وسلم - (برؤية الهلال، فأمر بلال ينادي في الناس بالصوم)، ولأنه صوم لا يثبت أداؤه في الذمة كالتطوع. ولا يلزم صوم الظهار؛ لأنه يثبت في الذمة لكن لا يستقر. 6326 - ولا يلزم إذا قال: لله علي أن أصوم شهرا في هذه السنة فلم يبق منها إلا شهرا واحدا؛ لأن هذا الصوم ثبت في الذمة حين النذر، ولأنه يصح بنية قبل الزوال، إذ لا رواية فيه؛ لأنه صوم متعلق بعين فجاز بنية من النهار، كمن قال بعد الفجر: لله علي أن أصوم هذا اليوم. ولأنه محل للنية في صوم النفل، فكان محلا لنية صوم رمضان، كالليل. ولأن جميع العبادات لا تختلف محل النية في فرضها ونفلها، كالصلاة.

6327 - فإن قيل: النافلة أخف من شرائطها، بدلالة جواز الصلاة قاعدا وعلى الراحلة. 6328 - قلنا: هو شرط في الفرض والنفل لا يختلفان فيه، وإنما يختلفان فيما شرط في أحدهما ولم يشترط في الآخر؛ ولأن نفل الصلاة وفرضها يختلف في الشرائط، ولا يختلف في محل النية. 6329 - ولأن بعد طلوع الفجر مستحق لصوم رمضان، ولهذا لا يصح فيه غيره ويستحيل أن يستحق الصوم ولا يستحق أداؤه. ويدل على أنه إذا نوى قبل الزوال صح صومه: لأن كل زمان يصح صومه بنية تتقدم عليه، صح بنية تبتدئ فيه أصله: غير رمضان يلزم ما بعد الزوال؛ لأن التعليل للنهار في الجملة لا لأبعاضه. 6330 - ولأن ما كان صوما في غير رمضان كان صوما في رمضان، كما لو قدم النية. وإذا ثبت أن يكون صائما، وقع عن رمضان؛ لأن أحدا لا يفصل بينهما. 6331 - احتجوا: بحديث الزهري عن سالم عن أبيه، عن حفصة، (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له)، وفي حديثها: (لمن لم يفرضه من الليل)، ولمن لم يفرضه قبل الفجر).

6332 - الجواب: أن هذا الحديث مختلف في رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن ثقات أصحاب الزهري أوقفوه على حفصة. ومعمر، وعبد الرحمن بن إسحاق، وإسحاق بن رشاد، وعبد الرحمن بن خالد، وعقيل، ومتى أوقفت الثقات من أصحاب الزهري خبرا لم يلتفت إلى إسناد الواحد والاثنين له، لاسيما إذا لم يكونوا في طبقة من أوقفه، وهذه طريقة أصحاب الحديث. ثم اختلاف متنه وألفاظه يدل على قلة ضبطه. ولأن عندنا يجب عليه أن ينوي الصوم قبل الفجر. 6333 - وأما حديث عمرة عن عائشة: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من لم يبيت الصيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له)، فمحمول على ما كان في بدء الإسلام، أن الصوم يجب في بعض الليل. 6334 - احتجوا: بحديث ميمونة بنت سعد قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (من أجمع الصوم من الليل فليصم، ومن أصبح ولم يجمعه فلا يصم). 6335 - قلنا: هذا الحديث يرويه الواقدي، وقد ضعفه الدارقطني في كتابه. ثم هو محمول على الحالة التي كان الصوم واجبا فيها في جزء من الليل، ونحمله

على أن النية تجب في أول النهار، لا من حين نوى، فلابد أن يجمع من الليل، ولهذا لم يقل في الليل. 6336 - فإن قيل: أجمع على العزم، قال الله تعالى: {فأجمعوا أمركم وشركائكم}. 6337 - قلنا: قد حملناه عليها في أحد التأويلين، وعلى العزم والفعل في الآخر، تبين صحة هذه التأويلات، أنا إذا حملناه عليها عممنا أنواع الصيام، وإذا حملوه على ما يقولون خصوه بالصوم الواجب، وما أدى إلى تبعية العموم أولى. ولأنه محمول عندنا على نفي فضيلة الصوم، ولأنه قد يستعمل على نفي الفضيلة. وعندنا الأفضل أن يقدم النية. ولأنا نحمل هذا الخبر على الصيام في الذمة، ولأخبارنا على الصيام في الزمان المعين، فيؤدي إلى استعمال الأخبار كلها. 6338 - فإن قيل: قوله: (لا صيام) بيان لشرط العبادة فينصرف إلى المقصود منها، وهو المفروض دون غيره. 6339 - قلنا: وقد يكون لبعض الفرائض دون جميعها، وقد حملناه على قضاء رمضان والكفارات. 6340 - قالوا: روى مثل قولنا عن ابن عمر، وعائشة، وحفصة رضي الله عنها، ولا مخالف لهم. 6341 - قلنا: لا نعلم انتشاره، وليس من أصلكم القول بالتقليد. وعلى أصلنا لا يلزم إذا روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يخالفه. 6342 - قالوا: صوم واجب، فكان من شرطه تقدم النية من الليل، كقضاء رمضان، أو صوم واجب، فكان من شرطه تقدم النية عليه. 6343 - قلنا: قولكم: (صوم يوم) لا معنى له؛ لأن الصوم لا يكون أقل من يوم، ولكان المتنفل بنية من النهار صائما بعض يوم لجاز أن يقدم الأكل، ولكان في

جزاء الصيد إذا بقى من الإطعام نصف مد يجوز أن يقوم بنية من بعض النهار، وهذا لا يقوله أحد. ولأن الحكم غير مسلم في الأصل؛ لأن عندنا لو نوى بعد طلوع الفجر في رمضان جاز، ولا نسلم وجوب النية. ونقلب العلة فنقول: فإذا أخر النية عن ابتدائه كان ما تقدم النية. ولأن المعنى في قضاء رمضان: أنه وجب عليه في زمان غير موصوف بتحريم الأكل. 6344 - وفي مسألتنا: إذا لم ينو من الليل فالزمان موصوف بتحريم الأكل، فوقع الصوم في الزمان المستحق فيه. 6345 - قالوا: عبادة تؤدى وتقضى، فوجب أن يكون محل النية في أدائها محلها في قضائها، كالصلاة. ولأن الصلاة لما لم يجز فرضها بنية متقدمة لم يجز بنية متأخرة [ولما جاز فرض الصوم بنية متقدمة، كان فيه ما يجوز بنية متأخرة]، يبين ذلك أن تقدم النية فيه إنما جاز للمشقة في مقارنتها، كذلك يشق على الإنسان التقديم؛ لأنه ينسى النية، ويتشاغل عنها. ولأن الصلاة قضاؤها، وأداءها لا يتعلق بزمان بعينه، فاحتاجت إلى نية مقارنة لتعين الفعل. وأداء الصوم يتعلق بزمان بعينه، ويختلف في النيات التعيين وعدمه، بدلالة: أن من نذر عتق عبد بعينه لا يفتقر إلى النية ولو نذر عتقا مطلقا، لم يصح إلا بنية، ولذلك يجوز أن يفترق المعنى وغير المعنى في محل النية. 6346 - قالوا: الأبدال مثل مبدلاتها وأضعف، فأما أن تزيد عليها فلا، فلو وجب تقديم النية في القضاء لزاد البدل على المبدل، وهذا لا يصح. 6347 - قلنا: الأبدال أضعف من أصولها، ولا يمتنع أن تزيد الشرائط في

البدل لضعفه. ولأن تأخير النية يوجب نقصا في الصوم، إلا أن استدراك فضيلة الوقت في رمضان أولى، وفي القضاء لا يستدرك [فضيلة الوقت] ويستدرك فضيلة الكمال بتقديم النية. 6348 - قالوا: إمساك واجب، فكان من شرطه تقديم النية عليه، أصله: ما بعد الزوال/. 6349 - قلنا: ما بعد الزوال، متى لم تتقدم النية عليه، لم تصحب أكثر النهار، وما قبل الزوال إذا لم تتقدم النية عليه صاحبت أكثر النهار، ووجود الشرط في أكثر العبادة مختلف لوجوده في أقلها، بدلالة: المدرك لأكثر الركعة يعتد بها، ولو أدرك أقلها لم يعتد بها. 6350 - قالوا: الإمساك يكون عادة، وعبادة، فوجب أن يقترن بما يميز العادة من العبادة. 6351 - قلنا: اقترن به الزمان الذي تعين الوجوب فيه، فأخرجه من أن يكون عادة. * * *

مسألة 365 يصح الصوم في رمضان بمطلق النية

مسألة 365 يصح الصوم في رمضان بمطلق النية 6352 - قال أصحابنا: يصح الصوم في رمضان بمطلق النية، فإن صام عن رمضان أو عن غيره وقع عنه. 6353 - وقال الشافعي: لا يصح حتى ينوى أن يصوم غدا من رمضان فريضة. 6354 - لنا: قوله تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}، والمراد به: الصوم الشرعي، وذلك تارة يكون بنية معينة، وتارة بنية مطلقة، فاقتضى الظاهر جواز الأمرين. 6355 - فإن قيل: المراد [به]: فليصم الشهر. 6356 - قلنا: الشهر لا يصح صومه، وإنما المراد: فليصم فيه. ويدل عليه: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه). ورمضان لا

يمكن صومه، وإنما المراد: من صام فيه. ومتى أطلق النية فيه احتسابا، استحق العقاب عند مخالفنا. وهذا خلاف الخبر. 6357 - ويدل عليه: حديث حفصة رضي الله عنها: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا صيام لمن لم يجمع الصيام من الليل) فظاهره يقتضي: أنه إذا أجمع مطلقا صح صومه. 6358 - ويدل عليه: ما روي عن علي، وعائشة: رضي الله عنهما أنهما كانا يأمران بصوم يوم الشك ويقولان: (لأن نصوم يوما من شعبان أحب إلينا من أن نفطر يوما من رمضان). فلولا أن الصوم يصح في رمضان بنية التطوع لم يكن للاحتراز معنى. ولأنه صوم لا يثبت في الذمة عندنا، ولا يلزم إذا قدم الصوم في الكفارة؛ لأن ذلك الصوم يثبت في الذمة إذا وجب. ولا يقال: فصوم رمضان يثبت في الذمة إذا فات. 6359 - قلنا: لا يكون رمضان وإنما يكون قضاؤه. ولأنه زمان لا يصح فيه فرض الصوم ونفله، فجاز الصوم فيه بمطلق النية، كاليوم الذي أصبح فيه من غير رمضان. أو نقول: فلا يصح منه إلا نوع واحد. 6360 - فإن قيل: اليوم الذي فيه يجوز فيه النذر والنفل

6361 - قلنا: النذر ليس بفرض، وإنما نريد بالفرض ما فرضه الله تعالى ابتداء، وعلى العبادة الثانية: لا يصح فيه إلا نوع واحد، وهو ما يوجبه الله تعالى. 6362 - فإن قيل: فصلاة التطوع لا يحتاج فيها إلى تعيين النية، وإن احتاج فرضها كذلك نفل الصوم لا يفتقر إلى التعيين وإن افتقر فرضه. 6363 - قلنا: صلاة التطوع ليس فيها معنى زائد على كونها صلاة. فلم يكن بد من مخصص لها وهو التعيين، وصوم رمضان قد يخصص بالزمان تخصيصا، لا يصح غيره فيه، فلم يحتاج إلى تعيين نية تخصيصه. 6364 - فإن قيل: فالصوم في السفر يصح عن غير رمضان ولا يحتاج عندكم إلى تعيين النية. 6365 - قلنا: فيه روايتان؛ ولأن كل عبادة لا تقع عن النفل بمطلق النية صحت عن الفرض بمطلق النية، كالحج. ولأنها عبادة تجب بإفسادها الكفارة، فصح فرضها بمطلق النية، كالحج ولأنها عبادة على البدن لا تفعل في السنة إلا مرة. 6366 - فإن قيل: الحج أوكد في باب البقاء، بدلالة: أنه يمضي في فاسده فلذلك صح بمطلق النية. ولما ضعف الصوم حتى لا يمضي في فاسده، فلم يصح فرضه بمطلق النية. 6367 - قلنا: إذا وجب عليه حجة من قضاء، وحجة من نذر، لم تنعقد إحداهما بمطلق النية، ويصح المضي في فسادها. وعلة الفرع: تبطل بالإيمان والظهار، وكل واحد منهما يصح بمطلق النية، يصح المضي في فسادها. 6368 - فإن قيل: الإحرام ينعقد مع الفساد. 6369 - قلنا: هذا لا يصح على أصولكم؛ لأن الصوم ينعقد مع الفساد إذا

طلع له الفجر وهو مواقع، ويلزمه الكفارة ثم الحج، وفساده لا ينافيه؛ فلذلك انعقد مع الفساد والصوم فساده ينفيه فلم ينعقد معه، وهذا [لا يصح؛ لأنه] لا تعلق له بنفس النية ألا ترى: أن الإسلام لا يصح مع ما ينافيه، وإن ساوى الحج في أنه لا يفتقر إلى نية معينة. 6370 - قالوا: الحج ينعقد الإحرام به مطلقا، لا ينوي حجة ولا عمرة ثم تصرفه إلى أحدهما، فدل على أنه آكد من الصوم الذي لا ينعقد إلا عن معنى واحد. 6371 - قلنا: إنما يصح ذلك لأنه يصح جمعهما، فالإحرام يصح أن يقع مبهما ثم يتعين، ولا يصح أن يجتمع فرض الصوم ونفله، فلم يصح أن يدخل فيه مبهما ثم يعينه. 6372 - ولأنه زمان لا يجوز أن يؤدي فيه غير فرضه لمن وجب عليه، فلم يفتقر فرضه إلى تعيين النية، كالطواف. أو نقول: إنه مستحق العين، بدلالة أنه فرض لا يجوز تقديمه على وقته ولا تأخيره عنه، أو لا يصح في وقته عبادة من جنسه، فصار كالطواف للزيارة. 6373 - فإن قيل: الطواف لا يفتقر إلى النية؛ لأنه ركن من عبادة. 6374 - قلنا: لو [طاف خلف غريمه أو خلف بعير ند منه لم يعتد به. 6375 - قالوا: ليس لافتقاره إلى نية، لكن لأنه نوى غير النسك. 6376 - قلنا: لو] لم يفتقر إلى النية لكان متى نوى غيره لم يمتنع وقوعه، كرد الوديعة. 6377 - احتجوا: بأنه صوم واجب فافتقر إلى تعيين النية، كالقضاء والكفارات.

6378 - والجواب: أن في القضاء لم يوجد معنى يجعل الصوم عن القضاء إلا النية، فإذا لم يوجد لم يقع عنه. 6379 - وفي مسألتنا: معنى يوجب كون الصوم عن الفرض وهو أنه عين له فوقع الصوم عنه بغير النية، ولهذا نقول: إنه إذا نذر صوم زمان بعينه لم يحتج إلى تعيين النية لأن اختصاص الوجوب به بنذره اقتضى وقوع الصوم المطلق عنه، فأما الصلاة في آخر الوقت فلم ينعقد الوقت لفعلها شرعا ولا إيجابا؛ لأن الشريعة وسعت وقتها وخيرت فيه فافتقرت إلى تعيين النية ولم يعتبر حكمها بتأخير المكلف لفعلها. ثم هذا يبطل بمن عليه كفارات من جنسين إذا صام عن الكفارة ولم يعين، فإن صومه يصح عندهم وهو صوم واجب، ولم يفتقر إلى التعيين. 6380 - قالوا: يفتقر لأنه لو لم ينو الكفارة لم يصح. 6381 - قلنا: الكفارة جنس والكلام في تعيين النوع، ألا ترى، أنه إذا صام ينوي الواجب لم يصح عندهم وإن كان قد عين، حتى يعين صوم رمضان للفرض. 6382 - قالوا: الأبدال في الأصول من جنس مبدلاتها أو أقل، فإذا ثبت أن القضاء يفتقر إلى تعيين النية فمبدله أولى. 6383 - قلنا: الأبدال قد يخالف مبدلاتها في باب النيات، بدلالة: من غصب عينا من الأعيان لم يفتقر ردها إلى النية، ولو استهلكها اعتبر في دفع قبضها النية. والوضوء إذا وقع بنية النفل جاز به الفرض عندهم، ولو تيمم للنفل لم يجز أداء الفرض به. أو نقول: ما تعين وجوبه مخالف لم يتعين فيه النيات، بدلالة أن من أوصى بعتق لم يجز عتقهم إلا بنية. 6384 - قالوا: عبادة يفتقر قضاؤها إلى تعيين النية [فافتقر أصلها إلى تعيين النية] كالصلاة. 6385 - الجواب: أن القضاء فرع فلا يؤخذ حكم الأصل من فرعه. ولأن الصلاة

بمطلق النية تقع عن النفل فلم يجز أن تقع عن الفرض. ولما كان الصوم بمطلق النية لا يقع عن النفل جاز أن يقع عن الفرض، كالحج والإيمان والظهار. 6386 - قالوا: نوى في رمضان عن غيره، فلم يقع عن رمضان، كالمسافر. 6387 - الجواب: أن المسافر أبيح له الفطر من غير عذر، فيقع صومه عما ينويه كالمقيم في غير رمضان. والمقيم تعين عليه الصوم، فوقع عما استحق عليه وإن نوى غيره، كما لو نوى بالإيمان النافلة. * * *

مسألة 366 إذا صام المسافر في رمضان عن فرض في ذمته من قضاء أو كفارة وقع عما نواه

مسألة 366 إذا صام المسافر في رمضان عن فرض في ذمته من قضاء أو كفارة وقع عما نواه 6388 - قال أبو حنيفة: إذا صام المسافر في رمضان عن فرض في ذمته من قضاء أو كفارة، وقع عما نواه، وإذا تنفل بالصوم وقع عن الفرض في الرواية المشهورة. وروى ابن سماعة عن أبي يوسف عن أبي حنيفة: أنه يقع عن النفل. 6389 - وقال أبو يوسف ومحمد في جميع ذلك: أنه يقع عن الفرض. 6390 - وقال الشافعي: لا يقع عن واحد منها، ويكون مفطرا. لأبي حنيفة أن الصوم في السفر ليس بمستحق، بدلالة: إباحة الفطر من غير عذر، فإذا صامه عن واجب صح كسائر الأيام. ولا يلزم يوم الفطر؛ لأن الفطر فيه واجب وليس بمباح. ولأن الفطر في السفر رخصة، فأما إذا صام عن قضاء رمضان الماضي، فقد ترخص [له] لأنه لا مأثم عليه في ترك هذا الشهر، ويسقط عن ذمته صوما. وإن حضره الموت قبل الإتمام، لزمه أن يوصي به، ومن رخص له فترخص، جاز.

6391 - ولهذا يقول: إذا نوى النافلة كافة عن الفرض في إحدى الروايتين؛ لأنه لم يترخص، ألا ترى: أنه لا يسقط عن ذمته فرضا وإنما يطلب الثواب بالنفل، وثواب الفرض في وقته أعظم من ثواب النفل، فلذلك وقع عن الفرض. 6392 - احتجوا: بأنه نوى في رمضان الفضاء فلم يقع عنه، كالمقيم. 6393 - قلنا: المقيم تعين عليه الصوم، فوقع عما عينه الله تعالى لا عما عينه. والمسافر لم يتعين عليه الصوم؛ لأنه رخص له في تركه فإذا نوى فرضا آخر فقد رخص. * ... * ... *

مسألة 367 لا يجوز صوم النافلة بنية بعد الزوال

مسألة 367 لا يجوز صوم النافلة بنية بعد الزوال 6394 - قال أصحابنا: لا يجوز صوم النافلة بنية بعد الزوال، وهو قول الشافعي في الأم، وقال في أمالي حرملة واختلاف علي وعبد الله: يجزيه من أي وقت يكون صائما. ومن أصحابه من قال: من حين نوى، وظاهر المذهب أنه من أول النهار. 6395 - لنا: قوله عليه [الصلاة و] السلام: (الصائم بالخيار ما لم ينتصف النهار). والمراد به: التمسك؛ ولأن النية لم تصحب أكثر النهار، فصار كما لو نوى مع الغروب. ولأن ما لا يكون محلا لنية صوم الفرض لا يكون محلا لنية

صوم النفل، أصله: إذا اتصلت النية بالغروب. ولأنه صوم شرعي، فلا تصح نيته بعد الزوال، كصوم رمضان. 6396 - احتجوا: بأن النهار محل لنية النفل ويستوي أوله وأخره. 6397 - قالوا: ولأن نيته قارنت الإمساك، فأشبه إذا نوى قبل الزوال. 6398 - الجواب: أن المعنى فيما ذكروه أن النية صحبت أكثر النهار، والأكثر كالجميع في كثير من العبادات، بدليل أن المدرك لأكثر أفعال الركعة يعتد بها، والفاعل لأكثر أركان الحج لا يلحقه الفساد. فأما إذا صحبت النية الأقل لم يجز، كما لو نوى مع الغروب. ولأن الأقل لم يجر مجرى العبادة في الأصول. * * *

مسألة 368 لا يكره صوم يوم الشك تطوعا، ويكره صومه عن رمضان

مسألة 368 لا يكره صوم يوم الشك تطوعا، ويكره صومه عن رمضان 6399 - قال أصحابنا: لا يكره صوم يوم الشك تطوعا، ويكره صومه عن رمضان، أو بحذر لرمضان. 6400 - وقال الشافعي: يكره صومه إلا أن يوافق صوما كان يعتاده. 6401 - لنا: ما روى عمران بن الحصين، (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل. 6402 - هل صمت من بعد شعبان؟ قال: لا، قال: فإذا أفطرت رمضان فصم

يومين). 6403 - وهذا يدل على إباحة صوم آخر شعبان. وروي عن أنس - رضي الله عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أفضل الصيام بعد رمضان شعبان) وفي رواية أسامة بن زيد، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في شعبنا: (هو شهر يغفل الناس عن صومه). 6404 - وهذا يدل على أن الصوم فيه أفضل من الفطر، وذلك في سائر أيامه. 6405 - قالوا: لا تأثير لقولكم من شعبان؛ لأن الصوم في غير شعبان جائز. 6406 - قلنا: في غير شعبان قد يجوز الصوم وقد لا يجوز، وهو يوم الفطر والنحر، وأيام التشريق. ورمضان لا يجوز التنفل فيه، فكان لتخصيص شعبان فائدة. ولأنه يوم لا يكره فيه صوم النذر وقضاء رمضان فلا يكره صوم النفل، أصله: سائر الأيام. 6407 - ولأنه لا يكره صومه إذا اتصل بصوم قبله، فلا يكره إذا انفرد، كسائر الأيام، وعكسه يوم النحر. 6408 - فإن قيل: هذه الأقيسة تخالف النص.

6409 - قلنا: بل نخصصه ونحمله على وجه دون وجه، وتوافق ما ذكرنا من الأخبار. 6410 - احتجوا: بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تقدموا الشهر بصوم يوم ولا يومين). 6411 - الجواب: أن الشك لا يقع في يومين، وإنما نهى عن الصوم على طريق الاستفتاح للشهر والاستقبال له، ولا تعلق لهذا بالشك. 6412 - احتجوا: بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا انتصف شعبان فلا صوم حتى يكون رمضان).

6413 - قلنا: هذا محمول على الصوم لاستفتاح الفرض، أو أمر بالفطر إذا كان يضعف الصوم عن الفرض، كما ندب عليه [الصلاة و] السلام إلى صوم عرفه، فلما حج أفطر ليتقوى على الوقوف، يبين ذلك ما روى ابن عمر [رضي الله عنهما] أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرن شعبان برمضان. 6414 - قالوا: روى أبو هريرة - رضي الله عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صيام ستة أيام: يوم الفطر، ويوم الأضحى وأيام التشريق، واليوم الذي يشك فيه من رمضان). 6415 - الجواب: أن النهي عن صومه عن رمضان متفق عليه، وإنما الخلاف إذا صامه تطوعا، وليس ذلك في الخبر. 6416 - قالوا: روي عن صلة بن زفر قال: (كنت عند عمار بن ياسر في اليوم الذي يشك فيه فأمر بشاه مصليه فتنحى بعض القوم وقال: إني صائم، فقال عمار: من صام هذا اليوم فقد عصى أبا القاسم).

6417 - قلنا: قول عمار معارض بما روي عن ابن عمر، وعائشة، وأسماء - رضي الله عنهم - أنهم كانوا يصومون يوم الشك. 6418 - فإن قيل: إنما يقول هذا عمار توقيفا. 6419 - قلنا: بل حمل النهي على عمومه. ولأن عمارا لم يسأله هل صام قبله أم لا، فدل انه أراد بالمنهي: إذا صام عن رمضان. وقد ذكروا أن عمارا قال: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم). وهذا لا أصل له، ولا روى إلا عن قول عمار. 6420 - قالوا: يوم مجاور لرمضان فوجب أن يكون ممنوعا من صيامه كالفطر. 6421 - قلنا: يوم الفطر، كما كره صومه إذا وافق صياما كان يعتاده أو نذرا، كذلك إذا تنفل، وفي هذا اليوم لما لم يكره إذا وافق صياما كان يعتاده أو صيامه عن واجب، كذلك إذا تنفل به. 6422 - قالوا: صومه يضعفه عن صوم رمضان، وما أدى إلى أن يتقوى على الفرض أولى. ولهذا أفطر النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم عرفة ونهى عن صيام يوم الجمعة).

6423 - قلنا: فإذا وصله بما قبله كان أشد لضعفه، ولا يكره. ولأنه إذا صامه ألف الصوم واعتاده، فكان أمكن من أداء الفرض. * * *

مسألة 369 إذا كان بالسماء غيم تقبل شهادة الواحد على هلال رمضان

مسألة 369 إذا كان بالسماء غيم تقبل شهادة الواحد على هلال رمضان 6424 - قال أصحابنا: إذا كان بالسماء غيم تقبل شهادة الواحد على هلال رمضان. 6425 - وهو قول الشافعي في القديم والأم، وقال في البويطي وكتاب الشهادات في الجديد: لا أقبل إلا شاهدين. 6426 - لنا: ما روى عكرمة عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: (جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -

فقال إني رأيت الهلال يعني رمضان فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله، قال: نعم، قال: أتشهد أن محمدا رسول الله، قال: نعم. قال: يا بلال أذن في الناس فليصوموا غدا). 6427 - فإن قيل: رواه جماعة مرسلا عن عكرمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. 6428 - قلنا: وأسنده ابن عمر، قال: (تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه). 6429 - فإن قيل: يجوز أن يكون شهد غيره. 6430 - قلنا: إذا نقل الحكم والسبب تعلق به وإن جاز أن يكون هناك معنى أخر يعتبر. كما روي أن ماعزا زنى فرجمه النبي - صلى الله عليه وسلم -. ولأن الشهادة معنى يحكم به

من غير تكرار، كالإقرار؛ ولأن من جاز أن يقبل خبره عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاز أن يحكم بشهادته أن اليوم من رمضان، كالاثنين. 6431 - ولا يلزم المحدود في القذف؛ لأن شهادته برؤية الهلال تقبل في أحد القولين ذكرها في المنتقى. ولأنه دخول عبادة، فجاز أن يلزم بقول الواحد، كالأعمى إذا أخبره واحد بدخول الوقت للصلاة. 6432 - احتجوا: بما روى عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب قال: (صحبت أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتعلمنا منهم، وإنهم حدثونا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين، فإن شهد ذوا عدل فصوموا وأفطروا، وانسكوا). 6433 - والجواب: أن هذا يدل على وجوب الصوم بقول الاثنين، وكذلك نقول ودليله لا نقول به، ويظن الأخبار أولى من الدليل. 6434 - قالوا: شهادة، فوجب أن يكون من شرطها العدد، كسائر الشهادات. 6435 - قلنا: سائر الشهادات لا توجب حقا على الشاهد، ولا يقع فيها لآدمي، فصار كالأخبار. 6436 - قالوا: شهادة برؤية الهلال كهلال شوال. 6437 - قلنا: هناك في الشهادة منفعة الآدمي، فإذا اعتبر الرجال اعتبر العدد كالأموال وفي مسألتنا بخلافه. 6438 - قالوا: إذا صام بقول الواحد أفطر بكمال العدد، فثبت الفطر بقول الواحد وهذا لا يجوز.

6439 - قلنا: روى الحسن عن أبي حنيفة أنه إذا صام بقول الواحد لم يفطر بتمام العدد إلا أن يرى الهلال ويشهد اثنان، وقال محمد: يفطر بتمام العدد؛ لأن الشهر يثبت بقول الواحد حكما، وقد يقبل في سبب الشيء ما لا يثبت به ذلك الشيء، كشهادة المرأة في الولادة يثبت الميراث بمقتضى هذه الشهادة، ولو شهدت به لم تقبل. * * *

مسألة 370 إذا لم يكن بالسماء علة من سحاب ولا مانع فشهد برؤية الهلال واحد من أهل المصر أو اثنان لم يقبل قولهما

مسألة 370 إذا لم يكن بالسماء علة من سحاب ولا مانع فشهد برؤية الهلال واحد من أهل المصر أو اثنان لم يقبل قولهما 6440 - قال أصحابنا: إذا لم يكن بالسماء علة من سحاب ولا مانع فشهد برؤية الهلال واحد من أهل المصر أو اثنان لم يقبل قولهما حتى يشهد جماعة يقع العلم بخبرهم، وكذلك في هلال شوال. 6441 - وقال الشافعي: في أحد قوليه: يقبل قول الواحد. وفي القول الآخر: لا يثبت إلا بشهادين. 6442 - لنا: أن مطالع الهلال متفاوتة والأبصار غير متفاوتة، وأغراض الناس في طلب الهلال متفقة، فإذا اجتمعوا ولا مانع هناك، فانفراد الواحد به دونهم، ولم يبينه لهم ولا أراه إياه، فالظاهر أنه غلط، وأخبار الآحاد من شرطها حسن الظن بمخبرها، فإذا قارنه ما يمنع من صحته لم يقبل، ولها رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في خبر ذي اليدين؛ لأنه أخبر عما شاهدته الجماعة، فاعتبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبار غيره معه. 6443 - فإن قيل: لم يرجع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى قولهما وإنما أخبره عن فعله فلم يقبل قوله، ثم تذكر بقولهما.

6444 - قلنا: هناك يجوز أن ينفرج الغمام عنه فيراه الواحد وينطبق قبل رؤية غيره، فأما في الصحو فلا يغير عقيب طلوعه وإنما يظهر ثم ينحط في الأفق فيستحيل أن يدوم طلوعه، والواحد يراه ولا يراه سواه مع التماسهم له. 6445 - فإن قيل: هذا لا يمتنع في الشيء البعيد، كما أن المقبل نمن مكان بعيد يراه الواحد دون غيره. 6446 - قلنا: هذا يكون في العدد اليسير فأما العدد الكثير فلابد أن يكون فيهم جماعة يتساوون في حدة النظر وصحة النظر. 6447 - فإن قيل: إنما يصح هذا إذا نظروا إلى مكان واحد، فأما مطالع الهلال فهي متسعة، فيجوز أن يكون كل واحد نظر إلى جهة. 6448 - قلنا: لم تجر العادة أن ينظر الإنسان إلى موضع ولم ينظر إلى غيره، فلم ينظر إلى جميع المطالع وقلب نظره فيه، وبين الطلوع والغروب زمان طويل، وكيف يتصور أن الجماعة الكثيرة كلها تذهب أبصارها عن موضع، ويدل على إبطال قولهم في الشهادة الواحدة. 6449 - فنقول: العدد معنى شرط في الشهادة برؤية هلال شوال، وذي الحجة، فجاز أن يشترك في هلال رمضان، كالعدالة، والإسلام، ويدل على إبطال قولهم: في الاثنين. 6450 - فنقول: وقوع العلم معنى يعتبر في الأخبار، فجاز أن يشترط في الشهادة كالعدالة، ويعني به أن يعتبر الاستفاضة حتى يوجب العلم، وحتى يقدم على غيره بما لا يوجب العلم. ولأنه عدد لا يقع العلم بخبره، فلا يثبت به الهلال حال الصحو، كالواحد.

6451 - احتجوا: بحديث ابن عباس، وابن عمر رضي الله عنهما. 6452 - قلنا: روي في حديث ابن عباس - رضي الله عنه - (أنهم شكوا في الهلال)، وروى (عن الهلال)، وهذا لا يكون إلا مع العوارض. وحديث ابن عمر حكاية فعل ويحتمل أن يكون بالسماء علة فسقط التعلق به. 6453 - فإن قيل: الحكم إذا ورد مع السبب فالظاهر أنه يتعلق به دون غيره. 6454 - قلنا: إذا اختلف في السبب، هل يثبت الحكم مطلقا، أو بصفة؟ فنقول: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - علق الحكم به ولم ينقل وجود الصفة المختلفة فيها وعدمها، فلم يصح التعلق به في نفسها، كما أنه إذا قبل شهادة احتمل أن يكون عدلين أو غير عدلين أو محدودين في قذف، فإذا لن يبين ذلك الراوي، لم يدل على أن الحكم متعلق بشهادة اثنين على عموم صفاتهما. 6455 - قالوا: روي عن طاووس أنه قال: (شهدت المدينة وبها ابن عمر، وابن عباس، فجاء رجل إلي وإليها فشهد عنده على [رؤية الهلال] هلال رمضان، فسأل ابن عمر، وابن عباس عن شهادته رجل واحد على [رؤية الهلال]، هلال رمضان، [قال]: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يجيز شهادة الإفطار إلا بشهادة رجلين). 6456 - قلنا: قال الدارقطني: تفرد بهذا الحديث حفص بن عمرو، وهو ابن إسماعيل الأيلي، وهو ضعيف الحديث. ولأن قولهما: (أجاز شهادة الواحد

إخبار عن فعله - صلى الله عليه وسلم - وهو محتمل كما قدمنا. 6457 - قالوا: شهادة على رؤية الهلال فلا يشترط فيها الاستفاضة، أصله: سائر الأحكام. 6458 - قالوا: كل شهادة يحكم بها إذا كانت السماء متغيمة يحكم بها إذا كانت مصحية أصله: سائر الشهادات. 6459 - الجواب: أن سائر الأحكام لا تعلق لها بالغيم والصحو، فلا يختلف بها، وهذه الشهادة للصحو تأثير في الشك، فجاز أن يؤثر. ولأن سائر الشهادات إذا قارنها ما يوجب التهمة منع من قبولها، وانفراد الواحد في حال الصحو يوجب التهمة، فمنعت التهمة من شهادته لا الصحو، ولهذا قالوا في إحدى الروايتين: إن شهادة الواحد تقبل إذا قدم من البر؛ لأن ارتفاع الموانع يجوز أن يشاهد معه ما لا يشاهده في المصر. 6460 - قالوا: لو حكم الحاكم بشهادة الواحد وجب الصوم عندكم، وكان يجب أن يكون هذا غلط من الحاكم، والشاهد فلا يوجب الصوم. 6461 - قلنا: ليس في هذا رواية، ويجوز أن يقال: لا يجب الصوم وإن حكم الإمام. ويجوز أن يقال: إذا انضم الحكم إلى قول من يتهمه نفذ، كما لو حكم بشهادة فاسقين، وهو لا يعلم بفسقهما ونحن نعلم. 6462 - فإن قيل: ما حكموا بفسق الشاهد. 6463 - قلنا: يجوز أن يكون غلط، وحل له ولم يتعمد الكذب. * * *

مسألة 371 إذا طلع الفجر للمجامع فلبث على المخالطة بعد الفجر فلا كفارة عليه

مسألة 371 إذا طلع الفجر للمجامع فلبث على المخالطة بعد الفجر فلا كفارة عليه 6464 - قال أصحابنا: إذا طلع الفجر للمجامع فلبث على المخالطة بعد الفجر فلا كفارة عليه. 6465 - وقال الشافعي: إن لبث أو تحرك لغير الانفصال فعليه كفارة. 6466 - واختلف أصحابه، فمنهم من قال: إن عقد صومه ومنهم من قال: لم ينعقد. والدليل على أنه لم ينعقد: أن الوطء موجب للخروج من العبادة، فإذا قارن ابتدائها منع انعقادها، كالحدث في الصلاة والردة؛ ولأن البقاء أقوى والابتداء أضعف، فإذا لم يجز أن يبقى الصوم مع الوطء العامد، فلأن لا ينعقد أولى. 6467 - ولا يلزم إذا أحرم وهو مجامع؛ لأن الجماع لا يوجب الخروج من الحج، ولأنه قارن ابتداء الصوم بما ينافيه، فلم ينعقد، كالردة. 6468 - فإن قيل: إذا طلع الفجر فنزع صح صومه، فلو لم ينعقد مع الجماع لم يصح إذا نزع.

6469 - قلنا: إذا تشاغل بالنزع فقد فعل ما هو شرط في صحة الصوم. فإذا بقي فقد فعل ما هو شرط في بطلانه، فلذلك انعقد صومه في أحد الموضعين، ولم ينعقد في الأخر. 6470 - وإذا ثبت أن صومه لم ينعقد، قلنا: لم يصادف وطؤه صوما، فلم تجب كفارة الفطر، كمن ترك النية؛ ولأن ما منع انعقاد الصوم لم تجب به الكفارة، كالردة. 6471 - فإن قيل: المعنى فيه: أنه لم يترك صومه بجماع فلم تلزمه الكفارة، وفي مسألتنا تركه بالجماع. 6472 - قلنا: ترك العادة لا تتعلق به كفارة إفسادها: بدلالة: التارك للإحرام لا تجب عليه كفارة، والتارك لليمين والظهار لا تجب عليه الكفارة. 6473 - فأما الدليل في نفس المسألة: فلأنه وطء لم تجب [في ابتدائه كفارة فلم تجب] بالبقاء عليه كفارة الفطر، كوطء الناسي ووطء من لم ينو الصوم من الليل. ولأن ما سقط بالشبهة إذا لم يتعلق بابتداء الوطء، لم يتعلق باستدامته، كالحد. 6474 - ولا تلزم كفارة الإحرام؛ لأنها لا تسقط بالشبهة. ولأنه معنى: ابتداؤه [قبل طلوع الفجر، استدامته لا توجب الكفارة، كالأكل إذا ابتلع من الطلوع]. 6475 - احتجوا: بأنه ترك صوم يوم في رمضان بجماع قام إثم فيه بحرمة الصوم؛ فوجب أن تلزمه الكفارة، كمن جامع في خلال النهار. 6476 - قلنا: الوصف غير مسلم في الأصل؛ لأن التارك من لم يفعل الشيء، ومن جامع في خلال النهار فقد فعل لغير الصوم، فكيف يقال إنه تركه؟ ثم النقص الذي احترزوا منه يدل عليهم؛ لأنه إذا ابتدأ الصوم في السفر ثم زنا، فقد ترك الصوم بجماع تام أثم فيه بحرمة الصوم؛ لأنه ممنوع من الزنا في العبادة منعا يختص بها

وإن منع منه لكونه زنا، ألا ترى: أن المحرمات إذا صادفت عبادة يضعف الإثم فيها. ولأن المعنى في الأصل: أنه أفسد الصوم بجماع من غير شبهة. 6477 - وفي مسألتنا لم/ يفسد صوما وإنما منع وجوده، هذا على من يسلم أن صومه لم ينعقد. 6478 - فإن قيل: لا فرق بين أن يفسده أو يتركه بدلالة وجوب القضاء. 6479 - قلنا: إذا ترك النية وجب القضاء، ولم يدل ذلك على وجوب الكفارة؛ لأنها أضيق وجوب فلا يستدل بالقضاء على الكفارة. 6480 - قالوا: لا فرق بين إفساد الحج وأن يحرم مجامعا. 6481 - قلنا: لأن الانعقاد يحصل مع الجماع، فيصادف الوطء الإحرام في الحالتين. 6482 - قالوا: إذا جامع في خلال النهار فالوطء يصادف جزءا من الصوم ويمنع الباقي، والكفارة لا تجب بذلك الجزء وإنما تجب بالجميع. 6483 - قلنا: بل تجب بذلك الجزء الذي صادفه الوطء؛ لأنه صادف حرمة كاملة، وأما على طريق من يقول: انعقد الصوم، فنقول: لأن الكفارة وجبت لابتداء الوطء. 6484 - وفي مسألتنا: كفارة العتق لم تتعلق بابتداء الوطء فلم تتعلق بالبقاء كوطء الناسي ومن ترك النية. 6485 - قالوا: كل حكم متعلق بالجماع إذا أفسد الصوم جاز أن يتعلق به إذا منع الانعقاد وأصله القضاء. 6486 - قلنا: القضاء أوسع والتفكير أضيق، ولهذا يجب القضاء على المعذور، ومن طلع عليه الفجر وهو لا يعلم، لا تجب الكفارة. ولأن القضاء يجوز أن يتعلق بترك النية فلذلك يتعلق بترك الصوم، ولما لم يجز أن تتعلق الكفارة بترك النية، كذلك بترك الصوم. * * *

مسألة 372 إذا ابتلع الصائم ما بين أسنانه فلا قضاء عليه

مسألة 372 إذا ابتلع الصائم ما بين أسنانه فلا قضاء عليه 6487 - قال في الأصل: إذا ابتلع الصائم ما بين أسنانه فلا قضاء عليه، ولم يقدر ذلك. وقال في المنتقى: إذا كان أقل من حمصة فلا قضاء عليه، وإن كان أكثر من حمصة فعليه القضاء. 6488 - قال الربيع: ثم قال: إنه يفطر. 6489 - قالوا: وله قول آخر: أنه إذا دخل حلقه بغير اختياره لم يفطر، وإذا بلعه باختياره فسد صومه. 6490 - لنا: انه مقدار يبقى في الأسنان غالبا، فإذا وصل منها إلى الجوف لم

يفطره كما لو جرى به الريق وهو ذاكر لصومه، ولا يلزم مقدار الحمصة؛ لأن ذلك لا يبقى بين الأسنان. 6491 - ولا يلزم إذا أخرجه ثم ابتلعه؛ لأنه لم يصل من السن، ولأنه لو أكره على ابتلاعه لم يفطر فإذا بلعه من غير إكراه لم يفسد صومه، أصله: ما يبقى في فمه من تلك المضمضة. 6492 - ولا يلزم إذا أخرجه ثم ابتلعه؛ لأنه لو أكره على بلعه فطره. ولأنه بقية في فمه من أمر مباح، فإذا وصل منه إلى جوفه وهو مما لا يمكن الاحتراز منه لم يبطل، كذلك المضمضة. 6493 - احتجوا بقوله تعالى: {فمن شه منكم الشهر فليصمه}، والصوم: الإمساك، وهذا لم يمسك. 6494 - قلنا: الصوم الشرعي، هو الإمساك مما يمكن الاحتراز عنه، وقد أمسك. 6495 - قالوا: بلع باختياره ما يمكنه الاحتراز منه، وهو ذاكر لصومه فوج أن يفطر، أصله: إذا طلع الفجر وفي فمه طعام، فازدرده. 6496 - قلنا: لا نسلم أنه يمكن الاحتراز من ذلك، كما لا يمكن الاحتراز من بلل المضمضة وما يجري به الريق من الطعام، فأما الطعام الذي في فمه فليس بتابع لغيره، وإنما حكمه ثابت بنفسه، وهذا من توابع ما كان مباحا له، كذلك الماء. - * * *

مسألة 373 إذا جامع الرجل امرأته في رمضان خطأ أو عمدا فعلى كل واحد منهما كفارة

مسألة 373 إذا جامع الرجل امرأته في رمضان خطأ أو عمدا فعلى كل واحد منهما كفارة 6497 - قال أصحابنا: إذا جامع الرجل امرأته في رمضان خطأ أو عمدا، فعلى كل واحد منعما [كفارة تجب بحسب حال. 6498 - وهو قول الشافعي في الإملاء. وقال في القديم والجديد]: كفارة واحدة يخرجها الزوج. وعلى من وجبت؛ فيه وجهان. 6499 - أحدهما: توجب عليهما، على كل واحد جميعها ويحملها الزوج. 6500 - والثاني: وجبت عليه وحده دونها. فعلى القول بقوله: وجبت عليهما، إن كان من أهل العتق أعتق الزوج رقبة واحدة فجازت عنهما، وإن كان من أهل الصوم صام كل واحد منهما شهرين، وإن كان من أهل الإطعام أطعم الزوج ستين مسكينا،

فجاز عنهما. وإن اختلف حالهما: فإن كانت حال الزوج أعلى، بأن يكون من أهل العتق وهي حرة من أهل الصوم، أعتق رقبة، فجازت عنهما. 6501 - وإن كانت أمة اعتق عن نفسه وصامت عن نفسها. وإن كان من أهل الصيام وهي من أهل الإطعام، صام عن نفسه وأطعم عنها. وإن كان من أهل العتق وهي من أهل الإطعام أعتق، ويسقط عنها الإطعام. وإن كان الزوج من أهل الصوم وهي من أهل الإطعام أطعم عن نفسه، والعتق عنها في ذمتها. 6502 - والكلام في هذه المسألة يقع في فصلين في وجوب الكفارة عليها، ثم في التحمل. والذي يدل على وجوب الكفارة عليها قوله عليه [الصلاة و] السلام: (من أفطر رمضان فعليه ما على الظاهر) ومن يجمع كل عاقل. 6503 - قالوا: المظاهر يجب على الاستغفار، وإنما يجب الكفارة بالعود. 6504 - قلنا: الاستغفار لا يختص بالمظاهر، وإنما يختص به الكفارة. ولأنه لا يلزم المظاهر الاستغفار إذا سبق الظهار على لسانه. 6505 - فأن قيل: عندكم الكفارة وجبت عليه بالظهار، وإنما لا يستقر؛ لأن كل كفارة وجبت على الزوج جاز أن يجب على المرأة، ككفارة القتل واليمين. 6506 - ولا يلزم كفارة الظهار؛ لأنها تلزم الحرة بالفطر؛ لأنها عتق وصوم شهرين، وهذا يلومها. 6507 - ولأنه حكم معلق بالجماع يسقط الشبهة، فجاز أن يجب على المرأة كالحد. ولأنها أفسدت صوم الشهر بالجماع من غير شبهة، كالرجل. ولأن كل من لزمه الحد بالزنا جاز أن يلزمه الكفارة بالعتق من الجماع، كالرجل. ولأنها عقوبة تتعلق

بوطء مخصوص، فجاز أن تجب على المرأة، كالحد؛ ولأن كل معنى يجب بالإفطار على الرجل جاز أن يتعلق به على المرأة، كالقضاء. 6508 - ولا يجوز أن يقولوا بموجب هذه العلة في المجامع النائم والزانية؛ لأنا أبطلنا أحد القولين، وإنما يجب على الزانية، والمقصودة بالجماع على القول الآخر. فأما على هذا القول فلا شيء عليهما. 6509 - فإن قالوا: تنتقض علتكم بالوطء في اليوم الثاني. 6510 - قلنا: عللنا لجواز وجوب على المرأة في الجملة لا للأحوال؛ ولأن عندنا تجب بالوطء الثاني كفارة، ثم تسقط بالتداخل. 6511 - ولا يقال: المعنى في الحد أنه عقوبة على البدن يلزم كل واحد منهما [والكفارة حق مال فاختصت بالرجال، كالمهر؛ لأن مخالفنا على هذا القول يسوي بين الصوم والعتق في أن كل واحد] منهما لا يجب على المرأة، وإن كان أحدهما حق مال [والآخر حق بدن. ويبطل هذه الفرقة إذا اشتركا في القتل أن الكفارة تجب على كل واحد منهما وإن كانت حق مال]. 6512 - فإن قيل: فعل المرأة في الوطء تابع لفعل الرجل، ولهذا لو دعت العاقلة مجنونا إلى نفسها لم يجب عليها الحد، فجاز أن تتعلق الكفارة بالفعل المسفوح، ولا تتعلق بالتبع. 6513 - قلنا: إذا جاز أن تتعلق بفعلها الكفارة وإن كان تبعا. 6514 - قالوا: القليل ليس له تعلق بالنكاح، فلهذا وجبت كفارته عليها، والوطء يتعلق بالنكاح فما يتعلق به يجب على الزوج، كالمهر. 6515 - قلنا: الكفارة تجب بهتك حرمة الشهر لا بالوطء؛ لأن عندهم على هذا القول: الزانية لا كفارة عليها، وليس لوطئها تعلق بالنكاح.

6516 - وإذا ثبت أن الكفارة وجبت عليها، قلنا: العتق أحد نوعي الكفارة، فلم يتحملها الزوج، كالصوم. ولا يقال: إن الصوم حق بدن، فلذلك لم يتحملها، والعتق حق مال فجاز أن يتحمله، لأنه يبطل بكفارة القتل لا يحمل عنها العتق ولا الصوم وإن اختلفا. ولأن من لزمته الكفارة لم يلزم غيره أن يتحملها عنه، كالزوج المجنون، والعبد. وإذا كان مفطرا فقربته وزعمت أنها طهرت من حيضها؛ ولأن ما لزم المرأة بالوطء لا يتحمله الزوج عنها كالحد والقتل؛ ولأن بينهما عقدا فلا يتحمل عنها الكفارة، كعقد الإجارة. 6517 - فإن قيل: الإجارة لا يتحمل بها النفقة. 6518 - قلنا: وكذلك النكاح لا يتحمل به النفقة وإنما يجب عليه الابتداء. ولأن عندنا الإجارة يتحمل بها النفقة إذا استأجر ظئرا بطعامها. 6519 - احتجوا: بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الأعرابي بعتق رقبة واحدة. 6520 - وقد ذكر له إفطاره وإفطارها؛ لأنه قال: (هلكت وأهلكت)، فدل أن الواجب رقبة واحدة؛ لأن الحكم المنقول مع السبب يتعلق به كما يتعلق

بالعلة، فلا يجوز أن يزداد في السبب ولا في الحكم. 6521 - الجواب: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - / لما أوجب الكفارة على الرجل بالجماع، كان ذلك بيانا لحكمها ولحكم كل مجامع، فلا يحتاج إلى إفرادها بالذكر. 6522 - فإن قيل: النبي - صلى الله عليه وسلم - أوجب عليه الكفارة؛ لأنه جامع، والمرأة ما جامعت وإنما كانت محللا للفعل، يقال: جومعت، كما يقال: ضربت والفاعل ضارب. 6523 - قلنا: جامع فاعل، وهذا يقتضي الاشتراك في الفعل، يقال جامعت وجامع ولولا ذلك لم يكن مفاعلة، وهذا كالمقاتلة والمخاصمة بينهما. 6524 - فأما إذا قيل: شرب، فالضرب لا يقتضي الاشتراك، فلذلك اختص به أحدهما. 6525 - قالوا: البيان من جهة السببية يكون لأهل الاجتهاد، فأما العامة فلا تفهم السببية. 6526 - قلنا: ذكر الحكم مع سببه بيان للعامة والخاصة، كقوله عليه الصلاة والسلام: (الخراج بالضمان). (وفي حريسة الجبل غرامة مثلها).

6527 - فإن قيل: أليس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الحد على الزاني في قصة العسيف ثم بين حكمها؟ 6528 - قلنا: اختلف حكمها فلم يكن بيانه في الواطئ بيانا لحكمها. 6529 - وجواب آخر: أن الأعرابي سأل عن حكم نفسه، فبين له النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك ولم يبين حكمها؛ لأنها لم تسأل عن ذلك، وتأخير البيان عما لم يسأل عنه يجزيه. 6530 - فإن قيل: الأعرابي سأل عن حكم الحادثة. 6531 - قلنا: بل سأله عما يتخلص به من المأثم، ولم يقصد تعلم الأحكام، ولهذا لم يبين له حكم القضاء. 6532 - فإن قيل: قد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - في قصة العسيف حكم المرأة وإن لم يسأل عنه. 6533 - قلنا: ليس بممتنع أن يبين مع عدم الحاجة إلا أنه لا يلزم ذلك، فقد يفعله وقد يتركه. 6534 - وجوب آخر: هو أن ظاهر كلامه يدل على أنه اكرهها على الجماع؛ لأنه قال: (أهلكت)، فلو طاوعت لكانت مهلكة لنفسها ولم يكن هو المهلك لها، فلذلك لم يبين حكم كفارتها.

6535 - فإن قيل: إذا أكرهها فلا مأثم عليها، فلا يكون مهلكا، وإنما قال: أهلكتها وإن طاوعته، بأنه السبب في هلاكها. 6536 - قلنا: إذا أكرهها توا بها، فقال: أهلكتها لهذا المعنى وإن لم يجب عليها مأثم. وجواب آخر: وهو أن الأعرابي أقر على نفسه بمعصية وعليها، فلم يصدقه عليه [الصلاة و] السلام عليها حتى يلزمه بيان حكمها. 6537 - ألا ترى: أنه يجوز أن تكون مريضة، أو حائضا، أو مسافرة. 6538 - فإن قيل: أليس في قصة العسيف قد أقر على نفسه بالزنا وعليها، فبين حكمها وصدقه عليها في المعصية؟ 6539 - قلنا: ما صدقه عليها؛ لأنه أوقف الحد على اعترافها، وسأل عن ذلك لأنه الخصم في إقامة الحد فأنفذ إليها ثبوت حقه، وهذا لا يوجد في الكفارة. 6540 - قالوا: مال يختص وجوبه بالوطء، فوجب على الواطئ دون الموطوءة قياسا على مهر المثل. 6541 - قلنا: لا نسلم الوصف في الفرع ولا في الأصل؛ لأن مهر المثل يجب عندنا بالعقد تارة، وبالوطء أخرى، والكفارة تجب هتك حرمة الشهر، فتارة بالوطء، وتارة بالأكل. 6542 - قالوا: المعنى أنه لا يجب بما دون الوطء من الاستمتاع. 6543 - قلنا: إذا كانت تجب بالوطء وغيره ولا تجب بكل استمتاع لم يوصف باختصاصها بالوطء، ألا ترى: أن ما تعلق بكل واحد من الأمرين لم يوصف أنه يختص بأحدهما؛ لأنه لا يتعلق بمعنى ثالث، وإن أرادوا أن الوطء سبب في وجوب المال بطل بكفارة اليمين إذا حلف [لا يقربها، وحلفت هي على

ذلك فوطئها، فوجب على كل واحد منهما كفارة]، فأما المهر: فإنه يجب بدلا عن منافعها، فيستحيل أن يجب عليها، والكفارة تجب بحق الله تعالى بسبب معصية اشتركا فيها، فيصح أن تجب على كل واحد منهما. 6544 - فإن قيل: قد حصل لها الاستمتاع به كما حصل له الاستمتاع بها، ثم اختص هو بوجوب المهر. 6545 - قلنا: لأن منافع الزوج غير مقومة في الوطء، فلم يضمن قيمة ما ليس بمقوم ومنافعها مقومة فلذلك ضمنها وإن اشتركا في الاستمتاع. 6546 - قالوا: الوطء يتعلق به حق البدن، وهو الحد، وحق مال، وهو الكفارة، فوقع التحمل في حق مال دون حق البدن، كالحد، والمهر، والنفقة. 6547 - قلنا: قد بينا أن الكفارة لا تتعلق بالوطء وإنما تتعلق بحرمة الشهر وإن كان الوطء سببا فيها، كما هو سبب في كفارة اليمين، فأما المهر، فلا يقال: إنه عمله، وإنما هو عوض ووجب لها، وأما النفقة فلا تلزمه على طريق التحمل، وإنما تجب عندهم عوضا عن الاستمتاع. فلا يقال: أنه تحملها. 6548 - قالوا: موطوءة فلم تجب عليها الكفارة كالوطء في الموضع المكروه. وإذا وطئت في يوم ردت شهادتها برؤية الهلال، أو وطئت دفعة ثانية ولم يكفر عن الأولى. 6549 - قلنا: الوطء في الموضع المكروه غير مسلم على إحدى الروايتين؛ لأن عليها الكفارة، وعلى الرواية الأخرى: وطء لا يتعلق به ضمان مهر بحال كالوطء فيما دون الفرج. وأما إذا وطئت في اليوم الثاني فالكفارة تجب عندنا، ثم تتداخل وإذا وطئها بعد رد شهادتها، فلأنه وطء في يوم مختف في جواز صومه أو وطء في يوم لزمها في نفسها خاصة.

6550 - قالوا: كفارة فيها صوم له بدل فوجب أن يختص به الزوج، ككفارة الظهار. 6551 - قلنا: لا نسلم الأصل؛ لأنه روي عن أبي يوسف أن المرأة لو ظاهرت من زوجها وجبت عليها كفارة الظهار، وليس عن أبي حنيفة خلافه. ثم المعنى: إذا ظاهر أن المعصية التي تعلقت الكفارة بها وجدت منه خاصة، ثم شارك فيها فاختص بكفارتها. 6552 - وفي مسألتنا: المعصية التي أوجبت الكفارة اشترك فيها، وهو هتك حرمة الشهر بالجماع. 6553 - فإن قيل: الظهار لا يصح إلا من مظاهر منها، كما أن الجماع لا يصح إلا من مجامعة. 6554 - قلنا: ولكن هل محل للتحريم في الظهار غير فاعلة لشيء و [هي] في مسألتنا مشاركة في الفعل الذي هو الجماع، كما بينا. 6555 - قالوا: تكفير تعلق بوطء أفسد صوم الواطئين فوجب أن يختص به الزوج أصله: إذا وطئها في يوم ولم تكفر هي، ثم وطئها في اليوم الثاني. 6556 - قلنا: وجب عليها بهذا الوطء كفارة ثم تداخلت الأولى في الوجوب، ولهذا لو سقطت الأولى بشبهة وجبت الثانية. ولأن الفعل المتكرر إذا لم يوجب حكما لا يدل أن الأولى فيه لا يوجب ذلك الحكم، كالحدث بعد الحدث، والزنا بعد الزنا، والقذف بعد القذف. - * *

مسألة 374 الوطء في الموضع المكروه فيه الكفارة

مسألة 374 الوطء في الموضع المكروه فيه الكفارة 6557 - قال أصحابنا: الوطء في الموضع المكروه فيه الكفارة في إحدى الروايتين، ولا كفارة فيه في الرواية الأخرى. 6558 - وقال الشافعي: فيه الكفارة. 6559 - لنا: أنه وطء لا يثبت بجنسه النسب، كوطء النية. ولأنه وطء لا يتعلق به وجوب مال بحال، أو لا يثبت بجنسه الإحصان فيما دون الفرج. 6560 - احتجوا: بأنه هتك حرمة رمضان بالجماع، فوجب أن يلزمه الكفارة كالوطء في الفرج. وربما قالوا: ترك صوم يوم من رمضان بجماع أثم فيه بحرمة الصوم، فلزمه الكفارة. 6561 - قلنا: الوطء في الفرج يتعلق بجنسه وجوب المال، وثبوت النسب والإحصان وهذا الوطء بخلافه. 6562 - قالوا: وطء يتعلق به الاغتسال من غير إنزال. 6563 - قلنا: الغسل يجب على وجه الاحتياط، والكفارة تسقط

بالشبهة، فلا يجوز إيجابها على طريق الاحتياط. 6564 - وقولهم: إنه وطء يوجب الحد، لا نسلمه، وفساد الحج: فيه روايتان مثل وجوب الكفارة. - * *

مسألة 375 إذا جامع بهيمة فلا كفارة عليه

مسألة 375 إذا جامع بهيمة فلا كفارة عليه 6565 - قال أصحابنا: إذا جامع بهيمة، فلا كفارة عليه. 6566 - وقال الشافعي: فيه الحد والكفارة على أحد القولين. 6567 - لنا: أنه وطء غير مقصود، كوطء الميتة وما دون الفرج؛ ولأنه وطء لا يتعلق المهر بجنسه، كالوطء فيما دون الفرج. ولأن كل حكم لا يتعلق بالوطء فيما دون الفرج لا يتعلق بوطء البهيمة، كإطعام ستين صاعا وعكسه التعزيز. 6568 - قالوا: وطء في فرج كوطء الآدمية. 6569 - قلنا: ذلك يتعلق بجنسه المهر والإحصان، وهذا بخلافه. * * *

مسألة 376 إذا كرر الوطء في رمضان فعليه كفارة واحدة ما لم يكفر للأول

مسألة 376 إذا كرر الوطء في رمضان فعليه كفارة واحدة ما لم يكفر للأول 6570 - قال أصحابنا: إذا كرر الوطء في رمضان فعليه كفارة واحدة ما لم يكفر للأول. 6571 - وروى زفر عن أبي حنيفة: أن عليه كفارة واحدة وإن كفر، وأما في رمضانين: فذكر محمد في الكيسانيات: أن عليه كفارة واحدة. 6572 - وقال الشافعي: تجب بالوطء في كل يوم كفارة كفر أو لم يكفر. 6573 - لنا: ما روي أن الأعرابي قال: (جامعت أهلي في رمضان، فقال: أعتق رقبة). وقوله: (جامعت) يحتمل مرة واحدة، وما زاد عليها، فلو اختلف الحكم لسأله. 6574 - قالوا: فقال له: (صم يوما مكانه)، فدل على أنه فهم منه جماعا واحدا.

6575 - قلنا: هذا لم ينقل في عامة الأخبار. رواه مالك، وابن عيينة من غير تفصيل. ولأنه معنى يتعلق بالوطء على طريق العناد فجاز أن يتكرر الموجب له ويقتصر على واحد، كالحد. 6576 - ولا يلزم كفارة/ الحج؛ لأنها تتداخل إذا تكرر الوطء في مجلس واحد وإذا تكرر على وجه المرض. ولأن اليوم الثاني: إذا تقدمه جماع في اليوم الأول [حاله لوزنا في مثلها لم يستوف إلا حدا واحدا، فإذا جامع فيه اكتفى بكفارة واحدة، كاليوم الأول]. ولا يلزم رمضان الثاني لأن فيه روايتين. ولأنها حق لله تعالى تسقط بالشبهة فوجب أن يكون من جنسه ما يقع منه التداخل، كالحد. ولأنها تجب على طريق العقوبة بدلالة أنها لا تجب على المعذور، وتسقط بشبهة، بدلالة من ظن أن الشمس قد غربت فجامع، لا كفارة عليه، فكان لاجتماع أسبابها تأثير في التداخل في الحد. 6577 - فإن قيل: هذا لا يصح على أصلكم؛ لأن بالوطء الأول: انتهك الحرمة، فالوطء الثاني يصادف زمانا لا حرمة له، فكيف يقولون: إن أسباب الكفارة اجتمعت؟ فإن أردتم به أنه سبب تقدمه أو لم يتقدمه الأول. 6578 - قلنا: بموجب العلة في الوطء إذا تكرر في اليوم الواحد. 6579 - قلنا: نريد بقولنا: إنه سبب للكفارة، أنه وطء أفسد به الصوم، لو لم يتقدمه وطء أوجب كفارة، وهذا موجود في اليوم الثاني، ولا يوجد مثله في الوطء المتكرر في يوم واحد؛ لأن الوطء الثاني ما أفسد الصوم. 6580 - ولأن معنى قولنا: عن الوطء الأول هتك حرمة الشهر، إنما نعني به في حق الواطئ، وإلا فحرمة الشهر بحالها قالوا وطء الثاني صادف حرمة الشهر، ألا ترى: أن من قذف رجلا فحرمة المقذوف بحالها وإن كان القذف الثاني لا

يوجب حدا؛ لأن حرمته في حق القاذف كالزائلة؛ لأنها زائلة في الحقيقة. 6581 - فإن قيل: المعنى في الحد أنه يجب لحق الله تعالى على طريق العقوبة، والكفارة تجب على طريق الآدميين قلم تتداخل. 6582 - قلنا: هذا الافتراق لم تمنع من تساويهما في تأثير السبب منها، وإن كانت لا تؤثر في حقوق الآدميين إذا لم تكن عقوبة؛ ولأن حد القذف عندهم حق لآدمي وإن تداخل، كذلك الكفارة عقوبة لحق الآدمي فتتداخل. ولأن الشيء قد يجب لحق الآدميين فيتداخل، كما أن الوطء في العقد الفاسد يتكرر، ولا يجب به إلا مهر واحد. 6583 - قالوا: العلة تبطل بالقصاص في الأطراف فإنه لا يتداخل وجوبه على طريق العقوبة، ويسقط بالشبهة. 6584 - قلنا: التعليل لجنس الكفارة والتعليل للجواز وجنس القصاص يتداخل، والقصاص من الأطراف بعض النوع. ولأن عندنا يجوز أن يتداخل؛ لأن من قطع أنملة رجل وقطع تلك الأصبع من أخر واجتمعا قطعت للأول وخير الثاني، فإن اختار القطع يسقط حقه. 6585 - قالوا: الحدود تتداخل مع اختلاف المزني بها، واختلاف أوقاته، واختلاف المال المسروق وليس كذلك الكفارة؛ لأنها لا تتداخل في صومي رمضانين. 6586 - قلنا: كذلك نقول في الكفارة: إنها تتداخل في شهر واحد أو شهرين على إحدى الروايتين. 6587 - ولو قلنا: إنها لا تتداخل، فالفرق بينهما ظهار؛ لأن حرمة الزنا لا تتعلق بالمزني بها ولا بالأوقات بل بحرمة مؤبدة، فالحرمة واحدة، فلذلك تتداخل بكل حال فأما الكفارة فإنها تتعلق بحرمة الشهر، فإذا انسلخ فقد انقضت تلك الحرمة

وتتجدد بالشهر الثاني حرمة أخرى، فلم تتداخل مع الأولى، ولهذه العلة تتداخل الكفارة في رمي الجمار من سنة واحدة، ولا تتداخل من سنين. ولأن كل من كان لم يلزمه ابتداء كفارة، فإذا جامع لم يلزمه كفارة العتق، كالمسافر. 6588 - ولأن الكفارة إما أن تجب طهرة أو عقوبة أو جبران، فإن كانت طهرة تداخلت، كالطهارة إذا تكرر الحدث، وإن كانت عقوبة جاز أن تتداخل، كالحج وإن كانت جبرانا جاز أن تتداخل، كالسهو في الصلاة ويدل على أن السهو في باب الكفارة حرمة واحدة، بدلالة أنها عبادة هي ركن فكان لها حرمة واحدة، كالصلاة والحج؛ ولأنه يخرج منها بفعل واحد، ولهذا يقال: الفطر من رمضان، فصارت كالحج والصلاة. ولأن لها وقتا لا يتخللها فيه من جنسها كوقت الحج. ولأن إدراك بعض وقتها قد يوجب جميعها، بدلالة المجنون عندنا، والنفساء على الأصلين فصارت كالصلاة واحدة. 6589 - فإن قيل: النفساء يجب عليها القضاء، وإن لم تطهر في شيء من الوقت. 6590 - قلنا: هذا لا يمنع ما ذكرناه: أن الصلاة كما تجب على من لم يدرك شيئا من وقتها عندهم من بلغ في وقت العصر، وعندنا في المغمى عليه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر (أن الشياطين يقيدون) وأنه يختص بليلة القدر، وهي حزمة واحدة تعود إليه.

6591 - فإن قيل: الحج في سنتين لا يتخلل بينهما حجة أخرى، وهما عبادتان. 6592 - قلنا: فنحن قلنا: العبادة خصت بوقت لا يتخللها فيه أخرى من جنسها فلما لم تختص بوقت واحد عكسه فلا يلزمنا. 6593 - قالوا: إنه يتخلل بين كل يومين، يخرج من عبادة ويدخل في أخرى، وما يفسد أحد الزمانين لا يفسد الآخر. 6594 - قلنا: هذه المعاني تعود إلى حرمة الصوم، وكل يوم له حرمة فيما يعود إلى الصوم، وإن كان لجملة الشهر حرمة فيما يعود إلى الكفارة، وهذا غير ممتنع، كما أن صوم الشهرين له حرمة واحدة في باب التتابع. وإن كان لكل يوم حرمة فيما يعود إلى الصوم. ولأن الحج عبادة واحدة وقد يفسد الطواف عندهم بترك الترتيب والحدث، ولا يفسد باقيها، ويفسد الركن من الصلاة الذي سبقه الحادث فيه عندنا، ولا يفسد باقي الصلاة وإن كانت عبادة واحدة، وإذا ثبت أن للشهر حرمة واحدة في معنى الكفارة، فإذا جامع انتهكت تلك الحرمة في حقه، فإذا عاد فقد صادف جماعة في حقه حرمة منتهكة، والصوم والجب إذا كان لا حرمة له فلا كفارة فيه، كالوطء في قضاء رمضان. 6595 - ولهذا نقول في إحدى الروايتين: إذا كفر ثم وطئ وجب كفارة؛ لأن حرمة الشهر انجبرت في حقه بالكفارة [فصار الوطء الثاني حرمة كاملة توجب بها الكفارة]، كالوطء الأول.

6596 - احتجوا: بأنه ترك صوم يوم من رمضان بجماع أثم فيه لحرمة الصوم فلزمته الكفارة، أصله: اليوم الأول ولأنه هتك حرمة صوم رمضان بالجماع فلزمته الكفارة، أصلة اليوم الأول، حاله: لو زنا وجب عليه الحد، فإذا هتك حرمة الصوم جاز أن تجب الكفارة، واليوم الثاني حاله: لو زنا فيها لم يجب الحد، فلم تجب الكفارة، كالجماع الثاني في اليوم الأول؛ ولأن وجوب ما يجب على طريق العقوبة أو التطهير أو الجبران بالفعل الأول لا يدل على تكرار وجوبه بتكرار الفعل كالحد والطهارة وسجود السهو. 6597 - قالوا: أفسد كل واحد منهما على الانفراد وجبت به الكفارة. فإذا أفسدهما معا وجبت بكل واحد كفارة، كيوم من رمضانين. 6598 - قلنا: الأصل ليس بمسلم على إحدى الروايتين وإن سلمناه؛ لأن الكفارة يجوز أن تتداخل في عبادة تقع في سنة واحدة، وإن لم تتداخل من سنتين، كالكفارة التي تجب بترك رمي الجمار من سنة، ولا تتداخل من سنتين. 6599 - ولأن الكفارة تجب لحرمة الزمان، وكل واجد من الشهرين له حرمة، بدلالة أن الخروج من أحدهما غير الخروج من الآخر، بإدراك وقت أحدهما لا يجب الآخر، فصار كالصلاتين. فجبرانهما لا يتداخل، وأما الشهر الواحد فيخرج منه بمعنى واحد ويلزمه جميعه بإدراك بعض وقته عندنا في المجنون، فصار كالصلاة الواحدة، فجبرانها يجوز أن يتداخل. 6600 - قالوا: فساد يتضمن التكفير، فيكون التكفير بتكرره، كما لو وطئ في العمرة ثم وطئ في عمرة أخرى. 6601 - قلنا: إن أردتم أنه يكون الإفساد الذي يتضمن التكفير لم نسلمه،

وإن قلتم بتكرر الفساد بطل الصوم الثاني إذا جامع فيه وهو يظن أن الشمس قد غابت أو احتجم فيه فظن أن الحجامة تفطره وأفتى بذلك فجامع؛ ولأن العمرتين لا يخرج منهما بمعنى واحد، فلم يتداخل جبرانها، وأيام الصوم يخر منهما بمعنى واحد، فجاز أن يتداخل جبرانها، كالصلاة الواحدة. 6603 - قالوا: صوم كل يوم من الشهر عبادة بانفراده، فلا تتداخل كفارتها قياسا على من أفسد حجا. والدليل عليه: أنه لا يقف صحة صومه على صحة تقف الآخر، ولا يفسد بفساده ويقطع بين كل يومين ليلة. 6603 - قالوا: ولو كان عبادة واحدة لكان إذا ابتدأه في الحضر لا يتعين باقيه بالسفر كالصلاة الواحدة. 6604 - قلنا: كل يوم من حيث كان صوم عبادة مفردة وليست [لكفارة واجبة فيه من حيث كان صوما؛ لأن هذه الصفة يشاركه فيها سائر أنواع الصيام/، وإنما تجب الكفارة فيه] من حيث كان شهرا مختصا بحرمات هي فيها كالشيء الواحد. وإذا صار في المعنى الذي لم تتعلق الكفارة به شيئا واحدا لم يضر كونه عبادات مفردة في المعنى الذي لم تتعلق الكفارة به، وهذا كصوم الشهرين لا يجب التتابع من حيث كان صوما وإنما يجب من حيث كان كفارة، فإذا أفسد يوما فسد جميعه في معنى التتابع، وإن لم يفسد باقيه في باب الصوم. * * *

مسألة 377 إذا أفطر الصائم بأكل ما يتداوى به، أو يتغذى به أو يشرب كذلك، فعليه الكفارة

مسألة 377 إذا أفطر الصائم بأكل ما يتداوى به، أو يتغذى به أو يشرب كذلك، فعليه الكفارة 6605 - قال أصحابنا: إذا أفطر الصائم بأكل ما يتداوى به، أو يتغذى به، أو يشرب كذلك، فعليه الكفارة. 6606 - وقال الشافعي: لا كفارة إلا في الجماع، ومن أصحابه من قال: يجب بالأكل الكفارة الصغرى، وإنما الخلاف في العظمى.

6607 - لنا: ما روى مالك عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - (أن رجلا أفطر في رمضان فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعتق رقبة أو يصوم شهريين متتاليين أو يطعم ستين مسكينا)، والسبب إذا تعلق الحكم به، فكأنه عليه [الصلاة و] السلام قال: أعتق رقبة؛ لأنك أفطرت. 6608 - فإن قيل: هذه قصة المجامع، وقد رويت القصة مفسرة أن الرجل قال: (وقعت على أهلي). 6609 - قلنا: هذا إسناد في الصحيح، ذكره مالك في الموطأ، وليس في شيء مما ذكروه ما يجري مجراه، فهو أولى. ويجوز أن يكون السؤال وقع عن الفطر، فأجابه، ثم ذكر السائل الجماع. فنقل الراوي هذا مرة وهذا مرة، وإلا فكيف يظن أن السؤال وقع عن أمر خاص قد ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - حكمه، فنقل الراوي شيئا أعم وعلق الحكم عليه؟ وقد يجوز أن يقع السؤال عن سبب خاص فينقله الراوي متعلقا ببعض ما يتناوله العموم، وهذا لو تساوى الخبران، كيف وليس في باب الكفارة خبر أصح من هذا؟ فروى أبو معشر نجيح عن محمد بن كعب القرظي عن أبي هريرة

- رضي الله عنه - (أن رجلا أكل في رمضان فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين أو يطعم ستين مسكينا). 6610 - قال الدارقطني: أبو معشر [هو] نجيح، ليس بالقوي، وهذا غلط؛ لأنه صاحب المغازي، وعليه وضع أحمد التاريخ، وهو ثقة. 6611 - ويدل عليه: ما روى أبو هريرة - رضي الله عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من أفطر في رمضان فعليه ما على أبو هريرة - رضي الله عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من أفطر في رمضان فعليه ما على المظاهر). 6612 - قالوا: المراد: المأثم؛ لأن الكفارة إنما تجب على العامد. 6613 - قلنا: المظاهر قد يلزمه المأثم، وقد لا يلزمه، والكفارة هي التي تختص به، ألا ترى: أن من سبق اللسان على لسانه لا مأثم عليه، وإنما يكون فيما يختص به المظاهر دون غيره. وروى حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر (أن رجلا قال: يا رسول الله أفطرت في رمضان، قال: أمن غير عذر، ولا سفر؟ قال: نعم، قال: أعتق رقبة). 6614 - والجواب: إذا خرج على سؤال صار السؤال، كالملفوظ به في الجواب والمشروط فيما يتعلق به حكم الجواب، ومعلوم أن الذي يختلف في السفر والحضر هو الأكل، فأما الجماع فلا يختلف. 6615 - فإن قيل: كيف يقول - صلى الله عليه وسلم - لمن أفطر: (عليك الكفارة)، وهي لا

تتعلق إلا بفعل مخصوص، والعموم متى ذكر، والمراد به الخصوص لم يتأخر بيانه عن وقت الحاجة وعند السؤال وقت الحاجة؟ 6616 - قلنا: حمل عليه [الصلاة و] السلام الفطر على المعتاد، وذلك هو الأكل للطعام والشرب للشراب، فإذا حصل من غير عذر ولا سفر أوجب الكفارة على العموم، يبين ذلك: أن إطلاق الفطر يتناول ذلك قولهم: أفطر فلان عند فلان، وفطر فلان الصائمين. وقال عليه [الصلاة و] السلام في دعائه: (أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة). 6617 - ولأن الكفارة تجب بمأثم مخصوص، بدلالة: أن كل من أوجبها اعتبر في وجوبها ضربا من المأثم، وأجمعوا أن مأثم الجماع يوجبها، ومأثم الأكل أكثر منه، بدلالة أن النعمة في التمكين من الأكل أعظم والصبر عنه أش، فثواب الإمساك أعظم، وهتك العبادة أبلغ فكان بإيجاب الكفارة أولى، وهذا الاستدلال على موضع، وهو طريق يثبت بها الكفارات على قول من لا يثبتها بالقياس. 6618 - فإن قيل: إذا كانت الحاجة إلى الأكل أشد، والنفس تدعو إليه أعظم، كان معذورا في فعله، فالمأثم فيه أقل. 6619 - قلنا: فيجب أن يكون وطء الميتة أعظم مأثما من وطء الحية؛ لأن النفس لا تدعو إليه، وكذلك كان يجب أن يكون سارق المال القليل أقل من مأثم سارق المال الكثير لأن النفس تدعو إلى سرقة الكثير وتعاف القليل، فعلم بذلك فساد تلك

الطريق؛ ولأن الكفارة إنما وضعت للزجر عن الفعل، فما كانت النفس تدعوا إليه أشد، كانت بالزجر عنه أولى. 6620 - قالوا: مأثم الجماع إذا وقع في ملك الغير أعظم منه من مأثم الأكل إذا حصل في طعام الغير. 6621 - قلنا: لأنه يحصل فيه التصرف فيما لا يملك، وإفساد السبب وإلحاق الشين بالمرأة والزوج لا لتأكد الوطء على الأكل. 6622 - فإن قيل: الردة في الصوم أعظم مأثما من الأكل والجماع. 6623 - قلنا: تتعلق بهما الكفارة، ويسقط بإسلامه كما يسقط به سائر الواجبات. ولأنه أفطر بمتبوع فوجبت عليه الكفارة العظمى، كالفطر بالجماع. 6624 - فإن قيل: الأكل ليس فيه متبوع وتابع. 6625 - قلنا: هذا يعلم بالمشاهدة فإن المقصود من الأكل ما ينتفع به البدن، والمقصود من الجماع ما يكون منه الولد. 6626 - فإن قيل: أكل الطعام المتغير كأكل الشهد في إيجاب الكفارة، ووطء الشوهاء كوطء الحسناء، وأحدهما متبوع والآخر تبع. 6627 - قلنا: هذا غلط؛ لأن الأكل المتبوع هو الذي يتناول لتبقية النفس، والتابع ما لا يقصد به لتبقية النفس، كالحصى والحديد فجنس المأكولات متبوعة، وغن كان بعضها آكل من بعض، كما أن جنس الجماع في الفرج هو المتبوع من أنواع الجماع، وإن كان بعضه أشهى من بعض.

6628 - قالوا: يبطل بالردة. 6629 - قلنا: يتعلق بها الكفارة، ويسقط بالإسلام؛ ولأن قولنا: (أبطل الصوم) نعني به: خصائص الصوم التي أمر بالإمساك عنها، فأما الردة: فإنها تبطل ثواب العمل فيبطل الصوم لهذا المعنى؛ لأن الردة من خصائص الصوم. 6630 - قالوا: يبطل بما لو استقاء عمدا. 6631 - قلنا: القيء لا يبطل إلا بما يتراجع من أجزائه إلى جوفه وذاك من جنس الأكل وليس بمتبوعه، وإن احترزت عنه، فقلت أفطر بمتبوع نوعه من غير شبهة، والقيء سقطت الكفارة فيه للشبهة. قال علي، وابن عباس، وابن مسعود رضي الله عنهما: لا يفطر، وحكى عن مالك. 6632 - ولأنه أفطر بما لا قوام للعاملين إلا به، أو بما يستبقي جنسه، فجاز أن يتعلق به الكفارة العظمى، كالجماع. ولأنه أحد الإمساكين فجاز أن تتعلق بتركه الكفارة العظمى. 6633 - ولأن ما نص على إباحته في أحد الزمانين اعتبر الليل والنهار، وحصل في الإحرام جنسه من وجوب الكفارة، كالجماع. ولا يلزم الحصى، [لأن النص لم يتناوله بالإباحة، ولا الوطء فيما دون الفرج]؛ لأن النص يتناول وطءا في الفرج. قال الله تعالى: {وابتغوا ما كتب الله لكم}، يعني الولد؛ ولأن الشرب معنى يتعلق بجنسه الحد، فإذا أفطر به جاز أن يلزمه كفارة العتق، كالوطء. 6634 - فإن قيل: المعنى في الوطء أنه يستحق رقبته بجنسه، فجاز أن يستحق رقبته والأكل بخلافه. 6635 - قلنا: علة الأصل تبطل بالردة، وعلة الفرع تبطل بالظهار والحنث

وقتل الخطأ؛ ولأنه ملك معتاد، فجاز أن تجب الكفارة بترك الإمساك فيه، كالفرج. ولا يلزم الدبر؛ لأن الكفارة تجب بترك الإمساك فيه على إحدى الروايتين. 6636 - فإن قيل: من مذهبكم أن الكفارات لا تثبت قياسا. 6637 - قلنا: هذا مذهب بعض أصحابنا، ومنهم من قال: إذا ورد النص في كفارة قسنا عليها بوجود المعنى، كما قسنا الوطء بالزنا على وطء الأهل في إيجاب الكفارة، وقاس مخالفنا على وطء البهيمة. 6638 - احتجوا: بأن الأصل براءة الذمة وإثبات الكفارة طريقة الشرع ولم يرد إلا في المجامع. 6639 - قلنا: قد بينا وروده في المجامع وغيره ثم لم يرد به الشرع نصا، فقد ورد به تنبيها، ولا دليل كالنص. ولأن الفطر لزمه بفطره معنى، زعم مخالفنا أنه يسقط بالقضاء ولا دليل على ذلك، فنحن نستصحب شغل الذمة حتى يبرئها بدليل. 6640 - قالوا: أفطر بغير جماع/، فلا يجب به الكفارة العظمى، كمن أفطر بالقيء، أو لأنه أفطر بسبب لا يجب به الحد بحاله أو أفطر بسبب لا يفتقر وجوده إلى شخصين، كابتلاع الحصى والجوز الصحيح اليابس. 6641 - الجواب: عن قولكم أفطر بغير جماع [لا يصح]؛ لأن الإمساك في الصوم عن الأكل والجماع بمثابة واحدة، وهي العبادة التي تجب الكفارة فيها بالجماع لا يختص به كالحج، فهذا التخصيص لا يصح. وقول الشافعي: أفطر بسبب لا يجب فيه الحد لا نسلمه لأن من أفطر بشرب الخمر فقد أفطر بسبب يوجب الحد. 6642 - وقولهم: معنى لا يفتقر وجوده إلى شخصين لا نسلمه في الأكل؛ لأنه لا يصح إلا بآكل ومأكول، والآكل شخص، وإنما عدلوا عن العلة القديمة وهي قولهم: معنى غير مشترك، لمالم نسلمه في الأكل إلى قولهم وجود شخصين طلبا منهم أن

الشخص هو الحي خاصة والأجسام أشخاص وإن لم يكن فيها حياء. ثم أصلهم القيء وابتلاع الحصى، والمعنى فيهما: أنه مختلف في إبطال الصوم بهما. قال علي وابن عباس، وابن مسعود - رضي الله عنهم -: القيء لا يفطر). 6643 - وقال الحسن بن حي وغيره: ابتلاع الحصى لا يفطره، فصار الاختلاف شبهة في وجود الكفارة لأنها تسقط بالشبهة، والأكل معني به قوام البشر، اتفق على وقوع الإفطار به فتعلقت به الكفارة، 6644 - ولا يلزم الإنزال بغير جماع؛ لأنه ل يقع به قوام البشر إلا أن يكون مع الجماع. ولأن القيء إنما يفطر بما يتراجع منه إلى جوفه، وهذا من جنس المأكول، وفي نوعه ما يوجب الكفارة، فإن وجد فيه مالا يوجبها لم يستدل به على إسقاط الوجوب عن جنسها، كما أن سقوط الكفارة عن الميتة فيما دون الفرج لا يسقط الكفارة عن جميع النوع، فأما ابتلاع الحصى فنوعه لا تدعو إليه النفس فلا يحتاج إلى رجوعه، والكفارة وضعت للزجر. 6645 - ولأنه أكل ما ليس بمأكول فسقوط الكفارة عنه لا توجب سقوطها في المأكول، ألا ترى: أن من جامع الميتة لا كفارة عليه؛ لأنه جامع غير مجامع. ثم لا يدل ذلك على أنه إذا جامع الحية لا كفارة عليه. 6646 - فإن قيل: قولكم: إن الفطر في القيء يقع بتراجعه محال؛ لأن ذلك يعلم مشاهدة. 6647 - قلنا: بل المحال إنكار ذلك؛ لأن الأشياء تنحدر بطبعها، وإنما تتصاعد بدفع دافع، وكيف ينكر قول: (إنها ترجع)، وهو الأصل؟ وهذا أمر يعلم بالحس. 6648 - فإن قيل: النبي - صلى الله عليه وسلم - علق الإفطار بالقيء.

6649 - قلنا: نكر ولم يبني علته، والمتراجع هو العلة، إلا أن القيء لما لم يوجد منها علقه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقيء. ولأن المتراجع إذا كان يوجد غالبا علق الفطر بالقيء كما علق نقض الوضوء بالنوم الذي لا يخلو من الحدث، وإن لم يعلم الحدث. 6650 - قالوا: عبادة يحرم فيها الجماع وغيره، فوجب أن يكون له مزية على غيره قياسا على الحج، وكذلك العدة تحرم الوطء وغيره وللجماع مزية وهي الحرمة. 6651 قلنا: هذا يبطل بالاعتكاف، فإنها عبادة يحرم فيها الوطء وغيره، وليس للوطء على غيره من محظوراته مزية. 6652 - وقد احترزوا، فقالوا: ويتعلق بالجماع فيها الكفارة. 6653 - قلنا: المزية إن أردتم في الإفساد لم نسلمه في الأصل؛ لأن الحج يفسد بالوطء والردة، وهذه المزية لا توجد في الأصل، وإن أردتم مزية في الكفارة لم نسلمه في الأصل؛ لأن المزية عندنا تجب على من قتل نعامة، ومن طاف جنبا، ومن مات قبل أن يطوف، وإن ذكروا مزية مجملة لم نسلمها إذا منعها تفصيل المزية؛ لأنا نقلب العلة فنقول: فيستوي الجماع وغيره في كفارتها، كالحج. ولأن تحريم الجماع في الحج آكد من تحريم غيره، ألا [ترى:] أنه إذا رمى وحلق، حل له كل شيء إلا النساء، فلما تأكد تحريمه على غيره، فجاز أن تتأكد في أحكامه وتحريم الأكل والجماع في الصوم سواء، ولهذا قامت كلمة جماع الناس على الأصل، فلما تساويا في الحرمة تساويا في الكفارة. 6654 - قالوا: الأصل في الكفارة الجماع التام في الصوم التام، ثم ثبت أنه لو أتى بالجماع التام في صوم غير تام لا كفارة، فكذلك إذا أفطر بغير جماع في صوم تام لا كفارة. 6655 - قلنا: لا نسلم أن الأصل في الكفارة الجماع؛ لأن النص ورد في المفطر وهذا هو الأصل، ثم الجماع التام في صوم غير تام لا كفارة فيه، يدل على أن

الوطء الذي ليس بتمام لا يتعلق به كفارة، فاما أن يدل على أن غير الوطء لا كفاة فيه فلا؛ لأن ما كان أصلا في حكم يجوز أن يساويه غيره فيه. 6656 - قالوا: لو تطاول زمان الحاجة حتى خاف على نفسه فأكل، لم تجب الكفارة فالجزء من الزمان فيه شبهة، ألا ترى: أن الملك في الجارية لما أسقط [الحد] كان الجزء منه شبهة. 6657 - قلنا: الكفارة لا تسقط بالزمان الطويل، وإنما تسقط لخوف التلف، وهذا لا يتجزأ. ثم من اضطر إلى طعام غيره فأكله وأخذه، ولو لم يضطر فقاتله وأخذه وجب عليه حد قطاع الطريق، وإن كان قد وجد من الزمان المبيح للأخذ [ولو هدده بالضرب المخوف، فشرب الخمر لا حد عليه]. ولو هدده بسوط واحد فشرب حد وقد وجد جزء من المعنى المسقط للحد. * * *

مسألة 378 إذا أفطرت الحامل والمرضع خوفا على أنفسهما أو على أولادهما فعليهما القضاء ولا فدية عليهما

مسألة 378 إذا أفطرت الحامل والمرضع خوفا على أنفسهما أو على أولادهما فعليهما القضاء ولا فدية عليهما 6658 - قال أصحابنا: إذا أفطرت الحامل والمرضع خوفا على أنفسهما أو على أولادهما فعليهما القضاء ولا فدية عليهما. 6659 - وقال الشافعي: المرضع إذا خافت على ولدها فأفطرت فعليها القضاء والفدية قولا واحدا، والحامل إذا أفطرت خوفا على حملها، فعلى قولين: قال في القديم والجديد: عليها القضاء والكفارة. وقال في البويطي: عليها القضاء دون الكفارة. 6660 - لنا: أنه مفطر يرجى له القضاء فلم يلزمه فدية كالحائض. ولأن كل مفطر لزمه القضاء لم يلزمه فدية، كالمريض والمسافر. ولأنا إما أن يجعل في حكم المفطر بعذر فلا يجتمع القضاء عليه والفدية، كالمريض والمسافر، أو كالمفطر لغير عذر فلا تجب عليه الفدية، كمن أكل متعمدا أو ترك النية. ولأن من أفطر وهو يرى أن

الشمس قد غابت لو تجب عليه الفدية وقد أفطر بشبهة الإباحة، ولئلا تجتمع الفدية مع القضاء في الحامل، وقد أفطرت بتحقيق الإباحة أولى. 6661 - قالوا: المريض فصل يقع فطره إلى شخص واحد فلزمه معنى واحد، 6662 - وفي مسألتنا: فصل يقع فطره إلى شخصين، أحدهما: يطيق القضاء، والآخر: لا يطيقه، فلزمه القضاء عمن يطيق، والفدية عمن لا يطيق. 6663 - قلنا: مخالفة الحامل والمرضع في صفة العذر ليس بأكثر من فقد العذر [فإذا كان العذر] لو فقد لم يجب الفدية فإذا وجد بصفة دون صفة أولى. ولأنه لا فرق بين الفطر لعذر في نفسه أو غيره، بدلالة: من أكره بقتل نفسه على الفطر فأكل بنفسه، أو أكره يقتل ولده، لم تجب على كل واحد منهما فدية؛ ولأن الفدية لا يجوز أن تجب لأجل الصبي، والصوم لا يصح منه، ولو وجبت لأجله وجبت في ماله، أو في مال من يلزمه نفقته. 6664 - قالوا: حكم ما فعله الإنسان بعذر منه، مخالف لما فعله لغير عذر في غيره بدلالة: من قتل غيره دفعا عن نفسه أو ماله لم يضمن، ولو قتله دفعا عن مال غيره ضمن. 6665 - لنا: لا فرق فيهما عندنا. 6666 - قالوا: وهذا القياس يخالف قول الصحابي، ومن أصلكم: تقديم قول الصحابي على القياس كما قلتم فيمن نذر نحر ولده. 6667 - قلنا: من قال من الصحابة: بالفدية لم يجمع بينهما وبين القضاء، والذي يمتنع عندنا أن يجمع بين بدلين عن عبادة واحدة. 6668 - احتجوا: بقوله تعالى: {وعلى الذين يطيقونه فدية}. 6669 - قالوا: فأوجب الله تعالى على من أفطر وهو يطيق الصوم، فدية.

6670 - الجواب: أنه روي عن سلمة بن الأكوع، (أنه قال: لما نزلت هذه الآية كان منا من أراد أن يفطر أفطر وافتدى، حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها). 6671 - فإن قيل: كانت الآية عامة في الحامل والمرضع وغيرهما، والنسخ فيمن لا يستضر بالصوم، فبقى حكم الحامل والمرضع على الأصل. 6672 - قلنا: الحامل والمرضع لم يدخلا في الآية؛ لأنه قال: {وأن تصوموا خيرا لكم} والحامل إذا خافت أثمت بالصوم، والفطر خير لها. ولأن الحامل إذا خافت لا تخير بين الصوم والفطر، وإنما يتحتم الفطر، والآية تناولت من يخير بين الأمرين. 6673 - فإن قيل: الآية عام، وآخر هذه خاص. 6674 - قلنا: الظاهر أن الخطاب انصرف إلى جميع من تناوله الخطاب الأول ورجوعه إلى بعضه غير الظاهر. ولأن الله تعالى أوجب الفدية، وهي في الظاهر بدل الشيء. قال الله تعالى: {وفديته بذبح عظيم} [الصافات: 107]، وحمل الآية على الحامل ترك لظاهر الفدية إذ البدل الذي هو القضاء واجب. 6675 - قالوا: إنما كان في أول الإسلام لهم أن يفطروا ويفتدوا ويقضوا، بدليل: أن القضاء أغلظ من الفدية، ولهذا القادر على الصوم والكفارة لا يطعم، فكيف يوجب على المريض والمسافر مع العذر، والقضاء وهو أغلظ، ويوجب على الصحيح الفدية وهي أخف، فدل على أنه أوجب الفدية والقضاء. 6676 - قلنا: هذا إثبات صفة واجبة كان القياس، والقياس ينصب الأحكام

الحادثة، فأما أن تقيس لتعلم الأحكام التي كانت ويستحب فلا يصح. ثم قد روى هذه القصة: سلمة بن الأكوع، وابن مسعود، ومعاذ، وابن عباس، وأبو هريرة - رضي الله عنهم -، كلهم [ذكروا التخيير بين الصوم والفطر والفدية، ولم يذكر أحد منهم القضاء] فكيف تثبته بقياس، ثم هو قياس فاسد؛ لأن الصحيح المقيم كان الصوم واجبا عليه، فقامت الفدية مقامه لأنها لا تقوم إلا مقام واجب، وإنما كان بعد الصحة، والإقامة يجب عليهما الصوم [فتقوم الفدية مقامه. 6677 - ولأن المريض والمسافر يشق عليهما الصوم] فرخص لهما في تأخيره إلى حالة لا يشق فيها؛ لأن حاله عند القضاء في ارتفاع المشقة، كحاله عند الأداء. 6678 - وجواب آخر عن الآية: وهو ما روي أن الآية نزلت في الشيخ الكبير، قرأ ابن عامر، وعائشة رضي الله عنهما {وعلى الذين يطيقونه} يعني: من طوقه بالمال وهو غير مطيق بدنه، ويكون معنى القراءة الظاهرة: أن فيها إضمارا، كأنه قال: وعلى الذين يطيقونه فدية فأضمر إحدى الفديتين، وهذا التأويل يبني حكم الآية من غير نسخ. 6679 - فإن قيل: ذكر أبو داود عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنها في الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة، أن يفطرا ويطعما، والحامل والمرضع إذا خافتا. 6680 - قلنا: وذكر أبو داود عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنها في الشيخ الكبير والحامل والمرضع أنهما إذا أفطرتا فعليهما الفدية، ولا صيام عليهما، دل أن الآية عندنا لم

تتناول من يلزمه القضاء، وعلى هذا التأويل قوله تعالى: {وأن تصوموا خير لكم} يرجع إلى أول الآية، فمن يطيق الصوم بنفسه. 6681 - قالوا: روي عن ابن عباس، وابن عمر رضي الله عنهما أن الحامل والمرضع إذا أفطرتا أطعمتا. 6682 - قلنا: روي عنهما الفدية دون القضاء، والخلاف في اجتماع القضاء والفدية. 6683 - فإن قيل: الفدية ثابتة بقولهما، والقضاء بالإجماع. 6684 - قلنا: القضاء والفدية يتنافيان، فإذا اجتمعا على القضاء المنافي سقطت الفدية. وإذا قال الصحابي بوجوب الفدية مع إسقاط القضاء لم يكن في قوله دليل لمخالفنا، وكان دلالة لنا من حيث منع الجمع بينهما. 6685 - قالوا: مقيمة صحيحة باشرت الفطر بعذر معتاد، فكان عليها الكفارة؛ كالشيخ الهرم والهرمة. ومقيمة صحيحة: احتراز من المريضة، والمسافرة أفطرت بعذر: احتراز ممن أفطر بغير عذر، معتاد احتراز ممن أجهده العطش. 6686 - قلنا: وقوع الفطر بعذر، مخفف حكمه. فإذا كان الفطر بغير عذر لا كفارة فيه فالمعذور أولى، وكون العذر معتادا عندهم سبب للتخفيف، بدلالة: أن من صلى مع النجاسة، عليه الإعادة. 6687 - قالوا: لأن العذر غير معتاد ويبطل هذا إذا أفطرت خوفا على نفسها، فالمعنى في الأصل: أن القضاء سقطن فلما وجبت القضاء في مسألتنا سقطت الفدية. 6688 - قالوا: أحد نوعي الفطر فجاز أن يجب فيه القضاء والكفارة، أصله: الفطر بغير عذر. 6689 - قلنا: لأنا لا نسلم أن الفدية كفارة؛ ولأن الفطر بعذر أخف، فلم يجز أن يستوي الفطر لعذر ولغير عذر في الواجب ونقلب هذه العلة فنقول: فلا

يجتمع فيه الفدية مع القضاء. 6690 - قالوا: عبادة يجتمع فيها القضاء مع الكفارة الكبرى فاجتمع مع الصوم، كالحج. 6691 - قلنا: القضاء في الحج عندنا لا يجتمع مع الفدية؛ ولأن الحج يجوز أن تجب الفدية فيه وإن فعل النسك في وقته؛ فجاز أن تجب بتأخيره عن وقته، والفدية لا تجتمع مع الصوم في وقته فلم يجز أن تجتمع مع القضاء بعد الوقت. * ... * ... *

مسألة 379 إذا نوى الصوم من الليل ثم أغمى عليه جميع النهار صح صومه

مسألة 379 إذا نوى الصوم من الليل ثم أغمى عليه جميع النهار صح صومه 6692 - قال أصحابنا: إذا نوى الصوم من الليل ثم أغمى عله جميع النهار صح صومه. 6693 - وقال الشافعي: إذا أغمى عليه جميع النهار، بطل صومه، وإن أفاق بعضه صح صومه، ذكر هذا في الصوم. 6694 - وقال في اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى: إذا أغمى عليه في جزء من النهار بطل صومه، وقال في كتاب الظهار: إذا أفاق في طرفي النهار، وأما النوم: فالصحيح أنه لا يؤثر. ومن أصحابه من قال: إن طلع الفجر (وهو نائم وبقى على ذلك إلى آخر النهار لم يصح صومه). 6695 - لنا: أنها عبادة لا يبطلها الحدث، فلا يبطلها الإغماء، كالحج ولأن النية

صحت في وقتها، فطرآن الإغماء عليها لا يمنع صوم يومه، قياسا) عليه إذا أغمى عليه ليلا وأفاق قبل طلوع الفجر، وإذا أغمى عليه نهارا على أحد الأقوال. ولأنه مرض لا ينافي القضاء فلا يبطل الصوم كسائر الأمراض، أو عذر لا ينفي القضاء، فإذا وجد في الرجال لم يمنع صحة الصوم، كالنوم والمرض. 6696 - احتجوا: بأنه معنى يسقط فرص الصلاة، فمنع من صحة الصوم، كالحيض والنفاس. 6697 - قلنا: لا نسلم الوصف؛ لأن الإغماء؛ لأن الإغماء قد يسقط فرض الصلاة، وقد لا يسقط؛ ولأن المعنى في الحيض: أنه خارج يوجب الغسل، فأثر في الصوم، كالإنزال، والإغماء معنى يوجب الوضوء، فلم ينف الصوم، كسائر الأحداث. * * *

مسألة 380 الصوم في السفر إذا لم يستضر به أفضل من الفطر

مسألة 380 الصوم في السفر إذا لم يستضر به أفضل من الفطر 6698 - قال أصحابنا: الصوم في السفر إذا لم يستضر به أفضل من الفطر. 6699 - وحكى الطحاوي عن الشافعي: أن الفطر أفضل، وأصحابه ينكرون هذا. 6700 - لنا: قوله تعالى: {وأن تصوموا خير لكم}، وهذا بعد ذكر المسافر. وروى سلمة بن المحبق الهلالي (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من كانت له حمولة يأوي إلى شبع فليصم رمضان حيث أدركه). ولأنه يؤدي العبادة في وقتها من غير أن يحصل ضرر، فكان أفضل من تأخيرها عنه، كالصلاة. ولا يلزم تأخير المغرب

بالمزدلفة؛ لأن تقديمها لا يجوز، فالتأخير في التقديم يقال في الجائزين. ولأن الصوم في وقته أصل الفرض، والفطر رخصة، وفعل العزيمة من غير ضرر إذا لم يستدرك به عبادة أخرى أفضل، كغسل الرجلين ومسح الخفين. 6701 - ولا يلزم تقديم العصر بمعرفة؛ لأنه يستدرك بذلك عبادة، وهو الوقت. فأما قوله عليه الصلاة والسلام (ليس من البر الصيام في السفر) مقصور على سبب، وهو ما روى جابر (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلا يظلل عليه والزحام عليه وهو في السفر صائم، فقال ليس من البر الصيام في السفر)، يعني: على تلك الصفة. * * *

مسألة 381 إذا طهرت الحائض في شهر رمضان أو قدم المسافر أو بلغ الصبي أو أفاق المجنون أو شهد الشهود بعد الزوال برؤية الهلال أمس أو أفطر الرجل متعمدا أو صح المريض أو أسلم الكافر وجب عليهم الإمساك [في] بقية النهار عن الأكل والشرب والجماع

مسألة 381 إذا طهرت الحائض في شهر رمضان أو قدم المسافر أو بلغ الصبي أو أفاق المجنون أو شهد الشهود بعد الزوال برؤية الهلال أمس أو أفطر الرجل متعمدا أو صح المريض أو أسلم الكافر وجب عليهم الإمساك [في] بقية النهار عن الأكل والشرب والجماع 6702 - قال أصحابنا: إذا ظهرت الحائض في شهر رمضان، أو قدم المسافر أو بلغ الصبي، أو شهد الشهود بعد الزوال برؤية الهلال أمس، أو أفطر الرجل متعمدا، أو صح المريض، أو أسلم الكافر، وجب عليهم الإمساك [في] بقية النهار عن الأكل والشرب في الجماع. 6703 - وقال الشافعي في المسافر: إذا قدم، والمريض إذا صح، والحائض والنفساء إذا انقطع دمهما، فليس عليهم الإمساك. 6704 - والصبي إذا بلغ والمجنون إذا أفاق والكافر إذا أسلم. قال في البويطي: ليس عليهم الإمساك. ومن أصحابه من قال: يلزمهم وأما المسافر إذا نوي الصوم من الليل فتقدم، أو المريض تحمل المشقة فينوي الصوم ثم صح، والصبي إذا نوي الصوم ثم بلغ، هل يجوز لهم الأكل، ظاهر قوله في البويطي أنه لا يلزم تمام الصوم. ومن أصحابه من قال: يلزم.

6705 - لنا: دليل يدل عليه أنه إذا ثبت الشهر قبل الزوال لم يجز الأكل؛ لأنه يوم ثبت من رمضان، فلا يجوز الأكل فيه من غير عذر، [أصله: إذا ثبت قبل الفجر. ولأنه صوم مستحق في زمان بعينه فإذا ظهر نهارا لم يجز الأكل]، أصله: يوم عاشوراء. ولأنه على صفة يصح منه الصوم، فلم يجز له الأكل في نهار رمضان من غير عذر، أصله: إذا أفطر متعمدا. وإذا ثبت لنا أن الشهود إذا شهدوا بالشهر وجب الإمساك، قسنا عليه أنه معنى لو وجد قبل الفجر وجب الصوم [فإذا وجد نهارا مع تعذر الصوم وجب الإمساك في الصوم] المستحق العين، أصله: إذا شهد الشهود بالرؤية للهلال. 6706 - ولأن الإقامة وجدت في أثناء نهار رمضان، فلزمه الإمساك بقية نهاره، كمن في الصوم وهو مقيم ثم سافر فأفطر ثم أقام. ويدل على الكافر إذا أسلم فنقول: إن من أثم بترك الصوم في أول نهار رمضان لم يجز لها الأكل في نفسه مع عدم الأعذار، كمن أكل متعمدا. والأولى أن يدل على أن المسافر والمريض إذا صاما ثم زال العذر، لم يجز الأكل؛ لأنه مقيم صحيح حكم بصحة صومه في/ رمضان فلم يجز له الفطر، كما لو كان مقيما في الابتداء. ولأن دخوله في الصوم صح

وجاز الفطر للعذر، فإذا زال لم يجز الفطر، كالصحيح إذا دخل في الصوم ثم مرض ثم صح. 6707 - احتجوا: بأن من حل له الأكل في أول النهار مع علمه باليوم لم يلزمه إمساك باقيه، أصله: إذا نذر أن يصوم يوما بعينه فسافر فيه، فأفطر ثم أقام. 6708 - قلنا: صوم النذر لو أفطر فيه مع الإقامة لم يلزمه الإمساك، وكذلك إذا أفطر بعذر في رمضان، أو أفطر بغير عذر لزمه الإمساك كذلك إذا أفطر لعذر، وإنما كان كذلك لأن الصوم إذا وجب على عامة الناس، فإذا أفطر مع عدم الموانع، ألحق بنفسه تهمة، وهذا لا يوجد في صوم النذر. 6709 - قالوا: كل من لزمه صوم أول النهار ظاهرا وباطنا لم يلزمه إمساك باقيه، أصله إذا استدام السفر. 6710 - قلنا: سقوط لزوم الصوم في الظاهر لا يمنع وجوب القضاء فلا يمنع من وجوب الإمساك، ولأنه إذا استدام السفر والعذر باق، فلا يلحقه تهمة بالأكل، وإذا زال العذر ألحق بنفسه تهمة؛ لأنه يأكل مع ارتفاع الأعذار. 6711 - قالوا: الأصل إباحة الفطر؛ فمن ادعى الحظر يحتاج إلى دليل. 6712 - قلنا: الإباحة سبب للعذر، فمن زعم أنها تبقى مع زوال العذر فعليه الدليل. * * *

مسألة 382 إذا رأى الرجل الهلال وحده فرد الإمام شهادته، فصام ثم جامع لم تلزمه الكفارة

مسألة 382 إذا رأى الرجل الهلال وحده فرد الإمام شهادته، فصام ثم جامع لم تلزمه الكفارة 6713 - قال أصحابنا: إذا رأى الرجل الهلال وحده فرد الإمام شهادته، فصام ثم جامع لم تلزمه الكفارة. 6714 - وقال الشافعي: عليه الكفارة. 6715 - لنا: أن كل من لو أكل لم تلزمه الكفارة، إذا جامع لم تلزمه الكفارة؛ أصله: من أخبره واحد بالهلال، وقد رد الإمام شهادة المخبر. ولأنه يوم مختلف في وجوب صومه، كيوم الشك. وقال الحسن، وابن سيرين، وعطاء: لا يجب عليه الصوم.

6716 - فإن قيل: هذا خلاف سقط بإجماع الفقهاء بعدهم. 6717 - قلنا: إلا أن خلافهم شبهة، ألا ترى: أن إباحة المتعة سقط بالإجماع بعد الخلاف وإن لم يترك الشبهة؟ 6718 - قالوا: هذا يبطل بمن سافر أقل من ثلاثة أيام فجامع، فعليه الكفارة وإن اختلف في وجوب الصوم. 6719 - قلنا: هذه المسألة غير منصوصة، وظاهر المذهب أن الكفارة لا تجب. ولأنه صوم لزم الواحد خاصة، كقضاء رمضان. ولأنه يوم محكوم بأنه من شعبان في حق الكافة، فلم تلزم المجامع في الموضع المحكوم به الكفارة كما قبله، أو يوم حكم الإمام بإباحة الفطر فيه، فصار كآخر يوم من الشهر أنه من شوال. 6720 - احتجوا: بأنه يوم لزمه صيامه ظاهرا وباطنا من رمضان، فوجب أن يتعلق بهتك جرمته الكفارة، كما لو حكم به الحاكم. 6721 - قلنا: إذا حكم الحاكم فقد زالت الشبهة، وإذا لم يحكم بثبت، ألا ترى: أنه روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (صومكم يوم تصومون)، وهذا يقتضي وجوب الصوم على الواحد إذا صام الكافة، وسقوطه إذا لم يصوموا؟ فأوجب هذا الخبر شبهة، فإن وجدت سقطت الكفارة، وإن عدمت وجبت. 6722 - قالوا: إذا حكم الإمام بقول الواحد غلب على ظننا أنه من رمضان، وإذا

رآه علم، فكيف تجب الكفارة عله مع غلبة الظن، وتسقط مع اليقين؟. 6723 - قلنا: الكفارة لا تجب بنفس الشهر حتى ترتفع الإباحة، ولهذا تجب الكفارة على المسافر إذا أفطر، والمريض، وتوهم الإباحة كوجودها فيما يسقط وإن تحقق التحريم كوطء جارية الابن. 6724 - قالوا: الكفارة تعبر به دون غيرهم، بدلالة: أن في آخر الشهر لو رأى الهلال ورد الحاكم شهادته سقطت الكفارة عنه، ولو رأى الفجر وحده وجبت عليه الكفارة بالجماع، وإن كان الصوم لم يجب على جميع الناس إذا لم يشاهدوه. ومعلوم أن الشهر يثبت في حقه، ولهذا حل ما عليه من دين. ولو كان علق طلاق امرأته باستهلاك الشهر طلقت، ولهذا يجب عليه الصوم واعتباراته، وإن لم يجب الصوم على غيره. 6725 - قلنا: وجوب الكفارة، إذا أقرت السنة فيه اعتبر الجهة المسقطة لها، سواء كانت في حقه أو في حق غيره، ألا ترى: أنه لو غلب ظنه صدق المخبر بالهلال فرده الناس، لم تجب الكفارة اعتبارا بغيره، فأما آخر يوم من الشهر إذا رأى الهلال فقد حكم في رمضان من وجه دون وجه فلم تجب الكفارة ترجيحا لجهة الإسقاط، وإنما المعتبر بما عنده، ألا ترى: أنه لو أخبره في آخر الشهر من غلب على ظنه صدقه فرد الإمام شهادته، لزمته الكفارة، وإن كانت عنده أن لا وجوب؟ فأما من طلع عليه الفجر فبعيد أن يطلع الفجر في بلد لا يراه إلا واحد حتى يلزمه الصوم دون الكافة. وأما قولهم: إن اليوم من رمضان عنده. 6726 - قلنا: وليس هو عند الإمام من رمضان، فاعترف أنه رأى الهلال لم

بحكم الحاكم عليه بتسليم الدين، وإنما نقول له: إن كنت رأيت فعليك أن نسلم، ولا يوجب ذلك عليه. ثم إنا لا نمنع أن الشهر قد ثبت عنده، إلا أن الكفارة لا تتعلق بوجود الشهر حتى ترتفع أسباب الإباحة والشبهة، وما ذكرناه شبهة. 6727 - فإن قيل: اعتباركم وجوب الصوم في حق الكفارة، لا نسلم أنه يجب على المريض، والمسافر، والحائض. 6728 - قلنا: نعني به كل من كان من أهل الصوم، ولا عذر له. * * *

مسألة 383 إذا أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان الثاني فلا فدية عليه

مسألة 383 إذا أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان الثاني فلا فدية عليه 6729 - قال أصحابنا: إذا أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان الثاني فلا فدية عليه. 6730 - وقال الشافعي: إن أخره لغير عذر فعليه القضاء والفدية، لكل يوم طعام مسكين. وإن أخره على رمضان ثالث، لزمه فدية واحدة، ومن أصحابه من قال: فديتان. 6731 - قالوا: هذا خطأ. 6732 - لنا: قوله تعالى: {فعدة من أيام أخر}، وهذا عام في جميع العمر فإن [كان] القضاء تارة يسقط بالفرض، وتارة لا يسقط إلا مع الفدية،

لبينه وروى جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن تقطيع [قضاء] رمضان، قال: ذلك إليك، أرأيت لو كان على أحدهم دين فقضى الدرهم والدرهمين، ألم يكن قضاء؟ فالله أحق أن يعفو ويغفر وهذا عام في السنة الأولى والثانية، ولو كان الحكم يختلف لبينه، ولأنه أخر القضاء فلم تلزم فدية، كمن لم يزل مريضا؛ ولأن من وجب عليه القضاء لم تلزمه فدية، كما لو قضى في السنة الثانية. ولأن نفس رمضان لو أخره عن وقته بترك الصوم، لم تجب به فدية [فإذا أخر قضاءه أولى. 6733 - فإن قيل: تأخير رمضان يجب به القضاء، ولم تجب به فدية]، وتأخير القضاء لا يجب به قضاء؛ لأن القضاء يلزمه بترك الأصل، فلذلك وجبت الفدية. 6734 - قلنا: تأخيره إلى شعبان لا يوجب قضاء ولا فدية. 6735 - فإن قالوا: الآية لم تؤخره عن وقته، لم نسلم؛ لأن القضاء مؤقت بشعبان؛ ولأن إفساد الصوم آكد من تأخيره، بدلالة: أن مفسد صوم رمضان يلزمه كفارة واحدة، ولو أخره لم يجب بإفساد هذا الصوم الكفارة، فتأخيره أولى. 6736 - فإن قيل: إنما لا تجب الكفارة؛ لأنه متى أفسده ليس هو قضاء رمضان. 6737 - قلنا: عندكم مؤقت، فإذا تضايق الوقت فصام، فهو صوم القضاء الذي يضيق وقته، وإنها بالإفساد لم تجزئ، كما أن الصوم في رمضان بالإفساد لا يجزئ،

ولأنها عبادة فلا تجب بتأخيرها إلى وقت مثلها فدية، كما لو أخر الحج، ولا يلزم تأخير الطواف؛ لأن الفدية لا تجب بتأخيره إلى وقت مثله. 6738 - احتجوا: بحديث مجاهد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في رجل أفطر في [شهر] رمضان من مرض، ثم صح ولم يصم حتى أدركه رمضان آخر، قال: يصوم الذي أدركه ثم يصوم الشهر الذي أفطر فيه ويطعم مكان كل يوم مسكين). 9739 - قلنا: رواه إبراهيم بن نافع، وهو ضعيف، عن عمر بن موسى بن وجيه وهو ساقط عندهم، ولو ثبت هذا الخبر قلنا به. 9740 - قالوا: روي عن ابن عباس، وابن عمر، وأبي هريرة - رضي الله عنهم -: أن عليه الفدية، ولا مخالف لهم في الصحابة. قال الطحاوي: سمعت ابن أبي عمران يقول: سمعت يحيى بن أكثم يقول: وجدته عن ستة من الصحابة ولا مخالف لهم. 6741 - قلنا: أم ابن عمر فوجب الفدية دون القضاء، فروى عنه إيجاب هديين فديتين، فلم يتفقوا على الجمع بين القضاء والفدية، وعلى أنه روى عن أبي

عبيدة، ومعاذ أنهما قالا: (اقضه متفرقا إذا أحصيت العدة)، وهذا من قولهما، يدل على أنه لا فرق بين السنة الأولى والثانية، ولو وقت عندهما لبينا؛ ولأن هذا ليس بإجماع؛ لأنا لا نعلم انتشاره في الصحابة. وعلى قول الشافعي في الجديد: لا يجب تقليد الصحابي وعلى أصلنا: متى روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عموم يخالف قوله، لم يجب تقليده. 6742 - فإن قيل: هذا لا يدل على القياس، فالظاهر أنهم قالوا/ توقيفا. 6743 - قلنا: لو كان كذلك لم يختلفوا فيه. وقد ذكر ابن المنذر عن الحسن والنخعي مثل قولنا، وعصر الصحابة لم ينقض، حتى جاء الحسن، فخلافه معتد

به على الصحابة. 6744 - قالوا: عبادة يجب في جبرانها المال فإذا فرط بتأخيرها حتى عاد وقتها، وجب عليه الكفارة، أصله: إذا أفسد الحج. 6745 - قلنا: عندنا إذا أفسد الحج وجبت الكفارة بإفساده لا بتأخيره، وكذلك الكفارة في مسألتنا يجوز أن تجب في رمضان بإفساده؛ ولأن الحج لا تجب الكفارة بتأخيره قبل الدخول فيه، فالصوم مثله. 6746 - قالوا: روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قال: (إن كان ليكون على الأيام من رمضان فما أستطيع أن أقضيها حتى يأتي شعبان؛ اشتغالا برسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فدل على أنه هذا آخر ما يجوز التأخير إليه. 6747 - قلنا: إنما أخرت؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم شعبان فتقضيه في الزمان الذي يصوم فيه، حتى لا يفوته الاستمتاع، ولم تؤخر إلى ما بعد رمضان؛ لأنه لا يصوم، فتعود إلى خدمته. وإذا احتمل هذا سقط تعلقهم به. ثم قد روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قضاء رمضان ما يدل على التأخير مطلقا، فكيف ثبت التوقيف مخالفا له بخبر محتمل. 6748 - قالوا: أخر صوم رمضان عن وقته، فإذا لم يتعلق بتأخيره وجوب القضاء وجب أن تتعلق به الفدية، أصله: الشيخ الكبير.

6749 - قلنا: وجب عليه بتأخير رمضان قضاء. 6750 - وإن قالوا: بتأخير القضاء لا يجب القضاء، وإنما يجب بتأخير الأصل. 6751 - قلنا: فالقضاء ليس هو رمضان، فلم نسلم الوصف، والمعنى في الشيخ: أن القضاء سقط عنه، فجاز أن تلزمه الفدية، والقضاء في مسألتنا واجب، فلم تجتمع الفدية معه. 6752 - قالوا: الصلاة يتوسع فرضها في حق الصحيح، ويتضيق في حق المعذور إذا زال عذره في آخر الوقت، كما أن الصوم في حق الصحيح، ويتسع في حق المريض والمسافر، فإذا كانت الصلاة المتصلة إلى وقت الوجوب مثلها ويبقى وقتها، سواء دخل وقت مثلها أو لم يدخل، فالصوم الموسع يجوز تأخيره عن وقته، فلم يتأخر بما قبل الدخول وقت مثله، ألا ترى: أن صلاة المسافر عندهم، والمغرب عندنا بمزدلفة، فلما جاز تأخيرها، بما قبل دخول وقت مثلها. ولأن قبل الصلاة الفائتة ليس هو بعدها، وغنما مثلها إن كانت للظهر مثلها من الغد، والوقت لا يتعذر بدخول تلك بإجماع. * * *

مسألة 384 إذا أخر الصوم مع الصحة حتى مات لم يجز لوليه أن يصوم عنه

مسألة 384 إذا أخر الصوم مع الصحة حتى مات لم يجز لوليه أن يصوم عنه 6753 - قال أصحابنا: إذا أخر الصوم مع الصحة حتى مات، لم يجز لوليه أن يصوم عنه، ويجوز الإطعام عنه. وهو قول الشافعي في القديم والجديد وقال في أمالي: إن صح الخبر قلت به. 6754 - قالوا: والخبر قد صح. 6755 - لنا ما روى نافع عن بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من مات وعليه صيام شهر رمضان فليطعم عنه مكان كل يوم مسكينا. وروي عن ابن

عباس رضي الله عنهما أنه قال: (لا يصوم أحد عن أحد، ولا يصلي أحد عن أحد). ولا مخالف له، ولأنها عبادة لا تجوز النيابة فيها، كالصلاة، ولأنها حالة، لا تجوز النيابة في الصوم، كحال الحياة. 6756 - فإن قيل: الصلاة لا يدخل في جبرانها المال. 6757 - قلنا: لا نسلم؛ لأن من أصحابنا من قال: إذا مات وعليه صلوات فأوصى بها وأطعم عنه لكل صلاة مسكين. 6758 - احتجوا: بما روى عروة، عم عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من مات وعليه صيام، صام عنه وليه). 6759 - قلنا: هذا الخبر رواه عبد الله بن أبي جعفر عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة [رضي الله عنها]. وقد روى عبد الله هذا الحديث عنها، وحديثا آخر أن

النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من باع عبدا وله مال تبعة ماله) وأنكر هذين الخبرين. وقد روى محمد بن يمان، عن عائشة رضي الله عنها أنها قال: (من مات وعليه صيام، فيطعم عنه ولا يصام) ولو كان الحديث صحيحا عندها لم تقل بخلافه، ولأنه- إن ثبت- محمول على أنه يفعل عنه ما يقوم مقام الصيام، بدلالة الخبر الآخر. 6760 - قالوا: روى ابن عباس رضي الله عنهما (إن امرأة قامت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إن أختي ماتت وعليها صوم، فقال لو كان عليها دين أكنت تقضينه، فقالت: نعم. قال: (فدين الله أحق أن يقضى). 6761 - قلنا: ذكر القضاء عنها، والقضاء بعد الموت هو الإطعام عندنا، يبين ذلك، أن ابن المنذر قال: كان ابن عمر، وابن عباس، وعائشة - رضي الله عنهم -، والحسن البصري والزهري يقولون: (لا يصام عنه ولكن يطعم)، فدل أن ابن عباس فهم من القضاء الإطعام. 6762 - قالوا: عبادة يدخل في جبرانها المال، فجاز أن يدخلها النيابة، كالحج.

6763 - قلنا: الحج يقف وجوبه على المال، فإذا عجز عن فعله لزمه تسليم ذلك المال إلى من يفعله، والصيام لا يقف وجوبه على المال، فلم يلزم فعله عنه. ولأنه لا فرق بينهما لأن وجوب الحج لما وقف على المال، فلو حج عنه بغير مال دفع إلى الحاج لم يجز عنه عندنا، كذلك الصوم لما لم يقع بتسليم مال صار نظيره من الحج أن يحج بغير شيء. ولأن الحج تصح النيابة فيه حال الحياة، والصوم خلافه. 6764 - قالوا: النيابة تدخل في العبادات بحسب دخول الأموال فيها، وتعلقها به، بدليل: أن الزكاة مال محض، فدخلت النيابة فيها بكل حال. والصلاة لا تعلق لها بالمال بوجه، فلم تدخلها النيابة بوجه، والمال يتعلق بالحج في موضعين، يجب بوجوده، ويدخل في جبرانه، فدخلت النيابة في موضعين حال الحياة، وبعد الوفاة، والصيام يدخله المال في موضع [واحد، وهو الجبر دون الوجوب، فدخلته النيابة في موضع واحد]. 6765 - قلنا: فالجهاد يقف وجوبه على وجود المال، ولا تدخله النيابة وركعتا الطواف تصح النيابة فيها، ولا مدخل للمال فيها. * * *

مسألة 385 لا يجوز صوم يوم المتعة في أيام التشريق

مسألة 385 لا يجوز صوم يوم المتعة في أيام التشريق 6766 - قال أصحابنا: لا يجوز صوم يوم المتعة في أيام التشريق. 6767 - وهو قول الشافعي في الجديد. 6768 - وقال في القديم: يجوز. وهل يجوز صومها عن غير المتعة؟ فيه وجهان. أحدهما: لا يجوز، والآخر: يجوز كل صوم له سبب من نذر وقضاء، وكفارة، وتطوع راتب. 6769 - لنا: ما روى أبو هريرة (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صيام ستة أيام، وكر يوم النحر، وأيام التشريق) وروي عن عبد الله بن خليفة (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره أن

ينادي في أيام التشريق: إنها أيام أكل وشرب) رورى بشر بن سجيم - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: فأذن في الناس أنها أيام أكل وشرب في أيام منى) وروى قتادة عن أنس (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صيام خمسة أيام: يوم الفطر، ويوم الأضحى، وأيام منى الثلاثة)، وروى أن عليا - رضي الله عنه - نادى بمنى على جمل أحمر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: فيها (أيام أكل وشرب، فلا يصم فيها أحد) ولأنه يوم

نهى فيه عن صوم النفل المبتدأ، فلم يصح فيه صوم التمتع، كيوم النحر. ولأنه صوم لا يصح في يوم النحر، فلم يصح في أيام التشريق، أصله: قضاء رمضان. ولأنه صوم وجب بحكم التمتع، كالسبع. 6770 - احتجوا: بقوله تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج}. 6771 - قالوا: نزلت هذه الآية يوم التروية، فلم يبق للصوم وقت إلا يوم عرفة، وأيام التشريق. 6772 - قلنا: نزلت لبيان الحكم في مستقبل الأيام، فأما اليوم فكان معهم الهدى، فلم يحتاجوا إلى الصوم في تلك السنة. 6773 - قالوا: روي أن عمر - رضي الله عنه - قال: (رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمتمتع إذا لم يجد الهدي ولم يصم الثلاثة في الحج، أن يصوم أيام التشريق). 6774 - قلنا: رواه يحيى بن سلام عن شعبة، وهو ضعيف. ثم هذا الخبر يفيد الإباحة وما ذكرناه يفيد الحظر، فكان أولى. ولأن ما ذكرناه أكثر رواة وأشهر. ولأن بيانه وقع عاما، فهو أولى مما لا يساويه في البيان، وكذلك الجواب عن حديث الزهري عن عروة بن الزبير قال: قالت عائشة وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم لم يرخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأحد في صيام أيام التشريق إلا لمتمتع أو محصر. على أنه رواية

عبد الغفار بن القاسم، عن الزهري، وأخطأ في إسناده. وقد ذكر ابن المنذر عن ابن عمر، وعائشة، (أنه يصوم الثلاثة من حين يهل بالحج إلى يوم عرفة) فلولا أنهما عرفا نسخ الرخصة، لم يعتقدا خلاف ذلك، وعلى أن عليا - رضي الله عنه - يقول: (لا يجوز صيامها عن المتعة). * * *

مسألة 386 إذا تمضمض أو استنشق فوصل الماء إلى جوفه أو دماغه، أفطر

مسألة 386 إذا تمضمض أو استنشق فوصل الماء إلى جوفه أو دماغه، أفطر 6775 - قال أصحابنا: إذا تمضمض أو استنشق، فوصل/ الماء إلى جوفه، أو دماغه أفطر، وهو قول الشافعي في القديم والأم. 6776 - وقال في البويطي، والأمالي واختلاف العراقيين: لا يفطر، ومن أصحابه من قال: لا فرق بين أن يبالغ، ولا يبالغ في أنه لا يفطر، ومنه من قال: إن بالغ فوصل الماء إلى جوفه، أفطر قولا واحد. 6777 - لنا: قوله علي [الصلاة و] السلام: (بالغ في المضمضة

والاستنشاق، إلا أن تكون صائما)، رواه لقيط بن صبرة، فلولا أن الماء إذا وصل أفطر، لم يكن للنهي عن سببه بمعنى. 6778 - قالوا: نهى عن المشاتمة في الصوم، وإن كانت لا تفطر. 6779 - قلنا: لأنها معصية نهى عنها، حتى لا يبطل ثوابه، والصيام فيه، قربة، لنا يجوز أن يكون النهي عنها حتى لا يقع بها الفطر؛ ولأن المشروب وصل إلى جوفه مع ذكره للصوم، كما لو شرب بنفسه. 6780 - فإن قيل: إذا شرب فقد حصل الفطر بفعله، وهذا مغلوب عليه، وقد فرق بينهما، بدلالة: من استقاء، ومن ذرعه القيء ومن احتلم، أو استمنى. 6781 - قلنا: هذا فاعل للسبب على وجه يمكن الاحتراز من المسبب. ألا ترى: أن الماء يصل بالنفس، ويمكنه أن يتنفس ثم يتمضمض، فصار كالمستقيء ويبطل بمن قبل فأنزل؛ لأن القبلة توجد بفعله، ثم يصير مغلوبا على تحرك الشهوة، ومع ذلك لا يمنع الإفطار. ولأنه عذر لا يوصف بالنسيان، كالحيض؛ وإن لم يكن

باختياره، كالمقبل أنه مأذون في القبلة إذا أمن، فإذا فعلها وهو ممن يأمن فأنزل فهو مغلوب، ومع ذلك يفطر. 6782 - فإن قيل: القبلة منهي عنها والمضمضة مأذون فيها. 6783 - قلنا: نحن قسنا على القبلة فيمن يأمن على نفسه، وذلك مأذون، وهذا الكلام هل يصح ممن يسوي بين المبالغة وغيرها؟ لأن المبالغة منهي عنها، وما يصل بها لا يفطر عنده. 6784 - فإن قيل: هذا يبطل إذا نظر فأنزل. 6785 - قلنا: لم يؤذن له في النظر على وجه يأمن، بل أذن له فيها مطلقا. 6786 - احتجوا: بقوله عليه [الصلاة و] السلام: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه). 6787 - قلنا: المراد: مأثم الخطأ، وليس المراد به: حكم الخطأ، وقد بينا ذلك فيما تقدم. ولأن المعنى المفطر ليس يقف على فعله، وإنما يقف بوصول واصل إلى الجوف وذلك لا يوصف بعمد ولا خطأ، فلا يتناوله الخبر. 6788 - قالوا: وصل إلى جوفه بغير اختياره، فوجب أن لا يفطر، أصله: الذباب وغبار الطريق والدقيق. 6789 - قلنا: الذباب يصل على وجه لا يفطر؛ لأنه يخرج حيا على هيئته، فلم يفطر وصوله، والماء لا يصل على وجه لا يفطره، ولأنه لا يخرج على هيئته، فلذلك فطره وصوله. ولأن الذباب مختلف في بقاء الصوم مع عمده، فجاز أن يخف حاله عند عدم القصد، والطعام والشراب لا يسوغ الاجتهاد في بقاء الصوم مع حال

العمد، فجاز أن يفطره عند عدم القصد. ولأن ما لا يقصد به الأكل، والشرب، حكمه أخف ممن يقصده فلم يجز إلحاق التبع بالمتبوع، فترتب الحكم، فإذا تناول ما يقصد بالتناول باختياره أفطر ولزمته الكفارة. فإذا [وصل بغير اختياره، فالقضاء، دون الكفارة، وما لا يقصد بالتناول إذا] وصل باختياره فطره، ولم يلزمه الكفارة وإن وصل بغير اختياره، لم يفطره. 6790 - قالوا: الفطر يقع بالواصل والخارج- وهو القيء- ثم ثبت ان الفطر بالخارج يقع في حق المختار، دون المغلوب، فكذا الواصل. 6791 - قلنا: القيء يوجد سببه باختياره، وقد يحصل المسبب، ولا يحصل السبب، وإذا حصل غلب وأفطر، كذلك المضمضة تحصل باختياره، وقد يصل منها وقد لا يصل، فإذا وصل مغلوبا أفطر، فلا فرق بينهما. 6792 - قالوا: هذا اعذر من الناسي. 6793 - قلنا: بل الناسي أعذر منه؛ لأن الإنسان لا يمكنه أن يحترز من النسيان ويمكنه الاحتراز من وصول الماء بالمضمضة. * * *

مسألة 387 إذا أقطر في إحليله لم يفطر كالحجامة

مسألة 387 إذا أقطر في إحليله لم يفطر كالحجامة 6794 - قال أصحبنا: إذا أقطر في إحليله لم يفطر، كالحجامة ولأن ما يقطر في الإحليل لا يصل إلى الجوف ولا الدماغ، فصار كالجراحة التي لا تنفذ. 6795 - احتجوا: بأنه مفسد يقع الفطر بالخارج منه، فكذلك بالواصل، كالفم. 6796 - قالوا: ولأن الفطر بالواصل أعظم، بدلالة: الذي يفطر بالواصل منه دون الخارج، فإذا أفطر في مسألتنا بالخارج [فالواصل أولى .. 6797 - قلنا: عن أردتم أنه يفطر بالواصل منه دون الخارج، فإذا أفطر في مسألتنا

بالخارج]، فالواصل إلى الجوف أولى وإن أردتم الواصل مطلقا، بطل بما وصل إلى الفم، ولم يصل إلى الجوف لا يقع به الفطر. * * *

مسألة 388 إذا اشتبهت الشهور فصام قبل رمضان لم يجزئه

مسألة 388 إذا اشتبهت الشهور فصام قبل رمضان لم يجزئه 6798 - قال أصحابنا: إذا اشتبهت الشهور فصام قبل رمضان، لم يجزه. 6799 - وهو ظاهر مذهب الشافعي، وله قول آخر: غنه يجيزه إذا علم بعد مضي رمضان، فإن علم قبل مضيه لم يجزئه. 6800 - لنا: أنه أدى العبادة قبل وجوبها، ووجود سبب وجوبها، فصار كمن أداها مع العلم، أصله: الصلاة قبل الوقت. ولا يلزم العصر بعرفة؛ لأنه يؤدى قبل وقتها مع العلم، ولأنه صام قبل وجوب الصوم، فلم يجزئه، كمن صام في الكفارة قبل الحرج. ولأنها عبادة مؤقتة، فأداؤها قبل وقتها باجتهاد كأدائها مع العلم، أصلها: الصلاة. ولأن كل عبادة تتعلق بأدائها وجوبها لم يتعين ذلك إذا علم بوقتها، كالزكاة. 6801 - احتجوا: بأنها عبادة تجب في إفسادها الكفارة، فإذا أداها باجتهاد قبل وقتها أجزأه، كالحج. 6802 - قلنا: هذا غير مسلم؛ لأن عندنا إن وقفوا يوم النحر جاز، وإن وقفوا

يوم التروية لم يجز، فالحج والصوم سواء. 6803 - فإن قالوا: في الحكم فوجب أن يجوز فيها حال الاشتباه ما لا يجوز في غيرها. 6804 - قلنا: بموجبها في جواز الصوم عن رمضان قبل أن يعلم بدخول وقته. * * *

مسألة 389 إذا أفاق المجنون في شهر رمضان لزمه قضاء ما مضى منه

مسألة 389 إذا أفاق المجنون في شهر رمضان لزمه قضاء ما مضى منه 6805 - قال أصحابنا: إذا أفاق المجنون في شهر رمضان، لزمه قضاء ما مضى منه، وإن استوعب الجنون الشهر لم يلزمه. 6806 - وذكر في المنتقى عن أبي يوسف: أن المجنون الأصلي والطارئ سواء. وروى ابن سماعة عن محمد: أن من بلغ مجنونا ثم أفاق في بعض الشهر، لم يلزمه القضاء، كالصبي إذا بلغ. 6807 - وقال الشافعي: يصوم ما بقي، ولا يقضي بعضه. ومن أصحابه من قال: يقضي، وإذا طرأ الجنون على الصوم أبطله، كالحيض.

6808 - لنا: قوله تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}، وهذا عام فيمن شهد بعضه أو كله، يقال: شهدت الحرب، وشهدت الجماعة. وإن أدرك بعضها، فاقتضت الآية وجوب جميع الصوم على من شهد بعضه أو جميعه. 6809 - فإن قيل: المراد بالآية من شهده بالإفاقة. 6810 - قلنا: والتكليف مراد، فكأنه قال: من شهده بالإفاقة مكلفا، وهما لا يتنافيان، وكذلك نقول. 6811 - فإن قيل: المراد بالآية: فمن شهد بعض الشهر، فليصم ذلك البعض. 6812 - قلنا: إذا كان قوله: {فمن شهد} عام، فمن شهد البعض مثله؛ لأن قوله: (فليصم) كناية واحدة، ولا يراد بها أمران مختلفان. 6813 - ويدل عليه قوله تعالى: {فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر}، والجنون نوع مرض، فاقتضت الآية وجوب القضاء على المجنون بكل حال إلا ما منع منه دليل. 6814 - فإن قيل: الجنون عارض في العقل، وليس بمرض. 6815 - قلنا: هو عارض في البدن، يغير العقل، وهو فساد، خلط السوء يبين ذلك: أن من وقف على مداواة المرض جاز صرف وصفه إلى مداواة المجانين، ولأنه معنى لا ينافي حكم الحول، فلا يمنع وجوب قضاء الصوم، كالحيض، والجنون،

والإغماء وعكسه الكفر إذا كان سببه معصية. ولأنها عبادة لا تجب في السنة إلا مرة. فإذا اعترض الجنون في وقتها لا يسقط فرضها عنه، كالزكاة، والحج. ولأنه ركن من أركان الشريعة مؤقت فإذا أدرك بالإفاقة جزءا من أول الوقت؛ لأن ذلك ليس بوقت للوجوب ولأن كل معنى إذا حصل بسبب معصية لم يقف القضاء، كذلك إذا حصل بغير معصية كالنفاس. 6816 - والدليل على أن النية إذا صحت من الليل لم يناف الجنون الصوم؛ لأنه معنى ينقض الطهارة الصغر دون الكبرى، فلا ينافي الإمساك، فصار كالنوم. ولأن الجنون لا ينقض الطهارة الكبرى، ولا يحبط ثواب الأعمال، ولا يضاد الإمساك، ولا يبطل الصوم، كالمرض والنوم. ولا يلزم القيء لأنه ينافي الإمساك مما يتراجع منه إلى الجوف. 6817 - وإذا ثبت هذا قلنا: ما لا ينافي صحة النوم لا ينافي القضاء، كالنوم والإغماء. ولا يلزم إذا أطبق الشهر؛ لأن المانع ليس هو الجنون، وإنما المانع: أنه لم يدرك جواز وقت العبادة بالتكليف. ولأن اعتراض الجنون في بعض الشهر لا يمنع وجوب صومه، أصله: إذا جن بالليالي. 6818 - احتجوا: بقوله عليه/ [الصلاة و] السلام: (رفع القلم عن ثلاثة، عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق).

6819 - قلنا: هذا يقتضي ارتفاع الخطاب عنه في حال جنونه، والكلام بيننا في وجوب القضاء عند إفاقته، والخبر لا يدل على هذا. 6820 - فإن قيل: إذا لم يخاطب بالأصل لا يخاطب بالقضاء. 6821 - قلنا: يبطل بالحائض، والنفساء، والمغمي عليه، والمريض، والنائم. 6822 - قالوا: معنى إذا وجد في جميع الشهر لم يجب قضاءه، فإذا وجد في بعضه لم يجب قضاؤه، أصله: الصغر والكفر، وعكسه النفاس. 6823 - قلنا: إذا جن بالليل فأفاق في كل يوم قبل الفجر، فلم يبق هذا العارض، لو غم الشهر لم يجب القضاء، وإذا وجد في بعضه وجب القضاء، ولأنه إذا وجد في جميع الشهر، لم يدرك بالتكليف جزءا من وقت العبادة، وإذا أفاق فقد أدرك جزءا منها، وفرق في الأصول بينهما، بدلالة الصلاة. 6824 - وقد بينا فيما مضى أن الصوم في الشهر عبادة واحدة وأن جزءا منها واحد. ولأن البلوغ جعل في الشريعة حدا للخطاب، فلم يجز أن يوجب ما تقدم عليه؛ لأنه إبطال للحد الشرعي، والإفاقة لم تجعل في الشرع حدا للتكليف بدلالة: أن الخطاب قد يتقدم على الجنون، فتثبت التكليف، ثم يسقط ويعود، فلم تكن الإفاقة جزءا، وإيجاب ما تقدمها لا يمنع، فأما الكفر فجميعه ينافى القرب ويبطلها، فإذا زال لم يجز إيجاب ما تقدم. ولأن الإسلام جعلته الشريعة مسقطا

لما تقدم عليه في التفريط في القرب، فلم يجز إيجاب القضاء مع وجود المعنى المسقط؛ والإفاقة ليس كذلك، فإنها لا تسقط عن ذمة المجنون ما تقدم عليها فعلا له قضاء ما كان عليه قبل جنونه. ولأن الجنون له شبه بالإغماء؛ لأنه يطول ويقصر ويؤثر في التمييز، وله شبه بالصغر؛ لأنه يستحق الولاية فأعطى الشبه. 6825 - فقلنا: إن استغرق الوقت ألحقناه بالصغر، وإن لم يستغرق ألحقناه بالنوم. 6826 - قالوا: صوم فات في حالة جنونه، فلا يجب قضاؤه، أصله: إذا استغرق جميع الشهر، وإذا أفاق المجنون الأصلي في بعض الشهر. 6827 - قلنا: قد بينا الفرق بين استغراق المدة بالجنون وبين الإفاقة في بعضها وقصرناه بوقت الصلاة. فأما إذا بلغ الصبي مجنونا فأفاق في بعض الشهر، فقد بينا أن عليه القضاء على ما روي عن أبي يوسف، وهو الصحيح فأما على قول محمد فإن الجنون إذا تخلل بين التكليفين صار عارضا، فمتى زال في الوقت فكأنه قال: لم يعرض فيه، وإذا بلغ واستمر به الجنون، فالبلوغ لم يؤثر في التكليف، فصار حال الإفاقة كابتداء البلوغ. * * *

مسألة 390 يستحب السواك للصائم أول النهار وآخره

مسألة 390 يستحب السواك للصائم أول النهار وآخره 6828 - قال أصحابنا: يستحب السواك للصائم أول النهار وآخره. 6829 - وقال الشافعي: يستحب في أوله، ويكره في آخره. 6830 - لنا: ما روت عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (خير خصال الصائم السواك). وهذا عام في أول النهار وآخره. ولأن السواك خير خصال غير الصائم، فتخصيص الصائم لا فائدة له، إلا أنه يزيل الرائحة حتى لا يتأذى به الناس والملائكة إذا قرأ القرآن. 6831 - ويدل عليه: ما روى إبراهيم بن يوسف البلخي، أخو عصام بن يوسف.

6832 - قال: حدثنا أبو إسحاق: قال: سألت عاصما الأحول أيستاك الصائم؟ قال نعم [قلت: برطب السواك ويابسه؟ قال: نعم، قال: قلت: أول النهار وآخره؟ قال: نعم [قلت: عمن؟ قال: عن أنس بن مالك، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. 6833 - وقولهم: أبو إسحاق ضعيف، ليس بشيء؛ لأنه فقيه، روى عنه إبراهيم ابن يوسف، وهو فقيه. [وأصحاب الحديث يطعمون على من يكتب الفقه ويفتي بالرأي. ولأنه تطهير للفم لا يكره أول النهار، فلا يكره أخره، كالمضمضة]. أو نقول: تطهير للفم، فلا يختلف بالغداة والعشي؛ ولأن ما لا

يكره للصائم فعله قبل الزوال لا يكره بعده كالمضمضة، وعكسه المبالغة. ولأنه تطهير سن في أول النهار للصائم، فلا يكره آخره، كالاستنشاق. 6834 - احتجوا: بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. 6835 - قلنا: هذا لا دلالة فيه، فإن الله تعالى مدح الصائم، فبين عليه [الصلاة و] السلام أن الرائحة التي تكره منه أفضل عند الله من الرائحة الطيبة. وهذا يدل على أنها لا تزال، ألا ترى أن المضمضة تخففها ثم لا تكره، والأكل بالليل يزيلها ولا يكره، فكذلك لا تكره إزالتها بالسواك. 6836 - ولأن الخلوف الممدوح عليه، هو رائحة الفم من خلو المعدة، والسواك يزيل وسخ الأسنان، ولا يزيل ما كان من المعدة، فلم يصح استدلالهم. 6837 - احتجوا: بحديث ذكره الدارقطني، عن أبي عمر كيسان عن يزيد بن هلال عن علي - رضي الله عنه - قال: (إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي فإنه ليس من صام تيبس شفتاه بالعشي إلا كانت نورا بين عينيه يوم

القيامة). 6838 - قال: ورواه كيسان أبو عمرو، عن عمرو بن عبد الرحمن عن كتاب عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا كتاب لا يحل أن يخلط بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يغتر بها. فإن كيسان هو أبو عمرو، الذي ينسب إليه الكيسانية، وهو مشهور بالكفر، ومن قال: بنبوة المختار، وكان سادن الكرسي الذي زعم المختار، أنه في هذه الأمة كالتابوت في بني إسرائيل، وكيسان لعنه الله قتل محمد بن عمار بن ياسر بالسيف؛ لأنه قدم عليهم وكذبوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحاديث وقالوا له: ترويها عن أبيك، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فأبى. 6839 - فقالوا: فنرويها وأنت حاضر، فتمسك فامتنع، فقام له كيسان بالسيف فقتله، فكيف يستحسن ذكر هذا في كتاب العلماء؟ ولولا خوفي أن يغتر به من لا يعرفه لم أتشاغل بذكره لشهرة حاله. 6840 - قالوا: فقد روى نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما (أنه كان يستاك ما بينه وبيني الظهر، ولا يستاك بعد ذلك). وهذا لا يكون إلا توقيفا.

6841 - قلنا: يجوز أن يكون تأول حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - إن ثبت هذا عنه. 6842 - قالوا: عبادة يتعلق عملها بالفم، فكان للصوم تأثير فيها، كالمضمضة. 6843 - قلنا: فلا يمنع الصوم من أصلها، كالمضمضة. أو نقول: فإذا أمن منها إفساد الصوم لم يمنع منها، كالمضمضة. 6844 - قالوا: أثر عبادة، فوجب أن تكون إزالته، كدم الشهيد. 6845 - قلنا: لما فارق دم الشهيد في جواز إزالته بالفطر، ودم الشهيد لا يزال بحال، دل على اختلافهما. ولأن دم الشهيد منع من إزالته ليكون علامة عليه في الآخرة، وهذا المعنى لا يوجد في الخلوف. ولأن الدم من أثار عبادة ظاهرة فجاز أن تشرع تبقيته والخلوف أثر عبادة باطنة فلم تشرع تبقيته أثرها. * * *

مسألة 391 إذا دخل في صوم التطوع وجب عليه بالدخول وإن أفسده لزمه القضاء

مسألة 391 إذا دخل في صوم التطوع وجب عليه بالدخول وإن أفسده لزمه القضاء 6846 - قال أصحابنا: إذا دخل في صوم التطوع وجب عليه بالدخول، وإن أفسده لزمه القضاء، وكذلك صلاة التطوع. وهل يكره له الفطر من غير عذر؟ ذكر في المنتقى عطفا على قول أبي حنيفة: إذا أصبح صائما تطوعا، ثم بدا له أن يفطر، فلا بأس بذلك، ويقضيه. وكان أبو بكر الرازي يقول: إنه لا يكره له الفطر من غير عذر؛ إلا أن العذر أخف من العذر في ترك الواجب، فإن دعاه صديقه إلى طعامه، فخاف أن يوحشه بالامتناع، جاز أن يفطر. 9847 - وقال الشافعي: لا يجب عليه ذلك بالدخول، فإن خرج منه لم يجب عليه القضاء. والكلام يقع في ذلك في ثلاثة فصول.

6848 - أولها: وجوبه بالدخول. 6849 - والثاني: أنه ممنوع من إبطاله بغير عذر. 6850 - والثالث: وجوب القضاء بإبطاله. 6851 - والدليل على وجوبه عليه: ما روى طلحة بن عبيد الله [- رضي الله عنه -] (أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن الفرائض)، إلى أن قال: (فهل على غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع) والاستثناء من النفي إثبات، فصار تقديره: إلا أن تطوع فيجب عليك. ولأنها عبادة تجب بالدخول، كالحج. 6852 - فإن قيل: الحج يمضى في فساده، والصوم بخلافه. 6853 - قلنا: هذا الاختلاف لا يمنع من تساويهما بالنذر. 6854 - فإن قيل: الحج لا يقدر على التحلل منه، والصوم بخلافه. 6855 - قلنا: لو دخلت امرأة في حجة تطوع، فحللها الزوج، لم يسقط الوجوب مع إمكان الخروج منها، وكذلك إذا فاته الحج خرج منه ولم يسقط الوجوب. ولأن ما جاز أن يجب به الحج/ جاز أن يجب به الصوم، كالنذر. ولا يلزم وجود الزاد والراحلة، لأن الحج يجب عندنا بإيجاب الله، فأما بها فلا. وإن شئت قلت: معنى من جهة يجوز أن يجب به الحج فجاز أن يجب فيه الصوم، كالنذر. 6856 - قالوا: أوسع، بدلالة: أن من نذر عشرين ركعة، واعتكاف شهر، يلزمه، ولو دخل ينوى ذلك لم يجب عليه. 6857 - قلنا: الموجب هو المنذور، وقد يتناول جميعه، فوجب به، والموجب به علتنا هو الدخول، فما دخل فيه وجب، ولا يصح الدخول في أكثر من ركعتين نافلة، ولا في اعتكاف أكثر من يوم فما لم يوجد الدخول فيه، وإنما وجد في النية دون الدخول فصار كمن وجد فيه نية النذر؛ دون النذر؛ ولأن الدخول معنى المقصود

في القرب، فجاز أن يجب به الصوم، كالنذر. ولأن النذر يراد للمباشرة، فصارت هي المقصود. فإذا وجب الصوم بالنذر، فالمباشرة أولى. 6858 - وأما الدليل على أنه ممنوع من إبطاله: فلقوله تعالى: {ولا تبطلوا أعمالكم}. 6859 - وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (أخوف ما أخاف عليكم شيئان الرياء والشهوة الخفية، قيل: وما الشهوة الخفية؟ قال: أن يصبح أحدكم صائما، يحب أن يفطر على طعام يشتهيه) ولأنه قربة صح الدخول فيها بنية النفل، فلم يجز إفسادها، كالحج. 6860 - قالوا: عندكم لو خلا بامرأته وهو صائم متطوع، استقر المهر، ولو كان حاجا متطوعا لم يجب المهر، فدل: على أن صوم التطوع يجوز إبطاله. 6861 - قالوا: ولو خلا بها في صوم النذر صحت الخلوة، وإن كان واجبا. ولأن صوم التطوع الخروج منه، وثبوت حقها في تقدير المهر بالخلوة عذر. وأما الدليل على وجوب القضاء: فما روى عبد الله بن عمر العمري عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة [رضي الله عنها] قال: (أصبحت أنا وحفصة صائمتين متطوعتين، فأهدى لنا طعام فأفطرنا عليه، فدخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألناه، فقال: اقضيا يوما مكانه).

6862 - فإن قيل: رواه الزهري عن عبد الله العمري، وهو ضعيف. ورواه مالك عن أن شهاب، (أن عائشة وحفصة أصبحتا متطوعين)، وقال سفيان بن عيينة: سئل الزهري عن هذا الحديث فقيل له: أحدثك عروة، قال: لا، وقال ابن جريج: سألت الزهري عن ذلك، فقال: لم أسمع من عروة في ذلك شيئا، ولكن حدثني في خلافة سليمان بن عبد الملك أناس عن بعض من يسأل عائشة. 6863 - قلنا: هذا يقتضي إرسال الزهري للحديث، وذلك لا يقدح في الخبر عندنا. ثم أسنده غير الزهري، رواه الطحاوي عن أبي عمران، عن أحمد بن عيسى المصري، قال: حدثنا ابن وهب عن عمرة، عن عائشة رضي الله عنها فذكر مثل حديث ابن شهاب، غير أنه قال: (فبذرتني حفصة بالكلام، وكانت ابنة أبيها)، فإذن قد روى هذا مقطوعا ومسندا وكل واحد منهم حجة، وروت عائشة بنت طلحة، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (خل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: إنا قد خبأنا لك

حيسا، فقال: أما إني كنت أريد الصوم، ولكن قربة، سأصوم يوما مكانه). 6864 - فإن قيل: قوله: (كنت أريد الصوم)، يدل أنه لم يدخل فيه. 6865 - قلنا: ذاك لا يكون صوما مبتدأ، وهذا الحديث رواه الشافعي، وذكر أنه لم يسمع قوله: (سأصوم يوما مكانه) من سفيان عامة مجالسه، فلما كان قبل موته بسنة عرضته عليه، فأجاز لي سأصوم يوما مكانه). 6866 - فإن قيل: هذا فطر بغير عذر. 6867 - قلنا: يجوز أن يكون به حاجة إلى الطعام، وهذا عذر عندنا، ولأنه صوم شرعي فكان من جنسه ما يجب القضاء بإفساده، كالفرض. ولأنها عبادة صح الدخول فيها بنية النفل، فإذا أفسدها لزمه قضاؤها، كالحج. ولا يلزم إذا ارتد في خلالها؛ لأن القضاء وجب وسقط بالإسلام. 6868 - فإن قيل: تخصيص الدخول بنية النفل لا معنى له في الحج. 6869 - قلنا: واضع العلة له أن يضعها عامة، وله أن يضعها خاصة، وقد يكون الحكم في الأصل أعم منه في الفرع. 6870 - فإن قيل: الحج لا يخرج منه بالفساد. 6871 - قلنا: وجوب القضاء في الحج والصوم، إنما يكون بعد إفسادهما، فقد

تساويا بعد الخروج منهما في الصوم بنفس الفساد، وفي الحج بالفراغ من أفعاله. ثم الحج إذا كان يجب المضي فيه مع أنه أدنى الأفعال فلأن يجب في الصوم ولم يأت بأفعاله أولى. 6872 - فإن قيل: فرض الحج ونفله سواء، بدلالة: وجوب الكفارة في نفل الصوم لا يمنع من وجوب القضاء بإفساده، كما أن فروض الصوم كلها سوى رمضان لا تجب كفارة بإفسادها، وإن وجب إعادتها، والنذر في يوم معين، لا تجب الكفارة بإفساده، ويجب القضاء. 6873 - فإن قيل: الحج لو دخل فيه على أنه عليه ثم أفسده، وجب القضاء، والصوم بخلافه. 6874 - قلنا: لا نسلم بأن الصوم يجب قضاؤه في إحدى الروايتين، وعلى الرواية الأخرى: تأكد الحج على الصوم لم يمنع من وجوبهما بالنذر، كذلك بالدخول. ولأنه أفسد صومه وهو قربة، ولا يثبت أداؤه في الذمة، فوجب أن يلزمه قضاؤه، كما لو أفطر في شهر رمضان، ولا يلزم من دخل في صوم يوم النحر؛ لأنه ليس بقربة. ولأنها عبادة تجب بإفسادها الكفارة، فجاز أن يجب القضاء بإفساد نفلها، كالحج. 6875 - احتجوا: بما روي عن أم هانئ: قالت: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وأنا صائمة، فناولني فضل شرابه فشربت، فقلت يا رسول الله: إني كنت صائمة، وإني كرهت أن أرد سؤرك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن كان قضاء من رمضان فصومي يوما مكانه، وإن كان تطوعا: فإن شئت فاقضيه، وإن شئت فلا تقضيه). 6876 - والجواب: إن هذا خبر مضطرب في إسناده ومتنه، روى اللفظ الذي احتجوا به: حماد بن سلمة عن سماك بن حرب عن هارون بن أم هانئ، أو ابن

بنت أم هانئ، ورواه أبو عوانة عن سماك بن حرب، عن ابن أم هانئ، عن جدته أم هانئ، وقال فيه: (تقضين عنك شيئا. قال: لا، قال: لا يضرك). 6877 - وروى قيس بن الربيع عن سماك بن حرب وذكر فيه: (هل تقضين يوما من رمضان؟ فقالت: لا، فقال: لا بأس). ورواه أبو الأحوص عن سماك كذلك، فهؤلاء ثلاثة. وروى الحسن عن سماك وخالفوا حمادا فيه، وذكروا: أنه لا بأس بالفطر ولم يذكروا القضاء. وأبو الأحوص متصل عن حماد بن سلمة، فأما أبو عوانه وقيس بن الربيع، فهما في الصحيح، ولم يخرج حمادا في الصحيح، ورواية هؤلاء أوفى. روى الحديث شعبة عن جعدة، وهو ابن

أم هانئ [الذي روى عنه سماك. قال شعبة: قلت لجعدة: سمعت أم هانئ،] قال: لا، حدثناه أهلنا. قال شعبة: وكان سماك يرويه عن ابن أم هانئ فلقيت أفضلهما فحدثني به، فقد بين شعبة: أنه مرسل، فلا يصح التعلق به على أصلهم. وقد روى ابن أم هانئ القصة بعينها وقال فيها: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الصائم المتطوع أمير نفسه، إن شاء صام، وإن شاء أفطر). وهذا اضطراب في السند والممتن. ثم أم هانئ أسلمت يوم الفتح، وكان الفتح في رمضان، فكيف تكون صائمة عن قضائه، وكيف يلزمها القضاء إن أسلمت؟ فبان بهذا فساد الخبر واضطرابه. 6878 - فإن قيل: في خبرنا إني دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم تقل: يوم الفتح. 6879 - قلنا: الراوي للخبر سماك بن حرب، وهذا يدل: أن القصة واحدة، وإنما ذكر إحدى الروايتين عنه يوم الفتح، وسكت الراوي الآخر عن ذلك. 6880 - فإن قيل: قد أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة إلى شوال، فيجوز أن يكون هذا في شوال. وقوله: (يوم الفتح) يعني: أيام الفتح. 6881 - قلنا: يوم الفتح ظاهره اليوم الذي وقع الفتح فيه، وما بعده يقال: عام الفتح. ثم إن أصل الخبر إن كان قوله: (الصائم أمير نفسه)، فهذا لا دلالة فيه على إسقاط القضاء، فإن استدلوا به في إباحة الفطر.

6882 - قلنا: عندنا: بعد الدخول وجب، فلا يكون متطوعا. ولأن قوله: (الصائم) ظاهره يقتضي من دخل في الصوم، وظاهر قوله: (إن شاء صام) يقتضي ابتداء الصوم فنحن نحمل اللفظ/ الأول على المريد للصوم، وذلك مجاز، فتساويا، على أن ما قلناه أولى؛ لأن المريد لصوم النافلة هو بالخيار بين أن يصوم، أو لا يصوم على وجه سواء ومن دخل في النفل لا يخير بين البقاء عليه والخروج منه على وجه واحد؛ لأن البقاء أفضل منه بإجماع. 6883 - وأما قوله: (فإن كان متطوعا فلا بأس) فليس فيه دليل على إسقاط القضاء. 6884 - فإن استدلوا به على إباحة الفطر، قلنا: أمرها عليه [الصلاة و] السلام، فصار ذلك عذرا أباح به الرخروج من الصوم، وإن ثبت لفظ حديث حماد بن سلمة، وهو قوله: (إن كان تطوعا فلا بأس، فإن شئت فاقضه، وإن شئت فلا). 6885 - والجواب عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرها بالشرب، فوجب عليها الفطر ومتى وجب الفطر لم يجب قضاء التطوع، كمن دخل في صوم يوم النحر ثم أفطر. 6886 - قالوا: روى مثل قولنا عن عمر، وابن عمر، وابن عباس، وابن مسعود - رضي الله عنهم -. 6887 - قلنا: ذكر الطحاوي بإسناده، عن ابن سيرين أنه قال: (صمت يوم عرفة فجهدني الصوم فأفطرت، فسألت عن ذلك ابن عباس وابن عمر فقالا: اقض يوما مكانه).

6888 - قالوا: عبادة يخرج منها بالفساد، فلم يلزمه الدخول فيها، كمن أحرم بالظهر يعتقد أن الشمس قد زالت، أو صام يوما فظنه من رمضان فإذا هو من شعبان. 6889 - قلنا: خروجه منها بالفساد لا يمنع وجوبها بالدخول، كما لا يمنع بالنذر. وعلى أن من دخل في صوم، أو صلاة على أنها عليه، فيه روايتان. إحداهما: انه يجب. عليه الدخول، فعلى هذا لا فرق بينهما، وعلى الرواية الأخرى: إذا دخل بنية الواجب فلم يبتدئ التقرب به وإنما أن سقط الواجب، فإذا بان أنه لا واجب اشتبهت القربة فلم يلزمه المعنى، والداخل في النفل ملتزم القربة ابتداء فلزمه ما التزمه كما لو نذر الحج ولا يعترض على هذا. 6890 - قلنا حج الإفراد إذا دخل يظن أنه عليه لا يجب عندنا بالدخول وإنما يجب بمعنى آخر قالوا: كل صوم إذا أتمه كان تطوعا وإذا لم يتمه لم يجب قضاؤه قياسا على من دخل في صوم يظن أنه عليه. 6891 - قلنا لا نسلم أن هذا الصوم إذا أتمه كان متطوعا لأنه يجب الدخول. فإذا أتمه أدى ما وجب عليه والكلام على الأصل ما مضى. 6892 - فإن قيل: فإذا دخل على أنه واجب، فقد اعتقد الوجوب في الحال، واعتقد وجوب المضي، فهو الإيجاب أولى. 6893 - قلنا: لم يعتقد إيجاب شيء، وإنما اعتقد إسقاط الواجب عنه، فإذا سقط الوجوب لم يبق التزام. وفي الصوم المبتدأ التزم، فلزمه بالتزامه. 6894 - فإن قيل: لو صح هذا، لم يجب المضي على الحج إذا دخل على أنه عليه. 6895 - قلنا: فرقنا في الوجوب بالدخول، وهناك لا يجب بالدخول، وإنما يجب لابتداء الحج، لا ينفرد بنفسه، فإذا دخل فيه ثم تبين أن لا وجوب، لم يصح أن يكون

الإحرام فيه قربة في نفسه، حتى تقضى عليه فلم يكن بد من إتمامه، والجزء الأول من الإمساك: يجوز أن يكون قربة وإن لم يتم به صوما، بدلالة وجوب الإمساك على الفطر في رمضان، واستحباب الإمساك عن الأكل يوم النحر حتى يعود من المصلى، فإذا النهي ما دخل، اقتصر عليه، فكان قربة في نفسه وكذلك الجزء الأول من الصلاة ثم بان أنها ليس عليه اقتصر على جزء، وهو قربة، وفي الإحرام بخلافه؛ ولأن الحج يجوز أن يفعل قبل وجوبه، فيقع عنه الواجب، كالفقير إذا حج، فجاز أن يفعله على أنه قد وجب عليه، فيلزمه، وأما الصوم والصلاة، فإذا فعلت قبل سبب وجوبها لم يقع عن الواجب، فإذا فعلت على أنها واجبة ولا وجوب، لم يجب عليه. 6896 - قالوا: أفسد صوم التطوع، فلم يجب عليه قضاؤه، كمن ارتد. 6897 - قلنا: المرتد وجب عليه القضاء، وسقط عنه بالإسلام، كما يسقط عنه سائر الواجبات، وقد قاسوا على من دخل في الإسلام، وهذا لا يصح. ولأن في إحدى الروايتين يصح قليل الاعتكاف وكثيره، فعلى هذا لم يدخل إلا في الجزء الذي فعله، وعلى الرواية الأخرى: لا يصح الاعتكاف أقل من يوم، فعلى هذه الرواية إذا دخل فيه ثم أفسده وجب عليه القضاء، وإن قاسوا على الطهارة فكل جزء منها ينفرد بالتقرب به، فلم يكن داخلا في جملته. ولأن من دخل في الطواف وعندنا يجب عليه بالدخول سبعة أشواط، ذكر ذلك محمد في الرقيات. * * *

مسألة 392 إذا أصبح المقيم صائما ثم سافر فجامع لم تجب الكفارة

مسألة 392 إذا أصبح المقيم صائما ثم سافر فجامع لم تجب الكفارة 6898 - قال أصاحبنا: إذا أصبح المقيم صائما ثم سافر فجامع، لم تجب الكفارة. 6899 - وقال الشافعي: تجب الكفارة. 6900 - لنا: أن السفر معنى مبيح للفطر في الجملة، وسبب الإباحة إذا قارن ما يسقط بالشبهة سقط وإن لم يبح، كوطء الجارية المشتركة، والوطء بعقد فاسد. 6901 - فإن قيل: الكفارة آكد وجوبا من الحد؛ لأن من جامع ملكه لم يحد وتجب الكفارة. 6902 - قلنا: ذاك ليس لتأكدها، ولكن الملك [ليس بسبب لإباحة الوطء في الصوم، فمقارنة الوطء لا يسقط، والملك] سبب للإباحة في غير العادات، فإذا وجد أسقط الحد. ولأنه وطء في حال السفر، كمن كان مسافرا في أول النهار. 6903 - قالوا: هناك الفطر مباح، لا يدل على وجوب الكفارة، كمن جامع في صيام واجب من غير رمضان، وكمن جامع بعد أن أكل ناسيا فظن أنه يفطره. ولأنه

معنى: لو وجد في أول النهار أسقط الكفارة عن الواطئ، كذلك إذا وجد في أثنائه، أصله: الإغماء والمرض. ولأن كل حالة لو أفطر فيها بالأكل لم تجب الكفارة، فإذا أفطر بالجماع مثله، كما لو سافر في أول النهار. 6905 - قالوا: معنى طرأ على الصوم، لم يؤثر في وجوبه، فوجب أن لا يمنع تعلق الكفارة به، أصله: إذا سافر مسيرة ستة عشر فرسخا، وربما قالوا: سفر لا يبيح الفطر. 6906 - قلنا: لا يمتنع أن يجب الصوم، وتسقط الكفارة بشبهة مقارنة، كمن أكل ناسيا ثم جامع. وأصلهم: لا تعرف الرواية فيه ويجوز أن يقول: إنه شبهة، وإن لم يبح الفطر فتسقط الكفارة، ولا نسلم الأصل. وإن قلنا: الكفارة واجبة، فالمعنى فيه: أنها مدة لا يستوفى فيها رخصة مسح المسافر، فلا يكون طرآنها شبهة في سقوط الكفارة، والسفر الطويل بخلافه. * * *

مسألة 393 إذا جومعت المرأة النائمة أو أكرهت، أو صب في حلق النائم الشراب، أو أوجر المستيقظ مكرها أفطر

مسألة 393 إذا جومعت المرأة النائمة أو أكرهت، أو صب في حلق النائم الشراب، أو أوجر المستيقظ مكرها أفطر 6907 - قال أصحابنا: إذا جومعت [المرأة] النائمة، أو أكرهت، أو صب في حلق النائم الشراب أو أوجر المستيقظ مكرها أفطر. 6908 - وقال الشافعي: لا يفطر، وإن أكرهت فشربت بنفسها، فيه قولان. 6909 - لنا: أنها جومعت ذاكرة للصوم، فصارت كالمطاوعة. ولأنه عذر لا يوصف بالنسيان، فلا يمنع وقوع الفطر بالإجماع، كالمريض. ولأن ما يفسد الصوم حال اليقظة يفسده حال النوم، كالحيض، وعكسه الغبار. 6910 - فإن قيل: الحيض لا يبطل الصوم، ولكن يخرج الزمان من أن يكون زمانا

للصوم، كزمان الليل. 6911 - قلنا: هو معنى يتنافي الصوم فيبطله؛ لأن خروج ما ينقض الطهارة الكبرى يبطل الصوم، كالمنى. 6912 - احتجوا: بحديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الله تجاوز لأمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه). 6913 - الجواب: ما قدمناه، أن نفس الفعل غير مرتفع، فاحتمل أن يكون معناه: رفع عن أمتي حكم الخطأ وما استكرهوا عليه، ويحتمل مأثمه، وليس أحدهما أولى من الآخر فسقط التعلق به. 6914 - قالوا: معنى حرمة الصوم طرأ بغير اختيار الصائم، فصار كما لو ذرعه القيء. 6915 - قلنا: القيء معنى لا ينقض الطهارة الكبرى، فإذا وجد بغير اختياره لم يفطره، كأكل الناسي. وفي مسألتنا: معنى نادر، فاستوى فيه الاختيار وغيره، كمن جامع فأولج في الموضع المكروه وقد قصد غيره. 6916 - قالوا: كل معنى إذا فعله الصائم باختياره فطره، فإذا وجد بغير اختياره لم يفطره، كالذباب، والغبار. 6917 - قلنا: ليس بمقصود للتناول، فاختلف فيه الاختيار وغيره. وفي مسألتنا: هي مقصود بالتناول، فاستوى الأمران. ولأن الذباب وصوله لا يفطر؛ فجاز أن يختلف بالقصد وعدم القصد، وفي مسألتنا: الواصل يفطر بوصوله، فاستوى فيه القصد وغيره، ولا يجوز اعتبار هذا بالنسيان؛ لأن النسيان معنى معتاد متكرر لا يمكن التحفظ منه، وهذه أمور نادرة. وقد يمكن التحفظ منها ولم يجتمع فيها الوصفان المجتمعان في أكل الناسي. * * *

مسألة 394 إذا جامع في رمضان ثم مرض مرضا لا يقدر معه على الصوم، أو جن أو حاضت المجامعة، أو نفست، فلا كفارة عليهم

مسألة 394 إذا جامع في رمضان ثم مرض مرضا لا يقدر معه على الصوم، أو جن أو حاضت المجامعة، أو نفست، فلا كفارة عليهم 6918 - قال أصحابنا: إذا جامع في رمضان ثم مرض مرضا لا يقدر معه على الصوم/، أو جن، أو حاضت المجامعة، أو نفست، فلا كفارة عليهم. 6919 - وقال الشافعي: عليهم الكفارة. 6920 - لنا: أن الحيض يخرج من اليوم أن يكون مستحق العين للصوم، فصار كما لو جامع في آخر يوم من رمضان، ثم شهد أنه من شوال. 6921 - فإن قيل: هناك تبينا: أنه لم يكن صائما. 6922 - قلنا: والحيض في آخر اليوم، تبين به أنها لم تكن صائمة؛ لأن صوم بعض يوم لا يصح. ولأنه جماع في يوم حيضها، كما لو جامعها بعد الحيض. ولأنه

معنى: لو تقدمه الأكل لم يخاطب الكفارة، كالمسافر إذا أقام. ولأن الكفارة لا تجب إلا بإفساد صوم يوم كامل الحرمة، ووجود هذه المعاني في آخر النهار تؤثر في حرمة اليوم، تمتنع الكفارة، كما لو جامع في غير رمضان. 6923 - احتجوا: بان النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للأعرابي: (أعتق رقبة)، ولم يقل له: إن لم يمرض. 6924 - قلنا: ليس في الخبر أنه جامع في ذلك اليوم، فيجوز أن يكون الجماع تقدمه، وعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك. ولأن الصحة موجودة، وليس للمرض أمارة، والإيجاب على الإطلاق. وإن جاز أن يحدث شبهة، كما أن الزاني يجب عليه الحد، وإن جاز أن يدعى شبهة تسقط الحد عنه، أو يرجع عن إقراره، ولا يمنع ذلك الأمر بجلده. 6925 - قالوا: معنى طرأ بعد وجوب الكفارة في الحقيقة، وإنما وجبت في الظاهر. 3926 - وكيف يقال: لا يسقطها، وكيف نسلم إطلاق قوله: (وجبت)؟ فإن أرادوا الوجوب الظاهر، انتقض بشهادة الشهود أن اليوم من شوال؛ ,لأن المرض بالليل لا يتصل بصوم النهار حتى يصير شبهة فيه، والمرض بالنهار يتصل ببعض النهار في سقوط استحقاق الصوم ببعض، فيصير تأخر المرض، وتقدمه سواء. 6927 - فإن قيل: الصوم فسد بالوطء، فحصل المرض ولا صوم، فلا يؤثر في اليوم، ألا ترى: أن الجنب إذا جامع لم يؤثر الجماع الثاني؛ لأن الطهارة أسقطت بالأول، فلم يؤثر الثاني فيها. 6928 - قلنا: لسنا نعني بقولنا: (أن المرض في آخر النهار يتصل بأوله) بمعنى: أنه يؤثر في الصوم، ولكن اليوم لا يتبعض في الصوم، فإذا كان لبعضه صفة زوال الاستحقاق حصلت تلك الصفة لنا فيه. 6929 - فإذا قاسوا بهذه العلة على السفر. قلنا: السفر لا يبيح الفطر من أن يكون مستحقا، فلم يؤثر في الكفارة.

6930 - فإن قيل: لا فرق بينهما؛ لأن السفر لو تقدم الوطء أسقط الكفارة، وإن لم يبح الفطر، ثم يتأخر ولا يكون شبهة. 6931 - قلنا: إذا تقدم السفر سقطت الكفارة، فيقارنه سبب الإباحة والوطء؛ وإن لم يبح، فإذا تأخر السفر لم يوجد هذا المعنى، والحيض: إذا تقدم أخرج اليوم من أن يكون مستحقا، كذلك إذا تأخر. 6932 - وجواب آخر: أن الجنون والمرض كل واحد منهما يوجد بغير فعله، ولا فعل من هو من جنسه. وكذلك الحيض يلحقه نعمة في حق الله تعالى والسفر يوجد بفعله، فاتهم في حق الله تعالى وإذا سوف ربه مكرها، فالسفر بفعل من هو من جنسه وذلك لا يسقط العبادات عندكم، كما لا يسقط العبد فرض الصلاة قائما عنه. 6933 - فإن قيل: المرض المتأخر شبهة فلم يقارن الفعل، فصار كمن زنا بامرأة ثم تزوجها. 6934 - قلنا: يسقط الحد عندنا في إحدى الروايتين. وفي الرواية الأخرى: لا يسقط. فالفرق على هذه الرواية: أن الملك الطارئ لا يتصل بالفعل الموجب للحد، حتى يؤثر فيه، وفي مسألتنا: ما وجد في آخر النهار مما يبيح الفطر يتصل بالزمان الذي وجبت الكفارة بهتكه، فصار شبهة فيه. * * *

مسألة 395 إذا نوى في الصوم الفطر أو الخروج من الصوم لم يفسد صومه

مسألة 395 إذا نوى في الصوم الفطر أو الخروج من الصوم لم يفسد صومه 6935 - قال أصحابنا: إذا نوى في الصوم الفطر، أو الخروج من الصوم، لم يفسد صومه. 6936 - وقال أصحاب الشافعي: يفسد. 6937 - لنا: قوله عليه [الصلاة و] السلام: (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان) و [قال]: (عما حدثت به أنفسنا ما لم يقولوا، أو يفعلوا).

6938 - ولأنها عبادة تجب بإفسادها الكفارة، فلا يخرج منها بنية الإفساد كالحج؛ ولأنها عبادة شرعية فلا يخرج منها بنية الإفساد كالحج. ولأنه نوى إفساد الصوم فلم يفسد، كما لو نوى أن يسافر ويفطر. 6939 - احتجوا: بأن الصوم ليس هو أكثر من النية، فإذا نوى إفسادها زالت النية، فيفسد الصوم. 6940 - والجواب: أن الصوم هو الإمساك، والنية من شرطه ليصير قربة، فإذا تركها فكأنما عزبت عنه بعد صحتها، وسها عنها، فلا يقدح ذلك في صومه. * * *

مسألة 396 إذا قال: لله علي أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان، فقدم قبل الزوال ولم يأكل الموجب، لزم الصوم

مسألة 396 إذا قال: لله علي أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان، فقدم قبل الزوال ولم يأكل الموجب، لزم الصوم 6941 - قال أصحابنا: إذا قال: لله علي أن أصوم اليوم الذي يقدمه فيه فلان، فقدم قبل الزوال ولم يأكل الموجب، لزم الصوم. 6942 - وهذا أحد قولي الشافعي. وقال في قول آخر: لا يلزمه. ولو قال: اعتكاف اليوم الذي يقدم فيه فلان لزمه قولا واحدا. 6943 - لنا: أن النذر المعلق بالشرط، كالموجب عند وجود الشرط حكما، فكأنه قال: بعد قدوم فلان لله علي أن أصوم هذا اليوم. ولأنه شرط، لو علق به الاعتكاف صح فكأنه إذا علق به الصوم صح، أصله: إذا قال: إن شفى الله مريضي. 6944 - احتجوا: بأن فلانا إذا قدم نهارا استحال أن يصوم، فيكون في أول النهار

مفطرا وفي آخره صائما. 6945 - قلنا: يبطل إذا نذر الصوم نهارا؛ ولأن ما تقدم ليس بفطر وإنما هو إمساك مراعي، فغذا وجدت النية صار صوما، ولهذا يصح التطوع بنية من النهار، وقد بينا فيما تقدم: أنه لا يصح ان يكون صائما بعض النهار دون بعض. * * *

مسألة 397 إذا نذر صوم يوم الفطر، والنحر، وأيام التشريق، لزمه النذر

مسألة 397 إذا نذر صوم يوم الفطر، والنحر، وأيام التشريق، لزمه النذر 6946 - قال أصحابنا إلا زفر: إذا نذر صوم [يوم] الفطر، والنحر، وأيام التشريق، لزمه النذر، وقيل له: أوقع الصوم في غيرها، فإن صام فيها سقط موجب النذر. 6947 - وقال الشافعي: لا يلزمه بنذره شيء، وإن نذر صوم كل خميس، فوافق يوم الأضحى لزمه القضاء في أحد القولين. والكلام في هذه المسألة يقع في فصلين: 6948 - أحدهما: أن صوم هذه الأيام يصح. 6949 - والثاني: أن الصوم يجب بإضافة النذر إليها.

6950 - والدليل على الفصل الأول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (نهى عن صومها)، فلولا أن الصوم فيها يوجد لم يصح النهي. ولأنه زمان يصح الصيام في أمثاله، فيصح الصوم فيه، كيوم الشك. 6951 - فإن قيل: أمثال يوم الفطر والنحر. 6952 - قلنا: أمثاله الأيام كلها، والفطر والنحر أفعال يوقع فيها كالصلوات والحج فلا يخرج سائر الأيام أن يكون مثلا له، ولأنه زمان نهي عن الصوم فيه فلم يمنع ذلك وقوع الصوم فيه كيوم الشك، ولا يلزم زمان الحيض؛ لأن الصوم يصح فيه من غيرها والتعليل للوقت لا للشخص. ولأن أيام التشريق اختلف في صومها عن واجب، كيوم الشك. 6953 - قالوا: المعنى في سائر الأيام: أنه لم يخرج الصوم فيها، فكانت قابلة للنذر، وهذه الأيام بخلافه. 6954 - قلنا: الصلاة في الأوقات الثلاثة محرمة، ولا يمنع ذلك من جواز الصلاة فيها [ولأن الصوم إنما منع منه في هذه الأيام؛ لأن الفطر وجب فيها]، فكان تقديم الفطر أولى من الصوم، وهذا كما يقول: إن الصوم واجب في رمضان، فإذا مرض وجب الفطر، فنهى عن الصوم، ولا يمنع ذلك جوازه. 6955 - وأما الدليل على الفصل الثاني: فقوله عليه [الصلاة و] السلام (من نذر نذرا سماه، فعليه الوفاء به). 6956 - فإن قيل: هذا لا يجب عليه الوفاء، وإنما سمى بإجماع. 6957 - قلنا: سمي الصوم، وهذا يقدر على الوفاء به وإن منع منه في الزمان

المسمى كما أن من نذر أن يصلي في الدار المغصوبة يلزمه أن يفي بالصلاة، وإن لم يلزمه بالصفة المعينة. 6958 - وروي أن رجلا سأل ابن عمر فقال: إني نذرت صوم [يوم] النحر فقال: (إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صيام يوم النحر، وأمر الله تعالى بالوفاء بالنذر)، فأعاد السائل سؤاله ثلاثا، فأعاد الجواب ثلاثا. 6959 - وهذا يدل: أنه يجب عليه الوفاء بالنذر في عين هذا اليوم، وإلا فلا معنى لهذا الكلام، ولأنه زمان يصح الصيام في أمثاله. فجاز أن ينعقد النذر بإيجاب صومه، كسائر الأيام، ولا يلزم أيام الحيض. ولأنه يصح انعقاد نذرها من غيرها، والتعليل للزمان لا للشخص. ولأنه يوم يجاوز رمضان، فصح صومه ابتداء، كيوم الشك. ولأن أيام التشريق زمان، يختلف في صومه عن الواجب فجاز أن يلزمه الصوم بنذر صومه ابتداء، كيوم الشك، ولا يمكن القول بموجب العلة فيمن نذر صوم كل خميس؛ لأنا قلنا: ابتداء. احتج المخالف في بطلان النذر، بقوله عليه [الصلاة و] السلام: (لا نذر في معصية). 6960 - قالوا: ونذره في مسألتنا يتناول هذا اليوم، وهو معصية. ولا يجوز إفراد النذر بالإيجاب عن الزمان، كما لو قالت: لله علي أن أصوم أيام حيضي، لم يجز لنا: إيجاب الصوم وإسقاط الزمان الذي عينته.

6961 - والجواب: أنه نذر صوما يوقعه على وجه منهي، وهو يملك إيجاب الصوم، ولا يملك إيجاب المنهي فيجب بالنذر الطاعة، ويسقط بالمعصية، كما لو قال: لله علي حجة أجامع فيها، وصوم يوم أغاب فيه، أو أباشر النساء. 6962 - فأما قولها: (يوم حيضي) فالحيض معنى ينافي الصوم، بدلالة: أنه يعترض الصوم ويبطله، كالأكل، فلم يتضمن نذرها، كمن قال: لله علي أن أصوم بعد الأكل. يبين ذلك: أن قربة الأوقات وفضائلها لا تتعين بالنذر، بدلالة: أن من نذر صوم يوم عاشوراء، فقدمه عليه، جاز عندنا. وعلى المذهبين: إن لم يصم جاز الصوم بعده، ولا يلزم تأخير الصوم إلى اليوم من الستة الثانية، وكذلك النهي المتعلق بالأوقات لا يتعين بالنذر. 6963 - قالوا: يوم لا يحل صومه، فإذا نذر صومه لم ينعقد نذره، أصله: يوم الحيض. 6964 - قلنا: كون الوقت لا تحل العبادة فيه، لا يمنع لزوم النذر المضاف إليه كالأوقات المنهي عن الصلاة فيها، وكمن نذر الصلاة في الدار المغصوبة. والمعنى في الأصل أن الحيض ينافي الصوم منها، فكأنها قالت: لله علي الصوم إذا أكلت؛ ولهذا نقول: إنها إذا أضافت النذر إلى الغد، وكان يوم حيضها، وجب عليها القضاء؛ لأن نذرها أفاد الصوم من غير شرط ما ينفيه، فتعلقه بزمان الحيض لا يمنع وجوبه. 6965 - فإن جعلوا أصل هذه العلة زمان الليل قلنا: الليل معنى يوجب الخروج من الصوم. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إذا أقبل الليل من ها هنا، أفطر الصائم). وما أوجب الخروج من الصوم لم يجب إضافة نذر الصوم إليه. واستدلوا على أن صوم هذه

الأيام لا يجوز: بنهيه عليه [الصلاة و] السلام عن صوم [يوم] الفطر، ويوم الأضحى، ونهى عن صيام خمسة أيام. 6966 - والجواب: أن النهي لا يصح إلا عما يتصور وجوده، فأما ما لا يوجد فلا ينهي عنه، فلا يدل هذا النهي على وجود الصيام على وجه منهي عنه كالصلاة عند الطلوع والزوال. 6967 - فإن قيل: روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (نهى عن الوصال)، ولم يدل ذلك على انعقاد الصوم بالليل. 6968 - قلنا: إنما نهى عن صيام النهار، إذا لم يأكل بالليل، ولم ينه عن صيام الليل، حتى يدل على انعقاد الصوم فيه. 6969 - فإن قيل: النهي يقتضي فساد المنهي عنه. 6970 - قلنا: ليس الفساد عدم الانعقاد خاصة، بل يقال: فسد إذا لم يجزئ عن صوم عليه مطلقا، فهذا فاسد من هذا الوجه، وإن كان منعقدا. كما أن الحج يفسد بالجماع وإن بقي عقده، إلا أنه لا يجزئ عما وجب. 6971 - قالوا: زمان لا يصح عن قضاء رمضان بكفارة، أو نذر مطلق، فوجب أن لا يصح فيه صوم نذر معين، كزمان الليل، وأيام الحيض. 6972 - قلنا: الصيام الواجب في ذمته مطلقا، وجب على وجه كامل، فإن أداه ناقصا لم يجز، وفي مسألتنا: أوجبه ناقصا، فجاز عما أوجب. وهذا، كمن

وجب عليه عتق رقبة، لم يجز فيها الأعمى، ولو عين إيجابه بالنذر، ثم أعتقه، جاز. 6973 - قالوا: القضاء يجزي فيه الناقص عن الكامل، كمن فاته في رمضان قضاه في غيره، وإن أنقص منه. ومن فاتته صلاة في حال الصحة فقضاها في حال المرض بإيماء جاز. 6974 - قلنا: من فاته رمضان، لم يثبت في ذمته نفس رمضان؛ لأن ذلك لا سبيل إلى فعله، وإنما يثبت في ذمته القضاء، ولذلك يقف على الوجوب على إدراك الصلاة، ففي أي زمان فعله جاز، فلم يوقعه أنقص مما وجب. 6975 - وأما صلاة المريض [فهي ناقصة في حق الصحيح، كاملة في حق المريض، بدلالة: أن من فاتته صلاة] حال المرض، لم يجز قضاؤها في حال الصحة بالإيماء، لأن صلاة المريض ناقصة في هذه الحال، فلا يقيمها مقام صلاة الإيماء، وقد كانت كاملة في ذلك الوقت، والمعنى في زمان الليل إذا طرأ على صوم صحيح، أوجب الخروج منه فمنع من انعقاد الصوم. ويوم النحر وجد فيه الإمساك مع النية، وليس هناك معنى يطرأ على الصوم، فوجب الخروج منه، فلذلك انعقد. * * *

مسائل الاعتكاف

مسائل الاعتكاف [398 - 407] مسألة 398 اعتكاف المرأة في مسجد بيتها أفضل 6976 - [قال أصحابنا]: اعتكاف المرأة في مسجد بيتها أفضل، ويكره اعتكافها في المسجد. 6977 - وقال الشافعي في القديم: يكره لها أن تعتكف في المسجد، وإن اعتكفت في مسجد بيتها صح، وكان أفضل، وقال في الجديد: لا يصح اعتكافها في مسجد البيت. 6978 - لنا: أن المرأة ممنوعة من الاعتكاف في المسجد، والدليل عليه: ما روى يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر، ثم دخل معتكفه، قالت: وإنه أراد مرة أن يعتكف في العشر

الأواخر من رمضان، قالت: فأمر ببنائه فضرب، فلما رأيت ذلك أمرت ببنائي، فضرب، قالت: وأمر غيري من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ببنائه فضرب، فلما صلى الفجر نظر إلى الأبنية. فقال: ما هذه [آلبر تردن؟] وأمر ببنائه فقوض وأمر أزواجه بأبنيتهن فقوضت، ثم أخر الاعتكاف إلى العشر الأول) [يعني] من شوال. 6979 - وروي أنه قال: (آلبر تردنا؟)، وهذا الإنكار يدل على كراهة [اعتكاف النساء في المسجد. ولا يجوز حمل النهي على خروجهن بغير أمره؛ لأن ذلك لا يضر بهن. ولأن] الاعتكاف يمتد، وتختلف فيه أحوال المعتكف من النوم إلى الجلوس إلى القيام، والأكل. وهذا لا يؤمن فيه إلى الإطلاع عليها فيكره لها ذلك، وليس هذا كالطواف. لأنه مشي من غير اختلاف حال، فهو كالمشي في الطرق، وكذلك الوقوف بعرفة هو لبث لا يمتد على صفة واحدة، فيؤمن الاطلاع عليها. ولأن الصلاة اخص بالمساجد من الاعتكاف؛ لأنها بينت لها، فإذا كره لها الصلاة في المسجد فالاعتكاف أولى، وإذا ثبت كراهة الاعتكاف فيه، وهذه العبادة يستوي فيها النساء والرجال، فلابد أن تكون لها حالة لا تكره لها وما ذلك إلا إذا اعتكفت في مسجد بيتها.

6980 - فإن قيل: الصلاة تكره في المسجد؛ لأنها تقوم مع الناس فيطلعون عليها، والمعتكفة تنفرد في ناحية من المسجد وتصلي بصلاة الإمام، فلا يطلعون عليها. 6981 - قلنا: هذا موجود في الصلاة؛ لأنها تقدر أن تنفرد في ناحية من المسجد وتصلي بصلاة الإمام، ومع ذلك يكره لها، ولأن كل ناحية من المسجد تنفرد فيها لا تأمن من حضور الرجال فيها. 6982 - فإن قيل: الجمعة لا تصح إلا في مسجد وتكره لها حضورها، ولا تجوز منها في غير المسجد. 6983 - قلنا: هي غير مخاطبة بها، فلم تساوي الرجل فيها. ولأن الجمعة تصح منها في دار يتصل بالمسجد من غير كراهة، وفي نفس المسألة أنه موضع لمسنون صلاة شخص، فكان موضعا لمسنون اعتكافه، كالمساجد في حق الرجال. ولا يلزم المصلي؛ لأنه يجوز الاعتكاف فيه إذا كان له مؤذن راتب. 6984 - فإن قيل: البيت موضع لصلاة الرجل النافلة، ولا يجوز اعتكافه فيه، واعتبار الاعتكاف الذي هو سنة بسنن الصلاة أولى. 6985 - قلنا: الاعتكاف عبادة مقصودة بنفسها، فالواجب اعتبارها بالصلاة المقصودة، وهي الفريضة دون النافلة التي هي تبع لها [و] لأن كل عبادة كان محل مسنونها في حق الرجل المساجد، كان مسنونها في حق المرأة البيت، كالصلاة. ولأنها عبادة لا تختص بمسج بعينه، ففعل المرأة لها في بيتها أفضل من فعلها في المسجد كالصلاة.

6986 - احتجوا: بأن كل موضع لا يصح للرجل أن يعتكف فيه، لم يصح للمرأة، كالشارع. 6987 - قلنا: الشوارع لم تسن لها الصلاة فيها، ولما كان مسجد بيتها موضعا لفضيلة صلاتها جاز اعتكافها فيه. 6988 - قالوا: موضع لم يبن للصلاة والجماعات، فلم يصح فيه الاعتكاف، أو موضع يجوز للجنب اللبث فيه. 6989 - قلنا: هذه المعاني لم تمنع أن يكون موضعا مسنون للصلاة، ويخالف الشوارع، والصلاة أفضل من الاعتكاف ولأن لا يمنع ذلك الاعتكاف فيه أولى. 6990 - قالوا: عبادة لا تصح من الرجل إلا في المسجد، فكذلك من المرأة، كالطواف، أو قربة تختص في حق الرجل بمكان، فوجب أن تختص [في حق المرأة بذلك المكان، كالوقوف. 6991 - قلنا: الطواف والوقوف يختص [بمكان واحد لا يجوز في غيره، فلم يختلف الرجل [و] المرأة في حكمه. والاعتكاف لا يختص بمكان واحد، فاختلف الرجل والمرأة في مكان فضيلته، كالصلاة. ولأن الطواف والوقوف يتعلق ببقعة بعينها، لا يختلف أحوال المرأة في أداء العبادة فيها، فلهذا ساوت الرجال، وأما الاعتكاف فلابد فيه من التنقل من حال إلى حال لا يؤمن في مثلها زوال السبب، فاختلف الرجل والمرأة فيها.

6992 - الدليل عليه: أنهما لما اختلفا في أحكام السنن وجب على الرجل في الإحرام نزع المخيط، وخالفته المرأة في ذلك لمعنى يعود إلى السنن، وكذلك في كشف الرأس، ومنعت من الرمل، والسعي في بطن الوادي، وإن كان سنة في حق الرجل، لما في ذلك من الستر عليها، فالاعتكاف مثله. ***

مسألة 399 لا يصح الاعتكاف إلا بصوم

مسألة 399 لا يصح الاعتكاف إلا بصوم 6993 - قال أصحابنا: لا يصح الاعتكاف إلا بصوم. 6994 - وقال الشافعي: يصح بغير صوم، وهو بثوم أفضل، وإن نذر اعتكافا بصوم: اختلف أصحابه، فمنهم من قال: لابد أن يجمع بينهما، فإن اعتكف بغير صوم لم يجز. 6995 - ومنهم من قال: يجوز أن يأتي بالصوم على الانفراد، والاعتكاف على الانفراد، كما لو نذر الصوم والصلاة، فعلى قول هذا القائل إن أفطر في الاعتكاف أعاد الصوم دون الاعتكاف. 6996 - ونص الشافعي أنه إذا أفطر استأنف، ولم يبين ما الذي استأنف. 6997 - لنا: ما روى الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا اعتكاف إلا يصوم).

6998 - قالوا: إن فرض به سفيان بن الحسين عن الزهري. 6999 - قلنا: قد عولتم على خبره في الزيادة على مائة وعشرين من الإبل. وقد وافقه عليه يحيى بن أحمد بن الصلت بن هاشم السمسار، عن هاشم بن مروة، عن أبيه، عن عائشة، ولا يجوز أن يحمل على نفي الاستحباب والفضيلة؛ لأن ظاهر النفي عندهم يقتضي نفي الجواز ولأنه إنما يحمل على نفي الفضيلة إذا كانت العادات بانتفاء النفي ناقصة وعندهم الاعتكاف بغير صوم ليس بناقص، وإن كان غيره أفضل منه عند بعض أصحابهم، فلا يجوز نفيه إذا كان كاملا؛ لأن غيره أكمل منه. 7000 - ويدل عليه: ما روى ابن جريج عن محمد بن شهاب، عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير، عن عائشة، أنها أخبرتهما (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان حتى توفاه الله، [ثم اعتكفهن أزواجه من بعده]. وإن السنة للمعتكف أن لا يخرج إلا لحاجة الإنسان، ولا يتبع جنازة، ولا يعود مريضا، ولا يمس امرأة، ولا يباشرها، ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة ويأمر من اعتكف أن يصوم). 7001 - وفي سنن أبي داود: (ولا اعتكاف إلا بصوم)، وقال الدراقطني: يقال: إن قوله: (وإن السنة للمعتكف) إلى آخره من كلام الزهري، أدرج في الحديث ليس بصحيح؛ لأن أبا داود ذكره ولم يعترضه، وإنما استدل الدارقطني على هذا، بأن هشام بن سليمان لم يذكره، وقد ذكره عن ابن جريج القاسم بن معن،

وعبد الرحمن بن إسحاق، والاثنان أقرب إلى الحفظ من الواحد. ولأنه لم يقل: من الذي قال ذلك؟ فلا يلتفت إلى قوله. ولأنه إمساك يجب في الصوم، فجاز أن يجب بمطلق الاعتكاف، كالإمساك عن الوطء، [أو لأنه أحد إمساكي الصوم]. ولأن الأكل معنى يفسد الصوم، فجاز أن يفسد الاعتكاف المطلق، كالجماع. ولأنه لبث في مكان مخصوص، فلا يصير قربة بانضمام نية إليه إلا بمعنى آخر، كالوقوف بعرفة. 7002 - ولا قال: إن الوقوف يصير قربة بانضمام الإحرام، وهو مجرد النية عندنا؛ لأنه ليس بنية الوقوف خاصة، وإنما هو نية لجملة الحج. 7003 - فإن قيل: الوقوف ليس بلبث لأنه لو اجتاز بعرفة صح وقوفه. 7004 - قلنا: الوقوف اسم اللبث فهو الفرض، فكذلك الاعتكاف فللبث، فهو القربة، وإنما يقوم الاجتياز مقما الوقوف الواجب كما يقوم الطواف في المسجد مقام اللبث الذي هو الاعتكاف. لأن الواجب من الوقوف جزء غير مقدر وذلك حاصل في أول قدم يضعه وما بعده ليس بواجب، فصار الوقوف لبثا في الحقيقة. 7005 - فإن قيل: فلا يكون من شرطه الصوم، انتقض بمن نذر اعتكافا بصوم. 7006 - قالوا: ليس من شرط الاعتكاف هناك الصوم؛ لأنه لو ترك الصوم كان اعتكافا وإن لم يجز عن النذر. 7007 - قلنا: فهو من شرط النذر الذي هو الاعتكاف، فإن تركه عندهم لا يكون الاعتكاف الذي أوجب، وإنما يكون اعتكافا مبتدأ. 7008 - فإن قيل: يبطل بالمرابطة. 7009 - قلنا: لا يكون قربة بنفسها حتى ينوي أن يقيم ليقابل العدو، أو لحراسة المسلمين. ولأنها عبادة مقصودة يخرج منها بالجماعة، فخرج منها بالأكل،

كالصوم والصلاة. 7010 - احتجوا: بما روى طاووس عن ابن عباس - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ليس على المعتكف صيام، إلا أن يجعله على نفسه). 7011 - قلنا: هذا الخبر ذكره الدارقطني بإسناد لا يعرف، ولكن لم يرفعه إلا الشيخ الذي رواه عنه وهو محمد بن إسحاق السوسي، والصحيح أنه موقوف على ابن عباس، فإذا أسنده من لا يعرف لم يلتفت إلى قوله، وكيف يصح هذا عن ابن عباس، وقد صح عنه أنه قال: (لا اعتكاف إلا بصوم)؟ 7012 - وقد روى فيه: أن يوجب ذلك على نفسه [، وذلك كناية عما يعد، فكأنه قال: إلا أن يوجب الاعتكاف على نفسه]. ولأنه محمول على نفي صوم لأجل الاعتكاف وعندنا أن من شرطه وجود صوم إن كان له أو آخره. 7013 - قالوا: روى نافع عن ابن عمر - رضي الله عنه -، قال: (كان عمر نذر اعتكاف ليلة في المسجد الحرام في الجاهلية، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأمره أن يعتكف ويفي بنذره).

7014 - قلنا: هذا رواه سفيان بن عيينة، وخولف فيه. فروى جرير بن حازم عن أيوب في الخبر، وقال فيه: (إني نذرت أن اعتكف يوما)، ورواه علي بن مسهر، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنه - (أنه نذر في الجاهلية أن يعتكف يوما في المسجد الحرام). 7015 - فإذا كانت الرواية متناقضة، والقصة واحدة، لم يصح التعلق بها على أن رواية الاثنين أولى من رواية الواحد. 7016 - فإن قيل: يجوز أن يكون نذر نذرين، فيستعمل الخبرين. 7017 - قلنا: ويجوز أن يكون نذر يوما وليلة، فمن نقل يوما فهو صادق، ومن روى ليلة فهو صادق، فيتساوى في الاحتمال ويسقط تعلقهم بالخبر، على أنه قد روى: أنه نذر يوما وليلة. 7018 - فإن قيل: قال النيسابوري: هذا حديث منكر. لأن الثقات من أصحاب عمرو بن دينار لم يذكروه منه: ابن جريج، وابن عيينه، وحماد بن سلمة، وحماد ابن زيد، وإنما تفرد به ابن بديل، وهو ضعيف الحديث.

7019 - قلنا: الذي روى ابن بديل أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال لعمر: (اعتكف وصم) ولم يحتج بهذا، على أن طعن النيسابوري لا يصح؛ لأنه لم يقل: إن الثقات خالفوا ابن بديل، وإنما قال: لم يرووه، وليس من شرط صحة خبر الواحد أن يرويه الجماعة. 7020 - احتجوا: بحديث عائشة رضي الله عنها (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أخر الاعتكاف من شهر رمضان اعتكف العشر الأول من شوال). 7021 - قالوا: وهذا يدل على جواز الاعتكاف من غير صوم؛ لأن يوم الفطر لا يصح صومه. 7022 - قلنا: إنما اعتكف من العشر بعد يوم الفطر، بدلالة: أنه لم ينقل ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - للخروج إلى المصلى يوم العيد منذ دخل المدينة، ولو فعل ذلك لنقل. 7023 - فإن قيل: إنه صلى العيد في المسجد لأجل المطر، فيحتمل أن يكون اعتكف هذا اليوم. 7024 - قلنا: هذا لا يعرف، ولو كان صحيحا لنقل نقلا عاما، فكيف يصح هذا، وهو يحتاج إلى أن يبتدئ بالاعتكاف من الليل، فلا يجوز أن يفعل ما يمنع من الخروج والمسنون وقبل أن يعلم بدوام المطر، وبعذر الخروج عليه. ولأنه عليه الصلاة والسلام نهى عن الصوم في يوم العيد ليتوفر على الأكل والشرب، والجماع. فكيف يعتكف فيه ومعنى النهي قائم فيه؟.

7025 - قالوا: عبادة يصح أن يفتتحها ليلا، فلم يكن من شرطها الصوم، كالحج والعمرة. 7026 - قلنا: يبطل بمن نذر اعتكافا بصوم. 7027 - فإن قالوا: إن ترك الصوم لم يبطل اعتكافه. 7028 - قلنا: يبطل عما نذر لعقد الصوم. ولأن الشيء [غير مشروط في عبادة لا يدل على أنه لم يشرط في غيرها، ألا ترى: أن القراءة شرط في الصلاة دون الصوم] والحج، والطهارة شرط في الطواف عندهم والصلاة، ولم تشترط في الصوم والوقوف، والزاد والراحلة شرط في وجوب الحج دون غيره، فكذلك لا يمتنع أن يشترط الوصم في الاعتكاف دون غيره من العبادات. 7029 - والمعنى فيما قاسوا عليه: أن كل عبادة منها يجب جنسها بالشرع، فلم تقف صحتها على انضمام عبادة أخرى إليها. ولما كان الاعتكاف لا يجب جنسه بالشرع، وقف كونه قربة على انضمام عبادة مقصودة إليه. 7030 - قالوا: كل زمان صح فيه الاعتكاف، صح إفراده به، كالنهار. 7031 - قلنا: عندنا الليل لا يصح الاعتكاف فيه، وإنما يوجد فيه اللبث، وحكمه مراعى، فإن انضم إليه النهار كان اعتكافا، وإلا بطل، وهذا كما يقول: لي الإمساك في جزء من نهار، أنه مراعى، فإن انضم إليه بقية النهار، كان جميعه صوما، وإن انفرد ذلك الجزء بطل حكمه، ولا يصح بالصيام. ولأن النهار زمان شرع فيه [الإمساكان، فجاز أن ينفرد بالاعتكاف، والليل زمان شرع/ فيه] أحد الإمساكين دون الآخر، فلم ينفرد بالاعتكاف. 7032 - قالوا: كل عبادة ليس من شرطها في افتتاحها بالصوم، وجب أن لا يكون من شرطها الصوم، كالصلاة. 7033 - قلنا: قد يكون من شرط افتتاحها الصوم، وقد لا يكون؛ لأنه إن نذر

اعتكاف يوم لم يصح افتتاحه إلا بصوم، وإن نذر اعتكاف يوم وليلة افتقر افتتاحه إلى الصوم، فالوصف غير مسلم على إطلاقه. ولأنه قد يشترط في ابتداء العبادة ما لا يشترط في إثباتها، ألا ترى: أن الطهارة شرط في الطواف عندهم دون افتتاح الإحرام، ودون الوقوف. 7034 - ولأن من شرط افتتاحها الصوم عندنا، ألا ترى: أن الصوم متى لم يوجد لم يكن لبثه بالليل اعتكافا، فأداء الصوم شرط وإن لم يقارن، كما أن الخطبة شرط في الجمعة وإن لم يقارن أولها. ولإيمان شرط من العبادات وإن تقدم عليها. والمعنى في الصلاة: ما ذكرنا في الحج والعمرة. 7035 - قالوا: عبادة لا تصح إلا في المسجد، فلم يكن الصوم من شرطها كالطواف. 7036 - قلنا: لا نسلم الوصف؛ لأن اعتكاف المرأة يصح في بيتها. 7037 - وقولهم: لا يصح إلا في المسجد، لا تقف صحة الصوم على ذكره، فلا معنى له. 7038 - قالوا: عبادة مقصودة، فلم تكن شرطا في عبادة أخرى، أصله: سائر العبادات. 7039 - قلنا: العبادة عندنا هي الصوم، والاعتكاف تابع له، وصفة من صفاته، فهو كالتابع مع الصوم. ولأن قراءة القرآن عبادة مقصودة في نفسها، وهي شرط في جميع البعادات. 7040 - قالوا: ما لم يكن شرطا في صحة الاعتكاف بالليل لم يكن شرطا فيه بالنهار قياسا على كل ما ليس بشرط.

7041 - قلنا: الصوم عندنا شرط في الاعتكاف بالليل على ما قررنا، والشرط قد يتقدم العبادة، فكذلك يتأخر عنها، ألا ترى أن من شرط افتتاح الظهر إتمامها عددا مخصوصا، حتى إن لم يتمم ذلك العدد لم يكن ظهرا، وهذا الشرط يتأخر عن افتتاحها. 7042 - قالوا: عبادة توجد ليلا ونهارا، فلم يكن شرطا في صحتها بالنهار، كالحج. 7043 - قلنا: قد بينا أن الصوم شرط في اعتكاف الليل. ولأن الإمساك عن الأكل والشرب لم يشرع ليلا، ولا يجوز شرطه، وقد شرع نهارا، فجاز أن يشرط، ولأنه يتعر شرط ترك الأكل ليلا ونهارا، فلم يشرط منه ما تعذر، وشرط الليل، ولا يتعذر بشرط ترك الجماع والخروج من المسجد ليلا ونهارا، فاستوى فيه الزمانان. * * *

مسألة 400 إذا خرج المعتكف إلى الجمعة، لم يبطل اعتكافه

مسألة 400 إذا خرج المعتكف إلى الجمعة، لم يبطل اعتكافه 7044 - قال أصحابنا: إذا خرج المعتكف إلى الجمعة لم يبطل اعتكافه. 7045 - وقال الشافعي: إن أوجب اعتكافا غير متتابع فخرج عاد وبنى، وإن أوجب اعتكافا استقبل وإن أوجب اعتكافا أكثر من ذلك ثم خرج إلى الجمعة بطل اعتكافه، ويقال له: استقبله في الجامع. 7046 - لنا: أن ما لا يوجب إبطال الاعتكاف المطلق لا يوجب إبطال الاعتكاف المقيد بالتتابع، [أصله: البيع والشراء، والبيات، وعكسه الجماع. 7047 - ولأنه خرج من معتكفه إلى الجامع للجمعة فلم يبطل اعتكافه]، أصله: إذا كان مطلقا. ولأن ما لابد له منه ولا يمكن فعله في معتكفه إذا خرج إليه لم يبطل اعتكافه قياسا على حاجة الإنسان.

7048 - فإن قيل: ذلك لا يمكن الاحتراز من الخروج إليها، وهذا يمكن الاحتراز منه، فغنه يعتكف في الجامع. 7049 - قلنا: لو أمكنه أن يعتكف في موضع قريب من منزله، فاعتكف في موضع بعيد فله الخروج إلى منزله للحاجة، كأن من يمكنه أن يحترز عن بعد المسافة، ثم لا يبطل الاعتكاف، ولأن الاعتكاف وجب بإيجابه، والجمعة فرض متعين، وجب بإيجاب الله تعالى، والإنسان لا يوجب على نفسه ما يتقرب به ليسقط الفرض عن نفسه؛ فصار مقدار الخروج للجمعة مستثنى من اعتكافه، فلا يبطله. ولأنا لو لم يستثن الخروج للجمعة بطل إذا دخل في صوم الشهرين في شعبان قطع التتابع شهر رمضان. وإذا كان الإنسان لا يصوم الكفارة على وجه لا يترك الفروض، ثم لا يصير كالمستثنى من صوم الشهرين. 7050 - قلنا: هناك لا يجب الصوم بإيجابه وإنما وجب بإيجاب الله تعالى، ويتعين تعيينه، وقد كان يقدر على تعيينه في غير هذا الزمان وفي مسألتنا، والإيجاب حصل بإيجابه فيستثنى منه شرعا ما لو استثنى لفظا لم يبطل الاعتكاف. وفي صوم الشهرين لو استثنى شهر رمضان لفظا لبطل صومه، كذلك إذا استثناه الشرع، على أن استثناء الشرع أولى، ألا ترى: أنه لو نذر اعتكافا على أن يبول في المسجد فخرج لم يبطل اعتكافه، وصار استثناء الشرع أولى من إيجابه. 7051 - احتجوا: بأنها عبارة من شرطها التتابع، فإذا فرضها حيث يخرج منها قبل إتمامها وأمكن التحرز منه لم يجز، أصله: إذا دخل في صوم الشهرين المتتابعين في أول شعبان، أو في أول ذي الحجة. 7052 - قلنا: هناك وجب التتابع على وجه لو استثنى منه هذه الأيام إذا عينه لم يصح، فإذا استثنت بالشرع لم يصح، وفي مسألتنا: التتابع يتعلق بإيجابه، فلو استثنى

الجمعة بلفظ لم يبطل اعتكافه، كذلك إذا استثنى له الشرع الخروج إليها لم يبطل. 7053 - قالوا: خروج لإقامة الصلاة فبطل اعتكافه، كما لو خرج للصلاة على الجنازة. 7054 - قلنا: صلاة الجنازة فرض لم يتوجه عليه فلم يستثنه بلفظه ولا بالشرع فصار كالخروج لسائر الحوائج، وفي مسألتنا: تعين فرض الجمعة عليه، وزانه أن يخرج للصلاة على ميت، ليس هناك من يصلي عليه سواه، فلا يبطل اعتكافه بالخروج للصلاة عليه. * * *

مسألة 401 إذا باشر المعتكف امرأته أو قبلها بشهوة فلم ينزل لم يبطل اعتكافه

مسألة 401 إذا باشر المعتكف امرأته أو قبلها بشهوة فلم ينزل لم يبطل اعتكافه 7055 - قال أصحابنا: إذا باشر المعتكف امرأته أو قبله بشهوة، فلم ينزل، لم يبطل اعتكافه. 7056 - وقال الشافعي: لا يفسد الاعتكاف من الجماع إلا ما يوجب الحد، وقال في الإملاء: إذا باشر المعتكف ولم ينزل، بطل اعتكافه. 7057 - لنا: أنها مباشرة لا يفسد عمومها الصوم، فلا يفسد الاعتكاف، كاللمس بغير شهوة. ولأنها مباشرة عريت عن الإنزال، فإذا لم يبطل الصوم لم يفسد الاعتكاف، كما لو كانت من وراء ثوب. ولأنه استمتاع أبيح في الصوم،

فلم يبطل الاعتكاف، كالطيب. 7058 - ولا يقال: هذه المعاني لا يحرمها الاعتكاف فلم يفسدها، والمباشرة بشهوة يحرمها الاعتكاف فأفسدته، وذلك لأن تحريم المباشرة في العبادة لا يقتضي فسادها، بدليل: أنها محرمة على المحرم ولا تفسد الحج. ولأنها عبادة لا يبطلها كثير العمل فلا تبطلها المباشرة، كالصوم. 7059 - احتجوا: بقوله تعالى: {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المسجد}. 7060 - الجواب: إن الظاهر من الآية: الوطء؛ لأنه قال في الآية {فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم}، والمراد به: الوطء، بدلالة: أنه قيل في التفسير: وابتغوا الولد. وبدلالة: تخصيص الإباحة بالليل، وذلك إنما يكون في الجماع خاصة، فلما قال: {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المسجد} نفى ما أثبتنا، فاقتضت الآية: النهي عن الجماع دون اللمس. 7061 - قالوا: مباشرة يحرمها الاعتكاف، فوجب أن يفسد، كالوطء؛ ولأنها مباشرة: يفسد الاعتكاف إذا كان معها إنزال، فوجب أن يفسدها إذا لم يكن معه إنزال، أصله: الوطء. 7062 - قلنا: المعنى في الوطء: أن عمده يفسد الصوم، فأفسد الاعتكاف، والمباشرة استمتاع عمده لا يفسد الصوم، فلم يبطل الاعتكاف. * * *

مسألة 402 إذا باشرها أو جامعها فيما دون الفرج فأنزل بطل اعتكافه

مسألة 402 إذا باشرها أو جامعها فيما دون الفرج فأنزل بطل اعتكافه 7063 - قال أصحابنا: إذا باشرها أو جامعها فيما دون الفرج فأنزل بطل اعتكافه. 7064 - وقال الشافعي في الأم: لا يفسد الاعتكاف من الجماع إلا ما يوجب الحد. 7065 - لنا: أنه إنزال عن مباشرة، كالوطء في الفرج، ووطء البهيمة، والوطء في الموضع المكروه. ولأن ما أبطل الصوم أبطل الاعتكاف، كالوطء. ولأنها عبادة يخرج منها بالوطء، فجاز أن يبطلها الإنزال من غير وطء، كالصلاة والصوم. 7066 - احتجوا: بأنها عبادة تختص بمكان، فلم يفسدها غير الجماع في الفرج، كالحج. 7067 - قلنا: يبطل بالطواف، فإنها عبادة تختص بمكان، فتبطل بالمباشرة. قالوا: تبطل الطهارة، فيبطل الطواف ببطلانها. 7068 - قلنا: فقد بطل بها وإن كان بواسطة وإن كان الحج أقوى، بدلالة: أن المحرمات سوى الجماع لا يفسد ولا يخرج منه بالفساد، والاعتكاف بخلافه.

7069 - قالوا: كل ما حرم الوطء ودواعيه كان للوطء مزية على ما حرم معه، كالصوم والحج. 7070 - قلنا: له مزية عندنا؛ لأن الوطء يفسد الاعتكاف بغير إنزال، والمباشرة لا تفسد إلا بإنزال. * * *

مسألة 403 إذا جامع المعتكف ناسيا بطل اعتكافه

مسألة 403 إذا جامع المعتكف ناسيا بطل اعتكافه 7071 - قال أصحابنا: إذا جامع المعتكف ناسيا بطل اعتكافه. 7072 - [وقال الشافعي: لا يبطل. 7073 - قالوا: وإذا خرج من المسجد ناسيا لم يبطل اعتكافه]؛ لأن الشافعي قال: لو أخرجه السلطان مكرها لم يبطل، فالناسي مثله. 7074 - لنا: أنه وطء في الفرج، فوجي أن يبطل الاعتكاف، كما لو اعتمد. ولأنه وطء يوجب الحد فيفسد الاعتكاف، كالعمد. ولأن المعتكف له أماره ظاهرة يستدل بها على الاعتكاف فعمد وطئه وسهوه سواء كالمصلي. 7075 - احتجوا: بقوله عليه الصلاة والسلام/ (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان)

وقد يكون جوابا عن الاستدلال بهذا الخبر. 7076 - قالوا: استمتع ناسيا فوجب أن لا يفسد اعتكافه، كما لو قبلها. 7077 - قلنا: القبلة عمدها لا يبطل الصوم، فلم يبطل الاعتكاف، والوطء استمتاع يفسده عمد الصوم، فأفسد جنسه الاعتكاف. 7078 - قالوا: الناسي لا يدخل في الأمر والنهي؛ لأنه يستحيل أن يقول: افعل أو لا تفعل وأنت ناسي؛ لأنه تعلق الأمر والنهي بشرط لا يوجد؛ لأن الناسي لا يعلم أنه ناسي. 7079 - قلنا: النهي لا يتعلق بشرط النسيان، لكنه يمنع من جنس فعل، أو تعلق على جنس فعل حكم، يستوي فيه النسيان والعمد. ألا ترى: أن الحد يتعلق بالوطء، ثم لو نسى أنه طلق ثلاثا، فجامع حد، ولو نسى أنه تطهر فأحدث، بطلت طهارته، كذلك هذا. * * *

مسألة 404 إذا أوجب على نفسه اعتكاف أيام بغير عينها لزمته متتابعة

مسألة 404 إذا أوجب على نفسه اعتكاف أيام بغير عينها لزمته متتابعة 7080 - قال أصحابنا إلا زفر: إذا أوجب على نفسه اعتكاف أيام غير عيناه لزمته متتابعة. 7081 - وقال الشافعي: إذا لم يوجبه متتابعا، فالأحسن أن يتابع. 7082 - قال أصحابه: وفيه دليل، أنه إن لم يتابع جاز، وأما إذا أوجب اعتكاف يوم فالصحيح من المذهب أن يتابعه فيعتكف من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. ومن أصحابه من قال: إن دخل في الاعتكاف في أي وقت شاء إلى مثله من الغد جاز.

7083 - لنا: أنه حكم علقه بمدة يصح في جميعها، فكان إطلاقه كشرطه متتابعا، كترك الكلام. 7084 - ولا يقال: إن اليمين يختص تعقيب السبب، وذلك لأنه لو حلف على شهر بعد شهور، لزمه متتابعا وإن [لم] تختص تعقيب السبب. 7085 - ولا يقال: العادة أن الهجرة تكون متوالية، وبهذا وردت السنة في هجرة أكثر من ثلاثة أيام؛ لأن العادة أيضا في الاعتكاف المتابعة، ولم يفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الاعتكاف إلا في مدة متتابعة. ولأنه نذر اعتكاف مدة، فلا يجوز أن يفرقه ما لام يشرط التفريق، أصله: إذا نذر شهرا بعينه. ولأنها عبادة أوجبها في مدة تصح في جميعها، فلم يجز تفريقها مع الإمكان، أصله: اليوم الواحد إذا شرط التتابع. 7086 - فإن قيل: اليوم الواحد عبارة عن بياض النهار، وعشرة أيام: عبارة عن المجتمع والتفرق بطل اليمن. 7087 - احتجوا: بأنها عبادة يجوز تفريقها، فلا يجوز التتابع بمطلق النذر، أصله: إذا نذر صوم ثلاثين يوما. 7088 - قالوا: وما جاز تفريقه بشرط التفرق، جاز بمطلق النذر؛ لأنه لا يصح في جميع المدة، فلم يجز إيجاب التتابع بمطلق اللفظ، وفي مسألتنا: بخلافه. 7090 - فإن قيل: متابعة الصوم هي المتابعة بين أيامه، بدلالة: أنه إذا شرط التتابع وجب أن يتابع الأيام دون الليالي. 7091 - قلنا: فهذا هو الدليل؛ لأن اسم عشرة أيام: عبارة عن الليالي والأيام، واللفظ يتناولهما، وما أوجبه يصح في بعضها، فلم يوجب نذره الاتصال؛ لأن

التتابع ما لا يفرق فيه وتتابع الصوم، هو توالي الأيام، وذلك تفريق من وجه، فلم يلزمه بموجب اللفظ ما يشرطه. * * *

مسألة 405 إذا نذر اعتكاف يومين لزمه يومان بليلتهما

مسألة 405 إذا نذر اعتكاف يومين لزمه يومان بليلتهما 7092 - قال أبو حنيفة ومحمد إذا نذر اعتكاف يومين، لزمه يومان بليلتهما وعنه: أنه يلزمه يومان والليلة التي بينهما، فأما إذا أوجب اعتكاف ثلاثة أيام لزمه ثلاثة أيام وثلاث ليالي. 7093 - وقال الشافعي: إذا أوجب اعتكاف يومين متتابعين، لزمه بليلة بينهما. واختلف أصحابه إذا لم يشترط التتابع، فمنهم من قال: يلزمه بياض يومين، ومنهم من قال: يلزمه يومان وليلة. 7094 - لنا: أن ذكر أحد العددين على طريق الجمع يفيد دخول ما بإزائه من العدد الآخر. الدليل عليه: قوله تعالى: {ثلاثة أيام إلا رمزا}. وقال: {ثلاث ليال سويا}. 7095 - والقصة واحدة، عبر عنها تارة بالأيام، وتارة بالليالي، فدل أن ذكر أحد الأمرين يفيد الآخر. ولا يقال: إن هذا عرف بدليل، وهو ذكره الليالي مرة،

والأيام أخرى، وذلك لأن كل واحدة من الآيتين أفادت بيان الأمرين؛ لأنها حكاية قصة اقتضت الامتناع من الكلام في اليومين، ولو كان كما قالوا، لم تكن كل آية مقيدة بحكاية القصة على حالها. ولأنه أوجب الاعتكاف في أحد الزمانين على طريق، فصار كما لو قال: العشر الأواخر. ولأنه علق بيومين ما يصح في الزمانين فوجب أن يدخل فيهما ليلتهما، كاليمين. 7096 - احتجوا: بأن اليوم: عبارة عن بياض النهار، بدلالة: أنه إذا نذر اعتكاف يوم لم يتناول إلا ذلك، فإذا ثنى وجمع تناول لضعف ما يتناوله على الانفراد. 7097 - قلنا: وإذا قال: العشر الأواخر، فقد جمع اليوم الواحد، ومع ذلك يتناول عند الجمع ما لا يتناوله عند الانفراد، وكذلك اليومان والليلة؛ يبين هذا أنه لو قال: لا أكلمه يوما وهو عند طلوع الفجر يتناول بياض النهار، ولو ثنى يتناول الليل والنهار، فكذا هذا مثله. 7098 - وقالوا: على الطريقة التي قالوا يدخل الليلة التي بين اليومين، بأن الليلة التي قبل النهار زمان لا يتناوله لفظ الناذر ولا تتخلل ما يتناوله لفظه، ولا يلزمه اعتكافه أصله: ما قبل الليلة الأولى. 7099 - قلنا: لا نسلم أن الليلة لا تتناول ما لفظه لما دللنا عليه أن ذكر أحد العددين يتناول الآخر. ولأن الليلة التي فيها لا تدخل في اليمين ولا تدخل في

الاعتكاف، والليلة المختلف فيها تدخل في اليمين، كذلك في الاعتكاف. * * *

مسألة 406 إذا أذن لزوجته في الاعتكاف فدخلت فيه فليس له منعها منه

مسألة 406 إذا أذن لزوجته في الاعتكاف فدخلت فيه فليس له منعها منه 7100 - قال أصحابنا: إذا أذن لزوجته في الاعتكاف. فدخلت فيه، فليس له منعها منه، وإن أذن لأمته فدخلت، فله منعها. 7101 - وقال الشافعي: له المنع فيهما. 7102 - لنا: أن الزوجة تملك بالتمليك، فإذا أذن لها أسقط حقه عن منافعها، وأذن لها في استيفائها، فصار كما لو ملكها شيئا لم يرجع فيه، وليس كذلك الأمة، لأنها لم تملك بالتمليك وإنما يتلف منافعها على ملكه، فصار كالمعير. 7103 - ولأنه أذن لزوجته الحرة في الاعتكاف فلم يكن له الرجوع، كما لو أذن لها في النذر والدخول فيه. ولأنها حرة دخلت في عبادة بإذن زوجها فلم يكن له منعها كما لو دخلت في الحج بإذنه. ولأنه لا يملك منافعها، بدلالة: أنها لو وطئت بشبهة كان المهر لها، وإنما له حق، فإذا أذن فقد أسقط حقه فلم يكن له الرجوع، كما لو أبرأها من دينه، أو عفا عن القصاص.

7104 - فإن قيل: في القصاص أسقط حقا قد وجب، وفي مسألتنا: أسقط حقا يجب له في الثاني. 7105 - قلنا: يبطل إذا أذن لها في الصوم، فدخلت فيه أو الحج. 7106 - احتجوا: بأن كل من ملك منع غيره عن الاعتكاف، لم يسقط المنع بإذنه، كالأمة. 7107 - قلنا: لم يسقط حقه بالإذن عندنا حتى تدخل في العبادة، فهو كما لو أذن لها في الحج فدخلت فيه ولأن الأمة لا تملك بالتمليك، فلم يسقط حقه بالإذن لها، والحرة بخلافها. 7108 - قالوا: الزوج يملك منافعها، بدليل: أنه لو أعطى العوض عنها، ويزيل ملكه عنها بعوض. 7109 - فإذا أذن: فإما أن يكون عارية أو هبة، وأيهما كان فله أن يرجع قبل الإقباض. 7110 - قلنا: يبطل به إذا أذن لها في النذر، وأذن لها في الدخول. ولأن إسقاط الحقوق لا يفتقر إلى القبض، كالبراءة والعفو عن القصاص. 7111 - قالوا: لم يجب له الحق فقد أسقط حقا لم يجب. 7112 - قلنا: لا يمكن إسقاط هذا الحق بعد وجوده، فجاز إسقاطه قبل وجوده إذا وجد سببه، ألا ترى: أن المنافع لما لم يجز أن يملك بعد وجودها جاز أن يعتمد عليها قبل وجودها. * * *

مسألة 407 إذا هلك زوج المعتكفة في المسجد عادت إلى منزله فقضت العدة وتممت الاعتكاف

مسألة 407 إذا هلك زوج المعتكفة في المسجد عادت إلى منزله فقضت العدة وتممت الاعتكاف 7113 - قال أصحابنا: إذا هلك زوج المعتكفة في المسجد، عادت إلى منزله، فقضت العدة وتممت الاعتكاف. 7114 - وقال الشافعي: تعود إلى المنزل. واختلف أصحابه، فمنهم من قال: تستأنف الاعتكاف قولا واحدا. 7115 - ومنهم من قال: على قولين. وهذه مبنية على أصلنا: عن ابتداء الاعتكاف يجوز في منزلها، فكذلك يجوز البناء، وخروجها من المسجد لا يبطل اعتكافها؛ لأنه خروج بغير اختيارها، فهو كما لو أخرجها السلطان إلى مسجد آخر. ولأنها خرجت لإقامة عبادة لا يمكن مثلها في المسجد، كما لو خرجت للجمعة. 7116 - فإن قيل: أوجبت في المسجد. 7117 - قلنا: المسجد لا يتعين بالإيجاب وإن عينته، بدليل: أنها لو نذرت أن تعتكف في المسجد الجامع جاز أن تعتكف في غيره. * * *

كتاب الحج

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب الحج

مسألة 408 الزمن المعسر لا يجب عليه الحج ببذل غيره له الطاعة

مسألة 408 الزمن المعسر لا يجب عليه الحج ببذل غيره له الطاعة 7118 - قال أصحابنا: الزمن المعسر لا يجب عليه الحج ببذل غيره له طاعة. 7119 - وقال الشافعي: إذا قدر على من يطيعه إذا أمره، وجب عليه الحج. 7120 - قالوا: ولا يعتبر البذل [وإنما يعتبر علمه أنه يطيعه] وإن لم يبذل. 7121 - ويعتبر المطيع أن يكون واجدًا للزاد والراحلة، وقد حج عن نفسه وهو على صفة لو لم يحج، وجب عليه الحج، وأن يكون ثقة فيما يلتزمه، ومتى بذل له المال فيه وجهان: 7122 - واختلفوا في الباذل هو الآخر فمنهم من قال: يختص الأولاد، ومنهم من قال: الابن والأجنبي سواء. وللباذل أن يمتنع، وإذا أحرم لم يجز له الامتناع. 7123 - ولا يجزئ الحج حتى يأذن فيه، فإذ امتنع أحدهم من الإذن لم يقم السلطان مقامه في الإذن في الصحيح من المذهب.

7124 - ومنهم من قال: يقوم إذن السلطان مقام إذنه. 7125 - لنا قوله تعالى {ولله على الناس حج للبيت من استطاع إليه سبيلاً}. 7126 - وقال عليه الصلاة والسلام: (الاستطاعة الزاد والراحلة)، ظاهر الآية يقتضي تعلق الوجوب بذلك. 7127 - فإن قيل: إن كان ممن يؤمر قيل له مستطيع، ألا ترى أن الإنسان يقول: أنا أستطيع أن أبني دارًا، يعني: أنه بيني مثلها.

7128 - قلنا: إنا نقول ذلك إذا كان يأمر من يجب عليه أن يفعل، فأما إذا قدر على أمر من لا يجب عليه العمل، قيل: إنه مستطيع للأمر لا للبناء. وعندهم للآمر أن يرجع بما بذل ما لم يدخل في المأمور، وكيف يكون الآمر مستطيعًا للحج والمأمور لا يجب عليه فعله؛ ولأن ما كان الغالب أن الإنسان يفعله بنفسه لا يقال: إنه مستطيع إلا أن يقدر على فعله. 7129 - وما كان الغالب فيه الاستنابة، قيل: إنه مستطيع بمعنى أنه يقدر أن يأمر به؛ ولأن البذل وجد ممن لا يلزمه أن يحج عنه، فلم يلزمه الحج، كما لو بذل الضرورة؛ ولأنه معنى لا يملك به الزاد والراحلة فلا يجب فيه الحج على الزمن كبذل المال قبل القبول، أو فلا يصير الزمن به مستطيعًا؛ ولأنها عبادة تجب بوجود المال، فلا يجب بالطاعة، كالعتق في الكفارة والزكاة. 7130 - فإن قيل: بطل كالوضوء. 7131 - قلنا: لا يجب بالطاعة، وكما يجب عليه طلب الماء من المستطيع، فإن بذله وجب الوضوء بالبذل. 7132 - فإن قيل: العتق وجب بملك الرقبة وبالبذل لا يصير مالكًا. 7133 - قلنا: وكذلك الزمن يلزمه الحج إذا وجد ما لا يحصل له ثوابه بإنفاقه، وهذا المعنى لا يوجد إذا بذل للطاعة. 7134 - فإن قيل: لا يجب عليه أن يتسبب إلى تحصيل الرقبة ليعتقها بدلالة أنه لا يلزمه أن يستوهب ويستدين. 7135 - قلنا: ولا يلزمه أن يكتسب مالاً يحج به، ويلزمه أن يتسبب إلى تحصيل الرقبة إذا كان له مال بأن يبتاعها. 7136 - قالوا: المكفر الفقير شرطه الصوم؛ فلو أوجبنا العتق بالبذل نقلناه من فرض

إلى فرض. 7137 - قلنا: إذا جاز أن ينقل بالبذل من حالة عدم الوجوب إلى الوجوب، فأولى أن يُنقل من الصوم إلى بذله؛ ولأنه معضوب معسر، فلم يلزمه حجة الإسلام، كما لو لم يجد من يطيعه؛ ولأنها أحد العبادات الخمس، فلا يؤثر فيها بذلك الطاعة كالصوم. 7138 - فإن قيل: الصوم لا تصح النيابة فيه. 7139 - قلنا: الزكاة تصح النيابة فيها، ولا تجب بالبذل، والحج عندنا لا تصح النيابة فيه فلا فرق بينهما. 7140 - فإن قيل: الصوم لا يجب بوجود مال بسبب يدفعه إلى من يفعله عنه. 7141 - قلنا: فالحج يجب بوجود مال يستعين به على من يحج، فيحصل له ثواب ذلك المال، وهذا المعنى لا توجد في الطاعة. 7142 - احتجوا: بحديث الخثعمية أنها قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن فريضة الله على عبادة الحج، أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع الثبوت على الراحلة أفأحج عنه)؟، فذكرت الطاعة، ففرض الحج يدل أن الوجوب تعلق بالبذل. 7143 - والجواب: أن الخثعمية ذكرت فرضًا يسند لها، فالظاهر: أنه فرض تعلق بالأمر الظاهر في الشرع، وهو وجود المال، وبذل الفعل حصل بعد ذلك، فلم يكن فيه دليل؛ ولأن الخثعمية لم تعلم أن النيابة في الحج تجوز، فكيف تعلم أن بذل النيابة يجب الحج؟. 7144 - ولا يقال: إن الأصل: عدم المال؛ لأن الأصل أن وجوب الحج يتعلق بالمال، وهذا هو الأمر الظاهر فحمل أمرها – عليه الصلاة والسلام – عليه ولأنا لا

نعلم بذل الطاعة منها فيما سبق، وكيف نحمل الأمر على أن الوجوب تعلق بذلك، وأقل الأحوال أن يكون الأمر محتملاً، ويجوز أن يكون الفريضة أدركته بالمال، ويجوز أن يكون بالطاعة فلا يصح التعلق به مع الاحتمال. 7145 - فإن قيل: قوله (حجي عن أبيك) يقتضي الوجوب عليها بالبذل. 7146 - قلنا: فهي مخيرة عندكم وإن بذلت. فكيف نحمل الأمر على الوجوب؟ ولأنها سألت عن جواز الأداء، فبين لها ما سألت عنه، ولو بدا لم يسأل عن مال الأب، وعن أمره لها بالحج. 7147 - قالوا: إذا كان له مال وجب الحج؛ لأنه يحصل به من يحج عنه، فإذا حصلت الطاعة حصل المبتغى بالمال فوجب الحج، ألا ترى: أن الصحيح يجب عليه الحج بوجود المال، فإذا حصل بمكة لم يحتج إليه؛ لأنه حصل له ما يطلب به. 7148 - قالوا: ولأن وجود الطاعة أبلغ من وجود المال وأبلغ من وجود ثمنه، ووجود الرقبة أبلغ من ثمنها، فإذا وجب الحج بالمال صار طاعة. 7149 - وإن قلنا: لا نسلم أنه يحصل بالطاعة ما يبتغي بالمال؛ لأن هذه عبادة مالية عندنا، فإذا بذل له المال حصل له ثوابه، وإذا لم يحصل لم يوجد ذلك، فلم نسلم لهم أن المطلوب بالمال يحصل بالطاعة؛ ولأن بملك المال يحصل من يجب عليه النيابة، وبالطاعة يحصل له من يجوز له النيابة، وهو بالخيار إن شاء وفى بها، وإن شاء انتفع، فكيف يقال: حصل له بأحد الأمرين ما يحصل بالآخر؟ فأما المال والرقبة فالفرض يتعلق بهما، فوجودهما أبلغ من وجود ثمنهما، والفرض ههنا عنده هو دفع المال ليحصل الثواب بإنفاقه في سفر الحج، وبالطاعة لا يحصل هذا، فكيف تكون الطاعة أبلغ من المال؟ ولأن الصحيح يجب عليه الحج، ولم يكن وجود ذلك كوجود الزاد والراحلة، كذلك ههنا.

7150 - قالوا: عبادة يجب بإفسادها الكفارة، فجاز أن يجب على المعضوب المعسر كالصوم. 7151 - قلنا: نقلب فنقول: فوجود المطيع لا يوجبها عليه ليس له تأثير في أداء الصوم، والصحيح والمعضوب سواء، ولما كان العَضْب يمنع من وجوب الحج مع الفقير لم تؤثر الطاعة إيجابه كما تؤثر في الإيجاب على الشيخ الهرم الفقير. * ... * ... *

مسألة 409 إذا كان المريض لا يقدر على أداء الحج فأحج عن نفسه جاز

مسألة 409 إذا كان المريض لا يقدر على أداء الحج فأحج عن نفسه جاز 7152 - قال أصحابنا: إذا كان المريض لا يقدر على أداء الحج فأحج عن نفسه جاز، فإن صح لزمه الأداء بنفسه، وإن مات على حالة العجز أجزأه. 7153 - وقال الشافعي إن كان المرض يرجى زواله لم يجز أن يحج عن نفسه، فإن خالف وأحج ثم مات على تلك الحال ففيه قولان، الصحيح أنه لا يجزيه، وقال في قول آخر: إنه يجزيه. 7154 - لنا: أنه غير قادر على أداء الحج بنفسه، فإذا أحج جاز، كالمرض الذي لا يرجى برؤه؛ ولأن ما أشبه المرض في تغير صفة وجوبه استوى فيه المرض الذي يرجى زواله والذي لا يرجى كالصلاة؛ ولأنه عجز يجوز أن يزول، ويجوز أن لا يزول فصار كالعضب؛ ولأنه أحج عن نفسه لعجزه أن يحج بنفسه، فإذا مات على حال العجز من غير برء أجزأه كالمعضوب. 7155 - احتجوا: بأنه غير ميئوس، من الحج بنفسه، فلا يجوز أن يحج عنه

غيره كالصحيح. 7156 - ومن وجب عليه الحج فلم يحج حتى هلك ماله، قلنا: الصحيح لزمه الحج بنفسه فلم يجز له أن يستنيب في أدائه، والمريض لا يلزمه الحج بنفسه، فأما من هلك ماله بعد وجوب الحج وهو صحيح البدن؛ فالفرض متعلق ببدنه فلا يجوز، وهي مسألتنا. 7157 - وقاسوا على المحبوس وهو غير مسلم؛ لأنه إن أحج عن نفسه جاز. * * *

مسألة 410 إذا حج المعضوب عن نفسه أو الصحيح حجة نافلة أو أوصى بذلك جاز

مسألة 410 إذا حج المعضوب عن نفسه أو الصحيح حجة نافلة أو أوصى بذلك جاز 7158 - قال أصحابنا: إذا حج المعضوب عن نفسه، أو الصحيح حجة نافلة، أو أوصى بذلك جاز، ولزم الوصي إخراج ما أوصى به. 7159 - وقال الشافعي: لا يجوز للصحيح أن يستنيب في حجة التطوع قولاً واحدًا، وأما المعضوب والميت فيه قولان. 7160 - لنا: قوله عليه الصلاة والسلام: (حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة)، ولم يفصل؛ ولأنها عبادة تجوز النيابة في فرضها، فجاز في نفلها بكل حال كالصدقة والعتق. 7161 - فإن قيل: المعنى فيه أن النيابة تجوز فيه مع القدرة. 7162 - قلنا: حكم الحج في حق العاجز في جواز النيابة كحكم الجواز في حق القادر؛ ولأنها حجة لا يلزمه فعلها بنفسه، فجاز أن يستنيب فيها كالفرض في حق

المعضوب؛ ولأنه أحد نوعي الحج، فجاز النيابة فيه كالفرض؛ ولأنها عبادة يلزمه إخراج فرضها بعد الموت فجاز [أداء نفلها] بالوصية كالصدقات. 7163 - احتجوا: بأن الحج عبادة بدنية، وإنما جازت النيابة فيها للحاجة، بدلالة أن الصحيح لا يستنيب فيها، ولا حاجة إلى الاستنابة في التطوع، فلم يجز النيابة فيه. 7164 - والجواب: أن النيابة إنما جازت/ لأن فعلها بنفسه غير واجب، فجاز أن ينتقل إلى المال، وهذا المعنى موجود في النفل؛ ولأنا لا نسلم أنه لا حاجة إلى النفل؛ لأن الإنسان به حاجة إلى فعل الطاعات عنه بعد موته، كما أن به حاجة إلى إسقاط الفرض؛ ولأن ما قالوه ينكر بصلاة النافلة قائمًا، ومع هذا إذا فعلها جاز. 7165 - قالوا: لم ييأس من قضاء الحج بنفسه، فلم يجز أن يحج عن غيره، [وحجة للتطوع]، كالصحيح في الواجب. 7166 - قلنا: هناك يجب [أن يحج بنفسه] فلم يجز أن يحج عنه غيره، وحجة التطوع لا يلزمه بنفسه، فصارت كفرض المعضوب والميت. * ... * ... *

مسألة 411 لا يجب الحج على الأعمى بنفسه

مسألة 411 لا يجب الحج على الأعمى بنفسه 7167 - قال أبو حنيفة: لا يجب الحج على الأعمى بنفسه، وروى الحسن عنه: أنه يجب عليه إذا وجد قائدًا. 7168 - وهو قول أبي يوسف، ومحمد، والشافعي. 7169 - لنا: أن كل من لا يلزمه أداء الحج بنفسه لوجود الزاد والراحلة بحال لا يلزمه وإن وجد غيرهما، كالزمن، ولا يلزم المرأة؛ لأن الحج يلزمها، بوجود الزاد، والراحلة بمكة من غير محرم. 7170 - ولأنه لا يتوصل إلى أداء الحج بنفسه بوجود الزاد والراحلة إلا بثالث، كالزمن. 7171 - ولأنها عبادة [لا تجب على المعضوب بنفسه، فلا تجب على الأعمى بنفسه كالجهاد، وعكسه الصلاة، ولا يلزمه الهجرة؛ ولأنها] لا تجب على المعضوب والأعمى. 7172 - فإن قيل: المقصود بالجهاد القتال، وهذا المعنى لا يوجد من الأعمى. 7173 - قلنا: والمقصود من الحج أداء المناسك، وهذا لا يوجد من الأعمى إلا بمشقة؛ ولأن القتال قد يجب بحضوره على من لا يقاتل، للقيام بمنفعة المقاتلين

كالنساء ومع ذلك لا يجب على الأعمى. ولأنه عضو يلحقه لفقده مشقة في أداء الحج زائدة على المعتاد كعقد الرجلين. 7174 - احتجوا: بقوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا}. 7175 - قال ابن عمر: قام رجل فقال: ما السبيل، قال: الزاد والراحلة، ولم يفصل. 7176 - والجواب: أن الأعمى لم يدخل في هذه الجملة، بدلالة: أن استطاعته لا تكون لوجود الزاد والراحلة حتى يجد قائدًا، فدل أن الآية لم تتناوله. 7177 - قالوا: كل من لا يلحقه مشقة غير محتملة في الكون على الراحلة، جاز أن يلزمه الحج بنفسه كالبصير. 7178 - قلنا: لا نسلم هذا، فإنه يلحقه مشقة زائدة على المعتاد في الركوب والنزول والانتقال، والمعنى في البصير: أن الحج يجب عليه لوجود الزاد والراحلة، ولما لم يجب على الأعمى الحج بوجود الزاد والراحلة بحال، لم يجب عليه بوجود ثالث أيضًا. 7179 - قالوا: الأعمى لم يفقد أكثر من هداية الطريق فصار كالصحيح الضال. 7180 - قلنا: الضال يباشر أداء المناسك بنفسه والأعمى لا يتمكن من مباشرة أدائها بنفسه، فصار كالزمن. 7181 - قالوا: عبادة يجب في إفسادها الكفارة، فوجب أن يجب على الأعمى كالصيام. 7182 - قلنا: لا يفتقر في أدائه إلى شرط يخالف شرط الصحيح فتساويا، ولما لم يجب الحج على الأعمى بالشرط الذي يجب على البصير بحال لم يجب عليه بنفسه كالزمن. * ... * ... *

مسألة 412 الحج يسقط بالموت

مسألة 412 الحج يسقط بالموت 7183 - قال أصحابنا: الحج يسقط بالموت، وإن أوصى به لزم الورثة إخراجه من الثلث، وإن لم يوص به لم يلزمهم. 7184 - وقال الشافعي: يجب عليهم إخراج حجة من الميقات، أوصى بها أو لم يوص. 7185 - لنا قوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} وهذا يمنع سقوط فرض عبادة بغير فعله ولا أمره. 7176 - يدل عليه: ما روى في حديث أبي أمامة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من مات ولم يحج حجة الإسلام لم تمنعه حاجة ظاهرة، أو مرض حابس أو سلطان جائر، فليمت على حاله إن شاء يهوديًا أو نصرانيًا)، ولو كان الفرض يسقط عنه بعد موته ويستدرك هذا التفريط له، لم يستحق هذا الوعيد؛ ولأن تشبيهه باليهودي يمنع من صحة أداء الحج عنه؛ لأن الكفر يمنع الأداء.

7187 - وروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا مات المرء المسلم انقطع عمله إلا من ثلاث)، ولم يذكر الحج؛ ولأن أداء الحج عنه بغير أمره لا يسقط ما لزمه كحال حياته؛ ولأن من لا يجوز له النيابة في الحج حال الحياة بغير أمره لا يجوز له أن يؤديه بعده بغير إذنه كالأجنبي، وعكسه أداء الدين؛ ولأن كل عبادة وجبت عليه قبل موته لا يلزم الغير أداؤها عنه بعد موته كالصلاة والصوم، ولا يلزم المعسر؛ لأنه يسقط بالموت في إحدى الروايتين، وعلى الرواية الأخرى وجوبه. 7188 - ألا ترى: أنه يجب ولا يتعبد ولا يلزم إذا استشهد جنبًا؛ لأن الغسل لا يفعل عنه، لكن وجبت الصلاة عليه، ومن شرطها طهارته. 7189 - فإن قيل: المعنى في الصلاة: أن النيابة لا تصح فيها حال الحياة. 7190 - قلنا: والنيابة في الحج بغير أمر المحجوج عنه لا تصح في حال الحياة، [ولأن النيابة تصح في مال المكاتبة في حال الحياة]، وإن كان يسقط بالموت عنهم. 7191 - فإن قيل: المعنى في الصلاة: أنه لو أوصى بها لم تصح. 7192 - قلنا: لا نسلم بصحة أن يوصي بالصلاة ويطعم وليه عنه لكل صلاة مسكينًا. ولأنها عبادة بدنية بعتبر في وجوبها المال، فسقطت بالموت كالجهاد. 7193 - فإن قيل: الجهاد لا تصح النيابة فيه. 7194 - قلنا: لا فرق بينه وبين الحج؛ لأن من لا يقدر على الجهاد بنفسه لا يلزمه بجهة النيابة، أن يجهز بماله، كما لا يلزم المعضوب الإنفاق على من يحج. 7195 - فإن قيل: [لو بقى] وجوب الجهاد بعد الموت، وجب بذل المال لكف عادية المشركين، فإن كانت شوكتهم باقية فعلة الوجوب باقية لم تزل، فلما سقط الوجوب علم أن المسقط له هو الموت؛ ولأنه حج عنه بغير أمره فلم يقع عن حجة الإسلام، كما لو لم يوص فيحج عنه وليه؛ ولأنها أحد أركان الشريعة فلا يفعل عنه

بعد موته كالصوم والصلاة. ولأن الحج عبادة بدنية، وإنما يحتاج إلى المال ليتوصل به إلى عمل البر، وهذا المعنى قد سقط بالموت، وإنما يجب عند مخالفنا عبادة مالية، وهذا عين الواجب الأول فقد ثبت سقوط الحج - الذي كان واجبًا عليه - بموته باتفاق. 7196 - احتجوا: بحديث الخثعمية ولا دليل فيه؛ لأنه يقتضي جواز الأداء عنه، وعندنا إذا حج الوارث كان الحج عنه ووصل ثوابه إلى الميت والكلام في الوجوب. 7197 - فإن قيل: قوله: (حجي عن أبيك) أمر فيفيد الوجوب. 7198 - قلنا: لو أراد الوجوب لسأل عن أمره إن كان حيًا، وعن تركته إن كان ميتًا، فكيف يكون على الوجوب وليس على الوارث أن يحج بنفسه؟ 7199 - قالوا: شبه - عليه الصلاة والسلام - ذلك بالدين، فقال: أرأيت لو كان عليه دين فقضيته). 7200 - قالوا: ومعلوم أن منفعة الدين براءة الذمة منه، وزوال الإثم سقوطه. 7201 - قلنا: الشبه لا يقتضي تساوي الشيئين [من كل وجه، والحج عنه يشبه الدين من حيث الانتفاع بأدائه، ألا ترى أنها قالت: (وهل ينفعه ذلك؟ فقال: نعم) كما لو كان عليه دين، فهذا يقتضي التساوي في انتفاع الميت، وليس يقتضي التساوي] في كيفية الانتفاع. 7202 - احتجوا: بحديث ابن عباس - رضي الله عنه -: (أن امرأة سألته أن يسأل لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أمها ماتت ولم تحج، أيجزئ أن تحج عنها؟ فقال عليه الصلاة والسلام: لو كان على أمها دين فقضته، أما كان يجزئ، فلتحج عن أمها). 7203 - قالوا: والمسألة وقعت عن الجواز، فجوز لها ولم يسأل هل قضت أم لا،

وشبهه بالدين وأمرها بالفعل. 7204 - قلنا: قوله: إن أمي ماتت ولم تحج أفيجزئ أن أحج عنها، يقتضي جواز حجها عنها، ولم يقل: هل يجوز عن حجة الإسلام، والجواز مسلم، لكنه عما وجب لها غير مسلم، فأما تشبيهه بالدين وأمرها بالحج فقد أجبنا عنه. 7205 - قالوا: روي في حديث ابن عباس: (أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن أختي نذرت أن تحج، وأنها ماتت ولم تحج، فقال: لو كان على أختك دين أكنت قاضيه، قال: نعم، قال: فاقض دين الله، فهو أحق بالقضاء). 7206 - قالوا: فأمر بالقضاء، والأمر يدل على الوجوب، وشبهه بالدين الذي يجب قضاؤه. 7207 - وقوله: فهو يدل على أنه مقدم في القضاء على الدين. 7208 - قلنا: الوجوب عندهم لا يكون إلا في تركة، ولم يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن تركته، فعلم أنه أراد الجواز وشبهه بالدين في الجواز؛ لأن الشبه لا يقتضي الاشتراك من كل الصفات. 7209 - وقوله: فالله أحق [أن تقضوه معناه: الله] أحق بقبول ما تقضونه لعفوه وكرمه، ألا ترى: أنه إذا لم يعلم أن الميت ترك مالاً، فليس الدين أولى من الحج، ولا الحج أولى من الدين، بل الدين أولى بالقضاء؛ لأن الآدمي اشح بحقوقه واحوج إليها، والله تعالى غني عنها مأمول العفو عن التفريط فيها. 7210 - قالوا من طريق المعنى: حق يدخله النيابة استقر عليه في حال حياته، [فوجب أن] لا يسقط عنه بوفاته كالدين.

7211 - قلنا: قولكم: استقر عليه ويدخله النيابة غير مسلم؛ لأن الحج عندنا يقع عن فاعله، والحكم لا يصح؛ لأن الحق الذي استقر عليه كان حق بدنه، فسقط ذلك بالموت بالإجماع. 7212 - ثم المعنى في الدين: أنه يجب لحق الآدمي فاجتمع حقان: أحدهما: وجب على وجه المعاوضة، والآخر وجب بغير المعاوضة، فكان تقديم ما وجب بالمعاوضه أولى؛ فالحج يجب لحق الله تعالى، فإذا اجتمع في المال مع حق الوارث قدم حق الوارث؛ لأن حق لله تعالى وحق الآدمي إذا تعلقا بعين واحدة قدم حق الآدمي، لافتقاره إلى حقه، كالقتل قصاصًا، ورد ما في حق شخص واحد فقطع اليد في السرقة والقصاص؛ ولأن الدين يبقى على الوجه الذي وجب فلم يؤثر الموت فيه، والحج لو أبقيناه بقى على غير الوجه الذي وجب، ألا ترى أنه وجب عبادة بدنية فصارت عبادة مالية، فلما تغير عما وجب عليه بالموت وجب أن يسقط؛ ولأن الدين في حال الحياة يليه عنه غيره بإذنه، كالوكيل والضامن والمحال عليه وبغيره أمره كالمتبرع ويسقط عنه، فجاز بعد الموت أيضًا، كذلك الحج لا يجوز أن يؤدى عنه في حال الحياة بغير إذنه، ولا يؤديه الكفيل والوكيل والمحال عليه، وكذلك بعد الموت لا يؤديه الوارث بغير أمره. 7213 - قالوا: حق واجب تصح الوصية به، فوجب أن لا يسقط قضاؤه بموته، أصله دين الآدمي. 7214 - قلنا: الحق الواجب لا تصح الوصية به، وإنما يوصي بأن يفعل ما كان لا يسقط الفرض في حال الحياة، وكيف يقال: تصح الوصية به؟ 7215 - وقولهم: لا يسقط قضاؤه بموته، لا يصح لأن قضاء الواجب يسقط بالموت بالإجماع، ألا ترى: أن قضاء الواجب كان أن يفعله بنفسه، وقد تعذر ذلك؟ والمعنى في الدين ما قلناه. 7216 - قالوا: القادر على الحج لا يجوز النيابة عنه بأمره ولا يغير أمره؛ لأنه قادر على الفعل والأمر، والعاجز عن فعله بردته إذا قدر على الأمر، لا يجوز أن يحج عنه

بغير أمره؛ لأنه قادر على الأمر غير قادر على الفعل، والميت عاجز عن الأمر والفعل، فجازت النيابة عنه بغير أمره. 7217 - قلنا: يبطل هذا بالجهاد؛ لأنه يفعله بنفسه إن قدر ويحرض الشخص إن عجز، وإذا مات تعذر الأمر والفعل، ثم لم يجب واحد من الأمرين. ولأن القادر على الأمر العاجز عن الفعل لا يسقط العبادة عنه؛ لأن سعيه فيها ممكن، والفوت يحصل للإنسان بسعيه، فإذ عجز عن الأمر فلا سعي له، فلم يجز أن يؤدي العبادة عنه، كما لا يؤدي الحج عن المجنون وإن عجز عن الأمر به بعد وجوبه عليه. 7218 - قالوا: كل مسلم لابد من أن يقدم على فعل الحج بنفسه إن قدر وبغيره إن عجز، فإذا أدى عنه بعد موته فكأنه أمر به. 7219 - قلنا: قد يعتقد المسلم أن لا يحج أبدًا مع وجوب الحج، فلا بأس به اعتمادًا على عفو الله ولا يخرج بذلك من الإسلام. ثم لو صح ما قالوا لوجب إذا عجز عنه أجنبي أن يجوز لأنه ينوي أن يحج عن نفسه من ينوب وليس يختص ذلك بوارثه، وكان يجب أن يكون نيابة الأجنبي كأنها وقعت بإذنه. * ... * ... *

مسألة 413 إذا كان البحر بينه وبين مكة والغالب عليه السلامة فعليه الحج

مسألة 413 إذا كان البحر بينه وبين مكة والغالب عليه السلامة فعليه الحج 7220 - قال أصحابنا: إذا كان البحر بينه وبين مكة، والغالب عليه السلامة فعليه الحج. 7221 - وقال الشافعي: كلامًا محتملاً اختلف أصحابه في تأويله، فمنهم من قال: إذا كان الغالب السلامة وجب، وإلا لم يجب، ومنهم من قال: إذا كان الغالب السلامة فعلة قولين. 7222 - لنا: قوله عليه الصلاة والسلام: (لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر، أو غاز). 7223 - ولأنه طريق الغالب عليه السلامة فصار كالبر؛ ولأنه طريق يجوز سلوكه للتجارة، فوجب سلوكه للحج كالبر. 7224 - ولأنه أحد الركبين فجاز وجوب الحج بالقدرة عليه كالإبل. 7225 - احتجوا: بأن الغالب على البحر الخطر؛ لأنه لا يخلو من هبوب

الريح والعوارض. 7226 - قلنا: إنما يشترط في الوجوب أن يغلب السلامة، وما يعرض غير غالب لا يعتد به، كالبر. 7227 - قالوا: عوارض البر من جهة الآدمي ممكن دفعها، وأعراض البحر من جهة الله تعالى، ولهذا قال الله تعالى، {فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين} الآية. 7228 - قلنا: قد يتفق في البر عوارض من جهة الله، كالعطش والحر والبرد والسموم. * ... * ... *

مسألة 414 الحاج إذا حج عن غيره يقع الحج عن نفسه

مسألة 414 الحاج إذا حج عن غيره يقع الحج عن نفسه 7229 - قال محمد: الحاج إذا حج عن غيره يقع الحج عن نفسه، ويلحق المحجوج عنه أجر النفة، وهو ظاهر الأصل، والصحيح أن يقع عن المحجوج عنه. 7230 - وهو قول الشافعي. 7231 - والدليل على الطريقة الأولى: أن الحاج يلزمه أداء موجب التحريم، فكانت الحجة له، كالصرورة إذا حج عن غيره. 7232 - [فإن قيل: يلزمه بالأمر، وإن كان الحج عن غيره]، كما يلزم الذباح أن يذبح وإن كان الهدي عن غيره. 7233 - قلنا: هناك ما وجب عليه أن يفعل ذلك بنفسه، وإنما خير، والنائب فعل ما وجب، وها هنا الوجوب تعلق في الأصل بفعله، فإذا فعل غيره لم يكن فاعلاً لما وجب وإنما سقط الواجب بفعله. ولأن هذا الدخول لو فعله للصرورة وقع الحج عنه، فإذا فعله من حج عن نفسه وقع عنه كالدخول بنية مطلقة.

7234 - ولأنها عبادة لو أداها العبد عن غيره وقعت عن نفسه، كذلك الخبر؛ أصله: الجهاد وعكسه الزكاة. 7235 - ولأن الكفارات بالطيب وارتكاب المحظورات تجب في ماله فكان الحج واقعًا عن نفسه، كالحاج عن نفسه. 7236 - فإن قيل: إنما وجبت عليه؛ لأنها وجبيت بجنايته، ولهذا نقول إن دم الإحصار يجب في مال المحجوج عنه؛ لأنه لا جناية للتائب فيه. 7237 - قلنا: لو لم يكن الإحرام عنه لا يلزمه الكفارة وإن كان جانيًا، كالحلال إذا طيب محرمًا لم يلزمه الكفارة؛ ولأن من يلزمه القضاء بإفساد الإحرام، فكذلك وجب أن يقع الإحرام عنه كالعبد. 7238 - فإن قيل: إذا أفسد بينا إن أراد الإحرام وقع عنه؛ لأنه لم يأمره بإحرام فاسد، فهو كالوكيل إذا خالف لزم العقد. 7239 - قلنا الإحرام في الابتداء وقع بغير مخالفة، فوقع عن المحجوج عنه عندكم، فلا ينقلب فيصير عن غيره، وإن خالف. وأما المشتري فإنه ينتقل إلى الوكيل ثم ينتقل إلى الموكل بالأمر، فإذا خالف يقر على ما يوجبه العقد. وعندكم الإحرام وقع عن المحجوج عنه فلا ينقلب مخالفة عقد الإحرام كما لا يتعين مخالفة العقد بعد انعقاده. 7240 - ولأن البيع يلزم الوكيل متى خالف العقد. فأما المخالفة بعد الإحرام فلا تغيره عما وقع عليه. 7241 - احتجوا: بالأخبار التي فيها الأمر بالحج عن المعين، ولا دلالة فيها. 7242 - لأنه - عليه الصلاة والسلام - أمر بالحج عنه؛ فالحج في الحقيقة فعل الحاج وإنما يكون عنه بمعنى أن ثوابه يلحقه، وعندنا يلحقه الثواب وأفعال الحاج عن غيره، فكما يلحقه ثواب الجهاد بدفع المال إلى الشخص وإن كان الجهاد له، وأمره عليه الصلاة والسلام بالقضاء عنه أمر بإسقاط ما لزمه. 7243 - واللازم عندنا مع العجز أن يأمر بالفعل فيحصل له ثواب الأمر إذا تحصل

ذلك بقصد وارثه، وما صح فيه الاستنابة [صح فيه النيابة؛ أصله القضاء. 7244 - قالوا: وما صح فيه الاستنابة]، فإذا فعله المستناب وقع عن المستنيب أصله: ما ذكر. 7245 - والجواب: أن هذا بعد تسليم المسألة منا في الوصف؛ لأنا إذا قلنا: لم تصح النيابة: قلنا: لا تصح الاستنابة فكيف طلبوا أنا نقول: جازت الاستنابة، ولم تجز النيابة؟ وإنما يجوز عندنا أن يأمره بالحج بمال يدفعه إليه، فيكون مستنيبًا، له في الإنفاق في أداء الحج الذي يقع عن الحاج، ويعود إلى المحجوج عنه ثواب الأمر والمال، كما يقول في القاعد يقدر إذا جهز الشخص، فإذا الاستنابة لا نسلم إلا على هذا التفسير. ثم المعنى في الأصل: أن صفات المؤدى غير معتبرة؛ ألا ترى: يجوز أن يستناب في تفرقة الزكاة من ليس من أهلها، كالعبد، والكافر، والمكاتب؛ فدل أنها تقع عن غيره، والحج يعتبر فيه صفات المؤدى؛ فعلم أن الحج يقع عنه، فوجب أن يقع على المنوي كما لو حج عن نفسه. 7246 - قلنا: لو لم ينو عنه لم يستحق، وإنما ينصرف إليه الثواب بالنية عنه، لتكون النفقة من ماله، ومتىى لو ينو عنه وقع مطلق الحج عن الفاعل بكل وجه، فضمن النفقة، ولا يجوز أن يستحق الدافع ثوابها مع وجوب عوضها. 7247 - قالوا: إذا أمرتموه بأن ينوي عن غيره ويلبي عن غيره والحج عنه، كان ذلك أمرًا بالكذب عن غيره ضرورة. 7248 - قلنا: ليس بكذب؛ لأنه ينوي عنه ويلبي عنه ليستحق ثواب ما بذل من المال، فأما أن يقع الحج عنه فمحال أن يكون فعل الإنسان فعل غيره، وإنما يستحق ثوابه عندهم، وعندنا يستحق ثواب النفقة التي يتوصل بها كما جاز عندهم أن يلبي عن

غيره، والأفعال أفعاله كذلك، يلبي عن غيره وإن كان أحكام الأفعال له. 7249 - فإن قيل: لو وقعت الحجة عن الحاج سقط بها فرضه. 7250 - قلنا: الفرض لا يسقط عندنا إلا بنية/ معينة، أو بنية مطلقة، ولم يوجد أحد الأمرين. * ... * ... *

مسألة 415 يجوز حج الصرورة عن غيره ومن حج أولا

مسألة 415 يجوز حج الصرورة عن غيره ومن حج أولاً 7251 - قال أصحابنا: يجوز حج الصرورة عن غيره، ومن حج أولاً. 7252 - وقال الشافعي: من عليه فرض الحج أو ندر الحج لا يجوز حجه عن غيره. 7253 - لنا: ما روي عن أبي رزين قال: قلت يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج والعمرة ولا الظعن قال: (حج عن رأيك واعتمر). 7254 - وروي عن عبد الله بن الزبير قال: (جاء رجل من خثعم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن أبي أدرك الإسلام وهو شيخ كبير، لا يستطيع ركوب الرحل، والحج مكتوب عليه، أفأحج عنه؟ قال: وأنت أكبر ولده؟ قال نعم، قال [لو كان

على أبيك دين فقضيته عنه أكان يجزئ؟ قال نعم، قال]: فحج عنه. 7255 - ويدل عليه حديث الخثعمية، رواه الثوري عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة، عن زيد بن علي، عن أبيه، عن عبد الله بن أبي رافع، عن علي، ورواه مالك عن ابن شهاب، عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عباس، أنه قال: كان الفضل بن عباس رديف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت يا رسول الله إن فريضة الله على عبادة الحج، أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم (وذلك في حجة الوداع). 7256 - ووجه الدليل من هذه الأخبار: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أجاز الحج عن الغير. 7257 - والثاني أنه شبه جواز الحج عن الغير بقضاء الدين، ثم لا فرق أن يكون قاضي الدين عن غيره قضى الدين عن نفسه أو لم يقض. 7258 - فإن قيل: الحثعمية لقيت النبي - صلى الله عليه وسلم - منصرفة من المزدلفة، والظاهر: أن من حج هناك فقد حج؛ ولأنها كانت محرمة بدلالة: أنه لوى عنق الفضل [حتى لا ينظر إليها، ولولا ذلك لأمرها بتغطية وجهها ولم يلو عنق الفضل]. 7259 - والجواب: أن العرب تحضر المزدلفة للحج وتحضر لغيره؛ لأن ذلك الموضع مساكنها ومياهها، فليس الظاهر ممن كان منهم هناك أنه حج. 7260 - وأما كشف الوجه: فقد يكون لإحرام الحج وقد يكون لإحرام العمرة، وثد يكون لغير إحرام، ولم يأمرها بتغطية الوجه؛ لأنه لم يكن معها ما تغطي به وجهها، ألا ترى أنها لو كانت كشفت وجهها للإحرام لأمرها أن تسدل الثوب على وجهها للإحرام وتجافيه كما كانت عائشة رضي الله عنها تفعل.

7261 - ولأنه لم يأمرها بتغطية وجهها لأنه ينظر إلى عينها، ولوى وجهه حتى لا ينظر إلى شيء منها؛ ولأنها نظرت إليه ونظر إليها، فإذا لوى عنقه انقطعت الفتنة عنهما، وإذا سترت وجهها نظرت إليه فلوى عنقه حتى يأمن النظر من الجهتين، ثم لو ثبت أنها حجت عن نفسها جاز أن يكون عليها حجة منذورة، ولا يجوز أن تحج عن أبيها ولم يسألها عن ذلك، ثم لم يشهد قضاء الدين، فوجب اعتبار ذلك لعموم جزاء قضاء الدين وإن كان السبب خاصًا. 7262 - فإن قيل: شبه قضاء الحج عن أبيها بقضاء الدين، فوجب أن يثبت هذا حتى يشبه الدين. 7263 - قلنا: أمرنا بالحج أمرًا عامًا، فعموم الحج يقتضي: أنه في كل أحواله يشبه الدين. 7264 - فإن قالوا: لم يثبت أن هذا قضاء الحج. 7265 - قلنا: ثبت لعموم اللفظ، ومن جهة المعنى أن ما صحت النيابة فيه إذا سقط فرضه بنفسه صحيت النيابة وإن بقى عليه، كالزكاة وذبح الهدايا وعكسه الصلاة. 7266 - ولأن من يصح إحرامه، عن نفسه يصح إحرامه عن غيره؛ أصله: من حج نفسه. 7267 - ولأنه مسلم مكلف أحرم عن غيره بأمره فصح إحرامه، أصله ما ذكرناه. 7268 - ولأن ما جاز للحر النيابة فيه عن غيره، جاز للعبد النيابة فيه، أصله ما ذكرناه وأداء الزكاة. 7269 - فإن قيل: المعنى في الزكاة: أن النيابة تصح فيها مع القدرة على

أدائها، فلهذا لم يعتبر في أدائها صفة المؤدى عنه، وليس كذلك في مسألتنا؛ لأنه لا يجوز النيابة في أدائها مع القدرة على فعلها؛ فجاز أن يعتبر صفات المؤدي. 7270 - قلنا: لا فرق لنفيها؛ لأن النيابة تصح عندنا في الحج مع القدرة، إلا أن الإحرام ينعقد فعلاً، فقد تساويا في جواز النيابة فيهما مع القدرة، وإن اختلفا في صفة ما يؤديه بالنيابة، وإنما افترقا لأن الزكاة عبادة مالية، فالنيابة فيها مع العجز والقدرة على وجه واحد، وأما فرض الحج: فهو مع القدرة عبادة بدنية، وعندنا النيابة مالية، فلم يجز فيها، فإذا عجز صارت العبادة مالية، فجازت النيابة فيها، كالزكاة. 7271 - فإن قيل: لما جازت النيابة في أداء الزكاة إذا بقى عليه بعض فرضها، جاز مع بقاء جميعه، ولما لم تجز النيابة [في الحج] إذا بقى عليه بعض فرضه جاز وهو الطواف كذلك إذا بقى كله. 7272 - قلنا: لو أحرم عن العبد بالحج وعليه طواف الزيارة عن نفسه انعقد إحرامه فلسنا نسلم هذا. 7273 - فإن قلنا: تجوز النيابة في الزكاة مع بقاء ذلك النقص عليه. 7274 - قلنا: وكذلك الحج، فإن الصرورة ينعقد إحرامه عن غيره وعليه جميع الحج وأبعاضه، والطواف واجب عليه كجميع الأركان، ويجوز أن يؤدي الطواف عن غيره. 7275 - فإن قيل: كيف عللتم جواز النيابة، وقد منعتم منها. 7276 - قلنا: قد ذكرنا أن ظاهر المذهب جوازها، وإنما نصرنا ما ذكر محمد. 7277 - احتجوا: بحديث ابن عباس - رضي الله عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلاً يلبي عن شبرمة، فقال: من شبرمة؟ فقال: أخ لي أو قريب، وفي بعض الأخبار أو نسيب، فقال أحججت عن نفسك؟ قال: لا. قال: حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة،

وفي بعض الأخبار (هذه عنك ثم حج عن شبرمة)، وفي بعضها: (لب عن نفسك ثم لب عن شبرمة) وفي بعضها: (إن كنت حججت عن نفسك فلب عنه) وفي بعضها: (وإلا فلب عنه). 7278 - قالوا: فرتب النبي - صلى الله عليه وسلم - حجه حجة الغير على حجة نفسه، وأمره بأن يبدأ بالحج عن نفسه ثم يحج عن غيره. 7279 - والجواب: أن هذا خبر مضطرب عند أصحاب الحديث رواه مسندًا عنه ابن سليمان الكلابي، عن قتادة عن عزرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، ورواه ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث أن قتادة بن دعامة حدثه عن سعيد بن جبير، أنه حدثه أن عبد الله بن عباس مر برجل يهل فقال: لبيك بحجة عن شبرمة، وذكر الحديث، رواه حماد بن سلمة، وحماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة، أن ابن عباس سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة. رواه خالد عن أبي قلابة، وإذا أوقف الخبر جماعة وأسنده واحد كان الصواب إلى قول الجماعة أقرب. 7280 - وقال يحيى بن معين رفعه عبد الله وحده، ثم معلوم أنه مستحيل في العادة أن يتفق للنبي - صلى الله عليه وسلم - رجل يلبي عن رجل اسمه شبرمة، وهو قريبه أو نسيبه، ولم يحج عن نفسه، ويتفق لابن عباس فعل ذلك، واتفق اسم المحجوج عنه وصفة الحاج، فدل ذلك أن أحد الأمرين غلط، وأن الصحيح إما الإسناد أو الوقف، فإثبات الوقف وهو الاتفاق أولى. 7281 - فإن قيل: قد روته عاشئة رضي الله عنها مسندًا، وذلك جائز. 7282 - قلنا: أما حديث عائشة فرواه ابن أبي ليلى عن عطاء عن عائشة، وهو

معروف بفساد الحفظ. 7283 - قال شعبة ما رأيت أسوأ حفظًا منه، وقد ذكره الدارقطني عن أبي الزبير، عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسناد مجهول ذكر فيه ثمامة بن عبيدة عن أبي الزبير لا يعرف ثم قد عارض هذا الخبر ما رواه الحسن بن عمارة عن عبد الملك بن ميسرة، عن طاووس عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلاً يلبي عن نبيشة، فقال: أيها الملبي عن نبيشة، هذه عن نبيشة واحجج عن نفسك، قال الدارقطني: تفرد به الحسن بن عمارة، وهو ضعيف، وهذا غلط؛ لأن الحسن عدله أصحابنا. 7284 - وروى عنه، إنما قال شعبة: أفادني عن الحكم أحاديث مقلوبة، ويجوز أن يغلط فيما رواه عن الحكم ولا يغلط عن غيره. 7285 - ثم ذكر الدارقطني: أن الحسن بن عمارة روى حديث شبرمة، وقال: قد قيل: إنه وهم ثم رجع إلى الصحيح، وليس إذا روى الحسن الخبرين دل أنه وهم في أحدهما. 7286 - ثم لسنا نمنع أن يكون هذا الحديث ليس بالقوي، وحديث شبرمة من الوجه الذي بيناه.

7287 - ثم إن متن هذا الحديث مختلف، وإن كان في أصل الحديث: (افعل هذه عنك) / فهذا يدل أنها لم تقع عنه لاستحالة أن يأمره بفعل ما قد وقع، فدل على أن الإحرام انعقد عن شبرمة، فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بفسخه؛ لأن ذلك العام كان يجوز فسخ الحج، فأمره بفسخ ما وقع على وجه مكروه، وبفعل الحج الذي لا يكره. 7288 - فإن قيل: قوله اجعل هذه: يعني التلبية؛ لأن الكناية ترجع إلى المذكور. 7289 - قلنا: هذا غلط؛ لأن في الخبر: (أنه سمع رجلاً يلبي عن شبرمة، قال: فهل حججت قط، قال: اجعل هذه عنك، والكناية ترجع إلى الأقرب، يبين ذلك: أن قوله: (اجعلها) أمر فيحمل على الوجوب. 7290 - وعندهم التلبية غير واجبة، وعلى أنا نرد الكناية إلى جميع ما تقدم، وقد تقدم ذكر التلبية وذكر الحج. 7291 - فإن قيل: لا نسلم لكم جواز الفسخ. 7292 - قال الشافعي: كان القوم قد أحرموا إحرامًا مطلقًا، وانتظر النبي - صلى الله عليه وسلم - القضاء، فنزل جبريل - عليه السلام - وهو بين الصفا والمروة، وأمره بأن من ساق الهدي فليجعله حجًّا، ومن لم يسق الهدي فليجعله عمرة. 7293 - قلنا: هذا غلط، وروى ربيعة عن [الحارث بن بلال] بن الحارث عن أبيه قال: قلت يا رسول الله فسخ الحج لنا أو لمن بعدنا؟ قال: بل لنا وعن أبي ذر

قال: (والله ما كانت المتعة إلا لنا خاصة أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وليست لسائر الناس إلا المحصر)، وهذا النص في الفسخ، وكيف يكون الأمر كما قال الشافعي؟ والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة)، فلو كان أحرم إحرامًا مطلقًا لجاز أن يجعلها عمرة بكل حال. 7294 - فإن قيل: إنما أمرهم بفسخ الحج بعمرة؛ لأن العرب في الجاهلية كانت تعتقد أن العمرة لا تجوز في أشهر الحج، فأما فسخ حج بحج فلم ينقل. 7295 - قلنا: إذا ثبت جواز فسخ الإحرام بعمرة للتخفيف والتسهيل، ومخالفة المشركين، جاز فسخة بحجة أخرى ليقع الفعل مستحقًا عن مكروه. 7296 - ألا ترى: أن فسخ الصلاة [إذا] جاز بنقل جاز بفريضة فهذا من حيث الاستدلال، وأما من حيث النقل، فهذا الخبر قد اقتصر على فسخ الحج بحج والخبر الآخر اقتضى فسخه بعمرة، فبينا جميعًا بالنقل وكذلك قوله: (حج عن نفسك) كما يقال للمصلي: صل بمعنى انو على صلاتك. 7297 - قلنا: هذا مجاز، وحقيقة الكلام يتناول الابتداء، ويمنع لتناول الأمر بالفعل الموجود. 7298 - فإن قيل: فعلام تحملون بقية الألفاظ؟ 7299 - قلنا: لم يتكلم عليه الصلاة والسلام بجميعها وإنما تكلم بأحدها، فإذا لم يكن في بعضها دليل توقفنا حتى نعلم أصل الخبر، والظاهر: أن أصل الخبر قوله:

(حج عن نفسك)؛ لأنه لفظ، فصلح للابتداء حقيقة، وللمضى مجازًا، والخبر العام قد ينقله الراوي خاصًا. 7300 - ومن أصحابنا من قال: الإحرام لا ينعقد بالتلبية حتى ينضم إليها النية، فيحتمل أن يكون الرجل [لبي بغير نية، وعرض] ذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتقديم الحج عن نفسه؛ ولأن خبر الخثعمية أصح إسنادًا؛ لأنه لم يختلف في إسناده واتصاله ولا في لفظه، فالرجوع إليه أولى. 7301 - قالوا: الخبر يقتضي وجوب تقديم الحج عن نفسه. 7302 - قلنا كذلك نقول، إلا إذا أحرم عن غيره انعقد، وإن ترك واجبًا. 7303 - فإن قيل: فإذا ثبت لكم أن الخبر موقوف على ابن عباس فألا قلدتموه. 7304 - قلنا: روى عن علي، وابن مسعود جواز حج الصرورة على أنا قد بينا أن تقليد الصحابة عندنا لا يلزم إذا روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يخالف قوله. 7305 - قالوا: من طريق المعنى لم يحج عن نفسه، فلم يجز حجه عن غيره، كالصبي. 7306 - قلنا: لا فرق في الصبي أن يحج عن نفسه أو لا يحج في امتناع حجه عن غيره. 7307 - والمعنى في الصبي أنه لا يصح أن يؤدي حجًا واجبًا عن نفسه، فلم يؤد واجبًا عن غيره، والبالغ بخلافه، ولا يلزم العبد؛ لأنه لا يؤدي حجًا واجبًا عن نفسه، أو نقول: إن الصبي ليس من أهل الوجوب، بدلالة أنه لو نوى الواجب عن نفسه لم يقع، والبالغ بخلافه.

7308 - فإن قيل: من حج عن نفسه لا يجوز أن ينوي واجبًا عن غيره. 7309 - قلنا: الفرق وقع بين حالتي البلوغ وما قبلها، والبالغ في الجملة ممن يصح أن ينوي الواجب، ومن حج عن نفسه يجوز أن ينوي الواجب، بأن يوجبه على نفسه في الحال. 7310 - قالوا: ركن من أركان الحج، فلم يجز أن يفعله عن الغير وعليه فرضه، كالطواف، أو نسك لا يتم الحج إلا به. 7311 - قلنا: لا نسلم الحكم في الأصل؛ لأن الصرورة عليه فرض جميع الأحكام والأركان، فإذا حج عن غيره [فهو يكون عن غيره]، وفرض الطواف عليه؛ ولأن الطواف بغير فرضه في الوقت حتى لا يجوز تقديمه عليه ولا تأخيره، فوقع عن مستحقه، وهذا المعنى لا يوجد فيما قبل الدخول؛ ولأنه إذا دخل في الحج ترتب فعل النفل بالتحريمة حتى لا يصح أن يقع عن غيره، ألا ترى: أن طواف القدوم يتعين حتى لو طاف عن غيره وقع عنه، فلما جاز أن يتعين بالدخول نفل العبادة حتى يصير مستحقًا، جاز أن يتعين فرضها، وقبل الدخول لا يتعين فعل الحج بالحج بالفعل، وكذلك لا يتعين فرضه، على أن من أصحابنا من قال: (إن الحاج إذا أخر طواف الزيارة حتى أحرم عن غيره صح إحرامه، فإن لم يطف حتى وقف للحجة الثانية ثم طاف لها جاز، وإن كان عليه طواف الحج عن نفسه. 7312 - قالوا: عبادة تتعلق بقطع مسافة، فلم يجز أن يفعلها عن الغير وعليه فرضها، كالجهاد. 7313 - قلنا: الجهاد لما لم يجز أن يفعل عن غيره بعد أداء فرضه، كذلك لا يجوز قبل الأداء، وفي مسألتنا بخلافه. 7314 - فإن قيل: الجهاد كلما حضر تعين عليه.

7315 - قلنا: ليس كذلك؛ لأن فرض الجهاد على الكفاية، فإذا حضر الوقعة، وبالمسلمين عنه غنى لم يتعين الوجوب عليه، ولا تجوز له النيابة عن غيره، وإنما تصح النيابة إذا دفع المال إلى الشخص ليجاهد وهذا يجوز أن يسقط المجاهد فرضه أو لم يسقط، مثل مسألتنا. * ... * ... *

مسألة 416 إذا نوى الحجة النافلة قبل أن يحج حجة الإسلام وقع إحرامه عن النفل

مسألة 416 إذا نوى الحجة النافلة قبل أن يحج حجة الإسلام وقع إحرامه عن النفل 7316 - قال أصحابنا: إذا نوى الحجة النافلة قبل أن يحج حجة الإسلام، وقع إحرامه عن النفل. 7317 - وروى ابن أبي مالك، عن أبي يوسف، أنه يقع على الفرض. 7318 - وبه قال الشافعي. 7319 - لنا: قوله عليه الصلاة والسلام: (ولكل امريء ما نوى). 7320 - قالوا: معناه أن يصير العمل قربة بالنية. 7321 - قلنا: ومعناه العمل متعين [بما نواه]، بدلالة الصلاة.

7322 - ولأن من انعقد إحرامه بعمرة، جاز أن ينعقد إحرامه نفلاً، كمن حج عن نفسه. 7323 - أو نقول: وقت يصلح لإحرام العمرة، فإذا نوى نفل الحج لم ينعقد إحرامه عن فرضه كمن نوى الحج قبل الأشهر. 7324 - ولأن الوقت يصلح للنفل من المكلفين، ألا ترى: أن غيره ممن حج عن نفسه يحرم فيه النفل، فجاز أن ينعقد إحرامه نفلاً فيه وفرضًا، كوقت الصلاة. 7325 - ولأنها عبادة يتنفل بجنسها، فجاز التنفل بها مع بقاء فرضها في الذمة، كالصلاة والصوم. ولا يلزم التنفل في رمضان؛ لأنه فرضه ليس فيه الذمة، وإنما يصير في الذمة بعد فواته، ويجوز له أن يتنفل. 7326 - ولأنها عبادة لها تحريم وتحليل، فإذا نوى به التنفل لم يقع عن الفرض، كالصلاة. 7327 - احتجوا: بأنه ركن من أركان الحج، فلم يجز أن يتنفل به وعليه فرضه كالطواف. 7328 - قلنا: يبطل بمن طاف قبل الإحرام، وأنه متنفل بالطواف وعليه فرضه؛ لأن من عليه الحج فعليه فرض أركانه، وكذلك من أحرم بالحج صح طواف القدوم فيه، وهو نفل وطواف الفرض عليه، وأما إذا وقف فالتحريمة اقتضت تقديم طوافها على غيره، فوقع طوافه عما اقتضت التحريمة لا لوجوبه، بدلالة أن بعد الإحرام لو تنفل بالطواف لم يجز ووقع عن طواف القدوم؛ لأن التحريمة اقتضت ترتيبه وتقديمه على غيره. 7329 - يبين ذلك: أنه لو افتتح صلاة التطوع في وقت الفرض جاز، ولو افتتح الفرض فأراد أن يأتي بركوع نافلة وقع عما اقتضت التحريمة، كذا ههنا. 7330 - قالوا: عبادة تجب بإفسادها الكفارة، فلم يجز أن يتنفل بها في وقت

فرضها كالصوم. 7331 - قلنا: وقت الصلاة مع وجوب الصوم لا يحتمل ما أحرم، فلم ينعقد عن النفل ووقت الحج لنسك من جنس الحج وهو العمرة، فلذلك جاز أن ينعقد فيه النفل. 7332 - قالوا: الصوم وقته محصور لا يتسع لفعل صومين، كما أن وقت الحج لا يتسع لنسكين، فلما ثبت أنه لا يجوز أن يتنفل بالصوم في وقت الصوم وعليه فرضه كذلك في الحج مثله. 7333 - قلنا: سائر أيام السنة لا يتسع لصومين، ثم كل يوم ينعقد فيه/ صوم النفل، كذلك وقت الإحرام وإن لم يتسع لنسكين جاز أن يحرم فيه بالنفل؛ ولأن وقت الصوم في حق كلفه لم يصح لصوم آخر، فلم يصح للنفل، ووقت الحج يصلح لنفل آخر وهو العمرة فصلح أيضًا للنفل، كوقت الصلاة. 7334 - قالوا: الأصول مبنية على أن الدخول في العبادة بنية [النفل تجري مجرى الدخول فيها] بنية مطلقة، فوجب أن يكون الدخول في الحج بنية النفل، كالدخول فيها بنية مطلقة فيقع عن الفرض ويجزيه، فإن من كان عليه فرض الحج فنوى نافلة فقد أحرم بالحج وعليه فرضه فانصرف إحرامه إلى الواجب، كما لو أحرم بنية مطلقة. 7335 - قلنا: روى الحسن عن أبي حنيفة: أنه إذا نوى بنية مطلقة وأطلق النية، وقع عن النفل، فعلى هذه الرواية يسقط كلامهم. 7336 - وأما على رواية الأصل وهو الاستحسان: فإنه يحمل مطلق الإحرام على الفرض بالعبادة؛ لأنه لم يجز العبادة بأن ينفق الإنسان ماله ويتكلف السفر ويتنفل بالحج ويترك الفرض في ذمته، فإذا عين الفعل حمل على ما عينه، كمن سمى في العقد غير نقد البلد فإنا نحمل إطلاق الثمن على نقد البلد تصحيحًا للعقد، وإذا عين هنا حمل على ما عينه، كذلك هذا.

7337 - فإن قيل: لم تجر العادة بأن يتطوع الإنسان قبل الغروب، ومع ذلك لو صلى قبلها بنية مطلقة لم يحمل على الواجب. 7338 - قلنا: قد اختلفت الناس في ذلك، فمنهم من قال: يستحب التنفل قبلها، فلم يحمل ما يفعله على الفرض؛ لجواز أن يكون اعتقد ذلك المذهب؛ ولأنه لم يتكلف الفرض مشقة حتى يحمل مطلقه على الفرض لحسن ظنه؛ ولأن الصلاة يصح أن تنعقد ابتداء نفلاً، ويجوز أن تنعقد فرضًا وتنقلب نفلاً، فيغلب حكم النفل فيها، فانصرف مطلقها إلى الغالب، والحج يصح [فيه] ابتداء الإحرام للفرض والنفل ولا ينقلب فرضه نفلاً فلم ينقل النفل فيه على الفرض. * ... * ... *

مسألة 417 الحج يجب على الفور

مسألة 417 الحج يجب على الفور 7339 - روى عن أبي يوسف ما يدل على وجوب الحج على الفور. 7340 - وعلى ظاهر قول أبي حنيفة وقول الشافعي: إن شاء قدم، وإن شاء أخر، والتقديم أفضل، وإن مات قبل أن يحج أثم.، ومتى يأثم؟ من أصحابه من قال: بتأخيره عن السنة الأولى، ومنهم من قال بتأخيره عن السنة الأخيرة. 7341 - لنا: قوله عليه الصلاة والسلام: (من كُسِرَ أو عَرَجَ فقد حل وعليه الحج من قابل). 7342 - وقال - عليه الصلاة والسلام - للمجامع في الحج: (اقضيا نسككما، واحججا من قابل)، فأوجب القضاء في الخبرين على الفور.

7343 - كل عبادة لا يضيق أداؤها لا يتضيق قضاؤها، فلما تعين القضاء دل على أن الأداء أسبق. 7344 - وروى أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: (من وجد زادًا وراحلة تبلغه إلى بيت الله تعالى ولا يحج: فلا عليه أن يموت يهوديًا أو نصرانيًا). 7345 - وذلك أن الله تعالى يقول في كتابه {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين}، وكذا رواه الترمذي من حديث علي - رضي الله عنه -. 7346 - فإن قيل: إذا أخره حتى مات أثم بالاتفاق. 7347 - قلنا: لو كان له التأخير لم يأثم بالموت إذا جاءه من غير أمارة ولا غلبة ظن والخبر يقتضي أنه أثم بكل حال. 7348 - ويدل عليه حديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من أراد الحج فليتعجل). 7349 - فإن قيل: علقه بإرادته. 7350 - قلنا: هذه الإرادة هي التي تخرجه من حيز الساهي إلى حيز القاصد، فأما إرادة التخيير: فلا يتعلق الأمر بها، وهذا كقوله - عليه الصلاة والسلام -: (من أراد الجمعة فليغتسل)، وكقولنا: من أراد الصلاة فليتوضأ؛ ولأنها عبادة بدنية مؤداة، فيضيق فعلها بوقت وجوبها، كالصلاة؛ ولأنها عبادة تجب بإفسادها الكفارة، فكان وجوبها بابتداء الشرع على الفور. 7351 - دليله: الصوم، أو لأنها عبادة بدنية لا تفعل في الحول إلا مرة، ودليله ما بيناه.

7352 - فإن قيل: المعنى في الصوم أنه لا يجوز تأخير الدخول فيه عن حال الإمكان، فلم يجز تأخير جوازه، والحج وقت الدخول فيه موسع يجوز تقديمه وتأخيره، فجاز تأخير جملته. 7353 - قلنا: الصوم لا يجوز تأخيره عن أول أحوال الإمكان إذا وجب، بدلالة أن المسافر والمريض يجوز لهما التأخير، والحج عندنا بأول الأشهر لم يجب، فجاز تأخيره فإذا وجب فهو كالصوم لا يجوز الدخول فيه، وعلة الفرع تبطل بالنية التي يخاف الفوات فيها؛ فإن الدخول فيه موسع، ولا يجوز تأخيره عن جميع الوقت. 7354 - ولأنه فرض لا يجب في العمر إلا مرة واحدة، فلم يجز تأخيره عن وقت وجوبه، كالإيمان. 7355 - واحتج أبو الحسن الكرخي، فقال: لا يخلو إما أن يجب تقديم الحج، أو تأخيره، ليس لأحد أن يقول: يجب تقديمه، ولا يجوز أن يكون مخيرًا؛ لأنه إن أخره حتى مات: لم يخل من أن يأثم أو لا يأثم، فإن لم يأثم خرج من أن يكون واجبًا، ولئن أثم دل على أنه ليس له التأخير. 7356 - فإن قيل: يجوز التأخير [إذا غلب على ظنه] أنه لا يعجز، كما يجوز ضرب الزوجة والابن ضربًا يغلب على الظن أنه لا يموت. 7357 - قلنا: إذا مات من لا أمارة لموته ولا هرم، إن قلت: إنه يأثم بطل [اعتبار أمارة] العجز، وإن قلت: لا يأثم، خرج الحج من الوجوب، فأما الضرب: فيضربها عندنا بآلة [لا تقتل] في الغالب على غير مقاتلها فيباح ذلك ولا يعتبر غالب الظن فيه. 7358 - وقد قالوا: إنه يأثم إذا مات بتأخير الحج عن السنة الأولى، وكيف يأثم بالتأخير عنها؟ وقد أباح الله - تعالى - له التأخير.

7359 - ومنهم من قال: يأثم بتأخيره، وهذا يؤدي إلى أن يأثم بتأخيره العبادة عن وقت مجهول لم يطلعه الله - تعالى - عليه، وهذا تكليف بما لا يطاق. 7360 - وقد التزم أبو الحسن على هذه الطريقة أن الزكاة، والنذور، والكفارات وقضاء رمضان مؤقت، ولزوم الوصية في ابتداء الإسلام. 7361 - والجواب عنها: أن وجوبها كان على الفور، وكان على الإنسان أن يوصي عاجلاً، كما يوجبها عند حضور الموت، [فأما أن تقف الوصية على حضور الموت] فلا، ولهذا قال - عليه الصلاة والسلام -: (لا يحل لرجل أن يبيت ليلتين إلا ووصيته عند رأسه). 7362 - وقيل: إن قوله تعالى: {إذا حضر أحدكم الموت}، يعني بسبب الموت الذي هو المرض، وهذا تعليق العبادة بشرط معلوم. 7363 - احتجوا: بما روى أن فريضة الحج نزلت سنة ست من الهجرة، فأخر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه، ومياسير أصحابه الحج إلى سنة عشر من الهجرة ولو كان على الفور ما أخره بعد وجوبه، ولا أقر على التأخير. 7364 - قالوا: والوجوب نزل سنة ست؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج معتمرًا، فصد، فنزلت الآية.

7365 - والجواب عنه: أن وجوب الحج نزل بقوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت}، وهذه الآية قيل: إنها نزلت في سنة تسع، فيجوز أن يكون نزولها في وقت جاز فيه القصد والتوجه. 7366 - وإن كان نزولها في سنة عشر، فلم يؤخر النبي - صلى الله عليه وسلم - الأداء. 7367 - فأما قوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله}، فحقيقة الإتمام فعل بقية شيء تلبس به، وليس إذا وجب المعنى وجب الابتداء فلم تدل الآية على ابتداء الوجوب. 7368 - فإن قيل: القوم كانوا محرمين، فأمرهم بإتمام الحج على الابتداء. 7369 - قلنا: الأمر بإتمام العبادة يدل على وجوب المضي فيها إذا فعلها الإنسان، وإن لم يكن تلبس بها كما تقول: إذا دخلت في حجة التطوع فتمها. 7370 - فإن قيل: روى عن عمر، وعلي أنهما قالا: إتمامهما أن يحرم بهما من دويرة أهله)، فهذا يدل على أن المراد بالآية الابتداء وحقيقتها لا تدل على ذلك، وعلى ما قالوه لا يجوز أن يعدلوا عن الحقيقة إلا بتوقيف. 7371 - قلنا: الإحرام من دويرة الأهل مستحب، فكأنهما حملا الأمر على الاستحباب دون الوجوب، وهذا ترك الظاهر فلم يعلم إلا بتوقيف؛ فصار هذا دليلاً على مخالفنا.

7372 - فإن قيل: روى أن ضمام بن ثعلبة قال: يا رسول الله هل فرض علينا أن نحج هذا البيت؟، قال: نعم، وهذا في سنة ست. 7373 - قلنا: ذكر ابن جريج أن ضمامًا وفد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سنة تسع، فقال ذلك، ولو ثبت ما قالوه: احتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - مأمورًا بشريعة إبراهيم - عليه السلام -. 7374 - فإن قيل: فقد أخره. 7375 - قلنا: لا نعلم أنه وجب في شريعة إبراهيم عليه السلام على الفور. 7376 - على أنه - عليه الصلاة والسلام - حج قبل الهجرة حجتين، فلم يوجب ذلك، ولو ثبت أنه أخر فعل الحج: احتمل أن يكون أخره لعذر؛ لأنه لا يترك الأفضل إلا لعذر، ولسنا نحتاج إلى تعيين العذر، بل عليهم أن يثبتوا عدم الأعذار. 7377 - فإن قيل: أخره عندنا ليبين جواز التأخير. 7378 - قلنا: كان يكفي أن يؤخره سنة واحدة، ليحصل البيان. 7379 - قالوا: في قراءة ابن مسعود وأقيموا الحج والعمرة. 7380 - قلنا: / الإقامة تحتمل الابتداء، وتحتمل الأمر بعد الدخول، وترتب على ما لا تحتمل من القراءة الأخرى، ثم إذا وجب في سنة ست فلوجوبه شرائط لا نعلم أنها حصلت له، ألا ترى: أن الحج يحتاج في وجوبه إلى الزاد والراحلة ونفقة الأهل وأمن الطريق ويحتاج إلى أصحاب يكفونه عذر الطريق، فيجوز أن تكون هذه الشرائط التي بها يحصل الاستطاعة لم تكمل في سنة ست ولابد أن تكون له الشرائط التي ذكرتم وكان معه عام الحديبية سبعون بدنة، وفي سنة ثمان أو تسع من سبى هوازن حتى قال صفوان بن أمية حين أعطاه: هذا عطاء من لا يخاف الفقر، وفي سنة ثمان فتح مكة وفرغ من هوازن والطائف، ولم يبق له مانع يجوز أن يكون هنا. 7381 - فإن قالوا: إذا كان من شرط الوجوب عليه حصول الاستطاعة لمن

يسير معه لم يكن دعوى ذلك. 7382 - قلنا: يجوز أن تكون الاستطاعة تحصل له في وقت العمرة، ونزول في وقت الحج؛ لأن قريشًا صالحوه في عمرة القضاء على العمرة، ولسنا نعلم أنهم مكنوه من الحج وقد كانوا صالحوه على ثلاثة أيام فأراد أن يقيم بها ... ، لهم فمنعوه، فيجوز أن تكون شرائط الاستطاعة لم توجد بعد ذلك. 7383 - فإن قيل: فقد كان في أصحابه أغنياء. 7384 - قلنا: شرط الاستطاعة ليس هو مجرد الغناء، بل يحتاج إلى ما ذكرنا من الشروط. 7385 - وقد قيل: إنما أخر بعد الوجوب لأنهم كانوا يؤخرون الحج تارة، ويقدمونه تارة أخرى، فيقع في غير وقته، فأراد - عليه الصلاة والسلام - أن يحج في وقت الحج، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض)، ولهذا فعل العمرة دون الحج؛ لأن وقتها لا يتخصص. 7386 - فإن قيل: أمر أبا بكر بالحج في سنة تسع. 7387 - قلنا: من حج على ما كانوا عليه كان يسقط فرضه إلا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يحج على وجه يقع في الآخر، أو يكون في المستقبل إمامًا في الاقتداء. 7388 - وقد قيل: إنهم كانوا يطوفون بالبيت عراة، ويظهرون الكفر في التلبية، فيقولون: (لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك). فلما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر في سنة تسع ونبذ إلى المشركين عهدهم، ونادى: (ألا لا يطوف

بالبيت مشرك ولا عريان)، وحج من قابل. 7389 - فإن قيل: كيف يأمر أبا بكر بالحج؟. 7390 - قلنا: لأن حرمته لا تضاهي حرمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يتساويا في هذا المعنى. 7391 - وقد قيل: أخر حتى أمن كيد الأعداء. 7392 - فإن قيل: كيف اعتمر؟. 7393 - قلنا: لما اعتمر أخلوا له مكة. 7394 - احتجوا: بما روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر من الصحابة من لا هدى معه أن يتحلل من الحج بعمرة، فلو كان على الفور: لم يجز التحلل منه. 7395 - قالوا: روى أنه قال: من (أراد الحج فليقم معنا) وروى أنه قال: (ومن شاء فلينصرف). 7396 - قلنا: إنه أمرهم بالحج قبل التروية، فإذا ثبت ما قالوه: احتمل أن يكون قاله لمن حج. 7397 - قالوا: كل عبادة كان وقت الدخول فيها موسعًا: كان يفعل فيها موسعًا كالصلاة. 7398 - قلنا: ينتقض بالحج في السنة التي يغلب على ظنه العجز بعدها، ونقلبه فنقول: فيتضيق فعلها بوقت وجوبها، كالصلاة، أو: فلا يجوز تأخيرها عن آخر وقتها، كالصلاة؛ ولأن الصلاة تجب بأول الوقت وجوبًا موسعًا على قول ابن شجاع، ويتضيق بآخره ويتضيق فعل وقتها ما لم يتضيق فالحج مثله. 7399 - قالوا: لو أخر الحج إلى السنة الثانية لم يكن قاضيًا ولم يضيق وجوبه،

فالسنة الأولى كان بتأخيره عن وقته قاضيًا، وتحريره: كل من أدى حجًا كان مؤديًا، وجب أن يكون بتأخيره إلى وقت أدائه، كالعام الأول. 7400 - قلنا: هذا يبطل بمن غلب على ظنه أن يعجزه؛ فإنه بالتأخير عنه لا يصير قاضيًا، ويأثم بالتأخير ولأنه إذا أخر سقط ما اقتضاه الأمر الأول، وفعله في السنة الثانية يقتضي أمرًا آخر. 7401 - فقد قلنا بمعنى القضاء، وأنا لا نسميه قضاء؛ لأن هذه تسمية شرعية، فتستعمل حيث أطلقت الشريعة. 7402 - ولأن الزكاة عند مخالفنا مضيقة الوجوب، وإن أخرها أثم، ولم يسم قاضيًا إلا أن يهلك المال، وقد سمى ما يفعل بعد الوقت أداء، وإن كان قضاء. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (فليصلها إذا ذكرها)، (فليؤدها إذا ذكرها) وسمى ما يفعل في الوقت قضاء، كقوله (ما فاتكم فاقضوا). 7403 - فدل على أن تسمية الأداء والقضاء لا يستدل بها على الوقت؛ فإن القضاء إنما يقال في عبادة مؤقتة يشترك في وجوبها عند وقتها غلبة الناس، فإذا أخر الفعل عنها سمى قاضيًا، أثم بالتأخير أو لم يأثم، ألا ترى: أن تأخير المريض والمسافر الصوم لا يأثما فيه ويسمى المفعول قضاء، والحائض لا يصح لها فعل الصوم، ولا تكون عاصية، وما تفعله في الثاني يكون قضاء، فأما الحج فوجوبه في هذا الوقت يختلف فيه الناس باختلاف حصول الشرط، فالسنة الثانية وقت الأداء في حق من وجد شرطه فيه، فلذلك لم يسم ما يفعله قضاء كالزكاة، لما كان وجوبها يقف على وجود الحول كالقضاء وبذلك يختلف فيه الناس ثم بتأخير الأداء إلى وقت ثان يكون قاضيًا. 7404 - قالوا: لو وجب على الفور لأدى إلى خراب البلاد، وهلاك الحرث. 7405 - قلنا: لا يؤدي إلى ذلك؛ لأن شرائط الوجوب لا تحمل لجميع الناس في سنة واحدة، ومن يتفق له شرائط الوجوب قد يعتبر من ذوى الأعذار، وإنما يحج من وجب عليه مع وجود الشرائط، ولا عذر له دون غيره، ويقوم بمصالح الدنيا من لا يحج. * ... * ... *

مسألة 418 إذا أحرم بالحج قبل أشهر الحج انعقد إحرامه حجة

مسألة 418 إذا أحرم بالحج قبل أشهر الحج انعقد إحرامه حجة 7406 - قال أصحابنا: إذا أحرم بالحج قبل أشهر الحج انعقد إحرامه حجة، وإن أمن مواقعة المحظورات لم يكره. 7407 - وقال الشافعي: ينعقد إحرامه عمرة. 7408 - لنا: قوله تعالى: {يسئلونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج} فجعل جنس الفعل لأمرين، ومتى يضف إلى الزمان لا يتضيق عنه، كأنه كله يكون وقتًا له، كما لو قلت: أصله أجل الديون كان جميعًا أجلاً لكل دين على الانفراد. 7409 - فإن قالوا: إضافة الأمرين إلى الأشهر تقتضي انقسامًا بينهما. 7410 - قلنا: هذا يكون فيما يتضايق كقولنا: جاء زيد وعمر فأما ما لا يتضايق: فكل واحد يضاف إلى الجميع، ولو اقتضى الانقسام لتساويا في الإضافة،

فصار لكل واحد منهما نصف الشهور، فدل على جواز الإحرام قبل الوقت. 7411 - فإن قيل: يبين ذلك بقوله تعالى: {الحج أشهر معلومات}. 7412 - قلنا: هذا نتكلم عليه في دلائلكم. 7413 - قالوا: الله تعالى جعل الأهلة للحج وهو الأفعال، وأنتم تجعلونها وقتًا للأفعال وليس للحج. 7414 - قلنا: إذا قلنا جميع الأشهر لا تصلح للأفعال: لم يبق إلا أن نحمل الآية على الإحرام بالحج، أو نقول: ظاهر الآية يقتضي الأفعال، والإحرام الذي لا تتم الأفعال إلا به، فنحملها على جميع [الأفعال]. 7415 - فإن قيل: حمله على الإحرام مجاز، ونحن نحمله على العمرة، وهي الحجة الصغرى، فلماذا حملها على المجاز ونحمله على الطواف وهو ركن منه. 7416 - قلنا: نحن نحمل الآية على أفعال الحج، وإحرامه، والعمرة، وجميع ذلك يتناوله اسم الحج، ومن حمل على جميع ما يتناوله الاسم كان أولى من حمله على بعضها. 7417 - قالوا: إذا شرع الله تعالى التوقيت: اقتضى الجواز، أو الإباحة، فأما الكراهة: فلا، وعندكم يكره الإحرام في غير أشهر الحج ... . 7418 - قلنا: لا يكره عندنا إذا أمن مواقعة المحظور، [فإن لم يأمن كره له ذلك، كما يكره الإحرام في أول الشهر إذا لم يؤمن مواقعة المحظور]. 7419 - فيدل عليه قوله - عليه الصلاة والسلام -: (من أراد الحج فليتعجل). 7420 - روي عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما أنهما قالا: (إتمامهما أن تحرم بهما

من دويرة أهلك)، ومن بعد عن مكة لم يمكنه الإحرام من أهله إلا قبل الأشهر، وقال للخثعمية: (حجي عن أبيك)، ولم يقل في الأشهر، وقال: (هن لأهلهن ولمن مر بهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة). 7421 - ولأنها أحد نسكي [القران: فجاز] الإحرام به قبل الأشهر كالعمرة. 7422 - ولأنه أحد نوعي الإحرام: فجاز أن ينعقد قبل الأشهر كالعمرة. 7423 - قالوا: المعنى في العمرة: أن أركانها لا تتأقت فلم يتأقت إحرامها، ولما تأقت أركان الحج تأقت إحرامه. 7424 - قلنا: في أركان الحج ما يتأقت منها، ولم يعتبر من المؤقت. 7425 - ولأنا لا نسلم أن أركان العمرة لا تتوقت؛ لأن عندنا يمنع من فعلها في خمسة أيام من السنة. 7426 - ولأنه وقت لركن يقع في الحج [فكان وقتًا لإحرامه، كأشهر الحج. 7427 - ولأنه ركن لأحد طرفي الحج] فجاز في غير الأشهر كالطواف. 7428 - ولا يلزم الوقوف؛ لأنه يجوز عندنا في يوم النحر عند الاشتباه، ويوم النحر ليس من الأشهر عندنا على ما روي عن أبي يوسف. 7429 - ولأن كل وقت يصح الإحرام فيه بالعمرة يصح الإحرام فيه، بالحج، كأشهر الحج.

7430 - فإن قيل: المعنى في أشهر الحج: أنه زمان للتمتع فلذلك انعقد الإحرام فيه بالحج وليس كذلك غيرها؛ لأنه ليس بزمان للتمتع قبل الأشهر ثم يصير به متمتعًا، وهذا لا تعلق له بإحرام الحج. 7431 - ولأن التمتع هو الجمع بين العبادتين، وليس إذا لم يصلح الوقت للجمع لم يصلح للإفراد كوقت الصلاة؛ لأن الإحرام يختص بمكان وزمان، فإذا جاز تقديمه على المكان المؤقت كذلك يجوز تقديمه على الزمان المؤقت له. 7432 - فإن قيل: لما جاز تقديم الإحرام على المكان لم يجز تأخيره، ولما جاز تأخير الإحرام [على المكان لم يجز تأخيره، ولما جاز تأخير الإحرام]، عن أول الشهر لم يجز تقديمه. 7433 - قلنا: لا فرق بينهما، أنه يجوز تقديم الإحرام على الميقات وتأخيره عن أول حدود الميقات إلى آخره، ولا يجوز تأخيره عن جميع حدوده، وكذلك يجوز تقديمه على الأشهر وتأخيره عن أولها، ولا يجوز أن يتأخر لهذه السنة عن أولها؛ ولأن الأفعال يجوز أن تؤدى متراخية عنه، فجاز أن تتقدم على وقتها كالطهارة لما جاز أن تؤدى بها الصلاة متراخية جاز تقديم الطهارة على الوقت. 7434 - والدليل على أن الصلاة مؤداة بالطهارة: لابد من بقاء الطهارة إلى وقت أداء الصلاة كما لابد من بقاء الأحرام إلى حين الأداء. 7435 - ويفارق طهارة خطبة الجمعة؛ لأنها شرط فيها وليست مؤداة بها، بدلالة أنه لا يعتبر بقاؤها إلى حين أداء الجمعة. 7436 - قالوا: والدليل على أن إحرامه لا ينعقد عمرة: قوله عليه الصلاة والسلام: (وإنما لكل امرئ ما نوى)، فهذا لم ينو العمرة.

7437 - ولأنه إحرام بنية الحج انعقد، فلم يكن عمرة، كما لو انعقد في الأشهر؛ ولأنه أحد نوعي الإحرام، فإذا دخل فيه لم ينعقد كالعمرة. 7438 - احتجوا: بقوله تعالى: {الحج أشهر معلومات}، والحج أفعال، والزمان لا يكون تبعًا للأفعال فلابد من إضمار، قال الفراء: الحج من أشهره، وقال غيره: وقت الحج أشهر معلومات. فعلى قول الفراء معناه: أفعال الحج في أشهر، ومعلوم أن الأفعال تقع من جهة الأيام، يعني أن من يريد الإحرام في أشهر تبين أنه أراد به الإحرام. 7439 - وقوله: {فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج}. 7440 - وعلى قول من قال: وقت أشهر، قال: فالوقت [المحدود للعبادة وقت لإحرامها، كوقت الصلاة، فمن زعم أنه يقع قبلها، أخرج الوقت] من أن يكون وقتًا. 7441 - والجواب: أنه متروك بالإجماع، على ما يرى أن الزمان لا يكون وقتًا للأفعال. فقال الفراء: (الحج أشهر) معناه: أن الوقت معتبر لا يدور كما كانت العرب تفعل من السر، وليس إذا كانت الأفعال تقع في بعضها لم يجز أن تضاف إلى جميعها لما كان من الأفعال ما يفعل في جميعها، وهو السعي عقيب طواف القدوم، فإذن كان جميع الأشهر تصلح لهذا الفعل، فلذلك أضاف الحج إلى جميعها. 7442 - وقيل: معنى الآية: {الحج أشهر} معناه: أن الحج المقصود المأمور به هو ما يقع في هذه الأشهر كما يقال: القتال قتال العرب، ولا ينفي ذلك وجوب القتال في غيرهم.

7443 - ويمكن أن تستعمل الآية من غير حذف، ويكون قوله: (الحج أشهر) كقولهم: الشعر زهير، معناه أنه أفضل الشعر وأحسنه، ولا ينفي ذلك شعر غيره، [ومن استعمل الآية من غير تقدير حذف أولى]. 7444 - ومن أصحابنا من قال: إن المراد بالآية وقت الحج أشهر، إلا أن الحج هو الأفعال فقد جعل الله تعالى جميع الأشهر وقتًا للأفعال، ولا تصح الأفعال إلا بتقديم الإحرام عليها، فاقتضت الآية جواز تقديمه على الأشهر حتى يكون جميعها وقتًا للأفعال، وإلا صار بعضها وقتًا له، وهذا خلاف الظاهر. 7445 - ومن أصحابنا من قال: إن الله ذكر التمتع بقوله تعالى {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي} ثم قال بعد ذلك: {الحج أشهر} يعني الحج الذي يكون به التمتع، وعندنا أن إحرام الحج لا يكون به متمتعًا ما وقع في الأشهر، وغنما وقع بعده. 7446 - فإن قيل: قوله تعالى {الحج أشهر} مستقل بنفسه، فلم يحمل على ما تقدمه. 7447 - قلنا: ذكر الحج المعروف، والواجب صرفه إلى ما تقدم ذكره حتى يصح التعريف. 7448 - قالوا: روي عن ابن عباس أنه قال: (لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج، فإن من سنة الحج أن تحرم بالحج في أشهر الحج). 7449 - وقول الصحابة: / السنة كذا يقتضي سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -. 7450 - قلنا: ليس كذلك؛ لأنهم يذكرون السنة ويريدون بها سنة الأئمة، أو سنة بعضهم ممن يقتدون به.

7451 - قالوا: روي هذا عن ابن عباس. وعن جابر - رضي الله عنه - أنه سئل: أيهل بالحج قبل أشهر الحج؟ قال: لا. 7452 - قلنا: روى علي، وابن مسعود رضي الله عنهما أنهما قالا: إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك، ومن بعد عن مكة لا يحرم من دويرة أهله في الأشهر. 7453 - قالوا: روي عن عثمان أنه أنكر على عبد الله بن عامر تجريد الإحرام من مسكنه. 7454 - قلنا: إنما كان لأنه أحرم بالعمرة، وهذه القصة مشهورة، فلا نقلب القصة إلى الحج. 7455 - قالوا: عبادة يلحقها الفوات، فوجب أن يكون وقت الإحرام بها كالجمعة. 7456 - قلنا: نقلب فنقول: فجاز أن تؤدى بشرط يختصها فيقدم على وقتها كالجمعة ولأن تحريمة الجمعة يفصل أفعالها بها، ولا يتراخى عنها، فلم يجز أن يقدم على وقت الأفعال، وأفعال الحج موضوعها أن يتأخر عن الإحرام فجاز أن تفعل متقدمة على الوقت كالطهارة. 7457 - فإن قيل: أفعال الحج سبعة منها الإحرام، وهو وجوب تجنب المحظورات. 7458 - قلنا: معنى قولنا: أفعال الإحرام ليس هو ما يتجنبه ويجب تجنبه، وإنما هو ما يسقط الوجوب بإيقاعه، وفرض الحج لا يسقط بتجنب المحظورات.

7459 - فإن قيل: أفعال الصلاة تتراخى أيضًا؛ لأنه إذا كبر لم يجز أن يسجد. 7460 - قلنا: لابد أن يتعقب الإحرام فعل يسقط الفرض، والإحرام بالحج يقع فلا يتعقبه فعل الفرض. 7461 - قالوا: يوم النحر وقت لفوات العبادة، فلم يتعذر فيه كالجمعة في وقت العصر. 7462 - قلنا: لأن الجمعة لا يجوز أن تبقى ببقاء أركانها إلى وقت العصر، فلم ينعقد إحرامها فيه، والحج موضوع ركنه أن يفعل يوم النحر، فكذلك انعقد الإحرام فيه. 7463 - قالوا: نسك لا يتم الحج إلا به، وكان وقته محدودًا، كالوقوف والطواف. 7464 - قلنا: الوقوف لما اختص بمكان لا يجوز التقدم عليه [كذلك يختص بوقت لا يجوز التقدم عليه]، وإنما شرع الإحرام في مكان يجوز التقدم عليه: جاز أن يتقدم على وقته أيضًا. 7465 - قالوا: لو أنه أحرم بالعمرة وفرغ منها قبل الأشهر: لم يلزمه دم التمتع، فلو كان جميع السنة وقتًا للحج جاز أن يتمتع في جميعها. 7466 - قلنا: التمتع هو الجمع بين العبادتين في زمان أحدهما، ووقت أفعال الحج الأشهر خاصة، فلم يصح التمتع قبلها؛ لأنه ليس بوقت لأفعال الحج. 7467 - قالوا: عبادة لا يتأقت أركانها: فوجب أن يتأقت إحرامها كالصلاة، وعكسه العمرة. 7468 - قلنا: نقلب فنقول: فجاز إحرامها في وقت جواز ركنها كالصلاة؛ ولأن الصلاة يراد إحرامها لإيقاع إحرامها متصلة به: فلم يتأقت بوقت الأفعال فيه، والإحرام يراد لإيجاب الأفعال وتصحيحها دون إيقاعها فيه: فلم يتأقت بوقت الأفعال كالنذر.

7469 - قالوا: عبادة لا تفعل في السنة إلا مرة واحدة: فكان وقت التلبس بها محدودًا كالصوم. 7470 - قلنا: فجاز أن ينعقد قضاؤها في وقت فواتها كالصوم؛ ولأن الصوم لا يتراخى أفعاله عن وقت الدخول، فلم يجز التلبس به إلا في وقت فعله. 7471 - والإحرام يتأخر أفعاله عن الدخول فيه، فلم يختص بوقت فعله، وصار كنية الصوم. 7472 - قلنا: إنه لما لم يقارن التلبس به: جازت في غير وقت الفعل، وكذلك االإحرام مثله. 7473 - قالوا: الأشهر جعلت وقتًا للحج، والتوقيت يضرب حتى لا يتقدم عليه، وحتى لا يتأخر عنه، فلما جاز أن يتأخر الإحرام عن أول الشهر: لم يجز التقدم، وإلا لم يكن للتوقيت فائدة. 7474 - قلنا: وهذا وقت حد لأفعال؛ لأنها لا تتعقبه، فيصير كنية الصوم، والوضوء للصلاة، والنذر للعبادات؛ ولأن الإحرام يتقدم على الأشهر، ولا يجوز أن يتأخر عنها لهذه السنة فهذا فائدة التوقيت، وهذا كميقات المكان يجوز التقدم عليه والتأخر عن أوله ولا يجوز التأخير عن جميعه. 7475 - فإن قيل: لو أحرم وأخر أفعاله لم يجز أن يؤدي بهذا الإحرام الحج في السنة الثانية، وما ذاك إلا أنه قدمه على الأشهر فيها. 7476 - قلنا: لأنه أوجب أركانًا تؤدى في هذه السنة، فلو أدى به أركانًا في سنة ثانية: كان قاضيًا للأركان، وما لا يصح التنفل بجنسه لا يقضي كالجمعة، ولهذا جاز قضاء الحج؛ لأن التنفل به جائز؛ ويصح قضاء الطواف؛ لأنه يتنفل. * ... * ... *

مسألة 419 أشهر الحج شوال وذو القعدة والعشر الأول من ذي الحجة

مسألة 419 أشهر الحج شوال وذو القعدة والعشر الأول من ذي الحجة 7477 - ذكر الطحاوي في مختصره أن أشهر الحج: شوال، وذو القعدة، والعشر الأول من ذي الحجة. 7478 - وأومأ أبو بكر الرازي في أحكام القرآن إلى أن يوم النحر منها، وكذلك كان يقول الشيخ أبو عبد الله الجرجاني. 7479 - وقال أبو يوسف في الجوامع: عشر ليال وتسعة أيام من ذي الحجة. 7480 - وقال الشافعي - رضي الله عنه -: يوم النحر ليس من الأشهر. 7481 - لنا: قوله تعالى: {يوم الحج الأكبر} قال ابن عباس: يوم النحر، فدل أنه من الأشهر. 7482 - وروى عن العبادلة: أنهم قالوا في أشهر الحج: (وعشر ليال من ذي

الحجة). 7483 - وذكر أحد العددين على الجميع يفيد دخول ما بإزائه من العدد بدلالة قول الله تعالى: {ثلاثت ليالٍ سويًا}. 7484 - ولأنه يوم ليلته من الشهر فكان منها كما قلته؛ ولأنه أول وقت وركن من أركان الحج، كيوم عرفة. 7485 - ولأن أركان العبادة لا تتوقف بما بعد وقتها، كأول الصلاة فلما توقت ابتداء الطواف بيوم النحر، دل على أنه من وقت العبادة ولا يتوقف إلا بخروج الوقت. 7486 - قلنا: إنه يفوت الوقت بفوات العبادة؛ لأنها لم تصح به، وأما [أن تفوت بخروج] الوقت فلا. * ... * ... *

مسألة 420 يكره الإحرام بالعمرة يوم عرفة ويوم النحر، وأيام التشريق

مسألة 420 يكره الإحرام بالعمرة يوم عرفة ويوم النحر، وأيام التشريق 7487 - قال أصحابنا: يكره الإحرام بالعمرة يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق. 7488 - وقال الشافعي: لا يكره. 7489 - واختلف أصحابه في إدخال العمرة على الحج في هذه الأيام. فمنهم: من كره ذلك، ومنهم من قال: لا يكره ما لم يأخذ في الرمي. 7490 - لنا قوله تعالى {يوم الحج الأكبر} قال ابن عباس: يوم النحر. 7491 - وقيل: يوم عرفة، ولو كان لا يكره غير الحج من جنسه فيه: لم يكن لتخصيصه بالحج معنى. 7492 - روى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (تتم العمرة في السنة كلها إلا

خمسة أيام: يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق وتخصيص العبادات بوقت لا يعلم إلا من جهة التوقيف. 7493 - وروى هذا الخبر بإسناد عن الأوزاعي، عن عطاء، عن عائشة رضي الله عنها وذكر عن قتادة، عن معاذة العدوية، عن عائشة، وذكرت فيه ثلاث أيام: يوم النحر، ويومان بعده. 7494 - فإن قيل: نحمله على الحاج. 7495 - قلنا: ظاهر النهي أنه يعود إلى الوقت، وهذا التأويل يجعل النهي آخر الوقت ولأنه تخصيص بغير دليل. 7496 - فإن قيل: معناه إن فعل الحج فيها أفضل. 7497 - قلنا: ظاهر الخبر يقتضي المنع منهما، وكون غيرها أفضل منها لا يوجب النهي عنها. 7498 - قالوا: فظاهر الخبر يقتضي المنع بكل حال، وعندكم يكره، فقد تركتم الظاهر. 7499 - قلنا: الخبر اقتضى النهي عن فعلها، وكذلك نحن، إلا أن مقارنة النهي للإحرام لا يمنع انعقاده. 7500 - ولأنها عبادة لها تحريم وتحليل، فكان لها وقت يكره فعلها فيه في حق الكافة كالصلاة فنقلب فنقول: فاستوى فعلها في هذه الأيام، وفي غيرها كالصلاة. 7501 - قلنا: تبطل بصلاة العيد، وبالحج، وأنه يجوز الإحرام به يوم عرفة، ولا يجوز في غيرها. 7502 - قالوا: الصلاة يختص بعض أفعالها بوقت، وكذلك الشروع فيها. 7503 - قلنا: الطواف بعض أفعال الحج، وهو غير مخصوص بوقت، وإذا كان الدخول فيه يختص بوقت؛ ولأنه أحد نوعي النسك، وأحد نوعي القران، فكان له وقت يمنع الكافة عن الإحرام به.

7504 - أصله: الحج؛ ولأنها عبادة مقصودة يتنفل بها، فكان لها وقت يمنع الكافة فعلها منه كالصوم والصلاة، ولا يلزم الزكاة؛ لأنها مالية، ولا الطهارة؛ لأنها ليست بمقصودة، ولا الإيمان؛ لأنه لا يتنفل بها. 7505 - احتجوا: بقوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله}. 7506 - قلنا: هذا يقتضي ما بعد الدخول، وعندنا إذا دخل فيها جاز إتمامها، والكلام في الابتداء. 7507 - وأما قراءة ابن مسعود: (وأقيموا الحج)، فقد بينا أنه محمول على الإتمام، حتى يوافق القراءة الأخرى؛ ولأن الحج والعمرة اسم للأفعال دون الإحرام، والخلاف في أفعالها. 7508 - وقول علي: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما) بيان لفعل العمرة. 7509 - قلنا: الطواف ركن من هذه العبادة، وقد يصلح الوقت لركن، ولا يصلح للإحرام، كيوم النحر عندهم لا يجوز الإحرام بالحج فيه، وعندنا يكره؛ لأن سائر الأوقات لا يختص بأفعال الحج، ولا يكره العمرة فيها، وفي مسألتنا بخلافها. 7510 - قالوا: كل وقت صلح لجميع العبادة، صلح للإحرام بها قياسًا على آخر وقت الصلاة. 7511 - قلنا: لا نسلم الوصف؛ لأن عندنا القارن ممنوع من الطواف والسعي إذا زالت الشمس يوم عرفة. 7512 - قالوا: زمان لا يكره الإحرام بالحج فيه، فلا يكره الإحرام بالعمرة فيه، قياسًا على ما سوى هذه الأيام. 7513 - قلنا: إذا لم يكره الإحرام بالعبادة في وقتها المختص بأفعالها فليس ينتفى ألا يكره الإحرام بالعبادة في غير وقتها المختص بأفعالها.

مسألة 421 يجوز إدخال العمرة على الحج ويكره

مسألة 421 يجوز إدخال العمرة على الحج ويكره 7514 - قال أصحابنا: يجوز إدخال العمرة على الحج، ويكره. 7515 - وهو قول الشافعي في/ القديم، وقال في الجديد: لا يجوز. 7516 - لنا: أنه أحد الإحرامين فجاز إدخاله على الآخر، كما يجوز إدخال الحج على العمرة؛ ولأن ما جاز إدخال الحج عليه جاز إدخاله على الحج كالاعتكاف. 7517 - وهذه المسألة مبينة على أن القارن يطوف طوافه، فهو يستقل بالعمرة وعمل نسك لم يكن، فصار كإدخال الحج على العمرة. 7518 - احتجوا: بأن الحج أقوى من العمرة، بدلالة افتقاره إلى الوقوف والرمي، والأقوى يدخل على الأضعف كنكاح الحرة على الأمة. ولا يدخل الأضعف على الأقوى، كما لا يدخل نكاح الأمة على الحرة. 7519 - قلنا: نكاح الأمة والحرة لو جمع بينهما لم يصح، فإذا أدخل الأضعف على الأقوى لم يصح، والعمرة والحج يصح أن يجمعهما في الدخول، فجاز أن يدخل كل واحد منهما على الآخر. * ... * ... *

مسألة 422 العمرة سنة

مسألة 422 العمرة سنة 7520 - قال أصحابنا: العمرة سنة. 7521 - وقال الشافعي: واجبة بوجود الزاد والراحلة، كالحج. 7522 - لنا: أن العمرة لو وجبت كوجوب الحج: كان بيان النبي - صلى الله عليه وسلم - لأحدهما كبيانه للآخر، لتساويهما في الوجوب، وفي الحاجة إليهما. 7523 - فلما بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وجوب الحج حتى العلم به، ولم ينقل في وجوب العمرة ما يقارنه، دل على اختلاف حكمها. 7524 - ويدل عليه: حديث ثابت عن أنس قال: (جاء رجل، فقال: يا محمد أتانا رسولك فزعم أنك تزعم أن الله تعالى أرسلك؟ قال صدق، قال: وزعم أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا، قال: صدق، قال: وزعم رسولك أن علينا زكاة أموالنا، قال: صدق، قال: وزعم أن علينا صوم رمضان في سنتنا؟ قال:

صدق، قال: وزعم أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلاً؟ قال: صدق، قال فوالذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن شيئًا، ولا أنقص منهن شيئًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: والله لئن صدق ليدخلن الجنة)، وهذا ينفي وجوب العمرة. 7525 - وروى طلحة بن عبيد الله، وعبد الله بن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الحج جهاد، والعمرة تطوع)، ورواه أبو صالح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً، ورواه أبو صالح عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. 7526 - قالوا: كيف يشبه الحج بالجهاد، والحج من فرائض الأعيان والجهاد من فرائض الكفاية، فعلم مع التشبيه أن الحج شاق كالجهاد، والعمرة سهلة كالتطوع. 7527 - قلنا: قد يكون أشق من الفريضة، وقد يكون مثلها، فكيف يكون أنه أخف من الفرض؟. 7528 - قلنا: قوله: (الحج جهاد) معناه: أنه واجب، فأجراه مجرى الجهاد في الوجوب، وإن اختلفا في كيفية الوجوب، [كما سمى النبي - صلى الله عليه وسلم - المصلي مجاهدًا وإن فارقت الصلاة الجهاد في كيفية الوجوب].

7529 - وروى محمد بن المنكدر عن جابر، قال: (سأل رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة، والزكاة، والحج أواجب هو، قال: نعم، فسأله عن العمرة أواجبة هي؟ قال: لا، وإن اعتمر خير له). 7530 - قالوا: رواه الحجاج بن أرطاة، عن محمد بن المنكدر عن جابر. 7531 - قلنا: الحجاج ثقة، وروى عنه أبو يوسف، واحتج بقوله، وأكثر ما قيل فيه: إنه مدلس، والتدليس ليس بكذب، ولا يجرح الراوي. 7532 - وقد رواه يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن المغيرة، عن ابن الزبير عن جابر قال: قلت يا رسول الله العمرة واجبة، فريضتها كفريضة الحج؟ قال: لا، وأن تعتمر خير لك). 7533 - فإن قيل: السائل سأله عن حكم نفسه، فيجوز أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - ظن أنه اعتمر، فقال: لا، ثم بين له حكم نفسه فقال: (وأن تعتمر خير لك). 7534 - قلنا: السؤال وقع عن جنس العبادة وحكمها، لا عن حال السائل، واللفظ الآخر: قال جابر: قلت: العمرة واجبة في وقتها كفريضة الحج؟ قال: لا، وهذه مسألة عن حال العمرة، وعن نفسها، وعن وجوبها بأصل الشرع. 7535 - ويدل عليه: ما روى عمرو بن حزم أن النبي عليه الصلاة والسلام كتب

معه كتابًا في أهل اليمن وفيه: (أن العمرة الحج الأصغر، ولا يمس القرآن إلا طاهر)، وإذا ثبت أنها تسمى الحج الأصغر: ثبت ما قلناه. 7536 - وقد ذكر أبو داود عن ابن عباس: (أن الأقرع بن حابس أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: الحج في كل سنة، أو مرة واحدة؟، فقال: بل مرة واحدة فمن زاد فتطوع) فانتقي بذلك وجوب العمرة [لأنها لا تسمى حجًا]. 7537 - ولا يقال: إن الاسم يتناولها مقيدًا، إلا أن النفي يتناول المطلق والمقيد؛ لأنه إذا ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سماها الحجة الصغرى، دل على أنها ليست بواجبة، ألا ترى: أنها لو ساوت [الحج في] الوقوف [لم تسم] صغرى، لنقصان أفعالها، كما لا يقال للفجر: صلاة المغرب، وإن كانت أقل عددًا من الظهر والعصر. 7538 - ولأنه نسك غير مؤقت مفرد بنفسه: فلم يكن واجبًا بأصل الشرع كالطواف. 7539 - ولا يلزم طواف الصدر؛ لأنه لا ينفرد بنفسه، وإنما هو من توابع الحج. 7540 - قالوا: المعنى في الطواف أن مثله على صورته واجب بأصل الشرع وهو طواف الزيارة، ولهذا لم يكن واجبًا في نفسه منفردًا، والعمرة نسك ليس مثلها على صورتها ما هو واجب بأصل الشرع [وهو طواف الحج]، فلهذا كانت واجبة في نفسها. 7541 - قلنا: وبمثل العمرة على صورتها واجب بأصل الشرع]، وهو طواف الحج والسعي وقد تقدمه إحرام، فإن جاز أن يقال: إن طواف الحج لما وجب الحج، منع

من وجوب طواف، كذلك دواف الحج وسعيه وقد تقدمه إحرام واجب بأصل الشرع، فمنع من وجوب مثله وجوب الشيء لا يدل على إسقاط وجوب طواف الصدر إن كان مثله وعلى صفته، كذلك وجوب طواف الزيارة لا يمنع من وجوب طواف مفرد. 7542 - ولأن ما شرع تقدمه على الفرض في وقته من جنسه فهو سنة كنافلة الصلاة. 7543 - ولأن بعض أفعال الحج لا يفرد بأصل حج أوجبه الشرع منفردًا عن الوقوف في الزمن. 7544 - ولأن السعي والطواف يتحلل بهما من الإحرام. 7545 - قال: وما وقع به التحلل من الإحرام، لم يكن فرضًا بنفسه بأصل الشرع وإن انضم إليه إحرام، كالرمي عندهم، والذي عندنا وعندهم في المحصر. 7546 - ولأنها عبادة بدنية يصح أداؤها بنية غيرها مع اتساع الوقت، كالصلاة النافلة. 7547 - ومعنى هذا: إن فاتت الحج يتحلل عنها بالطواف والسعي، كما أن من فعل صلاته يظنها عليه كانت نفلاً مؤداة بنية الفرض. 7548 - قالوا: عندكم لا يتحلل بعمرة، وإنما هو عمل غيره. 7549 - قلنا: تعليلاً للطواف والسعي مع الإحرام. 7550 - فإن قيل: الصلاة عندنا لا تؤدى بنية غيرها، وإنما تؤدى بنيتها؛ لأنه نوى صلاة الفرض، وإن لغى ذكر الفرض، وصار مؤديًا بنية صلاة أدى بعضها، وإنما تؤدى تلك النبية بعض ما اقتضته من طريق الحكم، وهذا معنى قولنا: إنما تؤدى بنيتهما، يبين هذا: أن من سلم في ركعتي الظهر عامدًا كان ما فعل نفلاً. 7551 - ولا يصح أن يقال إنه أداه بنيةة الصلاة خاصة، بل أداه بنية الفرض، ولهذا لو تم كان فرضًا. 7552 - ولأن ما وجب بأصل الشرع، لم يجز أن يضم إلى واجب آخر، فيؤديان بتحريمة، كالظهر والعصر.

7553 - قلنا لما صح ضم العمرة إلى الحج في الإحرام، علم أن أحدهما غير واجب. 7554 - ولأنها عبادة يجب بإفسادها الكفارة، فلم يجب بأصل الشرع بعضها مضافًا إليها كصوم رمضان. 7555 - ولأن الحج يجب بوجود الزاد والراحلة، والعبادة إذا شرط في وجوبها المال لم يجب بوجوده عبادتان من جنس واحد، كالنصاب في الزكاة، ومعلوم أن الحج وجب بوجود الزاد والراحلة، فلا يجب بوجودهما العمرة. 7556 - احتجوا بقوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله}. 7557 - قلنا: قد بينا أن حقيقة الإتمام يتناول ما بعد الدخول، وهذا لا يدل على وجوب الابتداء. 7558 - وقول علي - رضي الله عنه -: (إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك)، لا يدل على ما قالوا؛ لأن هذا المعنى إذا لم يكن واجبًا، فكأنه قال: الإتمام المراد بالآية هو استحباب فعل الإحرام على وجه كذا، والإتمام قد يكون بصفة مستحبة، فكيف يحمل هذا على وجوب الابتداء؟ 7559 - فإن قيل: في قراءة ابن مسعود: {وأقيموا الحج}. 7560 - قلنا: قرأ الشعبي فيها: {والعمرة لله} بالرفع فالحج مفعول، والعمرة مبتدأ، وخبر المبتدأ لا تعلق له بالأمر الأول. 7561 - قالوا: روى ابن سيرين عن عمران بن حطان، عن عائشة قالت: (قلت يا رسول الله: هل على النساء جهاد؟ قال نعم، جهاد لا قتال فيه، الحج،

والعمرة). 7562 - قلنا: ذكره الدارقطني في رسالة تكلم فيها على من أخرجه البخاري في الصحيح، وكان يجب أن لا يخرج عمران بن حطان وقال: لا يجوز إخراجه في الصحيح، لسبه السلف. 7563 - وعند مخالفنا قول الداقطني حجة معتمدة. 7564 - ولأن عليهن الحج والعمرة عندنا، إلا أن اختلفنا في العمرة المعروفة، فعندهم أنها عمرة الإسلام، وعندنا في الشريعة عمرة معروفة، إلا أن العمرة التي تكون على المحصر فاحتاجوا أن يبينوا أن ههنا/ عمرة أخرى معروفة ينصرف اللفظ إليها. 7565 - قالوا: روى ابن سيرين عن زيد بن ثابت (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الحج والعمرة فريضتان لا يضرك بأيهما بدأت). 7566 - قالوا: هذا الخبر رواه إسماعيل بن مسلم، عن محمد بن مسلم، عن محمد بن سيرين، ورواه هشام بن حسان عن ابن سيرين، عن زيد بن ثابت سئل عن العمرة قبل الحج قال: هي صلاتان لا يضرك بأيهما بدأت وهشام بن حسان أوثق وأضبط. والصحيح ما رواه، والعجب أن مخالفنا يرد في هذه المسألة رواية الحجاج ويعتمد رواية إسماعيل بن مسلم، والحجاج أوثق منه، ولو ثبت لاقتضى وجوب عمرة معروفة، وقد بينا أن العمرة المعروفة عندنا هي عمرة المحصر دون غيرها.

7567 - قالوا: روى ابن عمر، عن عثمان، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهم - أن أعرابيًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فسأله عن الإسلام، فقال: (أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وأن تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحج وتعتمر وتكمل الوضوء، وتصوم رمضان، قال: فإذا فعلت هذا فأنا مسلم، قال: نعم). 7568 - قلنا: المشهور من هذا الخبر ذكر الحج دون العمرة وهو الصحيح؛ لأنه يوافق الخبر المشهور، وقوله عليه الصلاة والسلام: (بني الإسلام على الفرائض والسنن) كما قال عليه الصلاة والسلام: (الإيمان بضع وسبعون خصلة أدناها إماطة الأذى عن الطريق) يبين ذلك: أنه ذكر فيها كمال الوضوء، وليس ذلك بفرض، وليس إذا قرنها بالفرائض اقتضى أن يكون مثلها؛ لأن الله تعالى قد قرن بين شيئين مختلفين فقال: {فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج} فسوى بين هذه الأشياء ومنها: ما بعد الحج، ومنها: ما لا يأتي بعده، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في خبر (لا يستام الرجل على سوم أخيه، ولا يخطب على خطبته، ولا ينكح المرأة على عمتها ولا على خالتها، ولا تناجشوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إحوانًا)، وهذه أمور مختلفة، منها واجبة، ومنها محرمة، ومنها: ندب، وأن الحج اسم

للوقوف قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الحج عرفة)، والعمرة اسم للزيادة فقوله: (وأن تحج وتعتمر). معناه: يقف ويطوف ويسعى. 7569 - فإن قيل: [هذا فهم من قوله: وتحج]. 7570 - قلنا: لا يمتنع أن يذكره في جملة الحج، ثم يفرده، كما قال تعالى: {وملائكته وكتبه ورسله وجبريل وميكال}، وكقوله تعالى: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى}. 7571 - قالوا: روى جابر بن عبد الله، عن سراقة بن مالك، قال: (قلت: [يا رسول الله] عمرتنا هذه لعامنا [هذا] أم للأبد، قال: بل للأبد، دخلت العمرة في الحج إلى القيامة. 7572 - قالوا: وهذا يفيد الوجوب؛ لأن الاستحباب لا يختص بذلك العام. 7573 - قلنا: إنما أراد بهذه العمرة التي فسخوا بها الحج، والمشهور: (أمتعتنا هذه

لعامنا أم للأبد؟) يبين هذا سياق الخبر. 7574 - قال جابر: (أهللنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحج خالصًا، لا يخالطه شيء، فقدمنا مكة لأربع ليال خلون من ذي الحجة، فطفنا وسعينا، ثم أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نحل، قال: لولا هديي لأحللت، فقام سراقة، وقال: يا رسول الله أرأيت متعتنا هذه لعامنا أم للأبد؟، فقال: بل للأبد). 7575 - هكذا ذكره ابو داود وقوله: (دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة)، معناه: دخل وجوبها في وجوب الحج، ويحتمل أن يكون دخل وقتها في وقت الحج؛ لأن قريشًأ كانت تعتقد أن العمرة لا تجوز في أشهر الحج. 7576 - قالوا: روى عن أبي رزين: أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (إن أبي شيخ كبير، أدرك الإسلام لا يستطيع الحج والعمرة ولا الظعن قال: حج عن أبيك واعتمر). 7577 - قالوا: والأمر يقتضي الوجوب. 7578 - قلنا: بين له النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يستحب له فعله عن أبيه، وتجوز النيابة فيه، ولم يبين له الوجوب، ألا ترى: أنه لم يدرك استطاعة أبيه، ولا أمره له بالحج، ولا تدل الطاعة على قولهم: إن الخبر ورد يفيد بيان ما يجوز [أن ينوب فيه عن أبيه لا ما لا يجب عليه]. 7579 - قالوا: من طريق المعنى أخذ نسك القِرَان، فكان واجبًا بأصل الشرع، أو

نوع عبادة من شرطها الطواف، فكان منها ما وجب بأصل الشرع، كالحج. 7580 - قلنا: الحج دلالة لنا؛ لأنه لما كان نسكًا مؤقتًا: وجب من جنسه بالشرع، ولما كانت العمرة نسكًا غير مؤقت حل محل الطواف. 7581 - ولأن الحج نسك يتضمن الوقوف، والعمرة نسك على البدن لا يتضمن الوقوف فلم يجب بأصل الشرع. 7582 - ولأن المعنى في الحج: أنه أدى بنية غيره: فكان فرضًا، كالظهر والعصرن ولما جاز أن تؤدى العمرة بنية غيرها مع اتساع الوقت وعدم تعلقها بغير دليل دل على أنها ليست بواجبة. 7583 - ولأن الحج عبادة بدنية تختص بوقتٍ، فكان فيها ما هو واجب، كالصوم والصلاة. 7584 - ولما كانت العمرة عبادة شرعية بدنية يصح أداؤها في عموم الأوقات لم تكن واجبة، كصلاة التطوع. 7585 - قالوا: عبادة تجب بإفسادها الكفارة، فوجب أن تتنوع نفلاً وفرضًا، دليله: الصوم والصلاة، والحج. 7586 - قلنا: نحن نقول بموجبه؛ لأن من جنس العمرة ما هو فرض، وهو العمرة التي يجب على المحصر. 7587 - والمعنى في الصوم والصلاة: أن كل واحدة منهما لا يجوز أداؤها بنية غيرها مع اتساع وقتها، أو أنها عبادة بدنية اختصت بوقت بعينه، وفي مسألتنا بخلافه. 7588 - قالوا: موضوع الأصول، أن كل من نذر نذرًا سقط فرض نذره بأقل ما وجب بأصل الشرع من جنسه، بدلالة الصيام، والصلاة، والصدقة، فلما ثبت أنه نذر نسكًا سقط فرض نذره بالعمرة، ثبت أنها أصل ما وجب بالشرع من جنسه. 7589 - قلنا: الواجب على الإنسان بالنذر المطلق أقل ما يصح التقرب به من ذلك الجنس، والعمرة أقل ما يتقرب بها من النسك؛ فخرج بها من مطلق النذر كما

يخرج من نذر الصوم بيوم واحد، وكذلك لو نذر الاعتكاف خرج من النذر بأقل ما يصح أن يأتي به من الاعتكاف، وإن لم يكن الاعتكاف واجبًا بأصل الشرع، وكذلك من نذر صدقة خرج من نذره بأقل ما يتناوله الاسم، ولم يشرع ما يتناوله الاسم. * ... * ... *

مسألة 423 القران أفضل من التمتع والإفراد

مسألة 423 القِران أفضل من التمتع والإفراد 7590 - قال أصحابنا: القِران أفضل من التمتع والإفراد، وذكر الطحاوي: أن التمتع أفضل من الإفراد. وأصحابنا يقولون: هذا مذهبه خاصة. 7591 - وقال الشافعي: الإفراد والتمتع، فقال في عامة كتبه: الإفراد أفضل، وقال في اختلاف الحديث: التمتع أفضل. 7592 - والقِران أفضل من حجة مفردة، وأما إفراد الحج أو العمرة: بأن يأتي بالحج ثم يعتمر بعد الأشهر فذلك أفضل من القرِان. والكلام في هذا يقع في فصول: 7593 - أولها: أن القرِان أفضل. 7594 - والثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حج حجة الإسلام التمام قارنًا. 7595 - والثالث: أن دم القرِان دم النسك. 7596 - فأما الدليل في نفس المسألة: فما روى الأوزاعي، وعلي بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن ابن عباس عن عمر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بالعقيق يقول: (أتاني الليلة آت من ربي، فقال: صل في هذا الوادي المبارك، وقال: قل: لبيك بعمرة في حجة) فأقل أحوال الأمر: أنه يحمل على الفضيلة.

7597 - فإن قيل: ذكر هذا البخاري في الصحيح وفيه: (قال: عمرة في حجة). 7598 - قلنا: ذكر أبو داود اللفظين جميعًا، وذكرهما الطحاوي من الطرفين اللذين ذكرناهما، وفيه قل. 7599 - ولأن قوله: (وقال) اختصار الحديث، وإلا فالملك لا يلبي، وإنما يعلم التلبية فأصل الخبر فقال: (قل). 7600 - ولأنه زائد، والزائد من الخبر أولى. 7601 - وروت أم سلمة، قالت: (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: أهلوا يا آل محمد بعمرة في حجة) وهذا أمر. 7602 - ويدل عليه: قول علي - رضي الله عنه -: (إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك)، والإحرام بهما هو القران، وقد جعل ذلك من صفة التمام، فهي أفضل من غيرها. 7603 - ولأن كل عبادتين أبيح الجمع بينهما، فإفراد كل واحد منهما لا يكون أفضل من جمعهما، كالصوم، والاعتكاف، والحرس في سبيل الله مع الصلاة، ودفع الصدقة في الصلاة. 7604 - ولأن كل من أبيح له القران، فالأصل له القران، أصله: من أحرم بشيء ثم نسيه. 7605 - ولأن من نذر القِران لم يسقط نذره بالإفراد، ولو كان أفضل، سقط به فرض النذر، كمن نذر أن يصلي قاعدًا فصلى قائمًا، فإن أوجب نوع نسك، فلا يسقط فرضه بما لا يتناوله اسمه، كمن نذر حجة فأتى بعمرة. 7606 - ولا يلزم على هذا: من ذنر حجة وعمرة فأتى بالقِران؛ لأن القران حج وعمرة؛ ولأنه إذا ثبت القِران، فقد أوجب الحج والعمرة والدم، فإذا أفرد فعل الحج والعمرة دون الدم لم يحرم.

7607 - فأما الدليل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في حجة التمام قارنًا: فما روى حميد عن أنس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (أنه أتى بعمرة وحجة، وقال: لبيك بعمرة وحجة). 7608 - وروى أبو قلابة عن أنس: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما استوت به راحلته على البيداء جمع بينهما). 7609 - وروى أبو قلابة وحميد بن هلال عن أنس قال: (كنت ردف أبي طلحة، وكانت ركبتي تمس ركبة النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يزالوا يصرخون بهما جميعًا بالحج والعمرة). 7610 - قالوا: ذكر قول أنس لابن عمر، فقال ابن عمر: (إن أنسًا كان يلج على النساء وهن مكشفات، وكنت تحت ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسيل عليَّ لعابها.

7611 - قلنا: قد ذكر لأنس قول ابن عمر فقال: ما يعدونا إلا صبيانًا، بل سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: لبيك بحجة وعمرة معًا). 7612 - وعن علي: أن سن أنس وابن عمر بمتفاوت حتى يقدح في روايته لصغره وإنما بينهما ثلاث سنين، وقد دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة ولأنس عشر سنين، فكيف يكون في حجة الوداع يلج على النساء؟. 7613 - وذكر أبو الحسن بأسانيده عن أبي بكر، وعمر، وأبي طلحة، وابن عباس، وعائشة، والهرماس بن زياد، وأم سلمة، وعبد الله بن أبي أوفى، وذكر أبو داود حديث أنس وعمران بن الحصين، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قارنًا. 7614 - وذكر الطحاوي القران عن سراقة بن مالك.

7615 - وذكر الدارقطني عن ابن مسعود وأبي سعيد وابن عمر، وأبي قتادة، وقال أبو قتادة: (إنما جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الحج والعمرة؛ لأنه علم أنه ليس بحاج بعدها). 7616 - ويدل عليه: حديث ابراء بن عازب، قال: (كنت مع علي [- رضي الله عنه -] حين أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأصبت معه أواقى، فلما قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: وجدت فاطمة رضي الله عنها قد لبست ثيابًا صبيغًا، وقد نضحت البيت بنضوح. قال: فقالت: مالك، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أصحابه فأحلوا، قال: قلت لها: إني أهللت بإهلال النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لي: كيف صنعت؟ قلت: أهللت بإهلال النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: فإني سقت الهدي وقرنت، فقال لي: انحر من البدن تسعًا وستين، أو ستًا وستين، وأمسك لنفسك ثلاثًا وثلاثين، أو أربعًا وثلاثين). 7617 - فإن قيل: روى ابن خزيمة في هذا الحديث (أما [أنا فسقت] الهدي وأفردت). 7618 - قلنا: الصحيح من الخبر ما ذكرناه، وهو مذهب علي - رضي الله عنه -، وهكذا رواه أبو داود وغيره، ولعل ما ذكره تصحيف على القارئ من كتاب ابن خزيمة. 7619 - ولو كان لهذا أصل صحيح، أو فاسد، لم يتركه الدارقطني مع تتبعه

لما يقوي مذهب مخالفنا صحيحًا أو فاسدًا، معروفًا أو شاذًا. 7620 - ويدل عليه: ما روى ابن عباس قال: (اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربع عمر: عمرة الجحفة، وعمرته من العام المقبل، وعمرته بالجعرانة، وعمرته مع حجته، وحج حجة واحدة). ذكره الطحاوي. 7621 - وذكر أبو داود عن عائشة رضي الله عنهما قالت: (اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث عمر سوى عمرته التي قرنها بحجة الوداع). 7622 - ويدل عليه ما روى: أن حفصة قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم - (ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت من عمرتك؟، فقال: إني قلدت هديي، ولبدت رأسي، فلا أحل حتى أنحر).

7623 - وروى عنه: أنه قال: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة وحللت كما حلوا). 7624 - ومعلوم أنه إذا كان مفردًا، فهديه تطوع، وذلك لا يمنع التحلل عند أحد، وهدي المتعة والقِران عندنا يمنع التحلل، وحمل خبر النبي - صلى الله عليه وسلم - على وجه قال به أهل العلم أولى من حمله على ما يخالف إجماعهم، وإذا ثبت أنه كان قارنًا وهو لا يختار من القرب إلا أفضلها إذا لم يكن له عذر، ولا عذر له في ترك الإفراد، لا سيما وقد حج معه مائة ألف. 7625 - وقال: (خذوا عني مناسككم) وعلم أنها حجة حجها، وكيف يترك الأفضل، ويعدل إلى الأنقص من غير عذر؟. 7626 - وأما الدليل على أن دم القِران دم نسك: فإنه دم وجب لا لارتكاب محظور، كالأضحية المنذورة ولا يلزم الدم الذي يجب بحلق الرأس من أدنى؛ لأن الحلق في الجملة محظور، وإن رخص فيه للعذر. ولأنه دم يراد لا لارتكاب محظور، ولا لفعل حظره للإحرام، كدم الأضحية. 7627 - ولأنه مؤقت، بدلالة أنه لا يجوز إلا بعد دخول أشهر الحج ووجود الإحرامين، فكان دم نسك، كالأضحية. 7628 - ولأن سبب هذا الدم أبيح لغير عذر، كدم النذر، وعكسه سائر الدماء في الحج، وإذا ثبت أنه دم نسك، ثبت أن القران أفضل؛ لأن أحدًا لم يفصل بينهما. 7629 - ولأنه يأتي بالإحرامين مع دم نسك، وزيادة النسك أولى.

7630 - ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أفضل الحج العج والثج). 7631 - فدل على أن الإحرام الذي ينضم إليه إراقة الدم أفضل وأولى بالفعل. 7632 - احتجوا بما روى عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنهما (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفرد الحج). 7633 - قلنا: قد روى ابن شهاب، قال: أخبره ابن عروة، عن عائشة، أخبرته: (أنها كانت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تمتعه بالحج إلى العمرة، وتمتع الناس معه).

7634 - وهذا يدل على أنه كان متمتعًا بخلاف ما روى عنها القاسم بن محمد. وروى مجاهد، قال: سئل ابن عمر: كم اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: مرتين، فقالت عائشة: لقد علم ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعتمر ثلاثًا سوي عمرته التي قرن بها حجه. 7635 - وقد اختلفت الرواية عن عائشة، فروي عنها الإفراد والتمتع والقران، وخبر أنس ومن روينا عنه لم يتعارض، فكان أولى. 7636 - قالوا: ذكر أبو داود عن جابر: أنه قال: أهللنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحج خالصًا لا يخالطه شيء. 7637 - قلنا: ذكر الثوري، عن جعفر بن محمد، حكايته عن جابر، (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حج حجتين قبل أن يهاجر، وحج بعد الهجرة حجة، قرن بها عمرة). 7638 - وروى أبو نضرة عن جابر، قال: (متعتان فعلناهما على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنهانا عنهما عمر، فلم نعد إليهما). 7639 - قالوا: روي عن ابن عمر أنه قال: (أهللنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحج

مفردًا). 7640 - قلنا: روى الزهري، عن سالم، قال: (إني لجالس مع ابن عمر في المسجد، إذ جاءه رجل من أهل الشام، فسأله عن التمتع بالعمرة إلى الحج، فقال ابن عمر: حسن جميل، فقال: إن أباك ينهى عن ذلك، فقال: ويلك! فإن كان أبي نهى عن ذلك، وقد فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأمر به، فقال: بأبي نأخذ أم بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فقم عني). 7641 - وروى ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله: أن عبد الله بن عمر قال: (تمتع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى، فساق معه الهدي من ذي الحليفة، وسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج، وتمتع الناس مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعمرة إلى الحج). 7642 - وروى سفيان عن صدقة بن يسار (أنه سمع ابن عمر يقول: عمرة في العشر الأول من ذي الحجة أحب إلى من عمرة في العشر البواقي).

7643 - وروى عطاء بن السائب، عن كثير بن جهمان، قال: (حججنا وفينا رجل أعجمي يلبي بالعمرة والحج، فعبنا ذلك عليه، فسألنا ابن عمر، فقلنا: إن رجلاً يلبي بالعمرة والحج، فما كفارته؟ قال: يرجع بأجرين، وترجعون أنتم بأجر واحد). 7644 - فهذا ابن عمر يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ويبقي بفضيلة القران. 7645 - قالوا: روى نافع، عن ابن عمر: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعمل عتاب بن أسيد على الحج، فأمره، ثم استعمل أبا بكر سنة تسع وأفرد، ثم حج النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة عشر، فأفرد الحج، ثم توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، واستخلف أبو بكر، فبعث عمر وأفرد الحج، وتوفي أبو بكر، واستخلف عمر، فبعث عبد الرحمن بن عوف فأفرد الحج، ثم حج عمر سنيه كلها وأفرد الحج ثم توفي عمر، واستخلف عثمان، فأفرد الحج، ثم حصر عثمان، فأقام عبد الله بن عباس بالناس، فأفرد بالحج). 7646 - قلنا: روى عن ابن عباس أنه قال تمتع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى مات،

وأبو بكر حتى مات، وعمر حتى مات، وأول ما نهي عنها معاوية. 7647 - قالوا: روى جابر قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يسم حجًا ولا عمرة، حتى كان بين الصفا والمروة، ونزل عليه عبد الرحمن، فأهل بالحج). 7648 - قلنا: روي عن عائشة، أنها قالت: إنه أفرد بالحج). 7649 - وروي عن ابن عمر: (أنه أفرد بالحج). 7650 - وروينا عن علي، وأنس، والجماعة: (أنه قرن)، فعارض هذا ما رواه جابر. 7651 - قالوا: روى جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لما سقت الهدي، ولجعلتها عمرة)، ثبت أنه كان محرمًا بالحج، إذ لو كان محرمًا بالحج والعمرة لقال: ولجعلتها عمرة. 7652 - قالوا: دخل مكة فقضى العمرة، ثم قال: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلت الحجة عمرة) بالفسخ، وأما العمرة فقد قضاها، فلذلك لم يكرهها. وإذا قد تعارضت/ الأخبار فأخبارنا أولى؛ لأن رواتها أكثر؛ ولأنا روينا عن جماعة لم تختلف الرواية عنهم، [فكان من روى ولم تختلف الرواية عنهم] أولى. 7653 - ولأنا نجمع بين الأخبار ونستعمل جميعها، فنقول: يجوز أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - أحرم ابتداءً بالعمرة، فسمعه قوم يحرم بها، ثم أدخل الحج عليها، فمن قال: أفرد الحج، سمعه يحرم بالحج، ولم يكن عرف تقدم إحرامه بالعمرة، ومن قال:

تمتع، سمع إحرامه ابتداء بالعمرة، ثم رآه يُلبي بالحج، فقال: تمتع، ومن قال: قرن، عرف أنه أدخل إحرام الحج على إحرام العمرة قبل الطواف، فقال: قرن. فتحمل رواية الجماعة على وجه صحيح، ولهذا روت عائشة رضي الله عنها (أنه أفرد الحج)، وروت: (أنه قرن)؛ بمعنى: أفرد الحج حين أحرم بهما وقولها: (قرن) لأن من أهل بعمرة، ثم أدخل الحج على عمرته قبل الطوتف كان قارنًا. 7654 - وتأويل آخر: وهو الإحرام يستدل عليه بالتلبية، والقارن يجوز أن يلبي بهما، ويجوز أن يقول: لبيك بحجة ويسكت عن العمرة، ويجوز أن يقول: لبيك بعمرة ويسكت عن الحجة، كما يجوز أن يقول: لبيك ويسكت عنهما. 7655 - فمن روى: أنه أفرد الحج، سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: لبيك بحجة، [ومن روى القران سمعه يقول: (لبيك بهما) ومن روى التمتع سمعه يقول: لبيك بعمرة، ثم سمعه يقول: لبيك بحجة] فقد تأولنا جميع الروايات، ولا يمكنهم تأويل رواية من روى، ومن قال: سمعه يقول: لبيك بعمرة في حجة، فكان من أمكنه تأويل جميع الأخبار أولى. 7656 - قالوا: قال الشافعي: تأويل رواية عائشة أولى، لحفظها وعلمها وقربها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وابن عباس من الأهل، وابن عمر أنكر على أنس، وجابر نقل الحج من أوله إلى آخره، وساق القصة، فكان أولى. 7657 - قلنا: فهؤلاء رووا تمتعًا وقِرانًا وإفرادًا، فقد بينا تعارض الروايات عنهم، وقد روينا عمن لم تتعارض الرواية عنه. فأما إنكار ابن عمر رواية أنس فقد أنكر

رد ابن عمر، وأقام على روايته إلى أن مات، وقال: (من باهلني باهلته). 7658 - قالوا: فقد تساوينا في نقل الفعل، وانفردنا بالقول، وهذا ما روت عائشة قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذي الحليفة، قال: من أحب أن يهل بالحج فليفعل، ومن أحب أن يهل بهما، فليفعل وإنما أهل بالحج). 7659 - قلنا: قوله: إنما أهل بالحج) يجوز أن يكون قبل أن يؤمر من جهة الله تعالى بالقران، ثم القول معنا؛ لأن في الحديث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أما أني سقت الهدي وقرنت)، وهذا أولى؛ لأنه إخبار عما فعل، وذلك إخبار عما سيفعل ويجوز أن يغير الله تعالى. 7660 - قالوا: لم ينقل عن أحد من السلف كراهة الإفراد، وقد نقل عنهم كراهة التمتع والقران. 7661 - وأما التمتع فأنكره عمر، وقال: (متعتان كانتا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنا أنهى عنهما)، وأنكر ذلك عثمان. 7662 - وأما القِران: فأنكره سلمان بن ربيعة، وزيد بن صوحان؛ قال

الصبي بن معبد: (كنت رجلاً أعرابيًا نصرانيًا فأسلمت، فأتيت رجلاً من عشيرتي، يقال له: هذيم بن عبد الله، فقلت: يا هذيم! إني حريص على الجهاد، وإني وجدت الحج والعمرة مكتوبين عليَّ، فكيف لي أن أجمعهما؟ فقال: اجمعهما واذبح ما استيسر من الهدي فأهللت بهما، فلما أتيت العذيب لقيني سلمان بن ربيعة، وزيد بن صوحان، وأنا أهل بهما، فقال أحدهما للآخر: ما هذا بأفقه من بعيره. 7663 - قال: فكأنما ألقي عليَّ جبل، حتى أتيت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقصصت عليه القصة، فقال عمر هديت لسنة نبيك - صلى الله عليه وسلم -). 7664 - قلنا: القران عندنا وعندكم جائز غير مكروه، وإنكار من أنكر خطأ، وكيف ترجحون بما لا يصح بالاتفاق. 7665 - فأما إنكار غير المتمتع: فإنما نهى عن المتعة التي فسخ بها الحجة وحجة الوداع، فأما أن تظن به أنه نهى عن متعة دل القرآن عليها، وفعلها وجوه أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فلا.

7666 - وقد روى طاووس، عن ابن عباس قال: يقولون: إن عمر نهى عن المتعة، قال عمر: لو اعتمرت في عام مرتين، ثم حججت لجعلتهما مع حجتي. 7667 - وأما إنكار سلمان بن ربيعة، وزيد بن صوحان - صحابيين - فقد رد عليهما عمر بن الخطاب [- رضي الله عنه -]. 7668 - ذكر الطحاوي بإسناده عن الصبي بن معبد، قال: (قدمت على عمر فقصصت عليه، فقال: إنهما لم يقولا شيئًا، هديت لسنة نبيك [- صلى الله عليه وسلم -]. 7669 - والذي روى عن عمر، أنه قال: (فأفردوا الحج)، فإنما أراد أن ينكر قصة الناسي الموسم في أشهر الحج، وغيرها فحلوا مكة من قاصد، وليس هذا المعنى يعود إلى النسك. 7670 - والذي روى عن عثمان، أنه نهى عن المتعة، فقد روى عن مروان بن الحكم، قال: (كنا نسير مع عثمان، فإذا رجل يلبي بالحج والعمرة، فقال عثمان: من

هذا؟، فقالوا: علي، فأتاه، فقال: ألم تعلم أني نهيت عن هذا، فقال: بلى، ولكني لم أدع قول النبي - صلى الله عليه وسلم - بقولك)، فهذا علي قد رد ذلك، وروى خلافه. على أن نهى عثمان محمول على ما قدمناه من قصد تكرار دخول مكة. 7671 - فإن قيل: يحمل قول من روى (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرن): على قران من ترادف ومتابعة، وهو واحد بعد الآخر، ولم يرد قران الضم. كما روى: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع بين الصلاتين). 7672 - قلنا: القران سمع في الشرع قد استقر لنسك معلوم، وفعل الحج بعد العمرة لا يتناوله هذا الاسم، فلا يجوز العدول عن الاسم الشرعي إلى غيره. 7673 - على أنه لم ينقل أحد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتمر بعد التحلل من الحج، فكيف يتأول ذلك على أمر لم يثبت وجوبه؟ 7674 - وعلى أن هذا التأويل لا يصح، وقد روى أنس: أنه عليه الصلاة والسلام كان يقول: (لبيك بعمرة في حجة). 7675 - فإن قيل: يحتمل أن يكون (قرن) بمعنى: أنه أمر بذلك، كما روى: أنه رجم ماعزًا. 7676 - قلنا: حقيقة الإضافة تقتضي فعله الشيء بنفسه، فمن حمله على الأمر،

فقد عدل عن الحقيقة إلى المجاز. 7677 - وهذا لا يصح مع قول الراوي: (أنه أتى بهما)؛ ولأن مثل هذا التأويل يمكن فيما روى: (أنه أفرد) بمعنى: أنه أمر بذلك. 7678 - فإن قيل: قول أنس: (سمعه يلبي ويقول: عمرة في حجة) يحتمل أنه سئل عن القران، فعلم السائل كيف التلبية، فظن أنس: أنه يلبي بذلك لنفسه. 7679 - قالوا: ويحتمل أن يكون يمعه مرة يلبي بالحج، ومرة يلبي بالعمرة. 7680 - قلنا: هذا غلط؛ لأن أنسًا قال: (فلما استوى النبي - صلى الله عليه وسلم - على البيداء جمع بينهما). 7681 - وروى في حديثه، قال: (كنت رديف أبي طلحة وركبتي تمس ركبة النبي - صلى الله عليه وسلم - فما زالوا يصرخون بهما)، يعني: النبي - صلى الله عليه وسلم - وابا طلحة، وهذا يقتضي المداومة، وإجماع التلبية لهما في وقت واحد. 7682 - احتجوا في نفس المسألة: بأن المفرد يأتي بإحرامين وتلبيتين، وقطع مسافة وحلقين، فإذا قرن: اقتصر من كل واحد من هذا على واحد، وكان ما كثر عمله، أكثر ثوابًا وأعظم أجرًا. 7683 - قلنا: إذا اعتبر الإحرامين والتلبيتين: أنه إذا أحرم بالعمرة ثم أدخل عليها الحج. وقد أتى بإحرامين وتلبيتين، ومع هذا الإفراد عندهم أفضل منه. 7684 - وأما السفرين: فلا يعتبرونه؛ لأن عندهم إذا فرغ من الحج واعتمر، فهو أفضل من القران، والسفر واحد. 7685 - وأما الحلق: فعندهم ليس بنسك، فلا معنى للترجيح به.

7686 - وعلى أصلنا: وإن كان نسكًا، فليس بمقصود لنفسه، وإنما يراد ليخرج من العبادة، ويصح أن يخرج من العبادتين بمعنى واحد، كما يخرج من الاعتكاف والصوم بالجماع. 7687 - وقالوا: إذا أفرد، أتى بكل واحد من النسكين في وقته، فإذا أقرن بالعمرة في أشهر الحج وهو لها وقت رخصة، والقوم ما كانوا يعتمرون في أشهر الحج حتى رخص النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، والعزيمة أولى من الرخصة. 7688 - قلنا: هذا غلط؛ لأن فعل العمرة في أشهر الحج [ليس برخصة، وإنما أمرهم مخالفة للمشركين. 7689 - قال ابن عباس: (كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من] أفجر الفجور، وكانوا يسمون المحرم صفرًا ويقولون: (إذا برأ الدبر، وعفى الأثر، وانسلخ صفر، حلت العمرة لمن اعتمر)، وقال ابن عباس: (فقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه صبيحة رابعة، وهم ملبون بالحج، فأمرهم أن يجعلوها عمرة). فهذا يدل: أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أمر بذلك مخالفة للمشركين، وكلما فعله في المناسك مخالفة لهم: فهو واجب أو فضيلة؛ لأنه خصه بدليل الدفع من

عرفة بعد غروب الشمس، والدفع من مزدلفة قبل طلوعها، والوقوف بعرفة خارج الحرم، وكانت قريش تقف في الحرم وتنزل المحصب. ولو سلمنا أنه رخصة: لم يمنع أن يكون أفضل، كما أن جمع الصلاتين أفضل من فعلهما في وقتهما. 7690 - وقال الشافعي: القضاء رخصة، وهو أفضل من الإتمام، وأكل الميتة عند الضرورة رخصة، حتى إن من لم يأكل حتى مات كان آثمًا. 7691 - قالوا: إفراد الحج عن العمرة أفضل من الجمع بينهما، أصله: المكي إذا أحرم بكل واحد منهما من الكوفة. 7692 - قلنا: ينتقض بمن أحرم بشيء ونسيه، فإن القران أفضل من الإفراد مع وجود أوصافهم. 7693 - فأما الحجة الكوفية، والعمرة الكوفية: فالقران أفضل منهما، وإنما ذاك قول محمد. 7694 - وأما المكي فميقاته بالحج، والعمرة يختلف، يحرم بالحج من مكة، فلو أحرم بها من الحرم: لزمه دم، وموضوع القران أنه يقترن الدخول، فإذا تعذر لاختلاف الميقات لم يصح. 7695 - وأما الآفاقي فإنما من حقه ميقات واحد معين شرعًا، فأمكنه الجمع من ذلك الميقات، فكان أفضل. 7696 - فإن قيل: من كان أهله بين الميقات ومكة فلا تمتع له ولا قِران عندكم، وميقات حجه وعمرته واحد. 7697 - قلنا: كما يمنع ذلك من أهل مكة، وهؤلاء في حكمهم أجري عليهم الحكم المتعلق بهم، وإن أمكنهم الإحرام بهما من ميقات واحد. ألا ترى: أن

المكي إذا خرج للاحتطاب وغيره ثم عاد: لم يلزمه إحرام؛ لأنه لم يكن حرمه عليهم لكونه من أهله، وأجري من بعد المواقيت في ذلك مجراهم، وإن حصل لهم بالدخول التحرم بحرمة الحرم، كما يحصل لأهل آفاق. 7698 - فإن قيل: فالمكي عندكم لا تمتع له، وإن كان يأتي بالعمرة من الحل والحج من الحرم. 7699 - قلنا: إذا لم يصح قرانه لما قدمنا لم يصح تمتعه؛ لأن حكم أحد الأمرين حكم الآخر. 7700 - وفرق آخر وهو: أن القِران والتمتع سقط بكل واحد منهما أحد الميقاتين؛ لأن المتمتع يحرم بالحج من مكة، والقارن يجوز له ذلك أيضًا قبل الطواف، فلو صح تمتع المكي وقرانه: لم يسقط بذلك حكم أحد الوقتين في حقه، بل يلزمه في حكم الوقتين، فلم يلزمه حال الإفراد، فكذلك لم يصح لهم التمتع والقرِان، وكذلك من بعد المواقيت لا يسقط حكم الوقت في ضمهم بالقِران؛ لأنهم لو أفردوا بالحج المفرد من مكة: جاز، فصاروا في ذلك كأهل مكة. 7701 - قالوا: الدليل على أن دم التمتع دم جبران: أنه دم له بدل هو الصوم: فكان دم جبران، كالدم الواجب بالحلق والطيب. 7702 - قلنا: لا نسلم الحكم في الأصل؛ لأنه إن حلق بغير عذر: فلا بدل للهدي، وإن حلق بعذر: فالصوم ليس ببدل، وإنما يخير بينه وبين الصوم. 7703 - والمعنى فيه: أنه تعلق سنة لا يباح من غير عذر، ودم القِران بخلافه. 7704 - قالوا: [دم له تعلق بالإحرام، فكان نقصًا بالفدية إلا دين. 7705 - قلنا]: تعلق الشيء بالإحرام لا يخرجه أن يكون نسكًا؛ لأن

موضوع المناسك أن يتعلق بالإحرام، والمعنى في كفارة الأذى ما قدمناه 7706 - قالوا: لا خلاف أن المتمتع إذا أحرم بالحج من جوف مكة: يلزمه دم التمتع. 7707 - فإن حمل على نفسه وأتى الميقات، فأحرم بالحج من الميقات: فهو متمتع وعليه دم للجمع بين النسكين في الأشهر. * ... * ... *

مسألة 424 إذا جمع بين أكثر طواف العمرة وإحرام الحج في أشهر الحج من غير إلمام بأهله، فهو متمتع

مسألة 424 إذا جمع بين أكثر طواف العمرة وإحرام الحج في أشهر الحج من غير إلمام بأهله، فهو متمتع 7708 - قال أصحابنا: إذا جمع بين أكثر طواف العمرة وإحرام الحج في أشهر الحج من غير إلمام بأهله: فهو متمتع. 7709 - وقال الشافعي في القديم، والإملاء: إذا أحرم قبل الأشهر، وطاف في الأشهر: فهو متمتع، وعليه دم. 7710 - وقال في الجديد: إذا أحرم بالعمرة قبل الأشهر: فليس بمتمتع. 7711 - لنا: أنه جمع بين أكثر طواف العمرة، وإحرام الحج في أشهر الحج من غير إلمام بأهله: فصار كما لو أحرم بها فيها، ولا يلزم إذا رجع إلى أهله؛ لأنا عللنا التسوية، ولأنه ركن في أحد طرفي التمتع، ولا يختص بالأشهر كطواف الحج. 7712 - فإن قيل: المعنى فيه: أنه لا يصح في الأشهر، لم نسلم؛ لأنه يصح في يوم النحر، ومن هو في الأشهر عندنا. 7713 - وأما الكلام على قوله القديم؛ لأنه لا يتعين فعل جميع الطواف في الأشهر، فهو مبني على: أن الركن أكثر أشواط الطواف، فإذا حصل الركن في الأشهر، فكأنه طاف جميعه. 7714 - ولأنه أحد طوافي التمتع، فلم يكن من شرطه التمتع وفرع جميعه في الأشهر، أصله: طواف الحج. 7715 - احتجوا: بأنه نسك لا يتم العمرة إلا به، فوجب أن يكون فعله في

الأشهر شرطًا في وجوب التمتع؛ أصله: الطواف والسعي. 7716 - قلنا: المعنى في الطواف: أنه إذا تقدم صحت العمرة في غير وقت الحج. ومعنى التمتع: الجمع بينهما في وقت أحدهما. 7717 - وإذا صحت في غير الوقت، لم يكن جامعًا، وليس كذلك الإحرام؛ لأن بفعله لا تصح العمرة، وإنما تصح في أشهر الحج، وكان بهما جامعًا بين القِران. بيانهما أن مخالفنا لو أحرم بالعمرة ولم يطف حتى بلغ وأعتق: أجزأت عن الواجب، ولو طاف ثم بلغ: لم يجزئه عن الواجب، فدل على الفرق بين الموضعين. * ... * ... *

مسألة 425 إذا فرغ من العمرة ثم خرج، فأهل من الميقات بالحج كان متمتعا

مسألة 425 إذا فرغ من العمرة ثم خرج، فأهل من الميقات بالحج كان متمتعًا 7718 - قال أصحابنا: إذا فرغ من العمرة، ثم خرج فأهل من الميقات بالحج: كان متمتعًا، ولم يذكر في الأصل خلافًا. 7719 - ومن أصحابنا من قال: هذا قول أبي حنيفة، فأما على قولهما: فمتى رجع إلى موضع إهلاله التمتع أو القرآن: لم يكن متمتعًا. 7720 - وقال الشافعي: يسقط عنه دم التمتع. 7721 - لنا: ما روي عن يزيد العقبة قال: (دخلنا مكة عمَّارا، ثم زرنا قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وحججنا من عامنا، فسألنا ابن عباس، فقال: أنتم متمتعون)، ولا مخالف له. 7722 - ولأنه جمع بين أكثر طواف العمرة، وإحرام الحج في أشهر الحج من غير إلمام، فصار كما لو أحرم بالحج من الحرم. 7723 - ولأنه لم ينقض سفره بالعود إل الميقات، فصار كما لو أحرم (بالحج) من الحرم. 7724 - احتجوا: بأن ميقاته ما بين بلده والميقات، فإذا حصل في الميقات محرمًا، فكأنه عاد إلى بلده. 7725 - قلنا: إذا عاد إلى بلده قطع سفره الإحرام، وحصل له التفرقة، وعوده إلى

غير بلده لا يقطع سفره، ولا يحصل له التفرقة. 7726 - قالوا: بلده موضع لا يستحق منه الإحرام بالشرع، فلم يسقط دم التمتع بالعود إليه، أصله: سائر البلاد. 7727 - قلنا: هذا الكلام في غير المسألة؛ لأن الخلاف أن في عوده إلى الميقات، ثم بلده لا يستحق الإحرام [والميقات لا يستحق الإحرام] منه، وإنما يستحق الإحرام من الميقات إذا لم يحرم قبله، كما يستحق الإحرام من بلده إذا لم يرد أن يحرم مما بعده، والمعنى في سائر البلاد: أن سفره لا ينقطع بالعود إليها، وفي بلده بخلافه. 7728 - قالوا: المتمتع إنما يلزمه الدم؛ لأنه ترك ميقات الحج، فإذا عاد إلى الوقت فأحرم بالحج لم يجب الدم. 7729 - قلنا: القارن يجب عليه الدم، فلم يترك وقتًا آخر لإحرامين. ولأن المستحق لحرمة الميقات إحرام واحد، وقد أتى به، فصار بدخول مكة في حكم أهلها، فلما أحرم بالحج منها لم يزل الوقت. 7730 - قالوا: لما حصل في الميقات في أشهر الحج التي حصلت وقتًا للحج، ثم عدل عن الإحرام المتعلق بالوقت إلى غيره: لزمه الدم، كذلك ههنا. 7731 - قلنا: من حج حجة الإسلام يتعين عليه بحضور الأشهر إحرام الحج، ومع هذا عليه دم التمتع. 7732 - ولأن حرمة الشرع توجب إحرام الحج بحسب حال المحرم، فإذا كان هذا في حال الإحرام في حكم أهل مكة؛ لأنه لم يترك حرمة الوقت، فقد فعل المستحق عليه في الأشهر، فلا يجوز أن يلزمه دم لترك وقت لم يستحق عليه. * ... * ... *

مسألة 426 حاضرو المسجد الحرام أهل المواقيت

مسألة 426 حاضرو المسجد الحرام أهل المواقيت 7733 - قال أصحابنا: حاضرو المسجد الحرام أهل المواقيت، ومن وراءها إلى مكة. 7734 - وقال الشافعي: أهل مكة ومن حولها، على مسافة لا تقصر فيها الصلاة. 7735 - لنا: أنه من أهل أحد المواقيت، فصار كالميقات الذي بينه وبين مكة أقل من ليلتين وهم أهل قرن. 7736 - ولأن كل من له دخول مكة بغير إحرام، كان من حاضري المسجد الحرام، كأهل السيارة. 7737 - ولأن من بينه وبين مكة إحدى المواقيت ليس من حاضري المسجد، كأهل المدينة. 7738 - ولأنه لو أراد الحج، لم يجز له الدخول إلا بإحرام، كأهل الكوفة. 7739 - احتجوا: بأنه من الحرم على مسافة تقصر فيها الصلاة، فصار كمن بعد، وفي الميقات القريب؛ لأن بينه وبين مكة مسافة لا تقصر فيها الصلاة، كمن في المواقيت. 7740 - قلنا: اعتبرنا جواز دخول مكة بغير إحرام، واعتبرتم حكم القصر، وأحكام الإحرام متعلقة بالمناسك، والقصر والإتمام لا تعلق له بالمناسك: فكان ما اعتبرناه أولى.

7741 - فإن قيل: قال الله تعالى: {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام} والحاضر ضد المسافر. 7742 - قلنا: الحاضر ضد الغائب، فحقيقة الآية تقتضي سكان الحرام، وقد أجمعنا أن الظاهر متروك، فليس ما يقولونه من بعد بأولى من قول مخالفهم. * ... * ... *

مسألة 427 ليس لأهل مكة وأهل المواقيت تمتع ولا قران

مسألة 427 ليس لأهل مكة وأهل المواقيت تمتع ولا قران 7743 - قال أصحابنا: ليس لأهل مكة، ومن بينها وبين مكة في المواقيت تمتع ولا قران. 7744 - وقال الشافعي: لهم ذلك؛ لأنه لا دم عليه. 7745 - لنا: قوله تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج} إلى قوله: {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام}. 7746 - وقوله: (ذلك) إشارة، فيرجع إلى جميع ما تقدم؛ لأن الإشارة بذلك تصلح لما بعد. 7747 - قال المفضل بن سلمة في (ضياء القلوب): تقديره: ذلك التمتع لمن لم يكن، وقد دل على المصدر الفعل في قوله: (فمن تمتع). 7748 - وقيل: إن ذلك عبارة إلى المشار إليه، والمشار إليه إما أن يكون حاضرًا، أو مذكورًا في حكم الحاضر، والمذكور هو التمتع وأحكامه فذلك عبارة عنه. 7749 - قالوا: قيل: قوله: {فمن تمتع} شرط، وقوله: {فما استيسر من الهدي}

جزاء، وقوله: {ذلك لمن} استثناء، فيرجع إلى الجزاء دون الشرط، كقوله: من دخل داري فعليه كذا، إلا بني فلان. 7750 - قلنا: (ذلك) إشارة وليس باستثناء، وقوله: (فمن تمتع) إباحة للمتمتع فوزانه أن يقول: أبحت دخول داري، فمن دخلها فعليه درهم، ذلك لمن لم يكن من أهل مكة. فينصرف ذلك إلى إباحة الدخول. يبين ذلك: أنه لو رجع إلى الهدي حاضرًا، لقال ذلك على من لم يكن. 7751 - وقولهم: إن هذه مقام بعضها، فيقام لبعض، لقوله تعالى: (لمن) لا يجوز أن يكون خبرًا؛ لقوله: {فما استيسر من الهدي}، فإنما جمع بينهما كل خبر بجنس أن يكون خبرًا له عند الانفراد. 7752 - قلنا: قوله تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج} شرط، فما لم يوجد الجزاء لا يتم الكلام، فلا يصح أن يأتي بالخبر، فإذا صح وتم الكلام من الجزاء وأول الشرط انصرفت الإشارة إليهما. 7753 - ويدل عليه: ما روي عن عمر أنه قال: (ليس لأهل مكة تمتع ولا قران،) وتخصيص العبادات بقبيل من الناس لا يعلم إلا من طريق التوقيف. 7754 - ولأنه لا يلزمه دم المتمتع: فلم يكن متمتعًا، كالصبي والمجنون. 7755 - فإن قيل: المعنى فيه: أنه لا يصح منهما الإفراد. 7756 - قلنا: إنما لا يصح إفراده؛ لأن موجبه لا يلزمه، فوزانه المكي إذا صح

منه الإفراد صح ذلك منه، ولما لم يصح منه موجب التمتع: لم يصح منه التمتع. 7757 - ولأنه حصل له إلمام صحيح بأهله بين الإحرامين: فلم يكن متمتعًا، كما لو أحرم بعمرة قبل الأشهر وطاف يومًا ثلاثة أشواط ثم تممها في الأشهر وحج من عامه ذلك. 7758 - ولا يلزمه إذا ساق الهدي، ثم ألم بأهله؛ لأن إلمامه لا لم يصح بدلالة أنه يجب العود عليه؛ ولأن ميقات المكي في الحج والعمرة مختلف، فإذا أحرم فقد ترك أحد الميقاتين، فلزمه دم الجبران، كما لو أحرم بعمرة لله. 7759 - قلنا: لم يتناول أهل مكة؛ لأنه قال الله تعالى: {ولا تحلقوا رءوسكم حتى تبلغ الهدى محله} فدل: أن الآية تناولت من ليس هو في محل الهدي. 7760 - قالوا: كل نسك جاز لأهل الآفاق جاز لأهل مكة، أصله: الإفراد. 7761 - قلنا: طواف الصدر نسك يجوز لأهل الآفاق، ولا يجوز للمكي؛ لأنه لا يتصور منه. 7762 - والمعنى في الإفراد: أنهم يساوون أهل الآفاق في موجبه، فساووهم في صحته. ولما خالفوا أهل الآفاق في موجب المتعة والقران، كذلك في الموجب لهم أيضًا. 7763 - قالوا: من جاز أن يفرد: جاز أن يتمتع ويقرن دليله غير أهل مكة. 7764 - قلنا: إن كان التعليل للشخص: فيجوز عندنا للمكي إذا استوطن بلدًا آخر، وإن كان التعليل للفقه: لم يجز؛ لأن المسافر يجوز له القران من بلده، والمكي لا يجوز له ذلك؛ لأنه يترك أحد الميقاتين. 7765 - قالوا: ما لا يكره لغير أهل مكة، لا يكره لأهل مكة، كسائر الطاعات. 7766 - قلنا: لا فرق بينهما؛ لأنه يكره الوقت؛ ولأنه لا يكره لغير أهل مكة

اصطياد صيدهم، واحتشاش حشيشهم، ويكره ذلك لأهل مكة، وقد يكره لغير المكي ما لا يكره للمكي، كترك طواف الصدر. 7767 - قالوا: ما كان طاعة لأهل الآفاق ينالون به رضا الله تعالى ويستحقون ثوابه، فهو لأهل مكة أولى؛ لأنهم سكان حرم الله تعالى وحاضرو مسجده. 7768 - قلنا: إنما يكون التمتع لأهل الآفاق طاعة إذا لم يتخلل بينهما إلمام صحيح، وإذا ألموا بطل معنى التمتع منهم، وهذا المعنى يحصل لأهل مكة لجمعهم التمتع. 7769 - وأما القران: فهو قربة لجميع الناس؛ لأنهم لا يتركون به الوقت، والمكي يترك [بالقِران] حرمة أحد الميقاتين، فإن خرج إلى موضع لأهله التمتع والقِران: فقد صح قِرانه؛ لأنه لم يترك الوقت. 7770 - قالوا: اعتبار الإلمام لم يدل عليه نص ولا قياس. 7771 - قلنا: غلط؛ لأن الجمع بين الإحرامين جوز لأهل الآفاق؛ ليستدركوا فضيلة الحج والعمرة، ويسقط عنهم سفر أحدهما، فإذا ألموا إلمامًا صحيحًا بينهما، فقد زال المعنى الذي به جاز الجمع. 7772 - وأهل مكة يستدركون المعنى إلى أي وقت شاءوا، فلم يفتقروا إلى الجمع، فلم يثبت حكمه في حقهم مع تخلف معناه. * ... * ... *

مسألة 428 لا يجزئه دم هدي المتعة والقران قبل يوم النحر

مسألة 428 لا يجزئه دم هدي المتعة والقران قبل يوم النحر 7773 - قال أصحابنا: لا يجزئه دم هدي المتعة والقران قبل يوم النحر. 7774 - وقال الشافعي: إذا أحرم بالحج: جاز الدم قولاً واحدًا، وقبل الفراغ من العمرة: لا يجوز قولاً واحدًا، وإذا فرغ من العمرة ولم يحرم بالحج: فيه قولان. 7775 - لنا: قوله تعالى: {فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها}. {واطعموا البائس الفقير}، {ثم ليقضوا تفثهم}. فرتب الحلق على الذبح، فدل على أن وقت النحر وقت الحلق. 7776 - ويدل عليه: حديث حذيفة - رضي الله عنه -: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: إني لبدت رأسي وقلدت الهدي، فلا أحل حتى أنحر، وقال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لما سقت الهدي، ولجعلتها عمرة). 7777 - ولو كان يجوز ذبح الهدي قبل يوم النحر لذبحه، وصار كمن لا هدي معه.

7778 - فإن قيل: النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مفردًا، والهدي تطوع، فلا يجوز ذبحه قبل يوم النحر. 7779 - قلنا: هذا تطوع، لا تأثير له في المنع من التحلل بالاتفاق. 7780 - فإن قيل: عندكم كان قارنًا، فكيف يتحلل من العمرة بالذبح؟ 7781 - قلنا: كان الفسخ في تلك السنة جائزًا، ولو جاز ذبح الهدي فسخ الحج وتحلل، وإن كان وقت لا يجوز فيه طواف الزيارة. 7782 - ولا يجوز ذبح الهدى للمتعة. أصله: قبل الفراغ من العمرة يجوز الذبح فيه عندنا لمن فرغ من العمرة. 7783 - قلنا: قياسًا على الذبح في حق من لم يفرغ؛ ولأنه وقت لا يجوز تقديم ذبح الأضحية عليه: فلم يجز ذبح هدى المتعة فيه، كما قبل الفراغ من الفراغ. 7784 - قالوا: المعنى فيه أنه بقى لوجوبه أكثر من سبب واحد، وهو التحلل من العمرة، وإحرام الحج بعد الفراغ بقي سبب واحد، فجاز تقديمه عليه، كما يجوز تقديم الزكاة على الحول، وكفارة القتل على الموت. 7785 - قلنا: لا نسلم أن التحلل من العمرة بسببه؛ لأنه لو لم يتحلل من العمرة حتى أحرم بالحج، وجب الهدي. 7786 - ففي الموضعين لم يبق إلا سبب واحد، وأن الزكاة صدقة والكفارة عتق أو صوم، وجميع ذلك يكون قربة في جميع الأوقات، فإذا وجد سببه، جاز تقديمه. 7787 - وأما الهدى: فهو إراقة دم، وذلك موضوعه يختص بأوقات لا [يجوز] تقديمه عليها، كالأضحية. 7788 - وعليه الذبح يبطل بمن قال: إن شفى الله مريضي فلله عليَّ أن أضحي، فوجد الشرط، فقد نفى الوجوب سبب واحد لا يجوز الذبح. 7789 - ولأنه دم ليس حصر ولا جناية، ولا أوجبه بنذره، فلم يجز ذبحه قبل يوم

النحر، كالأضحية. 7790 - فإن قيل: المعنى فيه: أنه لا يجوز تأخيره: فلم يجز تقديمها، وهدي المتعة يجوز تأخيره عن الأيام: فجاز أن تتقدم عليه. 7791 - قلنا: يبطل بالرمي، وأنه يجوز تأخيره عن الأيام الثلاثة، ولا يجوز تقديمه عليها، وكذلك الطواف. 7792 - ولأن الهدي سبب على الرمي، فإذا جاز تأخير الرمي جاز تأخير ما ترتب عليه، والأضحية لا يترتب عليها ما لا يجوز تأخيره، فلذلك لم يجز [تأخرها. 7793 - فإن قيل: الرمي لا يفعل بعد أيامه ويجوز فعل الهدي. 7794 - قلنا: الرمي يفوت] بمضي الأيام، فيقوم الدم مقامه، فلو اعتبر الهدي ففات، فقام الهدي مقامه، فلا معنى لمقام هدي، فكذلك فارق الرمي. 7795 - ولأن هدي التطوع يختص بيوم النحر، فالواجب من جنس ما يقع به التحلل، بدلالة المحصر. 7796 - فإذا تعلق وجوبه بعقد الإحرام: لم يجز أن يتقدم على يوم النحر، كالرمي، والطواف والحلق. 7797 - ولا يتعلق بلزوم دم الجنايات؛ لأن وجوبه لا يتعلق بالإحرام ما لم يوجد فعل منه. 7798 - فأما دم القران: فتعلق بنفس الإحرام من غير أن ينضم إليه معنى آخر. 7799 - ولأنه حكم يتعلق بالتمتع، فإذا صح بعد يوم النحر، لم يجز قبله، كصوم السبعة. 7800 - احتجوا: بقوله تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي}. 7801 - قالوا: وقد قيل في تقديرها: (فعليكم ما استيسر) وهذا نص في جواز الذبح.

7802 - قلنا: الحج عبارة عن الأفعال، فقد جعل الغاية وجود أفعال الحج، وذلك لا يكون قبل الوقوف والرمي. 7803 - ولأن الاية تحتمل، فعليه ما استيسر، وتحتمل: [وليذبح ما استيسر، ويحتمله] وليعتد ما استيسر. 7804 - وعندنا: إذا عين: جاز التعين، وتعلق به حكم التمتع، ويحتمل: فليتحلل بما استيسر من الهدي، فيقف على وقت التحلل. 7805 - ولأن قوله: {فما استيسر} إذا كان المراد به الوجوب والأفعال المختصة بالإحرام يقف على أوقات مخصوصة، مثل: الوقوف، والطواف: لم يدل وجوب هذا على جواز الفعل، ولم يمتنع أن يختص بوقت يبين ذلك إلا أن الآية يذكر فيها الزمان ولا يذكر فيها المكان، ثم وقف على مكان مخصوص، كذلك يجوز أن يقف على زمان مخصوص. 7806 - قالوا: روى في حديث ابن عمر - رضي الله عنه - قال: تمتع الناس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من كان معه هدي فليصم ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله). 7807 - قلنا: إن ثبت هذا اللفظ، فمعناه: من كان معه هدي، فإذا أهل فليعين الهدي بوجه. يبين ذلك قوله، فليس معناه: فليذبح، وإنما معناه: السوق والحمل. 7808 - قالوا: عبادتان مؤدتان، فوجب أن يتأخر وقت جواز فعلها عن وقت البدل، أصله: العتق في كفارة القتل؛ ولأنه حيوان له بدل صوم، فجاز إخراجه في وقت جواز فعل الصوم والوقت في الطهارة. 7809 - قلنا: وقت البدل والمبدل قد يتفقان وقد يختلفان، بدلالة أن الصوم

يختص بالنهار، ويجوز العتق ليلاً، فعلم أن وقت أحدهما يجوز أن يفارق وقت الآخر. 7810 - وقولهم: إنما لا يجوز الصوم بالليل؛ لأنه لا يحتمل الصوم، فكذلك نقول. وما قبل يوم النحر [وقت] لا يحتمل الذبح الذي هو نسك. 7811 - ولأن العتق والصوم يرادان للتحلل يوم النحر، والصوم لا يصح الذي هو المقصود فقدم عليه، والذبح يصح فيه، فلم يتقدم عليه. 7812 - قالوا: كل وقت صلح لجنس البدل، والمبدل وصح فيه البدل يصح فيه المبدل، أصله: الوضوء والتيمم. 7813 - قلنا: لا نسلم أن ما قبل يوم النحر وقت الهدي الذي هو نسك، وهذا جنس غير الهدي عندنا. 7814 - والمعنى في الوضوء، والعتق: أن فعل كل واحد منهما لا يختص بوقت [وواجبهما لا يختص بوقت، ونقل الهدي يختص بوقت، فالواجب منه يجوز أن يختص بوقت. * ... * ... *

مسألة 429 إذا أحرم بالعمرة، جاز أن يصوم للمتعة وإن لم يحرم بالحج

مسألة 429 إذا أحرم بالعمرة، جاز أن يصوم للمتعة وإن لم يحرم بالحج 7815 - قال أصحابنا: إذا أحرم بالعمرة، جاز أن يصوم للمتعة وإن لم يحرم بالحج. 7816 - وقال الشافعي: لا يجوز ما لم يحرم بالحج. 7817 - لنا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (أمر أصحابه أن يحرموا بالحج يوم التروية، وقد كانوا فسخوا الحج بعمرة. 7818 - ولا يخلو أن يكون فيهم من لا هدي له، فلابد أن يكون صام من لا هدي معه قبل إحرام الحج. 7819 - ولا يقال: لا نعلم فيهم من لا هدي معه؛ لأنا نقطع أن العدد العظيم لابد فيهم من لا يجد ومن لا يقدر على الثمن ولا يتكون من الابتياع. 7820 - فإن قيل: يجوز أن يصوموا بعد يوم النحر. 7821 - قلنا: ذاك قضاء عندكم، فكان يجب أن يبين جواز فعله؛ لأنه يشتبه ويختلف فيه. ولأنه أحد ركني التمتع، فجاز أداء الصوم عقيب الثلاثة، كإحرام الحج. 7822 - ولا يلزم على هذا إذا أحرم بالعمرة قبل الأشهر؛ لأن التعليل للجواز. 7823 - ولا يلزم إذا قدم إحرام الحج، ومن يلزمه أن يتمتع؛ لأنه روي عن أبي

يوسف: أنه يجوز الصوم؛ ولأن كل صوم جاز في إحرام الحج: جاز في إحرام العمرة وحده، أصله: سائر أنواع الصيام. 7824 - ولأن الإحرام ركن من أركان الحج، فلا يجوز صوم الثلاثة فيه، كالوقوف. 7825 - ولأنه عبادة تتعلق بشيئين لا يتنافيان، وكل وقت لو وجد البيان، جاز أداؤها، فإذا وجد أحد الشيئين، وجب أن يجوز أداؤها قياسًا على التكفير بعد الجرح قبل الموت. 7826 - احتجوا: بقوله تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج} إلى قوله: {صيام ثلاثة أيام في الحج}. 7827 - فأمر بالصوم بشرطين: التمتع، ووجوب الحج. 7828 - قلنا: من أصحابنا من أجاب عن الآية بأن المراد منها: فمن أراد التمتع بالعمرة إلى الحج؛ فتعين ما استيسر من الهدي، فمن لم يجد: فصيام ثلاثة أيام في الحج، بمعنى وقت الحج؛ لأن الحج هو الأفعال، وذلك لا يكون طرفًا للصوم، فلم يبق إلا أن يحمل على الوقت. 7829 - فإن قالوا: نحمله على حال الحج. 7830 - قلنا: هذا عبارة عن وقت بصفة، وإضمار الوقت أولى من إضماره وزيادة عليه. 7831 - قالوا: إذا أضمرتم وقت الحج احتجتم إلى تخصيصه بما يعد إحرام العمرة، وإذا حملت الآية على حال الحج لم يحتج إلى التخصيص. 7832 - قلنا: الذي هو يريد التمتع بالعمرة، هو الذي فعلها ناويًا بضم الحج

إليها، فلا يحتاج في إضمارها إلى تخصيص. ومن أصحابنا من قال: الآية تفيد وجوب الصوم والكلام في الجواز. 7833 - ومنهم من أجاب فقال: التمتع هو أن يسقط سفر الحج، وهذا المعنى يحصل بإحرامها، فقد صار متمتعًا بالعمرة إلى الحج بنفس الإحرام، فيجوز له الصوم في الأشهر. 7834 - قالوا: الهدي عبادات بدل، فلا يبقى وقت البدل وقت المبدل. أصله: الكفارات. 7835 - قلنا: الصوم ليس ببدل عن الذبح، ألا ترى أن عندنا وقت الذبح يوم النحر، فإن تعذر فلا طريق إلى الصوم، فكيف يجوز بدلا عنه؟ وإنما هو بدل عن الهدي، وذلك يجوز عندنا إذا أحرم بالعمرة، وذلك بدلالة. 7836 - يبين ذلك: أنه يهدي، فيكون مراعى إلى حين الذبح، ويصوم فيكون صومه مراعى إلى حين النحر، فدل: أن الإهداء والصوم حكمهما واحد. 7837 - ولأن الصوم والذبح يختلفان في الوقت، ألا ترى: أن عندهم على أحد القولين: يجوز الذبح قبل إحرام الحج، ولا يجوز الصوم. وعندنا: يجوز الصوم قبل يوم النحر، ولا يجوز الذبح قبله. 7838 - وبالاتفاق: يستحب تقديم الصوم، ويستحب تأخير الذبح، فبان بهذا اختلافهما في الوقت. 7839 - فأما الصوم في الكفارة: فهو بدل العتق، فلا يسبق وقت العتق. وفي مسألتنا: بدل الإهداء، فلا يسبق وقت الإهداء. 7840 - قالوا: جبران التمتع، فلا يجوز الإتيان به قبل الإحرام بالحج، كالهدي. 7841 - قلنا: الوصف غير مسلم؛ لأنه ليس بجبران، والمعنى في الذبح: نه يقع التحلل، فأحصر وقت التحلل، والصوم لا يفعل للتحلل، فجاز فرعه وقت التحلل.

7842 - قالوا: صوم واجب، فلا يجوز تقديمه على وقت وجوبه، أصله: صوم رمضان. 7843 - قلنا: المعنى في صوم رمضان: أن لا يوجد سببه قبل وقته، فلم يجز تقديمه عليه، وليس كذلك في مسألتنا؛ لأن سببه يوجد، فجاز تقديمه عند سببه. 7844 - قالوا: وقد احتج الطحاوي في المنع من تقديم الصوم بما روي عن عائشة وابن عمر - رضي الله عنه -: (أن الصيام لمن تمتع بالعمرة إلى الحج إن لم يجد هديًا، ما بين أن يهل بالحج إلى يوم عرفة). 7845 - قلنا: قد روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال: (ما بين الهلال إلى يوم عرفة) فإن أراد هلال شوال، وهلال ذي الحجة، اقتضى ذلك جوازه وإن لم يكن محرمًا. 7846 - وعن علي - رضي الله عنه - أنه قال: (يصوم قبل يوم التروية بيوم، ويوم التروية، ويوم عرفة). ولم يشرط إحرام الحج فيه. 7847 - وقال عطاء: وقد قيل له: لم جعل الصوم من عشر ذي الحجة؟ قال: ربما يتيسر له الهدي، فقيل له: أيصومهن حرامًا أحب إليك أم يصومهن حلالاً بعدما اعتمر، وهذا يدل: أن تأخير الصوم استحباب. * ... * ... *

مسألة 430 صوم السبعة ليس ببدل عن الهدي

مسألة 430 صوم السبعة ليس ببدل عن الهدي 7848 - قال شيخنا أبو عبد الله الجرجاني: صوم السبعة ليس ببدل عن الهدي، والثلاثة هي البدل، ووجه السبعة ليكمل بها الثواب. 7849 - وذكر الشيخ ابو بكر الرازي في أحكام القرآن أنها بدل. 7850 - وقال الشافعي: صوم السبعة بدل. 7851 - لنا: أن الله تعالى فرق بين الصومين في وقتهما، إذا كانا بدلاً لمبدل واحد: لم يختلف وقته، كالبدل في سائر الكفارات. 7852 - ولأنه صوم لا يبطل بوجود الهدي: فلم يكن بدلاً عنه، كصوم النذر وكفارة الأذى. 7853 - ولأنه صوم يجوز فعله بعد التحلل، كالصوم في فدية الأذى. 7854 - ولأن وجوب الهدي لا يمنع ابتداؤه، فلم يكن بدلاً عنه، أصله: ما ذكرنا، وعكسه: صوم الثلاثة. 7855 - احتجوا: بقوله تعالى: {فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة} فشرط عدم الهدي بينهما، وعطف أحدهما على الآخر، وحكم العطف حكم المعطوف عليه، ثم قال تعالى: {تلك عشرة كاملة} فجعلهما شيئًا واحدًا.

7856 - قلنا: قد شرط في صحة الشرط، أو في وجوبه عدم غيره، ولا يكون بدلاً عنه، كما شرط عدة الأمة في جواز نكاح الحرة، وكما شرط مخالفنا عدم الطول، فعطف أحدهما على الآخر، فقد دل على وجوبهما وعلى تعلقهما بشرط واحد، وليس من شرط العطف أن يكون مثل المعطوف في كل حال، يبين ذلك: أنهما اختلفا في وقت فعلهما، وإن عطف أحدهما على الآخر. 7857 - فأما قوله: {تلك عشرة كاملة} فيدل على أن بالسبعة يكمل ثواب الصوم، لأن البدل يقضي عن ثواب المبدل، فكمل الله الثواب بضم صوم السبعة إلى الثلاثة. * ... * ... *

مسألة 431 سقوط صوم الثلاثة إذا وجد الهدي ولزوم الهدي متى وجده

مسألة 431 سقوط صوم الثلاثة إذا وجد الهدي ولزوم الهدي متى وجده 7858 - قال أصحابنا: إذا وجد الهدي في صوم الثلاثة: لزمه الهدي، وسقط عنه الصوم. 7859 - وإن وجد الهدي بعد الفراغ من الثلاثة قبل يوم النحر: لزمه الهدي. 7860 - وقال الشافعي: يجوز الصوم، فإن أهدى: فحسن، وإن وجد الهدي قبل الدخول فيه: ففيه قولان. 7861 - لنا: قوله تعالى: {فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام}، وهذا يدل على أنه لا يجوز الصوم ابتداء مع وجود الهدي. 7862 - ولأن ما شرط فرعه الصوم في اليوم الأول، كان شرطًا في الثاني، أصله: النية وترك الأكل. 7863 - فإن قيل: لا نسلم ذلك في اليوم الأول. 7864 - قلنا: إذا أحرم بالحج قبل طلوع الفجر، ونوى الصوم، من شرطه عدم الهدي فلا خلاف؛ لأنه حالة الوجوب. 7865 - ولأن المقصود من الصوم والهدي التحلل بهما، بدلالة حديث حفصة أنها قالت: (ما بال الناس قد حلوا وأنت لم تحل؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إني قلدت

هديي ولبدت رأسي، فلا أحل حتى أنحر وأحل منهما جميعًا)؛ فدل [على أن الهدي للإحلال. وإذا ثبت هذا، قلنا: قدر] المبدل قبل حصول المقصود بالبدل. فصار كالمتيمم إذا وجد الماء قبل الدخول في الصلاة. 7866 - احتجوا: بأنه صوم تلبس به لعدم الهدي، فوجب أن لا يبطل بوجوبه، أصله: صوم السبعة الأيام. 7867 - قلنا: الحكم ضد الوصف؛ لأن ما تلبس به للعدم يدل على تأثير الوجود فيه، فلم تصح هذه العلة. 7868 - ولأن صوم السبعة تقدر فيه على الهدي، والمقصود بالبدل قد حصل/ فصار كوجود الماء [بعد الفراغ من الصلاة، وفي مسألتنا: قد وجده قبل حصول المقصود فصار كوجود الماء] قبل فعل الصلاة. 7869 - فإن قيل: التيمم ليس بمقصود في نفسه. 7870 - قلنا: وصوم التمتع ليس مقصودًا لنفسه، وإنما يقصد به غيره وهو التحلل على ما بيناه. 7871 - قالوا: ينقل إلى الصوم، للعجز عن أصله. فإذا وجده بعد الفراغ من الصوم: لم يبطل الصوم، كالصوم في كفارة القتل والظهار إذا وجد الرقبة بعد الفراغ منه. 7872 - قلنا: صوم الكفارة يفعل لمعنى تقدمه، فإذا فرغ منه تم المعنى بالصوم، فوجود البدل لا يؤثر فيه، وفي مسألتنا: الصوم يراد لمعنى يتأخر عنه وهو التحلل، فوجب اعتبار الحالة المقصودة دون ما تقدمها. 7873 - ولأن هذا لا يصح على أصلهم؛ لأن صوم العشرة كلها بدل، فإذا وجد الهدي بعد الثلاثة، فقد وجد قبل الفراغ من الصوم. * ... * ... *

مسألة 432 إذا لم يصم حتى حضره يوم النحر، عاد فرضه إلى الهدي

مسألة 432 إذا لم يصم حتى حضره يوم النحر، عاد فرضه إلى الهدي 7874 - قال أصحابنا: إذا لم يصم حتى حضره يوم النحر: عاد فرضه إلى الهدي، وثبت في ذمته إلى حين القدرة. 7875 - وقال الشافعي: إذا فات وقت الصوم، لم يسقط، فيصومه في أيام التشريق، على أحد القولين، ويصومها بعد ذلك قولاً واحدًا. 7876 - لنا: قوله تعالى: {فما استيسر من الهدي}، وهذا يقتضي وجوب الهدي، ثم نقلنا عنه إلى الصوم في وقت الحج، فإذا فات: عاد إلى فرض الأصل. 7877 - ولأن الله تعالى أوجب هذا الصوم ابتداء مع السفر، وأسقط صوم رمضان عن المسافر إلى القضاء، فلو جاز القضاء في هذا الصوم: لم يوجبه ابتداء مع مشقة السفر. 7878 - وروي عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال: (المتمتع يصوم قبل يوم النحر، فإذا لم يصم إلى يوم النحر فعليه الهدي). 7879 - وعن ابن عمر - رضي الله عنه -: (أن رجلاً أتاه وهو متمتع يوم النحر، ولم يصم،

فقال: له ابن عمر: اذبح شاة، فقال: لا أجد، فقال: سل قومك، فقال: ليس ههنا أحد من قومي، فأعطاه ابن عمر شاة)، ولو جاز الصوم لبينه. 7880 - وذكر أبو الحسن عن ابن عمر، وابن جعفر - محمد بن علي - مثل قولنا، وهذا التخصيص إنما يعلم من طريق التوقيف، فكأنهم رووه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. 7881 - ولأنه وقت يصح فيه ذبح هدي التمتع: فلا يجوز صوم الثلاثة، أصله: يوم النحر ورمضان. 7882 - ولأنه صوم هو بدل: فلا يقضى كالبدل في الكفارات. 7883 - ولأنه وقت لأحد صومي التمتع: فلا يجوز صومه لآخر فيه، كما لا يجوز صوم السبعة قبل يوم النحر. 7884 - احتجوا بحديث ابن عمر، قال: (رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمتمتع إذا لم يجد الهدي أن يصوم أيام التشريق). 7885 - هذا الخبر رواه عبد الغفار، عن الزهري وغلط في إسناده، والصحيح وقوفه على ابن عمر، وقد روينا عنه خلاف ذلك. 7886 - قالوا: صوم يختص بوقت: فجاز أن يؤدى ويقضى، كصوم رمضان، فصوم رمضان على القضاء، بدلالة أنه يجب على المسافر ابتداء، وإنما أسقط إلى القضاء، وهذا الصوم لما أوجب مع وجود السعي ولم يوجد إلى القضاء: دل على أنه موضوع على الأداء دون القضاء.

7887 - ولأن صوم رمضان موضوع بنفسه في وقت، فإذا فات جاز أن يقضي، وهذا الصوم اقيم مقام فرض آخر، وجعل له وقت، فإذا فات عاد إلى الأصل، ولم يصح فيه القضاء كالجمعة. 7888 - قالوا: صوم تعلق بشرط فجاز فعله بعد وجود الشرط، كصوم الظهار، وإذا وطئ قبله. 7889 - قلنا: عدم اللمس شرط في الأصل والبدل، فإذا مسها فقد الشرط المأمور به فيهما. 7890 - فلو قلنا: يعود إلى العتق. ولو أداه مع فقد الشرط في الصوم عاد إلى الهدي، فلم يفت شرطه، فلذلك لزمه العود إليه؛ ولأنه شرط في كفارة الظهار أن يتقدم الشرط على المسيس ولا يتخلله مسيس، فإذا قرنها قدر على الإتيان بأحد الشرطين، وهو صوم لا مسيس فيه، وفي مسألتنا: شرط للتوقف بالحج، فإذا فات لم يقدر على إتيانه بشرط فيه ولذلك سقط. 7891 - قالوا: صوم لزمه بإعواز الهدي: فجاز فعله بعد النحر، كصوم السبعة. 7892 - قلنا: فنقول: فلا يجوز فعله في وقت القسم الآخر منه، كصوم السبعة. * ... * ... *

مسألة 433 إذا فرغ من أفعال الحج، كان له صوم السبعة بمكة

مسألة 433 إذا فرغ من أفعال الحج، كان له صوم السبعة بمكة 7893 - قال اصحابنا: إذا فرغ من أفعال الحج، كان له صوم السبعة بمكة، وفي الطريق، وإذا رجع إلى وطنه. 7894 - وقال الشافعي في أحد قوليه: لا يجوز حتى يرجع إلى وطنه، أو ينوي الإقامة بمكة. 7895 - وفي القول الآخر: يجوز إذا خرج من مكة متوجهًا إلى وطنه. 7896 - لنا: قوله تعالى: {وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة}، يحتمل:

إن فرغتم من أفعال الحج، ويحتمل: رجعتم إلى الوطن ولا يجوز أن يكون المراد به: الرجوع إلى وطنه؛ لأن الوطن لم يجر له ذكر، والحج تقدم له ذكر، فحمل على ما جرى له ذكر الرجوع أولى. 7897 - فإن قيل: لا يقال للصائم: إذا غربت الشمس رجع عن الصوم. 7898 - قلنا: يقال لمن أفطر: رجع إلى الفطر؛ ولأن الصوم، والزكاة لا يختصان بمكان، فلا يقال لمن فعلهما: رجع، والحج يفعل في أماكن مخصوصة، فيجوز أن يقال لمن فرغ منه وانتقل عنها: رجع. 7899 - ولا يصح أن يقال لمن فرغ من الحج: رجع إلى الإحلال، وكل متلبس قام إذا فرغ منه إلى ما كان عليه قبل التلبس. 7900 - يبين ذلك: أن أفعال الحج تقدم ذكرها، والسفر والخروج من الوطن لم يجر له ذكر حتى يحمل الرجوع عليه. 7901 - فإن قيل: كيف يقال: رجع إلى حالته الأولى من الإحلال، وإن كان في مكان النسك، فإذا ثبت أن الإحلال رجوع، والعود إلى الأصل رجوع، تعلق جواز الصوم بأولهما. 7902 - ولأن الرجوع إلى الإحلال مراد بالاتفاق؛ ولأنه لو رجع إلى وطنه ولم يطف: لم يجز الصوم، ولابد من اعتبار الرجوع الذي نقوله، ويضمون إليه الرجوع إلى الأهل، فما ذكرناه متفق على اعتباره، فحمل الآية عليه، والعود إلى أهله كقضاء رمضان. 7903 - ولأنه أحد صومي التمتع، فجاز بمكة قبل العودة والإقامة، كصوم الثلاثة. 7904 - احتجوا: بحديث جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لو استقبلت من أمري ما

استدبرت، ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة، فمن ساق الهدي فليذبح، ومن لم يسق فليصم ثلاثة أيام، وسبعة إذا رجع إلى أهله). 7905 - قلنا: النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع منع أن يقيموا بمكة أكثر من ثلاثة أيام. 7906 - وكيف يأمرهم بصوم سبعة أيام بهذا الصوم، ولم يأمرهم بفعله في الطريق؛ لأن المسافر يخفف عنه الصوم، وقد اختار لهم في تلك السنة الأسهل دون الأثقل، والأشق. 7907 - قالوا: فليس الصوم للسبعة قد خصوا له موضع استيطانه فلم يصح، كما لو تلبس بها قبل الفراغ من أفعال الحج. 7908 - قلنا: ما قبل الفراغ لو استوطن أو رجع إلى الوطن لم يجز الصوم، فكذلك قبل أن يستوطن. 7909 - قالوا: جعل الله السفر عدتها في تأخير صوم واجب محتوم، فلم يجزم أن يجعله سببًا في ابتداء إيجاب صوم. 7910 - قلنا: ليس السفر هو السبب، وإنما السبب يوجد فيه، وهذا غير ممتنع، كصوم الثلاثة.

مسألة 434 الأفضل للمتمتع تقديم الإحرام على يوم التروية

مسألة 434 الأفضل للمتمتع تقديم الإحرام على يوم التروية 7911 - قال أصحابنا: الأفضل للمتمتع تقديم الإحرام على يوم التروية. 7912 - وقال الشافعي: لمن كان معه هدي، فالمستحب أن يحرم يوم التروية بعد الزوال. 7913 - فإن لم يجد الهدي، فالمستحب أن يحرم ليلة السادس من ذي الحجة، والمستحب للمكي أن يحرم إذا توجه. 7914 - لنا: ما روي أن عمر [- رضي الله عنه -]، قال: (يا أهل مكة إذا أهل ذو الحجة فأهلوا بالحج، فلا يحسن أن نجد الناس يلبون وأنتم سكوت). 7915 - وقال عليه الصلاة والسلام: (من أراد الحج فليتعجل). 7916 - ولأنه إحرام بالحج في وقته: فكل ما قدم كان أفضل، كغير المتمع.

7917 - ولأنه وقت يستحب لغير المتمتع تقديم الإحرام عليه، فيستحب للمتمتع ذلك، أصله: غروب الشمس. 7918 - أو لأنه وقت يستحب تقديم الإحرام عليه لمن لا يجد الهدي، فيستحب لمن وجده. احتجوا بحديث جابر - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا توجهتم إلى منى رايحين، فأهلوا بالحج). 7919 - قلنا لهم: اختار لهم في تلك السنة الأخف والأسهل، ولهذا أمرهم بالتحلل، والأسهل أن يؤخر وقت الإحرام، وجواز التعجيل قد بينه لهم بقوله: (من أراد الحج فليتعجل). 7920 - قالوا: إذا أهل رايحا فليس بإعمال الأعمال عقيب إحرامه: فكان أفضل، ولهذا يستحب لغير المتمتع التقديم؛ لأنه يطوف عقيب الإحرام. 7921 - قلنا: إذا احرم من دويرة أهله، كان أفضل، ولا ينعقد إحرامه. 7922 - فإن قيل: يتعقبه التوجه. 7923 - قلنا: التوجه لا يسقط به موجبات الإحرام، فلا يقال: إنه من أعماله، ومثل هذا عندنا يتعقب الإحرام، وهو اجتناب المحرمات. * ... * ... *

مسألة 435 يستحب للمتمتع أن يصوم قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة

مسألة 435 يستحب للمتمتع أن يصوم قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة 7924 - قال أصحابنا: يستحب للمتمتع أن يصوم قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة. 7925 - وقال الشافعي: المستحب أن يكون آخر الصيام يوم التروية. 7926 - لنا: أن يوم عرفة لايكره للحاج صيامه، بدلالة حديث قتادة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - / قال: (صيام يوم عرفة كفارة السنة التي تليها).

7927 - ولأنه زمان لا يكره لغير الحاج الصوم فيه، فلم يكره للحاج، كيوم التروية، وإذا ثبت هذا فيوم عرفة أفضل، ولم ينه عن الصوم فيه، فكان أداؤه فيه أولى. 7928 - ولأن يوم السادس لايسن الخروج إلى منى فيما يليه، فلم يستحب فيه ابتداء الصوم الثلاثة؛ أصله: ما قبله. * ... * ... *

مسألة 436 المتمتع إذا ساق الهدي، لم يتحلل من العمرة إلى يوم النحر

مسألة 436 المتمتع إذا ساق الهدي، لم يتحلل من العمرة إلى يوم النحر 7929 - قال أصحابنا: المتمتع إذا ساق الهدي، لم يتحلل من العمرة إلى يوم النحر. 7930 - وقال الشافعي: إذا فرغ من العمرة، تحلل. 7931 - لنا: ما روي في حديث أبي موسى - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من ساق منكم الهدي، فليتحلل معنا يوم النحر).

7932 - وفي حديث حفصة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إني قلدت هديي، ولبدت رأسي، فلا أحل حتى أنحر). 7933 - وهذا يدل على أن الهدي يمنع التحلل، وقولهم: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إحرامه إحرامًا مبهمًا فجعله لا يصح؛ لأنا روينا: أنه كان قارنًا، وروي: أنه كان متمتعًا. 7934 - ولأن المفرد لا يمنعه الهدي من التحلل بالإجماع. 7935 - ولأنه أحد نوعي الجمع بين الإحرامين، فجاز أن يقف المتحلل منه على يوم النحر، كالقران. 7936 - فإن قيل: ذكر الجواز في الأقل لا معنى له. 7937 - قلنا: بل لا معنى؛ لأنه يجوز أن يتحلل قبل يوم النحر بالإحصار. 7938 - ولأنه تحلل من عمرته قبل فوات وقت الوقوف مع القدرة على المضي، فلم يجز ذلك مع سوق الهدي، كما لو طاف لها أكثر الطواف. 7939 - [احتجوا: بأنه مفرد بالعمرة، وإذا فرغ من أعمالها، جاز له التحلل، كمن ليس له هدي]. 7940 - قلنا: إذا لم يكن له هدي، لم يوجد الجمع. 7941 - ولأنه موجب الجمع فإذا لم يبق له عمل تحلل، وفي مسألتنا: قد وجد موجب الجمع، فصار وجوده كوجود الجمع. فإذا لم يبق له تحلل فيمنع التحلل مع الموجب. 7942 - فإن قيل: هذا يبطل به إذا صام للعمرة بعد إحرامها، وكان له التحلل إذا فرغ منها وإن كان وجد الصوم الموجب للجمع. 7943 - قلنا: الصوم بعض موجب الجمع ويصير وجوده كوجود الجمع؛ ولأنه إذا ساق الهدي فقد بقى عليه نسك يجب فعله في إحرام الحج. * ... * ... *

مسألة 437 إذا قدم الإحرام على الميقات كان أفضل

مسألة 437 إذا قدم الإحرام على الميقات كان أفضل 7944 - قال أصحابنا: إذا قدم الإحرام على الميقات، كان أفضل. 7945 - وهو قول الشافعي: في الإملاء، وفي مختصر الحج الكبير: استحب أن لا يحرم إلا من الميقات. 7946 - لنا: حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من أحرم من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام بحج أو عمرة: غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ووجبت له الجنة).

7947 - فإن قيل: هذا لا يدل على أنه أفضل من غيره، كما لم يدل على أن إحرامه منه أفضل مما تقدم. 7948 - قلنا: إذا أحرم مما تقدم، فقد حصل الإحرام منه وزيادة، وقولهم: لا يدل على الفضيلة، غلط؛ لأن هذه المبالغة هي غاية، وإنما يذكر المبالغة على طريق ما هو أولى من غيره للحث عليه. 7949 - ويدل عليه: ما روي عن علي، وعمر، وابن مسعود - رضي الله عنه - في تأويل قول الله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله}. 7950 - قالوا: إتمامهما (أن تحرم بهما من دويرة أهلك)، ويستحيل أن يكلف زيادة المشقة؛ ليكون أنقص من غيره. 7951 - فإن قيل: فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى من قول الصحابي. 7952 - قلنا: هذا القول لا يعلمونه إلا توفيقًا، فصار كما لو قاله النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقوله - صلى الله عليه وسلم - أولى من فعله. 7953 - وقد روى أبو هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (تمام الحج والعمرة أن تحرم بهما من دويرة أهلك). 7954 - ولأن ما [لا] يجوز تأخير الإحرام عنه كان الإحرام عليه أفضل، أصله: ليلة النحر. 7955 - احتجوا: بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحرم بحجة الوداع من الميقات. وهو لا يفعل إلا ما

هو الأفضل، وكذلك: (أحرم بالعمرة من ذي الحليفة). 7956 - قلنا: أراد أن يبين عامة الميقات، وبيانه بالفعل أقوى من بيانه بالقول. 7957 - ولأنه اختار في حجة الوداع الأسهل، ولهذا أمرهم بالفسخ. 7958 - فإن قيل: إنما يفعل غير الأفضل مرة، ويداوم على الأفضل. 7959 - قالوا: لم يفعله إلا مرة، فلا يترك الفضيلة فيه. 7960 - قلنا: الإحرام من الميقات لا نقص فيه، وإنما غيره أفضل بشرط أن يؤمن مواقعة المحظور، فيجوز أن يكون لم يأمن عليهم. 7961 - قالوا: تقديم العبادة على الوقت تقرير بها من مواقعة المحظور، والغالب أن من يحرم من بلده لا يسلم من محظوراتها. 7962 - قلنا: إذا لم يأمن، فالأفضل ترك التقديم، وكلامنا فيمن يأمن من ذلك، ثم هذا يقتضي أن يكون الإحرام بالحج من يوم عرفة أفضل؛ لأن ما قبله لا يأمن من مواقعة المحظورات. * ... * ... *

مسألة 438 الأفضل أن يلبي عقيب الصلاة

مسألة 438 الأفضل أن يلبي عقيب الصلاة 7963 - قال أصحابنا: الأفضل أن يلبي عقيب الصلاة، وهو قول الشافعي في القديم. 7964 - وقال في الأم والإملاء: الأفضل أن يلبي إذا انبعثت به ناقته إن كان راكبًا، وإن أخذ في السير إن كان راجلاً. 7965 - لنا: حديث عمر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أتاني آت من ربي، وأنا بالعقيق، فقال: صل في الوادي المبارك ركعتين، وقل: لبيك بعمرة وحجة)، ولم يجعل بين الصلاة والتلبية أمرًا فاصلاً. 7966 - ويدل عليه: حديث سعيد بن جبير، قال: قيل لابن عباس - رضي الله عنه -: كيف اختلف الناس في إهلال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقالت طائفة: أهل في مصلاه، وقالت

طائفة: [حين استوت به راحلته، وقالت طائفة]: حين علا على البيداء، فقال: سأخبركم عن ذلك: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل في مصلاه، فشهده قوم فأخبروا بذلك، فلما استوت به راحلته أهل، فشهده قوم لم يشهدوه في المرة الأولى فقالوا: أهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[الساعة] وأخبروا بذلك، فلما علا على البيداء أهل، فشهده قوم لم يشهدوه في المرتين الأوليين، فقالوا: أهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[الساعة] فأخبروا بذلك، وإنما كان إهلال النبي - صلى الله عليه وسلم - في مصلاه؛ فروي عن ابن عباس - رضي الله عنه - التلبية، وبين اشتباه الأمر على الرواة ما لم يعرفه غيره، وهو تقدم تلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي شاهدها غيره، فكان الرجوع إلى روايته أولى. ولأنه روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال: (أهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسجد ذي الحليفة، وأنا معه، وناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند باب المسجد وابن عمر معها، ثم خرج وركب وأهل، فظن ابن عمر أنه أهل في ذلك الوقت). 7967 - ولأنه ذكر بتقديم الصلاة عليه، فكان فعله عقيبها أفضل من تأخيره عنها، كتكبيرات التشريق، وخطبة العيد. 7968 - احتجوا: بما روي عن أنس - رضي الله عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أهل لما استوت به راحلته في البيداء).

7969 - وروت عائشة بنت سعد، قالت: قال سعد: كان نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أخذ طريق الفرع أهل إذا استوت به راحلته، وإذا أخذ في طريق آخر، أهل إذا استقر على جبل البيداء. 7970 - وروى جابر - رضي الله عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أتى البيداء أحرم). 7971 - وروى نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا وضع رجله في الغرز وانبعثت به راحلته، أو ناقته قائمة، أهل من ذي الحليفة). 7972 - قلنا: هذا لا يعارض خبرنا؛ لأن الجماعة رووا الإهلال في وقت عرفوه عن ابن عباس فساواهم، وانفرد هو بمعرفة الإهلال في وقت لم يعرفوه، فخبره زائد، فهو أولى. 7973 - وقولهم: إنهم جماعة وهو وحده لا يصح؛ لأن المثبت أولى من النافي، [وإن] كان التفريق روته الجماعة. 7974 - وقولهم: إنا روينا عن الرجال وابن عباس ممن غلط؛ لأن أحدًا لم يقدح في خبر غيره بهذه العلة، وما أقبح مناقضتهم، وأنهم رجحوا خبره في مسألة القران، فقالوا: لأنه من الأهل، والآن أسقطوا هذا الترجيح وطعنوا في روايته لصغر سنه. 7975 - قالوا: قد تعارضت الرواية عن ابن عباس، فإن قتادة روى عن ابن

حسان، عن ابن عباس - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بذي الحليفة، ثم أتي براحلته فركبها، فلما استوت به على البيداء أهل). 7976 - قلنا: هذا ليس يعارضه، وإنما هو بعض خبر سعيد بن جبير؛ لأنه بين في ذلك الخبر: أنه أهل عقيب الصلاة، وحين استوت على البيداء، فهذا بعض ذلك الخبر. 7977 - قالوا: روى الشافعي عن مسلم بن خالد، عن ابن جرير، عن أبي الزبير، عن جابر - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهم: إذا رحتم إلى منى متوجهين فأهلوا بالحج. وهذا بعد إهلاله بذي الحليفة، فيكون نسخًا. 7978 - قلنا: معناه: إذا أردتم الرواح، بدلالة: أنه لم يذكر الصلاة، ولا خلاف أن الصلاة تقدم على الإحرام، فعلم أنه قصد بها وقت الدخول، وما ذكرناه أولى؛ لأن الملبي عقيب الصلاة، وليس فيها ذكر يتعلق بالتوجه، وإنما الإشراف على البيداء، فكان إثبات ماله نظير أولى. * ... * ... *

مسألة 439 لا ينعقد الإحرام بمجرد النية حتى ينضم إليها التلبية أو سوق الهدي

مسألة 439 لا ينعقد الإحرام بمجرد النية حتى ينضم إليها التلبية أو سوق الهدي 7979 - قال أصحابنا: لا ينعقد الإحرام بمجرد النية حتى ينضم إليها التلبية أو سوق الهدي. 7980 - وقال الشفعي: ينعقد [الإحرام بمجرد النية]. 7981 - لنا قوله عليه الصلاة والسلام: (أتاني آت من ربي بالعقيق، فقال: صل في هذا الوادي/ المبارك ركعتين، وقل: لبيك بعمرة في حجة).

7982 - فإن قيل: النبي - صلى الله عليه وسلم -[كان] قد ساق الهدي، والتلبية ليست واجبة. 7983 - قلنا: ليس معناه: أنه نوى الإحرام مع السوق، وإذا لم ينو، فالتلبية واجبة. 7984 - قالوا: العمرة عندكم ليست بواجبة، فكيف تجب التلبية؟. 7985 - قلنا: إذا أراد العمرة وجب أن يلبي، كما أنه إذا أراد صلاة النافلة كبر. 7986 - وروت أم سلمة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يا آل محمد أهلوا بحجة وعمرة، والإهلال يكون باللسان؛ لأنه مأخوذ من الظهور؛ وروي عن ابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر، وعائشة - رضي الله عنهم - أنهم قالوا: (لا حج إلا لمن أهل ولبى). 7987 - ولأنها عبادة لها تحليل وتحريم، [فوجب الذكر في ابتدائها كالصلاة، كما أن الصوم له تحليل وتحريم]؛ لأنه يدخل فيه، فيحرم عليه أشياء فإذا خرج منه حلت ومع هذا لا يجب في ابتدائه ذكر. 7988 - قلنا: معنى قولنا: (تحليل وتحريم): أن محرمات العبادة تقف على فعل يأتي به محرم بمحرماتها عقيبه، وهذا موجود في تكبير الصلاة، وما يدخل في الحج من التلبية عندنا، والنية عندهم.

7989 - والمحلل معناه: أن محرمات العبادة؛ لأنه لا يفعل بوجه في جهته كالتسليم عندهم والطواف. 7990 - فأما الصوم: فحرماته تُحرم بطلوع الفجر، وليس ذلك من فعله، ويرتفع بغروب الشمس، فلا يقال: لها تحليل وتحريم. 7991 - ولأنه ذكر شرع في ابتداء عبادة يتكرر في انتهائها فكان شرطًا في ابتدائه، كالصلاة والتكبير فيهما، ولا يكره التكبير في ابتداء الأذان؛ لأنه شرط في صحة الأذان. 7992 - ولأنه ذكر في ابتداء الفريضة سن تكراره في انتهائها [ذكر واجب؛ لأن السلام عندنا] كتكبيرة الصلاة. 7993 - فإن قيل: المعنى في الصلاة: أن في ابتدائها ذكر واجب، وفي آخرها ذكر واجب. 7994 - قلنا: لا نسلم أنه في آخرها ذكر واجب؛ لأن السلام عندنا ليس بواجب في ابتدائها؛ لأنا جعلنا كون الذكر في ابتدائها العلة. 7995 - فإذا قالوا: العلة فيه كونه واجبًا، فقد عارضونا بوصفنا وزيادة وصف معه. 7996 - ولأنه ذكر شرع في ابتدائه الوضوء؛ لأن من نوعها ما يجب على الذبيحة. 7997 - احتجوا بقوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً}، والحج القصد.

7998 - قلنا: الآية مجملة، بدلالة أنه ليس فيها بيان الأركان والشرائط، وإنما يرجع في بيانها إلى فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد أحرم كما قلنا، فكان ذلك بيانًا له. 7999 - قالوا: روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى). 8000 - قلنا: لا دلالة فيه؛ لأنه جعل العمل عملاً بالنية، فيقتضي أن ينضم إلى نية الحج عمل حتى يكون نية له. 8001 - وقوله: (وإنما لكل امرئ ما نوى) معناه: وإنما له من الأعمال ما نوى، فإذا نوى الإحرام، ولم تصح النية فعلاً: لم يوجد من العمل ما يكون له بالنية. 8002 - ولا يقال: قد وجد تجنب المحرمات؛ لأن ذلك ليس بعمل ينضم إليه النية، بدلالة أنه لا يسقط به الفرض. 8003 - ولأنه لو نوى الإحرام عندهم وهو مرتكب لجميع محظورات الحج انعقد إحرامه بالنية، فبطل أن يكون الانعقاد بالنية وبترك المحرمات. 8004 - قالوا: روى جابر - رضي الله عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:) إذا توجهتم إلى منى فأهلوا بالحج). 8005 - قلنا: الإهلال قد بينا أنه عبارة عن الظهور، ولذلك سمي الهلال هلالاً لظهوره، وصراخ المولود استهلالاً، والظهور إنما يكون بالتلبية. 8006 - قالوا: عبادة ليس في أثنائها نطق واجب، فوجب أن لا يكون في أولها نطق واجب، كالصوم وعكسه الصلاة.

8007 - قلنا: سجود التلاوة على أحد الوجهين، ويلبي ... الضعيف، ويقولون: يجب في السجدة التشهد، وربما قالوا: عبادة لا يجب النطق في آخرها، فوجب أن لا يجب في أولها، قياسًا على الصوم، أو عبادة لا يفتقر آخرها إلى النطق، فلا يفتقر أولها إلى النطق، كالصوم. 8008 - قلنا: الصوم يرتفع الخروج منه بمضي النهار، والوقت لا يفصله، فالدخول فيه لا يقف على فعل، والحج يقف الخروج منه على فعله بالاتفاق وإن اختلفا في ذلك الفعل. فالدخول يقع بفعل ينضم إلى النية، كالصلاة. 8009 - ولأن الصوم فعل واحد، فالدخول فيه لا يقف على ذكر، والاعتكاف كالحج يقف على أركان مختلفة، فالدخول فيه يجوز أن يقف على ذكر، كالصلاة. 8010 - ولأن الصوم دليلنا أنه لا يصح الشروع فيه حتى ينضم إليه فعل من خصائصه، وهو الإمساك مع الذكر، وكذلك لا يصح الشروع في الحج بمجرد النية حتى ينضم إليه فعل من خصائص الحج. وهو التلبية، أو سوق الهدي. 8011 - فإن قيل: يصح الدخول في الصوم، وهو آكل - إذا كان ناسيًا -، وكذلك الإمساك المعتبر في الصوم، هو الإمساك مع الذكر، وهذا الإمساك شرط في الأول. 8012 - قالوا: لو كان النطق شرطًا في الإحرام، لم يسقط بغيره مع القدرة عليه. 8013 - قلنا: يبطل بالقراءة، فإنها شرط يسقط بالنطق بمتابعة غيره، وهو الإمام إذا أدركه في الركوع. 8014 - ولأن فرائض الصلاة لا يقوم مقامها ما ليس من جنسها، فلذلك افترقا. * ... * ... *

مسألة 440 لا تكره الزيادة على تلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

مسألة 440 لا تكره الزيادة على تلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - 8015 - قال أصحابنا: لا تكره الزيادة على تلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن زاد فحسن. 8016 - وقال الشافعي: إن زاد فلا بأس به، فجعل الزيادة مباحة. 8017 - ومن أصحابه من قال: يكره. 8018 - لنا: ما روي في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لبيك إله الخلق). 8019 - وقد روي عن عمر - رضي الله عنه - أنه زاد: (لبيك وسعديك والخير بيديك

والرغباء إليك). 8020 - وروي عن عمر - رضي الله عنه -: (لبيك مرهوبًا منك مرغوبًا إليك)، وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - (لبيك عدد التراب لبيك). 8021 - ولأن التلبية يستحب فيها نفي الشريك، فيستحب فيها نفي التشبيه، وإتيان الثناء كالخطبة. 8022 - ولأنه زاد على التلبية المشهورة، فصار كما لو قال: لبيك إن العيش عيش الآخرة. 8023 - ولأنه ذكر يقصد به تحميد الله والثناء عليه، فلا يكره الزيادة عليه بعد استيفائه، كالتشهد. 8024 - ولأنه ذكر شرع تكراره بعد تمامه، فإذا أبيح بعده الذكر المباح، كان الذكر من جنسه أولى. 8025 - احتجوا: بما روي: أن ابن عمر - رضي الله عنه - روى تلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المشهورة، وكذلك جابر - رضي الله عنه -.

8026 - ولأنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (خذوا عني مناسككم). 8027 - قلنا: هذا يدل على وجوب أخذ المذكور، ولا ينفي غيره، ولهذا زاد ابن عمر على ذلك، على ما روينا. 8028 - قالوا: روى (أن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - سمع بعض بني أخيه وهو يلبي: (لبيك ذا المعارج)، فقال سعد: إنه لذو المعارج، وما هكذا كنا نلبي على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -). 8029 - قلنا: يحتمل أنه اقتصر على ذلك، وعندنا يكره ترك التلبية المشهورة، وإنما يأتي بالزيادة بعد أن يستوفيها. 8030 - قالوا: التكرار شعار لهذا العبادة، كالأذان وتكبيرة الصلاة. 8031 - قلنا: الأذان والتكبير لا يسن تكرارها بعد تمامها، فلم تجز الزيادة عليها ولا النقصان، ولما شرع تكرار التلبية بعد تمامها جاز الزيادة عليها. 8032 - فإن ألزم على هذا تكبيرات الجنازة والعيد. 8033 - قلنا: هناك لم يشرع تكرارها بعد تمامها، فلذلك لم يزد عليها. * ... * ... *

مسألة 441 يجوز للمحرمة لبس القفازين

مسألة 441 يجوز للمحرمة لبس القفازين 8034 - قال أصحابنا: يجوز للمحرمة لبس القفازين، وهو قول الشافعي في مختصر الحج الأوسط. 8035 - وقال في الإملاء والأم: ليس لها ذلك. 8036 - لنا: ما روي في حديث ابن عمر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إحرام المرأة في وجهها)، وهذا يقتضي أن وجوب الكشف يختص بهذا العضو.

8037 - ولأنه عضو يجوز أن تستره ببعض المحيط، فجاز أن تستره بكل المحيط، أصله: سائر أعضائها، وعكسه الوجهز 8038 - ولأنها حالة يجوز لها لبس الخفين، فجاز لها لبس القفازين، كما بعد الرمي. 8039 - ولأنها مخيط، فجاز أن تغطي به بدنها، كيديها. 8040 - احتجوا: بما روى الليث بن سعد، [عن نافع، عن ابن عمر]، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (أنه نهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب وما مسه الوَرْس من الثياب). 8041 - قلنا: ذكر ابن المنذر هذا الخبر في كتابه، وقال فيه: قد قيل: [إن] هذا من قول ابن عمر، [وهذا يدل على الشك في إسناده. وقول ابن عمر] ليس بحجة، لأن ابن المنذر ذكر عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - أنه يلبسه بناته وهن محرمات القفازين. 8042 - ورخصت فيه عائشة [كالرجل] فيعارض قولها قول ابن عمر.

8043 - ولأن ابن عمر - رضي الله عنه - كان يرى أن المحرمة لا تلبس الخف حتى تقطعه، فعل هذا القول/ منعها من القفازين. ورخصت فيه عائشة - رضي الله عنه -، كالرجل. 8044 - قلنا: الرجل لا يجب تغطية سائر بدنه بالمحيط، فكذلك لا يغطي يديه، والمرأة يجوز لها تغطية سائر بدنها بالمحيط، فكذلك تغطي يديها بالقفازين. 8045 - أو نقول: المرأة يجوز لها لبس الخف، فلا يجوز لبس القفازين. 8046 - قالوا: عضو ليس نعهده منها، فوجب أن يتعلق به الإحرام في باب التلبس، كالوجه. 8047 - قلنا: الوجه لم يجز أن تغطيه بما لا يختص بتغطيته، وهو النقاب والبرقع، ولما جاز أن تغطي هي يديها بالمحيط الذي يعد لها مختصًا بها، وهو طرف كمها، جاز لها أن تغطيه بما اتخذ لليد واختص لها، وهو القفازان. * ... * ... *

مسألة 442 إذا لم يجد المحرم إزارا، وأمكنه فتق السراويل وأن يتزر به وجب فتقه

مسألة 442 إذا لم يجد المحرم إزارًا، وأمكنه فتق السراويل وأن يتزر به وجب فتقه 8048 - قال أصحابنا: إذا لم يجد المحرم إزارًا، وأمكنه فتق السراويل وأن يتزر به: وجب فتقه، ولم يجز لبسه كما هو، [وإن كان إذا فتق لم يستر عورته: لبسه كما هو]، وافتدى. 8049 - وقال الشافعي: لا يلزمه فتقه، بل يلبسه كما هو، ولا شيء عليه. 8050 - والكلام في هذه المسألة يقع في فصول ثلاثة. 8051 - أولها: أنه لا يجب فتقه إذا أمكنه أن يتزر به بعد الفتق. 8052 - والدليل عليه: حديث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في المحرم لا يجد

النعلين: (إنه يقطع الخفين أسفل الكعبين)، والضرر بقطع الخف أشد من الضرر بقطع السراويل؛ لأن إعادة السراويل أسهل، فإذا وجب قطع الخف حتى لا يلبس ما حظره الإحرام، فلأن يجب قطع السراويل أولى وأحرى. 8053 - ولأنه عادم لما جاز لبسه، قادر على التوصل إليه بالفتق، فوجب أن يلزمه فتقه إذا لم يجد غيره، أصله: من خاط الإزار سراويل من غير قطع. 8054 - والفصل الثاني: أنه إذا تمكن من فتقه حتى يصير إزارًا: لم يجز لبسه، لحديث ابن عمر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يلبس المحرم قميصًا ولا سراويل). 8055 - ولا يقال: هذا محمول على من يجد الإزار؛ لأن ههنا يقدر على الإزار بالفتق. 8056 - ولأنه، لبس مخيطًا يمكنه أن يتزر به، فوجب أن يمنع منه حال إحرامه، أصله: القميص. 8057 - ولأنها حالة لا تجوز لبس الخفين، فلا يجوز في مثلها لبس السراويل، أصله: من وجد النعل والإزار. 8058 - والفصل الثالث: وجوب الكفارة إذا لبسه وقد أمكنه فتقه أو لم يمكنه. 8059 - ولأن كل لبس يتعلق به الفدية مع القدرة على غيره: تعلق به وإن لم يجد غيره، كالخف. 8060 - ولأنه لبس لأجل العذر وجبت الفدية، كلبس العمامة والقميص. 8061 - ولأن محظورات الإحرام إذا أبيحت للعذر، وجبت فيها الفدية، أصله:

حلق الراس من أذى. 8062 - ولا يلزمه إذا صال الصيد عليه؛ لأن الضمان لا يُسقط العذر؛ لأن الضمان بدل عنه، فإذا أذن مالكه في إتلافه، سقط وجوب البدل لحقه. 8063 - احتجوا بحديث ابن عباس - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب يقول: (إذا لم يجد المحرم نعلين لبس الخفين، فإذا لم يجد إزارًا لبس السراويل)، وكلذك رواه ابن الزبير، عن جابر - رضي الله عنه -، وأباح لبس السراويل عند عدم الإزار. 8064 - قلنا: إن كان يقدر أن يفتقه فيتزر به، فهو واجد للإزار، فلا يجوز لبسه بهذا الخبر، ولهذا توافقنا: أنه إن كان كبيرًا يمكن أن يتزر به من غير فتق لم يجز لبسهما؛ لأنه واجد للإزار. 8065 - وكذلك من خاط إزاره سراويل، وهو قطعة واحدة لا يجوز لبسه، وإن لم يجد غيره؛ لأنه إزار في نفسه إذا فتقه، [كذلك في مسألتنا، وإذا لم يقدر على الاتزار به إذا فتقه] فالخبر يقتضي إباحة لبسه. 8066 - قالوا: النبي - صلى الله عليه وسلم - قصد البيان في لباس المحرم، ومعلوم أن من جهل لباس السراويل كما يحكم الواجب بلبسه أنه يعتبر جهلا، وكانت حاجته إلى معرفة

حكمه أشد من حاجته إلى جواز لباسه، فلا يجوز أن يترك البيان وقت الحاجة، فلما لم يبين ما يجب به، دل على سقوط الواجب. 8067 - قلنا: الحاجة إلى جواز لبسه أهم من الحاجة إلى بيان الواجب؛ ولأن الإباحة سبق الحاجة إليها أقل، فكيف يقال: الحاجة إلى معرفة الأصل، وإذا لم يكن بد من الكفارة؛ لأنه استقر في الشرع: أن محظورات الإحرام إذا لم يكن على طريق البدل، لا تسقط الكفارة فيها بالإذن والإباحة، فلم يبين ذلك؛ لأن القرآن نطق بفدية في كفارة الأذى وبين ما لم يسبق دليل على إباحته في الشرع. 8068 - قالوا: فالنبي - صلى الله عليه وسلم - نص على اللباس في حديث ابن عمر - رضي الله عنه -، فمنع القميص والعمامة والبرنس والسراويل، ثم استثناه في حديث ابن عمر؛ فلا يخلو أن يريد بتخصيصه: جواز اللبس، أو خصه بسقوط الفدية، فبطل أن يكون يريد به جواز اللبس؛ لأنه [ما] من لباس إلا وله لبسه عند العذر فثبت أنه خصه بالذكر لفائدة يختص به وهو سقوط الفدية. 8069 - قلنا: إنما خص هذا لأن سائر الملبوسات يدعو إلى لبسها وجوب الستر، فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يبين العذر من حيث العذر الذي هو الضرر. 8070 - قالوا: رخص في لباسه عند عدم غيره، فوجب أن لا يجب فيه الفدية، أصله: الخف إذا قطعه أسفل الكعب. 8071 - قلنا: لا نسلم أن ذاك أبيح عند عدم النعل، بل يجوز لبسه مع وجودها، وإنما أمر عند عدم النعل بالقطع ليصير في حكم ما يجوز لبسه، ثم المعنى فيه: أن المخيط لا يستعمل على عضو كامل، فهو كما لبس الخف.

8072 - قالوا: ستر عورته بما لا يمكنه سترها إلا به، فلم يلزمه الفدية، كالإزار. 8073 - قلنا: إن كان يمكنه إذا فتقه لبسه، فلا نسلم أنه لا يقدر على الستر إلا به. 8074 - ثم المعنى في الإزار ليس من المحظورات، فلم يتعلق بلبسه فدية، والسراويل من المحظورات، فإذا ستر عورته به وجب الجزاء، وإن لم يقدر على غيره كالقميص الضيق الذي لا يقدر أن يتزر به. 8075 - قالوا: لبس اباحه الشرع مطلقًا، فلم يجب به الفدية كالإزار. 8076 - قلنا: ما يبيحه الشرع قطعًا، كذلك يبيحه استدلالاً في أحكام لاسيما إذا كان طريقهما الظن، فلم يكن لهذا الوصف معنى، فإذن انتقض بمن احتاج إلى اللبس لدفع الحر والبرد. 8077 - والمعنى في الإزار: أنه لو لبسه مع وجود غيره لم يوجب الجزاء، وليس كذلك في السراويل؛ لأنه لو لبسه مع وجود غيره أوجب الجزاء، كذلك إذا لبسه مع عدمه، كالقميص. 8078 - قالوا: لبس أبيح ندبًا لا توقفًا، فأشبه لبس الإزار. 8079 - قلنا: إذا خاف على نفسه الحر والبرد فاللبس مرتب، ومع هذا لا يسقط الجزاء. 8080 - وكذلك من لم يجد إلا ثوبًا مصبوغًا بزعفران، فقد أبيح لنفسه ندبًا لا توقفًا، ومع ذلك يجب الجزاء. 8081 - قالوا: لبس السراويل واجب كستر العورة، وكل أمر ألجأه الشرع إليه، وجب أن لا يتعلق به الفدية، أصله: بدل الحائض لطواف الصدر. 8082 - قلنا: الحائض ما ألجأها الشرع إلى ترك الطواف؛ لأنها تقدر أن تقيم حتى تطهر وتطوف، وإنما خفف الشرع عنها ذلك. 8083 - والفرق بينهما: أن مناسك الحج إذا أبيح تركها للعذر، لم يجب بتركها شيء، وفي مسألتنا: أبيح المحظور للعذر، فلذلك لا تسقط الفدية كمن حلق رأسه في الأذى. * ... * ... *

مسألة 443 حكم دخول المنكبين في القباء دون الكمين

مسألة 443 حكم دخول المنكبين في القباء دون الكمين 8084 - قال أصحابنا: إذا أدخل منكبيه في القباء، ولم يدخل في كميه: جاز، ولا فدية عليه. 8085 - وقال الشافعي: عليه الفدية. 8086 - لنا: أنه ليس يحتاج في حفظه إلى تكلف، كما إذا ارتدى بالقميص. 8087 - ولنه لبس لو كان ناسيًا، لم تجب به الفدية، كذلك إذا كان عامدًا، أصله: إذا طرحه على كتفه طرحًا. 8088 - احتجوا: بحديث ابن عمر - رضي الله عنه -: (أن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - ما الذي يلبس المحرم؟ فقال: لا يلبس القميص ولا الأقبية).

8089 - قلنا: أراد به اللبس المعتاد، وذلك بإدخال اليد في الكم. يبين ذلك: أنه جمع بينهما وبين القميص، وإنما يمنع القميص اللبس المعتاد دون غيره. 8090 - قالوا: لبس المخيط على الوجه الذي يلبس عليه في العادة، فجاز أن تجب به الكفارة، أصله: إذا أدخل يديه في كميه. 8091 - قلنا: لا نسلم أن هذا هو اللبس المعتاد؛ ولأنه إذا أدخل يديه في كميه وكلف حفظه وإمساكه، فصار كالسلاح له والقميص.

مسألة 444 إذا اختضبت المحرمة أو المحرم بالحناء فعليهما الفدية

مسألة 444 إذا اختضبت المحرمة أو المحرم بالحناء فعليهما الفدية 8092 - قال أصحابنا: إذا اختضبت المحرمة أو المحرم بالحناء: فعليهما الفدية. 8093 - وقال الشافعي: لا شيء فيه إلا أن تشد على يديها خرقة، فيجب الجزاء في أحد القولين، كالقفازين. 8094 - لنا: ما روي/ في حديث أم سلمة (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى المعتدة أن تخضب الحناء، وقال: الحناء طيب). ولأن له رائحة ملتذة ويصبغ الثوب، فصار كالورس. 8095 - احتجوا: بما روى عكرمة - رضي الله عنه -: (أن عائشة وأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - كن يختضبن بالحناء وهن محرمات).

8096 - قلنا: يحتمل أن يكون ذلك لعذر، وقد روي (أنهن كن إذا أردن الإحرام، اختضبن)، فيعارض ذلك. 8097 - قالوا: الحناء يقصد لونه دون رائحته، فأشبه الخضاب الأسود. 8098 - قلنا: ذلك ليس في معنى الطيب، ولهذا لا يمنع المعتدة منه، ولما كان الخضاب في مسألتنا مما يمنعه لما فيه من معنى الطيب، منعه الإحرام. 8099 - قالوا: لو حلف أن لا يطيب، فاختضب لم يحنث. 8100 - قلنا: لأن الحناء ليس بطيب وإنما فيه معناه، واليمين يقتضي نفس الطيب دون معناه. * ... * ... *

مسألة 445 وإذا لبس المبخر، لا يلزمه الفدية

مسألة 445 وإذا لبس المبخر، لا يلزمه الفدية 8101 - [قال أصحابنا]: وإذا لبس المبخر، لا يلزمه الفدية. 8102 - وقال الشافعي: عليه الفدية. 8103 - لنا: أن الثوب ليس عليه عين الطيب، وإنما فيه رائحته، ومجرد الرائحة لا يمنعها الإحرام، كما لو جلس في سوق العطارين، فشم روائح الطيب، وكما لو شم طيب الكعبة. 8104 - ولأنه إذا تطيب قبل الإحرام وبقي الطيب عليه لا يمنع منه، وتعلق الاستمتاع برائحتها لا يوجب الفدية، فإذا تجردت الرائحة من غير تجرد الطيب أولى وأحرى أن لا يجب. 8105 - احتجوا: بما روي (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى المحرم عن الثوب الذي مسه الورس والزعفران). 8106 - قلنا: هناك عين الرائحة تابعة له، فنظيره: أن يصبغ الثوب بالمسك أو الكافور فيمنع منه. 8107 - قالوا: نوع طيب في العادة، فوجب أن يمنع الإحرام منه من غير عذر،

كاستعمال الكافور والغالية. 8108 - قلنا: العادة هو أن يبخر الإنسان ثيابه، تطيبًا. والمعنى فيما ذكروه: أنه عين استعمال الطيب، لا ينتفي بها إلا الرائحة، ألا ترى: أن ما يقطع منها لا يمنع منه. 8109 - قلنا: هناك خرج عن أن يكون طيبًا، فأما إذا ثبتت الرائحة، فالمقصود العين الذي يتضوع الرائحة منها، وليس المقصود مجرد الرائحة، كما أن رائحة النجاسة لو علقت بالثوب لم تنع الصلاة وإن كانت العين تمنع. * ... * ... *

مسألة 446 يجب على الرجل كشف وجهه

مسألة 446 يجب على الرجل كشف وجهه 8110 - قال أصحابنا: يجب على الرجل كشف وجهه. 8111 - وقال الشافعي: لا يجب. 8112 - لنا: ما روى ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في المحرم: لا يغطي اللحية فإنها من الوجه). 8113 - وروي (أن عثمان - رضي الله عنه - اشتكتى عينه، فرخص له النبي - صلى الله عليه وسلم - في ضمادها)، ولو جاز له تغطية وجهه لم يحتج إلى رخصة في ضماد العين.

8114 - ولأنه عضو يتعلق بمفروض الطهارة أو مسنونها عن التكرار، فصار كالرأس، ولا يلزم اليدان والرجلان، لأنه لا يتعلق بها سنة إلا التكرار. 8115 - ولأنه ممنوع من الطيب لأجل الإحرام، فمنع من تغطية وجهه كالمرأة، ولأن المرأة أضعف في أحكام التغطية من الرجل، بدلالة جواز تغطية بدنها بالمخيط، فإذا وجب كشف وجهها، فلأن يجب ذلك على الرجل أولى. ولا يقال: إن المرأة لا يلزمها كشف عضو آخر، فلزمها كشف هذا العضو، لأنا بينا أن المرأة أضعف في حال الكشف، فلهذا اختص بعضو واحد، وخالفها الرجل فيه .... 8116 - قلنا: يبطل بالمرأة، فإنه يلزمها كشف وجهها وإنها لم يتعلق بالنسك أخذ شعره، والمعنى في اليد: أنه يجوز للمرأة كشفها. وإذا لم يجب على المرأة كشفه في الإحرام، وجب على الرجل أيضًا. 8117 - قالوا: وجب كشفه، لأنه أحد الجنسين، فلم يجب كشفه في الجنس الآخر كالرأس. 8118 - قلنا: الرأس يصح من المرأة كشفه؛ لأنه غيره، والوجوب فرع على الجواز. 8119 - ولأن موضوع هذا القياس فاسد. 8120 - ولأن [حكم الجنسين يتساوى في الإحرام ما عاد إلى الستر أو المثلة، وإذا وجب كشفه على المرأة مع تأكد] حكمها في الستر، فوجوبه في الرجل أولى. 8121 - ولأن المناسك كلها على قسمين، منها: ما يتساوى الرجل والمرأة في حكمها، ومنها ما يختلفان فيه، وكل حكم اختلفا فيه غلظ حكم الرجل وخفف حكمها في التساوي، فوجب أن يلزم الرجل كشفه، كما يلزمها، وإن كان من قبيل الاختلاف، فيجب أن يتغلظ حكمه فيه، فأما أن يخفف عنها، فهذا مخالف للأصول.

مسألة 447 إذا كرر الجناية من جنس واحد في مجلس واحد فعليه كفارة واحدة إلا في قتل الصيد

مسألة 447 إذا كرر الجناية من جنس واحد في مجلس واحد فعليه كفارة واحدة إلا في قتل الصيد 8122 - قال أبو حنيفة، وأبو يوسف: إذا كرر الجناية من جنس واحد في مجلس واحد مثل: الطيب أو اللبس أو القبلة، أو قص الأظفار، أو حلق مواضع من البدن: فعليه كفارة واحدة، إلا في قتل الصيد، وإن كان في مجلسين من بدنه رفض الإحرام ففيه كفارة. 8123 - وقال الشافعي في قتل الصيد: عليه بكل صيد قيمة، [وأما الحلق] وتقليم الأظفار، فعليه لكل مرة كفارة، [وإن فرق الحلق وتقليم الأظفار: فعليه لكل مرة كفارة]. 8124 - وأما اللبس والطيب والقبلة: فإن كرر جنسها فيها في حالة واحدة: فعليه كفارة واحدة، وإن فرقها في أوقات متفرقة، فإن كان الثاني بعد أن كفر عن الأول: فعليه بالثاني كفارة قولاً واحدًا. وإن كرره ولم يتخلله تكفير ففيه قولان، قال في القديم يتداخل، وقال في الأم والإملاء: عليه بكل فعل كفارة.

8125 - ومن أصحابه من قال: اعتبر اتفاق السبب، فإن لبس وتطيب لمرض واحد. 8126 - قالوا: وهذا ليس بمذهب، وأما إذا قصد به الرفض فلأنه فعل ما يحظره الإحرام على جهة واحدة، فصار كمن حلق الرأس والبدن في حالة واحدة. 8127 - ولأنه قصد الرفض بفعل ما يحظره الإحرام [فلزمه كفارة واحدة، كما لو جامع. 8128 - وأما تكرار اللبس أو الطيب في مجالس فلأن كفارة الإحرام] لا تسقط بالشبهة، فإذا تكررت: لم يكن اجتمع في أسبابها شبهة في تداخلها، ككفارة اليمين، فلا يلزم المجلس الواحد لأن الاجتماع ليس بشبهة، ولكن وقع على وجه واحد، ولأنه يشبه كفارة الإحرام، وإذا تكرر استوى بين أن يكون كفر عن

الأول أو لم يكفر، كالخلوة. 8129 - احتجوا: بأنه تكرار استمتاع لم يتخلله تكفير: فلم يجب فيه إلا كفارة واحدة، كما لو فعله دفعة واحدة، أنه لو كان ذلك في الحلق وجبت كفارة واحدة، كذلك في اللبس وجبت كفارتان. 8130 - قالوا: الكفارات تجري مجرى الحد، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الحدود كفارات لأهلها)، والحدود إذا ترادفت تداخلت. 8131 - قلنا: الحدود تسقط بالشبهة، واجتماعها يوجب الشبهة، وكفارات الإحرام لا تسقط بالشبهة بدلالة وجوبها على المعذور، واجتماعها لا يكون شبهة في التداخل. * ... * ... *

مسألة 448 إذا تطيب ناسيا أو جاهلا أو لبس، فعليه الفدية

مسألة 448 إذا تطيب ناسيًا أو جاهلاً أو لبس، فعليه الفدية 8132 - قال أصحابنا: إذا تطيب ناسيًا أو جاهلاً أو لَبِسَ فعليه الفدية. 8133 - وقال الشافعي: إذا لبس ناسيًا أو جاهلاً بالتحريم فلا شيء عليه، ونص في الحلق والصيد: أن فيه الجزاء. 8134 - قالوا: إلا أنه قال في وطء الناسي قولان، وإن تذكر فنزع في الحال، وأزال الطيب فلا شيء عليه، وإن بقي كما هو: ففيه الجزاء. 8135 - لنا: أنه لبس في إحرامه ما حظره الإحرام عليه: فلزمته الفدية كالعامد. 8136 - [ولأنه استمتاع بالطيب يجب الفدية بالبقاء عليه: فوجب بابتدائه،

كالعامد] العالم، وعكسه: إذا تطيب قبل الإحرام ونعني بالإبقاء إذا تذكر. 8137 - ولأن كل معنى إذا فعله عالمًا بتحريمه ذاكرًا وجب الدم، إذا فعله جاهلاً أو ناسيًا أوجبه، كمن جاوز الميقات فأحرم ولم يعد. 8138 - ولأن ما يوجب الدم يستوي فيه النسيان والعمد، كمجاوزة الميقات. 8139 - فإن قيل: هذا من المأمور به فيستوي عمده وسهوه، وذلك من المنهي فيختلف عمده وسهوه. 8140 - قلنا: إن المأمور به فرض عليه، كما أن تجنب المحظورات فرض عليه، فحكم أحدهما حكم الآخر. 8141 - ولأن الجهل بأحكام الشرع مع التمكن من العلم بها لا يسقط أحكامها عن الجاهل، كمن جهل تحريم الزنا ووجوب العبادات. 8142 - احتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم - (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه). 8143 - قالوا: ومعلوم أنه لم يرد به رفع القلم؛ لأنه إذا وقع لم يمكن رفعه، فثبت: أنه أراد به حكم الخطأ، وإذا ارتفع حكمه لم يجب شيء. 8144 - قلنا: المراد به مأثم الخطأ، بدلالة أن حكم الخطأ ثابت بالإجماع في عامل الخطأ، فلم يجب إضمار ما اتفقوا على خلافه. 8145 - فإن قيل: إضمار الحكم يدخل فيه. 8146 - قلنا: الإضمار لو استقل اللفظ دونه: لم يحتج إليه، فإذا استقل بالأخص: لم يصر إلى الأعم منه، لأن الزيادة استغنى اللفظ في الفائدة عنها، كما لو استغنى عن الإضمار كله. 8147 - احتجوا: بحديث صفوان بن يعلى بن أمية، عن أبيه قال: (كنا عند رسول

الله - صلى الله عليه وسلم - بالجعرانة، فأتاه رجل وعليه مقطعة يعني جبته، وهو متضمخ بالخلوق، وقال: يا رسول الله أحرمت بالعمرة، وهذه على، فقال عليه الصلاة والسلام: ما كنت تصنع في حجك؟، قال: كنت أنزع هذه المقطعة وأغسل هذا الخلوق، فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما كنت صانعًا في حجك فاصنعه في عمرتك). 8148 - قالوا: ومعلوم أن من جهل جواز اللبس: كان لوجوب الفدية أجهل. 8149 - قالوا: أفتاه بالنزع، ولم يذكر الفدية: فدل أنها لا تجب، لأنه لا يؤخر البيان عن وقت الحاجة. 8150 - قلنا: هذه الحالة كانت ابتداء تحريم اللبس [في العمرة]، بدلالة: ما روى همام، عن عطاء، عن صفوان، [عن أبيه] قال: (قال له: كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي؟ قال: فأنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - الوحي، فستر بثوب، فنظرت إليه، فإذا له غطيط كغطيط البكر، فلما سري عنه قال: أين السائل عن العمرة، اخلع عنك الجبة واغسل عنك أثر الصفرة، واصنع في عمرتك ما صنعته في حجتك).

8151 - فلولا أن الحكم ابتدئ في ذلك الوقت لم يكن لتأخير الجواب إلى حين الوحي معنى. 8152 - فإن قيل: أخره لأن تحريم التزعفر لم يكن نزل. 8153 - قلنا: كان ذلك ليبين له تحريم اللبس المختص بالإحرام، وأما التزعفر: فلا يختص تحريمه بالإحرام، لأنه لو استعمله قبل الإحرام لا يمنع من البقاء عليه لأجل الإحرام، وإنما منع من الزعفران لمعنى فيه. 8154 - قلنا لما لم يبين حكم اللبس: دل على ابتداء التحريم في ذلك الوقت فلهذا لم يوجب عليه الفدية فيما مضى؛ لأنه لم يكن محرمًا. 8155 - فإن قيل: هذه القصة كانت بالجعرانة في سنة ثمان، وتحريم اللباس نزل في عام الحديبية بقوله تعالى: {فمن كان منكم مريضًا أو به أذى من رأسه}. 8156 - قلنا: هذا دل على تحريم الحلق والطيب، وليس فيه اللباس. 8157 - فإن قيل: قد عرف السائل تحريم اللبس في الحج. 8158 - قلنا: يجوز أن يكون أحرم في الحج ولم يحرم بالعمرة إلى هذه الحالة. 8159 - قالوا: روي أن الرجل قال: (أحرمت وهذه عليَّ والناس يسخرون مني)، فدل على أن تحريم اللبس كان مستقرًا عندهم. 8160 - قلنا: هذا الخبر ذكره الأئمة، وليس فيه هذه الزيادة، ويجوز أن يكونوا اعتقدوا أن العمرة محمولة على الحج قياسًا، والنص إنما علم بالوحي، وما ظنوه قبل ذلك لا حكم له، ولو ثبت أن تحريم اللبس في العمرة؛ وقد استقر عنده في الشرع أن محظورات الإحرام يتعلق بها الفدية. 8161 - فلما عرفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حظر اللبس، فقد عرف وجوب الجزاء،

ولو كان للجهل تأثير لبينه، فلما لم يبينه، كان حكمه حكم سائر المحظورات. 8162 - ولأن قوله عليه الصلاة والسلام: (ما كنت صانعًا في حجتك فاصنع في عمرتك) لا يجوز أن يكون عمومًا في كل عمل؛ لاختلاف العبادتين في أعمالهما، ولا يجوز أن يكون ذلك لاجتناب المحظورات؛ لأن ذلك ليس بعمل: فيقر أن ينصرف إلى النوع والفدية؛ لأنه يعلم حكم ذلك في الحج، ولم يكن جاهلاً به، فلابد أن تجب به الفدية، وقد أمره أن يصنع مثل ذلك، فقد أمره بالفدية. 8163 - ولأن حكم الخبر على قولهم يفيد حكم الجاهل، فلم وجب حكم الناسي عليه؟، وحكمهما مختلف في الأصول، بدلالة: أن الأكل ناسيًا لا يفسد الصوم، ولو جهل طلوع الشمس أو غروبها أو جهل تحريم الأكل فسد صومه، وإذا اختلف حكمهما في الأصل لم يكن ثبوت حكم أحدهما دلالة على الآخر. 8164 - قالوا: فعل محرمًا ناسيًا إذا ذكره أمكنه في المستقبل تلافيه: فوجب أن لا يجب الفدية. أصله: إذا لبس أقل من يوم. 8165 - قلنا: الأصل غير مسلم؛ لأن عندنا عليه الفدية. 8166 - قالوا: تعليل لنفي وجوب الدم. 8167 - قلنا: ليس كل ما يتعلق به الدم لا يتعلق به الكفارة، كقص ظفر واحد، وشعرة واحدة. 8168 - ولأن المعنى في لبس أقل من يوم: أنه استمتاع ناقص، فلم يكمل فيه الكفارة وليس كذلك إذا لبس يومًا تامًا؛ لأن الاستمتاع كامل، فتعلق به الكفارة. 8169 - قالوا: عبادة تجب بإفسادها الكفارة، فوجب أن يكون من المنهي عنه فيها ما يفرق بين عمده وسهوه في غير المأثم، كالصوم. 8170 - قلنا: المعنى في الصوم: أنه ليس للصائم أمارة تدل على كونه صائمًا، وهو التجرد والتلبية وأعمل النسك، فلم يعذر بالنسيان، فلذلك استوى حكم الناسي والعامد فيها؛ ولأن النسيان لما لم يكن عذرًا في بعض المحظورات للحج، وهو قتل

الصيد والحلق، كذلك بقية محظوراته. 8171 - قالوا: عبادة لها تحليل وتحريم، فوجب أن يكون بين المنهي عنه فرق بين عمده وسهوه، كالصلاة. 8172 - قلنا: لا نسلم الحكم في الصلاة؛ لأن العلم يستوي فيه العمد والسهو، ولا يفسد السهو الصلاة بهما، وإنما يفسد إذا قصدنا بالخروج السلام، فأما إذا لم يقصد الخروج لم تبطل صلاته. 8173 - قالوا: تطيب ناسيًا لإحرامه، فأشبه إذا تبخر. 8174 - قلنا: إذا تبخر فعليه الكفارة، وإنما قالوا: إذا لبس ثوبًا مبخرًا، فلا كفارة عليه. * ... * ... *

مسألة 449 إذا لبس المخيط يوما أو ليلة فعليه دم

مسألة 449 إذا لبس المخيط يومًا أو ليلة فعليه دم 8175 - قال أصحابنا: إذا لبس المخيط يومًا أو ليلة: فعليه دم، وإن لبس أقل من ليلة: فعليه صدقة. 8176 - وقال الشافعي: إذا لبس ونزع في الحال: لزمه دم؛ لنا: ما روي عن أبي بن كعب: أنه قال: (إذا لبس المحرم المخيط يومًا تامًا: فعليه دم)، ولا يعرف له مخالف. 8177 - ولأنه لبس بعض أحد الزمانين، فلم يجب عليه دم، كما لو لبسه ناسيًا. 8178 - ولأنه لبس لو فعله ناسيًا، لم يتعلق به دم، فإذا فعله ذاكرًا لم يتعلق به الدم، كلبس السراويل لمن لا يجد الإزار.

8179 - ولأن ما يبيحه التحلل الأول يجوز أن يوجب جنسه غير موجب الدم، كالحلق وقص الأظفار، وعكسه: الوطء. 8180 - ولأن ما يتجزأ من المحظورات ينقسم، منه: ما يوجب الدم، ومنه: ما يوجب الصدقة، كالحلق، ولا يلزم الوطء، لأنه لا يقبل التجرئة. 8181 - احتجوا: بقوله تعالى: {فمن كان منكم مريضًا أو به أذى من رأسه ففدية}، تقديره: فلبس ففدية، ولم يفصل بين اللبس القليل والكثير. 8182 - قلنا: ذكر اللبس الذي يرفع الأذى، إما من مرض أو حر أو برد، وذلك اللبس لا يكون أقل من يوم، فيخرج الكلام على المعتاد. 8183 - قالوا: كل ما أوجب الفدية أوجب مجرد فعله، أصله: الطيب. 8184 - قلنا: كمال الاستمتاع بالطيب متى طيب عضوًا أو أكثر منه، ومتى وجد المقصود من الاستمتاع، لم يعتبر بما عنده، وأما اللبس فلا يحصل الاستمتاع المقصود منه بوضع الثوب عليه، فهو كما لو طيب أقل من عضو. 8185 - قالوا: الاستمتاع يتعلق بمجرد الدم، فصار كالقبلة. 8186 - قلنا: القبلة توجب الدم متى كمل بها الاستمتاع، وإن نقص لم يجب، كما لو قبلها وراء الثوب. 8187 - قالوا: فعل حرمة الإحرام، فوجب أن لا يتقدر فديته بالزمان، أصله: سائر المحظورات. 8188 - قلنا: لا يتقدر عندنا بالزمان، وإنما يتقدر بكمال الاستمتاع، وكذلك يتقدر عندنا بسائر المحظورات، يبين ذلك: أنه لو لبس مقدار يوم من أيام مختلفة لم يجب الدم وإن كان مقدار الزمان قد وجد. وإذا لم

يقدر بالزمان، استوى الاجتماع والتفريق. 8189 - قالوا: ما حرم من جهة الاستمتاع استوى حكم قليله وكثيره، كالوطء. 8190 - قلنا: الوطء لا يتجزأ، فالحكم المتعلق بجميعه يوجد بالجزء منه. يدل عليه: الأحكام المتعلقة به، كالحد، والتحليل للزوج الأول، وتحريم الأمهات، والبنات. 8191 - وأما اللبس: فهو أمر يتجزأ ويتبعض، فانقسم، فمنه: ما يوجب الدم، ومنه: ما لا يوجب الدم كالحلق، وقص الأظفار. 8192 - قالوا: ما يقولونه يؤدي إلى أن تجب الكفارة في اللبس بالزمان القليل، ولا يجب بأكثر منه، بدلالة: أنه لو لبس نهار الشتاء [وجب الدم، ولو لبس نهار الصيف لم يجب الدم وإن كان أكثر من مقدار نهار الشتاء]. 8193 - قلنا: قد ثبت: أنه لا يقدره بالزمان لمعنى يرجع إليه، وأن يعتبر كمال الاستمتاع في وجوب الدم، وذلك موجود في نهار الشتاء وإن قل، ولا يوجد في أكثر نهار الصيف وإن كثر. 8194 - فإن قالوا: الإنسان قد يلبس طرفي النهار ويكون استمتاعًا كاملاً. 8195 - قلنا: فلا يتعدى فيما بين ذلك، وإنما يعتبر ملبوسًا بملبوس، فيصير لابسًا في جميع اليوم وإن اختلف ما لبسه. 8196 - قالوا: ليس المعتبر بالعادة، لأنه لو لبس الجورين في اليدين وغطى راسه بما لا يغطى به في العادة، وجب الدم. 8197 - قلنا: هناك هو استمتاع كامل من حيث التغطية وإن كان غيره أكمل منه، ألا ترى: أن القبلة يجب فيها الدم للاستمتاع، ثم يجب بقبلة العجوز التي لا يشتهيها ولا يستمتع بها، كذلك اللبس.

مسألة 450 إذا طيب عضوا كاملا، فعليه دم

مسألة 450 إذا طيب عضوًا كاملاً، فعليه دم 8198 - قال أصحابنا: إذا طيب عضوًا كاملاً، فعليه دم، وإن طيب أقل عضو: فعليه صدقة. 8199 - قال في المنتقى: مثل بعض الشارب، أو بقدره من اللحية والرأس. وذكر أبو الحسن عن محمد: مثل العجز، والساق، أو الرأس. 8200 - وقال الشافعي: في قليله وكثيره دم. 8201 - لنا: أن ما يتعلق به الفدية من محظورات الإحرام كان فيه كفارة أعلى وأدنى، كالحلق، ولا يلزم وطء؛ لأنه تارة يوجب بدنة، وتارة يوجب الشاة، ولأنه لو فعله ناسيًا لم يجب به دم، كذلك إذا فعله عامدًا، كاستعمال المعصفر.

8202 - قالوا: تطيب ذاكرًا لإحرامه: فلزمه فدية [كاملة] قياسًا على العضو الكامل. 8203 - قلنا: إذا طيب عضوًا كاملاً فقد استمتع بالطيب استمتاعًا مقصودًا كاملاً، فكملت الكفارة، وإذا طيب اليسير، فلم يوجد هذا المعنى. 8204 - قالوا: لو طيب عضوًا كاملاً ثم غسله في الحال: وجب الدم وإن كان الاستمتاع لم يكمل. 8205 - قلنا: غلط، بل كمل الاستمتاع إلا أنه لم يستدم الكمال، وليس المعتبر استدامة الاستمتاع بعد وجوده. * ... * ... *

مسألة 451 يكره للمحرم شم الريحان والخيري والورد

مسألة 451 يكره للمحرم شم الريحان والخيري والورد 8206 - قال أصحابنا: يكره للمحرم شم الريحان، والخيري، والورد، فإن فعل ذلك فلا فدية عليه. وقال الشافعي: إذا شم الورد، والنيلوفر، والياسمين والخيري: فعليه الجزاء. 8207 - واختلف قوله في الريحان والبنفسج قولان.

8208 - لنا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (تطيب عند إحرامه، وبقي عليه الطيب). ومعلوم أنه كان يجد ريحه إلا أنه لما لم يوجد عينه، لم يتعلق به حكم بمجرد الرائحة، وليس في مسألتنا أكثر من ريحه. 8209 - ولأنه لو شمه ناسيًا لم يجب الجزاء، كذلك إذا تعمد، كشم الأترج والنارنج ووردهما. 8210 - ولأنه شم الرائحة المجردة من غير أن يلصق ببدنه شيء من الطيب، فصار كما لو جلس عند العطار، أو عند الكعبة وهي تبخر. 8211 - قالوا: الشم تطيب في العادة، فجاز أن تجب به الفدية، أصله: استعمال الغالية، والكافور في جسمه. 8212 - قلنا: الشم لا يقصد به التطيب؛ لأن التطيب يوجد فيه أمران: استعمال العين في

البدن، وهو معنى مقصود، والرائحة بمجرد الشم لا تكون تطيبًا؛ ألا ترى: أنه موجود في الجالس عند العطار، وفي مبتاع الطيب وإن اشتدت الرائحة وقصدها ولا يلزمه شيء. 8213 - قالوا: قال الشافعي: الرائحة عادة الطيب. 8214 - قلنا: ليس كذلك، لأن عادته الاستعمال، ألا ترى: أن الجالس في صف العطارين لا يحصل له من ذلك الاستمتاع ما يحصل عند الاستعمال، وكيف يظن ذلك واستعماله بالبدن يحصل به الرائحة، ومعنى آخر من إصلاح الجنس ومنفعته، ثم هذا لا يوجد في شم الريحان؛ لأن ذلك ليس بطيب وإن التذ برائحته، وكما أنه يلتذ بشم ورد الأترج والنارنج ولا يكون طيبًا. 8215 - وقولهم: إن هذا لا يتخذ منه طيب غلط؛ لأن دهن الأترج كدهن الخيري والياسمين يتخذ من أحدهما كالآخر، وورد النارنج يتخذ منه الدهن، كما يتخذ من الزنبق، فلا فرق بينهما. 8216 - فإن قيل: روى عن جابر (أنه سئل عن المحرم أيشم الريحان، قال: لا). وعن ابن عمر رضي الله عنهما: (أنه كان يكره شم الريحان للمحرم). 8217 - قلنا: لا دلالة فيه، لأنه يقتضي كراهة الشم، ونحن كذلك نقول، والخلاف في الفدية ولم يرد عنهما. 8218 - ولأن هذه مسألة خلافية معروفة، وروى أبان بن عثمان: (أن عثمان - رضي الله عنه - سئل عن المحرم يدخل البستان، قال: نعم، ويشم الريحان).

مسألة 452 حكم دهن المحرم

مسألة 452 حكم دهن المحرم 8219 - قال أبو حنيفة: إذا دهن المحرم بالزيت أو الخل: لزمه دم. 8220 - وقال الشافعي: إذا دهن رأسه ولحيته فعليه دم، وإن دهن بقية بدنه: فلا شيء عليه. 8221 - لنا: حديث أم حبيبة رضي الله عنها أنها دهنت من دبة الزيت، وقالت: ما

لي من طيب، ولكني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد [على ميت أكثر من ثلاثة أيام إلا امرأة] على زوجها، فسمت ذلك طيبًا. 8222 - ولأن كل دهن إذا استعمله في شعر رأسه ولحيته: وجبت به الفدية، كما إذا استعمله في سائر بدنه؛ أصله: الدهن المطيب. ولأنه استعمل الزيت في ظاهر بدنه، فصار كما لو دهن لحيته. 8223 - ولأنه أصل الطيب، وإنما يكسبه الرائحة، ومجرد الرائحة: قد بينا أن الفدية لا تجب بها، فعلم أن الحكم متعلق بالعين. 8224 - قالوا: استعمله في رأسه ولحيته: فوجبت الفدية، كترجيل الشعر، وذلك لا يوجد في بقية البدن. 8225 - قلنا: تحسين الشعر يوجد بدخول الحمام، ولا فدية فيه، ودهن البدن يزول به الشعر عنه وتحسين بدنه فيهما. 8226 - احتجوا: بما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (ادهن بزيت غير مفتت وهو محرم). 8227 - قلنا: هذا الخبر ذكره أبو عبيد عن محمد بن كثير، عن حماد بن سلمة، عن فرقد السبخي عن الحسن، أو سعيد بن جبير، عن ابن عمر، وفرقد السبخي

ضعيف، وشك فيه بين الحسن وسعيد، والحسن لم يسمع من ابن عمر، ولو ثبت احتمل أن يكون بعد ما تحلل التحلل الأول، فحل الطيب، وهو محرم على النساء. 8228 - فإن قيل هناك: لو تطيب بالطيب الخالص يجوز، فلا معنى للزيت. 8229 - قلنا: اتفق أنه فعل أدنى الجائز، ولأنه يعلم أنه لم يستعمله في كل بدنه، فبقي أن يكون في بعضه، فيجوز أن يكون دهن به شقوق رجليه أو قرحًا به، وذلك لا فدية فيه عندنا. 8230 - قالوا: ليس له رائحة مستطابة، فوجب أن لا يكون من الطيب، أصله: السمن. 8231 - قلنا: عندنا ليس هو نفس الطيب، ولكنه في حكمه، ثم المعنى في السمن: أنه ليس بطيب، ولا هو أصل الطيب، والزيت بخلافه. 8232 - قالوا: لو حلف لا يتطيب فادهن بزيت: لم يحنث. 8233 - قلنا: فهذا يدل على أنه في حكمه، والكفارة تجب بما هو في حكم الطيب وإن لم يطلق عليه اسم الطيب، كالورس والعُصْفُر عندنا، والريحان عندهم. 8234 - وأنه إذا شمه واستعمله في بدنه وجبت الفدية، ولو حلف لا يشتري طيبًا، فاشترى ريحانًا أو خيريًّا أو ياسمينًا، لم يحنث، فسقط هذا. * ... * ... *

مسألة 453 لا يجوز للمحرم أن يلبس ثوبا مصبوغا بعصفر

مسألة 453 لا يجوز للمحرم أن يلبس ثوبًا مصبوغًا بعصفر 8235 - قال أصحابنا: لا يجوز للمحرم أن يلبس ثوبًا مصبوغًا بعصفر إذا كان ينفض، وإن لبسه: فعليه الفدية. 8236 - وقال الشافعي: يجوز للمحرم لبس المعصفر؛ لنا: ما روي عن أبي هريرة: أن عثمان - رضي الله عنه - خرج حاجًّا ومعه علي، وجاء محمد بن جعفر وقد كان دخل بأهله في تلك الليلة، فلحقهم وعليه معصفر، فلما رآه عثمان، انتهزه وأفف به، وقال: (أو ما علمت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن لبس المعصفر)؛ وهذا عام في الحلال والمحرم، وكل لباس منع المحرم منه تعلق به الفدية. 8237 - وفي حديث أم سلمة رضي الله عنها: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى المعتدة أن تختضب

بالحناء، وقال: إن الحناء طيب. 8238 - ومعلوم: أن رائحة العصفر أطيب من رائحة الحناء، فلأن يكون في حكم الطيب أولى. 8239 - ولأنه صبغ له رائحة مستلذة، فلا يجوز للمحرم لبس ما صبغ به إذا نفض، كالورس والزعفران، أو صبغ له رائحة مستلذة، فجاز أن تجب فيه الفدية على المحرم لأجله. 8240 - احتجوا بحديث ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب وما مسه الورس من الثياب، ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب من معصفر أو خز أو سراويل أو قميص أو خف). 8241 - قلنا: هذا الخبر ذكره أبو داود، عن ابن إسحاق، عن نافع، وقد ضعف الدارقطني في كتابه ابن إسحاق، وقد رواه مالك. 8242 - وصحت الرواية عن ابن عمر: أنه كان يأمر بناته بقطع الخفاف حتى حدثته عائشة، فكيف يكون عنده من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إباحة لبس الخف، وينهي بناته عن

ذلك؟، ولو ثبت ذلك حملناه على ما غسل حتى لا ينفض، أو على المصبوغ بالمدر. 8243 - قالوا: روى عكرمة (أن عائشة، وأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - كن يحججن في المعصفرات). 8244 - وروى القاسم بن محمد: (أن عائشة كانت تلبس الأحمر من الذهب والمعصفر، وهي محرمة)، وروى هشام بن عروة، عن أبيه: (أن أسماء كانت تلبس المعصفرات المصبغات [ليس فيها زعفران، وهي محرمة)، وروى نافع: أن ابن عمر كان يلبس نساؤه المعصفرات] والإبريسم والحلل، وهن محرمات)، وروى أبو الزبير، عن جابر، قال: (لا تلبس المرأة ثياب الطيب، وتلبس الثياب المعصفرة، لا أرى المعصفر طيبًا). 8245 - قلنا: قد روى الأسود، عن عائشة رضي الله عنهما قالت: (تلبس المحرمة ما شاءت من الثياب إلا المتورد بالزعفران).

8246 - وقد روينا عن عثمان - رضي الله عنه - كراهته، وروي عن عمر - رضي الله عنه -: أنه رأى على عبد الله بن جعفر ثوبين مصبوغين بعصفر فأنكره. 8247 - وروي: أنه رأى على عقيل ثوبين ورديين، فقال: ما هذا)؟. 8248 - فصارت مسألة خلاف، وقد روي كراهة ذلك عن عطاء، وإبراهيم، وعمر بن عبد العزيز، والحسن. 8249 - فإن قيل: إنما كره عمر الثوب الملون مخافة أن يراه الجاهل فيظن أن جميع الصبغ واحد؛ ولهذا روي: أنه أنكر على عقيل، فقال علي: (ليس لأحد أن يعلمنا السنة [فسكت عنه. ولو كان عنده لا يجوز، لم يمسك عن تعليم السنة]. 8250 - وقد روى أسلم مولى عمر، عن عبد الله بن عمر) أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - رأى على طلحة بن عبيد الله ثوبًا مصبوغًا بالمشق وهو محرم فقال عمر: ما هذا المصبوغ يا طلحة، فقال: يا أمير المؤمنين: إنما هو مدر، فقال عمر: إنكم أيها الرهط أئمة يقتدي بكم الناس).

8251 - قلنا: إنما أنكر عمر الممشق حتى لا يطرأ عليه المعصفر، لأنه يشبهه. 8252 - فأما سكوته عن علي: فقد روي أنه بان له أنه ممشق، ويجوز أن يكون من روى عنه لبس المصبوغ؛ ليبين منه ما لا ينفض، وعندنا أن ما لا ينفض لا يمنع منه. 8253 - قالوا: ثوب يجوز للمحرم لبسه إذا لم ينفض عليه، فجاز لبسه وإن نفض عليه، أصله: الممشق، والمصبوغ بالصبغ الأسود. 8254 - قلنا: هذا يبطل بالزعفران، فإن المصبوغ به إذا كان غسيلاً لا ينفض: جاز. وإن كان مما لم ينفض: لم يجز، وقد دل على ذلك حديث نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تلبسوا في الإحرام ثوبًا مسه ورس أو زعفران إلا أن يكون غسيلاً). 8255 - وروى عكرمة، عن ابن عباس - رضي الله عنه -) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص للمحرم في الثوب المصبوغ ما لم يكن له نفض ولا ردع). 8256 - قالوا: لو منع منه إذا نفض، منع إذا لم ينفض منه في كونه كالنجاسة، ولأن الطيب ممنوع منه في الثوب والبدن جميعًا. 8257 - قلنا: اعتراض على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو غلط، لأن النجاسة إذا غسلت فبقي في الثوب أثرها لم يمنع، فالصبغ مثله.

مسألة 454 إذا حلق أقل من ربع الرأس لم يجب عليه دم

مسألة 454 إذا حلق أقل من ربع الرأس لم يجب عليه دم 8258 - قال أصحابنا: إذا حلق أقل من ربع الرأس: لم يجب عليه دم. 8259 - وقال الشافعي: إن حلق ثلاث شعرات من بدنه أو رأسه: لزمه دم، واختلف قوله فيما دون ذلك، فقال: في كل شعرة ثلث شاة، وفي قول آخر: في كل شعرة مد. 8260 - قالوا: ونحن نقول بقول ثالث: إن فيها درهمًا. لنا: أنه حلق أقل

من ربع رأسه: فلا يلزمه دم، كما لو حلق شعرة واحدة، ولأنه مقدار لا يستمتع به، كالشعرة الواحدة. 8261 - ولأن كل حكم لا يتعلق بثلاثة إلا كمسح الرأس، وتقدير الموضحة، وعكسه: وجوب الضمان بالحلق. 8262 - ولأنه قدر من الشعر، لواحدة أخذه الناسي لم يجب عليه دم، فكذلك العامد، كالشعر إذا نبت في العين. 8263 - احتجوا: بقوله تعالى: {فمن كان منكم مريضًا أو به أذى من رأسه ففدية} [معناه: فحلق ففدية]. 8264 - قلنا: لابد من إضمار، فإذا اضمرنا (فحلق ففدية)، فإطلاق الحلق لا نسلم أنه يتناول ثلاث شعرات، وإن أضمر: (فاستمتع ففدية)، فهذا القدر لا يحصل به الاستمتاع، ولا يتناوله الظاهر. 8265 - قالوا: أخذ من شعره الممنوع منه بحرمة الإحرام دفعة بما يقع عليه اسم الجمع المطلق، فوجب عليه الفدية، أصله: حلق ربع الرأس. 8266 - وقولهم: (من شعره) احتراز من شعر الصيد، (الممنوع منه) احتراز من شعر العين و (بحرمة الإحرام) احتراز منه إذا دخل في العشر وأراد أن يضحي

فالمستحب أن لا يأخذ من شعره. دفعة) احتراز من دفعة بعد دفعة (اسم الجمع المطلق) احتراز من الشعرة والشعرتين. 8267 - ومنهم من قال: إنه شعر آدمي يقع عليه اسم الجمع المطلق، فجاز أن يتعلق بحلقه، أصله: إذا حلق به رأسه. 8268 - قلنا: المعنى في الربع: أنه مقدار يقع عليه بحلقه الاستمتاع بحال، لأن من الناس من يقتصر على حلق هذا المقدار من رأسه معتادًا، والثلاث شعرات بخلافه. 8269 - فإن قيل: حلق بعض الرأس دون بعض مثله. 8270 - قلنا: إذا كان استمتاعًا لبعض الناس وجب به الفدية وإن كان في الآخرين مثله، كما أن حلق الرأس جميعه مثله لبعض الناس، ومع ذلك يتعلق به الدم، لأنه استمتاع لبعضهم. 8271 - قالوا: فالشعرات قد يكون استمتاعًا إذا طالت ونزلت على عين الإنسان. 8272 - قلنا: هذا إزالة ضرر، ولا يختص بثلاث؛ لأنه موجود في الشعرتين. 8273 - قالوا: فالتقدير بالربع لا دليل عليه، ولأنه يتعلق به حكم في الشرع، والثلاث تعلق بها حكم، وفي مدة الخيار، ومدة المسح، وصوم كفارة اليمين، وصوم التمتع في الحج، وقال تعالى: {تمتعوا في داركم ثلاثة أيام}. 8274 - قلنا: والربع قد تعلق به جزء الزوج في المواريث، ومسح النبي - صلى الله عليه وسلم - على ناصيته، وبقي أحد جوانب الرأس الأربعة. 8275 - فأما ما ذكروه من التقدير بالثلاث، فلم وجب أن يقدر بثلاث شعرات، ولا يقدر بحلق مقدار ثلاثة أصابع، والشعرات أدنى ما يقدر به، ومعلوم أن

المواضع التي استشهدوا بها لم يتقدر شيء منها بثلاث ساعات، ولا بثلاث لحظات التي هي أدنى مقادير الزمان فسقط بهذا ما قالوه. 8276 - وقد ذكر أصحابنا: أن الربع يجري مجرى الجميع، لأن من رأى أحد جوانب الشخص الأربعة قال: رأيته. 8277 - واعترض بعضهم على هذا، وقال: الآدمي مسطح، فليس له جوانب أربعة، وهذا سهو، وإن كل جسم ذاهب في أربع جهات، فإن أشكل على هذا القائل الآدمي، فالجسم المربع إذا استقبل الإنسان جهته، قال: إني رأيته، فيصح. 8278 - قالوا: هذا القائل إنما يقول: رأيته إذا عرفه، ألا ترى: أنه لو رأى وجهه خاصة قد أطلقه من حائل جدار، قال: رأيته. 8279 - قلنا: المعرفة هي إدراك القلب، والرؤية إدراك البصر، فليس أحدهما من الآخر في شيء. 8280 - فأما إذا رأى وجه الإنسان، فقال: رأيته، فيدل على أن الوجه أجري مجرى الجميع، ولهذا لا يمنع أن يكون الربع أقيم مقام الجميع فسقط هذا. * ... * ... *

مسألة 455 إذا قص ثلاثة أظافير لم يجب عليه بها دم

مسألة 455 إذا قص ثلاثة أظافير لم يجب عليه بها دم 8281 - قال أصحابنا: إذا قص ثلاثة أظافير لم يجب عليه بها دم، فإن قص خمسة أظافير مجتمعة في يد واحدة: فعليه دم. 8282 - وقال الشافعي: إن قص ثلاثة أظافير من يد واحدة، أو من يدين ورجل: فعليه دم. 8283 - واختلف قوله في الظفر الواحد، كما اختلف قوله في الشعرة الواحدة.

8284 - لنا: أنه لم يستكمل بقص الأظفار الثلاثة استمتاعًا تامًّا ولا زينة، فصار كالظفر الواحد وكالكثرة، يبين ذلك: أن الإنسان لا يتجمل بتقليم بعض يده دون بعض ولا ينتفع بذلك، فإن الظفر يقوى بتساوي الأصابع، ويضعف باختلافها. 8285 - ولأنه لم يستكمل أحد الأطراف الأربعة، فصار كقص الظفر الواحد. 8286 - ولأنه لم يترفه بقص أظفار عضو: فلا يلزمه دم، كما لو قص ظفرين. 8287 - ولأنه حق يجب بإيقاع فعل من خمس أصابع، فلم يجب بإيقاعه في ثلاث منها؛ أصله: ضمان نصف الدية بقطعها. 8288 - احتجوا: بأنه قدر ظفر لآدمي يقع عليه اسم الجمع المطلق: فجاز أن يتعلق بتقليمه الدم، كأصابع الكف والقدم. 8289 - قلنا: المعنى هناك: أن الاستمتاع والمنفعة كملت في طرف واحد، وهذا إنما قص بعضه على ما قررنا. 8290 - قالوا: وكيف توجبون الدم بتقليم خمسة أصابع، ولا توجبون ستة عشر متفرقة في الأطراف. 8291 - قلنا: لأن المنفعة تكمل في المجتمع، وتعدم في المتفرق، وليس يمنع أن يختلف الحكم في الأعداد في باب الفدية، كما أن الدم يجب بترك رمي جمرة العقبة في اليوم الأول، ولا يتعلق بتركها وترك أكثر منها في بقية أيام الرمى، فيجب في تسع حصيات دم، ثم لا يجب في ضعفها إذا كان متفرقًا في الأيام. 8292 - قالوا: مقتضى الأصول يقتضي ضم بعض الأصابع إلى بعض، كما ضم في الحلق، وكما ضم في النجاسة وخرق الخفين.

8293 - قلنا: وقد لا يصح الحكم المتعلق بعضه إلى غيره، كما أن الجنب في حكم العضو الواحد في جواز نقل الماء من بعضه إلى بعض، ثم في أعضاء الطهارة لا يجوز نقل الماء من بعضها إلى بعض، كما لو أخذ/ من كل ظفر سنه حتى لو اجتمع ما يزيد على ثلاثة أظافير، لم يجب دم، ولم يضم بعضها إلى بعض. 8294 - قالوا: لو كان له ستة أصابع فقلم خمسة منها، وجب الدم وإن لم يستكمل منفعة الكف. 8295 - قلنا: لا نسلم هذا، ويجب أن لا يلزمه دم حتى يقص السادس أيضًا فتكمل الزينة في اليد. 8296 - قالوا: فعلى هذا من لم يخلق له إلا ثلاثة أصابع، أو قطع من كفه أصبعان: يجب أن يلزمه بتقليمهما دم، لأنه استكمل منفعة إحدى يديه. 8297 - قلنا: هذه المسألة ليست بمعروفة، والذي يجري على قواعد المذهب: أنه يجب بقصها دم. * ... * ... *

مسألة 456 لا يجوز للمحرم حلق رأس حلال، وإن فعل فعليه صدقة

مسألة 456 لا يجوز للمحرم حلق رأس حلال، وإن فعل فعليه صدقة 8298 - قال أصحابنا: لا يجوز للمحرم حلق رأس حلال، وإن فعل فعليه صدقة. 8299 - وقال الشافعي: يجوز له ذلك، وإن فعل فلا شيء عليه. 8300 - لنا: أنه محرم أزال شعر آدمي قبل إباحة التحليل فلزمه الكفارة، كما لو أزال شعر رأسه؛ ولأنه استمتاع حظر لأجل الإحرام من جميع الوجوه، فإذا فعله المحرم بالحلال لزمه الكفارة، كالوطء. 8301 - ولا يلزم على اللبس لأنه يباح للمرأة، ولا للطيب؛ لأنه يجوز البقاء على ما استعمله عند الإحرام. 8302 - ولأنه حلق رأس آدمي حال إحرامه قبل إباحة التحليل، فلزمه الكفارة كما لو حلق رأس محرم مكرهًا. فإن قيل: المعنى في شعر المحرم: أن منبته تعلق به الإحرام، والحلال بخلافه. 8303 - قلنا: شعر الصيد يجب بإزالته الكفارة، ولم يتعلق بمنبته حرمة الإحرام. 8304 - احتجوا: بقوله تعالى: {ولا تحلقوا رءوسكم}، وهذا خطاب

للمحرمين، فدليله إن لم يحلقوا رءوس المحلين. 8305 - قلنا: دل الخطاب أن الحكم المتعلق بوصف لا يدل على أن ما عداه بخلافه، وفي مسألتنا: لم يتعلق حكمان بوصف، فكيف يعتبر دليله، ولو اعتبر خرج منه أن غير المحرم يجوز لهم الحلق، فأما أن يدل على أن المحرم يجوز له حلق حلال فلا. 8306 - قالوا: حلق شعر محل: فلم يلزمه فدية، أصله: إذا كان الحالق حلالاً. 8307 - قلنا: إذا كان الحالق محلاًّ، فحرمة الإحرام لم تثبت للحالق ولا للمحلوق، فلم يتعلق بالحلق، وفي مسألتنا: حرمة الإحرام تثبت لأحدهما، فلم يحل الحلق، كما لو حلق رأس محرم بأمره. 8308 - ولأن الحالق الحلال لم يمنع ما يختص به من إزالة الشعر، فلم يمنع مما لا يختص به إذا ثبت له حرمة، وفي مسألتنا: منع مما يختص به، فمنع مما لا يختص به، كما يمنع من إزالة شعر الصيد. 8309 - قالوا: شعر لا يتعلق بمنبته حرمة الإحرام، فلا يجب على المحرم بحلقه فدية، أصله: شعر البهائم. 8310 - قلنا: يبطل بشعر الصيد. 8311 - قالوا: حرمة الإحرام تتعلق بمنبته؛ لأنه لا يجوز إيقاع الفعل فيه. 8312 - قلنا: غلط؛ لأن حرمة الإحرام تعلقت بالمحرم لا بالصيد، بدلالة أن لغير المحرم إتلافه. 8313 - ولأن شعر البهائم لا يمنع من إتلافه في ملكه، فلم يمنع من ملك غيره، وفي شعر الآدمي بخلافه، فصار كشعر الصيد. 8314 - قالوا: لو رَفه المحل باللباس والطيب لم يلزمه شيء، كذلك إذا رفه بإزالة الشعر.

8315 - قلنا: اللباس والطيب لم يمنع منهما جميع الجهات على ما قدمنا، وإذا جاز أن يستمتع بهما مع حرمة الإحرام، فلأن لا يجب إذا فعلهما في غيرها أولى وأحرى، وإزالة الشعر لما منع المحرم منها بكل حال، صار كالوطء. 8316 - قالوا: غير على المحل حرمة المحرمين، أو هيئة المحرمين فلا يلزمه الفدية، أصله: إذا ألبسه المخيط أو عممه. 8317 - قلنا: إذا ذبح الصيد يعني صيده فقد غير عليه هيئة المحرمين، فكذلك إذا جامع المرأة المحلة، ومع ذلك عليه الجزاء، والمعنى فيه: أن الفدية تجب بالاستمتاع، متى فعله في غيره، ولا استمتاع له فيه، وأما الشعر: فإنه تجب الفدية فيه تارة بالاستمتاع، وتارة بالإتلاف وإن لم يستمتع به، كنتف الأشفار والحاجب، والإتلاف موجود في حق غيره وشعر غيره. 8318 - وأما قولهم: لو وجبت الفدية لوجب الدم ليس بصحيح؛ لأن الدم يحب بكمال الاستمتاع، ولا يجب بالناقص ولا استمتاع في أخذ شعرة العين. * ... * ... *

مسألة 457 إذا حلق شعر محرم مكرها أو نائما، فعلى المكره الجزاء

مسألة 457 إذا حلق شعر محرم مكرهًا أو نائمًا، فعلى المكره الجزاء 8319 - قال أصحابنا: إذا حلق شعر محرم مكرهًا أو نائمًا: فعلى المكره الجزاء. 8320 - وقال الشافعي: الشعر كالوديعة، فيجب ضمانه على متلفه في أحد قوليه، وفي القول الآخر: كالعارية، فيجب الضمان على المحرم، وأما إذا حلق وهو ساكت: فمنهم من قال: فيه، قول واحد. 8321 - لنا: أن الترفه بالحلق حصل له حال إحرامه: فلزمه الفدية، كما لو حلق بإذنه. 8322 - ولا يلزم على هذا إذا تمعط بالمرض، أو احترق بالنار؛ لأن ذلك ليس باستمتاع ولا ترفه. 8333 - ولأنه حلق يتعلق به دم: فوجب على من وقع له الترفه، كما لو حلق بأمره، ولأن إزالة التفث حصل على وجه هو معذور فيه، كما لو حلق من آمي.

8324 - احتجوا: بقوله عليه الصلاة والسلام: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)، وقد ثبت أن معناه: رفع المأثم دون الحكم. 8325 - قالوا: شعر زال عنه بغير اختياره، فصار كما لو ذهب بالنار أو تمعط بالمرض. 8326 - قلنا: هناك لم يتلفه ولم يحصل به استمتاع، وفي مسألتنا بخلافه. * ... * ... *

مسألة 458 إذا وجبت الفدية على المحرم المكره على الحلق لم يرجع بها على المكره

مسألة 458 إذا وجبت الفدية على المحرم المكره على الحلق لم يرجع بها على المكره 8327 - قال أصحابنا: إذا وجبت الفدية على المحرم المكره على الحلق، لم يرجع بها على المكره. 8328 - وقال الشافعي في أحد قوليه: إن كفر بالدم والإطعام رجع عليه، لنا: أن الاستمتاع حصل للمحرم، فلا يرجع به على غيره كما لو حلق بأمره؛ ولأنه حلق رأس محرم، فلم يجب عليه شيء، كما لو غره إنسان فقال: هذا حلال، فحلق رأسه. 8329 - احتجوا: بأن المكره لا يلزمه حكم الفعل، وإنما يلزم المكره، فإذا أخرج ما على غيره رجع عليه. 8330 - قلنا: لو كان كذلك لوجب أن لا يلزم المحرم الإخراج، حاضرًا كان الحالق أو غائبًا، وإذا أخرج ما على غيره بغير أمره: لم يرجع عليه به، كمن قضى دين غيره. * ... * ... *

مسألة 459 إذا حلق المحرم رأس محرم، فعلى الحالق صدقة

مسألة 459 إذا حلق المحرم رأس محرم، فعلى الحالق صدقة 8331 - قال أصحابنا: إذا حلق المحرم رأس محرم: فعلى الحالق صدقة. 8332 - وقال الشافعي: إذا كان المحرم: لزمه الفدية، كشعر الصيد؛ ولأنه أزال شعر آدمي: فلزمه الدم أو الفدية، كما لو أزاله بغير إذنه. 8333 - ولأنه لو حلق نفسه لزمه الفدية، فإذا حلق شعر غيره: لزمه الفدية، كما لو أكرهه. 8334 - احتجوا: بأنه شعر زال عنه بإذنه، فوجب أن لا يجب على مزيله شيء، أصله: إذا كانا محلين. 8335 - قلنا: هناك لم يزل ما حرمه الإحرام: فلم تلزمه الفدية، وههنا بخلافه. 8336 - قالوا: معنى رفه المحرم بإذنه، فوجب أن لا يكون على الفاعل شيء، أصله: إذا طيبه وألبسه. 8337 - قلنا: الطيب واللبس لا يجب الكفارة بهما إلا باستمتاع، والفاعل بغيره ما استمتع، وفي مسألتنا يجب بالإتلاف على ما بيناه، وقد أتلف فلزمه الفدية. * ... * ... *

مسألة 460 إذا غسل المحرم رأسه بالخطمي: فعليه الفدية

مسألة 460 إذا غسل المحرم رأسه بالخطمي: فعليه الفدية 8338 - قال أبو حنيفة: إذا غسل المحرم رأسه بالخطمي: فعليه الفدية. 8339 - وقال الشافعي: لا شيء عليه، لنا: أن هذا يزيل التفث ويقتل الدواب، كالحلق. 8340 - ولأنه مما يعتاد استعماله في الشعر وله رائحة ملذة، كالدهن. 8341 - ولأن الشعر تارة يستصلح بما يغسل به، وتارة بما دهن به، فإذا وجبت الفدية بأحدهما: جاز أن يجب بالآخر. 8342 - احتجوا: بما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في المحرم الذي وقصت به ناقته:

(اغسلوه بماء وسدر). 8343 - قلنا: حكم الإحرام بعد الموت أخف من حكمه حال الحياة، فلذلك جاز استعماله؛ ولأن الحاجة تدعو إليه في الميت؛ لأنه لا ينقيه غيره فجاز للحاجة. 8344 - وهذا المعنى غير موجود في الحي؛ لأنه يزيل الدرن عن غيره قبل التحلل، فلم يحتج إليه حال الإحرام. * ... * ... *

مسألة 461 يجوز للمحرم أن يزوج، ويتزوج

مسألة 461 يجوز للمحرم أن يزوج، ويتزوج 8345 - قال أصحابنا: يجوز للمحرم أن يُزوَّج، ويتزوج. 8346 - وقال الشافعي: لا يجوز أن يتزوج، ولا يزوج وليته، ولا يكون وكيلاً للولي ولا للزوج، ولا يوكل بالتزويج. 8347 - وإذا زوج الإمام بالإمامة، فله فيه وجهان، الصحيح من المذهب: أنه يجوز أن يكون شاهدًا. 8348 - ومن أصحابه من قال: لا تنعقد شهادته. 8349 - ويجوز أن يراجع قولاً واحدًا. 8350 - ولو وكل المحرم من يزوجه فزوجه بعد ما تحلل جاز. لنا: قوله تعالى:

{وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم}. وقال تعالى: {فأنكحوا ما طاب لكم من النساء} /. وروى مسروق، عن عائشة رضي الله عنهما: قالت: (تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببعض نسائه، وهو محرم). روى سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس - رضي الله عنه -: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج ميمونة بنت الحارث، وهو محرم). 8351 - فإن قيل: روى سليمان بن يسار، عن ابي رافع، قال: (تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميمونة وهو حلال، وبنى بها وهو حلال وكنت أنا الرسول بينهما). 8352 - وروى يزيد بن الأصم ابن أخت ميمونة عنها قالت: (تزوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسَرِفَ، ونحن حلالان). 8353 - قالوا: وروى ميمون بن مهران، عن صفية بنت شيبة (أن النبي - صلى الله عليه وسلم -

ملك ميمونة وهو حلال، وخطبها وهي حلال). 8354 - قلنا: حديث عائشة، وأبي هريرة رضي الله عنهما، ليس فيه ذكر ميمونة فيعارضه ما يقولونه، وإنما هذا من حديث ابن عباس، وحديثه أثبت من حديث يزيد بن الأصم، وأبي رافع؛ لأن سليمان بن يسار لم يلق أبا رافع، مات أبو رافع في خلافة عثمان، وسن سليمان لا يحتمل أن يشاهده. 8355 - وروى مالك ابن أنس، عن سليمان بن يسار: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث أبا رافع مولاه، ورجلا من الأنصار، فزوجاه ميمونة، وهو بالمدينة قبل أن يخرج، فهذا مالك يرويه موقوفًا، ويرويه مرفوعًا مطر الوراق، وليس هو في منزلته في الضبط والإتقان. 8356 - وأما حديث يزيد بن الأصم، عن ميمونة، فأصله: عن يزيد بن الأصم: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج ميمونة وهو حلال)، وليس فيه: عن ميمون بن

مهران، وهو أعلم الناس بالحديث، يعني: بحديثه. 8357 - وروى عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس - رضي الله عنه -: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج ميمونة، وهو محرم، قال عمرو: فحدثني ابن شهاب عن يزيد بن الأصم: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نكح ميمونة، وهي خالته، وهو حلال)، قال عمرو: فقلت للزهري وما يدري يزيد بن الأصم؟ أعرابي بوَّال على عقبيه، أتجعله مثل ابن عباس؟)، فلم ينكر الزهري ذلك، ولا رفعه عنه، فكيف يجوز أن يقابل بهذه الأحاديث حديث ابن عباس وعائشة؟. 8358 - أما حديث صفية بنت شيبة: فلا يعرف، ولا يرويه ميمون بن مهران عنها، وإنما يرويه عن يزيد. 8359 - قالوا: وقد روى مطر الوراق، عن عكرمة، عن ابن عباس، وعائشة - رضي الله عنهم -: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج ميمونة وهو حلال). 8360 - قلنا: رواه سلام أبو المنذر، عن مطر الوراق وسلام متروك الحديث. 8361 - قالوا: ذكر أبو داود عن سعيد بن المسيب: أن ابن عباس وهم في الحديث. 8362 - قلنا: لا يقبل هذا من ابن المسيب، فإن رتبة ابن عباس فوق هذا.

8363 - وكيف هذا وهو لما رد على ابن عمر قوله: (إن المحرم لا يزوج)، روى هذا الخبر محتجًّا به عليه، وقد وافقته عليه عائشة، ووافقها أبو هريرة. 8364 - وقد روى هذا الحديث سعيد بن جبير، وطاووس، وجابر بن زيد، وهم فقهاء يحتج بقولهم، ورواه عن هؤلاء أئمة، مثل: عمرو بن دينار، وأبو أيوب السجستاني، وعبد الله بن أبي نجيح، وأبان بن صالح، ثم لو تساوت الروايات كان ما ذكرناه أولى؛ لأن ابن عباس، وعائشة أضبط من يزيد بن الأصم، وحديث أبي رافع غير متصل، والحديث عن ميمونة لا يصح، وإنما هو عن يزيد، وقد بينا كلام عمرو بن دينار عليه. 8365 - فإن قيل: ابن عباس كان في ذلك الوقت صبيًّا، والرجوع إلى رواية الرجال أولى. 8366 - قلنا: لم يرجح أحد رواية الكبير على رواية الصغير؛ لأنه يضبط ما يشاهده، وما لكم تقولون إذا احتججتم بحديثه في التشهد وفي تفسير القرآن؟ كيف وقد انضم إليه رواية عائشة وأبي هريرة؟. 8367 - قالوا: أبو رافع كان السفير بينهما. 8368 - قلنا: الرسول يكون أعلم بالرسالة من غيره، فأما بصفات المرسل فلا، وأبو رافع يجوز أن يكون فارق النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو حلال، فأحرم بعده، فمن كان معه وقد فارقه أعلم بحاله. 8369 - قالوا: فميمونة أعرف؛ لأنها هي المعقود عليها. 8370 - قلنا: قد بينا أن الحديث لا يصح عنها، ويبين ذلك: ما روي أن عمر ابن عبد العزيز كتب إلى ميمون بن مهران، يأمره أن يسأل يزيد بن الأصم عن ذلك،

فقال يزيد: (تزوجها وهو حلال)، فقال عطاء: (ما كنا نأخذ هذا إلا عن ميمونة، وكنا نسمع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوجها وهو محرم)، فلو كان الحديث عند يزيد بن الأصم عن ميمونة، لذكره عطاء حين قال: (ما كنا نأخذ إلا عنها). 8371 - قالوا: وقد روى مالك بن أنس، عن سليمان بن يسار: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث أبا رافع ورجلاً من الأنصار، فزوجاه ميمونة قبل أن يخرج من المدينة)، ومعلوم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما أحرم قط إلا من الميقات بذي الحليفة، فعلم: أنه خفي على ابن عباس - رضي الله عنه - وقت العقد. 8372 - قلنا: ففي حديث يزيد بن الأصم الذي رجعتم إليه عن ميمونة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج بها بِسَرِفَ، وهو بقرب مكة، وهو كان لا يؤخر الإحرام عن الميقات، فعلم: أنه كان محرمًا، فيجوز أن يكون إيفاد النبي - صلى الله عليه وسلم - من المدينة، والعقد وقع بعد مسيرة منها، وحصوله بِسَرِفَ، ثم إن خبرنا أولى؛ [لأن راوينا عرف الإحرام عند العقد، ولم يعرف ذلك راويهم، فالمثبت أولى]، ويجوز أن يكون عقد عليها عقدين، أحدهما بعد الآخر، صادف أحد العقدين: الإحرام، والآخر: الإحلال؛ ولأن هذا: من أثبت الإحرام عند العقد استفيد بروايته، حكم شيء محرم، لا يستفاد بالخبر الآخر حكمه، وما استفيد به حكم أولى. 8373 - قال مخالفونا: ما نقلتموه محمول على اعتقاد الراوي، أنه كان محرمًا،

فإن ابن عباس ذهب إلى: أن من قلد الهدي صار محرمًا، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلد الهدي بالمدينة، واعتقد: أنه كان محرمًا بالتقليد. 8374 - قلنا: ابن عباس اعتقد: أن من قلد اجتنب ما يجتنبه المحرم، فأما أن يقول: إنه محرم فلا. 8375 - ثم قد علم أن ابن عباس ما خالف غيره في هذه المسألة، وإنما هي مسألة اجتهاد، فكيف يقطع بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعتقد ما يعتقده هو، ثم هو احتج على ابن عمر بهذا الحديث مع علمه أن ابن عمر يخالفه في التقليد. 8376 - قالوا: رويتم: أنه فعل، وروينا: أنه نهى، فإذا ثبت لكم الفعل، فيكون هو مختصًا به. 8377 - قلنا: الصحابة رجعوا في هذا الحكم إلى قوله وفعله هل كان حلالاً أو حرامًا؟، فدل: أنهم اعتقدوا أن حكم غيره وحكمه سواء في ذلك. 8378 - ولأنا لا نعلم أن نهيه بعد فعله، فيجوز أن يكون فعل بعد ما نهى عنه، فيكون ناسخًا لما قالوا في استقبال القبلة: إنه لما حول مقعدته بعد ما نهى، كان ذلك نسخًا للتوجه في البيوت. 8379 - قالوا: من روى أنه كان حلالاً أولى؛ لأنه يفيد أنه تحلل من إحرامه. 8380 - قلنا: هذا غلط؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما فرغ من العمرة بمكة، أراد أن يولم لتزويج ميمونة، فمنعته قريش من ذلك، فكيف يحمل الخبر على المحلل من الإحرام عند العقد؟.

8381 - قالوا: من نقل أنه كان حلالاً نقل العقد وسببه؛ لأن صحة العقد تتعلق بالإحلال. 8382 - ومن روى: أنه كان محرمًا، لم ينقل سبب العقد؛ لأن جوازه لم يكونه محرمًا. 8383 - قلنا: لا نسلم أن الإحلال سبب لجواز العقد، وهو جائز عندنا في حالتي الإحرام والإحلال. 8384 - قالوا: من روى: أنه كان محرمًا، وكيف كان يحتج ابن عباس به على ابن عمر ويقابله بمثله؟، فيقول من روى: أنه كان حلالاً، أي أنه كان في الحل. 8385 - ومن روى: أنه كان محرمًا، يعني: أنه كان عقد الإحرام فقط هذا، ومن طريق المعنى هو: أن هذه عبادة لا تمنع الرجعة، فلا تمنع ابتداء التزويج، كالصوم والاعتكاف. 8386 - قالوا: المعنى في الصوم: أنه لا يمنع دواعي الجماع. 8387 - قلنا: الاعتكاف يمنع دواعي الجماع، ولا يمنع العقد، والصلاة تمنع وتحرم دواعي الجماع، ولا تمنع النكاح؛ ولأن كل حالة جاز أن يعقد فيها البيع، جاز أن يعقد فيها النكاح، كحال الإحلال. 8388 - ولا يلزم من له أربع نسوة حال العقد؛ لأنه يعقد في هذه الحالة لغيره. 8389 - ولأنه يجوز له شراء الجارية للوطء: فجاز أن يتزوج، كالحلال. أو سبب يتوصل به إلى استباحة الوطء، كشراء الجارية، واستبرائها، ومسها. 8390 - فإن قيل: الشراء يقصد به ملك الرقبة والإحرام لا يمنع منه، والنكاح يقصد منه تملك الاستباحة والإحرام يمنع منها. 8391 - قلنا: لا فرق بينهما، فإن البيع يملك به الرقبة ويستبيحها بالملك،

والنكاح يملك به الاستباحة، ويستوفى بالملك، والإحرام لا ينافي ملكه الرقبة، ولا يملك الاستباحة، ويمنع من الاستمتاع بهما فاستويا. 8392 - ولأنه نوع عقد، فلم يمنع الإحرام، كعقد البيع، ولا يلزم شراء الصيد؛ لأنه بعض النوع. 8393 - قالوا: المعنى في البيع: أن الإحرام لا يمنع من استيفاء مقاصده؛ لأن المقصود منه التملك، بدلالة: أن يشترى ممن لا يحل له، والنكاح يمنع الإحرام استيفاء مقاصده. 8394 - قلنا: المقصود بالنكاح استيفاء الاستباحة؛ بدلالة أنه يتزوج الطفلة، والإحرام ينفي أحدهما دون الآخر، كما أن المقصود بالشراء الملك والانتفع بالمملوك، والإحرام يمنع أحدهما فلا يمنع الآخر. 8395 - وعلة الفرع تبطل بالرجعة؛ لأن الإحرام ينافي مقاصدها، ولا يمنع نفسها. 8396 - : البيوع لا يقع فيها التحريم؛ بدلالة أنه يشتري من لا يحل له وطؤها، فلهذا لم يمنع الآخر، وليس كذلك في مسألتنا؛ لأن النكاح يمنع منه التحريم، بدليل: أنه لا يتزوج من لا تحل له، فلهذا يمنع الإحرام. 8397 - قلنا: البيع قد يؤثر فيه التحريم؛ بدلالة الخمر والخنزير، والنكاح لا يمنعه التحريم، بدلالة تزويج الحائض والصائم والمعتكف. 8398 - ولأن الولاية شرط من شرائط النكاح: فلا ينفيه الإحرام، كالشهادة، وهذا أصل مجمع عليه، وإنما خالف فيه الاصطخري، وخلافه لا يعتد به على الإجماع.

8399 - قالوا: الشاهد ليس له فعل في العقد في حال إحرامه، ومع ذلك فلا يجوز، والصغيرة المحرمة لا يجوز تزويجها، وليس لها في العقد فعل؛ ولأن من جاز أن ينعقد النكاح بشهادته: جاز أن ينعقد النكاح، كالحلال. 8400 - احتجوا بما روى مالك، عن نافع، عن نبيه بن وهب عن أبان بن عثمان، عن عثمان بن عفان [- رضي الله عنه -] عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (لا ينكح المحرم ولا ينكح فيها أن ينكح أو ينكح غيره). 8401 - قلنا: نبيه بن وهب لا يجري مجرى الفقهاء الذين رفعوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعن ابن عباس - رضي الله عنه -، فلا يعارض برواية مثله رواياتهم، ولا له موضع في العلم، ولا أخرجه أحد في الصحيح، وكان الرجوع إلى ما قاله الفقهاء وأئمة الحديث أولى. 8402 - على أن حقيقة النكاح الوطء لكنه يقضى، كأنه قال: لا يطأ المحرم، ولا تمكن المحرمة من نفسها لتوطأ، والتمكين في الوطء النكاح، وقال الشاعر:

ومن أيم قد أنكحتها رماحنا 8403 - فإن قيل: ففي الخبر: (ولا يخطب). 8404 - قلنا: لا يلتمس الوطء ولا يراجع بذكره، فسمى فعله خطبة، كما سمى المراجعة في ذكر العقد خطبة. 8405 - فإن قيل: النكاح في الشرع: هو العقد؛ قال الله تعالى: {فأنكحوا ما طاب لكم من النساء}. 8406 - قلنا: وقد عبر بالنكاح عن الوطء؛ قال الله تعالى: {والزانية لا ينكحها إلا زانٍ أو مشرك}. 8407 - فإن قيل: الاسم يتناولها، فيجب أن يحمل عليها. 8408 - قلنا: لا يجوز أن يحمل على العقد، وقد عقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حال الإحرام، فلم يبق إلا أن يحمل على الوطء. 8409 - قالوا: فقد روى أنس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يتزوج المحرم، ولا يزوج). 8410 - قلنا: رواه أبان بن أبي عياش، عن أنس - رضي الله عنه -، وقال شعبة: لأن

أزني سبعين مرة أحب إلي من أن أروي عن أبان. 8411 - ومن أصحابنا من قال: الخبر محمول على العقد إذا لم تدعه نفسه إلى الوطء ولا يحل له، كما أن القبلة في حال الصوم محرمة على من لا يأمن على نفسه؛ ولهذا عقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه أمن على نفسه، وهذا كما قالت عائشة: (وأيكم أملك لإربه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -). 8412 - ومنهم من قال: إن الخبر أن المحرم يجب أن يكون تشاغله بالعبادة يمنعه من تشاغله بالنكاح. وهو كقوله عليه الصلاة والسلام: (المحرم الأشعث الأغبر). 8413 - ومعلوم: أنه لا يحرم الغسل عليه وإن أزال ذلك شعثه، [لكن تشاغله بالعبادة يمنعه من إزالة شعثه]. 8414 - وقد ذكر الدارقطني أخبارًا لا يتشاغل بمثلها، لكن ذكرناها لتعلم صورتها، فمنها: حديث عكرمة بن خالد، قال: (سألت عبد الله بن عمر عن امرأة أراد أن يتزوجها رجل، وهو خارج من مكة وأراد أن يعتمر أو يحج، فقال:

لا تتزوجها وأنت محرم، نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك)، رواه ابن عتبة قاضي اليمامة، وهو ضعيف. 8415 - وذكر حديث نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (المحرم لا ينكح [ولا ينكح ولا يخطب]، ولا يخطب على غيره) رواه الضحالك بن عثمان الحزامي، عن نافع، وهو ضعيف، وقد شك في إسناده. 8416 - والعجب من الدارقطني وهو أعلم بهذه الأحاديث، وأن هذه الأحاديث لا يلتفت إليها، ولا يخرج مثلها، يرويها ويمسك عن الطعن فيها تلبيسًا على من يعني بقوله، ولا يكشف ما مورده. 8417 - قالوا: روى مثل قولنا عن عمر، وعلي، وابن عمر، ويزيد بن ثابت،

ولا مخالف لهم. 8418 - قلنا: روى جرير بن حازم، عن سليمان الأعمش، عن إبراهيم (أن ابن مسعود كان لا يرى بأسًا أن يتزوج المحرم). 8419 - [وروى عطاء، عن ابن عباس - رضي الله عنه -: (أنه كان لا يرى بأسًا أن يتزوج المحرمان)]، وروى ابن أبي فديك، عن عبد الله بن محمد بن أبي بكر، قال: سألت أنس بن مالك عن نكاح المحرم، فقال: (وما بأس به، وهل هو إلا كالبيع). 8420 - قالوا: معنى يثبت به تحريم المصاهرة: فوجب أن يمنع منه الإحرام، كالوطء بملك اليمين، أو بالشبهة، أو بنكاح فاسد. 8421 - قلنا: ذلك الفعل، فلا يعتبر أحدهما بالآخر؛ فإن وطء الجارية محرم، ولا يحرم العقد عليها، وإيقاع الفعل في الطيب والمحيط ممنوع منه، ولا يحرم العقد عليهما، كذلك في مسألتنا. 8422 - ولأن الوطء بجنسه في إفساد العبادة، فلذلك منع منه فيها، والنكاح نوع عقد ليس له مدخل في إفساد ما دخل عليه، فصار كعقد البيع والإجارة. 8423 - قالوا: عبادة تحرم الوطء والطيب: فوجب أن تمنع النكاح، كالعدة. 8424 - قلنا: الوصف غير مؤثر في الأصل، فإن العدة التي تحرم الطيب والتي لا تحرمه، هي وعدة الرجعة سواء في تحريم النكاح.

8425 - وقد عدل بعضهم عن هذا الوصف، فقالوا: محرمة الوطء، والقبلة، فوجب أن لا يحل عقد النكاح عليها، أصله: المعتدة. 8426 - وهذا يبطل بالمصلية، والمعتكفة. ثم المعنى في المعتدة: أن المعقود عليها على حكم ملك غيرها، فلم يجز عقده عليها، كما لا يجوز بيع الرهن، وفي مسألتنا: لم يتعلق بالمعقود عليها حق غير العاقد، فصارت قبل الإحرام كهي بعده. 8427 - قالوا: العقد من دواعي الجماع: فوجب أن يمنع الإحرام منه، كاللمس للشهوة والقبلة. 8428 - قلنا: يبطل بشراء الجارية؛ ولأن اللمس والقبلة استمتاع والإحرام يحرم الاستمتاع، والعقد ليس باستمتاع، وإنما هو تملك لما دونه يستمتع به، فصار كشراء الطيب. 8429 - فإن قالوا: المقصود بالنكاح الاستمتاع، والنكاح مقصوده هذا، والإحرام يمنع الاستباحة والاستمتاع: فوجب أن يمنع العقد؛ أصله: الصيد. 8430 - قلنا: يبطل بشراء الطيب والجارية. 8431 - فإن قالوا: المقصود من شراء الطيب الملك. 8432 - قلنا: والمقصود من النكاح الملك، ببدلالة أنه يعقد على من لا يصح الاستمتاع بها، وهي الصغيرة. ثم المعنى في الصيد: أن عقد البيع لا يتم إلا بالقبض، والصيد لا يصح قبضه عقيب العقد، فلم يصح العقد عليه، والنكاح لا يقف صحته على القبض، ولا الاستمتاع عقيب العقد، بدلالة نكاح الصغيرة. 8433 - ولأن الصيد منع من إيقاع الفعل في حال الإحرام من جميع الجهات، فمنع من العقد عليه، والمرأة لم يمنع من إيقاع الفعل فيها بكل وجه، بدلالة: أنه يجوز أن يقبلها ويلمسها بغير شهوة ويسافر بها/ ويرفعها إلى الراحلة ويحطها، فصارت كالطيب الذي لا يمنع من إيقاع الفعل فيه من كل وجه، فيجوز العقد عليها.

مسألة 462 حكم استلام الركن اليماني

مسألة 462 حكم استلام الركن اليماني 8434 - قال أبو يوسف: قلت لأبي حنيفة: أرأيت الركن اليماني، أترى للرجل أن يستلمه؟ قال: إن فعل: فحسن، وإن ترك: لم يضره. وروى الحسن عن أبي حنيفة: أنه يستلمه ولا يقبله ولا يقبل يده. 8435 - وروى هشام عن محمد قال: يقبله وإن شاء مسحه بيده، ثم قبل يده. 8436 - وقال الشافعي: يستلمه، ويضع يده على فيه ويقبلها، ولا يقبله.

8437 - فإذا دللنا على رواية الأصل، فلأنه ركن لا يبتدئ منه الطواف، فلا يسن استلامه، كالشامي. ولأن تقبيله ليس بمسنون، واستلامه لا يكون سنة، كالركنين الآخرين. ولأنه فارق الحجر باتفاق، بدلالة: أنه لا يعود إليه إذا ختم الطواف ولا يقبله، وإن تساويا في الاستلام لا يستويان في سائر الأحكام. 8438 - فإن قيل: المعنى في الركنين: أنهما ليسا على قواعد إبراهيم - عليه السلام -[فلا يسن استلامهما، والركن اليماني على قواعد إبراهيم]- عليه السلام - يسن استلامه. 8439 - قلنا: هذا أكثر أحواله أن يكون فضله للبقعة، وهذا لا يقتضي الاستلام، كسائر بقاع البيت. 8440 - والدليل على أنه لا يقبل يده: ما روى عن ابن عباس - رضي الله عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استلم الركن اليماني ولم يقبله)، فبهذا قد اتفقنا على ترك تقبيل اليد. 8441 - ولأنه أحد أركان البيت، فلا يسن تقبيل اليد عنده، كركن الحجر. 8442 - احتجوا بما روي في حديث ابن عمر - رضي الله عنه -: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يستلم الركن اليماني والأسود في كل طوافه).

8443 - قلنا: عندنا يستلم الركن، والكلام في أنه سنة لا يترك، السنة استلام الحجر، وليس في الفعل ما يدل على التساوي. 8444 - قالوا: روي عن ابن عمر، وجابر، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وعبد الله بن عباس - رضي الله عنه -: (أنهم استلموا الركن اليماني وقبلوا أيديهم)، ولا يعرف لهم مخالف. 8445 - قلنا: إن استدللتم بهذا على الاستلام، فعندنا يستحب، وفعلهم يدل على هذا، فأما مساواته للحجر: فلا، وإن استدللتم به في تقبيل اليد: فقد روى ابن عباس - رضي الله عنه -: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قبله، فوضع خده عليه). 8446 - وهذا خلاف قولكم، والرجوع إلى فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام أولى. 8447 - قالوا: ركن مبني على قواعد إبراهيم عليه السلام، فوجب أن يكون استلامه مسنونًا؛ قياسًا على ركن الحجر. 8448 - قلنا: تقبيل المواضع الشريفة خلاف القياس، ولهذا قال عمر - رضي الله عنه -: (أما إنك لا تضر ولا تنفع)، فلم يجز القياس في نفس القياس؛ ولأن الحجر

اختص بأحكام، منها: التقبيل، ووجوب الافتتاح به، والعود إليه، وهذه الأحكام لا توجد في الركن اليماني، فلذلك يجوز أن يخالفه في سنة الاستلام. * ... * ... *

مسألة 463 إذا طاف جنبا، أو على غير وضوء، أو عليه نجاسة أو عريانا، أجزأه

مسألة 463 إذا طاف جنبًا، أو على غير وضوء، أو عليه نجاسة أو عريانًا، أجزأه 8449 - قال أصحابنا: إذا طاف جنبًا، أو على غير وضوء، أو عليه نجاسة، أو عريانًا، أجزأه. 8450 - وذكر ابن شجاع: أن الطهارة من سنة الطواف. 8451 - وكان أبو بكر الرازي يقول: إنها واجبة. ولا يجزئ إلا بها لكنها ليست بشرط. لنا: حديث جابر: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: طوافك بالبيت يكفيك لحجك

وعمرتك). 8452 - وروي: أنه عليه الصلاة والسلام صلى صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالأبطح، ثم هجع هجعة، ثم دخل مكة فطاف بالبيت. ولم يذكر الطهارة. 8453 - ولأنه ركن من أركان الحج، فلم تكن الطهارة من شرطه، كالإحرام والوقوف. 8454 - قالوا: المعنى فيه: أن الطهارة معتبرة، ولما اعتبرت الطهارة: وجبت. 8455 - قلنا: إن أردتم به أنها معتبرة في الكمال والفضيلة، فلذلك هي في الإحرام والوقوف، وإن أردتم في الجواز، فهو موضع الخلاف. 8456 - ولأنها عبادة لا يبطلها حدث العمد، فلم تكن الطهارة من شرطها، كالاعتكاف، وعكسه الصلاة. 8457 - فإن قيل: ينتقض بالصلاة، في بدء الإسلام كان الكلام مباحًا فيها والطهارة شرط. 8458 - قلنا: النقض لا يكون بناسخ في الأحكام، وإنما يقع التعليل للأحكام المستقرة، والنقض يقع بها. 8459 - ولأن ما شرط في ركن واحد من أركان الحج فتركه لا يوجب فساده، كنزع المخيط وترط الطيب إذا فارق الإحرام. 8460 - فإن قيل: هذا شرط في جميع الأركان.

8461 - قلنا: هو شرط في الإحرام خاصة، بدلالة: أنه إذا وقف بعرفة لابسًا، متطيبًا؛ لم يجب عليه إلا دم واحد. 8462 - ولأنها عبادة تختص بالمسجد، فلم تفسد بترك الطهارة، كالاعتكاف. 8463 - احتجوا: بحديث ابن عباس - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الطواف بالبيت صلاة، إلا أن الله تعالى أباح فيه النطق، فمن نطق فلا ينطق إلا بخير). 8464 - قالوا: والصلاة في اللغة دعاء؛ لأن الطواف صلاة شرعية، فيدخل تحت قوله عليه الصلاة والسلام: (لا صلاة إلا بطهور). 8465 - والثاني: أنه قال: (إن الله تعالى أحل فيه النطق)، وظاهره يقتضي: أنه كالصلاة بكل حال إلا فيما استثناه. 8466 - قلنا: هذا خبر لا يصح الاحتجاج به على طريق أصحاب الحديث؛ لأنه لم يروه إلا الفضيل بن عياض، عن عطاء بن السائب، عن طاووس، عن ابن عباس، وسماع الفضيل بن عياض وأمثاله من عطاء بن السائب ضعيف [لا يحتج به، وإنما يحتج من حديث عطاء بن السائب] بما رواه المتقدمون عنه، كالثوري، وشعبة، وحماد بن سلمة.

8467 - وأصل هذا الحديث إنما رواه ابن مالك، عن ابن جريج، عن الحسن بن مسلم، عن طاووس، عن رجل أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - من قول ذلك الرجل، لا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. 8468 - ولو ثبت فقوله: (الطواف بالبيت صلاة) لا يجوز أن يكون بيانًا للاسم؛ لأن الطواف لا يسمى صلاة، لا لغة، ولا شرعًا. 8469 - أما اللغة: فالصلاة فيها الدعاء، وأما الشرع: فلا يقول أحد من أهله: إن الطواف صلاة، ولهذا لو نذر أن يصلي فطاف لم يجزئه. 8470 - ولا يقال: صلاة الجنازة صلاة، ولو أطلق نذر الصلاة، لم يسقط نذره صلاة الجنازة؛ ولأن صلاة الجنازة يتعبد فيها ما لا يسقط بها النذر المطلق. وإذا بطل أن يكون هذا بيانًا للاسم: لم يدخل في قوله عليه الصلاة والسلام: (لا صلاة إلا بطهور)، فبقي أن يكون بيانًا للحكم، فكأنه قال: حكم الطواف حكم الصلاة، ونحن نعلم: أنهما لا يتفقان في كل الأحكام. لأن الصلاة يبطلها المشيُ والانحراف عن القبلة مع القدرة، والكلام وحدث العمد، ولا يبطل ذلك الطواف، فبقي أن يكون شبيهًا بها في حكم واحد، فاحتمل أن يكون تعلقه بالبيت ثواب الصلاة. 8471 - فإن قيل: قوله: (الطواف بالبيت صلاة) معناه: مثل الصلاة، وحذف (مثل). 8472 - قولنا: المماثلة، لا تقتضي التماثل في كل الصلاة، فليس ما تقولونه بأولى مما نقوله. 8473 - فأما قوله: إلا أنه أبيح فيه الكلام) فليس المقصود منه بيان ما استثني من التشابه، وأما الغرض: فكان الكلام، وإذا صح فيه فيجب أن ينعقد جواز الكلام كله، وإنما يتكلم بما فيه القربة والثواب خاصة. 8474 - قالوا: روت عائشة رضي الله عنها: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أن كان يطوف

توضأ)، وفعله بيان، وقال: (خذوا عني مناسككم). 8475 - قلنا: قوله تعالى {وليطوفوا} ليس بمجمل حتى يكون فعله عليه الصلاة والسلام بيانًا، أنه طاف بعد ما هجع، ولم ينقل: أنه توضأ. 8476 - قالوا: روي أنه عليه الصلاة والسلام قال لعائشة رضي الله عنها: (اصنعي ما يصنع الحاج، غير أنك لا تطوفي بالبيت). 8477 - قلنا: يجوز أن يكون النهي للطواف، ويجوز أن يكون للمنع من دخول المسجد مع الحيض؛ ولأنها عبادة [منهن متممة] إلا أن ما نهى عنه في ركن من الحج لا يوجب فساده، كما ذكرنا. 8478 - قالوا: روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه قال: (لا يطوفن بالبيت بعد اليوم مشرك ولا عريان). 8479 - قلنا: نهى عن الطواف، وقد بينا: أن أركان النهي إذا اختص بركن لا يمنع وقوعه، كالإحرام مع اللبس. 8480 - ولأن من المنهيات في الحج الوطء؛ لأنه يفسده، ومعلوم: أنه إذا صادف الوطء، لم يجعل وجوده وعدمه سواء، حتى يصير كأنه لم يفعل، بل لا يمنع

اعتداد بالفعل، وإذا أفسد فما دونه مما لا يفسد الإحرام أولى أن لا يوجد بجعل وجود المفعول/ وعدمه سواء. 8481 - قالوا: كل ما اعتبرت فيه الطهارة، [لا يقوم غيرها مقامها، كالصلاة. 8482 - قلنا: عندنا لا يقوم مقام الطهارة] غيرها، وإنما يدخل، ففقدها يقصر في الطواف، ويقوم الدم مقام ذلك البعض، فأما أن يقوم مقام الطهارة، فلا. 8483 - ومن أصحابنا من قال: يجب بفقد الطهارة الإعادة، فإن لم يعد قام الدم مقام الطواف الواجب، كما يقوم مقام العذر. 8484 - ولأن الصلاة مؤداة بتحريم، والطهارة شرط فيها، فكانت شرطًا فيما تؤدى فيه الأركان بها، وأفعال الحج مؤداة بها. 8485 - قالوا: عبادة تجب الطهارة لها، فكانت شرطًا فيها، كالصلاة. 8486 - قلنا: الوصف غير مسلم على ما بيناه، ولو سلمناه لم تصح العلة؛ لأن الطهارة من شرط الاعتداد بالطواف، كما أنها شرط في الاعتداد بصلاة النافلة، فإذا عدمت لم يعتد بالصلاة، كذلك عندنا لا يعتد بالطواف، بمعنى: أنه لا يقع موقع الواجب عليه حتى ينضم إليه غيره. 8487 - ولأن الطهارة لما شرطت في الصلاة أبطلها حدث العمد، ولما لم يبطل حدث العمد الطواف لم تكن الطهارة شرطًا فيه. 8488 - قالوا: كل عبادة وجب بترك الطهارة فيها معنى، كان ذلك المعنى للإعادة، كالصلاة. 8489 - قلنا: تجب الإعادة عندنا ويقوم الدم مقام الواجب، وينتقض هذا بمن قرأ القرآن مع الجنابة، فقراءة القرآن عبادة، وجب عليه بترك الغسل فيها معنى، وهو

الإثم، وليس هو الإعادة. قالوا: وما افتقر إلى البيت، بدلالة: أن صلاة الخائف والمتنفل على الراحلة لا يشترط فيها التوجه إلى البيت، فالطهارة شرط فيها. 8490 - ولأن الصلاة منهياتها تفسدها، وترك الطهارة منهي فأفسدها، ومنهيات الإحرام كلها لا تفسده إلا الجماع، والنهي بترك الطهارة لا يفسد الطواف. 8491 - قالوا: طواف على غير طهارة، فلم لا يكره؟ كما لو كان بمكة. 8492 - قلنا: هذا غير مسلم، فإنه إذا كان بمكة. قلنا: بإعادة الطواف فإن لم يعد، قامت الفدية مقامه، كما تقوم فيمن خرج من مكة. * ... * ... *

مسألة 464 إذا سلك في الطواف الحجر، فالأولى أن يستأنف الطواف

مسألة 464 إذا سلك في الطواف الحجر، فالأولى أن يستأنف الطواف 8493 - قال أصحابنا: إذا سلك في الطواف الحجر: فالأولى أن يستأنف الطواف، ويمر خارج الحجر، فإن لم يفعل وطاف على الحجر خاصة: أجزأه، ولزمه دم. 8494 - وقال الشافعي: لا يجزئه إلا أن يستأنف الطواف، فيبني على الموضع الذي دخل منه الحجر. 8495 - وهذه مبنية على أن الدم يقوم مقام أقل الطواف، ومبنية على أن الترتيب في الطواف ليس بشرط، وفي طواف المنكوس، وسيأتي الكلام فيهما.

8496 - ويدل في نفس المسألة: أنه مكان لا يقطع عن كونه من البيت، فالطواف عليه ليس بشرط، أصله: سائر البقاع. ولأن فرض الصلاة لا يسقط بالتوجه إليه، كسائر بقاع المسجد. 8497 - ولأنه ركن يتعلق بمكان، فلا يكون من شرطه استغراق جميع المكان بالكون فيه، كالوقوف بعرفة، والذي روى: (أنه عليه الصلاة والسلام طاف من وراء الباب). 8498 - وكذلك نقول. والكلام في صفة فعله هل كان لأنه شرط، أو لأنه الأولى؟. ولأنه لو ثبت أنه من البيت، لم يكن تركه للأقل مما يمنع الاعتداد بالأكثر عندنا. * ... * ... *

مسألة 465 إذا طاف منكوسا، جاز وعليه دم

مسألة 465 إذا طاف منكوسًا، جاز وعليه دم 8499 - قال أصحابنا: إذا طاف منكوسًا: جاز وعليه دم، وإن ابتدأ بالطواف من غير ركن الحجر. 8500 - وذكر محمد في الرقيات: أنه [لا يعتد بطوافه حتى ينتهي إلى الركن. 8501 - ومن أصحابنا من قال: يجوز. 8502 - وقال الشافعي]: لا يعتد بطواف المنكوس. 8503 - دليلنا: أنه حصل في أماكن الطواف مع النية، كما لو رتبه؛ ولأنه سبب للطواف فلا يمنع الاعتداد به، كما لو طاف راكبًا أو ترك الرَمَل. 8504 - فإن قيل: المعنى فيه: أنه ترك هيئة تسقط الركنين، وإذا ترك المشي أنه يسقط الركنين إلى غير بدل؛ لأنه إذا ترك المشي من غير عذر لزمه دم. 8505 - وعلة الفرع باطلة؛ لأنه ليس إذا كان الستر لا يسقط الركنين إلى بدل

لم يقم غيره مقامه، كطواف [الإفاضة]، ورمي الجمار؛ ولأنه أحد أركان حج البيت، فجاز أن يبتدئ منه، أصله: ركن الحج. 8506 - ولأنها عبادة شرط فيها التيامن، فلا تبطل [بنكس] التيامن، كالوضوء. 8507 - احتجوا: بأنه عليه الصلاة والسلام (طاف مرتبًا)، وفعله بيان؛ ولأنه قال: (خذوا عني مناسككم). 8508 - قلنا: هذا ليس بيان؛ لأن الآية ليست بمجملة. 8509 - وقوله: (خذوا عني مناسككم) يدل على وجوب الأخذ، وقد بينا أن ذلك لا يدل على وجوب المأخوذ. 8510 - ومن أصحابنا من قال: الترتيب واجب، وإذا تركه عندنا قام مقامه الدم. 8511 - فإن قيل: إذا ثبت أنه واجب، لم يسقط الفرض إلا بفعله. 8512 - قلنا: هذا لا يكون فيما ينفرد بنفسه، فأما الصفة التي تنفرد بنفسها: [فلا يصح أن تقضي حتى تبقي في ذمته. 8513 - قالوا: عبادة تفتقر إلى البيت]، فكان الترتيب فيها شرطًا، كالصلاة. 8514 - قلنا: الصلاة أفعال مختلفة، فالترتيب يجوز أن يكون شرطًا فيها، والطواف فعل واحد، والفعل الواحد لا يشترط فيه، كالابتداء بغسل اليد من

المرفق، أو من الأصابع، أو كغسل اليدين، لما أجريا مجرى العضو الواحد، أو كجميع الأعضاء في الجنابة. 8515 - ولأن الصلاة تجب ابتداء، ويؤمر بالفعل ابتداء، ثم لا يعتد به؛ لأنه يجب ترتيبه على غيره، كما يقال في المدرك للإمام في الركوع والسجود، وفي القعدة، فعلم أن الترتيب فيها شرط، والطواف لا يؤمر أن يبتدئ بشيء منه لا يعتد به لترك ترتيبه على غيره، فدل: أن الترتيب فيه ليس بشرط. 8516 - ولأن الصلاة لا تشتمل على فروض يقوم غيرها مقامها، والحج يشتمل على واجبات يقوم الدم مقامها، فجاز أن يقوم مقامه هيئة أركانه. 8517 - قالوا: ترك في الطواف ما لا يسقط إلى غير بدل، فصار كمن ترك أربعة أشواط. 8518 - قلنا: هناك ترك أكثر العبادة فيها، وههنا ترك هيئة فيها فصار كترك غسل اليدين المانع من صحة الطهارة، ولو ترك الترتيب فيها لم يمنع صحة الطهارة. 8519 - ولأن كونه لا يسقط إلى غير بدل لا يمنع من مقام الدم مقامه، كما ذكرنا في الرمي. 8520 - قالوا: ما وجب عليه إعادة طواف الزيارة إذا كان بمكة أوجب، وإن رجع، كما لو طاف منكسًا قبل طلوع الفجر. 8521 - قلنا: لا نسلم وجوب الإعادة إذا كان بمكة، وإنما الأولى عندنا أن يعيد، وإن أقيم الدم مقامه جاز. 8522 - ولا يجوز في القياس على من افتتح الطواف من غير الركن؛ لأن من أصحابنا من جوز، وإن سلمنا ذلك على ما روي عن محمد، فلأن تنفسخ هذه العبادة من الركن، فإذا لم يأت بافتتاحها لم يعتد به [كما لو لم يفعله. وإن قاسوا على

من ايتدأ السعي من المروة لم نسلم أن ذلك لا يعتد به]، ورواه ابن شجاع عن أبي حنيفة. 8523 - وإن سلمنا لم يكن المانع ترك الترتيب، لكن لأنه لا ينفسخ السعي؛ لأن افتتاحه من الصفا أولى به، إنما لا يجوز لأنه يقضي في الفعل؛ لأنه إذا بدأ من الصفا وقف أربع وقفات على الصفا، وإذا بدأ من المروة وقف ثلاث وقفات، فنقصان الفعل هو المانع، وفي مسألتنا: لم ينقص من أفعال الطواف شيء إنما ترك هيئة. * ... * ... *

مسألة 466 إذا طاف أربعة أشواط وتحلل، وقع التحلل، ويقوم الدم مقام الباقي

مسألة 466 إذا طاف أربعة أشواط وتحلل، وقع التحلل، ويقوم الدم مقام الباقي 8524 - قال أصحابنا: إذا طاف أربعة أشواط وتحلل: وقع التحلل، ويقوم الدم مقام الباقي، وحكى ابن الحسن: أنه لو طاف ثلاثة أشواط وأكثر الرابع: جاز التحلل. 8525 - وقال الشافعي: إن ترك خطوة من الطواف: لم يتحلل من إحرامه. 8526 - والكلام يقع في مواضع: 8527 - أولها: أن الركن هو الأكثر، والدليل عليه: أنه ركن من أركان الحج، فالمداومة إلى آخره لا يكون ركنًا، كالوقوف. 8528 - ولأنه مفعول بعد أكثر الطواف: فلم يكن ركنًا، كالوقوف، وركعتي الطواف. 8529 - ولأنه يأتي بأكثر الأشواط، فصار كما وطاف وسعى وترك الرمل. 8530 - والدليل على جواز التحلل بعد أكثر الطواف: أن الجماع معنى يحظره الإحرام، فصار استباحته قبل استيفاء [طواف الحج من غير عذر، كالطيب،

واللمس، والحلق. ولأنه أحد التحللين، فجاز أن يقع قبل استيفاء] الطواف، كالأول. 8531 - ولأنه أتى بأكثر الطواف: فجاز له التحلل، كما لو طاف راكبًا. 8532 - ولأنه لو خالف في وقت الإحرام صح إحرامه، فإذا خالف في وقت التحلل جاز أن يصح؛ لأن كل واحد منهما ركن في أحد طرفي الحج. 8533 - ولأن ما يقع به التحلل يجوز أن يقوم الأكثر مقام جميعه في جواز التحلل، كذبح دم الإحصار إذا قطع أكثر العروق. 8534 - فإن قيل: الواجب هناك هو الجميع، وما زاد على الواجب لا يجوز قطعه. 8535 - والفصل الثالث/ أن الدم يقوم مقام بعض الأشواط؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (من ترك نسكًا فعليه دم). ولا نسك ذو عدد فجاز أن يقوم الدم مقام بعض أفعاله، كالرمي وطواف الصدر. 8536 - ولأنه ركن من أركان الحج: فجاز أن يقوم الدم مقام الجزء منه، كطواف الصدر. 8537 - ولأنه ركن من أركان الحج، فجاز أن يكون لجبرانه بغير جنسه مدخل فيه، كالإحرام والوقوف. 8538 - احتجوا: بقوله تعالى: {وليطوفوا بالبيت العتيق} وهذا مبهم، وقد بينه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بفعله، فطاف سبعًا، فصار ذلك بيانًا للآية، فصار كأنه قال:

وليطوفوا بالبيت سبعة أشواط. 8539 - وهذا كقوله تعالى: {وأقيموا الصلاة}، وبينه عليه الصلاة والسلام بعدد الركعات، وهذا وقد قال: (خذوا عني مناسككم). 8540 - قلنا: أما الآية فتقتضي وجوب شوط أوجبناه بالإجماع، فلم نسلم أن فعله بيان، ولو سلمنا ذلك اقتضى وجوب الأشواط السبعة، وكذلك نقول. 8541 - وليس في الوجوب ما يدل على أنها ركن، وكذلك الجواب عن قوله: (خذوا عني مناسككم)، فأكثر الأحوال أن يدل على وجوب الأشواط، وليس ما كان واجبًا كان ركنًا على أنا بينا: أن وجوب الأخذ لا يقتضي وجوب المأخوذ. 8542 - فإن قيل: إذا ثبت وجوب الأشواط لم يسقط إلا بفعلها. 8543 - قلنا: واجبات الحج منقسمة، منها: ما لا يسقط الفرض إلا بفعلها، ومنها: ما يسقط فرضها بفعل ما يقوم مقامها، مثل: رمي الجمار، والإحرام من الميقات، والمداومة على الوقوف، والوقوف بالمزدلفة، وطواف الصدر. 8544 - قالوا: إنها عبادة تفتقر إلى النية فإذا أخل بعددها: لم يقم غيرها مقامها، كالصلاة. 8545 - قلنا: هذا يبطل بمسألتين، أحدهما: إذا صلى المسافر ركعتين، قامت نية القصر مقام ما أحل به من الظهر، والجمعة عندهم ظهر تقوم الخطبة مقام ما أحل به منها. 8546 - ويبطل بطواف الصدر. 8547 - والمعنى في الصلاة: أنه إذا أتى ببعض ركعاتها وتراخى الباقي عن المفعول: بطل، فاستحال أن يقوم غيره مقامه، فلم يجز أن يقوم عن بعض واجباتها غيرها،

وجنس المناسك فيها ما يقوم الدم مقام جميعها، كالرمي والوقوف بالمزدلفة، فجاز أن يقوم مقام بعض الواجب منها. 8548 - قالوا: ترك من الطواف ما لا يسقط إلى غير بدل، كما لو ترك أربعة أشواط. ولأنه لم يستوف عدد طوافه، فوجب أن لا يخرجه؛ أصله: إذا طاف ثلاثًا. 8549 - قلنا: الأقل لا يقوم مقام الجميع في الأصول، والأكثر يقوم مقامه، بدلالة استصحاب النية في أكثر نهار الصوم يقوم مقام استصحابها في الجميع في النافلة عندنا وعندهم، وفي رمضان عندنا، والصوم في أكثر الحول كالصوم في جميعه، والمدرك في كل الركعة ولأكثر الرابعة وأفعالها سواء، وقطع أكثر العروق في الذكاة يقوم مقام جميعها، والأول يقوم مقام الجميع. وكذلك يجوز أن يكون أكثر فعل الأشواط في وقوع التحلل يقوم مقام الجميع، وإن كان فعل الأكثر لا يقوم مقام الجميع، يبين ذلك: أن من أحرم ووقف ورمى [لم يلحقه فساد فعل الركن الواحد، كفعل الركنين والرمي] في منع الفساد، واختلف في ذلك حكم القلة والكثرة، كذلك في مسألتنا. 8550 - فإن قيل: قيام الأكثر مقام [الجميع نادر، وأكثر الأصل على خلاف ذلك وإن كثر عدد الركعات لا يقوم مقام] الجميع، وكذلك أكثر أعضاء الوضوء، وأكثر غسل البدن من الجنابة، وأكثر الأذان والإقامة، وأكثر صيام رمضان، وسائر صيام الكفارات، وأكثر النصاب، وأكثر الزكاة. 8551 - قلنا: نحن لا نستدل بأصول على جواز قيام الأكثر مقام الجميع، وإنما دللنا بما ذكرنا على أن حكم الإتيان بالأقل مخالف للإتيان بالأكثر في الأصول،

فإذا بين أصولاً أخر لا يقوم الأكثر فيها مقام الجميع؛ لم يمنع ذلك فساد ما اعتبروه وذكروه من الاعتبار. 8552 - ثم الأصول إذا انقسمت: كان اعتبار مسألتنا بما ذكرنا أولى؛ لأنا بينا: أن في جنسها ما يقوم البدل عنه مقام جميعه، فأولى في مثله الخلاف أن يقوم مقام بعضه. 8553 - فإن قيل: لو قام الأكثر مقام الجميع، لم يحتج إلى الجبران. 8554 - قلنا: إنما يقوم مقام الجميع في وقوع التحلل، ويقوم الدم مقام ما بقي من الأشواط. * ... * ... *

مسألة 467 إذا طاف طواف الفرض راكبا من غير عذر لزمه الإعادة

مسألة 467 إذا طاف طواف الفرض راكبًا من غير عذر لزمه الإعادة 8555 - قال أصحابنا: إذا طاف طواف الفرض راكبًا من غير عذر: لزمه الإعادة، فإن لم يعد: فعليه دم. 8556 - وقال الشافعي: الأفضل أن يطوف ماشيًا، فإن طاف راكبًا من غير عذر: فلا شيء عليه، وإن نذر أن يحج ماشيًا فطاف راكبًا؛ فمنهم من قال: يجب عليه [الدم، ومنهم من قال: يجب] بمعنى الاستحباب. 8557 - لنا: أنه قد ترك المشي في الطواف من غير عذر: فكان تاركًا لواجب، كما لو طاف زحفًا. 8558 - ولأنه فرض يجب بالطهارة، فلا يجوز أداؤه راكبًا من غير عذر، كالصلاة.

8559 - أو نقول: فلزمه بأدائه راكبًا مع القدرة ما يلزمه بأدائه قاعدًا، كالصلاة. 8560 - وغذا ثبت أنه لا يجوز فعلها قاعدًا من غير عذر، [فلا يجوز راكبًا على الراحلة من غير عذر]، كالصلاة المكتوبة. 8561 - ولأنها عبادة مفروضة معلقة بالبيت، كالصلاة. 8562 - وإذا ثبت أنه لا يجوز فعلها راكبًا: ثبت وجوب الدم؛ لأن أحدًا لا يفصل بينهما. 8563 - فإن قيل: حكم الطواف مفارق للصلاة، بدلالة أن صلاة الراكب في الفرض لا يعتد بها من غير عذر. 8564 - قلنا: لا فرق بينهما عندنا؛ لأن الإعادة واجبة عندنا، إلا أنه إذا ترك القضاء في الصلاة لم يقم غيرها مقامها، وإذا ترك الإعادة في الطواف قام الدم مقامه. 8565 - وهذا الاختلاف يعود إلى أن المناسك لها بدل، والصلاة لا بدل لها. 8566 - فإن قيل: فلِمَ لم يقم الدم مقام الطواف في الأصل؟ 8567 - قلنا: لو قام مقامه: لوقع التحلل به، والدم لا يتحلل به في غير الإحصار، وإذا طاف على وجه منهي عنه: وقع التحلل، وبقي طواف واجب بعد التحلل، فيقوم الدم مقامه، كما يقوم الدم مقام طواف الصدر. 8568 - احتجوا: بما روى جابر - رضي الله عنه - قال: (طاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع على راحلته بالبيت، وبين الصفا والمروة، كي يراه الناس وليشرف عليهم، ويسألوه، فإن الناس غشوه).

8569 - قلنا: قد بين جابر العذر الذي لأجله فعل ذلك، وهو حاجته إلى البيان لعشيرته وعندنا لو فعله لعذر جاز، وقد روى عكرمة، عن ابن عباس - رضي الله عنه -: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدم مكة وهو يشتكي، فطاف على راحلته)، فدل: أنه فعل ذلك لعذر. 8570 - قالوا: قال الشافعي: لا يعرف هذا. 8571 - قلنا: يجب أن يعرف فإن أبا داود ذكره بإسناد صحيح، وذكر عن أم سلمة: أنها قالت: (شكوت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أني أشتكي، فقال: طوفي من وراء الناس، وأنت راكبة)، فذكرت الحكم والسبب. 8572 - قالوا: فجابر - رضي الله عنه - نقل سببًا آخر. 8573 - قلنا: لا يمتنع أن يجتمع السببان. 8574 - قالوا: فقد طاف راكبًا حين اعتمر من الجعرانة، وفي حجة الوداع، فلابد أن يكون أحدهما لغير عذر. 8575 - قلنا: ما الذي يمنع من اتفاق العذر في الحالتين، ويكفي تجويز العذر وإن لم ينقل. 8576 - قالوا: ركن من أركان الحج، فجاز راكبًا وماشيًا، كالوقوف. 8577 - قلنا: نقلب، فنقول: فكان حكم المؤدى له [راكبًا حكم المؤدي له] قاعدًا. 8578 - ولأن الوقوف لما جاز قاعدًا من غير عذر، جاز راكبًا، والطواف بخلافه.

ولأن حكم الركنين مختلف؛ لأنه يستحب للإمام الوقوف على راحلته في الوقوف، ويستحب للطائف أن لا يفعل ذلك. 8579 - قالوا: ركن لو أتى به المريض على صفته لم يجبره بدم، فكذلك الصحيح، كما لو ترك الرمل والاضطباع. 8580 - قلنا: حكم النسك إذا ترك لعذر مخالف لحكمه إذا ترك لغير عذر، بدلالة طواف الصدر. 8581 - ولأن الرمل عند الركن والمشي نفس الفعل، بدلالة أن الناذر للرمل إذا تركه لم يجب به شيء، والناذر للمشي إذا تركه وجب عليه الدم، فدل على افتراقهما. * ... * ... *

مسألة 468 إذا طاف حاملا لغيره ونوى كل واحد منهما الطواف، أجزأهما

مسألة 468 إذا طاف حاملاً لغيره ونوى كل واحد منهما الطواف، أجزأهما 8582 - قال أصحابنا: إذا طاف حاملاً لغيره ونوى كل واحد منهما الطواف: أجزأهما. 8583 - وقال الشافعي: الطواف للحامل دون المحمول، وقال في قول آخر: الطواف للمحمول دون الحامل. 8584 - لنا: أنه ركن من أركان الحج فإذا فعله حاملاً لغيره: سقط فرضه، كالوقوف؛ ولأن كل واحد منهما كائن في مواضع الطواف مع النية، فكأنه طاف بنفسه. 8585 - ولأن الحامل فاعل للطواف، وحمله لغيره كحمله لمتاع، فلا يمنع ذلك من صحة طوافه، والمحمول حاصل في أماكن الطواف، كالراكب. 8586 - احتجوا: بأن الفعل للحامل، فلا يجوز أن يتأدى بفعل واحد طوافان، وقد جاز فعله عن طواف نفسه، فلم يجز عن طواف المحمول. 8587 - قلنا: هذا يبطل بمن وقف بعرفة وهو حاملٌ لغيره. 8588 - ولأن هذه دعوى لا دلالة عليها؛ لأن الفعل الواحد يجوز أن يسقط به

فرضان، كمن وقف وهو يصلي يسقط فرض الصلاة والوقوف، كذلك يسقط بالفعل فرضه وفرض غيره. 8589 - ولأن الراكب يجوز طوافه لحصوله في أماكن الطواف، لا لأن فعل الدابة قائم مقام فعله، ألا ترى: أن فعل البهائم لا تسقط به العبادة، فإذا لم يعتبر فعل الحامل في إسقاط فرض المحمول، فالحامل أسقط فرضه بفعله، والمحمول أيضًا، لحصوله في أماكن الطواف، فبطل ما قالوه. * ... * ... *

مسألة 469 ركعتا الطواف واجبتان

مسألة 469 ركعتا الطواف واجبتان 8590 - قال أصحابنا: ركعتا الطواف واجبتان. وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله، وقال في قول آخر: إنهما نافلتان. 8591 - لنا: حديث جابر قال لما طاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبيت قرأ: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصل}، فصلى ركعتين خلف المقام)، وهذا يدل: أنها مؤداة بالآية، وهو أمر بها، فاقتضت الوجوب. 8592 - قالوا: هذا أمر باتخاذ البقعة مصلى. 8593 - قلنا: البقعة متخذة مصلى قبل شريعتنا، وهو أمر لنا، فلا يجوز أن يحمل

إلا على فعل الصلاة. 8594 - ولأنه ركن من أركان الحج يعني الطواف، فكان من توابعه ما هو واجب، كالوقوف. 8595 - فإن قيل: المعنى في الرمي: أنه يختص بوقت، فلذلك كان واجبًا، فالصلاة في مسألتنا ليس لها وقت راتب. 8596 - قلنا: واجبات الحج منها: ما له وقت راتب، ومنها: ما يتقدم فعله عليه، ولا يختص بنفسه في وقت، كالسعي. 8597 - ولأنها قربة لا يجوز تقديمها على فعل الطواف، كالسعي؛ ولأنها عبادة. 8598 - ولا يلزم صلاة الجنازة؛ لأن الصلاة المعهودة من جنسها ما يجب في الحج والعمرة؛ كالطواف، وقد أوجبناها. 8599 - احتجوا: بحديث طلحة بن عبيد الله) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الأعرابي: خمس صلوات في اليوم والليلة، فقال: هل علىَّ غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع). 8600 - قلنا: خمس كتبهن الله تعالى، فقال: هل على غيرها مكتوبة؟ فركعتا الطواف واجبة غير مكتوبة. 8601 - ولأنها وجبت عندنا بالآية، فيجوز أن يكون قبل نزول الآية. 8602 - قالوا: صلاة ذات ركوع ليس لها وقت راتب: فلم تكن واجبة بأصل الشرع، كصلاة الكسوف. 8603 - قلنا: إن كان التعليل للجملة: فلا نسلم الوصف؛ لأن طواف الحج عندنا موقت بأيام النحر، والركعتان تتعقبها، فهي مؤقتة بتوقيته. 8604 - ولأن المعنى في صلاة الكسوف: أنها لا ترتب على فعل هو [نسك] فلم تكن واجبة بحكم النسك، ولما كانت هذه الصلاة مرتبة على نسك وترتب عليها،

جاز أن يجب بحكم النسك. 8605 - قالوا: الصلاة الواجبة بأصل الشرع ما كانت أصلاً بنفسها غير تبع لغيرها، كالصلاة الراتبة، فلما كانت هذه تبعًا لغيرها ثبت أنها غير واجبة بأصل الشرع. 8606 - قلنا: سائر التوابع لما كان تبعًا لغيرها ولا ترتب عليها واجب لم يجب، ولما كان هاهنا يترتب عليها، كانت الركعتان واجبتين وتبعها واجب؛ دل أن التفرقة بينهما ومفارقتهما لتوابع الصلوات. * ... * ... *

مسألة 470 السعي بين الصفا والمروة ليس بركن بل هو واجب

مسألة 470 السعي بين الصفا والمروة ليس بركن بل هو واجب 8607 - قال أصحابنا: السعي بين الصفا والمروة ليس بركن، بل هو واجب، فإن تركه، فعليه دم. 8608 - وقال الشافعي: هو ركن، وإن ترك شوطًا منه لم يتحلل أبدًا. 8609 - لنا: قوله تعالى: {فلا جناح عليه أن يطوف بهما} وهذا اللفظ يقتضي الإباحة.

8610 - وفي قراءة ابن مسعود، وابن عباس - رضي الله عنه -: (فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما)، وهذا ينفي الوجوب. 8611 - فإن قيل: الآية خرجت على سبب، وهو أنه كان عليه أصنام إساف، ونائلة، وكانت الجاهلية تطوف بكل واحد منهما، فلما جاء الإسلام تخرج الناس عن الطواف، فنزل القرآن بإباحة ذلك. 8612 - قلنا: خروجه على هذا السبب لا يمنع الاستدلال بالظاهر على نفي الوجوب؛ لأن السعي لو كان واجبًا لم يذكر لفظ الإباحة، بل يذكر الوجوب، فيفهم الإباحة بمضمونه. 8613 - فإن قيل: قد اتفقنا على ترك ظاهرها؛ إذا السعي عندكم واجب، وليس بمباح. 8614 - قلنا: قد دلت الآية على نفي الوجوب ومنعه من كونه ركنًا، فإن الدليل على غير الوجوب نفي المعنى الآخر، وهو الركن على ظاهره. 8615 - قالوا: قوله تعالى: {فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه}، كلام تام دل على جواز الإفراد والتمتع، وقوله: {أن يطوف بهما} ابتداء كلام، كأنه قال: عليه أن يطوف بهما. 8616 - قلنا: هذا غلط؛ لأن قوله: {فمن حج البيت} جواب الشرط في قوله: {إن الصفا والمروة}، فلا يجوز أن يحمل على إباحة الإفراد، والتمتع؛ لأنه ينقطع عن الشرط, 8617 - ثم قوله: {أن يطوف بهما} لا يصح الابتداء به، فلابد أن تعلق بقوله: {فلا جناح عليه} حتى يستقل. 8618 - قالوا: فالآية نزلت في الطواف بهما، والخلاف في الطواف بينهما. 8619 - قلنا: لم يثبت في الإسلام طواف يتعلق بالصفا والمروة، إلا الطواف بينهما، يبين ذلك: ما روى ابن شهاب، عن عروة، قال: سألت عائشة

[رضي الله عنها]، فقلت: أرأيت قول الله - عز وجل -: {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما}؟ قال: فقلت لعائشة: والله ما على أحد جناح أن لا يطوف بين الصفا والمروة، قالت عائشة: بئس ما قلت يا ابن أخي، لو كان كذا، لكانت الآية: فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما إلى أن قالت: (ثم قد بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الطواف بهما، فليس لأحد أن يترك الطواف بهما)؛ فقد فهمت عائشة، وعروة أن المراد بالآية: الطواف بينهما، وجعلت عائشة ذلك بيانًا. 8620 - فإن قيل: قوله تعالى:- {من شعائر الله}، ثم قال: {لا تحلوا شعائر الله} يدل على الوجوب؛ قلنا: الشعائر العلامات، ومنه: الشعائر في الحرب، فجعلها من علامات الدين بقوله: {لا تحلوا شعائر الله}، معناه: لا تتجاوزوا حدوده، ولا تضيعوها، وهذا يدل على الوجوب، لا على ما اختلفنا فيه. 8621 - وقد روى الفريابي، عن سفيان، عن عاصم، قال: (سألت أنس بن مالك عن الصفا والمروة، فقال: كانا من مشاعر الجاهلية، فلما جاء الإسلام أمسكنا عنهما، فأنزل الله - عز وجل - {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرًا فإن الله شاكر عليم}.

8622 - ولأنها قربة لا يجوز تقديمها على الطواف: فلم يكن ركنًا، كالركعتين. 8623 - ولأنه نسك ذو عدد لا يتعلق باليت كالرمي. 8624 - ولأنه نسك لا يتكرر في الإحرام، فلم يكن ركنًا فيه، كالحلق. 8625 - ولأنه لو كان ركنًا، لتكرر من جنسه ما هو واجب ليس بركن، كالوقوق بعرفة والطواف، فلما لم يتكرر في الإحرام، لم يكن ركنًا. 8626 - ولا يلزم على هذا الإحرام؛ لأنا قلنا: ركن في الإحرام. 8627 - ولأنه يقع عندنا بالتلبية، وهي تتكرر. 8628 - ولأنه نسك يفعل بعد طواف الزيارة وقبله، فلم يكن ركنًا، كالرمي. 8629 - ولأنهما نسكان اتفقا في الاسم واختلفا في المكان، فكان أحدهما ركنًا، والآخر ليس بركن، كالوقوف بعرفة والمزدلفة. 8630 - قالوا: المعنى في الوقوف والرمي: أنه من توابع الوقوف بعرفة، بدلالة أنه يسقط بسقوطه، فرمي به الحج، وليس كذلك/ السعي، فإنه أصل في نفسه غير تابع لغيره، ألا ترى: أنه يصح بعد طواف القدوم وبعد طواف الزيارة. 8631 - قلنا: والسعي إنما هو تابع، بدلالة: أنه لا يفعل إلا بعد تقدم طواف [عليه، إما طواف] القدوم، أو طواف الزيارة، وإذا كان تبعًا: لم يكن ركنًا، يبين ذلك: أنه لا يصح فعله إلا بعد تقدم طواف، فلما انفرد الطواف عنه لم يصح إلا بتقدمه، ويجوز أن يكون الطواف المتقدم عليه فرضًا، ويجوز أن يكون نفلاً، فلو كان نفلاً، لم يقف على ما تقدم ما ليس بفرض عليه.

8632 - فإن قيل: [الطواف لا يصح بتقدم الوقوف وإن كان ركنًا. 8633 - قلنا: تقدم الوقوف يفسد التحريمة التي بها يصح الطواف، فيسقط الطواف لذلك. 8634 - فإن قيل]: السجود لا يصح إلا بعد تقدم الركوع، وهو ركن. 8635 - قلنا: صحة كل واحد منهما تتعلق بصحة الآخر، فجريا مجرى واحدًا، وصحة الطواف لا تقف على السعي. 8636 - ولأن عدم كل واحد من الركوع والسجود بعد التحريمة التي بها يصح الآخر، فلذلك لا يصح، وهذا لا يوجد في الطواف والسعي. 8637 - وأما الدليل على أن الدم يقوم مقام السعي؛ لأنه نسك ذو عدد لا يتعلق بالبيت، فجاز أن يقوم الدم مقامه، [كالرمي. 8638 - ولأنه نسك يختص بالحرم لا يجب فيه الطهارة: فجاز أن يقوم الدم مقامه]، كالوقوف بالمزدلفة. 8639 - ولأنه نسك في الإحرام، وكان من جنسه ما يقوم مقامه، كالوقوف والطواف. 8640 - احتجوا: بحديث عطاء بن أبي رباح، عن صفية بنت شيبة، عن حبيبة بنت أبي تجراة، إحدى نساء بني عبد الدار، قالت: (دخلت مع نسوة من قريش دار آل أبي حسين ننظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يسعى بين الصفا والمروة، فرأيته يسعى، وإن مئزره ليدور من شدة السعي، حتى لأقول: إني لا أرى ركبتيه وسمعته يقول: (اسعوا، فإن الله كتب عليكم السعي).

8641 - قلنا: مدار هذا الحديث على عبد الله بن المؤمل، قال ابن المنذر: وقد تكلم فيه، فرواه عن صفية بنت شيبة مرة، ومرة يرويه عن امرأة أدركت النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومرة عن نسوة من بني عبد الدار، ومرة عن صفية بنت أبي تجراة، وفي بعض الأخبار حبيبة بنت أبي تجراة، فهذا اضطرب في إسناده، وفي متنه أيضًا؛ لأنها مرة تقول: دخلت دار آل أبي حسين ومرة تقول: كنت في خوخة، وعامة الأخبار فيها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما انتهى إلى السعي قال: (اسعوا، فإن الله كتب عليكم السعي). 8642 - وفي بعض الأخبار عن عطاء بن أبي رباح، قال: حدثتني صفية بنت شيبه عن امرأة، يقال لها حبيبة بنت أبي تجراة، قالت: دخلت دار آل أبي حسين ومعي نسوة من قريش، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يطوف بالبيت، حتى إن ثوبه ليدور به، وهو يقول لأصحابه: اسعوا، فإن الله كتب عليكم السعي)، وهذا يقتضي السعي الذي في الطواف، فهذا اضطراب في المتن، ثم هذه المرأة مجهولة لا تعرف، وكيف يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك لأصحابه: (اسعوا، فإن الله كتب عليكم السعي)، ولا ينقله أحد منهم حتى تنقله امرأة لا تعرف، ولا ينقله عنها إلا امرأة، ثم لو ثبت اقتضى [وجوب السعي في بطن الوادي الذي أشار عليه الصلاة والسلام إليه، وذلك

السعي ليس بواجب بالاتفاق، فإذا سقط وجوب النظر سقط] وجوب ما دل عليه. 8643 - ولأن أكثر ما فيه أنه يدل على الوجوب، وقد بينا أن واجبات الحج تنقسم، فمنها: ما يقوم الدم مقامه، ومنها: ما لا يقوم الدم مقامه، فليس في ثبوت الحج ووجوبه ما يدل على أن الدم لا يقوم مقامه. 8644 - قالوا: مشي ذو عدد، أو مشي متكرر في مكان واحد، فكان ركنًا في الحج، كالطواف. 8645 - قلنا: المعنى في الطواف: أنه متعلق بالبيت، أو يجب له الطهارة، [فلما كان السعي نسكًا متكررًا، أو لا يتعلق بالبيت، أو نسكًا متكررًا لم تجب له الطهارة]، لم يكن ركنًا، كالرمي. 8646 - أو نقول: المعنى في الطواف: أن صحته لا تقف على تقدم ما ليس بواجب عليه، فجاز أن يكون ركنًا، ولما كان صحة السعي موقوفة على تقدم نسك تامة يكون ركنًا وتارة يكون عند ركن لم يكن في نفسه ركنًا. 8647 - ولأن السعي لو كان ركنًا كالطواف، صار أفعال العمرة كلها أركانًا، وكل عبادة لها تحليل وتحريم، فإنها تشتمل: على بعضها ركن وبعضها ليس بركن، كالصلاة وغيرها. ولأن الطواف لما كان ركنًا في الحج يكون من جنسه ما هو واجب ليس بركن، ولما لم يتكرر في الحج سعي ليس بركن، [دل: أنه ليس بركن] 8648 - قالوا: نسك في الحج والعمرة على صفة واحدة، فوجب أن لا ينوب عنه، [الدم، كالإحرام. 8649 - وربما قالوا: نسك يدخل في الحج والعمرة، فوجب أن لا ينوب عنه]؛

أصله: الطواف. 8650 - قالوا: ولا يلزم الحلق؛ لأنه ليس بنسك على أحد القولين، وعلى القول الآخر: لا يقوم مقامه الدم، ولا يتحلل إلا بالحلق أو التقصير. 8651 - قلنا: الإحرام والطواف كل واحد منهما نوع لا يفعل على طريق التبع لغيره، وليس كذلك السعي؛ لأنا بينًا: أنه تابع للطواف، فلم يجز أن يسوي بين التابع والمتبوع؛ ولأن استلام الركن نسك في الحج والعمرة على هيئة واحدة ثم سقط من غير أن يقوم مقامه شيء آخر، فلا يمنع أن يكون هذا نسكًا يدخل في الإحرامين ويقوم مقامه الدم. * ... * ... *

مسألة 471 الحلق نسك يقع به التحلل

مسألة 471 الحلق نسك يقع به التحلل 8652 - قال أصحابنا: الحلق نسك يقع به التحليل من الإحرام. 8653 - وهو أحد قولي الشافعي، وقال في قول آخر: الحلق محظور، وليس بنسك. 8654 - لنا: قوله تعالى: {لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين}، فعبر عن الإحرام بالحلق والتقصير، ولا يعبر عن العبادة إلا بما هو من أفعالها ومقصوده فيها، كقوله تعالى: {وقرآن الفجر}. 8655 - وروى مالك، عن نافع، عن ابن عمر: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: اللهم ارحم المحلقين، قالوا: يا رسول الله والمقصرين؟ [قال: اللهم ارحم المحلقين، قالوا: يا رسول الله والمقصرين؟ قال: اللهم ارحم المحلقين، قالوا: يا رسول الله والمقصرين؟] قال:

اللهم ارحم المقصرين)، والدعاء لا يستحب إلا بفعل مباح. 8656 - فإن قيل: إنما دعا؛ لأن الحلق ترفة، وهو بطانة الطواف. 8657 - قلنا: هذا المعنى لا يوجد في المقصرين، وقد دعا لهم. 8658 - ولأنها عبادة لها تحليل وتحريم، فوجب أن يقع التحليل منها بمعنى محظور عليه فيها، كالصلاة. 8659 - ولأن الإحرام أحد نوعي النسك: فوجب أن يكون فيها واجب ليس بركن لإحرام. ولأن العمرة والحج يتساويان فيما يقع به التحريم: فوجب أن يتساويا فيما وقع به التحليل كالصلاة. ولو قلنا: إن الحج يقع التحليل منه بالرمي، اختلفا فيما يقع به التحليل. 8660 - احتجوا: بأن الحلق فعل حرمه الإحرام ويجب به الفدية، فإذا استباحه وجب أن لا يكون نسكًا؛ أصله: الطيب، واللباس، والاستمتاع. 8661 - قلنا: ليس إذا لم يشرع بعض محظورات العبادة التحلل منها لم يشرع جميعها، كما أن الصلاة وضع للتحليل منها السلام، وهو محظور قبل موضوعه، - ثم لم [يدل ذلك على أن جميع محظوراتها مشروعة للتحلل. 8662 - والمعنى فيما ذكروه: أن الشرع لم] يرد باستحقاق الثواب عليه: فلم يكن نسكًا، ولما ورد الشرع باستحقاق الثواب على الحلق والتقصير:

دل على أنه نسك. 8663 - قالوا: لو كان الحلق نسكًا، كان إذا فعله قبل وقته: لا يوجب الفدية ولكان لا يعتد به كسائر المناسك، وكنسك أفعال الصلاة إذا قدمها على موضعها، إما أن يفسدها، أو لا يجب الجبران. 8664 - قلنا: سائر المناسك الحظر فيها قبل وقتها، فأما الحلق فهو محظور قبل وقته، فإذا فعله: [تعلق به الجبران، وأما الصلاة] فقد حظر [فيها فعل ما ليس منها، أو فعل ما هو منها قبل وقته]، فإذا فعله: وجب الجبران. * ... * ... *

مسألة 472 مقدار الحلق الذي يقع به التحليل

مسألة 472 مقدار الحلق الذي يقع به التحليل 8665 - قال أصحابنا: لا يقع التحليل بحلق أقل من ربع الرأس. 8666 - وقال الشافعي على القول الذي يقول: إن الحلق نسك، إذا حلق ثلاث شعرات، أجزأه. 8667 - لنا: قوله عليه الصلاة والسلام: (أول نسكنا في هذا اليوم الرمي، ثم الذبح، ثم الحلق). 8668 - وقد روي: أنه قال لأصحابه: (اذبحوا واحلقوا)، وإطلاق اسم الحلق لا يتناول ثلاث شعرات.

8669 - ولأنه قدر لو غطاه المسلم من رأسه: لم يجب به الدم، فلا يقع التحليل بحلقه، أصله: الشعرتان. 8670 - ولأنه حكم يتعلق بالرأس: فلا يتعلق بثلاث شعرات، أصله [الموضحة، والمسح. 8671 - ولأن كل حكم لا يتعلق بحلق الرأس، لا يتعلق بثلاث شعرات؛ أصله]: وجوب الدمين. 8672 - ولا يقال: المعنى فيه: أنه لا تعلق بحلق الربع؛ لأن عندنا يجب على القارن بحلق ربع رأسه دمان. 8673 - ولم يذكروا في هذه المسألة ما يجوز؛ لأنه أصلية؛ لأنهم قالوا: إن اسم الحلق يقع على هذا، وهذا موضع لا نسلمه، اللهم إلا أن يقولوا قوله تعالى: {محلقين رءوسكم ومقصرين} المراد به: شعر رءوسكم، فيجب أن يحلق ما هو جميع. 8674 - قلنا: إذا أضاف النكرة، تعرفت بالإضافة، وكأنه قال: جميع شعر رءوسكم، فيقتضي ذلك وجوب الجميع إلا ما منع منه مانع. * ... * ... *

مسألة 473

مسألة 473 8675 - قال أصحابنا: من لم يكن على رأسه شعر، له أن يجري الموسى على رأسه. 8676 - وقال الشافعي: إن كان على رأسه ولو شعرة لزمه حلقها أو نتفها، وإن لم يكن فليس عليه إمرار الموسى. 8677 - لنا: ما روى ابن عمر - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في المحرم) إذا حضره وجوب الحلق أو التقصير وليس على رأسه شعر، أجرى الموسى على رأسه). 8678 - وقولهم: إنه موقوف على ابن عمر: فقد رواه الدارقطني مسندًا، ولو ثبت أنه موقوف: فلا يعرف لابن عمر في ذلك مخالف. 8679 - فإن قيل: نحمله على من بقي على رأسه شعرات؛ لأن في العادة لابد أن يبقى.

8680 - قلنا: ذلك حلق وإجراء والحلق يقتضي وجوب الإجراء. 8681 - ولأن كل قربة تتعلق بشعر الرأس عند وجوده، تتعلق بالبشرة حال عدمه كالمسح. 8682 - فإن قيل: المسح يتعلق بالبشرة لا بالشعر، بدلالة: أنه لو أجرى على موضع الحلق وهنالك شعر عدل عنه، لم يجز. 8683 - قلنا: الحكم الذي يؤيده في الأصل الجواز، وهو حكم يتعلق بالشعر عند وجوده، بدلالة: [أنه لو مسح على الشعر] وبعض رأسه أصلع، جاز. 8684 - وهذا الحكم الذي هو الجواز تعلق بالبشرة إذا عدم الشعر، ويؤيد الحكم في الفرع الوجوب، وهو حكم متعلق بالشعر، فوجب أن يتعلق بالبشرة إذا عدم الشعر. 8685 - ولأنه محرم، فلا يتحلل إلا بالحلق، أو ما يقوم مقامه، كمن على رأسه شعر. 8686 - ولأنها عبادة يجب بإفسادها الكفارة، فجاز أن يؤمر بالسنة ببعض أفعالها، كالصوم 8687 - احتجوا: بأنه فرض يتعلق بجزء من بدنه، فإذا عدم الجزء: وجب أن يسقط الفرض؛ [أصله: إذا قطع عضو من أعضاء الطهارة. 8688 - قلنا: هناك زال ما يتعلق به الفرض]: فلم يبق له محل، أما هنا ما يتعلق به الفرض باق: فتعلق الفرض بالمحل، كمن ستر جلده في موضع الطهارة،

فإنه يتعلق الفرض بمحل الجلد. 8689 - قالوا: الشعر محرم أخذه في أثناء الإحرام، ويجب أخذه في آخره، فإذا حرمناه، لم يقم إمرار الموسى من غير حلق مقامه في [التحريم، وكذلك إذا أوجبناه، وجب أن لا يلزم إمرار الموسى من يأمر حلق مقامه في] الوجوب. 8690 - قلنا: لا نسلم أن المحرم أبيح له إجراء الموسى في حال الإحرام إذا كان أصلعًا بل يحرم ذلك عليه. 8691 - فإن قيل: لا يلزمه به فدية. 8692 - قلنا: لأنها تتعلق بالترفه الذي يحصل بالحلق أو يتعلق بإتلاف الشعر، وهذا لا يوجد في إمرار الموسى. * ... * ... *

مسألة 474 طواف القارن وسعيه

مسألة 474 طواف القارن وسعيه 8693 - قال أصحابنا: القارن يطوف طوافين ويسعى سعيين. 8694 - وقال الشافعي: طوافًا (واحدًا)، وسعيًا (واحدًا). 8695 - لنا: قوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله}، والحج يشتمل على أفعال معروفة، والعمرة كذلك فإتمامهما أن يستوفي أفعالهما والأمر على الوجوب.

8696 - فإن قيل: روى عن عمر، وعلي: (إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك). 8697 - قلنا: ذكرا ما لا يدل ظاهر الآية عليه، وسكتا عما يدل عليه الظاهر من الإتمام، ويدل عليه: ما روى عمر، وعلي، وابن مسعود، وعمران بن الحصين: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرن بين الحج والعمرة، فطاف لهما طوافين وسعى سعيين). 8698 - قالوا: ذكر الدارقطني أن حديث علي، يرويه حفص بن أبي داود، وهو ضعيف، وابن أبي ليلى ردئ الحفظ. 8699 - قلنا: حفص بن أبي داود، وهو حفص بن سليمان المقرئ، إمام القراء، قال يحيى بن معين: ثقة؛ فلا يلتفت إلى طعن الدارقطني معه، فأما ابن أبي ليلى: فهو فقيه ثقة، يروي أصحابنا عنه.

8700 - قال الدارقطني في حديث عمران بن الحصين: رواه محمد بن يحيى الأزدي من حفظه، فوهم فيه، والصواب بهذا الإسناد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرن الحج والعمرة، وقد حدث به محمد بن يحيى الأزدي على الصواب. 8701 - قلنا: هذا حديث صحيح، فلما لم يجد طريقًا يطعن به في رجاله جاء بشيء من عنده ليس بطعن، فإنه ذكر: أنه رواه مرة بهذه الزيادة، وسكت عنها مرة. 8702 - وهذه رواية بعض الحديث تارة، وتمامه أخرى، والحديث إسناده أحسن إسناد روي في هذا الباب؛ لأنه يرويه شعبة، عن حميد بن هلال، عن مطرف، عن عمران بن الحصين، وهذا إسناد لا مزيد عليه. 8703 - فإن قيل: فعله عليه الصلاة والسلام لا يدل على الوجوب. 8704 - قلنا: فعله ورد مورد البيان؛ لأن القرآن مجمل. 8705 - ولأنه إنما يصح هذا السؤال لو كان عندهم مخيرًا بين الأمرين، فأما الطواف والسعي، فلا يجوز أن ينتقل به، فمن فعله لم يقع فعله إلا واجبًا. 8706 - قالوا: قرن بمعنى: أتى بأحد الإحرامين بعد الآخر. 8707 - قلنا: اسم القران في الشرع موضوع للجمع بين الإحرامين، فلم يجز حمل الاسم على ما لم يوضع له في الشرع. 8708 - ولأنه محرم بالحج والعمرة، فوجب أن يلزمه لكل واحد منهما طواف وسعي مفرد، كالتمتع. 8709 - ولأنه أحد نوعي التمتع، فكان فيه طوافان ركنان، كالتمتع الآخر.

8710 - واحتج محمد بن الحسن، فقال: هذا القول يوجب أن يحرم الإنسان بعبادة، ولا يعمل لها عملاً حتى يتحلل منها، ثم يأتي بأفعالها، وهذا لا يصح كسائر العبادات، يبين ذلك: أنه يحرم بالعمرة ثم يحلل منها، ويقع في أعمالها بعد التحلل، وهذا الطواف والسعي. 8711 - ولأن بقاء طواف العمرة يمنع التحلل، [وبقاء طواف الحج لا يمنع التحلل، فلو قام طواف الحج مقام طواف العمرة: لم يصح التحلل] من الطيب والمخيط. 8712 - ولأن الوطء متى حصل في العمرة قبل الطواف أفسدها، والوطء قبل طواف الحج لا يفسده، فلما اختلف وقت الطوافين وحكمهما: لم يقم أحدهما مقام الآخر. 8713 - فإن قيل: هذه الأحكام تثبت للعمرة إذا انفردت، فإذا أتى الحج، صارت تبعًا، فتعين ترتيبها الذي ثبت لها في حال الانفراد، وصار الحكم لترتيب المتبوع، كما نقول في الوضوء والغسل، إذا اجتمعا، تداخلا، وسقط ترتيب الوضوء. 8714 - قلنا: عندكم لا يتبع أحد الإحرامين، فلم يقع الطواف والسعي للعمرة كما يقع للحجة، وإذا لم يتبع أحدهما، لم يجز أن يتعين ترتيبهما. 8715 - وأما الوضوء فيسقط مع الغسل، وتسقط أحكامه لسقوطه. 8716 - ولأن القران جمع الحج إلى العمرة، فإذا لم يتعين ترتيب أفعال أحدهما بالجمع، كذلك لا يتعين ترتيب أفعال الآخر. 8717 - ولأن كل ما اسقط به وجوب الحج والعمرة، كان الركن فيها طوافين، أصله: الإفراد. 8718 - وهذه المسألة مبنية على: أن القارن إذا وقف بعرفات قبل أن يطوف: صار رافضًا العمرة، فلا يجوز أن يقوم طواف الحج مقام العمرة التي قد بطلت.

8719 - احتجوا: بما روى سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، عن عائشة [رضي الله عنها] (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها: طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة يكفيك لحجتك وعمرتك). 8720 - قلنا: عائشة رضي الله عنها كانت مفردة بالحج؛ بدلالة: أنها لما حاضت (أمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تنقض رأسها، وتمتشط، وترفض العمرة، وتقصر الرأس)، والامتشاط يمنع منه الإحرام، وأنه لا يخلو من قطع الشعر، يبين ذلك: أنه لو لم يكن الرفض، لم يكن للأمر معنى. 8721 - ولا يقال: قوله: (ارفضي عنك العمرة) بمعنى أخري أفعالها؛ لأن هذا ليس [برفض ولا يقال: قد قال الشافعي: لا يعرف في الشرع رفض العمرة بالحيض]. 8722 - قلنا: ما رفضت بالحيض، لكنها أفعالها تعددت وأرادت الإحرام بالحج، وكانت تصير رافضة بالوقوف، وأمرها بتعجيل الرفض، حتى لا تدخل في الوقوع لوقوع الرفض. 8723 - فإن قيل: لو كان كذلك، لأمرها بالقضاء من الميقات، وأمرها بالدم. 8724 - قلنا: لا يجب القضاء عندنا من الميقات، وأما الذبح: (فقد ذبح النبي - صلى الله عليه وسلم - عن نسائه في ذلك العام)؛ فإذا قد ذبح عنها.

8725 - فإن قيل: روى الليث، عن أبي الزبير، عن جابر، القصة بطولها، وذكر فيها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على عائشة يوم التروية، فوجدها تبكي، فقال: ما شأنك؟ فقالت: شأني قد حضت، وقد حل الناس ولم أحلل، ولم أطف بالبيت، والناس يذهبون إلى البيت الآن وإلى الحج. فقال عليه الصلاة والسلام: فإن هذا أمر كتبه الله تعالى على بنات آدم فاغتسلي، ثم أهلي بالحج، ففعلت، ووقفت المواقف حتى إذا طهرت طافت بالكعبة وبالصفا والمروة، ثم قال: (قد حللت من حجك وعمرتك جميعًا، فقالت: يا رسول الله إني أجد من نفسي أني لم أطف بالبيت حتى حججت، قال: فاذهب بها يا عبد الرحمن فأعمرها من التنعيم وذلك ليلة الحصبة)، فلم يذكر هذا الحديث للرفض، وذكر التحليل بالطواف منهما. 8726 - قلنا: قد روى هذا الحديث عطاء بن أبي رباح، عن جابر، وخالف أبا الزبير فيه، فقال: (لما طهرت وأفاضت، قالت: يا رسول الله أتنطلقون بحجة وعمرة، وأنطلق بالحج، فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر: أن يخرج معها إلى التنعيم، فاعتمرت بعد الحج في ذي الحجة)، وهذا يدل على رفضها لعمرتها، حتى قالت: (ارجع بحجة واحدة، فإذا ثبت أنها رفضت عمرتها، فقوله عليه الصلاة والسلام) طوافك بالبيت يكفيك بحجك وعمرتك)، يعني: لعمرتك المرفوضة، فإنه لا

يجب للرفض طواف. 8727 - ويحتمل: طوافك بحجك وعمرتك في الثواب، فجعل ثواب هذا الطواف/ والسعي كطواف الحج وثواب طواف العمرة؛ لأنها قصدت النسكين، [وإنما رفضت بغير اختيارها. 8728 - فإن قيل: قولها (أكل نسائك يرجعن بنسكين)، يعني نسكين] مفردين: لم يصح؛ لأنا قد روينا: أنها أحرقت بحجة وعمرة وإنما أرجع بحج. 8729 - قالوا: روى مالك عن ابن عمر - رضي الله عنهم -: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من أحرم بالحج والعمرة أجزأه طواف، وسعي واحد، ولا يحل من واحد منهما حتى يحل منهما جميعًا). 8730 - قلنا: هذا الحديث رواه عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر. 8731 - وقد أجمع أهل العلم بالحديث، على أن حديث الدراوردي مضطرب، ولا يحتج به، ولا يلتفت إليه. 8732 - وقد روي هذا الحديث من لا طعن في روايته من أصحاب عبيد الله بن

هشيم، وأوقفه على ابن عمر. 8733 - وقول ابن عمر ليس بحجة؛ لأنه خالفه علي، وابن مسعود، وعمران ابن الحصين، ثم لو ثبت، احتمل أن يكون طوافًا على صفة واحدة، وسعيًا على صفة واحدة، كما تقول: (أكرمتكما إكرامًا واحدًا، وخلع الأمير على فلان خلعة واحدة، معناه: أنها واحدة في الصفة والمقدار وإن كانت أكثر من واحدة في العدد. 8734 - ولأن طواف القارن يتأخر عن التحلل، والنبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر طوافًا وسعيًا يتقدم على التحلل، وذلك طواف القدوم، وعندنا لا يجب على القارن إلا واحد للقدوم. 8735 - فإن قيل: ذلك الطواف للحج، والنبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر طوافًا لهما. 8736 - قلنا: يجوز أن يقول لهما ويريد أحدهما، كقوله تعالى {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان}. 8737 - احتجوا: بقوله عليه الصلاة والسلام: (أدخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة). 8738 - قلنا: يحتمل أنه أراد: أنه دخل وجوبها في وجوب الحج، ويحتمل: دخل وقت العمرة في وقت الحج؛ لأن المشركين كانوا لا يرون العمرة في أشهر الحج. 8739 - ويجوز أن يذكر العمرة والحج ويريد وقتهما، كما قال تعالى: {الحج أشهر معلومات}، معناه: وقت الحج أشهر، فلا يجوز أن يكون المراد به: دخل

أفعال العمرة في أفعال الحج؛ لأن الطواف يقع لهما، فليس بأن يقال: دخلت العمرة في الحج بأولى من أن يقال: دخلت الحجة والعمرة. 8740 - قالوا: يكفيه حلق واحد، فوجب أن يكفيه طواف واحد وسعي واحد، كالمفرد للحج والعمرة. 8741 - قلنا: المتمتع إذا ساق الهدي لا يجوز عندنا أن يتحلل إلى يوم النحر، وعندهم إن أحرم بالحج ولم يتحلل، كفاه حلق واحد، ولم يكفه طواف واحد. 8742 - ولأن الحلق إنما تداخل للضرورة؛ بدلالة: أنه إذا حلق عند فراغه من العمرة صار جنسًا في إحرام الحج، فلم يكن بد من، تأخر الحلق، حتى يصح التحلل منهما، وإذا حلق تحلل من كل واحدة من العبادتين، فالحلق الثاني لا يقع به التحلل، فلذلك لم يؤمر به. 8743 - وأما الطواف: فإنه إذا طاف للعمرة لم يصر جانيًا في إحرام الحج، فلم يكن بنا ضرورة إلى التداخل. 8744 - والمعنى في المفرد: أنه يكتفي بنية واحدة، فكفاه طواف واحد، والقارن يلزمه نيتان، فلزمه طوافان، كالمتمتع. 8745 - قالوا: نسك من كل واحد من النسكين، فوجب أن يكتفي القارن بواحد منهما، كالحلق. 8746 - قلنا: المعنى في الحلق: أن وقت الإحرامين وقت واحد، فلذلك جاز أن يقع فيه التداخل، ووقت طواف العمرة [غير طواف الحج، ووقت طواف الحج] غير وقت طواف العمرة، بدلالة ما قدمنا، فلما اختلف وقتهما لم يتداخلا. 8747 - ولأن الحلق خروج من العبادتين بفعل واحد، كما يخرج بالأقل من الصلاة والصوم، ولم يوجب ذلك تداخل أفعالهما.

8748 - ولأن الحلق اختلف في كونه نسكًا، فضعف حكمه، فتداخل، والطواف أجمع على كونه ركنًا، فقوي حكمه، فلم يتداخل. 8749 - قالوا: القارن يكتفي بقطع مسافة واحدة لهما، وإذا أفرد افتقر إلى قطع مسافتين، ويقتصر على إحرام واحد [وحلق واحد]، فثبت أنه على التداخل. 8750 - قلنا: لو أفرد لم يحتج إلى قطع مسافتين؛ لأنه يحرم بالعمرة من الميقات، وبالحج من مكة، فإذا اجتمع قدم إحرام الحج، فلم يتداخل بالمسافة. 8751 - وأما الإحرام: فعندنا لا يتداخل، وإنما يحرم بإحرامين؛ لأن قوله: (لبيك بحجة وعمرة) اختصار، وتقديره: لبيك بعمرة ولبيك بحجة، فهو كقوله: رأيت الزيدين معناه: رايت زيدًا، ورأيت زيدًا، وإنما اختصرت كذلك التلبية. 8752 - ولأن التلبية إجابة دعوة إبراهيم - عليه السلام -، ويصح أن يجيب لجماعة بلفظ واحد عن شيئين استدعاهما منه. 8753 - على: أن القارن قد يأتي بإحرامين بالاتفاق، وإن أحرم بالعمرة ثم أدخل الحج عليها. ومع هذا لم يلزمه عندهم إلا طواف واحد؛ فلو كان التداخل كما ذكروه، لاحتاج ههنا إلى طوافين. 8754 - وأما الحلق فقد بينا: أنا تداخله ضرورة، وهذه الضرورة لا توجد في الطواف. 8755 - قالوا: ولو لم يكن على التداخل، لما صح أن يتلبس بهما: ألا ترى: أن الصلاتين لما لم تتداخلا، لم يصح أن يتلبس بهما معًا، كذلك الصوم والصلاة معًا، فلما ثبت أنه يتلبس بهما، دل على أنهما يتداخلان، كما قلنا في الوضوء والغسل. 8756 - قلنا: هذا دليل العكس، ومخالفنا لا يقول به، ثم هذا هو الدليل عليه؛ لأن الأمة اجتمعت على أن المضي في حجتين أو عمرتين لا يصح، وإن اختلفوا في

انعقادهما. 8757 - وإنما لم يصح المضي؛ لأنه لو صح: تداخلت الأفعال، فوقع الوقوف عن الحجتين، والطواف عن العمرتين، ثم لا يصح ذلك، على أن موجب الجمع أن لا يتداخلا بخلاف ما نحن فيه. ولهذه العلة نقول: إنه لا يصح الدخول في ظهر وعصر، وفرض ونفل؛ لأنه لو صح الدخول فيهما: تداخلت أفعالهما؛ لأن القيام والقراءة لكل واحد من الصلاتين ينعقد بالتحريم، فركوعهما يتعقب القيام، ولهذا نقول لو أتى ينوي الصلاة والحج، دخل بالتلبية فيهما جميعًا؛ لأن أفعالهما لا تتداخل. * ... * ... *

مسألة 475 لا يجوز الجمع بين الظهر والعصر بعرفة إلا مع الإمام

مسألة 475 لا يجوز الجمع بين الظهر والعصر بعرفة إلا مع الإمام 8758 - قال أبو حنيفة: لا يجوز الجمع بين الظهر والعصر بعرفة، إلا مع الإمام، ويجوز للمقيم والمسافر مع الإمام. 8759 - وقال الشافعي: يُجمع بينهما مع الإمام ومفردًا، فأما إذا لم يكن مسافرًا سفرًا صحيحًا؛ ففيه قولان. 8760 - لنا: أن فرض العصر ثبت في وقتها بالإجماع، ولا يجوز إسقاطها أو إسقاط فرضها إلا بمثله. 8761 - وقد أجمعوا: أنه إذا جمع مع الإمام جاز، واختلفوا فيه إذا انفرد، فلم يجز إسقاط فرض الوقت إلا باليقين. 8762 - ولأنها صلاة يدخل وقتها بالزوال؛ فجاز أن يشترط فيه الإمام، كالجمعة. 8763 - ولأن الظهر والعصر كل واحد منهما فرض نهار مقصود، فجاز أن يشترط

فيه الإمام، كالجمعة. 8764 - ولأنه جمع بين صلاتي عرفة بغير إذن الإمام، كما لو صلاهما بنية مطلقة. 8765 - ولأن الصلاة على هذه الصفة اختصت بمكان وزمان في الشرع، فكان الإحرام شرطًا فيها، كالجمعة. 8766 - والدليل على أن الإمام يجمع المسافر والمقيم: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع بينهما، ولم يأمر أهل مكة أن يصلوا كل واحدة في وقتها)، ولو خالف حالهم فيها حاله لبين لهم، كما بين لهم وجوب الإتمام، كقوله عليه الصلاة والسلام: (أتموا صلاتكم، فإنا قوم سفر). 8767 - ولأن كل جمع لا يجوز للمقيم لا يجوز للمسافر، كالجمع بين الفجر والظهر. 8768 - ولأنه يحرم بالحج، فجاز له الجمع، كالمسافر. 8769 - احتجوا: بما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أنه جمع بينهما مع الإمام على الانفراد)، ولا مخالف له. 8770 - قلنا: يجوز أن يكون لأجل السفر، وخلافًا للجمع المتعلق بإحرام الحج دون السفر. 8771 - قالوا: كل صلاتين جاز الجمع بينهما بإمام، جاز بغير إمام، كالمزدلفة. 8772 - قلنا: هذا لا يسقط فرضًا من فروضها؛ لأن المغرب قد مضى وقتها

والعشاء في وقتها، فلما لم يُسقط فرضًا من فورضها؛ لم يفتقر إلى الإمام، وفي مسألتنا: سقط فرض من فروضها، وهو الوقت، فافتقر إلى الإمام، كالجمعة. 8773 - قالوا: كل صلاتين جازتا مع الإمام على صفة، جازتا منفردتين على تلك الصفة، كالمنفرد. 8774 - قلنا: لا يمتنع أن يجوز مع الإمام من الصلاة ما لا يجوز مع الانفراد، كالجمعة، والمعنى في الصلاة المنفردة: أنه لم يسقط فرض من فروضها، فلم يفتقر إلى الإمام، وفي مسألتنا بخلافه. * ... * ... *

مسألة 476 لا يجوز الجمع إلا لمحرم بالحج

مسألة 476 لا يجوز الجمع إلا لمحرم بالحج 8775 - قال أصحابنا: لا يجوز الجمع إلا لمحرم بالحج. 8776 - وقال الشافعي: يجوز للمحرم، والمحل بالعمرة إذا كان مسافرًا. 8777 - وهذه المسألة مبنية على: أن الجمع بين الصلاتين لأجل السفر لا يجوز. 8778 - ولأنهما صلاتا فرض؛ فلا يجوز الجمع بينهما في وقت إحداهما لغير الحاج، كالعشاء والفجر. 8779 - ولأن كل جمع لا يجوز للمقيم لا يجوز للمسافر، كالفجر والظهر. 8780 - قالوا: كل مسافر جاز له القصر، جاز له الجمع، كالمحرم. 8781 - قلنا: المحرم يجوز له الجمع ليصل الوقوف والدعاء من غير فصل، وهذا لا يوجد في المحرم بالعمرة. * ... * ... *

مسألة 477 إذا أفاض من عرفة قبل غروب الشمس فعليه دم

مسألة 477 إذا أفاض من عرفة قبل غروب الشمس فعليه دم 8782 - قال أصحابنا: إذا أفاض من عرفة قبل غروب الشمس: فعليه دم. فإن عاد والإمام واقف فوقف معه: سقط عنه الدم. وإن عاد بعد مجاوزة الإمام عرفة: يسقط عنه الدم في إحدى الروايتين. 8783 - وذكر ابن شجاع عن أصحابنا: أنه يشقط. فمن أصحابنا من قال: إن الركن هو جزء من وقوف، نهارًا أو ليلاً، فإن عينه بالنهار فجزء من الليل واجب. 8784 - ومن أصحابنا من قال: استدامة الوقوف إلى الليل أحب. 8785 - وقال الشافعي في القديم، والأم: إذا دفع قبل غروب الشمس: فعليه دم. 8786 - وقال في الإملاء: يستحب له الهدي، ولا يجب عليه.

8787 - والدليل على وجوب الوقوف في جزء من الليل: ما روي في حديث محمد بن قيس بن مخرمة: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وهو بعرفة: أيها الناس، إن هذا يوم الحج الأكبر، وإن أهل الجاهلية كانوا يفيضون من عرفات قبل أن تغيب الشمس حتى تعمم على رؤوس الجبال، كأنها عمائم الرجال في وجوههم، فلا تعجلوا، فإنا ندفع بعد غيوبها، هدينا يخالف هدي أهل الشرك والأوثان). 8788 - ولأن (النبي - صلى الله عليه وسلم - وقف إلى غروب الشمس ثم دفع)، وفعله بيان.

8789 - ولأن الحج يشتمل على أركان وغير أركان، فإذا كان في غير الأركان، كما يختص الليل وهي البيتوتة ليلة المزدلفة وليالي منى، وجب أن يكون في الأركان، كما يختص الليل أيضًا. 8790 - ولأنه أحد الزمانين، فوجب فيه الوقوف، كالآخر. 8791 - والدليل على الطريقة الأخرى: وهو أن المداومة واجبة، أن ما ترتب على ركن في الحج كان واجبًا، كالسعي. 8792 - ولأنه ركن في الإحرام، فوجب امتداده، كالطواف. 8793 - وإذا ثبت وجوب الوقوف ليلاً، أو وجوب المداومة إلى الليل، فإذا ترك ذلك: لزمه دم؛ لحديث ابن عباس - رضي الله عنه -: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من ترك نسكًا فعليه دم). 8794 - ولأنه ركن من أركان الحج، فجاز أن يجب الدم متى أخل به في المكان المأمور به فيه، كالإحرام إذا تجاوز به الوقت. 8795 - ولأنه دم مأمور بإراقته لترك فعل في الإحرام، فكان واجبًا، كدم المأمور به لترك الإحرام في الوقت، وترك الرمي. 8796 - احتجوا: بأن الوقوف شرع نهارًا، والليل تابع، فإذا كان من وقف ليلاً لم يدرك النهار، لم يلزمه شيء، فإذا ترك الليل ووقف النهار أولى أن لا يجب. 8797 - قلنا: الركن إما أن يقف بالنهار أو الليل، والواجب جزء من الليل، فإذا وقف نهارًا، فقد فعل الركن وترك الواجب، وإذا وقف ليلاً، فالجزء الأول هو الركن، والثاني هو الواجب، فقد أتى بالأمرين. 8798 - تبين الفرق بينهما: أنه يُستحب الدم عندهم في مسألتنا، فلا يُستحب عندهم إذا وقف ليلاً، فكل فرق يفرقون في معنى الاستحباب، فهو فرقنا في الوجوب.

8799 - قالوا: دفع من موقف قبل الإمام، كما لو دفع من مزدلفة قبل الإمام. 8800 - قلنا: لا فرق بينهما؛ لأنه لو دفع من عرفة قبل الإمام وقد وقف حتى غربت الشمس، لم يجب عليه شيء؛ لأنه فعل الوقوف الواجب، وكذلك إذا وقف بمزدلفة بعد الفجر ثم دفع قبل الإمام، فقد دفع بعد الوقوف فالواجب لا يلزمه شيء، وإن أفاض قبل غروب الشمس، فعليه دم؛ لأنه ترك وقوفًا واجبًا، فهو كما لو دفع من المزدلفة قبل وقت الوقوف بالمزدلفة، يقوم الدم مقام جميعه، فلا يجوز أن يقوم مقامه شبه الدم منه، والوقوف بعرفة لا يقوم الدم مقامه، فجاز أن يقوم مقامه شبه الدفع منه. * ... * ... *

مسألة 478 يجمع بين المغرب والعشاء بأذان وإقامة

مسألة 478 يجمع بين المغرب والعشاء بأذان وإقامة 8801 - قال أصحابنا: يجمع بين المغرب والعشاء بأذان وإقامة. 8802 - وقال الشافعي في القديم: بأذان وإقامتين، وقال في الجديد: يجمع بينهما بإقامتين من غير أذان. 8803 - لنا: ما روى الزهري، عن سالم، عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع بينهما بإقامة واحدة)، وهذا خلاف قرانه، ذكر هذا أبو داود عن مسدد.

8804 - وذكر أبو الأحوص قال: حدثنا أشعث بن سليم، عن أبيه، قال: أقبلت مع ابن عمر من عرفات إلى المزدلفة، فلم يكن يفتر من التكبير والتهليل، حتى أتيت المزدلفة، فأذَّن وأقام، فصلى بنا المغرب ثلاث ركعات، ثم التفت إلينا، فقال: الصلاة، فصلى بنا العشاء ركعتين، قال: وأخبرني علاج بن عمرو بمثل هذا الحديث أي حديث ابن عمر، فقيل لابن عمر في ذلك، فقال: (صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - هكذا). 8805 - وروى أبو أيوب: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بنا المغرب والعشاء بالمزدلفة بأذان وإقامة). 8806 - وروي سعيد بن جبير قال: (أفضنا مع عبد الله بن عمر من عرفات، فصلى بنا المغرب والعشاء بإقامة واحدة، والتفت إلينا، فقال: هكذا صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -). 8807 - ولأنه جمع بين الصلاتين في وقت إحداهما، فوجب أن يؤديهما كصلاتي عرفة. 8808 - ولأنه وقت يجمع صلاتين: شفع ووتر؛ فوجب أن يؤذن فيه، كالعشاء والوتر. 8809 - ولأن الثانية مفعولة في وقتها، فإذا لم تفرد بالأذان لم تفرد بالإقامة، كالوتر.

8810 - احتجوا: بحديث ابن عمر رضي الله عنهما (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة بإقامتين). 8811 - قلنا: قد ذكر أبو داود عنه إقامة واحدة، ورواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قولاً وفعلاً مفردًا، فإن ثبت ما قالوه عنه فيريد به أذانًا وإقامة، ويكون قد سمى الأذان إقامة، كما يسمى الإقامة أذانًا؛ قال عليه الصلاة والسلام: (بين كل أذانين صلاة)، أي: بين كل أذان وإقامة. 8812 - قالوا: روى جابر - رضي الله عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة بأذان وإقامتين لم يسبح بينهما). 8813 - قلنا: قد عارضه حديث أبي أيوب، وابن عمر، ورواية الاثنين أولى، وقد وافق حديث ابن عمر عمل الصحابة. روى أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن أبي جعفر، قال: (اتفق علي وعبد الله بن مسعود: أن صلاة الجمع بأذان وإقامة)، وروي الأسود، عن عمر بن الخطاب مثله، وقد بينًا ذلك من فعل

ابن عمر، ومتى تعارض عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خبران، كان الذي وافقه عمل الصحابة لي، أو عمل السلف منهما أولى. 8814 - قالوا: صلاتان مفعولتان في وقت إحداهما؛ فوجب أن يكون بأذان وإقامتين، كصلاتي عرفة. 8815 - قلنا: الثانية هناك مقدمة على وقتها، فاحتاجت إلى إعلام نيته بها على تقديمها، وفي مسألتنا: الثانية مفعولة في وقتها؛ فلم يحتج إلى تجديد إعلام لها، والحال حال التخفيف، فما كان أقرب إليه، كان أولى. 8816 - وفرق آخر: وهو أن الظهر بعرفة يصليها وهو مسافر، ثم ركعتين يقدم إلى العصر بعدها، فلو لم يقم، لظن الناس أنه يتم الظهر، واختلطن صلاتهم، وهذا المعنى لا يوجد في مسألتنا؛ لأنه يصلي المغرب صلاة الإقامة، فإذا قام بعدها إلى الصلاة لم يشكل أنه يصلي الصلاة الثانية، فلم يحتج إلى الإقامة. * ... * ... *

مسألة 479 إذا صلى المغرب بعرفة أو في طريق المزدلفة لم يجز

مسألة 479 إذا صلى المغرب بعرفة أو في طريق المزدلفة لم يجز 8817 - قال أبو حنيفة: إذا صلى المغرب بعرفة أو في طريق المزدلفة، لم يجز، إلا أن يخاف طلوع الفجر، فيصليها قبل المزدلفة، ولا يلزمه الإعادة، فإن صلى بعرفة فعليه الإعادة، وإن طلع الفجر أجزأ عنه في رواية الأصل. 8818 - وذكر أبو الحسن في الجامع: أنه لا يجزيه، وإن طلع الفجر. قال في الأصل: إن صلاها بعد نصف الليل، أجزأه. 8819 - وقال الشافعي: يجوز أن يصلي بعرفة، وفي الطريق. 8820 - والدليل على اختصاص هذه الصلاة بالمزدلفة: ما روى أسامة بن زيد: (أنه عليه الصلاة والسلام دفع من عرفات، وكنت رديفه، فلما أتى الشعب فنزل فبال وتوضأ

ولم يسبغ الوضوء، فقلت: يا رسول الله، الصلاة، فقال: (الصلاة أمامك). وفي حديث موسى بن عقبة: (المصلى أمامك). ومعلوم: أن هذه اللفظة صورة الخبر، والمراد به: الأمر، لاستحالة أن يوجد خبره بخلاف ما أخبر به، ولو حملناه على الخبر لاقتضى أن الصلاة لا يعتد بها في ذلك المكان. 8821 - ولا يحمل على استحباب الصلاة؛/ لأن اللفظ إن كان خبرًا، اقتضى أن الصلاة لا توجد قبل المزدلفة، وإن كان أمرًا؛ فهو على الوجوب. 8822 - فقد قيل: إن قوله: (الصلاة أمامك) يحتمل وقت الصلاة؛ لأن الصلاة يعبر بها عن وقت، ويحتمل مكان الصلاة؛ لأن ذلك يسمى صلاة، قال الله تعالى: {وصلوات ومساجد}. 8823 - ولأنها عبادة أمر بتأخيرها إلى مكان بعد دخول وقتها؛ فكان فعلها فيه واجبًا، كرمي الجمار. 8824 - ولأنها عبادة لها تحليل وتحريم؛ فكان فيها ما يختص بمكان، كالحج. 8825 - ولأنها قربة مشروع فعلها في مكان بعينه في حال النسك؛ فصار كسائر المناسك. 8826 - ولأنها صلاة أمر بأدائها بعد السفر، فلم يجز قبله؛ أصله العشاء والعتمة. 8827 - احتجوا: بأن كل ما كان وقتًا لفعل صلاة الفريضة في غير النسك، كان وقتًا لغيرها في النسك، أصله سائر الأوقات للصلاة.

8828 - قلنا: هو وقت لها؛ بدلالة: أن من وصل إلى مزدلفة قبل غيبوبة الشفق فصلى المغرب: جاز، ولكن من شروطها: المكان، فإذا صلاها في وقتها من غير كمال شيء أبطلها لم يجز. 8829 - قالوا: صلاتي جمع، فجاز فعلها في وقتها، أصله صلاة عرفة. 8830 - قلنا: بموجبها؛ لأن عندنا يجوز صلاة المغرب في وقتها، وهو إذا وصل إلى المزدلفة. 8831 - قالوا: كل مكان يجوز أن يصلي فيه المغرب في نصف الليل أو بعد نصف الليل، جاز قبله. أصله: سائر الأماكن. 8832 - قلنا: لا نسلم هذا على إحدى الروايتين، وإن سلمنا فلأن التأخير وقت الجمع عن كراهة، فجاز فعلها. 8833 - ولأنه مأمور بترك هذه الصلاة بفعل صلاة يختص بمكان هو أولى منها. 8834 - وإذا فعل المأمور بتأخيرها، كان مأمورًا ببعضها بفعل الأولى، فإن لم يفعل حتى يجاوز الوقت؛ أجزأت الأولى، كما في وقت الظهر والجمعة، فإذا تقرر هذا، فمتى يجاوز نصف الليل، فقد ذهب الأولى، فلم يمنع من فعل الصلاة، فجاز. * ... * ... *

مسألة 480 الوقوف بالمزدلفة واجب

مسألة 480 الوقوف بالمزدلفة واجب 8835 - قال أصحابنا: الوقوف بالمزدلفة واجب، ووقته بعد طلوع الفجر من يوم النحر ما لم تطلع الشمس. 8836 - وقال الشافعي: الوقوف مستحب بعد طلوع الفجر، فإذا دفع من المزدلفة في النصف الأول من الليل، ففيه قولان، أحدهما: لا دم عليه، والآخر: عليه دم. 8837 - فإن دفع في النصف الأخير قبل الفجر، أجزأه قولاً واحدًا.

8838 - لنا: حديث عروة بن مضرس الطائي: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من شهد معنا هذه الصلاة، ووقف معنا حتى نفيض، وقد كان وقف قبل ذلك بعرفة ساعة من ليل أو نهار فقد تم حجه)، فعلق بذلك تمام الحج. 8839 - ولأنه وقت للوقوف بعرفة، فلم يكن وقتًا للوقوف بالمزدلفة، أصله: ما قبل العشاء والنهار. 8840 - ولأنه ليس بوقت لصلاة الفجر، فلم يكن وقتًا للوقوف بالمزدلفة، أصله: ما بعد طلوع الشمس. 8841 - احتجوا: بما روى عن عائشة رضي الله عنها: قالت: (كانت سودة امرأة ثبطة استأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تفيض من المزدلفة بليل، فأذن لها). 8842 - وروت عائشة رضي الله عنها: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرسل أم سلمة ليلة النحر،

فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت، وكان ذلك اليوم الذي يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندها). 8843 - و (قال ابن عباس - رضي الله عنه -: قدمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أغليمة من بني عبد المطلب). 8844 - قلنا: هذه كلها أعذار، وترك الوقوف بها ليس بعذر في ترك الوقوف بعرفة غلط؛ لأن الأركان لا تُترك بالأعذار، والتوابع تُترك. 8845 - وقولهم: إن الزحام في الطواف أشد، ولم يرخص فيه: غلط؛ لأن الطواف والسعي لا يتفق في وقت واحد. 8846 - والكلام في كيفية الأعذار، لا يصح؛ لأنها تختلف باختلاف الأحوال وأحوال الناس، ومن جاز له ترك نسك لعذر، لم يدل على جواز تركه لغير عذر. * ... * ... *

مسألة 481 يجوز الرمي بما كان من جنس الأرض

مسألة 481 يجوز الرمي بما كان من جنس الأرض 8847 - قال أصحابنا: يجوز الرمي بما كان من جنس الأرض. 8848 - وقال الشافعي: لا يجوز إلا بالحجر. 8849 - لنا: حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا رميتم وحلقتم، فقد حلَّ لكم كل شيء إلا النساء)، ولم يفرق. 8850 - ولأنه من جنس الأرض؛ فجاز الرمي به، كالحجر. 8851 - ولأن كل حكم تعلق بالحجر؛ جاز أن يتعلق بالمدر، كسقوط الخمس، وجواز الاستنجاء.

8852 - ولأنها عبادة ورد بها الشرع بالحجر، فجازت بالمدر، والخذف، كالرمي. 8853 - احتجوا: بقوله عليه الصلاة والسلام: (عليكم بحصى الخذف). 8854 - قلنا: لأن ذلك الموضع الغالب عليه الحصى، فلم يأمرهم بما يعز وجوده. 8855 - ولأن الحكم لا يقف على الحصى بالاتفاق، بدلالة: جوازه من أنواع الحجارة مما لا يسمى حصى. 8856 - قالوا: روي، أنه عليه الصلاة والسلام قال لابن عباس: (ائتني بسبع حصيات، ثم قال: بمثلهن)، وهذا يقتضي الجنس والصفة. 8857 - قلنا: أراد بمثل قدرهن؛ لأن المثل لا يقتضي التشابه في كل الصفات، يبن ذلك: أنه قال: (بمثل حصى الخذف، ولو أراد المماثلة من كل وجه، لقال: عليكم بحصى الخذف. 8858 - قالوا: رمى بغير حجر، فصار كما لو رمى بالذهب والفضة. 8859 - قلنا: من أصحابنا من قال: يجوز، ومنهم من منع ذلك؛ لأنه ليس من جنس الأرض، وفي مسألتنا: من جنسها، فصار كالحجر. 8860 - قالوا: الرمي عبادة لا يعرف معناها؛ لأنه إن كان المقصود التعظيم؛

فيجب أن يكون بالذهب والفضة، وإن كان المقصود الرهب: فيجب أن يكون بالسلاح. 8861 - قلنا: يجوز على قول بعض أصحابنا بالذهب والفضة. 8862 - وإن قلنا: إنه لا يجوز، خصصناها بجنس الأرض، فالمعنى فيه: أنه تعلق بما جرت العادة أن يرمي الناس به، ولم يكن عادتهم أن يتراموا بالذهب، والفضى، ولا بالسكر، وإنما يترامون بالحجر، والخذف، والطين. * ... * ... *

مسألة 482 وقت الرمي من طلوع الفجر إلى غروب الشمس

مسألة 482 وقت الرمي من طلوع الفجر إلى غروب الشمس 8863 - قال أصحابنا: وقت الرمي من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. 8864 - وقال الشافعي: أول وقت الجواز إذا انتصف الليل، وأول وقت الوجوب إذا طلعت الشمس. 8865 - لنا: حديث مقسم، عن ابن عباس - رضي الله عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا ترموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس).

8866 - وروي أنه قال: مر بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة النحر، وعلينا سواد من الليل، فجعل يضرب أفخاذنا، ويقول: أبني أفيضوا، ولا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس). 8867 - وروى كريب عن ابن عباس - رضي الله عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر نساءه والثقلة صبيحة جمع: أن يفيضوا مع أول الفجر بسواد، ولا يرموا الجمرة إلا مصبحين)، ذكره الطحاوي. 8868 - ولأنه وقت يصح فيه الوقوف بعرفة؛ فلم يصح فيه رمي الجمار ليوم عرفة. 8869 - ولأنها قربة لا يجوز أداؤها في النصف الأول من الليل؛ فلم يجز أداؤها في النصف الثاني منها، كالإقامة لصلاة الفجر، وعكسه: العشاء. 8870 - ولأنه نسك أمر به في يوم النحر، فلا يجوز قبله، كالأضحية، والحلق، وصلاة العيد. 8871 - احتجوا: بحديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأم سلمة ليلة النحر، فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت، وكان ذلك اليوم الذي يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)، قال أبو داود: يعني عندها. 8872 - قلنا: هذا خبر مضطرب، فمرة يرويه هشام، عن أبيه: (أن يوم أم سلمة دار إلى يوم النحر)، ومرة يرويه عروة، عن أم سلمة: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرها أن

توافي معه صلاة الصبح بمكة). 8873 - وهذا يدل على أنه يوم من أيام النحر، يجوز أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي صلاة الصبح بمكة. 8874 - وقد روى سعيد بن منصور، عن الأوزاعي، عن هشام بن عروة، عن عائشة رضي الله عنها (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أم سلمة أن تصلي الصبح يوم النحر بمكة)، وهذا خبر مضطرب معترض، فكيف يجوز أن يترك خبر ابن عباس وليس فيه تعارض؟، وهذا نص على وقت الرمي، ويعدل إلى هذا الخبر. على أن فيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قدمها، فيجوز أن يكون جوز لها ترك الرمي للعذر فرمته هي، وليس في الخبر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرها بالرمي قبل الفجر. 8875 - فإن قيل: كيف يجوز أن يأمرها بالدفع على واجه لا يفعل شيئًا؟ فلم يبين لها، ولو كان يجب عليها رمي، لبينه لها. 8876 - ولا يجوز أن يقال: كان يوم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأي عذر في هذا؟. 8877 - قلنا: القيام بخدمة النبي - صلى الله عليه وسلم - والاستعداد له واجب، فجاز أن يترك التتابع لأجل ذلك. 8878 - قالوا: ما كان وقتًا للدفع من مزدلفة، كان وقتًا/ للرمي كما بعد الفجر. 8879 - قلنا: لا نسلم أن الدفع لا يجوز إلا في حال العذر، والمعنى فيما بعد الفجر: أنه خرج وقت الوقوف بعرفة، فدخل وقت الرمي. * ... * ... *

مسألة 483 لا يجوز للقارن والمتمتع أن يحلق حتى يذبح

مسألة 483 لا يجوز للقارن والمتمتع أن يحلق حتى يذبح 8880 - قال أصحابنا: لا يجوز للقارن والمتمتع أن يحلق حتى يذبح، فإن قدم الحلق على الذبح: فعليه دم. 8881 - وقال الشافعي: يستحب تقديم الذبح وليس بواجب، فإن حلق قبله: لم يلزمه شيء. 8882 - وأما إذا حلق قبل الرمي، فعلى القول الذي قالوا - الحلق نسك - لا شيء عليه، وعلى القول الذي قالوا: الحلاق من حظر، عليه دم، وعلى المحصر، فعلى القول الذي قالوا: حلاق من حظر: لا يجوز تقديمه على الذبح، وإن قالوا: إنه نسك: فإن التحلل يقع بالهدي والحلق، وله تقديم ايهما شاء على الآخر.

8883 - لنا: قوله تعالى: {فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ثم ليقضوا تفثهم}،، فرتب التفث على الذبح، وليس ههنا دم يجب ترتيب الحلق عليه إلا دم المتعة، فاقتضت الآية وجوبه وتقديمه. 8884 - ولأنه يجوز عن الذبح. 8885 - فإن قيل: الظاهر متروك؛ لأنه يقال: رتب قضاء التفث على الأكل. 8886 - قلنا: الظاهر يقتضي وجوب تقديم الذبح والأكل، دلت الأدلة على إسقاط أحدهما، ويدل عليه: قوله تعالى: {ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى محله} ظاهره أسقط ما يقولونه: إن شاء قدم الذبح، وإن شاء الحلق. ويدل عليه: قوله تعالى: {فمن كان منكم مريضًا أو به أذى من رأسه ففدية} ظاهره يقتضي: أنه إذا حلق قبل الذبح من أذي، فعليه الفدية. وروي عن ابن عباس - رضي الله عنه -: أنه قال: (من قدم على نسكه شيئًا أو أخره، فليهرق دمًا).

8887 - [وذكر محمد في النوادر، عن سعيد بن جبير مثله، ولا مخالف لهم، أو نقول: هذا لا يعلم إلا من طريق التوقيف، فكأنهم رووه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -]. و (عن ابن مورق، قال: سألت ابن عمر: حلق قبل الذبح، فقال: إنك لضخم اللحية، فليهرق دمًا). 8888 - ولأنه قدم الحلق على الذبح، فصار كما لو حلق في النصف الأول من الليل. 8889 - ولأنه أزال التفث قبل الرمي، فصار كما لو قلم أظفاره. 8890 - ولأنه نسك شرع تقديمه على الحلق، فإذا قدم الحلق عليه، لزمه دم، كالوقوف بالمزدلفة، والوقوف بعرفة. 8891 - احتجوا: بحديث عبد الله بن عمر، قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بمنى، وهو على ناقته، فجاءه رجل، وقال: يا رسول الله إني كنت أظن الحلق قبل النحر فحلقت قبل أن أنحر، فقال: انحر، ولا يُسئل يومئذ عن شيء، قُدم ولا أُخر إلا قال: (افعل ولا حرج). 8892 - قلنا: السائل كان جاهلاً؛ لأنه لم يبلغه وجوب الترتيب، فلذلك لم يجب عليه بتركه شيء. 8893 - ولا يقال: إن الحكم لا يسقط بالجهل؛ لأن أحكام الشرع لا تجب إلا

بالسماع، ولم يكن بلغه وجوب الترتيب، فلذلك لم يجب عليه، ولا يمكن منه، ويجوز أن يكون علم من حال السائل: أنه كان مفردًا بالحج، والمفرد بالحج إذا قدم الحلق على الذبح، لم يلزمه شيء. 8894 - قالوا: ذبح يجوز الحلق عقيبه، فجاز قبله، أصله: دم الطيب. 8895 - قلنا: تلك الدم ما لم يبح سببها من غير عذر، فلم يجب تقديمها على الحلق، وفي مسألتنا سبب هذا الدم أبيح من غير عذر، فإذا اجتمع مع الحلق في وقت واحد؛ جاز أن يجب تقديمه عليه. 8896 - قالوا: كل حالة جاز للمفرد أن يحلق رأسه فيها؛ جاز للقارن. أصله: بعد الذبح. 8897 - قلنا: المفرد بالعمرة إذا طاف لها جاز له الحلق، والقارن إذا طاف وسعى للعمرة، لم يجز له الحلق، يدل على اختلاف حالهما في التحلل. * ... * ... *

مسألة 484 إذا حلق المفرد حل له كل شيء إلا النساء

مسألة 484 إذا حلق المفرد حل له كل شيء إلا النساء 8898 - قال أصحابنا: إذا حلق المفرد حل له كل شيء إلا النساء، وكذلك إذا ذبح المتمتع والقارن وحلقا. 8899 - وقال الشافعي: في اللباس وترجيل الشعر والحلق والتقليم قولاً واحدًا. 8900 - وأما عقد النكاح واللمس والوطء فيما دون الفرج والاصطياد وقتل الصيد، فعلى قولين: أحدهما: لا يحل له ذلك. والثاني: يحل له ذلك. 8901 - واختلف أصحابه في الطيب على طريقين: منهم من قال: على قولين، ومنهم من قال: يحل قولاً واحدًا.

8902 - لنا: ما روت عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا رمى أحدكم وحلق: فقد حل له كل شيء إلا النساء). 8903 - ولأن الاصطياد ليس من جنس ما يفسد الإحرام والحج، ولا من توابعه، فلا يقف استباحته على التحلل الثاني، كاللبس. 8904 - ولا يلزم على هذا القبلة؛ لأنها من توابع ما يفسد الإحرام. 8905 - ولأن كل حالة تحل للمحرم في اللبس، تحل له في الصيد، كما بعد الطواف. 8906 - وأما الطيب فروى مالك، وشعبة، وسفيان بن عيينة، عن عبد الرحمن ابن القاسم، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (طيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طلحة حين حل قبل أن يطوف بالبيت). 8907 - ولأنه محظور يستباح بعد، فلا يقف استباحته على التحلل الثاني، كاللبس. 8908 - وأما القبلة واللمس بشهوة، [فلا يحل له، لحديث عائشة: (حل لكم كل شيء إلا النساء). 8909 - ولأنه استمتاع بالنساء]، فوقف استباحته على التحلل الثاني، أصله: الجماع في الفرج. 8910 - ولأنها حالة تمنع الحاج من الوطء في الفرج، فتمنع من القبلة

واللمس، كما قبل الرمي. 8911 - احتجوا: بقوله تعالى: {لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم}. 8912 - قلنا: إطلاق المحرم: من حظر عليه جميع المحظورات، وهذا لا نسلمه بعد التحلل. ولأن من أصلهم: أن بالتحلل الأول يخرج من الإحرام. وكيف يصح هذا الاستدلال؟ 8913 - قالوا: روي ابن عمر - رضي الله عنه -: أنه خطب فقال: (إذا ذبحتم فقد حل لكم كل شيء، إلا النساء والطيب)، ولم ينكر ذلك أحد عليه. 8914 - قلنا: لم ينكروه؛ لأنهم لم يعرفوا خبر عائشة، وقد روي عن ابن عمر: أنه ذكر هذا عن عمر، ثم ذكر مذهب عائشة، وقالت: سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحق أن يؤخذ بها من سنة عمر. 8915 - قالوا: الطيب من توابع الوطء ودواعيه، كالقبلة، فلو كان ذلك يحرم في الاعتكاف كما يحرم دواعي الجماع. * ... * ... *

مسألة 485 ليس في يوم النحر خطبة تختص بالحج

مسألة 485 ليس في يوم النحر خطبة تختص بالحج 8916 - قال أصحابنا: ليس في يوم النحر خطبة تختص بالحج. 8917 - وقال الشافعي: يخطب الإمام يوم النحر بمنى. 8918 - لنا: أنه خطب في اليوم الذي قبله؛ فلم يخطب فيه، كيوم التروية. 8919 - ولأن خطب الحج موضوعة لتعليم المناسك، وأن حكمه: أن يعلم الناس ما يفعلونه بعد يوم الخطبة، ليتدارسوه، وليبلغ الشاهد الغائب، ولهذا يخطب ابتداء قبل يوم التروية، ليعلمهم حكم يوم التروية، وقد أعلمهم أحكام يوم النحر في

يوم عرفة، وأحكام النفر بذكرها في يوم النفر الأول، فلا معنى لخطبة يوم النحر. 8920 - ولأنه يوم شرع موضوعه خطبة بعد الصلاة، فلا يشرع فيه خطبة تتعلق بالحج، أصله: يوم الفطر. 8921 - ولأن يوم عرفة سن فيه خطبة، ولا يسن في اليوم الذي يليه، أصله: يوم السابع. 8922 - احتجوا بحديث الهرماس بن زياد الباهلي: أنه قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب الناس على ناقته العضباء يوم النحر بمنى). وعن أبي أمامة الباهلي قال: (سمعت خطبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنى يوم النحر). 8923 - قلنا: يجوز أن يكون خطب لبيان حكم شرعي ليس له تعلق بالنسك، وأتبع ذلك بذكر النسك، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب لبيان الأحكام إذا وفد عليه الوفود، يبين ذلك: أنه لم يبين في هذه الخطبة أحكام الحج، وإنما قال: (أتدرون أي يومكم هذا؟ قالوا: يوم النحر الأكبر، قال: صدقتم، قال: أي شهركم هذا؟ قالوا: ذو الحجة، قال: صدقتم، شهر الله الأصم، قال: أتدرون أي بلد هذا؟ قالوا: نعم، المشعر الحرام، أو البلد الحرام، قال: صدقتم، فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا وإني فرطكم على الحوض، وإني مكاثر بكم الأمم والناس، فلا تسودوا وجهي، ألا وقد رأيتموني، وسمعتم مني، وستسألون عني، فمن كذب علي، فليتبوأ مقعده من النار، ألا

وإني مستنقذ رجالاً ونساءً، ومستنقذ مني آخرون، فأقول: أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)، وليس في هذه الخطبة كلمات تتعلق بالإحرام. 8924 - فإن قيل: هذا يلزم في بقية خطب الحج. 8925 - قلنا: هذا الاحتمال موجود فيها لولا الإجماع. 8926 - قالوا: يوم معين شرع فيه ركن من أركان الحج؛ فوجب أن يسن فيه الخطبة، أصله: يوم عرفة. 8927 - قلنا: المعنى فيه: أنه يوم من أيام الحج لم يخطب في اليوم الذي قبله، وليس كذلك في مسألتنا. 8928 - ولأنه يوم من أيام الحج خطب قبله خطبة تختص بالحج، فلم يخطب فيه. 8929 - ولأن يوم عرفة/ يختص الركن به، ويوم النحر لا يختص الركن به، بل يتعلق بجملة الأيام، فضعف عمله في باب الركن، فلم يخطب فيه. 8930 - قالوا: يوم النحر يخطب فيه في سائر الأمصار، بل يخطب في الحج أولى. 8931 - قلنا: يخطب في سائر الأمصار ليعلم ما يفعل فيه، وفيما بعده من الأضحية، وهذا اليوم قد علمتم ما فعل فيه، فلم يحتج إلى إعادة الخطبة فيه. * ... * ... *

مسألة 486 آخر وقت الطواف آخر أيام النحر

مسألة 486 آخر وقت الطواف آخر أيام النحر 8932 - قال أبو حنيفة: آخر وقت الطواف آخر أيام النحر، فإن آخره عن ذلك: طاف ولزمه دم. 8933 - وقال أبو يوسف ومحمد: لا شيء عليه بالتأخير. 8934 - وقال الشافعي: آخره ليس بمؤقت. 8935 - لنا: أنه ذكر يجب فعله بعد إحرام الحج؛ فوجب أن يتوقت بوقت لا يؤخر عنه، كالرمي والوقوف بالمزدلفة. 8936 - ولأنه نسك من مقتضى الإحرام يتوقت أول وقته؛ فيتوقت آخر وقته، كالوقوف، والرمي.

8937 - ولا يلزم طواف الصدر على غير أهل الآفاق؛ لأنه لا يجب حكم الإحرام، ولهذا لا يلزم أهل مكة. 8938 - فإن قيل: المعنى فيما ذكرتموه: أنه لما توقت آخره؛ لم يجب فعله بعد مضي وقته، ولما جاز فعل الطواف دل: أنه غير موقت. 8939 - قلنا: العبادات المؤقتة، منها: ما يفعل بعد فوات وقتها، كالصلوات الخمس، والصوم. ومنها: ما يسقط بمضي الوقت، كالجمعة بافتراق الوقت، والطواف في فعل أحدهما بعد وقته، وسقوط فعل الآخر لا يمنع، لتساويهما في الوقت، وإذا ثبت أنه مؤقت، فإذا أخره عن وقته، دخله نقص، فافتقر إلى الجبران. 8940 - ولأنه نسك عدد؛ فيجب فعله مع بقاء ما حظره الإحرام، فإذا أخره عن أيام التشريق؛ جاز أن يلزمه فدية، كرمي الجمار. 8941 - ولا يلزم عليه السعي؛ لأنه لا يلزمه فعله مع بقاء المحظورات. 8942 - ولأنه ركن من أركان العمرة؛ فجاز أن يجب الجبران بتأخيره، كالإحرام إذا أخره عن الميقات. 8943 - ولأنه نسك مؤقت بأيام التشريق، فإذا أخره عنها، وجب الجبران، كالرمي. 8944 - والدليل على أنه مؤقت بها: أن الله تعالى أباح أن يتعجل النفر، ولا يجوز أن يتعجل إلا بعد الطواف، فدل أن وقته يتقدم على النفر. 8945 - احتجوا: بقوله تعالى: {وليطوفوا بالبيت العتيق}، ولم يخصه بوقت. 8946 - قلنا: قد أريد به متعين بلا خلاف، والوقت مجمل، فبينه رسول الله

- صلى الله عليه وسلم - بفعله، فاقتضى ذلك الوجوب. 8947 - قالوا: نسك أخره عن وقت الفضيلة إلى وقت الجواز، فوجب أن لا يجب بتأخيره دم، أصله: إذا أخر الوقوف إلى الليل. 8948 - قلنا: الإحرام إذا أخره عن الميقات، فقد أخره عن وقت الفضيلة إلى وقت الجواز، فيلزمه دم، والتوقيت يدخل في الزمان والمكان. 8949 - ولأنه إذا وقف بالليل، فقد فعل الركن في زمان لو فعله قبله واقتصر عليه، لكان ناقصًا؛ ألا ترى: أن عند مالك: لا يجوز الوقوف بالنهار. 8950 - وعندنا: إذا اقتصر عليه: يلزمه دم، وهو أحد قولي الشافعي، وفي القول الآخر: يستحب الدم، فإذا كان كذلك: لم يجز أن يجب بالتأخير إلى حال بها يكمل الركن جبران. 8951 - وأما الطواف: فإن أخره عن وقت كماله إلى حالة ليست حال الكمال، أوجب ذلك نقصًا، كما لو أخر الإحرام عن موضعه. 8952 - قالوا: وقتًا صح فيه الطواف، فلا يجب الدم بتأخيره إلى آخره إلى اليوم الثاني. 8953 - قلنا: المعنى فيه: أنه أخره إلى وقت لم يبح فيه النحر، فلم يلزمه شيء، وفي مسألتنا: أخره إلى وقت أبيح فيه النفر قبله، ولذلك لزمه. * ... * ... *

مسألة 487 حكم رمي الجمار يوم الرابع قبل الزوال

مسألة 487 حكم رمي الجمار يوم الرابع قبل الزوال 8954 - قال: أبو حنيفة: إذا رمى الجمار يوم الرابع قبل الزوال: جاز، وقالا: إذا رمى في اليوم الرابع: لا يجوز. وبه قال الشافعي. 8955 - لنا: ما رواه هشام بن عبد الله في نوادره بإسناده، عن ابن عباس - رضي الله عنه - (قال: إذا انفتح النهار من آخر أيام الرمي، فارم)، ولا يعرف له مخالف. 8956 - ولأن هذا اليوم حقكم الرمي فيه؛ بدلالة: أنه [يجوز تركه، كما أن يوم النحر حقكم الرمي فيه، بدلالة: أنه] لا يرمي إلا جمهرة واحدة، فإذا جاز الرمي في أحدهما قبل الزوال كذلك الآخر. 8957 - ولأنه يوم من أيام الرمي؛ فكان وقت الرمي فيه أكثر من نصف يوم، أصله: سائر الأيام. يبين ذلك: أن يوم النحر يجوز قبل الزوال، وبقية الأيام يجوز

بعد الزوال والليل، وهذا اليوم لا يجوز الرمي في الليلة التي تليه، فلو لم يجز قبل الزوال، لكان وقته أقل من نصف يوم، وهذا مخالف لسائر الأيام؛ لأنه يوم شرع فيه الرمي، فجاوز يومًا لا رمي فيه، فصار كيوم النحر. 8958 - ولأنه وقت يجوز فيه الرمي في الأول؛ فجاز في اليوم الرابع، أصله: بعد الزوال. ولأنه أحد طرفي أيام الرمي، كيوم النحر. ولأنه بعد طلوع الفجر قد وجب الرمي، بدلالة: أنه لا يجوز له النفر، وما كان وقتًا لوجوب العبادة، كان وقتًا لجوازها. 8959 - فإن قيل: عندنا وقت الوجوب ليلة اليوم الرابع؛ لأنه لا يحل النفر فيها، فإذا قد سلمتم: أن الوقوف حاصل بعد الفجر، وادعيتم حصوله فيما قبل، وهذا لا يضرنا مع تسليم موضع الاستدلال. 8960 - احتجوا بحديث جابر - رضي الله عنه -: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رمى الجمرة يوم النحر ضحى، وبقية الأيام بعد الزوال). 8961 - وبحديث عائشة رضي الله تعالى عنها: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رمي الجمار في أيام التشريق بعد الزوال)، قالوا: وفعله بيان. 8962 - قلنا: الرمي يقع بعد التحلل، فلا يشتمل على قوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا}، فلم يكن فعله - صلى الله عليه وسلم - بيانًا.

8963 - ولأن فعله قد دل على وقت الفضيلة عندنا. 8964 - قالوا: رمي لا يجوز تقديمه على طلوع الفجر، فلا يجوز تقديمه على زوال الشمس، كاليومين الأولين. 8965 - قلنا: المعنى فيهما: أنه يؤخر حكم الرمي فيهما، ويوم الرابع خف حكم الرمي فيه، فصار كيوم النحر. 8966 - قالوا: رمي يشتمل على رمي الجمار الثلاثة، أو رمي يوم من أيام التشريق، فصار كاليومين. 8967 - قلنا: نقلب فنقول: فكان وقت جوازه أكثر من نصف يوم، كاليومين. 8968 - قالوا: اعتبار هذا اليوم بما قبله أولى من اعتباره بيوم النحر؛ لأنه يتعلق بالجمار الثلاث، ويقع خارج الإحرام، ولا يقع به التحلل، واعتبار الشيء بنظيره أولى. 8969 - قلنا: اعتباره بما خف الرمي فيه أولى من اعتباره بما تأكد حكم الرمي فيه؛ لأن الخلاف في حكم التخفيف، فرده إلى ما خف حكمه أولى. * ... * ... *

مسألة 488 حكم تقديم الجمرة الأخيرة على الأولى

مسألة 488 حكم تقديم الجمرة الأخيرة على الأولى 8970 - قال أصحابنا: إذا قدم الجمرة الأخيرة على الأولى، أعاد الرمي على ترتيبه، فإن لم يفعل: أجزأه. 8971 - وقال الشافعي: لا يجوز، والترتيب مستحق، ولو ترك حصاة من الأولى، لم يكن الثانية والثالثة. 8972 - لنا: أن الجمرة الأخيرة تنفرد بنفسها عما قبلها، وتكون قربة، وترتيبها عليها لا يكون واجبًا، كالطواف، والرمي. 8973 - ولا يلزم عليه الرمي؛ لأنه لا ينفرد قربة عن الطواف؛ ولأنه يوم من أيام الرمي؛ فجاز أن يبتدئ فيه بجمرة العقبة، كاليوم الأول. 8974 - ولأنها مناسك جمعها وقت واحد بأمكنة بعينها، ينفرد أحدها عما قبله، فلم يستحق الترتيب، كالطواف والرمي. 8975 - ولا يلزم الرمي والوقوف؛ لأن الرمي لا ينفرد عن الوقوف.

8976 - ولأن الجمرة التي تلي المسجد ليست بركن، فلا يترتب عليها، كالذبح والحلق. 8977 - ولأنها إحدى الجمار، فجاز أن يبتدئ بها، كالأولى، وكجمرة العقبة. 8978 - احتجوا: بما روي: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بدأ بالجمرة الأولى، ثم بالثانية ثم بجمرة العقبة). 8979 - والجواب: أن فعله بمجرده لا يدل على الوجوب، فإنهم قالوا: إنه خرج مخرج البيان، فلما وفي الجمار الثلاث يقع بعد التحلل، فلم يكن ذلك من نفس الحج حتى يقع فعله بيانًا. 8980 - قالوا: معنى هذه العبادة لا يعقل، فجاز أن يقتصر على ما ورد به الشرع. 8981 - قلنا: قد عقلنا معناها؛ لأنها مناسك المقصود منها فعلها، فإذا جاز أن ينفرد الآخر منها بنفسه لم يترتب على ما قلناه. 8982 - قالوا: بل مبني على التكرار؛ فوجب أن يكون موضع البداية به مستحقًا معينًا، أصله: الطواف. 8983 - قلنا: لا نسلم الأصل على ما قدمنا، ولو سلمنا على ظاهر الرواية.

8984 - ولأن الطواف عبادة واحدة، جعل لها استفتاح، فما لم يأت بافتتاحها وهو البداية، فالركن لم يعتد به والرمي في الجمار عبادات، والثانية منها نسك بنفرد عما قبله، فلم يترتب عليها فرضًا. 8985 - ولأن الترتيب دلالة لنا: أن موضع الابتداء فيه لما تعين، لم يوجد الطواف فيه إلا على هذه الصفة، ولما جاز أن يوجد الرمي يوم النحر لا يقع الابتداء بما قبله، دل أن يكون الترتيب للشروع شرطًا في صحته قياسًا على ترتيب السعي على الصفا وعلى الطواف. 8986 - ولما أن قلتم: نسك واحد، لم نسلمه في الفرع ولا في الأصل، وإن قلتم: انتفض بالطواف/ والرمي ... . 8987 - ولأن المعنى في السعي: أنه لا ينفرد [عن الطواف بحال، فلهذا وجب أن يترتب عليه، ولما جاز أن تنفرد] الجمرة الأخيرة عما قبلها، لم يجب ترتيبها. 8988 - قالوا: وجوب الرمي ثبت باسم يقتضي الترتيب؛ لأنه قبل الأولى والوسطى. 8989 - قلنا: وجوب الصلاة بلفظ يقتضي الترتيب؛ لأن الظهور يتعلق بالظهر، والمغرب بغروب الشمس، ثم إذا جمعها وقت واحد، لم يجب الترتيب فيها عندهم. * ... * ... *

مسألة 489 حكم تأخير رمي يوم إلى الليل

مسألة 489 حكم تأخير رمي يوم إلى الليل 8990 - قال أبو حنيفة: إذا أخر رمي يوم إلى الليل: رماه ولا شيء عليه، وإن أخره إلى الغد رماه وعليه دم. 8991 - وقال الشافعي في أحد قوليه: إذا غربت الشمس خرج وقت الرمي، وما الذي يلزمه؟ فيه ثلاثة أقوال، أحدها: يرمي ولا شيء عليه، والثاني: لا يرمي وعليه دم، والثالث: يرمي ويهرق دمًا. 8992 - والقول في أصل الرمي: أن الأيام الثلاثة كاليوم الواحد، لا يفوت الرمي بتأخره من يوم إلى يوم، ولا يلزمه شيء إذا ما أخر رمي يوم [من الثلاثة إلى اليوم الذي بعده]، فلا شيء عليه في قول أصحابنا جميعًا؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص للرعاء أن يرموها ليلاً، فدل: أنه وقت الرمي.

8993 - ولأنه نسك، فإذا فعله بالليل؛ جاز أن يقع موقعه من غير دم، كالوقوف، والطواف، والتعليل لرمي يوم الثاني والثالث. 8994 - ولأن رمي كل يوم مؤقت بيوم، فإذا أخره إلى الليل، لم يلزمه شيء، كالوقوف. 8995 - ولا يلزم إذا أخر الطواف عن آخر أيام التشريق إلى الليل؛ لأن الطواف مؤقت بأيام. 8996 - ولأنه بالتأخير في أيام الرمي لم يبلغ إلى وقت مثله، فصار كما لو رمى قبل الغروب. 8997 - وأما إذا أخر الرمي إلى الغد؛ فوجه قول أبي حنيفة أنه أخر رمي يوم كامل عن يوم وليلة؛ فوجب أن يلزمه دم، أصله: إذا أخره عن أيام التشريق. 8998 - ولأن كل يوم وجب فيه الرمي تعلق بتأخيره إلى غده دم، أصله: اليوم الرابع. 8999 - احتجوا: بحديث ابن الدراج، عن أبيه عاصم بن عدي - رضي الله عنه -: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص للرعاء أن يرموا يومًا، ويدعوا يومًا). 9000 - وفي لفظ آخر: (أن يرموا يوم النحر، ثم يرموا يوم النفر). قلنا:

هذا قاله في الرعاء الذين لا يتمكنون من الحضور، فجعل ذلك عذرًا لهم، واسقط الوقت في حقهم العذرُ، كما قدم ضعفة أهله، فتركوا الوقوف بالمزدلفة، والمناسك إذا تركت لعذر لا شيء فيها عندنا، أصله: إذا أخر الوقوف من النهار إلى الليل. قلنا: لا نسلم الوصف؛ لأنه أخر الرمي عن وقت الوقوف، والمعنى في تأخير الوقوف إلى الليل: أنه أخره إلى وقت يكمل النسك بفعله فيه. وفي مسألتنا خلاف. 9001 - فإن قاسوا على تأخير الرمي إلى الليل، قلنا: النسك المؤقت بيوم فالليلة التي تليه وقته، وما بعد ذلك ليس بوقت له، كالوقوف. 9002 - قالوا: لو كان ما بعد اليوم الأول ليس بوقت، وجب أن لا يفعل، كسائر الأيام. 9003 - قلنا: هو وقت لمثله وإن لم يكن وقتًا له، فيجب عليه فعله لهذا المعنى، كما أن تكبير التشريق إذا فاتت صلاة فيذكرها في الأيام كبر وإن كانت فائتة، إلا أن الوقت وقت مثلها، أعنى من صلوات التكبير فيكبر، ولو فاتت حتى خرجت الأيام: قضاها، ولم يكبر عقبيها. * ... * ... *

مسألة 490 إذا ترك حصاة واحدة فعليه إطعام مسكين، نصف صاع من حنطة

مسألة 490 إذا ترك حصاة واحدة فعليه إطعام مسكين، نصف صاع من حنطة 9004 - قال أصحابنا: إذا ترك حصاة واحدة: فعليه إطعام مسكين، نصف صاع من حنطة، وفي حَصَاتين: صاع، وفي ثلاثة: صاع ونصف. 9005 - فإن بلغ ذلك دمًا، كان بالخيار، ولا يجب الدم عندنا حتى يترك رمي يوم كامل والأكثر من كل جمرة. 9006 - وقال الشافعي: إذا ترك ثلاثًا، ففيها دم، واختلف فيما دون الثلاث، كما اختلف في الأظفار والشعر، فقال في أحد أقاويله: في حصاة واحدة: مد، وفي قول آخر: في ثلاث دم، وفي قول: درهم. 9007 - ويتصور الخلاف في المسألة: إذا ترك حصاة من جمرة العقبة في اليوم الآخر، لزمه في أحد الأيام على القولين. 9008 - أما الكلام في الحصاة الواحدة، فلأنه إطعام مقدر تعلق بالحج، فلا يتقدر بأقل من نصف صاع، ككفارة الأذى؛ ولأن ما يتقدر به صدقة الفطر لا يتقدر به

الإطعام الواجب بترك حصاة، كنصف المد. ولأن الدم لا يتبعض، فلا يجوز إيجاب بعضه، كالعتق. ولأنها كفارة، فلا يجب فيها الدراهم، [كسائر الكفارات، أو كفارة لحرمة عبادة] فلا يتقدر بالدراهم، ككفارة رمضان. 9009 - وإذا بطل تبعيض الدم وإيجاب الدرهم، لم يبق إلى وجوب الإطعام، ومن أصلنا: أن الإطعام في الكفارة يتقدر لكل مسكين بنصف صاع على كليته في موضعه. 9010 - احتج المخالف: بأنها كفارة تتعلق بترك فعل ما يؤمر به، فوجب أن يكون حق المسكين الواحد مقدرًا بمد، قياسًا على ما ثبت بالشرع في كفارة اليمين. 9011 - قلنا: الأصل غير مسلم؛ لأن عندنا كفارة الجماع مقدرة لكل مسكين بنصف صاع، ثم إنهم احترزوا بهذا الوصف عن كفارة الأذى. 9012 - قالوا: لأنها وجبت كما وجبت به كفارة الصوم؛ لأنه أمر في كل واحد من العبادتين بتجنب المحظورات، ففي الصوم بفعل ما حظر فيه، وفي الحج بفعل الحلق المطظور بترك كل واحد منهما ما أمر به من تجنب المحظورات. 9013 - وهذا الاحتراز الذي ذكروه - مع أنه لم يدفع التقصير - فاسد؛ لأن سبب كفارة الأذى أُبيح في الشرع، وسبب كفارة الصوم لا يبيح، وكذلك ما يجب بترك الرمي، فإذا تقدر أخف الأمرين بنصف الصاع، فأعظمها شيئًا أولى. 9014 - وهذا مقدار المد واجب بالإجماع، وما زاد عليه مختلف فيه فمن ادعى وجوبه فعليه الدلالة. 9015 - قلنا: هذا استصحاب الحال، ونحن لا نقول به، ونقابله بمثله فنقول: أجمعنا أن فرض الدم لم يسقط، فمن زعم أنه سقط عنه بالحد، فعليه الدليل.

9016 - وأما الدليل على أن الثلاث حصيات لا دم فيها: أنه أتى بأكثر الرمي، فلم يجب عليه بأقله دم، كما لو ترك حصاتين. 9017 - ولأنه نسك ذو عدد لا يتعلق بالثلاث، فلم يجب بترك أقله دم، كالسعي. 9018 - احتجوا: بأنه ترك من عدد الحصيات ما يقع عليه اسم الجمع المطلق، فوجب أن يكون فيه دم، أصله: إذا كانت قيمة الطعام أكثر من قيمة الشاة. 9019 - قلنا: لا نسلم؛ لأن الواجب الإطعام، فإذا اختار إخراج الشاة، وجبت باختياره ليسقط به الزيادة عن نفسه، فأما أن يؤخر ما عليه: فلا. * ... * ... *

مسألة 491 خطبة الإمام ثاني (أيام) النحر

مسألة 491 خطبة الإمام ثاني (أيام) النحر 9020 - قال أصحابنا: يخطب الإمام ثاني أيام النحر خطبة، يعلمهم فيها النفر، وطواف الصدر. 9021 - وقال الشافعي: يخطب يوم النفر الأول. 9022 - لنا: أنه يوم نحر أُبيح فيه النفر، فلا يخطب فيه للحج، كاليوم الآخر. 9023 - ولأن الخطبة لتعليم المناسك، وإنما يفعل قبل يوم النسك، ليبلغ الناس بعضهم بعضًا، وهذه الخطبة لتعليم جواز النفر، فيجب أن يتقدم عليهم. 9024 - احتجوا: بما روى ابن أبي نجيح عن أبيه، عن رجلين من بني بكر، قالا: (رأينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب بمنى أوسط أيام التشريق)، وكذلك سراء بنت نبهان.

9025 - قلنا: يجوز أن يكون هذه الخطبة لبيان أحكام المناسك، ويجوز أن تكون لغيرها، كما بينا في خطبة يوم النحر، والخلاف في خطبة تختص الحج. 9026 - قالوا: يوم فيه نسك، ويحتاج إلى تعليم الناس تعجيل النفر وتأخيره. 9027 - قلنا: إنما يعلهم جواز النفر قبل يومه ليتأهبوا له، فأما إذا خطب بعد الظهر ليعلمهم النفر وهم يرمون لم يقع ذلك موقعه. * ... * ... *

مسألة 492 حكم من ترك المبيت بمنى من غير عذر

مسألة 492 حكم من ترك المبيت بمنى من غير عذر 9028 - قال أصحابنا: إذا ترك المبيت بمنى من غير عذر فقد أساء: ولا شيء عليه. 9029 - وقال الشافعي في أحد قوليه: إذا ترك الليالي الثلاث: فعليه دم، وفي القول الآخر: الدم عليه استحبابًا. 9030 - وأما إذا ترك ليلة واحدة: ففيها مد في أحد أقواله، وفي قول آخر: ثلث درهم، وفي قول آخر: درهم.

9031 - لنا: أم منى ليست مقصودة في نفسها، بدلالة المقام في غير هذه الأيام، وإنما يقيم للنسك المفعول في العدد، فصار كما لو بات ليلة عرفة بمكة. 9032 - ولأن المقام بها في الأيام هو المقصود، والثاني: تبع، بدلالة: أن لله تعالى نص على الأيام بقوله: {واذكروا الله في أيام معدودات}. فإن كان أقام بها، أو ترك المقام بها نهارًا، أو جاء وقت الرمي فرمى: لم يلزمه شيء، فإذا ترك الليالي الذي هو تبع: أولى وأحرى. 9033 - ولأنه ترك البيتوتة في مكان النسك، فلم يلزمه دم. أصله: إذا ترك البيتوتة بعرفة. 9034 - ولا يلزمه إذا ترك البيتوتة بالمزدلفة؛ لأنه مثله. ولأنه نسك لو تركه للتشاغل بالسقاية، لم يلزمه دم، فإذا تركه من غير عذر، لم يلزمه دم، أصله: طواف القدوم. 9035 - احتجوا: بحديث ابن عمر - رضي الله عنه -: (أن العباس بن عبد المطلب استأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته، فاذن له)، فدل: أن هذا لا يجوز تركه لغير عذر. 9036 - قلنا: التشاغل بالسقاية هو ترك للمبيت بالحاجة، والمناسك الواجبة لا يجوز تركها للحاجة. 9037 - ولأنه يجوز تركها للضرورة والمشقة. يبين ذلك: أن العباس لا يسقي بنفسه، وإنما يأمر به، وهذا يمكنه وإن لم يحضر. 9038 - وليس هذا كترك الوقوف بالمزدلفة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قدم ضعفة أهله،

خوفًا عليهم من الزحام، وهذه مشقة، وليست بحاجة. 9039 - وكذلك الحائض في طواف الصدر إنما يجوز لها ترك الطواف للضرورة؛ لأنها لا تقدر أن تطوف من الحيض، ولا يمكنها المقام، والانقطاع عن الرفقة. 9040 - قالوا: نسك مشروع بعد كمال التحلل؛ فوجب أن يكون واجبًا يتعلق بتركه دم، كالرمي. 9041 - قلنا: لا نسلم أنه نسك، وإنما يفعل على طريق التبع للنسك، ويبطل هذا على قولهم من ترك المقام بمنى نهارًا. * ... * ... *

مسألة 493 حكم تعجيل النفر حتى غروب اليوم الثالث

مسألة 493 حكم تعجيل النفر حتى غروب اليوم الثالث 9042 - قال أصحابنا: إذا لم يتعجل النفر حتى غربت الشمس من اليوم الثالث، فالأولى أن يقيم حتى يرمي اليوم الرابع، فإن نفر قبل طلوع الفجر: جاز. 9043 - وقال الشافعي: إذا غربت الشمس: لم يجز النفر. 9044 - لنا: أنه نفر قبل دخول وقت الرمي في اليوم الرابع وقد رمى قبله، فصار كما لو نفر قبل غروب الشمس. 9045 - ولأنه يوم يجوز النفر من نهاره، فجاز في الليلة التي تليه، كاليوم الرابع. 9046 - احتجوا: بقوله تعالى: {واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه}، واليوم عبارة عن بياض النهار، فدل: أن التعجيل يختص النهار. 9047 - وروي: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر رجلاً، فنادى أيام منى ثلاثة: {فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه}).

9048 - قلنا: الظاهر متروك بالاتفاق؛ لأن التعجيل في يومين، وإنما يجوز في آخر اليوم الثاني منهما. 9049 - وعندنا تقديره: فمن تعجل برمي يومين فلا إثم عليه، وهذه الحروف يقوم بعضها مقام بعض. 9050 - على أنه روى عن ابن مسعود - رضي الله عنه - في تأويل الآية: {فلا إثم عليه} بمعنى: غفرت أيامه بالحج المنذور، وهذا لا تعلق له بمسألتنا. 9051 - قالوا: روى عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه قال: (من أدركه المساء في اليوم الثاني بمنى، فليقم حتى ينفر مع الناس)، ولا يعرف له مخالف. 9052 - قلنا: هذا محمول عندنا على بيان الأولى والأفضل؛ بدلالة ما بينا. 9053 - قالوا: لم يتعجل في يومين، فلزمه المقام حتى يرمي قياسًا على من لم يرم حتى طلع الفجر. 9054 - قلنا: حكم الثلاثة التي تتوسط أيام الرمي حكم اليوم الذي قبلها، بدلالة: أنها وقت لذلك، كرمي ذلك اليوم. واليوم الثاني ليس حكمه حكم اليوم الذي قبله، بدلالة: أنه يجب فيه رمي آخر، وإذا فعل في الليل، فحكم الليلة حكم النهار، وإذا طلع الفجر، فقد زال حكم ذلك اليوم، ويجدد حكم الرمي في اليوم الآخر، فلذلك اختلفا. * ... * ... *

مسألة 494 حكم نزول المحصب

مسألة 494 حكم نزول المحصب 9055 - قال أصحابنا: نزول المحصب سنة. 9056 - وقال الشافعي: إن شاء نزل فيه، وإن شاء لم ينزل فيه.

9057 - لنا: ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما (أنه صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالبطحاء، ثم هجع بها هجعة، ثم دخل مكة، وزعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول ذلك). 9058 - وروى ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أراد أن ينفر من منى، قال: نحن نازلون غدًا إن شاء الله بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر)، ومعنى ذلك: أن بني كنانة وقريشًا اجتمعوا بالمحصب، فتحالفوا أن لا يخالطوا بني هاشم، ولا يزوجوهم حتى يسلموا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما أخبره عليه الصلاة والسلام، أنه يفعله في حال النسك مخالفة للكفار، فهو نسك، كدفعه من عرفة بعد غروب الشمس. 9059 - احتجوا: بما روي عن ابن عباس - رضي الله عنه -: أنه قال: إنما هو منزل. وقالت عائشة رضي الله عنها: (إنما نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المحصب؛ ليكون أسمح لروحه وليس بسنة، من شاء نزل، ومن شاء لم ينزل). وروى سليمان بن يسار قال: قال أبو رافع: (لم

يأمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أنزله، ولكن ضربت قبته، فنزله)، يعني: بالأبطح. 9060 - قلنا: أما قول ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما، فمعارض بقول ابن عمر؛ ولأنها ظنت ذلك وكذلك أبو رافع، وقد بينا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قصد النزول فيه وأخبر أنه يفعل ذلك مخالفة لأهل الشرك. * ... * ... *

مسألة 495 حكم طواف الصدر

مسألة 495 حكم طواف الصدر 9061 - قال أصحابنا: طواف الصدر واجب على الغرباء، فمن تركه لغير عذر، فعليه دم. 9062 - وقال الشافعي في الأم والقديم: مثل قولنا. وقال في الإملاء: لا دم عليه.

9063 - لنا: ما روى سفيان، عن سليمان بن يسار، عن طاووس، عن بن عباس - رضي الله عنه - قال: (كان الناس ينفرون في كل وجه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده الطواف بالبيت). 9064 - ولأنه طواف شرع بعد الوقوف، فكان واجبًا كطواف الزيارة. 9065 - ولأنه نسك يتكرر بفعل بعد الإحلال، كرمي الجمار. الدليل على وجوب الدم بتركه: حديث ابن عباس - رضي الله عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من ترك نسكًا فعليه دم). 9066 - ولأنه نسك ذو عدد، فجاز أن يجب بسببه دم، أصله: الرمي. 9067 - ولا يلزم على هذا طواف القدوم؛ لأن التعليل لجنس الطواف؛ ولأن المناسك على ضريين، منها: ما يتعلق بالبيت، ومنها: ما لا يتعلق بالبيت، فإذا كان في أحدهما ما يجب به الدم، وجب أن يكون في الآخر مثله. 9068 - احتجوا: بأنه إخلال لطواف؛ فلم يجب به دم، كطواف القدوم. 9069 - قلنا: طواف القدوم مقدم على الوقوف، كطواف النفل، وهذا الطواف

يتأخر عن الوقوف بمقتضى الإحرام، فصار كطواف الزيارة. 9070 - قالوا: كل ما لم يكن نسكًا في حق المبكر؛ لم يكن نسكًا في حق غيره، كالتحصيب. 9071 - قلنا: هو نسك في حق المبكر بالإجماع، والخلاف في الوجوب. 9072 - ولأن أهل مكة وغيرهم يختلفون في واجبات الإحرام، بدلالة دم التمتع. 9073 - ولأنه يجب لتوديع البيت، والمبكر غير مفارق للبيت، فلذلك لم يجب عليه توديعه، والغريب يفارق البيت، فجاز أن يجب توديعه. 9074 - قالوا: لو كان نسكًا يجب على تاركه الدم؛ لوجب على تاركه بالعذر، كترك اللباس. 9075 - قلنا: المناسك التي ليست بأركان إذا تركها من غير عذر: وجب عليه دم، والمحظورات إذا فعلها لعذر: وجب بها الفدية، فلذلك افترقا. * ... * ... *

مسألة 496 حكم من طاف بعد الإفاضة

مسألة 496 حكم من طاف بعد الإفاضة 9076 - قال أصحابنا: إذا طاف بعد الإفاضة: وقع عن طواف الصدر، وإن أقام بعد ذلك لحاجة ثم خرج: لم يجب عليه طواف، والمستحب أن يطوف حتى يخرج من الخلاف. 9077 - وقال الشافعي: يعيد الطواف. 9078 - لنا: أنه طواف يجب بعد الوقوف، ولا يتكرر، كطواف الزيارة. 9079 - ولأن الطواف وقع موقعه، بدلالة: أنه لو خرج في الحال جاز، وكل طواف وقع عن المستحق، لم يتعين حكمه بالإفاضة، كطواف الزيارة. 9080 - ولأنه فعل النسك في وقته بكماله، فلم يلزمه إعادته. أصله: سائر المناسك. 9081 - ولأنها إقامة لغير طواف الصدر، فإذا عزم بعدها على الانتقال، لم يجب عليه طواف من غير تجديد إحرام، أصله: إذا طاف ثم جعل مكة دارًا، ثم أراد الخروج منها لبعض حاجاته. 9082 - احتجوا: بحديث ابن عباس - رضي الله عنه -: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا ينفرن أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت الطواف).

9083 - قلنا: معناه: حتى يكون آخر مناسكه الطواف؛ بدلالة: أنه لو طاف ثم أقام متهيئًا للخروج، لم يلزمه طواف آخر، وإن لم يكن ما أورد آخر عهده بالبيت. 9084 - قالوا: هذا الطواف يسمى طواف الصدر وطواف الوداع، فإذا أقام بعده ولن يصدر: زال عنه الاسم؛ لأن الأفضل أن يفعله عند التوديع. 9085 - قلنا: زوال هذا الاسم لا يمنع وقوعه موقع الوجوب. ألا ترى: أن طواف الزيارة سمي طواف الإفاضة والزيارة، ثم لو أفاض ولم يطف حتى مضى عليه وهو بمكة شهر أو أكثر، ثم طاف وقع موقع الواجب، وإن زال الاسم عنه، وكذلك طواف القدوم لو أخره بعد قدومه شهرًا أو أكثر، ثم طاف وقع موقعه وإن كان الاسم زال عنه. * ... * ... *

مسألة 497 إذا أحرم الصبي أو أحرم عنه وليه

مسألة 497 إذا أحرم الصبي أو أحرم عنه وليه 9086 - قال أصحابنا: إذا أحرم الصبي، أو أحرم عنه وليه: لم يكن ذلك الإحرام فرضًا ولا نفلاً. 9087 - ثم اختلف أصحابنا/ المتأخرون، فمنهم من قال: لا ينعقد أصلاً، ومنهم من قال: ينعقد، ولكنه لا يكون نفلاً ولا فرضًا بل يكون حج اعتبار، وتمرين، وتعليم. 9088 - وقال أبو حنيفة: يجتنب ما يجتنب البالغ من المحظورات، فإن فعلها: فلا شيء عليه. 9089 - وروى ابن شجاع عن أبي مالك، عن أبي يوسف، عن أبي حنيفة: أنه قال: يجتنب الطيب، ولا يجتنب اللبس [وقد] أبيح لبعض المحرمين. 9090 - وقال الشافعي: إن لم يكن مميزًا: صح إحرامه بإحرام وليه عنه، وإن كان مميزًا؛ صح إحرامه بإذن وليه، وإن أحرم بغير إذن الولي، ففيه وجهان. 9091 - والولي الذي يصح بإذنه إحرامه من أولي العصبة إذا كان وصيًّا، وأما الأخ، والعم إذا لم يكونا وصيين، ففيه: وجهان. 9092 - وأما الإحرام: فالصحيح أنه لا يلبي في الإحرام.

9093 - ومن أصحابنا من قال في مال الصبي: وما أمكنه فعله من المناسك: فعلها بنفسه، وما لم يمكنه: فعله الولي عنه، وإن زوجه وليه: لم ينعقد النكاح، وإن تطيب، أو لبس، أو قبل بشهوة، أو وطئ فيما دون الفرج: ففي وجوب الفدية وجهان. 9094 - وأما حلق الشعر، وتقليم الأظفار، وقتل الصيد، ففيه الفدية على المذهب الصحيح. 9095 - ومنهم من قال: فيه قولان، ثم إذا وجبت الفدية نص الشافعي على: أنها تجب على الولي. قالوا: ففيها قول آخر: أن الفدية في مال الصبي، وإذا جامع عامدًا، فقد أفسد الحج. إذا قالوا: إن عمد الصبي عمد، وعليه بدنة. 9096 - وفي وجوب القضاء بالإفساد قولان، فعلى القول الأول الذي قال: يجب القضاء فهل يصح منه وهو صغير؟ المنصوص: أنه يصح منه، ومن أصحابه من قال: لا يصح منه حتى يبلغ. 9097 - لنا: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم). 9098 - فإن قالوا: الخبر يمنع وجوب العبادات عليه، وعندنا الحج له وليس عليه. 9099 - قلنا: وعندكم إذا دخل فيه، كان عليه المضي في جميع أحكامه، وهذا ينفيه الخبر. 9100 - ولأن الإحرام سبب يجب الحج به؛ فلا ينعقد للصبي وإن أذن وليه فيه، كالنذر.

9101 - ولأن النذر تأكد في الإيجاب، بدلالة: أن العبادات تجب على البالغ بنية. 9102 - واختلفوا في الدخول، فإذا لم يجب بنذر الصبي فلا يجب بدخوله أولى. 9103 - فإن قيل: الدخول قد يجب بما لا يجب عليه بالنذر، يدل عليه: أن من حج حجة افسلام ونسيها فنذر حجة الإسلام: لم يتعلق بنذره حكم، ولو دخل فيها ينوي حجة الإسلام: وجبت عليه. 9104 - قلنا: لأن نذر ما أوجبه تعالى [لا يصح، والنذر لا يجب به غير الموجب، وأما الدخول فيصح أن يقع المعنى من غير ما دخل فيه؛ بدلالة: أن] من افتتح الظهر، فأقام الإمام لها، قطع على شفع، وصارت نافلة، ودخل في الفرض. 9105 - ولأنه غير مكلف؛ فلم يصح عقده الإحرام، كالمجنون. 9106 - ولأن من لا يلزمه الحج بالنذر لا ينعقد إحرامه، كالمجنون. 9107 - ولا يلزم المغمى عليه؛ لأن إحرامه لا يتعذر لعقله، وإنما يعقد له. 9108 - فإن قيل: المعنى في المجنون: أنه لا يجتنب ما يجتنبه المحرم، ولا يقبل قوله في الإذن والهدية. 9109 - قلنا: لما تبعه فيما يمنع منه المحرم لا نسلمه؛ لأنه إن عدد الإحرام؛ جاز، ويجب. 9110 - وأما قبول قوله في الهدية فيدل على أن المعنى قول صحيح، وهذا المعنى لا يدل على وجوب الحج بقوله الذي هو النذر، فالأولى أن لا يدل على وجوبه لفعله ونيته حجة الإسلام، أو لا يسقط بمجرد أو بمطلق إحرامه حجة افسلام قبل أدائها، فلا ينعقد إحرامه عن الحج أو بالصبي، كالصبي إذا أحرم بالحج قبل أشهر الحج، وعكسه البالغ الفقير. والدليل عليه: أنه لا يصير محرمًا بإحرام الولي لأن إحرام وليه يتضمن إيجاب الحج عليه، فصار كنذره. 9111 - ولا يلزم المغمى عليه يهل عنه أصحابه؛ لأنه لا يصير محرمًا بفعلهم، بدلالة أنه لو أفاق، وقال: ما قصدت الحج، أو ما نويت، أو منعت أن يحرم عني

غيري، لم يكن محرمًا. 9112 - ولأن الصبي لم يوجد منه قصد الحج؛ فلم يصر محرمًا بإحرام غيره، كالبالغ. ولأنه يلي عليه، فلم يصر محرمًا بإحرامه عنه، كالولي إذا أحرم عنه. 9113 - احتجوا: بقوله تعالى: {لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدًا فجزاء}. 9114 - قلنا: هذا خطاب المكلفين؛ بدلالة: أنه خيرهم بين المثل والإطعام؛ والصبي لا يدخل في الصوم بالاتفاق. 9115 - وقال تعالى: {ليذوق وبال أمره}، {ومن عاد فينتقم الله منه}، وهذا لا يتناول الصبي. 9116 - فإن قيل: الآية تناولت العبد وإن كان لا يصح منه المثل والإطعام. 9117 - قلنا: ما تناولته الآية، وإنما أوجبناه عليه بدليل آخر. 9118 - احتجوا: بحديث ابن عباس - رضي الله عنه -: (أنه قال: مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإمرأة، وهي في محفتها، فقيل لها: هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذت بعضد صبي، فقالت: ألهذا حج؟، قال: نعم، ولك أجر). وروي: (فرفعت صبيًا من محفتها). 9119 - قلنا: عندنا له حج اعتبار وتمرين وتعليم؛ فقد قلنا بظاهر الخبر، والخلاف في حج الفرض والنفل، وليس في الخبر دلالة على ذلك. 9120 - فإن قيل: هذا لا يخفى حتى تسأل عنه.

9121 - قلنا: جواز هذا لا نعلمه إلا من طريق الشرع، فلأنه إلحاق لصبي عارٍ عن التكليف، فلولا الشرع، لم يجب أن نعرضه لذلك. يبين ذلك: أنه أضاف الأجر إليها، ولو كان نفلاً لكان أجره له، وإنما يجوز أن يحصل لغيره على طريق التبع، فلما أضاف الأجر إليها وسكت عن الصبي، دل على ما قلناه. 9122 - ومن أصحابنا من قال: يحتمل أن يكون هو بلغ أو لم يبلغ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: له حج، فإنه حكم ببلوغه. 9123 - فإن قيل: في الخبر: (إنها رفعت صبيًّا). 9124 - قلنا: إذا أشكلت حاله، فهو صبي حتى يعلم حاله، وقولهم: إنها رفعت بعضده، وهذا لا يكون إلا في الطفل. 9125 - قلنا: رفعت يدًا منه، كما يقال: رفعت فلانًا إلى الحاكم. 9126 - ولا يقال: في الخبر: إنها رفعته من محفة لها، ومحفة العرب لا تسع اثنين. 9127 - قلنا: رفعته من محفتها لا يقتضي: أنها كانت هي في المحفة، فجاز أن يكون هو فيها دونها فرفعته إليه. 9128 - قالوا: فكيف يشكل في البالغ أنه يجوز حجه؟ 9129 - قلنا: لا يشكل في البالغ، وإنما أشكل الشك في بلوغه. 9130 - قالوا: روي عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أيما صبي حج

عشر حجج، ثم بلغ، فعليه حجة الإسلام). 9131 - قلنا: هذا يدل على: أنه يحج، وعندنا: الحج على ثلاثة أضرب: فرض، ونفل، وحج اعتبار وتمرين، فإضافة الحج إليه صحيحة. 9132 - قالوا: روى ابن عباس رضي الله عنهما (أنه قال: حججنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعنا النساء والصبيان). وعن السائب بن يزيد (قال: حج بي أبي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا ابن سبع سنين)، فكان من فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 9133 - قلنا: الحج بالصبي لا يمنع منه، فليس من فعل ذلك دلالة. وقول ابن عباس: (أحرمنا عن الصبيان)، ليس معناه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عرفه، فأقر عليه، وقد قال: (أحرمنا عن النساء)، وذلك لا يجوز بالإجماع. 9134 - قالوا: يجتنب ما يجتنبه المحرم على الإطلاق، فكان محرمًا، كالمغمى عليه إذا أهل عنه. 9135 - قلنا: لا نسلم، بل إنه يجتنب ما يحظره الإحرام على الإطلاق، ولا

يجتنب المخيط، فلا يجتنب ما يشق عليه اجتنابه. 9136 - ولأنا قلنا: إنه محرم إلا أنه إحرام لا يلزم المضي فيه، فقد قلنا بموجبها، وأصلهم: المغمى عليه، وهو ممن يلزمه العبادات، فجاز أن يتقدم بفعل غيره إذا انضم إليه قصده ونيته، وهذا لا يوجد في الصبي. 9137 - ولأن المغمى عليه أنه متفق على وجوب الكفارة عليه بجناياته، قلنا اختلف في وجوب الكفارة على الصبي بجنايته، دل على أنه ليس بمحرم. 9138 - قالوا: قربة لله! بل لها، فانعقدت للصبي، كالطهارة. 9139 - قلنا: قد بينا أنه ينعقد، والخلاف فيما بعد الانعقاد؛ لأن الطهارة لا يقال لها: انعقدت؛ لأن العقد يقال فيما يشتمل على جملة تتعلق بعينها في الصحة ببعض، وهذا لا يوجد في الطهارة. 9140 - ولأن الطهارة لما صحت منه، لم يكن لوليه فيها مدخل، ولما لم يصح دخوله في الإحرام بنفسه دون الولي، دل على: أنها عبادة لا تنعقد له. 9141 - قالوا: من صحت طهارته، انعقد إحرامه، كالبالغ. 9142 - قلنا: انعقاد صلاته كانعقاد إحرامه؛ لأن من أصحابنا من يقول: لا ينعقد كل واحد منهما، ومنهم من يقول: ينعقد انعقاد تمرين واعتبار، انعقادًا لا يجب المضي فيه، ولا القضاء بإفساده. والمعنى في البالغ: أنه ممن يلزمه الحج بنذره، فلزمه بعقده، والصبي بخلافه. 9143 - فإن قيل: إذا قلتم: إحرامه قد انعقد، فكيف لا توجبون الكفارات عليه؟. 9144 - قلنا: إحرامه قد انعقد على وجه لا يلزمه إتمامه ولا المضي فيه. والكفارات تجب لجبران معنى آخر من العبادة ومن الإحرام/ ومن كان ذلك لا يجب عليه

حكم غير الذي هو في حكمه. 9145 - فإن قيل: إذا افتتح الصلاة لزمه جبرانها بسجود السهو، وكذلك يجب عليه جبران الإحرام. 9146 - قلنا: جبران الصلاة من جنسها، ويجوز أن نكلفه أعمال البدن تمرينًا واعتبارًا [وجبران الحج مال، والصبي لا يجوز أن تكلفه حقوق المال تمرينًا واعتبارًا]، يدل على الفرق بينهما: أن جبران الصلاة عمل بدن، وهو مأمور به، وجبران الحج من [خلل] كان عمل به، والصوم لم يؤمر به، فالمال أولى وأحرى أن لا يؤمر به. * ... * ... *

مسألة 498 حكم المغمى عليه في الميقات

مسألة 498 حكم المغمى عليه في الميقات 9147 - قال أبو حنيفة: إذا خرج الرجل حاجًا فأغمي عليه في الميقات، فإن أهل رفقته يحرمون عنه، [ويصير بفعلهم محرمًا، وكان أصحابنا يقولون: وليس في غير أهل رفقته رواية]. 9148 - قياس قوله يقتضي جواز ذلك لهم، وإن أمر الصحيح رجلاً يلبي عنه، فليس فيه نص، لكنهم قالوا: لو اشترى تسعة نفر بدنة، فقلدها أحدهم بأمرهم وهم نووا، صاروا محرمين، والتقليد مع النية، كالتلبية مع النية. 9149 - وقال الشافعي رحمه الله: لا يصير بفعل الغير محرمًا. 9150 - لنا: أنه ركن من أركان الحج، فجاز أن يتعلق بفعل الغير حال الإغفال، أصله: إذا طافوا به، ودفعوا عن عرفة، فإن فِعل هذا هو الطواف والوقوف. 9151 - قلنا: بل هم الفاعلون ذلك فيه؛ بدليل: أنه لو أعثر به إنسان فمات، ضمنوا دون المغمى عليه، ولو صدم إنسانًا، لزمهم الضمان.

9152 - ولأنهم لو وضعوا الحمل في يده وألقوها فأتلفت مالاً، ضمنوه دونه، فدل على: أنهم الفاعلون لذلك. 9153 - ولأنه لو أمرهم بذلك الأغمي، صح إحرامهم [له]. يدل عليه: أن كل ما ملك الأب على ابنه بالولاية ملك الأجنبي على الأجنبي [بالإذن والأمر]، كسائر العقود، وإذن ثبت: أنه يملك الإحرام عنه بالأمر، ومعلوم: أن من خرج حاجًّا وأنفق ماله وبلغ الميقات فهو لا يختار أن يضيع قصده بل يؤثر أن يحرز له نفقته بفعل الإحرام عنه، والأمر بالعادة كالأمر بالنطق، بدلالة من ذبح أضحية غيره. 9154 - احتجوا: بأنه بالغ؛ فوجب أن لا يصير محرمًا بعقد غيره عليه، أصله: النائم. 9155 - قلنا: النائم لا ينعقد إحرامه بنفسه؛ لأنه يوقظ فيحرم، والمغمى عليه يتعذر عليه ذلك، فيقوم الركن مع قصده، فصار كما لو خافوا أن يفوته الوقوف. 9156 - قالوا: عقد للإحرام على المغمى عليه؛ فوجب أن لا يجوز، أصله: إذا كان في بلده. 9157 - قلنا: ليس لهم إخراجه وحمله إلى مكة، فجاز لهم الإحرام عنه إذا تقدم القصد إلى الإحرام. * ... * ... *

مسألة 499 إذا جامع امرأته قبل الوقوف بعرفة

مسألة 499 إذا جامع امرأته قبل الوقوف بعرفة 9158 - قال أصحابنا: إذا جامع امرأته قبل الوقوف بعرفة، فسد حجه، وعليه شاة. 9159 - وقال الشافعي: عليه بدنة. 9160 - لنا: أنه سبب لوجوب القضاء؛ فلا يجب به بدنة، أصله: الفوات، والإحصار. 9161 - فإن قيل: الفوات أخف؛ لأنه يحصر بسبب فيه تفريط. 9162 - قالوا: ولأن من فاته الحج لا دم عليه عندكم؟! والمفسد يجب عليه هدي بالإجماع، ومفسد الصوم يجب عليه الكفارة، وبفواته عن وقته لا كفارة عليه!

9163 - قلنا: لا فرق بين الفساد والفوات؛ لأن كل واحد منهما يجوز أن يحصل بسبب لا تفريط فيه، كالمرأة إذا أكرهت على الوطء. 9164 - فأما الدم فلا يجب على من فاته الحج؛ لأنه لزمه طواف وسعي فقام مقام الدم. 9165 - وأما الصوم فخالف الحج في الكفارة؛ لأن الكفارة تجب في الحج من غير إفساد، ولا تجب كفارة الصوم إلا بالإفساد، فلذلك اختلف [الفوات والإفساد فيه ولأنه وطء] في حال لا يؤمن فيها الفوات، فلم يلزمه بدنة، كما لو وطء ناسيًا. 9166 - ولأنه من محظورات الإحرام، فلم يجب فيه القضاء مع الفدية، أصله: قتل النعامة، وسائر محظورات الإحرام. 9167 - احتجوا: بما روى عبد العزيز بن رافع، قال: (سأل رجل ابن عباس عن محرم جامع امرأته؟، فقال: يمضيان في حجهما وينحر بدنة، وعليهما الحج من قابل). 9168 - قلنا: هذا الخبر ذكره الطحاوي بإسناده عن حماد بن سلمة، عن جعفر بن أبي وحشية، عن سعيد بن جبير (أن رجلاً سأل ابن عباس عن رجل وقع بامرأته، وهما محرمان؟، فقال: يقضيان نسكهما، فإذا كان عامًا قابلاً حجًا وعليهما هدي). وكذلك رواه شعبة، عن أبي بشير، عن رجل من بني عبد الدار، وكذلك رواه هشيم عن أبي بشير.

9169 - كل هذه الأخبار إيجاب الهدي، ولذلك يتناول شاة، والمعروف من قول ابن عباس: أنه قال: لا يجب البُدن في الحج إلا في موضعين: من وصل بعد الوقوف، ومن طاف طواف الزيارة جنبًا، فأقل الأحوال أن تتعارض الرواية. 9170 - قالوا: وطء عمد صادف إحرمًا لم يتحلل منه شيء، أو إحرامًا تامًا؛ فوجب به ندبة، كما لو كان بعد الوقوف؛ لأنه قبل الوقوف أجمعوا على أنه يفسد حجه، واختلفوا بعده، فإذا وجبت البدنة، في أحسن حالتيه، فلأن تجب في أسوأ حالتيه أولى. 9171 - قلنا: لا نسلم أن الوقوف للإحرام تام - لم يتم بعد - وإنما يتم ويكتمل بانضمام الوقوف إليه بذلك. على أن هذا قبل الوقوف إذا كان الإحرام منهما يجوز أن يصير حجة، ويجوز أن يصير عمرة، فإذا وقف لم تصر أبدًا، وقبل الوقوف يجوز أن يسقط أفعاله، ويتحلل منه بطواف وسعي، وبعد الوقوف لا يجوز أن يتحلل منه إلا بجميع أفعاله. وعلى أصلهم: إذا بلغ الصبي قبل الوقوف انقلب إحرامه فرضًا، وبعد الوقوف لا يجزئ عن الفرض، وعلى هذا: عقد البيع يقوى بانضمام القبض له، وهو ضعيف قبله، ولهذا يفسده قبل القبض مالا يفسده بعده، وتحريم الصلاة كذا بانضمام الأفعال إليها، فهي ضعيفة قبل ذلك، بدلالة: أن الإمام إذا افتتح الجمعة عندنا ثم نفر الناس عنه، بطلت صلاته، ولو نفروا بعد انضمام الأركان إليها لم يقدر عند مخالفنا، المدرك للإمام إذا أدرك مقدار التحريمة أن يبني عليها الجمعة. وإن أدرك معه الأركان بنى؛ فدل هذا كله على: أن الإحرام يتأكد بعد الوقوف غير تام قبله، فإذا صادف الوطء إحرمًا تامًا: تأكدت الكفارة، وإن صادف إحرامًا لم يتم ولم يكمل: ضعف حكمه، كما لو حصل الوطء بعد التحلل. 9172 - ولأن الوطء قبل الوقوف يجب به القضاء، فلما تأكد حكمه في إيجاب القضاء لم يتغلظ بالكفارة، والوطء بعد الرمي لما لم يتغلظ حكمه في إيجاب القضاء جاز أن يتغلظ بإيجاب الكفارة.

9173 - قالوا: كل ما أوجب بدنة إذا فعله بعد الوقوف، فإذا فعله قبل الوقوف، وجبت تلك الفدية، كاللباس، والطيب، وقتل الصيد. 9174 - وربما قالوا: فعل حرم بالإحرام، فوجب أن يكون حكمه قبل الوقوف وبعده سواء قياسًا على سائر المحظورات. 9175 - قلنا: هذه المعاني التي ذكروها تجب بها كفارة الصغرى، فيستوي حكمها في الحالتين، فهذا الفعل يوجب الكفارة الكبرى فيجوز أن يختلف أحواله. 9176 - ولأن سائر المحظورات لم تتغلظ قبل الوقوف وبعده بمعنى غير الدم، فلم تختلف صفة الدم، والوطء يتغلظ في إحدى الحالتين، فوجب القضاء. ويخفف في باب القضاء إذا حصل بعد الرمي بالإجماع؛ فجاز أن يغلظ إذا خف حكمه في معنى القضاء. 9177 - قالوا: كفارة وجبت بإفساد عبادة، فكانت العظمى، كالتي يجب بإفسادها الصغرى. 9178 - قلنا: الصوم يجب جبرانه بجنسه، والكفارة لا تجب لجبرانه، بدلالة: أنها لا تجب مع الفساد، وليس كذلك الحج؛ لأن جبرانه تارة يقع بجنسه، مثل: مجاوزة الميقات، فأحرم ثم عاد إليه وأحرم، ومن دفع من عرفات عاد إليه، ويقع جناية لغير جنسه أيضًا، فمتى وجب الجبران بجنسه خف جبرانه بالمعنى الآخر حتى لا يتغلظ جبرانه من وجهين. وهذا المعنى لا يوجد في الصوم؛ لأن الكفارة لا تكون جبرانًا، بدلالة: أنها لا تنفرد عن القضاء، فلم يكن التغليظ بالقضاء مؤثرًا في قضائها. * ... * ... *

مسألة 500 حكم من وطئ بعد الوقوف بعرفة

مسألة 500 حكم من وطئ بعد الوقوف بعرفة 9179 - قال أصحابنا: إذا وطئ بعد الوقوف بعرفة، لم يفسد حجه، وعليه بدنة. 9180 - وقال الشافعي: يفسد حجه إذا وطئ قبل الرمي. 9181 - لنا: قوله عليه الصلاة والسلام: (الحج عرفة، فمن أدرك عرفة، فقد أدرك الحج)، ظاهره يقتضي أنه لم يبق وإن جامع. 9182 - وقال عليه الصلاة والسلام: (الحج عرفة، فمن أدرك عرفة، فقد تم حجه، وقضى تفثه)، ووصفه بالتمام يقتضي: أنه لم يبق عليه فرض من فروضه،

وأن الفوات لا يلحقه. 9183 - ولا يقال: المراد به: مقاربة؛ لأنه قال هذا بعد ما بين أفعال الحج، ومقاربة التمام لمن عرف المناسك معلومة بالمشاهدة. 9184 - ولأن ذلك مجاز لا يصار إليه إلا بدليل. ولا يقال: نحمله على أنه أمر الفوات؛ لأن الظاهر يقتضي أنه أمر الأمرين جميعًا، فحمله على أحدهما تخصيص. 9185 - فإن قيل: قد قال عليه الصلاة والسلام: (إذا رفعت رأسك من آخر السجدة/ وقعدت، فقد تمت صلاتك)، ولم يمنع ذلك ورود الفساد. 9186 - قلنا: التمام أراد به هناك: أنه لم يبق عليه فرض من فروضها، ولا يجوز أن يكون هذا هو المراد به ههنا؛ لأنه بقي عليه فرض، فعلم أنه أراد به الأمن من فسادها، كما تقول: تم هذا الشيء إذا استقر وتأكد. 9187 - ولأنه وطئ بعد الوقوف، فلا يفسد الحج، كوطء المكره. 9188 - ولأن ما تعلق به وجوب الفدية، لم يفسد الحج، كقتل النعامة. 9189 - ولأنه معنى يوجب القضاء؛ فلا يثبت بعد الوقوف، كالفوات. 9190 - ولا يلزم الرده؛ لأنها [لا] توجب القضاء وإنما توجب الأداء. 9191 - ولأنه أمن من فوات الحج؛ فوجب أن يأمن من فساده، كما بعد الرمي. 9192 - فإن قالوا: فعل العمرة قد أمن فواتها ولا يأمن فسادها. 9193 - قلنا: الفساد يعتبر بالفوات فيما يلحقه الفوات، فأما ما لا يلحقه الفوات، فهو يعتبر بأصل آخر. 9194 - قالوا: إذا نوة الصوم فقد أمن فواته، ولا يأمن فساده. 9195 - قلنا: الصوم لا يلحقه فوات بعد الدخول فيه، وإنما يلحقه الفوات [قبل

الدخول فيه قصدًا منه، وهو بحيث لا يلحقه الفوات]، ولا يعتبر الفساد به. 9196 - ولأنه جامع في إحرام تأكد بفعل معظم أركانه، فصار كالوطء بعد الرمي، يبين ذلك: بمن قدم السعي حتى سلم أكثر الأفعال للأركان. 9197 - ولأن الجماع يمنع ما بقي من العبادة على ما تقدم، ومعلوم: أن ترك الرمي لا يمنع من صحة ما تقدم، وتعلق حكم الجواز به إفساده بالوطء مثله. 9198 - ولأنه بقي عليه بعد الوقوف ركن، وهو الطواف والرمي، فإذا كان الوطء مع بقاء الركن لا يفسد، فمع بقاء المنع أولى أن لا يفسد. 9199 - احتجوا: بقوله تعالى: {فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج}، والنهي يفيد الفساد. 9200 - [قلنا: قد قيل: المراد بالرفث: الكلام الفاحش، وهذا هو الظاهر؛ لأنه قرنه بالجدال، ولو ثبت أن المراد به: الجماع، حملناه على ما قبل الوقوف بدليل. 9201 - قالوا: وطء عمد صادف إحرامًا لم يحل فيه شيء؛ فوجب أن يفسد الحج، كما لو كان قبل الوقوف]. 9202 - قلنا: المعنى في الوطء قبل الوقوف: أن الوقوف لا يمكن أداؤه بما يوجب الإحرام على الوجه الذي اقتضاه التحريم، وعدم فعل الوقوف يمنع تمام الحج، وبعد الوقوف لا يجوز أن يفسد الإحرام لنقل فعل الطواف على الوجه الذي أوجبه الإحرام؛ [لأن بقاء الطواف لا يوجب الفساد، فلم يبق من الأفعال إلا الرمي، وتعذر فعله على الوجه الذي أوجبته التحريمة] يجري مجرى تركه، وذلك لا يمنع من صحة الحج. 9203 - ولأن ما قبل الوقوف حالة يجوز أن يجب فيها الحج بفواته، فجاز أن يجب

بفساده، [وبعده لا يجوز أن يجب القضاء بفواته، فلا يجوز أن يجب بفساده]. 9204 - ولأن قبل الوقوف الإحرام ضعيف؛ [بدلالة: أنه لم يتأكد بانضمام معظم الأركان إليه، وإذا صادف الوطء إحرامًا ضعيفًا] لم يتأكد فسد، وبعد الوقوف يصادف إحرامًا متأكدًا بانضمام أكثر الأركان إليه، فتأكده يمنع من طرآن الفساد عليه. 9205 - قالوا: الحج عبادة يلحقها الفساد بغير حق، فجاز أن يلحقها ما لم يخرج منها، كالصيام. 9206 - قلنا: الصوم يلحقه الفساد متى بقي منه جزء لا يجوز أن ينفرد ما تقدم عنه، فإذا فسد الجزء فسد بما مضى. وليس كذلك الحج؛ لأن ما مضى منه منفرد بالصحة عما بقي، ففساد ما بقي بالوطء لا يوجب فساد ما يضاف إليه. 9207 - قالوا: عبادة لها تحليل وتحريم يلحقها الفساد بما بينهما، كالصلاة. 9208 - قلنا: الصلاة لا يجوز أن يبقى ركن من أركانها، ثم لا تفسد بالمعاني المفسدة. ولما كان الحج لا يفسد بالوطء مع بقاء ركن من أركانها؛ جاز أن لا يلحقه فساد مع بقاء تابع من توابعه. 9209 - قالوا: أحد محظورات الإحرام؛ فوجب أن يكون حكم ما بعد الوقوف وقبله سواء، كاللباس، والطيب، وحلق الشعر. 9210 - قلنا: هذه المحظورات لا تفسد الإحرام، وإنما توجب الجبران، والعبادة إذا وجب جبرانها قبل تأكدها، فعند تأكدها أولى، والوطء يوجب الفساد، ولا يجوز أن يقال: إذا فسدت العبادة قبل تأكدها، يجب أن تفسد بعد تأكدها.

9211 - قالوا: العبادات كلها تفسد ما لم يخرج منها، وكذلك هذه العبادة تفسد ما لم يخرج منها يلحقها الفساد، والدليل على أنه إذا رمى خرج منها: أنه يقطع التلبية، وهي من شعارها. 9212 - قلنا: هذه العبادة قد فازقت سائر العبادات، بدلالة أن سائر العبادات يلحقها الفساد ما بقي فرض من فروضها، وهذه العبادة يبقى أحد أركانها، فلا يفسده، وذلك يجوز أن لا يفسد وإن لم يخرج منها. 9213 - وعلى أنا لا نسلم أنه بالرمي خرج من العبادة، بل هو فيها إلى أن يتحلل بالحلق عندنا، ثم يتحلل بالطواف. 9214 - فأما استدلالهم بقطع التلبية؛ فلا يدل على ما قالوه. 9215 - ولأنه يقطع التلبية مع أول حصاة يرميها، ثم يلحقها الفساد عندهم ما لم يتم الرمي؛ فسقط هذا. * ... * ... *

مسألة 501 حكم تعدد الوطء، بعد الوقوف بعرفة

مسألة 501 حكم تعدد الوطء، بعد الوقوف بعرفة 9216 - قال أصحابنا: إذا وطئ ثم وطئ: فعليه في الثاني شاة. 9217 - وقال الشافعي: إذا لم يكفر عن الأول، ففيه قولان، أحدهما: شاة، والآخر: بدنة. 9218 - لنا: أنه وطء، صادف إحرامًا، نقضت حرمته بالوطء؛ فصار كالوطء بعد التحلل. 9219 - ولأن الوطء معنى يوجب القضاء، فإذا وجد بعد الوطء لم يتعلق به فدية، كالفوات.

9220 - ولأنها عبادة تجب بالوطء فيها الكفارة العظمى، ولا تتكرر بالوطء، أصله: الصوم. 9221 - ولأنه هدي لا تجب في الطيب واللباس، ولم تجب في الوطء الثاني، كالتدبير. 9222 - ولأن الوطء الثاني لو حصل قبل الوقوف لم يفسد به الحج. 9223 - قالوا: وطء حصل بعد الوقوف لم يجب به بدنة، كالوطء فيما دون الفرج. 9224 - احتجوا: بأنه وطء عمد، صادف إحرامًا لم يتحلل منه، فوجبت به الكفارة، كالأول. 9225 - قلنا: اعتبار الوطء الثاني بالأول لا يصح؛ لأن الأول صادف إحرامًا لم يهتكه، والثاني صادف إحرامًا قد نقض بالوطء، وحكم الأمرين مختلف بالاتفاق، ألا ترى: أن اللبس الثاني والطيب لا يتعلق به الكفارة عندهم إذا لم يكفر، وكذا الجماع على أحد القولين، وكذلك يجوز أن يختلف عندنا في مقداره. 9226 - قالوا: كل ما لم تقدم فيه الكفارة فإذا كرره بعد التكفير عن الأول: فيه الكفارة، كاللباس، والطيب. 9227 - قلنا: نقول بموجبه؛ لأن عندنا فيه الكفارة، وإنما الخلاف في قدرها - وإن عللوا القدر - والطيب. 9228 - قلنا: اللباس والطيب لا يختلف قدر الكفارة فيهما، والأول والثاني سواء، والوطء مختلف مقدار الكفارة فيه، تارة تجب بدنة، وتارة تجب شاة، فكذلك جاز أن يختلف الأول والثاني. * ... * ... *

مسألة 502 إذا جامع امرأته ففسد حجهما

مسألة 502 إذا جامع امرأته ففسد حجهما 9229 - قال أصحابنا: إذا جامع امرأته ففسد حجهما: وجب عليهما القضاء، ولا يلزمهما الافتراق. 9230 - وقال الشافعي: إذا بلغا إلى الموضع الذي جامعها فيه: فرق بينهما. 9231 - ومن أصحابنا من قال: التفرقة بينهما واجبة، ومنهم من قال: مستحبة. 9232 - لنا: أن التفرق ليس بنسك في الابتداء، فلا يكون نسكًا في القضاء، كالافتراق في دفعتين. ولأنها عبادة تجب في إفسادها الكفارة بالوطء، فلم يؤمر بمفارقتها في القضاء، كالصوم؛ لأنه من محظورات الإحرام، فإذا فعله لم يلزمه مفارقته، كالثوب المخيط. 9233 - ولأنه قضاء عبادة أفسدها بالجماع، فلا يؤمر بالافتراق فيها، أصله:

الصوم، والاعتكاف. 9234 - احتجوا: بما روي عن عمر، وابن عباس رضي الله عنهما: أنهما يفترقان، ولا مخالف لهما في الصحابة. 9235 - قلنا: هذا إنما قالاه على طريق الاستحباب مخافة أن يواقعها، فيفسد حجه ثانيًا، لا أن ذلك واجب، وهذا كما منع النبي - صلى الله عليه وسلم - الرجل أن يخلو بامرأة، مخافة أن يواقعها وإن لم تكن الخلوة محرمة. 9236 - قالوا: إذا وصل إلى ذلك المكان تذكر ما كان منهما، فلم تؤمن المعاودة. 9237 - قلنا: لو كان كذلك لكان الافتراق عقيب الوطء في السنة الأولى، وكان يجب مثل ذلك في أيام الصوم، ويجب على المظاهر إذا جامع امرأته أن يفارقها مخافة أن يتذكر فيعاود وطأها. * ... * ... *

مسألة 503 وطء الناسي والجاهل والمكره

مسألة 503 وطء الناسي والجاهل والمكره 9238 - قال أصحابنا: وطء الناسي والجاهل والمكره يفسد الحج. 9239 - وهو أحد قولي الشافعي، وقال في قول آخر: لا يفسد، قالوا: وهو الصحيح. 9240 - لنا: ما روي أن ابن عباس رضي الله عنهما (سأله رجل، فقال: واقعت أهلي؟، فقال: يقضيان ما بقي من نسكهما، فإذا كان عامًا مقبلاً فإذا أتيا على المكان الذي أصابا فيه تفرقا في وقتين، ولا يجتمعا حتى يقضيا نسكهما وعليهما هدي)، وكان هذا الجواب بمشهد من/ ابن عمر، وجبير بن مطعم، ولم يستفسر، فلو كان الحكم يختلف لسأل عنه. 9241 - ولأنه وطء قبل الوقوف؛ فوجب أن يفسد الحج، كالعمد. 9242 - ولأنه معنى يوجب قضاء الحج؛ فاستوى سهوه وعمده، كالفوات.

9243 - وقالوا: المعنى في الفوات: أنه ترك المأمور به في العبادة، فاستوى سهوه وعمده، وفي مسألتنا: فعل المنهي عنه، فصار كالمجامع في الصوم، والأول كمن ترك النية. 9244 - قلنا: إن كان النسيان عذرًا؛ فوجب أن يؤثر في الأمرين، وإن لم يكن عذرًا؛ لم يؤثر فيهما. 9245 - ولأن الاحتراز من فعل المنهي عنه يمكن ما لا يمكن من ترك المأمور به، فإذا استوى عمد الترك وسهوه، فعمد الفعل وسهوه أولى، فأما الصوم فلم يختلف ما قالوه، وإنما اختلف لأنه ليس للصائم أمارة تدل على كونه صائمًا، فعذر في فعل ما نهي عنه ناسيًا؛ ولأنه معنى يوجب الهدي فاستوى سهوه وعمده، كمجاوزة الميقات. 9246 - احتجوا: بقوله عليه الصلاة والسلام:) رفع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه)، وقد تكرر جوابنا عنه. 9247 - قالوا: عبادة يفسدها الوطء، فلم يفسدها على وجه السهو، كالصيام. 9248 - قلنا: الصوم يصح الدخول فيه بغير قصد منه، فما يفسده يجوز أن يختلف بالقصد وعدمه، والحج لا يجوز الدخول فيه بغير قصده، فما يفسده لا يختلف. 9249 - ولا يلزم المغمى عليه؛ لأنه لا يدخل في الإحرام، ولكنه يدخل فيه. 9250 - ولأنه ليس للصوم أمارة تدل عليه؛ فكان معذورًا في النسيان، والحج له أمارة تدل عليه، وهو التجرد، والتلبية، فلم يكن معذورًا فيه. 9251 - قالوا: استمتاع لا يفسد الصوم، فلا يفسد الإحرام، كالوطء فيما دون الفرج. 9252 - قلنا: المعنى في الأصل: أن عمده لا يفسد الحج، فخطؤه مثله، ولما كان عمد الوطء مؤثرًا في الحج كذلك خطؤه، كقتل الصيد، ومجاوزة الميقات. 9253 - قالوا: لو ألزمناه القضاء لم يأمن ذلك في القضاء. 9254 - قلنا: يبطل بالفوات وبإيجاب الكفارة في قتل الصيد ومجاوزة الميقات.

مسألة 504 إذا وطئ في العمرة فأفسدها

مسألة 504 إذا وطئ في العمرة فأفسدها 9255 - قال أصحابنا: إذا وطئ في العمرة فأفسدها: فعليه شاة. 9256 - وقال الشافعي: إذا أفسدها: فعليه بدنة. 9257 - لنا: أنها عبادة تجب بإفسادها الكفارة العظمى؛ فلم تجب الكفارة بإفساد جميع نوعها، كالصوم. 9258 - ولأن حرمة العمرة أنقص من حرمة الحج؛ بدلالة: نقصان أركانها، ونقصان حرمة الإحرام يمنع من كمال الكفارة، أصله: الوطء بعد التحلل الأول؛ لأنه وطء أفسد به العمرة، فلم تجب لأجلها بدنة، كالقارن. 9259 - احتجوا: بأنها كفارة وجبت لإفساد عبادة، فوجب أن يكون الكفارة العظمى، كالصوم.

9260 - قلنا: الصوم دلالة لنا؛ لأن الكفارة العظمى [كلما وجبت بإفساده اختص من بين نوعه بها، ولما وجبت الكفارة العظمى] بالوطء في الحج، وجب أن يختص من بين نوع الإحرام به، ونقلب فنقول: فلا تجب الكفارة العظمى بإفساد ما هو أنقص منه، كالصوم. 9261 - قلنا: العمرة تشبه الحج؛ بدلالة: أنه يحرم لكل واحد منهما من الميقات ويلزم الدخول، ويجب المضي في فاسدها ويؤدي بها مطلق النذر. 9262 - قلنا: فعلى أصولنا: الوطء الذي يفسد به الحج لا تجب به بدنة، وقد دللنا على ذلك؛ لأن العمرة وإن ساوت الحج فيما ذكروه، فقد نقصت حرمتها عنه؛ بدلالة: نقصان أركانها، فإنها تجمع معه في إحرامه، وتدخل أفعالها في افعاله عند مخالفنا. وعندنا يقوم الدم مقام جميعها في المحصر، وإذا نقصت عن الحج في هذه الأحكام نقصت في باب الكفارة. * ... * ... *

مسألة 505 إذا وطئ الحاج في الموضع المكروه أو ذكزا أو بهيمة

مسألة 505 إذا وطئ الحاج في الموضع المكروه أو ذكزا أو بهيمة 9263 - قال أبو حنيفة: إذا وطئ الحاج في الموضع المكروه أو ذكزا، أو بهيمة: لم يفسد حجه في إحدى الروايتين. 9264 - وقال الشافعي: يفسد حجه، وعليه بدنة. 9265 - لنا: أنه وطء في موضع لا يجب بالوطء فيه مهر يحلل، كالوطء فيما دون الفرج. 9266 - ولأن جنسه لا يستباح بعقد النكاح، فلا يفسد الحج مع الحرمة، كالوطء الذي يحصل في الذكر فيما دون الفرج. 9267 - ولأنه حكم لا يتعلق بالإنزال مع المباشرة، فلا يتعلق بالوطء في الموضع المكروه لوجود المهر، والإباحة للزوج الأول، والإحصان. 9268 - احتجوا: بأنه وطء في الفرج، أو وطء يوجب الغسل؛ فجاز أن يفسد الحج قياسًا على الوطء في الفرج. 9269 - قالوا: ولأنه أغلظ؛ لأنه لا يستباح بحال. 9270 - قلنا: المعنى في الوطء في الفرج: أن أحكام الوطء تتعلق به من المهر، والتحليل، والإحصان، وهذه المعاني لا توجد في مسألتنا. 9271 - وقولهم: إنه أغلظ؛ لأنه لا يستباح ولا يتعلق به الإفساد؛ ولأن كونه لا

يستباح بعقد على أنه غير مقصود في البيوع؛ لأن المعقود يتعلق به مهر، فإن صحت هذه الممانعة من وطء المرأة لم يكن المنع إذا فرضنا الدلالة في وطء البيهمة والذكر، وقد سلموا أن الوطء في الموضع المكروه لا يتعلق به إحصان، ولا يبحها للزوج الأول، ولا يقع بها، ولا يبطل خيار العنة، ولا يغير إذن البكر. * ... * ... *

مسألة 506 إذا وطئ القارن وجب عليه دمان

مسألة 506 إذا وطئ القارن وجب عليه دمان 9272 - قال أصحابنا: إذا وطئ القارن: وجب عليه دمان، فإن كان قبل الوقوف سقط دم القران عنه. 9273 - وقال الشافعي: عليه دم واحد، ولا يسقط دم القران عنه. 9274 - لنا: أنهما عبادتان؛ لموافقة كل واحد منهما بالوطء، فتلزمه كفارتان كالصائم في رمضان إذا كان محرمًا بعمرة فوطئ. 9275 - ولأن وطأه صادف ما يسقط به الحج والعمرة، فوجب أن يلزمه دمان، كالمتمتع إذا وطئ في العمرة ثم في الحج. 9276 - ولأنه صادف العمرة، فلزمه دم لأجلها، كالمفرد. 9277 - والدليل على سقوط دم القران: أنه لم يجمع بين الإحرامين على وجه القربة، فلم يلزمه، كالمكره إذا جامع. 9278 - احتجوا: بأنه يقتصر على خلاف واحد، فلزمه بالوطء دم واحد، كالمفرد. 9279 - قلنا: المفرد صادف وطؤه عبادة واحدة، وفي مسألتنا صادف عبادتين، كل واحدة منهما توجب كفارة على الانفراد. 9280 - قالوا: كل ما وجب فعله من القران الصحيح، كذلك في الفاسد، كالوقوف والطواف موجب الإحرام، وإنما يجب الجمع بين الفريقين فإذا أفسدها لم يحصل الجمع على وجه القربة، فصار كالمكره إذا جامع.

مسألة 507 حكم الكفارة إن كانت لعدم عذر

مسألة 507 حكم الكفارة إن كانت لعدم عذر 9281 - قال أصحابنا: الكفارة التي تجب بالحلق، واللبس، والطيب، إن كانت لعدم عذر: وجب فيها الدم ولا يخير فيه، وإن كانت بعذر: خير بين الدم والإطعام والصوم. 9282 - وقال الشافعي: خير في الوجهين، وكذلك يخير عنده فيما يجب بالقبلة بشهوة، وتقليم الأظفار، والوطء فيما دون الفرج. وأما في الدماء كلها: أبدال مرتبة. 9283 - لنا: أنها كفارة وجبت بجناية في الإحرام لا على طريق العوض، فوجب أن لا يخير فيها بين الدم، والصوم، والإطعام، أصله: الكفارة التي تجب بالوطء. 9284 - ولا يلزم جزاء الصيد؛ لأنه عوض، ولا الحلق من أذى؛ لأنه ليس بجناية.

9285 - ولأن الوطء فيما دون الفرج والقبلة استمتاع يفسد جنسه الحج، كالوطء في الفرج. 9286 - ولأنه دم يتعلق بمحظور يختص الإحرام، فلا يخير بينه وبين الصوم. أصله: الدم الذي يجب بترك الرمي، ومجاوزة الميقات. 9287 - ولا يلزم جزاء الصيد؛ لأنه لا يختص الإحرام، بدلالة: أنه محظور في الحرم. 9288 - احتجوا: بأنها كفارة يثبت فيها التخيير إذا كان سببها مباحًا؛ فوجب أن يثبت فيها التخيير إذا كان سببها محظورًا، كما في جزاء الصيد. 9289 - قلنا: تلك الكفارة وجبت على سبيل العوض، وكيفية العوض يستوي فيها الحظر والإباحة، وهذه الكفارة تجب، لا على طريق العوض، فإذا خف سببها بالإباحة خف حكمها، وإذا تغلظ سببها بالحظر، تغلظ حكمها؛ لأن الله تعالى نص على التخيير، وقتل الصيد في أغلظ الأحوال [عمد؛ فلما أوجب الكفارة على المحرم في أغلظ أحوال] قتل الصيد كان ذلك تنبيها على تخفيف حكمها فيما لم يتغلظ، وهو الخطأ، والقتل بعذر. 9290 - وأما كفارة اللبس والحلق: فنص الله تعالى على حكمها مخففة عند أخف أسبابها، فلم يجزأن يستدل بذلك على ثبوت حكم التخفيف في أغلظ أحوالها. * ... * ... *

مسألة 508 يجوز تفريق لحم الهدايا عل غير فقراء الحرم

مسألة 508 يجوز تفريق لحم الهدايا عل غير فقراء الحرم 9291 - قال أصحابنا: يجوز تفريق لحم الهدايا عل غير فقراء الحرم، وكذلك الإطعام في الجزاء والفدية. 9292 - وقال الشافعي: لا يجوز إلا في دم الإحصار، والإطعام غير دم الإحصار. 9293 - لنا: قوله تعالى: {أو كفارة طعام مساكين}. 9294 - ولا يقال: إنه عطفه على: بالغ الكعبة؛ لأنه عطف على قوله: (فجزاء مثل)، ولهذا كان مرفوعًا، فكأنه عطف أولى، ولو كان عطفًا على ما قالوه،

لكان منصوبًا، وليس بصحيح [فـ]ـكان معطوفًا على قوله: (هديًا بالغ الكعبة)؛ لأن الموصوف/ يعطف على الموصوف، ويدل عليه: قوله تعالى: {ففدية من صيام أو صدقة أو نسك}، وهذا عام. 9295 - ولا يقال: إن النسك يخص الحرم، كذلك الصدقة؛ لأن هذه دعوى، ألا ترى: أن أحد المذكورين إذا اختص بحكم لا يدل اللفظ عليه لم يجز أن يكون للآخر مثله بغير دليل. ويدل عليه: قوله عليه الصلاة والسلام لكعب بن عجرة: (تصدق على ستة مساكين بثلاثة آصع من طعام)، ولم يفصل. 9296 - ولأن كل موضع يجوز أن يجب فيه الهدي؛ يجوز أن يفرق فيه الهدي، أصله: الحرم. 9297 - فإن قيل: المعنى فيه، أنه موضع الذبح. 9298 - قلنا: تعليله بما ذكرنا؛ لأنه يثبت حكمًا عامًّا. 9299 - ولأن الواجب إذا تغير، فإن وجوب الشيء دلالة على جوازه، وليس الذبح علمًا للإحرام؛ لأنه قد يجب ذبح ما لا يلزم إخراجه، وهو الأضحية، ويخرج ما لا يذبح، وهو الإطعام. 9300 - ولأنه هدي يجوز تفريق لحمه في الحرم، فجاز في غير الحرم، أصله: دم الإحصار. 9301 - فإن قالوا: المعنى فيه، أنه يجوز ذبحه في غير الحرم، لم نسلم؛ لأنه أحد ما يقع به التكفير، فلا يختص فعله بالحرم، أصله: الصوم. 9302 - ولا يلزم؛ لأن التكفير لا يقع به، وإنما يقع بالإحرام به. 9303 - فإن قيل: المعنى في الصوم: أنه لا منفعة لمساكين الحرم فيه، فلهذا لم

يختص به. 9304 - قلنا: يبطل بالطواف، والرمي، والسعي؛ ولأنها صدقة في كفارة، ولا يختص بمكان ككفارة الظهار، واليمين. 9305 - قالوا: روى الشافعي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أنه قال: (الهدي والإطعام بمكة والصوم حيث شاء). 9306 - قلنا: عند الشافعي القياس مقدم على قول الصحابي، وعندنا لا يجب تقليده إذا خالف عموم القرآن، وعموم قوله عليه الصلاة والسلام. 9307 - قالوا: قال الله تعالى: {هديًا بالغ الكعبة}. 9308 - وأجمعوا أن ظاهرها ليس بمراد؛ لأنه لو بلغ من غير ذبح لم يجزئه، فلا يخلو إما أن يريد به النحر، أو تفرقة اللحم، أو هما، فبطل أن يكون التفرقة دون النحر؛ لأنه لو اشترى لحمًا وفرقه: لم يجز، وبطل أن يكون القصد [النحر]؛ لأن الحرم بقعة شريفة، والبقاع الشريفة تنزه عن القاذورات، فثبت أن المراد: النحر، والتفرقة معًا. 9309 - قلنا: ظاهر الآية يقتضي أن الواجب بلوغ الهدي. دلت الدلالة على إيجاب الذبح هناك، فأوجبناه، ولم تذكر دلالة على تخصيص التفرقة بتلك الأبقعة، فأما قولهم: إن الحرم بقعة شربفة، فكان يجب أن تنزه عن القاذورات غلط؛ لأن شرفها لم يوجب أن تنزه عما هو نجس من الدم، والغائط والبول والجماع ودخول الجنب والحائض، وكذلك لا تنزه عن إراقة الدماء. 9310 - ولأن تخصيص الذبح لو كان لتفرقة اللحم طريًّا على ما يقوله الشافعي، لجاز أن يذبح في أول الحل، ويفرق في طرف الحرم. 9311 - قالوا: أحد مقصودين، فاختص بالحرم، كالذبح. 9312 - قلنا: التعيين، والتقليد، والسوق مقصود أيضًا، ولا يختص الحرم.

9313 - ولأن الدم عبادة بدنية، وعبادات الأبدان تختص، [بمكان، وتفرقة اللحم من حقوق المال، ولذلك لا يختص بمكان؛ ولأن الذبح إنما يختص] بزمان، لا يختص تفريق اللحم به، كذلك ما اختص بمكان لا يختص تفريق اللحم به. 9314 - قالوا: ما تعلق بالإحرام؛ اختص بعضه بالحرم، أصله: الطواف، والسعي، والرمي. وربما قالوا: كل ما لم يكن من شرطه الجمع بين الحل والحرم، فإذا اختص بعضه، اختص كله به، كالطواف، والسعي، وإن اختص بالحل اختص كله، كالوقوف. 9315 - قلنا: ليست بعض الهدي، بل الذبح عبادة، والصدقة عبادة، فتخصيص إحدى العبادتين الحرم، والأخرى كالوقوف بعرفة، والوقوف بالمزدلفة، وكلما جاز أن يختص الذبح بزمان ولا تختص التفرقة به، [كذلك لا يجوز أن يختص بمكان ولا تختص التفرقة به]. 9316 - قالوا: الحقوق التي تتعلق بالقرب من ضربين: ضرب من المال، وضرب على البدن، فالذي على البدن فيه ما يختص بمكان دون مكان، فيجب أن يكون الذي في المال ما يختص بمكان دون مكان. 9317 - قلنا: موضوع العبادات المالية أن لا تتعلق بمكان، وإذا كانت العبادة البدنية - وهي الصوم في الفدية - لا تختص، فالمالية أولى أن لا تختص. * ... * ... *

مسألة 509 ما يعرض للهدى بعد ذبحه

مسألة 509 ما يعرض للهدى بعد ذبحه 9318 - قال أصحابنا: إذا ذبح الهدي ثم سُرق أو هلك: سقط الوجوب. 9319 - وقال الشافعي: يجب عليه ذبح آخر. 9320 - لنا: أن القربة تعينت فيه بالذبح، ووجب أن يتصدق بعينه، والصدقة إذا وجبت في عين؛ سقطت بهلاكها، كمن قال: لله علي أن أتصدق بهذا المال ثم هلك. 9321 - قالوا: المعنى فيه: أنه لم يتعين عما في الذمة، وإنما وجب في عين، وفي مسألتنا: وجبت في الذمة، فإذا عينه فيها فهلكت قبل الأداء عاد الحق إلى الذمة. 9322 - قلنا: لا نسلم أنه كان في ذمته صدقة، وإنما كان في ذمته هدي، وقد تعين الواجب بالذبح. 9323 - وأما الصدقة: فلم تكن في الذمة؛ وإنما تعينت ابتداء بعد الذبح، فصار كما لو تعين بالنذر. 9324 - ولأن الذبح قد سقط فرضه، فإذا هلك اللحم؛ تعذرت الصدقة، فلا معنى لإيجاب الذبح.

9325 - ولأنهما فرضان مختلفان، أحدهما على البدن، والآخر في المال، فإذا أدى فرض البدن؛ لم يلزمه الإعادة بتعذر فرض المال. 9326 - احتجوا: بأنه معين عما في الذمة، فإذا لم يسلم سقط العدم وعاد الحق إلى الذمة، كما لو كان في ذمة رجل دين، فاشترى به ثوبًا، وتلف في يد البائع قبل التسليم. 9327 - قلنا: لا فرق بينهما؛ لأنه لما ذبح الهدي تصرف بعد تعيينه فيه بأمر الله تعالى، فصار كما لو باع ثوبًا بدين عليه وأمره صاحب الدين بقطعه أيضًا، ثم تلف قبل قبضه من يده، فلم يلزم الدين. * ... * ... *

مسألة 510 حكم من أفسد حجته أو عمرته

مسألة 510 حكم من أفسد حجته أو عمرته 9328 - قال أصحابنا: إذا أفسد حجة أو عمرة: لزمه القضاء من ميقاته الذي يحرم منه لو أراد أن يبتدئ الإحرام عند القضاء، سواء كان ذلك أبعد من الميقات الأول أو أقرب. ذكر الطحاوي ذلك في الاختلاف عن أبي حنيفة. 9329 - وقال الشافعي: عليه أن يقضي أغلظ الأمرين، فإن كان أحرم بها [من الميقات أو دونه، فعليه القضاء من الميقات، وإن كان أحرم بها] قبل الميقات، مثل: أن أحرم بها من الكوفة؛ فعليه أن يقضي من الكوفة. 9330 - لنا: ما روى مالك عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة (رضي الله عنها)، قالت: (خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع، فأهللنا بعمرة، فقدمت مكة وأنا حائض، فشكوت ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: انقضي رأسك، امتشطي وأهلي بالحج، ودعي العمرة، فلما قضيت الحج أرسلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع عبد الرحمن

ابن أبي بكر إلى التنعيم، فاعتمرت، فقال: هذه مكان عمرتك)، ومعلوم: (أن عائشة رضي الله عنها أحرمت من ذي الحليفة، وقد أمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تقضي من أدنى الحل). 9331 - فإن قيل: روى ابن أبي نجيح عن عطاء، عن عائشة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها: (طوافك بالبيت يكفيك لحجتك وعمرتك). 9332 - قلنا: قد خالفه في ذلك عروة، والقاسم، والأسود، فرووا عن عائشة مثل الذي ذكرناه، وما دل عليه في تحللها من العمرة والتلبية أولى من الواحد. 9333 - وقد خالف ابن ابي نجيح في ذلك عبد الملك بن أبي سليمان، فروى عن عطاء، عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: قلت: يا رسول الله، أكل أهلك يرجع بحج وعمرة غيري؟ قال: انفري، فإنه يكفيك، وهذا يدل على رفضها لعمرتها. 9334 - ولأنه قضاء عبادة، فوجب أن يكون الإحرام بها من كل موضع يجوز الإحرام لأدائها، أصله: الصلاة. 9335 - ولأنه موضع يصلح لابتداء إحرامه، فصلح لقضاء الإحرام ما أفسده منه من غير دم، كالمكان الذي أحرم منه. 9336 - وكذلك لو أحرم من الموضع الأبعد؛ ولأنه أحرم من ميقات، فإذا أراد قضاءه جاز أن يحرم من ميقات أقرب منه؛ أصله: إذا أحصر من حجة النفل، وقد

أحرم من دويرة أهله. 9337 - احتجوا: بأن كل ما لزمه المضي فيه محرمًا، فإذا أفسده، لزمه قضاؤه، أصله: حجة التطوع يلزمه بإفسادها ما لو أراد [الإحرام ابتداء؛ لزمه ذلك وقضاه، فعلى هذا الميقات يلزمه منه ما لو أراد] ابتداء الإحرام لزمه، وما زاد على ذلك لا يلزمه. ألا ترى أنه لو طاف للقدوم ثم أفسد لم يلزمه ذلك القضاء. ولو أحرم في ابتداء الأشهر ثم أفسد، لم يلزمه/ القضاء من أول الأشهر؛ لأن ذلك إذا أراد ابتداء الإحرام، كذلك هذا. 9338 - قالوا: ما لزمه فيه الحج إذا لزم المضي فيه قضى، أصله: إذا أحرم من الميقات. 9339 - قلنا: الأصل غير مسلم؛ لأنه لو أحرم من الميقات ثم أفسد، جاز له أن يقضي من ميقات أهل مكة؛ لأنه يجوز أن يبتدئ الإحرام منه. 9340 - قالوا: الشروع في الحج والعمرة سبب لوجوبه؛ فجاز أن يتعين به موضع الإيجاب، أصله: النذر. 9341 - قلنا: لا نسلم، فإن من أوجب حجة من دويرة أهله جاز أن يحرم بها من الميقات؛ لأن النذر عندنا فرض للفروض، فإذا لم يجب على الإنسان حجة من قبل الميقات لم يصح إيجابها. 9342 - فإن قالوا: لم يلزمه الحج ماشيًا؛ وإن لم يجب بأصل الشرع. 9343 - قلنا: إنما وجب بنذره؛ لأنه يصح أن يجب بالشرع في حق المكي، ولو سلمنا فالفرق بينهما: أن النذر يجب الدخول فيه أدنى ما يصح أن يتقرب من ذلك النوع، ولهذا لا يجب بالإحرام إلا عمرة، ولا يجب بالتكبير أكثر من ركعتين. ولهذا قال أبو جنيفة رحمه الله: لو افتتح الصلاة قائمًا لم يجب عليه القيام، وجاز له أن يقعد؛ لأن صلاة القاعد أقل ما يصح أن يتنفل به.

مسألة 511 حكم من يفوته الحج بعد الشروع

مسألة 511 حكم من يفوته الحج بعد الشروع 9344 - قال أصحابنا: فائت الحج يتحلل بطواف وسعي، ولا هدي عليه. 9345 - وقال الشافعي: عليه شاة. 9346 - واختلف قوله: فقال في أحد القولين: يجوز إخراجها في سنته، وفي القول الآخر: لا يجوز إلا مع القضاء للسنة الثانية. 9347 - وقال في القارن: إذا فاته الحج فاتت العمرة بفواته، وعليه دم القران ودم الفوات، ويقضي قارنًا، وعليه دم القران للسنة الثانية. فإن قضى مفردًا أجزأه، ولا يسقط عنه دم القران والقضاء. 9348 - لنا: ما روى ابن أبي ليلى عن عطاء، ونافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من وقف بعرفات بليل، فقد أدرك الحج، ومن فاته عرفات بليل،

فقد فاته الحج، فليتحلل بعمرة، وعليه الحج من قابل)، ذكره الدارقطني، وظاهره يقتضي: أنه جمع الحكم المتعلق بالفوات. ويدل عليه: ما روي (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر من لم يكن معه هدي، يفسخ الحج بعمرة)، ولم يأمرهم بالهدي، فدل ذلك على: أن من تحلل بطواف وسعي: لم يلزمه هدي؛ ولأنه سبب للتحلل قبل استيفاء واجبات الإحرام، فإذا تحلل بشيء وجب أن لا يلزمه معه شيء آخر، كالمحصر. ولا يقال: فوجب أن يلزمه دم؛ لأنه يبطل بمن شرط التحلل إذا حبس. 9349 - ولأنهم لا يحتاجون إلى قولهم قبل استيفاء موجب الإحرام. 9350 - ولأنها عبادة؛ فوجب أن لا تجب بفواتها مع قضائها كفارة؛ أصله: الصوم إذا [أخره عن رمضان. 9351 - ولا يلزم إذا [أخر الطواف عن أيام النحر؛ لأن الكفارة لا تجب بالفوات، وإنما تجب لبعض الطواف المفعول. 9352 - ولا يلزم رمي الجمار؛ لأنه من العبادة. 9353 - ولأن الدم لا يخلو إما أن يجب عليه للتحلل أو لنقص دخل في العبادة، أو لفواتها. 9354 - ولا يجوز أن يجب للتحلل أن ذلك يقع بالطواف، ولا يجوز أن يكون [لنقص؛ لأن القران ليس بجناية منه على الإحرام، ولا يجوز أن يكون] للفوات؛ لأنه ليس بجناية، ولا يجوز أن يكون لترك الأفعال؛ لأن [القضاء قام

مع ترك الأفعال. 9355 - ولأن] فوات الحج مع السنة التي أحرم فيها، وجب به على المحصر دمان: دم التحلل، ودم الفوات. 9356 - فإن قيل: [لم يتحلل حتى فاته الحج؛ كذلك نقول وإن تحلل قبل الفوات لم يفت حجه. 9357 - قلنا]: إذا تحلل قبل الفوات، ثم لم يؤد الحج من هذه السنة، لم يجب عليه الدم بالاتفاق. ومعنى الفوات قد حصل، وهو تأخير الأفعال عن السنة التي أحرم فيها؛ لأنه بحال من الإحرام بأحد موجبيه، فصار كما لو أتى بأفعاله. بيان ذلك: أن الإحرام المطلق إما حجة، أو عمرة. 9358 - احتجوا: بما روى مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سليمان بن يسار، أن أبا أيوب خرج حاجًّا حتى إذا كان بالبادية من طريق مكة أضل رواحله، فقدم على عمر بن الخطاب يوم النحر، فذكر ذلك له، فقال له: اصنع كما يصنع المعتمر، ثم احلل، فإذا أدركت الحج قابلاً، حج واهد ما استيسر من الهدي. 9359 - وروى مالك، عن نافع، عن سليمان بن يسار: أن هبار بن الأسود جاء يوم النحر، وعمر بن الخطاب ينحر هديه، فقال: يا أمير المؤمنين، إنا أخطأنا العدة، وكنا نرى أن اليوم يوم عرفة، فقال عمر: (اذهب إلى مكة، وطف بالبيت أنت ومن معك، وانحروا هديًا إن كان معكم، ثم احلقوا، أو

قصروا وارجعوا، فإن كان عام قابل فحجوا واهدوا، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع). 9360 - وروى نافع عن ابن عمر مثله. 9361 - قلنا: هذا الحديث منقطع عن عمر؛ لأن سليمان بن يسار لم يسمع من عمر. وقد روي عنه متصلاً خلاف ذلك. فروى مغيرة، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عمر في رجل فاته الحج، وقال: (يهل بعمرة، وعليه الحج من قابل، ولا هدي عليه). وقال الأسود: (فمكثت بعد ذلك عشرين سنة، ثم سألت زيد بن ثابت، فقال: مثل ذلك)، فهذا حديث متصل عن عمر، بخلاف ما رووه عن زيد بن ثابت أيضًا بخلافه، فلو ثبت ما نقلوه لعارضه قول زيد، ولم يكن لهم فيه حجةن وقد وافق الأسود على ذلك سعيد بن جبير، فروى عن عمر - رضي الله عنه - مثل قولنا. 9362 - قالوا: سبب يجب فيه قضاء النسك؛ فجاز أن يلزمه هدي، كالإفساد. 9363 - قلنا: المعنى في الإفساد: أنه أدخل بالجناية نقصًا في إحرامه؛ فلزمه الدم لجبرانها، وإلا كان في مسألتنا لم يدخل نقصًا فيه، ولا وقف التحلل على الدم؛ [فـ]ـلم يجب.

مسألة 512 من أراد دخول مكة لم يجز أن يجاوز الميقات إلا بالإحرام

مسألة 512 من أراد دخول مكة لم يجز أن يجاوز الميقات إلا بالإحرام 9364 - قال أصحابنا: من أراد دخول مكة؛ لم يجز أن يجاوز الميقات، إلا بالإحرام. 9365 - وقال الشافعي: إذا أراد دخولها بنسك لم يجز مجاوزة الميقات، إلا بالإحرام. وإن دخلها لقتال، جاز دخولها حلالاً. وأما إذا دخلها لحاجة لا تتكرر، كالتجارة، والزيارة، والرسالة، أو كان مكيًّا، فخرج في تجارة، ثم عاد إلى وطنه أو دخلها للمقام بها، فعلى قولين: قال في عامة كتبه: مستحب [وليس بـ] واجب، وأومأ في الأم إلى قول آخر: أن لا يدخلها إلا محرمًا. 9366 - فأما من يتكرر دخوله، كالرعاة، والحطابين، ومن ينقل الميرة، فالمذهب: أن لا يلزم أحدًا منهم الإحرام بالدخول، قالوا: وله قول آخر: يلزمه في السنة مرة واحدة.

9367 - وأما إذا دخلها للقتال، فالدليل على أنه لا يجوز إلا بالإحرام: ما روي في حديث أبي شريح الكعبي: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن مكة حرمها الله تعالى ولم يحرمها الناس، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دمًا، ولا يعضد بها شجرًا، فإن أحد ترخص قتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقولوا: إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، فليبلغ الشاهد الغائب). ومعلوم: أنه لم يرد الرخصة في القتال؛ لأن هذا مباح أبدًا إذا كان الحال تلك، فلم يبق إلا أن يكون المراد الدخول بغير إحرام. 9368 - ولأنه مكلف يريد دخول مكة؛ فلا يجوز له مجاوزة الميقات بغير إحرام، كالمريد للحج. ولأا يلزم الكافر؛ لأنه ممنوع من مجاوزة الميقات بغير إحرام. كالمسلم. 9369 - ولأن كل من صح إحرامه لا يجوز له مجاوزة الميقات لدخول مكة إلا بإحرام، أصله: المريد للنسك. 9370 - [ولأن القتال عبادة، فإن أراد دخول مكة، لم يجز أن يتجاوز إلا بإحرام، كما لو أراد الدخول للنسك].

9371 - فأما الكلام فيمن دخلها لحاجة، فلما روي [عن] ابن عباس رضي الله عنهما: أنه قال: (لا يحل دخول مكة لأحد بغير إحرام، ورخص للحطابين)، والحظر والرخصة لا يملكها إلا صاحب الشرع، فكأنه روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وذكر أبو الحسن، عن علي - رضي الله عنه -، قال: (لا يدخل أحد منكم إلا بإحرام)، ولا مخالف لهما. 9372 - قالوا: روي عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أنه دخل مكة بغير إحرام). 9373 - قلنا: يجوز أن يكون قصد ما قبل الحرم، فلما حصل هناك دخل مكة. 9374 - وقد روى خصيف عن سعيد بن جبير قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يجاوز أحد الميقات إلا وهو محرم، إلا من كان أهله دون الميقات)، ذكره أبو طاهر الدباس في شرح الجامع يإسناده.

9375 - ولأن كل معنى إذا فعله المريد للنسك، أوجب دمًا، جاز أن يوجبه إذا لم يرده، أصله: قتل صيد الحرم. 9376 - ولأنه مسلم مكلف جاز الميقات لدخول مكة غير محرم، فجاز أن يلزمه إذا نسيه دم، أصله: المريد للحج. 9377 - احتجوا: بحديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - / قال: هذه المواقيت لأهلها، ولكل آت أتى عليها من غير أهلها ممن أراد حجًّا أو عمرة). 9378 - [و] قالوا: فمن لم [يرد] [حجًّا ولا عمرة؛ فليست بميقات له. 9379 - قلنا: يعلمه أنه ميقات لمن أراد النسك، ومن لم] يرده موقوف على الدليل. 9380 - وفائدة التخصيص: أن المريد للنسك يلزمه الإحرام بكل حال، ومن لا يريد النسك تارة يلزمه الإحرام إذا أراد مجاوزة الميقات إلى البستان وما قبله، فهذه فائدة التخصيص. 9381 - ولأن قوله: (ممن أراد الحج أو العمرة) معناه: من أراد مكان الحج والعمرة، وقد سمى مكان العبادة باسمها، كقوله تعالى: {وصلوات ومساجد}. 9382 - فإن قيل: هذا مجاز لا يحمل اللفظ عليه. 9383 - قلنا: قوله: (ممن أراد الحج والعمرة) يقتضي شرط إرادتهما، وذلك غير معتبر بالاتفاق، فكل منا قد ترك الظاهر من وجه. 9384 - قالوا: روى الأقرع بن حابس، قال: قلت: يا رسول الله الحج مرة أو أكثر؟، قال: بل مرة، وما زاد فهو تطوع).

9385 - قلنا: لا نوجب الحج، وإنما يجب إحرام، فإن أدى به عمرة جاز، وإن أدى حجًّا جاز. 9386 - ولأن السؤال وقع عما وجب بإيجاب الله تعالى، وكلامنا وقع فيما وجب بسبب من جهة المكلف، والخبر لا يفيد نفي ذلك، ولهذا لم يفهم سقوط وجوب الحج المنذور. 9387 - قالوا: روى سراقة بن مالك قال: (قلت: يا رسول الله: عمرتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد؟، فقال: بل للأبد). 9388 - قلنا: هذا إشارة إلى العمرة التي فسخوا الحج بها، وذلك للأبد، بمعنى: أنه لا يجوز الفسخ لأحد سواهم. 9389 - قالوا: تحية مشروعة لدخول بقعة شريفة، فوجب أن تكون مستحبة كتحية المسجد. 9390 - قلنا: يبطل بمن أراد دخولها للنسك، والمعنى في تحية المسجد: أنه لو أراد دخول المسجد [لعمرانه لم تجب التحية] كذلك إذا دخله لحاجة، وفي مسألتنا: لو أراد دخولها للنسك وجب الإحرام، كذلك إذا دخلها للحاجة. 9391 - قالوا: دخول الحرم بغير نسك؛ فوجب أن لا يلزمه الإحرام للدخول، أصله: إذا كان داره في المواقيت ووراءها. 9392 - قلنا: وجوب الإحرام من الميقات لو كان للنسك لوجب على أهل مكة إذا أرادوا الإحرام أن يخرجوا إلى الوقت، فلما لم يلزمهم علم أن ذلك ليس هو لحرمة النسك، فلم يبق إلا أن يكون لحرمة الميقات في حق قاصد دخول الحرم. 9393 - والمعنى في اهل المواقيت ومن بعدهما: أنه يتكرر دخولهم الحرم؛ لأن مصالح أهل مكة تتعلق بهم، ومصالحهم تتعلق بالدخول، فلو كلفناهم الإحرام لشق ذلك عليهم، واستنصر أهل الحرم بذلك، وهذا لا يوجد في حق من بعد.

مسألة 513 حكم من جاوز الميقات دون إحرام

مسألة 513 حكم من جاوز الميقات دون إحرام 9394 - قال أصحابنا: إذا جاوز الميقات غير محرم: لزمه إحرام. فإن أدى به حجة الإسلام في سنته: سقط عنه. وإن أخره إلى السنة الثانية: لم تجزه حجة الإسلام، ولزمه حجة أو عمرة. 9395 - وقال الشافعي على القول الذي قال: إن الإحرام من الميقات واجب: لا يلزمه شيء إذا تجاوزه ودخل مكة. 9396 - لنا: أنه سبب لوجوب إحرام، فإذا وجد: لزمه إحرام، ولم يسقط بمضي الوقت، كوجوب الزاد، والراحلة، والنذر. 9397 - فإن قيل: المعنى في الأصل: أن الوجوب لا يسقط بحجة افسلام. 9398 - قلنا: إن كان الأصل وجود الزاد والراحلة: فهذه المعارضة لا تصح. وإن كان الأصل النذر، قلنا: ليس إذا سقط الوجوب بفعل واجب آخر ما يدل على سقوط الوجوب، كما أن الطهارة واجبة لصلاة الفرض، فلو توضأ لصلاة الجنازة سقط بذلك ما وجب عليه، ولم يدل على أن الطهارة لم تكن واجبة.

9399 - ولأنه إحرام واجب؛ فجاز أن يلزمه فعله بعد مضي وقته، كإحرام حجة الإسلام. 9400 - ولأن كل من وجب عليه إحرام لم يسقط عنه مع بقاء الحياة والإسلام إلا بفعله، أصله: من وجد الزاد والراحلة، أو نذر. 9401 - احتجوا: بالخبرين. 9402 - قلنا: أما حديث الأقرع بن حابس: فنفى وجوب أكثر من حجة واحدة، وقد بينا: أنه لا يوجب حجة. 9403 - وأما الخبر الآخر: فهو محمول على عمرة الفسخ، فلو أقربه مفعوله لحرمة المكان؛ فوجب أن لا يقضي. أصله: تحية المسجد ليست بواجبة، فلم يجب قضاؤها، والإحرام في مسألتنا قد وجب، فإذا لم يفعله لم يسقط وجوبه. 9404 - فإن قيل: النوافل التي في خلال الفرض كالاستفتاح تقضي وإن لم تكن واجبة؛ فانتقضت علة الأصل. 9405 - قلنا: غلط؛ لأن تحية المسجد لما لم تكن واجبة، لم يجب قضاؤها، وما في خلال الفرض من السنن لا يجب أن يقضى، كما لم يجب في الأصل، وإنما يجوز أن يقضي، وكلامنا وتعليلنا للوجوب، فما ذكروه طرد العلة. 9406 - قالوا: دخل الحرم على صفة لو حج من سنته لم يبق عليه القضاء، فكذلك وإن لم يحج من سنته، أصله: من كان من أهل المواقبت. 9407 - قلنا: يبطل بمن دخل مُهلا بحجته؛ ولأنه إذا حج فقد فعل المأمور به، وليس إذا لم يكن القضاء من أداء الفعل وجب أن لا يلزم من لم يفعل شيئًا.

9408 - ولأن أهل المواقيت ومن دونها: فقدمنا أن مصالحهم متعلقة بدخول مكة، وكذلك مصالح أهل مكة بهم، ففي إيجاب الإحرام عليهم إلحاق مشقة، وهذا المعنى لا يوجد فيمن بعد. 9409 - قالوا: كل من لا يستقر علمه بدخول الحرم مهلا إذا كان من أهل المواقيت، فكذلك إذا كان من غير أهلها. أصله: إذا حج من سنته. 9410 - قلنا: إذا حج من سنته فيه فعل ما اقتضاه الأمر، وإذا أخر الحج فلم يفعل ما يقتضيه الأمر. وفرق بين الأمرين في إيجاب القضاء، بدلالة: من أحرم بحجة الإسلام فأداها: سقط عنه مقتضى الأمر، ولو أفسدها لم يفعل مقتضى الأمر، واستقر عليه القضاء. 9411 - قالوا: الإحرام لا يجب عليه بالدخول، بدليل: أنه لو ورد ليدخل فأقام ف يمكانه أو انصرف إلى بلده: لم يجب عليه الإحرام، فثبت أنه يلزمه إذا أراد الدخول، [فصار كالطهارة لصلاة النافلة. 9412 - قلنا: وجوب الإحرام يتعلق بإرادة الدخول، فإذا تم وجب عليه بالدخول] حتى إذا فسد وجب عليه القضاء. ولا فرق بين هذا وبين الطهارة لصلاة النافلة عندنا، فإنها تتعلق بالإرادة، فإذا دخل في الصلاة بطهارة وجبت، فإن أفسدها، لزمه القضاء بطهارة، وليس هذا كما إذا دخل في النافلة بغير الطهارة؛ لأن ذلك ليس بدخول، فلا يجب به شيء، ودخول الحرم قد صح، جواز به، كأن يدخل في الصلاة بطهارة. 9413 - قالوا: لو وجب القضاء بترك الإحرام أدى إلى إيجاب الإحرام بغير نهاية؛ لأنه كلما حضر الميقات لزمه إحرام به، فوقع ما يفعله عن الحال دون الماضي، وهذا كمن نذر أن يصوم أبدًا، ثم أفطر لم يلزمه القضاء؛ لأن كل يوم مشغول بما

وجب عليه من النذر عن القضاء. 9414 - قلنا: له سبيل إلى القضاء من غير ما ذكروه، فإنه يأتي بإحرام من مكة فيسقط عن نفسه فوجب ما لزمه. ثم هذا ليس بصحيح؛ لأن عندنا إذا عاد إلى الميقات سنة أخرى فالذي يجب عليه به لحرمة الميقات أن يتجاوزه إلى مكة محرمًا، فليس عليه أن يأتي بالإحرام للميقات، فإذا حضره وأحرم بما عليه. لم يلزمه بمجاوزة الميقات معنى آخر، وهذا كما لو أحرم منه بحجة الإسلام وبالمنذورة صح. 9415 - ولا يقال: قد لزمه بالدخول إحرام، وحجة الإسلام لزمة بالشرع، فيؤدي إلى إيجاب ما [لا] نهاية له. 9416 - قالوا: فإذا كان يجري من حرمة الميقات حجة الإسلام، دل على أنه لا يوجب الإحرام. 9417 - قلنا: هذا مغالطة؛ لأنا لا نتكلم في هذه المسألة إلا بعد تسليم وجوب الإحرام بالميقات، فإذا الوجوب ثابت بالاتفاق بما زعمتم، والقضاء يجب بأمر آخر، فموجبه يحتاج إلى دليل. 9418 - قلنا: إذا اتفقنا على أن مجاوزة الميقات توجب إحرامًا، فهو كمن قال: لله على الحج في هذه السنة؛ لأن الإيجاب تعلق بسبب من جهته، فقد اتفقنا على أن النذر المؤقت لا يسقط بفوات الوقت، وكذلك هذه المسألة. * ... * ... *

مسألة 514 حكم مجاوزة النصراني للميقات ثم أسلم

مسألة 514 حكم مجاوزة النصراني للميقات ثم أسلم 9419 - قال أصحابنا: إذا جاوز النصراني الميقات ثم أسلم وأحرم: لم يلزمه دم لترك الميقات. 9420 - وقال الشافعي: إذا جاوز مريدا للنسك وأحرم: وجب عليه دم، وإن أخر الإحرام عن سنته: فلا شيء عليه. 9421 - لنا: أن ما جعل سبب وجوب حال الكفر من العبادات لم يخاطب به بعد الإسلام، كمضي وقت الصلاة، دخول الحول على المال، وقد دل على ذلك: قوله عليه الصلاة والسلام: (الإسلام يجب ما قبله). 9422 - ولأنه اسلم بعد مجاوزة الميقات، فصار كما لو دخل مكة ولم يحج [في] تلك السنة. 9423 - احتجوا: بأنه جاوز الميقات مريدًأ للنسك، وأحرم جونه من سنته/ ومضى [فيه] قبل رجوعه إلى الميقات فلزمه الدم، قياسًا على المسلم.

9424 - قلنا: إرادة النسك مع الكفر لا يتعلق بها حكم لا يتعلق بالنذر وبفعل العبادة. 9425 - ولأن المعنى في المسلم: أنه ممن يجب عليه الإحرام بإيجابه، فجاز أن يلزمه بمجاوزة الوقت، والنصراني ممن لا يلزمه بإيجابه، فلم يلزمه بمجاوزة الوقت. * ... * ... *

مسألة 515 حكم بلوغ الصبي وإحرامه بعد مجاوزة الميقات

مسألة 515 حكم بلوغ الصبي وإحرامه بعد مجاوزة الميقات 9426 - قال أصحابنا: إذا جاوز الصبي الميقات، ثم أحرم بعد بلوغه: لم يلزمه دم لترك الوقت. 9427 - وقال الشافعي في أحد قوليه: يلزمه. 9428 - لنا: أن سبب وجوب العبادة يصل فيه قبل البلوغ، فلم يلزمه بترك الفعل شيء، كما لو وجد الزاد والراحلة. 9429 - ولأن الحج وجب عليه بمكة، فصار كأهلها. 9430 - ولأنه إحرام وجد قبل البلوغ؛ فلم يلزمه بترك الوقت دم، أصله: إذا بلغ بعد الوقوف. 9431 - وهم بنوا على أصلهم: أن إحرامه ينعقد، فصار كالبالغ. 9432 - قلنا: ينعقد إحرامه إلا أنه ليس من أهل الوجوب، فلم يلزمه بترك فعله شيء. * * *

مسألة 516 حكم إحرام الصبي ثم يبلغ

مسألة 516 حكم إحرام الصبي ثم يبلغ 9433 - قال أصحابنا: إذا أحرم الصبي ثم بلغ، فإن جدد الإحرام ووقف بعرفة: أجزأه عن حجة الإسلام، وإن لم يجدد الإحرام: لم يجزئه. 9434 - وأما العبد إذا عتق: فإنه لا يجزيه ذلك الإحرام عن حجة الإسلام، جدد إحرامه، أو لم يجدد. 9435 - وقال الشافعي: إن عتق أو بلغ قبل الوقوف، أو في حال الوقوف، أجزأه الحج عن حجة الإسلام، وإن دفعا من عرفة، ثم بلغ الصبي وأعتق العبد، فإن رجعا فوقفا ليلاً: أجزأهما، وإن لم يرجعا: لم يجزئهما عن حجة الإسلام، وهذا هو المذهب. 9436 - قال: وحكي عن ابن سريج: أنه قال: يجزيه عن حجة الإسلام.

9437 - لنا: قوله عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، ولم ينو الفرض في مسألتنا، فلا يكون له ذلك. 9438 - ولأن الصبي صار مكلفًا بعد الإحرام؛ فلم يجزئه عن حجة الإسلام، أصله: إذا بلغ بعد طلوع الفجر من يوم النحر. 9439 - ولأنه لو نوى حجة الإسلام، كالكافر يحرم ثم يسلم ويقف. 9440 - ولأن الصبي لم يتقدم إحرامه اعتقاد الإيمان، فصار كالكافر. 9441 - ولأن سبب وجوب الحج طرأ على إحرامه، فلم ينعقد عن الفرض، فلا يجزئ عنه، كما لو تنفل بالإحرام، ثم نذر الحج ووقف. 9442 - ولأنه أحرم قبل البلوغ؛ فلم يجزئ ذلك عن حجة الإسلام، كما لو أحرم قبل أشهر الحج. 9443 - وأما العبد فنقول: إن الإحرام ركن من أركان الحج، فإذا فعله في حال الرق، فلا يؤدى به عن حجة الإسلام، أصله: إذا عتق بعد فوات وقت الوقوف. 9444 - ولأنه إحرام انعقد بنية الفرض لم يجزئه عن حجة الإسلام حال وقوعه؛ فلا يجزئ عنها في الثاني، أصله: إذا أحرم قبل الأشهر. 9445 - احتجوا: بما روى عبد الرحمن بن معمر الديلمي، قال: (أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعرفة، وأتاه ناس من نجد، فقالوا: يا رسول الله كيف الحج؟، فقال: الحج عرفة، فمن جاء قبل طلوع الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه). 9446 - قالوا: والألف واللام للعهد، فهذا يدل أنه أدرك حجة الإسلام. 9447 - قلنا: هذا البيان لجنس الحج، بدلالة: أن هذا الحكم الذي بينه لا يختص بحجة الإسلام، فكأنه قال: من وقف بعرفة قبل الفجر فهو حاج، وكذلك نقول، والكلام في أنه حج نفل أو فرض، وليس هذا في الخبر. يبين ذلك: أن السؤال

لم يقع عن كيفية الحج؛ لأنه لو كان كذلك لبين جميع الأفعال، ولم يقتصر على وقت الإدراك، ولا وقع السؤال أيضًا عن حجة الإسلام؛ لأن الحكم الذي ذكره عام، فلم يبق إلا أن يكون السؤال وقع عما يقع به الإدراك، وعندنا: أنه مدرك للحج بهذا الوقوف، فقد قلنا بموجب الخبر. 9448 - قالوا: وقف بعرفة في إحرام صحيح وهو كامل، فوجب أن يدرك به حجة الإسلام، أصله: إذا أحرم وهو حر. 9449 - قلنا: المعنى فيه أن إحرامه لم ينعقد بحج عن حجة الإسلام، فلذلك أجزأ الوقوف. وفي مسألتنا: انعقد حجه بحج عن حجة الفرض، فلم يجزه عنه، كما لو أحرم بنفل ثم بنذر الحج. 9450 - فإن قيل: يجوز أن ينعقد الإحرام مراعى ثم يقع عن الفرض، كمن أحرم بشيء مبهم فإحرامه يقع لإحدى عبادتين، وكمن صلى عندكم في أول الوقت. 9451 - قلنا: إذا أحرم بشيء مبهم فإحرامه يقع لإحدى عبادتين، فإذا تعينت للحج لم تتعين إلا للفرض، فحال ما صار الإحرام حجًا غير الفرض فلم يجزئ عنه. 9452 - وأما الصلاة في أول الوقت فالصحيح: أنها تقع واجبة على أحد أقوال أبي الحسن، ثم إن الشيء إنما يصح أن ينعقد مراعى إذا تقدمه سبب الوجوب. ومعلوم: أن الصبي والعبد لم يحصل سبب الوجوب في حقهما، فصورتهما صورة من عقد الصلاة قبل الوقت وعجل الزكاة قبل ملك النصاب. 9453 - قالوا: أتى بالأعمال الموجبة للإحرام في حال الكمال، فوجب أن يجزئ عن حجة الإسلام، قياسًا على الحر البالغ. 9454 - قلنا: الكمال إن كان شرطًا في صحة الأركان التي هي الوقوف والطواف، فكذلك يجب أن يكون شرطًا في صحة الركن الذي هو الإحرام. يبين ذلك: أن الأفعال تؤدى بمقتضى الإحرام وتترتب عليه، فإذا كان الكمال يعتبر في الأفعال فأولى أن يعتبر في الإحرام. 9455 - والمعنى في الحر البالغ: أن أفعاله [تقع عما انعقد إحرامه به، فلذلك

العبد والصبي يجب أن يقع أفعالهما عما] انعقد إحرامهما به، كما بعد البلوغ والعتق. أو نقول: المعنى فيه أنه لو أحرم فرضًا وقع إحرامهما عنه، فإذا أبهم لم يقع عنه، والعبد إذا عقد الفرض لم يقع عنه، [فإذا أبهم لم يقع عنه]. 9456 - وربما بنوا هذه المسألة على أصلهم ممن عليه فرضها، كذلك لا يقع الوقوف عن النفل ممن عليه، وهذا أصل نخالفهم فيه. * * *

مسألة 517 إذا أحرم العبد بإذن سيده

مسألة 517 إذا أحرم العبد بإذن سيده 9457 - قال أصحابنا: إذا أحرم العبد بإذن سيده: كره للمولى أن يحلله، فإن حلله: تحلل. 9458 - وقال الشافعي: لا يجوز أن يحلله، فإن نهاه قبل الإحرام، فعلم بالنهي وأحرم: فله أن يحلله، وإن لم يعلم بالنهى حتى أحرم: ففيه وجهان. 9459 - لنا: أنه إحرام عقده في حال الرق، فكان للمولى فسخه، كما لو أحرم بغير إذن المولى. 9460 - ولأنه أذن لعبده في الإحرام، فجاز له الرجوع، كما لو رجع قبل أن يحرم. 9461 - ولأنه مالك لمنافعه؛ فيملك أن يمنعه من فعل الحج، كالابتداء. 9462 - احتجوا: بأن الإحرام عقد لازم، فإذا عقد العبد بإذن سيده: لم يملك فسخه عليه، كالنكاح. 9463 - قلنا: منافع البضع يملكها العبد، فإذا أذن له في العقد ملك المنافع، فلم يجز للمولى فسخه، وليس كذلك منافع نفسه؛ لأن العبد لا يملكها وإن ملكه المولى،

فبقيت على ملك المولى بعد الإذن، فجاز له الرجوع. يبين ذلك: أن أجنبيًا لو أعاره شيئا فملكه المولى، فإذا أباحه منافعه بقيت على ملكه كما كانت. 9464 - قالوا: من جاز له فسخ الإحرام إذا عقده بغير إذنه، لم يجز له فسخه إذا عقده بإذنه، أصله: الزوج إذا أذن لزوجته. 9465 - [قلنا: الزوج إذا أذن لزوجته]؛ فقد سقط حقه بالإذن، فملكت المنافع، فلا يجوز الرجوع فيها، والعبد لا يملك منافع نفسه، فبقيت على حكم المولى، فجاز له الرجوع فيها، كالمعير. 9466 - قالوا: لما كان للمولى أن يفسخ الإذن؛ لأنه في حكم المعير، جاز للعبد أن يفسخ؛ لأنه في حكم المستعير. 9467 - قلنا: العبد أوجب الإحرام بهذه المنافع، فلا يجوز فسخه مع القدرة على المضي فيه، وما لم يمنعه المولى فهو قادر على المضي فيه. يبين ذلك: أنه لو أحرم بغير إذن مولاه فلم يحلله المولى؛ لم يجز له التحليل وإن كانت المنافع على ملك المولى ولم يسقط حقه عنها، كذلك بعد الإذن، ولا يملك التحلل وإن ملك المولى ذلك. * * *

مسألة 518 إذا دخل العبد مكة بغير إحرام ثم اعتق فأحرم

مسألة 518 إذا دخل العبد مكة بغير إحرام ثم اعتق فأحرم 9468 - قال أصحابنا: إذا دخل العبد مكة بغير إحرام، ثم أعتق فأحرم: لزمه دم بترك الوقت، وإن لم يعتق فأحرم: لزمه دم إذا أعتق. 9469 - وقال الشافعي في أحد قوليه: لا يلزمه دم. 9470 - لنا: أنه جاوز الميقات غير محرم، وهو على صفة يصح إحرامه، فوجب أن يلزمه دم، كالحر الذي يريد النسك. 9471 - ولأنه مكلف أحرم دون ميقاته، فلزمه لترك الوقت دم، كالحر. 9472 - ولا يلزم الكافر؛ لأن الدم يلزمه ويسقط بالإسلام. * * *

مسألة 519 إذا أحرم بحجتين أو عمرتين

مسألة 519 إذا أحرم بحجتين أو عمرتين 9473 - قال أبو حنيفة: إذا أحرم بحجتين أو عمرتين: لزمتاه جميعًا، ومتى يصير رافضًا لإحداهما؟ إذا سار من مكانه. 9474 - وروى عنه: أنه لا يصير/ رافضًا] حتى يبتدئ بالطواف. 9475 - وقال الشافعي: ينعقد إحرامه بإحداهما. 9476 - لنا: قوله تعالى: {فرض فيهن الحج}، وليس هاهنا عهد ينصرف إليه اللفظ؛ لأنه لم يرد باللفظ حجة الإسلام خاصة؛ لأن الحكم المذكور يتناول كل إحرام، فعلم أن المراد به: الجنس، فظاهره يقتضي: أنه لو أحرم بأكثر من حجة جاز. 9477 - فإن قالوا: المذكور فيها تحريم المحظورات، وهي عندنا محرمة إذا أحرم. 9478 - قلنا: المقصود بها بيان الانعقاد والتحريم جميعا؛ ولأنهما نسكان لو انفرد كل واحد منهما صح، فإذا اجتمع بينهما، انعقد، أصله: الحج والعمرة.

9479 - قالوا: المعنى فيهما أن الزمان يتسع لفعلهما شرعًا، فلذلك انعقد إحرامه بهما، والحجتان لا يتسع الوقت لفعلهما شرعًا، فلم ينعقد إحرامه. 9480 - قلنا: لو كان هذا المعنى هو المانع من انعقادهما، [وهما يتساويان في المنع من انقضاء كل واحد منهما؛ لأن المعنى المانع] إذا وجد في شيئين متساويين، أثر فيهما جميعًا، فلما انعقد أحد الإحرامين، دل على أن الآخر أيضا انعقد؛ لأن الدخول سبب الوجوب، كالنذر. 9481 - ولا يلزم الزاد والراحلة؛ لأنه لا يوجب حجًا ولا عمرة. 9482 - ولا يلزم الإحصار؛ لأن الحج يجب بالدخول لا بالإحصار. 9483 - فإن قيل: النذر يجوز أن يجب به صلاتان، ولا يصح الدخول فيهما؛ ولأنه يثبت المنذور في الذمة، والذمة تتسع لحجتين، والدخول يعلق الوجوب بالوقت، وهو لا يتسع لهما. 9484 - قلنا: الدخول في الحج إنما يراد للإيجاب، بدلالة: أن أفعاله لا يجب أن تبطل بالتحريم، كما لا يجب أن تتصل بالنذر فيهما سواء. 9485 - ولأن من دخل في حجتين لا يجوز أن يكون دخل ليفعل؛ لأنهما لا يجتمعان في الفعل، وإنما دخل للإيجاب خاصة. 9486 - فأما الصلاتان: فمن شرط أفعال الصلاة أن يتصل تحريمتهما، وإنما دخل في صلاتين، فلم يجز أن يكون الدخول للإيجاب؛ لأن أفعالهما لا

يصح أن تتأخر عن إحرامهما، وأنه أتى بإحرام الحجة الثانية مع النية ممن يصح منه الإحرام، فصارت كالأولى. 9487 - ولأنهما عقدان متفقان في الحكم والصفة، فلم ينعقد أحدهما، كتزوج الأختين، وكالظهر مع العصر، وطرده يمنع العيدين. 9488 - احتجوا: بحديث الأقرع بن حابس: (قال: قلت: يا رسول الله الحج مرة أو أكثر؟، فقال: بل مرة، وما زاد فهو تطوع). 9489 - قلنا: قد بينا أن المراد: الحج الواجب بالشرع، وكلامنا وقع فيما يجب بفعله وإيجابه، والخبر لم يتناول نفي ذلك، بدلالة النذر. 9490 - قالوا: عبادتان لا يتسع الزمان لفعلهما معاً شرعاً، فوجب أن لا ينعقد إحرامه بهما، كالظهر والعصر. 9491 - قلنا: ضيق الوقت منهما إنما يمنع من إيقاع فعلهما، وهذا المعنى لا يمنع من انعقاد الإحرام، كما لو أحرم يوم عرفة من الكوفة. 9492 - ولا معنى لقولهم: إن هناك يتسع الوقت شرعاً، وإنما ينعقد مع بعض المسافة؛ لأن الفعل إذا تعذر لبعد المسافة لم يمنع الانعقاد، كذلك إذا تعذر بالشرع لا يمنع الانعقاد. 9493 - والمعنى في الصلاتين: أنهما لو تساويا وكان تعذر المضي فيهما يؤثر منع كل واحد منهما من انعقاده، فلو كان هذا المعنى مانعاً من انعقاد الإحرام في مسألتنا مع تساويهما منع من كل واحد منهما. 9494 - ولا يلزم على هذا: إذا نوى صوم رمضان، وصوما آخر؛ لأنه لا ينعقد بهما وينعقد بأحدهما؛ لأن الصومين لم يتساويا، بدلالة: أن أحدهما مستحق في الزمان والآخر غير مستحق في الزمان، فلما لم يجتمعا صح أحدهما، كما لو جمع بين أمه وحرة في عقد، صح نكاح الحرة؛ لأنه لم يتناوله نكاح الأمة وبمثله لو جمع بين الأختين لم يصح واحد من النكاحين. 9495 - قالوا: عبادتان لا يصح المضي فيهما، ولا يصح الإحرام بهما، أصله:

الصلاتان. 9496 - قلنا: إن أرتم أن المضي لا يصح حكماً: بطل بالعبد يحرم بغير إذن مولاه. وإن أردتم بالمضي من طريق المشاهدة: يبطل بمن أحرم ليلة النحر من الكوفة. 9497 - قالوا: هناك يمكنه أن يمضي؛ لأنه يصير فائت الحج، ويمضي يطوف ويسعى. 9498 - قلنا: معنى قوله: يمضي في العبادة: إنما هو أن يأتي بمقاصدها. والمحرم بالحج لا يقصد بإحرامه أن يطوف ويسعى ويتحلل، فلا يكون هذا مضياً فيما أوجب. والمعنى في الصلاتين: أن إحرامهما إنما يراد ليتصل إحرامهما بالتحريمة، فإذا تعذر ذلك لم ينعقد. والحج يراد بحريمته لإيجاب الأفعال لا لاتصالهما بالتحريمة، فلذلك جاز أن لا يصح قبله بعد المضي فيه. 9499 - قالوا: الإحرام شرط من شرائط الحج، فوجب أن لا يصح فعله عن حجتين معاً، كالوقوف والطواف والسعي. 9500 - قلنا: لسنا نقول: إن الإحرام الواحد يقع لهما، بل هو محرم بإحرامين كل واحد منهما لحجة، كما نقول في القران، وكذلك الوقوف لا يجزئ وقوف واحد عنهما، بل يحتاج كل إحرام إلى وقوف وطواف. 9501 - ولأن الإحرام يوجب الأفعال، وليس إذا كان الفعل الواحد يوجب عبادتين كانت الأفعال الموجبة تتداخل، كما أن النذر الواحد يوجب إحرامين، والأركان لا تتداخل.

9502 - قالوا: حكم الإحرام يقتضي انعقاد النسك والمضي فيه، ثم قد ثبت: أنه إذا أحرم بحجتين سقط أحد ما اقتضياه وهو المضي فيهما، ووجب أن يسقط المقتضي الآخر، وهو الانعقاد. 9503 - قلنا: قد يحرم العبد بغير إذن المولى، فيسقط المضي، ولا يسقط الانعقاد، وكذلك إذا أحرمت المرأة بغير إذن زوجها. 9504 - ولأن سقوط المضي بمعنى حادث بعد الانعقاد، ولا يؤثر فيه بدلالة الإحصار. 9505 - قالوا: لو كانت الحجة الثانية قد انعقدت، لم يجز أن يتحلل منها إلا لسبب حادث، ولم يحدث في مسألتنا ما يوجب الفسخ. 9506 - قلنا: إنما يصير رافضاً لها في إحدى الروايتين: بالسير، وفي الرواية الأخرى: بالطواف؛ لأنها لو بقيت صارت الأفعال واقعة عن الإحرامين، إذا ليس أحدهما بأولى من الآخر، فلما لم يجز أن يقع عمل واحد لحجتين، ولا لعمرتين أن يتعين أحدهما ليقع العمل للآخرى. ***

مسألة 520 من احرم بحجة فأدخل عليها عمرة

مسألة 520 من احرم بحجة فأدخل عليها عمرة 9507 - قال أصحابنا: فيمن أحرم بحجة فأدخل عليها عمرة: جاز، ويكره له ذلك. 9508 - وهو قول الشافعي في القديم، وقال في الجديد: لا يجوز. 9509 - لنا: أنه أحد الإحرامين، فجاز إدخاله على الآخر، كما يجوز إدخال الحجة على العمرة. 9510 - وقال الشافعي: إنه إذا كان أحرم بحجة قبل أن يدخل [في] طواف العمرة: جاز ذلك قولاً واحداً. 9511 - ولأن كل ما جاز إدخال الحج عليه جاز إدخاله على الحج، كالصيام. 9512 - ولأنه يستفيد بإحرامها عملاً، وهو النسك، وهو الطواف والسعي ودم القران، فصار كإدخال الحج على العمرة. 9513 - احتجوا: بأن القارن يطوف طوافاً واحداً، ولا يستفيد بالإحرام إلا ما أوجبه الحج من العمل. وهذا أصل نخالفهم فيه؛ لأن عندنا يستفيد به الطواف والسعي ودم القران، ثم هذا يبطل بالجمع بينهما ابتداء، فإنه يصح بالإجماع، ولا يستفيد بذلك عملا على قوله. 9514 - فإن قيل: يقع الطواف والسعي للإحرامين.

9515 - قلنا: لو انضمت العمرة إلى الحج: وجب الطواف والسعي، فلا فائدة في الصم. ثم إذا أدخل العمرة على الحجة فما الذي يمنع من أن يكون الطواف لهما؟ 9516 - فإن قالوا: لأنه وجب للحج. 9517 - قلنا: وكذلك إذا جمعهما ابتداء قد وجب الضم. ***

مسألة 521 حكم الاستئجار على الحج

مسألة 521 حكم الاستئجار على الحج 9518 - قال أصحابنا: لا يجوز الاستئجار على الحج، وعلى سائر الطاعات، مثل: الأذان، والإمامة، وتعليم القرآنز 9519 - وقال الشافعي: يجوز الاستئجار على الحج، والأذان. 9520 - قالوا: ويجوز استئجار الشاهد على أداء الشهادة إذا لم يتعين عليه، وإن تعينت عليه وكان فقيراً ينقطع عن كسبه جاز أن يأخذ على الشهادة عوضاً. 9521 - لنا: قوله تعالى: {من كان يريد حرث الأخرة نزد له في حريه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له/ في الأخرة من نصيب}، والأجبر: إنما أراد حرث الدنيا، فتبطل تلك القربة بفعله. 9522 - ولأنه بأخذ العوض تبطل القربة المقصودة بالعمل؛ بدلالة: العتق على مال لا يجزئ عن الكفارة. 9523 - ولأن كل فعل لا يجوز أن يستأجر عليه من يفعله، لا يجوز الأستئجار

عليه كسائر العبادات. 9524 - فإن قيل: المعنى في الصلاة والصوم: أنه لا تصح النيابة فيهما. 9525 - قلنا: وكذلك نقول في الحج: ليس إذا جاز أن ينوب في الحج جاز الاستئجار. 9526 - ولأن الإمام يستنيب القاضي في الأحكام ولا يجوز أن يستأجره. والأعمال المجهولة تصح النيابة فيها، ولا يصح الاستئجار عليه، ويستخلف الإمام في الصلاة إذا أحدث، ولا يجوز أن يستأجر عليه. 9527 - ولأن كل ما لا يجوز استئجار العبد عليه لا يجوز استئجار الحر [عليه]، كالجهاد، أو عبادة تفتقر إلى قطع مسافة، كالجهاد. 9528 - فإن قيل: المعنى في الجهاد: أنه لا تصح النيابة فيه، ولا يصح أن يضيفه إلى غيره. 9529 - قلنا: ليس كذلك؛ لأنه يصح أن ينوب فيه بنفقته ويضيفه الشاخص إلى القاعد. 9530 - فإن قيل: الجهاد من فروض الكفاية، فمن حضر الوقعة يلزمه فعل الجهاد عن نفسه، فلم يجز أن ينوب عن غيره. 9531 - قلنا: فكذلك المستناب في الحج يلزم عليه المضي فيه بالدخول، فيصير واجباً عليه، فلا يصح أن يأخذ الأجرة عنه من غيره. 9532 - وإن من شرط الحج أن يكون قربة لفاعله، فلا يجوز الاستئجار عليه، كصلاة الجنازة. 9533 - ولأنها عبادة تجب بإفسادها الكفارة؛ فلا يجوز الاستئجار على فعلها، كالصوم. 9534 - ولأنه يسقط بإحرامه ما لزمه بمجاوزة الميقات، وما أسقط به الإنسان فرض نفسه، لم يجز أن يخذ الأجرة عليه، كالجهاد.

9535 - احتجوا: بأن كل ما جاز أن يفعله الغير عن الغير تطوعاً وتبرعاً؛ جاز أن يفعله عنه بعقد الإجارة، كالبناء. 9536 - قلنا: يجوز أن يتطوع عنه بالأعمال المجهولة، ولا يجوز أن يستأجر عليها. والمعنى في النيابة: أنه يجوز أن يستأجر الكافر عليه، فجاز استئجار الحر المسلم عليه. 9537 - قالوا: لأنه من فرائض الأعيان يجب بوجود مال، فجاز أن يدخله النيابة، [أصله: الزكاة. 9538 - قلنا: الزكاة لما جاز أن ينوب فيها من عليه فرضها، جاز أن ينوب في أداء فرضها، وفي مسألتنا بخلافه. 9539 - قالوا: عمل تدخله النيابة]؛ فجاز عقد الإجارة عليه، كبناء المساجد. 9540 - قلنا: الوصف غير مسلم؛ لأن النيابة لا تدخله عندنا، ولو سلمنا ذلك انتقض بنيابة الشاخص عن القاعد في الجهاد. 9541 - ولأن بناء المساجد قربة، ليس من شرطها: أن تكون في نسبة لفاعلها، ولهذا يجوز أن يتولاها الكافر، وفي مسألتنا: من شرط الحج: أن يكون قربة لفاعلها، فلم يجز الاستئجار عليه. 9542 - قالوا: يجوز أن يفعله عن غيره بنفقة يأخذها منه، فجاز أن ينوب عنه بالإجارة، كسائر الأعمال. 9543 - قلنا: إنما جاز أخذ النفقة؛ لأن الإنسان يجب عليه [بوجود المال أن يحج بنفسه وينفق المال، فإذا عجز عن أداء الحج بنفسه، وجب عليه] دفع المال إلى

غيره ليصرفه في عمل الحج ليسقط عن المحجوج عنه ما وجب من الحج ويحصل له ثواب النفقة. وإذا استأجره بمال ملكه الأجير بعقد الإجارة، فصار منفقاً لمال نفسه في عمل الحج، فلا يسقط به فرض المجوج عنه، ولا يحصل له ثواب الإنفاق، ولهذا نقول: إن تطوع الحج عنه لم يسقط به فرصه. ***

مسألة 522 حكم المحرم إذا قتل صيدا

مسألة 522 حكم المحرم إذا قتل صيدا 9544 - قال أبو حنيفة وأبو يوسف: إذا قتل المحرم صيداً: وجب بقتله القيمة، يحكم بها ذوا عدل، والقاتل بالخيار، إن شاء صرفها إلى الهدي، وإن شاء إلى الإطعام، وإن شاء إلى الصيام. 9545 - وقال محمد: يلزمه مثله من جهة الخلقة إن كان له مثل، وإن لم يكن له مثل: فقوله مثل قولهما. 9546 - وقال الشافعي: الواجب مما له نظير: النظير، ومما لا نظير له: القيمة، فإن أراد إخراج الطعام يخرج الطعام بقيمة النظير. 9547 - لنا: قوله تعالى: {يأيها الذين ءامنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم}. وهذا عام فيما له نظير وفيما لا نظير له، ثم قال تعالى: {ومن قتله منكم متعمداً}.

والهاء في قوله: {قتله} كناية عن الصيود التي يتناولها العموم؛ فوجب أن يحمل المثل على ما يعم الجميع، وذلك هو القيمة التي تعم الجميع. 9548 - ولأن الله تعالى أوجب المثل، وذلك في الشرع عبارة عن مثل من جنسه أو مثله من قيمته، فوجب حمل المثل في مسألتنا على المثل المستقر في الشرع. 9549 - ولأنه تعالى قال: {يحكم به ذوا عدل منكم}، إن العدل إنما شرط فيما طريقه الخبر حتى لا يخبر من ليس بعدل بالكذب، والمثل من طريقة الخلقة يعلم بالمشاهدة؛ فلا معنى لشرط العدالة فيه، فدل أن المثل هو القيمة التي لا تدل عليها المشاهدة حتى يوثق بقول العدل فيها، كما يوثق بقوله في الشهادات وقيم المتلفات. 9550 - ولأنه تعالى قال: {يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياماً}، والتخيير إذا حصل بين أشياء، فكل واحد منها يتعلق بما يتعلق به الآخر، فكأنه قال: هو هدي أو مثل أهو صيام، وهذا لا يكون إلا على قول من أوجب القيمة، قال: فأي الأصناف الثلاثة صرفها كانت هي المثل. 9551 - ولأن قوله تعالى: {يحكم به ذوا عدل منكم} ظاهره يقتضي: أنه حكم غير باق أبداً، وهذا لا يكون إلا في القيمة التي تختلف باختلاف الأزمان، فأما المثل من طريق الخلقة: فإنهما إذا حكما به مره، كان ذلك تاماً أبداً، فلا يحتاج إلى الحكمين فيه أبداً. 9552 - فإن قيل: العلم بالمثل من طريق الخلقة أخفى من القيمة، فلذلك شرط العدالة فيهما. 9553 - قلنا: لكنهما إذا أثبتا مثل الظبي والضبع: حكم بمثله أبداً، ألا ترى: أنه ليس فيها عندهم ما يختلف، فتارة يكون اجتهاداً حتى يوجب في السمين سميناً

وفي الكبير كبيراً. قلنا: هذا يعلم بالمشاهدة أيضاً، فلا يحتاج فيه إلى العدالة. 9554 - قال مخالفونا: هذه الآية حجه لنا؛ لأن قوله تعالى: {فجزاء مثل ما قال من النعم}، لو اقتصر عليه لاقتضى مثله من جنسه، فلما قال: {من النعم} علم: أنه أراد مثله من النعم، فيكون تفسير الآية: فجزاء مثل ما قتل من النعم عن المقتول. 9555 - قلنا: هذه الآية قرئت بقراءتين، فقراءة أهل الكوافة بضم المثل، تقديرها: فعليه جزاء مثل الذي قتله من النعم، ويكون قوله: {من النعم} [بياناً] للبنى المحذوفة الراجعة من الصلة إلى الموصول، وهذا مرجح على كل تأويل في الآية؛ لأن الجار والمجرور في قوله، {من النعم} في موضع نصب، فعلى هذا التقدير هو معمول قوله جزاء. ومثل: هذا معمول يليه لا فصل بينهما. 9556 - وعلى قولهم: قوله: {من النعم} صفة للمثل، والعامل فيه المبتدأ، وهو قوله: {فجزاء} لم يفصل بين العامل والمعمول بشيء. 9557 - ومن تأول الآية فلم يفصل بين العامل والمعمول بشيء، فقوله أولى، بين ذلك: أن ما وصلها لإمكان نحره إلا وبعدها مفسر لها حتى إنه قد جاء بعدها مفسر لها هو أعم منها. 9558 - قال الله تعالى: {إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء}، وما يدعون لابد أن يكون شيئاً، إلا أنه لم يحلها فيما يليها، فلما قال الله تعالى:

{فجزاء مثل}، فقتل صلة، فالظاهر: أن قوله: {من النعم} بيان لها، فحمله على ذلك أولى من حمله على صفة المبتدأ. 9559 - وأما قراءة أهل الحرمين والشام، وهو قوله: (فجزاء مثل) بإضافة الجزاء إلى المثل، ففيه وجهان: إن شئت جعلت مثل على حقيقة إضافية؛ لأن جزاء مثل الشيء هو جزاء الشيء، ومثل هذا في القرآن، قال الله تعالى: {فإن ءامنوا بمثل ما ءامنتم به فقد اهتدوا}، وذلك لأنهم إذا آمنوا بمثل ما آمنا به، فقد آمنوا بما آمنا. 9560 - والوجه الثاني: أن المثل إضافة لفظية، والمراد بها: نفس الشيء، من ذلك قولهم: لا يحسن بمثلك أن يفعل كذا، وأن يصنع كذا وكذا، أي: أنت. 9561 - وقوله: أنا أكرم مثلك، أي أنا اكرمك، ومثله قوله تعالى: {أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات} والمثل [والمثل] والشبه والشبه واحد، قال الشاعر: مثلى لا يحسن قولا فيعفى أي: أنا لا أحسن، مكانه. 9562 - قال: فعليه جزاء مثل ما قتل من النعم، فهذا الذي تبيناه على القراءتين، يقتضي أن النعم صفة للمقتول لا للمثل، فسقط استدلالهم من الآية. 9563 - فإن قيل: النعم لا يتناول الوحش/. 9564 - قلنا: غلط، قال أبو عبيدة: النعم، يتناول الوحش، قال الله تعالى:

{أحلت لكم بهيمة الأنعام}، فلولا أن النعم بهائم غيرها لم يكن لإضافة البهيمة إلى الأنعام معنى، وإنما أباح من جملة الأنعام البهائم، ولم يبح السباع؛ لأنها لا تسمى بهائم، وإنما تسمى كواسر. وأكثر ما يلزمنا مخالفنا: أن نسلم له أن قوله: {من النعم} صفة المثل، فعند أبي حنيفة: يجب من النعم مثل المقتول في نيمته، وعندهم: في خلقته. 9565 - والمماثل لا يقتضي أكثر من مماثلة في وجه واحد، فإذا تساويا في اعتباره سقط استدلالهم. 9566 - قالوا: فقد قال الله تعالى: {يحكم به ذوا عدل منكم}، والكناية عندكم نرجع إلى أقرب مذكور، وعندنا إلى الكل، فأي الأمرين كان فليس في الكلام فيه مذكور ترجع الكناية إليه. 9567 - قلنا: الكناية ترجع إلى المثل، وقد تنازعنا المراد به، فعندهم المراد به: المثل خلقة، والكناية ترجع إليه. 9568 - قالوا: قال الله تعالى: {يحكم به ذوا عدل منكم هديا} فثبت أن المراد به: يحكمان بالجزاء هدياً. 9569 - قلنا: قال الله تعالى: [هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين] كفأنه قال: جزاء هدياً، وجزاء طعاماً، فاقتضى: أن الطعام هو الجزاء، وعندهم: أنه بدل الجزاء. 9570 - قالوا: خير الله القاتل بين ثلاثة أشياء، وانتم تثبتون معنى رابعاً، وهو

أن يتصدق بالقيمة نفسها، فيكون ذلك وجهاً رابعاً. 9571 - قلنا: قد دللنا على أن المراد بالآية: القيمة، فكأنه قال: فجزاء قيمة [ما قتل يحكم به ذوا عدل يصرفه إلى الهدي أو الإطعام أو الصوم، فإذا دلت الآية على إخراج الإطعام بدلاً عن القيمة]، دل على إخراجها في نفسها. 9572 - قالوا: قراءة الإضافة وإن كان له إضافة الجزاء إلى المثل، فالجزاء هو المثل، والمثل هو الجزاء، وإن أضيف أحدهما إلى الآخر، كما قال: في الآية: {أو كفارة طعام مساكين} فأضاف الكفارة في هذه القراءة إلى الطعام، ثم كانت الكفارة هي الطعام، والطعام هو الكفارة، وكما يقال خاتم حديد، وباب حديد. قلنا الإضافة على ضربين: إضافة الجزء إلى الجملة، كقوله: باب حديد، وإضافة الاختصاص، كقوله: غلام زيد، فقوله: (جزاء مثل) قد علمنا أن الجزاء ليس بعض المثل، فلم يبق إلا أن يكون إضافة اختصاص، فلا يكون الجزاء هو المثل. 9573 - وأما قراءة نافع {أو كفارة طعام مساكين}. المراد بالإضافة: إضافة اختصاص؛ لأن الكفارة تارة تكون طعاماً، وتارة تكون غيره، فأضافها إلى الطعام ليبين تخصيصها به إذا أخرجت. 9574 - ولأنه متلف، فلا يضمن بالمثل من طريق الصورة من غير جنسه، كسائر المتلفات. 9575 - ولأنه مضمون يضمن بغير جنسه؛ فضمن بالقيمة، كالصيد في حق الآدمي. 9576 - ولأنها جناية على الصيد؛ فوجب فيها القيمة، أصله: ما لا نظير له، وضمان جنس الصيد. 9577 - ولأن ما يضمن بالقيمة في حق الآدمي يضمن بها حق الله تعالى،

أصله: ما نقول فيمن أتلف ما لا مثل له على آدمي، أو أتلفه من مال بيت المال؛ لأن ما يضمن بالمثل في حق الآدمي يضمن بذلك في حق الله تعالى، أصله: من أتلف طعاماً قد أخذه المصدق من العشر. 9578 - ولا يلزم الكفارة في قتل الصيد، أنه يضمن في حق الآدمي بالقيمة، وفي حق الله تعالى بالكفارة التي هي المثل؛ لأن العبد يضمن بالقيمة أيضا إذا أتلف عبداً من بيت المال، فأما الكفارة: فلا يضمن العبد بها، بدلالة: أنها لو وجبت ضماناً عنه لاختلفت باختلاف صفته. 9579 - احتجوا بحديث جابر - رضي الله عنه -: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: الضبع صيد يؤكل، فيه كبش إذا أصابه المحرم). 9580 - قالوا: أوجب فيه كبشاً، وعندكم تجب فيه قيمته، وهو أوجب كبشا، وظاهره يقتضى جواز كبش ينقص عن قيمته؛ لأنه اعتبر الاسم، وعندكم لا يجوز قدره بالكبس، فلو كان الواجب القيمة، كانت تختلف باختلاف الأزمان والبلدان. 9581 - قلنا: هذا قاله على طريق التقويم؛ بدلالة: أن عندهم تعيين صفة الكبش بصفة الضبع، فلو كان تقديراً شرعاً، لبين صفته، فلما لم يبين علم أنه أراد القيمة، وفي الغالب أن قيمة الضبع في اللحم لا تزيد على شاة، فبين عليه الصلاة والسلام ما يجب بقتل الضبع. 9582 - قالوا: أفتت الصحابة في النعامة بدنة، وفي حمار الوحش بقرة، وفي

الضبع بكبش، وفي الغزال بعنز، وفي الأرنب عناق، وفي اليربوع جفرة. روي هذا متفرقاً عن علي، وعثمان، وابن عمر، وابن عابس، وابن الزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وجابر، ومعاوية - رضي الله عنه -. قضوا بذلك في أزمان مختلفة وبلدان مختلفة وأسفار مختلفة، فلو كان بالقيمة ما اتفقوا على ذلك. قلنا: إنما قضوا بذلك على طريق التقويم، بدلالة: أنهم لم يعتبروا الصفات، وما يجب بإتلافه المثل يعتبر صفاته، كالحنطة، فلما لم يعتبروا السمن والهزال والصغر والكبر؛ دل أنهم أوجبوا ذلك فيه. يبين ذلك: أنهم أوجبوا في الحمار بقرة، ولا تشابه في الخلقة بين الحمار والبقرة. 9583 - وقولهم: أنه لم ينقل أحد منهم اعتبار القيمة، غلط؛ لأن غالب أموالهم الحيوان، وهذه الأشياء لا تزيد على ما أوجبوه في الغالب. 9584 - وقولهم: إن البدنة خير من النعامة، والشاة خير من الضبع: ليس بصحيح؛ لأن قيمة هذه الأشياء قد تبلغ البدنة والشاة في الغالب. 9585 - قالوا: أوجبت الصحابة عناقاً وجفرة، وعندكم لا يجزئ ذلك. 9586 - قلنا: لا يجب هذا، ويجزئ صدقة وإطعام، فالحيوان إنما كان على هذا الوجه، ثم ذد روي عن ابن عباس - رضي الله عنه -، وهذا بيان لما حكمت به الصحابة. 9587 - قالوا: حيوان مخرج في الكفارة، فوجب أن لا يكون بالقيمة، كالمخرج في فدية اللباس والطيب. 9588 - قلنا: المخرج في هذه الكفارات لا على سبيل البدل، ألا ترى: أنه

ليس فيها معنى يقوم به، فلهذا لم يكن المخرج قيمة، ولما كان الواجب في مسألتنا عوضاً عن المتلف، جاز أن يعتبر بقيمته. 9589 - ولأن كفارة اللبس والطيب إذا عدل عن الهدي إلى غيره وجب بنفسه، لا على طريق القيمة كذلك الهدي. فلما كان في كفارة الصيد إذا عدل عن الهدي إخراج الإطعام بالقيمة عندنا بقيمة المقتول، وعندهم بقيمة النظير، كذلك الهدي نفسه يجوز أن يجب بالقيمة. 9590 - قالوا: حيوان مخرج في حق الله تعالى، فلم يكن للقيمة معنى، كعتق الرقبة بقتل الآدمي. 9591 - قلنا: إنما يجب إن لم تختلف الرقبة باختلاف صفة المقتول في صغره وكبره، وسائر صفاته، فدل [على] أنها ليست بقيمة. ولما اختلف ما يجب في مسألتنا بصغر الصيد وكبره، وصفاته دل على أنه يدل عنه، ويدل المتلفات قد يكون بالقيمة. 9592 - قالوا: الأعيان المضمونة ثلاثة [أصناف]: آدميون، وأموال، وصيود. فالآدميون على ضربين: الحر يضمن بمثله، والعبد بقيمته، والأموال على ضربين: فالمثل فيما له مثل، والقيمة فيما لا مثل له؛ فوجب أن يكون الصيود على ضربين: ما يضمن بمثله، و [ما] يضمن بقيمته. 9593 - وتحريره: أنه أحد المتلفات؛ فوجب أن ينقسم ضمانها قسمني: بالقيمة، وغير القيمة. دليله: الأموال، والآدميون. 9594 - قلنا: هذه الأنواع كلها لا يضمن بمثلها من غير جنسها، كذلك الصيد أيضا لا يضمن بمثله من غير جنسه، وعلى أنا لا نسلم أن الآدمي يضمن بمثله؛ لأن الكفارات ليس بضمان عنه، ألا ترى: أنها لا تختلف باختلاف صفته، ولو كان ذلك على وجه الضمان لاختلف. ***

مسألة 523 إذا اختار إخراج الإطعام أو اختار الصيد

مسألة 523 إذا اختار إخراج الإطعام أو اختار الصيد 9595 - قال أصحابنا: إذا اختار إخراج الإطعام، أو اختار الصيد: فإنه يطعم عنه بقيمة المقتول. 9596 - وقال الشافعي: بقيمة النظير. 9597 - لنا: قوله تعالى: {ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين}. [فكأنه] قال: يحكم به ذوا عدل منكم هدياً أو جزاء، هو إطعام. 9598 - ولأنه خير بين الأشياء الثلاثة، فلا يكون أحدها بدلاً عن الآخر، كالعتق، والإطعام، والكسوة في كفارة اليمين. 9599 - ولأنه طعام أخرجه في جزاء الصيد؛ فوجب أن يكون بدلاً عن المقتول،

كالإطعام فيما لا نظير له. 9600 - ولأنها كفارة خير فيها بين الهدي والإطعام؛ فلا يكون الإطعام بدلا [عن الموتى، ككفارة الآدمي، وهم بنوا على أصلهم: أن الواجب هو النظير، فإذا أخرج غيره كان بدلاً عن] النظير؟! وقد تكلمنا على هذا الأصل. ***

مسألة 524 جزاء الصيد من الهدي

مسألة 524 جزاء الصيد من الهدي 9601 - قال أبو حنيفة: لا يجزئ في جزاء الصيد من الهدي إلا ما يجزئ/ في الأضحية. 9602 - وقال الشافعي: يجزئ العناق، والجفرة، والحمل. 9603 - لنا قوله تعالى: {هديا بالغ الكعبة}، فسمى ذلك هديا. 9604 - وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الهدي: (أدناه شاة).

9605 - ولأنه ذبح واجب، فلا يجزئ فيه دون الجذع، كالأضحية، ودم التمنع، والإحصار. 9606 - ولأنه دم تعلق بحرمة الإحرام، كسائر الدماء. 9607 - احتجوا: بما روي أن الصحابة رضي الله عنهم حكموا في الأرنب بعناق، وفي اليربوع بجفرة. 9608 - قلنا: هذا كان على طريق القيمة؛ لأن غالب ما لهم كان الحيوان، فأوجبوا ذلك ليتصدق به أو بلحمه، لا على أنه هدي ذبحه، وليس في الأخبار ما يدل على ذلك. ***

مسألة 526 حكم عدل الصيام بالطعام

مسألة 526 حكم عدل الصيام بالطعام 9609 - قال أصحابنا: إذا اختار الصيام، صام عن كل نصف صاع من الطعام يوماً. 9610 - وقال الشافعي: عن كل مد. 9611 - لنا: ما روى الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (إذا أصاب المحرم الصيد حكم عليه بجزائه من النعم، فإن لم يجد نظر كم قيمته؟ [ثم قوم ثمنه] طعاماً، فصام عن كل نصف صاع يوماً). ولا يعرف له

مخالف، ذكر هذا أبو الحسن، والطحاوي. 9612 - ولأنه تكفير خير فيه بين الصوم والإطعام، فوجب أن لا يجب عن كل مد يوم، ككفارة الآدمي. 9613 - فإن قالوا: نقلب فنقول: فلا يجب عن نصف صاع يوم؛ لأنه يجب عن نصف صاع عندهم في الفرع أكثر من صوم يوم. 9614 - ولأن مالا يكفر عن فطرة شخص لا يعدل صوم يوم، أصله: نصف مد. 9615 - ولأنه تكفير يدخله الصوم؛ فلا يجب عن كل مد يوم، أصله: كفارة اليمين. 9616 - وهذه المسألة مبنية على: أن الإطعام في الكفارات مقدر بنصف صاع، فإذا جعل الصيام عدله، فإن صوم كل يوم [يقوم] مقام سد جوعه، وعندهم: أن الإطعام مقدر بمد، يصوم كل يوم مقام ما سد جوعه، وهو مد. 9617 - فإن ألزموا علينا كفارة الأذى وكفارة اليمين؛ قلنا: إن الإطعام فيها ليس بعدل للصوم. ***

مسألة 526 حكم ذبيحة المحرم للصنود

مسألة 526 حكم ذبيحة المحرم للصنود 9618 - قال أصحابنا: ذبيحة المحرم للصيود ميتة لا يحل له، ولا لغيره أكلها. وكذلك ما يذبحه الحلال الحرم هو ميتة، ذكره محمد في أصل الصيد. 9619 - وقال الشافعي: لا يحل للذابح قولاً واحداً. 9620 - وهل يحل لغيره؟ قال في الأم: ذكاته كذكاة المجوسي ميتة في حق كل أحد. وقال في الأمالي: يحرم عليه الأكل منه، ويستحب لغيره أن لا يأكل منه. 9621 - لنا: أن منع ذبح المحرم لمعنى في الذابح من جهة الدين، أو من جهة الله تعالى أو لحق الله تعالى خالصاً؛ فلا يحل أكله كذبيحة المجوسي والمرتد. 9622 - ولا يلزم الشاة المغصوبة؛ لأن المنع في مالكها. 9623 - ولا يلزم إذا ذبح شاة من قفاها؛ لأن المنع إنما حصل من تعذيب الحيوان.

9624 - قالوا: قولكم لمعنى في الذابح، لا تأثير له؛ لأن ولد المجوسين لا يحل ما ذبحه، لا لمعنى فيه لكن في أبويه. 9625 - قلنا: غلط؛ لأنا حكمنا بكونه مجوسياً بأبويه، فصار المعنى المانع لمعنى فيه، وهو الحكم بالمجوسية. 9626 - قالوا: الحلال إذا رمى صيداً في الحرم لم يؤكل ولم يمنع لمعنى فيه. 9627 - قلنا: وجود الحكم لغير العلة لا يبطل تأثيرها؛ لأن المعلل لا يلزمه أن يضع علة تعم سائر أسبابه. 9628 - ولأنه ليس للذابح أكله من غيره ضرورة، فلا يجوز لغيره، أصله: ذبيحة المجوسي. 9629 - قالوا: [من أصحابنا من قال: يحل للمحرم أكله إذا تحلل من إحرامه. 9630 - قلنا: يكفي في الوصف تحريمه عليه في الحال. 9631 - قالوا]: ينتقض بهدي التطوع إذا عطب قبل محله، فإنه يذبحه، ولا يحل له، ولا لرفقته ويحل لغيرهم. 9632 - قلنا: ذلك الهدي لا يحل للأغنياء؛ لأن الواجب أن يتصدق به، فالذابح إن كان فقيراً حل له كما يحل لغيره من الفقراء، وإن كان غنياً حرم عليه وعلى كل غني مثله؛ فإذن حكم الذابح وغير الذابح في ذلك سواء. 9633 - قالوا: ينتقض بالحلال إذا ذبح صيداً في الحرم. 9634 - قلنا: هو ميتة لا يحل له ولا لغيره. 9635 - قالوا: لا يمنع أن يحرم أكل الصيد على واحد لوجود معنى فيه، ولا يحرم على غيره.

9636 - قلنا: هذا الصيد حل للذابح ولغيره، وحرم على الدال أكله، وهذا غير ممتنع، كما أن المذبوح يحرم على غير مالكه، ولا يحرم على سائر الناس لما حل للذابح. 9637 - فإن قيل: المعنى في المجوسي، أنه ليس من أهل الذكاة، لكن ما منع من ذكاته، والمحرم ممنوع من ذكاة الصيد، فساوى المجوسي فيه، وغير ممنوع من ذكاة الصيد، فخالف حكمه في غير الصيد حكم الجوسي. 9638 - ولأن جرح الصيد المباح يفيد الملك والإباحة، فإذا كان المحرم لا يستفيد بجرحه أحد الحكمين، كذلك الآخر. 9639 - ولأن سبب الملك في الصيد أوسع من سبب الإباحة؛ لأن الملك في الصيد يثبت للمجوسي والمرتد، ولا يثبت لهما الإباحة، فإذا كان جرح المحرم لا يفيد الملك، فلأن لا يفيد الإباحة أولى [وأحرى]. 9640 - احتجوا بقوله تعالى: {إلا ما ذكيتم}. 9641 - قلنا: الذكاة اسم شرعي يثبت حيث دلت الشريعة على ذكاتها، ونحن لا نسلم: أن فعل المحرم ذكاة. 9642 - قالوا: روي عن علي - رضي الله عنه -: أنه قال: (الذكاة في الحلق واللبة). 9643 - قلنا: بين موضع الذكاة ونحن نقول كذلك، والخلاف في أصل الذكاة، وقد ثبت: أن أصل هذا الفعل ليس بذكاة وإن وقع في محلها. 9644 - قالوا: من أباحت ذكاته عين الصيد أباحت ذكاته الصيد، كالحلا.

9645 - قلنا: المعنى في المحل أن ذبحه أباح له الأكل، فحل لغيره، وفي مسألتنا بخلافه. 9646 - قالوا: ما لا يصير ميتة بذبح المحرم؛ يحل أكله لغيره، كالنعم. 9647 - قلنا: المعنى في النعم: أن ذبحها أباحها للذابح، وفي الصيد بخلافه. 9648 - قالوا: أباح المنع إذا اختص بحيوان دون حيوان لم يعم التحريم، ألا ترى: أن المحل ممنوع من ذبح ملك غيره، إلا أن التحريم لما اختص لم يعم. 9649 - قلنا: الحلال لا يمنع من ذبح جميع الحيوان، وإنما لا يحل التصرف له لحق مالكه، فأما أن يقال: إنه ممنوع من ذبح بعض الحيوان، فلا. 9650 - قالوا: مسلم، فجاز أن يصح ذكاته للصيد، أصله: المحل. 9651 - قلنا: نقول بموجبه، فإنه إذا اضطر إليه، لم يجز أكله إلا بعد الذكاة، والمعنى في المحل: أنه لم يمنع من الذبح، ولما كان المحرم ممنوعاً من الذبح لمعنى فيه من جهة الدين لمي حل أكله ذبيحته. 9652 - قالوا: مسلم، ذبيحته: ما يؤكل لحمه بآلة الذبح في محله، فوجب أن يحل أكله؛ أصله: المحل. 9653 - قلنا: المحل غير ممنوع من الذبح شرعاً، وليس كذلك في مسألتنا؛ لأنه ممنوع من الذبح بمعنى فيه من جهة الدين. ***

مسألة 527 حكم الحلال إذا ذبح صيدا

مسألة 527 حكم الحلال إذا ذبح صيداً 9654 - ذكر الطحاوي في مختصره: أن الحلال إذا ذبح صيدا، جاز للمحرم أكله وإن كان صاده لأجله، إذا كان اصطاده لأجله في الحل بغير أمره وإشارته، أشار إلى ذلك في اختلاف الفقهاء. 9655 - وذكر أبو يوسف في الهارونيات ما يدل على ذلك أيضاً. 9656 - وذكر شيخنا أبو عبد الله: أنه إذا اصطاده له بأمره؛ جاز له أكله، وهو غلط. 9657 - وقال الشافعي: لا يجوز للمحرم أكل ما اصطاده الحلال إذا كان له فيه أُر وصنع من دلالة ظاهرة، أو حفر أو إعارة سكين ومعه غيرها، أو اصطاد لأجله بعلمه، أو بغير علمه.

9658 - والخلاف يتعين إذا اصطاده بغير أمره، أو دله عليه بدلالة لا يتفقر إليها، أو أعاره سكيناً ومعه غيرها، فعندنا: يجوز، وعنده: لا يجوز. 9659 - لنا: ما روى نافع مولى أبي قتادة عن أبي قتادة بن ربعي الأنصاري: (أنه كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كان ببعض طريق مكة تخلف مع أصحاب له محرمين، وهو غير محرم، فرأى حماراً وحشياً، فاستوى على فرسه، ثم سأل أصحابه أن يناولوه سوطه، فأبوا، فسألهم رمحه، فأبر، فأخذه ثم شد على الحمار فقتله، فأكل منه بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبي بعضهم، فلما أدركوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبروه، فقال: إنما هي طعمة أطعمكموها الله). 9660 - ولم يسأل عن نية أبي قتادة في الاصطياد، هل اصطاده لهم أم لا؟ 9661 - وروى أبو طلحة بن عبد الله - رضي الله عنه -: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الحلال يصطاد

الصيد أيأكله المحرم؟، فقال: نعم). 9662 - ولأنه صيد مذكى لم يوجد من المحرم فيه ولا في سببه صنع يحل له أكله، كما لو أخذه الحلال لنفسه. 9663 - ولا يلزم ما لا يؤكل لحمه؛ لأن الأصل والفرع يستويان فيه. 9664 - ولأن نية الصائد لا تؤثر في تحريم الصيد على المحرم؛ أصله: إذا صاده له قبل إحرامه/ ثم أحرم فأكله. 9665 - احتجوا بحديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: صيد البر حلال لكم ما لم تصيدوه أو يصاد لكم). 9666 - قلنا: هذا حديث مضطرب الإسناد، رواه بهذا اللفظ يعقوب عبد الرحمن، ويحيى بن عبد الله بن سالم، عن عمرو مولى المطلب، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب، عن جابر بن عبد الله، باللفظ الذي ذكروه. وروى إبراهيم ابن سويد، قال: حدثني عمرو بن أبي عمرو، عن المطلب، عن أبي موسى، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر هذا الحديث. ورواه الدراوردي، فخاف يعقوب، ويحيى عن إبراهيم، في إسناده، فرواه عن عمرو بن أبي عمرو، عن رجل من الأنصار، عن جابر بن عبد الله. ثم مداره على عمرو مولى المطلب وهو ضعيف، ولو ثبت

كان معناه: يصاد بأمركم؛ لأن الصيد لا يكون للإنسان إلا أن يصطاده لنفسه، أو يستأجر من يصطاد له، وإلا فالصيد لمن صاده وإن نوى أنه لغيره، وعندنا أنه يحرم عليه بأمره. 9667 - قالوا: روى عبد الله بن عامر بن ربيعة، قال: رأيت عثمان بن عفان بالعرج، وهو محرم في يوم صائف، قد غطى وجهه بقطيفة أرجوان، ثم أتى بلحم صيد، فقال لأصحابه: كلوا: قالوا: أفلا تأكل أنت، قال: إني لست كهيئتكم، إنه صيد من أجلي، قالوا: ولا يعرف له مخالف. 9668 - قلنا: روي عن عبد الله بن شماس: (قال: أتيت عائشة رضي الله عنها، فسألتها عن لحم الصيد يصيده الحلال ثم يهديه للمحرم، فقالت: اختلف أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فمنهم من أكله، ومنهم من حرمه، وما أرى بشيء منه بأسا)، ولم تفصل. وروى إبراهيم، عن الأسود: أن كعبًا سأل عمر - رضي الله عنه - عن الصيد يذبحه الحلال، فيأكله المحرم؟ فقال عمر: (لو تركته لرأيتك لا تفقه شيئًا)، ولم يفصل.

9669 - ثم اختلف الصحابة في هذه المسألة، فقال علي - رضي الله عنه -: لا يحل أكله بكل حال، وقالت عائشة، وعمر، وأبو هريرة رضي الله عنهما: يحل أكله، وقال عثمان - رضي الله عنه -: أما إذا صيد له لم يحل، فلم يكن الرجوع إلى بعض هذه الأقوال أولى من الرجوع إلى الآخر. 9670 - قالوا: صيد بري صيد للمحرم، فلا يحل له أكله، أصله: إذا دل عليه. 9671 - قلنا: إذا دل عليه -فقد فعل -فلا يختص بالقتل، وفي مسألتنا لم يوجد من المحرم في إتلافه صنع، وإنما وجد قصد الحلال ونيته، ولا تعلق للمحرم بذلك، فلم يجز أن يحرم به عليه. * * *

مسألة 528 حكم العود في الأكل بعد أداء الجزاء

مسألة 528 حكم العود في الأكل بعد أداء الجزاء 9672 - قال أبو حنيفة: إذا أدى المحرم جزاء الصيد المأكول، ثم عاد فأكل من لحمه: لزمه جزاء ما أكل منه، وإن كان قبل إخراج الجزاء، ففيه الجزاء. وذكر ذلك الطحاوي عن أبي يوسف، عن أبي حنيفة قال: إذا ذبح المحرم الصيد، ثم أكل منه، فعليه جزاء. ولا تعرف الرواية في التداخل، فيجوز أن يقال: يجب الجزاء، ويدخل في ضمان الأصل، ويجوز أن يقال: يخرجه مع جزاء الصيد. 9673 - وقال الشافعي: لا جزاء عليه. 9674 - لنا: أن كل ما لو انفصل من الصيد حال حياته ضمنه المحرم بالجزاء. فإذا انفصل بعد الذبح [بفعله، جاز أن يضمن بالجزاء، كالجنين إذا انفصل بعد الذبح] حتى يموت. 9675 - ولأن كلا من الصيد [والذبح وتيسير سببه] يحظره الإحرام، وكل ما يحظره الإحرام في الصيد جاز أن يجب الجزاء على محرم اصطاده، وبقي في

يده. أصله: القتل. 9676 - قالوا: نقول بموجبه إذا اصطاده محرم وخلاه واصطاده حلال له، فأكل منه لم يصح؛ لأنه لم يبق في يده. 9677 - ولأن القتل معنى يخرج الصيد من كونه صيدًا، فجاز أن يجب بعده جزاء آخر على من وجب عليه بإيقاع ذلك فيه. أصله: قطع الأعضاء والجرح. والتمول يجعل للقتل معنى، فوجب الجزاء على المحرم، فجاز أن يجب بعده جزاء آخر على من وجب عليه بإيقاعه فيه؛ أصله: قطع الأعضاء ونتف الريش. 9678 - ولأن القتل المحظور يجعل المقتول في حق القاتل في حكم الحي من وجه، وفي حكم الميت من وجه؛ بدلالة: أنه إذا قتل قاتل أبيه لا نورثه، وأم الولد إذا قتلت مولاها عتقت، ومن له دين مؤجل على غيره فقتله حل دينه. وإذا صار الصيد في حكم الحي من وجه والميت من وجه، لزمه ضمانه، كالمقطوع الأعضاء. 9679 - احتجوا: بأنه ضمنه بإتلافه، فلا يضمنه بأكله. أصله: إذا قتل الحلال صيدًا في الحرم، ثم أكله أو كسر بيضًا من الصيد، ثم أكله. 9680 - قلنا: ضمان الصيد لا يمنع من وجوب ضمانه بالإتلاف، أو بما هو في حكم الإتلاف. فأما ضمان صيد الحرم فإن الحلال يجوز أن يملك الصيد بالشراء، فملكه بالضمان، فلا يجب عليه بأكل شيء. والمحرم لا يملك الصيد بأسباب التمليك، فلا يملكه بالذبح؛ فصار كما لو لم يضمنه في وجوب ضمان ما أكل منه. 9681 - ولأن صيد الحرم مضمون لمعنى في غير الضامن، وهو حرمة البقعة، فهو كالمضمون لحق الآدمي، فإذا ضمنه من وجه لم يضمنه من وجه آخر. والمحرم ممنوع

لمعنى فيه، وهو حرمة العبادة، فتلك الحرمة تمنع القتل والأكل، فجاز أن يتعلق بكل واحد من الأمرين الضمان. 9682 - فإن جعلوا أصل العلة البيض إذا كسره المحرم ثم أكله، قلنا: البيض لا ذكاة له؛ بدلالة: أن كسر المجوسي له وأخذه وأخذ المسلم سواء، وفعل المحرم لا يكون بأذون من فعل المجوسي. وإن كان مباحًا بالكسر ولم يحل أكله، لم يلزمه بأكله جزاء، والصيد مما جعل له ذكاة فاختلف فيه فعل المحرم وفعل غيره، فلم يتحلل بالذبح، فلذلك وجب عليه الجزاء. 9683 - فإن قيل: المقتول ميتة، وأكله الميتة لا يوجب الجزاء. 9684 - قلنا: تحريمه على المحرم لحرمة الإحرام، لا لكونه ميتة، بدلالة: أن الناس اختلفوا في كونه ميتة واتفقوا على تحريمه، فلا يجوز أن نعلل موضع الإجماع بعلة مختلف فيها. 9685 - ولا يقال: إن الميتة لا قيمة لها فلا تضمن؛ لأن عندهم الصيد مذكى يجوز أكله. 9686 - فأقل الأحوال أن يكون مختلفًا في جواز أكله، ثم ضمان المحرم لا يقف على كون المتلف مقومًا، بدلالة: أنه يضمن في القملة وإن لم يكن لها قيمة. 9687 - وقد قاسوا على المحرم يطعم اللحم برأيه وكلامه، وهذا عندنا يتعلق به الضمان؛ لأنه انتفاع به، فإن ألزموا إذا أحرقه. 9688 - قلنا: يجوز أن يضمن بالانتفاع، ولا يضمن بالإحراق، كالطيب. * * *

مسألة 529 حكم المحرم الدال على صيد فقتل

مسألة 529 حكم المحرم الدال على صيد فقتل 9689 - قال أصحابنا: إذا دل المحرم حلالا، أو محرما على صيد فقتله، فعلى الدال المحرم الجزاء. 9690 - وقال الشافعي: لا شيء عليه. 9691 - وإن دل الحلال في الحرم، فمن أصحابنا من قال: المسألة اختلف فيها أبو يوسف وزفر، فقال أبو يوسف: لا ضمان فيه. وأما أبو حنيفة، فليس عنه رواية. 9692 - وقد ذكر أبو الحسن أنه لا ضمان على الدال الحلال في الحرام عند أبي

حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد. 9693 - لنا: إجماع الصحابة. وروى محمد بن الحسن، عن يعقوب بن إبراهيم، عن داود بن أبي هند، عن بكر بن عبد الله المزني، قال: (أتى عمر بن الخطاب، قال: إني أشرت إلى ظبي، [وأنا محرم]، فقتله رجل، فقال عمر لعبد الرحمن بن عوف: ما ترى؟، قال: شاة، فقال: أنا أرى ذلك). وعن عكرمة، عن ابن عباس - رضي الله عنه -: أن محرمًا أشار إلى حلال ببيض نعام، فجعل عليه علي بن أبي طالب، وابن عباس رضي الله عنهما جزاء. وعن أبي عبيدة بن الجراح مثله. 9694 - وعن عطاء قال: أجمع الناس على أن على الدال الجزاء. قال الطحاوي: ولم يرو عن أحد من الصحابة خلاف ذلك، فصار إجماعًا. 9695 - ويمكن أن يستدل به من وجه آخر، وهو: أن القياس لا يدل عليه، فإذا قاله الصحابي فالظاهر: أنه قاله توقيفًا. 9696 - قالوا: روي عن ابن عمر: أنه قال: ليس على الدال جزاء. 9697 - قلنا: لو صح هذا لم يخف على الطحاوي على أنه محمول على دلالة لم يتصل بها التلف حتى لا يحمل قوله على خلاف الجماعة. 9698 - على أنه قال ما يوافق القياس، والصحابي إذا قال ما يخالف القياس لا

بقوله إلا توفيقًا. 9699 - ولأنه فعل حظره الإحرام بمنع أكل الصيد، فجاز أن يجب بجنسه الجزاء، [كالقتل. 9700 - ولأنه سبب يختص بتحريم أكل الصيد، فجاز أن يجب بجنسه الجزاء]، كالرمي ونصب الشبكة. 9701 - فبين ذلك: أن الدلالة تحرم الصيد مع كونه مذكى. 9702 - ولا يلزم إذا مات الصيد حتف أنفه؛ لأن هذا لا يختص بتحريم الصيد. 9703 - ولا يلزم إذا صال عليه صيد وقتله؛ لأن هذا السبب يجوز أن يتعلق به الضمان؛ لأنه مباشرة. 9704 - ولا يلزم إذا ذبح شاته فلم يستوف شرائط الذكاة؛ لأن هذا/ سبب تحريم لا يختص بالصيد. 9705 - ولا يلزم الأمر؛ لأن من قاله: لا يحرم الأكل، وعلى أنه من جنس الدلالة، ونحن طلبنا وجوب الجزاء بالجنس. 9706 - فإن قيل: ذبح المحرم الصيد يتعلق به التحريم على جميع الناس، ولا يتعلق به الجزاء. 9707 - قلنا: تحريمه على جميع الناس؛ لأنه ليس بمذكى، وهذا حكم لا يختص بالصيد. 9708 - ولأنا نعني بالسبب: أن يوجد من الإنسان سبب يختص بالتحريم، وسائر الناس لم يوجد منهم سبب. 9709 - ولأنه معنى لا يتوصل إلى إتلاف الصيد إلا به، فجاز أن يتعلق به الجزاء، كالإمساك.

9710 - فإن قيل: المعنى في الناسى: أنه يضمن به الآدمي، والدلالة لا يضمن بها الآدمي، فلم يضمن بها الصيد. 9711 - قلنا: قد يضمن الصيد بما لا يضمن به الآدمي؛ بدلالة: أن من حبس حرًا حتى مات: لم يضمنه، ولو حبس صيدًا حتى مات: ضمنه، وكذلك يضمن بما لا يضمن به المال، بدلالة: أن من غصب طائرًا فتلفت فراخه، ضمنها عند الشافعي، ولا يضمن الصيد بالإمساك، ولا يضمن الآدمي بالإمساك. 9712 - فإن قيل: المعنى في الأصل وهو القتل: أنه مهلك متلف، فلهذا وجب به الجزاء، والدلالة لا تفضي إلى التلف، [فلما لم يتعقبها الضمان، لم يتعلق بها الضمان. 9713 - قلنا: علة الأصل تبطل بما إذا صال عليه، وأما علة الفرع؛ فلا نسلم أن الدلالة لا تفضي إلى التلف؛ لأن فعل المدلول ينضم إليها، فيتعلق التلف بفعل المباشر صادرًا عن الدلالة، كحفر البئر الذي يقع التلف بوقوع الواقع في البئر. ثم الضمان لا يتعقب الحفر، ويتعلق بسببه عند الوقوع فيه، كذلك نصب الشبكة. ولأنه عقد على نفسه عقدًا خاصًا التزم به صيانة الصيد عن الإتلاف، فإذا دل عليه جاز أن يضمنه بالدلالة؛ أصله: المودع إذا دل على الوديعة من أتلفها. 9714 - فإن قيل: المودع لزمه الحفظ بصنعه، وبالدلالة عليه ترك الحفظ فلذلك ضمنه، والمحرم لم يلزمه الحفظ، فلم يضمن بالدلالة. 9715 - قلنا المحرم لزمه الحفظ للصيد من أفعاله المؤدية إلى تلفه، فإذا دل عليه، لم يحفظه الحفظ الذي لزمه، فهو كالمودع الذي لزمه الحفظ من فعله وفعل سائر الناس. 9716 - ولأنه فعل محظور في الإحرام لم يتوصل إلى أخذ الصيد إلا به، فجاز أن يتعلق بسببه الضمان، كنصب الشبكة.

9717 - احتجوا بقوله تعالى: {ومن قتله منكم متعمدًا فجزاء}؛ دليله: أن من لم يقتل فلا جزاء عليه. وهذا غلط؛ لأن دليل الخطاب هو الحكم إذا علق بوصف دل على نفي ما عداه، فيقضي: أن من فعله خطأ وجب عليه الجزاء، فأما الذي قالوه وهو الحكم المتعلق بالآدمي فلا يدل على نفي ما عداه على قول محتمل، ألا ترى: أنا إذا قلنا: زيد عدل، لم يدل ذلك على أن غير زيد ليس بعدل. 9718 - قالوا: بأنه صفة توالت عليه دلالة وجناية، فوجب أن يتعلق الضمان بالجناية، لا بالدلالة، كما لو دل حلال حلالا على صيد في الحرم. 9719 - قلنا: لا يمنع أن يستوي تحريم الدلالة في الحرم وفي حق المحرم، ويتعلق الضمان بأحدهما دون الآخر، كما أن تحريم الطيب يستوي فيه الإحرام والعدة، ويتعلق الضمان باستعمال الطيب في حال الإحرام، ولا يتعلق به في العدة، على أن الدلالة في الحرم قد بينا أن من أصحابنا من التزم بها، وقال: لا نعرف الرواية فيها. 9720 - ولأن ضمان الحرم يجب بالأفعال المجردة عن الإتلاف، بدلالة: استعمال الطيب، ولبس المخيط. والدلالة فعل مجرد عن الإتلاف، وليس استمتاعًا، فهي أضعف من هذه الأفعال وأولى أن لا يتعلق بها ضمان، وليس كذلك الضمان الواجب في الإحرام، فيجوز أن يجب بأفعال تتجرد عن إتلاف، فيجوز أن يجب بالدلالة أيضًا. 9721 - ولأن من أصلنا: أن ضمان الحرم يجري مجرى ضمان الأموال؛ لأنه يجب لا لمعنى في الفاعل، والأموال لا تضمن بالدلالة. 9722 - قالوا: ولأنه سبب لا يضمن به الآدمي بحال، فلم يضمن به الصيد، كالدلالة الظاهرة. وربما قالوا: سبب لا يضمن به صيد الحرام، فكذلك الصيد في حق المحرم.

9723 - قلنا: ضمان الصيد آكد من ضمان الآدمي؛ بدلالة: أن من فزع عبدًا حتى أبق؛ لم يضمنه، فلو نفر صيدًا فخرج من الحرم أو تلف، يضمنه. فكذلك لا يمتنع أن يجب ضمان الصيد بالدلالة وإن لم يضمن الآدمي بالدلالة. 9724 - والمعنى في الدلالة الظاهرة: أنها لا تختص بالإتلاف، بدلالة: أن من دل رجلا على ما يعلم به المدلول ويستفيد بالدلالة فائدة، ويتوصل بها إلى الإتلاف، [بخلاف من دل على ما لا يعلم به المدلول ولم يستفد بالدلالة فائدة؛ فالدلالة توصل إلى الإتلاف] في موضع دون موضع، فلهذا ضمن في أحد الموضعين دون الآخر. 9725 - ولأن الدلالة الظاهرة لا يضمن بها المودع الوديعة، والدلالة الخفية يضمن بها المودع الوديعة، فجاز أن يضمن بها الصيد. 9726 - قالوا: سبب يفضي إلى التلف، فإذا لم يتعقبه ضمان لم يجب به الجزاء، كالدلالة الظاهرة. 9727 - قلنا: يبطل بدلالة المودع على الوديعة، فإنه سبب لا يفضي إلى التلف، ولا يتعقبه ضمان. ويتعلق به الضمان إذا انضم إلى الدلالة الإتلاف، والمعنى في الدلالة الظاهرة ما ذكرنا. 9728 - قالوا: نفس مضمونة؛ فوجب أن لا يضمن بالدلالة، كالآدمي. 9729 - ولأن الآدمي أعظم حرمة، بدلالة: أنه يضمن بالقود وبمائة من الإبل، والصيد يضمن بالقيمة أو بمثله، ثم يثبت أن الآدمي لا يضمن بالدلالة، فلأن لا يضمن الصيد بها أولى. 9730 - قلنا: قد بينا أن الصيد آكد في باب الضمان من نفس الآدمي؟، بدلالة: أنه لا يضمن بالتنفير الآدمي، ويضمن الصيد بالتنفير. وكذلك إذا حفر بئرًا

في ملك نفسه فوقع فيها صيد، ضمن. ولو وقع فيها آدمي لم يضمن. 9731 - وقولهم: إن من أصحابنا من قال لا يضمن الصيد إذا حفر له في ملكه لا يلتفت إليه؛ لأن ابن القاص قال في التلخيص: نص الشافعي في هذا على وجوب الضمان، وليس إذا كان ما يضمن به الآدمي أكثر مما يضمن به الصيد، دل على أن ضمانه آكد، ألا ترى: أن العبد عندهم يضمن بأضعاف ما يضمن به الحر، ولم يدل ذلك على تأكد حرمة العبد وضمانه على الحر. [ثم الدلالة على قتل الآدمي لم يتعلق بالمال، فيها حكم المتلفين، فلم يجب عليه ضمان]، وقد تعلق على الدال على الصيد، بدلالة حكم المتلفين، فلذلك تعلق به وجوب الضمان. 9732 - قالوا: موضوع الأصول: أنه متى اجتمع مباشرة وسبب غير ملجئ، فإذا تعلق الضمان بالمباشرة لم يتعلق بالسبب، كالحافر، والدافع، والممسك، والذابح. 9733 - قلنا: هذا فرض نسلمه في محرم دل محرمًا على صيد، فأما إذا دل حلالا، فلم يتعلق بالمباشرة ضمان، فلا يتعلق بالسبب عندهم، وكان الواجب إذا لم يجب ضمان على المباشر أن يضمن فاعل السبب عندهم، كالمحرم إذا أمسك صيد الحلال فقتله. 9734 - قالوا: الضمان على الممسك؛ لأن المباشر لم يضمن، فكذلك كان يجب في مسألتنا إذا دل حلالا، فالضمان لم يتعلق بالمباشر، فيجب أن يتعلق بالسبب. 9735 - وقد قالوا: لو أمسك المحرم صيدًا فقتله محرم، فالصحيح من المذهب: أن الضمان عليهما، فقد اجتمع هاهنا سبب غير ملجئ ومباشرة، فتعلق الضمان

بالمباشرة والسبب. 9736 - وقولهم: إن الضمان يتعلق بهما، فكذلك نقول في مسألة الدال المحرم إذا دل محرمًا، ويبطل ما قالوه [بالمودع إذا دل سارقًا على الوديعة فأتلفها، ضمن مع وجودها]. ثم السبب والمباشرة إذا اجتمعا فتعلق الضمان بالمباشرة لم يتعلق ضمان الإتلاف بالسبب. وعندنا في مسألة الصيد لا يجب على الدال ضمان الإتلاف، وإنما يجب ذلك على المتلف، ولزم الدال ضمان آخر يسند إلى الدلالة، ليس هو ضمان الإتلاف. 9737 - ولأن الأنفس والأموال لا تضمن من وجهين، فإذا ضمنت بالمباشرة، لم تضمن بالدلالة، والصيد يجوز أن يضمن من وجهين، فلذلك جاز أن يجب على المتلف ضمان وعلى الدال ضمان آخر. 9738 - قالوا: دلالة مضمونة على محظور إحرامه، فلم يتعلق بها ضمان على الدال، كمن دل محرما على طيب فتطيب به، أو مخيط فلبسه. 9739 - قلنا: الكفارة في الطيب واللبس لا تجب إلا باستمتاع، والدلالة غير مستمتع بها، والصيد يضمن بالإتلاف وبالأسباب المؤدية إليه، والدلالة سبب يفضي إلى الإتلاف. ولأن الدال في مسألة الطيب والمخيط لا يتعلق به حكم يختص باستعماله، فلم يلزمه الكفارة، والدال في مسألة الصيد/ قد عاد إليه حكم يختص بالإتلاف، وهو تحريم الأكل، فلذلك تعلق به الضمان، فإن قاسوا على إعارة السكين، قلنا: إن كان لا يتوصل إلى إتلاف الصيد إلا بها ضمنه، وإن كان يقدر على إتلافه بغيرها، فهذا السبب يختص بالإتلاف؛ لأنه لا يتوصل إلى إتلاف الصيد إلا به، فلذلك تعلق به الضمان. * * *

مسألة 530 إذا اصطاد الحلال صيدا في الحل وأدخل الحرم

مسألة 530 إذا اصطاد الحلال صيدًا في الحل وأدخل الحرم 9740 - قال أصحابنا: إذا اصطاد الحلال صيدًا في الحل وادخله الحرم: وجب عليه إرساله، فإن قتله أو هلك في يده: لزمه جزاؤه. 9741 - وقال الشافعي: يجوز له ذبحه والتصرف فيه. 9742 - لنا: أن دخول الحرم يمنع الاصطياد؛ فوجب أن يمنع إتلاف الصيد بكل حال. أصله: الإحرام. 9743 - ولأنه معنى يوجب تحريم الاصطياد، فلزمه إرسال ما في يده مما اصطاده قبله، أصله: [الإحرام. 9744 - ولأنه صيد في الإحرام؛ فوجب الجزاء بقتله، أصله]: ما دخل بنفسه. 9745 - ولأنه مسلم مكلف أمسك صيدًا في الحرم؛ فلزمه إرساله، والجزاء بالإتلاف، كما لو اصطاده في الحرم. 9746 - ولأنه ممنوع من ابتداء الإمساك؛ فمنع من استدامة الإمساك، كالحرم. 9747 - احتجوا: بأن كل من جاز له الأمر بالاصطياد لنفسه، جاز له قتل الصيد بحال، كالمحل. 9748 - قلنا: المحل يجوز أن يبتدئ بالاصطياد، فجاز له القتل. ومن في الحرم لا

يجوز له الاصطياد، فلا يجوز له قتل الصيد. 9749 - قالوا: أدخل مملوكاً إلى الحرم وغرسها فيه وعلقت فأتلفها. 9750 - قلنا: الشجرة إذا غرسها ملكها، وشجر الحرم المملوك لا يجب بقطعه شيء. أصله: ما ينبته، والصيد ملكه، وما يؤثر في تحريم الصيد لا فرق فيه بين ملكه وغير ملكه كالإحرام. 9751 - ولأن جنس ما ينبته الناس لا يجب به الجزاء وإن لم يملك. وجنس ما يملك من الصيد إذا كان في الحرم تعلق به الجزاء وإن لم يملك. وجنس ما يملك من الصيد إذا كان في الحرم تعلق به الجزاء، فدل على مفارقة أحد الأمرين للآخر. 9752 - قالوا: تحريم ما أدخله الحرم من الصيد يؤدي إلى الإضرار بأهل الحرم على التأبيد؛ لأنهم لا يتوصلون إلى لحم صيد طري أبداً، والمحرم إذا حرم عليه ذبح الصيد بكل حال لم يضره ذلك؛ لأن الإحرام لا يتأبد في حقه. 9753 - قلنا: قد منع أهل الحرم من الاصطياد على التأبيد، وهو من بلدة الناس وتتطلبه نفوسهم، كما يطلب أكل لحم الصيد، وعوضوا عن ذلك الأمر بالتسكين في الحرم، كذلك لا يمنع أن يمنعوا من لحم الصيد، ويعوضوا عنه الفضلة كتسكين الحرم. 9754 - ولأن بين الحل والحرم [متقارباً]، فإذا ذبح الصيد أدنى الحل؛ أمكنهم أكله طريا، كما لو ذبحوه في الحرم. ***

مسألة 531 - حكم الصوم عدلا عن جزاء الصيد

مسألة 531 - حكم الصوم عدلاً عن جزاء الصيد 9755 - قال أصحابنا: لا يجزئ الصوم في جزاء صيد الحرم، وفي الهدي روايتان. 9756 - وقال الشافعي: يجزئ. 9757 - لنا: أنه ضمان لا يجب إلا [في متقوم، كالمتلفات. 9758 - ولا يلزم الجزاء في حق المحرم؛ لأن كفارة الإحرام تجب بإتلاف] ما ليس بمتقوم كالقمل، والشعر، والظفر، فجاز أن يجزئ منهما ما ليس بمتقوم. 9759 - ولأنه ضمان وجب لحرمه الحرم، فلا يجزئ فيه الصوم، كضمان الشجر. 9760 - ولأنه نوع ضمان يتبعض؛ فلا يدخله الصوم، كحقوق الآدميين.

9761 - ولأنه ضمان وجب لحرمة الحرم؛ فلا يجزئ فيه الهدي. أصله: ما لا نظير له [؛لأنه] صيد لا يدخل في ضمانه الهدي، فلا يدخل في ضمانه الصوم، كصيد الآدمي. 9762 - احتجوا: بأنه ممنوع من قتل الصيد لحق الله تعالى، قد جاز في جزائه الصوم؛ أصله: ما أتلفه المحرم. 9763 - قلنا: هناك وجب الضمان بهتك حرمة الفعل، وزكاته الصوم، ككفارة اليمين، وفي مسألتنا: وجب الضمان لحرمة المكان، فصار كقطع الشجر. 9764 - قالوا: ضمان الصيد يجب بإتلاف ملكه، فلو كان حق الآدمي، لم يجب في ملك نفسه. 9765 - قالوا: ولو كان من حقوق الآدميين لتحتم ولا يتخير فيه، ولكان لا يجوز فيه الإطعام. 9766 - قلنا: لسنا نقول: إنه حق آدمي، وهو عندنا حق الله تعالى؛ لأنه أجرى مجرى حقوق الآدميين، بدلالة: أن وجوبه لا لمعنى في الفاعل، كما يجب ضمان الأموال لحرمه مالكها؛ وبدلالة: أن الضمان يسقط عنه إذا أخرجه من الحرم، ثم رده إليه، كما يسقط الضمان برده المغصوب إلى يد مالكه. 9767 - فإن قيل: لا نسلم أن ضمانه لمعنى في غير الضامن؛ لأن الضامن حرم عليه إتلافه، وهذا معنى فيه. وكذلك ضمان الأموال منع منها لمعنى في الفاعل، وهو التحريم، فيكفي في مالكها. ولهذا لا يجب على الحربي بإتلاف أموال الناس؛ لأنه لم يوجد فيه معنى التحريم، وهو التزام الضمان. 9768 - قلنا: تحريم الإتلاف حكم، وعلته حرمة المكان، فقولنا: إنه منع منه لمعنى في غيره إنما هو أن علة التحريم في غيره، وتحريم الإتلاف عليه حكم هذه العلة،

فلا يجوز أن يكون الحكم علة، وكذلك مال الغير محرم تناوله لحق مالكه، والتحريم المتعلق بالمتلف حكم هذه العلة. 9769 - فأما قولهم: كان يجب أن يتحتم ولا يتخير فيه؛ فكذلك نقول في إحدى الروايتين: إنه لا يجزئ فيه إلا الإطعام. وقولهم: كان يجب أن لا يجوز فيه الإطعام؛ لأنه وجب لسد خلة الفقير، فاعتبر ما يتعجل به إزالة الحاجة عنهم، والمتلفات وجب ضمانها لتحصيل المال، فاعتبر الأثمان التي بها يتحصل المال. ***

مسألة 532 جواز قطع شجر الحرم بضوابط

مسألة 532 جواز قطع شجر الحرم بضوابط 9770 - قال أصحابنا: يجوز قطع شجر الحرم إذا كان من جنس ما ينتبه الناس، سواء أنبته منبت أو لم ينبته. وإن كان مما لا ينبته الناس، فأنبته منبت: لم يجب بقطعه الجزاء، وإن نبت بنفسه: وجب فيه الجزاء. 9771 - قال الشافعي: يجب بإتلافه الجزاء وإن أنبته الناس، إلا الشجر المؤذي، كالعوسج، قال: ويجوز أخذ ورقه والانتفاع به إذا أخذ أخذاً رقيقاً لا يضر بأصله. 9772 - لنا: أنه غرس أنبته آدمي، فكان له قلعه، كالشجر المثمر والزرع.

9773 - ولأن ما أنبته الآدمي لم يجب عليه بقطعة الجزاء، كالعوسج. 9774 - ولأن ما يجوز الانتفاع به من أذى، يجوز أخذ أصله من غير الجزاء. كالعوسج. 9775 - احتجوا: بما روى أبو سلمة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة، لا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا يختلى خلاها إلا لعلف الدواب)، فأجراها [على] مكة في المنع من قلع الشجر، فدل على أن شجر مكة لا يجوز قلعه. 9776 - قلنا: منع من قطع شجر الحرم. وشجر الحرم ما أضيف إليه، وهو تاذي لا يملكه أحد. فأما المملوك فهو شجر مالكه فيضاف إليه لا إلى الحرم، فلا يتناوله الحد. 9777 - قالوا: لأنه نام غير مؤذ نبت أصله في الحرم؛ فوجب أن يكون ممنوعاً من إتلافه، أو فوجب بإتلافه الجزاء، أصله: ما نبت بنفسه. 9778 - قلنا: المعنى فيما نبت بنفسه: أنه ليس من جنس المملوك؛ فوجب بإتلافه الجزاء، وما أتلفه الناس مملوك، فلم يجب به الجزاء، كالزرع. ***

مسألة 533 لا يجوز أن يرعى حشيش الحرم

مسألة 533 لا يجوز أن يرعى حشيش الحرم 9779 - قال أبو حنيفة ومحمد: لا يجوز أن يرعى حشيش الحرم. 9780 - وقال أبو يوسف: يجوز ذلك، وبه قال الشافعي. 9781 - لنا: أن ما ضمن بالقطع ضمن بإرسال البهيمة عليه إذا قطعت، أصله: زرع الآدمي. 9782 - ولأنه ممنوع من إتلافه، فمنع من إرسال البهيمة عليه، أصله: الصيد. 9783 - ولأن الرعي يؤدي إلى إتلاف حشيش الحرم، فمنع منه، كالقطع. 1784 - احتجوا بقوله عليه الصلاة والسلام: (ولا يختلى خلاها إلا لعلف الدواب). 9785 - قلنا: هذا لم يذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - في حشيش مكة، وإنما ذكره في المدينة، وذلك عندنا يجوز رعيه وقطعه. 9786 - قالوا: الناس يرعون البهائم في الحرم من لدن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا

ولا ينكر ذلك. 9787 - قلنا: الناس يدخلون البهائم لحوائجهم، فترعى، ولا يجب برعيها ضمان؛ لأن مالكها ما أتلف ذلك ولا قصد إتلافه، فأما أن يدخلوها الحرم ويرسلوها إلى الرعي فلا، وحكم الأمرين مختلف؛ بدلالة: أنه لو أدخل كلباً إلى الحرم فأخذ صيداً، لم يجب على مدخله شيء، ولو أرسله على الصيد أو أغراه ضمنه، فكذلك الحشيش [مثله]. ***

مسألة 534 حكم قتل القارن صيدا

مسألة 534 حكم قتل القارن صيداً 9788 - قال أصحابنا: إذا قتل القارن صيداً، فعليه جزاءان. 9789 - وقال الشافعي: جزاء واحد. 9790 - لنا: أنه جنى على عبادتين، لو انفردت كل واحدة منهما أوجبت كفارة على حدة، فإذا اجتمعنا وجب أن توجبا كفارتين، كالحنث في يمينين، وهذا فرض فيمن أحرم بالعمرة من الميقات، ثم أضاف إليها احجة. 9791 - ولأنه أدخل النقص على الحج والعمرة بقتل ما يسمى صيداً؛ فوجب أن يلزمه جزاءان، كالمتمتع إذا ساق الهدي فقتل صيداً في عمرته ثم قتل صيداً في حجه. 112/ب 9792 - قالوا: لا تأثير لقولكم: أدخل النقص/على الحج والعمرة في الأأصل. 9793 - ولأن الصيدين لو قتلهما في أحد الإحرامين، وجب بقتلهما جزاءان.

9794 - قلنا: الصيدان يجوز أن يتعلق بقتلهما في أحد الإحرامين جزاء واحد، [و] إذا قتلهما على وجه النقص في الحج والعمرة، لم يجز أن يجب عندنا إلا جزاءين، فهذا هو التأثير. 9795 - قالوا: نقلب، فنقول: وجب أن يكون الجزاء بعدد المقتول. 9796 - قلنا: لا يحتاج في القلب إلى قولنا: أدخل النقص في الحج والعمرة، ولا نسلم أن الجزاء بعدد المقتول؛ لأن عندنا يجب عليه الجزاء بقتل الصيد في العمرة، وجزاء آخر بقتل الصيد في الحج. ثم هذا فاسد؛ لن الضمان يجب لحرمة العبادة، فاعتبار عدد ما وجب الضمان للنقص فيه أولى من اعتبار المقتول وعدده. 9797 - قالوا: لا يجوز اعتبار حال الإفراد بحال الإقران، كما لا يعتبر انفراد الإحرام عن المحرم باجتماعهما. 9798 - قلنا: هذا غلط؛ لأن الأصل: أن الحكم إذا وجب بمعنى فاجتمعت الأسباب الموجبة تعلق بها عند الاجتماع ما يتعلق بكل واحد منهما حال الانفراد، [والتداخل معنى يثبت، بدلالة: والاعتبار الذي ذكرناه هو الأصل]، والتداخل الذي يحصل فر حرمة الإحرام والحرم عدول عن الأصل، والاعتبار يجب أن يكون بالأصل لا بالنادر. 9799 - قالوا: المعنى في الأصل: أن المنفرد لو قتلهما وجب عليه جزاءان، كذلك القارن، وليس كذلك الصيد الواحد؛ لأنه نقص لو فعله المفرد لم يلزمه إلا جزاء واحد، فكذلك القارن مثله.

9800 - قلنا: المفرد يكون منه الهتك لإحرامه بقتل الصيدين، فتكرر الجزاء، وفي الصيد الواحد لم يتكرر الهتك، فلم يتكرر الجزاء. وأما القارن فهو بقتل الصيد يكرر الهتك؛ لأنه هتك حرمة عبادتين، فهو آكد من تكرار الهتك في عبادة واحدة. ألا ترى: أن تكرار الطيب واللبس في إحرام واحد يتعلق به كفارة واحدة عندنا في مجلس واحد، وعندهم بكل حال، ولو تكرر ذلك في إحرامين وجب بكل واحد جزاء. 9801 - فإن قيل: المعنى في الأصل: أن المقتول اثنان، فلزمه جزاءان، وليس كذلك في مسألتنا، فإن المقتول واحد؛ فلم يلزمه بقتله إلا جزاء واحد. 9802 - قلنا: قد بينا أن الضمان يجب لحرمه الإحرام، لا لحرمة الصيد، فلا معنى لاعتبار عدد الصيد، وعلة الفرع تبطل بمن نتف ريش طائر ثم قتله، أو قطع قوائمه ثم قتله، فالمقتول واحد [والجزاء أكثر من واحد، وينعكس بالصيد المملوك إذا قتله، فالمقتول واحد] ويلزمه جزاءان. 9803 - وقولهم: إن القيمة ليست جزاء: غلط؛ لأن الجزاء ما وجب بالفعل، وسد مسد الجناية. 9804 - فإن ألزم على ما ذكرنا: المعتمر إذا جرح صيداً ثم تحلل وأحرم بالحج فجرحه ومات من الجراحتين. 9805 - قلنا: يلزمه جزاءان، ذكره محمد في جامعه الكبير. 9806 - ولأنه نسك يجب بقتل الصيد فيه الجزاء بحال الانفراد؛ فوجب الجزاء الكامل لأجله حال القران، أصله إحرام الحج. 9807 - ولأنه نسك يجب بإفساده القضاء، فوجب بقتل الصيد فيه جزاء واحد كامل لأجله، أصله: العمرة المفردة، وهي المسألة.

على أنه محرم بإحرامين، بدلالة: أنه يسمى قارناً عقيب الإحرام، ولما جمع بين الأفعال، فدل [على] أنه سمى قارناً لجمعه بين الإحرامين. 9808 - ولأنه يحتاج إلى تبين، فصار كالمتمتع، وهذا إلزام على أصلهم؛ لأن عندهم الإحرام هو مجرد النية، وهما نيتان، فدل: أنه محرم بإحرامين. 9809 - ولأنه لو كان محرماً بإحرام واحد لم يلزمه دم القران؛ لأنه يلزم الجمع من الإحرامين. 9810 - ولأنهما عبادتان مختلفتان؛ بدلالة اختلاف أفعالهما، والعبادات المختلفة لا يدخل فيها بتحريمة واحدة، كالفجر والظهر. 9811 - فإن قبل: إنه إحرام واحد جمع فيه بينهما، كما يجمع بنية واحدة بين الحج والعمرة. 9812 - قلنا: يجوز أن يجب بنذر واحد ما لا يجتمع بتحريمة واحدة، كالحج، والصوم، والصلاة. 9813 - ولأنه إذا نذرهما فهو عندنا في حكم نذرين؛ لأن تقدير الكلام: لله على حجة، ولله على عمرة. 9814 - قالوا: قد يشمل البيع الواحد على مبيعين. 9815 - قلنا: معنى قولنا أنه مبيع واحد: أن الصفقة في القبول واحدة حتى لا يتفرق الإيجاب على البائع، فليس هذا من أحكام العادات في شيء. ثم يدل على: أن المنع من قتل الصيد لحرمة الإحرام، لا لحرمته في نفسه، بدلالة: أنه قبل الإحرام يجوز قتله، وكذلك بعد التحلل، وفي حال الإحرام لا يجوز، فدل على أن المنع لحرمه الإحرام. 9816 - ولأنه يجوز لسائر الناس قتل هذا الصيد، ولا يجوز للمحرم، فدل: أنه لا حرمة للصيد في نفسه.

9817 - ولأن محظورات الإحرام كلها يمنع منها لحرمة الإحرام لا لمعنى فيها. كذلك الصيد، وإذا ثبت أنه محرم بإحرامين، وثبت أن المنع لحرمة الإحرام، ومعلوم أنه ممنوع لحرمة كل واحد من الحج والعمرة بانفرادهما، فوجب الجزاء الكامل لحرمة كل واحد منهما، كما لو أفردهما. 9818 - احتجوا بقوله تعالى: {ومن قتله منكم متعمداً فجزاء}، ولم يفصل بين المحرم بإحرام واحد أو إحرامين. 9819 - قلنا: قوله تعالى: {لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم} حال من الإحرام، فكأنه قال: لا تقتلوا في حال إحرامكم، وهذا يقضي كل حال للمحرم. 9820 - وقوله: {ومن قتله منكم متعمداً} لا يرجع إلى الأول باللفظ، وإنما هو شرط وجزاء يرجع إلى قوله تعالى: {يأيها الذين ءامنوا}، وإنما شرطنا الإحرام فيه بدليل لا بالظاهر، فوجب أن يثبت مقدار ما دل الدلالة عليه. 9821 - احتجوا بحديث جابر - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (في الضبح كبش إذا أصابه المحرم). 9822 - قلنا: إطلاق المحرم يقتضي أدنى ما يتناوله الاسم، وهو المحرم بالشيء الواحد، وهذا كقولنا: على الحالف إذا حنث كفارة، فيفيد ذلك: الحالف على يمين واحد. 9823 - قالوا: روي عن عمر، وابن عباس - رضي الله عنه - (أنهما أوجبا في الضبع كبشاً، وفي الغزال عنزاً، وفي الأرنب عناقاً).

9834 - قلنا: هذا قالوه جوباً لسائل سألهم عنا لمحرم إذا صاد ذلك، وإطلاق المحرم يقتضي المفرد، فبينوا للسائل حكم الإحرام الواحد، ولو بين لهم إحراماً ثانياً لبينوا له جزاء ثانياً، كما أن من سأل عن كفارة اليمين بينا له كفارة واحدة، فإن بين أنه حلف يمينين بينا له كفارة أخرى. 9825 - قالوا: هتك الحرمتين بقتل صيد واحد، كالفرد إذا قتل صيداً في الحرم، وربما قالوا: حرمتان تجب بهتك كل واحدة منهما كفارة، فإذا اجتمعتا تداخلت. أصله: حرمة الإحرام، وحرمة الحرم. 9826 - قلنا: قولكم يلزمه جزاء واحد: لا يخلو إما أن تقولوا لهما، أو لأحدهما، أو تبهموا. فان قلتم لهما، لم نسلم الحكم في الأصل؛ لأن عندنا يجب الجزاء لحرمة الإحرام خاصة، وإن قلتم: لأحدهما، لم يكن قولكم، وإن أبهمتم: بطل بالصيد المملوك، فإنه يجب بقتله جزاءان. وحكم العبادة الثانية غير مسلم؛ لأن عندنا لا تتداخل حرمة الإحرام وحرمة الحرم، وإنما تسقط إحداهما وتثبت الأخرى. 9827 - ثم موضوع هتك الحرمتين أن يتعلق بكل هتك حكم، بدلالة الحنث في يمينين والمجامع في الصوم والعمرة. 9828 - ثم المعنى في الصوم: أن حرمة الإحرام أعم من حرمة الحرم، بدلالة: أن سائر البقاع في حق المحرم كبقعة الحرم، وبدلالة: أن الإحرام يحظر ما لا يحظره

الحرم، والحرم يحظر بعض ما يحظره الإحرام، فتبعت أضعف الحرمتين أقواهما. وأما الحج والعمرة، لإحرمتهما في المحرمات سواء، بدلالة: أن كل شيء حظره أحدهما يحظره الآخر، فتساويا في حرمة النفس، ولا تدخل حرمة النفس في حرمة الأطراف. 9829 - ولأن حرمة النفس أعم، ويتعلق بها من الحرمة ما لا يتعلق بالأطراف. 9830 - قالوا: قد يحرم الحرم ما لا يحرمه الإحرام، وهو قطع الحشيش والشجر. 9831 - قلنا: ذلك التحريم لحرمة الصيد؛ لأن الصيد يكره رعيه، وكذلك الحشيش علفه. 9832 - فإن قيل: حرمة الإحرام أضعف من حرمة الحرم؛ لأنه يزول بالتحلل وحرمة الحرم تتأبد. 9833 - قلنا: لا يمتنع أن يتأكد حرمة ما لا/يتأبد على ما يتأبد، بدلالة: أن حرمة دم الآدمي لا تتأبد؛ لأنه يستباح بالزنا والردة، ودية شجر الحرم متأبدة، ثم حرمة الآدمي آكد من حرمة الشجر. 9834 - فإن قيل: حرمة الحرم قد تمنع من صيد الحل، كما تمنع حرمة الإحرام، بدلالة: أن [كل] من كان في الحرم لا يجوز أن يرمي إلى صيد في الحل. 9835 - قلنا: صيد الحل غير ممنوع منه لأهل الحرم، بدلالة: أنهم يأمرون بقتله. وأما حرمة الحرم: فتعين فيه أن يرمي الصيد بكل حال؛ لجواز أن يلتجئ ذلك الصيد إلى الحرم فيصيبه السهم فيه، أو يصيبه السهم في الحال، فيتحامل ويدخل الحرم، فيحصل ابتداء الجناية وانتهاؤها في الحرم.

9836 - فإن قيل: فحرمة العمرة لا تساوي حرمة الحج، بدلالة الاختلاف في وجوبها ونقصان أعمالها. 9837 - قلنا: لم نقل: إن الحج والعمرة يتساويان في الوجوب ولا في الأفعال، وإنما يتساويان في تحريم المحرمات، وهذا الاختلاف الذي ذكروه لا يمنع التساوي في تحريم المحرمات. 9838 - وجواب آخر، وهو: أن حرمة الحرم إنما تثبت لأجل الإحرام وأداء المناسك فيه، فلهذا منعت حرمة الحرم لحرمة الإحرام، وحرمة العمرة لم تثبت لأجل حرمة الحج، فلم تتبعه، فثبت كل واحد من الحرمتين على حالها. 9839 - وقد قيل: إن حرمة الحرم تستدعي حرمة الإحرام؛ لأنه يجب الإحرام لدخول الحرم، وحرمة الإحرام تستدعي حرمة الحرم، فصارا كالشيء الواحد، فلذلك وجب الجزاء بإحدى الحرمتين وسقطت الأخرى، والحج والعمرة كل واحد منهما حرمة لا تستدعي الحرمة الأخرى، فلم يتداخلا. 9840 - وجواب آخر، وهو: أن حكم ضمان القتل يتعلق بالبقعة إذا لم يوجد ما يتعلق به الحكم سواها. وإن كان هناك ما يتعلق به حكم الضمان غير البقعة، لم يتعلق بها، كالقتيل يوجد في المحلة، فيجب على أهلها الضمان ما لم يكن هناك قاتل معروف يتعلق حكم الضمان به. كذلك في مسألتنا ضمان الحرم يعود إلى حرمة البقعة، ويتعلق بها ما لم يكن، ما لم يوجد هناك ضمان آخر غيرها، فإذا وجد

الإحرام، تعلق به الضمان وسقط حكم البقعة. 9841 - قالوا: حرمة الحرم تخالف حرمة الإحرام في الواجب؛ لأن الإحرام يحرم ما لا يحرم [و] الحج والعمرة يتفقان في الحرمة، والتداخل يحصل في المتفق لا في المختلف، بدلالة الحدود، فإذا ثبت التداخل في الحرمتين المختلفتين، فالمتفقتان أولى. 9842 - قلنا: هذا الاختلاف يؤدي إلى ضعف إحدى الحرمتين عن الأخرى، وقد يدخل الضعيف في القوي، ولا يتداخل المساوي؛ ألا ترى: أن ضمان الأطراف يدخل في ضمان النفس، ولا يتداخل ضمان الأطراف بعضها في بعض؟ فجاز أن يدخل ههنا أيضًا أضعف الحرمتين في أقواهما وإن لم يدخل المتماثل في مثله. 9843 - ولأن الإحرام يحتمل من اجتماع المختلف ما لا يحتمل في المتفق، بدلالة المضي: يجوز في حجة وعمرة، ولا يجوز في حجتين وعمرتين، واتفق على انعقاد الحج والعمرة معًا، واختلف في انعقاد حجتين، كذلك يجوز أن يقع التداخل في مسألتنا مع اختلاف الحرمة، ولا يقع مع اتفاقها اعتبارًا لصحة الجمع والانعقاد. 9844 - قالوا: المقتول واحد، فلا يجب بقتله إلا جزاء واحد. أصله: إذا قتله المفرد. ولا يلزم إذا نتف ريش طائر وقتله آخر؛ لأن بالقتل لا يجب أكثر من جزاء واحد، وإنما وجب بغير القتل. 9845 - قلنا: لا نسلم أن ضمان الصيد يجب بالقتل، وإنما يجب بهتك حرمة الإحرام على ما بينا، فإذا سقط هذا الوصف لا ينقض بمن نتف ريش طائر وهو معتمر، ثم أحرم بالحج فقتله به.

9846 - والمعنى في المفرد: أنه لا يلزمه بالإفساد قضاء نسك واحد، فلما لزمه بالإفساد في ميألتنا قضاء نسكين لزمه بقتل الصيد جزاءان. 9847 - أو نقول: المعنى في المفرد: أنه يلزمه نية واحدة، فلم يلزمه بالقتل إلا جزاء واحد، والقارن يلزمه نيتان فلزمه بقتل الصيد جزاءان. 9848 - قالوا: نقص لا يجب به على القارن إلا جزاء واحد، أصله: إذا جاوز الميقات فقرن دونه. 9849 - قلنا: القارن إنما ترك حرمة الميقات لأحد الإحرامين؛ لأنه لا يجب بحكم الشرع لحرمة الميقات أكثر من إحرام واحد، فإذا تجاوز فقرن، دخل النقص في أحد الإحرامين، وهو الذي كان يجب عليه بحكم الشرع أن يأتي به من الوقت، فكذلك وجب دم واحد من الحج والعمرة، فلزمه لكل واحد منهما ما لزمه للآخر. 9850 - فإن قيل: إنما لزمه أن يأتي [بإحرام واحد من الميقات إذا أراد نسكًا واحدًا، فأما إذا أراد نسكين، لزمه أن يرحم بهما جميعًا. 9851 - قلنا]: لما كان في الأصل مخيرًا بين فعل إحرام واحد أو إحرامين، فإذا أراد إحرامين ثم لم يأت بهما، لزمه النقص في أدنى ما كان يجزئه في الأصل؛ ألا ترى: أن المكفر المخير لو اختار الكفارة بالعتق، ثم لم يعتق، ثم يترك أدنى الكفارات؛ لأن الوجوب كان يسقط بذلك، فإذا كان اختياره حصل بالأعلى، كذلك في مسألتنا مثله. * ... * ... *

مسألة 535 حكم اشتراك محرمين أو أكثر في قتل صيد

مسألة 535 حكم اشتراك محرمين أو أكثر في قتل صيد 9852 - قال أصحابنا: إذا اشترك محرمان أو أكثر في قتل صيد، فعلى كل واحد منهم الجزاء. 9853 - وقال الشافعي: يجب على جماعتهم جزاء واحد. 9854 - لنا: قوله تعالى: {ومن قتله منكم متعمدًا فجزاء}، وهذا شرط وجزاء، فكل واحد ممن دخل تحت الشرط يلزمه الجزاء بكماله، كمن قال: من دخل داري فله درهم، استحق كل داخل درهمًا بكماله. 9855 - فإن قيل: هناك كل واحد منهم داخل، وههنا ليس كل واحد منهم قاتلا، بدلالة: أنه يستحيل أن يكونوا قاتلين، ولا يكون المقتول بعددهم. 9856 - قلنا: القاتل من فعل فعلاً يجوز أن يكون خروج الروح اتفق عنده، ففعل كل واحد منهم قد وجد فيه هذا المعنى، ولهذا يجب على جماعتهم القصاص. 9857 - قالوا: القصاص لا يتبعض، فلما وجب على كل واحد منهم بعضه

وجب كله. 9858 - قلنا: القصاص إذا لم يتبعض لا غير الوجوب، وإنما يغلب الإسقاط، ألا ترى: أن بعض الشركاء في الدم إذا عفا سقط القصاص، ولا يصح أن يقال: ففي حق من لا يعف في بعض القصاص يثبت له القصاص. 9859 - فإن قيل: القتل يقع مشتركًا؛ فيصير كمن قال: من جاء بعبدي الآبق فله درهم، فجاء به جماعة لم يستحقوا أكثر من درهم. 9860 - قلنا: لأن كل العبد يتبعض، وكل واحد منهم جاء به، فلم يوجد فيه الشرط، والقتل لا يتبعض، فكل واحد منهم قاتل، فيجب عليه الجزاء. 9861 - ولأنها كفارة تجب بالقتل، فمن وجب عليه بعضها وجب عليه جميعها، ككفارة القتل؛ دليل الوصف: أن الله تعالى سماها كفارة. 9862 - ولا يلزم على هذا إذا قتلا في الحرم؛ لأن الله تعالى لم يسمها كفارة. وإن شئت قلت: معنى يدخله الصوم، فلا يتبعض، ككفارة اليمين، ولا يلزم قتل الصيد في الحرم؛ لأنه لا يدخله الصوم. 9863 - فإن قيل: ذكر أبو علي الطبري في الإفصاح قولاً آخر للشافعي في كفارة القتل: أنه يجزئ الجماعة عتق رقبة واحدة. 9864 - قلنا: هذا القول مخالف للإجماع، وندل عليه فنقول: العتق في الكفارة لا يتبعض، بدلالة كفارة الظهار واليمين. 9865 - ولأنه معنى يتعلق بالقتل لا يتبعض، فوجب بكماله على كل واحد من

المشتركين، كالقصاص. 9866 - قالوا: المعنى في كفارة القتل: أنها لم تختلف بالصغر والكبر، فجاز أن يجب على كل واحد منهم كفارة كاملة، ولما اختلف حكم الصغير والكبير، جاز أن لا يجب على الجماعة إلا ما يجب بقتل الواحد. 9867 - قلنا: علة الأصل تنعكس بالدية، فإنها لا تختلف بالصغر والكبر، ولا يجب على كل واحد منهم دية كاملة، أما دية الفرع فإن الضمان وإن اختلف بالصغر والكبر فلا يوجب البعض الداخل في الإحرام على ما قدمناه، وقد دخل في إحرام كل واحد منهم النقص على إحرامه بقتل ما يُسمى صيدًا، فوجب أن يلزمه الجزاء، أصله: إذا انفرد. 9868 - ولأن كل من لزمه جزاء بعض الصيد لحرمة الإحرام، لزمه جميعه، أصله: المنفرد. 9869 - قالوا: المعنى في المنفرد: أنه لو قتله في الحرم لزمه جزاء واحد، ولما/ كان الجماعة لو قتلوا صيدًا في الحرم؛ لم يجب عليهم إلا جزاء واحد، كذلك في حال الإحرام. 9870 - قلنا: ما يجب لحرمة الحرم لا يجب إلا في مقوم، فلم يجز أن يجب بإتلافه أكثر من قيمة واحدة، وكفارات الإحرام تجب في غير مقوم، بدلالة: وجوبها في قص الظفر، وحلق الشعر، وقتل القمل، فلم يعتبر الوجوب بمقدار المقوم. ونبني هذه المسألة على الدال فنقول: إن كل متلف لبعض الصيد ومعين على إتلاف باقيه، فيجب بالأمرين كمال الجزاء. 9871 - احتجوا: بالآية، وقد بينا أنها دلالة لنا.

9872 - قالوا: روي (أن محرمين أوطئا فرسيهما على صيد فقتلاه، فسألا عمر عن ذلك، فقال عمر لعبد الرحمن بن عوف: ما يجب عليهما؟، قال: شاة). وعن ابن عمر - رضي الله عنه -: (أنه أوجب على جماعة قتلوا ضبعًا شاة). 9873 - قلنا: يجوز أن يكون بلغت قيمة الصيد نصف شاة، فأوجب عليهما شاة على طريق القيمة، وكذلك الجواب عن خبر ابن عمر، وإذا احتمل الخبر هذا سقط التعلق به. 9874 - وعلى أنه روي: أن عثمان دخل مكة فامر أن يرش له بيتًا ليقبل فيه، فنفرت حمامة فتلفت فأمره أن يخرج عنها جزاء، وعلى الخادم جزاء، فأوجب على نفسه بالأمر، فالمباشرة أولى. 9875 - قالوا: المقتول واحد، فلم يجب بقتله إلا جزاء واحد، أصله: إذا كان القاتل واحدًا. 9876 - قلنا: قد بينا أن بقتله لا يجب شيء لأجل الصيد، وإنما يجب بالنقص الذي

أدخله في الإحرام، والمفرد أدخل النقص في إحرام واحد، والجماعة أدخل كل واحد منهم النقص في إحرامه. 9877 - ولأن المعنى في المفرد: أنه لو فعل ذلك في آدمي عمدًا لم يجب إلا قصاص واحد، والجماعة لو قتلوا آدميًا وجب على جماعتهم القصاص، كذلك إذا قتلوا الصيد وجب على كل واحد منهم جزاء. 9878 - قالوا: بدل مُتلف يحتمل التبعيض، فوجب أن يجب على الجماعة ما يجب على الواحد إذا انفرد بإتلافه. أصله: بدل النفس والملك وصيد الحرم. 9879 - قلنا: لا نسلم أن الواجب بدل المتلف، وإنما يجب لحيوان الآخر، فلم يتقدر ذلك الحيوان بقيمة المقتول، كما أن الواجب بقتل القمل، وبحلق الشعر، وقص الأظفار جبران الإحرام، وإن كان يختلف بقدر المتلف فيجب في الصغير خلاف ما يجب في الكبير، وفي الظفر الواحد خلاف ما يجب في الاثنين، ثم لم يكن الواجب بدلاً عنهما، فإن أسقطوا ذكر البدل لتبعض الكفارة، فغنها تحتمل التبعيض ولا تبعيض. 9880 - ولأن ضمان المال والدية المقصود منهما عوض الآدمي، فإذا سلم له ذلك من وجه، لم يجز أن يأخذه من وجه آخر. وفي مسألتنا: المقصود جبران العبادة، وكل واحد يفتقر إحرامه إلى جبران، كما يفتق إحرام الآخر. 9881 - فأما ضمان الصيد لحرمة الحرم، فالمعنى فيه: أنه لا يجب إلا في مقوم، فجرى مجرى ضمان المتلفات، ولما كان الضمان في مسألتنا لحرمة الإحرام يجب في مقوم و [في] غير مقوم على ما قدمنا، جاز أن يجب في المقوم أكثر من قيمته.

9882 - قالوا: ضمان الصيد يجري مجرى ضمان حقوق الآدميين، بدلالة: أنه يختلف بصغر المقتول وكبره، كما تختلف حقوق الآدميين. ولو كان كفارة لم يختلف. 9883 - ولأنه يضمن بالنذر، ولو كان كفارة لم يضمن بالنذر. 9884 - ولأنه يجب بإتلاف الأجزاء، ولو كان كفارة لم يجب بإتلاف الأجزاء. 9885 - قلنا: سماه الله تعالى كفارة، وهذه التسمية تغني عن الاستدلال. ويدخله الصوم، والصوم يدخل الكفارات دون الأعواض والأبدال. ويجب لنقص أدخله بفعله في عبادة، فهو كالنقص الذي يدخل هذه العبادة بسائر محظوراتها، فإذا كان جميع ما يجب بذلك، كذلك هذا. 9886 - فأما اختلافه بصغر المقتول وكبره، فكما تختلف كفارة الحلق وقص الأظفار بقلة المتلف وكثرته. 9887 - وأما ضمانه بالبدل، فلأن الكفارة تتعلق بالأفعال المحظورة، وحبس الصيد وإمساكه محظور. 9888 - وأما الكفارة بقتل الآدمي، فيجب ضمان نفسه بالجناية، وإمساكه وحبسه ليس من الجنايات، وإنما هو ضمان المغضوب. 9889 - وأما قولهم: إنه يجب في الأجزاء فكفارة الحلق تجب في أجزاء الشعر وجملته، وإن كان ذلك كفارة. * ... * ... *

مسألة 536 حكم ملك المحرم للصيد

مسألة 536 حكم ملك المحرم للصيد 9890 - قال أصحابنا: إذا أحرم وفي ملكه صيد، لم يزل ملكه عنه. 9891 - وهو أحد قولي الشافعي في الإملاء، وقال في الإملاء - أيضًا -: يزول ملكه عنه. 9892 - لنا: أنه ملكه قبل الإحرام، فلا يزول ملكه عن الصيد، كسائر العبادات؛ ولأنه معنى يمنع من قتل الصيد، فلا ينافي بقاء ملكه فيه. أصله: دخول الحرم. 9893 - احتجوا بقوله تعالى: {وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرمًا}، والتحريم لا يتعلق بالأعيان فثبت أن المحرم فعل فيه، وهو عام. 9894 - قلنا: التحريم يقتضي المنع من إيقاع الفعل فيه، والبقاء على الملك ليس بإيقاع فعل. 9895 - قالوا: كل البقاء والاستدامة إذا منع الإحرام ابتداءه منع استدامته، كالطيب واللباس. 9896 - قلنا: يبطل بالحلق. 9897 - ولأنه لا يراد للاستدامة، ويمنع الإحرام ابتداءه، ولا يمنع البقاء عليه،

كالطيب يمنع الإحرام ابتداءه ولا يحرم البقاء عليه. ثم الطيب واللباس دليل على أن الإحرام أمر منع من إيقاع الفعل فيه، فلا يمنع من بقاء ملكه. 9898 - قالوا: صيد لو اصطاده ضمنه بالجزاء، فوجب أن لا يثبت ملكه عليه، كما لو اصطاده في حال إحرامه. 9899 - قلنا: ما اصطاده يريد أن يبتدئ بملكه، وليس إذا منع من ابتداء التمليك منع من الاستدامة، كالنكاح عند مخالفنا في حال الإحرام، وعلى الأصلين في حال العدة. * ... * ... *

مسألة 537 حكم من أحرم وفي يده صيد

مسألة 537 حكم من أحرم وفي يده صيد 9900 - قال أصحابنا: إذا أحرم وفي يده صيد، لزمه إزالة يده عنه. 9901 - وقال الشافعي على القول الذي قال: لا يزول ملكه عنه: [إنه] لا يلزمه إزالة يده عنه، وله التصرف فيه بالبيع والهبة. وإن لم يرسله فمات حتف أنفه: فلا شيء عليه، فإن قتله: ضمنه. 9902 - لنا: قوله تعالى: {وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرمًا}، والتحريم يعود إلى أفعالنا، فاقتضى ذلك تحريم فعلنا في الصيد. 9903 - ولأنه إيقاع فعل في الصيد فمنع منه حال الإحرام، أصله: ذبحه، ونتف ريشه. 9904 - ولأن كل ما منع المحرم من إيقاعه في صيد غير مملوك منع في صيد مملوك، أصله: قتله. 9905 - ولأنه عقد على الصيد؛ فلا يصح حال الإحرام، كالشراء.

9906 - ولأن كل ما منع الإحرام من قتله منع العقد عليه، كالصيد الذي ابتاعه له وكيله. 9907 - احتجوا: بأن ما لا يلزم إزالة اليد الحكمية عنه، لا يلزم إزالة اليد المشاهدة عنه. 9908 - قلنا: يبطل بالصيد الذي وكره في داره لا يؤمر بإزالة اليد الحكمية عنه، ويؤمر بإزالة يده من طريق المشاهدة لو أخذه وأمسكه. * ... * ... *

مسألة 538 حكم الصيود تكون في بيت المحرم

مسألة 538 حكم الصيود تكون في بيت المحرم 9909 - قال أصحابنا: إذا أحرم وفي بيته صيود: لم يلزمه إرسالها. 9910 - وقال الشافعي على القول الذي يقول بزوال ملكه عنه: يلزمه إرسالها، فإن مات وقد تمكن من إرساله ضمنه، وإن قتله ضمنه. 9911 - قالوا: وعليه إرساله بحيث يمتنع، وإن لم يرسله حتى تحلل، ففيه وجهان: أحدهما: يلزمه إرساله، والآخر: لا يلزمه إرساله. 9912 - لنا: أنها بهيمة ملكها قبل الإحرام؛ فلا يلزمه إخراجها من بيته إذا أحرم. أصله: ما لا يؤكل لحمه. 9913 - ولأنه غير موقع الفعل فيه، فلا يلزمه إخراجه من منزله. أصله: إذا كان في داره لابنه الصغير، أو فرخ في داره، أو في شجرته. 9914 - ولأن إرسال الصيد إتلاف للملك فيه، فلا يجب عليه الإحرام، أصله: سائر أملاكه. 9915 - احتجوا: بأن كل ما يوجب رفع اليد المشاهدة، أوجب رفع اليد الحكمية، كالذي تصطاده حال الإحرام.

9916 - قلنا: إنما يمنع عندنا من اليد المشاهدة؛ لأنها إيقاع فعل فيه، وليس إذا منع من إيقاع فعل في الشيئ منع من بقاء اليد فيه، بدلالة الطيب والنساء. 9917 - ولأن ما اصطاده في حال الإحرام فقد تعدى بأخذه، فلا يزول التعدي إلا برفع يده لا على وجه التعدي، وإنما حرمت العادة إيقاع الفعل فيه، كما حرمت/ إيقاع الفعل في النساء والطيب. 9918 - وقولهم: إنه في يده في الوجهين. 9919 - قلنا: لو كان كذلك لم يجز دفع الزكاة إلى ابن السبيل. * ... * ... *

مسألة 539 حكم من أرسل صيد المحرم

مسألة 539 حكم من أرسل صيد المحرم 9920 - قال أبو حنيفة: إذا أحرم وفي يده أو قفصه صيد، فأرسله من يده حلال أو محرم: ضمن قيمته. 9921 - وقال الشافعي: لا ضمان عليه. 9922 - لنا: أنها عين ملكها قبل الإحرام، فإذا أزال يده عنها من لا ولاية له عليها: ضمنها، أصله: سائر الأعيان المملوكة. 9923 - ولأنها عين لو أزال يده عنها قبل الإحرام ضمنها؛ فإذا أزالها حال الإحرام: لزمه ضمانها، كسائر أملاكه. 9924 - ولأن كل ماله [كذلك]؛ فلو أزال يده عن الطيب ضمن، فإذا أزال يده عما ملكه بالاصطياد ضمن، أصله: بعد التحلل.

9925 - احتجوا: بأن ما كان إرساله مستحقًّا، فإذا أرسله غيره لم يضمنه، أصله: الصيد الذب اصطاده في حال إحرامه. 9926 - قلنا: لا نسلم أن إرساله مستحق على وجه يلحق بالوحش. فإذا فعل ذلك فقد زاد على المستحق، ثم ليس يمتنع أن يستحق عليه الإرسال، ولا يجوز لغيره فعله. كما أن من نذر أن يتصدق بقفيز من ماله فجاء رجل وتصدق به ضمنه وإن فعل المستحق. 9927 - فإن قيل: قد كان المالك يجتهد في الفقراء. 9928 - قلنا: إذا نذر أن يتصدق بها على فقراء بأعيانهم أو قفيز بعينه: ضمن مع عدم هذا المعنى، وكذلك إذا ذبح أضحية غيره. 9929 - قال الشافعي: يضمن وإن فعل الذبح المستحق على المالك. 9930 - قالوا: الإرسال مستحق، فصار بمنزلة رد المغضوب على صاحبه، والمعنى أنها إزالة قد تستحقه بعينها. 9931 - قلنا: يبطل بالصدقة المنذورة لمعين. 9932 - والمعنى في الغصب: أن الآخذ له صار غاصبًا؛ بدلالة: أنه لو تلف في يده ضمنه الغاصب، فإذا رده فقد أبرأ نفسه والغاصب من الضمان من غير ضرر عليه، فكذلك لم يضمن. 9933 - وفي مسألتنا: الحلال إذا أرسل الصيد لم يكن ضامنًا حتى يسقط عن نفسه بتخليته ضمانًا قد وجب عليه، وإنما أتلف على غيره ما ثبت يده عليه، وقد كان ملكه بالاصطياد، فصار كمن أتلف العين المغصوبة في يد الغاصب. * ... * ... *

مسألة 540 كسر المحرم لبيض فرخه ميت

مسألة 540 كسر المحرم لبيض فرخه ميت 9934 - قال أصحابنا: إذا كسر بيضًا فيه فرخ ميت، لا يعلم أنه مات قبل الكسر: [ضمن قيمة بيض فيه فرخ. 9935 - وقال الشافعي: لا ضمان عليه. 9936 - لنا: أن الكسر] سبب الإتلاف في الظاهر، فلزمه الضمان، كما لو ضرب بطن ظبية فألقت جنينًا ميتًا. 9937 - ولأنه كسر بيضة فيها فرخ لا يعلم موته، فصار كما لو علم أنه لم ينفخ فيه الروح. 9938 - احتجوا: بأن الفرخ الميت لا قيمة له، فلا يجوز أن يضمنه، كما لو أتلف سائر الميتات. 9939 - قالوا: لو علمنا أن الفرخ كان ميتًا لم يضمنه، وإنما الخلاف إذا لم يعلم هل مات من الضرب أو غيره، كما لا يعلم هل تلف الجنين من الضرب أو غيره. * ... * ... *

مسألة 541 حكم قتله مالا يؤكل لحمه

مسألة 541 حكم قتله مالا يؤكل لحمه 9940 - قال أصحابنا: إذا قتل المحرم ما لا يؤكل لحمه من الصيد مبتدئًا بقتله: فعليه الجزاء إلا الأشياء الخمسة التي ورد الشرع بإباحة قتلها للمحرم. 9941 - وقال الشافعي: كل محرم الأكل غير متولد من مباح: فلا جزاء في قتله: فأما المحرم المتولد من مباح ومحرم، كالسمع، والمتولد من الحمار الوحشي والأهلي: ففيه الجزاء. 9942 - لنا: قوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم}، واسم الصيد في اللغة: ما كان من جنسه ممتنعًا متوحشًا، وهذا موجود في المأكول وغيره.

9943 - ولأن العرب إن كانت وضعت الاسم لما نقوله فالآية عامة، وإن كانت وضعت الاسم للمأكول، فقد كانوا يعتقدون إباحة كل الحيوان إلا أم حبين، فيجب أن يكون الاسم موضوعًا عندهم للسباع. 9944 - فإن قيل: الآية تقتضي الصيد الذي يضمن بمثله، والسبع لا يضمن بمثله، فلم تتناوله الآية. 9945 - قلنا: المثل عندنا هو القيمة، وقيمة السبع للحم لا تتجاوز شاة؛ لأن لحم الشاة خير من لحمه، فإذا قد تناولته الآية في ضمانه بالمثل الذي هو القيمة وإن قصرنا قيمته على الشاة لما ذكرناه من المعنى. 9946 - قالوا: الآية تناولت صيدًا حرم بالإحرام؛ لأنه قال: {لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم}، وما لا يؤكل لحمه محرم قبل الإحرام، فكان اصطياده وقتله لدفع ضرره، والانتفاع بجلده وقطع لحمه بخلافه، ويدل عليه: قوله عليه الصلاة والسلام: (خمس يقتلهن المحرم في الحل والحرم)، والمحصور بعدد يدل على نفي ما سواه على قول كثير من أصحابنا، ولو ألحقنا بالخمسة غيرها، سقط فائدة الحصر وبطل ذكر العدد. ولأنه من جنس السبع المتوحش لا يبتدئ بالأذى غالبًا، كالضبع.

9947 - ولأن كل ضمان يتعلق بالضبع يتعلق بالنمر والبازي؛ أصله: الضمان لحق الآدمي. 9948 - ولأن المحرم من الصيد على ضربين: متولد، وغير متولد، فإذا كان في أحدهما ما يجب به الجزاء كذلك الآخر. 9949 - ولأن الطير أحد نوعي الصيد، فجاز أن يجب الجزاء بقتل ما لا يؤكل منه. أصله: الدواب. 9950 - احتجوا بقوله تعالى: {وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرمًا}، فحصل للمحرم بحال الإحرام، والذي يتخصص تحريمه هو المأكول، فأما ما لا يؤكل فحرام بكل حال. 9951 - قلنا: التحريم لا يجوز أن يتعلق بالعين، وإنما يتعلق بأفعالنا، فتحريم الصيد إنما [هو] تحريم الاصطياد؛ لأن ذلك فعل الصائد، يقال: صاد يصيد صيدًا، واصطاد يصطاد اصطيادًا. 9952 - فإن قيل: قوله: [صيد البر] يدل على أن المراد به: الصيد دون الاصطياد؛ لأن الصيد الذي هو الفعل لا يضاف إلى البر. 9953 - قلنا: العرب تضيف بأدنى ملابسة، فلما كان البر موضع الصيد أضافوا الصيد إليه، قال الله تعالى: {بل مكر الليل والنهار} والمكر لا يبقى حتى يضاف إلى الزمان، لكنه لما وقع فيه أضافه إليه. 9954 - قال الشاعر: وهو أبو ذؤيب:

وكنت كعظم العاجمات اكتنفنه .... بأطرافها حتى استدق نحولها إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرة .... سهيل أساحت عزلها في العرائب 9955 - ومعلوم: أن العظم لا يلابس العجم إلا في حال الفعل، ثم أضافه إليه لنفس الملابسة. 9956 - لإاما قوله تعالى: {لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم}، فإنما حملناه على الصيد، بدلالة: وهو أن القتل لا يقع في الفعل، وإنما يقع في الحيوان. 9957 - قالوا: روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (خمس يقتلهن المحرم في الحل والحرم)، فنص على الأدنى من كل نوع لينبه به على الأعلى منه، كما قال تعالى: {فلا تقل لهما أفٍ}، ثم ذكر الكلب، وهو مشتق من التكلب، وهو العدوان. وروي: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا على عتبة بن أبي لهب، وقال: (اللهم سلط عليه كلبًا من كلابك، فسلط الله عليه الأسد فقتله)، فثبت أن السبع يسمى كلبًا، والتكلب موجود في كل السباع، فاقتضى الخبر جواز قتلها. 9958 - قلنا: لو أراد التنبيه بها على غيرها لم يحصرها بعدد، وكيف يقال: إنه ذكر الأدنى لينبه على الأعلى، وقد ذكر الحية وهي أعلى نوعها، وذكر الغراب، والفأرة، وهما دون النوع؛ فسقط ما قالوه. 9959 - فأما قولهم: إن الكلب مأخوذ من التكلب، إطلاق الاسم يتناول الكلب المعروف، ولهذا يكذب من قال: رأيت كلبًا، إذا رأى أسدًا، وهذا المفهوم من قوله

عليه الصلاة والسلام: (طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبعًا)، وقال الله تعالى: {وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد}. 9960 - فأما دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - على عتبة فإنما سأل الله كفايته على أهون الوجوه، فكفاه ما هو أوحى وأعجل. 9961 - احتجوا: بحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: (سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يقتل المحرم؟، فقال: الحية والعقرب والغراب والحدأة والفويسقة، والكلب العقور والسبع العادي). 9962 - قلنا: هذا رواه أبو داود، عن أحمد، عن هشيم، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي نعم البجلي، عن أبي سعيد الخدري. 9963 - ويزيد بن ابي زياد طعن عليه مخالفونا حين روي عنه [خبر] رفع

اليدين، وذكروا عن سفيان ابن عيينة: أن أهل الكوفة لقنوه فتلقن، ومن يتلقن إذا لقن كيف يؤثق بخبره؟، فما بالهم يطعنون على من روى ما يخالف مذهبهم، ثم يسكتون عن الطعن فيه إذا/ ما روى ما يوافقهم؟ ثم هذا الخبر قد رواه ابن عمر من طريق صحيح، وذكر فيه خمسًا)، ولم يذكر السبع، وكذلك رواه هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة فالرجوع إليه أولى، ولو ثبت احتمل أن يكون المراد به السبع الذي وجد منه العدوان، وعندنا إذا عدا جاز قتله. 9964 - قالوا: السبع عاد في حال عدوه وفي غير حال عدوه، كما يقال: فرس جموح، وسيف قطوع. 9965 - قلنا: حقيقة الاسم المشتق تقضي كمال وجود الفعل، وتناول الاسم له بعد مقتضى الفعل يحتاج إلى دليل. 9966 - فإن قيل: لو كان المراد ما يوجد منه العدوان، لم يكن لتخصيص السبع معنى. 9967 - قلنا: إنما خصه؛ لأن الغالب أن ذلك يوجد من السبع دون غيره، فذكر ما يوجد منه غالبًا. 9968 - قالوا: لأنه متولد من بين ما لا يحل أكل شيء من جنسه؛ فوجب أن لا يجب الجزاء بقتله، أصله: الذئب.

9969 - قلنا: إن كان الحكم يتعلق بتحريم الأكل والمتولد محرم، كذا أن الأصل تحريم، فهذا التخصيص لا معنى له، والمعنى في الذئب: أنه يسكن بقرب القرى والبلدان، ويبتدئ بالأذى غالبًا، فيعم الضرر به، وهذا المعنى لا يوجد في غيره؛ لأنها تأوي القفار والجبال، فيقل الضرر بها. 9970 - ولأن الذئب ورد النص بإباحة قتله؛ لأنه روي عن ابن عمر أنه قال: (الكلب العقور الذئب)، وليس كذلك ما سواه، فإن النص لم يرد بإباحة قتله، وهو من جملة صيد البر. 9971 - فإن قيل: فقد روي عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنه قال: (الكلب العقو رالأسد). 9972 - قلنا: هذا الحديث لم يثبت عند أصحابنا؛ لأن زيد بن أسلم رواه عن ابن سيلان، عن أبي هريرة، وليس يثبت عندهم. 9973 - قالوا: أجمعنا: أن الذئب لا يجب الجزاء بقتله، فلا يخلو أن يكون سقوط الجزاء لأنه غير مأكول، وهذا يبطل بالمتولد، أو يكون لوجود العدوان منه، وهذا باطل؛ لأنه إذا قتل بالعدوان، لا شيء فيه، فلم يبق إلا أن يكون سقوط الضمان لأنه بما فيه عدوان، وهذا موجود في كل السباع.

9974 - قلنا: هذا قسم رابع، وهو أن يبتدئ بالعدوان غالبًا، وهذا لا يوجد في سائر السباع. 9975 - ثم القسم الثالث يبطل بالضبع؛ لأن فيه عدوانًا، والتأذي به أكثر من التأذي بالغراب وهو أشد عدوانًا، ومع هذا قد أوجبوا فيه الجزاء. 9976 - قالوا: لو ضمن السبع لضمن بمثله أو قيمته، فلما لم يضمن بواحد منهما، دل على أنه ليس بمضمون، وتحريره: أن كل صيد لا يضمنه، لا بمثله ولا بقيمته، [لم يجب الجزاء بقتله، أصله: الأشياء الخمسة. 9977 - قلنا: هو عندنا مضمون بقيمته]، إلا أنه يضمن بجهة اللحم دون غيرها، وذلك في الغالب لا يزيد على شاة، وإنما يزيد قيمة السبع لما يقصد به من التفاخر بإمساكه أو التزين، وهذا المعنى لا يضمن، وهذا كما نقول في الجارية المغنية إذا غصبت: إنها تضمن غير مغنية؛ لأن الزيادة في ضمنها للغناء جهة محظورة، فلا يعتد بزيادة القيمة لأجلها. * ... * ... *

مسألة 542 حكم صيد المدينة وشجرها

مسألة 542 حكم صيد المدينة وشجرها 9978 - قال أصحابنا: ليس للمدينة حرم يمنع الصيد وقطع الشجر. 9979 - وقال الشافعي: لا يقطع شجرها ولا يتعرض لصيدها، وهل يجب فيه الجزاء؟، فيه قولان، قال في القديم: يضمنه. وقال في الجديد: لا شيء فيه. 9980 - وما هو الجزاء؟ قال: سلب القاتل، وما الذي يصنع بالسلب؟ فيه قولان. أحدهما: يكون للذي سلبه، والثاني: يتصدق به على مساكين المدينة. 9981 - قالوا: وكذلك وج الطائف يمنع من الاصطياد منه، وقتل الصيد، وهل يجب فيه الجزاء؟ قولان.

9982 - لنا قوله تعالى: {وإذا حللتم فاصطادوا}، وهو عام. 9983 - ولأنها بقعة يجوز دخولها بغير إحرام، فلم يمنع من قتل صيدها وقطع شجرها، كسائر البلاد. 9984 - ولأنها بقعة لا تصلح لأداء نسك، كسائر البقاع. 9985 - ولأن كل موضع لا يجوز ذبح الهداى فيه لا يمنع من أخذ صيده. 9986 - ولأنه موضع لا يمنع من قتل الأسد والنمر فيه، فلا يمنع من قتل الضبع والسبع فيه. أصله: بيت المقدس. 9987 - ولأنه نوع حيوان يُحكم اصطياده في المدينة وبيت المقدس سواء. أصله: ما لا يؤكل. 9988 - وأما الدليل على أنه لا جزاء فيه: فلأنها بقعة لا يضمن صيدها بالقيمة، فلا يجب بقتله شيء، كسائر البلاد. 9989 - [ولأن كل موضع لا يضمن سباعه بالجزاء، لا يضمن سائر صيوده بالجزاء. كسائر البلاد]. وبهذا الدلائل يسقط ما قاوله في وادي وج. 9990 - احتجوا: بما روى علي - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (المدينة حرام من عائر إلى ثور، لا يختلى خلاها، ولا ينفر صيدها، ولا تحل لقطتها إلا لمن ينشدها، ولا يصلح فيها حمل السلاح ولا قطع الشجر إلا لرجل) [يغلف بعيره]. 9991 - وفي حديث جابر - رضي الله عنه -: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن إبراهيم حرم مكة، وإني

حرمت المدينة [ما بين لابيها]، لا يعضد عضاها ولا يصاد صيدها). 9992 - [قلنا: هذه أخبار آحاد، وإثبات الحرم أمر تعم به البلوى، فلابد أن يبينه النبي - صلى الله عليه وسلم - بيانًا عامًّا، ولو فعل ذلك لنقل سبب البيان]، فلما لم ينقل إلا من جهة الآحاد لم يجز إثبات التحريم بها. 9993 - ويجوز أن يكون عليه الصلاة والسلام منع ذلك عن أهل المدينة حتى لا يضيق عليهم معاشهم، ويشاركون في مباحاتهم، نظرًا لهم ورفقًا بهم. وكذلك الجواب عن حديث عروة بن الزبير، عن أبيه: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما نزل بوج قال: (عضاهها وصيدها حرام محرم)، ألا ترى: أن هذا الخبر يقتضي التسوية بين الطائف وبين حرم الله تعالى الذي خصه بالتعظيم، وجعله آمنًا، وعظم حرمته، وأوجب على جميع الناس قصده، ومثل هذا لا يثبت بأخبار الآحاد. 9994 - احتجوا في وجوب الجزاء: بما روي أن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - رأى رجلاً يصيد في حرم المدينة الذي حرمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسلبه ثيابه، فأتى مواليه يكلمونه في ردها، فقال سعد: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (من رأى رجلاً يصيد في حرم المدينة فليسلبه ثيابه، ولا أرد طعمة أطعمنيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن أردتم ثمنها فخذوه).

9995 - قلنا: هذا يجوز أن يكون قاله عليه الصلاة والسلام في الحال التي كانت العقوبات تتعلق [فيها] بالأموال، فأوجب في حريسة الجبل عن أمر مثله، وأوجب على السارق أن يبتاع. وقد نسخت هذه الأحكام، واستقر الضمان في المتلفات بقيمتها أو مثلها، فسقط الاحتجاج. * ... * ... *

مسألة 543 حكم المحرم المضطر

مسألة 543 حكم المحرم المضطر 9996 - قال أصحابنا: إذا اضطر المحرم إلى أكل الميتة أو قتل الصيد للأكل: فإنه يأكل الميتة ولا يذبح الصيد. 9997 - وروى الحسن عن أبي حنيفة: إذا اضطر إلى ذبيحة محرم أو أكل ميتة فإنه يأكل أيهما شاء. 9998 - وذكر أبو الحسن في (الجامع) عن محمد: أنه يأكل ذبيحة المحرم. 9999 - وفي المنتقى عن أبي حنيفة: أنه يأكل ذبيحة المحرم من الصيد ولا يأكل الميتة. 10000 - وقال الشافعي في أحد قوليه: يأكل الصيد. 10001 - لنا: أن الصيد محظور من وجهين، أحدهما: الإحرام، والثاني: أنه ميتة، والميتة محرمة من جهة واحدة، ومن دفع إلى تناول أحد المحرمين، كان تناول ما حظر من جهة واحدة أولى مما حظر من جهتين، كما لو وجد ميتة وخنزيرًا لذمي، لا يؤمر بذبحه، أو ميتة وكلب صيد لغيره.

10002 - ولأنه لو اضطر إلى أكل ميتة أو قتل حيوان يجب بقتله كفارة، وأكله، فكان أكل الميتة أولى. أصله: إذا اضطر إلى أكل الميتة أو قتل الآدمي. 10003 - ولأنه واجد لما يسد به رمقه، فلم يجز له قتل الصيد حال إحرامه للأكل، أصله: إذا وجد شاة تركت التسمية عليها عمدًا. 10004 - ولأن الله تعالى حرم الصيد ولم يبين حال الضرورة، وحرم الميتة واستثنى حال الضرورة، فالذي أطلق تحريمه أولى بالترك. 10005 - ولأن الصيد منع من أخذه ومن قتله ومن أكله، والميتة ممنوع من أكلها، فتناول ما حظر من وجه واحد أولى. 10006 - فإن قيل: إن ذبيحة المحرم مختلف في تحريمها. 10007 - قلنا: قد اتفق على تحريمها في حق المحرم وأخذه وقتله، فيتفق على تحريمه أيضًا. * ... * ... *

مسألة 544 إحصار المحرم بعد الوقوف

مسألة 544 إحصار المحرم بعد الوقوف 10008 - قال أصحابنا: إذا أحصر بعد الوقوف، فليس بمحصر. 10009 - وقال الشافعي: هو محصر. 10010 - لنا قوله عليه الصلاة والسلام: (من وقف بعرفة ساعة من ليل أو نهار، فقد تم حجه)، وتمام الحج يمنع الإحصار والفوات. 10011 - ولأنه سبب للتحلل قبل استيفاء موجباته فوجب أن لا يثبت بعد الوقوف، أصله: الفوات. 10012 - ولأنها حالة لا يثبت الإحصار فيها بالمرض، فلا يثبت بالعذر، أصله: إذا طاف قبل الرمي. 10013 - ولأنه عذر صده عن البيت فلا يثبت به إحصار بعد الوقوف، كالمرض. 10014 - احتجوا: بقوله تعالى: {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي}، ولم يفصل بين أن يحصر قبل الوقوف أو بعده.

10015 - قلنا: قال الله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله}، ثم قال: {فإن أحصرتم}، فكأنه قال: عن إتمامهما. ومن وقف بعرفة تم حجه، فلا تتناوله الآية. 10016 - قالوا: الآية خرجت على سبب، وهو حصر المشركين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن البيت وكان معتمرًا، والحاج بعد وقوفه بعرفة في معناه. 10017 - قلنا: لا نسلم أن الحاج بعد الوقوف في حكم المعتمر؛ لأن المعتمر تلحقه مشقة يمكن الصبر عليها، وهو الامتناع من الطيب واللبس، ويمكن الصبر عنهما على وجه لا يلحقه فيه ضرر لا صبر عليه فلذلك لم يجز له التحلل. 10018 - قالوا: لأنه مصدود عن البيت بغير حق، فوجب أن يجوز له التحلل، أصله: إذا صد قبل الوقوف، وأصله: المعتمر. 10019 - قلنا: المعنى في الأصل: أنه يلحقه المشقة بالبقاء على الإحرام للصبر على محظوراته، فجاز أن يتحلل، وبعد الوقوف يجوز له التحلل إذا مضت أيام الرمي، فلم يبق من المحظورات إلا النساء، وليس في الصبر عن ذلك مشقة لا تحتمل، فلم يجز له التحلل. يبين ذلك: أن الله تعالى أباح للمحرم الطيب والحلق واللبس لخشية الضرورة، ولم يبح الوطء لذلك، فدل على الفرق بينهما. 10020 - قالوا: إذا وقف بعرفة لم يستفد إلا الأمن من الفوات، وهذا المعنى موجود في العمرة، فإنه يأمن من فواتها، ومع ذلك لو أحصر عن العمرة تحلل، كذلك الحاج، وإذا أحصر عن البيت مثله. 10021 - قلنا: قد بينا أنه يستفيد بعد الوقوف معنى زائدًا على الأمن من الفوات، وهو إمكان التحلل من المحظورات التي لا يمكن الصبر عليها إلا بضرر، وهذا

المعنى لا يوجد في العمرة، ولا في الحج قبل الوقوف. 10022 - قالوا: أجمعنا على أن من أحصر قبل الوقوف بعرفة يجوز له التحلل، فعن أقل الأفعال أولى وأحرى. 10023 - قلنا: إنما جاز له التحلل عن أكثر الأفعال؛ لأنها لم تتم، وبعد الوقوف الإحرام في حكم التام، ويجوز أن يباح له الرفض قبل تأكد عبادة، ولا يجوز بعد تأكدها، ولهذا يجوز عندهم للزوج أن يحلل امرأته قبل الوقوف، ولا يجوز بعده. ويجزئ الإحرام عن حجة الإسلام إذا بلغ قبل الوقوف ولا يجوز إذا بلغ بعده. * ... * ... *

مسألة 545 موضع ذبح هدي الإحصار

مسألة 545 موضع ذبح هدي الإحصار 10024 - قال أصحابنا: لا يجوز ذبح هدي الإحصار إلا في الحرم. 10025 - وقال الشافعي: إذا أحصر في الحل: جاز أن ينحر فيه، فإن أحصر في الحرم: لم يجز أن ينحر في غيره، وإن أحصر في الحل، وله طريق إلى الحرم يبعث بالهدي: فهو بالخيار. 10026 - ومن أصحابنا من قال: يجب أن يبعث به. 10027 - لنا قوله تعالى: {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلفوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله}، فسماه الله تعالى هديًا، والهدي يختص بالحرم، بدلالة: أن من أوجب هدي شاة لزمه ذبحه في الحرم. 10028 - ثم قال: {ولا تحلفوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله}، والمحل عبارة عن المكان، أو عن الوقت، كما يقال: بمحل. 10029 - وقد وافقنا الشافعي أن ذبحه لا يتوقف، فلم يبق إلا أن يكون المراد بالمحل: المكان.

10030 - ولأنه ذكر محلاً مجملاً، وبين ذلك بقوله تعالى: {ثم محلها إلى البيت العتيق}. 10031 - فإن قيل: قوله تعالى: {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي}، الفاء للتعقيب، فهذا يدل على: أنه يلزمه الهدي عقيب الإحصار، وهذا يمنع اختصاصه بالحرم. 10032 - قلنا: معنى الآية: فإن أحصرتم وأردتم التحلل فعليكم ما استيسر من الهدي، فهذا يدل على وجوب الهدي عقيب الإحصار إذا أراد التحلل، وليس الوجوب من الذبح في شيء. 10033 - فإن قيل: قوله: {حتى يبلغ الهدي محله}، أي حتى يذبح ويصل إلى مستحقه، بدلالة: أن المحصر في الحرم مراد بالآية والمحل فيه هذا. 10034 - قلنا: بلوغ المحل الظاهر: أنه عبارة عن المكان، فأما الذبح فلا يكون محلاً للهدي، والمحل هو المكان أو الزمان على ما قدمنا. 10035 - فإن قيل: روي (أن بريرة كانت تهدى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما تصدق عليها، فذكرت عائشة ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: بريئة، فقد بلغ محله)، أي وصل إلى يدها، وتمت الصدقة، فيجوز أن يأكله على وجه آخر. 10036 - ولأنه سبب يتحلل به من الإحرام قبل استيفاء موجبه، فاختص كأقوال العمرة التي يتحلل بها فائت الحج. 10037 - ولأنه دم يختص الإحرام؛ فاختص بالحرم، كدم المتعة والقران. 10038 - ولأن كل موضع لا يجوز ذبح المتعة والقران فيه، لا يجوز ذبح دم

الإحصار [فيه]، أصله: الحل في حق المحصر في الحرم. 10039 - احتجوا: بحديث جابر، قال: (أحصرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحديبية، فنحرنا البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة). 10040 - قلنا: الحديبية بعضها من الحرم، روى الزهري، عن عروة، عن المسور: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان بالحديبية، خباؤه في الحل، ومصلاه في الحرم). ويستحيل أن يقدر على الذبح في الحرم فيذبح في الحل. 10041 - فإن قيل: الخلاف يخالف القرآن، قال الله تعالى: {هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام}. 10042 - قلنا: هذا محمول على الصد عن نفس المسجد؛ ولأن المشركين ضربوا وجوه البدن وردوها في طرف الحرم، وهذا معنى قوله تعالى: {والهدى معكوفًا أن يبلغ محله}، فلما وقع الصلح لم يمنعوهم من الحرم وإن منعوهم من دخول مكة. 10043 - قالوا: روى المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم في قصة الحديبية: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما فرغ من قضية الكتاب قال لأصحابه: (قوموا فانحروا واحلقوا ولا تفرقوا). 10044 - قلنا: لأن الهدايا بعد الصلح دخلت الحرم، فأمرهم بالهدي مطلقًا؛ لأن الهدايا كانت هناك. 10045 - قالوا: روي أن الصحابة كلهم توقفوا عن النحر، فقالت له أم سلمة: (لا تكلم أحدًا حتى تنحر هديك حيث وجدت)، ولم ينكر عليها.

10046 - قلنا: أراد تعجيل النحر، ولم يقصد عموم الأماكن، فلهذا لم ينكر عليها، على أنه قد عارض هذا ما روي عن ناحية بن جندب الأسلمي، عن أبيه قال: (أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين صد الهدي، فقلت: يا رسول الله، ابعث معي بالهدي لأنحره في الحرم، قال: [وكيف] تأخذ به؟، قلت: آخذ به في أودية لا يقدرون علىَّ فيها، فبعثه معي حتى نحرته في الحرم)، وهذا يدل على: أنه لم ينحر في الحديبية، وقوله: (حين صد الهدي) يدل على اختصاصهم بمكان. 10047 - قالوا: محل الحصر؛ فكان محلاً لهديه، أصله: إذا أحصر في الحرم. 10048 - قلنا: المعنى في المحصر في الحرم: أنه لما كان محلاً لهديه: لم يجز ذبحه في غيره، ولما كان المحصر في الحل يجوز له الذبح في غير الحل، لم يجز له الذبح فيه. 10049 - أو نقول: المعنى في الحرم: أنه محل لسائر الدماء المتعلقة بالإحرام، فكان محلاً لدم الإحصار، والحل لما [لم] يكن محلا لسائر الدماء المتعلقة بالإحرام؛ لم يكن محلا لدم الإحصار. 10050 - قالوا: محل التحلل في غير الإحصار الحرم، ثم كان التحلل للعذر في الحل، كذلك مكان الذبح أيضًا. يبين ذلك: أنه لما جاز التحلل ف يالحل للمشقة التي تلحقه بالوصول إلى الحرم، كذلك تلحقه المشقة بإيصال الهدي إلى الحرم. 10051 - قلنا: ليس من حيث خفف عنه حتى سقط المعنى عن الإحرام، وجوز له التحلل ليسقط عنه كل حكم يشق عليه، بل لا يمتنع أن يخفف عنه بعض ما وجب عليه، [ولا يخفف عنه جمعيه]؛ ألا ترى: أن المريض خفف عنه،

فسقط عنه الصوم، وسقطت صفات الصلاة، ثم لم تسقط عنه الصلاة، كما سقط الصوم وخفف عنه، وفي مسألتنا: يجوز له التحلل، ولم يخفف عنه في إسقاط الهدي وإن تعذر عليه عندنا، وهو أحد القولين لهم، كذلك لا يمتنع أن يخفف عنه اعتبار الحرم في الهدي/ وإن شق ذلك عليه. 10052 - وقد ارتكب بعضهم [خطأ]، فقال: كل دم وجب على المحرم ثم أحصر، جاز أن يذبحه في غير الحرم. وهذا خطأ؛ لأن دم الإحصار عندهم إنما جاز في الحل للحاجة إليه، وبقية الدماء لا ضرورة به إلى تعجيلها، فحكم المحصر فيها وغير المحصر سواء. * ... * ... *

مسألة 546 حكم المحصر في تطوع

مسألة 546 حكم المحصر في تطوع 10053 - قال أصحابنا: إذا أحصر في حجة تطوع، أو عمرة تطوع:، تحلل وعليه القضاء. 10054 - وقال الشافعي: إذا كان الإحصار عامًّا: فلا قضاء. وإن كان الإحصار خاصًّا للواحد والاثنين: ففي وجوب القضاء قولان، وإن كانت حجة منذورة أوجبها في تلك السنة: فلا قضاء عليه. 10055 - لنا: حديث عكرمة، عن الحجاج بن عمرو الأنصاري: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من كسر أو عرج فقد حل وعليه الحج من قابل)، قال عكرمة: فسألت ابن عباس وأبا هريرة عما قال حجاج، فقالا: صدق.

10056 - فإن قيل: في الخبر إضمار باتفاق، فعندكم: من كسر فقد فاته الحج، وعليه القضاء. 10057 - قلنا: قوله: (فقد حل) معناه: فله التحلل وعليه القضاء، فنحن نضمر إضمارًا واحدًا، وأنتم مضمرون ذلك أيضًا مع إضمار الفوات، ومتى استقل اللفظ الواحد بإضمار واحد: لم يجز ضم غيره. 10058 - ولأنه سبب التحلل قبل استيفاء موجبات الإحرام، فأوجب قضاء حجة النفل، كالفوات. 10059 - فإن قيل: المعنى في الفوات: أنه تخلل الإحرام ما أوجب القضاء والمحصر لم يتخلل إحرامه ما يوجب القضاء. 10060 - قلنا: الفوات ليس هو الموجب للقضاء، والمحصر لم يتحلل لكن وجب الحج بالإحرام، فإذا تعذر فعل الواجب بالفوات لزمه القضاء، كذلك في الإحصار وجب الحج بالدخول، والإحصار يمنع من أداء الأفعال الواجبة، فوجب القضاء. 10061 - فإن قيل: الفوات يكون بصنع منه، إما بتفريط، أو غلط في الوقت، فلذلك وجب القضاء، والإحصار لا صنع له فيه، فإذا أباح الحل لم يجب القضاء. 10062 - قلنا: ما وجب على الإنسان إذا لم يفعله، لم يسقط بمرضه، سواء كان امتناع الفعل بأمر له فيه صنع، أو لا صنع له فيه، كالحجة الواجبة إذا فاتت لو أحصر فيها لزمه مثلها في الوجهين. 10063 - ولأنه تحلل من عمرته بإحصار، فلزمه مثلها. أصله: إذا أحرم ينوي عمرة الإسلام.

10064 - ولأن كل إحرام لو أفسده، لزمه قضاؤه، وإذا تحلل منه بالإحصار لزمه مثله، أصله: الفرض. 10065 - ولأنه لو أفسد حجة النفل لزمه قضاؤها. ومعلوم: أنه قد أتى بجميع أفعالها، وأخل بصفة من صفاتها، وهي الصحة. والمحصر ترك أصل الأفعال، فإذا وجب على المفسد القضاء فالمحصر أولى. 10066 - ولأنه تحلل من إحرامه بعد وجوب المضي فيه قبل المضي، فلزمه مثل ما شرع فيه. أصله: حجة الفرض. 10067 - فإن قيل: حجة الفرض كانت واجبة عليه قبل الوجوب، وإذا تحلل صار كأن لم يفعل شيئًا؛ فبقى الوجوب في ذمته، وفي مسألتنا لم يتقدم دخوله وجوب، فإذا تحلل صار كمن لم يدخل في الإحرام. 10068 - قلنا: هذا غلط؛ لأن الإحرام أوجب عليه المضي في الأفعال باتفاق، وإذا تحلل قبل أن يفعلها بقى الوجوب الذي تضمنه الإحرام، كما بقى الوجوب إذا أفسده، أو فاته. 10069 - احتجوا بقوله تعالى: {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي}، ولم يذكر القضاء. فلو وجب لم يجز ترك ذره مع الحاجة إليه. ألا ترى: أنه تعالى لما أباح للمريض والمسافر الفطر في رمضان ذكر وجوب القضاء. 10070 - الجواب: أن القضاء عندنا مذكور بقوله تعالى: {فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي} وهذه هي العمرة التي تجب على المحصر مع الحجة، ولهذا علقها بالأمر ليبين أنها التي تركت للخوف. 10071 - ولأن الله تعالى بين ما يلزم المحصر من الأحكام، وحكم الإحصار هو

الهدي والتحلل والقضاء. والقضاء يلزم في الثاني لا بحكم الإحصار، لكن بالوجوب الذي اقتضاه الدخول، وليس حال الإحصار حال الحاجة إلى القضاء، وإنما يكون القضاء في الثاني، وتأخيره ذكره لا يؤدي إلى تأخير البيان عن وقت الحاجة. 10072 - قالوا: حصر النبي - صلى الله عليه وسلم - في عام الحديبية عن العمرة، ومعه أصحابه، ولم يأمرهم بالقضاء، ثم اعتمر في سنة سبع ولم يرجع معه من كان من أصحابه في الحديبية، وإنما رجع عدد يسير معروفون بأسمائهم، فدل ذلك على أن القضاء غير واجب عليهم. 10073 - قلنا: النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتمر [في] سنة سبع بدل عمرة الحديبية، وسميت عمرة القضاء، فدل ذلك علة وجوب القضاء الذي هو مقاضاة النبي - صلى الله عليه وسلم - مع سهيل بن عمرو. 10074 - وقلنا: المقاضاة كانت في سنة ست، فكيف تسمى عمرة سنة سبع بذلك؟؛ ولأن إطلاق القضاء إذا ذكر في العبادات فإنما يراد به ما قام مقام المقضى، وحمله على غير ذلك ترك للظاهر، وإنما يقال: قاضي يقاضي مقاضاة. 10075 - فإن قيل: ليس [معناه] أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سماها بذلك، وإنما هذا شيء سماها به الفقهاء.

10076 - قلنا: روي ذلك عن عائشة وابن عباس (رضي الله عنهما) حين عدد عمرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهي مذكورة في كتب المغازي في عمرة القضاء. 10077 - فإن قيل: إنما قضاها لأنها كانت عمرة الإسلام. 10078 - قلنا: عمرة الإسلام لا تختص بوقت، فإذا دخل فيها وتحلل ثم أعادها في وقتها لم يسم ذلك قضاء، [كم دخل في الظهر، ثم أفسدها ثم أعادها في الوقت، لم يسم ذلك قضاء]؛ لأنه فعل العبادة في وقتها، وإنما يقال قضاء فيما فات وقته. 10079 - قالوا: تحلل من إحرام لم يتخلله ما يوجب القضاء، فلم يجب عليه القضاء. أصله: إذا أكمل الأفعال، وعكسه الفائت. 10080 - قلنا: المعنى في إكمال الأفعال: أن ذلك لو كان في حجة الإسلام لم يلزمه مثلها، فإذا كان في التطوع لم يجب القضاء، والتحلل بالإحصار لو حصل في حجة الإسلام لزمه مثلها، فإذا حصل في حجة التطوع لزمه القضاء. 10081 - قالوا: الهدي الذي يأتي به المحصر قائم مقام إكمال الأفعال؛ لأنه يتحلل به كما يستبيح التحلل بالأفعال، ثم لو أكمل الأفعال لا قضاء عليه، كذلك إذا أتى بالهدي مثله. 10082 - قلنا: الهدي يقوم مقام توابع الإحرام، فأما أن يقوم مقام الأركان فلا. ولو قام مقام الأفعال لا يسقط الفرض في حجة الإسلام، كما يسقط الأفعال، ثم ليس من حيث جاز التحلل بالدم ما قام مقام الأفعال؛ [لأن الطواف والسعي يتحلل به فائت الحج، ولا يقوم مقام الأفعال] في إسقاط القضاء. 10083 - قالوا: فعل أباح التحلل منه صلاح الوقت له، فوجب أن لا يجب

القضاء. أصله: إذا دخل في صوم يظن أنه عليه، ثم بان أن لا صوم عليه. 10084 - قلنا المعنى في الصوم: أن المضي لم يجب عليه ظاهرًا ولا باطنًا، فإذا تحلل منه لزمه القضاء، والحج كان وجب عليه المضي ظاهرًا وباطنًا، فلذلك إذا تحلل قبل لزمه القضاء. * ... * ... *

مسألة 547 فقدان المحصر للهدي

مسألة 547 فقدان المحصر للهدي 10085 - قال أصحابنا: إذا لم يجد المحصر الهدي: لم ينتقل إلى الصوم، وبقى على إحرامه. 10086 - وهو أحد قولي الشافعي، إلا أنه كيف يتحلل؟ على قولين: أحدهما: يقيم على إحرامه حتى يجد الدم مثل قولنا. والقول الثاني: يتحلل ويبقى الهدى في ذمته. 10087 - وقال في القول الآخر: له بدل. 10088 - واختلف في قوله في البدل، فقال في مختصر الحج: ينتقل إلى الإطعام. 10089 - وقال في مختصر الأوسط: ينتقل إلى الصيام، وقال في موضع آخر: هو مخير بين الصوم والإطعام. 10090 - فإذا قالوا: ينتقل إلى الإطعام، ففي كيفيته وجهان، أحدهما: على وجه التعديل، كجزاء الصيد يخرجه بقيمة الدم. والثاني: كالإطعام في فدية الأذى إطعام ستة مساكين. 10091 - فإذا قالوا: ينتقل إلى الصوم، ففي كيفيته ثلاثة أقوال، أحدها: صوم التعديل، والثاني: صوم التمتع ثلاثة أيام وسبعة إذا رجع، والثالث: صوم فدية الأذى.

10092 - لنا: قوله تعالى: {ولا تحلقوا رءوسكم حتى تبلغ الهدى محله}، فعلق التحلل بغاية، فلا يجوز قبل وجودها. 10093 - ولأن الله تعالى ذكر في الآية دم الإحصار، ولم يذكر له بدلاً، وذكر بعده فدية الأذى وذكر لها بدلاً على التخيير، ثم ذكر هدي التمتع وجعل له بدلاً على الترتيب، فلو كان لدم الإحصار بدل لذكره أيضًا. 10094 - ولا يجوز أن يكون البدل في غيره تنبيهًا عليه؛ لأن ذكره بعده أبدًا لا يختلف، وليس رده إلى/ أحدهما أولى من الآخر. 10095 - ولأن قوله تعالى: {ولا تحلقوا رءوسكم} تحريم تعلق بغاية منصوص عليها، فلا يرتفع قبل دخولها، كتحريم المطلقة ثلاثًا على زوجها الأول. 10096 - ولأنه دم لم يجب بالجمع بين الإحرامين، فلا يكون له بدل هو صوم، كالدم الذي يجب بالوطء، والأضحية المنذورة. 10097 - ولأنه نسك يتحلل به قبل استيفاء موجبات الإحرام، لا يجوز الأكل منه، فلا يكون له بدل هو الصوم، أصله: الصوم المنذور. 10098 - احتجوا: بأنه دم يتعلق بالإحرام، فجاز أن يقوم غيره مقامه، أصله: دم المتمتع وجزاء الصيد. 10099 - قلنا: هذا يبطل بالدم الواجب بالوطء. 10100 - ولأن المعنى في دم المتمتع: أنه نسك أوجبه الجمع بين الإحرامين، والمناسك التي ليست بأركان لها أبدال، كالوقوف بمزدلفة والرمي. 10101 - فأما دم الإحصار: فإنه أقيم مقام نفس العبادة، فلا ينتقل عند العجز إلى بدل، كالفدية التي تلزم الشيخ الفاني في الصوم.

10102 - والمعنى في جزاء الصيد: أنه وجب على طريق العوض فجاز أن يقوم غيره مقامه، وهذا الدم وجب قربة لترك العبادة نفسها فصار كالفدية في الصوم، ولهذا نقول: إن الفدية الت يتجب لترك الوقوف والرمي لا يقوم غيرها مقامها. * ... * ... *

مسألة 548 المتحلل بعد إحصاره بالحج

مسألة 548 المتحلل بعد إحصاره بالحج 10103 - قال أصحابنا في المحصر بحجة: إذا تحلل ولم يحج من عامه، فعليه حجة وعمرة. 10104 - وقال الشافعي: ليس عليه عمرة. 10105 - لنا: ما روى الأعمش، عن إبراهيم، أنه قال في المحصر بالحج: (يبعث بهدي يذبح عنه وقد حل، وعليه حجة وعمرة. 10106 - قال إبراهيم: وذكرت ذلك لسعيد بن جبير، فقال: هكذا قال ابن عباس). 10107 - وعن معبد المخزومي أنه شج رأسه وهو محرم، فسأل ابن عباس، وابن مسعود، ومروان بن الحكم عن ذلك. 10108 - فقالوا: (يبعث بالهدي ينحر عنه، فإذا ذبح، فقد حل وعليه حجة وعمرة). 10109 - فإن قيل: روي عن ابن عمر مثل قولنا. 10110 - قلنا: لم ينقلوا لفظه، فيحتمل أن يكون ذلك فيمن زال إحصاره بحج

من سنته؛ ولأن من مذهب ابن عمر: أن المحصر يتحلل، من كل شيء إلا من النساء، ويبقى تحريم النساء حتى يطوف ويسعى من تحلله بعمرة. 10111 - ولا يلزمه عمرة أخرى عندنا. 10112 - ولأنه تحلل من إحرامه قبل الوقوف، فلزمه طواف وسعي عن قضاء الحج، أصله: فائت الحج. 10113 - ولأنه سبب للتحلل قبل استيفاء موجباته، فوجب أن يلزمه طواف وسعي عن الحج، كالفائت؛ ولأن مقتضى الإحرام أن يتحلل عنه بأحد موجبيه: إما بأفعال الحج، أو بعمل العمرة، فإذا أحرم فقد التزم ذلك، فمن تحلل بغير طواف فلم يأت بالحج في الوقت الذي أوجبته التحريمة بقى الوجوب الآخر في ذمته. فلزمه أن يأتي به، كالمحصر بعمرة. 10114 - احتجوا بقوله عليه الصلاة والسلام: (من كسر أو عرج فقد حل، وعليه الحج من قابل). 10115 - قلنا: عندكم المرض ليس بإحصار، ولا يصح التحلل منه، وإنما تحملون الخبر على من كسر ففاته الحج، فكيف يصح تعلقكم به؟ فأما عندنا، فهو نقل قضاء الحج، والعمرة مفهومة بدليل آخر. 10116 - قالوا: تحلل من حج، فإذا قضى حجًّا كفاه؛ أصله: إذا تحلل ثم زال المنع فأحرم وحج من عامه ذلك. 10117 - قلنا: هذا قد أتى بموجب إحرامه الأول على ما أوجبه، فلم يلزمه غيره، وفي مسألتنا لم يأت بأحد موجبي الإحرام في سنته، فلزمه الحج للدخول ولزمته العمرة للتحلل بغير طواف، وصار كمن أحرم بالعمرة ثم أحصر فيها.

10118 - قالوا: محرم بإحرام واحد، فإذا تحلل منه قبل إتمامه لم يجب عليه أن يقضي أكثر منه، أصله: إذا تحلل للفوات بعمل غيره. 10119 - قلنا: هناك تحلل بأحد موجبي الإحرام، بدلالة: أن الإحرام المبهم يؤدى به إما بحجة أو عمرة، فإذا تحلل بأحد الموجبين لم يلزمه أكثر مما اقتضته التحريمة من الحج. وفي مسألتنا: لم يتحلل بأحد موجبيه، فبقى عمل العمرة في ذمته، وكان عليه أن يقضيه. 10120 - قالوا: أحرم بشيء واحد؛ فلم يلزمه قضاء شيئين، كالمحصر بعمرة. 10121 - قلنا: العمرة إذا تعذرت أفعالها؛ لم يؤمر بالخروج منها بفعل عبادة أخرى فلذلك لا يلزمه القضاء أكثر منها. والحج إذا تعذر المضي فيه له أن يتحلل بعمل عمرة، فإذا لم يتحلل ولم يأت بها كان عليه قضاؤهما. 10122 - قالوا: لا نسلم أن فائت الحج يتحلل بعمل عمرة، بل يتحلل بطواف الحج، وإنما قيل: يتحلل بمثل عمل عمرة. 10123 - والدليل على ذلك: أن الوقوف يفوت، ويسقط توابعه، ويبقى الطواف والسعي بحكم إحرام الحج على ما كان عليه. 10124 - قلنا: لو كان كذلك لجاز أن يتحلل بالحلق ثم يطوف، ولكان من سعى عقيب طواف القدوم لا يلزمه السعي بعد الفوات، كما كان لا يلزمه أن لو وقف، فلما لزمه إعادة السعي، دل على أن ما يتحلل به هو طواف وسعي على الموجب كان بإحرام الحج. * ... * ... *

مسألة 549 حكم الحلق على المحصر

مسألة 549 حكم الحلق على المحصر 10125 - قال أبو حنيفة ومحمد: ليس على المحصر حلق. 10126 - وقال الشافعي: إذا قلت: إن الحلق نسك، لم يتحلل إلا بالحلق والذبح. 10127 - لنا: أنه نسك من توابع الإحرام؛ فاختص بالحرم، كالرمي. 10128 - ولأنه معنى يقع به في التحلل؛ فاختص بالحرم كالطواف. 10129 - ولأنه نسك؛ كذلك بينًا في الإحرامين؛ فاختص بالحرم، كالطواف. 10130 - احتجوا: بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحصر بالحديبية، فأمرهم بالحلق. 10131 - قلنا: قد بينا أن بعض الحديبية من الحرم، وهي قدر المحرم من الحرم تحلل الحلق عندنا. * ... * ... *

مسألة 550 وقت الحلق

مسألة 550 وقت الحلق 10132 - قال أبو حنيفة: الحلق مختص بأيام النحر، فإن أخره: لزمه دم. 10133 - وقال الشافعي: لا يجب بتأخيره شيء. 10134 - لنا: أنه نسك يجب فعله في إحرام الحج، فوجب أن يكون مؤقتًا، كالرمي. 10135 - ولأنه نسك غير مرتب على الطواف، فيوقت في الحج كالوقوف، فإذا ثبت أنه موقت فإذا أخره: لزمه دم؛ لحديث ابن عباس: أنه قال: (من أخر نسكًا عن وقته؛ فعليه دم). 10136 - ولأنه نسك يجب فعله في إحرام الحج؛ فيجب بتأخيره دم، كالرمي. 10137 - احتجوا بما روي: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: (افعل ولا حرج). 10138 - قلنا: ليس [معناه] أن في جملة ما سئل عنه تأخير الحلق عن أيامه حتى يصح الرجوع إليه، وإلا لكان بهم حاجة إلى نقل ذلك.

مسألة 551 مرض المحرم مرضا يمنعه من المضي إلى مكة إلا بمشقة

مسألة 551 مرض المحرم مرضًا يمنعه من المضي إلى مكة إلا بمشقة 10139 - قال أصحابنا: إذا مرض المحرم مرضًا يمنعه من المضي إلى مكة إلا بمشقة، جاز له أن يتحلل. 10140 - وقال الشافعي: الإحصار العام: [العدو] الذي يمنع كل الناس، والخاص، مثل: السلطان، أو متغلب حبسه بغير حق، وإن حبسه صاحب الدين، فلا. 10141 - وقال: لو بالدين كان محصرًا، والعدو إذا كان من الجوانب الأربعة، ليس فيه نص. 10142 - قالوا: والذي يجيء على مذهبه: أنه لا يتحلل.

10143 - ومن أصحابنا من قال: إنه يتحلل، فأما المرض فليس بإحصار، ولا يصح التحلل، لقوله تعالى: {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي}. 10144 - قال أحمد بن يحيى: من فصيح الكلام: حصرت الرجل في منزله، إذا حبسته، وأحصره المرض، إذا منعه من السير. 10145 - وقال صاحب الجمهرة: وأحصر الرجل إذا منعه من التصرف مرض أو عائق. 10146 - وذكر أحمد بن يحيى، عن أبي الحسن الأثرم، عن أبي عبيدة، قال: أحصرتم وحصرتم، أي مرضتم أو ذهب بعضكم، فهذا محصر. 10147 - والمحصور الذي جعل في بيته أو داره أو سجن. 10148 - قال أبو الحسن الأخفش. كل ما كان من حبس الناس فهو

محصور، وما حبسه شيء من الأشياء من غير الآدمي فهو محصر، فقال: ما أحصرك، يريد أي شيء أحصرك، ومن حصرني؟ إذا عنيت الناس، تقول: أحصرني مزار، أو أحصرني مرضي، وتقول: حصرت الرجل، فهو محصر، أي حبسته. 10149 - قال المفضل: قال أبو الحسن، ومجاهد، وقتادة، والكلبي: الإحصار، ما منع من عدو، أو مرض، أو ملال كل داءٍ خلاه، وأشباه ذلك. 10150 - قال المفضل: وقال بعض الفقهاء: لا يكون الإحصار إلا بعدو، فأما المرض فليس بإحصار، وهذا مخالف لقول متقدمي الفقهاء، ولغة العرب؛ لأنها تريد الإحصار: ما منع من جنس مال. 10151 - وقال الفراء: العرب تقول للذي منعه خوف، أو مرض، وأشباه

ذلك، أحصر فهو محصر، والذي حبس وأشباهه: حصر فهو محصور. 10152 - قال الفراء: ويستقيم أن يقال: هذا وهذا من غير التأول من كل واحد منهما. 10153 - قال المفضل: والأول أحب إلى لأنه كلام العرب، وهذا اختيار لو جاء في الشعر لجاز، فأما في القرآن ومجاز الكلام: فالأول واضح. 10154 - فقد ثبت ما حكينا عن أهل اللغة: أن حقيقة (أحصر) تفيد المرض، فعلى هذا: الآية خاصة من الإحصار بالمرض، فدلت على جواز التحلل به، وعلى مذهب الفراء هي عامة في المرض والعدو، فاقتضت على مذهبه جواز التحلل بالأمرين، كل واحد من الطريقين دلالة على مخالفنا. 10155 - فإن قيل: الآية نزلت علي سبب، وهو اختيار الذي بالمدينة، وقد كانوا أحصروا بعدو، فكيف يجوز أن يترك بيان المختصر بالمرض ولم يتفق، ويترك بيان المحصر بالعدو، والحاجة إليه واقعة؟. 10156 - قيل له: أما على طريقة الفراء؛ فالآية عامة في الأمرين، فقد بين الله تعالى ما وقعت الحاجة إليه وما لم يقع. 10157 - وعلى الطريقة الأخرى: بين الله تعالى الحكم في المستقبل، فإن الإحصار تقدم الآية بقوله: {فإن أحصرتم}، ثم بين حكم الإحصار في المستقبل، ويستفاد به حكم الحال. كذلك يجوز أن الله تعالى حكم للمرض في المستقبل، ليعلم به حكم العدو من الحال، والله تعالى يبين الأحكام نصًّا وتنبيهًا، بحسب ما يعلم من المصلحة للمكلفين.

10158 - فإن قيل: قد اقترن بهذه الآية قرينة دلت على أن المراد بها: الخوف من العدو، وهو قوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى}. والأمن من العدو لم يستعمل في المرض، ولم يسمع من أهل اللغة أمن من المرض، وإنما يقال: صح؛ وبرأ، وبل، وأبل، فدل على أن الآية من الخوف من العدو دون المرض. 10159 - قلنا: قد يستعمل الأمن في المرض أيضًا؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الزكاة أمان من الجذام والرمد، أمان من الطاعون). 10160 - ويقال: أمن مرض كذا، أي تخلص منه، فأما على قول الفراء معنى الآية: فإذا أمنتم من الخوف وبرئتم من المرض، إلا أنه اقتصر على لفظ الأمن طلبًا للإيجاز، كما قال تعالى: {سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم}، والمراد بالآية: سرابيل تقيكم الحر والبرد، فاختصر طلبًا للتخفيف. 10161 - فإن قيل: قال الله تعالى: {ولا تحلقوا رءوسكم حتى تبلغ الهدى محله}، وهذا إنما يكون في العدو، وأما المريض فيجوز له الحلق لأجل المرض قبل بلوغ الهدي محله. 10162 - قلنا: المريض الذي لا ضرر عليه في تأخير الحلق لا يجوز له الحلق حتى يبلغ الهدي محله، والمراد بهذا الحلق: الذي يقع به التحلل، وذلك لا يجوز للمريض حتى يبلغ الهدي محله، وإنما يجوز أن يحلق المريض حلقًا لا يتحلل به، وليس هذا هو الحلق الذي أوقعه الله تعالى على العامة. 10163 - فإن قيل: لو كانت الآية تناولت المريض، لم يكن لإعادة ذكر المرض وإباحة الحلق له فائدة. 10164 - قلنا: المرض ضربان، أحدهما: يمنعه النفوذ إلى البيت، فثبت به

الإحصار، قارنه أذي أو لم يقارنه. 10165 - والضرب الثاني: لا يمنع النفوذ إلى البيت، ولا يثبت به حكم الإحصار، ومقارنة الأذى تبيح الحلق، فبدأ الله تعالى في الآية بالمرض الذي [يمنع النفوذ، وبين حكمه، وثنى بالمرض الذي] لا يثبت به الإحصار وبين حكمه، وفي بيان ذلك فائدة لا يتناولها أول الآية. 10166 - ولأن قوله تعالى: {فمن كان منكم} مريضًا مبني على أول الآية، لتقدمها: {وأتموا الحج والعمرة لله}، ثم قال: {فمن كان منكم مريضًا أو به أذىً من رأسه ففدية} ثم بين حكم الإحصار بقوله تعالى: {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي}. 10167 - فإن قيل: في الآية إيجاب الهدي على المحصر، وليس فيها إثبات التحلل. 10168 - قلنا: التحلل مراد بالإجماع، والهدي وجب لأجله وإن لم يذكر، وهذا كقوله تعالى في الآية: {فمن كان منكم مريضًا أو به أذىً من رأسه ففدية}، تقديره: فحلق أو لبس ففدية، وكذلك قوله تعالى: {فمن كان منكم مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر}، تقديره: فأفطر فعدة. 10169 - فإن قيل: قوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} يقتضي وجوب المضي إلا أن يمنع منه مانع، دل الإجماع على جواز التحلل بالعدو، وما سواه على أصل الظاهر. 10170 - قلنا: قوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله}، يتناول القادر على الإتمام

دون العاجز عنه، والمريض عاجز عن الإتمام، فلم تتناوله الآية. 10171 - ويدل عليه: ما روى عكرمة عن الحجاج بن عمرو الأنصاري: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من كُسر أو عَرَج، فقد حل، وعليه الحج من قابل). 10172 - فإن قيل: في الخبر إضمار؛ لأن عندكم لا يتحلل بالعرج، فتقدير الخبر عندكم: من كُسر أو عَرَج [فتحلل، فقد حل، وعندنا المراد: من كُسر أو عَرَج]، وقد كان شرط، فقد حل. 10173 - قلنا: عندنا إذا كسر جاز له التحلل، وكلنا نضمر: أنه يتحلل بالتحلل، ويبقى لكم زيادة إضمار وهو الاشتراط، ومن أضمر إضمارًا واحدًا فهو أولى. 10174 - ولأن كل عبادة جاز الخروج منها بسبب العذر؛ جاز الخروج منها بسبب المرض قبل أيامها من غير اشتراط، كالصوم، والصلاة، وعكسه الإتيان. 10175 - فإن قيل: المرض لا يبيح التحلل من الصوم، ولا يستبيح محظوراته بالمرض، وتلك المحظورات توجب الخروج منه، والمرض في الحج أيضًا يبيح محظوراته إلا أنها لا توجب الخروج منه. 10176 - قلنا: لا فرق بينهما؛ لأنه أبيح له الخروج من الصوم بفعل المحظورات، وكذلك يباح له الخروج من الحج بفعل المحظورات، فإباحة الخروج حاصلة، فصح القياس عليه. 10177 - فإن قيل: الصائم أبيح له الخروج؛ لأنه يتخلص بالخروج من الأذى. 10178 - قلنا: هو بالفطر لا يتخلص من أذى المرض، بل يتخلص من مشقة الصوم، كذلك ههنا إذا تحلل تخلص من مشقة البقاء على الإحرام، وتكلف السير من حالة المرض.

10179 - ولأنه مصدود عن الحرم قادر على بعثه الهدي؛ فكان له التملك، كالمحبوس، ومن شرط. 10180 - ولا يلزم الضال؛ لأنه لا يقدر على بعث الهدي، ولا يباح له التحلل، إن لبثه إلى بعث الهدي، وقد يُهدَى للطريق؛ فوجب عليه المضي. 10181 - ولأنها عبادة تجب بإفسادها الكفارة؛ فجاز الخروج منها لمرض، كالصوم، وإن اشترط. 10182 - ولأن كل عبادة جاز الخروج [منها] لعذر من جهة الآدمي، جاز بعذر من جهة الله تعالى، كالصلاة، وإن شرط. 10183 - فإن قيل: بالتحلل من الصلاة يتخلص من الأذى، والحج بخلافه. 10184 - قلنا: المحبوس عندكم يتحلل وهو لا يملك بالتحلل من الأذى. 10185 - ولأن كل عبادة جاز التحلل منها قبل أيامها استوى المنع من جهة الله تعالى ومن جهة الآدمي، كالصلاة والصوم. 10186 - ولأن التحلل معنى يمنعه الإحرام، فجاز أن يباح بسبب من جهة الله تعالى من غير اشتراط، كالطيب، ولبس المخيط، وقتل الصيد. 10187 - احتجوا: بما روي، (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرَّ بضباعة، وهي شاكية، فقال: أتريدين الحج؟، قالت: نعم، قال: (فحجي واشترطي، وقولي: محلي حيث حبستني).

10188 - قالوا: ولو كان المرض مبيحًا للتحلل، لم تحتج ضباعة إلى الاشتراط؛ لأن الاشتراط [حينئذ ثابت حكمًا] فكان وجود الاشتراط وعدمه سواء. 10189 - قلنا: لا يمتنع أن يأمرها باشتراط ما يقتضيها الحكم [ولو] لم تشترط، كما يشترط في القرض رد العوض، وكما يشترط رد العارية وإن كان حكمًا ثابتًا قبل الاشتراط، وكما قال عليه الصلاة والسلام لعائشة: (اشترطي الولاء لهم)، بمعنى: عليهم، ومعلوم: أن الولاء لمن أعتق وإن لم يُشترط. 10190 - معناه: اشترطي مقتضى الإحرام من التحلل بالمرض، وشرط مقتضى العقود غير ممنوع منه، بل هو بيان لأحكامها. 10191 - وقد قيل: فائدة الاشتراط: أنه يجوز لها التحلل حين تحبس، ومتى لم تشترط [لم] يؤذن بإحلالها إلى حين بلوغ الهدي محله، وفي تعجيل التحلل فائدة مستفادة بالشرط لا توجد عند عدمه. 10192 - فإن قيل: فعندكم لا يفيد هذا الشرط إباحة التحلل قبل بلوغ الهدي، فكيف يحمل الخبر عليه؟. 10193 - قلنا: لما كان هذا من أحكام فسخ الإحرام بالأعذار، وفسخ ذلك، فليبح هذا، ولهذا أنكر ابن عمر الاشتراط. 10194 - وقد قال أصحابنا: إن خبر الاشتراط ضعيف، ولهذا وقف الشافعي

فيه ولم يقطع به، وهذا ليس بصحيح؛ لأنه خبر صحيح، وإنما وقع أن الشافعي قال: هو مقطوع، وهو متصل لا شك في اتصاله. 10195 - قالوا: روي عن ابن عباس أنه قال: (لا حصر إلا حصر العدو). وروى: (أن رجلاً رمي به بعيره، فسأل ابن عمر، وابن الزبير، ومروان، فقالوا: لا يحله إلا البيت). وروي: (المحرم كُسر، قال: فبعثت إلى مكة وبها ابن عباس وابن عمر، فلم يرخصوا في التحلل، فبقى تسعة أشهر على ما تم، ثم تحلل بعمل عمرة). 10196 - قلنا: قد روينا عن ابن عباس، وابن عمر مثل قولنا، أما ابن عباس، فروى عنه عكرمة: (ان المرض إحصار). وروي: أنه أفتى معبدًا المخزومي، وقد لدغ (أن يتحلل بالهدي). وروي عن ابن مسعود: أنه قال في المحصر بالمرض: (إنه يبعث بالهدي على يد صاحبه، ويواعده يومًا يذبح فيه عنه، فتحلل به). وروي: أنه قال في الملدوغ مثل ذلك.

10197 - قالوا: لا يتخلص بتحليله عن سبيله عن شيء من الأذى الذي هو فيه، فلم يجز له التحلل، أصله: إذا ضل عن الطريق. 10198 - قلنا: يبطل بالمحبوس. 10199 - ولأنه إذا تحلل [تخلص من الأذى؛ لأن تكلف المسير مع المرض فيه مشقة، فإذا تحلل] أقام وتخلص من الأذى، واستقر في مكان واحد، وهو التخلص من السفر. 10200 - ولأن الضال لا رواية فيه، فمن أصحابنا من قال: يجوز له التحلل، ومنهم من قال: لا يتحلل المحصر عندنا إلا بإيفاد الهدي، فإن قدر على إيفاده فقد عرف الطريق، وزال الضلال عنه. 10201 - قالوا: لأنه غيرمصدود عن مواضع نسكه، فوجب أن لا يجوز له التحلل، أصله: المرض اليسير. 10202 - قلنا: الوصف غير مسلم؛ لأنه مصدود من جهة الله تعالى، والصد من [جهته كالصد من] جهة الآدمي وآكد؛ بدلالة: 10203 - أن الآدمي يغالب، والمرض لا يدفع ولا يغالب، فلهذا يجوز أن يترك الصيام والصلاة بالمرض، ولا يترك بالإكراه. 10204 - فإن قيل: صلاة الخوف تستباح بالعدو، ولا تستباح بالمرض. 10205 - قلنا: لصلاة الخوف تأثير من مفارقة العدو، وليس له تأثير في

تخفيف المرض، ثم المرض اليسير أن لا يلحقه مشقة في السير فهو والصحيح سواء، وإن كان يستضر بالسير، فهو مسألتنا. 10206 - قالوا: كل معنى لو وجد قبل الإحرام لم يمنع وجوب الحج، وإذا طرأ بعد الإحرام لم يبح التحلل؛ أصله: إذا لسعته حية أو عقرب. 10207 - قلنا: المرض عندنا يمنع وجوب الحج عليه بنفسه، فإذا طرأ أسقط عنه وجوب المضي بنفسه أيضًا، وإنما لا يسقط المرض وجوب الحج من ماله، كذلك إذا طرأ لا يسقط الوجوب من ماله. 10208 - وأصلهم الملدوغ، وهو غير مسلم، إذا كان يلحقه ضرر بالمسير، فإن قدر على المسير من غير ضرر فهو كالصحيح. 10209 - قالوا: ما لا يبيح التحلل بعد الوقوف بعرفة لا يبيحه قبله، كالحيض والنفاس. 10210 - قلنا: إذا أحرمت المرأة بغير إذن زوجها حللها قبل الوقوف، ولم يحللها بعد الوقوف، والمعنى في الحيض: أنه لا يمنع المضي في الحج، فلم يبح التحلل، والمرض يمنع المضي إلا بمشقة، فلذلك أباح التحلل. 10211 - قالوا: مصدود عن البيت لمعنى في نفسه، فلا يجوز له التحلل، كالحائض. 10212 - قلنا: الحائض مصدودة عن البيت، غير مصدودة عن الوقوف فذللك لم تتحلل. والمريض مصدود عن البيت والوقوف، فصار كمن صده العدو. 10213 - قالوا: المرض لا يمنع وجوب الحج، فلا يبيح التحلل، كالحيض. 10214 - قلنا: لا نسلم أن المرض لا يمنع الوجوب؛ لأن المريض لا يجب عليه الحج بنفسه وإن حصلت شرائط الوجوب، وإنما يجب عليه عبادة أخرى في ماله. 10215 - والمعنى في الحائض: أنها غير ممنوعة من الوقوف، فلم يجز لها أن تتحلل، وليس كذلك المريض؛ لأنه ممنوع من الوقوف والطواف، فجاز له التحلل.

مسألة 552 شرطه عند الإحرام أن يحله حيث مرض

مسألة 552 شرطه عند الإحرام أن يحله حيث مرض 10216 - قال أصحابنا: إذا شرط من الإحرام أن يحله حيث مرض، أو ضل تحلل، فإن فاته الحج فهو محرم بعمرة. 10217 - وقال الشافعي يحلل بغير هدي، وعلى القول في الجديد بصحة الخبر. 10218 - وأصحابه يقولون: فيها قولان، ومنهم من قال: فيها قول واحد؛ لأن الحديث صح. 10219 - لنا: قوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي}، وهو عام في الاشتراط وغيره. 10220 - ولأنها عبادة شرع لها تحلل، فلا يتحلل منها بالشرط، كالصلاة. 10221 - ولأنه شرط انتهى إلى موجب الإحرام أن يسقط، أصله: إذا شرط أن لا يقضي إذا أفسد، وفاته الحج.

10222 - ولأنه ابتدأ يتحلل به، فلا يسقط بالشرط، كعمل العمرة حال الفوات. 10223 - احتجوا: بحديث أبي هريرة، عن عروة، عن عائشة: (أن ضباعة قالت: يا رسول الله، أحرم فأشترط؟، فقال: نعم. وقالت: كيف أقول، فقال: قولي لبيك اللهم لبيك محلي حيث حبستني من الأرض). 10224 - قلنا: يحتمل أن يكون هذا في حال جواز الفسخ بغير شرط، فإذا شرطت كان أولى، ويكون فائدة الشرط سقوط الهدي عنها حتى يتعجل لها التحلل من حال حدوث المرض. 10225 - قالوا: الشرط فائت في العبادة، بدليل: أنه لو قال: إن شفا الله مريضي صمت، لزمه الصوم، مريضًا كان الناذر أو صحيحًا، ولو قيد نذره، فقال: إن شفا الله مريضي وأنا صحيح صمت، لزمه مع الصحة، ولم يلزمه إن كان مريضًا، كذلك ههنا. 10226 - قلنا: هناك علق الوجوب بشرطين: بصحة مريضه، وأن يكون هو صحيحًا، فإذا لم يوجد أحد الشرطين لم يلزمه، وههنا أدخل في العبادة، وشرط الصحة في وجوب المضي لينفي بذلك ما لزمه بالدخول، فلا يعمل الشرط فيه، كمن قال: لله علىّ أن أصوم، فإن مرضت لم أقض. * ... * ... *

مسألة 553 موضع الإحصار

مسألة 553 موضع الإحصار 10227 - قال أصحابنا: لا يكون الإحصار في الحرم. 10228 - ومن أصحابنا من قال: إن منع من الوقوف والبيت، كان محصرًا، وإن تمكن من أحدهما، لم يكن محصرًا. 10229 - وقال الشافعي: يكون محصرًا. 10230 - لنا: أنه متمكن من الطواف، فلا يتحلل بالهدي، كفائت الحج. 10231 - ولأن التحلل بالطواف هو الأصل، وإنما أقيم الهدي مقامه عند العجز، والقدرة [على الأصل تمنع ثبوت البدل. 10232 - ولأنه سبب للتحلل مثل استيفاء موجب الإحرام، فلا يثبت حكمه مع التمكن] من الوقوف بعرفة، أصله: الفوات. 10233 - ولأنه غير ممنوع من البيت أو غير ممنوع من الوقوف، فلا يكون محصورًا، كالمريض.

10234 - احتجوا: بقوله تعالى: {فإن أحصرتم}. 10235 - قلنا: عطفه على قوله: {وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم}. تقديره: عن أيامهما، ومن يقدر على الوقوف لم يمنع من أيام الحج، ومن قدر على الطواف لم يمنع من إتمام العمرة، فلم يجز أن تتضمنه الآية. 10236 - قالوا: ممنوع من إتمام النسكين، كالمحصر بغير مكة. 10237 - قلنا: إذا أحصر بغير مكة لم يتمكن من إتمام الحج ولا من التحلل بالطواف، وهذا المعنى لا يوجد إذا قدر على أحد الركنين. 10238 - ولأن المحصر بغير مكة ممنوع في موضع المنع، والمحصر بمكة ممنوع في غير موضع المنع، وحكم الأمرين مختلف؛ ألا ترى: أن من عدم الماء في غير المصر تيمم، وإن عدمه في المصر لم يتيمم؛ لأن عدمه في غير موضع [المنع]، كذلك في مسألتنا. 10239 - قالوا: إذا منع من الوقوف وقدر على الطواف لم يجز له التحلل للطواف في الحال حتى يفوت وقت الوقوف، فقدرته على الطواف في الثاني لا يمنعه التحلل بالهدي، كمن أحصر في غير مكة. 10240 - قلنا: الطواف أصل في التحلل وهو قادر عليه، والمرء لا يتمكن من فعله في الحال، فلا يجوز أن ينتقل إلى بدله، كالمظاهر إذا لم يجد الرقبة وهو قادر على الصوم، لم يجز له الإطعام [وإن كان يقدر على الإطعام] كله في الحال، ولا يقدر على جميع الصيام في الحال حتى يأتي أوقاته، كذلك في مسألتنا. * ... * ... *

مسألة 554 حكم منع الزوج زوجته من حجة الإسلام

مسألة 554 حكم منع الزوج زوجته من حجة الإسلام 10241 - قال أصحابنا يجب على المرأة الخروج إلى حجة الإسلام بغير إذن زوجها، وليس له أن يمنعها. 10242 - وهو قول الشافعي في اختلاف الحديث. وقال في القديم والجديد: له منعها، وإن أحرمت حللها، وصارت بمنزلة المحصر في أحد القولين. 10243 - لنا قوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً}. 10244 - وقال عليه الصلاة والسلام: (الاستطاعة: الزاد الراحلة)، ولا زاد إلا للأداء، فدل على وجوب الأداء عليها بكل حال، أذن زوجها أو لم يأذن. 10245 - ولأنها من فروض الأعيان، فلم يكن للزوج المنع من أدائها، كالصلاة، والصوم. 10246 - فإن قيل: وقت الصلاة يقصر ويقدر على جماعها بالليل، ووقت الحج يمتد.

10247 - قلنا: فوقت الحج لأهل مكة يقصر، ومع هذا يحتاج إلى الأذن عندكم. 10248 - قالوا: الصلاة والصوم يجب عليه كما يجب عليها، والوقت لهما واحد، فلا يستقر يتشاغلهما بالعبادة. 10249 - قلنا: قد تختار أن تصلي في أول الوقت، ولا يجوز له منعها وإن لم يتغير الصلاة عليه فيه. 10250 - ولأن استقراره بخروجها إذا كان ذلك فرضًا عليها لم يؤثر أن يستضر بحبسها في الدين، وتحبس لوجوب الدين عليها. ولأنه أحد الأركان الخمسة، كالإيمان، والزكاة. 10251 - ولأن كل من لزمه الحج فإنه لا يعتبر في أدائه إذن غيره. أصله: إذن الأب. 10252 - ولأن من لا يحتاج إلى إذنه في أداء صلاة الفرض لا يحتاج إلى إذنه في أداء حجة الإسلام، كالأب. 10253 - والدليل على أنه لا يحللها: أنها أحرمت بفرض من فروض الأعيان، فلم يجز للزوج أن يحللها، كالصلاة. 10254 - ولأنها عبادة، فلم يجز للزوج أن يحللها من فرضها، كالصلاة. 10255 - احتجوا: بحديث ابن عمر: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في امرأة لها مال، ولها زوج، ولا يأذن لها في الحج: ليس لها أن تنطلق إلا بلإذن زوجها). 10256 - قلنا: هذا حديث لا يعرف، ذكره الدارقطني عن إبراهيم بن أحمد

القرميسيني، عن العباس بن محمد بن مجاشع، عن محمد بن أبي يعقوب، عن حسان بن إبراهيم الصائغ، عن نافع، عن ابن عمر. 10257 - والعباس بن محمد، ومحمد بن أبي يعقوب مجهولان، لا يعرف واحد منهما، ولا يثبت بقولهما حجة، فإذا رويا ما لم يروه أحد من الفقهاء ولا يكن في كتاب لم يلتفت إلى روايتهما. 10258 - على أنه محمول على الحجة المنذورة، بدلالة: ما ذكرنا. 10259 - فإن قيل: المال إنما يشترط في حجة الفرض. 10260 - قلنا: ويشترط أيضًا في أداء الحجة المنذورة، وإنما لا يشترط في وجوبها. 10261 - فإن قالوا: الألف واللام للتعريف. 10262 - قلنا: حجة المنذورة معرفة بالنذر. 10263 - قالوا: قد دللنا على أن الحج على التراخي، وحق الزوج من الاستمتاع على الفور، فلا يجوز ترك الحق المعجل لأجل ما هو على التراخي. 10264 - قلنا: هذا أصل نخالفكم فيه، ولو سلمناه بطل بالصلاة في أول الوقت، وبالحج في السنة التي يغلب على ظنها أنها تعجز، فإن الحج عندهم يصير، وتحتاج إلى إذنه فيه. 10265 - قالوا: نوع ملك يتعلق به وجوب النفقة، فوجب أن يستحق به المنع

من الحج، أصله: ملك اليمين. 10266 - قلنا: فنقول لا يثبت به المنع من فرض أوجبه الله ابتداء، كالملك. 10267 - ولأن العبد لم يوجب الله عليه الحج، وإنما يوجبه على نفسه، فكان للمولى المنع منه، كما يمنع الزوج من الحجة المنذورة التي دخلت فيها، فأما الزوجة، فقد فرض الله عليها الحج، فصار كالصلاة التي فرضها الله عليها. 10268 - قالوا: حجة واجبة وكان لزوجها منعها من الخروج، كالمنذورة. 10269 - قلنا: المنذورة وجبت بسبب من جهتها، وليس لها أن تسقط حق الزوج بفعلها، ألا ترى: أنه ليس له منعها من الصلاة المفروضة ولا من صوم رمضان، وله أن يمنعها من المنذور من جنسها، كذلك ثبوت حق المنع من الحجة المنذورة لا يدل على ثبوت المنع فيما أوجبه الله تعالى ابتداء. 10270 - قالوا: المعتدة لا تخرج إلى الحج؛ لأن حق العدة مضيق، كذلك حق الزوج أيضًا. 10271 - قلنا: لأن العدة لا تستدرك في غير هذا الحال، والحج يستدرك فأمرت بالجمع بين الأمرين، وليس كذلك حق الزوج من الاستمتاع؛ لأنه لم يستدركه في سائر الأوقات، وهو غير منقطع، فلو قدم على الحج أدى إلى سقوط الحج. * ... * ... *

مسألة 555 المرأة لا تخرج للحج إلا مع محرم

مسألة 555 المرأة لا تخرج للحج إلا مع محرم 10272 - قال أصحابنا: لا يجوز للمرأة الخروج إلى حجة الإسلام إلا مع محرم إذا كان بينها وبين مكة ثلاثة أيام. 10273 - واختلف أصحابنا هل ذلك من شرائط الوجوب أو الأداء؟ فقال أبو جعفر الكبير، وأبو الحسن: إنه من شرائط الوجوب. ومن أصحابنا من قال: إنه من شرائط الأداء. 10274 - وقال الشافعي: يجب عليها الحج بما يجب على الرجل، إلا أنه لا يجوز لها الخروج إلا مع محرم، أو نساء ثقات، أو امرأة مأمونة، هذا الذي نص عليه الشافعي. 10275 - قالوا: وهو المذهب. 10276 - ومن أصحابه من قال: يعتبر أمن الطريق والصحبة، ولا يعتبر النساء. وظاهر المذهب: أنها لا تخرج في حجة التطوع وسفر التجارة بغير محرم.

10277 - لنا: ما روى نافع عن ابن عمر (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يحل لامرأة أن تسافر ثلاثة ايام إلا مع محرم). 10278 - وروى الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا [تسافر المرأة .... إلا ومعها زوج أو محرم منها). 10279 - وروى سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا] يحل لامرأة أن تسافر مسيرة ثلاثة أيام غلا مع رجل يحرم عليه نكاحها). 10280 - وروى (يومًا). 10281 - وروي (ليلة). 10282 - وروي (يومًا وليلة). 10283 - وروى (أكثر من ثلاثة أيام). 10284 - وغذا تعارضت الأخبار سقط الاحتجاج بها. 10285 - قلنا: النهي عن سفر ثلاثة أيام يستقر بهذه الأخبار؛ لأن ذكر الثلاث إما أن يتقدم، ويتأخر عنه خبر اليوم والليلة، فإن تأخر فقد ضم خبر الثلاث حكمًا آخر،

وإن تقدم ذكر اليوم فخبر الثلاث ناسخ له، وإذا التحريم في الثلاث ثابت باق. 10286 - ولأنا نجمع بين الخبرين فنقول: هي ممنوعة من ثلاثة أيام، وممنوعة من سفر يوم إذا قصدت به ثلاثة أيام. 10287 - فإن قيل: المراد به: حجة التطوع أو سفر التجارة. 10288 - قلنا: بل أراد به السفر الظاهر؛ لأن ظاهره يقتضي السفر الذي يجوز لها الخروج فيه بوجود المحرم، أذن الزوج لها أو لم يأذن، وهذا لا يجوز إلا في سفر الفرض. ويدل عليه حديث سفيان، عن عمرو، سمع ابا معبد مولى ابن عباس يقول: (قال ابن عباس: خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس، فقال: لا تسافر امرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا يدخل عليها رجل إلى ومعها ذو محرم، فقام رجل، فقال: يا رسول الله، إني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، وقد أردت أن أحج بامرأتي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: احجج مع امرأتك). 10289 - فقد فهم الرجل من الخبر سفر الحج، ولم ينكر النبي عليه الصلاة والسلام ذلك، ويقول له ما أردت سفر الحج، ثم أمر الزوج أن يترك الجهاد ويحج بها، فلو جاز أن تحج وحدها لم يكن لأمره بترك الجهاد معنى. 10290 - ويدل عليه: حديث أبي عياض: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تحجن امرأة إلا ومعها ذو محرم)، ذكره الدارقطني في سننه.

10291 - ولأنه إنشاء سفر صحيح في دار الإسلام، فلا يجوز من المرأة بغير محرم أو زوج، كسفر التجارة، وسفر حجة النفل. 10292 - ؛ لأنه إنشاء سفر مسافة يستوفى فيه مدة مسح المسافر. ولأن كل سفر يمنع منه عدم المحرم والزوج، كسفر التجارة وسفر الجهاد، وعكسه الهجرة. فإن نازعونا في هذا الأصل على حكاية الكراييسي لم يلتفت إلى ذلك؛ لأنه غير المذهب، وخلاف النص، ويستدل بالخبر. 10293 - ولا يقال: إنه لا يجوز اعتبار السفر الواجب بسفر التجارة، ألا ترى: أن الزوج يمنعها من صوم التطوع ولا يمنعها من صوم الفرض. 10294 - قلنا: لا نسلم وجوب الحج مع فقد المحرم والسفر غير واجب. ثم المعتدة قد منعت من سفر الحج، كما منعت من سفر التجارة. وإذا اختلفنا في ذلك لا يمتنع أن تختلف في مسألتنا. 10295 - ولأن المرأة ممنوعة من السفر وحدها، فلأن يقع حال المنع بانضمام ممنوعة أخرى إليها، أصله: الخلوة والأحاديث، والسفر المباح يعتبر بإذن الزوج. 10296 - ولأن ما يمنعها من الخروج إلى حجة التطوع لحق الله تعالى، فإنه يمنعها من الخروج. 10297 - قلنا: وفي مسألتنا ترك الحلق بالإباحة فرض مضيق، فوجب أن يقدم على الحج الموسع، بل تفرد قولهم.

10298 - احتجوا على أن عدم المحرم لا يمنع الوجوب بقوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا}. 10299 - وسئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الاستطاعة، فقال: (الزاد والراحلة). وظاهر الآية يقتضي: أن المرأة إذا وجدت الزاد والراحلة وجب عليها الحج. 10300 - قلنا: بين النبي - صلى الله عليه وسلم - الشرط الذي يعم جميع الناس، ولم يبين الشرط الذي يخصها. ألا ترى: أن الذي بينه وبين مكة بحر لا يجب عليه الحج مع وجود الزاد والراحلة، ولهذا لم يشترط في وجوب الأداء عنه ما لغيره وإن كان شرطًا باتفاق، وكذلك النسوة الثقات عنده. 10301 - فعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الاستطاعة التي يحتاج إليها عموم الناس دون الخصوص، أو نقول: إنه عليه الصلاة والسلام بين الشرط الذي يحتاج إليه في سفر الحج، والمحرم يعتبر في كل سفر، لا اختصاص له بسفر الحج. ولهذا لم يذكر على أصلهم النسوة الثقاة. 10302 - احتجوا: بقوله عليه الصلاة والسلام: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله). 10303 - قلنا: نحن نمنعها الخروج إذا كانت على صفة، ونبيحها بصفة أخرى، وليس هذا منعًا) من المسجد كما نمنعها من دخوله حائضًا، ولا يكون ذلك منعًا لها إذا كانت طاهرة، أو كما نمنع من الصلاة في الدار المغصوبة، وليس

ذلك منعًا من الصلاة، ولكنه منع من دخول ملك غيره بغير إذنه. 10304 - احتجوا: يما روي: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعدي بن حاتم، وهو يرغبه في الإسلام: يوشك أن تخرج الظعينة من الكوفة بغير جوار أحد حتى تحج البيت). وروي (حتى تطوف بالكعبة). 10305 - قلنا: هذا اختصار، وتمامه: (لا تخاف إلا الله)، وهذا دليلنا؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أن الإسلام ميسر، ويظهر الأمر حتى تتمكن المرأة من الحج بغير جوار لا تخاف إلا الله، فذكر خوفًا يختصر الخروج، وكذلك الخوف؛ لأنها خالفت الواجب وحجت بغير محرم. يبين ذلك: أن الإنسان يجب أن يخاف الله في كل أحواله، وحجت بغير محرم. وهناك ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - خوفًا يختص الخروج، / وما ذلك إلا لما ذكرنا. 10306 - فإن قيل: النبي عليه الصلاة والسلام قال للخثعمية: (حجي عن أبيك). 10307 - قلنا: يجوز أن يكون علم أنها من أهل الموضع ولا تحتاج في الخروج إلى محرم؛ ولأنه ليس بسفر. 10308 - قالوا: سفر واجب، فلم يكن من شرطه المحرم، كالهجرة. 10309 - قلنا: عندنا المهاجرة لا تسافر بغير محرم، وإنما تقصد بخروجها أن تصير بحيث تأمن، ويجوز أن يكون بمسيرة ساعة، ثم تجتمع مع سرية من

المسلمين أو جيش لكل موضع حضر إليه، ولا يصادف بقصد ما بعده، وبمثل هذا لا يصير الإنسان مهاجرًا. 10310 - ولأن المهاجرة تخاف على نفسها من [المقام بين المشركين، فيجوز لها الخروج، وهذه تخاف على نفسها من] الخروج؛ لأنها تصير معرضة للأجانب وليس معها من يدفع عنها. 10311 - ولأن المعتدة إذا خافت من المقام في منزل زوجها، جاز لها الانتقال، ثم لا يجوز أن تنتقل مع عدم الخوف، وكذلك في مسألتنا. 10312 - قالوا: مسافة يجب قطعها، فلم يكن من شرط قطعها مع المحرم، أصله: إذا كان بينها وبين مكة ستة عشر فرسخًا. 10313 - قلنا: لا نسلم وجوب قطع المسافة مع عدم المحرم، والمعنى في الأصل: أنها مسافة لا يستوفى مسح المسافر فيها، وفي مسألتنا بخلافه. 10314 - فإن قالوا: أداء عبادة، فلم يكن من شرطه المحرم، كسائر العبادات. 10315 - قلنا: سائر العبادات لا يتعلق المحرم بأدائها، فلم يشترط فيها. وهذه العبادة المحرم تعلق بأدائها؛ لأنها تخاف على نفسها متى انفردت في السفر، فلذلك شرط فيها. 10316 - ولأن المحرم لا يشترط في أداء العبادة، وإنما يشترط في فعل السفر،

بدلالة: أن المكية تؤدي الحج بغير محرم. 10317 - قالوا: لا يخلو أن يكون الاعتبار الأمن أو المحرم، وبطل اعتبار المحرم خاصة؛ لأنها لو ظفرت بالمحرم والطريق غير آمن، لم يجب عليها الحج. 10318 - قلنا: المعتبر الأمن عندنا؛ لأن المرأة لا تأمن الاستقامة للطريق، وبوجود زوج أو محرم تأمن به الفتنة بالخلوة مع الأجانب، وليس يمنع أن يختلف صفة الأمن باختلاف الناس، كما أن الطريق الآمن يجب سلوكه للحج لعامة الناس، وإن كان فيهم من يخاف ليس يخصه، لم يجب عليه حتى يزول خوفه، كذلك النساء والرجال. * ... * ... *

مسألة 556 حكم من حج ثم ارتد ثم أسلم

مسألة 556 حكم من حج ثم ارتد ثم أسلم 10319 - قال أصحابنا: إذا حج، ثم ارتد، ثم أسلم: فعليه حجة الإسلام، ولا يعتد بما كان قبله. 10320 - وقال الشافعي: لا حج عليه، وإن ارتد في حال الإحرام ثم أسلم، ففيه وجهان: أحدهما: بطل الحج وخرج منه، والآخر: لا يبطل ويبني عليه. 10321 - لنا: أن هذه الحجة سميت في الشريعة حجة الإسلام وعلقت به، وقد يجدد له الإسلام، فسميت حجة، ولا توبة من كفر، فوجب أن يلزمه بعدها بوجود الزاد والراحلة حجة الإسلام، كالكافر الأصلي. 10322 - ولأنها عبادة يجوز أن تلزمه بعد الإسلام الأول، فجاز أن تلزمه في الإسلام الثاني بعد أدائها في الأول، كالصوم، والصلاة، والزكاة. 10323 - ولأنها عبادة لا تفعل في العمر مع استمرار الإسلام إلا مرة واحدة، فوجب إعادتها بعد الردة، كالإيمان. 10324 - وهذا فرع على أن الردة تحبط الأعمال وإن لم يوجد الموت، وقد دللنا على هذا الأصل فيما مضى، وإذا أحبطت العمل صار كأن لم يحج. 10325 - احتجوا: بقوله [عليه الصلاة والسلام: (الإسلام يجب ما قبله).

10326 - قلنا: هذا هو الدليل عليكم؛ لأنه يقتضي قطعه لما تقدمه من كل شيء، فيصير كمن لم يحج. 10327 - احتجوا: بقوله] تعالى: {فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف}. 10328 - قلنا: هذا من الربا، من أسلم فله ما قبضت يمينه، وسقط ما لم يقبض، وروي ذلك عن السدي وغيره، وأول الآية شاهد على ذلك. 10329 - قالوا: روي عن الأقرع بن حابس، (قال: يا رسول الله الحج مرة أو أكثر؟ قال: بل مرة). 10330 - قلنا: كذلك نقول: إن الحج المعتد به مرة، وما تقدم الردة لا يعتد به عندنا، كالحجة التي جامع فيها. 10331 - قالوا: سقط فرض حجة الإسلام عن نفسه، فلم يلزمه إعادتها ثانيًا، أصله: إذا لم يرتد. 10332 - قلنا: لا نسلم أن الفرض يسقط، بل هو مراعى عندنا؛ لأن الردة تؤثر بعد الفراغ من العبادات، كما تؤثر إذا نحللها. والمعنى فمن لم يرتد: أنه لا يلزمه تجديد الإسلام، فلم يلزمه إعادة الحج، ولما كان المرتد مأمورًا بفعل الإسلام لزمه الحج بعده بوجود الزاد والراحلة، كما يلزمه في الإسلام الأول. * ... * ... *

مسألة 557 حكم من نذر هديا

مسألة 557 حكم من نذر هديًا 10333 - قال أصحابنا: إذا نذر هديًا: لزمه شاة، وإن أخرج جزورًا أو بقرة كان أفضل، ولا يجزئ منه إلا ما يجزئ في الأضحية. 10334 - وهو قول الشافعي في الجديد. 10335 - وقال في القديم والإملاء: يجب أي ماله: بيضة، أو لقمة، أو كف من طعام، وهل يختص بمساكين الحرم؟، فيه وجهان. 10336 - لنا: أن النذور محمولة على أصولها في الفروض، وقد ذكر الله تعالى الهدي في مواضع، والمراد بجميعها الخيرات، وكذلك النذور. وروى ابن عمران: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الهدي، فقال: أدناه شاة). 10337 - ولأنه حق وجب بلفظ الهدي المطلق، فلا يجزئ فيه أقل من شاة، كهدي المتعة والإحصار. 10338 - ولأن ما لا يجزئ في الأضحية لا يجزئ في مطلق هدى الهدي؛

أصله: الكلب. 10339 - احتجوا: بقوله عليه الصلاة والسلام: (المبكر إلى الجمعة كالمهدي بدنة)، إلى أن قال: (ثم كالمهدي بيضة). 10340 - قلنا: هذا هدي معتد به، ومثله يجزئ في النذر؛ لأنه لو قال: لله على أن أهدى بيضة أجزأه، والكلام إذا أطلق. * ... * ... *

مسألة 558 حكم إشعار البدن

مسألة 558 حكم إشعار البدن 10341 - قال أبو حنيفة: يكره الإشعار. 10342 - وقال الشافعي: هو سنة في سنامها الأيمن. 10343 - لنا: نهيه عليه الصلاة والسلام عن تعذيب الحيوان، وعن إيلام الحيوان. وروي أنه عليه [الصلاة] والسلام (نهى عن المثلة،) وهو أن

يصنع بالحيوان ما يصير به مثلاً. 10344 - فإن قيل: النهي عن المثلة كان أولاً، وقد أشعر بعده. 10345 - قلنا: قال جابر: (ما خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا نهانا فيها عن المثلة)، وقد خطب بعد حجة الوداع. 10346 - ولأن ما لا يجوز أن يفعل بالحيوان قبل الإحرام لم يجز فيه، كقطع الأعضاء. 10347 - ولأن الإحرام ما يبني في تحريم ما كان مباحًا، فأما أن يبيح ما كان محظورًا قبله؛ فلا. 10348 - ولأنها إيلام لا يسن في الأضحية؛ أصله: الجرح في غير سنام. 10349 - احتجوا: بحديث ابن عباس، (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر بذي الحليفة، ثم دعا ببدنة فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن، ثم سلب الدم عنها بيديه وقلدها). 10350 - قلنا: خبرنا عموم متفق على استعماله، وهذا خصوص مختلف في استعماله، فكان أولى.

10351 - ولأن معنا قولا، ومعهم فعل، ومعنا نهي، ومعهم إباحة. 10352 - ولأنه يحتمل أن يكون فعل ذلك لعارض عرض لها فاستصلحها. 10353 - ولا يقال: لو كان كذلك لنزعها في صدرها؛ لأن مصالح الحيوان في ذلك مختلفة. 10354 - ولا يقال: لو كان كذلك لم يتوله بيده، وإنما تولاه لأنه نسك. 10355 - قلنا: واستصلاح النذر قربة، فيجوز. 10356 - وقد قيل: إن الإشعار كان من علامات الجاهلية في البُدن، ففعل ذلك ليعرفوها، والآن قد قام التقليد مقامه. 10357 - وقد قيل: إن ابا حنيفة رأى الناس يتجاوزون فيه الحد ولا يتعاهدون البدن فنقص، فمنع منه، كما منع محمد عن الطيب لما رأى منه شيئًا شنعًا. 10358 - قالوا: روى الإشعار عن ابن عمر [وأبي بن كعب]، ولا مخالف لهما. 10359 - قلنا: روى الأسود عن عائشة أنها قالت: (إن شئت فأشعر، وإن شئت فلا). وروى عطاء عن ابن عباس، قال: من شاء قلد، ومن شاء لم يقلد، ومن شاء أشعر، ومن شاء لم يشعر.

10360 - قالوا: روى الإشعار عن ابن عمر، وهذا فعل لغرض صحيح، وهو العلامة، كما ذكرنا. 10361 - قلنا: لكن يقوم غيره مقامه، والتقليد. 10362 - [قالوا: التقليد يذهب بحل القلادة ويسقط. 10363 - قلنا: بل التقليد أثبت]؛ لأن الدم يذهب أثره، والقلادة تبقى بحالها. * ... * ... *

مسألة 559 تقليد الغنم

مسألة 559 تقليد الغنم 10364 - قال أصحابنا: تقليد الغنم ليس بسنة. 10365 - وقال الشافعي: سنة، لما روت عائشة: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أهدى مرة غنمًا مقلدًا). 10366 - قلنا: لو كان سنة لقلدها أبدًا. 10367 - فإن قيل: النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يهدي الإبل، فقولها: أهدى مرة، أي لم يهد الغنم إلا مرة، ليس أنه لم يقلده إلا مرة. 10368 - قلنا: قد كان يهدي الإبل، ويهدي معها البقر والغنم. 10369 - ولأنه هدي لا يصير بتقليده محرمًا؛ فلا يسن تقليده بحجر الصيد. 10370 - ولأن التقليد علامة للهدي لكل [إذا ضل عرفه، والغنم ليس من عادتها التغرب، فلا معنى/ لتقليدها.

10371 - ولأن ما لا يسن فيه التحليل لا يسن فيه التقليد، أصله: الدم الذي يجب بالوطء. 10372 - احتجوا: بما روى إبراهيم عن الأسود، عن عائشة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهدى غنمًا مقلدة. وروى: (أنها قالت: كنت أفتل قلائد هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الغنم بيدي). وروى جابر: (أنه كان في هدايا النبي عليه الصلاة والسلام غنم مقلدة). وقال عطاء: (أشهد أني رأيت العرب تهدي الغنم مقلدة، والناس متواترون، ولا ينكر ذلك أحد). 10373 - قلنا: أما تقليد النبي - صلى الله عليه وسلم - للغنم، فيجوز أن يكون ليسهل سوقها، لا على وجه العلامة. 10374 - ولأن عائشة روت أنه فعل ذلك مرة، ولو كان سنة لدوام عليه. 10375 - ولأنا لا ننكر فعله، وإنما نمنع أن يكون سنة كسنة تقليد الإبل. 10376 - والذي ذكر عن عطاء: أن العرب كانت تفعله ولا ينكره الناس، فليس بأمر منكر عندنا، وإنما هو جائز إلا أنه ليس من السنة، كالسنة في الإبل، فترك

النكير لأمر جائز لا دلالة له فيه. 10377 - قالوا: نوع هدي كالإبل. 10378 - قلنا: المعنى في الإبل: أنها تنفر وتند من البادية، فاحتاجت إلى علامة، وهذا المعنى لا يوجد في الغنم. 10379 - ولأن الإبل سن فيها التحليل، ولم يسن في الغنم، وعند مخالفنا: سن فيها الإشعار، ولم يسن ذلك في الغنم، فدل على افتراقهما. * ... * ... *

مسألة 560 الاشتراك في البدنة

مسألة 560 الاشتراك في البدنة 10380 - قال أصحابنا: إذا اشتركوا في البدنة، وأحدهم يريد اللحم: لم يُجزئ للباقين عن الفدية. 10381 - وقال الشافعي: يجزيهم. 10382 - لنا: أن كون الذبيحة للحم عبارة عن بطلان القربة في المشروع، بدلالة: قوله عليه الصلاة والسلام في حديث أبي بردة بن نيار (تلك شاة لحم، أعد أضحيتك)، وأبطل القربة منها وسماها لحمًا، وبطلان القربة في ذبح البدنة يمنع من جوازها. 10383 - ولأن إتلاف الروح في حق الآدمي إذا اجتمع فيه الأدنى والأعلى فالحكم للأدنى أصله: المجوسي والمسلم إذا اجتمعا في الذبح، والخاطئ والعامد في القتل. 10384 - ولأنه دم لم يقع بعضه عن القربة فلم يقع باقيه عنها، كالمجوسي والمسلم إذا اجتمعا في الذبح. 10385 - احتجوا: بأن كل ما جاز للسبعة الاشتراك فيه إذا كانوا مفترقين جاز وإن

كان بعضهم غير متفرق، كسبعة من الغنم. 10386 - قلنا: الغنم إذا وقع فيها الاشتراك لم تجزئ عن الهدي بحال، سواء أرادوا جميعًا القربة أو بعضهم، فإن كانوا يريدون إذا ذبح كل واحد شاة، فذلك ليس باشتراك، وكل واحد حكمه معتبر بنفسه، وإنما الاشتراك يحصل في البدنة، والقربة تقع فيها بفعل واحد وهو الذبح، فإذا بطل معنى القربة من وجه بطلت في الباقي؛ لأنها لا تتبعض. 10387 - قالوا: (إرادة بعضهم اللحم) ليس فيه أكثر من أن اختلاف النية غير مؤثر، إذ المقصود في الجميع لله تعالى، ويصير ذلك كالحرمة الواحدة، وإنما المؤثر عندنا بطلان معنى القربة في الذبح؛ فيؤثر في الباقي، كما يؤثر إذا اجتمع المخطئ والعامد. * ... * ... *

مسألة 561 الأكل من دم المتعة والقران

مسألة 561 الأكل من دم المتعة والقران 10388 - قال أصحابنا: يجوز الأكل من دم المتعة والقران. 10389 - وقال الشافعي: لا يجوز الأكل منهما، ولا من البدن المتعلق بشرط، وفي البدن المطلق وجهان. 10390 - قالوا: وإن أكل من لحم هدي المتعة فالذي يلزمه فيه ثلاثة أوجه. أحدها: عليه قيمته، والثاني: عليه مثله لحمًا، والثالث: يشارك غيره في جزء من بدنة أو شاة. 10391 - لنا: قوله تعالى: {فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتز}، والدم الذي يترتب عليه قضاء التفث هو دم المتعة والقران.

10392 - فإن قيل: المراد به: التطوع، بدلالة: قوله تعالى {والبدن جعلناها لكم}. 10393 - قلنا: هي لنا بمعنى استحقاقنا للثواب بها وإن كانت علينا. 10394 - قالوا: قوله: فكلوا أمر، وأقل أحواله أن يحمل على الندب، وليس بمندوب إلى الأكل إلا من التطوع. 10395 - قلنا: هو مندوب إلى الأكل من دم المتعة والأضحية والتطوع؛ ولأنا قد دللنا على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قارنًا ونحر البدن، وأمر عليًّا: يأخذ من كل بدنة بضعة فأكل عليه الصلاة والسلام من لحمها وحسا من مرقها. 10396 - ولا يقال: بأن الواجب سبع بدنة، والباقي تطوع، فقد أكل من التطوع، وذلك لأن الواجب شاة، وإذا أخرج بدنة فقد تطوع بالإحرام، ووقع الجميع عن الواجب، كمن أحرم، وكمن أخرج في الزكاة جذعة عن حقة على قولهم، وكمن أخرج شاة سمينة عن شاة وسط. ولأنا لو سلمنا لهم ما قالوه؛ فالتطوع مختلط بالواجب، فلو لم يكن الأكل من الواجب لم يأكل من الجميع؛ لأن ما لا يجوز غير متميز لا يجوز من الجانب. ولأنه دم لم يجب بإيجابه ولا بأمر الإحرام جنسه، فجاز الأكل منه، كالأضحية. ولأن من جاز له أكل الأضحية جاز له أكل دم المتعة، كالفقير وزوجته. 10397 - احتجوا: بأنه دم وجب بحرمة الإحرام، أو دم واجب فصار كفدية الأذى. 10398 - قلنا: المعنى فيه: أنه وجب لارتكاب أمر لا يباح من غير عذر،

وليس كذلك دم المتعة؛ لأنه لم يجب بإيجابه ولارتكاب أمر حظر الإحرام جنسه. قالوا: هدي له بدل، أو هو كصوم لحجر الصيد. 10399 - قلنا: المعنى فيه: أنه وجب على طريق العوض عن المقتول، فلم يجز له الانتفاع به. وفي مسألتنا: دم لم يجب بإيجابه ولارتكاب ما حظر الإحرام جنسه. 10400 - قالوا: تكفير، ولا يجوز الأكل منه، كالإطعام. قلنا: لا نسلم أنه تكفير؛ لأنه عندنا دم نسك، فالتمتع فضيلة ولا يجب بفعلها كفارة. * ... * ... *

مسألة 562 حكم بيع الهدى المعين

مسألة 562 حكم بيع الهدى المعين 10401 - قال أبو حنيفة: إذا أوجب هديًا معينًا جاز له بيعه ويكره. 10402 - وقال الشافعي: زال ملكه عنه ولا يجوز بيعه. 10403 - لنا: ما روي: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ساق الهدي، فلما أحصر جعلها للأنصار)، ومعلوم أنه ساقها تطوعًا، ثم صرفها إلى غير ذلك، فلولا أنها باقية على ملكه، ويجوز تصرفه فيها لم يجز ذلك. ولأنه حق الله تعالى تعلق بالغير، فلا يزيل الملك ما لم يتدبر كالتدبير. ولأنه عينه ليقيمه مقام فرض في ذمته فلا يزول ملكه بالتعيين، كما لو قال: لله على أن أعتق هذا العبد في كفارة يميني؛ ولأنه حيوان جعله هديًا، فجاز بيعه، كما لو ساقه للنافلة. 10404 - احتجوا: بما روي سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه (أن عمر بن الخطاب قال: يا رسول الله، إني أهديت بخنيًّا وأعطيت به ثلاثمائة دينار، أفأبيعه وأشتري مكانه؟ قال: لا، انحره). 10405 - قالوا: ومعلوم أن البخت يقصد به الركوب، ولحم البدن أنفع للمساكين منه، ومع هذا أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحره. 10406 - قلنا: عندنا يكره له فسخ التعيين وإقامه غيره مقامه، فمنعه الشرع من ذلك لأجل الكراهة.

10407 - قالوا: اعتبر نذر إخراجها على وجه القربة، فإذا ألزم النذر لم يجز البيع. أصله: إذا نذر عتق عبد بعينه. 10408 - قلنا: لا نسلم؛ لأنه ممنوع من بيعه، فإن باعه جاز، كما أنه ممنوع من بيع الهدي، فإن باعه جاز. 10409 - قالوا: الهدى معني يحصل بها السراية من الأم إلى الولد، فوجب إذا صح أن يمنع البيع، كالاستيلاد. 10410 - قلنا: لا نسلم أن الهدي يسري إلى الولد، ولهذا لا يجب عن الولد، وإنما يتصدق به؛ لأنه متعلق بها بجلالها وقلادتها: والمعني في الاستيلاد: أنه حق، ومتى تعلق برقبتها واستقر منع البيع كالرهن. وفي مسألتنا: حق الله تعالى تعلق بالرؤية، وإذا تم لم يمنع المبيع، كمن نذر أن يتصدق بما يعينه. * ... * ... *

مسألة 563 حكم عمرة القارن إذا وقف بعرفة قبل الطواف

مسألة 563 حكم عمرة القارن إذا وقف بعرفة قبل الطواف 10411 - قال أصحابنا: إذا وقف القارن بعرفة قبل أن يطوف للعمرة صار رافضًا. 10412 - وقال الشافعي: لا يصير رافضًا، ويطوف لها طوافًا واحدًا. 10413 - لنا: ما روي أن عائشة رضي الله عنها لما دخلت مكة حاضت، وأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - بالرفض)، فلو جاز بقاء أفعال العمرة مع الوقوف لم يكن لأمرها بالرفض معنى، ولا يجوز أن يحمل ذلك على تأخير الأفعال لما دللنا عليه فيما مضى. 10414 - فإن قيل: عندكم تصير رافضة بالوقوف، فلم أمرها بتعجيل الرفض؟. 10415 - قلنا: حتى لا يقع رفض لعبادة أخرى، فيوجب نقصًا في الوقوف. لأنه يقع بغير ما وضع له. ولا يجوز له الحلق يوم النحر، وكل من جوز له الحلق من غير عذر لم يكن ماضيًا في العمرة، كمن طاف. ولأن الوقوف ركن من أركان الحج، فإذا أتي به القارن قبل أن يفرد العمرة بطواف لم يبق للعمرة. أصله: طواف

الزيارة والسعي. ولأنه جمع بين إحرامين، فإذا وقف بعرفة لم يكن ماضيًا فيهما، كمن أحرم بحجتين. 10416 - احتجوا: بأن الوقوف فعل من أفعال الحج أو نسك لا يتم الحج إلا به، فوجب أن لا يتعلق به رفض العمرة قياسًا على الإحرام. 10417 - قلنا: الإحرام إذا فعله فقد فعل ما لا يمنع لأن إدخال الحج على إحرام العمرة غير ممنوع منه، فلم يصر بذلك رافضًا. وأما الوقوف فهو فعله قبل الطواف/ فصارت العمرة داخلة على الحجة، ومضافة إليها، وهذا معنى ممنوع منه، فجاز أن يقع به الرفض. 10418 - قالوا: عبادة لا تبطل بفعل محظوراتها، ولا تبطل بفعل نسك فيها قياسًا على الحج. 10419 - قلنا: النسك الذي يفعله في الحج إن كان من جملة أفعالها فأفعال العبادة لا تنافيها. وإن كان من أفعال العمرة فلا يخلو أن يكون قبل أن يأتي بعمل الحج أو بعد العمل، فإن كان قبل العمل لم يصر رافضًا؛ لأنه يقدم أفعال العمرة ويتبعها الحج، وذلك غير ممنوع منه. وإن كان بعد أن عمل للحج عملاً، فإنه منهي عن أعمال العمرة، فيصير رافضًا للعمرة، كما يصير رافضًا في مسألتنا. والله أعلم. * ... * ... *

كتاب البيوع

موسوعة القواعد الفهية المسماة التجريد كتاب البيوع

مسألة 564 بيع وشراء ما لم يره

مسألة 564 بيع وشراء ما لم يره 10420 - قال أصحابنا: إذا باع ما لم يره أو اشترى ما لم يره، فالبيع جائز، وللمشتري الخيار إذا رآه. وأما البائع فهل له الخيار، فيه روايتان. 10421 - وقال الشافعي: إذا قال: بعتك ما في كمي، أو ما في البيت، فالبيع فاسد قولًا واحدًا. وإن ذكر الجنس والصفة، وقال: بعتك عبدي الرومي، ففيها قولان: قال في القديم، والصلح، والصرف، والإملاء: جائز، وقال في الأم والبويطي: باطل. 10422 - واتفق أصحابه إذا شاهده البائع دون المشتري أنه على قولين: وأما إذا شاهده المشتري دون البائع، أو لم يشاهده واحد منهما، فمنهم من قال: باطل قولًا واحدًا، ومنهم من قال على قولين. وأما إذا ذكر جنس المبيع وصفته جاز العقد في أحد

القولين، ولم يحتج إلى ذكر صفات السلم. 10423 - ومن أصحابه من قال: يحتاج إلى ذكر معظمها، ومنهم من قال: يحتاج إلى ذكر جميعها، فإذا رآه كما وصف فله الخيار، نص عليه، ومن أصحابه من قال: لا خيار له. 10424 - لنا: ما روى أبو هريرة، والنعمان بن بشير، وسلمة بن المحبق - رضي الله عنهم -، وروى الحسن، وعطاء، ومجاهد مرسلا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من اشترى ما لم يره فهو بالخيار إذا رآه)، فلولا أنه يجوز البيع لم يكن لذكر الخيار معنى. 10425 - فإن قيل: قال الدارقطني مدار هذا الحديث على عمر بن إبراهيم ابن

خالد الكردي، عن القاسم بن الحكم، عن أبي حنيفة، عن الهيثم، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، قال: وعمر بن إبراهيم غير صالح الحديث. 10426 - قلنا: هذا حديث ذكره محمد في مزارعة الصغير، وذكره محمد الحاكم في المنتقى، عن هشام، عن محمد، ولا يضرنا الطعن على عمر بن إبراهيم. 10427 - فإن قيل معناه: فهو بالخيار إن شاء اشتراه، وإن شاء لم يشتره. 10428 - قلنا: ظاهر الخيار إذا ذكر عقيب العقد، أنه خيار الإجارة والتصحيح، فأما الخيار في ابتداء الشراء فلا تعلق له بالرؤية. 10429 - فإن قيل: نحمله على من كان رأى المبيع ثم ابتاعه ولم يره عند العقد، فهو بالخيار إن كانت صفته تغيرت. 10430 - قلنا: ذكر عليه الصلاة والسلام خيارًا يتعلق بالرؤية، وهذا الخيار يتعلق بتغيير صفة المبيع لا بالرؤية. 10431 - ولأن الخبر يقتضي ثبوت الخيار عند الرؤية في جميع الأحوال، تغيرت صفة المبيع أو لم تتغير، ويدل عليه إجماع الصحابة. 10432 - روى ابن أبي مليكة عن علقمة بن وقاص الليثي، قال: اشترى طلحة بن عبيد الله من عثمان بن عثمان مالًا بالكوفة، وهو لطلحة اليوم بالكوفة، فقيل لعثمان: أرى قد غبنت، قال: لي الخيار؛ لأني بعت ما لم أر فقال طلحة: إلى الخيار؛ لأني اشتريت ما لم أر فحكما بينهما جبير بن مطعم فقضى أن الخيار

لطلحة، ولا خيار لعثمان)، وهذا اتفاق منهم على جواز العقد مع عدم الرؤية. 10433 - فإن قيل: عمر - رضي الله عنه - مخالف؛ لأنه قال: (إنما البيع صفقة أو خيار). 10434 - قلنا: ليس في ذلك دلالة على الخلاف؛ لأنه جعل [البيع صفقة أو خيارًا]، هذا من نوع الخيار. 10435 - ولأنه نوع عقد لوجود الرؤية وعدمها في انعقاده سواء، كالنكاح، أو عقد فلم يكن من شرطه، رؤية المعقود عليه، كالكتابة. 10436 - فإن قيل: المعنى في النكاح: أنه فقد فيه ما لا تأثير له في العقد، فإنه حين يشاهدها غررًا قطعًا لا خيار له، فلهذا لم يقدح في النكاح. 10437 - قلنا: ولو وجدها برصاء أو مجذومة نفذ الخيار عنده، فهو الرؤية يتوصل إلى العلم بهذه الصفات، ولهذا تأثير في العقد. 10438 - ولأنه إذا كان لا يثبت الخيار إلا بتغير الصفات، فأولى أن يعتبر الرؤية ليستدرك مقاصد العقد التي لا يستدركها بثبوت الخيار. 10439 - فإن قيل: المقصود بالنكاح الوصلة، فلذلك لا يعتبر فيه الرؤية، والمقصود بالبيع المعاينة، فلهذا اعتبر فيه الرؤية. 10440 - قلنا: المقصود بالتزويج الوصلة إلا أنه يقصد وصلة من كان على صفة دون صفة، وهذا معنى مقصود بالعقد، بدلالة) قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا أراد أحدكم أن يتزوج امرأة فلينظر إليها).

10441 - ولأنها جهالة تؤثر في تسليم المبيع فأشبهت جهالة الصورة والقيمة، وإذا رأى المبيع فلم يعرفه. 10442 - وجهالة القيمة لا تلزم إلا الوصية وجهالة رأس المال المجهول في السلم. لأنا قلنا: جهالة لا تؤثر في تسليم المبيع؛ [لأن جهالة رأس المال عندنا تؤثر في التسليم]؛ لأنه يجد بعضه زيوفًا فيرده، ولا يدري كم الباقي من المسلم فيه. 10443 - قالوا: يبطل إذا باع ذرة في صدفه. 10444 - قلنا: المانع من المبيع هناك الجهالة لا المانع في العبد، فإنه باع ما يتضمنه خلقة حيوان، والثوم باعه ما في مضمون الخلقة مما يفسد بتسليمه [ظاهر النواة]، ولهذا لو ظهر بعض النواة لم يجز البيع وإن زالت الجهالة بظهور بعضها؛ لأن الجهالة لعدم الرؤية جهالة لو حصلت في بعض المبيع لم يمنع صحة العقد، وكذلك إذا حصلت في جميعه، كجهالة القيمة، وعكسه، أو جهالة العين، بيان ذلك: أنه يبيع الصبرة وقد رأى المشتري ظاهرها، ورأى الدار ولا يرى داخل البئر وسائر الحيطان. 10445 - فإن قيل: رؤية ظاهرة الصبرة تصير به معلومة، ولهذا لم يثبت له الخيار. 10446 - قلنا: الخيار عندنا لا يثبت للجهالة، بدلالة أنه: لو وصف له المبيع ووجده على تلك الصفات وأفضل ثبت الخيار عند الرؤية، فكيف يستدل السقوط على العلم بالمبيع. 10447 - ولأنه أحد البدلين في البيع، فلم يكن رؤيته شرطًا في صحة العقد،

كالثمن إذا كان غير معين. 10448 - فإن قيل: المعنى فيه: أنه في الذمة، فهو كالمبيع إذا كان من الذمة. 10449 - قلنا: إن كانت الرؤية شرطًا لم يصح العقد على ما في الذمم، لعدم الرؤية فيه. 10450 - فإن قيل: عدم الرؤية لا تأثير له في الثمن؛ لأن عندكم لا يثبت الخيار. 10451 - قلنا: لأنا لا نثبت خيار الرؤية؛ لأنه لا يستدرك برده فائدة، والأعيان مستدرك بردها فائدة، فاستويا في وجود العلل واختلفنا في الخيار لهذا المعنى. 10452 - ولأن رؤية ما يقصد بالعقد ليس بشرط في صحة العقد، وهو ما في داخل الجوز واللوز مستتر بما له من الستارة فائدة، وفي مسألتنا استتر بما لا فائدة له فيه. 10453 - قلنا: علة الأصل تبطل باللبن في الضرع والحمل، وعلة الفرح تبطل بداخل الصبرة. 10454 - فإن قيل: الجوز يصير معلومًا برؤية قشره، ولهذا لا يثبت خيار الرؤية إذا رأى ما في داخله. 10455 - قلنا: إنما لا يثبت الخيار لأنه دخل عيب الكسر، فمنع ذلك الرد. 10456 - احتجوا: بما روى أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الغرر)، ورواه علي، وعبد الله بن عمر.

10457 - قالوا: فالغرر مال تردد بين جائزين، سلامة المال، وهلاكه. وفي هذا البيع غرر من وجهين، أحدهما: أن العبد الغائب لا يدري هل هو باق أم لا، وإن كان باقيًا فلا يدرى أيسلم له أم لا؟. 10458 - قلنا: الغرر ما كان الغالب منه عدم السلامة، بدلالة: أن الخارج من المفازة بغير صحبة، يقال له: غرر بماله، ولا يقال للخارج في صحبة: قد غرر، وإن جاز أن يسلم وجاز أن يهلك؛ لأن الغالب منه السلامة، فلو كان الغرر عبارة عما تردد بين السلامة والهلاك، كانت البياعات كلها غررًا لجواز أن تهلك قبل القبض، ولكان ما عليه بم ابتاعه، فكانت المخاطرة قائمة. 10459 - وقيل: إن معنى الغرر ما ذكرناه، وليس الغالب في بيع ما لم يره عدم التسليم، بل الغالب منه إمكان التسليم، فلم يكن ذلك غرورًا. فإن الغرر ما كان الغالب منه عدم السلامة، والعين الغائبة الأصل وجودها، وجواز أن تكون هالكة ويجوز أن تكون باقية، فلم يتعذر عدم التسليم/ فيها. 10460 - قالوا: روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو، (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يحل شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس

عندك). 10461 - قالوا: ومن باع عبدًا بالبصرة فقد باع ما ليس عنده. 10462 - [قلنا: البيع في مسألتنا يجوز فيما ليس عنده] باتفاق، إذا كان قد رآه، فعلم أن الفساد عندهم لمعنى آخر، وهو الجهالة، أو عدم الرؤية، فأما أن يكون لما ذكر من الخبر فلا، فلم يبق إلا أن يحمل الخبر على بيع ما ليس في ملكه؛ لأن العقد لا ينفذ فيه للمعنى المذكور في الخبر دون غيره. 10463 - فبين ذلك أن الخبر خرج على هذا السبب، وهو: (أن حكيم بن حزام قال: كنت أدخل السوق واستحسن السلع ثم أخرج وأبيعها، ثم أرجع فأبتاعها ثم أسلمها)، فبان بهذا السبب أن معنى الخبر ما ذكرنا. 10464 - قلنا: نخصه بسببه، ولكنا لما اختلفنا في معناه جعلنا السبب شاهدًا لما ذكر من التأويل. 10465 - لأنه مبيع مجهول الصفة عند التعاقد، فوجب أن يكون باطلًا، أصله: إذا قال: بعتك ثوبًا. 10466 - قلنا: المعنى من الأصل: أنه مجهول في عينه، فأما أن يكون مجهول الصفة فلا؛ ألا ترى: أن النكاح لا ينعقد على هذا الوجه؛ لأنه لو قال: زوجتك أمة

لم يصح. وجهالة العقد لا تمنع صحة النكاح، وإنما تمنعه جهالة العين، ومع ذلك لا يعقد على هذا الوجه حتى يقول: زوجتك أمتي، أو هذه الأمة، فبان أنه مجهول العين، فلا يصح أن تعتبر جهالة الصفة بجهالة العين. 10467 - ولأن هذه الجهالة لو حصلت من بعض المعقود عليه منعت العقد، كذلك إذا حصلت من جميعه لم يمنع. 10468 - أو نقول: هذه الجهالة تمنع التسليم؛ لأن كل عبد يحضره البائع يلتمس المشتري غيره. وفي مسألتنا إذا قال: بعتك الثوب الذي في كمي، لم يتعذر التسليم؛ لأن القاضي يأمره بإخراج ما في كمه، فإن رضيه المشتري أخذه وإن لم يرضه تركه. 10469 - فإن قيل: إن هذه الجهالة لا تمنع التسليم؛ لأنه يعطيه ما يقع عليه اسم الثوب، كالوصية، والإقرار، كما لو أسلم في ثوب جيد أعطاه ما يقع عليه الاسم، أو يعطيه ثوبًا وسطًا، كما لو تزوج على ثوب. 10470 - قلنا: هذا مخالف للوصية والإقرار؛ لأن الجهالة لا تؤثر فيهما ولأن المرجع إلى قول المقر والورثة، فلا يؤدى تصحيح الوصية والإقرار إلى تعذر التسليم. 10471 - وأما النكاح فلا تصح التسمية فيه إذا ذكر ثوبًا، وإنما تصح إذا سمى عبدًا؛ لأن الجهالة لا تؤثر في ثبوت المهر، بدلالة: ثبوته مجهول الوزن، ويقضى منه بالوسط، كذلك هبة مجهول الصفة، وأما السلم فيصح إذا سمى جيدًا ويؤمر بتسليم ما يقع عليه اسم الجيد، إلا أنه لا يصح السلم مع جهالة المقدار، وفي

مسألتنا مقدار مجهول، وكل ثوب يحضره يخالفه المشتري في قدره ويتعذر التسليم؛ لأن الحاكم لا يمكنه قطع الخصومة في ذلك. 10472 - وقالوا: أخبار مجهولة، تقتضي لا تتعلق بكل بيع، فوجب أن يبطل البيع، أصله: إذا قال: بعتك على أن الخيار متى شئت. 10473 - قلنا: الخيار إذا أثبت حكمًا لم تؤثر الجهالة فيه، بدلالة: خيار العيب، وخيار المجلس عندهم. وإنما تؤثر الجهالة في الخيار الذي يثبت من جهة الشرط، والمعنى في الأصل: أن الخيار يثبت شرطا، فالجهالة مؤثرة فيه. 10474 - وفي مسألتنا: يثبت الخيار حكمًا، فالجهالة لا تؤثر فيه، كخيار العيب، يبين ذلك: أن الخيار يلحق بالعقد، كالأجل، ثم لو شرط أجلًا مجهولًا بطل العقد، ولو تأجل الثمن حكمًا لم تؤثر جهالته في العقد، مثل أن يفلس المشتري أو يأبق العبد فيتأخر تسلم الثمن حتى يتمكن البائع من التسليم، ومدة ذلك مجهولة، فلا تؤثر في العقد. 10475 - قالوا: بيع عين لم يرها ولا شيئًا منها، فكان باطلًا، كما لو باع الطير في الهواء، والسمك في الماء، والنوي في التمر، والحمل، واللبن في الضرع. 10476 - قلنا: قولهم لم ير شيئًا منها، لا يؤثر في الأصل؛ لأنه لو رأى السمك في الماء، والطير في الهواء لم يجز بيعه، وكذلك النوى في التمر لو ظهر بعضه لم يجز البيع، وكذلك الحمل لو ظهر بعض الولد فباعه لم يصح، وكذلك اللبن لو حلب بعضه ثم باع جميعه لم يجز وإن كان قد رأى بعضه، ومثله لو أخرج بعض اللبن من المرجل فرآه، ثم

باعه جميعه جاز، فعلم أن الوصف غير مؤثر في الأصول التي قاسوا عليها. 10477 - قالوا: بل مؤثر عندنا؛ لأن السمك لو كان في حفرة حصل فيها فرآه جاز البيع. 10478 - إن كان هذا هو الأصل فالبيع جائز عندنا إذا أمكن أخذه بغير صيد، وإنما الأصل الذي نسلمه هو الموضع الذي يستوي فيه الرؤية وعدمها. 10479 - قالوا: تأثيره في جميع الصبرة والجوز واللوز، فإنه لو رأى بعض ذلك جاز. 10480 - قلنا: فنحن نطالبكم بالتأثير في الأصل الذي قستم عليه، فإذا لم يؤثر الوصف فيه لم ينفع أن سؤالنا التأثير في غيره، ثم المعنى في بيع الصيد: ما يتعذر تسلمه في وقت وجوب التسليم، وليس كذلك العين المعاينة؛ لأن تسلمها لا يتعذر في وقت وجوب تسليمها، فأما النوى في التمر فإن تسليمه لا يكن إلا بضرب ما لم يستحق بالعقد، وهو تكسير التمر. 10481 - فإن قيل: يبطل إذا باع أحد المصراعين. 10482 - قلنا: لا ضرر هناك من التسليم، وإنما وقع الضرر لعقد البيع حين أفرده بالتمليك. فأما اللبن والحمل فالمعنى فيهما: أنه باع بعض ما تضمنته خلقة الحيوان غير شائع في جميعه، فصار كبيع يده ورجله. 10483 - قالوا: بيع عين بصفة، يوجب أن يكون باطلًا، كالسلم في الأعيان. 10484 - قلنا: إذا جاز السلم في الموصوف وهو غير معين، فجواز البيع في العين

الموصوفة أولى؛ لأن الصفة تكون في العين المشاهدة ما لا تكون في المعدوم، فأما إذا أسلم في عين ولم يشترط جاز، وكان بيعا عبر عنه بالسلم، فإن أسلم فيها مؤجلًا بطل العقد لدخول التأجيل في العقد؛ لأنه عقد على عين موصوفة. 10485 - قالوا: الرؤية معنى يتوصل به إلى معرفة المبيع لها تأثير في العقد، فصار وجودها شرطًا لذلك. 10486 - قلنا: يبطل بمشاهدة العيب بالمبيع، فإنه معنى يتوصل به إلى معرفة المبيع؛ لأنه يعلم مقدار المعقود عليه إذا رأى العين، ولذلك تأثير في العقد؛ لأنه إن وقف على العيب لزم العقد، وليس وجوده شرطًا. 10487 - ثم المعني في صفات السلم: أن جهالته تمنع التسليم، وهذه الجهالة لا تمنع، والأصول موضوعة. 10488 - على أن الجهالة إذا أثرت في التسليم منعت العقد، وإن لم تمنع لا تؤثر. ألا ترى: أنه لو باع صبرة مجهولة القدر، جاز البيع؛ لأن جهالتها لا تمنع التسليم، ولو باع صبرة غير معينة لم يجز العقد؛ لأن الجهالة تؤثر في التسليم. 10489 - وأما قولهم: إن الرؤية كالصفة، فليس بصحيح؛ لأن الصفة يعلم بها الموصوف، والرؤية فيه لا يعلم بها، ألا ترى: أن من باع فصًا فرآه المشتري وهو لا يعلم أجوهر هو أو زجاج جاز العقد وإن كانت الجهالة باقية مع الرؤية. وكذلك إذا باع الدرياق فإنه متى رآه من ليس يطيقه لم يعرفه. فقولهم إن الرؤية كالصفة، غير مسلم فسقط بهذا.

مسألة 565 ما يتم تحقيق البيع به

مسألة 565 ما يتم تحقيق البيع به 10490 - قال أصحابنا: إذا تبايعا تم البيع بالإيجاب والقبول. ولا خيار لواحد منهما، إلا أن يشترط الخيار، أو يكون في المعقود عليه عيب، أو وقع العقد على عين لم يرها. 10491 - وقال الشافعي: خيار المجلس ثبت في كل عقد لازم يقصد به العوض. 10492 - ومتى يقع الملك؟، فيه ثلاثة أقوال، أحدهما: يقع بالعقد، والثاني: يقع بالعقد وسقوط الخيار، والثالث: موقوف مراعى، وينقطع الخيار بالافتراق، وأن يخير أحدهما الآخر، فيقول له في المجلس: اختر، فإن قال الآخر: اخترت. تم البيع. فإن سكت الآخر فخياره بحاله، وخيار الذي خيره على وجهين، الصحيح منهما وهو المذهب: أن خياره ينقطع. فأما إن تعاقدا على أنه لا يثبت خيار المجلس ففيه قولان، أحدهما: لا خيار والآخر لا يسقط الخيار ولا يبطل البيع بهذا الشرط. وقيل فيه وجهان، أحدهما: يبطل البيع، والآخر: يبطل الشرط، ويصح البيع بالخيار. 10493 - قالوا: فإن تصرف البائع نفذ تصرفه على الأقوال كلها، وإن تصرف المشتري، فإن أعتق الجارية تم البيع فيها ونفذ عتقه علي قول، فإن فسخ البيع لم ينفذ العتق. 10494 - وإن قالوا: إن الملك لا يقع بالعقد، أو قالوا: مراعى، وإن قالوا: ملك بالعقد.

10495 - قال الشافعي لا ينفذ عتقه؛ لأن ملكه لم يتم، وقال ابن سريج ينفذ. 10496 - وإذا باع الأب مال الصغير لنفسه، قال بعضهم: يتم البيع، بأن يقوم من المجلس، وقال بعضهم: لا يتم أبدًا حتى يقول: اخترت. 10497 - لنا: قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} /، هذا يقتضي بالعقد إذا وجد جاز للمشتري الأكل، وهذا خلاف قولهم. 10498 - قالوا: قصد بالآية الفرق بين الأكل والتجارة، والأكل بالباطل لا يمتنع أن يقصد بها هذا، وبين بها الإباحة بما يسمى تجارة. 10499 - قالوا: أباح الله تعالى الأكل بالتجارة، والتجارة التي تستبيح وجوه التفريق. 10500 - قلنا: لسنا نرجع في وجود التجارة إلى الحكم وإنما نرجع إلى اللغة بالعرف، والعرف يسمى العقد تجارة وإن لم يوجد فيه الافتراق. 10501 - ويدل عليه قوله تعالى: {وأشهدوا إذا تبايعتم}، فأمر بالإشهاد

على البيع توثيقًا، فلو كان الاستحقاق لا يتعلق به حتى يفترق [العاقدان] ولاختص الأمر بالإشهاد على البيع عند التفريق في الحال التي يصح أن توجد الوثيقة. 10502 - ويدل عليه: ما روي (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهي عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان: صاع البائع، وصاع المشتري). 10503 - وهذا يقتضي: أنه إذا جري الصاعان جاز بيع المشتري وإن لم يفترقا. 10504 - ويدل عليه: قوله عليه الصلاة والسلام: (لا يجزي ولد والده، إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه)، أي يعتق عليه. وظاهر هذا يقتضي: أنه يعتق بنفس الشراء وإن لم يوجد الافتراق. 10505 - ويدل عليه: ما روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: (إن الناس قائلون غدا: ما قال عمر. ألا إن البيع صفقة أو خيار). 10506 - فجعل البيع على ضربين: بيع خيار، وبيع صفقة، وعندهم البيع كله ضرب واحد، وهو بيع خيار. 10507 - ولأنه نوع خيار لا يثبت لغير المجلس، فلا يثبت في حال المجلس في فسخ

البيع. أصله: خيار المعاينة فيما اشتراه من المصر، وعكسه خيار العيب، وخيار الشرط اعتبار ما بعد المجلس بحال المجلس لا يصح؛ لأن حال المجلس قد جعلت كحال العقد، بدلالة: أنها محل لقبض ثمن الصرف وإنما جاز القبض بعده، فكيف يكون حال المجلس كحال العقد بهذا الدليل؟. 10508 - ولأن ما بعد المجلس بحاله لقبض ثمن الصرف؛ لأنهما لو قاما من مجلس العقد ثم تقابضا في موضوع آخر من غير افتراق جاز. 10509 - قالوا: المعنى في خيار المعاينة: أنه لا يثبت من جنسه شرطًا فلم يثبت شرعًا، ولما كان خيار المجلس يثبت من جنسه شرطًا، جاز أن يثبت شرعًا. 10510 - فإن خيار المعاينة يثبت شرطًا إذا باع عبدًا على أنه كاتب فوجده بخلاف ذلك لا يثبت له خيار المعاينة. 10511 - وعلة الفرع تبطل بالأجل؛ لأنه يثبت شرطًا؛ ولأنه عقد فلا يثبت فيه خيار المجلس، كالنكاح، والكتابة، والخلع، والرهن والهبة. 10512 - فإن قيل: المقصود بالنكاح: الوصلة، والمقصود بالبيع: المغالبة والمماسكة. 10513 - قلنا: لو صح هذا لوجب أن يختلف العقدان في خيار العيب، ومع هذا فقد ثبت خيار العيب عندهم في العقدين. 10514 - ولأن النكاح يتأبد، فهو أولى العقود بثبوت الخيار، حتى تثبت الوصلة، ثم بخيار الوصلة بهذا دون غيرها. 10515 - قالوا: النكاح في الغالب يقع بعد البحث من كل واحد من الزوجين عن حال الآخر، فلم يحتج إلى ثبوت خيار المجلس، والبيع يقع من غير بحث، فاحتاج إلى خيار المجلس، ليستدرك به حقه، لإمكان يمكنه أن ينظر إليه عند العقد، ويمكنه

أن يشترط الخيار فيستدرك في مدة الخيار هذا المعني، فإذا عدل عن ذلك بسقط حق نفسه، فلم يثبت له خيار. 10516 - قالوا: المعنى في النكاح أنه لا يثبت فيه خيار الشرط، كما لا يثبت الخيار بكل عيب؛ لأن المقصود الوصلة، ولهذا يفتقر الوكيل بالنكاح إلى تسمية موكله؛ لأن عينة المعقودة، وليس كذلك البيع؛ لأن خيار الشرط يصح فيه ويرد بكل عيب ولا يفتقر الوكيل إلى ذكر موكله. 10517 - قلنا: أما اختلافهما في خيار الشرط، والصرف، فالبيع يختلف في جواز شرط الخيار ولكن يثبت خيار المجلس فيهما جميعًا، وأما اختلافهما في خيار العيب [فيثبت في البيع] لفوات المقصود بالعقد بنقصانه، أما في النكاح فقولان والمقصود: وهو ما أوجب نقصان الثمن. 10518 - وأما اختلافهما في إضافة الوكيل البيع إلى نفسه، وإضافة النكاح إلى موكله. 10519 - ولأن المعقود عليه في البيع يصح أن ينتقل إلى واحد ثم منه إلى غيره، فجاز أن يضاف إلى واحد وإن وقع العقد لغيره، والنكاح لا ينتقل العقد عليه إلى واحد ثم ينتقل منه إلى غيره، فلذلك لا يضاف إلى واحد، والعقد يقع لغيره. 10520 - قالوا: المعتبر في الكفاية أن المولى قد تحقق العين؛ لأنه باع بماله، والمكاتب له الخيار على التأبيد. 10521 - فقلنا: هذا غير مسلم؛ لأن المكاتب لا خيار له مع إمكان الأداء، وأما تحقق المولى الغبن فلا يمنع ثبوت خياره، كمن باع ما يساوي مائة بدرهم، فهو متحقق الغبن وإن ثبت له الخيار عندهم. 10522 - ولأنهما أثبتا العقد الصحيح من طريق القول فيما شاهداه، فلم يثبت

لهما خيار من غير نقص كما بعد الافتراق. 10523 - ولأنه خيار مختص بفرقة، فلا يثبت في العقد حكمًا، كخيار الشرط. 10524 - ولأنه عقد صحيح فيه الإيجاب والقبول، فلا يقف تمامه على الافتراق، كالهبة. 10525 - ولأن التراضي بالعقد لو لم يقم به العقد لم يجز أن يتم التراضي بغيره. 10526 - فلما قالوا: إنه لو خيره بعد الافتراق فاختار تم البيع: دل على أن التراضي الأول أتم البيع. 10527 - فإن قيل: رضا البائع بالبيع لا يسقط منفعته، ولو رضي بعد البيع سقطت. 10528 - قلنا: حقه يثبت بعد البيع فرضاه قبل ثبوت حقه لا يسقط، وفي مسألتنا: حق كل واحد من العاقدين أن لا يلزمه العقد بغير رضاه، وإذا رضي بالعقد فقد استدرك حقه، فلا معني لاعتبار تكرار الرضا. 10529 - ولأن خيار المجلس لو ثبت في البيع منع من صحة قبض ثمن الصرف في المجلس؛ لأنه يقتضيه مع ثبوت الفسخ فيه، والافتراق قبل صحة القبض يبطل عقد الصرف، كما لو افترقا وقد شرط الخيار، وهذا يوجب أن لا يصح صرف أبدًا. 10530 - ولأنه إذا شرط الخيار في البيع مدة معلومة لم يخل أن يكون ابتداء المدة عقيب العقد أو عقيب الافتراق، ولا يجوز أن يكون عقيب العقد لأنه ليس بقول لهم. ولأن كل حالة لا يثبت فيها خيار الشرط لم يثبت فيها خيار المجلس كما بعد الافتراق، ولا يجوز أن يكون ابتداء المدة عقيب الافتراق؛ لأن المجلس يطول ويقصر فيؤدى ذلك إلى جهالة مدة الخيار، وهذا لا يصح. 10531 - واحتج المخالف: بما روي مالك عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا تبايع المتبايعان فلكل واحد منهما الخيار من بيعه، أو يكون بيعهما على

خيار). 10532 - وروى حكيم بن حزام، وأبو برزة الأسلمي (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا). 10533 - وذكر البخاري حديث الليث بن سعد، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا، فإن تفرقا بعد أن يتبايعا، فلم ينو واحد منهما البيع، فقد وجب البيع). 10534 - قالوا: وقولنا بائع: اسم مشتق من فعل، فلا يطلق اسم البائع إلا بعد وجود الفعل، كالقاتل، والشاتم، فصار حقيقة الاسم بعد وجود البيع منهما، لهما الخيار ما لم يتفرقا. 10535 - والجواب: أن الخبر خبر واحد، وقد اختلف على نافع فيه ونعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقل جميع هذه الألفاظ، وإنما تكلم بواحد منها، فوجب التوقف حتى يعرف لفظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها فيعمل بمقتضاه. 10536 - وقد روى مالك هذا الحديث ولم يعمل بظاهره؛ لأن أهل المدينة لم

يعلموا به، وهذه طريقة صحيحة؛ لأن حديث عدي بن بركة عمل به أهل المصر، وعمل العلماء أولى أن يرجع إليه من خبر واحد يجوز أن يكون على غير ظاهره، وقد عارض ظاهره أخبار متفق على استعمالها، وهو نهيه عليه [الصلاة] والسلام: عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان. وقوله من باع عبدًا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع. 10537 - وقد تمسك أبو يوسف بما روى عنه بشر بن الوليد من تأويل هذا الحديث أنه محمول على المشترى إذا ساوم، فقال: بعني هذا العبد بألف. فقال البائع بعتك، فكل واحد منهما بالخيار، إن شاء البائع رجع عن الإيجاب وإن شاء أقام عليه، والمشترى بالخيار، إن شاء قبل وإن شاء لم يقبل، فإذا افترقا عن مجلسهما بطل خيار كل واحد منهما، وهذا تأويل صحيح لأن حقيقة المتابعين المشتغلان بالبيع كالمتفاعلين/، وإن تم البيع فقد يقضى بينهما بالاسم، فهما مجاز لأنهما كانا متبايعين وعمل اللفظ على الحقيقة أولى، وإلى هذه الطريقة ذهب عيسى بن أبان. 10538 - قلنا هذا قول ترده اللغة والشرع؛ لأن في اللغة من لم يوجد منه الفعل لا يسمى فاعلًا، وفي الشرع لو قال لعبده: إن بعتك فأنت حر، فقال له المشترى: بعني، فقال بعتك، لم يعتق. 10539 - قلنا: أما اللغة فقد وجد من كل واحد منهما لفظ البيع، وذلك بيع لفظي، والاسم تابع لما يفعله أهل اللغة دون الأحكام الشرعية. 10540 - ثم أهل اللغة لا يقولون فاعلًا بعد انقضاء فعله، إلا مجازًا، بمعنى: كان فاعلًا. 10541 - وأما الشريعة فإن الأيمان محمولة على العرف لا على مطلق الاسم، وسقط هذا. 10542 - قالوا: لا حقيقة لهذا الاسم بحال؛ أما في العقل، فإنما يقال: كانا متبايعين، وحال تشاغلهما بالعقد مجازًا أيضًا؛ لأن البائع إذا أوجب البيع لا يقال:

باع قبل قبول المشتري، ولا يقال للمشتري: مبتاع قبل القبول، وإنما سيصير مشتريًا، فالحالان جميعًا مجاز. 10543 - قلنا هذا كلام من لا يعرف اللغة؛ لأن الاسم لا يكون مجازًا، وبعد الفعل قد تلف الاسم. وحال التلبس به والتشاغل هي الحقيقة، والمجاز عنها فرع، وعليها حمل الخبر وكنا أولى به. 10544 - فأما قولهم: كيف يكون فاعلًا ولم يوجد الفعل فلا يصح؛ لأن جزءًا قد وجد في الإيجاب والقبول، وقد يكمل الفعل به، فتلك الحالة هي الحقيقة إلا أنها مع ما قبلها من أجزاء الزمان الذي تشاغلا بالفعل، كالشيء الواحد؛ لأنه بجميع تلك الأجزاء قد يكون الفعل، فجعلوها كالحالة الواحدة، والشيء الواحد، وصار الاسم حقيقة في جميعها، وليس يمكن أن يجعل أهل اللغة الحقائق إلا هكذا. 10545 - قال مخالفنا: فإذا ثبت أن الاسم في الموضعين مجاز لا حقيقة له، قالوا لنا: فقد تساوينا. 10546 - قلنا: بل معنا ترجيح من ستة أوجه: 10547 - أحدها: أنا استعملنا المجاز من وجه واحد، وهو: أنا سميناهما بعد الفعل، وحملتم اللفظ على المجاز من ثلاثة أوجه فجعلتموه بائعًا قبل البيع، ومشتريًا قبل الشراء، وسميتموه بائعًا ولا بيع وهذا مجاز، كمن سمى قاتلًا ولا مقتول. 10548 - قلنا: هذا كلام أسقطناه؛ لأنا لم نسلم التساوي في المجاز، بل بينا أن الحقيقة معنى، ولا وجه للترجيح على ما قالوه، وفاسد؛ لأنهم إذا حملوا اسم البائع على ما بعد البيع، فقد سموا البائع بائعًا بعد بيعه، والمشتري مشتريًا بعد

شرائه، وحملوا الاسم المشتق من الفعل على حال تقضيه وهذا استعمال المجاز من ثلاثة أوجه أيضًا، والترجيح للثاني. 10549 - قالوا: نستفيد بما ذكرنا حكمًا شرعيًا في مسألة الخلاف، وما ذكروه لا يفيد حكمًا إلا ثبوت الخيار قبل تمام العقد، وهذا ثابت بالإجماع. 10550 - قلنا: بل نستفيد بهذا الخبر أن الموجب للبيع يجوز له الرجوع عن إيجابه، ولولا الخبر لم يقل ذلك، ولجاز أن يكون كإيجاب الطلاق والعتاق، لا يرجع فيه. 10551 - وفائدة أخرى: أن الإيجاب يبطل بالافتراق، فلولا ذلك لم يبطل حكم الإيجاب بعد المجلس. 10552 - قالوا: والثالث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوجب لهما الخيار بمعنى واحد، وهو أن لكل واحد منهما خيار الفسخ، وعندكم معنى الخيار لهما مختلف؛ لأن البائع له خيار المنع من القبول، والمشتري له خيار، هو القبول. 10553 - قلنا: الظاهر يقتضي ثبوت الخيار إلى غاية، فأما أن يدل الظاهر على أن الخيار [بعينه لمعنى واحد، فلا دلالة فيه. 10554 - ولأن عندنا يثبت الخيار] لمعنى واحد، وهو أن العقد لم يثبت بالإيجاب والقبول، فيثبت الخيار لكل واحد منهما في إثباته أو فسخه. 10555 - قالوا: والرابع: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل الخيار إلى غاية، وعندكم التبايع إلى غاية. 10556 - قلنا: بل الخيار عندنا من تمام العقد يثبت إلى غاية. 10557 - قالوا: والخامس: أن الخبر إذا احتمل أمرين، وقد فسره الراوي بأحدهما، وجب حمله علي ما فسره الراوي، وقد فسره ابن عمر بما قلنا.

10558 - قيل لهم: الذي روى عن ابن عمر أنه كان يفارق إذا باع حكاية فعل فيكون فعل ذلك احترازا من قول من يجوز أن يحمل الخبر على هذا، ليس أنه مذهبه، وفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - المحتمل لا يحتج به، فكيف ابن عمر. 10559 - وقد روى يحيى بن معبد عن محمد تأويلًا آخر، فقال: الخبر محمول على المتساويين المتقابلين في البيع، وأن لهما الخيار ما لم يتفرقا بأقوالهما، يوجب هذا ويقبل هذا، وإذا افترقا بالقول سقط خيارهما، ولزم البيع لكل واحد منهما. 10560 - قال محمد: وهذا قول أبي حنيفة، والمتساومان يسميان متبايعين لغة وشرعًا. 10561 - فأما الشرع: فروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (لا يبيع الرجل على بيع أخيه)، كما روى أنه قال: (لا يسوم الرجل على سوم أخيه)، فسمى عليه الصلاة والسلام: السوم بيعًا. 10562 - وأما اللغة: فيقولون: هذا مشتر لهذه السلعة، وفلان بائع لها، وفي السوق باعة المشترى قليل، تناول اسم المتساومين، والافتراق بالأقوال

يسمى افتراقًا كما يسمى الافتراق بالأبدان، بدلالة (أنه يقال للمجتمعين في مكان واحد، أو المفترقة أقوالهم في شيء: افترقوا، كما يقال: اختلفوا. وقال الله تعالى: {وما تفرق الذين أوتوا الكتاب}. وقال عليه الصلاة والسلام: (تفترق أمتي نيفًا وسبعين فرقة). 10564 - وإذا تناول اللفظ أمرين وجب حمله على أولهما، وهذه فرقة الأقوال؛ لأن قوله: (حتى يفترقا) إذا حملناه على [هذا حملناه على] ما جري له ذكر، وإذا حملوه على المجلس حملوه على ما لم يجز له ذكر. 10565 - ولأن الخيار ما وقف على رأيهما، وما نقوله من التتابع يعود إلى فعلهما، واختيارهما. وما يقولونه من التفرق بالأبدان لا يعود إلى رأيهما. ألا ترى: أن أحدهما لو أراد أن يفارق الآخر ليتم العقد لم يقدر على ذلك؛ لأن الآخر قد يقوم معه. 10566 - فإن قيل: حقيقة التفرق تفيد تباعد الأشخاص. 10567 - قلنا: لا نسلم ذلك، بل قد بينا أن التفرق يطلق في الأقوال، والأصل في الاستعمال الحقيقة. 10568 - فإن قيل: التفرق ما كان عن اجتماع، وذلك يوجد في تفرق الأبدان دون الأقوال. 10569 - قلنا: ويؤثر أيضًا في الأقوال؛ لأن المتفقين على قول واحد إذا اختلفا فقد تفرقا بعد اجتماعهما. وفي مسألتنا: اتفقا على التساوي ثم افترقا، فصارا باتفاق [متبايعين]، وانتقل إلى كل واحد منهما ما كان على ملك الآخر فافترقا بهذا المعنى بعد الاجتماع.

10570 - فإن قيل: فالبيع ليس بافتراق بل هو اجتماع واتفاق؛ لأن البائع أوجب البيع فقبل المشتري. 10571 - فإن قيل: فقد وافقه، وهكذا فارقه. 10572 - قلنا: هذا اختلاف من الوجه الذي ذكرنا، وإن كان اتفاقًا في وجه لم يعتبر للمعنى الافتراق من كل الوجوه. 10573 - فإن قيل: النبي - صلى الله عليه وسلم - مد الخيار إلى التفرق وعندكم يمتد إلى الإيجاب والقبول. 10574 - قلنا: قد بينا أن الإيجاب يفرق عن التساوي، وأن الواجب أن يجعل غاية الخيار أولى ما يتناوله الاسم. 10575 - قالوا: ومن حديث الليث: (إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا. فإن تفرقا بعد أن تبايعا فلم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع). 10576 - قلنا: هذا محمول على ما قررنا؛ لأن التبايع والتساوم، والتفرق بعده هو التعاقد، حتى حصل التفرق بالإيجاب والقبول بعد التلاقي، من غير أن يترك أحدهما البيع بإبطال الإيجاب [فقد] وجب البيع. 10577 - قالوا: روي من حديث عبد الله بن عمرو (حتى يتفرقا من مكانهما). 10578 - قلنا: هذا صحيح على تأويل أبي يوسف، وهو معارض بما روى أبو هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا من بيعهما أو يكون بيعهما بخيار)، وهذا شاهد لتأويل محمد.

10579 - فإن قيل: إذا اختلفا في تأويل الخبر وجب حمله على تأويل الراوي؛ لأنه شاهد التنزيل، وقد بينا أن ابن عمر حمل الخبر على التفرق بالأبدان. 10580 - قلنا: هذا أصل لكم، والذي نقول: أن الواجب اعتبار ما دل عليه الدليل، وتشهد له الأصول. 10581 - ثم راوي هذا الخبر أبو برزة، وقد حمل الخبر على التفرق في السفر. 10582 - وقد روى حماد بن زيد، عن حميد بن مرة عن أبي الوضيء (قال: نزلنا منزلًا، فباع رجل صاحب لنا من رجل فرسًا، فأقمنا في منزلنا يومنا وليلتنا، فلما كان الغد قام الرجل يسرج فرسه، فقال له صاحبنا: إنك قد/ بعتني فاختصما إلى أبي برزة، فقال: إن شئتما قضيت بينكما بقضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، وما أراكما تفرقتما). 10583 - ومعلوم أن قيام البائع إلى فرسه مفارقة ولم يعتبر [رضا بالبيع]، فلم يجب الرجوع إلى تأويل ابن عمر، دون تأويل أبي برزة. وقد بينا أن ابن عمر جاز أن يكون فعل ذلك تحرزًا من حاكم بتأويل الخبر؛ لأنه مذهبه.

10584 - فإن قيل: حمل الخبر على ما يقولون يبطل تخصيص البيع؛ لأن العقود كلها يجوز الرجوع فيها عن الإيجاب. 10585 - قلنا: وكذلك لزوم الثمن لا بحضور خيار المجلس بل بثبوته كما في عقود أخرى كثيرة. ونحن نثبت ما يذكره من الخيار في البيع وما في معناه ليكون فرقًا بين هذه العقود وبين الطلاق والعتاق. 10586 - فإن قيل: ذكر الدارقطني حديث ابن عباس - رضي الله عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من اشترى بيعًا، فوجب له، فهو بالخيار ما لم يفارقه صاحبه، إن شاء أخذ، فإن فارقه فلا خيار له). 10587 - قلنا: روى هذا الخبر عن أبي معيد، عن سليمان بن موسى عن نافع، عن ابن عمر. وعن عطاء، عن ابن عباس. 10588 - وأبو معيد هو حفص بن غيلان ساقط الحديث، وسليمان بن موسى ذكره البخاري من الضعفاء لا يثبت بروايتهما حجة؛ ولأن قوله: (فوجب له) متروك الظاهر؛ لأن عندهم لا يجب له ما داما في المجلس من غير تغيير؛ فعندنا معناه: من طلب الشراء فأوجب له، فهو الخيار. وعندهم معناه: من عقد له فلم

يجب فله الخيار، ولنا فيها في تركه الظاهر. 10589 - احتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم - (المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار). 10590 - قالوا: بيع الخيار، هو أن يطلق البيع ثم يخير أحدهما الآخر. 10591 - ومن أصحابه من قال: بيع الخيار أن يقع العقد على شرط ألا خيار فيه، فإذا تقرر هذا فالاستثناء من الإثبات نفي، ومن النفي إثبات، فلما قال: (المتبايعان بالخيار) فقد أثبت، ثم قال: (إلا بيع الخيار) فيجب أن يكون الاستثناء في الخيار، وهذا لا يكون إلا قولنا؛ لأن العقد لا يلزم حتى يتفرقا إلا بيع الخيار الذي بيناه، فإن العقد يلزم من غير افتراق. 10592 - الجواب: أن قوله: (المتبايعان) اسم الفاعل، فقوله: (إلا بيع الخيار) مصدر، ولم يتقدم ذكر مصدر حتى يخرج بعضه بالاستثناء، فكان هذا الاستثناء منقطعا بمعنى: (لكن)، ولا يلزم أن يكون إثباتًا من (لكن) أو نفيا من إثبات؛ لأن هذا لا يكون من الاستثناء الصحيح. فأما المنقطع: فالذي يلزمه فيه أن يخالف الأول ضربًا من الخلاف، فتقدير الخبر كل متبايعين أو كل متشاغلين على ما قدمنا، فلا بيع بينهما حتى يفترقا، لكن بيع الخيار، وإن افترقا لا يتم البيع بينهما، فإن إثبات الخلاف من وجه يكفي في عدم الاستثناء المنقطع. 10593 - وحملنا قوله عليه الصلاة والسلام: (إلا بيع الخيار) على ظاهره في البيع المشروط فيه الخيار، وهذا هو المفهوم من الخيار في الشرع، فأما الذي قالوه فلا يعرف. 10594 - وكيف يصح أن يحمل اللفظ على البائع بشرط أن لا خيار، ويسمي ذلك بيع خيار، وهو بيع نفي الخيار فيه. 10595 - فأما قوله بعد العقد: (اختر) فهو تخيير من أحدهما للآخر بعد وقوع العقد لا يوصف العقد به، وقد خلا العقد منه، وتأخر عنه.

10596 - وأجاب أصحابنا بجواب آخر، فقالوا: قوله: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا (غاية، وحكم الغاية: أن يكون ما بعدها بخلاف ما قبلها فصار ذلك كالمنطوق. فكأنه قال: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا) فيتم البيع بينهما إلا بيع الخيار، فإنهما وإن تفرقا لم يتم البيع بينهما. وهذا كقوله تعالى {إني لا يخاف لدى المرسلون (10) إلا من ظلم}، فقد فسره، لكن يخاف الظالمون إلا من ظلم ثم بدل حسنًا بعد سوء، فهذا تأويل الاستثناء على وجه الصحيح، وحمل بيع الخيار على ما يتناوله إطلاق اسم الخيار، ويعرفه أهل الشرع. 10597 - فإن قيل: روى موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، أو يكون بيعهما عن خيار، فإن كان بيعهما عن خيار، فقد وجب البيع). 10598 - قالوا: وهذا يدل أن بيع الخيار ما ذكرناه. 10599 - قلنا: لا يدل، إنما معنى قوله: (أو يكون بيعهما عن خيار) فلا يتم الأمران. 10600 - وقد تكلمنا على الأخبار التي أوردوها، فقد ذكر الدارقطني في هذا الحديث عن ابن وهب، عن الليث أن نافعا حدثه، عن ابن عمر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا، وكانا جميعًا، أو يخير أحدهما الآخر فيتبايعان على ذلك، فقد وجب البيع)، وهذا يدل على أن التخيير المذكور قبل التبايع، وأنه لا خيار بعده. 10601 - وقد روى في حديث ابن عمر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ولا يحل له أن

يفارقه خشية يستقيله)، فلو كان البيع لا يلزم قبل الفرقة لم تدخله الاستقالة؛ لأنها لا تدخل في بيع تام صحيح، وإنما نهاه عن المفارقة خشية الاستقالة عن طريق الأولى؛ لأن الإنسان مندوب على الإقالة. 10602 - فإن قيل: فكيف يلزم البيع على تأويلكم بقوله: (اختر)؟. 10603 - قلنا: هذا عندنا يقوم مقام الإيجاب إن قاله البائع، ومقام القبول عن قاله المشتري فيتم به البيع إذا تقدمه فينظر العقد. 10604 - قالوا: روى مثل قولنا عن علي، وابن عمر، وابن عباس، وأبي برزة، وأبي هريرة - رضي الله عنه -. 10605 - قلنا: نعم؛ لأنه مخالف؛ لأنه قال: البيع صفقة، أو خيار، فحصل أن البيع نوعان وعندهم الخيار ثابت في جميع البياعات. 10606 - فإن قيل: معناه صفقة، بمعنى شرط في العقد أن لا خيار، أو أطلق، فكان فيه الخيار. 10607 - قلنا: سقوط الخيار بالشرط بقوله: (بعضكم (ولا يختارونه، ثم الصفقة هي مطلق العقد، فأما ما وقع على شرط فليس بصفقة. 10608 - قالوا: عقد معاوضة محضة، فوجب أن يكون للتفرق تأثير فيه، أصله: الصرف. 10609 - قلنا: الافتراق في الصرف يبطل العقد، ولا يجوز أن يكون ما يبطل نوعًا من البيع يصح به نوع آخر، كهلاك المعقود عليه. 10610 - ثم نقول: ولا يقف تمامه على الافتراق، كالصرف؛ لأن عقد الصرف لا يتم بالافتراق عندهم حتى يتقدمه القبض. 10611 - ولأن في الصرف دلالة؛ لأن الافتراق لما أثر فيه كان تأثيره الفساد، فلو كان

للافتراق تأثير في مسألتنا: وجب أن [يؤثر فيه الفساد، فأما أن يؤثر صحة العقد فلا. 10612 - قالوا: معارضة محضة فجاز أن] يلحقها الفسخ مع الإطلاق والسلامة من وجهين، كالصرف. 10613 - قلنا: نقول بموجبه؛ لأن بيوع الأعيان يلحقها الفسخ مع الإطلاق، والسلامة من وجهين: تلف المبيع قبل القبض، وخيار الرؤية. 10614 - قالوا: الخيار على ضربين: خيار نقص وغيره، ثم كان خيار النقص يثبت شرعًا وشرطًا، وتحريره أحد نوعي الخيار، فانقسم شرعًا وشرطًا. 10615 - قلنا: نقول بموجبه من خيار القبول، وخيار الرؤية. 10616 - فإن قالوا: خيار الرؤية لا يتعلق بمضي الزمان. 10617 - قلنا: وكذلك خيار المجلس لا يتعلق بمضي الزمان، وإنما يقع على شرط. ثم ثبوت الشيء بالشرط لا يدل على ثبوته بالشرع، بدلالة: الأجل. ثم نعكس فنقول أحد نوعي الخيار، فكان حكمه في المجلس حكمه بعده. 10618 - ولأن خيار النقص لما ثبت حكمًا وشرطًا استوت مدتها؛ لأن كل واحد من الخيار يثبت في المدة وبعدها، فلو كان هذا الخيار يثبت حكمًا وشرطًا لاستوت مدتها، فيثبت كل واحد منهما في المجلس وبعده. 10619 - قالوا: عقد يقصد به تمليك المال، فلا يتم بالإيجاب والقبول، كالهبة. 10620 - قلنا: الهبة من عقود الشرع وهي أضعف من إيجاب المال في البيع، بدلالة وقوف الملك فيها على القبض، فلم يجز اعتبار البيع بها. والمعنى فيها: أن العقد لا يتم منها بالتخاير بعد، فلا يتم بالتراضي ابتداء. ولما كان البيع يتم بالتخاير بعد العقد تم بالتراضي على العقد؛ لأن الرضا في الوجهين موجود. 10621 - قالوا: قول أحد المتبايعين، فوجب أن يتعقبه الخيار أصله ما ذكروا.

10622 - قلنا: عندنا كل واحد من الطرفين يتعقبه الخيار على الوجه الذي يتعينه الآخر؛ لأنه إن ابتدأ البائع فالإيجاب يثبت الخيار لكل واحد منهما، وإذا ابتدأ المشتري بالقبول يثبت الخيار/ لكل واحد منهما، وإنما لا ينعقد القبول خيارًا؛ لأنه اجتمع به الإيجاب والقبول معا، ولا يقال: لما لزم قبل تراضي المتعاقدين به، يثبت بعد تراضيها. 10623 - قالوا: زمان يصح قبض رأس المال وعوض الصرف، فوجب أن يثبت فيه الخيار. أصله: عقيب الإيجاب وقت لقبض رأس المال، لأن العقد لم ينعقد، فكيف يقبض بدله ولا عقد. 10624 - ولأن عقيب الإيجاب حالة يثبت الخيار في النكاح فيثبت في البيع، وما بعد الإيجاب والقبول حالة لا يثبت الخيار في النكاح، فلم يثبت في البيع. * * *

مسألة 566 حكم جعل البائع الخيار لنفسه

مسألة 566 حكم جعل البائع الخيار لنفسه 10625 - قال أصحابنا: إذا شرط البائع الخيار لنفسه لم يزل ملكه عن المبيع. 10626 - وللشافعي: أقوال، أحدها: أن الملك موقوف مراعى. والثاني: أنه ينتقل بالعقد وإسقاط الخيار، والثالث: أنه ينتقل بنفس العقد. وهل يأخذ الشفيع بالشفعة مع ثبوت خيار البائع، فيه قولان، هذا على القول الذي يقول: إن الملك ينتقل بالعقد.

10627 - لنا: أنه معنى يمنع من التصرف بالإكراه مع وجود القبض المأذون فيه، أو كل حالة لا ينفذ فيها تصرف المشتري معه قبض مأذون فيه، فلم يملك المبيع، أصله: قبل القبول. 10628 - فإن قيل: المعنى في المكره أنه لم يرض بسبب البيع، وليس كذلك في مسألتنا؛ لأنه رضي بسبب نقل المبيع. 10629 - قلنا: وإن رضي بسبب نقل المبيع فلم يرض بزوال الملك، وعلة الفرع تبطل بالبيع الفاسد، وبمن باع أحد العبدين. 10630 - ولأنه بيع شرط فيه خيار الفسخ، فلم ينتقل الملك به، أصله: إذا شرط خيار أربعة أيام ثم أسقط اليوم الرابع. 10631 - ولأن [كل خيار لو شرط في أحد العبدين منع من وقوع الملك، إذا شرط في العبد الواحد منع من نقله. أصله: خيار أربعة أيام إذا أسقط خيار اليوم الرابع. 10632 - ولأن] عتق البائع ينفذ في العبد، وكل رقبة ينفذ فيها عتق الإنسان ابتداء لم تكن ملكًا لغيره؛ أصله: سائر أملاكه. 10633 - ولأن الإيجاب غير لازم مع سلامة البدن، فوجب أن يكون المبيع على ملكه كما لو لم يقبل. 10634 - احتجوا: بقوله عليه الصلاة والسلام: (من اشترى عبدًا وله مال، فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع)، وهذا يشير أن يكون للمشتري إذا شرطه، وإن كان الخيار للبائع.

10635 - والجواب: أن إطلاق الشراء لا يتناول البيان، ومن حكم اللفظ أن يحمل على إطلاقه دون تقييده. 10636 - قالوا: بيع منعقد أو صحيح، فوجب أن ينتقل الملك. أصله: إذا شرط فيه الخيار. 10637 - قلنا: المعنى فيه أن تصرف المشتري يجوز فيه بوجود القبض [فدل على جواز ملك البائع، وفي مسألتنا: لم ينفذ تصرفه مع وجود القبض] المأذون فيه، فدل على أنه لم يملكه. 10638 - قالوا: التصرف قد يمنع منه تمام الملك. وفي مسألتنا: إذن البائع في الفسخ متعلق به، وفي تصرف المشتري إسقاط هذا الحق. 10639 - قلنا: يبطل إذا كان بالعوض عيب؛ فإن حق الفسخ ثابت للبائع وتصرف المشتري يجوز. 10640 - فإن قيل: لا يسقط حقه؛ لأنه يفسخ البيع بقيمة ما خرج من ملكه إلى عوض. 10641 - قالوا: انقضاء الخيار معنى يستقر به البيع، فوجب أن يقف انتقال الملك عليه، كالقبض. 10642 - قلنا: القبض لا يقف نفوذ عتق المشتري على وجوده، وليس كذلك قطع الخيار؛ لأن عتق المشتري يقف على وجوده، فلذلك وقف الملك عليه. 10643 - قالوا: معاوضة تقتضي التمليك، فانتقل الملك منها بالعقد، كالنكاح. 10644 - قلنا: التمليك من مقتضى المعاوضة المطلقة. 10645 - قالوا: إذا لم يطلق فلا يقتضي التمليك، ثم النكاح لا يقع غير بات ثم يصير باتًا فلم يقع غير موجب للملك ثم يوجبه، والبيع بخلافه.

10646 - قالوا: خيار ثابت في بيع، فوجب أن لا يمنع انتقال الملك، كخيار العيب. 10647 - قلنا: خيار العيب لا يمنع تصرف المشتري، فلذلك لا يمنع الملك. وخيار الشرط لما منع من تصرف الشراء مع وجود القبض الصحيح منع من نقل الملك الصحيح. * * *

مسألة 567 حكم المبيع إذا اشترط المشتري الخيار

مسألة 567 حكم المبيع إذا اشترط المشتري الخيار 10648 - قال أبو حنيفة: إذا اشترط المشتري الخيار خرج المبيع من ملك البائع، ولم يدخل في ملك المشتري. 10649 - وقال أبو يوسف، ومحمد والشافعي: يملك المشتري المبيع. 10650 - لأبي حنيفة: أن قبول المشتري غير لازم مع سلامة المبيع، فلم يدخل في ملكه بالخيار. 10651 - ولأنا قد دللنا على أن من شرط الخيار لا يملك عليه البدل، فلم يخرج الثمن من ملك المشتري. 10652 - فلو قلنا: إنه يملك المبيع اجتمع في ملكه العوض والمعوض فيما يصح تمليكه، كعقود المعاوضات. 10653 - [وهذا لا يصح، ولا يلزم إذا ضمن الغاصب قيمة المدبر؛ لأنه لا يملك بعقود المعاوضات، وكذلك لا يلزم إذا اشتري ثوبًا بخمر؛ لأن الخمر عندنا على حكم ملك المسلم، وليست ملكه على الحقيقة؛ ولأن الخمر لا يملكها المسلم بعقود

المعاوضات. 10654 - فإن قيل: يبطل بمن اشترى عبدًا بجارية، وشرط الخيار فيها فأعتقها. 10655 - قلنا: لا يجتمع في ملكه البدل والمبدل؛ لأن العتق يوجب فسخ العقد فيما هو من جهته، ثم يملك العبد الآخر، ويملك عليه القيمة، فلا يجتمع في ملكه البدل والمبدل 10656 - فإن قيل: كما لا يجوز اجتماع البدل والمبدل لا يجوز أن يخلو العاقد من أحد العوضين. 10657 - قلنا: قد يجوز أن يخرج الشيء من ملك الإنسان من غير عوض، مثل الهبة والوصية، ولا يمتنع أن يزول ملك البائع ويتأخر ملكه للعوض. 10658 - احتجوا: بأنه بيع أزال ملك البائع، فوجب أن يزيله إلى المشتري. أصله: البيع البات. 10659 - قلنا: لما لزم البائع الإيجاب زال ملكه، كما يلزم الإيجاب فيه، فلما لم يلزم [المشتري بالقبول مع سلامة المعقود عليه لم يزل] ملكه عما هو من جهته ولم يملك ما في مقابلته. 10660 - قالوا: المبيع مملوك، فلابد له من مالك، والبائع لا يملك، فوجب أن يملكه المشترى. 10661 - قلنا: البائع وجد سبب خروج البدل من ملكه، ولم يوجد سبب دخوله في ملك المشتري، فلم يدخل. 10662 - وهذا كما نقول في الوصية: إذا مات الموصي وجد سبب خروج الشيء من ملك الموصى فخرج ولم يوجد سبب دخوله في ملك الموصى له، وهو القبول، فلم يدخل في ملكه وليس يمتنع أن يكون المبيع مملوكًا لا يملكه آدمي، كستارة الكعبة، والعبيد يشتريهم الإمام لخدمتها.

10663 - فإن قيل: هناك هو مملوك لله تعالى. 10664 - قلنا: جميع الأملاك لله تعالى ما له مستحق وما لا مستحق له وإنما بينا أنه لا يمتنع أن يكون مملوكا لا يملكه آدمي. 10665 - فإذا قالوا: ذلك مملوك لله تعالى. 10666 - قلنا: وكذلك المبيع أيضًا. 10667 - فإن قيل: لو كان ملكًا لله تعالى؛ كان تدبيرا بإذن الإمام كعبيد الكعبة. 10668 - قلنا: إنما لا يقف تدبيره على الإمام؛ لأن حق الآدمي متعلق به، وإن كان لا يملكه فتعلق حقه منع الإمام من التصرف، وإن كان ملكًا لله تعالى، كما أن سائر الأعيان ملك لله تعالى، ولا يجوز تصرف الإمام فيها؛ لأن الآدمي يملكها. 10669 - فإن قيل: لو كان المبيع دارا، فبيعت دار بجوارها؛ وجبت فيها الشفعة للمشتري، فدل على أنه ملك الدار. 10670 - قلنا: قال ابن شجاع: إنما قال أبو حنيفة: إن الشفعة تجب على قوله الأول: إن المشتري يملك المبيع، فأما على قوله الآخر فلا. 10671 - فعلى هذا لا يلزمنا، ثم هذا لا يلزم؛ لأن المشتري وإن لم يملك فإن تصرفه يصح ويصير به مبطلًا لخياره، فإذا أخذه بالشفعة صح أخذه وسقط خياره. 10672 - ولأن المشتري يملك التصرف، وهذا المعنى يكفي في وجوب الشفعة؛ بدلالة: أن المكاتب والمأذون يملكان الأخذ بالشفعة؛ لأنهما يملكان التصرف وإن كانا لا يملكان الرقبة، وكذلك المشتري في مسألتنا. * * *

مسألة 568 إذا شرط الخيار في أي العبيد المشترين شاء

مسألة 568 إذا شرط الخيار في أي العبيد المشترين شاء 10673 - قال أصحابنا: إذا اشترى أحد عبدين أو ثلاثة أعبد على أنه بالخيار في أن يأخذ أيهما شاء: جاز، وكذلك إن كان الخيار للبائع، وكذلك إن اشتري عبدين على أنه بالخيار بين أن يأخذ أيهما شاء ويرد الآخر، ولابد من شرط الخيار، وهل يفتقر إلى خيار مؤقت؟ ذكر في الأصل: الخيار مطلقًا. 10674 - وذكر ابن شجاع: لا يفتقر إلى التوقيت، وذكر أبو الحسن، عن أبي حنيفة، وأبي يوسف: أنه يفتقر إلى خيار مؤقت. 10675 - وقال الشافعي: البيع فاسد. 10676 - لنا: حديث ابن عمر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من باع عبدًا وله مال، فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع) ولم يفصل. 10677 - ولأن كل عبدين جاز بيع كل واحد منهما بعينه، جاز بيع أحدهما بغير

عينه؛ أصله: قفيز من صبره، ومن اختلط عبده بعبد غيره فباعه من مالكه الآخر. 10678 - فإن قيل: أجزاء العلة متساوية، فإذا عقد على قفيز منها فهو معلوم، ولهذا لا يفتقر إلى شرط الخيار. 10679 - قلنا: لا يمتنع أن يستويا في جواز العقد، أو أيختلفا، أو أيتفقا، كما لو قال: استأجرت هذه الأرض لأزرع فيها حنطة، أو شعيرًا؛ لأنها جملة يجوز بيعها،/ فجاز بيع بعضها غير معين كما لو باع بعضها مشاعًا. 10680 - ولأن كل جهالة لا تمنع صحة الإجارة لا تمنع صحة البيع؛ أصله: جهالة قدر البدل المعين، وجهالة القيمة. 10681 - بيان ذلك: أنه لو استأجر أرضًا ليزرعها حنطة أو شعيرًا جاز، وكذلك لو استأجر دابة بدرهم على أن يركبها إلى النهروان، أو إلى عكبرى. 10682 - احتجوا: بأن المبيع مجهول في حال العقد، فوجب أن لا يصح. أصله: إذا باع ثوبًا من أربعة أثواب، أو باع ثوبًا من ثوبين على شرط الخيار. 10683 - قلنا: حال العقد لم يلزم، فالجهالة مقارنة للجهالة حال اللزوم، ألا ترى: أن الحظر يوجد مع العقد ولا يؤثر فيه وهو شرط الخيار؛ لأنه ينتفي عنه في حال لزومه، كذلك الجهالة. 10684 - فأما إذا باع ثوبًا من أربعة ثياب كثرت الجهالة. وما دونها تقل الجهالة، فحكمها يختلف، كما أن الحظر لشرط الخيار إذا شرط في ثلاثة أيام

جاز، ولا يجوز فيما زاد عليها. 10685 - وأما إذا باع ولم يشترط الخيار فالجهالة حاصلة من عقد لازم، فإذا شرط الخيار فالجهالة ترتفع عند لزوم العقد. وحكم الأمرين مختلف، ألا ترى: أن الحظر يؤثر في المبيع، ثم جاز بشرط الخيار وفيه خطر، إلا أنه لما ارتفع عند لزوم العقد لم يمنع صحة العقد. 10686 - قالوا: كل بيع لا يصح من غير شرط الخيار لا يصح مع شرط الخيار، كسائر البيوع الفاسدة. 10687 - قلنا: إذا كان في العقد ما يصح بيانًا ولا يصح مع الخيار، وهو الصرف، والسلم، جاز أن يكون فيها ما يصح مع الخيار، فلا يصح مع عدمه. 10688 - ولهذا قال أصحابنا: إن في العقود ما لا يصح دخول الأجل فيه، وهو الصرف، وفيها ما يصح دخول الأجل فيه، وهو السلم عندنا، فالكتابة عندهم ولاية، وإذا شرط الخيار زاد في الجهالة بفعل أحد المتعاقدين، وإذا لم يشترط تثبت الجهالة فلم يصح. 10689 - والمعنى في سائر العقود الفاسدة: أن الحاجة تدعو إليه، ألا تري: أن ذوات الخدور وأكابر النساء لا يحضرن الأسواق، وقد لا يرضون باختيار الوكلاء، فجوز لهم هذا العقد ليتوصلوا به إلى اختيار ما يريدون وسومح بالجهالة، كما سومح بالحظر لوقوع الحاجة إليه عند خوف المعاينة. * * *

مسألة 569 إذا شرط الخيار إلى الليل أو إلى الغد

مسألة 569 إذا شرط الخيار إلى الليل أو إلى الغد 10690 - قال أبو حنيفة: إذا شرط الخيار إلى الليل أو إلى الغد، دخل الليل والغد في الخيار. 10691 - وقال الشافعي: لا يدخل. 10692 - لنا: أن الغاية فيه احتمال، قد يدخل في الكلام تارة، ولا يدخل أخري، والعقد لا يتعلق به استحقاق وإنما يبرم بمضي مدة الخيار، فلم يجز. 10693 - لنا: إلزام صاحب الخيار بالعقد بالشك. ولا يلزم إذا شرط الأجل إلى رمضان؛ لأن الثمن مستحق، وإنما يتأخر المطالبة بالتأجيل، فإذا احتمل أن تدخل الغاية، واحتمل أن لا تدخل، لم يجز تأخير المطالبة المستحقة بالشك. 10694 - ولأن ما جعله غاية للخيار امتد الخيار إلى انقضائه، كما لو امتد المجلس إلى انقضائه. 10695 - ولأنها مدة يبقي فيها الخيار إذا بقيا في المجلس بعد العقد، فثبت فيها إن افترقا قبل الغاية. 10696 - ولا يلزم إذا قال: متى يجيء الليل؛ لأنا لا نعرفه في رواية. 10697 - ولأنه جعل الغاية مجيء الليل، ولذلك دخل في الخيار. 10698 - احتجوا: بأن أهل اللغة أجمعوا على أن (من) لابتداء الغاية، و (إلى)

لانتهاء الغاية. 10699 - وقالوا: إذا سرت من الكوفة إلى البصرة معناه: انتهيت إلى البصرة. 10700 - قلنا: هذا مسلم، والكلام في أن ما انتهيت إليه هل يكون داخلًا أم لا،؟ والمفهوم من قولهم: سرت من الكوفة إلى البصرة، أنه دخل البصرة، أو يكون اللفظ محتملًا لدخولها وبلوغها، فلم نسلم له ما ادعاه من الظاهر. 10701 - قالوا: إذا قال: لفلان علي من درهم إلى عشرة، أو أنت طالق من واحدة إلى ثلاثة لم يلزمه الدرهم العاشر، ولم تقع الثالثة. 10702 - قلنا: لأن العلة محتملة، فلم يلزمه ذلك بالشك، وهذا طرد ما ذكرنا. 10703 - وأما إذا قال: بعتك من هذا الحائط إلى هذا الحائط لم يدخل الحائطان؛ لأن الحدود لا تدخل في المحدود بالعرف، ألا ترى: أنهم يقولون: إلى دار فلان، وإلى المسجد، وإلى الطريق. 10704 - قالوا: ما جعل حد ثالث لم يدخل في المحدود بظاهر اللفظ. أصله: أنه محتمل، وإنما دخل بدلالة شرعية، فإن أسقطوا هذا الوصف انتقض بالمرافق والكعبين. 10705 - فإن لزم على ما قدمنا إذا قال: (والله لا أكلمك إلى رمضان) أن رمضان لا يدخل في اليمين. 10706 - قلنا: هذا يجري على ما قدمنا من احتمال الغاية، فإذا احتمل أن لا يدخل لم يثبت عقد اليمين في شهر رمضان بالشك. 10707 - فإن قيل: إذا قال: إن لم أكلمك إلى رمضان فعبدي حر، عتق العبد قبل مضي رمضان، والغاية يجوز أن تكون داخلة في يمينه، ويجوز أن لا تدخل فيه، وقد أزلتم الملك عن العبد بالشك فنقض ذلك قولكم. 10708 - قلنا: اليمين لا يجوز إثباتها في رمضان بالشك، فإذا لم يثبت اليمين

فوقوع العتق فرع على مضي المدة التي انعقدت اليمين عليها، فاعتبر اليقين من الأصل ويتبعه ما يترتب عليه من وقوع المعلق. على أن هذه المسألة من تعلق العتق [بِكُنَى من] الكلام لا نعرفها. * * *

مسألة 570 إسقاط شرط من الأجل المجهول

مسألة 570 إسقاط شرط من الأجل المجهول 10709 - قال أصحابنا: إذا شرط أجلًا مجهولًا ثم اتفقا على إسقاطه قبل مضي جزء من المدة المجهولة: صح العقد. ولذلك قال أبو حنيفة: إذا شرط خيار أربعة أيام ثم أسقطه قبل اليوم الرابع صح العقد. 10710 - وقال زفر: لا يصح العقد أبدًا. 10711 - وبه قال الشافعي.

10712 - واختلف أصحابنا في حكم العقد، فمنهم من قال: هو فاسد، ثم يصح، ومنهم من قال: موقوف. 10713 - لنا: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من اشتري شاة محلفة فهو بخير النظرين، إن شاء أمسكها وإن شاء ردها). 10714 - ظاهره يقتضي أنه إذا شرط فيها خيار أربعة أيام ثم اختارها جاز. 10715 - ولأنها مدة ملحقة بالعقد، فجاز أن تسقط من العقد، كالأجل الصحيح. 10716 - ولأنه خيار ملحق بالعقد؛ فجاز إسقاطه من العقد، كخيار الثلاث. 10717 - ولأن كل مدة إذا كانت ثلاثة أيام جاز إسقاطها من العقد فإنه يجوز إسقاطها من العقد وإن كان أكثر من الأجل. 10718 - ولا يلزم إذا أسقط الخيار في اليوم الرابع؛ لأن التعليل لجواز الإسقاط ليس هو لحق الإسقاط. 10719 - ولأن الإسقاط يكون من المدد المستقبلة دون الماضية، فإذا مضي من اليوم الرابع جزء من الزمان المفسد لا يمكن إسقاطه. 10720 - ولأن البيع امتنع من الانبرام بشرط ملحق بالعقد، فإذا أبطل الشرط قبل استحكامه انبرم العقد، كخيار الثلاث. 10721 - فإن قيل: المعنى في خيار الثلاث: أنه خيار صحيح، وأنه أوقف انبرام العقد على قطعه، وهذا خيار فاسد، فلم يقف انتقال الملك على قطعه.

10722 - قلنا: الخيار الصحيح آكد وأثبت من الفاسد، [وكذلك الشروط، فإذا جاز أن يسقط الصحيح يصح العقد، وإن لم يكن منهما فعل بمضي مدة الخيار، فصح أن يبرم] بإسقاطها، والفاسد لا يصح من غير إسقاطه، كذلك لا يصح إسقاطه. 10723 - قلنا: لا نسلم، لأنه لو مات من شرط له الخيار أربعة أيام في الثلاث صح العقد من غير إسقاط، وكذلك إذا مات من شرط له أجل فاسد قبل تمكن الفساد، وسقط المانع من الأجل، وصح العقد، وكذلك إذا هلك المبيع في الثلاث. 10724 - ولأن الثمن والمثمن صحيحان يجوز العقد على كل واحد منهما، وإنما دخل الفساد لمعنى أجنبي من العقد وهو الخيار، والأجل إذا سقط صار كأنه لم يكن داخلًا، وينحل الخيار الصحيح المانع من الانبرام إذا سقط، وصار كأن لم يكن، وانبرم العقد. 10725 - ولأنه شرط ملحق لا يقتضيه العقد، فجاز أن يتعلق بالعقد أحكام الصحة، كالبيع بشرط العتق. 10726 - احتجوا: (بنهيه عليه الصلاة والسلام عن بيع الشرط). 10727 - قلنا: إن كان دليلًا على فساد البيع فقد سلمناه، والكلام هل يجوز زوال الفساد أم لا؟ 10728 - فإن قالوا: إذا ثبت الفساد وجب أن يكون فاسدًا أبدًا. 10729 - قلنا: هذا استصحاب العموم، واللفظ لا يعطي ذلك، ومن لم يسلم فساد العقد قال: النهي إنما يتناول الشروط الممنوع منها، ومعلوم أنه لم يمنع من شرط خيار ثلاثة أيام، وإنما منع من شرط اليوم الرابع، فالنهي ينصرف إليه دون ما قبله.

10730 - قالوا: بيع فاسد، فصار كبيع درهم بدرهمين إذا اتفقا على إسقاط أحدهما. 10731 - قلنا: الوصف غير مسلم على قول من قال: إنه موقوف، وينعكس بالحربي إذا تزوج خمسًا ثم أسلما فاختار. 10732 - فإن قالوا: العقد هناك موقوف. 10733 - قلنا: كذلك نقول في مسألتنا. 10734 - ولأن الفساد في الأصل من البدل، وفي الفرع في معنى غير المعقود عليه، ولا يجوز اعتبار أحدهما بالآخر؛ ألا ترى/ أن البدل هو المعقود عليه، فالفساد فيه متمك في العقد، والأجل والخيار غير المعقود عليهما، فلما لم يتمكنا من العقد جاز إسقاطهما؟ 10735 - فإن قيل: الفساد في البدل وفي الأجل سواء، بدلالة تأثيرهما في العقد الفساد. 10736 - قلنا: لا يمتنع أن يتساويا في إيجاب الفساد وإن اختلفا في أحكام الفساد، كما أن ونكاح الخمسة يتساويان في الفساد وإن اختلفا عندهم في صحة العقد يعد الفساد. 10737 - فإن قيل: الفساد من الأجل يعود أكثر العوض؛ لأنه يزاد في الثمن لأجل الأجل، فإذا كان فاسدًا عاد ذلك الفساد إلى البدل. 10738 - قلنا: إذا زاد الثمن لأجله، فليس في مقابلته وإنما هو في مقابلة البيع، ففساد الأجل يؤثر في الثمن. 10739 - قالوا: كل ما لم يتفق المتبايعان على إسقاطه لم يصح البيع، وكذلك وإن اتفقا على إسقاطه، أصله: إذا مضت الثلاث. 10740 - قلنا: إذا مضى جزء من اليوم الرابع لم يكن إسقاط الماضي من المدة، فيمكن ذلك الفساد من العقد، فبقي بحاله وقد مضي الثلاث ما لم يتمك الفساد، وذلك الفساد من العقد فبقي فأمكن إسقاطه، فسقط من العقد.

10741 - قالوا: تفرقا عن فساد، فوجب أن يلحقه الصحة، أصله: إذا تفرقا في الصرف قبل القبض. 10742 - قلنا: المعنى فيه: أن الافتراق حصل عن دين بدين، وهذا المعنى لا يمكن رفعه من العقد، وفي مسألتنا: افترقا عن خيار صحيح وفاسد فإسقاط الخيار ممكن، فإذا أسقطاه قبل تمكنه، صار كأنه لم يكن. 10743 - قالوا: عقد فاسد فصار كالنكاح الفاسد. 10744 - قلنا: الشروط الملحقة بالنكاح إنما تفسد بالشروط في نفس المعقود عليه، فوزانه من البيع إذا فسد يعني في المعقود عليه. 10745 - فإن قيل: نقيس على من تزوجها شهرًا. 10746 - قلنا: عقد النكاح لا يقع على المدة، فالفساد فيها فساد في نفس العقد، والبيع فيها لا يقع على المدة، فالفساد فيها أجنبي من العقد. 10747 - فإن قاسوا على من باع بألف درهم ورطل خمر، ثم أسقط الخمر. 10748 - قلنا: يجوز العقد في إحدى الروايتين، وفي الرواية الأخرى لا يصح؛ لأن الخمر عوض، والفساد في نفس المعقود عليه. 10749 - فإن قيل: إذا باعه إلى هبوب الريح ومجيء المطر لم يجز العقد بإسقاط هذا الشرط. 10750 - قلنا هذه المسألة ذكرها في (المجرد) (اختلاف أبي يوسف وزفر). 10751 - وقد ذكر في (المقالة من الأصول) ما يستدل به على خلاف ذلك، وذلك أنه قال لو كفل إلى هبوب الريح ومجيء المطر، صحت الكفالة

وكان المال حالًا. 10752 - فعلى هذا يجب إذا شرطه في أجل الثمن يجب أن يصح العقد ويبطل التأجيل، وأما إذا شرط الخيار إلى ذلك لم يصح العقد بإسقاطه لأنه يجوز أن يكون هبوب الريح، وماء المطر من موضع آخر، فتمكن الفساد من العقد، فلذلك لم يصح أن يرتفع من العقد. 10753 - وإن قلنا بظاهر رواية المجرد، فلأن هذه جهالة كثيرة لا تثبت مثلها في العقود، فمنعت من صحة العقد، وقد تختلف الجهالات، ولهذا تجوز الكتابة مع جهالة البدل. 10754 - ولو كاتبه على ثوب لم تصح، وتصح الكفالة إلى المهرجان، ولا تصح إلى دخول الدار. 10755 - فإن قاسوا على من شرط: أن لا يضمن الدرك ثم ضمن؛ 10756 - قلنا: بقي موجب العقد ففسد، فإذا ضمن لم يستند هذا الضمان إلى العقد، فبقي جزء من الضمان قد انتفى فيه موجب العقد، فلا يستدرك بتجديد الضمان، فلم يصح العقد. * * *

مسألة 571 توريث خيار الشرط والرؤية

مسألة 571 توريث خيار الشرط والرؤية 10757 - قال أصحابنا: خيار الشرط والرؤية لا يورث. 10758 - وقال الشافعي: يورث خيار الشرط، فإن لم يعلم الوارث بالأجل الذي شرطه المورث: لم يحتسب عليه ما مضى من المدة في أحد الوجهين، وفي الوجه الآخر: يحتسب عليه بها، إلا أنه إذا علم يثبت له خيار على الفور، وخيار المجلس يورث إن كان الوارث في المجلس، وإلا يثبت له في المجلس الذي علم به. والمنصوص: أن الخيار لا ينتقل من المكاتب إلى المولى، ولا يلزمه. 10759 - ومن أصحابه من قال: فيه قولان.

10760 - لنا: أنها مدة ملحقة بالعقد، أو مدة مضروبة في البيع، فوجب أن تبطل بالموت، كالأجل، أو: فوجب أن لا يقوم الوارث فيها مقام المورث. 10761 - فإن قيل: الأجل حق المشتري، وفي تبقيته بعد موته ضرر على الميت وعلى ورثته؛ لأنه لا يجوز تصرفهم في التركة، فلذلك يسقط بالموت. 10762 - قلنا: إذا كان الشيء موروثا انتقل إلى الورثة وإن استضروا به، كما ينتقل العبد المقطوع اليدين والرجلين، وكالتراب الموضوع في ملك الغير؛ فيلزم الوارث نقله. 10763 - ولأن الأجل لا يبقى وإن انتفع الوارث بتبقيته، ألا ترى أن الدين في مدة الأجل يسلم الأعيان له، ومع ذلك يسقط الأجل. 10764 - ولأن للورثة من الأجل فائدة، وهو أن يتأخر بيع التركة، ولا يتعجل في الحال فيتغير أسعارها.

10765 - ولأنا نلزمهم جواز تصرف الورثة لو بقي الأجل، كما أن المولى يتصرف في اكتساب المأذون إذا كان عليه دين مؤجل. 10766 - فإن قيل: الموت يوجب نقل الدين إلى التركة، فلو بقي الأجل لبقي في الأعيان، وتأجيل الأعيان لا يصح. 10767 - قلنا: لو كان كذلك لبطل الرهن بدين الميت؛ لأن الحق انتقل إلى الدين، والرهن بالأعيان لم يصح، فلما لم يبطل الرهن دل على بطلان هذه الطريقة. 10768 - ولأن المديون لو لم يترك إلا دينًا على وارثه سقط الأجل وإن كان لا يثبت في دين ولا يتعلق بعين. 10769 - ولأنه حق ليس فيه معنى المال والوثيقة، فلم ينتقل إلى الوارث، كالوكالة، والمضاربة، وخيار القبول والإقالة. 10770 - فإن قيل: ينتقض إذا باع أحد عبدين على أنه بالخيار، وسقط الخيار بموته، [ولزم الورثة البيع] في أحد العبدين، فثبت لهم خيار التعيين فيما لزمهم من العوض. 10772 - ولا يلزم إذا اشترى عبدا على أنه خباز فوجده بخلاف ذلك؛ لأن هذا الخيار فيه معنى المال، [بدلالة: أنه لو لحقه عيب عبده رجع بنقصانه، وكذلك خيار العيب فيه معنى المال]؛ لأنه يتعوض عنه بمال، فينتقل إلى الأرش عند تعذر الفسخ.

10773 - فإن قيل: المعنى في خيار القبول والإقالة: أنه حق غير ثابت، بدلالة: جواز الرجوع عنه، وخيار الشرط ثابت. 10774 - قلنا: ملك الموهوب له غير ثابت؛ بدلالة: أن للواهب الرجوع ومع ذلك يورث، وملك البضع والأجل وعقد الكتابة ثابت ولا يورث. 10775 - فإن قيل: خيار القبول يبطل بالافتراق، والموت أعظم من الافتراق، وخيار الشرط لا يبطل بالافتراق. 10776 - قلنا: إنما يبطل كالأجل والنكاح 10777 - فإن قيل: هذه الحقوق تبطل بالجنون، فكذلك تبطل بالموت، وخيار الشرط لا يبطل بالجنون، فلم يبطل بالموت. 10778 - قلنا: الوكالة، والمضاربة، والنكاح لا يبطل بالجنون، وأما خيار القبول والإقالة فإن جن ثم أفاق في المجلس لم يبطل، وإن امتد بطل، [كما لو امتد الجنون حتى مضت مدة الخيار]. 10779 - فإن قيل: من أصحابنا من قال: إن خيار القبول يورث إذا كان الوارث في المجلس. 10780 - قلنا: يلزمكم خيار القبول في النكاح، ثم هذا قول مخالف للإجماع، وهو فاسد؛ لأن البائع أوجب الملك لواحد، فلا يجوز أن يقع العقد لغيره. 10781 - ولأنه حق فسخ ثبت لا لفوات معني، فلم يورث، كالرجوع في الهبة. 10782 - فإن قيل: الرجوع في الهبة يثبت للأب. 10783 - قلنا: ممنوع؛ لأن الأب لم يجز له الرجوع مع وجود الفضيلة. ولأنه خيار لا يؤول إلى مال، كخيار الإقالة، والقبول في النكاح. 10784 - ولأنه خيار من طريق الشرط، فلا ينتقل إلى الورثة، كمن خير رجلا في طلاق امرأته. 10785 - ولا يلزم إذا باع عبدًا على أنه خباز؛ لأن صفة المبيع تثبت بالشرط،

والخيار يثبت لفواتها، فأما أن يكون ثبوته بالشرط فلا. 10786 - فإن قيل: المعنى فيه: أنه ولو وكل بالطلاق صح، والوكالة لا تورث. قلنا: لا نسلم، بل هو مالك الطلاق، ولهذا لو نهاه لم يؤثر نهيه. 10787 - ولأن كل معنى لا ينتقل به الأجل إلى الورثة لا ينتقل به خيار الشرط إليه، أصله: لحوق المرتد بدار الحرب. 10788 - ولأن بعد مضي مدة الخيار لا يملك العاقد الفسخ، فلا يملك من قام مقامه كوكيله، وعند مخالفنا يفسخ بالخيار بعد مضي الثلاث. 10789 - احتجوا: بقوله تعالى: {ولكم نصف ما ترك أزواجكم}. 10790 - قلنا: لا نسلم/ أن خيار الشرط موروث متروك. قالوا: كان للميت لكن مات، فإما أن يبقي له، أو ينتقل إلى وارثه. 10791 - قلنا: ملك البضع كان له لكن إن مات ليس بمتروك للورثة، وهو ملك للميت، ثم هذا إثبات خيار بقياس حتى يمكن أن يحتج بالآية فلم تكن الآية حجة بانفرادها. 10792 - ولأن الله تعالى جعل للزوج النصف بعد الوصية والدية والدين، فيتقدم عليه [الدين والوصية، (والدية)، فأما الخيار فلا يقدم الدين عليه]. 10793 - ولأن الله تعالى أثبت الشركة فيما يصح تبعيضه، فثبت تارة ربعه، وتارة نصفه، والخيار لا يتبعض، بمعنى أن كل واحد يثبت رده في قدر حقه. قلنا: المتبعض هو الدين، ينفرد بعضه بالثبوت غير باقية. 10794 - قالوا: خيار ثابت لفسخ بيع؛ فوجب أن يقوم الوارث مقام

مورثه، كالرد بالعيب. وقولهم:) خيار ثابت) احتراز من خيار القبول في الإقالة، و (لفسخ) بيع) احتراز من خيار القبول في البيع، و (بيع) احتراز من النكاح والكتابة. 10795 - وربما [قالوا: خيار فسخ ثبت لكل واحد من المتبايعين]، ويقولون: خيار ثابت لفسخ معاوضة لا يبطل بالموت، فوجب أن يجرى فيه الإرث، كخيار العيب. 10796 - قالوا: خيار ثابت للتوصل إلى اختيار العوض أو المعوض، فأشبه خيار العيب 10797 - الجواب: أن العبارة الأولى تبطل بخيار الإقالة، فإنه خيار ثابت لفسخ بيع ولا يورث. قالوا: ليس بثابت؛ لأن من أقال من العقد يملك إبطاله، كما رجع. 10798 - قلنا: ليس إذا ملك إبطاله لم يكن ثابتًا؛ لأن حق الرجوع في الهبة ثابت، فإن الموهوب له يملك إبطاله بتصرفه، وخيار الشرط ثابت، ومعلوم أنه إذا شرط للمتعاقدين شرطًا أبطله أحدهما على الآخر بالبيع والعتق والاستهلاك، ويبطل بمن شرط الخيار لغيره، فإنه خيار ثابت في عقد بيع، وإن مات من شرط له الخيار لم يورث. 10799 - قالوا: إن شرطه لنفسه وأجنبي، فالأجنبي وكليه في الخيار، وخياره ليس بثابت؛ لأن الموكل بمعزل عنه، وإن شرطه للأجنبي ولم يشترطه لنفسه، فيه قولان. قلنا: قد بينا أن جواز أن يبطل عليه لا يمنع وصفه بالثبوت. 10800 - ولأن خيار العيب آكد؛ لأنه يثبت في الصرف والنكاح عندهم وإن لم يثبت فيه خيار الشرط، فلم يعتبر أحدهما بالآخر.

10801 - ومن أصحابنا من قال: لا نسلم أن خيار العيب يورث مع المبيع، فيستحق قبضه كماله، فإذا لم يقدر على قبض المستحق ثبت له الخيار، ولهذا المعنى يثبت للوارث خيار العيب، وإن لم يثبت للميت إذا حدث بعد الموت قبل القبض. 10802 - ولأن المعنى في خيار العيب: أنه إذا سقط وجب المال، فلذلك ورث، وخيار الشرط إذا سقط لم يجب المال. وعبر أصحابنا عن هذا، فقالوا: فيه معنى المال، بدلالة أنه يجوز أخذ العوض لإسقاطه، ويسقط من طريق الحكم، فيجب المال وخيار الشرط بخلافه. 10803 - ولا يلزم على علة الفرع الرهن، والكفالة، والقصاص؛ لأن ذلك فيه معنى المال. ألا ترى: أن الرهن وثيقة بالمال، والكفالة توثق بالمال. 10804 - أو نقول: المعنى في خيار العيب: أنه خيار يثبت للمتعاقدين حكمًا، ولذلك جاز أن ينتقل عنهما حكمًا، كالملك والقبض، وخيار الشرط يثبت لهما شرطًا، فلا يثبت لغير من شرط له، كالأجل. 10805 - ولا يلزم على علة الأصل الشفعة؛ لأنا قلنا: خيار يثبت للعاقد، والشفعة ليست بخيار، وعلى هذا خيار الرؤية، وأنه ينتقل عن العاقد حكمًا إذا وكل بقبض المبيع قامت رؤية الوكيل مقام رؤية الموكل عند أبي حنيفة. 10806 - ولا يلزم على علة الفرع الرهن أنه يثبت بالشرط ويورث؛ لأن الذي نثبت للوارث إمساك الرهن، وذلك يثبت حكمًا لا شرطًا، والذي يثبت بالشرط هو الانعقاد، وذلك لا يورث. 10807 - والمعنى في خيار العيب: أنه يثبت ابتداء بعد الموت للوارث بحكم ذلك العقد، فجاز أن يثبت له ما كان ثابتًا في العقد، وخيار الشرط لا يجوز أن يثبت للوارث ابتداء بعد الموت بحكم ذلك العقد، فلم يثبت له ما كان في العقد. 10808 - فإن قيل: الخيار إذا حدث عيب يسنده إلى العقد، ويثبت للميت ويورث عنه.

قلنا: العقد وقع على عوض سليم، وإنما يثبت الخيار المقتضي، فثبت عند النقص، ولم يثبت قبله. يبين هذا: أن المبيع لو كان على صفة لا يوجد فيها تسليم لا يلحقه عيب، مثل السمك الطري لم يجز رده، ولو كان العيب الحادث يستند إلى العقد، لجاز له رده قبل حدوثه. قالوا: معنى يزيل التكليف فوجب أن ينقطع خياره، كالجنون، والإغماء. قلنا: الإغماء لا يزيل التكليف؛ لأنه لا يمنع وجوب الصلاة والصوم والزكاة. ثم لا يجوز اعتبار الموت والإغماء، [لأن الجنون والإغماء] لا يسقطان خيار الوكيل وإن سقط بموته، وكذلك الأجل والرجوع في الهبة لا يسقط بالجنون، ويسقط بالموت. ونقلبه فنقول: فلا ينتقل خيار إلى ورثته، كالجنون. 10809 - ولأن الجنون لا يزيل الملك فلم يسقط الحقوق، والموت يؤثر في إزالة الملك، فجاز أن يسقط الحقوق التي ليست بمال، ولا محل مال وفيها معنى المال. 10810 - قالوا: الخيار شرط لينظر كل واحد فيه الحظ، وهذا المعنى موجود في الوارث. 10811 - قلنا: الوكالة عقد لحظ الموكل، وورثته يحتاجون إلى هذا الحظ وولايته لهم. وكذلك المضاربة، وخيار الإقالة أثبت البيع لحظ المشتري، ووارثه يحتاج إلى هذا المعنى، ولا يثبت له. 10812 - قالوا: عقد البيع باق، وزمان خيار الشرط باق، ولم يوجد ممن له الخيار رضا بتركه، فوجب أن يكون الخيار باقيا. أصله: الوارث عندكم يثبت له الخيار بعد

المدة، ولا معنى لشرط بقاء المدة. 10813 - وقولكم: لم يوجد ممن له الخيار رضا بإسقاطه، [فقد يسقط خياره وإن لم يرض، كما لو أعتق الآخر وإن لم يرض بإسقاطه]، إلا أن موته يسقط حقوقه فهو كالإسقاط وأبلغ، وإنما زعم مخالفنا أنه انتقل إلى غيره، فسقوط الخيار حاصل لا محالة. 10814 - ونقلبه فنقول: فلا يثبت الخيار لمن لم يثبت له بالعقد، كما لو كان العقد باقيًا أنه لم يحدث ما يسقط التأجيل حكمًا، فلم يسقط الخيار حكمًا. 10815 - وفي مسألتنا: الموت يسقط التأجيل من طريق الحكم، وكذلك يسقط خيار الشرط. 10816 - قالوا: الخيار حق من حقوق البيع، فتعلق بعين المبيع، فوجب أن يورث. أصله: المتمسك بالمبيع حتى يستوفي الثمن، ووجوب التسليم إذا استوفاه، وخيار فقد الصفة المشروطة. قلنا: لا نسلم أنه من حقوق البيع، وإنما هو معنى عارض يجوز أن يوجد في البيع ويجوز أن لا يوجد، ولا نسلم أنه متعلق بعين المبيع، وإنما يثبت فيه فسخ العقد في المبيع، فهو كخيار الإقالة. 10817 - وأما الإمساك والتسليم فهو من موجبات البيع، ويجري مجري الملك، فثبت كوارث المتبايعين. 10818 - وأما الخيار بفقد الصفة، فهو كخيار العيب؛ لأن الشرط أوجب كون المبيع على صفة، فيجب الخيار لعدمها، كما أن العقد المطلق أوجب صحة المبيع،

فثبت الخيار لفقد الصفة. 10818 - قالوا: الخيار من حقوق الملك، فإذا انتقل الملك انتقل بحقوقه، كالدين الذي به رهن. قلنا: لا نسلم أن الخيار من حقوق الملك، بل هو من حقوق العقد، كالأجل. 10820 - ويبطل ما قالوه بمن أوصى بخدمة عبده أن الملك ينتقل إلى الورثة، ولا ينتقل إليهم حقوق الملك من المنافع. 10821 - قالوا: حق لازم لا يبطل بموت من عليه، فلا يبطل بموت مستحقه، كالرهن. 10822 - قلنا: يبطل بالكتابة، فإنها لازمة عندهم من جهة المولى، ولا تبطل بموت المستحق وهو المكاتب. 10823 - ويبطل بمن زوج أمته، فإن النكاح حق لازم يبطل بموت المستحق وهو الزوج، فلا يبطل بموت المستحق عليه، وهو المولى. 10824 - فإن قيل: الأمة مستحقة عليها ويبطل بموتها. 10825 - قلنا: الأمة لا تملك المعقود عليه، فكيف يستحق عليها؟، وكما أنها إذا بيعت وقع الاستحقاق على المولى، كذلك إذا زوجت. * * *

مسألة 572 حكم فسخ أحد المتعاقدين البيع

مسألة 572 حكم فسخ أحد المتعاقدين البيع 10826 - قال أبو حنيفة، ومحمد: لا يجوز لأحد المتعاقدين فسخ البيع بالخيار إلا بمشهد من الآخر. واتفق أصحابنا: أن الفسخ بخيار العيب لا يجوز بغير حضور البائع. 10827 - وقال الشافعي: يجوز الفسخ بخيار الشرط والعيب، وإن لم يحضر العاقد الآخر. لنا: أنه لفظ وضع لفسخ البيع، فلا ينفرد به أحدهما مع غيبة الآخر أو وغيبة من قام مقامه/كالإقالة. 10828 - وقد أورد بعضهم، فقال: إذا قال: أقلني، وابتدأ البائع بلفظ الإقالة على الفور وغاب الآخر، صحت الإقالة، وهذا ليس بصحيح؛ لأن الإقالة تحقيق على الإيجاب والقبول، والافتراق يؤثر فيها، كالبائع. على أنا نقتصر على قولة: أقلنا إذا افترقا ولم يقبل على الفور. 10829 - فإن قيل: بطلت الإقالة بالتأخير، فلم نسلم؛ لأن جواب الإيجاب

عندنا على المجلس. 10830 - ولا يلزم إذا كان الخيار للبائع فأعتق؛ لأنه ليس بفسخ، وإنما هو انفساخ؛ ولأن هذا اللفظ لم يوضع للفسخ. ولا يلزم إذا قبل البائع أو جامع؛ لأن ذلك ليس بلفظ، وإنما هو فعل. ولأنه فسخ بيع بخيار، فلا ينفرد أحدهما، كالخيار الملحق. 10831 - ولأن البائع أثبت للمشتري جواز التصرف بعد مضي مدة الخيار، ولا يملك إبطال ذلك التسليط بغير حضوره، كالمودع إذا عزله المودع عن نقل الوديعة، وكأحد الشريكين إذا فسخ الشركة مع غيبة الآخر. 10832 - ولا يلزم الموصي إذا رجع عن الوصية؛ لأنه علق إثبات التصرف بالموت، فلم يثبته في الحال، ولهذا لا يتعلق بقوله حكم إلا يوم الموت، وفي مسألتنا: سلطه في الحال على تفريق المدة، ولهذا يصح القبول في الحال. 10833 - ولا يلزم إذا قبل البائع أو عتق؛ لأنه لا يملك ذلك عندنا، إلا أنه إذا وجد تعلق به الحكم. 10834 - فإن قيل: إذا فسخ الإيداع صح العزل، إلا أن المودع لا يصمن؛ لأن العين تبقي في يده بحكم الأمانة، فهو كما لو عزله وهو حاضر، فقام ليردها لم يضمنها؛ لأنها تبقي على حكم الأمانة. قلنا: هذه عبارة لا دليل فيها؛ لأن المودع لا يضمن بنقلها من مكان إلى مكان، ولو انعزل ضمن بالتصرف فيها. ألا ترى: أنه لو عزله وهو حاضر العزل ثم ضمن بالنقل والتحريك، إلا أن يكون نقلا للرد خاصة. وأما الرد بالعيب فإنه فسخ يرجع به المبيع إلى البائع، كالإقالة. 10835 - ولا يلزم رد الوصية بعد الموت؛ لأنه فسخ إيجاب، وليس بفسخ عقد؛ ولأنا قلنا: يرجع به المبيع. 10836 - ولا يلزم خيار المعتقة؛ لأنا قلنا: مبيع؛ ولأنه لا رواية فيه، ونحن

نقول: إنه لا يقف على حضور الزوج؛ لأن ذلك العقد تم بالزوجة والمولى، فلما لم يتم باتفاقهما مع الزوج، جاز أن ترفعه بغير حضوره. 10837 - ولا يلزم الأب إذا باع مال الصبي من نفسه ثم فسخ؛ لأن (الأب هو الذي تولاه، بخلاف غيره في فسخ البيع)، فلا يملكه أحد العاقدين بغير حضور الآخر، وبيع الأب لم يحضره عاقدان. 10838 - ولأن أحدًا لا يملك نقل ما تم تملكه منه إلى غيره إلا بوصاية أو برضا من له الولاية، وهذا المعنى غير موجود في المشتري، [فليس له رفع العقد بالعيب وحده، كامرأة العنين]. 10839 - فإن قيل لنا: وقف على الحاكم؛ لأنه مختلف في ثبوت الفسخ فيه. قلنا: هذا عذر وفي أعيان، ونحن قسنا على غيبة الزوج. 10840 - احتجوا: بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من اشترى شاة محفلة، بخير النظرين ثلاثًا، إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها). 10841 - قلنا: الرد لا يكون إلا على مردود عليه، كما أن البيع لا يكون إلا لمبتاع، ومتى حضر من يرد عليه صح الرد عندنا. قالوا: روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: (جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحبان بن منقذ خيار ثلاثة أيام، فإن رضي أخذ، وإن سخط ترك). 10842 - قلنا: هذا يدل على ثبوت حق الفسخ، وأما الكلام في كيفيته وصفته، فلم يذكر في الخبر. 10843 - قالوا: خيار فسخ البيع في مدة خياره؛ فوجب أن يصح، كما لو

كان بحضور صاحبه. قلنا: إن كان حاضرًا أمكنه استدراك الحق من غيره؛ لأن المشتري إذا فسخ توصل البائع إلى المبيع، وإذا فسخ البائع لم يعتق المشتري، فيتصرف عقيب المدة، وإن كان غائبًا لم يوجد هذا المعنى. 10844 - ولأنهما إذا حضرا صح فسخ العقد، والإقالة تصح كخيار الشرط متى غاب أحدهما لم يصح الفسخ بالإقالة، فلم يصح كخيار الشرط. قالوا: معنى ينقطع به خياره، فصح من غير حضور صاحبه، كالإجارة. 10845 - قلنا: رضا المرأة بالعنة معنى ينقطع به خيارها، ويجوز خيارها مع غيبة الزوج، والفسخ بالعيب يقطع الخيار، فلا يصح مع غيبته. ولأن الإجازة تسقط حق المجيز وتوفر حق غيره، فلم يقف ذلك على رضا الغير، والفسخ يسقط به حق غيره، فوقف على حضوره، ونظير الفسخ من الإجازة أن يكون الخيار لهما، فيجيز أحدهما فلا يتم العقد في حق الآخر؛ لأنه لو تم لسقط حقه وحق غيره. ولأن بالإجازة يتم التسليط الذي أثبته للغير في ماله، وبالفسخ يبطل التسليط. وفرق بين الأمرين، بدلالة إقرار الوكيل على وكالته بغير علمه، وإن لم يصح عزله إلا بعلمه. قالوا: معنى يقطع استدامة العقد: فوجب أن لا يفتقر إلى حضور من لم يفتقر إلى رضاه، كالطلاق. 10846 - وربما قالوا: من لا يعتبر رضاه في رفع العقد لا يعتبر حضوره، كالزوجة في الطلاق واليمين فلا يبطل بمن حلف: لا يكلم فلانًا، فهذا عقد، والحنث قطع الاستدامة، فلا يقتضي فيه حضور فلان، ولا يعتبر رضاه.

وكذلك إذا قال: إذا حضرتي فلان فأنت طالق؛ فإن قطع استدامة هذا العقد لا يعتبر فيه حضور فلان، ولا يعتبر رضاه. وكذلك اللعان يعتبر فيه حضور الزوجة، ولا يعتبر رضاها، ويعتبر حضور الزوج في فرقة العنة، ولا يعتبر رضاه. وقولهم: إن الزوج يلاعن عند المنبر والمرأة عند باب المسجد إذا كانت حائضًا ليس بشيء؛ لأنها قد حضرت، وإنما اختلفت هيئة الحضور، وكذا لو غابت عن باب المسجد. ونقول بموجب العلة؛ لأنه لا يعتبر عندنا حضوره، وإنما يعتبر علمه. 10847 - ولأن الطلاق يسقط به حق نفسه من منافع البضع ويوفيها حقها من العوض إذا كان بعد الدخول، ونصفه إن كان قلبه ويعود المقصود إلى ملكها، فلما لم يسقط حقه من المعتبر علمها فقد سقط بالفسخ حق صاحبه من التسليط الذي أثبته له، فجاز أن يقف على علمه. 10848 - قالوا: ما كان فسخًا للبيع بحضور أحد المتبايعين، كان فسخًا في غيبته. أصله: لو طردت العلة. 10849 - وربما قالوا: فإذا كان البائع لو أتى بما يدل على الفسخ كان فسخًا، فإذا أتى بصريح الفسخ فهو أولى أن يكون فسخًا؛ ألا ترى: أن الطلاق إذا وقع بلفظ الكناية، فوقوعه بالصريح أولى. 10850 - قلنا: هذه المعاني لا يملكها البائع بغير حضور المشتري لو فسخ والمبيع في يده ثم هلك أو عاد المبيع، فلما أمكن فسخه، جاز أن يبطل، لغيبة البائع وغيره. 10851 - ولأن الفسخ بهذه المعاني يثبت حكمها، فلا يعتبر صريح الفسخ. كما أن الوكيل لا ينعزل بصريح العزل إلا أن يعلم. ولو باع الموكل المبيع انعزل، وكذلك المأذون إذا باعه مولاه كان حجرًا. ولو حجر عليه لم يثبت الحجر عندنا حتى يكون في سوقه. 10852 - قالوا: رضا العاقد غير معتبر، فلم يعتبر حضوره، كالمعتقة بغير حضورها والمخيرة إذا اختارت بغير حضوره.

قلنا: لا يمنع أن يعتبر الحضور ولا يسلم، فلا يعتبر الرضا به، بدلالة المسائل التي بيناها، [وتنوع] الرغبات. وأما العقد فيجوز أن يقال: يعتبر في الفرقة حضور الزوج وإن سلمناه. 10853 - ولأنه ملك بالعقد عليها معنى، وبالحرية يتزايد ما ملكه؛ لأنه يلزمها المقام في منزله، فلها أن تدفع عن نفسها ولا يقدر على دفعها إلا برفع العقد. 10854 - وفي مسألتنا: يبطل تسليطه لصاحبه على التصرف، فلا يصح إلا بعلمه. 10855 - وأما اختيار المخيرة فهو طلاق، والطلاق لا يقف على حضور الزوجين. 10856 - ولأن النكاح يصح أن ينعقد لأحدهما إذا وكل به، فجاز أن يرتفع به، ووزان النكاح بيع الأب مال ابنه من نفسه، فلما تم به انفسخ به. 10857 - فأما الرجعة فهي حق الزوج ينفرد به، بدلالة: قوله تعالى: {وبعولتهن أحق بردهن}، فلما كان الحق له تفرد به، ولم يقف على حضورها. فإن قيل: فثبت لها حق التصرف في نفسها بمضي المدة، [وبالرجعة يبطل ذلك. 10858 - قلنا: إذا أثبت لها جواز التصرف] بشرط يمكن استدراكه، لم يقف إبطال ذلك على حضورها، كما لو وكل وكيلًا في فرقتها ثم عزله عن الوكالة. * * *

مسألة 573 حكم شرط أحد المتبايعين الخيار لغيره

مسألة 573 حكم شرط أحد المتبايعين الخيار لغيره 10859 - قال أصحابنا/: إذا شرط أحد المتبايعين الخيار لغيره: صح الشرط، وثبت الخيار له، وكان المشروط له وكيله فيه. 10860 - وقال الشافعي في كتاب (الصرف): ويكون الخيار للأجنبي دون العاقد. قال المزني: وفيها قول آخر: أنه لا يصح الشرط. وقال ابن سريج: إن جعل فلانًا وكيلًا له في الإمضاء والرد، صح قولًا واحدًا، وإن أطلق الخيار لفلان، أو قال لفلان دوني، فعلي قولين، فإذا قالوا: لا يصح الشرط يفسد العقد. وإن قالوا: يصح، فهل يثبت الخيار للعاقد؟ فيه وجهان.

10861 - لنا: أنه شرط الخيار لمن يصح عقده، فصار كما لو شرط لنفسه. ولأنه خيار لو أثبته لنفسه كان جائزًا، فإذا أثبته لغيره، جاز أصله: إذا قال: على أن يكون فلان وكيلًا في الإمضاء والفسخ. 10862 - ولأن من جاز أن يتولى الفسخ جاز أن يشترط، كالعاقد. والدليل على أن الخيار يثبت للعاقد: أنه لما شرط في العقد صار من حقوقه، وحقوق العقد تتعلق بالمتعاقدين عندنا. 10863 - احتج المزني فقال: كيف يملك فلان ملكي، ويملكني ملك غيري بغير أمري؟. 10864 - قلنا: إذا شرط الخيار لأحد المتبايعين دون الآخر ملك نفسه ملك غيره وملك العاقد الآخر ملكه. 10865 - فإن قالوا: لما شرط الخيار فقد أذن له. 10866 - قلنا: وكذلك لما شرط الخيار للأجنبي فقد أذن له. 10867 - قالوا: خيار الشرط لينظر كل واحد من المتعاقدين الحظ والفسخ والإمضاء، فاستحال أن يكون لمن لا حظ له فيه، ولا يكون لمن له الحظ. قلنا: عندنا الخيار ثابت لمن الحظ له، والإذن قائم مقامه وإن لم يثبت له الخيار كالوكيل. * * *

مسالة 574 اشتراط لفظين ماضيين في صيغة البيع

مسالة 574 اشتراط لفظين ماضيين في صيغة البيع 10868 - قال أصحابنا: لا ينعقد البيع إلا بلفظين ماضيين. 10869 - وذكر في (المجرد) إذا قال: بعتك انعقد به البيع عند أبي حنيفة. وقال في (النكاح): لو كتب فقال: بعني عبدك، فقال: بعتك، كان بيعًا جائزًا. 10870 - وقال الشافعي: إذا قال: بعني بألف، فقال: بعتك، انعقد البيع. 10871 - لنا: حديث ابن عمر - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعًا، أو يخير أحدهما الآخر وتبايعا على ذلك، فقد وجب البيع) ذكره الدارقطني فإثبات البيع بعد خيار يبطل بالتفرق، وهذا لا يكون إلا على قولنا. 10872 - ولأن قوله يعتبر أمرًا له بالبيع، فلا يكون ينتظر العقد، كما لو قال: بع عبدي.

10873 - ولأنه لم يوجد إلا لفظ أحد الشطرين، فلم ينعقد البيع، كما لو قال: أتبيعني؟، فقال: بعتك. بيانه: أن قوله: بعني، وقوله: بعتك، لفظ البيع، فلا بد من لفظ الابتياع أو المشتري أو القبول. 10873 - ولأن كل واحد من المتبايعين بالخيار في رد الإيجاب من غير شرط، فلم ينعقد البيع، كما لو قال بعتك، فلم يقبل المشتري شيئًا. 10875 - ولأن كل حالة لا يجوز تصرف المشتري مع ثبوت يده على المبيع من غير شرط فلم يكن بينهما عقد كما قبل القبول. 10876 - ولأنه لفظ لا ينعقد به البيع من مالك جميعه، وهو الآن لا يجوز؛ فلا يكون شرطًا، كقوله: تبيعني. 10877 - ولأنها حالة لكل واحد من العاقدين الامتناع من أحكام العقد من غير شرط، فلم يكن العقد منعقدًا؛ أصله: إذا قال: بعتك قبل القبول. 10878 - احتجوا: بأن كل ما لو كان بلفظ النكاح كان نكاحا، فإذا كان بلفظ البيع كان بيعًا، كما لو تقدم بالإيجاب. 10879 - قالوا: كل عقد لو تقدم فيه الإيجاب كفاه القبول ... كالنكاح. 10880 - قلنا: القياس في النكاح: أن لا ينعقد إلا بألفاظ ما مضى، وموضع الاستحسان أن لا يجعل أصلًا ولا وصفًا. ولأن النكاح لا تحضره المساومة في العادة، وألفاظه كلها إيجاب، والبيع تحضره المساومة، والظاهر من ألفاظ المستقبل: العدة والمساومة. 10881 - ولأن قوله: زوجني، أمر بالعقد، فإن قال: زوجتك، انعقد النكاح بهذا اللفظ؛ لأنه ينعقد بالواحد عندنا، وهذا لا يوجد في البيع. قال أبو

الحسن: ولأن الأولياء يلحقهم الشين برد النكاح بعد الإيجاب. فإذا قال الزوج للولي: زوجني، فقال: زوجتك، [ولم يجعل هذا نكاحًا]، لرجع فألحق بهم الشين، وليس في البيع شين في رد بيعه بعد إيجابه، فافترقا. * * *

مسألة 575 البيع على شرط نقد الثمن خلال ثلاثة أيام

مسألة 575 البيع على شرط نقد الثمن خلال ثلاثة أيام 10882 - قال أصحابنا: إذا باعه على أنه إن لم ينقده الثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما: جاز الشرط، وكان بمنزلة شرط الخيار للمشتري. وإن قال البائع: على أني إن رددت الثمن في ثلاثة أيام فلا بيع بيننا. جاز البيع، وكان بمنزلة شرط الخيار للبائع. 10883 - وقال الشافعي: لا يجوز ذلك. لنا: ما روي عن ابن عمر - رضي الله عنه -: (أنه أجاز ذلك في الثلاث)، ولا يعرف له مخالف. ذكره محمد في الأصل.

10884 - ولأن القياس لا يدل عليه فإذا قال الصحابي، حمل على التوقيف. 10885 - ولأن الفسخ بترك النقد معنى يضاد العقد، فجاز أن ينعقد مع شرطه في الثلاث، كالفسخ بقوله: فسخت. ولأنه نوع بيع؛ فجاز أن يفسخ بتأخير القبض عن زمان كالصرف، والسلم، وبيع الطعام بالطعام إذا شرط فيه الفسخ بترك القبض في المجلس، ولا يمكن القول بموجبه في بيع الطعام بالطعام؛ لأن التعليل لبيع الأعيان التي لا ربا فيها. ولأن بيع الطعام بالطعام جعلناه أصلًا، ولا يشترط ارتفاع العقد بترك النقد في مدة الخيار، فجاز أن يصح، كما لو شرط ارتفاع العقد بترك قبض الطعام في المجلس. ولأن كل شرط لا يبطل بيع الطعام بالطعام لا يبطل بيع عين من الأعيان، كسائر الشروط. 10886 - ولأن هذا يجري مجرى شرط الخيار؛ لأنه عقد العقد وعلق فسخه بترك النقد، وهو فعل المشتري، فصار كما لو علق الفسخ بقوله: فسخت. 10887 - فإن قيل: هناك الفسخ يتعلق منه بحظر، ولهذا يجوز بمضي المدة، وها هنا جواز العقد تعلق بحظر، ولهذا يفسخ بمضي المدة. 10888 - قلنا: لا يصح؛ لأن الفسخ لا يقع بمضي المدة، وإنما يقع بترك النظر فيها، كما يتعلق بقوله: فسخت. 10889 - قالوا: العقد الذي يجوز تعليقه وهو الوكالة لا يقف فسخه على حظر، والعقد الذي لا يتعلق بحظر أولى أن لا يقف فسخه على حظر، فلا يبطل بشرط الخيار. ولأن عقد الوكالة لما سومح بجواز تعلقه بالحظر لم يسامح [بدخول الحظر في فسخه، والبيع لما علق حكم عقده حتى لا يجوز تعليقه بالحظر سومح] في فسخه. يبين صحة هذا الفرق: أن النكاح لما لم يتعلق ابتداؤه بحظر، جاز أن يتعلق رفعه بحظر وهو الطلاق.

مسألة 576 السبب في فساد العقد عند وجود التفاضل

مسألة 576 السبب في فساد العقد عند وجود التفاضل 10890 - قال أصحابنا: العلة في فساد العقد عند وجود التفاضل: زيادة كيل في جنس المكيلات، أو زيادة وزن في جنس الموزونات، هذه عبارة شيخنا أبي بكر الرازي. وقد اختار غيره من شيوخنا أن العلة: الكيل مع الجنس، أو الوزن مع الجنس، وهذا تعليل لكون النوع فيه ربا، والأول لفساد العقد. واختار أبو طاهر التقدير الشرعي مع الجنس، فعلل الأشياء الستة بعلة واحدة. 10891 - ومن أصحابنا [من قال]: عدم العلم بالمساواة من طريق الكيل في المكيلات مع الجنس، وعدم العلم بالمساواة من طريق الوزن مع الجنس. 10892 - وقال الشافعي في القديم: العلة: الجنس، والكيل، والأكل أو الجنس

والأكل والوزن. وقال في الجديد: العلة في الأشياء الأربعة: مطعوم جنس، وفي الذهب والفضة: جنس الأثمان وهو قيمة المتلفات. وأصحابه يقولون: أثمان جنس، ومنهم من قال: جنس ما يقدر به المتلف. 10893 - والكلام يترتب في هذه المسألة في فصول سبعة، فأولها: أن يدل على صحة علتنا وترجيحها، والثاني: فساد علتهم، والثالث: أن يدل على ثبوت حكمنا، وهو ثبوت الربا في المكيلات التي لا تؤكل، والرابع: أن يبطل حكمهم،

وهو أن نبين، أن لا ربا في المأكولات التي لا تكال ولا توزن، والخامس: أن يدل، على صحة علتنا في الموزونات، والسادس: إبطال علتهم، والسابع: أن يبين، إباحة باطنه بالجنس، والتمرة بالتمرتين. 10894 - أما، الدليل على صحة علتنا: فما روي، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (الحنطة بالحنطة مثلًا بمثل كيلًا بكيل، والذهب بالذهب مثلًا بمثل، وزنًا بوزن). 10895 - فنص على اعتبار الكيل في الأشياء الأربعة، والوزن في الذهب والفضة، أما أن يكون ذكر الكيل؛ فلأنه سبب في الحكم أو العلة والاهتمام بالتنبيه على العلة أشد، والظاهر: أن الكيل/ والوزن علة الحكم. يبين، ذلك أنه: روي: (أنه [عليه الصلاة والسلام] نهى عن بيع الطعام [بالطعام إلا مثلًا بمثل، وعن بيع الذهب بالذهب] إلا مثلًا بمثل، وزنًا بوزن)، فلو علق الإباحة بالمماثلة في المقدارين، دل أن ما زاد عن قدرها على الحظر، ألا

ترى، أنه عليه الصلاة والسلام [إذا نهى] عن الصلاة إلا بطهارة، دل على فقدها علة الحظر؟. 10896 - فإن قيل: فهذا يقتضي أن تكون العلة منصوصة، وقد أجمعوا على أنها مستخرجة. 10897 - قلنا: هذا تنبيه، وليس بتعليل؛ لأن لفظ التعليل: (لأنه كذا)، وهذا، الضرب يعلم بنظر واستدلال فليس بمنصوص. فإن قيل: وجوب التساوي بالكيل هو الحكم والمطلوب تعليله. 10898 - قلنا: الحكم فساد البيع أو جوازه، والتساوي في الكيل والتفاضل فيه علته؛ ألا ترى: أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا صلاة إلا بطهور)؟ بيان العلة وليس بيان الحكم وإن كان قد نص عليه، والحكم هو فساد الصلاة وصحتها. 10899 - فإن قيل: فقد ذكر في الخبر عينا بعين ولم يدل ذلك على كونه علة. 10900 - قلنا: منع منه الإجماع، ويدل على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام (والفضل ربا)، وهذا نص على أن علة الحكم: زيادة الكيل والوزن. 10901 - وروى أبو بكر بن عياش، عن الربيع بن صبيح، عن الحسن، عن

عبادة، وأنس بن مالك، - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما وزن مثل بمثل إذا كان نوعًا واحدًا، وما كيل فمثل ذلك، فإذا اختلف النوعان فلا بأس به). فلما حصل اعتبار المماثلة بما كيل ووزن دل على أن العلة النقدية. 10902 - قال الدارقطني: (لم يروه عن الربيع غير أبي بكر، وخالفه جماعة فرووه بغير هذا اللفظ، وهذا طعن لا يلتفت إليه؛ لأن الإسناد، صحيح، واختلاف الرواة في اللفظ على الربيع لا يقدح فيه، ونسي الدارقطني خبر خيار المجلس، واختلاف الرواة على نافع حتى لم يتفق منهم اثنان بواد، ولم يقدح هناك بكثرة الاختلاف. ويدل عليه: أن العلة، نقضت لتأثيرها في الأحكام، والحكم المطلوب فساد العقد وصحته، ولوجه، التفاضل في القدر، والتساوي [تأثير في العقد، لم يوجد مثله في الاختلاف في الطعم، والتساوي] فيه، ألا يرى، أنه يجوز لا بيع قفيز جيد بقفيزين عسين، لاختلافهما في الكيل وإن تساويا في الطعم، وإذا كان التأثير في فساد العقد وصحته لما ذكرناه، كان اعتبار، علة الحكم أولى. 10903 - قالوا: العلة عندنا كونه مطعومًا، وهذا معنى لا يتزايد. قلنا: وكذلك العلة عندنا كونه مكيلًا أو موزونًا، وهذا معنى لا يتزايد، لكن، لما كان ما ذكرناه علة أثر الكيل الذي صار به مكيلًا، ثم وجدنا

الطعم الذي به صار مطعومًا لا يؤثر، دل على أن كونه مطعومًا ليس بعلة. 10904 - فإن قيل: قد يؤثر اختلاف الطعم؛ لأن من ابتاع طعامًا فوجده عفنًا رده لنقصان طعمه. قلنا: هذا تأثير في إثبات الخيار، ونحن نطلب تأثيرًا في صحة العقد وفساده، وهذا هو الحكم المعلل. 10905 - ولأن الحكم المعلل يوجد بوجود علتنا وهو التساوي في الكيل، ويعدم بعدمها، مع وجود الطعم في الحالتين على وجه واحد، فدل على أنها هي العلة. 10906 - فإن قيل: الحكم يوجد بوجودها ولا يعدم بعدمها؛ لأن من باع صبرة بصبرة لا يعلم قدرهما، فالبيع فاسد، فلم تعدم العلة. 10907 - قلنا: غلط، علة الجواز: العلم بالتساوي من طريق الكيل، وقد زال ذلك؛ لأن معنى قولنا؛ وجود التساوي في الكيل والتفاضل فيه، وما ذكروه من الطعم الجمع على اعتباره، فكان تعليق الحكم فيما أجمع على تعلقه به، واعتباره فيه أولى. 10908 - ولأنا إذا اعتبرنا النقدية جعلنا المضموم إليه أكثر الجنس في الأشياء الستة معنى واحدًا، فهو أولى من التعليل بعلتين كل واحدة منهما لا تعم الأصل. 10909 - فإن قيل: اعتبار النقدية يبطل بالمذروعات والمعدودات. 10910 - قلنا: إنما يعتبر النقدية في المدعى الذي علقته الشرعية، وهو جواز البيع أو فساده. وأما الدليل على إبطال علتهم: فلأنها تبطل ببيع الحيوان بالحيوان متفاضلًا، يجوز مع كونه مطعومًا. 10911 - فإن قالوا: ليس بمطعوم؛ لأنه محرم قبل الذبح.

10912 - قلنا: يلزمكم السمك، والجراد، وهو مطعوم مباح يجوز التفاضل فيه. 10913 - فإن قيل: ليس بمطعوم. 10914 - قلنا: غلط؛ لأن أكله ممكن ومباح، لكن لا يعتاد، إلا أنه يصلح، فهو كاللحم بالحيوان، ولا يجوز التفاضل فيه وليس بمطعوم في الحال حتى يستصلح. 10915 - وتبطل علتهم بالعرايا؛ لأنه بيع مطعوم من غير مماثلة. 10916 - فإن قيل: لا يجوز عندنا إلا بعد أن يعلم تماثلهما في حال الادخار. 10917 - قلنا: المماثلة المأخوذة من علتنا في الشرعية هي المماثلة كيلًا، وذلك لم يوجد. 10918 - وتبطل علتهم بالطين الخراساني. 10919 - فإن قيل: أكله سنة. 10920 - قلنا: هو مأكول مشتهى وإن كان فيه ضرر، وهذا موجود في كثير من المطعومات. ولأن الطعم ليس بعلم المقدار فلا يكون علة، كاللون، والاسم. 10921 - ولأن الطعم لا يضم إلى الجنس، فيكون علة في الموزونات، وكذلك لا يضم إلى الجنس فيكون علة على المكيلات، كاللون والرائحة، ولا يلزم؛ لأنه مقدار، وذلك مضموم إلى الجنس في الموزونات عندنا. ولأن زيادة الطعم ليس لها تأثير في فساد البيع، فلا يكون علة له مع الجنس، كالاقتيات.

10922 - ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نص على الأشياء الستة، وبين فيها حكمًا، وهو جواز بيع بعضها ببعض بصفة، وامتناعها بصفة، فلم يقصد فساد بعضها ببعض في حال، [وعلة مخالفنا تؤدي إلى ثبوت الربا في أجناس محرم بيع بعضها ببعض في حال]، مثل: البطيخ، والرمان، وهذا إثبات الحكم في الفرع بخلاف ما يثبت في الأصل. 10923 - فإن قيل: يجوز بيع البطيخ والرمان بجنسه وزنًا. 10924 - قلنا: فالأصل المعلل حكمه اعتبار المماثلة من طريق الكيل، والعلة تؤدي إلى خلاف حكم الأصل من هذا الوجه. 10925 - وأما الدليل على حكمنا: وهو ثبوت الربا في المكيلات المطعومة وغير المطعومة: فما قدمناه من خبر الربيع بن صبيح، وما روي في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تبيعوا الدرهم بالدرهمين، والدينار بالدينارين، ولا الصاع بالصاعين، فإني أخاف عليكم الربا)، ومعلوم أنه لم ينه عن بيع الذي هو في المكيال، فدل على أنه نهى عن بيع مال بالصاع، وهذا علة في كل مكيل. 10926 - فإن قيل: ما يدخل تحت الصاع مضمر في الخبر، فكيف يعتبر عموم المضمر؟. 10927 - قلنا: اسم الصاع يتناول في الحقيقة المكيل، ويتناول في الحقيقة الكيل المقدر. الدليل عليه: ما روي: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فرض صدقة الفطر صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير).

10928 - ويقول القائل: هذا قفيز، وبعتك قفيزًا من هذا الطعام، وإذا تناولها الاسم حقيقة، ثم دل الدليل على أن أحدهما لم يرد، بقي الآخر. ويدل عليه حديث سعيد بن المسيب، قال: سمعت أبا سعيد الخدري وأبا هريرة رضي الله عنهما [يحدثان: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعمل سواد بن غزية أخا بني عدي بن النجار، على خيبر، فقدم عليه بتمر جنيب، يعني جيد، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (أكل تمر خيبر هكذا، (قال لا، وإنما اشتريت الصاع من هذا بالصاعين من الجمع، والصاعين بالثلاثة، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (لا تفعلوا، ولكن بيعوا تمركم بثمن، واشتروا به هذا، وكذلك الميزان)، وهذا عام في كل موزون. 10929 - فإن قيل: حقيقة الميزان اسم لما يوزن به، وذلك غير مراد والموزون لا يسمى ميزانًا حقيقة، فلا نعلم أن أهل اللغة تجوزت بتسميته بذلك، فلم يصح الاحتجاج به.

10930 - قلنا: (ثبت أن أهل اللغة تحذف المضاف وتقيم المضاف إليه مقامه. فقوله: (وكذلك الميزان)، يعني به ذي الميزان، والاسم إذا بطل حمله على حقيقته لم يكن بد من حمله على التوسع. والبطلان أيضًا لا يجوز في كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فلم يبق إلا أن يحمل على ما ذكرنا. ولأنه زيادة في كيل، كالحنطة بالحنطة. 10931 - فإن قيل: المعنى فيها أنها مطعومة. 10932 - قلنا: من الحكم. 10933 - فإن قيل: فلا يظن التفاضل فيها لينقض بالمتساويين في الكيل إذا تفاضلا في الوزن، وإن فاته فلا يجوز التفاضل فيها كيلًا؛ فقد عللت كما ذكرناه، وضممت إليها وصفًا آخر، وهذا لا يجوز. 10934 - فإن قيل: الرماد/ مكيل جنس ولا ربا فيه، والسنبل فيه ربا، وليس بمكيل. 10935 - قلنا: هذا غلط؛ لأن الرماد فيه ربا عندنا إذا اعتيد بيعه كيلًا. فأما السنبل فهو مكيل، لكن يقف على صفة، وهو أن يفارق الوعاء، ونرى الطعام في جوالق. 10936 - وأما الدليل على بطلان حكمهم في المطعوم الذي ليس بمكيل: فلأن ما يضمن بقيمته [في جميع الأحوال لا ربا فيه كالثياب. 10937 - ولا يلزم الحلي؛ لأنه يضمن بقيمته إذا كان لصناعته قيمة، وإذا لم تكن ضمن بالنقد؛ ولأنه جنس الذهب وذلك لا يضمن بقيمته] بكل حال.

أو نقول: جنس يجب على مستهلكه القيمة، فيجرى الربا في نقده. 10938 - ولأن البطيخ والرمان يباع في العادة عددًا، فلا يثبت فيه الربا، كالثياب. 10939 - ولأنهما عينان باقيتان عل أصل خلقتهما، لا يجوز بيع كل واحد منهما على الانفراد ... بالأحرى، كسائر الأعيان. 10940 - ولأن كل جنس جاز بيعه؛ جاز بيع بعضه ببعض، أصله: الطعام والثمن. 10941 - فإن قالوا: يجوز بيع ذلك وزنًا، فقد تكلمنا، وإن كان تركا للمعروف في المذهب. 10942 - ولأنا أجمعنا على ثبوت الربا في المطعومات الموزونة، فلا يخلو إما أن يكون [ذلك] فرعًا للأشياء الأربعة؛ لأن الحكم فيها وجود المماثلة كيلًا، فلم يبق إلا أن يكون فرعا للذهب والفضة والحكم [بوجود المماثلة وزنًا]. 10943 - وأما الدليل على صحة علتنا من الموزونات: فقوله عليه الصلاة والسلام: (وكذلك الميزان). 10944 - وحديث عبادة وأنس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما وزن مثل بمثل إذا كان نوعًا واحدًا). 10945 - ولأنها زيادة وزن في جنس فتعلق بها التحريم، كالأثمان. 10946 - ولأن زيادة الوزن تؤثر في الفساد، والمساواة فيه تؤثر في الصحة، فدل أنه العلة. ولأن للوزن تأثيرا في الحكم بإجماع؛ فتعليق الحكم به أولى. 10947 - وأما الدليل على إبطال علتهم: فلأنها غير متعدية، والعلة إذا لم يدل عليها إلا الطرد فإذا لم ينعقد: لم تصح.

10948 - فإن قيل: (لا يمتنع أن يعلل الأصل بعلة لا تتعداه كما عللتم الخمر. 10949 - قلنا: عندنا يجوز ذلك إذا دلت الدلالة على صحة العلة، واستفيد من الدليل المنع من التعدي إلى الفروع، ويستفاد معنى الحكم، وإلا منعنا أن تعلل علة لا دليل عليها إلا الطرد، وهي غير متعدية. ولو سلمنا أنها علة صحيحة كان تعليل الأصل بعلة متعدية أولى؛ لأنها تفيد حكم الفروع، والعلة العامة أولى، وما يتعدى أولى مما لا يتعدى. 10950 - ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر الأشياء الستة وجعلها أصولًا لغيرها، وإذا كانت الأشياء الأربعة معللة فيما يتعدى إلى الفروع؛ فالظاهر أن البقية تتعدى أيضًا ليكون حكم الجميع حكمًا واحدًا. ولأن علتهم تبطل بالفلوس؛ لأنها- إذا نفقت- أثمان فلا ربا فيها؛ لأنها لا يعرف بها القدر لكونه ذهبًا. 10951 - وأما الدليل على جواز بيع التمرة بالتمرتين والحبة بالحبتين: أن ذلك يباع في العادة عددًا، كالثياب. ولأنه ليس بمكيل ولا موزون، فصار كالجوز، والبيض. 10952 - ولا يلزم الماء؛ لأن عند أبي حنيفة يجوز بيعه متفاضلًا. 10953 - ولا يقال إنها تكال بآلة صغيرة كقشر الفستقة، وتعجيل لا يسع تمرة واحدة؛ لأن الكيل عبارة عما وضع لمعرفة المقادير في العادة، وهذا لا يوجد فيما قالوا.

ولأن الوعاء إذا علمت لتمرة واحدة؛ لم يعلم زيادتها ونقصانها، فلا يكون ذلك كيلًا؛ ألا ترى: أن العقد به لا يجوز عند مخالفنا، فدل أنه ليس بكيل. 10954 - ولأن ما جاز بيع كثيره بالكثير جاز بيع قليله بالقليل، كالذهب، والفضة. ولأن مستهلكه يلزمه قيمة؛ فلا يدخل الربا في نقده، كالثياب. 10955 - احتجوا: بما روي عن معمر بن عبد الله - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الطعام بالطعام مثلًا بمثل). 10956 - قالوا وهذا يدل على أن ثبوت الربا في كل مطعوم؛ لأن اسم الطعام يقع على كل مطعم لعينه شرعًا؛ قال الله تعالى: {ومن لم يطعمه فإنه منى} الآية (7)، وقال تعالى: {كل الطعام كان حلًا لبنى إسرائيل}، وقال تعالى: {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم}، وأراد به الذبائح. 10957 - وقالت عائشة رضي الله عنها: (عشنا زمانًا ما كان لنا طعام إلا الأسودان: التمر، والماء)، وهذا دليل على ثبوت الربا فيما لا يكال من المطعومات ولا يوزن.

10958 - والثاني: أنه نهى عن بيعه إلا مثلًا بمثل، ولم يفرق بين قليله وكثيره، وهذا يبطل قولكم في الحبة بالحبتين: إن ذكر الصفة في الحكم تعليل، كقوله تعالى: {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا}، وكقوله عليه الصلاة والسلام: (في سائمة الغنم زكاة)، وكقوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا}، وقوله: {جزاء المحسنين} {إن الله أعد للكافرين عذابًا مهينًا}. 10959 - والجواب: أن إطلاق الطعام يتناول بعض المطعومات دون بعض، بدلالة قولهم: سوق الطعام، لا يتناول ذلك سوق الصيادلة. 10960 - ولا يقال: إن أكل الإهليلج أنه أكل الطعام، أو يجوز العموم في كل المطعومات، لا نسلم. وقولهم: إن تسمية الطعام يعني في معرفة العرب، غلط؛ لأن الكوفة والبصرة مصرتا والقوم عرب تثبت الحجة بقولهم، وسموا هذه الأسواق بلغتهم، ثم راوي الخبر قال: وكان طعامنا يومئذ الشعير. 10961 - ولو سلمنا لهم الحقيقة لم يكن بد من حمل قول معمر على العرف، ومتى وجد معنى الاسم في المعرف كان حمل الكلام عليه أولى من حمله على معناه اللغوي، فسقط اعتبار العموم من الخبر. ولأن الخبر لو حمل على كل ما يطعم، اقتضى وجوب اعتبار المماثلة في الجنسين،

وهذا خلاف النص والإجماع، فعلم أن المراد به ما ذكرناه. 10962 - وأما قولهم: إنه لم يفصل بين القليل والكثير، وقد أجمعوا أن المماثلة التي ذكرها في الخبر كيلًا، فاقتضى ذلك ما يتأتى فيه الكيل دون ما لا يتأتى. 10963 - فأما قولهم: إن ذكر الطعام كالتعليل، فلا يصح؛ لأن تعليق الحكم بالاسم لا يجعله علة؛ الدليل عليه قوله عليه [الصلاة] والسلام: (لا بأس ببيع الحيوان بالحيوان اثنين بواحد يدًا بيد). 10964 - ولم يدل ذلك على اختصاص الحكم بالحيوان، وكذلك) نهيه عليه الصلاة والسلام عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان)، ونهيه عن بيع الطعام قبل القبض). 10965 - وأما قوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا}، و {الزانية والزاني فاجلدوا}، فهذه أسماء الفاعل فذكرها ذكر الفاعل، وكأن لا فرق بين من سرق فاقطعوه، وقوله: {والسارق}، {فاقطعوا}، وليس هذا من مسألتنا في شيء. على أن من أهل الأصول من يقول: (إن قوله: {والسارق والسارقة} يدل على

وجوب القطع فلا يدل اللفظ على أن السرقة علة، وإنما يعلم ذلك بدليل منفصل، وهو أن السرقة فعل منكر والقطع نكال، فيستدل بذلك على النكال لأجل ذلك الفعل، وهذه المعاني كلها معدومة في قوله: (الطعام بالطعام). 10966 - فإن قيل: خص الطعام بالذكر دون غيره، ولو كان الجص والنورة مثله، لم يكن للتخصيص معنى. 10967 - قلنا: كما خص النهي عن بيع الطعام قبل القبض، وإن كان الطعام بعده سواء. 10968 - احتجوا بقوله تعالى: {الذين يأكلون الربوا}، ولا يجوز أن ينهي عن أكل ما لا يتأتى فيه الأكل. 10969 - قلنا: نهى عن أكل الربا، واقتضى ذلك ثبوت الربا في المأكول، وغيره موقوف على الدليل. 10970 - ولأن الأكل يفيد التناول، بدلالة: قوله تعالى: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}، وقال تعالى: {ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم}، والمراد بذلك الأخذ والتناول. ولأنه نهى عن أكل الربا وعن أخذه بقوله تعالى: {وما آتيتم من ربًا ليربوا في أموال الناس}، فاقتضى مجموع الأمرين النهي عن القطع والأخذ والأكل. 10971 - احتجوا بحديث عبادة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا الورق بالورق، ولا الشعير بالشعير، ولا التمر بالتمر، ولا الملح بالملح إلا سواء بسواء).

10972 - قالوا: وهذا عام في التمرة الواحدة والحبة الواحدة، فاقتضى أنه لا يجوز بيعها بتمرتين وحيتين. قالوا: لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر الأشياء الستة لينبه بها على غيرها، والعلة التي يحفظ أصلها ويلحق غيره به أولى من العلة التي تخص أصلها. 10973 - ولأن العموم يخص بما يعارضه وينافيه ولا يخص بما يوافقه، والعلة/ المستنبطة من الأصل توافقه في حكمه ولا تخالفه؛ فبطل أن يقع بها تخصيص أصلها. 10974 - والجواب: أنا تتبعنا الأخبار فلم نجد هذا اللفظ في شيء منها، وإنما الخبر المروي: (الذهب بالذهب)، وروي: (أنه نهى عن الذهب [بالذهب] إلا مثلًا بمثل)، فأما: (لا تبيعوا إلا مثلًا بمثل) فما وجدناه في كتاب يرجع إليه. ولأن الخبر لم يتناول إلا ما فيه الكيل والوزن؛ بدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علق الجواز بشرط، وهو التساوي من طريق الكيل والوزن؛ فدل [على] أن فساده لعدم ذلك الشرط، كما قال: (لا تصل إلا طاهرًا)، لما علق جواز الصلاة بالطهارة كان فسادها متعلقًا بعدمها، وهذا إنما يكون فيما يتأتى فيه الكيل، فأما الحبة والحبتان؛ فعندهم لا يجوز بيع بعضها ببعض متساويًا ومتفاوتًا، وعندنا يجوز بيعها على الوجهين جميعًا، فعلم أن الخبر لم يتناول ذلك، وإنا لم نخصه. 10975 - فإن قيل: نهيه عليه [الصلاة و] السلام عن [بيع] البر بالبر عام في

القليل والكثير، ثم استثنى منه بيعًا بصفة، وهو ما وجدت فيه المساواة، فما لم يوجد فيه المساواة على أصل النهي. 10976 - قلنا: لما جعل العلة المجوزة للبيع التساوي في الكيل، فالفساد متعلق بالتفاضل فيه، وذلك لا يكون إلا فيما يمكن كيله، فأما [ما] لا يمكن فلا يجوز أن يتعلق جواز العقد به، ويتساوى الكيل فيه، وجوازه لعدمه. فإذا ثبت هذا، فعلتنا قد حفظت أصلها وعمت جميع ما تضمنه الخبر. ثم لو سلمنا ما قالوه لم تكن علتنا هي المخصصة للأصل، وإنما يخصه علة أخرى منتزعة من المعدودات، فلا يصح قولهم: خصصت أصلها، وبطل أيضًا قولهم: إن التخصيص يقع بما ينافي الشيء ويخالفه لا بما يوافقه؛ لأنا لم نخصص بالعلة المستخرجة، وإنما خصصنا الأصل من العلة الأخرى. 10977 - قالوا: روي في خبر عبادة - رضي الله عنه -: (حتى الملح)، والغاية إنما تكون بالأعلى والأدنى، والملح أدنى المأكولات، فصح أن يكون غاية، وهو وغيره في الأكل سواء، فلو كانت العلة الكيل: لم يجز أن يكون الملح غاية. 10978 - قلنا: الملح أدنى المكيلات المذكورة جعل غاية لذلك، كما أن عندهم لما كان أدنى المأكولات المذكورة جعله غاية. لذلك قالوا: يجوز ذكر الأشياء الأربعة، وهي تكال على وجه واحد لينبه بها على العلة، فلو كانت العلة الكيل اكتفى بأحدهما، وإنما ذكرها لاختلاف حالها في الأكل؛ لأن البر فوق حالة الاختيار، والشعير فوق حالة الاضطرار، والتمر إدام

والملح يصلح به المأكولات، فخالف بين حالها ليبين أن العلة هي الأكل. 10979 - قلنا: الملح ليس بمأكول، وإنما يتبع العلة، فلو كانت العلة لم يذكر الملح. ولأنه ذكر الأشياء الأربعة، ولو كانت تكال على وجه واحد لبين أنها مكيل أبدًا وإن اختلف العادة فيها وما سواه يقف على العادة. ثم النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر الذهب والفضة وكل واحد منهما مكان الآخر، فالعلة عندهم كونه ثمنًا ثم لم يقتصر على ذكر أحدهما، [كذلك] في المكيلات لا يمنع أن يكون مثله. 10980 - قالوا: ما دخل الربا في كثيره دخل في قليله، كالأثمان. 10981 - قلنا: الأصل غير مسلم؛ لأن قليل الذهب إذ بلغ حدًا لا يتأتى فيه الوزن سقط الربا فيه، [كما أن قليل البر إذا بلغ إلى حد لا يتأتى فيه الكيل سقط الربا فيه]، فأما إذا كان قليل الذهب موزونًا فهو كقليل البر المكيل، فيثبت فيه الربا. 10982 - قالوا: الوزن عندكم علة، ثم ثبت الربا عندكم فيما لا يوزن منه، وهو حلي السيوف والخواتم. 10983 - قلنا: مال كله موزون يتأتى فيه الوزن، وإنما منحه اتصالها بغيرها، فلهذا يعتبر الوزن فيها إذا بيعت بجنسها، وإنما الذهب الذي لا يوزن هو وزن الذهب الذي لا يصح وزن الواحد منه. 10984 - قالوا: علة الربا بحكم علة الحظر، فالبيع والكيل، علم على الإباحة، فلم يجز أن يكون علة للتحريم والحظر، فإن العلة الواحدة لا تجلب حكمين متضادين في شيء واحد.

10985 - قلنا: العلة في فساد العقد عندنا زيادة الكيل، وفي جواز التساوي في الكيل، فعلة كل واحد من الأمرين غير علة الآخر. 10986 - قالوا: فالكيل أحد الوصفين، [وقد صار وصفًا في علة الحظر، ووصفا في علة الإباحة. 10987 - قلنا: الوصف يتعين] بانضمام غيره إليه. ألا ترى: أن عندهم الجنس أحد وصفي علة الإباحة، ثم العلة الواحدة توجب تحريم شيء وإباحة غيره، كما أن الحيض يحرم الوطء والصلاة ويبيح الفطر، كذلك الكيل في مسألتنا يحرم الزيادة ويبيح التساوي، وهما أمران مختلفان. 10988 - وإن قلنا: إن العلة الكيل: لم يلزم ما قالوه؛ لأن ذلك علة لتحريم التفاضل في الجنس وإباحة التساوي فيه، وهما أمران مختلفان. 10989 - قالوا: الأعيان توزن في بلد ولا توزن في غيره، فيؤدي ذلك إلى أن يكون الشيء الواحد فيه الربا في بعض البلاد دون بعض. 10990 - قلنا: هذا لا يمتنع؛ لأن العلة إن كانت الكيل تعلق الحكم بها في الموضع الذي وجدت فيه، واختلفت المصلحة باختلاف حال أهل البلد في اعتبارهم الكيل والوزن. 10991 - وهذا كما أن الشمس تغيب في بعض البلاد فيباح الفطر، وهي باقية في غيره فيحرم الفطر، وتزول الشمس في بلد لم تزل فيه الشمس في بلد آخر، فاختلف أهل البلاد باختلاف مطالعهم، ولوجود سبب العبادة فيهم. 10992 - قالوا: الأكل علة ذاتية والكيل فعلية، والذاتية أشبه بالفعلية، والفعلية أشبه بالشرعية، ولو اجتمعت علة عقلية وشرعية كانت العقلية أولى، كذلك

ما أشبه العقلية. 10993 - قلنا: والأكل يختلف؛ ألا ترى: أن الهبيد تأكله العرب ولا يأكله غيرهم، ولم يمنع اختلاف العادة في الأكل أن يكون علة عندهم. 10994 - ولأن الأكل اعتياد الناس لفعل الشيء، وفعلهم [له، والكيل اعتياد الناس بيعه كيلًا، وفعلهم] لأحدهما كالآخر. 10995 - قالوا: علتنا يوجد الحكم بوجودها ويزول بزوالها، وعلتكم يوجد بوجودها ولا يزول بزوالها؛ لأن الحنطة إذا زرعت لا ربا فيها؛ لأنها ليست مأكولة، فإذا نبتت وسنبلت ففيها الربا عندنا وعندكم؛ لأنها مطعومة وليست مكلية، فإذا أحرقت وصارت رمادًا فلا ربا فيها وهي مكيلة. 10996 - قلنا: السنبل فيه الربا؛ لأنه مكيل، وإن تعذر كيله ما لم ينفصل من وعائه؛ فهو كالحنطة في الوعاء، فأما الرماد إذا بيع كيلًا ففيه الربا لوجود العلة، فإن لم يعتد كيله فلا ربا فيه؛ لأنه لا يعتاد بيعه كيلًا. 10997 - قالوا: الحنطة فيها ربا مطعومة، وكذلك إذا طحنت وإذا خبزت، فإن قلتم: لا ربا فيه؛ خالفتم الإجماع، وإن قلتم: الربا فيه وزنًا؛ جعلتم الجنس الواحد معللا بعلتين. 10998 - وتحرير هذا: أنه [جنس واحد؛ فوجب أن يجرى فيه الربا بعلتين، كالأثمان.

10999 - قلنا: الخبز بالصنعة قد صار في حكم] جنس آخر عندنا، وقد قال أصحابنا: إنه يجوز بيعه بالحنطة متفاضلًا، فلا نسلم أنها عين واحدة عللت بعلتين، بل كل واحدة غير العين الأخرى. 11000 - قلنا: علة تخالف علة أخرى. 11001 - قالوا: الكيل والوزن موضوع لمعرفة المقدار، كالعد والذرع؛ فلا يكون علة في وصف الربا. 11002 - قلنا: العد والذرع كل واحد منهما لم يجعل علما للتخلص من الربا، فلم تكن علته فيه، ولما كان الكيل والوزن مقدارًا جعل علمًا للتخلص منه، جاز أن يكون علة فيه. ولأن المذروعات لا ربا فيها، ولا معنى لطلب العلة فيها. 11003 - ولأن الذرع في المذروع صفة؛ بدلالة: أن من باع ثوبًا على أنه عشرة أذرع فوجده أحد عشر: لم يلزمه رد الزيادة، ولو وجد كون المذروع تسعة أذرع: ثبت له الخيار، كما ثبت لو وجده معيبًا. والربا لا يثبت بالتفاضل في الصفات، بدلالة: جواز بيع قفيز جيد بقفيز رديء. 11004 - وأما الكيل فليس يجري مجرى الصفات، بدلالة: أن من اشترى طعامًا على أنه عشرة أقفزة، فوجده أحد عشر: رد الزيادة، ولو وجده تسعة: رجع بقسط القفيز من الثمن. فعلم أن الكيل مقدار لإدراك السبب بصفته، والربا يثبت في المقدار.

11005 - قالوا: الكيل معنى يتخلص به من الربا، فوجب أن لا يكون علة في التحريم، أصله: القبض في المجلس. 11006 - قلنا: التساوي عندنا في الكيل يتخلص به من الربا، فأما الكيل فلا. ولأن القبض دليلنا؛ لأنه لما كان سببًا للتخلص من الربا كان فقده مؤديًا لوجود الربا كذلك التساوي في الكيل لما كان علمًا على الخلاص كان فقده مؤديًا لوجود الربا. ولأن القبض ليس سببًا للتخلص من الربا؛ لأن الربا هو التفاضل والنساء، والقبض لا يتخلص فيه في النساء بسبب يمنع فساد العقد ويوجب استقراره، فأما أن يتخلص به من الربا فلا. 11007 - قالوا: زيادة الكيل لا يجوز أن تكون علة؛ لأن التحريم يثبت في الصبرة بالصبرة مع فقد العلم بالزيادة. 11008 - قلنا: إذا قلنا إن زيادة الكيل علة في فساد العقد لم يخرج منه أن العقد لا/ يفسد بعلة أخرى، ففي الصبرة بالصبرة فسد العقد لمعنى آخر؛ لأن علة الإباحة العلم بالتساوي من طريق الكيل، وقد عدمت فثبت التحريم بفقد علة الإباحة. 11009 - ولأن زيادة الكيل إذا حرمت العقد والتساوي يبيحه، ففي الصبرة يجوز وجود التفاضل فوجب الحكم، ومتى أثرت العلة عند وجودها وأثرت إذا جوز وجودها لم يتحقق، دل ذلك على تأكدها. 11010 - احتجوا في علة الأثمان: بأنها علة ولا تنتقض، ولا تخالف نصار ولا إجماعًا. 11011 - قلنا: هذه الطريقة لا تدل على الصحة؛ لأن المختلفين في المذهب يعلل كل واحد منهما مذهبه بعلة على هذه الصفة، ثم أحدهما بالجملة، فعلم أن

هذا ليس بدليل. 11012 - قالوا: ما لا يدخل الربا في معموله، لا يدخل في غير معموله، كالطين، وعكسه: الذهب والفضة. 11013 - قلنا: لا نسلم أن الربا لا يدخل في معمول الحديد والصفر؛ لأن الناس إذا تبايعوا ذلك وزنًا دخل فيه الربا عندنا، فإن تبايعوها عددًا فالمعنى فيه: أنه خرج من حد الوزن، والفضة والذهب لا يخرج من الوزن وإن عمل، فإن كلًا منه ما لا يوزن ولا ربا فيه. 11014 - وقولهم: السكاكين المحلاة والخواتيم لا توزن، غلط؛ لأنها موزونة وإنما يتعذر الوزن، ولهذا تباع بمقدار ما نظر فيها من الوزن وزيد ثمنها بزيادته. 11015 - فإن قيل: فالحديد مثله. 11016 - قلنا: آنية الحديد الذي لا ربا فيه هي التي لا توزن مع إمكان وزنها، وذلك لا يعتبر بالوزن فيها. 11017 - قالوا: لو كان الوزن مع الجنس علة لكان الوزن بانفراده يحرم النساء كالطعم عندنا، والكيل عندكم، فلما جاز أن تسلم الدراهم في الزعفران، دل أن الوزن ليس بعلة، وظهر بهذا أن كل عينين جاز أن يسلم أحدهما في الآخر لم يجمعهما في الربا علة واحدة، كالدراهم، والثياب، وعكسه الذهب والفضة. 11018 - قلنا: المعنى المضموم إلى الجنس هو الكيل، وذلك يوجد في شيئين متفقين؛ لأن المكيل مثمن أبدًا، فلما اتفقت الأعيان التي جمعتها العلة في هذه الصفة حرم النساء فيها. فأما الوزن فيوجد في أشياء متفقة كلها مثمنة، كالزعفران، والحديد، والرصاص؛ فوجب تحريم النساء فيها لاتفاقها، كما يوجد في المكيلات، ويوجد في أشياء مختلفة بعضها ثمن وبعضها مثمن، فلما اختلف معناه صار ذلك كاختلاف العلة،

فجاز أن يسلم بعضها في بعض. 11019 - يبين ذلك أن المكيلات كلها تكال على صفة واحدة، والموزونات تختلف، فمنها: ما يوزن بالقبان ولا يقع فيها المسامحة اليسيرة، وهو الذهب والفضة، ومنها: ما يوزن بالقبان ويسامح فيه وهو الحديد والرصاص، فدل ذلك على افترق الحكمين. 11020 - فإن قيل: فيجب أن لا يجوز إسلام التبر والحلي في الزعفران؛ لأن كل واحد منهما مثمن. 11021 - قلنا: من أصحابنا من قال ذلك. قال قاضي الحرمين: وجدت الرواية عن أبي حنيفة: أن ذلك لا يجوز. ومنهم من قال: إنه من جنس الأثمان وحكمه حكمها، كما أنه يساويهما في تحريم التفاضل ووجود التقابض، وقد ذكر السمناني في الآحاد: أن ذلك يجوز. * * *

مسألة 577 اعتبار التقابض عن بيع الحنطة بالحنطة والشعير بالشعير

مسألة 577 اعتبار التقابض عن بيع الحنطة بالحنطة والشعير بالشعير 11022 - قال أصحابنا: إذا باع حنطة، بحنطة، أو شعيرا بشعير بأعيانها؛ لم يعتبر التقابض فيها في المجلس، وجاز بشرط الخيار في العقد. 11023 - وقال الشافعي التقابض شرط ولا يصح الخيار. 11024 - لنا: ما روي عن أبي بكر، عن أبي الزبير، عن جابر - رضي الله عنه -،قال: (نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان: صاع البائع وصاع المشتري). ظاهره أنه إذا جرى الصاعان جاز بيع المشتري وإن لم يقبض بداره 11025 - ولا يقال: إن هذا دليل الخطاب؛ لأن ما بعد الغاية بخلاف ما قبلها، وليس هذا دليل الخطاب وإنما هو حكم النطق. 11026 - وروي (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الطعام حتى يقبض). 11027 - ولأنهما عينان من جنس الأثمان؛ فلا يكون التقابض في المجلس شرطًا في عقدهما، كالحديد بالصفر، والحنطة بالجص. 11028 - فإن قيل: المعنى في الأصل: أنهما لا تجمعهما علة واحدة من الربا؛ لم

نسلم. 11029 - فإن قيل: المعنى فيه: أن أحدهما يجوز أن يكون رأس مال والآخر مسلم فيه لم نسلم. 11030 - فإن قيل: المعنى فيه: أنه ليس بمطعوم ولا ثمن فلم يصح؛ لأن القبض في المجلس يجوز أن يجب في غير المطعوم والأثمان كرأس مال السلم، وعلة الفرع تبطل بالجراد، فإن الجراد مطعوم ولا يعتبر فيه التقابض. 11031 - فإن قالوا: لا يعتاد أكله على هذه الصفة، فبطل بالملح واللحم بالملح. 11032 - فإن قيل وضع هذه العلة فاسد؛ لأن ما يجب قبضه إذا كان ثمنًا يجب وإن كان عينًا، كرأس المال، وما لا يجوز قبضه إذا كان عينًا لا يجب إذا كان ثمنًا، كعوض الثوب. 11033 - قلنا: للأثمان في القبض حكم لا يوجد لغيرها، بدلالة: أن العقد عليها انفرد باسم اقتضى التقابض وهو الصرف، والأعيان لا يوجد فيها هذا المعنى. 11034 - ولأن السلم دليلنا؛ لأن قبض رأس المال لما وجب إذا أسلم موزونًا في مكيل، كذلك إذا أسلم موزونًا في موزون، مثل الدراهم في الحديد في البيع لو باع مكيلًا بموزون لم يستحق القبض، كذلك إذا باع مكيلًا بموزون لم يستحق القبض أيضًا. 11035 - ولأنهما مأكولان فلا يجب قبضهما في المجلس، كالجراد بالجراد، والسمك بالسمك. ولأنه خارج من عقود الصرف، فلم يعتبر قبض بدله في الجنس، كبيع الثياب بالدراهم. 11036 - ولا يلزم إذا باع قفيزًا من صبرة بقفيز من صبرة أخرى؛ لأن القبض

في المجلس لا يعتبر عندنا، وإنما يعتبر المعتبر، وأن كل عين لو بيعت بالدراهم لم يكن من شرط صحة العقد التقابض في المجلس، فإذا بيعت بجنسها وجب أن لا يكون إلا بشرط التقابض كالحديد. 11037 - ولأن ما لا يجري في حق الوارث من الزكاة لا يعتبر في العقد عليه التقابض، كما ذكرنا، وعكسه: جنس الأثمان. ولأن العقد إذا تناول بدلين يجوز السلم في جنس واحد منهما؛ لأن التقابض ليس بشرط في المجلس، أصله ما ذكرناه. ولأن الحنطة إذا بيعت بالشعير فهما جنسان لا يقوم المستهلك فيهما، فلم يجب التقابض فيهما في المجلس، كسائر الأجناس. 11038 - والدليل على جواز شرط الخيار في العقد: قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا بعت، فقل: لا خلابة ولك الخيار). 11039 - ويذكر فيه ما قدمناه من العلل؛ ولأن الحنطة تارة تكون ثمنًا وتارة تكون معينة، فجاز [شرط الخيار فيها، كالفلوس. 11040 - ولأنه أحد نوعي الخيار؛ فجاز] أن يثبت في بيع الحنطة بالحنطة أصله: خيار العيب. 11041 - احتجوا: بحديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا الورق بالورق، ولا البر بالبر، ولا الشعير بالشعير، ولا التمر بالتمر، ولا الملح بالملح، إلا سواء بسواء، يدًا بيد، عينًا بعين). 11042 - فقوله: (يدًا بيد) يقتضي التقابض ثم أجرى المطعوم مجرى الأثمان،

وفي الأثمان لا يجوز التفرق قبل القبض. ثم قال: (ولكن بيعوا البر بالشعير كيف شئتم يدًا بيد). 11043 - الجواب: أن قوله (يدًا بيد) يفيد التعيين وأنه لا يباع نساء، ولا يفيد التقابض. الدليل على ذلك الشرع، والعرف، واللغة: 11044 - أما الشرع: فروي (أنه عليه [الصلاة و] السلام نهى عن بيع الحيوان بالحيوان إلا يدًا بيد)، وروي: (أنه - صلى الله عليه وسلم - سئل، فقيل: إنا نبيع الفرس بالأفراس، والنجيبة بالنجائب،، فقال: لا بأس به يدًا بيد)، ومعلوم أن الحيوان بالحيوان اعتبر فيه التعيين دون التقابض. 11045 - وأما العرف، فيقال: فلان يبيع يدًا بيد، معناه أنه لا يبيع نساء وإن لم يقبض في المجلس.

11046 - وأما اللغة: فحكى أبو علي الفارسي، عن سيبويه أنه قال: ذو يد بذي يد. 11047 - قال أبو علي: يريد به ما يقع عليه اليد كما يقع عليه اليد، وهذا يفيد التعيين دون التقابض. 11048 - فإن قيل: ذكر في الخبر: (عينًا بعين، يدًا بيد)، فلو حمل قوله: يدًا بيد) على التعيين كان تكرارًا. 11049 - قلنا: إذا كان معنى أحد اللفظين معنى آخر حمل على التأكيد، وهذا هو طريق الكلام في الخبر؛ لأنه قال: (هاء وهاء) ومعلوم أنهم إذا حملوا قوله (يدًا بيد) على التقابض كان قوله: (هاء وهاء) تكرارًا. 11050 - ولأنه قال في الخبر: (مثلًا بمثل، سواء بسواء) وأحد الأمرين تكرار الآخر، وإنما ذكره على طريق التأكيد، وكذلك هذا أيضًا. ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - (نهى عن بيع البر بالبر إلا مثلًا بمثل يدًا بيد)، ظاهر الخبر

يقتضي أنها صفات معتبرة حال العقد، والذي يعتبر من [العقد حال] الانعقاد وهو التعيين، فأما التقابض فيعتبر بعد العقد، فدل أن المراد بذلك التعيين. 11051 - فأما قولهم: إن قوله - صلى الله عليه وسلم - (يدًا بيد) من الذهب والفضة أريد به التقابض، فكذلك في المطعومات، فغير مسلم؛ لأن قوله - صلى الله عليه وسلم - (يدًا بيد) أريد به التعيين/ في الأشياء الستة، ولم يرد به التقابض لا شيء غير ذلك، وإنما اعتبرنا التقابض في الذهب والفضة، بدلالة غير هذا الخبر. 11052 - قالوا: روي عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء، والبر بالبر إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء). 11053 - قال الشافعي رحمه الله: فاحتمل قوله - صلى الله عليه وسلم -: (هاء وهاء) المناولة حين العقد يأخذ بواحدة ويعطي بالأخرى، ويحتمل القبض قبل التفرق، فلما فسر عمر - رضي الله عنه - الخبر على أنه القبض قبل التفرق، كان المصير إلى تفسير الراوي أولى. وروى الشافعي، عن مالك، عن الزهري، عن مالك بن أوس بن الحدثان النصري، أنه التمس صرفًا بمائة دينار، قال: فدعاني طلحة بن عبيد الله فتراوضنا حتى اصطرف مني وأخذ الذهب يقلبها في يده، ثم قال: حتى تأتي خازنتي أو

خازني من الغابة، قال: وعمر يسمع، فقال: والله لا تفارقه حتى تأخذ منه، ثم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء)، فسر الراوي بالقبض، والرجوع إلى تفسيره أولى؛ لأنه أعرف بما سمع، وأخبر بما رواه. 11054 - والجواب: أن قوله عليه [الصلاة و] السلام (هاء وهاء) يحتمل أن يكون المراد به: هذا وهذا، ويحتمل: هذا بهذا، فيفيد التعيين، فلما جعل عليه [الصلاة و] السلام شرطًا في العقد علم أن المراد به التعيين؛ لأن القبض لا يعتبر عند العقد. وأما التأويل فلا حجة فيه؛ لأن طلحة باع دراهم غير حاضرة، فأمر بقبضها للتعيين لا للقبض؛ لأنها لا تتعين إلا به. 11055 - قالوا: عينان فيهما الربا بمعنى واحد، فلم يجز التفرق قبل القبض، كالأثمان. 11056 - قالوا: ولأنها معاوضة لا تدخل في كل واحد من العوضين، فلم يجز التفرق قبل القبض، كالأثمان. 11057 - قلنا: ففي الربا اعتبر حتى يقع العقد صحيحًا، والقبض اعتبر حتى

لا يفسد بعد صحته، وما أثر في العقد بعد صحته أوسع؛ ألا ترى: أن العقد لا يجوز على الآبق، ويجوز أن يبقى مع الإباق، فلم يجز أن يعتبر ما يؤثر في باقي العقد بما اعتبر حال الكفارة. ولأن المعنى في الأثمان: أن العقد عليها اقتضى التقابض؛ لأن معنى الصرف: أن يصرف كل واحد منهما أكثر من الآخر ما هو من جهته، فلما اقتضى العقد التقابض وجب، وهذا لا يوجد في غيره من العقود، ولهذه العلة لما اقتضى لفظ السلم تعجيل قبض أحد العوضين وجب. ثم لم يجب إذا باع ثوبًا بطعام مؤجل؛ لأن لفظ العقد ما اقتضى القبض. 11058 - وقولهم: (معارضة) لا يدخل الأجل في كل واحد من عوضها، يبطل ببيع الجوهر بالجوهر. 11059 - قالوا: ما حرم فيه النساء، حرم فيه التفرق قبل القبض، كالذهب بالفضة. 11060 - قلنا: يبطل إذا صالح من دين في الذمة على عين، فإن النساء يحرم في هذه العين، وقبض العين في المجلس غير متعين، يبطل ببيع الجوهر بالجوهر. 11061 - فإن قيل: الجوهر لا يحرم فيه النساء، وإنما يفسد العقد فيه بجهالة المعقود عليه. 11062 - قلنا: فقد حرم النساء، وهذا بيان علة تحريمه يختص بالحكم ولا يضرنا، فإن علة ما عللوه غير مطردة. 11063 - فإن احترزوا فقالوا: إنما حرم فيه النساء لأجل الربا. 11064 - قلنا: قد يحرم النساء فيما لا يعتبر فيه القبض، كما بينا في الصلح من دين على عين.

11065 - قالوا: عينان يجوز السلم في كل واحد منهما، فإذا لم يجز إسلام إحداهما في الأخرى لم يجز التفرق قبل القبض. أصله إذا قال: بعتك قفيزًا من هذه الصبرة بقفيز من هذه الصبرة. 11066 - قلنا: قولكم: (عينان) لا نسلمه في الأصل؛ لأن العقد وقع على قفيز غير معين. ثم الأصل غير مسلم؛ لأن المعتبر عندنا التعيين في بيع القفيز بالقفيز، فإذا تعين: جاز، فأما القبض: فلا نعتبره. * * *

مسألة 578 حكم بيع الجنس بالجنس نسيئة

مسألة 578 حكم بيع الجنس بالجنس نسيئة 11067 - قال أصحابنا: الجنس بالجنس يحرم النساء. 11068 - وقال الشافعي: لا يحرم. 11069 - لنا ما روى ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تبيعوا الصاع بالصاعين، ولا الدرهم بالدرهمين، فقام رجل، فقال: إنا نبيع الفرس بالأفراس، والنجيبة بالنجائب، فقال عليه [الصلاة و] السلام: لا بأس بذلك يدًا بيد، ولا خير فيه نساء). 11070 - وروى الحسن عن سمرة رضي الله عنهما: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الحيوان

بالحيوان نسيئة)، ذكره أبو داود. 11071 - فإن قيل: هذا محمول على النساء في العوضين. 11072 - قلنا: الظاهر أن الصفة تدخل على ما دخلت عليه الباء، كما لو قال أبيعك هذا الثوب بالنسيئة. ولأن أحدهما مخفوض بالإضافة والآخر بالباء، وإذا خفضنا بعاملين لم يجز أن ترجع الصفة الواحدة إليهما، لا تقول: مررت بزيد وسعيت إلى عمرو الظريف، وتريد الظريف صفة لهما، وإنما يكون صفة لعمرو خاصة. ولأن أحد وصفي علة تحريم التفاضل، فكان له بانفراده تأثير في تحريم النساء، أصله: المعنى المضموم إلى الجنس في المكيلات. 11073 - وإذا عللت للوجوب، فقل: فوجب أن يحرم النساء من جنس ما يتعين، أو من غير جنس الأثمان. 11074 - فإن قيل: قولكم: أحد وصفي علة تحريم التفاضل، إذا عنيتم الأكل، فليس بوصف عندكم للعلة، وإن عنيتم الكيل لم نسلمه. 11075 - قلنا: أجمعنا على أن تعليل الأصل بعلة ذات وصفين: الجنس

أحدهما، واختلفنا في الوصف الآخر، مع اتفاقنا على أنه لا بد من وصف يضم إلى الجنس، فنحن نشير إلى ذلك الوصف المجمع عليه في الجملة وإن اختلف في تعيينه. وقد نص الشافعي على مثل هذا فقال في مسألتنا: (التقابض في الأعيان)؛ لأنهما عينان جمعهما علة واحدة في تحريم التفاضل، فلا يمكن تعيينها. 11076 - فإن قيل: الفرع يكون مثل الأصل أو أخص منه، فأما أن يكون أعم منه فلا، والمعنى المضموم إلى الجنس عندكم الوزن يحرم النساء في بعض المواضع، والجنس في كل موضع، فكيف يكون الفرع له عموم الأصل،. 11077 - قلنا: نحن قسنا عليها ضم الجنس إلى الجنس في المكيلات، فيستوي الفرع والأصل في العموم. ثم هذا يقال إذا علق في العلة حكم معين، فأما إذا عللنا للتأثير في الحكم بها فالذي وجب في الأصل التأثير واقتضى في الفرع مثله، فيصير بمقتضى العلة في الفرع والأصل واحد، وإذا ثبت التأثير وجب العموم بالإجماع. 11078 - فإن قيل: على علة الثانية أنه غير مؤثر في الأصل. 11079 - قلنا: ذكرناه في الحكم، والتأثير يطلب أوصاف العلة لا حكمها. 11080 - فإن قيل: لا نسلم أن المعنى المضموم إلى الجنس يحرم النساء؛ لأن علة تحريم النساء عندنا تحرم التفاضل في كل واحد من العوضين. 11081 - قلنا: هذا لا يمنع ما قلناه؛ لأن الوصف المضموم إلى الجنس أثر في

التحريم، فلا يكون ما ذكرتموه معنى وإنما معارضة. ولأنه بيع جنسه بجنسه، فيحرم فيه النساء، كالبيض والرمان، والسفرجل. ولأن كل حكم تعلق بجنس وصفة؛ فإن تأثير الجنس كتأثير الصفة أو آكد، أصله: الأضحية. 11082 - ولأنه عقد يؤدي إلى أن يكون لبعض العوض بعينه من أحد الجنسين التأثير في الحكم دون البعض الآخر، فلا يكون كمن باع تفاحة بتفاحتين نساء. 11083 - يبين ذلك: أنه يبيع كري حمص بكر حمص نساء فيرد عليه درهمًا فيكون كل العوض من الجنبة الأخرى. 11084 - احتجوا: بما روي عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يجهز جيشا فنفدت الإبل، [قال]: فأمرني أن آخذ في قلاص الصدقة وكنت آخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة.

11085 - الجواب: أنه يحتمل أن يكون أمره أن يستسلف من أرباب الأموال زكاة أموالهم، فأخذ بعيرًا يصلح للحمل والقتال ببعيرين من أسنان الصدقات، وإذا احتمل الخبر هذا سقط التعلق به. 11086 - ويحتمل أن لا يكون أخذ ذلك من أهل الصدقات وإنما من أهل الحرب، وعندنا الربا مع أهل الحرب جائز، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستعين بهم ويستعير منهم السلاح، بدلالة: ما روي (أنه عليه [الصلاة و] السلام كتب إلى يهود بني قينقاع نحن وأنتم من أهل الكتاب، فإما أن تعينونا على قتال أهل الشرك أو تعيرونا). 11087 - وذلك يجوز أن يكون أمر بالابتياع منهم على طريق المعونة، كما طلب منهم المعاونة، ويحتمل أن يكون/ هذا قبل تحريم الربا ثم نهى عليه [الصلاة و] السلام عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة. ولأنه قد يكون ... أمر بابتياع ذلك ليكون دينًا عليه [أو على بيت المال، ويجوز أن يثبت عندنا على بيت المال حقوق مجهولة، كما يثبت له يبين ذلك: أنه: جعل الأصل إلى خروج المصدق، وذلك فعل مجهول، فدل على أن الحق يثبت في بيت المال. 11088 - ولا يقال: إن خروج المصدق كان وقته معلومًا؛ لأنه يجوز أن يتقدم أو يتأخر، فلا يجوز أن يكون أجلًا وإن كان معلوم الوقت، كالقطاف. 11089 - قالوا: (روي عن علي - رضي الله عنه -: (أنه باع بعيرًا له يدعى عصيفيرًا بعشرين

بعيرًا إلى أجل). 11090 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: (أنه باع بعيرًا بأربعة أبعرة مضمونة أسلمها بالربذة). 11091 - قلنا: يجوز أن يكون علي - رضي الله عنه - باع في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل تحريم الربا. 11092 - وأما ابن عمر رضي الله عنهما فإنه ابتاع بعيرًا بأربعة أبعرة في الربذة، فهذا بيع العين الغائبة وليس بنسأ، وإنما ذكر (مضمونة)؛ لأن من مذهب ابن عمر: أن المبيع لا يكون في ضمان البائع إلا بشرط، فشرط الضمان لهذا. 11093 - على أنه روى عن ابن مسعود، وابن عباس، والحكم بن عمرو الغفاري - رضي الله عنهم - مثل قولنا.

11094 - قالوا: عينان ليس في نقد كل واحد منهما الربا، فدخل الأجل فيما في الذمة منهما لا يمنع العقد، كالهروي بالمروي. 11095 - أو عينان في نقد كل واحد منهما ربا، وإذا جاز السلم فيهما جاز إسلام أحدهما في الآخر، كالهروى بالمروى. 11096 - قلنا: الربا بتعلق بالوصفين ويحرم النساء بأحدهما، فلم يجز أن يكون انتقاء الربا دالًا على انتقاء النساء. 11097 - ولأن الهروي والمروي جنسان؛ بدلالة: أن اختلاف الصنائع فيهما بجنسهما، ولهذا قال أصحابنا: إذا باع ثوبًا على أنه مروى فوجده هرويًا بطل البيع. 11098 - ولأن السلم لا يجوز في ثياب القطن حتى يبين الهروي والمروي، ولو كان جنسًا واحدًا اقتصر على ذكر صفة. 11099 - فإن قيل: أصلها القطن. 11100 - قلنا: لكن صار بالصنعة ثيابًا على صفة؛ فلا يجوز أن يرجع أحدهما إلى الحالة الأولى، فصار كالخزف، والخشب، والتمر، وأصلها: الشجر وإن كانا جنسين.

11101 - ولأن الهروي في المروي لا يؤدي إسلام أحدهما في الآخر إلى أن يصير الشيء بدلًا عن نفسه وعما ضم إليه في العقد. وإذا جاز السلم في كل واحد منهما جاز أن يسلم أحدهما في الآخر، وإلا كان سلم الهروي بالمروي يؤدي إلى ذلك، فلم يصح السلم. 11102 - قالوا: الأجل إذا تعلق بالذمة فيما لا ربا فيه لم يمنع صحة العقد، كالكتان بالقطن. 11103 - قلنا: نقول بموجبه؛ لأن المانع عندنا ليس هذا التأجيل، وإنما المانع عندنا شرط العين في الذمة، ألا ترى: أنه لو باع ثوبًا بثوب حالًا وشرطه في الذمة بطل العقد، والمعنى في الأصل ما قدمنا. 11104 - قالوا: كل بيع في الهروي بالهروي جاز بالهروي، كالنقد. 11105 - قلنا: لا نسلم أن بيع أحدهما بالآخر نقدًا يجوز إذا شرط في الذمة. 11106 - قالوا: أحد نوعي الربا، فلا يعم جميع الأموال، كتحريم التفاضل. 11107 - قلنا: تحريم التفاضل أضيق؛ لأنه يتعلق بوصفين، وتحريم النساء أوسع؛ لأنه يتعلق بأحدهما، فلم يمنع أن يعم أحدهما الأموال ويختص الآخر ببعضها. ولأن الربا معنى يفسد العقد، والمعاني المفسدة للعقود تعم أجناسها إذا وجد سببها، فوجب أن يكون من الربا ما يعم الأموال حتى يلحق بسائر المعاني المفسدة. * * *

مسألة 579 ما يعتبر في المكيلات والموزونات المنصوص عليها

مسألة 579 ما يعتبر في المكيلات والموزونات المنصوص عليها 11108 - قال أصحابنا: المكيلات المنصوص عليها: مكيلة أبدًا لا يجوز بيع بعضها ببعض إلا كيلًا، والموزونات المنصوص عليها: موزونة أبدًا، وما لم ينص على تحريم التفاضل فيه كيلًا، ولا وزنًا: فالمرجع فيه إلى عادة الناس. 11109 - وقال الشافعي: المعتبر بعرف العادة بالحجاز على عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فما كان العادة فيه الكيل: لم يجز إلا كيلًا في سائر الدنيا، وما كان العادة فيه الوزن: لم يجز إلا وزنًا في سائر الدنيا. 11110 - فأما ما ليس [له] هناك عرف، أو حدث لشيء عرف بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فعلى وجهين، أحدهما: يرد إلى أقرب وزن الأشياء به شبهًا بالحجاز، والوجه الثاني: أنه يعتبر حاله بالعرف فيه في موضعه.

11111 - لنا: حديث أنس، وعروة - رضي الله عنهم -: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ما وزن مثل بمثل إذا كانا نوعًا واحدًا، وما كيل مثل بمثل إذا كانا نوعًا واحدًا)، ولم يفصل بين وزن الحجاز وغير الحجاز. 11112 - ولأن ما لم ينص على كونه موزونا: جاز بيع بعضه ببعض كيلًا، كالطعام، والملح. ولأن كل بقعة لا يعتبر عادة أهلها في غير زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -[لا تصير عادة أهلها في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -] كسائر البقاع. 11113 - احتجوا: بما روى طاووس، عن ابن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (المكيال مكيال المدينة، والميزان ميزان مكة. وقد روي: (الميزان ميزان المدينة، والمكيال مكيال مكة). 11114 - قلنا: الخبر متروك الظاهر؛ لأن ظاهره يقتضي أن المكيال والميزان يختصان بهما، وهذا غير مراد، فاحتمل المكيال مكيالهم في هذين: الصاع في الكفارات، والميزان ميزانهم في نصاب الزكاة واحتمل غيره، فسقط التعلق به. * * *

مسألة 580 حكم بيع الحنطة بالدقيق

مسألة 580 حكم بيع الحنطة بالدقيق 11115 - قال أصحابنا: لا يجوز بيع الحنطة بالدقيق. 11116 - ونص الشافعي: على أنه لا يجوز. 11117 - وحكى الكرابيسي قال: قال أبو عبد الله يجوز. 11118 - فمن أصحابه من قال هذا ليس قوله، وإنما حكاه عن مالك أو أحمد؛ لأن كل واحد منهما أبو عبد الله، ومن أصحابه من قال: إن هذا قول له آخر.

11119 - لنا: أن الحنطة والدقيق جنس واحد، بدلالة: امتناع التفاضل فيهما، وإذا ثبت أنهما جنس واحد، والدقيق معقود عليه في أحد الجنسين وفي الآخر في وعاء إذا طحن زاد، فصار كمن باع دقيقًا بدقيق في وعاء. ولا يلزم إذا باع حنطة بحنطة؛ لأن الدقيق غير معقود عليه، فاعتبرت المماثلة في الحنطة دون دقيقها. ولأن الشافعي يعتبر المساواة في حال الادخار، والدقيق لا يساوي الحنطة في حال الادخار، فصار كالصحيحة بالمكسرة، وهناك التساوي يكون قدرًا هو المعتبر، فالتساوي ها هنا اعتبر بالكيل وهما غير متساويين؛ لأن الحنطة إذا طحنت زاد على كيل الدقيق، فلذلك لم يجز. * * *

مسألة 581 بيع الدقيق بالدقيق

مسألة 581 بيع الدقيق بالدقيق 11120 - قال أصحابنا: يجوز بيع الدقيق بالدقيق إذا كان على صفة واحدة من النعومة. 11121 - وقال الشافعي في القديم، والجديد: لا يجوز. ونقل البويطي والمزني قولًا آخر عنه: أنه يجوز. 11122 - لنا ما روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الطعام بالطعام مثلًا بمثل)، واسم الطعام يتناول الدقيق باتفاق.

ولأنها عين [يجوز بيعها بغير جنسها، فجاز بيعها بجنسها، كالموزونات في الخضر. ولأن كل عين] جاز بيع بعضها ببعض قبل تفرق أجزائها جاز بعد تفرقها، أصله: الحيوان. ولأنها عين جاز بيعها بالدراهم، فجاز بالدقيق، أصله: الرمان، والبطيخ. 11123 - ولا يلزم الحنطة؛ لأنه يجوز بيعها بالدقيق إذا كان مع الدقيق غيره. 11124 - احتجوا بأنه قوت زال عن حكم كمال البقاء بصنعة آدمي؛ فلم يجز بيع بعضه ببعض؛ أصله: الناعم بالخشن. 11125 - قلنا: لا نسلم أنه زال عن حال بقاء أصله وهو لا يمنع، كاللحم باللحم. ولأن الناعم بالخشن يفقد المماثلة فيهما حالة العقد؛ لأن الخشن لو أعيد الطحن عليه لزاد، وهذا لا يوجد في الناعمين. 11126 - قالوا: بيع الدقيق بالدقيق يؤدي إلى التفاضل حال كونهما كذلك؛ لأن دقيق الحنطة الثقيلة أكثر من دقيق الحنطة الخفيفة، فكأنه باع حنطة بحنطة متفاضلة ويجزيه عدم التساوي كيلًا حال كونهما كذلك؛ فوجب أن يبطل العقد. 11127 - واعتبر الشافعي في الرطب بالتمر التساوي في الباقي، وأما التساوي فيما مضى؛ فلم يعتبره أحد.

ولأن هذا يبطل بخل العنب، قال الشافعي: يجوز مثلًا بمثل، ونحن نعلم أنا إذا رددناهما إلى العنب كان أحدهما أكثر من الآخر؛ لأن العصير من بعض العنب قد يكون أكثر من بعض، ثم لا يجري مجرى بيع العنب بالعنب متفاضلًا. 11128 - فإن قيل: السنة دلت على اعتبار التساوي حالة الادخار. 11129 - قلنا: لا نسلم هذا ونحن نبينه في موضعه، ثم الرطب بالتمر اعتبر فيه النقصان عن كمال موجود. 11130 - قالوا: فأنتم لم تعتبروا التساوي حال العقد في الحنطة بدقيقها. 11131 - قلنا: وما اعتبرنا إلا حالة العقد؛ لأن العقد لم يتناول الدقيق، وهذا موجود في، الجنبة الأخرى اعتبر فيهما في الحال، والتساوي لا يعلم فبطل العقد. * * *

مسألة 582 بيع خل التمر وخل الدقل ببعضهما متفاضلا

مسألة 582 بيع خل التمر وخل الدقل ببعضهما متفاضلًا 11132 - قال أصحابنا: خل التمر وخل الدقل جنسان بياع أحدهما [بالآخر] متفاضلًا. وحكوا عن الشافعي: أنهما جنس واحد، وأنكر أصحابه ذلك، وقالوا بمثل قولنا. 11133 - وإطلاقه في مسألة أخرى عندنا: يجوز بيع خل الدقل بجنسه وخل الزبيب بجنسه. 11134 - وقال الشافعي: يجوز بيع خل التمر بجنسه، ولا يجوز بيع خل الدقل والزبيب بجنسه بوجه من الوجوه، وخل التمر بخل الزبيب فيه وجهان/.

11135 - لنا قوله عليه [الصلاة و] السلام: (ما وزن مثل بمثل إذا كان نوعًا واحدًا). ولأنه جنس يجوز بيعه، فجاز بيعه بجنسه، أصله: سائر الأجناس. ولأنه نوع؛ فجاز بيعه بجنسه، كخل العنب. 11136 - احتجوا: بأنه تمر بتمر متفاضلًا، وماء بماء متفاضلًا. 11137 - فإن قالوا: في الماء الربا لم يجز لوجهين، وإن قالوا: لا ربا في الماء لم يجز لوجه واحد، وهذا غلط؛ لأن الخل المعمول من تمر واحد لا يتفاضل في التمييز، فلا يجوز عندهم. 11138 - ولأنه ينقل عن حال التمييز، فلا معنى لاعتبار التفاضل فيه، كما أن خل العنب بخل العنب لا يعتبر فيه التفاضل في العنب؛ لأنه انتقل عنه. * * *

مسألة 583 اللحوم أجناس مختلفة

مسألة 583 اللحوم أجناس مختلفة 11139 - قال أصحابنا: اللحوم أجناس، يجوز بيع لحم الغنم بلحم الجمل متفاضلًا، وكذلك الألبان. 11140 - ونص الشافعي في اللحم على قولين، أحدهما: أنها أجناس، والآخر: أنها جنس واحد. ونص في الألبان على قول واحد: أنها جنس واحد. 11141 - وأصحابه قالوا: لا فرق بينهما، فجعلوا الألبان كاللحمان على

قولين إلا أن أصولها أجناس مختلفة، فوجب أن تكون أجناسًا، كالأدقة. 11142 - ولأنها فروع خرجت من أجناس من حيوان، فوجب أن تكون أجناسًا كالأولاد. وإذ ثبت أنها أجناس جاز بيع بعضها ببعض متفاضلًا، لقوله عليه [الصلاة و] السلام: (وإذا اختلف النوعان فبيعوا كيف شئتم). ولأن التفاضل يجوز في أصولها، فجاز فيها كالأدقة. ولأنه نوع مطعوم؛ فجاز بيعه بشيء منه متفاضلًا، [أصله: سائر المطعومات]. 11143 - احتجوا: بأنه شمله اسم خاص حين حدوث الربا فيه، فكان صنفًا واحدًا، كالتمور. 11144 - قلنا: يبطل بالفاكهة والأدوية. 11145 - فإن قيل: اسم عام. 11146 - قلنا: وكذلك اللحم يشتمل على أجناس مختلفة، فهذا عام من هذا الوجه خاص بالإضافة إلى غيره، كقولنا: (حيوان) اسم خاص بالإضافة إلى غيره عام من اشتماله على أجناس مختلفة. 11147 - ولأن الاسم الخاص إذا دل على الجنس الواحد فلا فرق بين أن يسمى به حال حدوث الربا أو بعد حدوثه، فهذا الوصف لا معنى له، ثم التمور أصلها جنس واحد؛ فكان في حكم أصولها، واللحمان خرجت من أجناس مختلفة. 11148 - ولا يلزم المولود؛ لأنه لم يخرج إلا من جنس واحد وهو الأم.

مسألة 584 بيع الرطب بالتمر

مسألة 584 بيع الرطب بالتمر 11149 - قال أبو حنيفة: يجوز بيع الرطب بالتمر متساويًا كيلًا. 11150 - وقال أبو يوسف ومحمد: لا يجوز، وبه قال الشافعي. 11151 - لنا: قوله عليه [الصلاة و] السلام) ما وزن مثل بمثل إذا كان نوعًا واحدًا، وما كيل مثل بمثل إذا كان نوعًا واحدًا). 11152 - والتمر والرطب نوع واحد، بدلالة: امتناع بيعه متفاضلًا. 11153 - ولأنه جنسه إلا أنه اختص باسم لكونه على صفة، كما أن الصبي

من جنس الرجال وإن سمي باسم لمخالفته الرجال في حاله. ولأن المماثلة من طريق الكيل وجدت فيما هو من جنس التمر، كالجديد بالعتيق، والبرني بالمعقلي. 11154 - ولأنه إما أن يكون جنسًا واحدًا داخلا في عموم قوله [عليه الصلاة والسلام]: (والتمر بالتمر)، فإن كانا جنسين دخلا في عموم قوله [عليه الصلاة والسلام]: (وإذا اختلف النوعان فبيعوا كيف شئتم). 11155 - قلت: وإن كان نوعًا واحدًا فأنواع التمر، فيجوز بيع بعضها ببعض، وإن كانا نوعين، فهو أولى. 11156 - ولا يلزم الحنطة بالدقيق والمقلوة بغيرها؛ لأنا تعلقنا في الأول بعموم خبرين، فما قالوه خرج من العموم بدليل. 11157 - والطريقة الثانية: قلنا: أنواع التمر يجوز بيع بعضها ببعض، فلا يلزمنا أنواع الحنطة. ولا يلزم من طريق المعنى؛ لأن الحنطة والدقيق يتفاضلان حال العقد كيلًا؛ لأن الزيادة التي تظهر بطحن الحنطة كانت موجودة حال العقد وليس في مقابلتها مثلها. 11158 - وأما الرطب والرطوبة التي فيه مال مقصود، فالعقد يصح أداء

العوض عنه. ولأن ما جاز بيعه بالدراهم جاز بالرطب، كالعنب. 11159 - ولأنهما عينان باقيتان على أصل خلقتهما يجوز بيع كل واحد منهما، فجاز بيع إحداهما [بالأخرى. أصله: سائر الأعيان؛ لأن الاختلاف بين التمر والرطب يرتفع من غير كلفة وعلاج، فجاز بيع أحدهما] بالآخر: الجديد والعتيق. 11160 - فإن قيل: المعنى في الجديد، والعتيق: أن التفاوت بينهما يعرف. 11161 - قلنا: التفاضل الممنوع منه لأجل الزيادة يستوي قليله وكثيره. ولأن ما جاز بيعه بالرطب من الجذاذ؛ جاز بيعه به بعده، كالعنب. 11162 - احتجوا: بما روي عن مالك، عن عبد الله بن يزيد، أن زيدًا أبا عياش أخبره: أنه سأل سعد بن أبي وقاص عن البيضاء بالسلت، فقال له سعد: أيهما أفضل؟ فقال: البيضاء، فنهاه عن ذلك، وقال: (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن شراء الرطب بالتمر؟، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أينقص الرطب إذا يبس؟، قالوا: نعم، فنهى عن ذلك).

11163 - الجواب: أن هذا [الخبر] رواه أبو عياش، قال أبو حنيفة: لا أقبل خبره، وصاحب المقالة إذا لم يغلب في ظنه عدالة الراوي لم يلزمه قبول خبره. 11164 - وقد صوب هذا الطعن عبد الله بن المبارك، فقال كيف يقال: إن أبا

حنيفة لا يعرف الحديث؟ وهو يقول: زيد- أبو عياش- لا أقبل خبره، وعبد الله حجة في معرفة الرجال والبحث عن الرواة. 11165 - وقد طعن الطبري في (تهذيب الآثار) واعتراض على الخبر بهذا الاعتراض وغيره، وقال: إن زيدًا- أبا عياش- لا يعرف برواية الأخبار. 11166 - وقد اختلف في رواية هذا الحديث، فروى يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن يزيد، أن زيدًا-أبا عياش- أخبره عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الرطب بالتمر نسيئة). وقد روى بكير بن عبد الله، عن عمران بن أبي أنس، أن مولى لبني مخزوم حدثه (أنه سأل سعد بن أبي وقاص عن الرجل يسلف الرجل الرطب بالتمر إلى أجل؟، فقال سعد: نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذا)، ومولى بني مخزوم هو زيد أبو عياش، وإذا اختلف الخبر هذا الاختلاف مع ضعف راويه وقف الاحتجاج به، ولا معنى للتشاغل بتعديل زيد؛ لأن الطعن أولى من التعديل. 11167 - ولأن الحديث قد يقف العامل في قبوله مع عدالة راويه فلا يلزم؛ ألا ترى أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وقف في قبول خبر عمار - رضي الله عنه - في التيمم، للخبر مع

عدالة عمار، ولا يلزم حكم الخبر لشك فيه. على أن نهيه [عليه الصلاة والسلام] عن بيع الرطب بالتمر نسيئة دليل على أصلهم: أنه يجوز بيعه نقدًا، ودليل الخطاب عندهم نطق خاص. 11168 - ومنهم من قال: هو كالقياس ونهيه [عليه الصلاة والسلام] عن بيع الرطب بالتمر عام، والنطق خاص، والقياس أن كل واحد منهما أولى من نطق العام. فإن قيل: لما علل النهي عن بيع الرطب بالتمر؛ لأنه ينتقص إذا جف، صار هذا نطقًا خاصًا، فكأنه قال: لا يباع الرطب بالتمر؛ لأنه ينقص إذا جف، فتعارض نطقان خاصان على أحد الوجهين، فالمعلل أولى، وعلى الوجه الآخر النطق الخاص أولى من القياس. 11169 - قلنا: اللفظ العام إذا كان معللًا لم يصر خاصًا بل هو على عمومه، والعلة المنصوصة كالنطق العام يرد عليها التخصيص بالقياس، فأما على الوجه الآخر فقد تعارض نطقان خاصان، فيتوقف فيهما. 11170 - فإن قيل فالمعلل أولى. 11171 - قلنا: هذه العلة بالخبر المتفق على صحته، وبالإجماع. والخبر المتفق عليه [الصلاة و] السلام: (التمر بالتمر مثلًا بمثل)، وهذا يقتضي جواز بيع الجديد بالعتيق وإن كان ينقص إذا جف، وقد أجمعوا على جواز ذلك فبطلت العلة بالنص والإجماع؛ فلم يجز إلا فرع الحكم وبقي النطق يعترضه الدليل على أصلهم.

11172 - ولأنه لا يخلو أن يكون عليه [الصلاة و] السلام سئل عن بيع الرطب متساويًا أو متفاضلًا، ولا يجوز أن يكون السؤال عن بيع أحدهما بالآخر متساويًا؛ لأن نقصانه عنه بعد الجفاف يعلم ضرورة، فلا يجوز أن يستفهمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بقي أن يحتمل أنه سئل عن ذلك متفاضلًا، فقال: (إذا نقص فلا إذن)، لما فيه من إضاعة المال من غير عوض، وهذا كان قبل نزول تحريم الربا، وإنما سألوه عن ذلك لما فيه من إضاعة المال. 11173 - فإن قيل: قوله [عليه الصلاة والسلام]: (أينقص الرطب إذا جف؟ (تقرير لهم على ما علمه وعلموه ليبين أنه العلة. 11174 - قلنا: ظاهر الاستفهام: أنه سؤال عما لم يعلم، وحمله على التقرير ترك الظاهر، فلا يجوز بغير دليل. 11175 - فإن قيل: الظاهر أنهم يسألونه عن الأحكام الشرعية. 11176 - قلنا: تحريم إضاعة المال حكم علم بالشرعية، ولولاها لم يمنع دليل العقل عنه، فلم يقع السؤال عندنا إلا عن حكم يستفاد بالشريعة ويعلم بها. 11177 - احتجوا: بما روى عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثمر [بالثمر] كيلًا، وعن بيع العنب بالزبيب كيلًا، وعن بيع الحنطة بالزرع كيلًا). 11178 - قلنا: المراد بالتمر الرطب المثبت على النخل إذا بيع كيلًا، وعن

الحنطة بالزرع كيلًا. والدليل على ذلك شيئان، أحدهما: أن إطلاق الثمر يتناول ما كان على الشجر، ولهذا قال/ عليه [الصلاة و] السلام: (لا قطع في ثمر). والثاني: أنه نهى عنه كيلًا، والصفة ترجع إلى ما دخلت عليه الباء، فكأنه نهى عن بيع تمر غير مكيل بتمر مكيل، وهذا معنى نهيه عليه [الصلاة و] السلام عن بيع الزرع بالحنطة كيلًا؛ لأن الكيل يصح في الحنطة دون الزرع؛ يبين ذلك: أن النهي عن بيع الرطب بالتمر لا يشترط فيه الكيل عندهم؛ لأنه لا يجوز كيلًا وغير كيل، إنما يختص النهي عندهم كيلًا لما كان على النخل؛ لأنه يجوز خرصًا. 11179 - قالوا: روي سهل بن أبي حثمة: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الرطب بالتمر، وأرخص في العرايا أن تباع بخرصها رطبًا يأكلها أهلها تمرًا). 11180 - قلنا: إنما يتناول التمر الرطب على النخل، بدلالة: أنه استثنى من جنس المستثنى منه. 11181 - وقد نقل أبو داود هذا الخبر، فذكر فيه (أنه نهى عن بيع البيضاء بالسلت)، قياسًا على ما نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الرطب بالتمر، ولا مخالف له. 11182 - قلنا: لم ينتشر هذا القول فيكون إجماعًا. 11183 - وتقليده لا يلزمنا؛ لأن قوله عليه [الصلاة و] السلام: (التمر بالتمر) قد أفاد بيع الرطب بالتمر؛ لأنه تمر وإن انفرد باسم. 11184 - قالوا: جنس فيه الربا، بيع منه ما هو على هيئة الادخار بما ليس على

هيئة الادخار على صفة يتفاضلان حال الادخار، فوجب أن يكون باطلًا، أصله: بيع الحنطة بدقيقها وسويقها. 11185 - قلنا: يبطل ببيع التمر المسوس بالحديث، فإن الجديد على هيئة الادخار، والعتيق ليس على هيئة الادخار، فهما يتفاضلان في حال الادخار. 11186 - ويبطل بالجديد والعتيق والحنطة الحديثة، وهذا يجوز بالنص والإجماع، فدل ذلك على بطلان هذا المعنى. 11187 - ولأن المعنى في الحنطة بالدقيق: تفاضلهما في الدقيق حال العقد؛ لأن الدقيق المعقد عليه هو موجود في البدل الآخر على وجه يجوز اعتبار المماثلة معدومة. يبين ذلك: أن مماثلة الكيل تقع من غير فقد جزء ولا انضمام جزء، وأما الرطب فيزول التساوي بفقد أجزاء ذات مال معقود عليه، يقصد بالعقد، ويوجد عنه الإعراض، والتفاوت الذي يحصل بفوات جزء من المبيع لا يؤثر في العقد، كبيع التمر الحديث بالعتيق. * * *

مسألة 585 بيع الرطب بالرطب

مسألة 585 بيع الرطب بالرطب 11188 - قال أصحابنا: يجوز بيع الرطب بالرطب متساويًا. 11189 - وقال الشافعي: لا يجوز. لنا: أنهما جنس واحد على صفة واحدة، كالتمر بالتمر. ولأن الرطوبة التي فيهما مقصودة بالعقد، فجاز بيع أحدهما بالآخر، كاللبن باللبن. 11190 - فإن قيل: عامة منافع اللبن توجد حال رطوبته، فاعتبر التساوي في هذه الحالة التي هي حال كماله، وعامة منافع الرطب تحصل حال جفافه، فكانت تلك حال الكمال فاعتبر التساوي. 11191 - قلنا: هذا يبطل بالعرايا. 11192 - فإن قيل: لا يجوز العقد حتى يغلب في الظن أنهما يتساويان حال الجفاف. 11193 - قلنا: التساوي الذي تتعلق صحة العقد به هو الكيل والوزن دون الحزر والظن. ولأن عامة منافع اللبن طريًا توجد حال رطوبته، وكذلك عامة منافع الرطب، فأما بالادخار: فاللبن والتمر توجد منافعهما بعد الجفاف، فإنهما اتفقا في الاسم والصفة والمقدار، فالتفاوت في الثاني لا يؤثر، كالحنطة بالحنطة. 11194 - قلنا: قوله [عليه الصلاة والسلام]: (أينقص الرطب إذا جف،

فقد تكلمنا عليه. ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل المؤثر نقصان الرطب؛ لأنه لا حمال من كل واحد منهما. 11195 - قالوا: جنس فيه ربا، فلا يجوز بيع بعضه ببعض إلا مثلًا بمثل، وإن كان متفاضلًا أو مجهول التفاضل لا يجوز. 11196 - قلنا: يبطل بالعرايا، وبالتمر الحديث بالحديث، فإن كل واحد منهما ينقص، ومقدار النقصان غير معلوم. 11197 - قالوا: النقصان حال الادخار منصوص عليها. 11198 - قلنا: فيها وجهان، أحدهما أنها لا تنتقص وتخص، والثاني: أنها تبطل بالنقص، كالمستخرجة. 11199 - قالوا: هذه العلة لا تنتقص؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتنبر نقصان ما لم يبلغ حال الادخار، فصارت العلة ذات وصفين. 11200 - قلنا: العلة التي في الخبر نقصان الرطب، وأنه لم يبلغ في حال الادخار صفة الأصل المعلل، فلا يلحق بالعلة ويصير وصفا حتى لا يدخل النقص عليها. * * *

مسألة 586 الدراهم والدنانير عند تعينها بالعقد

مسألة 586 الدراهم والدنانير عند تعينها بالعقد 11201 - [قال أصحابنا]: الدراهم والدنانير إذا تعينت بالعقد: لم تتعين، ووقع العقد على مثلها في الذمة. 11202 - وكان أبو الحسن يقول: تتعين ويتعلق العقد بها وعلى مثلها في الذمة، لكن للمشتري أن يعطي غيرها؛ لأنها لم تملك، كالبدل المشروط فيه الخيار. 11203 - وقال الشافعي: تتعين ولا يملك غيرها. 11204 - وفائدة الخلاف: أن عندنا يجوز التصرف فيها، وللمشتري دفع غيرها، وإن هلكت لم ينفسخ العقد. 11205 - لنا: قوله تعالى {وشروه بثمن بخس دراهم معدودة}، وقال

الفراء: الثمن ما كان في الذمة فتسمية الله تعالى لها ثمنًا يقتضي أن تكون ثمنًا أبدًا، وقول الفراء يقتضي أن كل ثمن في الذمة، فاقتضى مجموع الأمرين أن الدراهم وإن عينت فالبيع يثبت في الذمة. 11206 - فإن قيل: من أين لكم أن الثمن كان معينًا،. 11207 - قلنا: بقوله تعالى {دراهم معدودة}، والعد لا يكون إلا من عين. 11208 - قالوا: قول الفراء يقبل في اللغة، فأما في الأحكام: فلا. 11209 - قلنا: لم يرجع إليه لأمر اسم؛ لأن الآية دلت أن الدراهم ثمن، وكلام الفراء دل على أن الثمن في الذمة، وهو حجة في بيان الأسماء. 11210 - ويدل عليه: ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أنه قال لرسول الله [صلى لله عليه وسلم]: أترى أبيع الإبل في البقيع بالدراهم فآخذ بها الدنانير، وربما أبيعها بالدنانير وآخذ بها الدراهم؟، فقال عليه [الصلاة و] السلام: لا بأس إذا افترقتما وليس بينكما شيء)، ولم يفصل بين أن يقع العقد بها معينة أو في الذمة. 11211 - ويدل عليه: إجماع الأمة عملا في الاستدلال؛ وذلك لأنهم يبيعون بالدراهم المعينة فيجدون فيها الزيوف فيبدلونها، ولا يعدون ذلك فسخًا. 11212 - فإن جوز مخالفنا ذلك لم يصح أصله؛ لأن ما تعين إذا رد بالعيب انفسخ فيه، وإن لم يجوزه خالف إجماع الأمة. ولأنه ثمن؛ فكان محله الذمة؛ أصله: المطلق.

11213 - ولأنها دراهم جعلت تبعًا في البيع؛ فكان محلها الذمة، أصله: إذا أطلقها. 11214 - ولا يلزم الدراهم الأجبية وما أشبهها؛ لأنها تثبت في الذمة، فله أن يعطي مثلها من غير تعيين ولا صفة، وما صح العقد عليه إذا أطلقه ولم يعينه ولم يصفه، ولم يتعين بالبيع وإن عينه، كالميزان، والمكيال. 11215 - فإن قيل: العقد على قفيز من صبرة يصح من غير تعيين، ولو عينه تعين. 11216 - قلنا: إذا أشار إلى صبرة فقد عين المبيع ضربًا من التعيين؛ ألا ترى: أنه لو [لم] يضف العقد إلى الصبرة لم يجز، ونحن قلنا: ما صح العقد إن لم يقيده ولم يصفه. 11217 - قالوا: النكاح عندكم يجوز على عبد مطلق، ولو عينه لتعين. 11218 - قلنا: نحن قيدنا الحكم بالبيع، فلا يلزم النكاح. ومن طريق المعنى لا يلزم؛ لأنا قلنا: ما صح العقد عليه إن لم يعينه، والنكاح لا يصح في العقد إلا بالتعيين، فإن أطلقه وقع العقد عليه أو على قيمته. 11219 - ولا يلزم الوصية واليمين؛ لأن كل واحد منهما ينعقد على المطلق من الدراهم والأعيان، فإن عينه تعين؛ لأنا قيدنا [المسألة]، فقلنا: بيع. ومن طريق المعنى لا يلزم؛ لأن الوصية موضوعها أن تتعلق بالأعيان، ألا ترى: أنها لا تثبت في الذمة، وإنما تتعلق بالتركة فإذا تعلقت عند إطلاقها بالأعيان فأولى بها إذا عينها. ولأن معنى قولنا: إن ما صح العقد مع إطلاقه لم يتعين بالبيع وإن عين؛ لأن الجهالة تؤثر في بدل البيع والإطلاق سواء صح الإطلاق أو لم يصح.

11220 - وهذا المعنى لا يوجد في الوصية والنكاح؛ لأن الجهالة لا تؤثر في بدل النكاح، ولا فيما يقع الوصية به، فإن عين تعين، وإن أطلق صح مع جهالته؛ لأن الجهالة غير مؤثرة فيهما. 11221 - وعلى هذا اليمين لا تؤثر الجهالة فيها، فلذلك تعين المحلوف عليه، إن قدر اليمين على مطلقه وإن شئت قلت: لو تعينت الأثمان بالبيع لم ينعقد عليها مطلقًا، كالعروض. 11222 - فإن قيل: إنما يصح العقد عليها مطلقًا للعرف في نقد البلد، ولذلك لو كانت النقود لم يصح إطلاقها، ولو كان في بلد عرف لنوع من العروض فعقد عليها؛ جاز إطلاق العقد عليها. 11223 - قلنا: الأصح الإطلاق لعدم [اختلافها، ولهذه العلة لا تتعين إذا عرض تعيينها، فأما العروض: إذا حصل فيها عرف يجوز معه العقد عليها] مطلقًا لم تتعين عندنا. ولأن الأثمان من نوع واحد، فلا فائدة في تعيينها؛ لأن الأغراض فيها لا تختلف، وكل تعيين لا فائدة فيه، فإنه لا يتعين بالعقد، كمن استأجر أرضًا ليزرع فيها حنطة جاز أن يزرع الشعير، ومن استأجر دابة ليحمل عليها هذه الحنطة جاز أن يحمل عليها مثلها، ومن ابتاع بهذا الميزان/ جاز أن يزن بغيره. 11224 - فإن قيل: في تعيينها فائدة وهو أن يكون حلالًا. 11225 - قلنا: إذا أخذ من جملة دراهم درهمًا ابتاع به؛ تعين عندكم، ولم يجز دفع غيره منها وإن ساواه في الحل وفي كل صفاته. 11226 - فإن قيل: إذا تعين فسد العقد بهلاكه.

11227 - قلنا: الفائدة تطلب لتصحيح العقود لا لإفسادها. 11228 - فإن قيل: الفائدة أن يكون البائع أحق بها عند فلس المشتري. 11229 - قلنا: هذه الفائدة لا تعود إلى العقود وإنما تطلب لأمر بعده، وفوائد العقود تطلب حال العقد. ولأن هذا التوثق حاصل للبيع ما دام المبيع في يده، فإذا فعله فقد أسقط حقه فلم يلزم حكم العقد أن يثبت له نوع آخر من التوثق. 11230 - قالوا: فما ذكرتموه يبطل بصبرة طعام قسمها وباع أحد جزئيها، أوزق زيت باع أحد قسميه، فإنه يتعين، ولا فائدة في تعيينه؛ لأن كل واحد من ذوي الجملة سواء، وكذا سنجات الدوانيق تتعين ولا غرض فيها. 11231 - قلنا: إنما يتعين ذلك لتصحيح العقد، فلو لم يتعين لبطل؛ لأنها لا نثبت في الذمة إلا بشرائط السلم، أو تكون جزءا من جملة المشار إليه، مثل أن يقول: قفيزًا من هذه الصبرة. 11232 - فإن قيل: الدراهم تتعين بالوصية. 11233 - قلنا: فيه فائدة؛ لأنه إذا أطلقها ضرب الموصي بها وإن زادت على

الثلث، فإن عينها لم يضرب فيما زاد على الثلث. 11234 - وإن شئت قلت: ما لا يكون في تعيينه فائدة تعود إلى تصحيح البيع لا يتعين بالإشارة، كالمكيال، والميزان. 11235 - فإن قيل: إذا عين المكيال فسد العقد. 11236 - قلنا: فقد سلمتم الحكم، وهو أنه لا يتعين حتى يجب عليه أن يزن أو يكيل منه. 11237 - فإن قيل: المعنى في الإجازة يقصد به تقدير المنفعة، فلذلك جاز مثلها أو دونها. 11238 - قلنا: إنما كان كذلك؛ لأنه لا فائدة في التعيين، وهذا موجود في الدراهم؛ ولأن سبب الاستحقاق ما هو من جنس الأثمان في الذمة مطلقا، فلم يتعين، كالاستهلاك. 11239 - احتجوا: بحديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -: (لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا الورق بالورق، ولا البر بالبر، ولا الشعير بالشعير، ولا التمر بالتمر، ولا الملح بالملح، إلا سواء بسواء، عينًا بعين، وهذا يدل على تعيينها، وأجرى الأثمان مجرى غيرها من الأعيان. 11240 - قلنا: إطلاق الذهب والفضة يتناول غير المضروب، وذلك يتعين عندنا. 11241 - ولأنه عليه [الصلاة و] السلام جعل التعيين شرطًا، وذلك غير مشروط في الأثمان إلا عند القبض، وعندنا أنها تتعين بالقبض. 11242 - وعلى قول أبي الحسن تتعين، لكن أعيانها غير مملوكة، وليس البر من المتعين، فإذا قلنا به وكان الخلاف في غيره سقط الاستدلال. 11243 - فأما قولهم: إنه أجرى الأثمان مجرى الأعيان؛ فكذلك يقول أبو الحسن: إنها تتساوى في التعيين. 11244 - فأما على الطريقة الأخرى: فالمراد بذكر العين عدم النساء، وذلك

تأكيدًا لقوله [عليه الصلاة والسلام]: (يدًا بيد هاء وهاء)، وقد سمي النقد عينا لأنه ضد الدين. 11245 - قالوا: كل ما تعين بالقبض جاز أن يتعين بالعقد، كغير الأثمان. 11246 - قلنا: إنما تعينت بالقبض لأنها لو لم تتعين بطل المعنى المقصود بالقبض. ألا ترى: أنه يقبض ليستقر ملكه ويجوز تصرفه، ولو لم يتعين جاز للبائع أن يتصرف فيه، فبطلت هذه الفائدة، ولا فائدة في التعيين بالعقد تعود إلى العقد على ما بينا فلم يتعين. 11247 - والمعنى في غير الأثمان: أنها لو لم تتعين لم يجز البيع عليها مطلقًا، ولما جاز على مطلق الثمن دل على أنه لا يتعين. 11248 - وقد ناقض أصحابنا هذه العلة بالمسلم فيه؛ لأنه يتعين بالقبض ولا يتعين بعقد السلم. 11249 - قالوا: يتعين إذا بيع. 11250 - قلنا: النقض أنه يتعين كالقبض عن عقد؛ لأنه لا يتعين بذلك العقد. 11251 - فإن قلتم: إنه يتعين لمصيره إلى القبض. 11252 - قلنا: الدراهم تتعين بعقد الوصية، وإن لم تتعين بالبيع. 11253 - قالوا: كل ما تعينت به الأثمان تضمن به الأثمان، كالقبض. 11254 - قلنا: قد تكلمنا على هذه العلة وأصلها، وتنتقض هذه العلة بالجناية؛ لأن قطع الطرف يعتبر به ولا يعتبر به الأرش، والسرقة معتبر بها قطع

الطرف ولا يتعين بها الضمان. 11255 - قالوا: الأثمان تتعين بالغضب، والقبض، والوكالات، فكذلك البيع، كغيرها. 11256 - قلنا: أما الغضب فلا يقع إلا في عين ولا يقع على ما في الذمم، فلو لم تتعين بالغصب خرجت من أن تكون مغصوبة وبطل ضمانها. 11257 - فإن قال الغاصب: لا فائدة في هذه الدراهم فخذ مثلها. 11258 - قلنا: بل فيه فائدة؛ لأن حق المغصوب لا يسقط عن عينها مع بقاء العين على حالها؛ لأنه لا يتعلق ابتداء بما في الذمة. وكذلك الوديعة في هذا الحكم مثل الغصب، فأما في الوكالة فيعتبر مثله؛ لأنه إذا وكله أن يبتاع بهذه الألف فهلكت قبل تسليمها إلى الوكيل جاز أن يشتري له بألف مثلها. 11259 - وإنما قالوا: إذا سلمها للوكيل فهلكت بطلت الوكالة؛ لأنها تعينت بالقبض كما يتعين البيع بالقبض. 11260 - قال أصحابنا: حكم الأثمان مفارق لغيرها؛ بدلالة: جواز المضاربة بها خاصة. وذلك المعنى يعود إلى التعيين؛ لأنها لا تتعين. فإذا اشترى المضارب ثبت الثمن مضمونًا في ذمته فجاز أن يستحق ربح ما ضمن، والعروض تتعين فلا يستحق ربحها؛ لأنه ربح ما لم يضمن، فلو تعينت الأثمان [لم يجز المضاربة بها] كالعروض. 11261 - قال ابن سريج: لو كانت الأثمان لا تثبت إلا في الذمة لوجب

إذا عينت بالعقد أن يبطل، كالسلم. 11262 - قلنا: الأصل غير مسلم؛ لأنه إذا أسلم في غيره ولم يؤجلها جاز العقد وكان بيعًا، وإن أجلها بطل العقد؛ لأن الأعيان لا يصح تأجيلها. 11263 - قالوا: كعرض مشار إليه في عقد، فوجب أن يتعين، كسائر الأعواض. 11264 - قلنا: سائر الأعراض في تعينها فائدة تعود إلى [عقد البيع فتعينت، والأثمان ليس في تعينها فائدة تعود إلى] العقد، فلم تتعين. * * *

مسألة 587 بيع الدينار بدينارين ودرهم، والدرهم بدرهمين ودينار

مسألة 587 بيع الدينار بدينارين ودرهم، والدرهم بدرهمين ودينار 11265 - قال أصحابنا: إذا باع دينارًا بدينارين ودرهم، ودرهمًا بدرهمين ودينار، جاز البيع، وخولف بين البدلين، فإذا باع عشرة دراهم ودينارًا بأحد عشر درهمًا: قسمت على الاعتبار، فكانت العشرة بمثلها، والدراهم بالدينار. 11266 - وقال الشافعي يقسم العوض على قيمة ما يقابله ويفسد العقد. 11267 - لنا قوله عليه [الصلاة و] السلام (الفضة مثلًا بمثل)، ظاهره يقتضي أن العشرة بمثلها، فيبقي الدينار بالدرهم.

11268 - وقال [- صلى الله عليه وسلم -]:) إذا اختلف النوعان فبيعوا كيف شئتم، يدًا بيد)، وكل ما جاز بيعه بجنسه جاز بيعه بجنسه وغير جنسه، كالحديد والرصاص. 11269 - ولأنها عين يجوز بيعها، فجاز بيعها بالفضة والذهب صفقة واحدة. 11270 - ولأن البدل إذا كان له حالتان إحداهما تؤدي إلى صحة العقد، والأخرى إلى فساده، كانت الحالة التي تؤدي إلى صحته أولى. أصله: إذا باعه بثمن مطلق أمكن حمله على ثمن البلد [فيصح] وأمكن حمله على غيره فيبطله، فكان حمله على نقد البلد المؤدي إلى صحته أولى. 11271 - ولأن عقود المسلمين محمولة على الصحة ما أمكن، ومعلوم أنهما لو صرحا بالبدل على ما نقول صح العقد، فالظاهر أنهما قصدا ذلك وعقد عليه. 11272 - ولأن تحريم التفاضل في الجنس الواحد لا يخفي على المسلمين. 11273 - ومعلوم أن غرض كل واحد من المتعاقدين حصول العوض الذي من جهة صاحبه، فإذا كان حصل له على وجه مباح كان مباحًا ولو يحصل له على وجه محرم: فلا يجوز أن يجاز؛ لأنه لا داعي إليه وله عنه صارف، فكان الظاهر أنه قصد تحصيله بالوجه المباح دون غيره. 11274 - فإن قيل: هذا يبطل بمن باع درهمًا بدرهمين؛ إذ يمكن أن يحمل على بيع درهم بدرهم وهبة درهم. 11275 - قلنا: يلزمهما عقد تبرع لم يقصداه. ثم لا يؤدي إلى الصحة؛ لأن الهبة مشروطة في البيع، ولو صرح بذلك لم يجز. 11276 - قالوا: إذا باع صاع تمر بصاعين يمكن أن يجعل النوى من كل واحد

[من البدلين] بإزاء ما في الآخر من التمر. 11277 - قلنا: بيع النوى من التمر لا يصح، فلو صرحنا بذلك لم يجز. 11278 - ولأن النوى غير مقصود بالعقد، بدلالة: أنه لو ابتاع تمرًا فوجده بغير نوى لم يكن له خيار، وما ليس بمعقود عليه لا يصح البدل عليه. 11279 - فإن قيل: إذا باع قفيز سمسم بقفيزين فهلا جوزتم العقد، وجعلتم دهن كل واحد من العوضين في مقابلة كسب الآخر؟. 11280 - قلنا: بيع كسب السمسم لا يجوز، فكيف يتقدر العقد بهذا حتى يصح. 11281 - قالوا: فقد قلتم فيمن باع سمسمًا بدهن جاز البيع، إن كان الدهن الذي في مقابلة السمسم أكثر من الدهن الذي في السمسم. 11282 - قلنا: لم نجعله تبعًا، لكن الدهن لما وقع عليه العقد وفي عوضه دهن، كان من شرط صحة العقد المماثلة فيه، وفي السمسم بالسمسم لم يتناوله العقد وبيعه لا يصح، فلم تجز القيمة عليه. 11283 - فإن قيل: هذا يبطل بمن باع عبدًا بألف نسيئة، ثم ابتاعه مع عبد آخر بألف ومائة نقدًا، فالبيع فاسد عندكم/ إذا كانت حصة العبد المبيع أقل من ألف، ويمكن حمل العقد على الصحة فيجعل في مقابلته ألف، والزيادة في مقابلة الآخر حتى يصح العقد. 11284 - قلنا: أما على الطريقة الأولى وهو قولنا: إن البدل إذا كان له حالتان فلا يلزم؛ لأن ها هنا للصحة أحوالًا، أحدها: أن يجعل في مقابلته ألفًا، والثاني:

زيادة على ألف درهم، وبدرهمين وبأكثر من ذلك كل واحدة من هذه الأحوال إذا حمل العقد عليها صح، فإذا حملناه على جميعها حملناه على ثمن مجهول، وإن حملناه على أحدها لم يكن بعضها أولى من بعض. 11285 - أما على الطريقة الثانية فهو أن المسلم إذا أمكنه تحصيل العوض حلالًا لم يجاوزه، أما حرامًا فلا يلزم. لأن هذا العاقد يجوز أن يكون قصد الحلال على مذهب من يجوز ابتياع ما باعه نساء بأقل من ثمنه، فلم يتعارض عنده الحلال والحرم، بل اعتقد الحل من كل واحد من الأمرين، وهذا لا يوجد في مسألتنا؛ ولأنه لا وجه للحكم بإجماع إلا ما قدرناه. 11286 - فإن قيل: هذا الانفصال يبطل بمسألة، وهي: أن من استأجر دارًا بعشرة وأجرها بخمسة عشر لزمه أن يتصدق بالفضل عندكم، ولو زاد فيها غلقًا، طاب له الفضل، وجعلتم الزيادة في مقابلة الغلق. ويجوز أن يكون العاقد قصد أن يستحل الزيادة [تقليدًا لمن يقول: إن إجارة ما استأجره بأكثر من أجرته جائزة. 11287 - قلنا: فنحن لا نجعل الزيادة في مقابلة] الغلق، بدلالة: أن الدار لو استحقت سقطت الأجرة كلها، ولو استحقت الأجرة كلها لم يستحق شيئًا من الأجرة، وإنما وجب أن يتصدق بالفضل؛ لأنه ربح ما لم يملك، فإذا زاد فيه شيئًا منفعة، وبعض المنافع مملوكة له، فلم يلزمه أن يتصدق. ويدل محلى ما قلناه: أن كل واحد من المتعاقدين ملك البدل جملة واحدة، وإنما

يقسم أحد العوضين على الآخر لإحراز حقوق العقد وتحصله عند الرد بالعيب وسقوط بعض البدل بالهلاك، وإذا كانت القسمة تراد لتحصيل حقوق العقد لم يجز أن يثبت قسمة تؤدي إلى فساد العقد مع إمكان إثبات قسمة صحيحة؛ لأن في هذه القسمة إبطال العقد، لحقوقه التي طلبت القسمة لتحصيلها. 11288 - احتجوا: بحديث فضالة بن عبيد - رضي الله عنه - قال (أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام خيبر بقلادة فيها ذهب وخرز ابتاعها رجل بتسعة دنابير، فقال عليه [الصلاة و] السلام: لا، حتى تميز بينهما). 11289 - قالوا: والحكم إذا نقل مع السبب فالسبب كالعلة للحكم. 11290 - الجواب: أن الخبر مشترك (في إفادة) الدليل؛ لأن ظاهره يقضي أنها إن ميزت جاز بيعها بالذهب، وعنده لا يجوز. 11291 - فإن قيل: قوله (حتى تميز) إنما أراد به تميز العقد على أحدهما من الآخر. 11292 - قلنا: غلط؛ لأنه ذكر في الخبر اختلاط الذهب بالخرز، ومتى ذكر الاختلاط، ثم ذكر التمييز، فالظاهر أن المراد به: تمييز المختلط، فأما أن يكون تمييز غيره فلا. 11293 - ولأنه لا خلاف أن العقد عليها يجوز قبل التمييز إذا باعها بغير جنسها، وعندنا إذا علم ما فيها من الذهب فأعطى أكثر منه، فصار تقدير الخبر عندهم: لا تباع بجنس

ما فيها حتى تميز، وعندنا: لا تباع إذا جهل المقدار حتى تميز، فكل منا لم يجعل الغاية غاية الحكم في جميع الأحوال، وإنما جعلها غاية إذا وقع العقد على صفة مخصوصة، فليس ما يقولونه أولى مما نقول، وإنما ذكر عليه (الصلاة و) السلام التمييز؛ لأن العادة أن وزن الذهب يعلم به، وصحة العقد موقوفة على العلم بالوزن حتى يعطي أكثر منه. 11294 - فإن قيل: العقود محمولة على العادة. ومعلوم: أن الإنسان لا يبيع قلادة فيها ذهب وخرز بأقل من الذهب الذي فيها،، لا سيما والمشترى يقول: أنا قصدت الخرز وكيف يقصد عين الذهب ويبتاع بأقل من الذهب؟. 11295 - قلنا: إنما يكون ذلك إذا علم الوزن، فأما إذا أخذهما من الغنيمة وهو يهل وزن ما فيها فيجوز أن يبيعها على ظن أنه باع بأكثر مما فيها. يبين ذلك: أن أبا داود ذكر هذا الخبر، ثم روى عن فضالة بن عبيد قال: (اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر دينارًا فيها ذهب وخرز، ففصلتها فوجدت فيها أكثر من اثني عشر [دينارًا]، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: لا [تباع] حتى تفصل)، فدل أن ذهب القلادة كان أكثر، وهذا يبين: أن الوزن لم يعلم، وعندنا أن الوزن إذا لم يعلم إلا بالتفصيل لم يجز البيع. 11296 - وقولهم: إن هذا خبر آخر غلط؛ لأن راوي كل واحد من الخبرين

الصنعاني عن فضالة في بيع قلادة في يوم خيبر، والظاهر أنها قصة واحدة. 11297 - وقد قال أصحابنا: إن قوله: (حتى تفصل) تصحيف، وإنما الخبر: حتى تفصيل، فيكون نص مذهبنا هو التمييز للتفصيل. 11298 - فإن قيل: قد جعل عليه [الصلاة و] السلام الغاية التمييز، وعندكم يجوز التمييز قبلها. 11299 - قلنا: إذا لم يعلم الوزن إلا بالتفصيل؛ لم يجز البيع قبله، كما أن عندكم الغاية لجواز العقد إذا وقع حكمه على جنس الذهب. وإن أفراد كل واحد بعقد، أو باع بعين الذهب جاز البيع قبل التمييز. 11300 - قالوا: جنس فيه الربا بيع مع غيره بشيء من جنسه، فوجب أن يبطل العقد. أصله: إذا كان الثمن مثل الدين مع الثوب أو أقل. 11301 - قلنا: يبطل إذا باع فضة وثوبًا بفضة يعلم عند العقد أنها إذا قسمت عليها أصاب الفضة مثل وزنها، والمعنى فيه، وهو الأصل: الأصل أن الفضة بجنسها يستحق منها المماثلة، فإذا كان عوضها مثلها بقي الثوب لا عوض له فيكون ربا، وليس كذلك إذا كانت الفضة المنفردة أكثر من الفضة التي مع الثوب؛ لأن المماثلة فيها مستحقة، فتكون بمثلها ويبقى الثوب، وفي مقابلته عوض لو نص عليه بدلًا عنه جاز؛ فحمل إطلاق العقد عليه تحريًا لصحته. 11302 - قالوا: الثمن إذا قابل شيئين مختلفي القيمة يقسط الثمن على القيمة لا على العدد، أصله: إذا باع سيفًا مذهبًا. 11303 - قلنا: القسمة على القيمة إنما تكون فيما لا ربا فيه، فأما ما فيه الربا فالقيمة لا تتعين بها؛ لأن الشرع [أوجب] زيادتها متى كان العوض من

جنسها؛ ولأن ما قلواه: إنما يقسم على القيمة يؤدي إلى الفساد. ولما أدت القسمة في مسألتنا إلى الفساد لم يمكن اعتبارها لما بينا أن القسمة تطلب لإحراز حقوق العقد، فلا يجوز إثباتها على وجه يسقط الحقوق ويبطلها. 11304 - ولا يلزم إذا ابتاع عبدًا بألف نساء، ثم باعه من بائعه مع عبد آخر بألف ومائة؛ لأن القيمة تجعل ديون العقد من العبد الذي لم يبعه، وإن بطلت الحقوق من الآخر. * * *

مسألة 588 إذا باع درهمين صحيحين بدرهم صحيح ودرهم غلة

مسألة 588 إذا باع درهمين صحيحين بدرهم صحيح ودرهم غلة 11304 - قال أصحابنا: إذا باع درهمين صحيحين بدرهم صحيح ودرهم غلة، جاز، وكذلك صاعا تمر من نوعين بصاعين من نوع واحد. 11305 - وقال الشافعي: لا يجوز. 11306 - لنا قوله [عليه الصلاة و] السلام: (الفضة بالفضة مثلًا بمثل وزنًا بوزن). 11307 - ولأنها عين لو اشتراها بالصحاح جاز، فإذا اشتراها بالصحاح والغلة جاز، كالثوب. 11308 - ولأن المماثلة من جهة الوزن وجدت في الموزون، فصار كبيع الصحاح والغلة ولأن كل شيئين جاز بيعهما بشيئين من جنسهما متفقي الصفة جاز بيعهما بهما إذا كانا مختلفي الصفة، كالثوبين وقفيزي جص.

11309 - احتجوا: بأن البدل مختلف، فانقسم عوضه على قيمته فصارت صحة الغلة أولى من وزنها، وهذا لا يجوز. 11310 - قلنا: الجودة لا قيمة لها إذا قابلها جنسها فيما فيه الربا، فلم يجز تقويم الغلة بصحاح أكثر منها. 11311 - فإن قيل: لا نسلم أن الشرع لم يجعل لها قيمة، بدلالة: أن المستهلك للجياد لا يعطي الرديئة. 11312 - قلنا: هذا هو الدليل؛ لأن المستهلك لو أراد أن يعطي غلة أكثر من وزن الصحاح لم يجز، وإنما لا يجوز أن يدفع الغلة؛ لأنه يعطي غير الثابت في ذمته، والشرع منع أن يتعوض عنها بأكثر منها. 11313 - فإن قيل: لو باع مريض صحاحًا بغلة لم يجز إذا لم يخرج من الثلث، فلولا أن الجودة فيه كان من رأس المال لما منع. 11314 - قلنا: هذا العقد إذا لم يخرج النقصان من الثلث فسخ، ليس لأن الجودة فيه لكن لأنه ممنوع من هذا القدر، ألا ترى: أنه يقدر على بيعها، كسيف فيه حق الورثة، ولهذا المعنى: للورثة أن يفسخوا، وليس لهم أن يطالبوه بإكمال البدل. * * *

مسألة 589 بيع المسلم الدرهم بالدرهمين في دار الحرب

مسألة 589 بيع المسلم الدرهم بالدرهمين في دار الحرب 11315 - قال أبو حنيفة، ومحمد: إذا دخل المسلم دار الحرب مستأمنا فباع درهمًا بدرهمين جاز، وكذلك إذا دخل بغير أمان، وكذلك لو باع المستأمن من حربي أسلم ولم يهاجر، ففيه روايتان/. 11316 - قال أبو يوسف: لا يجوز ذلك، وبه قال الشافعي. 11317 - لنا ما روي أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - خاطر المشركين بمكة على أن الروم تغلب فارسًا، وذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له: (زد في الخطر وأبعد في الأجل، والقمار حرام). 11318 - فلولا أن مال الحربي يجوز أخذه بكل سبب لم يجز له - صلى الله عليه وسلم - ذلك، يدل عليه: ما روي مكحول، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا ربا بين المسلم والحربي في دار الحرب)، ذكر ذلك محمد بن الحسن.

11319 - وقولهم: إنه مرسل لا يضرنا؛ لأن المراسيل عندنا في الاحتجاج كالمسانيد. 11320 - ولا يقال: ظاهره الخبر ونحن نعلم أن الربا يوجد في دار الحرب، وخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يوجد بخلاف مخبره، بقي أن يكون المراد به النهي، فكأنه قال: لا تربوا. وهذا كقوله عليه [الصلاة و] السلام: (لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام)، وذلك لأن ظاهر اللفظ الخبر، ولا يجوز صرفه إلى النهي إلا بدلالة، وليس إذا انصرفنا عن الظاهر في المواضع التي ذكروها بحيث لا يترك الظاهر في غيرها! 11321 - فأما قولهم: خبر النبي لا يوجد بخلاف مخبره: فليس صحيح؛ لأن عندنا لا يوجد مخبر هذا الخبر بخلافه؛ لأن الربا لا يوجد بين الحربي والمسلم في دار الحرب بحال. 11322 - ولأن مال الحربي على أصل الإباحة، وإنما منع المستأمن من أخذه ماله بعقد الأمان، فإذا بذل له الحربي زال معنى الحظر بالرضاء؛ فصار آخذًا للمال بأصل الإباحة، ولا يكون ذلك ربا؛ لأن الربا زيادة مستفادة بالعقد. 11323 - فإن قيل: وكان كذلك لم يجز رده بالعيب. 11324 - قلنا: لأن رده في دار الحرب بذلك تمليك بأصل الإباحة، وإن اختصها في دار الإسلام لم يملك الرد، ولا يحكم الحاكم بشيء من حقوق العقد. 11325 - فأما إذا دخل بغير أمان فماله غير محظور عليه، بل يجوز له أخذه بغير رضاه، فإذا أخذه بالعقد صار مملوكًا بمعنى الإباحة، وهذا الظاهر في المتلصص لا سرقة. 11326 - فإن قيل: إنما أخذه بالعقد.

11327 - قلنا: إذا كان الأخذ مباحًا من غير عقد، لم يعتد بالعقد، كما لو باع المولى من عبده. 11328 - فإن قيل: لو كان كذلك لوجب [إذا تزوج خمس حربيات] أن لا يصح النكاح، وتكون الخامسة كمسروقة. 11329 - قلنا: لو وجدت الغلبة على رقبتها لكان كذلك، ولملكها بالغلبة وإنما لا يجوز. 11330 - ولأن المسلم لو أتلف مال الحربي لم يلزمه ضمانه، فإذا باع [درهمًا بدرهمين جاز؛ أصلة: إذا باع] المولى من عبده، وهذا الوصف مسلم في المتلصص. 11331 - ولأن كل شخصين لا يجري بينهما الربا في الجص، لا يحرم بينهما في الدراهم والدنانير، كالموالى وعبده. 11332 - ولأن ما لا يجري الربا فيه بين الحربي والمسلم في دار الحرب، كالجص والحديد. 11333 - احتجوا: بحديث أبي سعيد الخدري، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الدرهم بالدرهم، والدينار بالدينار [لا فضل بينهما)، ولم يفصل.

11334 - والجواب: عندنا تمليك الدراهم بالدراهم] لا يجوز فيه الفضل، وفي مسألتنا: التملك لا يقع بالعقد، وإنما يقع بالإباحة، وهذا لا يتناوله الخبر. 11335 - قالوا: كل ما كان ربا بين مسلمين كان ربا بين حربي ومسلم، كما لو دخل إلينا متلصصا. 11336 - قلنا: إذا دخل بغير أمان فعندنا هو فيء وماله فيء، فإذا أخذه ملكه على وجه الغنيمة لا يحكم العقد. 11337 - قالوا: عقد فاسد فلا يملك: كالنكاح. 11338 - قلنا: نقول بموجبه؛ لأنه لا يملك عندنا بالعقد وإنما يملك بالأخذ على ما قررناه، فإن حصلت الغلبة على رقبة المرأة ملكها. 11339 - قالوا: لا يخلو أن يملك العين (بوجه آخر مردود)؛ لأنه قصد أن يملك بالعقد فلا يجوز أن يملك بغيره. 11340 - قلنا: يبطل ببيع المولى من عبده. 11341 - قالوا: إذا دخل الحربي إلينا بأمان، لم يجز أن يبيعه المسلم درهمًا بدرهمين. 11342 - ومعلوم أن ماله كان مباحًا وإنما صار محظورًا بالأمان، فإذا رضي زال الأمان، كزوال الأمان بالتراضي في دار الحرب. 11343 - قلنا: إذا دخل إلينا الحربي بأمان فماله محظور؛ بدلالة: أنه لا يجوز لأحد من الناس تناوله، وإن زال أمانه بانقضاء المدة لم يجز لنا أخذ ماله، فدل أن ماله صار محظورًا بصفة ترجع إليه، فما يملك منه مستفاد لحكم العقد؛ لأن الإباحة لا توجد، وليس كذلك الحربي؛ لأن ماله ليس محظورًا لمعنى يرجع إلى المال؛ بدلالة: أن لجميع الناس تناوله وأخذه، فمعنى الإباحة قائم، فيملك بها إذا زال معنى الأمان بالتراضي. 11344 - قالوا: روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - أن مشركًا قتل يوم الأحزاب، فبعث

المشركون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابعث إلينا بجسده ونعطيكم عشرة ألاف درهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا خير في جسده ولا في ثمنه). 11345 - قلنا: القتل كان في الخندق، وذلك الموضع من دار الإسلام، وخلافنا في دار الحرب. 11346 - ولأنه عليه [الصلاة و] السلام أراد أن يبالغ في إدخال الغيظ عليهم ويخذل بهم ويسفر لعيبهم، فلذلك امتنع من الأخذ. * * *

مسألة 590 بيع اللحم بالحيوان

مسألة 590 بيع اللحم بالحيوان 11347 - قال أبو حنيفة، وأبو يوسف: يجوز بيع اللحم بالحيوان كيفما كان. 11348 - وقال محمد: يجوز على الاعتبار، إذا كان اللحم من جنس لحمه. 11349 - وقال الشافعي: إذا باع اللحم بالحيوان من جنسه لا يجوز قولًا واحدًا، وإن باعه بلحم من غير جنسه، ففيه قولان. 11350 - وبيع الحيوان الذي لا يؤكل باللحم: على قولين. 11351 - لنا: قوله تعالى {يأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم}. 11352 - ولأنه موزون بمعدود يجوز بيعه، فصار كالثياب بالدراهم. 11353 - ولا يجوز الجوز بالجوز ولا بيعه جائز على الاعتبار، وليس الكلام في أحوال العقد. 11354 - قالوا: الثياب ليس بأصل للدراهم، فلذلك جاز بيعها بها، والحيوان أصل اللحم.

11355 - قلنا: يبطل ببيع الحشف بالتمر، هو أصله ويمنع جواز البيع. 11356 - ولأن الحيوانين جاز بيع أحدهما بالآخر متفاضلًا، فإذا جاز بيع أحدهما بالآخر جاز بيع أحدهما بأجزاء الآخر، كالحنطة بدقيق الشعير. 11357 - ولا يلزم إذا باع شاة على ظهرها صوف بصوف أو في ضرعها لبن بلبن؛ لأن البيع لا يجوز عندنا بحال، والتعليل للعقد لا للأحوال. 11358 - ولأن ما جاز بيعه بالدراهم جاز بيعه بكل صنف من اللحم المباح، أصله: سائر الأعيان. 11359 - فإن قالوا: بموجب العلة على أحد القولين إذا باعه بلحم من غير جنسه لم يصح في العلة الأولى؛ لأنها عامة. 11360 - قلنا: فكل نوع من اللحم؛ ولأن البيع يجري في كل واحد من البدلين على الانفراد، فلو لم يجز بيع أحدهما بالآخر كان المانع ما في الحيوان من اللحم، وذلك لا يجوز اعتباره؛ لأن تناوله محرم في الحال فلو اعتبر في العقد أفسده لتحريمه، فسقط المعيار، فكأنه باع طعاما لا لحم فيه. 11361 - ولا يلزم إذا باع شاة في ضرعها لبن بلبن أو على ظهرها صوف بصوف؛ لأن اللبن في الضرع لا يحرم تناوله ولا يمنع من الانتفاع به، واعتباره لا يؤدي إلى فساد العقد. 11362 - احتجوا بحديث مالك عن زيد بن أسلم عن سعيد بن المسيب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه (نهي عن بيع الحيوان باللحم). 11363 - قلنا: هذا مرسل، وفي أصلكم أن المراسيل لا يحتج بها.

11364 - فإن قيل: في قوله القديم: تقيل مراسيل سعيد بن المسيب؛ لأنه فتش عنها فوجدها مسانيد؛ لأنه لا يرسل إلا عن الصحابة. 11365 - قلنا: فلا معنى لتخصيص سعيد؛ لأن كل مرسل إذا وجد مسندًا فهو حجة وإن لم يعلم إسناده، فكل شيء منع به من قبول المراسيل قائم في مراسيل سعيد بن المسيب. 11366 - فإن قيل: إذا وافق المرسل قول الصحابة فهو حجة؛ لأن الظاهر أنه رجع إليه. 11367 - قلنا: إن كان قول الصحابي حجة فلا حاجة بنا إلى المراسيل، وإن لم يكن حجة لم يصح به المرسل. 11368 - فقولهم: الظاهر أنه يرجع إليه ليس بصحيح؛ لجواز أن يكون يرجع إلى غيره، ثم قد روى في هذا الحديث؛ لأن قوله: كتبته في هذا زائد فهو أولى. 11369 - ولأنه مفيد صحة حمل المطلق عليه على أصلهم. 11370 - قالوا: لا يكون لتخصيص اللحم فائدة. 11371 - قلنا: بل فيه فائدة صحيحة؛ لأنه بين أن الذبح لم يخرجه من حكم الجنس فحرم النساء للجنس. 11372 - قالوا: رواه يزيد بن مروان عن مالك، عن الزهري، عن سهل ابن

سعد الساعدي. 11373 - قلنا: هذا، الحديث رواه القعنبي، ومعن، ومشاهير أصحاب مالك مرسلًا، وكيف يقبل إسناده من يزيد بن مروان، ويحي بن معين يقول: إنه كذاب، وليس عند أصحاب الحديث أوثق من حديث ابن المسيب.

11374 - ولأنه يتعارض الحيوان، فلا يكون الرجوع إلى ما قالوه أولى من غيره، ألا ترى: أن عندهم الحكم المتعلق بالشرط نزل على ما عداه، والخبر الذي يذكرونه: السنة تقتضي جواز النقد بعارض نطق الآخر. 11375 - ومن أصحابنا من حمل الخبر على الحيوان المذبوح إذا بيع باللحم، واسم اللحم يتناول المذبوح في العرف، يقال: فلان يأكل الحيوان على مائدة. 11376 - ولأن الحيوان إذا كان مستعملًا عندنا لا يجوز بيع الحيوان المذكور باللحم إلا على الأعيان. 11377 - فإن قيل: ذكر النيسابوري عن يحيى بن محمد، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن زيد بن أسلم، عن سعيد بن المسيب: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع اللحم بالشاة الحية)، قال: زيد أسلم يقول: (نظرة أو يدًا بيد). 11378 - قلنا: هذا نهي عن بيع لحم الشاة الحية إذا قال: بعتك عشرة أرطال من لحم هذه الشاة الحية. 11379 - ومن أصحابنا من حمل الخبر على ما روي: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم -[مر بحي من أحياء [العرب] يبيعون اللحم بالشاة، فنهى عن بيع اللحم بالحيوان)، والمراد بتلك الصفة التي يتبايعون بها.

11380 - وقد أجيب عن الخبر بأن معناه: نهي عن] بيع لحم بالحيوان، ويكون الباء ظرف مكان، كما تقول: زيد بالبصرة. 11381 - وهذا نظير ما روى: (أنه عليه [الصلاة و] السلام قدم المدينة [والناس] يحبون [أسنام الإبل ويقطعون] أليات الغنم، فقال [رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] ما قطع من حي فهو ميت). 11382 - قالوا روى ابن عباس - رضي الله عنه -، (أن جزورًا نحرت على عهد أبي بكر الصديق فجاء رجل بعناق، فقال: أعطوني جزءًا بهذا العناق، فقال أبو بكر: لا يصلح هذا). 11383 - قلنا: الظاهر أن أبا بكر - رضي الله عنه -، لا يحضر الجزائر، وإنما هذه جزور نحرت

من إبل الصدقة لتفرق على المسلمين فامتنع أبو بكر من بيع لحمها لهذا المعنى. 11384 - فإن قيل: هذا تعليق للحكم بغير السبب المنقول. 11385 - قلنا: السنة المنقولة أن لحم ذلك الجزور لا يجوز بيعه، وليس في اللفظ عموم، فإذا كان الجزور من إبل الصدقة فقد علقنا الحكم بالسبب. 11386 - فإن قيل: لو كان من إبل الصدقة لم يتعرض لا بتياعه. 11387 - قلنا: يجو أن يكون لم يعلم بحاله، أو لم يعلم أن لحم إبل الصدقة لا تباع. 11388 - ثم إن ابن عباس يخالف [ما] روى النيسابوري عن محمد بن يحيى، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن رجل، عن ابن عباس أنه قال: (لا بأس أن يباع اللحم بالشاة)، فقال النيسابوري: هذا إسناد غير مرضي؛ لأن الرجل مجهول. 11389 - قلنا: أكثر الأحوال أن يكون مرسلًا، فيصح الاستدلال به عندنا. 11390 - قالوا: جنس فيه الربا بيع بأصله الذي فيه منه، فوجب أن لا يصح، أصله: إذا بيع الشيرج بالسمسم. 11391 - قلنا: هناك الربا ثابت في العوضين، وها هنا في أحدهما، فضعف حكم الربا في مسألتنا، ويؤثر هناك، فلم يصح اعتبار أحدهما بالآخر. 11392 - ولأن دهن السمسم لا يفسد اعتباره العقد؛ لأنه مما يستباح، واعتبار اللحم في الحيوان وهو ما لا يجوز استباحته قبل الذكاة يؤدي إلى فساد العقد، فلذلك لم يجز اعتباره.

11393 - ولأن الأصل غير مسلم على الإطلاق؛ لأن بيع السمسم بالدهن يجوز عندنا على هذا الاعتبار. 11394 - قالوا: جنس فيه الربا بيع على غير هيئة كمال البقاء بأصل الذي فيه منه فوجب أن لا يصح كالحنطة بدقيقها. 11395 - قلنا: اعتبار هيئة كمال البقاء لا معنى له؛ لأنه لو باع قديد اللحم بالحيوان لم يجز وإن كان على هيئة كمال البقاء. 11396 - ولأن الحنطة بدقيقها يجري الربا في طرفي العقد، وفي مسألتنا أحد الطرفين على ما قدمنا. * * *

مسألة 591 حكم ثمر النخل المبيع وقد أطلع

مسألة 591 حكم ثمر النخل المبيع وقد أطلع 11397 - قال أصحابنا: إذا باع نخلا قد أطلع، فالثمر للبائع إلا أن يشترطه المبتاع. 11398 - وقال الشافعي: إن كانت أبرت [،لم تدخل في البيع، وإن لم تؤثر، فهي للمشتري، وإن أبر بعض النخل دون بعض]، لم يدخل في البيع المؤبر وغير المؤبر. 11399 - وهل تدخل الثمر في الرهن؟ فيه قولان، الظاهر: أنها تدخل. 11400 - وهل يجوز بيع الطلع مفردا قبل التأبير؟ فيه وجهان. وطلع الفحل

إذا لم ينشق، فيه وجهان، أحدهما: أنه للمشتري، والآخر: للبائع. 11401 - لنا: ما ذكره محمد في أصل الشفعة (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من اشترى أرضًا فيها نخل فالثمرة للبائع إلا أن يشترطها المبتاع)، وهذا عام؛ لأنها ثمر فلا تدخل في بيع النخل إلا بشرط، كالمؤبر. 11402 - ولأنها ثمرة لو أبرت لم تدخل في البيع، فإذا لم تؤبر لم تدخل فيه، كالبلح، وإنما هو نماء مقصود لقطعه غاية، فإذا ظهر لم يدخل في بيع الشجر إلا بالشرط. أصله: الجوز، واللوز والرمان. 11403 - ولا يقال لا نسلم أنه قد ظهر؛ لأن النماء هو الطلع، وقد ظهر ذلك وإن لم يظهر ما فيه، كالموز والرمان، كل واحد منهما إذا ظهر وإن كان في وعاء. 11404 - ولا يلزم الأعصاب؛ لأنه ليس بنماء مقصود؛ ولأن لقطعه غاية. 11405 - ولا يلزم ورق التوت؛ لأن من أصحابنا من قال: لا يدخل في بيع الشجر؛ ولأن الورق لقطع بعضه غاية؛ لأنه يوجد في وقت ثم يتولد من بعد فلا ينتفع به. 11406 - ولأن العقد وقع على الأصل؛ فلم تدخل فيه الثمر بإطلاقه، أصله: ثمر سائر الأشجار. 11407 - ولأنها ثمرة يجوز إفرادها بالعقد؛ فلم يدخل في إطلاق بيع الأصل،

أصله: ما ذكرناه. 11408 - ولأنه لو باع نخلًا قد أبر بعضه دون بعض؛ لم يدخل ثمر الجميع في البيع. وكل شجرتين لو بيعنا لم تدخل ثمرتهما في العقد، إذا أفردت كل واحدة بالبيع لم يدخل ثمرتها في العقد، أصله الموزونات. 11409 - وقد قالوا: إذا أفرد النخلة التي لم تؤبر فثمرتها للبائع، فإن سلموا هذا جعلناه أصلًا. 11410 - وإن قالوا: يكون للمشتري فقد أبطلناه بدليلنا. ولأن الثمرة مقصودة بالعقد يجوز إفرادها به وليست متصلة بأصل اتصال التأبيد، فلا تدخل في إطلاق بيعه، كالمؤبر. 11411 - والدليل على جواز إفرادها: أنها ثمرة يجوز بيعها مع الأصل، فجاز إفرادها بالبيع، كالمؤبرة. 11412 - فإن قيل: المعنى في المؤبرة أنها ظهرت، والتي لم تؤبر لم تظهر من أصل خلقتها. 11413 - قلنا: الخلاف وقع في الطلع وهو ظاهر، وإنما لم يظهر ما في جوفه وذلك لا اعتبار به كما أنه لا اعتبار لظهور الجوز، بل قشره. 11414 - احتجوا: بما روي مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من باع نخلًا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع). 11415 - ورواه عطاء، عن جابر - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

11416 - الجواب: أن الحكم إذا علق بوصف لم يدل على نفي ما عداه، وكذلك إذا علق بشرط، وهذا كثير في القرءان؛ قال الله تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق}، وقال تعالى: {ولا تكرهوا فتيتكم على البغاء إن أردن تحصنًا}. وإنما يفيد هذا حكم المذكور، والمسكوت عنه موقوف على الدليل، ثم التأبير ليس هو التشقيق، وإنما هو عبارة عن التلقيح، وذلك غير معتبر بإجماع؛ لأن عندنا الثمرة للبائع أبرت أو لم تؤبر. وعند ابن أبي ليلى للمشتري في الوجهين، وعند الشافعي: إن شققت فهي للبائع أبرت أو لم تؤبر. فأما ما ذكر في الخبر مجمع على تركه، فكيف يصح التعلق به،. 11417 - فإن قيل: إنما ذكر عليه [الصلاة و] السلام التأبير؛ لأنه لا يوجد إلا مع التشقيق. 11418 - قلنا: فقد ترك الظاهر، وزعمت أن الحكم تعلق بمعنى يوجد بوجود التأبير، يجوز أن يوجد دون الشرط المذكور، وهذا عدول عن الظاهر فلم صرت بالظاهر أولى مع خصمك إذا قال: التأبير إنما أراد به عليه [الصلاة و] السلام الإثمار؛ لأن الثمرة إذا ظهرت أبرت، فذكر التأبير لا يكون إلا في ثمرة ظاهرة في الحكم، متعلق بمعنى يوجد عند صلاح التأبير، كما قلت أنت: إن الحكم يتعلق بمعنى يرجع عند التأبير، وهو الانشقاق، فتساوى التأويلان وسقط التعلق بالخبر. 11419 - احتجوا: (بأن رجلين اختصما في ثمرة، فقال أحدهما: أنا أبرت بعد ما ابتعت، وقال الآخر: أبرت قبل أن بعت، فقضى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للبائع الذي لقح). 11420 - قلنا: التلقيح لا يتعلق به الاستحقاق باتفاق ما قررنا، فقضى بها رسول

الله - صلى الله عليه وسلم - للبائع بسبب أوجب الاستحقاق اختلفنا فيه، وذكر التلقيح على وجه البيان والتعريف، كما يقال: قضى بها للبائع المدعي. 11421 - فإن قيل: لولا أن التلقيح يتعلق به في الشرع الاستحقاق لم يختلفا فيه. 11422 - قلنا: إنما اختلفا في التلقيح ليس لما ذكرتم، لكن ظن كل واحد منهما أن التلقيح لغير المطلع على حاله/، فيستحق به كما يستحق اللحم إذا شواه أو طبخه. 11423 - قالوا: نماء لم يخرج من وعائه الذي يوجد خارجًا منه؛ فوجب أن يتبع الأصل. أصله: اللبن في الضرع والحمل في ظن أمه. 11424 - قلنا: يبطل بالولد إذا انفصل في وعاء متصل بأمه، فإنه لا يدخل في بيعها مع وجود ما ذكروه. 11425 - ولأن النماء قد يكون بالبشر فيوجد خارجًا من الوعاء، وقد يكون نفس الطلع فيؤخذ ويؤكل كما هو. والخلاف وقع في الطلع لا في البسر. والطلع كالجوز الذي ظهر من الأصل وهو في القشر. 11426 - وينتقض هذا بالنخل الذي لم يتشقق. والمعنى في اللبن والحمل: أن كل واحد منهما لا يصح إفراده بالبيع، فكذلك بيع الأصل الذي يتصل به، وليس كذلك الطلع؛ لأنه نماء مقصود يجوز إفراده بالعقد وليس بمتصل به اتصال تأبيد؛ فلم يدخل به في بيعه، كالزرع في الأرض، وثمرة سائر الأشجار وإن لم يسلموا. 11427 - قلنا: نماء مقصود يجوز إفراد الأصل بالبيع دونه. 11428 - قالوا: نماء كامن لظهوره غاية؛ فجاز أن يكون قبل ظهوره تابعًا

لأصله في البيع، أصله: الحمل. 11429 - قالوا: وقولنا (نماء): احتراز من الدفين، و (كامن): احتراز من الظاهر، و (لظهوره غاية): احتراز من الجوز؛ لأنه أخذه من قشره لا غاية له؛ لأنه لا يكون إلا بالكسر. 11430 - وقولنا (جاز أن يكون تابعًا): احتراز مما يشقق بعضه دون بعض؛ لأن التعليل للجواز. 11431 - وقولنا (في البيع): احتراز من الرهن. 11432 - والجواب: أن الاختلاف وقع في الطلع وهو نماء ظاهر ليس بكامن، ونقول بموجب العلة؛ لأن الطلع قبل ظهوره يتبع الأصل في البيع، وهو إذا كان في قلب النخلة لم يظهر من ليفها، فالمعنى في الحمل ما بينا. 11433 - قالوا: لو رهن نخلًا عليه طلع لم يؤبر، تبعه في الرهن على أحد القولين، وهو قول أبي حنيفة أيضًا. 11434 - فالرهن لا يزيل الملك والبيع يزيل الملك، فإذا تبع الطلع الأصل في الرهن فالبيع أولى. وربما حرروا، فقالوا: ما دخل في الرهن دخل في البيع، الدليل عليه: الولد. وهذا ليس بصحيح؛ لأن اعتبارنا بالدين الذي قالوه فاسد؛ لأن الرهن إذا لم يزل الملك لم يكن من دخول الثمر ضرر كبير، والبيع إذا أزال الملك ففي

دخول الثمرة ضرر، فلا يجوز أن يقال: لما دخلت في الرهن فالبيع مع زيادة الضرر أولى. 11435 - ثم الرهن استحقاقه يقع بالقبض، فإذا لم يدخل بقيت يد الراهن فيما سلمه، فلم يوجد القبض فيما يتميز عن يد المشتري ولا يصح الرهن، وقد قصدا إلى تصحيحه فدخل في العقد ما لا يصح إلا به. والاستحقاق في البيع يقع بالعقد، والقبض يستوفي به ما ملكه، فثبوت اليد على الثمرة لا يقدح فيما وقع به الاستحقاق، ولهذا سوى أصحابنا بين الثمرة المؤبرة وغير المؤبرة. 11436 - قالوا: الثمرة تتبع النخل في الإقرار، فلذلك تتبعها في البيع. 11437 - قلنا: المقر لا ينقل الملك في النخلة بإقراره، وإنما يخبر عن ملك المقر له بها، والمالك للنخلة مالك لثمرتها إلا أن تستحق عليه فصار إقراره بالأصل إقرارًا بما فيه، والبيع نقل الملك في النخلة، فجاز أن تنتقل في نفسها دون ثمرتها المؤبرة. * * *

مسألة 592 حكم مؤنة قلع الزرع وقطف الثمر

مسألة 592 حكم مؤنة قلع الزرع وقطف الثمر 11438 - قال أصحابنا: إذا باع النخل وفيه ثمر، أو الأرض وفيها زرع، كلف البائع قلع زرعه وثمرته. 11439 - وقال الشافعي: على المشتري تركها إلى حين يظهر صلاحها، ويستحصد الزرع ويتمكن من سقيه إذا لم يفلح إلا بالسقي. 11440 - لنا: أن ملك المشتري مشغول بملك البائع، فكان عليه نقله عنه، أصله: إذا باع أرضًا فيها متاعه أو جملًا عليه رحله. 11441 - ولأنه منتفع بملك المشتري على وجه يمكنه إزالته، فصار كمن باع دارًا [هو ساكن أمره بأن التسليم يجب على الوجه المعتاد؛ بدلالة: أنه إذا باع دارًا] فيها متاعه لم يلزمه نقله في الحال حتى يحضر الحمالين، وينقله بالنهار دون الليل.

11442 - قلنا: لا يؤمر بنقله في الحال إذا كان كثيرًا؛ لأن ذلك غير ممكن. فاعتبر الممكن في التسليم دون المعتاد؛ لأن العادة أنهم كانوا يقطعون الثمرة قبل بلوغها ويقطعونها بالغة، فقد وجدت إحدى العادتين فيجبر على النقل، كما قالوا: إذا بدا صلاحها لم يلزم تركها على النخل إلى حين استحكامها وإن كان ذلك معتادًا؛ لأنه وجدت إحدى العادتين. 11443 - قالوا: إذا انقضت الإجارة وفي الأرض زرع لم يدرك لم يؤمر بقلعه؛ لأن العادة أنه لا يسلم الأرض كذلك، فدل على اعتبار العادة في التسليم. 11444 - قلنا: هناك التسليم مستحق على المستأجر، ولهذا نوجب عليه أجرة بالتبقية، ولو لم يستحق التسليم لم يجب أجرة أخرى. 11445 - والكلام في وجوب التبقية [بعوض لأجل منافع للتسوية بين الموضعين في وجوب التسليم] على أنا نقول: وجب التسليم ويثبت للحاكم حق العقد على هذه المنفعة بعوض مستأنف، وعقد الحاكم كعقد المالك. 11446 - قالوا: كل منفعة مستثناة في عقد البيع كان لمالك المنفعة استيفاؤها على المكان. 11447 - أو يقول: استوفيت بعد البيع على ما يستوفي قبل البيع؛ أصله: من باع جارية مزوجة. 11448 - قلنا: هناك استثنى من العقد منفعة البضع؛ فكان للزوج أن يستوفي المنفعة بكاملها، وفي مسألتنا: لم يستثن البائع منفعة، وإنما استثنى عينًا قائمة ويريد أن

يستوفي منفعة المبيع لأجلها فلا يملك ذلك، كما أن الزوج لما استثنى له المنفعة لم يستحق رقبة الولد؛ لأنه عين وليس بمنفعة، ولهذا نقول: لو اشترى فصيلًا لا يستغني عن الرضاع لم يستحق على البائع تمكينه من أمه؛ لأنه عقد على عين فلم يستحق الانتفاع، وإن كانت العين لا تصلح إلا بذلك. 11449 - فإن قاسوا على من باع دارًا إلا بيتًا منها أنه يستحقه بطريقه لم نسلم ذلك؛ لأن عندنا لا يستحق الطريق في الدار المبيعة إلا بالتسمية. * * *

مسألة 593 بيع الثمرة قبل بدو صلاحها

مسألة 593 بيع الثمرة قبل بدو صلاحها 11450 - قال أصحابنا: إذا باع الثمرة قبل بدو صلاحها، وهي مما ينتفع بها إذا قطعت، جاز بيعها مطلقا. 11451 - وقال الشافعي: لا يجوز بيعها إلا بشرط القطع. 11452 - لنا: ما روي مالك، عن نافع، عن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها).

ومعلوم أن الحصرم قد بد صلاحه؛ لأنه لا ينتفع به حصرمًا إلا على هذه الصفة. 11453 - ولأنها ثمرة يجوز بيعها بشرط القطع، فجاز بيعها مطلقًا، أصله: (إذا احمرت واصفرت. 11454 - ولأنه عقد بيع فلا يكون من شرطه قطع المبيع، [أصله: إذا بدا صلاح بيعها. 11455 - ولأنها لو انفصلت جاز بيعها مطلقًا]؛ أصلها: الدالية وعليها الثمرة التي ينتفع بها. 11456 - ولأن القطع يبين ملك المشتري من ملك البائع فلا يقف صحة العقد على شرطه، كمن باع قفيزًا من صبرة. 11457 - احتجوا: بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (أنه نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها). (ونهى عن بيع الثمار حتى تذهب العاهة، قيل لابن عمر متى ذلك؟ قال حتى تطلع الثريا).

وروى جابر - رضي الله عنه -: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى [عن] بيع الثمار حتى تشقح). 11458 - قالوا: فلا يخلو إما أن يكون نهى عن بيعها مع شرط القطع: وهذا لا يجوز بخلاف الإجماع، أو بشرط الترك، وذلك لا يجوز؛ لأن الخبر مطلق بولاية تبطل حكم الغاية، فعلم أن النهي تناول إطلاق البيع. 11459 - الجواب: أن ظاهر الغاية أن يكون ما قبلها بخلاف ما بعدها؛ ومعلوم: أن البيع يجوز قبل الغاية باتفاق إذا شرط القطع؛ فمخالفنا ترك الحكمة التي ذكرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وزعم أن الغاية شرط القطع، فأما نحن فنقول: معنى الخبر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيعها مدركة قبل الإدراك ومحمرة قبل الاحمرار ورطبا قبل البلاغ، وهذه العادة لأنهم يبيعون الثمار بالغة قبل أن تبلغ فنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذا البيع حتى توجد الصفة، فالحكم عندنا متعلق بالغاية المذكورة لا يصلح قبلها. 11460 - والظاهر معنى من وجهين، أحدهما: تبقية ظاهر الغاية من غير تخصيص، والثاني: أن الغاية في بيع الثمار ما ذكرناه، فالنهي تناول معنى معقولًا معتادًا. يبين ذلك: (أنه نهى عن بيع العنب حتى يسود) ومعلوم أن لا يكون قبل

السواد عنبًا، فعلم أنه نهى عن بيعه عنبًا أسود وهو حصرم. 11461 - وجواب آخر: أن هذا النهي كان على المشورة لا [على] وجه التحريم؛ بدلالة: ما ذكره أبو داود، عن زيد بن ثابت (قال: كان الناس يتبايعون الثمار قبل أن يبدو صلاحها، فإذا جد الناس وحضر تقاضيهم، قال المبتاع: قد أصاب الثمرة الدمان، وأصابه قشام، وأصابه مراض، عاهات يحتجون بها، فلما كثرت خصومتهم عند النبي - صلى الله عليه وسلم - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كالمشورة يشيربها: (فأما، لا: فلا تتبايعوا الثمرة حتى يبدو صلاحها)، لكثرة خصومتهم/ واختلافهم، وإذا بين زيد بن ثابت أن النهي على طريق المشورة لبيان الأولى سقط الاستدلال به. 11462 - قالوا: لا يقبل قول زيد بن ثابت التخصيص. 11463 - قلنا: في كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - ما دل على ذلك؛ لأنه روي عنه أنه قال: (فأما لا، فلا تبايعوا الثمرة حتى يبدو صلاحها)، فكأنه قال: إذا كنتم تختصمون فلا تبايعوا. 11464 - قالوا: كيف يحمل على التنزه والمشورة، وقد قال [عليه الصلاة

والسلام]: (أرأيت إن منع الله الثمرة بم يستحل أحدكم مال أخيه؟). 11465 - قلنا: هذا التعليل راجع إلى من باع ثمرة مدركة قبل أن تدرك، فيجوز أن يمنع الله بلوغها إلى حال الثمرة، وإن رددنا هذا التعليل إلى من باع ثمرة لم تدرك على حالها. 11466 - ولأنهم كانوا يبيعونها بغير شرط، وإذا لحقتها آفة رجعوا على البائع، فقال عليه [الصلاة و] السلام: (أرأيت إن منع الله الثمرة) حتى حدث بها ما منع كمالها، ثم يستحل المشتري منع الثمن عن البائع، فيصح [هذا التأويل على كلا التعليلين. 11467 - قالوا: روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - مثل قولنا. 11468 - قلنا: زيد يخالف؛ لأنه لما لم يتأول الخبر على ما حكيناه عنه: دل أن البيع عنده جائز. 11469 - قالوا: فرده غيره بالبيع قبل أن يبدو صلاحها لا على شرط القطع، فوجب أن لا يصلح البيع، كما لو باعها بشرط التبقية. 11470 - قالوا: ولا يلزم إذا باع الثمرة من صاحب النخل؛ لأن فيه وجهين.

11471 - قلنا: ينتقض بالنخلة إذا باع ثمرتها، ولم يبد صلاحها ولم يشرط القطع. والمعنى فيه: إذا باعها بشرط التبقية للانتفاع بملك البائع على وجه لا يوجبه العقد. وفي مسألتنا: أطلق بيع الثمرة ولم يشترط القطع، فصار كشرط قطعها. 11472 - قالوا: إطلاق بيع الثمرة يقتضي تركها، بدلالة: قوله عليه [الصلاة و] السلام: (أرأيت إن منع الله الثمرة بم يستحل أحدكم مال أخيه)، فلولا أن الإطلاق يقتضي التبقية لم يصح هذا الكلام. 11473 - قلنا: وقد بينا أن النهي يتناول بيع الثمرة محمرة قبل احمرارها، وهذا لا يكون إلا بشرط التبقية، فلا يكون في التعليل لهم دليل، فإن من ابتاع شيئًا في ملك البائع كان على المبتاع نقله وتحويله على ما جرت العادة به. 11474 - [و] الدليل عليه: من اشترى طعامًا من دار البائع ليلًا اقتضى التبقية حتى يجيء وقت النقل، وهو النهار؛ فإذا جاء النهار نقل على ما جرت العادة به. 11475 - ولا يقال له: انقله دفعة واحدة؛ لأنه حمل ونقل على دفعات في العرف والعادة، فكذلك ههنا: من ابتاع ثمرة أول ما طلعت لا ينتفع بها. لا يقال له في العادة: حول في الحال بل يدعها إلى الوقت الذي جرت العادة بالنقل فيه. 11476 - قلنا: إذا باع ثمرة لا ينتفع بها فالبيع لا يجوز عندنا؛ لأنها لا تتقوم، وإنما الكلام إذا كانت مما ينتفع بها إلا أنها لم تبلغ غاية الانتفاع. وهذا قد جرت العادة أن يقطع في الحال، كالحصرم والخلال، وقد يترك؛ فلم يكن إحدى العادتين أولى

من الأخرى. 11477 - ولأن العادة تجعل كالمشروط فيما يؤدي إلى صحة العقد. 11478 - فأما إذا أدى إلى فساده: فلا. ألا ترى أن الناس يشترون الحطب على ظهر البهائم والشول، ويحمل ذلك في العادة إلى منازلهم، فإذا أطلقوا العقد: جاز. ولا تجعل هذه العادة كالمشروطة حتى أفسد بها العقد، كذلك في مسألتنا. * * *

مسألة 594 بيع الثمرة بعد بدء صلاحها مع شرط تركها على النخل

مسألة 594 بيع الثمرة بعد بدء صلاحها مع شرط تركها على النخل 11479 - قال أبو حنيفة، وأبو يوسف: إذا باع ثمرة قبل بدء صلاحها، وشرط تركها على النخل: بطل البيع. 11480 - وقال الشافعي: إذا شرط تركها جاز. 11481 - لنا: (نهيه عليه [الصلاة و] السلام عن بيع وشرط). 11482 - ولأنها ثمرة يجوز بيعها بشرط القطع؛ فيبطل بشرط الترك، أصله: التي لم يبد صلاحها.

11483 - ولأن كل شرط يبطل بيع الثمرة التي لم يبد صلاحها يبطل بيع التي بدأ صلاحها، أصله: إذا شرط تركها حتى تصير ثمرًا، ولا يشترط الانتفاع بملك البائع بعد التسليم، فصار كما لو اشترى طعامًا على أن يتركه في دار البائع؛ لأن الثمرة تزيد بالترك فقد شرط الأجزاء التي تحدث في الثاني، فصار كبيع الثمرة التي لم تدرك. 11484 - احتجوا: بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (أنه نهى عن بيع الثمار حتى تزهى ... حتى تحمر وتصفر)، وما بعد الغاية يخالف ما قبلها، والظاهر أن بيعها يجوز بعد احمرارها في جميع الأحوال. 11485 - قالوا: ولأن نهيه عن البيع قبل الاحمرار قد يتناول البيع بشرط التبقية بإجماع؛ فيجب أن يكون بعد الاحمرار حتى يكون ما بعد الغاية خلاف ما قبلها. 11486 - والجواب: أن الهي تناول بيعها محمرة قبل الاحمرار فإذا بدا صلاحها جاز بيعها محمرة فما بعد الغاية عندنا خالف ما قبلها. 11487 - ولأن المنع قبل البلاغ إذا كان عدم الاحمرار، وإذا حمرت لم يمنع ذلك المعنى البيع. وأما أن يدل على جواز البيع بكل حال فلا، يبين ذلك قوله تعالى: {ولا تقربوهن حتى يطهرن}، ظاهره يقتضي أنها إذا طهرت لم يمنع من وطئها بالحيض، ولا يقتضي جواز وطئها بكل حال. 11488 - وأما قولهم إن نهيه عن البيع قبل الاحمرار قد اقتضى النهي عن البيع بشرط الترك بإجماع: فلا يصح؛ لأن الخبر عندنا لم يتناول إلا بيعها محمرة وهي خضراء، أو بيعها عنبا وهي حصرم، فأما البيع بشرط البراءة فمعلوم بالإجماع لا

بالخبر، فلا يقتضي الغاية جوازه بعده ولم يدل الخبر عليه. 11489 - قالوا: التسليم يعتبر فيه العادة؛ بدلالة: ما ذكروه في بيع الطعام. 11490 - قلنا: العادة أن الثمار تسلم عند احمرارها وتقطع، وقد تترك حتى تبلغ إلى أن تصير رطبًا، وقد تترك حتى تصير تمرًا. 11491 - فكما لو شرط تبقيتها حتى تصير [تمرًا أبطل العقد، وإن كان ذلك معتادًا، كذلك إذا شرط تبقيتها حتى تصير، رطبًا وإن كان معتادًا. * * *

مسألة 595 بيع الجوز واللوز والفستق والباقلاء الأخضر في قشره

مسألة 595 بيع الجوز واللوز والفستق والباقلاء الأخضر في قشره 11492 - قال أصحابنا: يجوز بيع الباقلاء الأخضر في قشره، وكذلك: الجوز، واللوز، والفستق. 11493 - وقال الشافعي: لا يجوز بيعه على الشجر، ولا على الأرض حتى يخرج من قشره الأول. 11494 - لنا: نهيه عليه [الصلاة و] السلام: (عن بيع الثمار حتى تزهى)، وما بعد الغاية بخلاف ما قبلها، وظاهره يقتضي: أن الزهو إذا حصل جاز البيع. 11495 - ولأن الناس يتبايعون الباقلاء في سائر الأعصار من غير نكير، فصار إجماعًا. 11496 - قالوا: الإجماع ما اتفق عليه قولًا.

11497 - قلنا: وما اتفقوا عليه فعلًا وعملًا مثله؛ لأن العمل استباحة، كالقول. 11498 - فإن قيل: قد اتفقوا عملًا على أخذ أجرة المعلم. 11499 - قلنا: لا يشترطونه في العادة، وإنما يدفع إلى المعلم الصبي فيعلمه، ثم يدفع إليه أجرته من غير شرط. وهذا يجوز عندنا، فأما بيعهم المأكولات بغير إيجاب وقبول، ودخولهم الحمام بغير شرط ولا تقدير مدة، فقد دل فعلهم على الجواز عندنا. 11500 - ولأنها ثمرة؛ فجاز بيعها على الصفة التي توجد من الشجر، كالرمان والتفاح. 11501 - ولأن ما جاز بيعه في قشر واحد جاز بيعه بما فيه هو؛ أصله: الجوز في قشر واحد. 11502 - ولأن القشر الواحد يحفظ الباقلاء من الفساد ويحرس رطوبته، فهو كقشر الرمان والموز. 11503 - احتجوا: بنهيه عليه [الصلاة والسلام (عن بيع الغرر). 11504 - هذا لا دلالة فيه؛ لأنا بينا أن الغرر ما كان الغالب فيه عدم السلامة، وهذا المعنى لا يوجد في الباقلاء؛ لأن تسليمه ممكن وإن بيع في قشره فلا يتناوله الاسم. 11505 - قالوا: لا يعلم أنه صغار أو كبار وفيه اثنين أو ثلاثة. 11506 - قلنا: هذا غير مقصود بالبيع؛ لدلالة: أنه لا يعتبر، ولا يفتش عنه.

11507 - ولأنه يعلم في العادة أنه كبار أو صغار في الجملة، ولا يعلم آحاده، وهذا غير مقصود. 11508 - قالوا: المقصود مستور فيما لا مصلحة له فيه؛ فوجب أن لا يجوز بيعه، كتراب الصاغة أيضًا إذا بيع بجنس ما فيه. 11509 - قلنا: الوصف غير مسلم؛ لأن القشر الأخضر لا تبقي رطوبة الباقلاء إلا به، فهو كقشر الرمان، والقشر الأخضر على الجوز والفستق فيه مصلحته؛ لأنه إذا بقي فيه لم يحلقه الفساد بطول المكث، فإذا خرج منه لحقه الفساد، ثم تراب الصاغة يجوز بيعه بغير جنسه عندنا فاستثناؤه لا يمنع عندنا، فإذا بيع بجنسه لم يجز البيع لعدم المماثلة، لا للاستتار. 11510 - قالوا: حكم الجهالة يسقط في العقود فيما تدعو الحاجة إليه، كالإجارات على ما لم يخلق، وكالجوز واللوز في قشره الثاني، وأما فيما لا حاجة إليه فلم يجز البيع فيه. 11511 - قلنا: لا تسلم ذلك على ما بيناه، ثم القشر الثاني في الجوز لا حاجة إليه؛ لأنه لا يفسد بالانفصال عنه إلا كما يفسد فيه، ومع ذلك يجوز البيع داخل الصبر، يجوز بيعه من غير مشاهدة/ ولا حاجة إلى ترك تقليبها. واللبن لا يجوز بيعه في الضرع ولا الحمل وله في بقائه في الوعاء مصلحة؛ لأنه يحفظه من الفساد.

ثم هذا الكلام لا يصح معنا. وعندنا يجوز بيع الأشياء وهي مستورة بظروفها ولا حاجة تدعو إلى ذلك، فكيف يصح لهم الكلام معنا في الحائل خلقة؟. * * *

مسألة 595 بيع الجوز واللوز والفستق والباقلاء الأخضر في قشره 11512 - قال أصحابنا: يجوز بيع الحنطة في سنبلها. 11513 - وقال الشافعي في أحد قوليه: لا يجوز بيع الحنطة ولا الموز في كمامه، ويجوز بيع الشعير في سنبله والذرة. 11514 - لنا: ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (نهى عن بيع النخل حتى تزهو، وعن [بيع] السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة)، ذكره أبو داود. وروى حماد بن سلمة، عن أبيه، عن أنس: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع العنب

حتى يسود، وعن بيع الحب حتى يشتد). 11515 - وقوله: تفرد به حماد بن سلمة لا يصح؛ لأن تفرد الثقة بالخبر لا يمنع قبوله. 11516 - ولأنه يجوز بيعه إذا خرج من سنبلة؛ فجاز بيعه مع سنبله، كالشعير. 11517 - [ولأنه نوع حب؛ فجاز بيعه مع سنبله، كالشعير]. 11518 - ولأن كل حالة يجوز فيها بيع الشعير جاز بيع الطعام، أصله: إذا خرج من السنبل. 11519 - احتجوا: (بنهيه عن بيع الغرر)، وهذا غرر؛ لأن الكمام قد تكون فارغة. 11520 - قلنا: قد بينا أن الغرر ما الغالب من عدم السلامة، وهذا لا يوجد في السنبل. 11521 - وقولهم: قد يكون الكمام فارغة، غلط؛ لأن ذلك يعلم بمشاهدة السنبل، ويوقف على قدر ما فيه في العادة.

11522 - قالوا: قد روي (أنه نهى عن بيع الطعام حتى يفرك). 11523 - قلنا: معناه حتى يبلغ إلى حالة يتأتى فيه الفرك، وهذا أولى؛ لأنه موافق للخبر الآخر الذي قال فيه: (حتى يشتد). 11524 - ولأن اللفظ واحد للإعرابين يوافق خبرًا صريحًا، فالظاهر أن هذا الأصل الآخر غلط من الناقل في الإعراب. 11525 - ويجوز أن يقال: حتى يفرك، ويراد به: أن يبلغ إلى حالة الفرك، كما روي أنه عليه [الصلاة و] السلام (نهى عن بيع الثمار حتى يؤكل منها)، ويكون ذلك حملًا للخبر على معنى متفق، فأما إذا حملناه على وجود الفرك بطلت فائدة الغاية في قوله: (حتى يفرك)، وحمل اللفظين على فائدة أولى من إسقاط أحدهما. 11526 - قالوا: المقصود مستور بما يدخر غالبًا إذا خرج، فوجب أن لا يجوز، كبيع تراب الصاغة إذا كان في بعضه فضة. 11527 - والجواب: ما بيناه.

مسألة 597 ضمان ثمرة النخل التي باعها مشتريها على شجرتها فأصابتها جائحة

مسألة 597 ضمان ثمرة النخل التي باعها مشتريها على شجرتها فأصابتها جائحة 11528 - قال أصحابنا: إذا باع ثمرة النخل رجل من المشتري على شجرتها فأصابتها جائحة، كانت من ضمان المشتري. 11529 - وقال الشافعي في قوله القديم: هي من ضمان البائع، وسوى بين قليلها وكثيرها، وبين أن يكون بآفة سماوية أو بفعل آدمي. 11530 - وقال مالك رحمه الله: إن هلك أقل من الثلت؛ فمن ضمان [المشتري]، وإن هلك الثلث فصاعدا بآفة من السماء فمن ضمان البائع. 11531 - لنا: ما روى أبو سعيد الخدري (أن رجلًا أصيب في ثمار ابتاعها على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكثر دينه، فقال عليه [الصلاة و] السلام للغرماء: خذوا ما

وجدتم، ليس لكم إلا ذلك). وروي: (فأمر أن يتصدق عليه ولم يأمرهم بوضع الجائحة). 11532 - ولأنه قبض المبيع قبضًا استفاد به جواز التصرف، فإذا تلف بسبب لم يكن في يد البائع كان من ضمان المشتري؛ أصله: ما سوى الثمار إذا قبضها. 11533 - ولأنه تسليم يملك المشتري به التصرف في المبيع، فخرج المبيع من ضمان البائع. أصله: إذا أخذ الثمرة وأصله: سائر المبيعات. 11534 - ولا يلزم: إذا باع عبدًا قد وجب عليه القصاص فقتل في يد المشتري؛ لأنا احترزنا عنه في العلة الأولى بقولنا: تلف بسبب لم يكن في يد البائع، والعلة الثابتة عللنا لخروج المبيع من ضمان البائع، والعبد عندنا خرج من ضمان البائع، فإذا قتل بسبب كان في يده انفسخ فيه. 11535 - احتجوا: بحديث سفيان بن عيينة، عن حميد بن قيس، عن سيلمان بن عتيق، عن جابر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (نهى عن السنين، وأمر بوضع الجوائح)، لم أحفظه عنه.

11536 - وهذا يسقط الاحتجاج بالخبر؛ لأن ذلك الكلام يجوز أن يغير الحكم فلا يمكن التلعق باللفظ، ويحتمل أمر الكمال بوضع الجوائح عن مالك الثمار حتى لا يأخذوا عشرها، ويكون ذلك الكلام الذي لم يحفظه سفيان دل على هذا المعنى، ويجوز أن يكون يبين ذلك الكلام حكم الثمرة قبل القبض وأمر بوضع الجوائح. 11537 - قالوا: روى ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن بعت من أخيك تمرًا فأصابتها جائحة، فلا يحل [لك] أن تأخذ منه شيئًا، بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟). 11538 - قلنا: هذا محمول على ما حدث قبل القبض، وأما إذا قبض فقد دخل في ضمانه، فإذا أخذ مال المشتري فقد أخذ بحق. 11539 - قالوا: العادة أن الثمرة تستوفي شيئًا بعد شيء، فهو كمن استأجر دارًا فقبضها ثم هلكت المنافع. 11540 - قلنا: المنافع معدومة، فلا يصح قبضها، فلم تدخل في ضمانه، والثمرة غير وجودة، فصح نقلها، فإذا استفاد جواز التصرف فيها بالقبض خرجت من ضمان البائع. * * *

مسألة 598 بيع الثمرة على رؤوس النخل بخرصه تمرا

مسألة 598 بيع الثمرة على رؤوس النخل بخرصه تمرًا 11541 - قال أصحابنا: لا يجوز بيع الثمرة على رؤوس النخل بخرصها تمرًا. 11542 - وقال الشافعي: يجوز ذلك فيما دون خمسة أوسق، وكذلك العنب بالزبيب، وإن باع تسعة أوسق من اثنين صفقة جاز. 11543 - لنا: ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (نهى عن بيع كل ثمرة بخرصها تمرًا،

والمحاقلة بيع الحنطة في سنبلها بالحنطة). 11544 - ولا يقال: أخبار الرخصة متأخرة عن هذا الخبر، مستثناة منه وتخصيص له؛ لأن أخبارهم متنازع في تأويلها، فلم يترك بها خبر ثابت وأصول متفق عليها. 11545 - ولأنه بيع ثمرة بخرصها كبيع سائر الثمار. 11546 - ولأنها صفة لا يجوز العقد عليها فيما زاد على خمسة أوسق؛ فلا يجوز فيما دونها من الأوسق، كسائر الشرائط الفاسدة. 11547 - ولأنه باع رطبًا بتمر؛ فلم يجز إذا لم يعلم المماثلة بالكيل. أصله: إذا كانا على الأرض. 11548 - فإن قيل: إذا كانا على الأرض لم يمكن الوصول إلى المماثلة كيلًا فلم يجز خرصًا. وفي مسألتنا: لا يمكن ذلك؛ لأنه يبطل إذا باع ثوبًا نسيجًا بالذهب، لم يجز حتى تعلم المماثلة وزنًا، وإن كان لا يتوصل إلى الحكم بها بالوزن. 11549 - ولأن كل عينين لا يجوز بيع إحداهما بالأخرى مجازفة لم يجز خرصًا؛ أصله: الحنطة بالحنطة. 11550 - ولأن كل قدر لا يجوز بيعه بالتمر خرصًا على الأرض لا يجوز على رؤوس النخل، أصله: ما زاد على خمسة أوسق. 11551 - ولأن ما لا يجوز بيعه من اثنين؛ أصله: (التمر بالتمر حزرًا). 11552 - احتجوا: بما روى سفيان بن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن بشير بن

يسار، عن سهل بن أبي حثمة (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثمر بالتمر، إلا أنه رخص في العرايا أن تباع بخرصها تمرًا يأكلها أهلها رطبًا). 11553 - قالوا: روى مالك، عن داود بن الحصين، عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد، عن أبي هريرة، (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرخص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق، [أو في خمسة أوسق])، شك داود. وهذا الأخبار لا دلالة فيها لمخالفينا؛ لأنا نخالفهم بيع العرايا في معناها؛ فروى ابن سماعة، عن أبي يوسف، عن أبي حنيفة: أن العربة هي النخلة يعروها الرجل الرجل، يعني: يحصل ثمرتها له تلك السنة ثم يبتاع منه ثمرتها بخرصها تمرًا، فيجوز عندنا؛ لأنه لم يملك الثمرة قيل القبض، فإذا أعطاه تمرًا بخرصها فكأنه وهب التمر، ولا يكون ذلك بيعًا في الحقيقة وإن تناوله اسم البيع مجازًا. 11554 - والدليل على أن العربة النخلة التي وهبت ثمرتها: السنة، واللغة. فالسنة: ما روى حماد بن سلمة، عن أيوب، وعبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى البائع والمبتاع عن المزابنة).

قال زيد ثابت - رضي الله عنه -: ورخص في العرايا، من النخلة والنخلتين توهبان للرجل، فيبيعهما بخرصهما. وذكر زيد بن هلرون، عن سفيان بن حسين: (أن العرايا نخل كانت توهب للمساكين [فلا يستطيعون أن ينتظروا بها]، فرخص لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم [أن يبيعوها بما شاءوا من التمر. وروى معمر عن ابن طاووس، عن أبي بكر بن محمد، (أن النبي - صلى الله عليه وسلم -] أمر أصحاب الخرص أن لا يخرصوا العرايا، قال: والعرايا أن يمنع الرجل من حائطه نخلًا، ثم يبتاعها الذي/ منحها من الممنوح بريعها كاملًا. وروى ابن علية، عن أيوب، قال الليث عن عطاء بن أبي رباح، أنه قال: (رخص لأصحاب العرايا أن يبيعوها من أهلها الذين أعروها).

وروى سهل بن أبي حثمة) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث أبا حثمة خارصًا فجاء رجل، فقال: يا رسول الله إن أبا حثمة زاد على، قال: فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا حثمة، فقال: إن ابن عمك يزعم أنك قد زدت عليه، قال: لقد تركت له قدر عرية أهله وما يطعم المساكين). وروى مكحول الشامي، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (هو لأنها صدقة، فلا تؤخذ الصدقة فيها، فهذه السنة. 11556 - وأما اللغة: فقال أبو عبيد: العرايا واحدها عرية، وهي النخلة يعريها صاحبها رجلًا [محتاجا]، والإعراء: أن يجعل له ثمرة عامها، فرخص لرب النخل أن يبتاع ثمرة تلك النخلة من المعرى بثمن لموضع حاجته. قال: أبو عبيد: للعرى أربعة أسماء يضعها في موضع العارية فيقع بها المدفوعة إليه.

11557 - والأصل في ذلك كله أنها ترجع إليه، وهي المنحة، والعرية، والأفقار، والأكيال، ولهذا قال حسان بن ثابت. ليست بسنهاء ولا رجبية .... ولكن عرايا في السنين الجوائح فيمدح بأن يجعل الأنصار عرايا، وإن كانت العرايا ما أفردت للأكل، فالبيع لم يمدح بذلك وإنما يمدح بالتبرع والصدقة. 11558 - وإذا دلت السنة واللغة على ما قال أبو حنيفة في معنى العرية، كان معنى الخبر: ما روي، أن الرجل كان يعرى المحتاج النخلة والنخلتين من حائطه، وكان أهل المدينة إذا جاءت الثمرة خرج الرجل بأهله إلى حائطه، فإذا جاء المعرى ثقل على صاحب الحائط دخوله على أهله فرخص لهم في دفع خرص ثمرتها حتى يصل المعرى إلى حاجته، ولا يستضر صاحب الحائط دخوله عليه، فلم يكن لمخالفنا في ذلك حجة. 11559 - فإن قيل: فهذا ليس ببيع. 11560 - قلنا: حملنا العرية على حقيقتها والبيع على مجازه، وحملتم البيع على حقيقته والعرية على ما خالف السنة واللغة؛ فتساوينا في ترك الظاهر. 11561 - وقولهم: إن أبا عبيد قال: العرية عبارة عن الإفراد، ليس بصحيح؛ لأنا حكينا كلام أبي عبيد، وما ذكروه من الإفراد لم يذكره.

11562 - قالوا: قال الأزهري: العرية النخلة التي يتردد أهلها إليها يلتقطون ما أدرك فيها دفعة بعد دفعة؛ فسميت عرية لأجل التردد إليها، يقال: عروته أعروه، وأعريته أعريه إذا قصدته للرفق، وأعتريه أعروه إذا أعطيته العرية. 11563 - قلنا: قول الأزهري لا يقابل قول أبي عبيد، ولا يعتد به معه، [كيف] وقد انضمت السنة إلى قول أبي عبيد. 11564 - ثم ما قال: ليس بصحيح؛ لأنه جعل العرية النخلة التي يتردد أهلها إليها، فإن كان يريد بأهلها المالكين لها في الأصل فهو يقول ذلك في جميع نخله، فلم يفرد هذه، فكيف تسمى عرية؟، وإن كان يريد أن المعرى يتردد إليها، فهو الذي قلنا. ثم استشهد على ذلك بضده؛ لأنه قال: عروته أعروه إذا قصدته للرفد، وهذا صحيح، فكيف يكون يتردد الرجل إلى نخلته تردد الرفد، وهذا كلام ممحل متكلف لا يلتفت إليه. 11565 - ويتأول الحديث الذي اعتمدوا عليه، وهو قوله: (إلا أنه أرخص في العرايا أن تباع بخرصها من التمر يأكلها أهلها رطبًا، وإنما المراد: (بأهلها) الذين أعروها، فدل أن المعرى هو الذي يبيعها من المعرى، وعندكم يأكلها

رطبًا إن ابتاعوها وليسوا أهل النخلة في الحقيقة. 11566 - قالوا: فإذا كان عندكم قد رجع في هبته فكيف تكون هبة. 11567 - قلنا: هي هبة أقام غيرها مقامها، والهبة قبل القبص: عرية وهبة، فرجوعه فيها لا يخرجها أن تكون هبة. 11568 - فإن قيل: لم تحملوا البيع على حقيقته ولا مجازه؛ لأنه يقول: دع ما وهبته لك حتى أهب غيره. 11569 - قلنا: هو بيع مجازًا؛ لأنه وقع النهي عن ما في الظاهر. 11570 - وإن سلم يكن عرضًا في الحقيقة، كما قال الفقهاء: باع من عبده، وليس ببيع في الحقيقة لكنه لما وقع باسم البيع وبظاهر المعاوضة، لم يمنع أهل اللغة أو الشرع من تسميته بيعا. 11571 - وقال الله تعالى: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم}، فسمي ذلك شراء، وإن كان ملكه تملكه. 11572 - قالوا: (نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المزابنة)، واستثنى هذا البيع فمنعتموه. 11573 - قلنا: لم نمنع ما تناولته الإباحة على الوجه الذي قررناه. 11574 - قالوا: فاعتبر [الصلاة و] السلام الخرص وأسقطتموه. 11575 - قلنا: لم نسقطه؛ لأن عندنا الأولى أن يعطيه خرصها حتى يوصله إلى مثل حقه، ونعلم أنه لم يقصد الرجوع في العرية، وإنما إلى دفع الضرر عن نفسه. 11576 - قالوا: في الخبر (فيما دون خمسة أوسق)، فأسقطتم التخفيف.

11577 - قلنا: لم نقدر الأوسق الخمسة إلا في خبر داود بن الحصين، وقد تكلم أصحاب الحديث عليه واتهموه في مذهبه، وعابوا مالكًا في أنه روى عنه، ولم يرو عن أبي سعيد. ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر الأوسق على المعتاد؛ لأنهم كانوا لا يعرون إلا النخلة والنخلتين، فذكر عليه [الصلاة و] السلام القدر الذي كانوا يعرونه في الغالب. 11578 - ومن أصحابنا من قال: إنما ذكر أقل من خمسة أوسق؛ لأن الخمسة نصاب الصدقة، ويكره عندنا أن يتصدق على واحد بمقدار النصاب ويستحب ما دونه. فذكر المقدار الذي لا يكره، والخمسة أوسق وإن لم تكن نصابًا عند أبي حنيفة للوجوب، فهي نصاب المطالبة؛ لأن ما دونها لا يأخذه المصدق، لكنه يكله لرب المال، والصدقات تتقدر في الشرع، وما يعقد عليه البيع لا يتقدر، ثم الشافعي أيضًا لا يعتبر الأوسق بكل حال؛ لأنه يجوز بيع تسعة أوسق من اثنين صفقة واحدة. 11579 - فإن قيل: فالنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (يأكلها أهلها). 11580 - قلنا: قد بينا أن أهلها صاحب النخل وهذا يسقط قولهم، ولم يذكر هذا على وجه التعليل، وإنما وصف الحال. 11581 - قالوا: الاستثناء من جنس المستثني منه، فيجب أن لا يستثنى بيعًا من بيع. 11582 - قلنا: في الخبر حظر، وأما إباحة ما استثنى فلا، ولو سلمنا أنه استثنى: فالمستثني منه المزابنة وهو بيع منهي عنه، فالاستثناء بيع جائر.

11583 - وكذلك نقول: إلا أنه بيع ليس لازم، فهو في حكم المستثنى منه الذي ليس بلازم. 11584 - فإن قيل: قد ذكر الرخصة ولا وجه لها عندكم. 11585 - قلنا: غلط؛ لأن عليهم آثار نيل الرخصة؛ لأن المعرى يأخذ العوض عما لم يملك. 11586 - وقال غيره: الرخصة من المعرى؛ لأنه وعد بوعد فرخص له أن يترك الوفاء به ويدفع عوضًا عنه؛ وهذا الذي ذكرناه أولى؛ لأنه تأويل يوافقه قول السلف ومذهب العربية، وتبقى الأصول المعلومة على حالها ولا يخالفها؛ لأن الأصل المعلوم: أن الجنس الذي يعتبر فيه المماثلة لا مدخل للخرص فيه وإنما يعتبر بالكيل أو الوزن، فكان ذلك أولى من إثبات خلاف الأصول المقطوع [بها] بخبر الواحد. فقد روى الشافعي حديثا فيه قلت لمحمود بن كثير (قال محمود بن لبيد لرجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يتبايعون به رطبًا يأكلون مع الناس، وعندهم فضول من قوتهم من التمر، فرخص لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتبايعوا العرايا بخرصها من التمر الذي في أيديهم، يأكلون به رطبًا). 11587 - قلنا: هذا خبر ذكره الشافعي فلم يبين من بينه وبين محمود بن لبيد، ثم شك عن زيد بن ثابت رواه أو عن غيره. 11588 - وقد بينا عن زيد بن ثابت بإسناد صحيح عن حماد بن سلمة عن أيوب، وعبد الله بن عمر، عن نافع - رضي الله عنه - مثل قولنا.

11589 - وهذا الخبر الذي ذكروه لا يعرف ولا ذكره أحد، ثم ليس يمتنع أن يكون رخص لهم أن يتبايعوا العرايا من المعرى ذلك إذ سلم ذلك المعرى، فيجوز عندنا ويكون في حكم الهبة من الثاني والصدقة عليه. 11590 - قالوا: كل ما جاز بيعه مطلقًا من شجرة بغير التمر جاز بيعه خرصًا بالتمر، كالعنب. 11591 - قلنا: المعنى في العنب: أنه يجوز بيعه بالتمر إذا كانا على الأرض، فجاز إذا كان الرطب على النخل، ولما لم يجز بيعه بالتمر خرصًا أو كانا على الأرض، كذلك إذا كان على النخل. * * *

مسألة 599 بيع العقار قبل قبضه من بائعه

مسألة 599 بيع العقار قبل قبضه من بائعه 11592 - قال أبو حنيفة، وأبو يوسف: يجوز بيع العقار قبل قبضه من بائعه. 11593 - وقال محمد: لا يجوز بيعه، وبه قال الشافعي. 11594 - لنا: أنه عقد على معين [لا يخشى فساده بهلاكه، فجاز التصرف فيه، كالمملوك] بالميراث. 11595 - فإن قيل: إذا كان العقار لا يهلك لم يصح قولكم: إن السبب لا يفسد

بهلاكها. 11596 - قلنا: أحكام النفي إذا علقت/ بالمستحيل كان ذلك أقوى للنفي. 11597 - فإن قيل: المعنى في المقبوض أنه دخل في ضمان المبتاع، وما لم يقبض لم يدخل في ضمانه، فلم يجز تصرفه فيه. 11598 - قلنا: علة الأصل تبطل بمن اشترى طعامًا مكايلة فقبضه بغير كيل فدخل في ضمانه، ولا يجوز تصرفه، وعلة الفرع تبطل بالأثمان يجوز تصرفه فيها وإن لم تدخل في ضمان البائع. 11599 - فإن قيل: إذا قبض الطعام بغير كيل جاز أن يبيع منه ما يتيقن أنه حقه. 11600 - قلنا: لا يجوز تصرفه في جميعه، وهو موضع القبض، لم نسلم؛ لأنه لو هلك ثم استحق لم يجب على الوارث ضمانه. 11601 - ولأن كل حالة يستحق المبيع فيها بالشفعة صح تصرف المبتاع فيها، أصله: ما بعد القبض. 11602 - فإن قيل: الشفعة لا تستحق إلا بعد القبض؛ لأن الشفيع إذا طالب أُمر البائع بتسليم المبيع، ثم قُضي على المشتري. 11603 - قلنا: هذا كلام في القضاء في المستحق كيف يقضي، وكلامنا في الاستحقاق، لا خلاف أن للشفيع المطالبة، فدل أن الشفعة ثبتت ووجبت المطالبة قبل القبض. 11604 - ولأن المقصود بالعقد الملك والتصرف، فإذا جاز أن يستفاد أحدهما في المبيع بالعقد جاز أن يستفاد الآخر. 11605 - ولأنها حال يجوز رهن المبيع فيها؛ فجاز بيعه كما بعد التخلية. 11606 - ولأن العقد والقبض كل واحد منهما سبب الضمان؛ ألا ترى: أن العقد يضمن به الثمن والقبض يضمن فيه المبيع، فإذا جاز أن يستفاد التصرف في المبيع

بأحد السببين كذلك الآخر. 11607 - ولأن المبيع أحد بدلي العقد؛ فجاز أن ينقل من ملكه إلى ملك غيره قبل القبض، كالثمن. فإن سلموا صح التصرف في الثمن والأصل إذا أحال البائع رجلًا على المشتري به. 11608 - احتجوا: بحديث حكيم بن حزام قال: (قلت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إني أشتري هذه البيوع، فما يحل لي منها وما يحرم علي،، فقال: إذا اشتريت بيعًا فلا تبعه حتى تقبضه). 11609 - وقال: (وبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - على صدقته عتاب بن أسيد إلى مكة، وقال له: انههم عن بيع ما لم يقبض، أو ربح ما لم يضمن). وروى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يحل بيع وسلف، ولا شرطان في بيع، ولا بيع ما ليس عندك، ولا ربح ما لم تضمن). 11610 - قلنا: القبض بيع في الحقيقة للتناول، ويعبر به عن التخلية حكمًا، وقد أجمعوا أنه أريد بهذه الأخبار حقيقة القبض فيما يمكن فيه، لم يجز أنه يحمل

على القبض الحكمي في الخيار، فيتناول اللفظ أمرين مختلفين. 11611 - فإن قيل: الاسم يجب حمله على العرف، وإن كان في اللغة بخلاف العرف، [وقبض العقار في العرف التخلية. 11612 - قلنا: الاسم يحمل على اللغة أو العرف]، فأما أن يحمل على ما في حكمه وحده فلا، وقد ثبت تناول الأخبار للقبض اللغوي الذي هو الحقيقة فلا يحمل على غيره. 11613 - قالوا: معنى دخل فيه المبيع من ضمان المبتاع؛ فوجب أن يستفيد التصرف، كالقبض فيما ينقل ويحول، فلا يبطل إذا قبض المبيع بغير إذن البائع قبل نقد الثمن، فإن المبيع يدخل في ضمانه [ولا يستفاد به التصرف فيه، وكذلك إذا ابتاع طعامًا مكايلة فقبضه بغير كيل دخل في ضمانه]، ولم يستفد بذلك جواز التصرف على ما قدمنا. 11614 - والمعنى في القبض في المنقولات: أن ملك المشتري يستقر بها، ألا ترى: أن بعد القبض لا يعود إلى ملك البائع من غير فعل أحد ولا يبقى في ملك المبتاع له، وإن هلك فينتفض ملكه فيها، فيقع هلاكها على ملك البائع فلم يجز التصرف لعدم استقرار الملك، والعقار قبل القبض قد استقر فيه الملك، لأنه لا يعود إلى ملك البائع بغير فعل حادث. 11615 - فإن قيل: من مذهب أبي حنيفة أن العبد المقبوض إذا اقتص منه بقتل كان في يد البائع انفسخ البيع فيه، فالملك غير مستقر، وإن جاز التصرف فيه.

11616 - قلنا: لا يلزمنا أنه لا يعود إلى ملك البائع إلا بفعل حادث وهو استيفاء القصاص، ولو تلف في يده بنفسه لم يعد إلى حكم البائع. 11617 - فإن قيل: إذا ابتاع طعاماً مكايلة وقبضه بغير كيل، استقر ملكه، ولا يجوز تصرفه. 11618 - قلنا: ليس كذلك؛ لأن محمداً قال: يجوز بيعه مجازفة قبل إعادة الكيل، وإنما لا يجوز مكايلة، وليس عند أبي حنيفة خلاف ذلك. 11619 - فإن قيل: لو باع علو بيته جاز التصرف فيه قبل القبض، وملك المشتري لم يستقر؛ إذ قد يحترق فينفسخ ملكه. 11620 - قلنا: هذه المسألة تكلم فيها أصحابنا، فقول أبي يوسف: أن البيع لا ينفسخ؛ لأن حق الموضع باق، ولهذا قال: إنه يستحق به الشفعة بغير بناء. 11621 - فإن قيل: علة الفرع تنتقض بالمهر في يد الزوج؛ لأن الملك ينتقض فيه بهلاك من غير فعل أحد، ويجوز تصرفها فيه. 11622 - قلنا: لا ينتقض من غير أثر؛ لأن القيمة تجب لها، ولو انتقض الملك من غير أثر وجب مهر المثل. 11623 - قالوا: عين ملكها ببدل، فوجب أن لا يجوز لمالكها بيعها قبل قبضها، أصله: ما ينقل ويحول. 11624 - قلنا: المعنى فيما ينقل ويحول وجب أن يتعلق بالقبض فيما لا ينقل ولا يحول، كالضمان. 11625 - قلنا: ينتقض بدخول المبيع في ضمان المشتري لحق الغير، فإنه يتعلق بالقبض فيما ينقل ويحول ولا يتعلق بالقبض في العقار؛ لأن البائع إذا خلّى بينه

وبين المشتري فاحترق ثم استحقه مستحق لم يكن له تضمين المشتري؛ لأن الضمان فيما ينقل ويحول تعلق بالقبض بغيره، ألا ترى: أنه لو أعتق العبد دخل في ضمانه، وعلامة جواز التصرف فيما ينقل تتعلق باستقرار الملك لا بالقبض، ولهذا يجوز التصرف في المهر قبل القبض لاستقرار الملك فيه وإن لم يقبض. * * *

مسألة 600 التصرف في المهر، وبدل الخلع قبل القبض

مسألة 600 التصرف في المهر، وبدل الخلع قبل القبض 11626 - قال أصحابنا: يجوز التصرف في المهر، وبدل الخلع قبل القبض. 11627 - وقال الشافعي: عن كان عيناً لم يجز قولاً واحداً. 11628 - لنا: أنه حالة لو هلك المهر لم يؤثر في العقد؛ فجاز التصرف فيه من كل وجه، أصله: بعد القبض. 11629 - ولأنه مملوك بسبب لا ينفسخ بهلاكه، كالمملوك بالميراث، والمهر ليس يعقد عليه عقد النكاح، وإنما يعقد عليه عقد هو التسمية [، ولهذا يصح العقد دون التسمية]؛ ثم يسمى المهر، فإذا هلك انفسخ العقد عليه الذي هو التسمية ووجب الرجوع إلى مهر المثل عندنا. 11630 - قالوا: وصف غير مسلم. 11631 - قلنا: التسمية في النكاح يريد البدل، فأما أن يكون عقداً عن النكاح: فلا؛ ألا ترى: أن البدل المملوك في العقد في مقابلة المعقود عليه لا يكون مملوكاً بغير العقد، وليس إذا انفرد والتسمية عن العقد كان عقداً آخر لكنها ببدل ملحق، كالزيادة في الثمن عندنا. 11632 - قالوا: عقد النكاح لا ينفسخ بهلاك المهر، لكن ينتقل الحق إلى عوضه، كما أن المبيع إذا هلك ينتقل الحق إلى الثمن؛ فلا فرق بينهما.

11633 - قلنا: إذا هلك المبيع انفسخ العقد؛ فوجب رد الثمن. فأما أن يكون المبيع انتقل إليه: فلا. وفي مسألتنا: السبب الموجب للمهر بحاله هو العقد، فإذا تعذر تسليم المهر انتقل إلى غيره. 11634 - ولأنه أحد بدلي النكاح؛ فجاز التصرف فيه قبل قبضه، أصله: البضع إذا تصرف فيه بالخلع. 11635 - فإن قيل: الخلع فسخ، فيجوز قبل القبض كما تجوز الإقالة، وبيع المهر تمليك فيصير كبيع المبيع. 11636 - قلنا: إذا خالفها على عوض عن المهر فهو تصرف مبتدأ وليس بفسخ؛ لأن الفسخ إنما يكون بالعوض الذي يقع العقد عليه. 11637 - ولأنه دين وجب لمعنى لا يصير في تمامه القبض في المجلس، فجاز التصرف فيه قبل القبض كقيمة المتلفات. 11638 - ولأنه مملوك بسبب لا تقف صحته على تسمية بدل، كالمملوك بالوصية. 11639 - احتجوا: بأنه غير. ملكه ببدل، فلا يجوز لمالكه بيعه قبل القبض، أصله: ما ينقل إذا ملك بالشراء. 11640 - قلنا: المعنى في المبيع أنه لا يؤمن فساد العقد بهلاكه، فلم يستقر الملك فيه، وفي المهر بخلافه. * * *

مسألة 601 هل تعتبر التخلية بين المشتري وبين المبيع قبضا

مسألة 601 هل تعتبر التخلية بين المشتري وبين المبيع قبضاً 11641 - [قال أصحابنا]: التخلية بين المشتري وبين المبيع غير مانع من قبضه قبضاً يدخل المبيع به من ضمان المشتري لحق البائع. 11642 - قال ابن شجاع: كان أبو حنيفة يقول: التخلية- حيث يمكنه أخذه ونقله بقبض يصير به في ضمان المشتري، ويذكر أن ذلك اتفاق من أهل العلم. 11643 - وقال الشافعي: القبض في الدراهم والدنانير يتناولها بالبراجم. وإن كان ثياباً أو نحوها فالقبض نقلها من مكانها. وإن كان طعاماً اشتراه جزافاً فالقبض نقله. وإن كان كيلاً فالقبض الصحيح الكيل، فإن كان حيواناً وسمه، أو عبداً، فالقبض أن يمشي من مكانه. وإن كان مما لا ينقل ولا يحول كالعقار والشجر فالقبض فيه التخلية من غير مانع.

11644 - لنا أن التخلية معنى يوجب دخول الثمر في ضمان المشتري إذا كانت على رءوس النخل؛ فأوجب دخول العرف في ضمانه، أصله: النقل. 11645 - ولأن التخلية وجدت من جهة البائع من المبيع والمبتاع من غير مانع، فوجب أن يدخل في ضمانه، كالأشجار. 11646 - ولأنه نوع مبيع؛ فيدخل في ضمان المشتري قبل النقل. أصله: الثمرة. 11647 - احتجوا: بما روي عن ابن عمر - رضي الله عنه - (قال: كانوا يتبايعون الطعام جزافاً أعلى السوق، فنهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يبيعوه حتى ينقلوه). 11648 - قلنا: هذا لا دلالة فيه؛ لأنهم كانوا يتبايعون طعام الجلب في ظروفه ولا يشاهدونه، ثم لا يرونه حتى ينقلوه إلى رحالهم، فنهى عن بيعه قبل الرؤية/ حتى لا يثلزموا بيعاً بمجهول الصفة. 11649 - وهذا معنى ما روى بن ثابت - رضي الله عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تباع السلع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم)؛ لأنهم كانوا يتبايعونها عند تلقي الجلب ولا يرونها حتى يحوزوها. 11650 - قالوا: روى ابن عمر - رضي الله عنه -: (ابتعت زيتاً في السوق، فلما استوجبته لقيني رجل فأعطاني بها ربحاً حسناً، فأردت أن أضرب على يده، فأخذ رجل من

خلفي بذراعي، فالتفت فإذا زيد بن ثابت، فقال: لا تبعه [حيث ابتعته] حتى تحوزه إلى رحلك، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم. 11651 - قلنا: قوله: لما استوجبته، ليس فيه أنه قبضها، فنهاه عن بيعها؛ لأنه لم يقبضها، وقال: (حتى تحوزها إلى رحلك)، يعني حتى تقبضها، ونيته تدل عليها، وغني عن ذلك بإحرازها إلى رحله، كما أن عندهم أراد النقل وعبر عن ذلك بالإحراز إلى الرحل، وليس بواجب عندهم. 11652 - قالوا: ابتاع ما ينقل، فإذا باعه قبل نقله لم يصح، كما لو باعه قبل التخلية. 11653 - قلنا: إذا لم توجد التخلية لم يجز التصرف في الثمرة، كذلك في المنقولات، [وما بعد التخلية يجوز التصرف في الثمرة كذلك في المنقولات]. 11654 - ولأن التخلية متى لم توجد فالبيع المنقول في يد البائع، فلم يجز تصرف المبتاع. وبعد التخلية قد أقبض البائع ومكن المشتري من القبض، فالنقل تصرف من جهته فلا يقف تصرفه عليه، كلبس الثوب وسكنى الدار. 11655 - فإن قيل: النقل والتحويل يتعلق به ضمان الغصب عندكم، ولا يتعلق بالتخلية.

11656 - قلنا: لأن المغصوب في يد مالكه، فإذا خلى الغاصب من نفسه وعنه فلم تزل يد الملك عنه حكماً، فلم ينتقل إلى ضمان الغاصب وفي المبيع قد أزال البائع يده عنه بالتخلية، فلم يبق عليه يد إلا يد المبتاع فقد دخل في ضمانه. * * *

مسألة 602 حكم من باع مصراة قد صرها البائع الأول 11657 - قال أصحابنا: إذا باع شاة أو بقرة أو ناقة قد صرها البائع، فحلبها المشتري، فلا خيار له. 11658 - وقال الشافعي: يردها ويرد معها صاعاً من تمر. 11659 - فإن ابتاع جارية مصراة ردها، وهل يرد معها صاعاً من تمر، فيه وجهان، أحدهما: يرد، كالشاة، والآخر: لا يرد شيئاً. 11660 - والأتان المصراة يردها ولا يرد معها شيئاً إلا على قول من قال: إن لبنها طاهر من أصحابهم، فإنه جعلها كالشاة. 11661 - واختلفوا في توقيت الخيار، فمن أصحابه من قال: بأن خيار التصرية مؤقت بثلاثة أيام ولا يجوز ردها قبل ثلاثة أيام، وإن بين التصرية، فإن لم يرده

عقيب الثلاث، فليس له الرد. 11662 - ومن أصحابه من قال: خيار التصرية خيار العيب وليس بمحدود، وذكر الأيام الثلاثة في الخبر: محمول على أن العقد وقع بخيار الشرط. 11663 - وإن استمر اللبن فلم ينقص فيما بعد حال التصرية، هل يثبت الرد؟ فيه وجهان. 11664 - وأما الذي يرد عوضاً عن اللبن: فمن أصحابه من قال يرد صاعاً من غالب قوت الناس في البلد. ومن أصحابه من قال يجب التمر. 11665 - فإن أعطاه البر وهو أكثر قيمة من التمر جاز، فإن كان أقل قيمة لم يجز. 11666 - الدليل على صحة ما قلنا: قوله عليه [الصلاة و] السلام: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا)، ظاهره أن الخيار لا يثبت بعد الافتراق. 11667 - ولأنه تلبيس من غير عيب؛ فلا يوجب الرد. أصله: إذا سود أنامل العبد حتى ظن أنه كاتب، أو ثيابه حتى ظن أنه خباز. 11668 - ولأنه تحسين للبيع لم يستر عيباً فيه؛ فصار كما لو صقل الثوب أو دقه.

11669 - ولأنه فاته منفعة موهومة غير مشروطة فصار كمن ابتاع عبداً في زي الخبازين، وكان غير خباز. 11670 - ولأنه لم يظهر على نقص في المبيع ولا فائت فيتبعه شرطها؛ فلم يثبت له خيار القبض، كمن اشترى شاة منتفخة الخاصرة، ظنها حاملاً، أو اشترى عبداً فظنه كاتباً. 11671 - ولأن اللبن في مضمون خلقة حيوان، ما غيره فيه البائع، فلا يثبت فيه الخيار، كاللحم والحمل. 11672 - احتجوا: بما روى مالك عن أبي الزياد، عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يجلبها إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر). 11673 - وروى ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من ابتاع محفلة فهو بالخيار ثلاثة أيام فإن ردها رد [معها] مثل لبنها قمحاً). 11674 - قالوا: وفي هذه الأخبار أدلة ثلاثة، أحدها: نهي عن التصرية وهي مباحة عند أبي حنيفة، والثاني: جعل له الخير غير مضبوط في الأصل لاختلاف ألفاظه. وروى محمد بن سيرين، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من اشترى

شاة مصراة أو لقحة مصراة فحلبها، فهو بخير النظرين بين أن يخيرها وبين أن يردها، وإناء من طعام)، فذكر خياراً غير مؤقت وذكر إناء من طعام. وروى محمد بن زياد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - (صاعاً من طعام لا سمراء)، يعني: لا حنطة، وهذا يقتضي الشعير. وروى موسى بن أنس، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من اشترى شاة مصراة فلينقلب بها فليحلبها، فإن رضي حلابها أمسكها وإلا ردها ورد معها صاعاً من تمر). 11675 - فهذا لا يجب وليس فيها توقيت الخيار، وقد اختلف ألفاظها في المردود. وروى سهيل بن أبي صالح عن أبيه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - (أنه عليه [الصلاة و] السلام قال: من ابتاع شاة مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام، فإن شاء أمسكها وإن شاء ردها ورد معها صاعاً من تمر). وروى الأعرج عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر فيه: (فإن صاحبها بالخيار ثلاثة أيام).

11676 - فلما اختلف الخبر في مقدار المردود، وفي إطلاق الخيار وتوقيته، على أنه غير مضبوط في الأصل، فأوجب ذلك التوقف فيه. وقد فعلت الصحابة ذلك في أخبار أبي هريرة، فروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من أصبح جنباً فلا صوم له، فقالت عائشة: رحم الله أبا هريرة نحن أعلم بهذا منه). وروى أنه عليه [الصلاة و] السلام قال: (إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً)، فقال له قيس الأشجعي: فما يضع بالمهراس؟). 11677 - ولسنا نقدح في أبي هريرة، ولا نرد أخباره، لكنه أكثر الرواية، فإذا نقل عنه خبر مضطرب الألفاظ توقفنا فيه، إذ اختلافه يؤدي لقلة الضبط في أصله. 11678 - فإن قيل قد قبل أقبو حنيفة خبره في أكل الناسي وترك القياس فيه. 11679 - قلنا: قال أبو حنيفة: لولا قول الناس لقلت: يقضي، فرجع إلى عمل الناس. 11680 - والخبر والعمل إذا انضم إلى الرواية كانت دلالة على صحتها، فلم يترك قياس الأصول بمجرد خبره، لولا عمل الناس به. 11681 - وقولهم: كيف يجعل كثرة حديثه طعناً، وهذا يدل على كثرة علمه وحفظه ليس بصحيح؛ لأنا قد بينا أنا لا نطعن فيه، ولكن الصحابة أنكروا على الناس كثرة الرواية ومنعوا منها. 11682 - وقد قال أبو هريرة: (لو حدثت هذه الأحاديث على عهد عمر لرأيت الدرة تصعد على رأسي وتنزل)، وإنما منعت الصحابة من الإكثار كراهة الغلط

والتحريف على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 11683 - وقد قال أبو حنيفة رحمه الله: إن هذا الخبر منسوخ، ولم يبين كيفية النسخ، فيحتمل أن يكون وجه النسخ: أن التصرية أمر منهي عنه، بدلالة: ما روى مسروق عن عبد الله قال: (أشهد على الصادق المصدوق، أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: إن بيع المحفلات خلابة، ولا تحل خلابة مسلم). 11684 - وقد كانت العقوبات في ابتداء الإسلام تتعلق بالأموال؛ بدلالة: ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (في كل [أربعين]: بنت لبون، فمن منعها فإنا نأخذها وشطر ماله، عزمة من عزمات ربنا، لا يحل لآل محمد منها شيء. وروى عبد الله بن عمرو: (أن رجلاً من مزينة أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ما ترى في حريسة الجبل، قال: هي ومثلها والنكال، وليس في شيء من الماشية قطع إلا ما أواه الجرين، مثله وجلدات نكال). وقال عليه [الصلاة و] السلام فيمن وقع على جارية امرأته: (إنها إن كانت طاوعته: كانت مملوكة له، وكان عليه مثلها لامرأته، وإن كان استكرهها:

كانت حرة وعليه لزوجته مثلها). 11685 - ولذلك يجوز أن يكون الرد، والفسخ من ضمان اللبن عقوبة له على الخداع، وقد نسخت هذه الأحكام، وجعلت العقوبة في الأبدان دون الأموال، فصح ذلك أيضاً. 11686 - ويجوز ان يكون هذا قاله - صلى الله عليه وسلم - في الحال التي كانت بيع الحمل واللبن في الضرع جائز، وقد كانت هذه بيوعاً في الجاهلية، فإذا باع المحفلة فقد باع الشاة واللبن، ومن اشترى شيئين فشاهد أحدهما ثبت له خيار الرؤية فيهما جميعاً، فأثبت النبي - صلى الله عليه وسلم - رد الشاة لعدم رؤية اللبن وهو مبيع، ثم نسخ بما روي أنه عليه [الصلاة و] السلام [نهى عن بيع الحمل، وعن بيع اللبن في الضرع)، وصار العقد واقعاً على الشاة وحدها، ولا عيب بها، ولا يثبت الرد، ولهذا ألزم المشتري صاعاً من تمر حصة اللبن من التمر؛ لأنه كان ابتاعها بتمر، والذي قال: صاعاً من/ حنطة]؛ لأنه كان ابتاعها بحنطة.

11687 - فإن قيل: كيف يثبت الرد بخيار الرؤية، والشاة دون اللبن، فتفرق الصفقة، ومن أصلكم: أن من ابتاع شيئين لم يرهما وتعذر الرد في أحدهما تعذر فيهما. 11688 - قلنا: إنما لا يجوز تفريق الصفقة في الإتمام؛ لأنه يؤدي إلى جهالة البدل، فلما جاز العقد فيه فالحال التي كان يجوز فيها بيع اللبن كان لا يؤثر في العقد بالحظر وللجهالة، فلذلك ثبت الفسخ في أحدهما دون الآخر. 11689 - وجواب آخر: وهو أن هذا خبر واحد، ورد مخالفاً للأصول، وذلك لأنه أثبت الفسخ لا لنقص ولا لفوات شرط، ويفسخ العقد لأن البائع غير المبتاع وإن كان المبتاع لم يشاهد ضرعها ولا خطر له لبنها. 11690 - والغرر إذا أثر في العقد لم يجز أن يؤثر والمشتري لم يعتبر به. وتحريم اللبن وما في مضمون الخلقة لا حصة له في الثمن كاللحم والحمل، وإذا ثبت الرد مع نقصان ثبت في البيع؛ لأن حلب اللبن يقصر فيه، ثم جعل اللبن مضموناً بغير جنسه، والأصول مبنية على أن اللبن يضمن مثله، ثم قدره بصاع زائداً أو ناقصاً، والأصول تضمن بمقدارها، ولا يتقدر ضمانها تقديراً لا يزيد ولا ينقص، ثم أوجب على المبتاع صاعاً، وإن كان ثمن الشاة أولى من صاع، ثم تسلم للبائع المبيع والثمن وزيادة عليه. 11691 - ومن أصلنا: أن خبر الواحد إذا كان مخالفاً للأصول لم يجب العمل به ووجب حمله على وجه يوافقها؛ لأن الأصول مقطوع بها، فلا تترك أحكاماً معلومة بالظن؟! 11692 - فإن قيل: فلم قبلتم خبر نبيذ التمر والقهقهة؟.

11693 - قلنا: لأنهما لم يخالفا قياس الأصول، ألا ترى: أن الماء المتغير لم يجمع على امتناع الوضوء [به]؛ لأن من الفقهاء من جوز الوضوء بالخل ونبيذ الزبيب. 11694 - وكذلك خبر القهقهة لا يخالف الأصول؛ لأنه يضمن حكماً لم يجمع على خلافه؛ ألا ترى: أن الخبر يقتضي مخالفة الصلاة لما قبلها من إيجاب الطهارة، وهما مختلفان بالاتفاق عندنا في القهقة، وعندهم في المتيمم إذا رأى الماء في الصلاة، وإنما كل واحد من هذين الخبرين يخالف قياس الأصول، وعندنا أن خبر الواحد أولى من قياس الأصول. 11695 - فإن قيل: إذا خالف الخبر الأصول صار أصلاً في نفسه. 11696 - قلنا: الأصول المقطوع عليها لا يجوز أن يساويها أصل ثبت عن مظنون ويعارضها. 11697 - فإن قيل قولكم: إنه أثبت الفسخ لغير نقص، ولا فوات شرط ليس بصحيح؛ لأنه غره وخدعه فنقص المبيع عما شاهده. 11698 - ثم الخبر يقتضي الفسخ بالتصرية وإن لم يشاهد المشتري الضرع ولا عاينه ولا خطر بباله، فكيف يكون البيع لأجل الخداع،. 11700 - قالوا: قولكم أن في مضمون الخلقة لا حصة له كاللحم والحمل: لا يصح؛ لأن الحمل واللحم لا يمكنه أن يفصله في الحال وتسلمه، واللبن يقدر على إخراجه في الحال، فلذلك كان له حصة من الثمن. 11701 - قلنا: هذا الاختلاف لا يمنع أن يساوي اللبن الحمل في أن كل واحد منهما لا يجوز إفراده بالعقد، لذلك لا يمنع تساويهما في سقوط الحصة. 11702 - قالوا: قولكم: إنه أثبت الفسخ مع نقصان الحلب؛ لأنه لا يقف على العيب إلا به، فلم يمنع الرد كمن اشترى جوزاً أو بيضاً فكسره.

11703 - قلنا: قولكم في كل واحد من هاتين المسألتين يخالف الأصول، فلا يستشهد بأحدهما على الآخر. 11704 - قالوا: قولكم: إنه قوَّم اللبن بغير جنسه- لأن قدره غير معروف- فضمنه بغير جنسه حتى لا يؤدي إلى الربا، كما نقول جميعاً فيمن استهلك إناء فضة قوم بالذهب. 11705 - قلنا: لو كان كذلك لوجب إذا اشترى صبرة مكايلة وقبض بعضها بغير كيل فهلك الباقي في يد البائع أن يضمن المشتري قيمة ما قبضه بغير جنسه، كذلك لو اغتصب لبناً لا يعرف قدره فلا يُضمن فلما لم يقبل هذا جعلنا القول قول الضامن، وألزمناه ما يعرف به، على [أن] ما قالوه يخالف الأصول. 11706 - فإن قيل: قد أوجب الثمن عليه [الصلاة و] السلام في المصراة من الإبل وحجب عن جنسها من الغنم. 11707 - قلنا: وجوب الدية في الحيوان أصل فاسد بالإجماع؛ ولا يعتبر مخالفته بأصل آخر. 11708 - فإن قيل: قولكم: إنه ضمَّنه قيمة اللبن صاعاً زائداً أو ناقصاً لا يخالف الأصول؛ لأنه قدر ذلك لإسقاط التنازع، كما قدر ما يجب في الجنس. وسوى بين الذكر والأنثى لما لم يكن الوقوف على حال كل منهما، وسوى بين القليل والكثير في الموصى به في قدر المضمون. 11709 - قلنا: هناك ضمان جناية، وضمان الجنايات مقدر في الأصول، وهذا ضمان مال وذلك لا يتقدر.

11710 - فإن قيل: قولكم إن ثمن الشاة إذا كان صاعاً أو أقل ردها ورد صاعاً معها، فاجتمع له التمر والزيادة والمبيع، ولا يصح؛ لأن من أصحابنا من قال: إن كان ثمنها صاعاً قوم اللبن بأقل من صاع. 11711 - قلنا: لسنا نتكلم على مذهبكم وإنما نتكلم على مخالفة الخبر الأصول، والخبر يقتضي وجوب رد الصاع في جميع الأحوال. 11712 - قالوا: من ابتاع عبداً بصاع تمر لزمه برده صاع تمر، وإن كانت الصدقات إخراج قليل من كثير. 11713 - قلنا: هذا مخالف لأصول الصدقات، لكنه حكم مجمع عليه، فصار أصلاً في نفسه. 11714 - وجواب آخر: وهو أن أبا يوسف حمل الخبر على من باع محفلة بشرط حلابها مقداراً، فهذا بيع فاسد عندنا لمعنى ملحق، فإذا وقف على حالها كان بالخيار بين إمساكها وإسقاط الشرط، وبين ردها بالفساد الحادث في البيع الفاسد المضمون على المشتري وإن تعذر رده لتغيره، فأوجب عوضه مرة تمراً ومرة طعاماً لإمكان غالب نقدهم، وهذا التأويل وإن كان فيه إثبات شرط غير مذكور فهو أولى من حمله على ما يخالف الأصول الثابتة المجمع عليها. 11715 - قالوا: روي مثل قولنا عن أبي هريرة، وابن مسعود رضي الله عنهما، ولا مخالف لهما. 11716 - قلنا: هذا لا يثبت الإجماع؛ لأنه لم ينتشر، ولم يجب تقليدهم عندنا فيما خالف الأصول الثابتة. 11717 - قالوا: بدل يخلف الثمن لأجله؛ فوجب أن يملك به الرد، كما لو غير نبطية بخضاب، أو سود شعرها.

11718 - قلنا: أما أن يخضب الشعر فلا يثبت به خيار؛ لأن كونها نبطية ليس بعيب، وأما سواد الشعر فلا يثبت الخيار بالتدليس فيه، ولا يثبت الخيار الشيب خاصة إن لم يخضبه. وفي مسألتنا: لو لم يدلس بنقصان الخبر لم يثبت الخيار، كذلك إذا دلسه، كاللحم والحمل. 11719 - وفرق محمد: إن صهوبة الشعر عيب وإن لم يدلس بالخضاب، فأما إن خضب الشعر فلا يثبت الخيار؛ لأن الشقرة ليست بعيب، فتحسينها بالخضاب لا يثبت الخيار. 11720 - وقد جعل بعضهم أصل هذه العلة إذا باع رحى وقد جمع الماء على رأسه عند البيع حتى شاهده المشتري: وهذا على تفصيل: فإن كان الماء الأصلي يدير الرحى إلا أنه زاد فيه بالجمع فلا خيار له؛ لأن قلة الطحن ليس بعيب. وإن كان لا يدير الرحى ولا يفيد به، فهذا عيب في نفسه، دلسه بجمع الماء أو لم يدلسه، فلا فرق بينه وبين الخضاب. * * *

مسألة 603 اطلاع المشتري على عيب في المبيع بعد زيادته عنده

مسألة 603 اطلاع المشتري على عيب في المبيع بعد زيادته عنده 11721 - قال أصحابنا: إذا ولد المبيع في يد المشتري، أو حلبت الشاة، أو أثمر النخيل، ثم اطلع على عيب والزيادة في يده: لم يجز رد المبيع بالعيب. 11722 - وقال الشافعي: يرد الأصل، وتسلم له الزيادة. 11723 - لنا أنه نماء من نفس المبيع، فوجب أن لا يفسخ على الأصل دونه. 11724 - قالوا: نماء يتميز، فصار كالكسب. 11725 - قلنا: ليس إذا لم يتميز النماء ما يجب أن يتبع المبيع في الفسخ، كما لو خلط المبيع بغيره. 11726 - وعلة الفرع تبطل بالأرش؛ لأنه نماء متميز ينفصل، فجاز أن يمنع الرد، أصله: الأعضاء. 11727 - ولا يلزم الدم والسرجين؛ لأنه ليس بمتقوم. 11728 - فإن قيل: المعنى في الأعضاء إذا قطعت: أنه حدث بالمبيع عيب، فلهذا يمتنع الرد.

11729 - قلنا: ليس النقص هوالمانع، وإنما المانع هو الأرش عندنا؛ بدلالة: أن البائع لو رضي بأخذه لم يكن له ذلك مع وجود الأرش. 11730 - فإن قيل: المعنى فيه: أنه لو حدث في يد البائع [لم يثبت الخيار. 11731 - قلنا: إذا قطع المشتري يد العبد في يد البائع [، فلا خيار له، ولو فعل ذلك بعد القبض منع الرد. 11732 - ولأنه ولد حادث في يد المشتري فلا يملك رد الأمر فيه. أصله: ولد الجارية المقبوضة ببيع فاسد. 11733 - ولأنه ولد حادث في يد أحد المتعاقدين فلا يسلم للمشتري مع فسخ العقد في الأم، كما لو حدث في يد البائع. 11734 - ولأنه نماء من نفس المبيع، فلا يسلم للمشتري بغير شيء مع الفسخ، كالمصراة إذا حلبها، ثم اطلع على عيب بها غير التصرية. 11735 - ولأن البائع ضمن سلامته بالعقد، فلم يسلم للمبتاع بغير العقد، كالملك. 11736 - ولأن الولد موجب بالعقد؛ بدلالة: أن المشتري يرجع بقيمته إذا وطئها ثم استحقت، وموجب العقد لا يسلم للمشتري مع فسخ العقد كالملك والقبض. 11737 - فإن قيل: لا نسلم أنه موجب بعقد البيع؛ لأنه مستفاد بملكه، كالكسب، وما استفاده المشتري بملكه فليس بموجب العقد، كالكسب وليس ضمان فيه؛ لأنه موجب بالعقد لكن لأنه غيره. ألا ترى: أنه إذا زوجه امرأة على أنها حرة فظهرت أمة رجع بقيمة الولد/، وإن كان الولد غير موجب بعقد النكاح. 11738 - قلنا: معنى قولنا (أنه موجب بالعقد): أنه ضمن له بالعقد سلامته. ولهذا نقول: إنه يضمن في النكاح؛ لأنه إذا زوجها على أنها حرة فقد أوجب له سلامة الولد في عقد فيه بدل يضمن قياساً على البيع. ولا يجوز أن يكون الضمان بالغرور

خاصة؛ لأن هذا مردود كما في الهبة، ولا يرجع فيها بقيمة الولد. 11739 - [وقد التزم بعضهم الهبة، وقال إن المرهون يرجع بقيمة الولد]، وهو غلط؛ لأن الهبة بشرط إذا استحقت لم يرجع بشيء، وكيف يرجع بمقتضاها من الولد عند الاستحقاق؟. 11740 - فإن قيل: إذا رجع بقيمة الولد فلأنه متولد من أصل مضمون. ألا ترى: أن الأم إذا استحقت رجع الضمان، وكذلك ولدها، والمرهونة ليست مضمونة عندنا بالاستحقاق، وكذلك ولدها. 11741 - قلنا: لا يجوز أن يكون ضمان الولد في البيع من حيث ضمان أمه، ألا ترى: أن الأم إذا استحقت رجع بالثمن ولا ثمن للولد. فإذا استحق رجع بقيمته، فعلم أن الرجوع كضمان الولد من حيث أوجبه بالعقد لا من حيث ظنوا. 11742 - احتجوا: بأنه نماء حدث من يد المشتري، فوجب أن يمنع من الرد، أصله: الكسب. 11743 - قلنا: الكسب ليس بمتولد من البيع ولا بدل جزء منه، وإنما هو مأخوذ من أموال الناس، ولا يضر في حكم المبيع، فالولد متولد من المبيع، فلم يجز أن يسلم للمبتاع مع الفسخ خالياً من ضمان، كاللبن في المصراة. 11744 - ولأن أحكام الأصل تسري إلى ما تولد منه، ولا تؤثر في كسبه، بدلالة: أن أم ولد الولد والمدبرة في حكمها، ولو كسبا عبداً لم يتغير حكمه، ولا يثبت له ما ثبت لهما من حق الحرية. كذلك في مسألتنا: الولد يصير في حكم الأصل حتى لا يسلم للمشتري مع الفسخ بغير عوض، وإن كان الكسب بخلافه. 11745 - قالوا: كل مبيع له رده بالعيب إذا لم ينم كان له رده وإن نما، كالمتصل.

11746 - قلنا: هذا غير مسلم؛ لأن النماء المتصل عندنا يمنع الفسخ، كالمنفصل. 11747 - قالوا: كل فائدة لا تمنع من الرد إذا لم تكن أثماناً لم تمنع منه وإن كانت أعياناً، كما لو وجد العبد كبيراً. 11748 - قلنا: المستفاد من الأصل قد يمنع عندنا وإن لم يكن عيناً، كالوطء. 11749 - والمعنى في الأصل: أنه لا يملك بملك الأصل؛ لأن العبد المستأجر إذا عمل في طلب الكسب كان للمستأجر، فلذلك كان له أن يسلم للمشتري مع الفسخ في الأصل، كما نسلم ابتداء للمستأجر من غير ملك، والولد لا يجوز أن يستحقه المشتري مع فسخ الملك في الأصل. 11750 - قالوا: لو منع الولد من الرد إذا حدث بعد القبض لوجب أن يملك به الرد إذا حدث بعد العقد قبل القبض، كالعيب. 11751 - قلنا: هذا قياس عكس؛ فلا يصح على أصلهم، وهو باطل بجناية المشتري إذا حدث بعد القبض منعت الرد، ولو كانت قبل القبض لم يثبت الرد. 11752 - قالوا: النماء معين إذا تلف لم يمنع من رد الأصل بالعيب، فوجب أن لا يمنع مع بقائه، أصله: الكسب. 11753 - قلنا: ليس يمتنع أن يؤثر الشيء في الرد، فإذا زال ثبت الرد، كالعيوب. 11754 - قالوا: العيب لا فرق بين أن يزول بنفسه أو بفعل المشتري، فلو كانت الزيادة مثله لوجب إذا اشترط ذلك المشتري الزيادة، ثبت له الرد، كما لو هلكت. 11755 - قلنا: المانع عندنا من الرد: سلامة الزيادة له بغير عوض، فإذا أتلفها كانت في حكم الكسب بمنزلته، فصار بقاؤها وإتلافها سواء، والمعنى في الكسب ما قدمناه. 11756 - قالوا: الولد والكسب سبب ملكهما ملك الرقبة فهما سواء، والمنفعة متولدة من العين، كالولد. 11757 - قلنا: قد بينا الفرق بينهما، أن أحدهما يملك من غير ملك الأصل، بدلالة: أن المستأجر يستحق الكسب وهو لا يملك الأصل، فإذا جاز أن يملكه ابتداء

من لا يملك الرقبة جاز أن يبقى ملكه، فلا يمنع من رد الأصل بالعيب، أصله: إذا حدث في يد البائع. 11758 - قلنا: ذاك دليلنا؛ لأنه لا نسلم للمشتري مع الفسخ، فكذلك في مسألتنا لا نسلم له النماء مع الفسخ. 11759 - ولأن الولد الحادث في يد البائع داخل في التسليم الموجب للعقد ويقع عليه، فجاز أن يقع عليه الفسخ. 11760 - وهذا لا وجه له في الولد الحادث بعد القبض؛ لأنه لم يقع عليه العقد ولا التسليم الموجب به، فلم يكن تبعاً فلم يجز وقوع الفسخ عليه، ولا يجوز أن يسلم المبتاع بغير شيء؛ لأنه موجب بالعقد على ما قدمنا. 11761 - فإن قيل: عندنا يجب تسليم الولد. 11762 - قلنا: لو كان يستحقه إذا ولدت في يد الزوج ثم طلقها قبل الدخول لم يسلم الولد. 11763 - قلنا: لو كان يستحقه المشتري بحكم الملك- لم يجب على البائع تسليمه، كما لا يجب عليه أن يسلم ما أتلفته الريح في داره، وإنما يجب أن يرفع يده عنه، فلا يجب عليه تسليمه فدل على أنه دخل في البيع. 11764 - ولأن مخالفنا لا يخلو إما أن يقول: يجوز التصرف في الولد، أو لا يجوز، [فإن قال: لا يجوز التصرف فيه، فهذا صورة المبيع أن التصرف فيه لا يجوز] مع بقاء البائع فيه. 11765 - فإن قالوا: يجوز التصرف فيه؛ لم يصح لاستحالة أن يملك التصرف فيه، وهو لا يملك التصرف فيما استفاد به. 11766 - قالوا: كل عقد لا يمنع وجود الكسب من فسخه لم يمنع وجود النماء.

أصله: الهبة. 11767 - قلنا: الولد من الهبة ليس بموجب لعقدها على ما قدمناه، فلم يمنع الفسخ، والولد في البيع موجب، فلهذا لم نسلم بجواز فسخه. 11768 - ولأن الهبة يجوز أن يستحق بعقدها ما لم يتناوله العقد؛ فإن العمري يملكه إياها فيملكها أبداً، فيجوز أن يملك نماءها مع فسخها، والبيع لا يملك العقد ما لم يملكه، فلم يجز أن ينفي نماء مع فسخه. 11769 - ومنهم: من احتج في هذا المسألة بما روي: أن رجلاً اشترى عبداً فاستغله، ثم أراد رده بالعيب وطلب البائع غلته، فقال عليه [الصلاة و] السلام: (الخراج بالضمان). 11770 - قلنا: إن كان الاستدلال بفسخ العقد مع سلامة المنافع، فهو قولنا. وإن كانوا يقولون: إن الولد خراج، فخطأ اسم للغلة، والمال الذي يضرب على وجه لا يتساوى، ولو سلمنا أنه خراج اقتضى الخبر أنه مملوك للضامن، ولذلك نقول: فإن قالوا لا يمنع كالمنافع والغلة كان هذا الاستدلال بالقياس للخبر. * * *

مسألة 604 حكم رد الجارية بالعيب بعد وطئها

مسألة 604 حكم رد الجارية بالعيب بعد وطئها 11771 - قال أصحابنا: من اشترى جارية فوطئها ثم اطلع على عيب، لم يملك ردها، ورجع بالأرش، وكذلك إن لمسها بشهوة أو قبلها، ذكره أبو الحسن في (جامعه). 11772 - وقال الشافعي: إذا كانت ثيباً ردها، والوطء أقل من الخدمة. 11773 - لنا: أن الوطء في الثيب أجري مجرى إتلاف جزء منها حكماً؛ لإجماع الصحابة. 11774 - قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: يردها ويرد نصف عشر قيمتها، وقال في الخيار: يردها مع أرش الجناية. 11775 - وقال علي - رضي الله عنه -: لا يردها في المسألتين؛ فدل على أنهما أجريا وطء الثيب مجرى الجناية. 11776 - فإن قيل: لا يعرف هذا عن عمر - رضي الله عنه -. 11777 - قلنا: رواه شريك، عن جابر، عن عامر، عن عمر، ورواه جعفر ابن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن علي بن أبي طالب.

11778 - فإن قيل: كيف يكون هذا غجماعاً ولم نعلم انتشاره. 11779 - قلنا: قضاء الأئمة يظهره، وقد قال كقول عمر: سعيد بن المسيب، وعمر بن عبد العزيز، وإبراهيم النخعي، وشريح. 11780 - وقال كقول علي - رضي الله عنه -: الزهري، والحسن. 11781 - وهذا يدل على ظهور المذهبين وانتشارهما حتى أخذ كل فريق من التابعين بأحد القولين. 11782 - فإن قيل: قد قال عمر بالرد وهو قولنا. 11783 - قلنا: لسنا نتكلم في مسالة الرد، وإنما نتكلم في غيرها. 11784 - ولأن عمر اثبت الرد مع الأرش وهم لا يقولون ذلك. 11785 - فإن قيل: مسالة الرد وكيفية الرد مسألة أخرى؛ فيجوز الأخذ بأحد المذهبين. 11786 - قلنا: إذا ثبت الرد بشرط، فمن قال بالرد بغير شرط فقد خالفه. 11787 - فإن قيل: يجوز أن يكون عمر اعتقد أن الرد فسخ للعقد من أصله، فأوجب العقر؛ لأنه وطء ملك الغير، لا لأنه أجراه مجرى الجناية. 11788 - قلنا: لو أوجب مهراً لم يقدره؛ لأن التقدير لا يكون إلا في الجناية، دل أنه جعله جناية. 11789 - فإن قيل: روي عن زيد بن ثابت مثل قولنا.

11790 - قلنا: هذا لا نعرفه، ولا يمكن أن يضيعه الركبان من كتاب الحديث، وإنما زعموا أن أبا عسكر الطبري ذكره. 11791 - ومن أصحابنا من حكى مذهب عمر وزيد مذهباً واحداً. 11792 - فإن رووا عن زيد أنه قال: يردها: لم يكن فيه دلالة؛ لأنه يجوز أن يقول: يردها مع الأرش، ولسنا نتكلم في مسألة الرد وإنما نتكلم في مسألة أخرى. 11793 - ولأن الوطء التام إذا حصل في ملك الغير- التام الملك- لم يخل من عقوبة لو عد أنه كالجناية. 11794 - ولا يلزم العاقلة تدعو مجنوناً: المهر يجب ويسقط؛ لأنها لو ألزمته مع ذلك ثبت الرجوع عليها؛ لأنها استعملته فيما لزمت هبه الوصلة. 11795 - ولا يلزم البائع إذا وطئ المبيعة؛ لأن ملك المشتري لم يتم. 11796 - ولا يلزم الحربي يزني بمسلمة؛ لأن فعله يوجب الحد، فيجب بوطئه المهر ويسقط، كمن زوج أمته من عبده. 11797 - فأما الجناية من العبد على سيده؛ فقد أجريت مجرى جناية السيد على نفسه، بدلالة: أنه لو جنى على غيره لكان من ماله، فإذا جنى عليه فكأنه هو الجاني على نفسه. 11798 - ولأن الوطء معنى لا يملك إباحته من ملكه، كالجناية. 11799 - ولأنه آكد من الجناية؛ بدلالة: ان الجناية تقع غير موجبة للضمان إذا أذن في سببها، والإذن في سبب الوطء لا/ يسقط الضمان، وإذا ثبت أن الوطء في حكم الجناية ولو جنى عليها ثم اطلع على عيب لم يردها، كذلك هو. 11800 - فإن قيل: الجناية على البيهمة تمنع الرد، ووطؤها لا يمنع الرد. 11801 - قلنا: الوطء من الآدمية يجري مجرى الجناية، بدلالة: ما ذكرنا، فأما

من البهيمة فلم يجر مجرى الجناية عليها. 11802 - فإن قيل: لو كان الوطء كالجناية لم يجز أن يبيعها مرابحة حتى يبين. 11803 - قلنا: الوطء أجري مجرى فوات جزء، وفوات الجزء قد يمنع المرابحة وقد لا يمنع، كما لو فات منها جزء بآفة من السماء لم يمنع المرابحة، وأما المشتري لم يحبس جزءاً منها، كذلك الوطء في نفس المسألة؛ لأنه وطء استبيح بالشراء فلا يجوز الرد بالعيب بعده، كالبكر. 11804 - ولا يلزم إذا وطئها الزوج؛ لأن الوطء لم يستفد بالشراء. 11805 - ولا يلزم إذا ابتاعها الزوج وهو فيها بالخيار فوطئها؛ لأن الوطء مستفاد بالنكاح. 11806 - ولا يلزم إذا وطئها المشتري في يد البائع ثم حبسها؛ لأن هناك يستوي وطء البكر والثيب في أنه لا يمنع الرد. 11807 - ولأن الوطء هناك منع الرد، ولكن البائع إذا اختار حبسها وفسخ قبضه فقد رضي بالعيب. 11808 - فإن قيل: البائع إذا حبسها، فإنه قصد الحبس لاستيفاء الثمن ولم يوجد منه رضا. 11809 - قلنا: ففي قولنا: إنه رضي، أي بالرد إلى يده؛ فسخ قبض المشتري، فصار كأن العيب حدث في يد البائع. 11810 - فإن قيل: المعنى في وطء البكر أنه فوت جزءاً منها. 11811 - قلنا: قلنا: قد يبطل حق المشتري في الرد ما ليس بإتلاف جزء؛ بدلالة: بيعه، وقد طلب بعض السلم بعينها. 11812 - ولأن كل جارية لو جنى عليها لم يجز ردها، فإذا وطئها المشتري لم يجز ردها بالعيب، كالرهن.

11813 - ولأن الوطء معنى يتعلق به الرهن، فإذا وجد من المشتري في الجارية المشتراة منع الرد، كالعقد. 11814 - ولأنه معنى تصير المرأة به فراشاً، كعقد النكاح. 11815 - ولأنها لو زنت لم يجز ردها بالعيب؛ لأن الزنا عيب في الجارية، يوجب نقصان الثمن في العادة. 11816 - وليس من وطء المولى والزاني؛ إذ التحريم وما يمنع الرد فحرامه ومباحه سواء، أصله: قطع الأعضاء. 11817 - لا فرق بين أن يكون أصابها أو جنى عليها، وما لا يمنع الرد لا فرق بين محظوره ومباحه. 11818 - ولأنه وطء يمنع الرد بخيار الشرط فيمنع بخيار العيب، كوطء البكر. 11819 - احتجوا: بأنه تصرف لم ينقص شيئاً من المبيع ولا من قيمته، فوجب أن لا يمنع الرد، كالخدمة. 11820 - قلنا: لا نسلم أنه لا ينقص من قيمتها؛ لأن الثيب التي تناولها كثير لا ينقص من زينتها مثل التي وطئت دفعة واحدة. 11821 - ولأنه أن يكون لكل وطء حظ من نقصان القيمة هو المعنى في الاستخدام أنه لو حصل من الغاصب فيها لم يمنع ردها، فكذاك إذا حصل من مبتاعها. 11822 - قالوا: وطء لم يتضمن نقصاً، كما لو وطئت مكرهة. 11823 - قالوا: ألم من غير ألم.

11824 - قلنا: لا نعرف الرواية من وطء المكرهة، فالظاهر: أنه يمنع الرد. 11825 - قالوا: وطء لا يتضمن إتلافاً، كوطء الزوج ووطء المشتري قبل نقد الثمن إذا ردها البائع إلى يده. 11826 - قلنا: وطء المشتري يحصل بإيجاب البائع وإيجابه له رضا به، فوازنه من مسألتنا: انه يطؤها المبتاع، فيرضى البائع بأخذها. 11827 - فإن قيل: فوطء المبتاع حصل بإيجاب البائع ورضاه. 11828 - قلنا: عقد البائع لا يوجب الوطء، بدلالة: انعقاده على من لا يجوز وطؤها، وهي أخته من الرضاعة، إنما يطأ المشتري بموجب الملك، فأما النكاح فموجبه الوطء، بدلالة: انعقاده على من يجوز وطؤها. 11829 - فإن قيل: يبطل ما ذكرتموه إذا وطئها الزوج وهي بكر. 11830 - قلنا: زوال البكارة غير موجبة بالنكاح؛ بدلالة: من تزوج امرأة على أنها بكر فوجدها ثيباً لم يثبت له الخيار. 11831 - فإن قيل: عقد النكاح أوجب الوطء، ولا يتوصل إلى وطء البكر إلا بإزالة البكارة، فصار إزالتها من موجب العقد. 11832 - قلنا: وقد يتوصل إليه تارة بإزالة البكارة وتارة بغيرها، بأن تزول بكارتها بمعنى من المعاني، فلم يكن غزالتها بفعل الزوج من موجب العقد. 11833 - ومن أصحابنا من قال: إن وطء الزوج مستحق بمعنى كان من ضمان البائع، فلم يستفده المشتري بالعقد، وإذا وجب لم يثبت به شيء مما استوجبه، [فلم

يمنع الرد، ووطء المشتري استفادة، فجاز عقده، فإذا مات استوجبه] بحكم العقد ومنع الرد، كالجناية. 11834 - ولا يلزم وطء البكر؛ لأن إزالة البكارة غير مستحقة بعقد النكاح على ما قدمنا. 11835 - قالوا: الأسباب مانعة من الرد؛ لأن الرضا بالعيب وحدوث عيب غيره وتعلق حق الغير بالمبيع، وهذا لا يوجد في مسألتنا. 11836 - قلنا: هذه طريقة في الاستدلال فاسدة؛ لأنه تعدد موضع الإجماع، وهو يعلم أن مذهب خصمه أن الرد يتعذر بهذه المعاني وبغيرها، ولم يفسد ما يقول خصمه، ولا دل على أن الرد لا يثبت بهذه المعاني. 11837 - وكأنه ادعى أن الحكم لا يتجاوز موضع الإجماع، ثم يزيد في هذه الأقسام ويبطل الرد متى زال ملكه، ثم عاد إليه بحكم مبتدأ وبحصول الزيادة من نفس المبيع لم يدخل في العقد بأن يستوفي المشتري ما لا يستباح بالإباحة. 11838 - ومن زاد من أقسام خصمه فكأنه يقضي عليه بعينها عند بعض أهل الجدل، وعند بعضهم يلزم المقسم إبطال القسم الزائد ويكون مفرطاً؛ لأنه ضمن بأول كلامه أن الحكم لا ينفذ، أما ذكره فأبان خلاف ذلك. * * *

مسألة 605 اطلاع المشتري على عيب في المبيع مع الصلح على الأرش وإمكان الرد

مسألة 605 اطلاع المشتري على عيب في المبيع مع الصلح على الأرش وإمكان الرد 11839 - قال أصحابنا: إذا اطلع المشتري على عيب فصالح على أخذ الأرش مع إمكان الرد؛ جاز. 11840 - وقال الشافعي: لا يجوز، ويجب على المشتري رد ما أخذ، وهل يبطل خياره؟ فيه وجهان. 11841 - لنا: أنه حق فيه معنى المال؛ بدلالة: أنه إذا تعذر من طريق الحكم وجب المال، فصار كالقصاص. 11842 - ولا يقال: المعنى في القصاص كل من أخذ المال من غير تراض؛ لأنا لا نسلم ذلك؛ لأنهما اتفقا على إسقاط جزء من الثمن، فصار كما لو حط من غير عيب. 11843 - احتجوا: بأنه خيار فسخ، فصار كخيار الشرط. 11844 - الجواب أن المعنى فيه أنه ليس فيه معنى المال، بدلالة: انه لو سقط حكماً لم يجب المال؛ فلذلك لم يجز الصلح عنه على ذلك، وخيار العيب بخلافه. * * *

مسألة 606 حكم رد أحد الشريكين مبيعا دون الآخر

مسألة 606 حكم رد أحد الشريكين مبيعاً دون الآخر 11845 - قال أبو حنيفة: إذا اشترى رجلان من رجل عبداً بشرط الخيار، أو ثياباً ولم يرياها، أو وجدا به عيباً؛ لم يجز لأحدهما رد نصيبه دون الآخر. 11846 - وقال أبو يوسف، ومحمد: لكل واحد منهما الرد دون صاحبه، وبه قال الشافعي. 11847 - والكلام في هذه المسألة يقع في ثلاثة فصول، أحدها: أن العقد صفقة واحدة، والثاني: أن أحدهما لا يملك القبول [دون الآخر]، والثالث: الكلام في نفس المسألة. 11848 - فالدليل على أن العقد صفقة واحدة: أنه إيجاب واحد بثمن واحد كأنه صفقة، كما لو كان المشتري واحداً. 11849 - ولأن المبيع جملة واحدة، والثمن جملة واحدة؛ فوجب أن تكون الصفقة واحدة، أصله: إذا اشتراه واحد لموكلين والبائع لا يعلم.

11850 - ولأن البائع لو أراد تفريق الصفقة تفرق الإيجاب؛ أصله: إذا كان المشتري واحداً فباعه نصف العبد بثمن والنصف بثمن، فلما جمع الإيجاب دل على أنه أراد جميع الصفقة. 11851 - ولأن معنى قولنا: (صفقة) هو إيجاب العقد في جملة يستضر الموجب بتفريقها عليه، أصله: إذا باع الواحد من الواحد، وعكسه: إذا باع واحد من واحد بإيجابين. وإذا ثبت أن العقد صفقة واحدة لم يجز قبول أحدهما؛ لأن في ذلك تفريق الصفقة على البائع في الإتمام فلا يجوز، كالمشتري. 11852 - ولأن البائع أوجب البيع بجملة المبيع بجملة الثمن فلم يصح القبول في بعض الثمن. أصله: المشتري الواحد. 11853 - وأما الكلام في نفس المسألة: فلأنه رد جزءاً من عبد أوجب البائع البيع فيه بثمن واحد فلا يلزم البائع. أصله: إذ اكان المشتري واحداً. 11854 - ولأن كل ما يمنع الرد إذا كان المشتري واحداً يمنع إذا كان اثنين. أصله: الجناية. ومعلوم أن الرد بالشركة يمنع إذا كان المشتري واحداً وقد اوجب له البيع جملة. 11855 - فإن قيل: لو كانت الجناية لم يملك الرد. 11856 - قلنا: إذا رد زال عيب الشركة، فصار كالجناية إذا زال أثرها. 11857 - ولأنهما ملكا بسبب واحد، فلم يجز لأحدهما الرد بغير رضا البائع. أصله: رضا المشتري؛ وإنما بعد الأصل فالدليل عليه: أن الوارث يقوم مقام مورثه، فإذا كان الميت لا يملك الرد من يعصه فالوارث مثله. 11858 - ولأن الشركة حصلت في ملك المشتريين وهي العادة الجارية، أن الشركة عيب في الأعيان. وهذا لابتياع الجزء من الشيء بثمن مثله إذا منعت الجملة، فلو رده أحدهما لرد معيباً بعيب لم يكن في ملك البائع، وهذا لا يصح كسائر العيوب الحادثة.

11859 - فإن قيل: لو كانت الشركة في الأعيان عيباً لم يضمن تلف العبد المشترك/ بقيمته كاملة، كما لو كان غير مشترك. 11860 - قلنا: الغاصب يضمن ما فوت من الملك بعضه، أو كله. وقد كان كل واحد منهما يملك أن يبيع من الآخر، فيحصل له حظ من الملك من غير نقصان الشركة، وقد أتلف الغاصب هذا المعنى عليه، فلذلك يلزمه ضمان كامل القيمة. 11861 - فإن قيل: هذا العيب حصل بإيجاب البائع لهما. 11862 - قلنا: الإيجاب إذن في القبول الذي يحصل به العيب، ولو أذن البائع لهما في الجناية فملكاه وجنيا عليه لم يملكا رده، وإن كان النقص بإذن البائع يملكه. والأحوال أن يكون هذا العيب بفعل البائع والمشتريين فكأنهم اشتركوا في الجناية عليه، فيمنع ذلك الرد. 11863 - فإن قيل: العيب الحاصل بالشركة: إن كان بفعل المشتري فقد حدث في يد البائع، والعيوب الحادثة تمنع الرد، كما لو قطع يد العبد، وكما لو كانت جارية فزوجها في يد البائع وأقر عليها بدين. 11864 - فإن قيل: عند الشركة حصل في يد البائع ثم أمسكه، فصار كما لو جنى المشتري على المبيع ثم حبسه البائع لم يمنع ذلك الرد. 11865 - قلنا: لأنه صار بالجناية قابضاً، فإذا أمسكه البائع فقد حدث القبض منه مع العبد، فكان ذلك غير مانع من الرد. 11866 - فإن قيل: لو كانت الشركة عيباً لم يملك الرد. 11867 - قلنا: إذا ردا زال العيب الذي هو الشركة، فرداه على الوجه الذي خرج من ملك البائع، كما لو زوجا الجارية لم يملك الرد، فإن طلقها الزوج جاز الرد، كزوال العيب. 11868 - احتجوا: بأنه بيع في أحد طرفيه عاقدان، فوجب أن ينفرد كل واحد

منهما بحكم الرد بالعيب، كما لو كان المشتري واحداً والبائع اثنين. 11869 - قلنا: المعنى في الأصل: أنه رد على أحد البائعين نصيبه معيباً على الوجه الذي خرج من ملكه. وفي مسألتنا: يرد عليه نصف العبد معيباً بعيب لم يكن في ملكه. 11870 - قالوا: رد عليه جميع ما لزمه ثمنه، فوجب أن لا يقف على رد غيره، أصله إذا باع العبد منهما في عقدين. 11871 - قلنا: إن قلت رد جميع ما لزمه ثمنه على الصفة التي خرج عليها من ملك البائع، لم نسلم بذلك، وإن قلت على غير تلك الصفة، انتقص إذا حدث به عيب. 11872 - ولأن المعنى فيه إذا اشترى كل واحد نصفه بعد أن خرج من ملك البائع معيباً بالشركة فعاد إليه على الصفة التي خرج من ملكه. 11873 - قالوا: حكم كل واحد من المشتريين كالمنفرد بالمال؛ بدلالة: أنه لا ينتقل إليه ملك نصفه ويلزمه ثمن نصفه، ويدخل نصفه في ضمانه، ولو استحق رجع بنصف الثمن، وللشفيع أن يأخذ نصيب أحدهما دون الآخر، كذلك في حكم الرد وجب أن يكون. 11874 - قلنا: هو في حكم المنفرد بالملك في هذه الحكام، والمنفرد بالملك لا يجوز له الرد مع حدوث العيب، كذلك من كان في حكم المنفرد. 11875 - على أن عندنا هو في حكم الملك الواحد من وجوه؛ بدلالة: أن أحدهما لا ينفرد بالقبول، ولو دفع نصيبه من الثمن لم يملك قبض حقه ولا يأخذ الشفيع نصيب أحدهما في إحدى الروايتين. 11876 - قالوا: نصيب كل واحد منهما جميع ما ملكه بالبيع؛ فجاز أن ينفرد. أصله: إذا ملكا بعقدين. 11877 - قلنا: بل يجوز أن يرده بعيب لم يكن من ملك البائع؛ أصله: ما ذكروه. 11878 - والمعنى في الأصل: أنهما ملكاه بإيجابين، وكل إيجاب حكم من الثمن، وفي مسألتنا: ملكاه بإيجاب في جملة واحدة من الثمن على ملك أحدهما رد جزء منه. 11879 - فإن قيل: لا نسلم أنهما ملكاه بإيجاب واحد؛ لأن قوله: (بعت منكما)،

كأنه قال: (بعت منك وبعت منك نصفه)؛ لأن التثنية تدل على تكرار اللفظ؛ ألا ترى: أنه إذا قال: رأيت رجلين، كأنه قال: رأيت رجلاً ورأيت رجلاً. 11880 - قلنا: إذا قال: رأيت رجلين يحتمل أن يكون رآهما معاً، واحتمل أن يكون رأى أحدهما بعد الآخر. 11881 - فإذا قال: بعت منكما احتمل: أن يكون أراد إيجاباً واحداً، واحتمل: أن يكون إيجابين، فلما ذكر الثمن جملة دل على أنه أراد إيجاباً واحداً، وأنه لو أراد تفريق الإيجاب لعرف الثمن. 11882 - قالوا: الدليل على أن هذا العقد في حكم عقدين أن يصح ثمن الصفقة إذا كان معلوماً، وإن كان ما قابل كل واحد بما اشتملت عليه مجهولاً؛ بدلالة: أنه لو باع عشرة أعبد بألف صح؛ لأن الألف معلومة، وإن كانت حصى كل عبد مجهولة. ولو قال لاثنين: بعتكما هذين العبدين، هذا لك وهذا لك بألف لم يصح، فلو كانت الصفقة واحدة لا يمنع أن يصح وجهاً له بعض ثمن ما دخل في الصفقة. 11883 - قلنا: هذا يجوز عندنا، وقد قال أصحابنا: لو كان لكل واحد عبد فباعاهما من رجل واحد صفقة واحدة بألف جاز، وإن كان ثمن كل عبد مجهولاً؛ لأنه بعض ما دخل في الصفقة، كذلك إذا كان البائع واحداً. 11884 - فإن قيل: ما أوجب له فوجب أن يصح، كما لو أفرد النصف بالإيجاب. 11885 - قلنا: قبل ما وجب له على غير الشرط الذي أوجب له؛ لأنه إذا أوجب البيع جملة بجملة ثمن وله غرض صحيح من أن يخرج المبيع من ملكه جملة، والبيع يؤثر فيه الشروط صار كأنه شرط في الإيجاب قبول الآخر، وقبوله ما أوجب له على غير الشرط الذي تناوله الإيجاب لا يصح، مثل: أن يقبل ببعض الثمن أو يصير على صفة غير الصفة الموجبة.

مسألة 607 إذا اشترى عبدا على أنه كافر فكان مسلما

مسألة 607 إذا اشترى عبداً على أنه كافر فكان مسلماً 11886 - قال أصحابنا: إذا اشترى عبداً على أنه كافر فكان مسلماً؛ لا خيار له. 11887 - وقال الشافعي: له الخيار. 11888 - لنا: أنه وجده أكمل مما شرطه، فصار كمن ابتاعه على العيب فوجده صحيحاً. 11889 - ولن الإسلام زيادة في الثمن وفي القيمة؛ لأن طالب المسلم أكثر من طالب الكافر، ولهذا لو شرط أنه مسلم فبان أنه كافر ثبت الخيار، والزيادة في المبيع لا يكون عيباً. 11890 - احتجوا: بأن الإسلام زيادة في الدين ونقصان في القيمة، بدلالة: أن الكفار يرغبون في ابتياع الكافر ويزيدون في ثمنه. 11891 - والجواب أن المسلمين أكثر من الكفار، وهم لا يرغبون في الكافر ويرغبون في المسلم. 11892 - ولأن زيادة القيمة إذا كانت لأجل المعصية لا يعتد بها، كالجارية المغنية تزيد قيمتها بذلك في العادة، وهو عيب يرد به وعدمه ليس بعيب. * * *

مسألة 608 إذا اشترى جارية فوجدها زانية

مسألة 608 إذا اشترى جارية فوجدها زانية 11893 - قال أصحابنا: إذا وجد الجارية زانية، فله الخيار، وإن كان العبد زانياً، فلا خيار له. 11894 - قال الشافعي: هو عيب فيهما. 11895 - لنا: أن المقصود من الغلام العمل والخدمة، وزناه معصية لا تؤثر في ذلك، فصار كإخلاله بالصلاة والصوم، ونظره إلى الحرام. 11896 - وليس كذلك الجارية؛ لأن المقصود منها الاستفراش والاستيلاد، والزنا يؤثر؛ لأنها تلحق به نسب ولد ليس منه. 11897 - احتجوا: بأن ما كان عيباً في الجارية كان عيباً في الغلام؛ أصله: سائر العيوب. 11898 - قلنا: قد قلتم فإن الجارية إذا لم تكن محفوظة فليس بعيب. وعدم الحفظ في الغلام الكبير عيب. 11899 - قالوا: معصية يجب بها الحد، كالسرقة. 11900 - قلنا: السرقة تؤثر في الاستخدام، لأنه لا يأمنه على ماله.

11901 - قالوا: وكذلك الزاني لا يؤتمن على الحرام. 11902 - قلنا: العبد يراد للتصرف في مال المولى، [والسارق لا يؤتمن، والعبد لا يجوز أن يخلو بحرم المولى]. ولا يراد لذلك، فلا يمنع الزنا استخدامه. * * *

مسألة 609 حكم البخر في الغلام والجارية

مسألة 609 حكم البخر في الغلام والجارية 11903 - قال أصحابنا: البخر في الجارية عيب، وفي الغلام ليس بعيب، إلا ان يكون أمرداً. 11904 - وقال الشافعي: هو عيب فيهما. 11905 - لنا: أن المقصود من الغلام الاستخدام والعمل، والبخر لا يؤثر في ذلك، ولا يعد عيباً، كالدفر. 11906 - ولا يلزم إذا كان من داء؛ لأن العيب هو المرض الموجب له. 11907 - ولا يلزم الجارية؛ لأنها تراد للوطء والاستمتاع، والبخر يمنع ذلك.

11908 - فإن قيل: والغلام يحتاج أن يقرب من المولى ويساره، والبخر يمنع هذا المعنى. 11909 - قلنا: هذا صفة في الاستخدام، وقد يستخدمه من غير مسارة، فأما الاستمتاع فلا يمكن من غير مقاربة. 11910 - فإن قيل: ما كان عيباً في الجارية كان عيباً في الغلام، فالجواب عنه ما بينا. * * *

مسألة 610 الحكم لو اشترى عبدين وقبضهما ثم وجد بأحدهما عيبا

مسألة 610 الحكم لو اشترى عبدين وقبضهما ثم وجد بأحدهما عيباً 11911 - قال أصحابنا: إذا اشترى عبدين وقبضهما ثم وجد بأحدهما عيباً؛ كان له ردهما أو إمساكهما. 11912 - وإن اشترى مكيلاً أو موزوناً فوجد ببعضه عيباً بعد القبض، فإن كان في وعاء واحد، فليس له رد بعضه. وإن كان في أوعية فوجد العيب بأحدهما فله رد بعضه كالثياب، وإن كان المعيب يعاب بالتفريق، كزوجي خف ومصراعي باب فليس له رد أحدهما.

11913 - قلنا: هناك العيب بأحدهما عيب بالآخر، فلو رد المعيب رده بعيب التفريق والعيب موجود، والرد بعيب لم يكن في يد البائع لا يجوز. 11914 - فإن قيل: إذا رد أحد العبدين أضر بالبائع؛ لأن الإنسان قد يبيع الاثنين رغبة منه في بيع أحدهما، وهذا لمعنى موجود فيه قبل القبض وبعده. 11915 - قلنا: قد ينقص بالعيب فيما رغب البائع في بيعه وفيما لم يرغب فيه، والحكم عندكم سواء. 11916 - ولأنه إذا رد عليه بقيمته فقد سلم له غرضه من زيادة قيمة الآخر. 11917 - ولأن هذا الفساد إذا أثبتنا الرد بغير سبب، / فأما إذا أثبتنا الرد بسبب يقتضي الرد من أحدهما ويحفظه لم يمنع من ذلك، كما لو هلك أحدهما فوجد بالآخر عيباً. * * *

مسألة 611 حكم من اشترى عبدا فقتله، أو طعاما فأكله، ثم اطلع على عيب فيهما

مسألة 611 حكم من اشترى عبداً فقتله، أو طعاماً فأكله، ثم اطلع على عيب فيهما 11918 - قال أصحابنا: إذا اشترى عبداً فقتله، أو طعاماً فأكله، ثم اطلع على عيب، لم يرجع بأرشه. 11919 - وقال أبو يوسف، ومحمد: يرجع في الأكل، ولا يرجع في القتل. 11920 - وقال الشافعي: يرجع فيهما. 11921 - لنا: أنه بيع تم نقل الملك فيه بفعل مضمون من جميع الأحوال؛ فلم يكن له الرجوع بأرش العيب. أصله: إذا وهبه وإذا أمسكه وقال: لا أرده إذا عتق؛ لأن العتق ليس بفعل مضمون في جميع الأحوال؛ ألا ترى: أنه لا يضمن حال الاعتبار، ولا يضمن المريض إذا أعتق في مرض موته. 11922 - ولو وكل رجل رجلاً بأن يعتق امة حاملاً فأعتقها عتق حملها. 11923 - ولا يلزم الوكيل قيمة إذا قطع الثوب، لأن ذلك لا يمنع نقل الملك فيه. 11924 - ولا يلزم إذا صبغه؛ لأن نقل الملك ممكن، وإنما المانع اتصاله بالزيادة. 11925 - فإن قيل: المعنى فيما قستم عليه: أنه إياس من الرد فلذلك لم يرجع بالأرش. 11926 - قلنا: يبطل إذا حدث به عيب يرجى زواله، فإن المشتري يرجع

بالأرش، وإن كان يجوز أن يزول العيب فيمكن الرد. 11927 - ولأنه زال ملكه عن المبيع إزالة لم يترك له أثر، فلم يكن له الرجوع بالأرش، كما لو وهب وسلم. 11928 - ولا يلزم إذا عتق؛ لأنه بقي للملك أثر، وهو الولاء. 11929 - ولأن الملك مقصود تعذر بالرد؛ فمنع الرجوع بالأرش، كالبيع. 11930 - ولا يلزم العتق؛ لأنه إتلاف وليس بانتفاع. 11931 - احتجوا: بأنه عيب علمه بعد الإياس من الرد، فوجب أن يرجع بأرش العيب، كما إذا مات في يده. 11932 - قلنا: المعنى فيه أن الرد تعذر من طريق الحكم؛ فصار كحديث العيب، وليس كذلك القتل؛ لأن الرد فيه تعذر بفعل مضمون. قالوا: تبطل علتنا الأصل بما لو باع ولم يسلم، فقد منع الرد من طريق الحكم؛ لأنه لم يوجد بفعل مضمون. 11933 - قلنا: إذا باع وجب التسليم فوجوده كوجوده وهو فعل مضمون. 11934 - قالوا: القتل إتلاف ملك؛ فلا يمنع الرجوع بأرش العيب، كالعتق. 11935 - قلنا: العتق إزالة الملك مع بقاء أثره [وهو الولاء فصار بقاء أثره] كبقاء الملك يرجع بالأرش إذا تعذر الرد، والقتل إزالة الملك من غير أثر. 11936 - ولأن العتق فعل لا يوجب الضمان [في جميع الأحوال على ما بينا، والقتل يوجب الضمان] بكل حال. 11937 - قالوا: لو اشترى جارية بكراً فافتضها رجع بأرش العيب، وإنما

أتلف جزءاً منها؛ فإذا أتلف جميعها أولى. 11938 - قلنا: إتلاف الجميع أعظم من إتلاف الجزء إذا كان المعنى المانع موجوداً في جزء ثم لم يؤثر، فإذا وجد في الجملة أولى، بل ولو قتل بالعكس من ذلك كان أشبه. 11939 - على أنه في الافتضاض لم يتعذر نقل الملك، وإنما لا يرد لحق البائع، والقتل منع الرد بفعل مضمون. * * *

مسألة 612 ما يفسخ به العقد إذا وجد بالمبيع عيبا بعد القبض

مسألة 612 ما يفسخ به العقد إذا وجد بالمبيع عيباً بعد القبض 11940 - قال أصحابنا: إذا وجد بالمبيع عيباً بعد القبض، لم ينفسخ العقد إلا بالتراضي، أو بحكم الحاكم. 11941 - وقال الشافعي: ينفسخ بقول المشتري. 11942 - لنا: أن ملك المشتري فيه. تم، فلم ينفسخ العقد بقوله، كالإقالة. 11943 - ولأنه سبب ينتقل به المبيع [إلى ملك البائع، فلم يملكه المشتري بعد القبض، كالإقالة ...]. 11944 - وفي مسألة القبول مستحق عليه. 11945 - قلنا: القبول قد يجب عليه ولا ينتقل الملك إليه برضاه، ألا ترى: أن المضطر إلى طعام غيره إن أبدله مالكه وجب عليه قبوله، ثم لا يملكه بقول المالك إلا أن يرضى به. 11946 - ولأن الإنسان ينقل الشيء من ملكه إلى ملك غيره برضاه إلا أن يكون له عليه حق. 11947 - ولا يلزم الرد قبل القبض في خيار العيب، وكذا في الرد بخيار الشرط والرؤية، لأن من خيار الشرط أن يملك المشتري عند تمام الصفقة وينتقل الملك إلى البائع من طريق الحكم.

11948 - احتجوا: بأنه رد بعيب فلم يفتقر إلى رضا البائع، كما لو كان قبل القبض. 11949 - قلنا: بل القبض لم يتم بالصفقة، فالمشتري يمنع من التزام تمامها، وهذا لا يقف على التراضي، كالرد في خيار الشرط، وفي مسألتنا: الصفقة تمت ويريد إبطالها بالرد، كالإقالة. * * *

مسألة 613 ما حكم البيع فيما إذا اشترى مأكولا في قشره فكسره فوجده معيبا لا ينتفع بما في داخله

مسألة 613 ما حكم البيع فيما إذا اشترى مأكولاً في قشره فكسره فوجده معيباً لا ينتفع بما في داخله 11950 - قال أصحابنا: إذا اشترى مأكولاً في قشره، كالبطيخ والرمان والجوز فكسره فوجده معيباً، فإن كان ما في داخله لا ينتفع به، فالبيع باطل. وإن كان ينتفع به إلا أنه معيب، لم يملك رده بعد الكسر، ويرجع بنقصان العيب. 11951 - وقال الشافعي: إذا كان الكسر مقداراً لا يعلم العيب إلا به- وهو أول الكسر-، ففيه قولان، أحدهما: لا يرده ويرجع بالأرش، وهو اختيار المزني. 11952 - قالوا: والصحيح أن له الرد. 11953 - فإذا قالوا: إن له الرد ففيه قولان، أحدهما: أنه يرد معه أرش الكسر، والآخر: لا يرد. 11954 - وأما إذا كان الكسر يمكن الوقوف على العيب بأقل منه، فمنهم من قال: فيه قولان، والمذهب أن الرد لا يثبت، والقول الآخر: ليس بشيء. 11955 - لنا: أنه جنى على المبيع؛ فصار كقطع الثوب. ولأن الكسر لو كان بفعل أجنبي منع الرد، فإذا كان بفعل المشتري منع الرد كسائر

العيوب. 11956 - ولأنه فسخ بخيار فلا يملكه المشتري مع حدوث عيب في يده، كخيار الشرط. 11957 - احتجوا: بأنه فعل لا يمكن الوقوف على عيب المبيع إلا به، فوجب أن لا يمنع من رده، أصله: إذا قلب الصبرة. 11985 - قلنا: المعنى فيه: أن الطعام لا ينتقص بتقليبه، وليس كذلك الكسر في مسألتنا، [لأن البيع يدخله نقص به فمنع الرد. 11959 - قالوا: لا يخلو الكسر لاستعلام حال المبيع]؛ فصار كحلب المصراة. 11960 - قلنا: الأصل غير مسلم؛ لأن عندنا الحلب يمنع الرد كعيب التصرية، وكغيره من العيوب. 11961 - قالوا: إذا كان هذا العيب لا يعلم إلا بالكسر، فلو لم يرد بعد الكسر، لم يمكن رد هذا النوع بالعيب أبداً. 11962 - قلنا: يمكن أن الجوز يعلم أنه فارغ لخفته، والرمان مستدل فساده بظاهره. ولأن الرد بالعيب أصل ثابت بالمبيع من الرد بعد حدوث العيب. 11963 - فإذا قال مخالفنا: إسقاط الرد يؤدي إلى أن لا يرد هذا النوع بالعيب. 11964 - قلنا له: فإثبات الرد يؤدي إلى ترك الأصل الآخر، وهو إثبات الرد مع حدوث العيب، فلم وجب اعتبار أحد الأصلين دون الأصل الآخر. على أنا لا نسقط حق المشتري؛ لأنا ننقل الخيار إلى الأرش فيوفيه حقه ولا يسقط حق البائع. * * *

مسألة 614 بيع العبد بعد جنايته

مسألة 614 بيع العبد بعد جنايته 11965 - قال أصحابنا: إذا جنى العبد جناية عمداً أو خطأً فباعه مولاه؛ فبيعه جائز. 11966 - وللشافعي: فيه قولان، أحدهما: يجوز البيع، والآخر: لا يجوز. 11967 - واختلف أصحابه في موضع القولين، فمنهم من قال: القولان في جناية الخطأ. فأما العمد فيجوز قولاً واحداً. ومنهم من قال: [القولان فيما يوجب القود، فأما الخطأ فلا يجوز قولاً واحداً. ومنهم من قال]: فيهما قولان. 11968 - أما جناية العمد: فلأن وجود العقوبة لا يمنع البيع، كالحد. ولأنه معنى يستحق به القتل، كالردة. 11969 - فإذا ثبت هذا، قلنا: أحد نوعي الجناية، فلا يمنع البيع، كالعمد. 11970 - ولأنه حق لو تعلق برقبة الأمة لم يسر إلى الولد فلم يمنع جواز البيع، أصله: إذا قال: إذا مت فبيعوا هذا العبد وادفعوا ثمنه إلى فلان. 11971 - ولأنها رقبة يجوز بيعها قبل الجناية، فجاز بيعها مع تعلق الجناية، كما لو بيعت في الجناية. 11972 - احتجوا: بأنه تعلق برقبته حق لآدمي؛ فلا يجوز بغير إذنه أصله:

العبد المرهون. 11973 - قلنا: يبطل العبد الموصي برقبته. والعبد المبيع بشرط الخيار تعلق برقبته حق المشتري وهو القبول فيجوز بيعه. 11974 - فإن قيل: ذلك الحق غير ثابت. 11975 - قلنا: وكذلك نقول في حق الجناية؛ لأن المولى يسقط عن الرقبة بقوله: اخترت التزام الأرش فسقط بقوله. 11976 - ولأن بيع الرهن إسقاط حق المرتهن لا إلى عوض، بدلالة: أن الدين كان ثابتاً في الذمة، فلم يرض إلى المرتهن بها حتى توثق بالرهن، فإذا بيع سقط حقه لا إلى عوض، وليس كذلك حق الجناية؛ لأنه إذا باع العبد نقل الحق إلى عوض هو أوثق؛ ألا ترى: أن الحق كان يسقط بتلف العبد، والآن لا يسقط بتلفه؟ 11977 - قالوا: تعلق أرش الجناية برقبة العبد أقوى من تعلق الرهن بها، بدليل: أن العبد المرهون إذا جنى قدمت الجناية على حق المرتهن، فإن كان هذا أقوى من الرهن ثم ثبت أن بيع الرهن باطل، كذلك الجاني. 11978 - قلنا: لسنا نقدم حق الجناية، بل نقول للمرتهن: إذا شئت فأد الجناية وحقك باق، وإن شئت فادفعه بالجناية [وحقك يسقط، فثبت أحد الأمرين باختياره، ولا يجبر بأداء الجناية]؛ فدل أن حق المرتهن أقوى. 11979 - ولأن الرهن عندنا مضمون بجنايته في ضمان المرتهن، فلذلك خوطب بحكمها، كما أن المالك يخاطب بحكم الجناية، ولا يدل على أن حق ولي الجناية [أقوى من حق الملك، وهذا موضوع لا شبهة فيه؛ لأن حق الملك لا يزول عن الرقبة إلا باختيار المالك، وحق الجناية عنها يسقط بغيره، وصار ولي الجناية] إذا دفع إليه الأرش، فكيف يكون حق الجناية أقوى من الملك؟.

مسألة 615 حكم بيع العبد القاتل أو المرتد

مسألة 615 حكم بيع العبد القاتل أو المرتد 11980 - قال أبو حنيفة: إذا باع العبد القاتل أو المرتد فقتل في يد المشتري، رجع بجميع الثمن. وإن باع عبداً سارقاً فقطع؛ كان للمشتري رده وأخذ جميع الثمن. 11981 - وقال أبو يوسف، ومحمد: يرجع المشتري بفضل ما بين عبد قد وجب عليه القصاص إلى عبد سليم. 11982 - والظاهر: أن مذهب الشافعي مثل مذهب أبي حنيفة، ومن أصحابه من قال مثل قولهما/. 11983 - لنا: أن العبد استحق انتزاعه من يد المشتري بسبب كان في يد البائع، فأشبه الاستحقاق. 11984 - ولأنه معنى أوجب زوال ملكه عن العبد بسبب سابق بالعبد، فكان له الرجوع بالثمن، كما لو فسخ الحاكم العقد بوجوب القصاص. 11985 - ولأن يد المشتري أزيلت عن المبيع بسبب كان في يد البائع يصح

الإيصاء بها، فصار كإقامة البينة على ملكه. 11986 - احتجوا: بأن وجوب القتل عيب وأتبعه عيب آخر حدث في يد المشتري، فصار كمن اشترى جارية حاملاً فولدت في يد المشتري وماتت من الولادة، وكما لو كان العبد مريضاً فمات من ذلك المرض، وكما لو [كانت الأمة مزوجة فأقبضها الزوج، وكما لو] كان العبد زانياً فجلد فمات. 11987 - والجواب: أن القتل عيب آخر حادث؛ لأنه لما حصل بسبب كان في يد البائع موجباً به صار كأن البائع رده إلى يده، وفسخ قبض المشتري. 11988 - فأما الموت من المرض فليس بموجب به، وكذلك الولادة، وإزالة البكارة لم يوجبها البائع على ما قدمناه. فأما الجلد فالذي أوجبه الزنا ضرب لا يؤدي إلى الإتلاف، بدلالة: أنه لا يضربه في الحر الشديد، ولا البرد الشديد. فإذا حصل التلف في يد المشتري وذلك غير موجب بالعيب الأول منع الدر. * * *

مسألة 616 ملك العبد للأموال

مسألة 616 ملك العبد للأموال 11989 - قال أصحابنا: العبد لا يملك الأموال وإن ملكه مولاه. 11990 - وقال الشافعي في القديم: يملك إذا ملكه السيد، ولا يملك من غير تمليكه. 11991 - وزاد مالك رحمه الله على ذلك، فقال: يملك وإن لم يملكه. 11992 - والخلاف يظهر في أنه لا يملك الوطء بملك اليمين عندنا، وعندهم يملك. وإن كان في يده مال فزكاته على مولاه عندنا، وعندهم لا زكاة فيه. 11993 - لنا: قوله تعالى {ضرب لكم مثلاً من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء}. 11994 - فنفى سبحانه عن نفسه الشركاء وضرب لذلك مثلاً، وهو أن عبيدنا لا يشركوننا في الملك، فلو كان العبد يجوز أن يملك لم يصح التمثيل.

ويدل عليه: قوله تعالى: {ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء}، والنكرة الموصوفة تصلح لكل واحد من الجنس، كقوله: اعطِ رجلاَ كوفياً. 11995 - فلا يخلو إما أن يكون تفي القدرة التي هي القوة أو القدرة التي هي الملك، ولا يجوز أن يكون نفي القوة، فلم يبق إلا أن يكون نفي الملك. 11996 - فإن قيل: فقد قال الله تعالى: [{وضرب الله] مثلاً رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء}، ولم يدل ذلك على أن [الأبكم لا يقدر. 11997 - قلنا: إنما أراد المملوك الأبكم؛ بدلالة: قوله [تعالى] {وهو كلٌّ على مولاه}، ولم يذكر المولى، فاقتضى الظاهر أن الأبكم لا يملك، وقام الدليل في أحد الموضعين بنفي الآخر. 11998 - ولأنه سبب يملك به الأعيان فلا يملك به المملوك كالميراث، وعكسه النكاح. 11999 - ولأن الميراث أقوى في نقل الأملاك من العقد؛ لأنه ينقل الملك بغير تراضٍ، ويملك به ما لا يملك بالعقد، وإذا لم يملك الأموال بأقوى السببين فلأن لا يملك بأضعفهما أولى. ولأنه مملوك فلا يملك. 12000 - ولأن الحر لما ملك استباحة البضع بالأمر لم يملك غيره انتزاع ذلك الملك أبداً، وكذلك العبد لما ملك الاستباحة بالنكاح لم يملك المولى استباحة ملكه، فلو ملك أن يستبيح بملك اليمين لم يملك المولى ملكه في الاستباحة. * * *

مسألة 617 البيع بشرط البراءة من العيوب لحلها

مسألة 617 البيع بشرط البراءة من العيوب لحلها 12001 - قال أصحابنا: إذا باع بشرط البراءة من العيوب كلها، صح البيع والشرط، ولم يجز له الرد بعيب. 12002 - وقال الشافعي: كلاماً اختلف أصحابه في معناه، فمنهم من قال: فيها ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا يبرأ من شيء من العيوب ظاهراً أو باطناً، علم به حال البيع أو لم يعلم، سماه للمبتاع أو لم يسم، وسواء كان المبيع حيواناً أو غيره. والثاني: يبرأ بالشرط من جميع العيوب الظاهرة والباطنة، علم بها أو لم يعلم، في الحيوان وغيره. والثالث: يبرأ من العيب بباطن الحيوان إذا لم يعلمه البائع. 12003 - فأما إذا كان المبيع غير الحيوان، ففيها قولان: أحدهما: يبرأ بكل حال. والثاني: لا يبرأ من عيب بحال. 12004 - ولا يجيء القول الثالث؛ لأنه لا باطن لغير الحيوان إلا ويمكن التوصل إلى معرفة عينه والوقوف عليه. 12005 - ومن أصحابه من قال: فيها قولٌ واحد: أنه لا يبرأ إلا من عيب واحد وهو عيب بباطن الحيوان لم يعلمه، ولا يبرأ من عيب سواه.

12006 - وإذا شرط في العقد البراءة فهل يصح الشرط، أو هل يفسد العقد؟ اختلفوا فيه، فمن أصحابه من قال: يفسد العقد، ومنهم من قال: لا يفسد. 12007 - لنا: قوله عليه [الصلاة و] السلام: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا)، ظاهره أن لا خيار يثبت بعد التفرق. وقال [عليه الصلاة والسلام]: (المسلمون عند شروطهم). ولأن كل جزء تعلق به البيع عند وجوده صح أن لا يثبت به الرد عند عدمه، أصله: العيوب المعلومة إذا وقف عليها. ولأن كل حكم جاز أن يتعلق بالعيوب المعلومة جاز أن يتعلق بالعيوب المجهولة، أصله: الرد. ولأنه إسقاط حق ليس فيه معنى التمليك، فصح مع الجهالة، كالطلاق والعتق. 12008 - فإن قيل: المعنى في الطلاق: أنه يصح تعلقه بالصفة، وبالبراءة من المجهول فلا يصح أن يتعلق بالصفة. 12009 - قلنا: لا يمتنع أن يصح في المجهول ما لا يتعلق بالصفة، كالإقرار.

12010 - فإن قيل: حكم الطلاق والعتاق يفارق البراءة؛ لأنه لو طلق إحدى امرأتيه، أو عتق أحد عبديه: صح، ولو أبرأ أحد عبديه: لم يجز. 12011 - قلنا: وكذلك البراءة من المجهول يصح من أحد العيبين؛ لأنهم قالوا: أبرأه من عيب واحد، فوجد به عيبين وتعذر الرد يرجع بأرش أيهما شاء. فعلى هذا لو قال: بعتك بشرط البراءة من أحد العيبين إما الجنون أو السرقة جاز. 12012 - فإن قيل: المعنى في الطلاق: أنه بنى على التغليب. 12013 - قلنا: الإقرار لم يبن على التغليب، ومع ذلك يصح مع الجهل به. 12014 - ولأنها جهالة لا تؤثر في التسليم ولا تمنع صحة البيع، كجهالة مقدار الصبرة. 12015 - فإن قيل: يبطل بمن باع صبرة، إلا قفيزاً منها. 12016 - قلنا: هذا غير مسلم والبيع جائز، ولو سلمناه: لم تمنع الجهالة البيع وإنما امتنع [العقد]؛ لأنه عقد على مجازفة ومكايلة، والبيع [يصح] على أحد الجهتين. 12017 - قالوا: يبطل إذا باع بمثل ما باع فلان. 12018 - قلنا: هذه الجهالة تؤثر في التسليم؛ لأنهما يختلفان فيما باع به. 12019 - قالوا: يبطل إذا باع ما في كمه والمشتري لا يعلمه. 12020 - ولأن البراءة من العيوب توجب جهالة صفة المعقود عليه، وذلك لا يمنع من جواز العقد، كجهالة قدر الصبرة.

وهذا مبني على أصلنا: أن البراءة من الحقوق المجهولة جائزة؛ بدلالة: ما روت أم سلمة أن رجلين اختصما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في مواريث قد درست، فقال لهما: (اقسما وتوخيا الحق، وليحلل كل واحد منكما صاحبه)، والموارثة الدارسة لا تكون إلا مجهولة، ولو كان الحكم مختلفاً لبين ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وروي (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث خالد بن الوليد إلى بني جذيمة، فاعتصموا بالسجود، فأسرع فيهم القتل، فقال عليه [الصلاة و] السلام: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد، وبعث بعلي ومعه مال، ففاداهم حتى ميلغة الكلب، وفضل معه مال، فقال: خذوا هذا [المال احتياطاً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -] مما [يعلم ولا تعلمون] من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -]، فسُرَّ به).

12021 - فإن قيل: السجود ليس بإسلام، وإنما تبرع النبي - صلى الله عليه وسلم - بما أعطى احتياطاً. 12022 - قلنا: قوله: (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد)، يدل على أن خالداً قتل من لا يستحق القتل، والفداء لا يكون تبرعاً. 12023 - قالوا: إذا دفع إليهم يبقى ذلك في ذممهم، فصار قصاصاً بما لهم، ووقعت البراءة بذلك لا بالعقد. 12024 - قلنا: لا يجوز أن يحمل الأمر على أن علياً عقد عقداً فاسداً لم يتعلق به حكم، ولم ينكره النبي - صلى الله عليه وسلم - وسر به. 12025 - ولأن إجماع الأمة من النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا أن يتحلل الناس عند المعاملات، وإذا حضرهم الموت فلا ينكرون مقدار ما يقع التحليل منهن فدل على جواز البراءة من المجهول. 12026 - ولأنه إسقاط حق ليس فيه معنى التملك؛ فصح مع الجهالة، كالطلاق والعتاق. 12027 - ولأنها براءة من مجهول؛ فصار كما لو علم أن له عليه مائة، وليس له مائتين وجهل ما بينهما، فأبرأه من درهم إلى مائتين إذا ثبت هذا، فإذا تعاقدا بشرط البراءة فليس فيه أكثر من إسقاط حقه على عيوب مجهولة. 12028 - فإن قيل: حق الرد يثبت بعد العقد، فهذا إسقاط حق لم يجب. 12029 - قلنا: فإذا أبرأه بعد العقد لم يصح عندكم، وهذا إسقاط حق عما وجب. 12030 - وأما إذا شرط البراءة في العقد، فإن البراءة إنما تتم بالقبول الذي يصح به الإيجاب فتحصل البراءة عند تمام القبول، فيكون براءة من حق ثابت. 12031 - ولأن كل صفة جاز البراءة عن الحقوق عليها جاز الإبراء عن العيوب منها، كالمعلومة. فدل على أن هذا الشرط لا يبطل العقد، والدليل عليه: (أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما

باع من زيد بن ثابت عبداً على أنه بريء من كل عيب، / فأراد زيد أن يرده بالعيب، فامتنع ابن عمر من قبوله واختصما إلى عثمان، فاقل لابن عمر: تحلف أنك ما علمت بالعيب فلم يحلف فقضى برده)، وهذا يدل على أن مذهب الثلاثة: أن الشرط لم يفسد العقد. 12032 - ولهذا قال الشافعي: والذي أذهب إليه في قضاء عثمان، أنه لو أبرأ نفسه من كل عيب لم يعلمه، لا يبرأ من عيب علمه ولم يسمه له. ونقوله تقليداً ومتابعة في أن البيع، بشرط البراءة من كل عيب بالمبيع ولو لم يكن معلوماً لا يبطل البيع، كالعيب المعلوم. 12033 - ولأنه أحد نوعي العيب؛ فجاز أن يفسخ العقد مع شرط نفيه من العقد، كالعيوب الظاهرة. 12034 - فإذا ثبت هذا قلنا: إنه شرط لا يبطل البيع، فيه منفعة أحد المتعاقدين، فوجب أن يلزمه الوفاء به، كصفة الأجل وشرط البراءة من العيوب المعلومة. وأما الدليل على جواز البراءة من العيوب بباطن الحيوان: فإجماع الصحابة؛ لأن ابن عمر رضي الله عنهما اعتقد صحة البراءة، وعثمان جوز البراءة من عيب لم يعلمه، ولا مخالف لهما.

12035 - فإن قيل: زيد يخالف. 12036 - قلنا: روى الطحاوي أنه كان يرى جوز البراءة من العيوب كلها فيجوز أن يكون ملك للرد؛ لأنه اعتقد مذهب عثمان. 12037 - وقد ألزم أبو حنيفة ابن أبي ليلى، فقال: أرأيت إن كان العيب بذكر العبد أو بفرج الجارية، أيضع يد المشتري عليه حتى يراه، أو لا يجد طريقاً إلى الشراء منهن وهذا لا يصح. 12038 - ولأنه حيوان معيب صح العقد عليه على وجه لا يثبت الرد؛ أصله: الحيوان الذي عيبه ظاهر. وإذا ثبت هذا الحيوان، وهو مذهب الشافعي: قلنا: كل مبيع جازت البراءة من عيوبه مع العلم جازت مع الجهل؛ أصله: الحيوان. 12039 - ولأن ما جاز استيفاؤه في البيع على حيوان جاز في البيع على غيره، أصله: الأجزاء المعلومة. 12040 - قال الشافعي في اختلاف العراقيين: إذا باع عبداً أو شيئاً من الحيوان بالبراءة، فالذي ذهب إليه قضاء عثمان [بن عفان]: أنه يبرأ كل عيب لم يعلمه،

ولا يبرأ من عيب علمه ولم يسمه له ويعتمد عليه تقليداً، فإن الحيوان يعترى بالصحة والسقم وتحول طبائعه وإن صح في القياس، لولا ما وصفنا من [افتراق الحيوان وغيره] أن لا يبرأ من عيب [كان به] وإن سماه [لاختلافه] وأن يبرأ من كل عيب. 12041 - والأول أصح، فذكر أنه ترك القياس تقليداً لعثمان، فلما ذكره، وهذا هو القول [الذي] يختص القياس والعدول عن مقتضاه، بدليل هو منكر الاستحسان. 12042 - فنقول: وإن كان منكر المسمى: فلا معنى بالأسامي، وإن كان يمنع بالمعنى: فقد قال بمناه، ثم قلد معناه وترك القياس، وإلا قلد ابن عمر وأخذ بالقياس. 12043 - احتجوا: بما روى أبو هريرة، وابن عمر - رضي الله عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الغرر)، وبيع البراءة بيع غرر؛ لأنه لا يدري قدر العيب، والثمن يختلف باختلافه. 12044 - والجواب: أن الغرر ما كان يتقوم السلامة، وقد بينا ذلك فيما تقدم فالتسليم ممكن مع شرط البراءة، فلم نسلم أن ذلك غرر. 12045 - قالوا: روى عقبة بن عامر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (المسلم أخو المسلم، لا يحل لمسلم باع من أخيه بيعاً- فعلم فيه عيباً- وفيه عيب إلا بينه له). 12046 - قلنا: إنما منع النبي - صلى الله عليه وسلم - التدليس على المشتري، ومتى باعه على أنه بريء من القروح، والكر، والبياض فقد بين ما علمه من الغرر، فلا يدخل تحت النهي. 12047 - قالوا: خيار فسخ ثبت بإطلاق العقد؛ فوجب أن لا يسقط الشرط، كخيار الرؤية.

12048 - قلنا: لا يسقط بالشرط، وإنما يسقط بإبراء المشتري. 12049 - فإن قالوا: قوله في خيار الرؤية مثله. 12050 - قلنا: جنس ذلك الخيار لا يسقط بالبراءة، وجنس هذا الخيار يسقط بالبراءة، بدلالة: العيوب المعلومة. 12051 - ولأن خيار الرؤية بسبب عدم الرؤية، فإذا شرط في العقد البراءة منه فقد أسقط حقاً قبل وجوب سببه. 12052 - واما خيار العيب فيثبت بنفس العقد، وإذا قبل العقد بشرط البراءة حصلت البراءة عند تمام القبول، وأسقط بها حقاً قد وجب فلذلك صح. 12053 - ولأن عدم الرؤية جهل فجهل به جميع صفات المبيع، فلم يصح التزام العقد مع هذه الجهالة لحق الله تعالى، كما لا يصح التزام البيع المجهول العين. 12054 - وأما جهالة العيوب فإنها لجهل بعض صفات البيع، وهذا لا يمنع من التزام العقد، كمن رأى داراً ولم ينظر إلى داخلها، وإلى ما دون الشكل من الجارية، ولهذا إذا شرط البراءة من خيار الرؤية أفسد العقد، وإذا شرط البراءة من العيوب لم يفسد على ما بينا. 12055 - قالوا: فوات في المبيع لا يثبت إلا بشرط؛ فوجب أن لا يثبت مع الجهالة، أصله: الخيار، والأجل، والرهن، والتضمين. 12056 - وربما قالوا: [فوات في المبيع لا يثبت إلا بشرط، فوجب أن لا يثبت مع الجهالة إلا لعلة. أصله: الخيار، والأجل، والرهن، والتضمين. 412057 - قالوا:] معنى يرتفق به أحد المتعاقدين، فلا يثبت مع الجهالة لعلة ما قدمنا. 12058 - قلنا: الأجل والخيار والرهن إيجاد معاني، والبراءة استيفاء حق، وإثبات الحقوق يؤثر في الجهالة، كما يؤثر في التمليكات، والبراءة من العيوب إسقاط حق

فلا تؤثر فيه الجهالة، كالطلاق. 12059 - ولن جهالة الأجل تؤثر في التسليم؛ لأنه لا يدري متى يسلم الثمن. وكذلك جهالة الخيار تؤثر في التسليم؛ لأن من له الخيار لا يجبر على التسليم. 12060 - وجهالة الكفالة، والرهن تؤثر في التسليم؛ لأن البائع لم يمنع من تسليم المبيع حتى يسلم إليه الرهن، والجهالة إذا أثرت في التسليم تتعقب العقود، وجهالة العيوب لا تؤثر في التسليم، فلم تؤثر في العقد، كجهالة مقدار الصبرة. 12061 - قالوا: إبراء عما لم يجب؛ فلا يسقط، كما لو سبق الشرط العقد. 12062 - قلنا: لا نسلم أن البراءة تحصل بتمام القبول، والخيار قد يثبت بالقبول، فتصح البراءة بعد ثبوت الحق ويبطل هذا بعيوب بباطن الحيوان. 12063 - قالوا: كل عيب يرد به المبيع لم يسقط رده به بشرط البراءة من العيوب التي تحدث بعد العقد والمشروط قبل القبض على ظاهر المسألة. 12064 - اختلف أبو يوسف، ومحمد فيها، فقال أبو يوسف: تصح البراءة، وقال محمد: لا تصح. 12065 - فإن قلنا بقول أبي يوسف: لم نسلم الأصل، ولئن سلمنا، فلأن هذه براءة من حق لم يخير من مسألتنا إبراء من حق قد وجب. 12066 - قالوا: أصاب بالمبيع عيباً كان في يد البائع لم يقف عليه، فوجب أن يثبت له الرد، أصله: إذا شرط البائع البراءة. 12067 - قلنا: المعنى في الأصل: أنه لم يسقط حقه من الرد، فلذلك يثبت الخيار. 12068 - وفي مسألتنا: أسقط الحق بعد [وجود] سبب وجوبه، فلم يثبت

الرد، كالعيب الظاهر. 12069 - قالوا: الدليل على أن البراءة من الحقوق المجهولة لا تصح: أنه نوع لا يجوز تعليقه بغبطة، فوجب أن لا يصح في المجهول، كالهبة. 12070 - قلنا: الهبة تمليك، والجهالة تؤثر في التمليك، ولا تؤثر في إسقاط الحق عن الملك. ألا ترى: أن النكاح لا يصح [في امرأة مجهولة، ويصح الطلاق في واحدة من نسائه، وكذلك تحليل العبد لا يصح] مع الجهالة، ويصح عتق عبد من عبيده. * * *

مسألة 618 حكم الرجوع بالأرش بعد اطلاعه على عيب في ثوب قد صبغه

مسألة 618 حكم الرجوع بالأرش بعد اطلاعه على عيب في ثوب قد صبغه 12071 - قال أصحابنا: إذا صبغ المشتري الثوب ثم اطلع على عيب، فله الرجوع بالأرش. 12072 - وقال الشافعي: إن قال البائع: أنا آخذ الثوب وأعطي قيمة الصبغ، قيل للمشتري: أنت بالخيار بين الرد وبين الإمساك بغير أرش. 12073 - لنا: أن الصبغ لم يقع عليه العقد. ولأنه دخل في التسليم بالعقد، فلا يجوز أن يقع عليه الفسخ، كثوب آخر. ولأنها عين لم يسلمها البائع فلا يصح ردها عليه بالفسخ، كثوب آخر. 12074 - قالوا: هذا قادر على استدراك الظلامة بالرد فوجب أن لا يكون له

الأرش، كما لو كان ثوباً فقطعه. 12075 - قلنا: هناك يقع الفسخ على ما وقع عليه العقد، وفي مسألتنا: يقع على ما لم يقع عليه العقد ولا التسليم [الموجب]. 12076 - ولأنه إذا قطع فالرد ممتنع لحق البائع، وقد رضي البائع بإسقاط حقه. وفي مسألتنا: الرد ممتنع لحق المشتري فرضا البائع بأخذه لا يجوز أن يسقط حقه. * * *

مسألة 619 حكم رد العبد المبيع إذا باعه المشتري

مسألة 619 حكم رد العبد المبيع إذا باعه المشتري 12077 - قال أصحابنا: إذا باع المشتري العبد فرد عليه بعيب لم، يكن له رده على بائعه. 12078 - وقال الشافعي: له ذلك. 12079 - وإن اشتراه من المشتري أو وهبه له أو ورثه، ففيه وجهان: من قال منهم: إن المشتري إذا باع لا يرجع بالأرش لتعذر الرد، قال ها هنا: يثبت الرد؛ لأنه ممكن. 12080 - ومن قال: لا يرجع؛ لأنه يستدرك الظلامة حين باعه على السلامة. قال: ليس له أن يرد. 12081 - لنا: أن المبيع دخل في ملكه بقبوله ورضاه؛ فلم يملك رده بعيب على البائع، كالموصى له، وكما لو أخر الرد وعكسه الوارث.

12082 - فإن قيل: الوصف غير مسلم؛ لأن عندنا الرد بالعيب لا يقف على رضا البائع، ولا على حضوره. 12083 - قلنا: قد دللنا على إبطال هذا القول بالوصف على أصلنا. 12084 - ولأنا نصور المسألة إذا حدث عند المشتري الثاني عيب فرده على المشتري الأول ثم زال العيب؛ لا يلزم إذا رده المشتري الآخر قبل القبض؛ لأنه يدخل في ملك المشتري الأول بغير قبوله. ولا يلزم إذا وهبه ثم رجع فيه بغير رضاه؛ وإذا أخذه العدو ثم وجده قبل القسمة؛ لأنه فيه روايتان. 12085 - ولأنه مبيع دخل في ملكه بقبول، فلم يجز أن يرد على بائعه. أصله: إذا اشتراه من الثاني فقد علم العيب؛ لأن كل من يجوز/ له الرد بعيب إذا أخر الرد عن حال الإمكان لم يكن له الرد بذلك العيب. أصله: إذا حدث عنده عيب آخر. 12086 - احتجوا: بأنه تعذر ردها بخروجها من ملكه، فإذا رجعت إليه ثبت له حق الرد، كما لو رجعت بقضاء. 12087 - قلنا: يبطل إذا علم بالعيب فاشتراها. والمعنى في الأصل: أن البيع دخل في ملكه بغير قبوله، فصار كالوارث. وفي مسألتنا: دخل في ملكه بقبوله، فصار كالموصى له. 12088 - فإن قيل: عندنا يرجع إليه بغير قبوله. 12089 - قلنا: لا نسلم الوصف، وهو قولكم إذا رجعت إليه؛ لأنها لا ترجع عندنا إلا بالتراضي.

12090 - قالوا: لم يثبت له حكم العيب؛ لأنه استدرك الظلامة بخروجها من ملكه على السلامة، فإذا ردت إليه وأخذ منه الثمن، وجب أن يثبت له الرد، كما لو رد بقضاء. 12091 - قلنا: حكم العيب قد ثبت له وخروجها من ملكه على السلامة، فإنه حصلت له معرفة، ولا يجوز أن يسقط الحق الذي يثبت له قبل بائعه، كما لو زادت قيمتها بالسمن أو بتعلمها صناعة. 12092 - يبين هذا: أنه لو وهبها لم يستدرك الظلامة ولا يثبت له حكم العيب، وأنها لا تثبت؛ لأن الملك الذي أوجبه البائع قد زال، فإن عاد ذلك الملك عادت أحكامه، وإن عاد على ملك آخر لم تعد أحكام ذلك الملك، وكما لا تعود لو ملك عيناً أخرى. * * *

مسألة 620 حكم ولد المبيعة إذا ولدت في يد البائع

مسألة 620 حكم ولد المبيعة إذا ولدت في يد البائع 12093 - قال أصحابنا: إذا ولدت المبيعة في يد البائع، وقبضها المشتري؛ دخل الولد في البيع وحصل له حصة من الثمن، فإن وجد بالأم عيباً ردها بحصتها من الثمن. 12094 - وقال الشافعي: لا يدخل في البيع، ولا حصة له من الثمن، فإن وجد بالأم عيباً ردها بجميع الثمن وسلم له الولد بغير شيء. 12095 - لنا: أنه ولد حدث من المبيع قبل تمام البيع؛ فصار كما لو ولدت في المجلس. ولأنه ولد حدث قبل التسليم؛ فصار كما لو حدث في مدة الخيار. 12096 - ولأن التسليم حق مستقر في رقبة الأم؛ فيسري إلى الولد، كالاستيلاد. وما وجب تسليمه بالبيع فهو من المبيع. 12097 - ولا يلزم حق الجناية ووجوب الزكاة؛ لأن كل واحد منهما غير مستقر، بدلالة: أن المالك مخير في نفسه في الرقبة أو نقله عنها، فالمنافع لا يمكن تسليمها غلا بتسليم الرقبة.

12098 - ولا يلزم الجارية المستأجرة؛ لأن حق التسليم ليس بمتعلق بالرقبة وإنما تتعلق بالعمل. 12099 - فإن قيل: المعنى في الاستيلاد: أن الحرية مبنية على التغليب والسراية، وحق التسليم غير مبني على التغليب. 12100 - قلنا: لا يمتنع أن يسري الحق المستقر في الأم إلى ولدها، وإن كان غير مبني على التغليب؛ ألا ترى: أن الملك الذي يسري إلى الولد مبني على التغليب. 12101 - احتجوا: بأنه حادث في ملك المشتري؛ فلم يدخل في المبيع. أصله: إذا وجد به بعد القبض. 12102 - قلنا: المعنى فيه: أنه حدث، ولا حق للبائع في الرقبة، فلم يتعلق حقه به، فلا يدخل في بيعه، وقبل القبض حدث الولد وللبائع حق في الرقبة مستقر- وهو الجنس- فسرى ذلك الحق إلى الولد وما وجب حبسه بالبيع، فهو داخل [فيه. 12103 - قالوا: لو تلف الولد من يد البائع لم يسقط بتلفه شيء من الثمن، ولو كان دخل في] العقد وانقسم الثمن عليه لسقطت حصته، كما لو اشترى الأم وولداً منفصلاً. 12104 - قلنا: لا يمتنع أن يدخل في العقد ولا يسقط بتلفه شيء إذا دخل على طريق البيع، كالأطراف. 12105 - فإن قيل: الأطراف لم ينقسم الثمن عليها. 12106 - قلنا: وكذلك الولد إنما ينقسم الثمن عليه بالقبض، ولهذا تعتبر قيمته يوم القبض، فأما قبل القبض فهو بيع، فلم ينقسم الثمن عليه، وإذا قبض دخل في القيمة. * * *

مسألة 621 هل لأحد من المشتريين أن ينقد حصته من الثمن للبائع ويأخذ به نصف الصفقة، أم لا بد من استيفاء جميع الثمن؟

مسألة 621 هل لأحد من المشتريين أن ينقد حصته من الثمن للبائع ويأخذ به نصف الصفقة، أم لا بد من استيفاء جميع الثمن؟ 12107 - قال أصحابنا: إذا ابتاع رجلان من رجل عبداً بثمن واحد؛ فليس لأحدهما أن ينقد نصيبه ويأخذ نصف العبد، حتى يستوفي البائع جميع الثمن. 12108 - وقال الشافعي: يعطي نصف الثمن، ويأخذ نصف العبد. وهذه مبنية على: أن العقد صفقة واحدة، وقد دللنا على ذلك، فصار كالمشتري الواحد. 12109 - ولأنه باع العبد بثمن واحد حال؛ [فلم يستحق عليه تسليم نصفه باستيفاء نصف الثمن. أصله: إذا كان المشتري [واحداً] لأن كل حالة] لا يجبر البائع فيها على تسليم شيء من المبيع إذا كان المشتري واحداً، فإنه لا يجبر إن كان المشتري اثنين والثمن جملة واحدة. أصله: إذا لم يبذل بعد شيء من الثمن. 12110 - وهم بنوا على أصلهم: أنهما صفقتان، كما لو أفرد كل واحد بالنقد. وقالوا: عقد في أحد طرفيه عاقدان؛ فصار كما لو كان المشتري واحداً والبائع اثنين. 12111 - قلنا: إن باعا صفقة واحدة فهو مثل مسألتنا، وإن باعا عقدين، فغير مسألتنا.

مسألة 622 حكم قبض المبيع لو دفع أحدهما جميع الثمن للبائع 12112 - [قال أصحابنا]: إن نقد أحدهما جميع الثمن، كان له قبض جميع العبد. 12113 - وقال أبو يوسف: ليس له إلا قبض نصف العبد، وبه قال الشافعي. 12114 - وهذه المسألة مبنية على الأولى: أنه لا يتوصل إلى قبض شيء منه إلا بأداء جميع الثمن، وكل من وقف قبضه على بذل جميع المبيع (لم يقبضه إلا بهذا البذل)، أصله: المشتري الواحد. 12115 - ولا يلزم إذا كان شريكه حاضراً، فإن الغائب لا يولي عليه، وإن لم يأذن في التصرف عنه لم يجز قبض ماله بغير إذنه. 12116 - قلنا: دخوله مع شريكه في العقد إذن في فعل ما يتم العقد، وما يستوفي به حقوقه؛ لأن كل واحد لا يتوصل إلى حقه إلا بذلك، فكأنه أذن له في دفع الثمن وفي الانتفاع بنصيبه، وذلك لا يمكن إلا بقبض جميع العبد. * * *

مسألة 623 رجوع الشريك بما يدعيه على شريك غائب قد حضر

مسألة 623 رجوع الشريك بما يدعيه على شريك غائب قد حضر 12117 - قال أبو حنيفة، ومحمد: إذا حضر الغائب كان لشريكه أن يرجع عليه بما يدعيه. 12118 - وقال الشافعي: هو متبرع. 12119 - وهذه مبنية على: أنه لا يتوصل إلى قبض نصيبه إلا بأداء جميع الثمن، وقد أذن له شريكه حين دخل معه في العقد فيما يتوصل به إلى تكميل حقوقه، فكأنه أذن له في دفع الثمن الذي لا يتوصل إلى حقه إلا به. 12120 - ولأن الثمن واحد، فكان لمن قضاه من المشتريين مع غيبة الآخر الرجوع، كالوكيلين إذا اشتريا لواحد. 12121 - احتجوا: بأنه قضى حق دين غيره بغير أمره، فلم يكن له الرجوع عليه، كسائر الديون. 12122 - قلنا: لم يأمره بالنطق، وقد أذن له من طريق الحكم على ما بينا، والإذن من طريق الحكم كالإذن مطلقاً، بدلالة: أنه إذا قال: تكفل عني فلم يأذن في الأداء مطلقاً. 12123 - ولأنه أذن فيه حكماً فيرجع بما أدى عنه. * * *

مسألة 624 حكم الخيار بالخيانة في رأس مال المرابحة

مسألة 624 حكم الخيار بالخيانة في رأس مال المرابحة 12124 - قال أبو حنيفة، ومحمد: إذا خانه في رأس مال المرابحة، فالمشتري بالخيار، إن شاء أخذ بجميع الثمن، وإن شاء ترك. 12125 - وقال الشافعي في أحد قوليه: مثله، وفي القول الثاني: يحط الخيانة وحصتها من الربح، ويلزم ذلك البائع. 12126 - فإن حط البائع فهل يلزم المشتري؟ فيه قولان، أحدهما: لا يلزمه، والثاني يلزمه، وهو الصحيح.

12127 - لنا: أن البائع رضي بجملة الثمن، وببقيتها على ذلك لا يخرج العقد عن موضوعه، فلم يجز إلزامه العقد بأقل من ذلك، كما لو وجد بالمبيع عيباً والرد ممكن فلم يكن له حط الأرش. 12128 - ولأنها خيانة لا تخرج العقد عن موضوعه ولا يخلطها شيء من الثمن، كما لو ابتاع بثمن مؤجل فأخبره انه اشتراه بثمن حال. 12129 - قالوا: الأجل لا يوجب حط شيء من التولية، كذلك المرابحة. 12130 - قلنا: لأن تبقية الأجل وإسقاطه لا يخرج العقد عن موضوعه؛ لأنه يكون تولية. 12131 - ولا يلزم إذا خانه في التولية؛ لأن تبقية الخيانة تؤدي إلى إخراج العقد عن موضوعه ويجعله عقد مرابحة. 12132 - ولأن ما اشتراه مرابحة بثمن لم يجز أن يسلم له جميعه ببعض الثمن، كما لو اشتراه بالسود فزعم أنه اشتراه بالبيض، أو بالمؤجل فزعم أنه اشتراه بثمن حال. 12133 - احتجوا: بأنه باعه برأس ماله وزيادة درهم من العشرة؛ فلم يلزمه أكثر من ذلك. 12134 - قلنا: بل باع بالجملة وزعم أنها رأس ماله وزيادة؛ فصار كما لو باعه بجملة ماله وزعم أنه رأس المال.

12135 - قالوا: لما رضي بمقدار من الربح فقد أسقط ما سواه، فصار كبيع التولية الذي رضي برأس المال وأسقط ما سواه. 12136 - قلنا: هناك عقد نوعاً من المبيع، فلو لم تسط الزيادة جعلناه عقد مرابحة، وهما دخلا في عقد تولية؛ فوجب إسقاط الزيادة حتى لا ينتقل العقد عما قصداه. 12137 - قالوا: نقل ملك يعتبر فيه الثمن الذي اشتراه به، فإذا كان بزيادة وجب حطها، أصله: بيع التولية، ونقل الملك بالشفعة. 12138 - قلنا: لا نسلم أنه يعتبر فيه الثمن الذي اشتراه به، بدلالة: أنه لو قال: أبيعك بمثل ما اشتريت، وهو كذا مرابحة لم يجز البيع حتى يسمى الربح، فدل أن الثمن الأول غير معتبر، فصار هذا الوجه، كبيع المساومة، وليس كذلك التولية والشفعة؛ لأن الثمن الأول معتبر، بدلالة: أن العقد لا يفتقر إلى تسمية شيء غيره. * * *

مسألة 625 حكم لحوق العقد الحط من الثمن

مسألة 625 حكم لحوق العقد الحط من الثمن 12139 - قال أصحابنا: إذا حط البائع عن المشتري بعض الثمن، لحق الحط بالعقد، فصار كأنه وجد حال العقد، فإذا أراد المشتري بيعه مرابحة باعه بما بقي. 12140 - وقال الشافعي: الحط بعد لزوم العقد لا يلحق بالعقد ويكون هبة مبتدأة، وإن كان قبل لزوم العقد، مثل أن يوجد في المجلس، أو في مدة الخيار، فإنه يلحق. 12141 - لنا: أنه حط لازم فلحق العقد، كما لو كان في مدة الخيار. ولأنهما يملكان الفسخ، فحطهما يلحق بالعقد، كخيار المجلس. 12142 - ولا يلزم حط جميع الثمن؛ لأنه ليس بحط، وإنما هو إسقاط؛ / ألا ترى: أن الحط ترك بعض الجملة. 12143 - ولأنهما دخلا في الحط ليسقط من جملة الثمن، ويكون ثمن المبيع ما بقي مما أمكن إن لم يمضه على ما قصداه، فلم يجز أن يحمل على غيره. 12144 - ولا يلزم إسقاط جميع الثمن؛ لأنه لا يمكن إمضاؤه على ما قصداه؛

لأنه يؤدي إلى الفساد ولم يقصدا الفساد. 12145 - وكذلك لو حمل على هبة مبتدأة. 12146 - وإذا ثبت أن الحط يلحق بالعقد، فكأنه اشتراه بما بقي فيبيعه مرابحة على ذلك. 12147 - ولأنه حط بعض الثمن فوجب أن يحط في المرابحة، فإنه يحط إذا وجد لعدم لزوم العقد، كما لو قطعت يدها وأخذ الأرش. 12148 - احتجوا: بأنه حط بعد لزوم العقد، فوجب أن لا يلحق كما لو حط كل الثمن. 12149 - قلنا: المعنى فيه: أنه لو لحق حط جميع الثمن أفسد العقد، ولم يقصدا الفسخ، فلم يجز ان يلزمهما ما لم يقصداه، وحط بعض الثمن لا يفسد العقد، فأمكن تبقيته على الوجه الذي قصداه، فوجب أن نبقيه على ذلك. 12150 - ولن حط جميع الثمن لو حصل قبل لزوم العقد لم يثبت في حق المرابحة، كذلك بعد لزومه. وأما حط البعض فلو حصل قبل لزوم العقد اعتبر في حكم المرابحة، كذلك بعد اللزوم. * * *

مسألة 626 الحكم فيما إذا باع عينا بثمن فلم يقبضه حتى اشتراها بثمن أقل

مسألة 626 الحكم فيما إذا باع عيناً بثمن فلم يقبضه حتى اشتراها بثمن أقل 12151 - قال أصحابنا: إذا باع عيناً بثمن فلم يقبضه حتى اشترى تلك العين بأقل منهن لم يصح البيع الثاني. فإن اشتراه بمثل الثمن الأول أو أكثر؛ جاز. 12152 - وهذا قول عائشة، وابن عباس، ومجاهد، وعلقمة، والشعبي، والنخعي، وسعيد بن المسيب، وأبي بكر بن حزم، وشريح، والقاسم، وسالم، وسليمان بن يسار. 12153 - وقال الحسن، وابن سرين: لا يجوز الشراء بأقل قبل حلول الأجل. 12154 - وقال الثوري، ومالك، والحسن بن جبير: مثل قولنا. 12155 - وقال الشافعي: يجوز أن يشتريه كيف شاء.

12156 - لنا: ما روى جرير بن حازم، وزهير بن معاوية (عن أبي إسحاق الهمداني عن امرأته- أم يونس- أنها حجت فدخلت على عائشة مع أم محبة أم ولد زيد بن أرقم الأنصاري، فقالت لها أم محبة: يا أم المؤمنين أتعرفين زيد بن أرقم، قالت: نعم، قالت وإني بعته عبداً إلي العطاء بثمانمائة درهم، فاحتاج إلى ثمنه فاشتريته [منه] قبل محل الجل بستمائة درهم، فقالت: (بئس ما شريت وبشس ما اشتريت، أبلغي زيداً أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن لم يتبن قالت: فقلت: أرأيت إن تركت [المائتين] وأخذت الستمائة؟ قالت: نعم {فمن جاءه

موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف}. 12157 - وجه الدلالة من هذا الخبر: أن الصحابي إذا قال ما لا يدل عليه القياس حمل على التوقيف. 12158 - ولأن ما ذكروه مقدار من العقوبة، ومقادير العقوبات إنما تعلم توقيفاً، فكأنها روت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما ذكرت. 12159 - فإن قيل: أم يونس مجهولة. 12160 - قلنا: هذه امرأة معروفة، وهي العالية بنت أيفع، زوجها إمام من

أئمة المسلمين، وهو أبو إسحاق السبيعي، وابنها يونس ممن قبلت روايته، وروى عن أبي بردة، عن أبي موسى، ومجاهد، والسبيعي. 12161 - وابنا ابنها: إسرائيل بن يونس، ومنزلته معروفة، فروى عن جده، عن غيره، والآخر: عيسى بن يونس، وهو حجة في الرواية، وقد كان ابن عيينة يعظمه، وإذا رآه قال: مرحباً بالفقيه ابن الفقيه. 12162 - ثم قد روى هذا الخبر عنها: زوجها أبو إسحاق وابنها يونس، وعمل به أئمة بلدها: أبو حنيفة، وأصحابه، وسفيان الثوري، والحسن بن صالح، مع

علمهم بأهل بلدهم وأحوالهم، وهذا تعديل لها وقبول لروايتها. 12163 - وقد قبل أهل المدينة حديث حميدة بنت عبيد بن رفاعة، عن جدتها أسماء [قالت]: (إنا نحرنا فرساً على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأكلناه). وكل واحدة من هاتين غير معروفة بنقل الحديث وليس لهما حظ هاتين من الشهرة. 12164 - فإن قيل: لا يخلو أن زيد بن أرقم علم هذا التوقيف أو لم يعلم، ولا يجوز أنه يعلمه ويقدم على النهي، وإذا كان لا يعلمه لم يجز أن يبطل خياره، فكيف يصح هذا الخبر؟ 12165 - قلنا: قولها: (أبلغي زيد بن أرقم أن الله أبطل جهاده إن لم يتب) بعد هذا التسامع، فكأنها أقامت الحجة عليه في الذي نبهت إليه، وهو إبطال الجهاد بترك التوبة بعد العلم. 12166 - فإن قيل: زيد بن أرقم مخالف لعائشة، وكذلك ابن عمر. 121670 قلنا: لم نحتج بقولها، وإنما احتججنا بما دل على قولها من

التوقيف. 12168 - فإن قيل: لو كان عندها في ذلك أمر لروته في طول عمرها، كما روت غيره مما سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 12169 - قالوا: وقد كانوا يروون عنه الحوادث، وهذا القول رواية منها؛ لأن إبطال الجهاد أمر لا يعلمه إلا النبي - صلى الله عليه وسلم -، كأنها قالت: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: من عقد هذا العقد يبطل جهاده. 12170 - فإن قيل: قد كانوا يذكرون مثل هذا في مسائل الاجتهاد تعظيماً، كما قال ابن عباس في الجد: (ألا يتقي الله زيد بن ثابت)، وقال في العول: (من شاء باهلته أن الله لم يجعل في المال نصفاً ونصفاً وثلثاً). 12171 - وقال علي: (من سره أن يتقحم جراثيم جهنم فليقض بين الجد والإخوة). 12172 - قلنا: هذا لا يشبه ما ذكرنا؛ لأن ابن عباس [قال]: (ألا يتقي الله) لبشر بن عبد.

12173 - وإنما معناه: ألا يتقي الله ويبالغ في النظر والاجتهاد، ولا يترك هذا الطريق الظاهر من أن أبا الأب، كابن الابن. 12174 - وقول ابن عباس صحيح؛ فإن الله تعالى لم يجعل في مال واحد، نصفاً ونصفاً وثلثاً، وإنا أثبتنا المضاربة فيه بهذه السهام، فموضع المباهلة ليس هو موضع الاجتهاد، وإلا أنكر على من قال: إن القول منصوص عليه. وقول علي - رضي الله عنه -: محمول على من حكم بين الجد والإخوة بغير علم، بدلالة: أنه حكم بينهما مع هذا القول، لا يجوز أنه نظر به، أنه فعل ما ذكر. 12175 - فإن قيل: عائشة رضي الله عنها أنكرت العقدين فقالت: (بئس ما شريت، وبئس ما اشتريت). 12176 - قلنا: بل أنكرت الثاني: لأن شريت واشتريت بمعنى واحد، وقد تكرر العرب المعنى الواحد بلفظين تأكيداً، وتعطف أحدهما على الآخر. 12177 - ولأن الثاني غير الأول في اللفظ وإن كان إياه في المعنى؛ قال الله تعالى: {إن علينا جمعه وقرآنه}، والقرآن هو الجمع. وأنشد. فقدَّدت الأديم [لراهشيه] .... وألفى قولها كذباً ومينا 12178 - والدليل على ذلك من الخبر: أنها قالت: (أرأيت إن تركته-

يعني العبد- وأخذت الستمائة)، فتلت الآية؛ فلو كان الإنكار على العقدين لم يجز أن تمتنع؛ لأن الأول إذا صار سبباً للثاني استويا في اللفظ، كقوله تعالى: {وجزاء سيئةٍ سيئةٌ مثلها}. 12179 - فإن قيل: إنما أنكرت عائشة العقدين؛ لأن الأول كان إلى العطاء، وهو بيع فاسد، والثاني أيضاً. 12180 - قلنا: البيع إلى العطاء جوزه علي بن أبي طالب، وعائشة، وابن عمر رضي الله عنهما، فكيف يبطل به الجهاد؟ وكيف يصح ذلك، وقد جوزت تبقية العقد الأول لما سألتها عن رد العبد وأخذ الستمائة؟. 12181 - قلنا: لأنه لو كان الأمر كما قالوا كان البيع الثاني فسخاً للأول، ولم يجز بنفسه. 12182 - ويدل عليه: ما روي عن ابن عباس، أنه سئل عمن باع حريرة بمائة نساء، ثم اشتراها بخمسين نقداً؟ فقال: المائة بخمسين، والحريرة أدخلت بينهما الربا). والربا اسم شرعي لا يعلم إلا من جهة التوقيف، فإذا قاله الصحابي حمل على أنه رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن البيع من الأعيان يستعمل على مبيع وثمن، وإذا كان لعدم قبض المبيع تأثير في المنع من التصرف [فيه، كذلك عدم قبض الثمن جاز أن

يكون له تأثير في المنع من التصرف] في المبيع. 12183 - وتحريره: أنه أحد العوضين في بيوع الأعيان، فجاز أن يكون لعدم قبضه تأثير في منع التصرف في البيع. أصله: المبيع، وإذا باع عيناً بعين. 12184 - ولا يلزم عند التسليم؛ لأنا قلنا: بيع الأعيان، ولا يمكن القول بموجبه من التصرف؛ لأنه من عقود الأثمان. ولا يقال: بموجبه إذا باع عيناً بعين، لأن كل واحد من العوضين مبيع. 12185 - وقولنا: (فكان لعدم قبضه تأثير في التصرف في المبيع) يقتضي: أن يكون أحد العوضين مبيعاً. 12186 - ولأنه اشترى ما باعه قبل نقد الثمن بأقل منه؛ فلم يجز، أصله: العقار. 12187 - ولأنه اعتقد إن وقع على العقار قبل القبض [لم يصح، فكذا إذا وقع على العروض قبل القبض]، أصله: إذا باع بشرط فاسد. 12188 - ولأنه سبب يرجع به جميع ما تناوله العقد الأول إلى البائع قبل استيفاء أحكامه، فلم يجز بأقل من الثمن الأول، أصله: هلاك المبيع. 12189 - ولأنه عقد على ما تناوله البيع الأول عقداً يقصد به المسامحة، فيكره فيه الخطأ قبل قبض الثمن، أصله: الإقالة. 12190 - ولأن ما لم يقبض منه؛ لم يجز بيعه من بائعه بأقل منه، أصله: إذا ابتاع دراهم بدنانير، وقبضها ولم يقبض الدنانير لم يجز بيع الدراهم منه بأقل.

12191 - ولأنه إذا سلم المبيع فقد صار المبيع والثمن من ضمان المشتري، وإذا اشترى المبيع ببعض/ الثمن الذي في الذمة فقد استفاد ربحاً منها لم يضمنه، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ربح ما لم يضمن، ولهذا لو باعه بمثل الثمن جاز لأنه لم يستفد بالعقد ربحاً. 12192 - ولا يلزم: إذا باعه المشتري فاشتراه البائع الأول من المبتاع الثاني؛ لأنه يضمن الثمن بالعقد فيستفيد ربح ما ضمن. 12193 - ولأن الربح لم يحصل له، الجواز أن يهلك ما في ذمة الأول. 12194 - احتجوا: بقوله تعالى: {وأحل الله البيع وحرم الربا}، وقال عليه [الصلاة] والسلام: (وإذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم). 12195 - والجواب: أن هذا يدل على جواز البيع في الجملة. 12196 - ونهيه عليه [الصلاة] والسلام عن ربح ما لم يضمن بيان الأحوال جواز البيع، وكذلك خبر عائشة رضي الله عنها، فيستعمل كل واحد منهما، وهذا إلزام على أصلهم في قضاء الخاص على العام. 12197 - قالوا: كل مبتاع لو باع متاعه من غير بائعه بثمن صحيح، فإذا باعه من بائعه بذلك الثمن صح، كما لو كان بعد القبض. 12198 - قلنا: يبطل على أصلكم بالمسلم إذا اشترى من الكافر عبداً مسلماً، أو مصحفاً يجوز بيعه من غير بائعه، ولا يجوز بيعه من بائعه. 12199 - ولأن بعد التقابض تبين فيه أحكام العقد للأول، وقبل

القبض لم يستوف الأحكام، وحكم الأمرين مختلف في باب التصرف؛ الدليل عليه: قبض المبيع. 12200 - قالوا: كل ما لو باعه بمثل ذلك الثمن قبل القبض صح. أصله: إذا كان بمثل الثمن. 12201 - قلنا: البيوع بمثل الثمن لا يقصد به الاستفضال، [وبأقل يقصد به الاستفضال]، والفضل فيما لم يضمنه، فيحرم، فلم يجز اعتبار أحدهما بالآخر. 12202 - فإن جعلوا أصل العلة: إذا اشتراه بعوض؛ فالمعنى فيه: أن العوض مضمون عليه، ويحصل له العوض فيما ضمنه، وإذا اشترى بثمن صار قصاصاً بما في الذمة فيكون ربح ما لم يضمن. 12203 - قالوا: كل واحد من العقدين منفرد عن الآخر، يحتاج إلى إيجاب وقبول وتراض؛ فوجب أن لا يبنى أحد العقدين على الآخر. 12204 - قلنا: هذا يبطل بالإقالة، ولا تفتقر إلى إيجاب وقبول، وتبني على العقد الأول، ولا تصح بأكثر مما سمي فيه من الثمن، فكذلك ها هنا لمن قصد العقدين بقصد واحد. 12205 - قالوا: لو كان المنع من العقد الثاني للربا؛ لوجب إذا باعه بأكثر من الثمن الأول، ولا يجوز؛ لأن الربا لا يجوز بالزيادة ولا بالنقصان. 12206 - قلنا: إذا باع بمثل الثمن أو زيادة فلم يقصد بالعقدين مقصد عقد

واحد، بدلالة: أن الإنسان لا يبيع الشيء بثمن ويبتاعه بأكثر منه وهذا الغرض غرضه ابتداء فلذلك لم يجز. 12207 - فإن قيل: من أصلكم: أن من باع من رجل تمراً رديئاً بتمر ثم اشترى بذلك التمر تمراً جيداً ثم أولى منه جاز، وإن كان هذا لا يجوز أن يكون غرضه ابتداء، ولم تجعلوا العقدين كالعقد الواحد. 12208 - قلنا: هناك لا يجوز إلا بعد قبض الثمن فيستوفي حقوق العقد الأول، ولا شيء للثاني عليه، وإن كان غرضه النقصان ابتداء؛ لأنه إن قصد مقصد عقد واحد لم تكمل أحكام العقد الأول. * * *

مسألة 627 ما الحكم لو ابتاع ثوبا بعشرة، فباعه بخمسة عشر، ثم اشتراه بعشرة فأراد أن يبيعه مرابحة؟

مسألة 627 ما الحكم لو ابتاع ثوباً بعشرة، فباعه بخمسة عشر، ثم اشتراه بعشرة فأراد أن يبيعه مرابحة؟ 12209 - قال أبو حنيفة: إذا ابتاع ثوباً بعشرة، فباعه بخمسة عشر، ثم اشتراه بعشرة، فأراد أن يبيعه مرابحة: باعه على خمسة، أو يبيعه مساومة. فإذا باعه بعشرين، ثم اشتراه بعشرة: لم يجز أن يبيعه مرابحة؛ لأنه يحط الأرباح من الثمن. 12210 - وقال أبو يوسف، ومحمد: يبيعه على جميع الثمن، وبه قال الشافعي. 12211 - لنا: أن المرابحة تجتمع فيها العقود ويكون رأس المال ما اجتمع، بدلالة: أنه يبتاع الثوب ويستأجر من يقصره ويطرزه ويضم ذلك إلى رأس المال، ومتى ضممت العقود في مسألتنا: كان رأس المال خمسة، فوجب أن يبيعه على ذلك. 12212 - ولأن هناك تجمع العقود في ملك واحد، وها هنا الجمع في ملكين؛ لأن عندنا يجمع بين ملكين، بدلالة: أن من ابتاع من أبيه أو ابنه أو مكاتبه، لا يبيعه مرابحة حتى يحط عن الثمن ما ربحه البائع. 12213 - ولهذا قالوا: لو أنه اشترى بثمن فغلب العدو على المبيع، ثم اشتراه رجل منهم وأخذه المشتري بالثمن باعه المشتري مرابحة بالثمنين وجمع أحد العقدين إلى الآخر، وإن كان ذلك في ملكين.

12214 - ولأنه سلم إليه مالاً في مقابلة جزء من المبيع، فلم يجز له بيعه مرابحة بجميع الثمن ما لم يبين، أصله: إذا قطعت يدها وأخذ الأرش. 12215 - ولا يلزم: إذا باعه بعرض؛ لأن محمداً قال في المضاربة: إنه يبيعه مرابحة في قياس قول أبي حنيفة، وأصحابه يقولون: يجب أن لا يبيعه حتى يتبين. 12216 - ولأن المقصود من البيع نوعان: الربح، والنماء من عينه، مثل: الولد، والثمر، والغلة، واللبن، فإن كان سلامة أحدهما يجوز أن تؤثر في بيع المرابحة، كذلك الآخر. 12217 - ولا يلزم: العلة؛ لأن المبطل في الجملة النماء. 12218 - ولأنه لما باعه ابتداءً وربحه فلم يستقر الربح لجواز أن يرد عليه بعيب، فإذا ابتاعه استفاد بالعقد الثاني المبيع واستقرار الربح في العقد الأول، فلم يجز بيع أحدهما مرابحة بجميع الثمن من غير بيان، كما لو اشترى شيئين. 12219 - احتجوا: بأنه لا يحتسب له بالخسران فيه فلا يحتسب عليه بالربح من غير هذه السلعة. ومعنى هذا: أنه لو باعها أولاً بخمسة ثم اشتراها بعشرة لم يبعها مرابحة على خمسة عشر. 12220 - الجواب: أنا نسقط الربح لدفع القيمة كالبائع؛ لأن المشتري إذا علم أن يكون ابتياعه لها بثمن ناقص ويبيعها بزائد ارتاب وضم الخسارة فيه تهمة، فلذلك لم يضم. 12221 - ثم أصلهم يتبع آخر، والمعنى فيه: أنه لو سلم منه النماء الذي هو الولد [لم يعتد به في بيع غيره، فكذلك الربح والمبيع الواحد لو سلم منه الولد] أثر في

منع المرابحة، كذلك الربح يجوز أن يؤثر. 12222 - قالوا: أبو حنيفة أمر بالكذب، فإنه إذا قال: اشتريتها بخمسة كان كاذباً، وإن قال: قامت علي بخمسة كان كاذباً. 12223 - قلنا: أبو حنيفة يرى القياس في هذه المسألة لضرب من الدرع، وجعل العقدين كالعقد الواحد، فكيف يأمر بالكذب؟، وهو إذا قال: ابتعتها مرابحة على المشتري فلم يجز بواحد من الأمرين فهو صادق، وإن تبين حقيقة المال، فيقول: ابتعتها بعشرة وبعتها بخمسة عشر وابتعتها بعشرة، فيجوز أن يبيع مرابحة على غيره بعد بيان الحال، وإن قال: قامت علي بخمسة يريد به في مجموع العقدين، كان صادقاً. 12224 - قالوا: لو: باعها في العقد الأول بعشرين، ثم اشتراها بعشرة، لم يجز أن يبيعها مرابحة عندكم، ولا مانع من ذلك. 12225 - قلنا: المانع أن المشتري إذا تبين له الأمر اتهم المبتاع أن يكون وقف من حال السلعة على معنى إذا أظهره ابتاعها بقليل الثمن، وإذا أخفى زاد ثمنها فلا يمكن حط ربح الأول؛ لأنه لم يتيقن بثمن. 12226 - فقلنا: تبين الحال فيبيعها مرابحة ويبيعها مساومة، كما أنه إذا ابتاع من مكاتبه لم يجز أن يبيعه مرابحة إلا بعد البيان، وكذلك إذا أثمرت النخلة فأكل ثمرها لم يجز بيعها مرابحة حتى يبين.

مسألة 628 شراء ثوبين بثمن واحد، وبيع أحدهما بثمنه مرابحة

مسألة 628 شراء ثوبين بثمن واحد، وبيع أحدهما بثمنه مرابحة 12227 - قال أصحابنا: إذا اشترى ثوبين بثمن واحد، لم يجز بيع أحدهما مرابحة بحصته، [إلا أن يبين، ولو ابتاع قفيزين حنطة، جاز أن يبيع أحدهما مرابحة] بنصف الثمن. 12228 - وحكى أصحاب الشافعي: أنه يجوز بيع أحد الثوبين مرابحة بحصته من الثمن. 12229 - لنا: أنه باع بعض ما دخل تحت الصفقة بحصة مظنونة، فلم يجز في المرابحة إلا بعد البيان، كما لو لبس الثوب فتخرق، يقوم بنقصان العيب ويبيعه مرابحة بما بقي. 12230 - ولن الثمن ينقسم عليه بالحرز والظن، وذلك يختلف، فإذا حزر أن رأس ماله كذا، جاز أن يكون كاذباً، فلم يجز. ولا يقال: إنا نقوم السرقة فيقطع إذا كملت قيمتها بالحرز والظن؛ لأنه لا بد هناك من التقويم أو إسقاط حق الله تعالى من القطع، وها هنا لا بد من المرابحة والمساومة، وإلى بيان الحال. 12231 - ولأن المبيع لو بين له باطن الأمر اتهم أن يكون زاد في القيمة أو

أمسك لنفسه ما هو الأنظر في البيع والأقرب غلى الاختيار. 12232 - ولأن الإنسان قد يبتاع الشيئين رغبة في أحدهما ويزيد في الثمن لأجل حاجته إلى ما رغب فيه فيلحقه بهذا التجويز التهمة، فلم يجز أن يبيعه مرابحة من غير بيان. 12233 - ولا يلزم إذا سمى لكل ثوب ثمناً؛ لأنه إذا رغب في أحدهما زاد في ثمنه خاصة. 12234 - احتجوا: بأن ما جاز بيعه إذا اشتراه منفرداً جاز بيعه إذا اشتراه مع غيره؛ أصله: ينقسم الثمن عليه بالأجزاء. 12235 - والجواب: أن هناك حصة كل واحد معلومة في العقد وقد تختلف القيم فيها، فإذا أخبر أن رأس مالها الحصة لم يتحقق فيما يخبر به. 12236 - ولأن المشتري إذا بين له حال الصبرة لم يتهم، فإذا بين له حال الثوب اتهمه من الوجه الذي هنا؛ ألا ترى: أنه لا يباع قفيزان رغبة في أحدهما، وقد يباع ثوبان رغبة في أحدهما. 12237 - قالوا: كل واحد من الثوبين ثمنه ما يخصه بالتقويم، بدلالة أن الباقي بحصته. 12238 - قلنا: هذه الحكام كلها ليس للتهمة فيها مدخل، فيجوز أن يبينه بالتقويم الذي طريقه/ الظن. 12239 - ولأنه لا مندوحة عن التقويم فيها، وفي مسألتنا: التهمة مؤثرة وعن

التقويم مندوحة؛ لأنه يمكن البيع مساومة أو بعد البيان. 12240 - قالوا: إذا قومها عدلان فلا تهمة. 12241 - قلنا: التقويم لا يعتد به في الشيء اليسير، وذلك معتد به من المرابحة. ألا ترى: أنه يقول: هو علي بكذا، فإذا كان هناك زيادة يسيرة لا يعتد بها المقوم كان كاذباً. * * *

مسألة 629 خيانة البائع للمشتري في المرابحة وهلاك المبيع

مسألة 629 خيانة البائع للمشتري في المرابحة وهلاك المبيع 12242 - قال أبو حنيفة، ومحمد: إذا خانه في المرابحة وهلك المبيع؛ فلا شيء للمشتري. 12243 - وقال الشافعي في أحد قوليه: يرجع بالخيانة وحصتها من الربح، وفي القول الآخر: يفسخ البيع، ويرجع بالثمن، ويغرم القيمة. 12244 - أما الكلام على القول الأول فقد بيناه. 12245 - وذكر أن الخيانة لا توجب حط شيء من الثمن، وإنما يثبت الخيار، فإذا هلك المعقود عليه سقط الخيار، كخيار الشرط. ولأن المبيع تلف على ملكه، فلا يرجع فيما خانه في ثمن المرابحة، أصله: إذا خانه في الصفقة. وإنما الكلام على القول الثاني: فلأنه تلف ما اشتراه بعقد صحيح على ملكه، فلم يجز له الفسخ، كما لو خانه في الصفقة. 12246 - ولأنه خيار فسخ فيسقط بتلف المبيع، كخيار الشرط والعيب. 12247 - ولأنها حالة لا يفسخ فيها عقد المرابحة بالخيانة في الصفقة، فلا يفسخ بالخيانة في القدر. أصله: إذا أخر الفسخ مع الإمكان ثم تلف.

مسألة 630 هلاك المبيع في يد المشتري واختلافهم في الثمن

مسألة 630 هلاك المبيع في يد المشتري واختلافهم في الثمن 12248 - قال أبو حنيفة، وأبو يوسف: إذا هلك المبيع في يد المشتري [ثم اختلفا في الثمن؛ فالقول قول المشتري]، فلا تحالف. 12249 - وقال محمد: يتحالفان ويفسد العقد ويلزم المشتري قيمة المبيع، وبه قال الشافعي. 12250 - لنا: ما روى ابن أبي ليلى عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن ابن مسعود - رضي الله عنه -، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إذا اختلف البيعان والمبيع قائم بعينه وليس بينهما بينة، فالقول ما قال البائع، أو يترادان البيع). 12251 - والحكم إذا ورد معلقاً بشرط دل على نفي ما عداه عند كثير من أصحابنا. 12252 - ومن منع دليل الشرط قال: القياس الحلف، فإذا ورد الخبر في السلعة القائمة تركنا القياس فيه، وبقي ما سواه على مقتضى القياس.

روى الحسن بن عمارة، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا اختلف البيعان فالقول ما قال البايع، فإذا استهلك فالقول ما قال المشتري)، وهذا نص. 12253 - فإن قيل: الحسن بن عمارة مردود. 12254 - قلنا: قد عدله أصحابنا، وروى عنه أبو يوسف، وأخذ بحديثه، وهو قاضي قضاة بغداد، وصاحب المظالم، وإنما زعموا أنه رديء الحفظ. ولأنه نوع فسخ؛ فلم يصح بعد هلاك ما يعتبر بالعقد في ضمان المشتري، كالإقالة. 12255 - ولا يلزم: إذا باع عبداً بجارية فهلك أحد العوضين ثم اختلفا؛ لأن قولنا: بعد هلاك ما تعين يقتضي جميع التعيين، وها هنا هلك بعد القبض ما تعين. ولأنا نسوي بين الأصل والفرع؛ لأن الإقالة في مسألة الإلزام تصح. 12256 - ولا يلزم: إذا قبل المبيع في يد البائع؛ لأنه لم يهلك في ضمان المشتري. 12257 - فإن قيل: المعنى في الإقالة: أنها ابتداء عقد، بدلالة: أنها تفتقر إلى التراضي، فلم تفتقر إلى بقاء المعقود عليه. 12258 - قلنا: لا نسلم إن الإقالة ابتداء عقد، بل هي فسخ، ولهذا لا تقف على تسمية عوض، وتصح بلفظ لا يصح ابتداء العقد به. 12259 - فأما قولهم: إن الفسخ بالتحالف لا يقف على التراضي فليس كذلك؛ لأن بقاءهما على الخلاف رضا بالفسخ، ولهذا لو رجع أحدهما إلى قول الآخر لم يفسخ العقد.

12260 - ثم علة الفرع تبطل بالرد بالعيب؛ لأنه لا يقف على التراضي ويقف على السلعة، وكذلك الطلاق والرجوع في الهبة فسخ عقد لا يتعين في التراضي ولا يصح مع الهلاك. ولأنه فسخ يقتضي رد المبيع فلا يبتدئ في السلعة للهالك، كالرد بالعيب. 12261 - ولا يلزم: إذا قبل المبيع من يد البائع؛ لأن هذا الفسخ يقتضي رفع العقد، ولا يقتضي رد المبيع؛ لأن الرد يكون بعد القبض. 12262 - ولا يقال: المعنى في الرد: أن المشتري يستدرك الظلامة باستحلاف المشتري، فالظاهر: أنه ينكل إن كان كاذباً. 12263 - ولأنه لا يستدرك الظلامة بالفسخ؛ لأنهما لا يختلفان في القيمة، كالاختلاف في الثمن وزيادة، ويرجع إلى قول المشتري فيها. 12264 - ولأنها حالة لا تصح الإقالة فيها؛ فلم يصح الفسخ بالتحالف، كما لو كان بعد انقضاء مدة الإجارة، وكما لو هلك المبيع في يد البائع. 12265 - ولأنه فسخ يختص سببه بالحكم، فلم يصح بعد تلف المعقود عليه، كاللعان. 12266 - ولأنه هلك على ضمان الثمن، فلم ينتقل بالتحالف إلى ضمان القيمة؛ لأن كل هالك على ضمان لم ينتقل بالتحالف إلى غيره، كالمقبوض ببيع فاسد، والغصب. 12267 - والدليل على أنه هلك بضمان الثمن: إن كان مقبوضاً على وجه، فهلاكه يقع عليه القبض، كالغصب والوديعة.

12268 - فإن قيل: هذا يبطل بمن اشترى عبداً بجارية وقبضه فهلك في يده، فإنهما يتحالفان، وينتقل ضمان العبد إلى القيمة. 12269 - قلنا: الأعيان إذا بيعت بمثلها. 12270 - قلنا: القيمة لا يجوز الرجوع إليها في الشريعة في هذا الحكم، ولا هو غالب فكيف نسلم لهم الأولى؟ ثم إنهما قد يختلفان في جنس الثمن فيدعي أحدهما دنانير مثل القيمة، ويذكر الآخر دراهم مثل القيمة فيتحالفان، وإن لم تشهد القيمة لأحدهما، وهذا مردود بالخبر، فمن أين تثبت البينة؟. 12271 - فإن قيل: إنما تركما دليل الخطاب لما روي عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله أنه قال: (إذا اختلف البيعان والمبيع مستهلك فالقول قول البائع)، ورفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، والنطق الخاص أولى من دليل الخطاب. 12272 - قلنا: هذا الخبر ذكره الدارقطني، عن بدر بن الهيثم، عن محمد بن عبيد بن عبد، عن أحمد بن مسبح الجمال، عن عصمة بن عبد الله، عن إسرائيل، عن الأعمش، ومن بين بدر [و] إسرائيل كلهم مجاهيل، لا يعرف منهم أحد، ولا يثبت بقولهم حجة. 12273 - قالوا: متبايعان اختلفا في قدر ثمن عقد به المبيع القائم بينهما، فإذا

لم يتضمن اختلافهما فساد العقد تحالفا، كما لو كانت السلعة قائمة. 12274 - وقولهم: (القائم بينهما) [احتراز من المبيع إذا تلف قبل القبض. 12275 - وقولهم: (إذا لم يتضمن فساداً] (احتراز منه إذا اختلفا، فقال البائع: بعت بدراهم، فقال المشتري: بخمسين. 12276 - قلنا: يبطل إذا كان لأحدهما بينة والوصاف موجودة، ولا تحالف. والمعنى في الأصل: أنه يمكن إزالة ضرر الاختلاف، ورد كل واحد برأس ماله فلذلك تحالفا. وفي مسألتنا: لا يمكن رد كل واحد إلى ماله بضرر ربما كان أكثر من الأول. 12277 - ولأن انقضاء البيع بالقيمة، ويجعل القول فيها قول المشتري. 12278 - ولأن السلعة القائمة تقبل الفسخ بالإقالة والرد بالعيب، وكذا ابتداء. 12279 - وكذلك لا يصل الفسخ بالتحالف ابتداء؛ لأن مقصود التحالف الفسخ. 12280 - قالوا: اختلفا في صفة العقد وتداعياه دعوى صحيحة ولا بينة لأحدهما، فوجب أن يتحالفا، أصله: إذا كان المعقود عليه باقياً. 12281 - قلنا: التحالف بثمن الفسخ، بدلالة: أن ما لا ينفسخ من العقود لا يثبت فيه التحالف، كالجعل، والفسخ مع بقاء السلعة ممكن، فإذا هلكت لم يكن ابتداء الفسخ فيها ولذلك لا يثبت التحالف. 12282 - قالوا: يبطل هذا بما لو قتل المبيع في يد البائع فأخذ قيمته ثبت للمشتري الفسخ ابتداء مع هلاكه.

12283 - قلنا: لأن العقد انتقل إلى القيمة، بدلالة: أنه تعلق بها جميع الأحكام المتعلقة بالبيع من الحبس وجواز الإقالة والرد بالعيب؛ لأن المشتري لو رضي بالقيمة ثم اطلع على عيب كان بالمبيع: جاز له رد القيمة، فصار العقد منتقلاً إليها، فلهذا جاز فيها الفسخ. 12284 - قالوا: فسخ بيع لا يفضي إلى تراضيهما، فإذا صح مع بقاء المبيع صح مع تلفه، كما لو اشترى عبداً بثوب وتقابضا فهلك العبد في يد المشتري وأصاب البائع بالثوب عيباً، فإنه يرده بالعيب ويفسخ العقد، وعلى المشتري قيمة الثوب. 12285 - قلنا: يبطل بالفسخ خيار الشرط. وفي الأصل يبتدأ في الفسخ بما تعين بالعقد ويبيعه الهالك. 12286 - وفي مسألتنا: يقع ابتداء الفسخ في الهالك المتعين في الفسخ، وإن لم يجز أن يفسخ فيه لا على طريق التبع؛ لأن الإقالة تجوز في عبد حي وعبد ميت ويتبع الميت الحي في الإقالة، وإن كان لا يصح فيه ابتداء. 12287 - ولأن هذا التعليل إن كان للوجوب، بطل بالفسخ في العبد الهالك، وإن كان للجواز قلنا به في مثل الأصل الذي قاسوا عليه، وهذا إذا باع عرضاً بعرض، فهلك أحدهما، ثم اختلفا تحالفا، ووقع الفسخ في العرض الباقي ويتبعه الآخر. 12288 - قالوا: إنهما اتفقا أن السلعة كانت للبائع، وأنها انتقلت منه إلى المشتري، ومتى اختلفا في صفة انتقال ملك المالك كان القول قول المالك في صفة انتقاله، كما لو قال المالك: بعتك، وقال القابض:/ وهبت؛ فالقول قول المالك. 12289 - قلنا: في مسألتنا اتفقنا على العقد أنه عقد بيع ووقع الاختلاف في البدل، فإذا لم تظهر زيادة الثمن بالبينة بقي البيع بأقل الثمنين، فلم يرض البائع بهو ودب الرد، وذلك لا يمكن في الهالك.

12290 - فأما في البيع والهبة: فالاختلاف وقع في جنس العقد، فكل واحد يحلف على عقد غير العقد الذي حلف الآخر عليه، فإذا حلفا لم يظهر واحد من العقدين؛ فتثبت العين في يد هالكه من ملك غيره، فيجب قيمتها من غير فسخ. 12291 - وفي مسألتنا: اتفقا على البيع، وإذا لم تثبت الزيادة احتجنا إلى فسخ عقد ثابت باتفاقهما، والفسخ ابتداء لا يكون في الهالك. 12292 - والدليل على أنه يفرق بالاختلاف في البدل، أو في جنس العقد إلى البائع: لو قال: بعتك هذه الجارية، فقال القابض: وهبتها لي، لم يحل له وطؤها، وإن اتفقا على إباحة الوطء لاختلافهما في جنس العقد. 12293 - ولو قال زوجتكها بمهر ألف، فقال: الزوج: بل بخمسمائة: حل له الوطء؛ لأنهما اتفقا على جنس العقد، وإنما اختلفا في زيادة البدل. 12294 - وقد قال محمد في (المأذون)، (والزيادات): إن المبيع إذا قتل في يد البائع، ثم اختلف البائع والمشتري في الثمن تحالفا. 12295 - وكان أصحابنا يقولون: هذا قول محمد خاصة، فأما على قولهما، فلا تحالف، ومنهم من يقول: انتقل المبيع إلى القيمة؛ بدلالة: أن للبائع جنسها بالثمن ويتعاملان فيها وترد بعيب، فتبين أنه كان بالعقد فلما انتقلت أحكام البيع إليها جاز أن ينتقل إليها بالتحالف، وهذا لا يوجد في يد المشتري إذا بين ذلك. * * *

مسألة 631 اختلافهما في الأجل

مسألة 631 اختلافهما في الأجل 12296 - قال أصحابنا: إذا اختلفا في الأجل، لم يتحالفا، ويكون القول قول من ينفي الأجل. 12297 - وقال الشافعي: إذا اختلفا في شرط الأجل، أو مقداره، أو في شرط الخيار، أو في مقداره، أو في شرط الرهن، والكفيل، فإنهما يتحالفان، ويفسخ العقد. 12298 - لنا: أنهما اختلفا في مدة ملحقة بالعقد؛ فصار كما لو اختلفا في مضي الأجل. 12299 - ولأن الاختلاف في الخيار اختلاف في غير المعقود، كالاختلاف في الحط والبراءة. 12300 - ولأن الأجل والخيار معنى إذا سقط من العقد لم يفسد العقد، فإذا اختلفا فيه لم يتحالفا، أصله: شرطت خيار أربعة أيام. 12301 - ولا يلزم: السود والبيض؛ لأن العقد قد يفسد بشرط الصفة إذا لم يكن هناك نقد غالب. 12302 - ولا يلزم: إذا ادعى البائع زيادة، ثم إن إسقاط الزيادة لا يفسد العقد؛ لأن قولنا أن ما لا يفسد العقد بشرط يقتضي سقوط جميع الأصل وجميع الثمن؛ ولأن

المعنى: معنى يؤثر في المطالبة، ولاختلاف البراءة. 12303 - احتجوا: بقوله عليه [الصلاة] والسلام: (إذا اختلف البيعان فالقول قول البائع [والمبتاع] بالخيار). وروي: (فالقول قول البائع، أو يترادان البيع)، يفرق بين الاختلاف في الثمن والمثمن، أو في الأجل والخيار. 12304 - والجواب: أن هذا مجمل؛ لأنا لا نعلم أنهما لو اختلفا في دخول زيد الدار، أو في رؤية الهلال لم يجز التعرض للتحالف، وإنما المراد: وهو الاختلاف فيما صارا بهم تبايعين. 12305 - قالوا: الأجل صفة في الثمن، وصفة العوض إذا اختلفا في شرطها جاز أن يتحالفا، أصله: الصحاح، والغلة. 12306 - قلنا: الأجل ليس بصفة الثمن؛ بدلالة: أن الأجل يمضي والثمن موجود مستحق لا بهذه الصفة، وأما الصحاح فهي وصفه، بدلالة: أن الثمن لا يوجد مع انتفائها عنه. 12307 - قالوا: كل واحد منهما يدعي عقداً غير العقد الآخر؛ فصار التأجيل في المجلس.

12308 - قالوا: الدليل على أن البائع يدعي أن بينته تقبل على إسقاط التأجيل، وعندكم لا تقبل بينة المدعَى عليه. 12309 - قلنا: هو مدعى عليه في الأجل، لكن بينته تقبل؛ لأنها لم تتضمن إسقاط دعوى المشتري، فهو كالمدعى عليه إذا أقام البينة أن المدعي أبرأ. 12310 - قالوا: الاختلاف في الأجل اختلاف في مقدار العوض؛ لأن الأجل يأخذ قسطاً من الثمن، بدلالة: أن المبيع يباع بثمن مؤجل أكثر مما يباع بثمن حال. 12311 - قلنا: الأجل مضي الزمان؛ فلا يجوز أن يكون له قسط من الثمن، وإن زيد الثمن لأجله، كما أن فلس المشتري يزيد الثمن لأجله وليس للمفلس حظ في الثمن. 12312 - ولأنه لو قال: بعتك من سنة، وقال المبتاع: بعتني منذ شهر، وبه عيب يمكن حدوث مثله في أكثر من شهر؛ لم يتحالفا، وإن كانت الأزمان يقابلها قسط من الثمن على عود قولهم؛ لأن المبيع في المواسم والأعياد يكون أكثر من الثمن في غيرها. * * *

مسألة 632 موت المتبايعين أو أحدهما بعد قبض المبيع، واختلاف الورثة في الثمن

مسألة 632 موت المتبايعين أو أحدهما بعد قبض المبيع، واختلاف الورثة في الثمن 12313 - [قال أصحابنا: إذا مات المتبايعان أو أحدهما وقد قبض المبيع، ثم اختلف الورثة في الثمن فلا تحالف، وإن كان المبيع في يد البائع أو ورثته ثبت التحالف استحساناً. 12314 - وقال الشافعي: يثبت التحالف في جميع الأحوال. 12315 - لنا: قوله عليه [الصلاة] والسلام: (إذا اختلف المتبايعان فالقول ما قال البائع أو يترادان). فشرط في التراد اختلافهما، وهذا لا يوجد في اختلاف ورثتهما. 12316 - ولأنه اختلاف من غير المتعاقدين؛ فلا يوجب التحالف بعد قبض المبيع. أصله: إذا اختلف الموكلان والوكيلان يتصادقان، وإذا لم يكن للبائع ورثة وضع ماله في بيت المال.

12317 - ولأن من لا يملك الزيادة في الثمن لا يملك الفسخ بالتحالف بعد القبض، أصله: الوكيل بالقبض. 12318 - احتجوا: بأن كل عين توجهت على المورث توجهت على الوارث، أصله: المشتري. وكذلك إذا كانت الدعوى من دين، أو عين، أو بيع، أو قبض، أو إبراء. 12319 - قلنا: إن كان التعليل للوجوب كما إذا انتقل ميراثه إلى بيت المال، فإنه ينتقل عندهم ميراثاً، ولا يستخلف الوارث، ولذلك يبطل إذا كان الوارث صدق المدعي والميت كان يكذبه، وإذا ادعى على الميت القذف، وإن كان التعليل للجواز؛ قلنا بموجبه إذا كان المبيع لم يقبض. 12320 - والمعنى فيما ذكروه: أنه يدعي على الورثة الاستحقاق، فكذلك استخلص في مسألتنا بعد القبض يدعي عليهم استحقاقاً متى سقطت اليمين، كما لو ادعى المورث على الميت، ولهذا نقول: إن المبيع إذا كان في أيديهم حلفوا؛ لأن المشتري ادعى استحقاق اليد بما يدعيه من الثمن. 12321 - فإن قيل: لم يستخلف الميت. 12322 - قلنا: ذلك استحساناً؛ ولأنه يستحلف أن يقع العقد واحداً لمعنى لا يقوم الوارث فيه مقامه. 12323 - قالوا: ما تحالف فيه المتعاقدان تحالف فيه ورثتهما؛ أصله: إذا كان المبيع في يد ورثة البائع. 12324 - قلنا: يبطل باللعان؛ فلا تحالف عندهم، ولا يثبت من الورثة. 12325 - ولأن المبيع إذا كان المدعي في أيديهم؛ فالمشتري يدعي حقاً عليهم، وليس وجوب التسليم فيما يدعي من الثمن، وإذا كان المبيع في يده، فهو لا يدعي حقاً عليهم.

مسألة 633 عند التحالف بمن يبدأ؟

مسألة 633 عند التحالف بمن يبدأ؟ 12326 - قال في الأصل: ويبدأ بيمين البائع في قول أبي يوسف، ثم رجع فقال: يبدأ بيمين المشتري. 12327 - قال أبو طاهر: قول أبي حنيفة: إنه يبدأ بيمين البائع، ردني إلى ذلك الحسن في الجامع، فقال: الذي يبدأ به في اليمين البائع في رواية الأصل، وذكر الحسن بن زياد، عن أبي حنيفة في (المجرد) (أنه يبدأ بيمين المشتري. 12328 - وذكر في (المنتقى (راية عن أبي حنيفة: أنه يبدأ بيمين البائع. 12329 - وقال الشافعي في (البيوع): يبدأ بيمين البائع، وفي (السلم): بيمين المسلم إليه، وفي (الكتابة): بيمين المولي، وفي (النكاح): بيمين الزوج، وقال في (الدعوى): بأيهما بدأ الحاكم جاز.

12330 - فمن أصحابه من قال: في المبيع ثلاثة أقوال، أحدها: يبدأ بيمين البائع، والثاني: بيمين المشتري، والثالث: الحاكم بالخيار. 12331 - ومنهم [من] قال: يبدأ بيمين البائع قولاً واحداً. 12332 - لنا: قوله عليه [الصلاة] والسلام: (واليمين على من أنكر). 12333 - وظاهره يقتضي: أن لا يمين إلا على المشتري المنكر لزيادة الثمن. 12334 - ولأنه عقد فيه عوض، والبداية المختلف في هذه بداية بعوض، كالنكاح. 12335 - ولأنه اختلاف أوجب التحالف؛ فوجب أن يبدأ بيمين من عليه البدل، أصله: سائر الديون. 12336 - ولا يلزم: المسلم فيه؛ لأنه لا يثبت معجلاً، ولا الصرف؛ لأنه لا يثبت مؤجلاً. 12337 - احتجوا: بما روي أن ابن مسعود - رضي الله عنه - (أتي بسلعة تبايعها اثنان، فقال هذا: بعتها بكذا، وقال هذا: أخذتها بكذا، فقال: حضرت النبي - صلى الله عليه وسلم - في مثل هذا، فأمر البائع أن يحلف ثم يختار المبتاع إن شاء أخذ وإن شاء ترك).

12338 - قالوا: ذكر هذا النيسابوري من الزيادات. 12339 - قلنا: يحتمل أن يكون البيع وقع في سلعة بسلعة اتفقا في أحد العوضين، واختلفا في الآخر، فسمي الراوي من باع السلعة المتفق عليها بائعاً والآخر مبتاعاً، وإن كان كذلك فالحاكم يأخذ في التحالف، ويجوز أن يكون عليه [الصلاة] والسلام استحلف المشتري أولاً، ثم استحلف البائع، فلما حلفا خير المشتري من الآخر بما قال البائع في الفسخ. ولم ينقل ابن مسعود يمين المدعي؛ لأنها هي الأصل، وهي معلومة لا تشكل، وإنما نقل ما استفيد بخبر التحالف بين هذا؛ لأنه لم يذكر بعد البائع يميناً في حق المبتاع. 12340 - قالوا: روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا اختلف المتبايعان فالقول ما قال البائع)، فخصه بالذكر، ونحن نعلم أن القول قول المشتري أيضاً، ففائدة تخصيص البائع بالذكر: التقديم. 12341 - قلنا: إنما خص البائع؛ لأن يمين المشتري معلومة لا تشكل، وقد استفيدت بقوله عليه [الصلاة] والسلام: (البينة على المدعي واليمين على من أنكر)، فسكت عما تقدم بيانه واستقر العلم فيه، وبين ما يشكل، ولم يتقدم ما يدله. 12342 - وقد قيل: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (فالقول ما قال البائع)، معناه: أن القول قوله من تقدير الثمن، فإن رضي المشتري به، وإلا: رد بالتحالف. 12343 - قالوا: جنبة البائع أقوى؛ لأن المنع يعود إليه، فكان أولى بالتقديم، ولهذا قال في النكاح: يبدأ بالزوج؛ لأن البضع يرجع إليه بعد التحالف. 12344 - قلنا: المشتري يعود إليه الثمن، كما يعود إلى البائع المبيع؛ فيجب أن تكون جنبته أقوى من هذا الوجه. * * *

مسألة 634 بيع المتعاقدين عبدا بثمن حال واختلافهما في البداية بالقبض

مسألة 634 بيع المتعاقدين عبداً بثمن حال واختلافهما في البداية بالقبض 12345 - قال أصحابنا: إذا باع عبداً بثمن حال، واختلفا في البداية بالقبض: كان على المشتري تسليم الثمن أولاً، ثم على البائع تسليم المبيع. 12346 - وحكى الشافعي في (الأم) أقولاً كثيرة، وذكر أنه يختار منها أحد قولين. 12347 - فمن أصحابه من قال: فيها ثلاثة أقوال، أحدها: يجبر كل واحد منهما على إحضار ما عليه، والثاني: لا يجبر واحد منهما، فأيهما تطوع بالدفع أجبر الآخر على التسليم، [والثالث: يجبر الحاكم أيهما شاء على التسليم، فإذا سلم أجبر الآخر على التسليم]. لنا: حديث عمر: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ثلاثة لا تؤخر: الدين إذا وجد ما يقضيه). والثمن دين، ولا يجوز للمشتري تأخير قضائه. ولأنها عين محبوسة بدين، فوجب أن لا يجبر على تسليمها قبل قضائه، كالرهن. 12384 - فإن قيل: المعتبر في الرهن أن تسليمه لا يستفاد به حكماً في الدين بل ينقص بتسليم الوثيقة، وذلك يوجب نقصان الدين.

12349 - وأما تسليم المبيع: فإنه يستفاد به حكم في الثمن، وهو أنه يستحق قبضه بالإجماع فكذلك تسلم المبيع وتسليمه. 12350 - قلنا: وتسليم المبيع يبطل الوثيقة للبائع، وفي ذلك نقصان الثمن، فإنما استفاد به قبض الثمن بالإجماع، وتقديم الثمن مستفاد به وجوب قبض المبيع بالإجماع أيضاً. 12351 - فإن قيل: تسليم الرهن يؤدي إلى ضعف الدين؛ لأنه يصير بغير وثيقة، وتسلم المبيع يستقر به الثمن. 12352 - قلنا: تسليم الرهن يضعف به الدين من حيث الوثيقة ويؤمن به سقوط الدين بالهلاك؛ لأن هلاك الرهن عندنا يسقط الدين، فتسليم المبيع مثله؛ لأن الدين يضعف إذا كان المبيع محبوساً، فإذا سلمه تأكد الثمن من حيث الاستقرار، وضعف لزوال التوثق وهما سواء. 12353 - ولأنه عقد معاوضة ثبت فيه البيع ببدله؛ فلم يجب استيفاء المبدل قبل البدل، كالنكاح. 12354 - قالوا: أن إقباض المبيع يستقر به العقد؛ لأنه لا يخشى فساده بهلاكه، وإقباض الثمن لا يستقر به العقد؛ لأنه يخشى فساد العقد بهلاكه كالسلعة قبل القبض، فكان تقديم ما يستقر به العقد أولى من تقديم ما لا يستقر معه العقد. 12355 - قلنا: ما تم قبضه وإن استقر معه العقد فإن حق البائع يسقط من الوثيقة والحبس سبب التوثق، فلا يخلو أن يعتبر الاستقرار لحق البائع أو المشتري، فإن كان لحق البائع: فلا يجوز إثبات ذلك مع امتناعه، وإن كان لحق المبتاع: فلا يجوز أن يسقط حق البائع من الوثيقة ليوفي المبتاع حقه من استقرار العقد.

12356 - ولأن الدخول في النكاح يستقر به المهر، وتقديم تسليم مهر المثل لا يوجب استقراره، ثم لا يجب تقديم الدخول حتى يستقر به المهر، كذلك هذا. 12357 - قالوا: الأصول موضوعة على المساواة بين المتعاقدين، بدلالة: أن كل واحد منهما يملك آخر الوقت الذي يملك الآخر ويرد بالعيب على الوجه الذي يرد الآخر. 12358 - وإقباض المبيع أولاً أقرب إلى التسوية بينهما من وجهين، أحدهما: أن البائع قد ملك التصرف بالعقد والإبراء والحوالة، وأخذ البدل عنه، والمشتري لم يملك التصرف في المبيع قبل القبض، فإذا قبض المبيع ملك المشتري التصرف فيه وساواه فيه. والثاني: قبل قبض الثمن لا يخشى البائع فساد البيع لمعنى يعود إلى الثمن، والمشتري يخشى فساد العقد من جهة البائع، كما أمن البائع فساد العقد من جهة المشتري، فإذا قبض أولاً لم يحصل هذا المعنى فكان قبض البيع أولاً. 12359 - قلنا: نحن نسلم وجوب التساوي ما أمكن، وتقديم قبض الثمن أقرب؛ لأن المبتاع ملك المبيع وتعين حقه قيه، فيجب أن يساويه البائع في تعيين حقه في الثمن، وذلك لا يكون إلا بقبضه. 12360 - فأما التساوي في التصرف: فالبائع بالعقد ملك التصرف من وجه مخصوص، وهو البراءة والتمليك من المشتري، والمشتري أيضاً يملك التصرف من وجه دون وجه؛ لأنه يملك العتق، وإن كان عقاراً جاز بيعه ويملك الهبة والرهن على قول محمد. فأما الأمن من فساد العقد فيبطل إذا لم يحضر المشتري الثمن، فإن البائع لا يؤمر بالتسليم ليتساوى من الوجه الذي ذكروه. 12361 - قالوا: حق المشتري يتعلق بالعين وحق البائع يتعلق بالذمة، فكان تقديم ما تعلق بالعين أولى، كالدين الذي به رهن إذا أفلس الراهن كان من تعلق حقه بعين الرهن أولى مما يثبت في ذمة المفلس، وكذلك جناية العبد مقدمة على ديون مولاه؛

لأنها متعلقة بالعين. 12362 - قلنا: يبطل بالنكاح إذا كان المهر في الذمة فتقديمه أولى، وإن كان حق الزوج تعلق بعين البضع. 12363 - قالوا: قال الشافعي رحمه الله: إن البائع قد اعترف بأن المبيع مال لغيره في يده، فالمشتري قد تعين ملكه، والبائع ما تعين ملكه، فكان صاحب العين القائمة مقدماً على صاحب الدين، كمن عليه دين في ذمته وغصب في يده فأحضر عند الحاكم يأمره بتسليم الغصب، ثم يأمر بتسليم ما في الذمة. 12364 - قلنا: هذا يبطل إذا لم يحضر المبتاع الثمن، ثم نقلب هذه الطريقة فنقول: المشتري يعترف بدين في ذمته يقدر على تأديته، وله في يد صاحب الدين عين حصلت في يده بحق، فصار كما لو كان في يده وديعة، فإن القاضي يأمره بتسليم الدين ولا ينظر بالدين تسليم الوديعة. * * *

مسألة 635 حكم بيعه عبده وعبد غيره

مسألة 635 حكم بيعه عبده وعبد غيره 12365 - قال أصحابنا: إذا باع عبده وعبد غيره، صح البيع في عبده. 12366 - وقال الشافعي في أحد قوليه: بطل البيع فيهما. 12367 - فإن زوجه أجنبية وذات رحم، أو رهنه عبده وعبد غيره أو وهب له عبده وعبد غيره، ففيه وجهان، أحدهما: يبطل في الجميع، والآخر: يصح على الانفراد، ويبطل في الآخر. 12368 - لنا: أن رق المعقود عليه موجود جائز فيهما، والمعنى المانع من نفوذ العقد وجد من أحدهما، فصار كمن باع عبديه وشرط الخيار في أحدهما. 12369 - ولأنه جمع بين شيئين يصح العقد على كل واحد منهما؛ فإذا بطل العقد من أحدهما جاز أن يصح في الآخر، كمن باع عبديه ومات أحدهما قبل القبض. 12370 - ولأنه عقد على عبده وعبد غيره عقداً لو أفرد في عبده جاز، فوجب أن ينفذ العقد في عبده، كالحاكم إذا باع عبده وعبد المفلس، وهذه مبنية على أصلنا: أن عبد الغير ينعقد عليه العقد ويقف على إجازة مالكه، فإذا رد فقد فسد العقد في أحد العبدين بمعنى طارئ، فلا يفسد في الآخر، كما لو مات أحدهما.

12371 - احتجوا: بأنه باع ما يملك تمليكه وما لا يملك تمليكه، فوجب أن يبطل في الجميع، كمن باع عبداً وحراً. 12372 - قلنا: هناك وقع العقد على ما لا يجوز أن يملكه [فقارن الفساد الصحيح فأثر فيه، وها هنا ما وقع على ما يجوز أن يملك به] فالفساد فيه لم يقارن العقد، وإنما حصل بعقد الإجازة، فلذلك صح العقد في الصحيح. 12373 - والدليل على أن عبد الغير يملك بهذا العقد: أن مالكه لو أجاز أو حكم حاكم بذلك [جاز] من حين الحكم ... . 12374 - قلنا: هذا غلط؛ لأن الحاكم إنما يحكم بالعقد وينفذه، وقد تقدم عقد قد تنازله التنفيذ، فلا يجوز أن ينتقل الملك بحكمه. 12375 - ولأنه إذا جمع بين شيئين بعقد واحد، فكل واحد منهما مشروط في الآخر. 12376 - وفي مسألة العبدين صح عقده في عبده، وعلق تمامه بشرط يجوز أن يوجد، وهو جواز العقد الآخر، فصار كمن باع عبداً وشرط الخيار لنفسه أو للمشتري أو لأجنبي. 12377 - وفي مسألة العبد والحر علق تمام العقد في العبد بتمامه في الحر وذلك محال، فصار كمن باع عبداً على أن الخيار لجميع الناس لما لم يجز أن يوجد خيارهم لم يجز أن يقف العقد عليه. * * *

مسألة 636 حكم بيع الحر والعبد معا

مسألة 636 حكم بيع الحر والعبد معاً 12378 - قال أبو حنيفة: إذا باع حراً وعبداً بطل البيع في العبد سواء أفرد كل واحد بثمن أو سمى ثمناً واحداً. 12379 - وقال أبو يوسف، ومحمد: إن سمي الثمن جملة: بطل فيهما، وإن سمي لكل أحد ثمناً: جاز في العبد. 12380 - وقال الشافعي في أحد قوليه: يجوز العقد في العبد بحصته من الثمن، وفي قول آخر: بجميع الثمن. 12381 - لنا أنها/ صفقة اشتملت على الحر وغيره، فبطل العقد في جميعها، كمن باع عبداً وكلباً. 12382 - ولأنه عقد يجوز أن يبطل بالشرط، فإذا جمع فيه بين حر ومملوك جاز أن يبطل في المملوك لأجل الحر؛ أصله: إذا تزوج أمة وحرة في عقد واحد. 12383 - ولأنها صفقة تضمنت ما لا يدخل تحت البيع بحال وما يصح دخوله، فوجب أن يبطل البيع فيهما. أصله: إذا باع حراً وعبداً على أن يأخذ أيهما شاء ويرد الآخر. 12384 - ولأن الصفقة اشتملت على الصحيح والفاسد، والفساد في نفس المعقود، فكان نوع فساد لا يصح معه العقد بحال. 12385 - ولا يلزم: إذا جمع بين عبد ومدبر، أو أم ولد، أو مكاتب؛ لأن نوع هذا الفساد يرتفع من العقد بحكم حاكم.

12386 - ولا يلزم: إذا سلم ثوباً في هروي ومروي؛ لأن الربا نوع لا يصح معه البيع بحال، والنساء في الجنس عندنا من نوع الربا. ولا يلزم: إذا أسلم إليه ألف درهم في كر، خمسمائة نقداً وخمسمائة ديناً له في ذمته؛ لأن الفساد لم يحصل في العقد وإنما طرأ عليه، بدلالة: أنه لو نقده الخمسمائة الأخرى في المجلس جاز، وإنما بطل العقد بالافتراق، وهذا معنى طارئ بعد الانعقاد. 12387 - ولا يلزم: من جمع بين عبده وعبد غيره؛ لأن العقد صحيح في عبد الغير ويتم العقد فيه بالإجازة، وإنما يبطل لعدم الإجازة، وذلك معنى طارئ على العقد. 12388 - ولا يلزم: إذا اشترى [عبداً] فباعه قبل أن يقبضه مع عبد آخر؛ لأن البيع فاسد عند زفر. 12389 - وقال أبو يوسف: يصح في المقبوض، وليس عن أبي حنيفة خلاف ما قال زفر. 12390 - ولا يلزم: إذا اشترى عبداً بألف نسيئة، ثم باعه مع عبد آخر بألف؛ لأن هذا النوع يرتفع من العقد بحكم حاكم لاختلاف الناس. 12391 - ولا يلزم: إذا اشترى عدلاً على أن فيه خمسين ثوباً، كل ثوب بعشرة، فوجده تسعة وأربعين جيدة؛ لأن من أصحابنا من قال: عند أبي حنيفة يفسد البيع في الجميع مثل مسألتنا، واستدل بما قال في (الجامع الكبير): إن من اشترى ثوبين هرويين بعشرة فأصاب أحدهما قوهياً؛ فسد العقد فيهما، ولو كان سمى لكل واحد

ثمناً؛ جاز العقد عند أبي يوسف ومحمد، وبطل عند أبي حنيفة فيهما، [وإذا كان فسد العقد فيهما لفقد صفة أحدهما فلأن يفسد فيهما] بفقد الموصوف أولى. 12392 - ومن أصحابنا من قال: البيع جائز في الموجود؛ لأنه لم يقصد إلى بيع المعقود، وإنما باع الموجود وغلط في عدده. 12393 - وفي مسألتنا: فسد العقد على الحر وذلك لا يحلل. 12394 - احتجوا: بأنهما عينان لو أفرد كل واحد منهما بالعقد خالف حكم أحدهما حكم الآخر، فإذا جمع بينهما صفقة واحدة؛ وجب أن يكون على تلك المخالفة. أصله: إذا باع شقصاً وسيفاً، والشقص يؤخذ بالشفعة. 12395 - قلنا: يبطل إذا باع صاعاً ودرهماً بصاع، أنه لو أفرد بيع الصاع بحصته وأفرد الدرهم بحصته خالف حكم أحدهما حكم الآخر، فإذا جمع بينهما بطل العقد فيهما ولم يختلف حكمهما. 12396 - فإن قيل: معنى قولنا: (فإذا جمع بينهما)، يعني: إذا جمع على الوجه الذي أفرد. 12397 - قالوا: وبذلك نقول؛ لأنه لو أفرد كل واحد بالتسمية اختلف حكمهما، فإذا جمعهما فسد لجهالة الحصة. 12398 - قلنا: جهالة الحصة في الصاع لا تمنع جواز البيع، كما لو باع صاعاً وثوباً بدرهم. ثم لا نسلم في مسألتنا: أنه جمع على الوجه الذي أفرد؛ لأنه إذا أفرد بالفاسد ليس بشرط في الصحيح، وإذا جمعهما صار أحدهما شرطاً في الآخر. 12399 - قالوا: إذا باع حراً وعبداً وأحدهما مما لا يصح بيعه والآخر يصح، فليس حمل الباطل على الصحيح بأولى من حمل الصحيح على الباطل فتقابلا من غير

مزية، وأعطينا كل واحد منهما حكمه إذا انفرد كل واحد. 12400 - قلنا: لم نحمل أحدهما على الآخر؛ لأن المعقود عليه غير موجود في الحر، فصار العبد ابتداءً مبيعاً بحصته، وإذا جمع بين عبده وعبد غيره فالمعقود عليه موجود في كل واحد منهما، فجهالة الحصة تحصل من باقي العبد، وذلك لا يؤثر، كبيع العبدين. 12401 - قالوا: عينان لو أفرد كل واحد منهما بالعقد صح في أحدهما، فإذا جمع بينهما صح فيما يصح منه لو أفرد، كما لو تزوج أخته وأجنبية. 12402 - قلنا: يبطل ببيع صاع بدرهم ودرهم. 12403 - ولأن النكاح لا يؤثر فيه الشروط إذا كان مزيداً، وأكثر ما في الجمع بينهما أن الفاسد شرط في الصحيح والبيع بخلافه. 12404 - ولأن إيجاب النكاح في امرأتين كإيجاب العقد في كل واحدة منهما على الانفراد؛ بدلالة: أنه يجوز أن يفردها بالقبول، فلم يؤثر فساد أحدهما في الآخر، والبيع جمعه إيجاب واحد وبعضه مشروط في بعض، بدلالة: أنه لا يجوز أن ينفرد أحدهما بالقبول، فصارا كالشيء الواحد. 12405 - قالوا: باع ما ينفذ فيه بيعه وما لا ينفذ بيعه، فإذا جمع بينهما وجب أن ينفذ فيما ينفذ فيه إذا انفرد، كما لو باع عبده وعبد غيره. 12406 - قلنا: المعنى في الأصل أن كل واحد منهما يجوز أن يستحق بهذا العقد إذا حصلت الإجازة، وحكم الحاكم بالفساد في أحدهما لمعنى طارئ- وهو عدم الإجازة- لا يفسد الآخر. 12407 - وفي مسألتنا: أحدهما لا يجوز أن يستحق بهذا العقد بحال، فصار كالفساد في نفس العقد، فأثر في الآخر.

فالذي حكوه عن الشافعي: أن العبد يكون مبيعاً بكل الثمن غلط؛ لأن البدل في البيع لا يثبت إلا بالتسمية، والمستحب بذل الثمن في مقابلة الشخصين، فلم يجب أن يلزمه جميعه في مقابلة أحدهما، وليس كذلك إذا تزوج أجنبية وأخته بألف، فإن المهر يكون للأجنبية عند أبي حنيفة؛ لأن المهر يثبت في النكاح بغير تسميته، فجاز أن يسمي به في مقابلة امرأتين، فيثبت في حق أحدهما من طريق الحكم لا بالتسمية. * * *

مسألة 637 الزيادة في الثمن أو المبيع بعد تمام البيع

مسألة 637 الزيادة في الثمن أو المبيع بعد تمام البيع 12408 - قال أصحابنا: إذا زاد [المشتري] في الثمن بعد تمام البيع، أو زاد البائع في المبيع زيادة جاز ذلك ولحقت الزيادة بالعقد، فكأنه وقع على الأصل والزيادة. 12409 - وقال أبو حنيفة: وإن زاد في الثمن وقد هلك المبيع في يده، أو كان عبداً فأعتقه؛ جازت الزيادة أيضاً. وكذلك إن زاد أحدهما بعد موت الآخر، أو زاد ورثة أحدهما وورثة الآخر بعد موت المتعاقدين. هذه رواية الإمام. 12410 - وقال الشافعي: إذا زاد أحدهما بعد إبرام العقد لم تصح الزيادة. 12411 - لنا: ما روى سالم بن [أبي] الجعد، عن جابر - رضي الله عنه -، قال: قضاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمن جمل وزادني قيراطاً، فقلت: هذا قيراط زادنيه

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يفارقني أبداً، فلم يزل معي حتى جاء أهل الشام فأخذوه فيما أخذوا يوم الحرة). وروي عن سعيد بن المسيب قال: قال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (وددنا أن نعلم أن عثمان أعطى أحداً في التجارة، أو عبد الرحمن بن عوف. اشترى عبد الرحمن من عثمان أرضاً له عليه بثلاثين ألف درهم على شرط إن أدركته الصفقة حياً، فجاز عبد الرحمن قليلاً، ثم رجع وقال: أزيدك ستة آلاف إن جعلت الشرط بيني وبينك إن أدركه رسولي حياً، فأجاز ذلك عثمان، فأدركه رسوله وهو ميت)، فهذه زيادة من عبد الرحمن أجازها عثمان بمشهد من الصحابة. 12412 - ولا يقال: إن البيع بهذا الشرط لا يصح؛ لأن من الصحابة من قال: (إن أدركت الصفقة المبيع ثم هلك فهو مال المشتري)، فقد دل الخبر على أمرين: الدلالة على إسقاط أحدهما عندنا، ونفي الآخر. ذكره الطحاوي. 12413 - وروي عن عبد الله بن أبي الهذيل، قال (رأيت عمار بن ياسر خرج من القصر، فاشترى قباء واشترى صاحب القباء خيلاً، فقارعه حتى أخذ هذا نصفه وهذا نصفه، ثم احتمله على عاتقه حتى أدخله القصر). 12414 - وقد كان عمار أميراً، فلا يجوز له الهبة، فلو كانت هبة غير لاحقة في العقد لم يجز أن يلتمسها.

12415 - ولأن هذه الزيادة يجوز أن تكون مملوكة مع الأصل بدلاً عن المعقود عليه بالعقد، فإذا ألحقها به وجب أن تستحق، كما لو ألحقها في مجلس العقد، ولا يلزم: الزيادة بعد الهلاك؛ لأنها تلحق على رواية الأصل. 12416 - ولا يلزم: الزيادة في المسلم فيه؛ لأنها تصح عندنا إذا أقبضه حصتها من رأس المال في مجلس الزيادة، ثم يرتجع منه الحصة من رأس المال الأول، وإن عللت برواية الأصول. 12417 - قلت: إن هذه الزيادة يجوز أن تكون مملوكة مع الأصل بدلاً عن المعقود عليه، فإذا ألحقها به وهو يقبل الفسخ فبالابتداء استحقت. 12418 - ولا يلزم: الزيادة بعد الهلاك؛ لأن العقد لا يقبل الفسخ. 12419 - ولا يلزم: إذا خرج المعقود عليه من ملكه؛ لأنه لا يقبل الفسخ. ولا يلزم: الزيادة في المسلم فيه؛ لأن العقد/ يقبل الفسخ ولا يقبل الابتداء؛ بدلالة: أنهما لو تفاسخاه ثم ابتدياه في رأس المال وهو دين لم يصح. 12420 - ولأنها زيادة يجوز أن يكون معقوداً عليها مع الأصل في هذا العقد، فجاز إلحاقها به بعد انبرامه، كالزيادة في الرهن. 12421 - ولا يلزم: الزيادة في الدين؛ لأن عقد الرهن ينعقد على الرهن، والدين معقود عليه عقد المداينة، فإذا زاد في الدين فهي زيادة في غير المعقود عليه. يبين ذلك: أنه لو أعطى بثمن المبيع رهناً لم يكن ذلك زيادة في البيع؛ لأن البيع لا ينعقد عليه. 12422 - فإن قيل: إذا زاد في الرهن فالزيادة تصادف الدين على الوجه الذي يصادفه ابتداء الرهن؛ لأنه يجوز أن يكون بدين واحد رهنان وكفيلان.

12423 - قلنا: لا فرق بينهما؛ لأن الزيادة تصادف المبيع على الوجه الذي كانت تصادفه ابتداءً؛ ألا ترى: أن كل جزء من المبيع يجوز أن يكون في مقابلة الثمن المتقدم والزيادة، كما أن [الثمن] يجوز أن يكون به رهنان وثلاثة والزيادة تلحق فيهما على وجه واحد. 12424 - ولأنها زيادة ملحقة بالعقد، فكانت كالمسماة في العقد في حقهما، أصله: الزيادة في مدة الخيار. 12425 - ولأن ما لو وجد في مدة الخيار تعلق به الاستحقاق بعد انبرام العقد، كالحط. 12426 - ولأنها حالة يصح فيها الحط، فصحت الزيادة، كحال المجلس. 12427 - ولأنهما يملكان الفسخ، فإذا زادا في المجلس لحقت بالعقد كحال المجلس. 12458 - فإن قيل: لا تأثير لقولكم: إنهما يملكان الفسخ، والزيادة [تجوز] عندكم بعد الهلاك؛ لأن هذا التعليل على رواية الأصول أن الزيادة تصح ما دامت الإقالة جائزة. 12429 - فإن قيل: المعنى في مدة الخيار: أن كل واحد [منهما] يملك الفسخ بالمعنى الذي يملك الآخر. 12430 - قلنا: يبطل إذا باع عبداً بثوب، فوجد كل واحد بما قبضه عيباً. 12431 - قالوا: المعنى في حال المجلس: أنها حالة لقبض رأس المال في السلم والصرف، فلهذا جاز الرهن على الزيادة، وليس كذلك فيما بعد المجلس؛ لأنها ليست بحال لقبض ثمن الصرف. 12432 - [قلنا: علة الأصل غير صحيحة؛ لأن الزيادة تجوز في حال العقد، وتلك الحال ليست لقبض ثمن الصرف] وإنما يقبض بعدها، وعلة الفرع تبطل بمدة الخيار، فإن التراضي على الزيادة يجوز فيها، وليست حالة لقبض ثمن الصرف.

12433 - ويدل عليه أن المشتري لو وجد بالمبيع عيباً ورضي به وأسقط خياره جاز. ومعلوم أن حصة العيب من الثمن كأنها مستحقة، وإذا تركها فقد زاد في الثمن، وذلك جائز قبل انبرام العقد وبعد انبرامه. 12434 - فإن قيل: كيف يكون للعيب حصة، ولو أراد المشتري المطالبة بالأرش لم يكن له ذلك؟. 12435 - قلنا: إذا حدث في عبده عيب فالحصة واجبة وله المطالبة بها. 12436 - فإن قيل: هذه براءة من المشتري وليست بزيادة. 12437 - قلنا: لو باع عرضاً بعرض، ثم اطلع على عيب بما قبضه، جاز أن يبرئ منه. ولو كان يملك إبراءه لم تصح البراءة من العيان. ولو لم يدفع الثمن ورضي بالعيب جاز، ويستحيل أن يبرئ من حصة المبيع ولم يثبت له على البائع شيء. 12438 - ولأنه لو أبرأه من العيب ثم تقايلا رجع بجميع الثمن. ولو كان أبرأه عن جزء منه لم يجب الرجوع به بالإقالة. 12439 - احتجوا: بأنها زيادة تثبت قبل لزوم العقد فوجب أن لا تثبت بعد لزومه، كالزيادة في الدين والرهن. 12440 - والجواب: أن قولهم: (ثبت قبل لزوم العقد) إن أرادوا به في الأصل، وبعد العقد قبل القبض: لم نسلم الوصف في الأصل؛ لأن الزيادة في الدين لا تصح عندنا إلا أن يعيد العقد.

12441 - فإن أراد حالة العقد: فلذلك ليس بزيادة. 12442 - على أن المعنى في الأصل: أن الزيادة وقعت في عين المعقود عليه، بدلالة: أن الدين لم يعقد عليه عقد الرهن، وإنما يثبت بعقد المداينة، والزيادة تصح فيما وقع العقد عليه دون غيره، ولهذا تجوز الزيادة في الرهن؛ لأن الرهن هو الذي تناوله هذا العقد، فجاز أن يلحق به زيادة. 12443 - ولأن الزيادة في الدين لو لحقه وهي منفردة عن الدين الأول بالتسمية صار كأنه سمى كل واحد من الدينين في الابتداء على الانفراد، فيؤدي إلى إشاعة الرهن، وذلك لا يصح ابتداء، كذلك حال البقاء. 12444 - فإن قيل: فيجب- على قول أبي حنيفة- أن تلحق الزيادة مع الإشاعة ويفسد العقد، كما قال في الزيادة الفاسدة والبيع. 12445 - قلنا: الزيادة الفاسدة لا تلحق في إحدى الروايتين. 12446 - قالوا: جميع المبيع مملوك بالثمن الأول، وقد أجمع العقد فيه، ولا تصادف الزيادة عوضاً؛ فيصير كمن بذل عوضاً عن ملك نفسه. 12447 - قلنا: الزيادة تلحق بالأصل ويصير كل جزء بإزائه جزءاً من المبيع مع الثمن الذي في مقابلته، فيكون عوضاً عنه كما يقول مخالفنا في الزيادة في المجلس في الخيار. 12448 - والاختيار من لزوم العقد بمعنى أن العقد وإن لم يلزم فكل جزء من المبيع مشغول بحصته من الثمن، فإذا زال الخيار بالاستحقاق يسند إلى العقد ولم يوجد بينهما عقد آخر، وإذا وجدت الزيادة تقرر ذلك بعد اللزوم عندنا مثله. 12449 - يبين هذا: أن اللزوم يؤثر في منع أحدهما من تغيير أحكامه بعد رضا الآخر.

12450 - فأما تراضيهما: فأحكامه يتعين بعد لزومه، كما لو تفاسخا. 12451 - فأما قولهم: إنه بذل العوض عن ملكه فليس بصحيح؛ لأنهما لو ألحقا الزيادة بالعقد صارت عوضاً فيه في حقهما، فكانت بدلاً عن ملك الغير. 12452 - ثم يبطل هذا: بمن تزوج مفوضة فلا مهر لها عندهم، فلو مات الزوج لم يجب لها شيء، فإن فرض لها مهراً جاز، وهذا المهر بدل عن البضع الذي هو ملكه. 12453 - فإن قيل: لها أن تطالبه بالعوض، فكذلك جاز بدل المعوض. 12454 - قلنا: فقد أثبتم بدل المعوض عن ملكه، وأثبتم وجوب المطالبة، فهو أكثر مما امتنعتم منه. 12455 - ثم هذا فرق القبض فيبطل بمسألة أخرى، وهي: أن الموهوب إذا عوض الواهب بعد قبض الهبة صح، هو بذل عوض عن ملك نفسه. 12456 - قالوا: هذه الزيادة لا تلزم الشفيع مع اعترافهم بها، فلم تكن من جملة الثمن، كأجرة الدلال. 12457 - قلنا: عندنا نثبت في حق الشفيع؛ لأن الشفعة تثبت له في العقد الأول بغير زيادة، ثم ألحقنا الزيادة فتعذر العقد وتعلقت به الشفعة، فالشفعة له بكل واحد من حالتي العقد، وهو مخير في المطالبة، إن شاء بالعقد الأول وإن شاء بالثاني، وإنما كان كذلك؛ لأنهما بالتراضي بالزيادة قصدا إبطال حقه، فلم يجز إسقاطه، كما لو تفاسخا البيع انفسخ في حقهما فلم يسقط. 12458 - ولأن المشتري لو زعم أن الثمن ألف وادعى البائع ألفين وأقام البينة

فقضى بها القاضي، كان للشفيع أن يأخذها من المبتاع بألف عندهم، ونحن نعلم أن الزيادة باقية بحكم الحاكم؛ لأن المشتري لما أثبت له حق الأخذ بأقل منها لم تلزمه الزيادة، فلأن لا تلزمه الزيادة في مسألتنا مع الاختلاف في لحوقها أولى. 12459 - قالوا: الزيادة لا تلزم في بيع المرابحة، والمرابحة نقل المبيع بالثمن الذي حصل في مقابلته. 12460 - قلنا: الزيادة عندنا تثبت في المرابحة إلا أن على المبتاع أن يبين؛ لأنه يتهم في إلحاق الزيادة، والبيان عندنا يجب لأجل التهمة، وإن كان ما لهم منه فسمي في العقد، كمن اشترى من أبيه فإنه يحط ربح الأب، ويبيع بغير بيان، أو يبيع بجملة الثمن ويسيره. 12461 - قالوا: بذل ماله في مقابلة ماله، فصار كمن اشترى ماله من وكيله، ومن اشترى من عبده. 12462 - قلنا: قدمنا أن الزيادة تلحق بالعقد فيصير في مقابلة غيره؛ ونعكس هذه بمسألة التسمية بعد النكاح، وبالعوض عن الهبة بعد العقد. 12463 - ثم الأصل غير مسلم؛ لأن عندنا يجوز أن يبذل عوضاً عن مال نفسه إذا استفاد بالبذل عوضاً؛ كالعدل في الرهن إذا باع ما اشتراه الراهن. 12464 - فإذا اشترى المولى من عبده المأذون وعليه دين صح الشراء؛ لأن حق الغرماء يتعلق بالكسب، وإن كان ملكه ففي مسألتنا بذل الزيادة عما ملكه صحيح؛ ألا ترى: أنه يبتاع من المريض بالمحاباة، ويزيد في الثمن حتى لا يفسخ

عليه الورثة والغرماء ويكون البائع وكيلاً، فلا يأمن أن يفسخ الموكل العقد لنقصان الثمن ببدل الزيادة ليسقط حق الفسخ. 12465 - قالوا: لو لحقته الزيادة لحق الحط، ولو كان كذلك صح حط كل الثمن ولحق العقد ففسد. 12466 - قلنا: الحط عندنا يلحق ويأخذ الشفيع، كما تقرر بنية الحط في بيع المرابحة. 12467 - والقياس في حط جميع الثمن: أن يلحق العقد ويفسده وإنما عدلوا عن القياس؛ لأن الغرض بالحط إرفاق المشتري. 12468 - قالوا: الحط مقصودة الإرفاق، وإذا قصد الفسخ أو لم يقصداه فلا يناقض المعروف. 12469 - ولأن الثمن يلحق بالعقد، فيصير كالموجود فيه، وحط جميع الثمن لا يصح أن يقع عليه العقد ابتداءً؛ لأنه ليس ببيع. وكيف يلحقه بالعقد، وهو لو وجد فيه لم يكن عقداً؟ 12470 - وليس هذا كله زيادة [التأجيل والنظرة]؛ لأنها تلحق العقد/ وتفسده ولا يخرج من أن يكون بيعاً، وقد كان يجوز أن يقع ابتداء على هذا الوجه فيكون بيعاً فاسداً. * * *

مسألة 638 إذا أجل الدين الحال وهو مما يقبل التأجيل تأجل

مسألة 638 إذا أجل الدين الحال وهو مما يقبل التأجيل تأجل 12471 - قال أصحابنا: إذا أجل الدين الحال وهو مما يقبل التأجيل تأجل. 12472 - وقال الشافعي: لا يلحق الدين أجل بعد انبرام العقد. 12473 - لنا: قوله عليه الصلاة والسلام: (المسلمون عند شروطهم). لأنها مدى ملحقة بالعقد، فإذا وجدت بعده لحقته. أصله: حال المجلس. ولأن التأجيل معين يؤثر في المطالبة، فجاز أن يتعلق به الاستحقاق [إذا وجد بعد لزوم الدين، كالبراءة. ولأن كل حالة صحت فيها البراءة من الثمن جاز إلحاق التأجيل به. أصله: حال المجلس. ولأنه معنى لو وجد في مدة الخيار لتعلق به الاستحقاق]، فإذا وجد بعد لزوم العقد جاز أن يتعلق به، كالحط. ولأنه تأجيل بعد العقد، فصار كالتأجيل في المجلس. ولأنها صفة للثمن لو شرطت حالة العقد تعلق بها الاستحقاق، فإذا ذكرت بعده تعلق بها الاستحقاق، كالرهن. 12474 - احتجوا: بقوله عليه الصلاة والسلام: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو رد.

12475 - قلنا: (كتاب الله، المراد به: حكمهن ونحن لا نسلم أن تأجيل الدين ليس من حكم الله. 12476 - قالوا: حق لازم، فوجب أن لا يتأجل بالتأجيل. وأصله: القرض، وأرش الجناية. 12477 - قلنا: أما الأرش فيجوز تأجيله؛ وأما القرض فلأن التأجيل لا يصح إن شرط في عقد، كذلك لا يلحقه بعد العقد. والتأجيل في مسألتنا: يجوز أن يثبت في حال وجوب هذا الدين، فجاز أن يلحق بها بعد لزومه. 12478 - فإن قيل: إنما لا يصح التأجيل في القرض، لأنه [اشتراط الأجل ولا] يصح الاستفضال فأما في العقود فيصح اشتراط الأجل فيها، وإذا الأجل، استفضل في الثمن بعد لزوم العقد، يوجد هذا المعنى. 12479 - قلنا: لا يمتنع أن يوجد ابتداء، وأن يتفضل في الثمن ويؤجل بعد العقد ليخفف عن المشتري، كما يحط بعض الثمن ليخفف عنه. قالوا: تبرع بإنظار حق لازم، فوجب أن لا يلزم ذلك التبرع كامرأة العنين إذا أجلت السنة فأنظرته سنة أخرى. 12480 - قلنا: قولكم: (تبرع بإنظار حق لازم)، لا معنى له؛ لأنه إذا جاز أن

يلحق الأجل الذي قبل لزومه فلأن يلحق بعد لزومه واستقراره أولى؛ ألا ترى: أن التأجيل تصرف منه، ومن استقر حقه فتصرفه فيه أولى من تصرفه قبل الاستقرار؛ ولأن زيادة الأجل في العنة لو رضيت به المرأة قبل استقرار الأجل لم يتعلق به حكم؛ لأنها لو قالت للحاكم قبل التأجيل: قد أجلته سنين لم يصح، فكذلك بعد استقرار الأجل. وفي مسألتنا: لو أجل الدين قبل استقراره صح، فبعده مثله؛ ولأن أجل العنة إنما يثبت بتأجيل الحاكم والزيادة فيه من غير الحاكم لا تصح. والتأجيل في الدين ابتداء يقف على رضا صاحب الحق، كذلك في الثاني مثله. قالوا: حط بعد لزوم البيع، فوجب أن لا يلحق العقد، كما لو حط كل الثمن. 12481 - قلنا: نقلب فنقول: فجاز أن يتعلق به الاستحقاق بعد لزومه، كحط كل الثمن. ولأن حط كل الثمن قصدا به حصول المنفعة للمبتاع، فلو ألحقناه أبطل العقد فلم يجز إثبات ما يؤدي إلى خلاف غرضهما، وليس كذلك الأجل الفاسد أنه يلحق ويفسد؛ لأنه لا وجه عليه إلا الإلحاق، فكذلك الإلحاق وحط جميع الثمن يمكن أن يحصل العوض به من غير إلحاق. * * *

مسألة 639 إذا قبض المبيع في البيع الفاسد ملكه

مسألة 639 إذا قبض المبيع في البيع الفاسد ملكه 12482 - قال أصحابنا: إذا قبض المبيع في البيع الفاسد ملكه. 12483 - وقال الشافعي: لا يملكه. 12484 - لنا: ما روي (أن عائشة رضي الله عنها اشترت بريرة وشرطت الولاء لمواليها وقبضتها فأعتقتها، فأجاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العتق)، وقضى بفساد البيع حين نهى عنه؛ فلولا أن الملك وقع به لم ينفذ عتقها فيها. 12485 - فإن قيل: يجوز أن يكون الشرط كان قبل العقد. 12486 - قلنا: روي (أن مواليها امتنعوا من بيعها إلا بشرط أن يكون الولاء لهم)، وهذا يقتضي أن الشرط كان في العقد. 12487 - فإن قيل: يجوز أن تكون عائشة مخصوصة بجواز هذا البيع،

والنهي وقع بعد إباحته لها، بدلالة: (أنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم - إنهم أبوا أن يبيعوها إلا بشرط الولاء لهم، فقال لها: اشتري واشترطي، فإنما الولاء لمن أعتق)، وهو لا يأمر إلا بالجائز. 12488 - قلنا: هذه الزيادة وهم فيها هشام بن عروة، لا يصح إضافة مثل هذا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو أن بين الحكم لعائشة وكتمه عن الباعة ويأمر بالغرور، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (ما كان لنبي أن يكون له خائنة الأعين)، فكيف ينسب إليه خائنة الأمر واللفظ؟ ثم لو خصت عائشة بهذا العقد لافتخرت به، كما افتخر خزيمة لما خص بالشهادة، ونقل تخصيص أبي بردة بالجذع من المعز، ويبين ذلك: أنه قال: (ما بال أقوام يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله، كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط، وشرط الله أوثق ودين الله أحق، إنما الولاء لمن أعتق)، والإنكار لشرط سابق لهذا القول. 12489 - فدل أنه يتناول ذلك العقد، فكيف يحمل على أن ذلك العقد مباح والنهي عما يستأنف. فإن قيل: إن قوله: (اشترطي الولاء لهم)، بمعنى: عليهم، وهذا كقوله: [وإن أسأتم فلها]، بمعنى: فعليها. 12490 - قلنا: هذا ترك الظاهر وعدول عنه؛ ثم هو خلاف القصة؛ لأن القوم امتنعوا من البيع إلا بشرط الولاء؛ ولا يجوز أن يكون امتنعوا إلا أن شرطوا الولاء لعائشة؛ لأن هذا ثبت بمطلق البيع؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنكر الشرط، فلو كان كما قالوا كان شرطاً صحيحاً لا يجوز أن ينكر. ولأنه بيع لو عري عن الشرط صح، فإذ

شرط فيه منفعة للمبيع جاز أن يملك بمقتضاه؛ أصله: البيع بشرط العتق. ولأنه نوع معاوضة فجاز أن يقف الملك فيه على القبض، كالقرض، والهبة بعوض. 12491 - قالوا: دخلا في القرض والهبة على أن الملك يقع بالعقد، فلم يجز أن يقف على غيره. 12492 - قلنا: وقوع الملك بالعقد أو بالقبض أحكام تثبت بالشرع لا يفعلهما، فلا نسلم أنهما دخلا في البيع ليملكا بالعقد، وفي الهبة دخلا ليملكا بالقبض. لكن البيع قوي من باب التمليك فوقع الملك بعقده وضعفت الهبة فانضم إلى العقد معنى آخر، وهو القبض، ليقع الملك به. كذلك البيع الفاسد ضعف عن الصحيح، فلم يقع الملك بعقده حتى قوي بانضمام القبض إليه. 12493 - قالوا: النكاح نوع معاوضة، ولا يقف الملك فيه على القبض. 12494 - قلنا: النكاح الفاسد لا يملك به، فإذا استوفاها ملكها، ولو تزوجها على حيوان في الذمة لم يملكه إلا بالقبض. ولأن القبض معنى يستفاد به جواز التصرف في المبيع، والعقد يستفاد به التصرف في الثمن؛ ولأنه معنى يدخل به المبيع في ضمان أحد المتعاقدين، فجاز أن يقف الملك في البيع عليه، كالعقد. ولأنه ملك عليه البدل في عقد فيه تسليط، والعين ما يملكه العاقد، فجاز أن يملكها بالشراء قياساً على البيع الصحيح. ولا يلزم إذا باع بميتة أو دم؛ لأنه لا يضمن القيمة بالقبض، فلم يملك عليه البدل. ولا يلزم المقبوض على وجه السوم؛ لأنه ليس ببيع؛ ولأن البيع بشرط الخيار إذا سلم المبيع؛ لأنمه لا تسليط في العقد. ولا يلزم إذا اشترى المحرم صيداً أو باعه؛ لأن العاقد لا يجوز أن يملك هذه العين بالعقود. ولا يلزم بيع الصبي؛ لأن الملك يجوز أن يقع بعقد إذا أجازه الولي. 12495 - فإن قيل: قولكم: في عقد فيه تسليط (يبطل ببيع الخيار. فإن قلتم ليس فيه تسليط، قلنا، لا نسلم أن البيع المطلق فيه تسليط، وإنما يقع على الملك

ويتسلط بحكم ملكه، وإنما العقود التي فيها تسليط هي التي لا تنقل الملك، كالوكالة، والمضاربة، والشركة غالبًا، غير بيع الخيار؛ لأن البائع لو شرطه لنفسه، كف المشتري عن التصرف الذي يقتضيه العقد المطلق، فإذا أطلق العقد اقتضى التصرف، فهو بإطلاقه مسلط له على ما لو قيده لم يحصل التسليط، ولسنا نعني بالتسلط الإذن في التصرف على ما ظنوا. 12496 - فإن قيل: المعنى في المبيع الصحيح: أنه مضمون [عليه بالثمن، وهذا مضمون عليه. 12497 - قلنا: كل مبيع عندنا مضمون] بالقيمة وإنما ينتقل عنها إلى الثمن. وإذا ما صحت تسميته فاستحق لم تثبت التسمية في الفاسد وبقي على مقتضاه. ولأن القيمة بدل العين، كالثمن، فإذا جاز أن يملك المبيع في مقابلة ملك أحد العوضين، كذلك الآخر. 12498 - قالوا: المعنى في الأصل: أنه بيع صحيح، فنقل الملك، [وهذا بيع فاسد فلم ينتقل الملك]. 12499 - قلنا: إذا تساويا في ضمان العوض ورضا المالك، وانتقل الملك مع اختلافهما في الصحة جاز أن يتساويا في الملك؛ ولأن التعليل أنه إن وقع العقد فالفرق صحيح؛ لأن بالبيع الفاسد لا ينتقل الملك إن وقع العقد والقبض لم يصح؛ لأنه يجوز أن يملك/ بالعقد، والقبض ما لم يملك بمجرد العقد، كالهبة، والقرض. 12500 - فإن قيل: فالعقد لم ينقل الملك لفساده، فالقبض الفاسد لا ينقله أيضًا. 12501 - قلنا: ينتقل الملك فيهما. وقد يضعف العقد ولا ينتقل الملك وينضم إليه القبض ويرتفع الضعف ويملك به. ولأنها معاوضة فجاز أن يقع العتق بمقتضى

فاسدها كالكتابة الفاسدة. ولا يلزم النكاح الفاسد إذا تزوجها على عبد وسلم إليها أن ينفذ عتقها فيه. 12502 - فإن قيل: العتق في الكتابة يقع بمقتضى الشرط. ولهذا نقول: إن المكاتب لو أدى إلى وارث المولى لم يعتق. 12503 - قلنا: لم يقع العتق بمقتضى العقد، بدلالة: أنه يجب عليه قيمته. ولو عتق بالصفة لم يلزمه شيء، ولو تفاسخا الكتابة الفاسدة ثم أدى لم يعتق. ولو كان العتق بالصفة لم يبطل بفعلهما ويستحق المكاتب الولد وفاضل الاكتساب ولو كان بالصفة لم يستحق. 12504 - فإن قيل: لما وقع العتق بمقتضى الكتابة الفاسدة وقع في المحل الذي يقع في الصحيحة، وهو عند الأداء، فلو كان الملك يقع في البيع الفاسد لوقع في المحل الذي يقع في الصحيح. 12505 - قلنا: هذه المعاوضة لا تصح؛ لأنا عللنا لوقوع العتق فعارضتم في وقوع الملك، ويجب أن تقع المعاوضة في العتق. ثم لا نسلم أن محل العتق يستوي في الكتابة الصحيحة والفاسدة؛ لأن في الصحيحة لا يعتق إلا بأداء ما يجوز أن يقع به الاستحقاق، [ولهذا نقول: لو أدى ألفًا سرقًة لم يعتق، ويعتق بأداء المستحقة]؛ لأن الاستحقاق يجوز أن يقع بها بإجازة مالكها، وفي الفاسدة يعتق بأداء ما لا يتعلق به الاستحقاق، وهو الخمر. ولذلك يختلفان في صفة ما تتعلق به الذمة؛ لأن في الصحيح يعتق بالأداء، وفي الفاسدة عند الأداء ببدل يثبت في الذمة. ثم هذه المعاوضة لا تصح؛ لأن محل الملك والعتق يجوز أن يختلف في العقود الصحيحة. ألا ترى أن الملك يقع في العقد المطلق بنفس العقد وينفذ عتق المبتاع، وفي البيع بشرط الخيار لا يقع الملك ولا ينفذ العتق إلا بإسقاط الخيار. كذلك يجوز أن يختلف المحل في العقد الفاسد والصحيح، وإن تساويا في وقوع الملك. احتجوا: بأنه مقبوض عن بيع فاسد،

فوجب أن لا يملك به المبيع ولا التصرف فيه، كالمبيع بالميتة والدم. قلنا: الميتة والدم إذا تمولا فباع بهما ملك المبيع، كالخمر. هكذا روي هشام، عن محمد. فأما إذا لم يتمولا فقد اشتمل العقد على عوض واحد، فخرج من موضوع البيع [فلم يفد الملك، كإيجاب بلا قبول، وليس كذلك البيع] بخمر؛ لأنه عوض هو مال. بدلالة: أن حاكمًا لو حكم بوجوب ضمانه لذمي صح، ولو حكم بجواز بيع الذمي نفذ حكمه، وأصل العقد واقف على موضوع العقد. وإنما ضعف في الفساد، كما يضعف بشرط الخيار، فيجوز أن يقع بالعقد بمعنى ينضم إلى العقد. قالوا: الأصل هو البيع، والقبض لم يقع بدليل أن الملك بقع بالعقد [دون القبض، والقبض من موجبه ومقتضاه، وإذا كان الأصل هو البيع، والقبض لم يقع، بدليل أن الملك يقع بالأصل، فبأن لا يثبت بالقبض فيه أولى. 12506 - قلنا: العقد هو الأصل، فإذا انضم القبض إليه دفع بهما، لا بالقبض خاصة. وقد لا يقع الملك بأحد الأمرين، ويقع بهما، كالهبة والقبض، كما لا يقع الملك بالعقد مع الخيار ويقع بالعقد وبإسقاط الخيار. يبين ذلك أن البيع الصحيح يملك به المبيع، ولا يملك فيه التصرف، فلما لم يفد العقد ملك التصرف أفاده القبض، كذلك إذا لم يفد ملك المبيع جاز أن يفيده القبض. 12507 - قالوا: القبض في البيع الصحيح لا يملك به، وما لم يقع به الملك في صحنه فلأن لا يقع به مع فساده أولى. 12508 - قلنا: إنما لا يملك بالقبض الصحيح ما يستقر الملك فيه، والبيع الفاسد لا يسبق الملك قبض، فيجوز أن يقع. ألا ترى: أن البيع بشرط الخيار لا يملك به عندنا،

وعلى أحد أقوالهم، ثم يقع الملك بإسقاط الخيار، وفي خيار العنة لما وقع الملك لم يقع على إسقاط الخيار. 12509 - قالوا: الوطء في النكاح كالقبض في البيع؛ بدلالة: أن المسمى يستقر بهما، ثم يثبت أن الوطء في النكاح الفاسد لا يملك به ما يملك بالعقد الصحيح، وهو استحقاق الوطء والطلاق والخلع والإيلاء والظهار. وكذلك ما يملك بالعقد الصحيح، وهو استحقاق الوطء بالبيع، ولا يملك بالقبض عن بيع فاسد. 12510 - قلنا: أسباب الملك في الأعيان أوسع من أسباب الملك في النكاح. ألا ترى، أنه يملك بالبيع والهبة والميراث والسبي، ولا يملك بضع الحرة بهذه الأسباب، فلذلك جاز أن يملك بالقبض عين المبيع الذي لم يوجب العقد الفاسد الملك فيه، [وإن كان لا يقع في النكاح بذلك. ولأن العقد الفاسد لا يوجب الملك] في النكاح والبيع، وإنما يملك المبيع [بالقبض، لا بالعقد] الذي لم يوجب الملك، وإن كان لا يقع في النكاح بذلك؛ ولأن العقد الفاسد لا يوجب الملك في النكاح والبيع، وإنما يملك المبيع بالقبض، ولا يتصور القبض في النكاح إلا فيما استوفاه من المنفعة، وقد صار ذلك مملوكًا له وما لم يستوفه من المنافع كما لم يقبضه من المبيع فلا يملك، فأما استحقاق الوطء فلا يثبت في النكاح الفاسد. كما لا يثبت استحقاق القبض في البيع الفاسد، وأما الطلاق فهو موضوع لرفع الاستباحة، والنكاح الفاسد لا يفيد الإباحة فلا يثبت الطلاق. وأما الخلع: فإنما يصح بذلك العوض ليملك على الزوج ما ملكه منها، وفي النكاح الفاسد لا يملك ما لم يستوفه، وهي أحق بنفسها، فلا معنى لبذل ما لها، وأما الإيلاء، فلأنه لما منعها حقها من الوطء عوقب بإيقاع الفرقة، ولا حق لها في الوطء ها هنا، وأما الظهار: فيوجب تحريمًا مؤقتًا يرتفع بالكفارة، وليس في النكاح الفاسد إباحة حتى يدخل عليها تحريم.

12511 - قالوا: الملك يقع في الهبة بالقرض، كما يقع في البيع بالعقد. ثم يثبت أن ما أوقع الملك في الهبة لا يتحول إلى غيره، وهو عقد الهبة، فلذلك ما لا يملك ٍبه في البيع وجب أن يتحول إلى غيره وهو القبض فيه. 12512 - قلنا: قد يقع الملك بنفس الهبة؛ ثم إن الهبة لما وقع الملك بقبضها لم يتقدم الملك على سببه، ولما كان يقع في البيع بالعقد جاز أن يتأخر عن سببه، كما يتأخر في بيع الخيار. 12513 - قالوا: البيع الصحيح يملك به المشتري المبيع، ولا يملك التصرف؛ لأن سلطان البائع لم يزل عنه، كما أن سلطان البائع لم يزل عن البيع الفاسد وإن قبض؛ بدلالة: أن له أن ينتزعه منه مع ما به، فوجب أن لا ينفذ تصرفه فيه، كما لا ينفذ تصرفه فيه قبل القبض. 12514 - قلنا: إنما لا ينفذ تصرفه قبل القبض؛ لأنه لا يقدر على تسليمه، وكل تصرف يقف صحته على إمكان التسليم لا يتعذر بعض القبض، وفي البيع الفاسد التسليم ممكن، فلذلك نفذ تصرفه، وأما ثبوت حق البائع في انتزاعه فهو فسخ يثبت بعد تسليطه، فصار كخيار العيب فلا يمنع من نفوذ التصرف. 12515 - قالوا: يلزمه رده بتمامه المنفصل عنه فلم يكن ملكًا له، كالمغصوب. قلنا: لا نسلم أنه يلزمه رد الأصل ولا المسمى، وإنما يلزمه الفسخ ثم يجب الرد بحكم الفسخ، فأما أن نقول: إن الرد يجب ابتداًء فلا. 12516 - فإن عللوا لوجوب الفسخ لم يكن قولاً لهم، وإن عللوا الفسخ للرد

لم نسلمه، فلا يسري إلى النماء. ثم المعنى في الغصب: أنه لم يوجد من مالكه تسليط على التملك، ولا حصل هناك سبب من أسباب الملك. وفي مسألتنا: حصل التسليط عن عقد فيه عوض، فجاز أن يملك به. 12517 - قالوا: يجب على المشتري العقر بوطئها، والملك لا يلزمه، بوطء مملوكته عقر. 12518 - قلنا: لا يسع أن يجب على الملك عقر، إذا تعلق بالمملوكة حق المولى في وطء المكاتبة، وكما قال الشافعي: فإن من طلق طلاقًا رجعيًا ولم يراجع بوطء وجب عليه المهر وإن كان ملكه باقيًا. * * *

مسألة 640 باع عبدا بشرط العتق فسد العتق

مسألة 640 باع عبدًا بشرط العتق فسد العتق 12519 - قال أصحابنا من باع عبدًا بشرط العتق فسد العقد، وروى ابن أبي مالك، عن أبي يوسف، عن أبي حنيفة: أن المشتري إذا عتق لزمه القيمة. وهو قول أبي يوسف ومحمد. وقال في الرواية الأخرى: يلزمه المسمى استحسانًا. وروي عن أبي حنيفة: أن البيع جائز. 12520 - وبه قال الشافعي: وهل يجبر المشتري على العتق؟ فيه وجهان، أحدهما: يجبر، والآخر: لا يجبر، ويجبر البائع. فإن مات قبل العتق ففيه ثلاثة أوجه، أحدهما: يلزمه الثمن ولا شيء عليه غيره، والآخر: يجب عليه كمال قيمته إذا بيع مطلقًا، والثالث: يفسخ البيع. وروى أبو ثور عن الشافعي: أن الشرط

فاسد والبيع صحيح. 12521 - لنا ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث عتاب بن أسيد إلى مكة وقال: (انههم عن بيع وشرط). ولأنه شرط على المشتري قطع الملك على وجه لا يقتضيه العقد، فصار كقوله: على أن تبيعه بعد شهر، أو من فلان، أو على أن يوصي به أو توصي بعتقه. 12522 - قالوا: العتق مقصود/ في المعقود بعوض في مقابلته، بدلالة: الكتابة، فجاز أن يشترط في العقد، والبيع ليس بمقصود في شيء من العقود، ولا يصح بدل العوض عنه، فلذلك لم يصح شرطه. 12523 - قلنا: البيع يقصد في عقد الوصية فيوصي ببيع عبده من فلان، [والبيع وإن لم يجز بشرط العوض عنه صح العوض عما يملك به فلان]، والمشتري مخير بين أن يعتق وبين أن لا يعتق، ثم لو شرط قطع خياره بأن لا يعتق فسد البيع؛ كذلك إذا قطع خياره بإيجاب العتق يفسد البيع. يبين ذلك: أنه مخير، إن شاء باع، وإن

شاء لم يبع، فإذا شرط قطع خياره، بأن قال: على أن لا يبيع، فسد البيع، كذلك إذا شرط قطع خياره، بأن قال: على أن لا يبيعه، فسد البيع. ولأنه شرط منفعة للمعقود عليه لا يقتضي العقد، فصار كما لو شرط أن يكاتبه أو يستولدها أو يدبرها. 12524 - قالوا: لا فائدة للبائع في هذه الشروط؛ لأن الكتابة يفسخها السيد، والتدبير يرجع عنه. 12525 - قلنا: لا نسلم أن التدبير لا يصح ويفضي إلى العتق، وأما الكتابة: فيجوز أن يكون البائع قصد العتق من حيث الكتابة، كما يقصد ذلك إذا كاتب بنفسه. 12526 - قالوا: العتق له من المزية والثبوت ما ليس لغيره من الشروط. 12527 - قلنا: إذا بقى مقتضى العقد بشرط أثبته كان أقوى في باب الفساد، وإذا كان الشرط أضعف كان أقرب إلى الصحة، وهذا ضد قولهم. 12528 - قالوا: المعنى فيما يتم عليه: أنه تجب القيمة، ولما وجد في مسألتنا المسمى دل على صحة العقد. 12529 - قلنا: لا نسلم هذا على إحدى الروايتين. وعلى الرواية الأخرى لا يجب الثمن، وإنما إذا أوقع الحرية صار في معنى العتق على مال، فيلزمه عوض العتق؛ ولهذا قال ابن شجاع: لو أعتقه قبل القبض وقع العتق. 12530 - احتجوا: بما روي، أن عائشة شرطت أن يكون ولاء بريرة لمواليها وأعتقتها فأنكر عليه الصلاة والسلام شرط الولاء، ولم ينكر شرط العتق، فدل على أن اشتراطه صحيح، ولهذا صح عتقها. 12531 - والجواب: أن شرط الولاء لا يدل على شرط العتق؛ لأنها إذا قالت:

من أعتقها فالولاء لكم، فإنها شرطت الولاء خاصة ومتى وقع العتق باختيارها، فلذلك أنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - شرط الولاء ولم يتعرض للعتق؛ لأنه ليس بمشروط، ولو ثبت أنها شرطت العتق والولاء. وإنكاره عليه الصلاة والسلام للشرط الذي ليس في كتاب الله حتى خرج عليهم جميعًا فلا نسلم أنه أنكر أحد الأمرين وسكت عن الآخر. 12532 - فإن قيل: شرط العتق في كتاب الله، قال الله تعالى: {فك رقية}، وقال تعالى: {فتحرير رقبة}. 12533 - قلنا: في القرآن جواز العتق، وليس فيه جواز اشتراطه على المشتري، كما أن في القرآن جواز البيع والصدقة، ولم يدل ذلك على جواز اشتراطه على المشتري، إلا أن من أصلنا: أن البيع الفاسد إذا قبض المبيع ملك ونفذ العتق فيه، فلذلك أجاز عليه الصلاة والسلام عتقها وأبطل شرط الولاء. وما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرها بالشراء ليس بصحيح، وقد تكلمنا عليه فيما مضى. 12534 - قالوا: مقبوض عن بيع مضمون عليه بالثمن، فوجب أن يكون بيعًا صحيحًا، كالعتاق. 12535 - قلنا: الوصف غير مسلم على إحدى الروايتين، وعلى الرواية الأخرى لا نسلم أنه مضمون بالثمن، وإنما هو مضمون بالثمن بعوض العتق، وإنما سميناه ثمنًا فهو كالبيع الفاسد الذي تزيد فيه قيمة المبيع على المسمى، فهو مستحق على وجه القيمة وإن كان مقدرًا بالثمن، والمعنى في البيع المطلق: أنه عري عن الشروط فلم يفسد من جهة الشرط، وفي مسألتنا: شرط قطع الملك فيه على وجه لا يقتضيه العقد. 12536 - قالوا: معاوضة شرط العتق في عوضها فوجب أن تصح، كالكتابة. 12537 - قلنا: يبطل إذا قال: أبيعك بما باع به فلان؛ ولأن جملة الثمن وإن أمكن الوقوف عليها بفعل غيرهما فعند العقد مجهولة عند المبتاع، وهذا معنى يؤثر في

العقد. 12538 - قالوا: الثمن إذا كان معلومًا في الجملة لم يجب أن يكون معلومًا في التفصيل [وكذلك إذا صار معلومًا في التفصيل لم يجب أن يكون معلومًا في الجملة؛ لأن العلم بقدر الثمن في التفصيل] ينفي غرر الجهالة عن العقد، كما ينفيه العلم بقدره في الجملة. 12539 - قلنا: إذا علم ثمن الجملة ولم يعلم وجه التفصيل فكل جزء عن الجملة انفرد بالعقد بجهالة حصته كانت غير مؤثرة. وإذا بين ثمن الجزء فالجملة معقود عليها وثمنها غير معلوم، وجهالة ثمن ما يتناوله العقد على حاله بعد العقد، كما لو باع بما باع به فلان. 12540 - فإن قيل: هناك لا يبقي الغرر؛ لأنه يجوز أن [يزول بعملهما. 12541 - قلنا: وها هنا لا يبقى الغرر؛ لأنه يجوز أن] يبيع الصبرة كيلًا لا يتمكن من تفصيل ثمنها مع معرفة جملته.

مسألة 641 بيع جزء مشاع من دار

مسألة 641 بيع جزء مشاع من دار 12542 - قال أبو حنيفة: إذا باع ذراعًا من دار لم يجز حتى يبين موضع المبيع. 12543 - وقال أبو يوسف، ومحمد: يجوز البيع، وتذرع الدار فيكون بائعًا لسهم مشاع منها. 12544 - وقال الشافعي: إذا سمى جملة ذراعها، أو كانا يعلمان ذلك جاز البيع، ووقع على سهم مشاع. 12545 - لنا: أن الدار عبارة عما يقع عليه المساحة، وذلك لا يكون إلا مر في معين ولهذا لا يصح بيع ذراع من شاة، فلو كان عبارة عن سهم لصح بيعه من الشاة، وما كان عبارة عن جزء معين لم يجز حمله على المشاع ليصح العقد، كما لو قال: بعتك يد هذا العبد لم يصح البيع، والحمل على بعضه ليصح العقد، وإن كانت اليد من الجناية مقدرة بالنصف. 12546 - ولأنه باع ذراعًا مشاعًا من دار فلم يصح، كما لو لم يعلم قدر الذراع. 12547 - ولأنه عقد وقع على ذراع من دارهما لا يعلمان ذرعها، فلم يصح وإن علماه، كما لو باعه قبل القبض.

12548 - احتجوا: بأن ذرعان الدار إذا كانت معلومة وكانت عشرة فكأنه قال: بعت عشرها. 12549 - قلنا: إذا باع العشر لم يزد البيع ولم ينقص، وإذا باع الذراع جاز أن يزيد ذرع الدار فيكون بائعًا أكثر من ذراع، أو ينقص فيكون بائعًا دونها. ولهذا نقول: إنه لو باع قفيزًا من هذه الصبرة وهما يعلمان أنها عشرة أقفزة لم يكن بائعًا لعشرها حتى لو أراد كيلها كان البيع على قفيز واحد، ولم يزد، ولو هلك بعضها لم ينفسخ البيع في شيء من القفيز. 12550 - فإن قيل: إذا احتمل الذراع ما قلتم، واحتمل السهم وجب أن يحمل على ما يصح منه العقد. 12551 - قلنا: لا يجوز أن يحمل اللفظ على ما لا يعبر به عنه ليصح العقد، وقد بينا أن الذراع ليس بسهم. 12552 - ولأن حمله على ذلك مخالف لموضوع العقد؛ لأن العقد على السهم يقتضي استحقاق عشر الدار زادت أو نقصت، وحمله على الذراع يقتضي مقدارًا معينًا لا يزيد ولا ينقص؛ ولا يجوز أن يحمله على ما دار بين الزيادة والنقصان. 12553 - قالوا: لا فرق بين أن يوصي بقفيز من كل عشرة أقفزة من هذا الخارج وبين أن يوصي بعشره. 12554 - قلنا: بينهما فرق؛ لأنه إذا قال: أوصيت بعشرها فخرج منه عشرة أقفزة وهلك بعضها قبل القسمة هلك من الحقين، وإذا قال: أوصيت بقفيز

من كل عشرة فأخرج عشرة وهلك بعضها استحق القفيز مما بقي إذا خرج من الثلث، ولم يسقط شيئًا من نصيبه؛ فدل أن أحد اللفظين عبارة عن المشاع، والآخر عبارة عن مقدار معين. * * *

مسألة 642 ما الحكم لو قطع البائع يد العبد قبل التسليم؟

مسألة 642 ما الحكم لو قطع البائع يد العبد قبل التسليم؟ 12555 - قال أصحابنا: إذا قطع البائع يد العبد قبل التسليم، فالمشتري بالخيار، إن شاء أخذه بنصف الثمن، وإن شاء فسخ. 12556 - وقال الشافعي: إن شاء أخذه بجميع الثمن، وإن شاء فسخ. 12557 - لنا: أنه حبس لنفسه بعض المبيع، فلم يستحق جميع الثمن وإن أخر العقد كما لو كان طعامًا فأكل بعضه. 12558 - فإن قيل: المعنى في الطعام: أن الثمن ينقسم على أجزائه؛ بدلالة: أنه لو هلك بآفة سماوية سقطت حصته، وأطراف العبد لا ينقسم عليه الثمن يضمن بالجناية، وإن لم يضمن بالتلف، كما لو أتلفه الأجنبي. 12559 - ولأنه إذا تلف بآفة من السماء لم يسقط شيئًا من الثمن؛ لأن الابتياع لا يضمن بالعقود؛ بدلالة: أنه لا يفردها، وليس من جهة البائع إلا العقد. وأما الجناية: فهي قبض والابتياع يضمن بالمقبوض؛ لأنه صح إفرادها بها. 12560 - ولأنها جناية أحد المتعاقدين قبل القبض فكانت مضمونة، كما لو قطع المشتري يد العبد ثم هلك العبد بسبب آخر ضمن المشتري حصة اليد. 12561 - [و] لأنها جناية من البائع على المبيع قبل القبض؛ فسقط حصة

ذلك من الثمن، كما لو كانت في المجلس. 12562 - ولأن تسليم بعض المبيع تعذر بفعل البائع، فلم يكن له المطالبة بجميع الثمن وإن أخر العقد، كما لو فسخ في أحد العبدين جاز، كمن باع من أبيه جاريتين فاستولد إحداهما قبل القبض. 12563 - احتجوا: بأنه جزء لا ينقسم على الثمن، فإذا تلف في يد البائع قبل التسليم لم يسقط من الثمن شيء، كما لو تلف بآفة من السماء. 12564 - قلنا: ما لا ينقسم عليه الثمن لا يضمن بالعقد. 12565 - فأما الجناية فمضمونة، بدلالة: جناية الأجنبي عليه تعتبر له حصته وإن لم ينقسم الثمن عليه، ويفارق ما ذهب بآفة سماوية. 12566 - فإن قيل: الأجنبي يضمن بالعقد والبائع لا يضمن/. 12567 - قلنا: الكلام في التسوية بينهما في الضمان، فأما كيفية الضمان فيجوز أن تختلف؛ ألا ترى: أن المبيع يضمنه المشتري بالثمن والغاصب بالقيمة، والمرتهن بالدين وإن استوى جميع ذلك في الضمان. 12568 - وإنما فارق البائع الأجنبي؛ لأن البائع لو ضمن بالقيمة وجب عليه تسليمها بعقد البيع؛ بدلالة: أنا لو قدرنا ارتفاع البيع لم يتعين الضمان، فلم يكن [ضمانه] في ذمته، فجاز أن يلزمه. 12569 - قالوا: لو كان الطرف مضمونًا استوى إن هلك بفعل البائع، أو آفة من السماء كجملة العبد. 12570 - قلنا: جملة العبد مضمونة بالبيع؛ لأنه تناولها، فكيف كان التلف [وجب ضمان] بدلها. 12571 - وأما الطرف فلا يصح إفراده بالعقد، فلم يضمن به وإن ضمن بالقبض؛ لأنه يصح إفراده به.

12572 - يبين ذلك: أن الطرف لا ينقسم الثمن عليه، ولم يمنع ذلك أن يضمنه المشتري بانفراده إذا جنى عليه، وكذلك العبد في يد البائع من غير جناية، وكذلك إذا أتلفه البائع جاز أن يكون مضمونًا عليه، وإن لم يكن مضمونًا، وإن لم يكن الثمن انقسم عليه. * * *

مسألة 643 تصرف الفضولي

مسألة 643 تصرف الفضولي 12573 - قال أصحابنا: إذا باع ملك غيره، وقف العقد على إجازة المالك، فإن أجازه جاز، وإن فسخه بطل. 12574 - وأما المشتري: فإن أضافه إلى غيره، فقال: اشتريت هذا الثوب لفلان بألف، فقال البائع: بعته منك وقف. 12575 - وقال الشافعي: لا يقف العقد، ولا ينعقد. 12576 - لنا: حديث عروة البارقي - رضي الله عنهم - قال: (أعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - دينارًا ليشتري به أضحية أو شاة، فاشترى شاتين، فباع إحداهما بدينار، وأتاه بشاة بشاة ودينار، فدعا له بالبركة في بيعه، فكان لو اشترى ترابًا لربح فيه).

والشراء؛ بدلالة: أن حكيمًا باع الشاة وسلمها، ومن باع ما لا يملك بغير إذن صاحبه لا يسلمه قبل الإجازة، وقبض الثمن وتصرف فيه واشترى شاة أخرى، وهذه غير مأذون في شرائها، وعندكم يلزمه الشري، ولا يقف. 12584 - وأما حديث عروة: فقد أذن له في شراء شاة، وإذا اشترى شاتين، إحداهما له بحصتها من الثمن، فإذا باعها بنفسه والثمن له، فلما أعطى الثمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دل على أن التوكيل عام. 12585 - قلنا: المنقول في الخبر توكيل خاص، والحكم إذا نقل مع سببه فالظاهر أنه تعلق به، وإن تعلق بغيره لا يثبت إلا بنقل. 12586 - ولأنه لو كان وكلهما توكيلًا عامًا لم يكن لنقل التوكيل الخاص معنى، فلما ذكر توكيلًا خاصًا دل أن الحكم تعلق به. 12587 - فأما قوله: (إن حكيمًا سلم ما اشترى، فيجوز أن يبيع بيعًا موقوفًا ويسلم تسليمًا موقوفًا أيضًا، ويقبض الثمن كذلك. 12588 - [وقولهم: إنه تصرف في الثمن، وإذا اشترى عبدًا بثمن في ذمته لا يعتبر ذلك الدينار]. 12589 - وأما قولهم: (إنه اشترى شاة، والشرى لا يقف عندكم: فليس [بصحيح؛ لأن أمره إياه بشراء أضحية يتناول ما يضحي به؛ لأن الأضحية] تقدر بعد تضمن الأمر العقد، فالشاة الثانية ابتاعها بمقتضى الأمر الأول. 12590 - وكذلك عروة أمر بشراء أضحية فاشترى شاتين بموجب الأمر؛ لأن الأضحية ما يضحي به، فكلاهما للنبي - صلى الله عليه وسلم - فباع إحداهما بيعًا موقوفًا. 12591 - قالوا: عروة لم يشتر للنبي - صلى الله عليه وسلم - شيئًا، وإنما أخذ الدينار من النبي - صلى الله عليه وسلم -

والشراء؛ بدلالة: أن حكيمًا باع الشاة وسلمها، ومن باع ما لا يملك بغير إذن صاحبه لا يسلمه قبل الإجازة، وقبض الثمن وتصرف فيه واشترى شاة أخرى، وهذه غير مأذون في شرائها، وعندكم يلزمه الشري، ولا يقف. 12584 - وأما حديث عروة: فقد أذن له في شراء شاة، وإذا اشترى شاتين، إحداهما له بحصتها من الثمن، فإذا باعها بنفسه والثمن له، فلما أعطى الثمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دل على أن التوكيل عام. 12585 - قلنا: المنقول في الخبر توكيل خاص، والحكم إذا نقل مع سببه فالظاهر أنه تعلق به، وإن تعلق بغيره لا يثبت إلا بنقل. 12586 - ولأنه لو كان وكلهما توكيلًا عامًا لم يكن لنقل التوكيل الخاص معنى، فلما ذكر توكيلًا خاصًا دل أن الحكم تعلق به. 12587 - فأما قوله: (إن حكيمًا سلم ما اشترى، فيجوز أن يبيع بيعًا موقوفًا ويسلم تسليمًا موقوفًا أيضًا، ويقبض الثمن كذلك. 12588 - [وقولهم: إنه تصرف في الثمن، وإذا اشترى عبدًا بثمن في ذمته لا يعتبر ذلك الدينار]. 12589 - وأما قولهم: (إنه اشترى شاة، والشرى لا يقف عندكم: فليس [بصحيح؛ لأن أمره إياه بشراء أضحية يتناول ما يضحي به؛ لأن الأضحية] تقدر بعد تضمن الأمر العقد، فالشاة الثانية ابتاعها بمقتضى الأمر الأول. 12590 - وكذلك عروة أمر بشراء أضحية فاشترى شاتين بموجب الأمر؛ لأن الأضحية ما يضحي به، فكلاهما للنبي - صلى الله عليه وسلم - فباع إحداهما بيعًا موقوفًا. 12591 - قالوا: عروة لم يشتر للنبي - صلى الله عليه وسلم - شيئًا، وإنما أخذ الدينار من النبي - صلى الله عليه وسلم -

فأمسكه واشترى لنفسه شاتين بدينار، فأخذه لنفسه وبقيت الشاة لعروة، ودينار النبي - صلى الله عليه وسلم - معه. الدليل عليه: قوله - رضي الله عنهم -: (هذه الشاة وهذا ديناركم). 12592 - قلنا: لو كان كما قالوا: كانت الشاة هبة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - والنبي لم يستوهبه ولا قبل الهبة، على ظاهر الخبر أنه ابتاع ما أمره بابتياعه، فإن ثبت أنه قال: (هذا ديناركم)، ولم يذكر أبو داود هذه اللفظة، فمعناه: أن ثمن مالكم. 12593 - والذي نقل في أنه لم يكن وكيلًا بالبيع، أنه عليه [الصلاة و] السلام أمره بشراء أضحية، وبيع الأضحية يكره بعد ابتياعها، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لا يأمر بمكروه، فكيف يكون موكلًا ببيعها؟. 12594 - فإن قيل: فكيف أجاز النبي - صلى الله عليه وسلم - البيع المكروه،. 12595 - قلنا: يجوز أن يكون أجازه؛ لأنه لا يمكن استدراك الشاة. 12596 - فإن قيل: تصدق عليه [الصلاة و] السلام بالدينار، ويدل عليه: أنه لم يجز العقد. 12597 - قلنا: بل هو الدليل؛ لأنه لو لم يجز العقد] لأمر برده أو إمساكه إلى أن يحضر المشتري، وإنما تصدق به؛ لأنه كان أخرج الأصل من ملكه على وجه القربة. 12598 - وذكر عيسى بن أبان بإسناده، عن حميد الطويل، عن الحسن: (أن رجلًا باع جارية لابنه فحبلت من المشتري فقدم سيدها الأول، فخاصم في جاريته إلى عمر، فقضى له بالجارية، وأمر المشتري أن يلزم البيع ابن الرجل، فلما رأى أنه مأخوذ بها سلم بيعه).

12599 - وذكر عن منصور، عن الحكم، قال: (غاب رجل وترك جارية عند ابنه وامرأته، فباعها رجلًا وشرط له الخلاص، فلما قدم الرجل طالب المشتري، وقال: جاريتي لم أبع ولم أهب، فقال الرجل: اشتريتها من ابنك، وجاريتك قد ولدت لي غلامًا، فاختصما إلى علي، فقال علي: سلم بيع ولدك وامرأتك، فقد ولدت للرجل، فقال: ما أنا بفاعل، قال: بل فاعل، قال أذكرك كتاب الله، قال خذ جاريتك فأخذها، وقال للرجل: احبس امرأتك بالخلاص، قال: فسلم بيعها). 12600 - وهذا من مذهب عمر، وعلي رضي الله عنهما: أن البيع موقوف تلحقه الإجازة. 12601 - ويدل عليه: أن شطر العقد يجوز أن يقف على معنى ينضم إليه، وهو الشطر الآخر، فيقع الملك بهما، وهو أضعف من جملة العقد، فلأن تقف جملة العقد على معنى من جهة الملك ليقع الملك بهما أولى. 12602 - ولا يمكن القول بموجبه في بيع المرتد على أحد القولين؛ لأن عندهم إن أسلم تبين أن العقد كان صحيحًا، وإن لم يسلم تبين أنه كان باطلًا، وأما أن يقف: فلا. 12603 - وإن شئت قلت: إن كل واحد من الشطرين يقف على معنى ينضم إليه، لو تقدم عليه وقع الملك به. 12604 - فإن قيل: شطر العقد لا يقف على ما بعد المجلس. 12605 - قلنا: لأنه أضعف من جميع العقد فلضعفه ما وقف على حال المجلس، ولقوة جملة العقد ما وقف على المجلس وما بعده. 12606 - وعلى الطريقة الثانية: أن المعنى الذي يتأخر على أحد الشطرين لو تقدم

عليه في المجلس دفع الملك، وإن تقدمه في غير المجلس لم يتعلق به حكم، كذلك إذا تأخر عنه. 12607 - [وجملة العقد يقف على معنى لو تقدمه في المجلس وغير المجلس وقع الملك، وكذلك إذا تأخر عنه]. 12608 - فإن قيل: شطر العقد إنما يقف على الشطر الآخر للضرورة؛ لأنه لا يجوز أن يقع العقد، ولا ضرورة في وقوف جملة على العقد. 12609 - قلنا: لا ضرورة إلى تأخر أحد الشطرين؛ لأنهما تقاولا على العقد فجاز أن يتكلما بالعقد معًا؛ لأنه أخر أحدهما عن الآخر. 12610 - ولأنه يجوز أن يثبت في العقد معنى الضرورة، ثم يثبت مثله في العقد مع غير ضرورة، كخيار الفسخ بالعنة، فثبتت الضرورة وثبت الشرط من غيره ضرورة. 12611 - قال أصحابنا: ولأنه عقد له مجيز حال وقوعه، فجاز أن يقف على إجازة مجيزه، كالوصية للوارث، وبما زاد على الثلث. 12612 - قالوا: لا مجيز للوصية عند وقوعها [وإنما تصح الإجازة بعد الموت، وتلك حالة لزومها. 12613 - قلنا: بل ذاك حال وقوعها]؛ لأن الوصية عقد مضاف إلى الموت، ولهذا لا يصح قبولها بعد الموت، فدل أن تلك الحالة حال وقوعها. 12614 - قالوا: فعندنا الوصية لا يلحقها الإجازة، وإنما تكون الإجازة هبة من جهة الورثة. 12615 - قلنا: الدليل على بطلان ذلك: قوله عليه [الصلاة و] السلام: (لا

وصية لوارث إلا أن يجيزها الورثة، فدل أن ذلك ليس تأييدا بملك، وإنما هو إجازة. 12616 - والأصلح/ أن نقول: عقد لو وقع على ما لم يتعلق به حق الغير نفذ، ولما وقع على ما تعلق به حق الغير، ولم ينفذ، جاز أن يقف على معنى من جهة مقدمة العقد، كما لو أوصى وعليه ديون، وأبرأ الغرماء من الديون. أو نقول: وإذا وقع على ما يتعلق به حق الغير انعقد. 12617 - أو نقول: عقد يجوز أن يقف على الفسخ؛ فجاز أن يقف على الإجازة، كالوصية مع الدين، والوصية بجميع الملك. 12618 - فإن قيل: المعنى في الوصية: أنها لا تصح في المجهول ويتعلق به الحظر، فله الرد والمبيع بخلافه. 12619 - قلنا: تبطل علة الأصل بالطلاق والعتاق، فإنه يصح في المجهول ويتعلق بالحظر، ولا يقف على الإجازة عندكم. 12620 - فإن قيل: المعنى في الوصية: أنها تقف على مستحدث الملك؛ لأنه وصى بالثلث ولا مال له، ثم يستفيد ما لا ينفذ الوصية فيه، أو يوصي بعبد فلان إلى ملكه فيجوز، فلذلك وقف على الإجازة، والبيع بخلافه. 12621 - قلنا: إنما تعلقت الوصية بمستحدث الملك؛ لأنها تتعلق بالشرط في الملك؛ ألا ترى: أنه إذا قال: إن مت من مرضي هذا فقد أوصيت بكذا صح، فلذلك تعلق بمستحدث الملك. والبيع لا يتعلق بشرط في الملك، [فلا يتعلق بمستحدث الملك وصفًا، والاختلاف لا يمنع التساوي في الوقوف]، بدليل: أن

الطلاق والبيع يختلفان في جواز التعلق بالشرط، ويتساويان عندنا في الوقوف، وعند مخالفنا في امتناع الوقوف مع الاختلاف في المعلق بالشرط. 12622 - ولأنه عقد لو وقع برضا مالكه نفذ، وإذا وقع بغير رضاه انعقد، أصله: الملتقط الغني إذا تصدق باللقطة. 12623 - فإن قيل: عندنا لا تقف الصدقة، [وإنما يتملك الملتقط ويتصدق بها فينفذ. 12624 - قلنا: التعليق رفع الانعقاد]، وكيفية الانعقاد لم يتعرض لها. 12625 - ولو عللنا الوقوف دل على الأصل النص، وهو قوله عليه [الصلاة و] السلام: (فإن جاء صاحبها فليخيره بين الأخذ والضمان). 12626 - وإجماع الصحابة: وهو ما روي عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر، وأبي هريرة - رضي الله عنهم - أنهم قالوا في اللقطة: (يعرفها حولًا، فإن جاء صاحبها فهو بالخيار، إن أراد الأجر فله الأجر، وإن أراد الضمان فله الضمان). 12627 - فإن قيل: روي عن ابن عمر أنه قال: (يدفعها إلى الإمام). 12628 - قلنا: قد روينا عنه مثل قولنا، فيتعارض قوله، وبقي لنا قول بقية الصحابة - رضي الله عنهم -. ولأنه يحتمل أن يقول: ادفعها إلى الإمام ليتصدق بها، ويكون التخيير في فعل الإمام. 12629 - فإن قيل: معناه: [إن جاء صاحبها فليخيره بين الأجر، وإن تبين من الضمان، وبين أن يضمنه].

12630 - قلنا: ظاهر الخبر: أن هناك أجرًا حاصلا مراعي يخير في الرضا به، أو في تركه والعدول إلى الضمان. 12631 - ولأن كل عقد قارنه الرضا نفذ. أصله: الحاكم إذا باع مال المفلس. 12632 - احتجوا: بحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا طلاق فيما لا يملك، ولا بيع فيما لا يملك). 12633 - قلنا: هذا مرسل، عند الشافعي لا يثبت به حجة، ثم إطلاق البيع يقتضي ما وقع للعاقد، ولهذا نقول: إن الوكيل والموكل لو اختلفا في العقد كان القول قول الوكيل؛ لأن إطلاق العقد [اقتضى] أن يقع له، وعندنا من باع ملك غيره لنفسه لم ينعقد البيع ولم يقف. 12634 - احتجوا: بحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يحل بيع وسلف، ولا شرطان في بيع، ولا بيع ما ليس عندكم). 12635 - الجواب: أن ظاهر الخبر يقتضي أن المعنى المانع من العقد: أن المبيع ليس عنده، وعند مخالفنا لو باع ما في يده لغيره لم ينعقد البيع؛ فوجب أن يحمل الخبر على ما يؤثر فيه المعنى الذي أشار إليه عليه [الصلاة و] السلام، وهو بيع الآبق، وبيع الطير في الهواء، وما أشبه ذلك.

12636 - قالوا: روى يوسف بن ماهك عن حكيم بن حزام، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تبع ما ليس عندك). 12637 - الجواب: ها هنا أن إطلاق البيع تناول ما عقده الإنسان لنفسه. الثاني: أن ظاهر الخبر يقتضي أن المانع من البيع أنه ليس عنده، وعندهم لا يجوز البيع كان عنده، وعندهم لا يجوز البيع كان عنده أو لم يكن. يبين ما ذكر: أن هذا الخبر خرج على سبب، وهو ما روي: أن حكيمًا قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن الرجل يأتيني فيطلب مني البيع، فأبيعه، ثم أمضي فأشتريه وأعطيه، فقال: لا تبع ما ليس عندك). وحكيم إنما كان يبيع لنفسه؛ فدل أن النهي وقع عن ذلك، ولذلك نقول: إنه لا يجوز أن يبيع ملك غيره لنفسه. 12638 - قالوا: الإيجاب أحد طرفي العقد، فوجب أن لا يقف على إجازة المعقود له، كالقبول. 12639 - قلنا: القبول عندنا يقف إذا اشترى المحجور والمرتد والوكيل يشتري العبد إذا اشترى نصفه، وإذا قال: بعتك هذا العبد لفلان فقبل: فلسنا نسلم الأصل. 12640 - فإن قالوا: نقيس على البائع إذا أطلق فقيل المبتاع لفلان. 12641 - قلنا: لا فرق بين هذا الإيجاب والقبول؛ لأن الإيجاب متى نفذ فيما يملك العاقد العقد عليه لم يقف، وإنما يقف إذا لم ينفذ، كذلك الشري. 12642 - كل موضع نفذ في حق القابل لم يقف، وكل موضع لم ينفذ وقف،

فقد سوينا بين الإيجاب والقبول، والكلام من بعد: بأن القبول لم يفد في حق القابل إذ لا تعلق له بهذه المسألة. 12643 - قالوا: عقده لغيره عقد معاوضة من غير توكيل ولا ولاية، فوجب أن لا يقف على إجازته، أصله: إذا عقد له الشري بعين ماله، مثل: أن يكون في يده دراهم لغيره فيبتاع له بها عبدًا. 12644 - قلنا: لا نسلم بأن هذا العقد يقف عندنا إذا أوجب البائع البيع لصاحب الدراهم، فأما إذا أطلق العقد نفذ في حق المشتري، وهل يملك الدراهم في ذمته والعقد يصح وقوفه متى لم يصادف نفادًا؟. 12645 - قالوا: بيع لا يملك المتعاقدان إيقاع قبض فيه، فوجب أن لا يصح، كما لو باع طيرًا في الهواء. 12646 - قلنا: الوصف غير مسلم؛ لأنه إذا باع ملك غيره وهو مأذون في حظه وإيداعه، جاز أن يسلمه تسليمًا موقوفًا، كما يبيعه بيعًا موقوفًا. 12647 - وأما إذا لم يكن له فيه يد فإنما لا يجوز التسليم لما فيه من الضرر على المالك، وليس عليه في وقوف العقد ضرر. 12648 - ولأنه لو كله بالبيع على أن الموكل بالخيار، وقال له: لا تسلم المبيع حتى أسقط خياري لم يملك العاقد التسليم، ولا يمنع ذلك من انعقاد العقد. 12649 - والمعنى فيما ذكروه: أنه لو قارن أحد شطري العقد بأن يوجب والطير في الهواء ثم يصيده فيقبل المشتري، لم يصح العقد، كذلك إذا قارن الشطرين وعدم الرضا، أو قارن أحد الشطرين لم يمنع الانعقاد، وكذلك إذا وجد مع الشطرين. 12650 - قالوا: لو باع ما اشتراه قبل أن يقبضه لم يقف العقد على الإجازة وهو

يملكه، فإذا باع ما لا يملكه فهو أولى. فإذا باع ملك نفسه فالعقد يقع موجب التسليم [فإذا كان مقدورًا لم يقف العقد، وإن باع ملك غيره فالعقد يقع فيوجب التسليم]، فيقدره للمنع من الوقوف. 12651 - بيان ذلك: أنه لو باع عينًا غائبة جاز البيع وإن لم يقدر على التسليم في الحال؛ لأن العقد يقع غير موجب لتسليمها في مكان العقد، والتعذر في حالة لا يوجبه العقد لا يؤثر في العقد. 12652 - قالوا: لأن المالك ورضاه معنى يتعلق به جواز العقد، يعني: إذا وجد معه. فإذا كان معدومًا لم يقف العقد على وجوده قياسًا على بيع ما لا يملكه ولا يقف على وجود ملكه حتى إذا ملكه لزمه العقد. 12653 - وكذلك لا يقف على رجوع الآبق، فإذا باع الرهن لا يقف على النكال، وإذا باع الصبي، ثم بلغ أو تزوج بمرتدة ثم أسلمت، أو بمعتدة ثم انقضت عدتها، أو ذات زوج ففارقها. 12654 - الجواب: أن هذه المعاني لو قارنت أحد شطري العقد منعت صحته، كذلك إذا قارنت الشطرين، وعدم الرضا لا يمنع أحد الشطرين، فكذلك لا يمنعها. 12655 - ثم نقول: إذا باع ما لم يملك ثم ملكه، طرأ ملك صحيح على عقد موقوف فأبطله. فوزانه مثل مسألتنا: [أن يبيع ملك غيره فقبضه المالك ثم يخيره المشتري، فلهذا منع عليه [الصلاة و] السلام أن يبيع عينا لغيره ثم يبتاعها ويسلمها.

12656 - فأما] إذا باع الآبق؛ فروى الحسن عن أبي حنيفة أنه إذا رجع فسلم، جاز، فأوقف العقد على عوده. 12657 - وأما الرهن إذا باعه الراهن وقف البيع عندنا على رضا المرتهن، فإن قضى الدين سقط حقه ونفذ البيع. 12658 - وأما الصبي إذا باع فيقف عقده على إجازة وليه، فإن بلغ قبل الفسخ جاز العقد من جهته. 12659 - وأما تزويج المعتدة، والمرتدة، وذات زوج، فلا مجيز لهذا العقد حال وقوعه، فلم يقف. وفي مسألتنا: العقد مجيز؛ بدلالة: أنه لو أذن فيه صح، فجاز أن يقف على وجود إذنه. 12660 - فإن قيل: قد تساويا في أن المعنى الذي يصح به العقد عدم عند الانعقاد ووجد بعده. 12661 - قلنا: بل عدم في أحد الموضعين فلم يصح وجوده، وفي الآخر كان يصح وجوده وجود بينهما، بدلالة: أن الإيجاب يوجد، ورضا المشتري معدوم فيصح؛ لأن الرضا يصح وجوده بعده. 12662 - ولو أوجب العقد في خمر فصار خلًا لم يصح الإيجاب؛ لأن المالك كان لا يملك رفعه حال الإيجاب. 12663 - وقد ألزمونا: من حكم بين اثنين ثم ولي القضاء، وهذا عندنا كان موقوفًا/ على إجازة الإمام، فإن ولي الفاعل القضاء فأجازه جاز، وكذلك من باع ملك غيره ثم وكله المالك ببيعه جاز العقد بإجازته. 12664 - وأما إذا باع ثم أوصى المالك إليه ومات، فإن كان عليه دين جاز العقد بإجازة الوصي، وإن لم يكن عليه دين فقد طرأ ملك صحيح على عقد موقوف فأبطله. * * *

مسألة 644 بيع الأعمى وشراؤه

مسألة 644 بيع الأعمى وشراؤه 12665 - قال أصحابنا: بيع الأعمى وابتياعه جائز، وله الخيار حين يقف على صفة المبيع بالوصف أو بالخبر إن كان يعرف بذلك. 12666 - وقال الشافعي: إن كان أكمه) لم يجز بيعه، وإن عمي بعد ما أبصر جاز عقده على ما كان رآه إذا كان مما لا يتغير، ولم يجز بيعه فيما لم يكن رآه. 12667 - لنا: ما روي: (أن طلحة بن يزيد بن ركانة كلم عمر بن الخطاب [في البيوع، فقال]: ما أجد لكم شيئًا أوسع مما جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحبان بن منقذ، كان ضرير البصر فجعل له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عهدة ثلاثة أيام، إن رضي أخذ، وإن كان سخط ترك)، ذكره الدارقطني. وهذا نص في بيع الأعمى، وكان في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عميان، وكذلك في زمن الأئمة، وقد عمي: العباس، وعبد الله ابن العباس، وجابر، وعبد الله بن عمر

- رضي الله عنهم -، ولم ينقل منعهم من البياعات، فلو كان لا يجوز عندهم لبين لهم ذلك، ولكانوا لا يعقدون، ولو فعل ذلك لنقل، فلما لم ينقل دل على أن الأعمى في البيع كغيره. 12668 - فإن قيل: ولو باعوا وتصرفوا لنقل. 12669 - قلنا: البيع يفاعل ما كانوا عليه فلم ينقل، والابتياع متجدد، وإنما يتغير حال العاقد كتغيرها بالكبر والفقر، ولم ينقل أنهم بقوا على حالهم. 12670 - فإن قيل: يجوز أن يكونوا لم يتبايعوا إلا الأشياء التي تملك بالتعاطي. 12671 - قلنا: لو كان كذلك لكانوا لم يمتنعوا من أكثر البياعات، وكان يظهر ذلك مع كثرة عددهم وإشهادهم من أنفسهم، وهذا أمر معلوم ظاهر لا يدفع بالتجويز البعيد. 12672 - ولأنه يصح منه السلم، فجاز منه البيع، كالبصير. 12673 - فإن قيل: قال الشافعي: يجوز للأعمى أن يسلم ما في الذمة. 12674 - قال المزني: أراد الذي عمي بعد ما أبصر وكان يعرف الألوان. 12675 - قلنا: السلم في الحيوان عنده لا يفتقر إلى ذكر اللون، وكذلك السلم في الحنطة عند الجميع. 12676 - ثم إذا سلم الوصف فيمن يعرف الألوان صحت العلة؛ لأن هذا الأعمى عنده لا يجوز بيعه في عموم الأشياء، ويجوز سلمه. 12677 - ولأن من صح توكيله بالبيع صح شراؤه، كالبصير. ولأنه فقد حاسة كحاسة الذوق.

ولأن كل عقد صح من الأخرس صح من الأكمه، كالنكاح. 12678 - فإن قيل: الإشارة من الأخرس تقوم مقام القول، والصفة لا تقوم في تعريف الألوان مقام الرؤية؛ لأن الأكمه يتصور الألوان. 12679 - قلنا: الأكمه لا يعلم الألوان ويقرر في نفسه، وهذا سنة في بيان مشعره. ولأن من البياعات ما لا يقصد فيها اللون، كالأراضي، والنخل، والشجر، والحطب، والشوك. 12680 - وهذه مبنية على أصلنا: [أن البصير إذا باع ما لم يشاهد أو اشترى فالبيع صحيح، وعدم الرؤية] لا يمنع انعقاد العقد، والأعمى مثله. 12681 - احتجوا: بحديث أبي هريرة - رضي الله عنهم -: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الغرر). 12682 - الجواب: أنا قد بينا أن الغرر ما كان الغالب فيه تعذر التسليم، وهذا لا يوجد في بيع الأعمى. 12683 - قالوا: روى أبو هريرة - رضي الله عنهم -: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الملامسة). 12684 - قالوا: وعندكم إذا اشترى الأعمى قام لمسه مقام نظره. 12685 - قلنا: بيع الملامسة هو البيع الذي ينعقد بها، وهو أنهم كانوا يتقاولون على البيع، فمن لمسه وجب له. وعندنا: بيع الأعمى يثبت فيه الخيار في المجلس إذا كان المبيع مما يعرف باللمس، فلا يكون بيع الملامسة. 12686 - قالوا: بيع العين، فوجب أن يكون لفقد الرؤية تأثير فيه؛ أصله: بيع

البصير، وشراؤه. 12687 - قلنا: نقول بموجبه، فإن لفقد الرؤية تأثيرًا، وهو ثبوت الخيار عند العلم بصفة المبيع، كما أن البصير إذا اشترى ما لم يره ثبت له الخيار، ويجوز أن يسقط وإن لم يشاهده بأن يلحقه عيبًا ويتغير، كذلك هذا يثبت له الخيار ويسقط إذا رضي به عند معرفة الصفة. 12688 - قالوا: قال الشافعي: من قال بجواز شراء الأعمى قيل له: إذا وقف في الدار في موضع لو كان بصيرًا رآها لزمه البيع، وألزمه البيع في العين من غير مشاهدة ولا معرفة بالصفة. 12689 - قلنا: هذا قد روي عن أبي يوسف، وليس يلزم ذلك كل قائل بشراء الأعمى؛ والصحيح: أن خياره لا يسقط حتى يوصف له الدار، فيقف على صفتها، فيلزمه البيع إذا رضي فيما عرف صفته. * * *

مسألة 645 بيع النحل بغير الكوارات

مسألة 645 بيع النحل بغير الكوارات 12690 - قال أبو حنيفة: لا يجوز بيع النحل منفردة عن الكوارات. 12691 - وقال الشافعي: إذا رآها المتعاقدان وكانت محبوسة في بيوتها وقت العقد، جاز بيعها. لنا: أنه حيوان لا ينتفع بعينه، فلا يجوز بيعه، كالذباب. ولأنه من الحشرات الذي لا يجوز أكله، كالزنبور. ولأنه من ذوات السموم، كالحية والعقرب. 12692 - احتجوا: بأنه يجوز بيع ما يخرج منه، فجاز بيع جنسه، كالشاة. 12693 - قلنا: نقول بموجبه: إذا باع الكوارات بعسلها وفيها النحل جاز بيعها عندنا. 12694 - ولأن الشاة منتفع بعينها، فلذلك جاز بيع جنسها، والنحل لا ينتفع بعينه. 12695 - فإن قيل: الانتفاع بما يخرج منه أبلغ من الانتفاع بلحم الشاة وبعين الكلب.

12696 - قلنا: قد ينتفع بما يخرج من الشيء، فيدل ذلك على بيع المنتفع به، ولا يدل على بيع الأصل، كالماء الخارج من الجبال، وكالثمار الخارجة من الوقف ولبن الحرة على أصلهم. * * *

مسألة 646 بيع دود القز وبزره

مسألة 646 بيع دود القز وبزره 12697 - قال أبو حنيفة: لا يجوز بيع دود القز، ولا بزره. 12698 - وقال الشافعي: يجوز. 12699 - لنا: أن الدود من الحشرات غير مأكول، كالعقارب، وأما البزر فلا ينتفع به في عينه، فصار كبزر الجراد. ولأن ما يتولد منه حيوان إذا لم ينتفع بعينه لم يجز بيعه. أصله: بيض ما لا يؤكل من الطير. 12700 - احتجوا: بأنه ينتفع بما يخرج منه من الإبريسم، فجاز بيع جنسه، كالشاة. 12701 - قلنا: نقول بموجبه إذا باعه مع القز، والمعنى في الشاة ما ذكرنا. * * *

مسألة 647 بيع السرجين

مسألة 647 بيع السرجين 12702 - قال أصحابنا: يجوز بيع السرجين. 12703 - وقال الشافعي: لا يجوز ذلك. 12704 - لنا: أن الناس يتبايعونه للزرع، وفي سائر الأزمان من غير نكير. ولا يقال: لا يعتد بفعل العامة مع نهي الشافعي عن بيعه؛ لأن بيعه لا يخلو منه عصر، وقد كان يباع قبل الشافعي، ولا نعلم أحدًا من الفقهاء منع بيعه قبله. 12705 - فإن قيل: الناس في سائر الأعصار يدفعون الأجرة إلى المعلم، وذاك لا يجوز عندكم. 12706 - قلنا: لم تجر عادتهم أن يستأجروا، وإنما يسلمون الصبي إليه ويدفعون شيئًا لا على طريق الإجارة، وذلك يجوز عندنا. 12707 - ولأنها عين تصح الوصية بها فجاز بيعها، كالثوب النجس. 12708 - ولأنه ما جاز أن يسجر به التنور جاز بيعه، كالحطب.

12709 - ولأنه جامد يجوز الانتفاع به، فجاز بيع جنسه، كلحم المعز. 12710 - ولأن الناس استخفوا نجاسته، بدلالة: أنهم لا يتجنبونه في الطرق كتجنب النجاسات، ويطينون به السطوح، ومتى خفت نجاسته جاز بيعه، كالثوب النجس. 12711 - احتجوا: بأنه نجي العين، فلا يجوز بيعه، كالخمر، والدم والعذرة، والميتة. 12712 - قلنا: الأشياء النجسة لا يجوز أن يقال: إنها نجسة لعينها حقيقة، وقد كان يجوز أن يرد الشرع بطهارتها، وإنما معنى قولنا: نجس العين ما تغلظت نجاسته، ولا نسلم أن السرجين مغلظ النجاسة، فالوصف غير مسلم. 12713 - والمعنى فيما قاسوا عليه: أن الناس لم يستخفوا نجاسته، كالثوب النجس. 12714 - ولهذا قال أصحابنا: لا يجوز استعمال العذرة والدم في الأراضي حتى يغلب التراب عليها، ويجوز استعمال السرجين من غير أن يخالطه شيء. * * *

مسألة 648 تصرف الصبي بالبيع

مسألة 648 تصرف الصبي بالبيع 12715 - قال أصحابنا: يجوز للولي أن يأذن للصبي في البيع، فإذا باع بإذنه وهو يعقل البيع والشراء، جاز. 12716 - وقال الشافعي: لا يجوز بيعه. 12717 - لنا: قوله تعالى: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدًا}، والابتلاء هو الاختبار، وذلك يكون بأن يمكنه من التصرف في المال حتى يعلم هل هو يصلح له أو يفسد، فدل على جواز الإذن. 12718 - فإن قيل: يمكن اختباره بأن يأمره بالمساومة وطلب الشراء. 12719 - قلنا: المساومة لا يعلم بها حفظه للمال وإصلاحه له، وإنما يعلم بها معرفته كيفية العقد، وليس إذا كان يعرف العقود يسلم المال إليه. 12720 - ولأن من يعقل البيع والشراء ينعقد بيعه، كالبالغ.

12721 - ولا يلزم: إذا لم يأذن الولي؛ لأن بيعه/ ينعقد عندنا. 12722 - قالوا: المعنى في البالغ: أنه مكلف، ولهذا جاز بيعه. 12723 - قلنا: العبد مكلف ولا يجوز بيعه. 12724 - ولأن الصبي يكلف عندنا ببعض الواجبات، وهي العقليات، وليس المعتبر عندنا في جواز البيع تكليف كل الواجبات. 12725 - فإن قيل: البالغ يصح طلاقه؛ فصح بيعه، والصبي بخلافه. 12726 - قلنا: تصرف الصبي بإذن وليه، وهو لا يملك الطلاق فلا يملكه بإذنه. 12727 - ولأن الطلاق يصح منه؛ لأن الصبي المجنون يفرق القاضي بينه وبين امرأته، فيكون ذلك طلاقًا، وعلة الأصل تبطل بالعبد. 12728 - ولأن من صحت صلاته صحت عقوده، كمن له خمس عشرة سنة. 12729 - ولأن من جاز بيعه إذا بلغ خمس عشرة جاز بيعه وإن لم يبلغها، كمن احتلم. ولأنه مميز محجور عليه في جميع أقواله مما لا يتناوله الإذن لا يجوز منه. 12730 - احتجوا: بقوله عليه [الصلاة] والسلام: (رفع القلم عن ثلاثة: الصبي حتى يحتلم ...)، وهذا يوجب رفع كل ما يجري به القلم عليه. 12731 - قلنا: القلم إنما يجري بالثواب والعقاب، والصبي إذا لزمه أحكام البيع لا يلحقه فيها ثواب ولا عقاب، وإنما يطالب به لحق العامة، والبالغ يطالب

بأحكام بيعه الصحيح. 12732 - احتجوا: بقوله تعالى: {فإن آنستم منهم رشدًا فادفعوا إليهم أموالهم}، فأجاز الدفع إليهم بشرطين، فلا يجوز قبلهما. 12733 - قلنا: ذكر الله تعالى دفع المال على وجه ينقطع حق الولي عنه، وذلك لا يجوز قبل البلوغ، وإنما يجوز الدفع على وجه الاختبار الذي دلت الآية عليه. 12734 - قالوا: غير مكلف، فلم يصح بيعه، كالمجنون, 12735 - قلنا: إن كان مجنونًا يقصد البيع ويعقله، فهو كالصبي، وإن كان لا يعقل فهو لا يقصد البيع، فيصير كالبالغ الهازل بالبيع، فلا ينعقد بيعه. 12736 - قالوا: لا يصح طلاقه، فلا يصح بيعه كالمجنون. 12737 - قلنا: لا نسلم الوصف؛ لأن الصبي المجنون يفرق القاضي بينه وبين امرأته، وذلك طلاق من جهته قام القاضي في مقامه. ولأنه يجوز تصرفه بإذن الولي ليعتاد التصرف، فينتفع بذلك بعد بلوغه، كما يعوده العبادات ليألفها، فيسهل فعله لها بعد بلوغه، وليس في تصرفه في الطلاق فائدة تحصل له ببلوغه، فلذلك لم يجز تصرفه فيه، والمعنى في المجنون ما قدمنا. 12738 - قالوا: لا يجوز أن يسلم ماله إليه ليتولى حفظه وإن كان ينتع بذلك بعد بلوغه. 12739 - قلنا: لا نسلم أنه إذا أذن له سلم إليه ماله ليحفظه ويتصرف فيه. 12740 - قالوا: لو كان يصح إذنه فيما يملكه بولايته لكان ما لا يملكه بولايته يصح من الصبي، كما أن العبد لما صح تصرفه بإذن مولاه صح تصرفه فيما لا يملكه بولاية المولى منه، كالطلاق، والإقرار، والجناية، والحدود. 12741 - قلنا: العبد غير محجور في الطلاق والإقرار والجناية والحد، فتصرفه فيها يصح، والحر والعبد غير محجورين في جميع ذلك، وإنما كيفية التصرف بالإذن فيما يملكه الولي عليه يصح إذنه فيه، وما لا يملكه عليه هو على ما كان عليه قبل الإذن.

مسألة 649 ما تتعلق به ديون المأذون

مسألة 649 ما تتعلق به ديون المأذون 12742 - قال أصحابنا: ديون المأذون تتعلق برقبته، وتستوفى مما في يده من المال وما يكسبه، وتباع الرقبة فيها. 12743 - وقال الشافعي: تتعلق الديون بذمته وتستوفى مما في يده من المال، ولا توجد النيابة فيها، ولا تباع رقبته. 12744 - لنا: ما روي: (أن رجلًا اشترى من أعرابي ناقة ثم توارى حتى أكل ثمنها، فسماه النبي سارقًا، وأمر الأعرابي أن يبيعه في دينه). 12745 - فلما كان بيع الحر جائزًا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ببيعه، ثم نسخ ذلك، فدل أن كل من أنكر بيعه في دينه يباع فيه، والعبد بخلافه. 12746 - قلنا: رقبة العبد محل لقضاء ديونه بالإجماع، بدلالة: بدل المستهلك. 12747 - ولأنه مال وجب على العبد بعقد مأذون فيه، فوجب أن يستوفى من اكتسابه؛ أصله: المهر، والنفقة بالنكاح. 12748 - قالوا: نقلب فنقول: فلا يتعلق برقبته. 12749 - قلنا: لا نسلم بأن المهر والنفقة يتعلقان بالرقبة ويباع فيه.

12750 - قالوا: غرض المولى في الإذن بالنكاح: أن يحصل للعبد الاستمتاع ليكف عن الزنا، وذلك لا يحصل إلا بالمهر والنفقة، وغرضه بالإذن في التجارة: حصول الربح، والخسران لم يتضمنه الإذن، فلذلك لم يوجد به كسبه. 12751 - قلنا: قصد المولى أن يحصل الاستمتاع، ولو اقتضى أن تستحق الأكساب التي هي على ملكه، [فما الذي يمنع أن تستحق أكساب الرقبة التي هي على ملكه]. 12752 - وأما قولهم: إن إذنه يضمن تحصيل الربح دون غيره فغلط، لأن الذمة تحصل مطلقًا في التجارة. 12753 - وقد يفضي مرة إلى الربح ومرة إلى الخسران، والتجارة لا تكون إلا بالأثمان؛ فوجب أن يستوفي اكتسابه بها، كما يستوفي بالمهر. 12754 - ولأنه دين لأجنبي لزمه بالعقد. 12755 - ولا يلزم مال الكتابة؛ لأنه لا دين للمولى. 12756 - ولا يلزم ديون المكاتب؛ لأن الرقبة تباع فيها بعد العجز. 12757 - ولأنه نوع دين على العبد يملك استيفاءه من الرقبة، فجاز أن يتعلق بها، كضمان المتلفات. 12758 - ولا يلزم دين المحجور؛ لأن التعليل بجملة النوع الذي هو الأثمان. 12759 - ولأن كل محل جاز أن يتعلق به بدل متلف جاز أن يتعلق به أثمان البياعات، أصله: ذمة الحر. 12760 - ولأنه دين تصح المطالبة به حال الرق، فوجب أن يستوفي في رقبته، كبدل المستهلك، وعكسه: دين الكفالة إذا تكفل بغير إذن. 12761 - احتجوا: بقوله تعالى: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة}.

12762 - قلنا: المعسر من لا يكون له ما يجوز أن يقضي في دينه، والعبد له كسب ويمكن قضاء الدين من رقبته، فلم يعلم أنه معسر. 12763 - احتجوا: بأنه حق لزمه باختيار من له الحق. 12764 - قلنا: ثبوت الحق عليه برضا مستحقه لا يقتضي تأخر قضائه، كالرهن. 12765 - ولأن استقراض المحجور تعلق بسبب غير ثابت في حق المولى؛ فلم يجز أن يستحق به ماله، ودين المأذون لسببه تأثير في حقه، فجاز أن يستحق به ماله. 12766 - ولأن من داين المحجور عليه فقد رضي بتأخر حقه؛ لأنه يعلم أنه لا يقدر على القضاء، وأما دين المأذون فلم يرض بتأخير حقه؛ لأن المأذون يتعجل القضاء ومتى لم يرض المستحق بتأخر حقه استوفى من الحساب عندهم. 12767 - قالوا: ما يلزم العب دمن الحقوق على ضربين، أحدهما: يتعلق بذمته كالأثمان، والآخر: برقبته، كالأرش غير ما كان محله الرقبة لا يتحول محله، سواء كان بإذن سيده أو بغير إذنه، [كذلك ما كان محله الذمة وجب أن يتحول من محله، سواء كان بإذن سيده أو بغير إذنه]. 12768 - قلنا: إذن المولى غير مؤثر في الجناية؛ لأنه لا يملك الإذن، فوجود الإذن وعدمه سواء، وإذنه في البياعات مؤثر؛ لأنه يملك الإذن، فلذلك جاز أن يختلف محل الدين بالإذن. 12769 - يبين ذلك: أن العبد يملك إثبات الديون في ذمة نفسه، فإذن المولى لا يحتاج إليه لما كان يملكه قبل إذنه، فلم يبق إلا أن يحتاج إليه لا لتعلق الدين بالرقبة التي يملكها. 12770 - قالوا: رقبة العبد لم يتناولها الإذن، ولهذا لا يملك بيعها، وما لم يتناوله الإذن لا يباع في الدين، كسائر أموال المولى.

12771 - قلنا: لا نسلم أن رقبته لم يتناولها الإذن؛ بدلالة: أنه يملك أن يؤاجر نفسه، وإنما لا يجوز له البيع ليس لأن الإذن لم يتناولها، لكن لأن في بيع رقبته إبطالًا، فلو لحقه بالإذن لم يؤد إلى إبطاله. 12772 - ولأن سائر أموال المدين لا تباع في الديون الواجبة، فالعبد يباع في ديونه الواجبة بالتجارة، ورقبة نفسه تباع في يد المتلف، كذلك في الأثمان. 12773 - قالوا: لو كان ما لزمه تعلق برقبته فإذن سيده يمنع ثبوت مثله فيها كالرهن. 12774 - قلنا: الرهن إنما يمنع أن نثبت فيه مثلما ثبت؛ لأن ثبوته يفتقر إلى قبض وكونه مقبوضًا بالإذن الأول لم يمنع من تجديد قبض في الثاني. ولأن هناك تعلق بعقده والغير إذا عقد عليها عقدًا منع من عقد مثله عنها [كالبيع بعد البيع وكالإجارة بعد الإجارة. وفي مسألتنا الدين الثاني يثبت حكمًا فيصير كالجناية إذا تعلقت بالرقبة لم يمنع من جناية أخرى. 12775 - قالوا: إذا أذن لا يخلو إما أن يدفع إليه أو لا يدفع؛ فإن دفع إليه مالًا فقد رضي تصرفه في ذلك القدر دون غيره. وإن لم يدفع إليه مالًا فإنما أذن له أن يشتري ويقبض الثمن فيما يشتريه، ويحصل الربح ولم يأذن في غير ذلك. 12776 - قلنا: بل أطلق الإذن ولم يخص بكل تصرف أدى إلى ربح أو خسارة فيتعلق برقبته ثم ما في يده من الأموال المملوكة للمولى عندهم وإن كان عليه ديون ثم قضى ديونه منها كذلك راكسًا به ملك للمولى/ فلا يمنع أن يجب قضاء الديون منها ولأن بدل الرقبة تقتضي منه الديون بدلالة دية الحر. * * *

مسألة 650 إقرار العبد المحجور بالسرقة

مسألة 650 إقرار العبد المحجور بالسرقة 12777 - قال أبو حنيفة: إذا أقر العبد المحجور بسرقة عين في يده قطع، وكانت العين للمسروق منه. 12778 - وقال أبو يوسف: يقطع والعين للمولى، وبه قال الشافعي. ومن أصحابه من قال فيها قولان، أحدهما: هذا، والآخر: مثل قول أبي حنيفة. 12779 - لنا: أن كل من صح إقراره بسرقة عين قطع فيها، فإنه يرد العين إلى المقر له. أصله: الحر. 12780 - ولأن كل ما يستحق بإقرار الحر يستحق بإقرار العبد. أصله: القطع. 12781 - ولا يلزم إذا قال: المال الذي في يد فلان سرقته من فلان؛ لأنه يجوز أن يقال: لا يقطع إلا بالحكم بالملك للمسروق منه. ويجوز أن يقال: يقطع ويحكم في ملك [المال] لمن هو في يده، أو كان وديعة عند المسروق منه. 12782 - ولأنا لو لم نقبل إقراره في المال، فمعناه أن المال محكوم به لمولاه،

وهذا لا يجوز كما لو سرق ابتداًء مال المولى. 12783 - ولأن إقراره بالسرقة لما صح فقد ضمن استحقاق عين ملك المولى استحقاقها بالإقرار، كاليد. 12784 - احتجوا: بأنه أقر بسرقة عين، الظاهر أنها لغيره فقطعناه، ولم يقبل قوله على غيره في عينه، كما لو قال: هذا العبد الذي في يدي قد سرقته من عمرو، فإنا نقطعه ولا نقبل قوله على زيد. 12785 - قلنا: هنالك قد حكمنا بالعين لمن نقطع بسرقة ماله، فلذلك نقطع، وها هنا لو حكمنا بالملك للمولى فالعبد لا يجب عليه القطع بسرقة مال مولاه. 12786 - ولأنه يجوز أن تكون العين لمن هي في يده، أو قد كانت وديعة في يد المسروق منه فيقطع فيها. 12787 - وفي مسألتنا: لو حكمنا بها للمولى لم يقطع في سرقتها، وإن كانت وديعة عند غيره لأنه لا يجب القطع بسرقة مال المولى، وقد ثبت القطع باتفاق. 12788 - قالوا: أقر بأمرين، القطع والمال، فيحكم بأحدهما دون الآخر. 12789 - قلنا: القطع لا يجوز أن ينفرد عن المال فلم يجز أن يحكم بالقطع فتفرده عنه. * * *

مسألة 651 بيع الكلب

مسألة 651 بيع الكلب 12790 - قال أصحابنا: بيع الكلب جائز. 12791 - وقال الشافعي: لا يصح بيعه. 12792 - لنا: ما روى عطاء، عن أبي هريرة - رضي الله عنهم -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ثلاث كلهن سحت، كسب الحجام سحت، ومهر الزانية سحت، وثمن الكلب، إلا كلب صيد). وروى حماد بن سلمة، عن أبي الزبير، عن جابر - رضي الله عنهم -، قال: (نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ثمن الكلب، والسبع، إلا كلب صيد).

12793 - وقولهم: (قال الدارقطني: الصحيح وقفه على جابر) لا يصح؛ لأن الدارقطني ذكر حديث حماد بن سلمة مسندًا من طرقه من وجه آخر. وروي عن جابر - رضي الله عنهم -، قال: (نهي عن ثمن الكلب إلا كلب صيد). وقال الدارقطني: هذا صحيح -يعني: أن طريق هذا الخبر أصح من طرق الأول- فكل واحد صحيح، والراوي في الوجهين حماد بن سلمة، وإنما أغفل ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - في أحد الخبرين؛ فأيهما أولى؟ ثم الخبر إذا روي مرسلًا ومسندًا لم يقدح فيه عندنا فيقضي به. 12794 - فإن قيل: معناه: ولا كلب صيد، كما قال الله تعالى: {لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم}، وذلك لأن ظاهر الاستثناء اجتماع بعض الجملة، وأن يعتد بنفس الجملة وضم غيرها إليها على الظاهر. 12795 - فإن قيل: كلب صيد وغيره سواء بإجماع، فيحتمل أن يكون الاستثناء من محذوف، فإنه نهي عن بيع الكلب وعن إمساكه إلا كلب صيد. 12796 - قلنا: النبي - صلى الله عليه وسلم - استثنى جواز بيع كلب لا يمكن الانتفاع به؛ فدل على جواز بيع كلب ينتفع به، فبقى النهي عما لا يمكن الانتفاع به من الكلاب. ولأنه جارحة يصاد به، كالفهد. ولأنه حيوان تصح الوصية به، كالفهد.

أو أن يكون الوارث أخص به من غيره، فجاز بيعه، كالشاة. 12797 - ولا يلزم: النحل ودود القز؛ فإن بيعها جائز عندنا إذا باع الكوارة بما فيها، والقز بما فيه من الدود. 12798 - ولأنه بهيمة يجوز الانتفاع بها من غير ضرورة فجاز بيعها، كالفهد. 12799 - فإن قيل: لا نسلم أنه ينتفع به من غير ضرورة؛ ولأن حفظ الماشية به موضع ضرورة، وكذلك الاصطياد؛ لأنا نريد بالضرورة: ما يخافه الإنسان على نفسه وماله، وترك الاصطياد بالكلاب لا يخاف منه هذا المعنى. ولأنه حيوان مختلف في أكل لحمه، كالضبع. 12800 - احتجوا: بما روى أبو مسعود الأنصاري - رضي الله عنهم - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن). وفي حديث أبي هريرة: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يحل ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن). وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ثمن الكلب، فإن جاء صاحب الكلب يلتمس ثمنه يملأ كفه ترابًا). 12801 - الجواب: أن خبرنا فيه زيادة استثناء، والزيادة في الخبر أولى، ألا

ترى: أن راوي خبرنا سمع ما في خبره وزيادة. 12802 - ولأن هذا يحتمل أن يكون في الحالة التي أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتل الكلاب، والبيع في ذلك الوقت لا يجوز. 12803 - ولأن التسليم مقتدر، وقد يصح ذلك، فأمكن التسليم. 12804 - احتجوا: بحديث ابن عباس - رضي الله عنهم - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قاتل الله اليهود، إن الله حرم عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا ثمنها، فإن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه). 12805 - والجواب: أن تحريم الأكل لا يدل على تحريم الثمن؛ بدلالة: الآدمي والفهد، وكذا شراء الطير، فلابد أن يكون المراد بالخبر: (إن الله إذا حرم) ما يقصد منه الأكل. 12806 - فإن قيل: إن الله إذا حرم شيئًا حرم ثمنه. 12807 - قلنا: أكل الكلب حرام، والثمن ليس بثمن المحرم، إنما هو بدل عن غير المحرم، والانتفاع بها غير محرم. 12808 - قالوا: حيوان يغسل الإناء من ولوغه، فلا يجوز بيعه، كالخنزير. 12809 - قلنا: النمر والأسد عندهم لا يغسل الإناء من ولوغهما، ولا يجوز بيعها، فتعلق الحكم على غسل الإناء لا معنى له. 12810 - ولأن الخنزير لا يستحق بسبق اليد، ولا يكون الوارث أحق به من غيره، فلذلك لم يجز بيعه، والكلب بخلافه. 12811 - أو نقول: إن الخنزير حيوان لم يصح الانتفاع به مع الاختيار، فجاز بيع جنسه، كالفهد.

12812 - ولا يلزم: رباع مكة؛ لأن بيعها جائز في إحدى الروايتين؛ ولأنا قلنا حيوان. 12813 - ولا يلزم: النحل، ودود القز؛ [لأنه] لا يحرم بيعه على ما قدمنا. 12814 - قالوا/ حيوان نجس العين، كالخنزير. قلنا: نجاسة الشيء لا تمنع من جواز بيعه، كالثوب النجس، وطهارته لا تدل على جواز بيعه، كالبق والذباب. 12815 - والمعنى في الخنزير: أنه [غير] جارح لم يبح الاصطياد به، ولما كلن الكلب جارحة أبيح الاصطياد بها، فأشبهت الفهد. 12816 - قالوا: لا يجوز اقتناؤه على الإطلاق؛ بدلالة: ما روي في حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من اقتنى كليًا إلا كلب صيد أو ماشية، نقص من أجره كل يوم قيراط)، وإذا لم يجز اقتناؤه مطلقًا لم يجز بيعه. 12817 - قلنا: هذا قاله عليه [الصلاة] والسلام في الحال التي شدد في أمر الكلاب؛ لأنه قدم المدينة وقد ألفوها وخالطت بيوتهم، فشدد فيها حتى حسم المادة، ثم خف حكمها؛ ولأنه عليه [الصلاة و] السلام بجواز إمساك الكلب بهذا الغرض؛ على أن إمساكه لغرض صحيح جائز، فإن تحريم إمساكه لغير غرض لا يختص بالكلب؛ لأن الفهد هكذا حكمه، وكذلك الأسد والنمر. * * *

مسألة 652 ملك الكافر للعبد المسلم

مسألة 652 ملك الكافر للعبد المسلم 12818 - قال أصحابنا: يجوز أن يملك الكافر العبد المسلم بالميراث، والشراء، والهبة، والوصية. 12819 - وقال الشافعي: يملك بالميراث قولًا واحدًا، وأما في العقود: فقال في عامة كتبه: إنه يملكه ويجبر على بيعه، وقال في الأصل: العقد باطل. لنا: حديث عمر - رضي الله عنهم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من باع عبدًا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع). ولأنه عبد لو اشتراه المسلم صح، فإذا اشتراه الكافر ملكه، كالعبد الصغير إذا أسلم. 12820 - فإن قيل: المعنى فيه: أن الكفر لا يمنع من استدامة ملك. 12821 - لم نسلم ذلك، بل نقول: إنه يمنع من الاستدامة، كالمسلم الكبير. 12822 - ولأنه عبد يصح للكافر بيعه فصح شراؤه، كالعبد الكافر، والعبد الصغير إذا أسلم. 12823 - ولأن المبيع أحد شطري العقد، فإذا ملكه الكافر من المسلم ملك الشطر الآخر. 12824 - فإن قيل: البيع إزالة ملك، والشراء اجتلاب الملك، وفرق/ بين

الأمرين. بدليل: أن الكافر إذا أسلمت امرأته وطلقها لا يجوز أن يتزوج المسلمة. 12825 - قلنا: الكفر يزيل ملكه بأحد شطري العقد، فلذلك جاز أن يختلف ملك الآخر. وفي النكاح لا يزيل ملكه بأحد شطري العقد، ولو جاز أن يزيل ملكه بأحد شطري النكاح [جاز أن يستفيد الملك بالشطر الآخر؛ لأن الإمساك لا يفصل بين الشطرين]. 12826 - فإن قيل: الكفر لا يمنع من استدامة البيع فلم يمنع من البيع، ولو منع من استدامة الشراء منع من الشراء. 12827 - قلنا: البيع لا يوصف بالاستدامة ولا الشراء، وإنما يستديم ملك ما اشتراه فيمنع منه، والمانع بعد البيع ليس يستديم لشيء حتى يقال: إنه لا يمنع الاستدامة. 12828 - ثم الشراء لا نسلم أنه يمنع من استدامة الشراء؛ لأنا لا نأمره بالفسخ، وإنما نأمره بأن يزيل يده، فإذا أزالها انقطع الملك، وإن أزالها بالكتابة جاز، وليس في الكتابة إزالة الملك، وكلاهما استدامة الشراء؛ لأنه لا يتعرض له بالفسخ. 12829 - قالوا: في بيعه ذل المسلم، وفي الشراء [منه إزالته]. 12830 - قلنا: إذا لم نملكه من استخدامه وأجبرناه على إزالة يده لم يوجد الذل. 12831 - فإن قالوا: أليس في العقد ذل. 12832 - قلنا: لنفوذ تصرفه بالبيع أيضًا ذل. 12833 - قالوا: ليس يمنع أن يجوز له البيع، ولا يجوز له الشراء، كما لا

يجوز له أن يشتري أباه وأم ولده، ولا يجوز بيعهما إذا وجد هناك مبيع، وهو إذا كان وكيلًا في الشراء. 12834 - أما إذا اشترى لنفسه لم يبق بعد الشراء مبيع؛ لأن الولد يعتق وأم الولد يستقر فيها الاستيلاد. 12835 - ولأن كل من جاز أن يملك العبد المسلم بالإرث جاز أن يملكه بالشراء، كالمسلم. 12836 - فإن قيل: الميراث يدخل في ملكه بغير فعله، والشراء استخلاف الملك بفعله، وحكم الأمرين مختلف، ولهذا يرث المحرم الصيد، ولو اشتراه أو اصطاده لم يملكه. 12837 - قلنا: المحرم ممنوع من العقد على الصيد، وليس ممنوعًا من استدامة الملك، ولهذا لو كان وكيلًا بالشراء لم يجز، وليس في الميراث بملك من جهته. 12838 - وأما في مسألتنا: فالكافر غير ممنوع من العقد، وإنما هو ممنوع من البقاء على الملك؛ بدلالة: أنه لو اشتراه جاز، والملك موجود في الميراث، والشراء على وجه واحد، فلما جاز أن يثبت له الملك بأحد الشيئين جاز أن يثبت بالآخر. 12839 - ولأن كل معنى في العاقد يمنع العقد مع صحة القبول إذا وجد بعد العقد قبل القبض أبطل العقد، كالإحرام في العقد على الصيد، فلما كان الكفر طرأ بعد العقد قبل القبض لم يبطل العقد، دل على أنه لا يبطل العقد. 12840 - ولا يلزم: الحيوان؛ لأنه [قد] يمنع إذا قارنه، وقد لا يمنع إذا كان له قصد.

ولأنا قلنا مع صحة القبول. 12841 - ولأن المانع من العقد إذا لم يقصد عنده قصد إليه، بدلالة: أن المجنون إذا كان يقصد البيع صح بيعه عندنا، والعقد بعد الانعقاد لا يفتقر إلى القصد. 12842 - احتجوا: بقوله تعالى: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلًا}. 12843 - الجواب: أن المراد به: أحكام الآخرة، بدلالة: قوله تعالى: {فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلًا}. 12844 - وقد قيل: [إن] المراد به: الحجة سبيل الذود والقدرة، بدلالة: أن المراد لو كان سبيل الملك لكان خبر الباري قد وجد بخلاف ما أخبر؛ لأنه قد جعل عليه سبيلًا بالميراث. 12845 - يبين ذلك: أنا إذا حملنا الآية على أحد هذين أمكن تبقية عمومها، وعلى ما قالوا: لا يمكن تبقية عمومها، فكان التأويل المبقي للعموم أولى. 12846 - احتجوا: بقوله عليه [الصلاة] والسلام: (الإسلام يعلو ولا يعلى عليه). 12847 - قلنا: لا دلالة فيه، أن الإسلام عندنا يعلو الأديان كلها في ظهور الحجة، وليس في الخبر: أن المسلم يعلو ولا يعلى. 12848 - قالوا: حرمة الإسلام إذا منعت من استيفاء الملك على الدوام منعت ابتداء الملك، كالنكاح.

12849 - قلنا: لا نسلم أنه يمنع من استيفاء الملك على الدوام؛ لأنه يكاتبه عندنا ويستديم الملك ثم يملك تسلم المولى فيقر على الملك أبدًا، ويعتقه فيستديم أحكام الملك وهو الولاء، وفي النكاح لا يجوز أن يملك ما ابتدأ بحال، وإذا أسلمت تحته وجب قطع الملك، ثم لا يجوز أن يبقى الملك على التأييد. 12850 - ولأنه يجوز أن يملك بالشراء فلا يستديم الملك فيه، كما لو اشترى مالًا تجب فيه الشفعة. 12851 - ثم المعنى في النكاح: أنه ينعقد على الاستباحة، ولا يجوز أن يستفرش الكافر المسلمة، فلم يجز أن يعقد عليها مع عدم المعقود عليه، كما لا يعقد على ذوات محارمه. 12852 - وفي مسألتنا: العقد يقع على الملك، ويجوز أن يملك الكافر المسلم، والمعقود عليه موجود فانعقد العقد. 12853 - أو نقول: إن الكافر لا يجوز أن يستفيد بنكاح المسلمة تصرفًا مقصودًا بالنكاح، فلم ينعقد العقد، ولا فائدة فيه، والكافر يستفيد بهذا العقد تصرفًا مقصودًا، وهو أنه يجوز أن يعتق ويكاتبه، والبيع من التصرف المقصود، فلذلك جاز أن ينعقد عقده. 12854 - قالوا: كل معنى إذا طرأ على الملك كلف برفع يده عنه، فوجوده مانع من ابتداء الملك، أصله: الإحرام في الصيد. 12855 - قلنا: لا نسلم أن الإحرام إذا طرأ على ملك الصيد كلف إزالة اليد، وإنما يمنع عن إيقاع الفعل فيه، ولو كان في قبضته أو داره لم يؤمر بإزالة اليد الحكمية عنه.

12856 - ثم الصيد دليلنا؛ لأن الإحرام لو طرأ بعد عقد أبطل العقد، كذلك إذا وجد مع العقد. وأما الكفر: فمعني في العاقد إن وجد بعد العقد قبل القبض لم يبطل العقد، كذلك إذا قارن العقد مع صحة القبول. 12857 - قالوا: منع من استدامة الملك الثابت وأمر بقطعه؛ لأن فيه أمرًا بوجود هذه العلة. 12858 - قلنا: إذا كان المنع لأجل الاستدامة أو الحرمة فليس في نفس العقد استدامة ولا يترك للحرمة؛ ألا ترى: أن حرمة الأب أعظم من حرمة المسلم من حق الكافر؛ لأن حرمة الأب منعت من استخدام الأب بالإجارة ومن الحبس بدينه، والقطع بسرقة ماله، ومن بقاء القصاص له عليه، وحرمة الإسلام لا تمنع من استخدام الكافر بالإجارة والحبس بدينه والقطع بماله، و [وجوب] القصاص له عليه إذا قتله وهو كافر ثم أسلم. ثم هذه الحرمة لم تمنع من ابتياع الابن وثبوت ملكه بالشراء، وإنما منعت من الاستدامة، وكذلك حرمة الأب مثله. 12859 - فإن قيل: إنما لم يمنع الأب الابتياع؛ لأنه يؤدي إلى نفع عظيم وهو العتق. 12860 - قلنا: يجوز أن يشتري الابن الكافر أباه المسلم؛ لأنه يفتقر إلى ذلك البيع. 12861 - ولأن الاستدلال إنما يكون بالتمكن منه والتبقية، وإذا لم يبق على ملكه زال هذا المعنى. 12862 - فإن قيل: فيجب إذا قال: لا أستخدمه، أو أجره سنين كثيرة أن يترك على ملكه.

12863 - قلنا: إذا وجد لم يلزمه الوفاء به، فإذا أجره انفسخت الإجارة بالعذر فعاد إلى خدمته. 12864 - قالوا: عبد مسلم، فلا يصح للكافر أن يملكه، كالمدبر. 12865 - قلنا: لا نسلم أنه لا يجوز أن يملكه، بأن يبتاعه ويحكم حاكم بجواز البيع. 12866 - ولأن المدبر عبد لا يملكه المسلم بالوصية فلا يملكه الكافر بالشراء، والعبد الذي يملكه الكافر بالإرث يملكه بالشراء. 12867 - قالوا: الشراء إنما يصح إذا قصد به أحد أمرين: قربة، أو ربح. 12868 - فالقربة: أن يشتري أباه أو جده، والربح: أن يبتاعه فيبيعه على إجارة فيربح، فإذا عقد العقد من هذين العوضين لم يصح، كشراء الحرائر. 12869 - ومعلوم أن الكافر ليس من أهل القرب، ولا يصل إلى الربح؛ لأن من باع مكرهًا لم يحصل له ربح طيب. 12870 - قلنا: قد يشتريه ليعتقه، وهذا غرض صحيح، وهو وإن لم يكن من أهل القرب حكمًا فقد قصد القرب، وقد يبتاعه فيكاتبه على المال الكثير، فيحصل له الربح، ويعتقه على ماله فيحصل به البدل الكثير في ذمته. 12871 - قالوا: لو جوزنا الشراء وألزمناه البيع حتى لا يستبدله جاز أن يبيعه من كافر، ويبيعه الكافر من مثله، فيدوم ذلك عليه أبدًا. 12872 - قلنا: إذا باعه من كافر عزرناه وأجزنا بيعه، إلا إن عز المشتري، ولم يقصد أن يبيعه من كافر. * * *

مسألة 653 بيع وإجارة أراضي مكة

مسألة 653 بيع وإجارة أراضي مكة 12873 - قال أبو حنيفة: لا يجوز بيع أراضي مكة، ولا إجارة بيوتها. 12874 - وروى الحسن عنه جواز ذلك، وهو قول الشافعي. 12875 - لنا: ما روى إسماعيل بن إبراهيم بن المهاجر، عن أبيه، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يحل بيع بيوت مكة، ولا إجارتها)، ذكره الطحاوي. وذكر الدارقطني عن إسماعيل [بن إبراهيم] بن مهاجر/ عن أبيه، [عن عبد الله ابن باباه]، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (مكة مناخ لا تباع رباعها، ولا تؤاجر بيوتها).

12876 - وروى أبو حنيفة، عن عبيد الله بن أبي زياد، عن أبي نجيح، عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (مكة حرام، وحرام بيع رباعها، وحرام أجر بيوتها). 12877 - قال الدارقطني: وهم أبو حنيفة في هذا الحديث، فقال: ابن أبي يزيد، وهو ابن أبي زياد، والصحيح أنه موقوف. 12878 - قلنا: هذا غلط؛ لأن أبا حنيفة روى الحديث وفيه ابن أبي زياد، ذكره محمد في الآثار. وقال الدارقطني في كتابه هكذا، ثم رواه من طريق وفية ابن أبي يزيد، فلو لم يحصل الوهم أنه دخل على ما روي عنه إذا كان المعروف عن أبي حنيفة، وقد بيناه. 12879 - ويدل عليه: ما روي عن علقمة بن نضلة قال: (توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر وعثمان، ورباع مكة تدعى السوائب، من احتاج سكن، ومن

استغنى أسكن)، ولو جاز البيع ما دعيت السوائب. 12880 - ٍوقولهم:- إن هذا اسم للصيد دون الأراضي غلط؛ لأن هذا لكل مال لا ملك عليه. 12881 - فإن قيل: إنما كان كذلك [لأن أكثرها وقوف. 12882 - قلنا هذا تجدد بعد العجلة، وفي البراء ما كانت كذلك] على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والأئمة. 12883 - ولهذا استدل أصحابنا بقوله تعالى: {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنًا}، فلو لم تكن مواضع نزولهم غير مملوكة عليهم ولا ممنوع منها لم يكن أن يكون قضى به، ولهذا منع النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يحل له ظل بيت، وقال: (منى مناخ لمن سبق)؛ لأن الناس يحتاجون إلى حضورها لأداء المناسك، فسوى بينهم فيها، وهذا موجود في مكة. 12884 - فإن قيل: لو كان كذلك لمنع من بنائها. 12885 - قلنا: دعت الحاجة إلى بنائها يسكنها من يجاور البيت ويقوم بعمارتها، فثبت لهم البناء، ولم يسقط حق جميع الناس بحاجتهم إلى السكنى، ولهذا المعنى ألزم أبو حنيفة الناس أن يسلموا ما جاوروا المسجد ليتوسع به، وقال لهم: أنتم نزلتم على المسجد، وقد احتاج إلى ما أخذتموه لزواره.

12886 - واحتج بقوله تعالى: {والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواءً} الآية. والمسجد اسم للحرم؛ قال ابن عباس - رضي الله عنهم -: (الحرم كله مسجد)، وقال الله سبحانه: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلًا}، الآية، والمراد به: بيت خديجة [رضي الله عنها]. وقال تعالى: {فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا}. [وقال] تعالى: {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام}. 12887 - فإن قيل: الحقيقة تقتضي المسجد، فلا يعدل عنه إلا بدليل. 12888 - قلنا: إذا كان في الشرع استعمال الحرم فيه صار حقيقة بالشرع. 12889 - ولأنه تعالى قال: {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم}، وهذا الحكم

يتعلق بالحرم ولا يختص بالمسجد. 12890 - ويدل عليه: ما روي (أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهم - كان يضرب أهل مكة حتى لا يغلقوا بيوتهم ليلًا مخافة أن يطرقهم الغريب)؛ فلو كانت ملكًا لهم لم يمنعهم من إغلاقها [ولأننا نوجب على المحرم أن] يضمن صيدها بالجزاء، ولا يجوز الإحرام بالعمرة منها، ولا يجوز الدخول إليها مع إرادة النسك: الإحرام، فصار كموضع السعي والصفا والمروة. 12891 - ولأنها بقعة من الحرم؛ فلم يجز بيعها، كالصفا، ومواضع الجمار ومنى. 12892 - احتجوا: بقوله تعالى: {للفقراء المهاجرين} الآية، فأضاف الديار إليهم، وإنما أخرجوا من مكة، فثبت أنها كانت ملكًا لهم؛ لأنها إضافة ما يملك إلى من يملك، ولأن التمليك يقتضي حقيقة الملك. 12893 - الجواب: أنا لا نسلم أنه أضاف ما يصح أن يملك، وإنما كقوله: أوقف لفلان. 12894 - ولأنه أضافه إليهم إضافة سكنى وتخصيص، كما قال الله تعالى: {وقرن في بيوتكن}، فأضاف بيوت النبي إلى نسائه. 12895 - قالوا: لو قال هذه الديار لزيد، وقال: أردت أن له سكناها، لم يقبل قوله؛ لأنه أضاف إضافة تقتضي التخصيص. وإن لم يرد الملك فلابد من

السكنى واليد، وإذا أثبت له اليد كان القول قول المقر له في الملك. 12896 - احتجوا: بحديث أبي هريرة - رضي الله عنهم -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوم الفتح: (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن). 12897 - قالوا: روى أسامة بن زيد الليثي: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة يوم الفتح، قيل له: ألا تنزل في دارك؟، قال: وهل ترك لنا عقيل من رباع، لا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر). 12898 - وفيه أدلة ثلاثة، أحدها: أنهم أضافوا إليه داره، والثاني: أن أبا طالب كان كافرًا وخلف عقيلًا، وطالبًا، وعليًا، وجعفرًا، وبنتين، فورثه ولداه الكافران، فلم يبق لعلي ولا لجعفر شيء. [والثالث أنه] كانت العادة أن الملك لا يورث طالما كان مشغولًا. 12899 - (وهل ترك عقيل لنا من رباع؟ (يعني: باعها كلها، فثبت أن بيعها جائز. 12900 - الجواب: عن هذه الأخبار من وجهين، الجواب الأول: أن الإضافة اختصاص وتصرف وسكنى. 12901 - والثاني: قال أصحابنا: كانت مملوكة، فجرى بيعها بعد الفتح،

فالإضافة في تلك الحال كانت صحيحة. 12902 - قالوا: لم يزل الناس يتبايعون منازل مكة فيؤاجرونها، فصار ذلك إجماعًا. 12903 - قلنا: لا يعتبر فعل الناس إذا أنكره العلماء، وقد كان عبد الله بن عمر ينكر ذلك، وقد بينا أنها كانت تدعى على عهد الأئمة السوائب. 12904 - وقال مجاهد: مكة مناخ، لا يحل بيع رباعها، ولا إجارة بيوتها. 12905 - وكان عطاء بن أبي رباح يكره [القول بأن] فيها ما يمنع من بيعها، فوجب أن يجوز بيعها، كسائر الدنيا. 12906 - قلنا: لا نسلم أن فيها حدثًا يمنع البيع. 12907 - ولأن سائر البقاع لا يجب على جميع الناس قصدها، فلم يجز أن ينفرد بها بعضهم، كمواضع السعي. 12908 - وكما قالوا: أحد الحرمين، فوجب أن يكون منه ما يجوز بيعه، [كالمدينة. 12909 - قلنا: المدينة بلدة يجوز دخولها بغير إحرام، فكان فيها ما يجوز بيعه]، ومكة بخلافه. * * *

مسألة 654 بيع لبن الآدمية

مسألة 654 بيع لبن الآدمية 12910 - قال أصحابنا: لا يجوز بيع لبن الآدمية. 12911 - وقال الشافعي: جائز. 12912 - لنا: أن الصحابة قضوا في ولد المغرور بالقيمة، ولم يوجبوا عليه قيمة لبنها، فلو كان مقومًا يجوز بيعه أوجبوا ضمانه. 12913 - ولا يقال: يجوز أن تكون لم ترضع الصبي؛ لأنه كان يجب أن يبينوا ذلك ويسألوا عنه. ولأنه ليس في العادة أن المرأة تربي ولدها ولا ترضعه. 12914 - فإن قيل: إذا لم يأمرها بالرضاع لم يضمن. 12915 - قلنا: اللبن غير مقوم عندكم، فإذا تلفت في يد الغاصب ضمنها، وإن لم يكن له في تلفها صنع. 12916 - ولأنه لبن آدمية، فلم يجز بيعه، كما لو انفصل بعد موتها.

12917 - فإن قيل: ذلك لا يجوز الانتفاع به لم نسلم؛ لأن اللبن لا ينجس بالموت عندنا. ولأن كل ما لو انفصل بعد موت الحيوان لم يجز إذا انقضى حال حياته، كاللحم والشعر، وعكسه: الشاة على أصلنا. 12918 - ولأنه ليس بلبن محرم لا يؤكل، كلبن الحمارة. 12919 - ولأنه مائع متولد للآدمي ولا سبب يوجب التحريم المؤبد، كالمني. 12920 - فإن قيل: المعنى في ذلك في المني أنه لا يجوز الانتفاع به واللبن بخلافه. 12921 - قلنا: جواز الانتفاع يستدل به على جواز البيع؛ بدلالة: الماء في الأنهار والأدوية، وينتفع بالخبز. 12922 - وعلى أصلنا: النحل ودود القز، وعلى أصلهم: الكلب. 12923 - ولأنه لا يجوز بيع لحمها، فلم يجز بيع لبنها، كالفهد، وهذا على إحدى الروايتين، فإن لحم ما لا يؤكل لحمه لا يجوز بيعه. 12924 - ودليل محمد بن الحسن: أن لبن الآدمية لو جاز بيعه لم يجز عقد الإجارة على استدامته، كلبن الشاة، ولهذا لم يجز استئجاره بالثمن بالإجارة. 12925 - وطرد العلة على أصلنا: المنافع لما جاز استحقاق استهلاكها بعقد الإجارة لم يجز بيعها. 12926 - فإن قيل: عقد الإجارة يقع على اللبن الذي في الضرع، وذلك لا يجوز بيعه، وإنما يجوز بيع اللبن المنفصل، وذلك لا تتناوله الإجارة. 12927 - قلنا: لو جاز بيعه إذا انفصل لم تجز الإجارة على استهلاكه ما دام في الضرع، كلبن الشاة؛ ثم هذا ليس بصحيح، فإن الآدمية إذا استؤجرت على رضاع

الصبي، وما يسقيه مما انفصل من لبنها قبل الإجارة استحقت الأجرة، ولو لم يتناول العقد اللبن المنفصل لم تستحق الأجرة، كما لو سقته لبن شاة. 12928 - فإن قيل: استحق إتلافها بعقد الإجارة، ويجوز بيعها. 12929 - قلنا: العقد على الصبغ عندنا عقد إجارة على العمل وبيع الصبغ، وقد كان القياس يمنع جوازه، وإنما أجزناه لتعامل الناس عليه في سائر الأعصار. 12930 - يبين الفرق بينهما: أن الصبغ لابد أن يكون معلومًا، فيقول: اصبغه: بعضه عصفرًا وبعضه كذا، فيكون العصفر على مقدار الصبغ، وفي الرضاع يجوز وإن لم يبين مقدار اللبن، ولا يبين صفة يصير بها معلومًا. 12931 - فإن قيل: إذا استأجر أرضًا أو رحى استحق الماء، وكذلك إذا استأجر دالية استحق بها النهر ومع ذلك يجوز بيع الماء. 12932 - قلنا: إنما جاز ذلك لأن العقد يقع/ على المنافع، والماء تبع، كذلك ها هنا يقع على الحضانة، ويستحق عليها اللبن، كما لو استأجر أرضًا استحق الماء وإن لم يسمه. 12933 - على أن العقد يقع على الأرض عندنا دون الماء؛ بدلالة: أنه لو استأجر الأرض التي تشرب بماء السماء لا يجوز أن يكون ماء السماء معقودًا عليه. وكيف يستحق الماء بالعقد وليس المؤجر أولى به من المستأجر. 12934 - يبين ذلك: أن المستأجر لو منع من الانتفاع بالأرض، فسار الماء إلى أرض له أخرى لم يجب عليه شيء، ولو منع الشرب الماء لم يستحق العقد، وبمثله

لو استأجر امرأة لترضع صبيًا فأرضعته لبن امرأة أخرى لم تستحق الأجرة، فثبت أن العقد تناول عين اللبن، ولم يتناول الماء. 12935 - ولأنه منفصل عن الآدمي لا حياة فيه، كالدم. 12936 - احتجوا: بقوله تعالى {وأحل الله البيع}. 12937 - قلنا: البيع ما وقع على مبيع مقوم، بدليل: أنه لو قال: بعتك الهواء لم يكن بيعًا، ونحن لا نسلم أن لبن الآدمية مقوم. 12938 - وقولهم: أن يقول: باع الحر، فلأنهم يغلطون فيصورون ما ليس بمقوم مقومًا ويسمونه بيعًا كذلك. 12939 - قالوا: لبن طاهر جاز بيعه، كلبن الشاة، وربما قالوا: لبن يحل شربه من غير حال الضرورة، وربما قالوا: مائع للشرب؛ فجاز بيعه، كسائر الأشربة. 12940 - الجواب: أن العبارة الأولى تبطل بتحريم صيد الحرم، والمعنى فيما ذكر، أنه قال: لا يستحق بعقد الإجارة استهلاكه، ولما كان هذا اللبن يستحق بعقد الإجارة استهلاكه لم ينعقد البيع عليه. 12941 - قالوا: طاهر منتفع به، وليس في بيعه إسقاط حق الآدمي، فوجب أن يصح بيعه. أصله: سائر الأموال. 12942 - قلنا: نقلب فنقول: فلا يجتمع استحقاقها بالبيع، واستحقاق استهلاكها بعقد الإجارة، أصله: سائر الأموال. * * *

مسألة 655 بيع الزيت النجس

مسألة 655 بيع الزيت النجس 12943 - قال أصحابنا: يجوز بيع الزيت النجس. 12944 - قال الحسن عن أبي حنيفة: وكذلك العسل الذائب والخل، وكذلك ما يؤكل. 12945 - وقال الشافعي: لا يجوز بيعه ولا هبته، ولكن يستحقه الموهوب له. وفي الماء النجس وجهان، وهل يطهر بالغسل، قالوا: فيه وجهان. 12946 - لنا: ما روى معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة - رضي الله عنهم - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن فأرة وقعت في سمن؟، قال: إن كان جامدًا فخذوها وما حولها وألقوه، وإن كان ذائبًا أو مائعًا فاستصبحوا به، أو قال: فانتفعوا به)، والانتفاع عام في البيع وغيره. 12947 - وروى الزهري، عن سالم، عن ابن عمر أنه أخبره: (أنه كان عند النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث سأله رجل عن فأرة وقعت في ودك لهم، قال: أجامد؟ قال: نعم،

قال: اطرحوها واطرحوا ما حولها، وكلوا ودككم، قالوا: فإن كان مائعًا؟ قال: فانتفعوا به ولا تأكلوا). 12948 - وذكر الخبر الأول الطحاوي، والثاني أبو بكر الرازي في أحكام القرآن، والانتفاع عام في البيع وغيره. 12949 - وذكر الطحاوي، عن علي - رضي الله عنهم - قال: (ينتفع بالسراج). 12950 - وذكر مسروق، عن ابن مسعود - رضي الله عنهم - في فأرة وقعت في سمن قال: (إن كان ذائبًا استصبح به). 12951 - وذكر نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهم - (أنه أمرهم أن يستصبحوا به ويدهن به الجلود). 12952 - وذكر ابن سيرين: (أنهم أتوا سويقًا فوجدوا فيه وزغة ميتة، فقال أبو موسى: لا تأكلوه وبيعوه، ولا تبيعوه من المسلمين، وبينوا لمن تبيعونه منه)، فأجاز أبو موسى بيعه، ولم يحك عن أحد من الصحابة خلافه. ولأن ما جاز الاستصباح به جاز بيعه، كالطاهر. 12953 - ولأنه مائع يجوز بيعه قبل مخالطة النجاسة؛ فجاز بيعه بعدها، كالقلتين من الماء. 12954 - ولا يلزم: النجاسة إذا غلبت؛ لأن ظاهر الكتاب [يقتضي] جواز

بيعه، وكان أبو بكر الرازي يقول: لا يجوز بيعه، فعلى قوله التعليل للجواز؛ ولأنها نجاسة عين طرأت على عين، [فلا يمنع جواز البيع، كالزيت النجس. 12955 - ولأن الدهن يطهر بالغسل؛ والدليل عليه: أنها نجاسة عين طرأت على عين] يتأتى فيها الغسل، فجاز أن تطهر، كالثوب. 12956 - احتجوا: بما روي عن ابن عباس - رضي الله عنهم -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (قاتل الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فباعوا وأكلوا ثمنها، وإن الله إذا حرم [على قوم] أكل شيء حرم عليهم ثمنه). 12957 - والجواب: أن المحرم ليس هذا الثمن، وإنما هو النجاسة، والسمن غير النجس لم يحرم أكله، وأما النجاسة فلا، وهكذا لو باع ثوبًا نجسًا أو دارًا فيها نجاسة أن الثمن لم ينجس. 12958 - قالوا: روى أبو هريرة - رضي الله عنهم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في -الفأرة تقع في السمن-: (إن كان جامدًا فألقوها وما حولها، وإن كان مائعًا فأريقوه). 12959 - قالوا: ولو كان مالًا لم يؤمر بإلقائه؛ لأنه لا يجوز إضاعة المال. 12960 - قلنا: معنى قوله: (وألقوه (أي: لا تأكلوه؛ بدلالة: أنه ذكر في الخبر الانتفاع به، وبدلالة: أنه لا يجب تضييعه بالإجماع. 12961 - قالوا: مائع نجس، فوجب أن لا يجوز بيعه، كالخمر. 12962 - قلنا: الخمر محرمة العين ولهذا لا يجوز الانتفاع بها، وليس كذلك

السمن؛ لأنها نجاسة مخالطة، وهذا يجوز الانتفاع بعينه، فصار كالثوب النجس. 12963 - فإن قيل: الخمر ينتفع بها، يطفأ بها الحريق، والميتة تطعم البزاة والكلاب، والعذرة [تربى] بها الأرض، والدم يطرح في أصول الشجر، فأما الاستصباح بالدهن فهو إتلاف، وليس بانتفاع. 12964 - قلنا: جواز الانتفاع بعين النجاسة محرم بالضرورة. روى عطاء، عن جابر - رضي الله عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال -عام الفتح-: (إن الله تعالى حرم بيع الخمر [والأصنام] والميتة والخنزير، فقال بعض المسلمين: كيف ترى في شحوم الميتة يدهن بها السفن والجلود ويستصبح بها الناس، فقال: هو حرام، قاتل الله اليهود لما حرم عليهم الشحوم جملوه فباعوه فأكلوا ثمنه). 12965 - فلما أباح الاستصباح بالسمن وحرم الانتفاع بكل الميتة، دل على الفرق بينهما في جواز الانتفاع، فإذا أضاف الكلام لمخالفنا حتى أجراهم إلى التسوية بين أمرين خير النص بينهما، لم يعتد بقولهم في مخالفة النص. 12966 - وأما قولهم: إن الاستصباح إتلاف، كالمنفعة المقصودة من

الشيء إذا كانت تقع بإتلاف، فذلك انتفاع، كاستعمال البخور، وأكل الطعام. 12967 - قالوا: مائع لا يحل شربه، فوجب أن لا يجوز بيعه، كاللبن. 12968 - قلنا: لا نسلم فإن اللبن النجس بالمجاورة يجوز بيعه على ما قدمنا من الرواية. * * *

مسألة 656 التفريق بين ذوي الأرحام من المماليك في البيع

مسألة 656 التفريق بين ذوي الأرحام من المماليك في البيع 12969 - قال أصحابنا: لا يجوز التفريق بين المملوكين إذا كان أحدهما ذا رحم من الآخر حتى يبلغا. 12970 - وهو قول الشافعي في (البيوع)، وقال في (سير الواقدي): إن زاد على سبع سنين جاز بيعه. 12971 - لنا: حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنهم - قال: (نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يفرق بين الأم وولدها، فقيل: يا رسول الله إلى متى؟ فقال: حتى يبلغ الغلام وتحيض الجارية)، ذكره الدارقطني. 12972 - ولأنه ولد يكمل بالبلوغ؛ قلم يجز إفراده من أمه المملوكة بالبيع؛ أصله: من له ست سنين. 12973 - ولأنه لا يتوجه عليه الخطاب لصغره، فلا يفرق بينه وبين والدته بالبيع أصله: الطفل. 12974 - احتجوا: بما روي أن عمر - رضي الله عنهم - كاتب امرأة بولد غير ولدها الصغير.

12975 - قالوا: إذا تجاوز سبع سنين فليس بصغير. 12976 - قلنا: الصغير اسم لمن لا يبلغ. 12977 - ولأنا روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتبار البلوغ مبينًا، فكان أولى من المحتمل. * * *

مسألة 657 حكم البيع في عقد فرق فيه بين الأم وولدها

مسألة 657 حكم البيع في عقد فرق فيه بين الأم وولدها 12978 - قال أبو حنيفة، ومحمد: إذا فرق بين الأم وولدها حرم ذلك عليه، ويصح البيع. 12979 - وقال أبو يوسف: البيع فاسد، وبه قال الشافعي. 12980 - لنا (قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من باع عبدًا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع). 12981 - ولأن كل شخصين جاز الجمع بينهما في العقد، فالتفريق بينهما لا يمنع صحة البيع، كالأخوين. 12982 - ولأنه عقد، فلا يمنع التفريق بين الوالدة وولدها فيه صحته. أصله: الرهن. 12983 - ولأن كل معنى لا يمنع التفريق بين الأخوين صحته لا يمنع التفريق بين الوالدة وولدها صحته كذلك. أصله: الرد بالعيب، والبيع للجناية. 12984 - ولأن كل شخصين جاز التفريق بين الأخوين في الفسخ جاز في البيع كالأخوين.

12985 - فإن صحة الوصف عندنا أنه يجوز أن يرد أحدهما بالعيب بعد القبض. وعند الشافعي: إذا ولدت الجارية المبيعة في يد المشتري ووجد بها عيبًا يردها دون الولد. 12986 - ولأنهما شخصان ثبت لهما الحضانة فالتفريق بينهما بالبيع لا يمنع صحته، كالأخوين. 12987 - ولأنه لا يجوز أن يجب بيع أحد الشخصين حكمًا فجاز أن يجوز البيع باختيار العاقد، كأحد الأخوين. عكسه: أم الولد لما لم يجب بيعها حكمًا لم يجب قصدًا. 12988 - احتجوا: بحديث أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنهم - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (من فرق بين الوالدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة). وروى عمران بن الحصين قال: (ملعون ملعون من فرق بين امرأة وولدها). [وروى أبو سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا توله والدة بولدها)]. 12989 - قالوا: والنهي يدل على فساد المنهي عنه/. 12990 - الجواب: أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن التفريق ولم ينه عن بيع أحد الشخصين، فلم يكن النهي عن العقد. 12991 - ولأن هذا النهي يتعين في غير العقد، وهو الضرر الذي يلحق العقد عند أذان الجمعة. 12992 - قالوا: روى جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده: (أن أبا أسد الأنصاري قدم بسبي من البحرين فصفوا، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنظر إليهم، فإذا

امرأة تبكي، فقال: ما يبكيك، فقالت: بيع ابني في بني عبس، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي أسد: (اركب ولتجيئن به كما بعته، فركب أبو أسد فجاء به). 12993 - هذا يدل على فساد البيع؛ لأنه أمره بالمجيء به ولم يشترط رضا المشتري. 12994 - الجواب أن هذا خبر مرسل؛ لأن علي بن الحسين لم يشاهد عصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 12995 - ولأن دعوى امرأة للولد لا يثبت به النسب، فكيف يجوز أن يفسخ النبي - صلى الله عليه وسلم - البيع لأجل التفريق والنسب لم يثبت؟ فعلم أنه قال ذلك على طريق الاستحباب؛ لأنه يجوز أن تكون صادقة، ومتى كان الرد استحبابًا فلابد من رضا المبتاع، وبيع السبي إنما يجوز بإذن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا لا يأمر بالتفريق في البيع؛ لأن ذلك يكره، فإذا باع بخلاف ما أمر به كان البيع فاسدًا. 12996 - قالوا: روى أبو داود في سننه: (أن علي بن أبي طالب فرق بين الأم وولدها، فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فرد البيع)، ولم يذكر رضا المشتري. 12997 - قلنا: المشهور أنه فرق بين الأخوين، وقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: (اذهب فاستقل). وهذا يدل على جواز البيع. 12998 - وقد روى الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن علي - رضي الله عنهم - قال:

(أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أبيع غلامين فبعتهما وفرقت بينهما، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أدركهما، فارتجعهما، ولا تفرق بينهما). 12999 - قالوا: كان وكيلًا في بيعهما، فإذا باع على غير الوجه المأمور به وجب فسخ البيع. على أن قوله: (ارتجعهما) [يدل على فساد البيع]. 13000 - قلنا: الوصف غير مسلم؛ لأن البيع مكروه، وليس بمحرم. 13001 - ولأن [النهي عن] البيع ليس هو لمعنى في المعقود عليه، وإنما هو للضرر الذي يلحق الصغير بفقد الحضانة. 13002 - ثم هذا يبطل بمن باع العبد ممن [يضره ويشق عليه في] الاستخدام، فإنه محرم لمعنى في المعقود عليه، وهو الضرر الذي يلحق المبيع، والبيع جائز. 13003 - والمعنى في الأصل: أن العقد لا يجوز حكمًا؛ فلا يجوز قصدًا واختيارًا. وبيع أحد العبدين في مسألتنا: يجوز حكمًا فجاز قصدًا. 13004 - قالوا: تفريق محرم في البيع، فوجب أن يمنع صحة البيع أصله: إذا باع الجارية دون حملها. 13005 - قلنا: هناك ليس المانع من البيع التفريق؛ بدلالة: أن الجارية الموصى بحملها لا يجوز للوارث بيعها، وإن كان لا يفرق بالبيع. ولو باعها من الموصى له لم يجز، وإن كان البيع يؤدي إلى الجمع دون التفريق. 13006 - والمعنى في الأصل: أنه لا يجوز بيع الجارية دون حملها حكمًا، فلا يجوز قصدًا، ولما جاز أن يجب بيع أحد الاثنين في مسألتنا حكمًا جاز أن يجوز قصدًا.

مسألة 658 التفريق بين الأخوين، وذوي الأرحام الصغار

مسألة 658 التفريق بين الأخوين، وذوي الأرحام الصغار 13007 - قال أصحابنا: لا يجوز التفريق بين الأخوين، ولا بين ذوي رحم محرم إذا كانا صغيرين، أو كان أحدهما صغيرًا. 13008 - وقال الشافعي: يجوز التفريق إذا لم تكن القرابة بالولادة. 13009 - دليلنا: ما روى أبو موسى الأشعري - رضي الله عنهم - قال: (نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يفرق بين الأخ وأخته، والوالدة وولدها). 13010 - وفي حديثه قال: (لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فرق بين الوالدة وولدها، وبين الأخ والأخت)، ذكرهما الدارقطني، وذكره الطحاوي بإسناده. 13011 - ويدل عليه: ما روى الحكم بن عتيبة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن علي بن أبي طالب قال: (أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أبيع غلامين أخوين، فبعتهما وفرقت بينهما، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أدركهما فارتجعهما ولا تفرق بينهما). وروى عمرو بن دينار، عن عبد الرحمن بن فروخ، عن أبيه: (أن عمر بن الخطاب

كتب إليه أن لا يفرق بين الأخوين في البيع). فإن قيل: عبد الرحمن بن فروخ وأبوه مجهولان. 13012 - قلنا: رواية عمرو بن دينار عنه تعديل له. ولأن بينهما [رحمًا كاملًا محرمًا من جهة النسب، فلم يجز التفريق] بينهما، كالوالدة وولدها. 13013 - ولأن كل ما لا يجوز التفريق بين الوالدة وولدها فيه لا يجوز التفريق بين الأخت وأخيها إذا لم يكن أقرب منها بالحضانة. 13014 - ولأن كل من ثبت له حق الحضانة لا يجوز التفريق بينه وبين الصبي، [ومن لم يثبت له هذا الحق يجوز تفريقه عن الصبي] فوجب أن يكون التفريق بينهما جائزًا أصله: أبناء العم. 13015 - قلنا: جواز البيع لا يدل على زوال الكراهة، كالبيع عند أذان الجمعة، وبيع السلاح في أيام الفتنة. 13016 - ولأن ابني العم لم تكمل قرابتهما، بدلالة: إباحة المناكحة. ومتى لم يكمل الرحم [ولم يضف] التحريم إليه، صار كما لو وجد التحريم من غير رحم وهو الرضاع. 13017 - قالوا: بينهما قرابة لا يتعلق بها رد الشهادة، ولا يتعلق بها رد القصاص، ولا يتعلق بها وجوب النفقة مع اختلاف الدينين، فلا يتعلق بها تحريم التفريق. 13018 - قلنا: هذا قياس يخالف النص؛ ولأن هذه الأحكام التي ذكروها لم

يمنع انتفاؤها من ثبوت الحضانة: فلذلك لا يمنع من هذا الحكم؛ لأنه في معنى الحضانة، ولهذا يزول بالبلوغ كما تزول الحضانة، ولو كان معتبرًا برد الشهادة وسقوط القصاص لم يرتفع بالبلوغ مع ثبوت يده عليه. 13019 - قالوا: ذكر ابن المنذر عن الليث بن سعد قال: (أدركت الناس وهم يفرقون بين الأخوين في البيع). 13020 - قلنا: فعل الناس لا يثبت به مع نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومخالفة الفقهاء لهم. * * *

مسألة 659 اشتراط وجود المسلم فيه من حين العقد إلى حين المحل في بيع السلم

مسألة 659 اشتراط وجود المسلم فيه من حين العقد إلى حين المحل في بيع السلم 13021 - قال أصحابنا: لا يصح السلم حتى يكون المسلم فيه موجودًا من حين العقد إلى حين المحل. 13022 - وقال الشافعي: السلم المؤجل يجوز في المعدوم إذا كان موجودًا عند المحل في الغالب. 13023 - لنا: ما روى ابن عمر - رضي الله عنهم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تسلفوا في النخل حتى يبدو صلاحها).

والمراد به: تحريم السلم في النخل. 13024 - قالوا: المراد به: السلف في ثمرة نخلة بعينها، بدلالة: ما روي (أن رجلًا أسلم في ثمرة نخل فلم تحمل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تسلفوا في النخل حتى يبدو صلاحها). 13025 - قلنا: هذه الزيادة لا تصح؛ لأن ثمرة نخل بعينه لا يجوز السلف فيه وإن بدا صلاحها. 13026 - فإن قيل: السلم في التمر لا يجوز إذا بدا صلاحه متى شرطت؛ فدل على أن المراد: البيع الذي يجوز إذا بدا الصلاح، وسماه سلفًا؛ لأنه تعجل الثمن. 13027 - قلنا: السلم جائز في التمر الذي بدا صلاحه بسرًا أحمر وإن لم يجز السلم في رطبه، وليس في الخبر ذكر الرطب. 13028 - ويدل عليه: ما روي عن عطاء بن أبي رباح: أنه سئل عن الرجل أنه يبيع ثمرة أرضه رطبًا، أو عنبًا يستلف فيها قبل أن يطيب؟ فقال: لا يصلح، إن ابن الزبير باع ثمرة أرض له ثلاث سنين، فسمع بذلك جابر بن عبد الله، فخرج إلى المسجد، فقال في أناس: (منعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع [الثمرة حتى تطيب). وهذا يدل على أن نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن بيع] الثمار حتى تزهى وتحمر؛ فقد فهم

جابر السلف أنه عقد بيع، وإنما تفرد باسم. وذكر الطحاوي: أن أبا البختري الطائي قال: (سألت ابن عباس عن السلم، فقال: (نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع النخل حتى يؤكل منه)، قال أبو البختري: فسألت ابن عمر عن السلف في الثمر، فقال: (نهى عمر حتى يصلح)، فقد فهم ابن عباس، وابن عمر عموم الخبر السلف والبيع. 13029 - ولأن كل وقت يجوز أن يحل فيه السلم، وجب أن يكون وجوده فيه شرطًا في صحة العقد؛ أصله: الوقت الذي شرطاه. 13030 - ولأن المحل يثبت شرطًا وشرعًا فعدمه في أحد المجلس كالآخر. 13031 - ولا يلزم ما بعد المحل؛ لأنه ليس بوقت للحلول، وإن كان وقتًا للمطالبة. 13032 - فإن قيل: الحلول إنما يراد للمطالبة والتسليم، كما يجوز أن يموت فيحل، كذلك يجوز أن يتأخر القبض بغيبته أو فلسه، وتثبت المطالبة بعد المحل، وهو معدوم. 13033 - قلنا: العدم إذا أثر في العقد فإنما يؤثر عند استحقاق القبض ابتداء، ولا معتبر بالعدم بعد ذلك في فيخ العقد وإن أثر في الخيار. ألا ترى: أن بيع الآبق لا يجوز؛ لأن قبضه يستحق عقيب العقد، ولو كان موجودًا فأبق بعد العقد لم ينفسخ العقد، وإنما يثبت الخيار، كذلك ها هنا العدم في حال الحلول يبطل به العقد، والعدم بعده يثبت الخيار، وإن كانت تلك الحال حالة وجوب التسليم.

13034 - ولأنه عدم يؤثر في العقد، فوجوده حال حلول المحل يؤثر لعدم/ المبيع. ولأن ابتداء العقد أضعف والبقاء أقوى، فإذا كان العقد في حال بعد المحل يؤثر، فإذا قارب العقد أولى. 13035 - ولأن العدم يؤثر في العقد ما لا تؤثره الجهالة، وتعذر التسليم، بدلالة: جواز الطلاق والعتاق في المجهول، فلا يصح في المعدوم، وبدلالة: أن الآبق وإن لم يجز بيعه جازت هبته؛ لأنه الضعيف، وجاز تزويج الأمة، فلا تجوز هبة المعدوم ولا تزويجه، وإذا كانت الجهالة بتعذر التسليم تؤثر في السلم فلأن يؤثر في العدم أولى. 13036 - ولأن ما يجوز أن يطرأ على غير السلم فيؤثر في التسليم ويمكن رفعه عن العقد فذلك شرط فيه، أصله: إذا أسلم بمكيال بعينه أو بوزن حجر بعينه. 13037 - أو نقول: إن الجهالة مؤثرة كما أن تعذر التسليم مؤثر، ثم كانت الجهالة المتوهمة التي يمكن رفعها تمنع صحة العقد، كذلك تعذر التسليم المتوهم، ونريد بالجهالة المتوهمة: إذا أسلم بمكيال بعينه يجوز أن يهلك فلا يدري ما يسلمه. 13038 - فإن قيل: المؤثر هناك جهالة المعقود عليه. 13039 - قلنا: إذا كان المكيال معينًا بمجهول؛ لأنه إذا كال به عرف القدر. ولو أراد أنه مجهول عنده بطل به إذا ذكر المكيال المعروف، وهو لا يعرف قدره، فعرف أن المؤثر طرو الجهالة. 13040 - فإن قيل: هذا يؤدي إلى أن يبطل السلم وإن كان الموجود؛ لأنه يتوهم موت المسلم فيه، فيحل ويصير الأجل مكانه، فكأنه قال: أسلمت إلى أجل كذا وكذا.

13041 - قلنا: هذا صحيح، لكن لا يمكن رفعه عن العقد، ولا الاحتراز منه. 13042 - وكذلك الجواب إن ألزموا النصراني يسلم إلى النصراني في الخمر، ويجوز أن يسلم أحدهما فيتعذر التسليم؛ لأن هذا لا يمكن رفعه عن العقد. 13043 - فإن قيل: العقود تنعقد على السلامة، وما يجوز أن يحدث لا يعتبر، بدلالة: جواز إجارة الحيوان، ويجوز أن يموت فيبطل العقد. 13044 - قلنا: لأن الإجارة يعتبر فيها حال الانعقاد فلا يعتبر ما يجوز أن يطرأ، والسلم يعتبر فيه التجويز. 13045 - على أن الموت لا يمكن الاحتراز منه. 13046 - فإن قيل: السلم بمكيال بعينه يؤدي إلى جهالة لا يفتقر في العقد إليها، والعدم معنى يفتقر إلى انعقاد العقد معه. 13047 - قلنا: إن كان به حاجة إلى السلم قبل حينه فله حاجة إلى بيع الآبق والعين المغصوبة، ولم يجز مع الحاجة لمعنى يعود إلى التسليم، كذلك الحاجة ها هنا إذا أدت إلى تعذر التسليم في المحل منعت. 13048 - ولأنه معنى يؤثر في التسليم في كل العقود. لو طرأ بعد صحة العقد أثبت الخيار، فإذا قارنه منع انعقاده؛ أصله: إباق العبد. 13049 - ولا يلزم حدوث العيب؛ لأنه يوجب تعذر جزء من المبيع، ولا يتعذر به تسليم كل المبيع. 13050 - احتجوا: بما روي عن ابن عباس - رضي الله عنهم - قال: (قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وكانوا يسلفون في التمر السنة والسنتين)، وفي بعضها: (السنتين والثلاثة)، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (من أسلم فليسلم في كل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم).

13051 - الجواب: أن المراد من كيل معلوم: والمكيل وهو الموجود دون المعدوم. 13052 - ولأن الاحتجاج إن كان بتقريره له - صلى الله عليه وسلم - لهم على عقدهم، قلنا: يعرف صفة العقد، ويجوز أن يكون السلم سنين [إن] كان في الثمار اليابسة، وذلك لا يعدم من أيدي الناس، فإن كان يذكره - صلى الله عليه وسلم - هذه الشروط دون غيرها فقد بين - صلى الله عليه وسلم - الشرط الآخر بنهيه عن بيع السنين، وبنهيه عن بيع الثمار حتى تحمر. 13053 - فإن قيل: إطلاق الثمرة عبارة عن الرطب. 13054 - قلنا: ليس بصحيح؛ لأن التمرة اليابسة تمر كما أن الرطبة تمر؛ ولأن السلف السنة والسنتين إنما يكون في اليابس الي يدخر دون الرطب الذي يراد للأكل. 13055 - وقولهم: (إنما نجوز الأمرين) ليس بصحيح؛ لأن ابن عباس - رضي الله عنهم - حكى فعلًا لهم، وحكاية الحال لا عموم لها، فبين صحة ما ذكره ابن عباس راوي هذا الخبر، وقد روينا عنه. وعن ابن عمر رضي الله عنهما (أن السلف لا يجوز في التمر حتى يبدو صلاحها). 13056 - فدل على صحة ما ذكرنا من التأويل. 13057 - روي عن ابن عباس - رضي الله عنهم - أنه قال: (لا يحل لرجل مسلم يعبد الله أن يسلم في الحنطة والشعير ما لم يعين المحل)، وهذا إنما يعني به الحنطة الحديثة، فكيف يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - أقر على السلم في المعدوم؟. 13058 - قالوا: كل ما لم يجعله المتعاقدان للمسلم [فيه وقت لتسليمه] لم

يكن وجود المسلم فيه شرطًا، كما بعد المحل. 13059 - وربما قالوا: ما لم يكن وقتًا لمحل السلم عقدًا لم يكن وجوده فيه شرطًا. 13060 - قلنا: حال العقد وما بعده إلى وقت المحل يجوز أن يكون وقت الحلول، فعدم المعقود عليه فيه كعدمه في البيع عند العقد؛ لأنها حالة الانعقاد ويتعقبها وجوب التسليم. 13061 - وعدم المسلم فيه بعد وقت المحل كإباق العبد بعد البيع؛ لأن تلك الحالة ليست حالة الانعقاد ولا حال وجوب القبض، فتعذر التسليم فيها على وجه يرجى وجوده يثبت الخيار ولا يبطل العقد. 13062 - ولأنهما عقدا على مبيع لا يمكن تسليمه عقيب العقد، فلم يصح العقد. وكذلك إذا أسلما في المعدوم مطلقًا على أصلهم. 13063 - ومعلوم أنهما لم يجعلا تلك الحالة محل التسليم، وإنما جعلها الشرع محلًا، فلذلك في السلم المحل الذي جعله الشرع محلًا يجب أن يكون عدم المسلم فيه يمنع صحة السلم. 13064 - قالوا: مال مضبوط الصفات فيجوز السلم فيه في كل وقت، كالحنطة والحبوب. 13065 - قلنا: لا نسلم الأصل؛ لأنه إن أسلم في الحنطة مطلقًا جاز، وإن أسلم في الحنطة الحديثة لم يجز إلا بعد إمكان الحصاد، والمعنى فيه: إذا أسلم في الحنطة المطلقة أنها مأمونة الوجود عند الحلول. 13066 - وفي مسألتنا: ليس بموجود عند الحلول؛ فصار كما عدم في المحل المشروط. 13067 - قالوا: ما يثبت في الذمة ويؤمن انقطاعه في محله يجوز السلم فيه، أصله: إذا كان موجودًا. 13068 - قلنا: لا نسلم أنه موجود في محله؛ لأن كل حالة من أحوال العقد حال محله؛ ولأن الموجود يؤمن عدمه ليس حاله حال المعدوم، وقد لا يوجد في

حال يجوز أن يحل فيها، فلذلك لم يصح السلم فيه. 13069 - قالوا: تسليم المسلم فيه يفتقر إلى مكان وزمان، فلما لم يشرط وجوده في غير المكان الذي هو محله، فلذلك وجب أن لا يشترط في غير الزمان الذي هو محله. 13070 - قلنا: إذا كان موجودًا في مكان التسليم أمكن نقله إلى مكان آخر، فلو تصور وجوب التسليم في غير ذلك المكان أمكن إحضار المسلم فيه. وفي مسألتنا: إذا وجب تسليمه في غير الزمان المشروط لم يمكن تسليمه، فكذلك لا يصح. 13071 - وإن شئت قلت: إنه إذا شرط تسليمه في مكان لا يخلو إما أن يكون مما له حمل ومؤنة، أو مما لا حمل له؛ فإن كان مما لا حمل له فتسليمه في مكانه أو في كل مكان ونقله ممكن، وإن كان مما له حمل: فلا يلزمه تسليمه في غير المكان المشروط، فعدمه فيه لا يؤثر. 13072 - قالوا: الاعتبار برده في وقت المحل، بدلالة: أنه لو كان موجودًا من حين العقد إلى قبل المجلس وباعه لم يجز العقد لعدمه في وقت المحل. 13073 - قلنا: بل المؤثر عدنه في وقت يجوز أن يكون وقتًا للمحل، فالوقت المشروط يجوز أن يكون محلًا، ويجوز أن لا يكون بل يموت قبله. 13074 - فكل أحوال العقد هذا التجويز فيها موجود فعدم المعقود عليه فيها يمنع جواز السلم. * * *

مسألة 660 هل يجوز السلم حالا ومؤجلا

مسألة 660 هل يجوز السلم حالًا ومؤجلًا 13075 - قال أصحابنا: يجوز السلم مؤجلًا، ولا يجوز حالًا. 13076 - وقال الشافعي: يجوز حالًا ومؤجلًا، كالأثمان، إن أطلق العقد: كان حالًا، وإن ذكر آجلًا: كان مؤجلًا. 13077 - لنا: ما روى سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن عبد الله بن كثير، عن المنهال، عن ابن عباس - رضي الله عنهم -، قال: (قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وهو يسلفون في الثمار في السنتين والثلاث، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أسلفوا في الثمار في كيل معلوم إلى أجل معلوم). 13078 - قال الطحاوي: هذا حديث ثابت الإسناد لا يطعن في أحد من رواته، وأبو المنهال: هو عبد الرحمن ين مطعم، روى عنه عمرو بن دينار وغيره.

13079 - فإن قيل: السلف ليس بواجب، فكيف يحمل الأمر على الوجوب،. 13080 - قلنا: هذا بيان لشروط العقد، وهي واجبة إذا أراد العقد وإن لم يجب من غير إرادة، كشرائط النكاح وصلاة النفل. 13081 - قالوا: معنى الخبر: من أسلم في مكيال فليكن معلومًا، ومن أسلم في موزون فليكن معلومًا، بدلالة: أن السلم لا يجوز إلا في مؤجل فيقر على ظاهره. 13082 - ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين بذكر/ الكيل والوزن المقدار المعلوم، فأقمنا مقامهما الذرع والعدد، فليس مقام الأجل ما يجري مجراه، فبقي على ظاهره. 13083 - ولأن الكيل والوزن لا يوجدان في كل شيء فلم يكونا شرطًا في جميع الأشياء، والأجل ممكن أن يثبت في كل شيء فلم يكن بناء إلى ترك الظاهر فيه حاجة. 13084 - فإن قيل: ذكر في الخبر: (في كيل معلوم ووزن معلوم)، واجتماع الأمرين لا يجب. 13085 - قلنا: لم يذكر في خبرنا إلا الكيل، ولو ثبت ما ذكروه لم يضرنا؛ لأن الكيل والوزن لا يتفق مقدارهما في عين واحدة، فعلم أنه أراد الكيل فيما يكال، والوزن فيما يوزن. 13086 - فإن قيل: هذا الخبر ورد على سبب، وهو أنهم كانوا يسلمون في ثمار السنتين والثلاث. 13087 - قلنا: المعتبر اللفظ دون السبب الذي خرج الكلام عليه، والكلام عام. 13088 - ويدل عليه: إجماع الصحابة؛ روى القاسم بن محمد، عن ابن عباس - رضي الله عنهم -: (أنه سئل عن [السلم] في الكرابيس، فقال: لا بأس به إذا كان مذروعًا معلومًا إلى أجل معلوم).

وقال عطية العوفي: (سألت ابن عمر رضي الله عنهما عن السلم في الحنطة والشعير والثمر والزيت، فقال: لا بأس به إذا كانت صرفت معلومة إلى أجل [معلوم] ما لم يكن في زرع أو ثمر لم يبدو صلاحه). 13089 - وروي عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة رضي الله عنهما: (من أسلم فليسلم في كيل معلوم إلى أجل معلوم). 13090 - ولأن كل معنى يؤثر في جهالته يبطل السلم، فذكره شرط فيه أصله: مقدار المسلم فيه. 13091 - ولأن التأجيل أحد صفتي الثمن، فوجب أن يكون شرطًا، وكما لو أجل رأس المال والمسلم فيع. 13092 - ولأن السلم يجوز في الديون، ولا يجوز في الأعيان، فلابد من أن يختص العقد بحكم يوجد منه لا يصح في العين، والأحكام التي يختص بها الدين: جواز التأجيل، والرهن، والكفالة. ثم ثبت أن الرهن والكفالة ليس واحد منهما شرطًا في المسلم فيه، فلم يبق إلا أن يكون التأجيل شرطًا. 13093 - قالوا: فالكتابة لا تصح إلا ببدل هو دين، والرهن، والكفالة لا يشترط بدلهما؛ ثم لا يشترط التأجيل فيه. 13094 - قلنا: يجوز الكتابة على الأعيان فيه روايتان، أحدهما: يجوز الكتابة فيها، فإن قلنا بهذه الرواية سقط النقض، وإن سلمنا أن الكتابة لا تجوز في الأعيان

[فلأن العاقد لما لا يملك الأعيان]، فلا يصح أن يملكها، ويملك أن يعقد على دين في الذمة، فاختص العقد بالدين لهذا المعنى؛ وفي مسألتنا: العاقد يصح أن يملك الدين والعين، واختص العقد بالدين، فعلم أنه يختص بشرط لا يوجد إلا في الدين. 13095 - فإن قيل: بدل القرض لا يصح أن يكون إلا دينًا، ولا يشترط فيه الرهن، والكفيل، ولا الأجل. 13096 - قلنا: عندنا القرض لا يجب البدل فيه، بدلالة: أن صحة العقد لا تقف على تسميته، وإنما يثبت البدل حكمًا بقتضى القرض، والبدل الثابت حكمًا لا يكون إلا دينًا، كالاستهلاك. 13097 - وفي مسألتنا: يثبت البدل بالعقد، والعقد يملك به العين والدين. 13098 - فإن قيل: الرهن لا يصح إلا بدين، ولا يصح بعين، ولو شرط فيه التأجيل. 13099 - قلنا: إنما شرط فيه الدين؛ لأنه للاستيفاء، والديون هي التي يمكن أن تستوفي منه. وأما الأعيان فلا يمكن أن تستوفي من الرهن، فلذلك اختص بالدين؛ لأنه يثبت ... في سائر البياعات، فأوجب حكمًا خاصًا بالبدل الآخر؛ أصله: عقد الصرف.

13100 - فإن قالوا: وجب أن لا يكون التأجيل من شرطه، كالسلم. 13101 - قلنا: يبطل بالسلم في المعدوم. 13102 - ولأن الصرف لا يشترط فيه التأجيل؛ لأنه يبطل موضوعه، ألا ترى: أنه يسمى صرفًا؛ لأن كل واحد يصرف البدل إلى صاحبه، ومن لم يشترط التأجيل في السلم بطل موضوعه؛ لأنه يقتضي تعجيل أحد البدلين وتأخير الآخر. 13103 - احتجوا: بقوله تعالى: {وأحل الله البيع}، والسلم بيع؛ وأن انفرد باسم، كما أنه عقد وأن انفرد باسم. 13104 - والجواب: أن إباحة البيع في الجملة لا يستدل به إذا وقع الاختلاف في شروط البيع، كما أن الخلاف إذا وقع في شرائط النكاح أو في شرائط الصلاة لم يستدل بإباحة النكاح وبإيجاب الصلاة، وإنما يرجع في ذلك إلى دلائل الشروط. 13105 - احتجوا: بقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين}، وقد أريد بهذه الآية السلم، ثم قال تعالى: {إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم}، فدل على أن السلم المؤجل. قال ابن عباس - رضي الله عنهم -: (أشهد أن السلم المضمون إلى أجل مسمى قد أباحه الله، وأنزل فيه أطول آية من كتابه). وأما قوله تعالى: {إلا أن تكون تجارة حاضرة} فأراد به بيع الأعيان؛ لأنها هي الحاضرة، ألا ترى: أنه [تعالى] قال: {تديرونها بينكم}، والذي يقوم بيننا إنما هو الأعيان، فكأن الله تعالى بين حكم السلم وشرط فيه الأجل المعلوم، وبين حكم بيوع الأعيان.

13106 - قالوا: روي (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان، ورخص في السلم)، فإنه يفرق. 13107 - قلنا: قوله: (ورخص في السلم) من كلام الراوي، ولم يبين لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - في الرخصة، وقد نقلنا لفظه في قوله: (أسلموا في كيل)، فكان الرجوع إلى اللفظ المفسر أولى. 13108 - ثم السلم عقد يقتضي تعجيل أحد البدلين، وتأخر البدل الآخر لغة وشرعًا. 13109 - أما اللغة: فلأنهم يقولون: أسلم الدين من كذا، إذا كان أحدهما متأخرًا ويميزون بينهما، ولو تعجل لم يكن بها، ويقال: أسلم هذا، وقال: أولى منه أن يقال: أسلم ذلك في هذا. 13110 - وأما الشرع: فلأن رب السلم لا يحبس رأس المال حتى يحضر المسلم فيه، ولو لم يقتض العقد تأخر المسلم فيه وجب أن يحبس رأس المال حتى يحضر عوضه، كبيوع الأعيان، وإذا اقتضى لفظ السلم تأخر أحد العوضين وجب أن تكون مدة التأخير معلومة. 13111 - قالوا: روي (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترى من أعرابي جملًا بوسق من تمر الذخرة، فالتمسه، فلم يجده، فقال الأعرابي: واغدراه، فاستقرضه رسول الله

- صلى الله عليه وسلم - ووفاه إياه). 13112 - قالوا: وشري الثمن في الذمة إلى أجل معين هو السلم. 13113 - قلنا: التمر ها هنا ثمن؛ بدلالة: أن الباء صحبته، وهو ما ثبت في الذمة، ولهذا أضاف الشري إلى المعين، ولهذا لم يذكر شرائط السلم في الثمن وإن كان ثمنًا استوفى الشرائط. 13114 - قالوا: نوع معاوضة محضة، فلا يكون الأجل شرطًا. أصله: بيوع الأعيان. 13115 - قلنا: يبطل السلم في المعدوم. 13116 - قالوا: الأجل ليس بشرط، وإنما الشرط وجود المعقود عليه. 13117 - قلنا: إذا أسلم ببغداد في الرطب وهو موجود بالبصرة، لم يصح إلا بأجل. 13118 - قالوا: الأجل ليس بشرط، وإنما الشرط إمكان التسليم. 13119 - قلنا: كذلك نقول في السلم؛ لأن الغالب أن الإنسان لا يعقد السلم في العين الحاصلة عنده، وإنما يستسلف فيما ليس عنده، فيحتاج إلى الأجل ليسهل التسليم. 13120 - قالوا: السلم في المعدوم ببعض البيوع. 13121 - قلنا: بل جميعه؛ لأن السلم جنس، والمعدوم نوع منه، والمعنى في بيوع الأعيان: أنها لا تختص بما يقبل التأجيل. ألا ترى: أنها تصح في الأعيان التي لا تقبل التأجيل، فإذا وقعت في الذمة حالة لم يكن ذلك بأكثر من وقوعها على المعين

الذي يصح تأجيله، والسلم لا يصح في الأعيان، فلابد أن يقع فيما يحتمل التأجيل، فلم يصح غير مؤجل. 13122 - قالوا: معاوضة ليس من شرطها التنجيم، فلا يكون من شرطه التأجيل، كالنكاح. 13123 - قلنا: التنجيم هو تأجيل بصفة ما لم يكن من شرطه التأجيل أصلًا، وقد يشترط في العقد الأجل المطلق وإن لم يشترط الموصوف على ما قررنا في السلم في المعدوم. 13124 - والمعنى في بدل النكاح ما بينا: أنه يصح في الأعيان التي لا تقبل الأجل، فإذا وقع على ما في الذمة، لم يكن من شرطه الأجل. 13125 - قالوا: مدة ملحقة بمعاوضة محضة، فلم تكن شرطًا فيه، كخيار الثلاث. 13126 - قلنا: لا نسلم أن الأجل مدة ملحقة بالسلم؛ لأن الملحق ما استقل العقد دونه، ولهذا لا يقال: بأن الأجل في السلم مدة ملحقة؛ لأن العقد لا يستقل دونها. 13127 - ولأن الخيار يخالف مقتضى العقد؛ لأن الإيجاب والقبول يوجبان نفاذ العقد، والخيار يمنع ذلك، فلم يجز أن يكون من شرط العقد ما يخالف مقتضاه، ويكون شرط العقد ما يقتضيه لفظه، ولهذا شرط في الصرف التقابض؛ لأن نفس العقد مأخوذ من صرف كل واحد منهما البدل الآخر. 13128 - قالوا: ما حل بموت من وجد عليه عقيب العقد وتثبت المطالبة به،

جاز أن يثبت حالًا، كالثمن في بيع العين. 13129 - قلنا: الأثمان لا تختص بما يحتمل التأجيل؛ لأنه لا يصلح إلا في الديون، فدل على أن الأجل من شرطه. 13130 - قالوا: الأجل في العقود غرر، فإذا كان مع الغرر كان مع عدم الغرر أجوز. 13131 - قلنا: يبطل/ بالسلم في الأعيان، فإنه أبعد من الغرر، ومع هذا لا يجوز. 13132 - ولأنا لا نسلم أن الحال أبعد من الغرر؛ لأن العادة: أن الإنسان يقبل السلم فيما ليس عنده، فإذا كان حالًا تعذر إحضاره عقيب العقد، وإذا كان مؤجلًا بمحله أحضره، فصار المؤجل أبعد من الغرر. * * *

مسألة 661 السلم في الحيوان

مسألة 661 السلم في الحيوان 13133 - قال أصحابنا: لا يجوز السلم في الحيوان. 13134 - وقال الشافعي: يجوز ذلك في كل حيوان يجوز بيعه. 13135 - لنا: ما روى الثوري، عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن ابن عباس - رضي الله عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن السلف في الحيوان)، ذكره الدارقطني. 13136 - قالوا: نحمله على السلف في حبل الحبلة. 13137 - قلنا: ذلك سلف فيما يصير حيواناً، ولأن النهي عام، فلا يخصه إلا بدليل. 13138 - روى ابن عباس، وابن عمر، وسمرة - رضي الله عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة)، وإذا ثبت أن السلم لا يجوز إذا كان رأس المال حيواناً،

كذلك لا يجوز غيره؛ لأن أحداً لا يفصل بينهما. 13139 - فإن قيل: نحمله على النسيئة في البدلين؛ لأن الشرط والصفة والاستثناء يرجع إلى جميع ما قدر، فيصير كنهيه [عليه الصلاة والسلام] عن (الكالئ بالكالئ). 13140 - قلنا: هذا غلط؛ لأن قوله: (نسيئة (حال وليست بصفة، بدلالة: أنها نكرة، ولا يجوز أن يوصف بها المعرفة، والحيوان معرفة، وإذا كانت حالاً لم يجز أن تكون حالاً لهما؛ لأن التعليل في أحدهما: الإضافة، والآخر: البناء، والعامل في الاسم هو العامل في الحال، ولو كانت حالاً منهما صارت معمولاً لعاملين، وهذا لا يصح. 13141 - ولأن ما لا يجوز السلم في أطرافه لم يجز في جملته. لأنا قلنا: في أطرافه، وليس البيض طرفاً، ولو قلنا: في أجزائه لم يلزم؛ لأن أجزاء البيض المقصودة بالعقد يجوز السلم فيها بالصفرة والبياض، وإنما لا يجوز فيما لا يتقوم ولا يقصد. 13142 - ولأن ما لا يضمن بمثله لا يجوز السلم فيه إذا لم يعرف قدره بغيره، كالقسي والنبل، والجوهر.

13143 - فإن قيل: القسي من أنواع مختلفة إذا زاد القرف على الخشب كان أفضل من زيادة الخشب، ويمكن وصفه حتى يحمل على تساوي الأجزاء أو غلبها. 13144 - فإن قيل: المعنى فيه: أنه لا يثبت في الذمة مهراً، لم نسلم ذلك في القسي، فأما الجوهر فمسلم إلا أنه قد يثبت في الذمة مهراً ما لا يجوز أن يثبت سلماً، كمهر المثل في العقد الصحيح. 13145 - ولأن فساد المهر لا يوجب فساد النكاح، فجهالته لا تمنع ثبوته، والسلم بخلافه، ويبطل بتعليم القرآن يجوز أن يكون عندهم مهراً، ولا يجوز أن يكون سلماً. 13146 - قالوا: قال البويطي: يجوز السلم في المنافع. 13147 - قلنا: ذاك إجارة بلفظ السلم، كما قال: يجوز بيع المنافع، بمعنى: يجوز إجارتها بلفظ البيع. 13148 - ولأن ما يجوز السلم فيه إذا لم يذكر سنه لا يجوز، وإن ذكر سنه كالفهد والأسد جاز. 13149 - ولأنه سلم في حيوان، كالسلم في غيره. 13150 - ولأن ما لا يجوز السلم فيه إذا كان رأس المال اللحم لم يجز، وإن كان رأس المال غيره كالقسي جاز، ويعني به: اللحم من جنس المسلم فيه. 13151 - ولأنه إذا أسلم في رباع مؤجل لم يخل أن يكون فيها رباع عند العقد، أو فيها لم يبلغ ذلك، فإن تناول العقد الرباع في الحال فهو يصير عند حلول الأجل أكثر من رباع، وإن تناول ما هو أنقص من ذلك وقع السلم في معدوم، وقد

دللنا على أن ذلك لا يجوز. 13152 - وهذه المسألة مبنية على: أن الحيوان لا يضبط بالصفة الضبط الذي يصير به معلوماً في السلم؛ لأن المقصود منه معاني عن السن والسمن واللون وهو عظم الحلقة والقوة وقد يضيق الحيوان في السن، والغلة والعبالة، وكثرة الحمل وشدة السير، فلم تستغرق الصفة هذه المقاصد. 13153 - لا يسمى التفاضل في بني آدم؛ بدلالة: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ما من شيء يفضل الواحد منه ألفاً من جنسه إلا الآدمي). 13154 - ولأنه يظهر من نفسه حالاً، وما هي عليه. 13155 - ولأن المنزلة المطلوبة من الحيوان لا تعلم إلا بالاختيار وذلك لا يأتي الوصف عليه. 13156 - فإن قيل: فرض الله على بني إسرائيل ذبح بقرة ووصفها، فصارت معلومة لهم. 13157 - قلنا: الصفات المفروضة التي كانت عليهم تضبط بالصفة، ولم يكن المقصود من الإيجاب كل الصفات التي لا تأتي الصفة عليها، وهذا مقصود في السلم. 13158 - وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تصف المرأة المرأة لزوجها حتى كأنه شاهدها) - لا دلالة فيه؛ لأن الغرض في صفات النساء ذكر ما يتعلق قلب الرجل به من الحسن، وهذا يمكن وصفه، والمقصود في السلم ما يزيد على ذلك.

13159 - قالوا: فقد أوجب الله تعالى الحيوان في الزكاة والدية، فدل على أنه معلوم. 13160 - قلنا: الصفات التي علق الله تعالى الوجوب بها لا يجوز الاقتصار عليها في السلم. 13161 - فإن قيل: بيع الحيوان المشاهد جائز وإن لم تدل المشاهدة على الصفات الباطنة من الفرق اليسير. 13162 - قلنا: كما يجوز في صبرة مشاهدة مجهولة القدر، فلا يجوز السلم كذلك ويجوز ابتياع القسي والغالية، ولا يجوز السلم فيها. 13163 - فإن قيل: لو أسلم في العصافير لم يجز عندكم، وهي لا تختلف ولا تتفاوت. 13164 - قلنا: إذا ثبت في الحيوان المختلف ثبت في العصافير بالإجماع. 13165 - ولأن العصافير لا يجوز السلم [فيها]؛ لأنها لا تتباين في العادة ولا يحبس المتوالد، والسلم فيها في معنى السلم في المعدوم، وإذا ثبت أن الحيوان لا تضبط صفته لم يجز السلم فيه، كالرؤوس، والأكارع، والقسي، وهذه الطريقة أكثر أصحابنا عليها. وقد حكى عمرو بن أبي عمرو، عن محمد: أنها تضبط بالصفة، وقال: وصف شاة أسهل من وصف ديباجة، وإنما امتنعت من السلم للآثار. 13166 - احتجوا: بما روى عطاء بن يسار، عن أبي رافع (أن النبي - صلى الله عليه وسلم -

استسلف من رجل بكراً فجاءته إبل من الصدقة فأمرني أن أقضيه إياه). 13167 - قالوا: ومعنى استسلف: استقرض. 13168 - قلنا: هذا القرض لم يكن ديناً في ذمته؛ لأنه لو كان كذلك لم يجز أن يقضيه من الصدقة، وهي محرمة، فيحتمل: أن يكون استسلف زكاته، فحال الحول ولا زكاة على السلف، فقضاه من حق الفقراء، أو يكون: استقرض للمسلمين، فثبت القرض في بيت المال، ولم يثبت في ذمته، فجاز أن يثبت مع الجهالة، كما يثبت المجهول لبيت المال. 13169 - قالوا: روى عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يجهز جيشاً، قال عبد الله: وليس عندنا ظهر، قال: وأمرني أن أبتاع ظهراً إلى خروج المصدق، فابتعت البعير بالبعيرين [وبالأبعرة، إلى خروج المصدق بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -]). 13170 - قلنا: هذا الخبر ذكره في السنن، وفيه: (فأمره أن يأخذ من قلائص الصدقة، فكان يأخذ البعير بالبعيرين [إلى إبل الصدقة (، ومعنى هذا: أنه أمره أن يستسلف من أرباب الأموال الزكاة وأخذ البعير الكبير الذي يصلح للقتال بالبعير] من أسنان الصدقة، وهذا جائز عندنا. 13171 - فإن ثبت قوله: (فأمرني أن أبتاع ظهراً)، فمعناه: آخذ من أرباب الأموال البعير بالبعير، وسمى ذلك بيعاً؛ لأن البيع صرف شيء إلى شيء، ويجوز أن يكون: فآخذ ذلك من أهل الحرب، والربا معهم جائز، وقد كان يستعين بهم وبأموالهم في الحروب، فيجوز أن يبتاع منهم؛ ألا ترى: إلى ما روي: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم -

كتب إلى يهود بني قينقاع: نحن وأنتم من أهل الكتاب، فإما أن تعينونا على قتال أهل الشرك، أو تعيرونا)، فاستعان بهم واستعار منهم، وكذلك يجوز أن يكون ابتاع منهم، ويجوز أن يكون ابتاع لبيت المال، بدليل: أنه شرط قضاءه من الصدقة، وديون النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تقضى منها، ويجوز أن يثبت الولي لبيت المال حقوقاً مجهولة، ولهذا جعل الأجل وجهولاً، وهو خرج المصدق. 13172 - فإن قيل: إذا شرط قضاء القرض من مال بعينه لم يتعلق به، كذلك قضاء الدين. 13173 - قلنا: ذلك لأنه لا يثبت في الذمة ها هنا ما يثبت في ذمته، فثبت في بيت المال. 13174 - قالوا: خروج المصدق كان أجلاً معلوماً؛ لأنه كان يخرج في المحرم. 13175 - قلنا: هذا كقدوم الحاج الذي يجوز أن يتقدم أو يتأخر، كالحصاد. 13176 - قالوا: روي عن علي (- رضي الله عنه -): (أنه باع جملاً يقال له: عصيفير بعشرين بعيراً إلى اجل). 13177 - وروي: (أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - اشترى راحلة بأربعة أبعرة يوفيها صاحبها بالربذة). 13178 - وروي عن القاسم بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: (أسلم في وصفاء أحدهم، أبو زائدة مولانا)، (وسئل عبد الله بن عمر عن السلم

في الوصائف، فقال: لا بأس به). 13179 - وروى ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس - رضي الله عنه -: (أنه لم ير بذلك بأساً). 13180 - والجواب: ما روي أن عمر - رضي الله عنه - خطب الناس، فقال: (إن الناس يقولون: إن عمر أعلم الناس بأبواب الربا ولئن كنت أعلمكم بها، لأحب إلي من مصر وكورها/ إلا أن من الربا أبواباً لا يخفين على أحد، منها: السلم في السن، وبيع الذهب بالورق عن تأخر). 13181 - وروى شعبة، عن قيس [بن مسلم، عن طارق بن شهاب] قال: (أسلم زيد بن خليدة إلى عتريس بن عرقوب في قلائص كل قلوص بخمسين، فلما جاء الأجل جاءه فأعطاه، فأتى ابن مسعود لينظر فنهاه عن ذلك، فأمره أن يأخذ رأس ماله). 13182 - وروى شعبة، عن عمار الذهبي، [عن سعيد بن جبير] قال: (كان

حذيفة يكره السلم في الحيوان). 13183 - وعن أبي نضرة أنه سأل ابن عمر عن السلف في الوصائف، فقال: لا بأس به، فقلت: إن أمراءنا ينهون عن ذلك، قال: فأطيعوا أمراءكم، قال: وأمراؤنا يومئذ عبد الرحمن بن سمرة، وأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -. 13184 - ذكر هذه الأخبار التي بعد حديث عمر - رضي الله عنه - الطحاوي. 13185 - وذكر أصحابنا عن علي، وجابر، وابن عباس والحكم بن عمرو الغفاري - رضي الله عنه - مثل قولنا. 13186 - فأما خبر ابن عمر - رضي الله عنه - فالصحيح: (أنه ابتاع بعيراً بأربعة أبعرة مضمونة بالربذة)، وهذا بيع الغائب وشرط الضمان؛ لأن من مذهب ابن عمر - رضي الله عنه -: أن البائع لا يضمن البيع إلا بالشرط، وأكثر أحوال هذه الروايات أن تدل على أن في هذه المسألة خلافاً بين الصحابة، فلا يستدل بقول بعضهم. 13187 - قالوا: كل عين صح أن تكون في الذمة مهراً صح أن تكون في الذمة سلماً، كالثياب. 13188 - قلنا: السلم في الحيوان عندنا ربا، وكل مهر [على ملك المالك إن

كان عيناً]، فأما الدين فهو في مقابلة البضع، وذلك لا يثبت فيه الربا. 13189 - ولن المانع من ثبوت الحيوان في الذمة الجهالة، وعقد النكاح سومح فيه في باب الجهالة؛ ألا ترى: انه يعقد على امرأة غير مشاهدة ولا موصوفة، ومثل هذا لا يجوز في السلم، فلما سومح بالجهالة في أحد عوضي النكاح سومح في الآخر، والسلم بخلافه. 13190 - ولأن الثابت في الذمة هو الذي يلزم من عليه الحق تسليمه مع بقاء العقد، والمهر يخير فيه الزوج عندنا، إن شاء سلمه، وإن شاء [رجع بفعله] عن حقه، فكيف يسلم ثبوته في الذمة على الإطلاق، والمعنى في الثياب: أن مقدارها يعرف. 13191 - قالوا: جنس معلومة، فصح أن يكون الحيوان عوضاً لأن الذمة فيه أمثلة الأنكحة، والكتابة، والصلح من دم العمد، والخلع. 13192 - قلنا: قد بينا الفرق بين البيع وغيره؛ لأن الربا لا يثبت في غير الأموال ومنافعها، وفي النكاح: المال في مقابلة الاستباحة، والكتابة تثبت الحيوان بدلاً عن العتق، وفي الصلح عن دم العمد بدلاً عن القصاص، فلا يثبت في ذلك الربا. 13193 - ولأن النكاح ينعقد صحيحاً من غير بدل، فيجوز أن ينعقد ببدل لا يستقر في الذمة، والبيع بخلافه. 13194 - وأما الخلع فهو في معنى النكاح ولن الزوج يملك بالنكاح البضع، والمرأة تملك عليه بالخلع. 13195 - وأما الصلح فيجوز أن يثبت الحيوان فيه بدلاً من طريق الحكم، فجاز أن يثبت بالعقد، ولا يثبت بالحيوان في السلم حكماً، ولا يثبت بالعقد.

13196 - فأما الكتابة فهي عقد المولى مع عبده والربا ليس بينهما؛ ولأن المال عوض عن العتق، والربا لا يثبت في ذلك. 13197 - قالوا: كل ما وجب فيه الزكاة جاز السلم فيه، كالحبوب. 13198 - قلنا: الحبوب يعلم قدرها بغيرها، فإذا جاز بيعها جاز السلم فيها، والحيوان مختلف لا يعرف قدره بغيره. * * *

مسألة 662 استقراض ما لا مثل له

مسألة 662 استقراض ما لا مثل له 13199 - قال أصحابنا: لا يجوز استقراض ما لا مثل له. 13200 - وقال الشافعي: يجوز القرض في كل شيء جاز بيعه، إلا الجواري اللاتي لا يحل للمستقرض وطؤهن. 13201 - لنا: أن ما لا يلزم شيء مثله لا يجوز استقراضه، كالسباع. 13202 - ولأن كل تمليك يصح [يصح في الجواري يصح] فيما يجوز استباحته منهن بالبيع، فلذا لم يصح استقراضهن. ولأنه كالعين المأخوذة، ولهذا لا يجوز تأجيله، كما لا يجوز تأجيل الأعيان، وما لا مثل له لم يضمن بقيمته ولا يصح ان يجعل المردود كالعين المأخوذة. 13203 - واحتجوا: بما روى أبو رافع (استسلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكراً، فجاءته إبل [مني الصدقة، [قال أبو رافع]: فأمرني [رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] أن أقضي

الرجل بكرةً، فقلت: (لم أجد في الإبل إلا جملاً خياراً رباعياً، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطه [إياه]، فإن خيار الناس أحسنهم قضاء). 13204 - قلنا: هذا كان قبل تحريم الربا، وقد كان يجب في الحيوان المثل. 13205 - وقد روي: (أن رجلاً وطئ جارية امرأته فقضى النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثلها)، ثم نسخ ذلك، ووجب في المتلفات التي ليس لها مثل القيمة، ففي الحال التي كان الحيوان يضمن بمثله كان يجوز قرضه. 13206 - ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يجوز له أن يقترض لنفسه ويقضي من الصدقة؛ لأنها محرمة عليه، فثبت أنه استقرض لبيت المال، وذلك يثبت مع الجهالة، ألا ترى: أن العامل يجوز أن يشترط له سهم من الصدقة، ولا يجوز في الإجارات مثل ذلك. 13207 - فإن قيل: ليس يمتنع أن يكون لقرض نفسه، ثم استقرض من الزكاة، فقضاه.

13208 - قلنا: إذا لم تحل له لم يجز أن يقترضها، ولهذا أخذ التمرة من فم الحسن فألقاها، ولم يتركه يأكلها ويعوض مثلها. 13209 - فإن قيل: إنما يثبت في ذمة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو أن القرض لبيت المال، وإلا فكيف يثبت الدين في بيت المال؟. 13210 - قلنا: كما يثبت في [حق الولي، أو] كما تثبت الجناية في رقبة العبد. 13211 - قالوا: فكيف يقضيه أفضل من ماله وهو تبرع بمال الفقراء،. 13212 - قلنا: يجوز أن يكون القرض من صنف الصدقة بوضع الفضل فيه، فوضع الفضل فيه. 13213 - قالوا: كل ما صح أن يكون في الذمة مهراً صح أن يكون فيها قرضاً، كالثياب. 13214 - وقد أجبنا عن هذه العلة في المسألة التي قبل هذه. 13215 - قالوا: ما صح أن يستقرضه لبيت المال صح أن يستقرضه لنفسه، كالدراهم. 13216 - قلنا: قد بينا أن بيت المال يثبت له حقوق مجهولة، فلذلك يثبت عليه، والذمم بخلاف هذا، ويجوز أن يعجل لبيت المال ببدل المسلم فيه وإن لم يجز لغيره، ولذلك يجوز استقراض المجهول له، وإن لم يجز لغيره.

مسألة 663 السلم في رأس المال الذي يتعلق العقد على قدره

مسألة 663 السلم في رأس المال الذي يتعلق العقد على قدره 13217 - قال أبو حنيفة: إذا كان رأس المال مما يتعلق العقد على قدره لم يصح السلم حتى يسمى قدره وإن أشار إليه، فإن كان مما لا يتعلق العقد على قدره جاز السلم إذا شاهد عينه وإن لم يعرف مقداره، كالثوب. 13218 - وقال الشافعي في أحد قوليه: لا يجوز حتى يكون معروف القدر والصفات، وسواء كان ثوباً أو غيره، وهل يجوز أن يكون مما لا يجوز السلم فيه؟ قولان. وقال في القول الآخر: يجوز إذا كان معيناً وإن لم يعرف قدره. 13219 - لنا: قوله - صلى الله عليه وسلم - (لا ربا إلا في النسيئة). 13220 - ولأنه بدل في السلم فجاز أن تكون معرفة قدره شرطاً. أصله: إذا

كان في الذمة. 13221 - فإن قيل: إذا كان في الذمة فهو غير معلوم بالمشاهدة. 13222 - قلنا: لا يمتنع أن يعلم الشهادة بغير معرفة مقداره، كقرض رأس مال المضاربة. 13223 - ولأنه أحد بدلي عقد السلم، فوجب أن يكون معرفة ما يتعلق بالعقد على مقداره منه شرطاً. أصله: المسلم فيه. 13224 - فإن قيل: لا يصح اعتبار رأس المال بالمسلم فيه؛ لأن الثوب إذا كان السلم فيه وجب اعتبار قدره، ولو كان رأس المال مالاً لم يجب. 13225 - قلنا: لأنه إذا كان رأس مال لم يتعلق العقد على مقداره، وإذا كان مسلماً فيه تعلق العقد على قدره. 13226 - ولن كل ما شرط في السلم معرفة قدره إذا كان رأس المال في الذمة. فإنه شرط، وإن أشير إلى دراهم بعينها. أصله: قدر المسلم فيه. 13227 - ولأنه عقد يقصد فيه الرفق بتأخير أخذ بدله، فوجب أن يكون معرفة مقدار الأجل شرطاً. أصله: القرض. 13228 - ولأن كل غرر وجهالة يجوز أن يطرأ على عقد السلم، [يكون وصفه] شرطاً، كما لو أسلم بمكيال رجل بعينه. ومعلوم أنه إذا أسلم دراهم لا يعرف قدرها جاز أن يستحق بعضها، فلا يدري كم القدر الذي صح العقد فيه، ويجوز أن يكون بعضها زيوفاً أو ستوقة، فلا يعلم مقدار الباقي من المسلم فيه، فوجب أن تنتفي هذه الجهالة عن العقد بذكره مقدار الدراهم.

13229 - ولا يلزم: إذا أسلم ثوباً؛ لأن الاستحقاق يقع في جزء منه شائع فبقي الثاني بقدر ما لم يستحق من الثوب، وهو معلوم. 13230 - ولا يلزم إذا أسلم ثوبين في كر حنطة أن الاستحقاق يجوز أن يوجد في أحدهما ولا تعرف قيمته، فيجهل مقدار ما بقي؛ لأن هذه المسألة لا رواية فيها، ومن اعتل بهذه العلة قال: السلم لا يجوز. 13231 - فإن قيل: يبطل إذا أسلم ثوباً فاحترق بعضه في بد رب السلم، فإنه لا يعلم جهة الباقي. 13232 - قلنا: لا يمكن الاحتراز منه؛ لأنه لا يجوز أن يضبط البدل على أجزاء معينة/ بين الثوب، وبين الثوبين حتى يمكن الاحتراز إن سمى حصة كل واحد منهما. 13233 - فإن قيل: يبطل إذا أسلم مائة في كر على أن يرد المسلم إليه ثوباً بعينه. إذ يجوز أن يملك هذا الثوب، فلا يدري كم يرد من جنسه ولا كم يبقى من دراهم رأس المال. 13234 - قلنا: قد ذكر أن هذه المسألة وجدت في نسخ قديمة على الخلاف عند أبي حنيفة، ولا يجوز. 13235 - فإن قيل: الجهالة التي يجوز أن تطرأ إنما هي جناية عند الفسخ، فلا يجوز حفظ العقد منها، كما لو اشترى ثوبين بألف جاز أن يهلك أحدهما ويعين حصة الآخر مجهولة، ولا يؤثر في العقد. 13236 - قلنا: الجهالة في السلم يجب أن تُنفَى عنه مع بقاء العقد من كل

المعقود عليه وفي بعضه، لأنه متى استحق بعض رأس المال فالجهالة قد حصلت في مقدار ما بقي. 13237 - فأما البيع إذا هلك أحد العبدين فالجهالة لا تؤثر، كما لا تؤثر الجهالة إذا باع بمكيال رجل بعينه وإن كان العقد لم يفسخ. 13238 - احتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم)، فأمر بمعرفة قدر المسلم فيه، فلما كان يجب معرفة قدر أحدهما دل على أن الآخر في حكمه. 13239 - قالوا: اتفقنا على أنهما لا يتساويان؛ لأن المسلم فيه إذا كان ثوباً وجب أن يصفه، ولو كان رأس المال لم يجب أن يوصف. 13240 - قلنا: الواجب أن يتساويا إلا فيما اتفقنا عليه. 13241 - ولأن صفات الثوب المسلم فيه معقود عليها، وليست من رأس المال؛ لأن العقد يقع على عينه، فقد تساويا في أن معرفة مقدار ما يتناوله العقد معتبر فيهما. 13242 - قالوا: عوض في عقد لا يقتضي رد مثله، فوجب أن تغني مشاهدته عن معرفة مقداره، كالثمن في بيوع الأعيان، والصداق في النكاح، والأجرة وإن كان رأس المال من جنس الثياب. 13243 - قلنا: يبطل إذا تصارفا، فإن مشاهدة كل واحد من الطرفين لا

تغني عن معرفة مقداره إذا كان جنساً واحداً؛ لأنه لا بد أن يعلم أن يساوي الآخر، وهذه معرفة مقدار المعنى في الثمن، أن معرفة مقدار المبيع لا يعتبر في جميع الأحوال، فلم يعتبر معرفة مقدار بدله في السلم بخلافه. 13244 - ولأن البيع يجوز مع جهالة البدلين في الحال، بدلالة: أن من باع ملء هذا الزنبيل بوزن هذا الحجر جاز ولا يجوز السلم، فإنا لا نعرف مقداره، كذلك لا يجوز بدله وزن هذا الحجر حتى لا يعرف مقداره. 13245 - وأما الصداق: فيجوز مع جهالة القدر وإن كان ديناً. لأنه إذا تزوجها ولم يسم لها مهراً ثبت لها مهر مثلها بالعقد عندنا وبالوطء عندهم، ويجوز مع عدم البدل، فجاز أن يصح مع جهالة مقداره. 13246 - وكذا الأجرة في الإجارة لأنه لما جازت الإجارة مع ضرب من الجهالة في المنافع؛ بدلالة: أنه يستأجر على نقل هذا الطعام، كذلك يجوز مع جهالة مقداره؛ وفي مسألتنا: لا يصح مع جهالة المسلم فيه، كذلك جهالة مقدار ما يتعلق العقد على قدره من رأس المال. 13247 - فأما إذا كان رأس المال ثوباً فذرعه صفة فيه وليس معقوداً عليه، بدلالة: أن من اشترى ثوباً على أنه عشرة أذرع فوجده أحد عشر كان له. وإذا كان الذراع صفة فجهالته كجهالة مقدار الدراهم، فلا يمنع من صحة السلم. 13248 - وأما الوزن فهو: معقود عليه، بدلالة: أن من باع دراهم على أنها

عشرة فوجدها أحد عشر، فجهالتها كجهالة قدر المسلم فيه. 13249 - قالوا: كل عوض لا يجب تقديره إذا كان من جنس الثياب، لم يجب تقديره إذا كان من جنس المكيل والوزن، كالقرض في البيع. 13250 - قلنا: يبطل بالعقد إذا وقع على المكيل والموزون بجنسه، ووجب اعتبار تقدير أحدهما بما يماثل الآخر، كما لو شرط أكثر أو أقل فسد العقد. * * *

مسألة 664 السلم في اللحم

مسألة 664 السلم في اللحم 13251 - قال أبو حنيفة: لا يجوز السلم في اللحم. 13252 - وقال الشافعي: يجوز إذا سمى جنسه، وأنه ذكر أو أنثى، ومعلوف أو راع، ويذكر سن الحيوان وموضع اللحم من الشاة. 13253 - لنا: أنه عضو من الشاة، فلا يجوز السلم فيه، كالرأس. 13254 - ولأن المسلم فيه لا يجوز لغير الطبخ والشي، فلا يجوز سلمه، كالرأس. 13255 - ولأنه لو أسلم ولم يبين السن، لم يجز، كذلك إذا بين السن. أصله: الرأس، والأكارع. ولأنه سلم في اللحم؛ فلم يجز كالمستوي، وكلحم ما لا يؤكل لحمه. 13256 - ولن ما لا يجوز السلم فيه إذا لم يبين الذكر والأنثى لم يجز، وإن

بين، كالرأس. 13257 - ولا يلزم الشحم والألية؛ لأنها لا تختلف عندنا باختلاف العظام، فلا يجوز [السلم] فيه، كالرأس. 13258 - ولا يلزم: السمك؛ لأنه إن كان كباراً لا يجوز السلم فيه في إحدى الروايتين، وإن كان صغاراً لم يختلف بالعظم؛ لأن عظمه يؤكل. 13259 - ولا يلزم الألية أن ليس فيها عظم؛ لأن ذلك لا يختلف ولا يتفاوت. 13260 - فإن قيل: السلم في الرؤوس فيه قولان. 13261 - قلنا: إذا أسلم وزناً ونحن نقيس عليها عدداً ونقيس على الرؤوس المستوية. 13262 - احتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم وأجل معلوم). 13263 - الجواب: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -[شرط أن يكون الوزن معلوماً، فيستحيل] أن يعتبر فيها ولا يعتبر موزوناً معلوماً، ونحن لا نسلم أن اللحم معلوم. 13264 - قالوا: إذا ذكر نوع الحيوان، وسنه، وسمنه، وأنه ذكر، أو أنثى، أو خصي، أو فحل، ومعلوف، أو راع، وذكر موضع اللحم، فإنه لا يختلف بعد ذلك اختلافاً يختلف الثمن لأجله، وإن اختلف كان يسيراً، فهو كالشحم. 13265 - قلنا: هذا يوجد في الرؤوس، ولا يجوز السلم فيها عندنا مع وجود ما ذكروه، وكذلك اللحم المشوي. 13266 - وأما الشحم: فالمقصود منه السمن وكله سمن، وليس فيه عظم، واللحم يختلف باختلاف عظامه ورعيه وهزاله، فلم يجز السلم فيه.

مسألة 665 السلم في الجوز والبيض

مسألة 665 السلم في الجوز والبيض 13267 - قال أصحابنا، إلا زفر: يجوز السلم في الجوز والبيض عدداً وكيلاً ووزناً. 13268 - وقال الشافعي: يجوز السلم في الجوز واللوز كيلاً، ولا يجوز عدداً، ويجوز السلم في البيض [وزناً]، ولا يجوز كيلاً ولا عدداً. 13269 - لنا: أن كل ما يعرف بتقدير الحول جاز السلم فيه، أصله: الكيل والوزن. 13270 - ولأن الكيل يجوز السلم في الجوز، فجاز في البيض أصله: الوزن. 13271 - ولأن ما جاز القرض منه بصفة، جاز السلم فيه بتلك الصفة إذا كان مما يصح السلم فيه. أصله: الكيل في الحنطة. 13272 - احتجوا: بأنه يختلف في العدد اختلافاً متبايناً؛ لأن الجوزة تكون مثل

الجوزتين، والبيضة مثل البيضتين، فصار كالرمان، والبطيخ. 13273 - والجواب: أن السلم لا يجوز حتى يبين النوع، والنوع الواحد لا يختلف اختلافاً متبياناً. 13274 - ولأن الاختلاف يوجد في جملته ولا يوجد في آحاده؛ ألا ترى: أنه يتقدر تفاضل القيمة بين الجوزتين، والمؤثر هو تفاوت الآحاد، وليس كذلك البطيخ والرمان؛ لأن آحاده تختلف، ولهذا يتقدر فضل القيمة بين آحاده. * * *

مسألة 666 السلم في الدراهم والدنانير وتبرهما

مسألة 666 السلم في الدراهم والدنانير وتبرهما 13275 - قال أصحابنا: لا يصح السلم في الدراهم والدنانير وتبرهما. 13276 - وقال الشافعي: يصح. 13277 - لنا: أن ما لا يصح السلم فيه إذا كان رأس المال من جنس الأثمان، لم يصح السلم فيه بحال، كالجوهر، والغالية. 13278 - ولأنه عقد شرط فيه القبض في المجلس، أو اختص من نوع البيوع باسم، فلم يجز على دراهم مؤجلة، كالصرف. 13279 - ولأنه أحد بدلي السلم، فلم يجز أن يكون ثمناً مؤجلاً، كرأس المال. 13280 - ولأن من أصلنا: أن [السلم] لا يصح إلا بتأجيل، فليس من شرط ثبوت الأثمان في الذمة التأجيل. 13281 - احتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم وأجل معلوم).

13282 - والجواب: أن ثبوت الدراهم في الذمة لا يفتقر إلى التأجيل، فوجب حمل الخبر على ما يقف ثبوته في الذمة على الأجل، وهو ما سوى الأثمان. 13283 - قالوا: مال يضبط بالصفة، فجاز السلم فيه، كالثياب. 13284 - قلنا: الثياب يجوز أن يكون رأس مالها من جنس الأثمان، فجاز السلم فيه، كالثياب. أو: ما جاز أن يثبت في الذمة صداقاً أو قرضاً جاز السلم في جنسه. 13285 - قلنا: لا يخلو مخالفنا أن يثبت معنى العقد أو اسمه، فإن أثبت اسمه: فأهل اللغة لا يسمون من باع بدراهم مسلفاً فيها، وإن أثبتوا معنى العقد من وجوب قبض رأس المال في المجلس: لم يصح؛ لأن من باع ثوباً بدراهم لم يشترط في العقد قبض الثوب. 13286 - على أنه إذا عقد على دراهم في الذمة مؤجلة أو غير مؤجلة وبدلها من جنس الأثمان فالعقد عندنا جائز؛ ولن الأحكام المختصة بالسلم لا تثبت. * * *

مسألة 667 السلم في الدراهم مع نقد بعضها في المجلس والتداين في الآخر

مسألة 667 السلم في الدراهم مع نقد بعضها في المجلس والتداين في الآخر 13287 - قال أصحابنا: إذا أسلم ألف درهم: خمس مائة منها ديناً على المسلم إليه، وخمس مائة نقدها في المجلس، صح، وإن لم ينتقد إلا خمس مائة، بطل حصة الدين. 13288 - وقال الشافعي في أحد قوليه: يبطل العقد في الجميع. 13289 - لنا: أن الدراهم لا تتعين بالعقد، وإذا سمى المهر رأس المال انعقد العقد على مال في ذمته، ثم بطل/ في بعضه لترك القبض، فكأنه سمى ألفاً مطلقة، فنقد بعضها وافترقا قبل نقد الباقي. 13290 - ولأنه سمى في رأس المال ما يجوز أن يملك في البيع، وبطلان العقد في بعضه لا يبطل باقيه، كما لو أسلم ثوباً ودراهم في طعام فهلك الثوب قبل التسليم. 13291 - ولا يلزم: إذا أسلم خمس مائة نقداً أو خمس مائة له في ذمة غير المسلم إليه؛ لأن العقد إنما فسد عندنا لأنه شرط فيه شرطاً فاسداً، وهو استيفاء البدل من غير

العاقد، فالدين لم يتعين عندنا وإلا فسد بعد الإصداق، ولهذا لو نقده الألف كلها في مسألتنا جاز ولو نقده بعضها لم يجز. 13292 - ولا يلزم: إذا أسلم حنطة في شعير وزيت؛ لأن المفسد للعقد ليس هو بطلانه في بعض المال، وإنما المبطل دخول التأجيل في الشعير الذي قابل الحنطة. 13293 - احتجوا: بأنها صفة اشتملت على ما يصح وما لا يصح، فوجب أن يبطل في الجميع. أصله: إذا كان رأس المال حراً وعبداً. 13294 - قلنا: لا نسلم أن الصفة اشتملت على ما لا يصح؛ لأن العقد وقع على ألف في ذمة رب السلم. 13295 - قالوا: إن كان كما ذكرتم فيجب أن يصح العقد في حصة الدين؛ لأنه مقبوض في الذمة، ولا يصح قبضه بل يبرأ منه بالعقد. 13296 - قلنا: هذا كلام في مسألة أخرى لا يلزمنا بيانها، على أنا قد بينا: أن من شرط السلم تعجيل أحد بدليه، وما في الذمة لو كان مقبوضاً فليس بمعجل. * * *

مسألة 668 المتصرف في رأس مال السلم قبل قبضه مع تقايلهما السلم

مسألة 668 المتصرف في رأس مال السلم قبل قبضه مع تقايلهما السلم 13297 - قال أصحابنا: إذا تقايلا السلم، لم يجز التصرف في رأس المال قبل قبضه. 13298 - وقال زفر: يجوز، وبه قال الشافعي. 13299 - لنا: ما روي في حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من أسلم في شيء فلا يأخذ إلا ما أسلم فيه، أو رأس ماله)، ذكره الدارقطني. 13300 - ولأنه تصرف في رأس مال المسلم، فلم يجز. أصله: قبل الفسخ.

13301 - ولأنه أحد متعاقدي السلم فلم يجز تصرفه في رأس مال السلم قبل قبضه. أصله: المسلم إليه. 13302 - احتجوا: بأنه مال عاد إليه بفسخ عقد، فجاز أن يأخذ بدله قبل قبضه، كالصرف. 13303 - قلنا: عقد الصرف لا يجب تعيين البدل فيه ابتداء؛ لأنهما لو تصارفا فاعتبره بدينار في ذمته جاز؛ فلذلك يجوز أن لا يتعين في حال الفسخ، ولما وجب في السلم تعيين رأس المال ابتداء حتى لا يجوز بدين في ذمة المسلم إليه، كذلك لا بد من التعيين في انتهاء العقد. 13304 - قالوا: إنه مال مستحق بعقد معاوضة؛ فجاز صرفه إلى غيره قبل قبضه، كسائر الديون، وما ملك بالإرث. 13305 - قلنا: لا نسلم؛ لأنه لم يملك لمعاوضة؛ لأن الإقالة فسخ في حق المتعاقدين بيع في حق غيرهما، فهي بيع في حق الله والقبض لحقه، فهو مملوك لمعاوضة. والمعنى في سائر الديون: أن قبض ما في المجلس غير مستحق، ولا هي بدل سلم، وفي مسألتنا: هذا بدل السلم، فلم يصح أن ينصرف فيه بحال بقاء العقد. * * *

مسألة 669 إعطاء المسلم إليه أجود مما عليه وأفضل مع طلبه العوض عن الزيادة

مسألة 669 إعطاء المسلم إليه أجود مما عليه وأفضل مع طلبه العوض عن الزيادة 13306 - قال أبو حنيفة، ومحمد: إذا أحضر المسلم إليه ثوباً أجود مما عليه، أو أطول، وقال: خذه وزدني درهماً، يجوز. 13307 - وقال الشافعي: لا يجوز. 13308 - لنا: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من وجبت في إبله بنت مخاض، فلم توجد، أخذنا ابنة لبون وأعطي شاتين). 13309 - فدل على أن من وجب عليه حق لا ربا فيه، جاز أن يعطي أفضل منه، ويأخذ العوض عليه عن الزيادة. 13310 - فإن قيل: الزكاة لا تشبه السلم؛ لأنه يجوز أن يعطي أكثر مما عليه. [عليه في السلم ما] فاته من حصة البعض المعلومة بالعقد، كما لو أسلم في قفيز فجاءه بأقل منه، وإنما لا يجوز في الثوب لأن حصة النقصان ليست معلومة البدل، فلا يصح الفسخ ببدل مجهول. 13311 - ولأنها زيادة لم تستحق عليه بعقد السلم عند ملاقاة جنسها، فجاز أخذ العوض عنها، كما إذا جاءه بثوب آخر. أو إذا أسلم في قفيز فجاءه بقفيز ونصف.

13312 - ولأنها زيادة في مقدار ما وقع عليه السلم، فجاز أخذ العوض، كالزيادة في كيل الطعام. 13313 - احتجوا: بأن الجودة صفة؛ فلا يجوز إفرادها بالبيع، كما لو كان المسلم فيه مكيلاً أو موزوناً. 13314 - قلنا: أليس إذا لم يجز إفراد الشيء بالعقد لم يجز أن يتعوض عنه إذا قضى به ديناً، وهو أنقص منه؟ ألا ترى: أن زيادة القيمة في ابنة لبون لا يجوز إفرادها بالبيع، ولو أخذها في الزكاة عن ابنة مخاض ودفع عنها عوضاً جاز. 13315 - ولأنه لا يجوز إفرادها بالتمليك؛ لأنه لا يمكن إفرادها بالتسليم، وفي مسألتنا: يمكن تسليمها مع الأصل، فجاز أن تملك [بعوضها]. 13316 - ولأن المعنى في الطعام: أن الجودة لا يجوز أخذ العوض عنها إذا لاقت جنسها، فلا يجوز أن يأخذ قفيزاً جيداً عن قفيز رديء ودرهم، وجودة الثوب يجوز أن يتعوض عنها إذا لاقت جنسها، فجاز أن يأخذ عن ثوب رديء ودرهم ثوباً جيداً. * * *

مسألة 670 الرجوع بالأرش إذا قبض المسلم إليه فحدث به عيب ثم اطلع عليه

مسألة 670 الرجوع بالأرش إذا قبض المسلم إليه فحدث به عيب ثم اطلع عليه 13317 - قال أبو حنيفة: إذا قبض المسلم إليه، فحدث به عيب، ثم اطلع على عيبه، لم يكن له الرجوع بالأرش. 13318 - وقال محمد، وزفر: يرجع بأرش العيب، وهو قول الشافعي. 13319 - لنا: أن القبض لو بطل في جميع المقبوض، لم يرجع برأس المال، فإذا تعذر القبض في جزء منه لم يرجع بحصته من رأس المال. [وبيع العين بخلافه] ألا ترى: أن المبيع لو استحق رجع بالثمن، فإذا تعذر القبض في جزء منه رجع بحصته. 13320 - ولأنه لو رده لم ينفسخ السلم، فلا يرجع بالأرش إذا وجد به عيباً، كما لو علم بالعيب وتمكن من الرد فلم يرد حتى حصل فيه عيب آخر. 13321 - ولأن كل ما لم يرده من أول ما تمكن من الرد لم يكن له الرجوع بالأرش، وإذا تعذر الرد بالعيب لم يكن له الرجوع بالأرش، كالدراهم بالدراهم،

والطعام بالطعام. 13322 - احتجوا: بأنه تعذر رده بعينه بمعنى حدث فيه لا يتضمن الرضا به، فجاز له الرجوع. أصله: بيع الأعيان. 13323 - قلنا: يبطل إذا باع دراهم بدراهم. ولأن بيوع الأعيان لو انفسخ القبض في جملتها رجع بالثمن، فإذا تعذر الرد في جزء منها رجع بحصته، وفي مسألتنا بخلافه. 13324 - قالوا: معنى يستدرك به السلامة من العيب بالمعقود، فوجب أن يكون له مدخل في السلم. أصله: الرد. 13325 - قلنا: الرد يجوز أن يثبت في بيع الدراهم بمثلها، فجاز السلم فيه، والرجوع بالأرش ليس هو فسخ العقد من أجل الفائت؛ لأن الثمن لا يتقسط على الأجزاء المعيبة وإنما يتقسط على المبتاعة، وإنما الأرش إسقاط جزء من الثمن لأجل العيب. 13326 - قلنا: الجزء الفائت لا حصة له، ولكنه متى تعذر الرد صحت المطالبة، وصارت له حصة، بدلالة: أن المبيع يقوم صحيحاً، ثم يقوم معيباً ويقسم الثمن على ذلك، وقسمة الثمن تطلب الحصة. 13327 - فدل على أنا نفسخ العقد في مقدار الجزء الفائت، ويرجع بالثمن الذي يخصه. * * *

مسألة 671 السلم فيما له حمل ومؤنة

مسألة 671 السلم فيما له حمل ومؤنة 13328 - قال أبو حنيفة: لا يصح السلم فيما له حمل ومؤنة حتى يبين موضع تسليمه. 13329 - وقال أبو يوسف، ومحمد: يصح. 13330 - واختلف قول الشافعي، واختلف أصحابه في تأويل قوله، فمنهم من قال: له ثلاثة أقوال، أحدها: قول أبي حنيفة، والآخر: يستحب تسمية المكان، والآخر: قول أبي يوسف، ومحمد. 13331 - لنا: أن جهالة مكان التسليم توجب فساد العقد؛ لأنه لو شرط أن يوفيه أي موضع شاء بطل العقد، فكان بيانه شرطاً في السلم أصله: المقدار، والصفات. 13332 - ولا يلزم: ما لا مؤنة فيه؛ لأن جهالة مكان تسليمه لا يفسد العقد، لو قال: علي ان اسلم إليك حيث لقيتنب صح العقد. 13333 - ولأن ما تختلف قيمة العقد باختلافه، ويصح اشتراطه في العقد، فذكره شرط. أصله: صفة المسلم فيه.

13334 - ولا يلزم: ما لا حمل له؛ لأن اشتراط مكان التسليم فيه لا يصح. ولو شرطه لم يتعلق به حكم، فلا يقف العقد على اشتراط ما لا يصح اشتراطه. 13335 - ولأنا أجمعنا على أن جهالة المكان تمنع صحة العقد [لأن أي مكان للتسليم مكان لم يشترط التسليم فيه، فلا يتعين فيه التسليم] كسائر الأمكان. ولأن معرفة المكان شرط في صحة العقد باتفاق، وما شرط في انعقاد عقد السلم فالمعتبر فيه شرط، لا الحكم بالصفات؛ لأنه من اشتراط الجيد أو الوسط، ولا يثبت بإطلاق الوسط. 13336 - ولأنه أسلم فيما له حمل ومؤنة، فلم يجز من غيره، كمكان الإيفاء، كما لو أسلم في البرية. 13337 - ولأن كل ما كان شرطاً في السلم إذا وقع العقد في البرية كان شرطاً إذا وقع في المصر، كسائر الشروط. 13338 - احتجوا: بقوله عليه [الصلاة و] السلام: (من أسلم فليسلم في كيل معلوم، واجل معلوم)، ولم يأمر باشتراط مكان التسليم. 13339 - والجواب: أنه يستحيل أن يشترط كيلاً معلوماً، ولا يصير الكيل معلوماً إلا ببيان موضع قبضه. 13340 - قالوا: تسليم/ مستحق بعقد، فلا يجب شرط موضعه فيه. أصله: إذا لم يكن له حمل، وبيوع الأعيان. 13341 - قلنا: ما لا يحمل لا يختلف المعقود [فيه] باختلاف الأماكن، فلم يكن ذكره شرطاً، وما له حمل يختلف باختلاف الأماكن، فجهالة مكانه تؤدي إلى جهالته.

13342 - وأما بيوع الأعيان: فلو شرط غير مكان البيع لم يصح. فعلم أن تسليمه هناك موجب العقد. وفي مسألتنا: لو شرط تسليمه في غير مكان العقد صح، فدل على أن موجب العقد لا يقتضي التسليم هناك. * * *

مسألة 672 العقد على استصناع الأواني

مسألة 672 العقد على استصناع الأواني 13343 - قال أصحابنا: إذا استصنع الأواني جاز العقد، ولكل واحد منهما الخيار. 13344 - وقال الشافعي: لا يجوز. 13345 - لنا: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن)، وقد جرت العادة باستصناع الأخفاف، والأواني في سائر الأعصار من غير نكير. 13346 - ولا يقال: بأن الشافعي منكر ذلك؛ ولنا لا تعرف هذا من عادة السلف؛ ولأنهم يستصنعون الثياب، ولا يجوز ذلك عندكم؛ لأن أبا حنيفة رحمه الله جوز ذلك، وترك القياس لما رأى من عادة الناس في زمانه واحترافهم، وكانوا لا يستصنعون الثياب، فلا تجوز المكابرة من المشاهدة والاستدلال على ما كانت العادة عليه بما نجد عليه العادة؛ لأن بها إنكار الشافعي، فلا يقدح إذا كانت هذه العادة سابقة لزمانه، لم ينكرها منكر قبله. 13347 - ولأن العقود تارة تقع جائزة غير لازمة، وتارة تقع لازمة، فلما جاز أن يوجد أحدهما في مبيع في الذمة موصوف جاز أن يقع وهو اللازم بالافتراق. 13348 - ولأنه نوع بيع منفرد باسم خاص موضوع له، فكان فيه ما يجوز

أصله: الصرف، والسلم. 13349 - احتجوا: بأنه بيع ما ليس عنده على غير وجه السلم، فوجب أن لا يجوز استصناع الثياب. 13350 - قلنا: هذا صحيح إذا لم تجر العادة باستصناع الثياب، وما جوزته العادة [دليل على قبولها ممن وجدت لديه]، كتمليك الأشياء المتخذة بالمعاطاة، ودفع أجرة الحمام. فإن نازعوا في العادة، قلنا: إنما نعني عادة السلف، وقد بينا: أن أبا حنيفة شاهدهم [في عصره] يعقدون على بعض الأعيان دون بعض. * * *

مسألة 673 الشراء بشرط الإجارة

مسألة 673 الشراء بشرط الإجارة 13351 - قال أبو حنيفة: إذا اشترى فلعة بدرهم على أن يحذوها البائع، جاز البيع. 13352 - وقال الشافعي: لا يجوز. 13353 - لنا: أن الناس يفعلون ذلك في سائر الأعصار من غير نكير. 13354 - ولأنه عقد يشتمل على بيع وإجارة جرت العادة بالتعامل فيه، فصار كصبغ الثوب. 13355 - ولأن العين والعمل كل واحد منهما يجوز العقد عليه على الانفراد، فإذا جاز أن يجتمعا في العقد تبع، وهو العقد على الصبغ، جاز أن يجتمعا في العقد، والعمل تبع له. 13356 - احتجوا: بأنه اشترى عيناً وشرط على البائع منفعة لا يقتضيه العقد، فوجب أن يفسد العقد، كما لو اشترى طعاماً على أن يطحنه، أو غزلاً على أن ينسجه، أو زرعاً على أن يحصده. 13357 - الجواب: أن هذه العقود لم تجر العادة بالتعامل بها، وما خرج عن موضوع العقد ولم يجر التعامل به لم يصح، وإن جرى التعامل به صح، كما ذكرناه

في التمليك بالمعاطاة. 13358 - قالوا: هذا بيع وإجارة، وأحد العقدين إذا شرط في الآخر أفسده. 13359 - قلنا: يبطل بما إذا اشترى تمرة على أن يتركها على النخل. 13360 - ولأن أحد العقدين ها هنا تابع، فيفارق الحكم المشروط صريحاً؛ بدلالة: الصباغ لو ابتاع منه الصبغ واستأجره على العمل جاز، وإن كان البيع بيعاً مع عقد الإجارة، فجاز لتعامل الناس به. * * *

مسألة 674 وكالة المسلم إليه رب السلم

مسألة 674 وكالة المسلم إليه رب السلم 13361 - قال أصحابنا: إذا وكل المسلم إليه رب السلم فاشترى له طعاماً واكتاله، [ثم أمره بقبضه اكتاله] لنفسه، جاز. 13362 - وقال الشافعي: لا يجوز. 13363 - لنا: أنه أمانة في يده، فإذا أذن له في استيفائها جاز، كما لو كان وديعة. 13364 - فإن نازعوا في الوديعة فالدليل فيهما: أن المسلم إليه لو امتنع من الدفع جاز لرب السلم قبض ما في يده بحقه، فإذا أذن ورضي أولى. 13365 - ولأنه لو أذن لغيره من غرمائه في قبض ما في يده بدينه جاز، فإذا أذن له جاز. أصله: إذا كان بمشهد من المسلم إليه. 13366 - احتجوا: بأنه قابض من نفسه بإذن غيره، فلا يصح. أصله: إذا أذن رب السلم للمسلم إليه أن يقبض له ما أخذ منه. 13367 - قلنا: هناك أمره أن يتصرف في ملك نفسه، والإنسان لا يجوز أن يتصرف في ملك نفسه بأمر غيره، فبطل أمره، فكأنه عزل الطعام لغير أمره. وها هنا أمره أن يتصرف في ملك الآمر، فأمره بفعله حكم، فقام مقام فعله.

13368 - ولأنه يجوز مثل هذا القبض بغير أمره ولا رضاه إذا امتنع، فلأن يجوز بأمره أولى. * * *

مسألة 675 وقت خروج المبيع من ضمان البائع

مسألة 675 وقت خروج المبيع من ضمان البائع 13369 - قال أصحابنا: إذا اشترى طعاماً بعينه ودفع غرائره إلى البائع بحضرة البائع، أو وكيله، فقال: كله لي، فكاله فيها، خرج الطعام من ضمان البائع. 13370 - وقال الشافعي: لا يخرج من ضمانه إلا أن يكون بحضرة المشتري، أو وكيله. 13371 - لنا: أن غرائره يده؛ بدلالة: أنهما لو اختلفا في طعام من غرائر أحدهما كان لصاحب الغرائر، فإذا كاله فيها بأمره فقد حصل البيع المعتبر في يد المشتري برضاه، فصار كما لو خلى بينه وبين الثمرة. 13372 - ولأن القبض في العين يحتاج إلى خروج الشيء من ضمان البائع لا لتعيين الملك، فكل قبض للخروج من ضمان العين يفيد تعيين الملك، وأنه يخرج من ضمانه إذا صار في حكم يد مالكه بأمره، كالعين المغصوبة إذا أمره أن ينقلها إلى داره. 13373 - ولأن ما جاز أن يصير المغصوب منه قابضاً جاز أن يصير المشتري به قابضاً؛ أصله: إذا جعله في غرائره بمشهده.

13374 - احتجوا: بأن رب السلم لو دفع غرائره إلى المسلم إليه، وقال: كل المسلم فيها لم يكن قابضاً، وما لا يكون قبضاً [للدين [لم يكن قبضاً للعين]، أصله: إذا كاله المشتري في غرائره، أو ما لا يكون قبضاً] لما في ذمة البائع، لا يكون قبضاً لما في يده. 13375 - قلنا: قد بينا أن الملك لم يتعين فيه، وإنما يملكه بالتعيين، فيصرف المسلم إليه فيه، فيقع في ملك نفسه، ولا يجوز أن يكون بأمر غيره، فلم يتعلق بالأمر حكم، فكأنه كاله بغير أمره، وفي مسألتنا: أمره بالتصرف في ملك نفسه، وكان للأمر فائدة. 13376 - فإن قيل: أمره فيما في ذمته غير صحيح، الدليل عليه: أنه لو أذن في تسليمه إلى وكيله. 13377 - هناك يتعين بقبض الوكيل، ونحن منعنا أن يتصرف الإنسان في ملك نفسه بغير أمره، فأما الوكيل فإنما أذن له في التصرف فيما يتعين بالدين، وذلك ملك لموكله كان أمره فيه. 13378 - قالوا: غرائر المشتري إذا حصلت في يد البائع زالت يد المشتري عنها، بدلالة: أنهما لو تنازعاها كانت للبائع، فإذا كان فيها لم يخرج المبيع من يده. 13379 - قلنا: هذا غلط، هذه الغرائر مع اعتراف البائع يملك المشتري لها في يد المشتري حكماً؛ بدلالة: أنه إذا سلم أنها له ونازعه ما فيها كان القول قول صاحب الغرائر، وإن كانت في يد البائع، فعلم أنها يده من طريق الحكم، فإذا كال فيها بأمره خرج المبيع من يده. * * *

مسائل الصرف

مسائل الصرف [676 - 677] مسألة 676 البيع بألف مثقال ذهب وفضة 13380 - قال أصحابنا: إذا قال: بعتك بألف مثقال ذهب وفضة، جاز البيع، وكان الثمن بينهما نصفين. 13381 - وقال الشافعي: البيع فاسد. 13382 - قالوا: ولو أقر على هذا الوجه رجع إلى بيان المقر.

13383 - لنا: أنهما دخلا في الإطلاق على وجه واحد، فاقتضى إطلاقهما التساوي. الدليل عليه: ولد الأم، قال الله تعالى:} فهم شركاء في الثلث {. 13384 - فإن قيل: لفظ الشركة يقتضي المشاركة في كل جزء، فينفي ذلك انفراد أحدهم بزيادة. 13385 - قلنا: لو تفاضلوا لكانت الشركة موجودة في كل جزء، لأنها تثبت بالسهم القليل والكثير، فعلم أن المساواة وجبت لدخولهما في الإطلاق. 13386 - ولأن كل متعاقدين دخلا في عقد فدخولهما فيه اعتراف بصحته، فإذا أمكن حمل العقد على الصحة كان أولى من حمله على الفساد. 13387 - ولأن العقد إذا كان له حالتان: حالة تؤدي إلى الصحة، وحالة تؤدي إلى الفساد، فحمله على الحالة التي تؤدي إلى الصحة أولى. أصله: نقد البلد. 13388 - احتجوا: بأن اللفظ محتمل التساوي والتفاضل، فهو بمنزلة أن يقول: ألف مثقال بعضه ذهب وبعضه فضة، أو ألف مثقال فيها ذهب وفضة. 13389 - الجواب: لا نسلم أن اللفظ يحتمل التساوي (والتفاضل)، بل ظاهره يقتضي تساويهما، لأن الواو تفيد الاشتراك بين الشيئين، فالشركة تقتضي التساوي، وليس إذا جاز أن يفسر بالتفاضل ما يدل على الاحتمال، لأن التفسير المتصل بغير الجودة إذا قال: سود وزيوف (يحتمل التفاضل)، وإن كان الإطلاق يقتضي غير ذلك. 13390 - فأما إذا قال: بألف، منها ذهب ومنها فضة، وبعضها ذهب وبعضها فضة،] فهو [مثل مسألتنا، لأن الإطلاق يتناولهما على وجه واحد. 13391 - قالوا: لو قال: (جاءني الناس رجالا ونساء)، فلم يفد ذلك التساوي.

13392 - قلنا: ظاهره يقتضي التساوي، فلم نسلم ما قالوا، قال الله تعالى: 155/ب} وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين {/، ولو يفد ذلك التساوي. 13393 - قلنا: لما ذكر الله تعالى تفضيل الذكر على الأنثى وجب أن يتفاضلا وإن اختلف العقد، ولولا ذلك لم يثبت التفاضل. * * *

مسألة 677 قبض بعض ثمن الصرف وافتراق العاقدين قبل قبض البعض الآخر

مسألة 677 قبض بعض ثمن الصرف وافتراق العاقدين قبل قبض البعض الآخر 13394 - قال أصحابنا: إذا تصارفا وتقابضا بعض ثمن الصرف ثم افترقا، صح العقد في المقبوض وبطل فيما لم يقبض. 13395 - وقال الشافعي: بطل في الجميع. 13396 - لنا: ان العقد وقع صحيحا في الجميع، وفسد في بعض المعقود عليه لمعنى طارئ، وهو الافتراق (قبل تمام القبض)، فصار كمن اشترى عبدين فمات أحدهما. 13397 - ولأن الفسخ حصل بفعلهما وهو عدم التقابض، فصار كالفسخ (بالامتناع عن) التقابض. 13398 - ولأن هلاك أحد العبدين أبلغ من الافتراق؛ بدلالة) أنه لا يصلح ابتداء العقد عليه، ولو افترقا جاز أن يبتدئا العقد ثانيا، وإذا كان الهلاك لا يوجب فسخ العقد من جميع المعقود عليه فهذا أولى. 13399 - احتجوا: بأن القبض معنى يتميز به الصرف، كالقبول، والحادث بعد القبض كالحادث قبل الفض. 13400 - قلنا: لا نسلم أن العقد (ينتهي) بالافتراق. بدلالة: أن القاضي

يجبرهما على التقابض في المجلس، وإنما القبض يستقر به العقد، فهو يقبض الأعيان ويستقر العقد به، والافتراق يؤثر في الإبطال كما يؤثر هلاك العين.

كتاب الرهن

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب الرهن

مسألة 678 ضمان الرهن

مسألة 678 ضمان الرهن 13401 - قال أصحابنا: إذا دفع إليه رهنا ليقرضه عشرة دراهم، فالرهن مضمون، إن هلك قبل القرض رد المرتهن على الراهن الأقل من عشرة، ومن قيمة الرهن. 13402 - فإن أقرضه ...

13404 - فأما ضمان الرهن المقبوض قبل القرض: ففرع على أصلنا، أن الرهن مضمون بما قبض على سومه وهو مضمون، كالبيع، وعكسه الإجارة. 13404 - ولأنه ممسك منه على سوم الرهن، فإذا هلك كان مضمونا، كالعارية إذا رهنها عنده على أن يقرضه والعين المغصوبة. 13405 - ولأن العقود على ضربين، منها: عقود معاوضة، ومنها: ما ليس بمعاوضة، فإذا كان في أحد النوعين وهو عقود المعاوضات ما يتعلق الضمان بقبض ثبوته، كذلك وجب أن يكون في النوع الآخر مثله. 13406 - فأما إذا أقرضه فله حبس الرهن بالقبض، والدليل عليه: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (الرهن مركوب ومحلوب)، ولم يفصل. 13407 - ولأنه عقد يصح مطلقا، فلا يكون من شرطه تقدم الدين عليه ولا ثبوته معه، أصله: عقد البيع.

13408 - ولا يلزم: القرض، لأن القرض ينعقد وإن لم يوجد الدين معه وإن تأخر القبض عنه. 13409 - ولا يلزم: السلم، لأنه لا يصح مطلقا إلا مؤجلا. 13410 - فإن قالوا: نقول بموجبه إذا قال: بعني دارك بألف على أن أرهنك عبدين، جاز الرهن وإن لم يتقدمه دين. 13411 - قلنا: الدين ههنا يوجد مع الرهن، ونحن قلنا: فلم يكن من شرطه تقدم الدين عليه ولا وجوده معه. 13412 - ولأن كل دين صح الرهن به بعد ثبوته صح إيجابه قبل ثبوته، أصله: الثمن في البيع إذا قال: بعتك عبدي بألف على أن ترهنني بها هذه الدار. 13413 - ولأنه رهن مشروط من دين يثبت بفعلهما، فصار كالرهن بالثمن من البيع المشروط فيه الخيار. 13414 - ولأن الرهن يجوز أن يتعلق بشرط، وهو أن يكون الدين ثابتا، ولزومه للراهن يتعلق بأمر كائن لا محالة، مثل أن يقول: إذا حل دينك على فلان فأنا ضامن له، ويأخذ بذلك رهنا، أو يكون الدين علق الرهن به، كما يثبت بفعل متعاقدي الرهن مثل مسألتنا. 13415 - والدليل على ذلك: أن الرهن لا يبطله الشروط، بدلالة: قوله - صلى الله عليه وسلم - (لا يغلق الرهن، لصاحبه غنمه، وعليه غرمه).

13416 - قال إبراهيم النخعي: (كانوا يرهنون، ويشترطون: أن الراهن إذا لم يدفع الدين في محله فالرهن للمرتهن، فأبطله عليه] الصلاة [والسلام، وأجاز الرهن). 13417 - وما لا يبطله الشروط يجوز أن يتعلق بشرط، كالعتاق. 13418 - ولأنه إذا قبض الرهن ليقرضه ثم أقرضه فإنما أوجب القرض بشرط الرهن المتقدم، فوجب أن يتعلق بذلك الشرط حكم. أصله: إذا قال: أبيعك عندي بألف على أن ترهنني بها هذا الثوب، أن القبول لما حصل مع شرط الوثيقة حكم بالشرط حكم. 13419 - احتجوا: بأنها وثيقة صح الاستيثاق بها بعد الحق، فلم يصح، كسبق الحق بالشهادة. 13420 - قلنا: يبطل بضمان الدرك، وأنه وثيقة يصح العقد (بها) بعد الاستحقاق. 13421 - وقالوا: فيه قولان. 13422 - قلنا: مذهب الشافعي: أنه لا يصح، وهو إجماع الأمة، وإنما قال ابن سريج: إنه يصح، وكلامنا مع الشافعي. 13423 - قالوا: فالوثيقة لا تسبق الحق، لأنه لا يصح الضمان عندنا إلا بعد قبض الثمن، فإذا استحق المبيع تبينا أنه قبضه بغير حق، فالضمان بعد تفرق الحق. 13424 - قلنا: ثبوت الحق في معلوم الله تعالى لا يعتبر في العقود، وإنما يعتبر ثبوته

في الظاهر،] فالضمان صحيح في الظاهر [، وليس هناك حق ثابت. 13425 - ولأن الشهادة مأخوذة من مشاهدة الشيء، فيستحيل قبل وجوده، وشرط الرهن بدين يوثق بدين يجب في الثاني، فيجوز أن يتقدم اشتراطه على وجوب الدين، كالرهن المشروط في بيع الخيار. 13426 - ولأن الشهادة إذا تعلقت بالشروط يجوز أن تتقدم الحق، كالرجلين إذا شهدا: أنهما يظهران بيع هذه الدار تلجئة، أثر ذلك في العقد وإن كانت متقدمة عليه، كذلك الوثيقة في مسألتنا، وإنما يتقدم اشتراطها على ثبوت الحق، فيتعلق الحكم عند العقد كذلك الاشتراط. 13427 - قالوا: عقد الرهن قبل ثبوت الحق، فوجب أن لا يصح، كما لو عقد على مشاع. 13428 - قلنا: لا نسلم أنه عقد الرهن، وإنما أضاف العقد إلى حال ثبوت الحق، والمعنى في رهن المشاع: أن الرهن غير مميز] مما ليس برهن، فصار كرهن أحد العبدين، وفي مسألتنا: الرهن متميز [من غيره، فصح إيجابه قبل ثبوت الحق، كالرهن المشروط في البيع. 13429 - قالوا: الرهن لا ينفرد عن الحق، بدليل: أنه إذا أبرأه من الدين أو قضاه انفك الرهن، ولم يجز بقاء الرهن مع زوال الحق؛ فلو قلنا: إن الرهن قد انعقد قبل ثبوت الدين لانفرد عن الدين، فهذا لا يجوز. 13430 - قلنا: إذا قضاه الدين أو برأه فأحكام الرهن بحالها، لأنه يكون مضمونا، وإنما يزول الاستحقاق. ومتى عقد الرهن قبل الدين فأحكام الرهن من الضمان ثابتة. والاستحقاق (يزول) لأن الراهن يجوز له أخذه؛ فحكمه عندنا قبل ثبوت الدين حكمه بعد سقوط الدين. 13431 - قالوا: الرهن يتبع الحق، بدلالة: أن الحق يثبت من غير رهن، فالرهن

لا بد فيه من دين، والبيع لا يصح ثبوته قبل المبيوع. 13432 - قلنا: لا يثبت (الحق) الرهن عندنا، وإنما يثبته شرطه، فإذا ثبت الدين فالرهن يثبت، فلم يسبق البائع المبيوع، وإنما نفذه اشتراطه، كما تقدم اشتراط الضمين والرهن وجوب الثمن، إذا شرط ذلك في إيجاب البيع. 13433 - قالوا: الرهن في مقابلة الدين كما أن الثمن في مقابلة المبيع، بدلالة: أنه لا يلزم إلا به، كما لا يصح المبيع بثمن يتقرر من بعده، كذلك لا يصح الرهن بدين يوجد من بعده. 13434 - قلنا: قد بينا أن الرهن عندنا لا يصح (أن) يلزم حتى يوجد الدين، فإذا وجد لزم، ومثل هذا في البيع يصح. عندنا أنه ينعقد البيع غير لازم بيدل يتقدر في الثاني، كما إذا قال: بعتك أحد هذين العبدين على أنك بالخيار، أو بعتك هذا العبد بألف أو بمائة دينار على أني بالخيار. 13435 - قالوا: رهن معلق بدين على شرط، فصار كما لو علقه بدخول الدار. 13436 - قلنا: ليس هذا عندنا رهنا معلقا بشرط، وإنما هو رهن بشرط في عقد مقدم إيجابه على العقد، فهو كما لو قال: (أبيعك على أن ترهنني)، فقد قال أصحابنا: إن الدين لو لم يكن ثابتا في الأصل وعلق ثبوته بفعلهما فإن الرهن لا يصح، كالرهن بالدرك، وكما لو قال: إذا قدم فلان فأنا ضامن لمالك عليه،

فأعطاه المضمون عليه رهنا: صح؛ لأن الدين ثابت ولزومه للضامن غير متعلق بحظر. 13437 - فأما إذا شرط الرهن في دين لم يثبت، فثبوته متعلق بفعلهما أو باختيارهما، فإنه يصح مثل مسألتنا، ومثل الرهن بالثمن في البيع المشروط فيه الخيار، وليس إذا لم يصح تعليق الرهن بدخول الدار لم يصح تعلقه بالقرض، كما أنه تعلق مع إيجاب البيع بقول المبتاع وإن لم يكن بتعليقه بدخول الدار.

مسألة 679 رهن المشاع

مسألة 679 رهن المشاع 13438 - قال أصحابنا: لا يصح رهن المشاع من الشريك ولا من غيره، وإذا طرأت الإشاعة، هل يبطل الرهن، فيه روايتان. 13439 - وقال الشافعي: يجوز رهن المشاع. 13440 - لنا: أنه رهن ما لا يتميز مما لم يرهن، فصار كما لو رهنه (مرهونين) على أن يعطيه أيهما شاء. 13441 -] ولا يقال: المعنى فيه: أن البيع فيه [لا يصح على هذا الوجه، لأنا لا نسلم ذلك، لم يجز/ البيع إذا ذكر مدة الخيار (دون مدة). ... 156/أ 13442 - وقال ابن شجاع: يجوز البيع وإن ذكر الخيار من غير مدة. ولأنه وثيقة ليس فيها معنى التمليك؛ فلم ينعقد في المشاع، كالكفالة بالنفس إذا قال: تكلفت بنصف نفس فلان.

13443 - ولأنه رهن يتناول بعض العين مع الإشاعة، فلم يصح، كما لو رهن نصف داره على أن يقرضه. 13444 - ولأن صفة الرهن لو حصل عليها قبل ثبوت الحق لم يصح، فإذا حصل عليها مع ثبوت الحق أو بعده لم يصح، أصله: الجهالة، وإذا رهن المرهون. 13445 - ولأن المقصود من الرهن التوثق باستحقاق دوام القبض حتى يدفع الراهن الدين. 13446 - الدليل عليه: العادة الجارية في الرهون-، أن المرتهن يمسكها على الدوام، والعقد متى قارنه ما يمنع مقصوده لم يصح، كمن استأجر للزراعة أرضا لا تنبت، وللخدمة غلاما طفلا لا يخدم، وكمن تزوج بذات محارمه. 13447 - قالوا: إنما يقصد من الرهن التوثق بمنع الراهن من التصرف منه، وتقديم حق المرتهن على حقوق الغرماء، والإشاعة لا تنافي هذا الغرض. 13448 - قلنا: هذا الذي ذكرتموه غرض مقصود، واستحقاق استدامة القبض مقصود أيضا، وبه يتوصل إلى تلك المقاصد؛ ألا ترى: أنه إذا كان في يد المرتهن لم يجحده الراهن، وإذا زالت يده عنه اقتدر على الجحود. 13449 - فإن قيل: يتوثق بالشهادة على الرهن والقبض، فلا يضره الجحود. 13450 - قلنا: إنما ذكر الله تعالى الرهن وثيقة إذا لم يتوثق بالشهادة، فدل أن المقصود منه: وثيقة تحصل من غير إشهاد، وما ذاك إلا استحقاق إدامة القبض.

13451 - فإن قيل: فعلى هذا الجواب يجوز الرهن من الشريك، لأنه يستحق القبض على الدوام، وإنما المرتهن لا يمتنع من بيع نصيبه، فإذا جاز بيعه استحق المشتري القبض عليه، فذاك المقصود من العقد، وبمعنى قارن العقد؛ لأن هذا المعنى يستفاد بالإشارة. 13452 - ولأن يد المرتهن تستحق في الثاني بمعنى قارن العقد المغصوبة، وإن شئت قلت: يستحق يده في الثاني إلى يد غيره بمعنى قارن العقد. 13453 - فإن قيل: الوصف غير مسلم؛ لأن يده لا تستحق غير المبتاع عندنا، وإنما يصح هذا على أصلكم في المهايأة. 13454 - قلنا: اليد تستحق على المذهبين عندنا بالمهايأة، وعندكم: يرفع القاضي (يدهما) إذا تنازعا ويؤجره إلى مدة تنقضي قبل حلول الدين. فإن فرضنا المسألة من الحاكم إذا حكم بالمهايأة، فإن رهن المحكوم عليه لنصيبه جائز عندهم، ويد المرتهن تستحق بالاتفاق. 13455 - فإن قيل: قولكم:- بمعنى قارن العقد- لا بأس به، فإن يده لو استحقت بمعنى طارئ بطل الرهن عندكم، وهو (كذلك يبطل) إذا أجر الرهن بإذن المرتهن. 13456 - قلنا: إذا أذن المرتهن في الإجارة سقط حقه عن الرهن باختياره، فالانفكاك استحق عليه. 13457 - قالوا: إذا لم يجوز أبو حنيفة الرهن مع الشريك لم يصح أن يعلل هذه العلة. 13458 - قلنا: هذا غلط، لأنه لا يمتنع أن يعلل الرهن من غير الشريك بهذه العلة، ويعلل الرهن من الشريك بعلة (غيرها).

13459 - على أنا قد بينا أن الرهن من الشريط يستحق فيه اليد أيضا إذا باع نصيبه. 13460 - قالوا: تبطل العلة بمن باع عبدا قاتلا أو مرتدا. 13461 - قلنا: هناك تستحق يده بحق القصاص والحد، ونحن قلنا بحق الملك. 13462 - وعلى العبارة الثانية قلنا: تستحق يده في الثاني إلى غيره، وههنا تستحق يده بالإتلاف، فأما أن يستحق إزالتها إلى يد غيره فلا. 13463 - قالوا: الرهن يبطل عندكم بزوال اليد لزوال الوثيقة، وهذا موجود إذا زالت] يده [بالقتل، كما هي موجودة إذا زالت يده إلى يد أخرى. 13464 - قلنا: جواز زوال اليد بالتلف لا يؤثر في الرهن، بدلالة: أنه يجوز، ولا يمنع ذلك من جواز الرهن، والقتل بالقصاص من هذا القبيل. 13465 - فإن قيل: المعنى في رهن المقبوض: أن مقصود الرهن لا يوجد فيه، وهو استيفاء الدين من ثمنه، والمشاع يوجد فيه هذا الغرض. 13466 - قلنا: والمشاع لا يوجد فيه استحقاق استدامة القبض الذي يرفع التوثق. وقد بينا أن هذا هو المقصود، والمعجل بالرهن واستيفاء الدين من ثمنه مقصود يتأخر، والمقصود الذي ذكرناه أولى، لأن الرهن لا يخلو منه، واستيفاء الدين من ثمنه قد يحتاج إليه، وقد لا يحتاج، فاعتبار ما لا يخلو الرهن منه أولى. 13467 - فإن قيل: المعنى في المغصوب: أنه لا يجوز بيعه، فلم يجز رهنه. 13468 - قلنا: إن عللت للجملة: قلنا بموجبه، لأن المشاع يجوز رهنه إذا قسمه وتسلمه بموجب العقد، وإن عللوا الأحوال: بطل بمن قال لعبده: أنت حر رأس

الشهر، ثم رهنه بدين، فحل بعد الشهرين، لم يجز بيعه ويجوز رهنه، والزيوف يجوز بيعها ممن هي عليه ولا يجوز رهنا منه ولا من غيره، ويجوز رهن الأم دون ولدها ولا يجوز بيعها دون ولدها، ويجوز بيع الثمرة على رؤوس النخل] ولا يجوز رهنها دون النخل [. 13469 - فإن قيل: المعنى في الغصب: انه عقد على ملك غيره بغير أمره، فلذلك لم يجز الرهن. 13470 - قلنا: إنما لا يجوز رهن ملك الغير بغير أمره، لان اليد تستحق على الوجه الذي بيناه، فكأنا جعلنا العلة حكما من أحكام، فعارضونا بعلة ذلك الحكم، فلا يقدح ذلك في تعليلنا، كما أن علة الربا بأنه مطعوم ومكيل، فقيل له: إن النص يتناوله، لم يقدح ذلك في تعليله، وإن كان التحريم في الأصل يثبت بالنص. 13471 - فإن قيل: عندكم إذا رهن ملك الغير، فالعقد موقوف، والعقد الموقوف صحيح عندكم، فكيف قلتم: إنه لا يصح؟ 13472 - قلنا: معنى قولنا: إنه صحيح، أي ينعقد، فالذي نريد هاهنا بقولنا: لا يصح، أي لا يلزم، وكذلك نقول في المشاع: إنه غير لازم، وهو منعقد، فإن قستم وسلمتم بموجب ذلك العقد، كما لو أجاز مالك الغصب الرهن؛ جاز.

13473 - فإن قيل: قياسكم عليه إذا رهن يوما ويوما لا يصح؛ لأن هناك يزول في اليوم الثاني العقد والقبض فلذلك لم يصح، وههنا يزول في الثاني اليد دون العقد، وهذا لا يمنع صحة العقد. 13474 - قلنا: لزوم الرهن معلق بالعقد والقبض، وتأثير القبض من اللزوم كتأثير العقد وأقوى؛ لأن اللزوم يقع به ويحصل به المقصود، ولا فرق بين زوال الأمرين وبين زوال أقواهما. 13475 - احتجوا: بأنه عين يجوز بيعها، فجاز رهنها، كالمقسوم. ومنهم من قال: يجوز بيعها في محل الحق. 13476 - والجواب: أنا لا نسلم أن المشاع عين لا يمكنه أن يشير إليه، فيعقد عليه ولا يسلمه ثانيا، فسقط هذا الوصف، وبطل بالدين في الذمة فإن بيعه يجوز ممن هو في ذمته، ولا يجوز رهنه منه، ولا من غيره، وقد قال بعضهم: إن رهن الدين] يصح [إذا قلنا: إن تمليكه من غير من هو عليه حائز، ويقبضه المرتهن، فيلزم العقد بالقبض. 13477 - قلنا: فإذا صح الرهن من غير (تسليم)، ونحن ناقضناكم بالدين أن بيعه يصح ويلزم وهو دين، ولا يلزم رهنه، لذلك لا يتجه من النقض ما ذكرتموه، ويبطل ما قالوا بمن قال لعبده: إن دخلت الدار فأنت حر، فإن بيعه جائز، ولا يصح رهنه. 13478 - قالوا: لا يمكن بيعه في محل الحق، ويجوز إذا كان رهنا، وجواز أن يعتق فلا يجوز بيعه لجواز أن يموتا، فلا يجوز بيعه. 13479 - وإن كنوا يريدون أن بيعه ممكن في محل الحق بكل حال: لم نسلم، لأنه إنما يباع ما لم يحدث ما يمنع البيع من التلف.

13480 - والمعنى في المقسوم: أن الرهن متميز مما ليس برهن، فصار رهنه كبيعه، وفي مسألتنا: الرهن غير متميز مما ليس برهن، فلم يلزم الرهن فيه] كثوب من ثوبين، أو نقول: إن المعنى فيه: أنه لا يقارن العقد ما ينافي مقصوده [، وفي مسألتنا: قارنه ما ينافي مقصوده على ما بيناه. 13481 - قالوا: كل من صح رهن المفرد عنده (صح رهنه لمتعدد) كما لو رهن داره من رجلين، وربما قالوا: كل عقد يصح على عين واحدة لعينين صح على بعضها لأحدهما، أصله: البيع. 13482 - قلنا: نقول: بموجب العلتين، فإن العين التي يصح رهنها من اثنين يصح رهن بعضها أيضا معينا، والخلاف في المشاع. 13483 - ولأنه إذا رهن من اثنين فجميع العين رهن عند هذا، ورهن عند هذا، ولهذا لو قضى أحدهما حبس الآخر جميعها، فإذا اقتضاها فكل واحد يمسك لنفسه ولشريك، فهو كالعدل في حق شريكه، فلذلك صح الرهن منهما. 13484 - قالوا: كيف يكون كل العين رهنا عند هذا وهذا، ولو رهن من أحدهما ثم رهن من الآخر لم يصح، لأن بعضها عند أحدهما، كما لو باع عينا من اثنين. 13485 - قلنا: هذا كلام في مسألة أخرى لم يلزمنا بيانها ههنا، ونحن معنا أصل العلة الأولى، ولا يجوز أن يكلمنا خصمنا في إفساد المنازعة. 13486 - ثم هو فاسد؛ لأن الوثيقة لا تتضايق، فيصح أن يكون كل الرهن وثيقة لهذا، ووثيقة لهذا، كما يتعلق بالشقص المبيع الشفعة، لا يبين لكل واحد

(جزؤه) من جميعه، ويتضايق حقهم عند القضاء، وكما يدفع إلى اثنين نصابه، 156/ب ويعقد لكل واحد على جميعه إذا جوز تصرفه /على حياله، وكذلك الوثيقة ثبت لكل واحد في جميع الرهن لأنها لا تتنافى. 13487 - فأما إذا رهن عند أحدهما ثم رهنه عند الآخر، فإنما لا يصح لأن حق الأول يستقر في العين، فيمنع من التسليم إلى الثاني. 13488 - فإن قيل: فعلى قولكم: يتهأيأ المرتهنان، فيمسك الرهن هذا يوما، وهذا يوما، فيستحق قبض كل واحد منهما. 13489 - قلنا: كل واحد يمسك الرهن لنفسه ولصاحبه، فهو عدل في حق صاحبه، ويد العدل في الرهن لا تنافي الرهن، فلا يقال: إن قبضه استحق. 13490 - قالوا: كل حال صح أن يكون المفرد فيه رهنا، صح أن يكون المشاع فيها رهنا، كحال الاستدامة. 13491 - قلنا: الإشاعة الطارئة تبطل الرهن في إحدى الروايتين، والأصل غير مسلم، وإن سلمناه على الرواية الأخرى لم يصح التعليل، لأنه قد يفسد العقد بما يقارنه، وإذا طرأ بعد انعقاده لم يفسد، كقتل العبد وإباقه في البيع. 13492 - وقد ادعوا في هذه المسألة جواز الرهن من الشريك، وهذا غير مسلم

13493 - وألزمونا رهن الاثنين عبدا لهما من واحد بدين له على كل واحد، وهذا عندنا يصح، ويكون جميع العبد رهنا بكل واحد من الدينين حتى لو قضى أحدهما دينه حبس جميع العبد بدين الآخر. 13494 - فإن قيل: لو باع رجل نصف عبد من شريك فيه ثبت له حق الحبس وثيقة بالثمن، وإن كان المشتري يمسك يوما، والبائع يوما لا يبطل ذلك وثيقة البائع فيه. 13495 - قلنا: عقد البيع يجوز أن ينعقد غير موجب للحبس، مثل: أن يبيع من المشتري ما هو في يده، أو يبيع بثمن مؤجل، فوقوع الحبس مع ما يوجب استحقاق يده لا تبقى العين، والرهن لا يجوز أن يلزم غير موجب للحبس، فإذا انعقد مع وجوب ما يوجب استحقاق اليد لم يجز. 13496 - فإن قيل: لو باع نصف عبده من شريك وسلم إليه، فإنه يسترجعه منه بالمهايأة ليخدمه، ثم لا يوجب ذلك زوال قبض المشتري عنه، بدلالة: أنه لو قتل في يد البائع فأخذ قيمته، طاب للمشتري الفضل في النصف، لذلك أخذ العبد من يد المرتهن بالمهايأة لا يوجب استحقاق قبضه. 13497 - قلنا: المشتري يملك إيجاب اليد فيما ملكه وقبضه، بدلالة: أنه لو أخذه وليبيعه فأداه إليه البائع وتسلمه، فهذه يد أوجبها المشتري، فلا يبطل قبضه لكن هذا لا يملك إيجاب اليد لغيره، فإذا أخذه الشريك فلم يقبضه بإيجاب المرتهن، كان ذلك استحقاقا لقبضه.

مسألة 680 حكم استدامة القبض للمرتهن

مسألة 680 حكم استدامة القبض للمرتهن 13498 - قال أصحابنا: استدامة القبض حق للمرتهن. 13499 - وقال الشافعي: ليس بحق له. 13500 - لنا: قوله تعالى:} فرهان مقبوضة {، فوصف الرهن بالقبض فظاهره يقتضي: أن هذه الصفة لازمة. 13501 - فإن قيل: هذا يدل على اعتبار القبض له، وكلامنا في الاستدامة. 13502 - قلنا: الظاهر: أن المرتهن لا يوجد إلا مع هذه الصفة. 13503 - فإن قيل: القبض مشاهدة ليس بشرط حال اليد بالإجماع، فعلم أن المراد به مقبوض حكما. 13504 - قلنا: حقيقة القبض تقتضي المشاهدة دون الحكم، فالظاهر يقتضي اعتبار القبض المشاهد في جميع الأحوال إلا ما منعه دليل، لأنها حالة من أحوال الرهن، فكان القبض حقا للمرتهن؛ أصله: الابتداء. 13505 - ولأنها عين محبوسة لاستيفاء الدين، فكان الحبس إلى أن يستوفي الدين، كالبيع. 13506 - فإن قيل: المبيع محبوس لتعين عقد فإذا أسقط الحبس سقط، والرهن محبوس بعقد فإذا زال الحبس بقى العقد. 13507 - يبين ذلك: أن المرتهن لو تبرع بتسليم الرهن لم يسقط حقه في

استرجاعه، لو تطوع البائع بتسليم المبيع سقط حقه. 13508 - قلنا: عقد البيع أوجب الحبس، بدلالة: أن الحبس بالثمن لم يكن حقا له قبل البيع، وإنما تجدد هذا بالبيع، فكل واحد منهما حبس بالمعقود، فأما سقوط حق البائع إذا تبرع بالتسليم فيدل على ضعف حقه في الحبس وقوة حق المرتهن، فإذا كان الحق الضعيف يثبت في الاستدامة فالقوي أولى. 13509 - ولأنه مقبوض بعقد الرهن، فوجب أن يمنع الراهن من استرداده إلى يده. أصله: إذا كان الرهن مما لا منفعة له، مثل الحنطة والشعير. 13510 - فإن قيل: إذا لم يكن له منفعة فلا حق للراهن في أخذه، وإذا كانت له منفعة ثبت له حق الحبس لينتفع به، كما أن الحرة لزوجها أن يحبسها في بيته، لأنه لا حق لأحد في منافعها، والزوجة الأمة لا يحبسها؛ لأن حق مولاها ثابت في منافعها، والراهن إنما يمسك ملك نفسه، وللمالك أن يمسك ملكه لينتفع به (إذا كانت له منفعة). 13511 - قلنا: لم يثبت له حق الإمساك فيما لا منفعة له، كذلك ماله منفعة. 13512 - احتجوا: بأنه عقد من شرط لزومه القبض؛ فلم يكن من شرط صحته استدامة استحقاق استدامة القبض، كالهبة. 13513 - الجواب: أنه لا فرق بينهما؛ لأن استحقاق استدامة القبض حق (للموهوب) له ما دامت الهبة، كما أن استدامة القبض حق للمرتهن ما دام الدين بحاله. 13514 - قالوا: حالة من حالات، فوجب أن لا يكون من شرطها استحقاق استدامة القبض، كما لو بيع بعضه. 13515 - قلنا: إذا بيع بعضه بطل الرهن على إحدى الروايتين، فلم نسلم هذا. 13516 - قالوا: لا يخلو هذا القبض إما أن يكون شرطا من حث المشاهدة، أو

الحكم، وبطل أن يكون من حيث المشاهدة، لأنه لو كان عارية، أو على يد عدل، لم يقدح فيه، فوجب أن الاعتبار باستدامة قبضه حكما، وكذا نقول: فإن عندنا يكون في يد الراهن، وهو في يد المرتهن من طريق الحكم. 13517 - قلنا: عندنا استحقاق القبض المشاهد حق المرتهن، فإذا أعاره فالاستحقاق بحاله، وإنما أسقط حق نفسه، فإذا وضعه على يد عدل فاستحقاق هذا القبض المشاهد حق للمرتهن، وقد يثبت حق القبض للإنسان بيد غيره، كما يثبت لليتيم حق القبض بيد الوصي.

مسألة 681 استيفاء الراهن لمنافع الرهن

مسألة 681 استيفاء الراهن لمنافع الرهن 13518 - قال أصحابنا: لا يجوز للراهن استيفاء منافع الرهن إلا بإذن المرتهن، ولا يجوز له إجارة الرهن. 13519 - وقال الشافعي: الراهن يسكن الدار، ويؤجرها، ويركب الدابة، ويعيرها، ويزرع الأرض، ويحلب اللبن، ويجز الصوف، ولا يطأ الجارية، ولا يلبس الثوب. 13520 - واختلف أصحابه في وطء الجارية الصغيرة، فمنهم من قال: يجوز وطؤها، ومنهم: من منع وطأها. 13521 - لنا: أن الله تعالى بين لنا التوثق في الديون بالشهادة صيانة للديون من الجحود، وبين صيانة الديون بالتوثق عند عدم الشهود بمقتضى الرهن، حتى لا يجحد الراهن الدين، وهذا إنما يكون مع بقاء قبضه، فلو جوزنا للراهن أخذه

والانتفاع به، زال التوثق؛ لأن يجحد الدين، أو يموت والرهن في يده فيجحد الغرماء فيصير أسوة لهم، فتبطل الوثيقة، فثبت أن استدامة القبض حق. 13522 - يبين ذلك: أن الله تعالى وعظ الذي عليه الدين مع عدم الرهن والشهادة، وأمره بأداء الأمانة، فلولا أن التوثق بالرهن منع الجحود لوعظ الراهن أيضا، فلما لم يعظ دل أن الدين يحصن من الجحود، كما يحصن بالشهادة، وذلك لا يكون مع زوال اليد على ما بيناه. 13523 - ولأنها منفعة الرهن، فمنع الراهن من استيفائها، كمنفعة البضع، ومنافع الثوب. 13524 - فإن قيل: المعنى في منفعة البضع: أن الوطء يؤدي إلى العلوق، فيبطل به حق المرتهن، وربما تلفت بالولادة، وكذلك يبلى باللبس، فيؤدي إلى نقصان حق المرتهن. 13525 - قلنا: فاستعمال العبد في الأعمال ربما أدى إلى تلفه من العمل، ورد الشيء إلى يده يؤدي إلى إسقاط حق المرتهن؛ لأنه يجحد الدين؛ فإذا كان الرهن في يد المرتهن لم يجحد الدين؛ لأن في يد] المرتهن ما هو مثل الدين أو أكثر، ولا يستفيد الراهن بجحوده الدين فائدة. 13526 - ولا يلزم على هذا: إذا أعار المرتهن؛ لأن [هذا يؤدي إلى إسقاط حقه، لكنه رضي بذلك.

13527 - فإن قيل: قد يجحد الدين وإن كان الرهن في يده، ويدعى الرهن. 13528 - قلنا: المرتهن يقول: لا يستحق علي تسليم هذا العين، ويحلف على ذلك، فيكون صادقا، ويبقى الرهن في يده بإزاء الدين، ولا تبطل الوثيقة. 13529 - ولأنه نوع حبس؛ فلا يملك من حبس عنه الانتفاع به، كالبيع. 13530 - فإن قيل: ملك المشتري في المبيع لم يتم، فلذلك لم يجز له الانتفاع، وملك الراهن تام فجاز له الانتفاع. 13531 - قلنا: حق الغير إذا تعلق بالملك التام أثر في التصرف، كنقصان الملك. 13532 - الدليل عليه: العبد المؤاجر. 13533 - فإن قيل: الثمن عوض عن المبيع، فلم يجز للمشتري التصرف فيه وإن لم يجز في الدين. 13534 - قلنا: البائع يجوز له التصرف في الثمن، ولا يجوز للمشتري التصرف في المبيع، فبطل أن يكون حبس المبيع من التصرف لما ذكروه، وإنما هو لأن الراهن أثبت له حق الحبس] بعقده حتى يوفيه الدين، كما أثبت الشرع للبائع حق الحبس [وثيقة بالثمن. 13535 - ولأن الإجارة عقد يستحق به اليد، فلا يصح في الرهن، كالبيع. 13536 - ولأنه عقد للاستيفاء ممتنع منه/ الرهن، كالرهن. 13537 - احتجوا: بحديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يغلق الرهن من راهنه، له غنمه وعليه غرمه). 13538 - والجواب: أن هذا يقتضي أن الغنم ملك الراهن، فكذلك نقول،

وليس إذا كان ملكا له جاز له التصرف فيه، كما أن الرهن ملكه وإن منع من استهلاكه، وكما أن منفعة الوطء له على ملكه، وإن منع من استيفائها. 13539 - فإن قيل: الخبر يقتضي أن الغنم له ملكا واستيفاء. 13540 - قلنا: اللفظ لا يفيد إلا الملك، فأما الاستيفاء فيثبت بحقه إذا لم يتعلق به حق غيره. 13541 - احتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (الرهن محلوب ومركوب)، وقد أجمعنا على أنه ليس بمركوب للمرتهن، فوجب أن يكون مركوبا للراهن. 13542 - الجواب: أن الخبر متروك] الظاهر [، ولذلك لا يوصف بالحلب، وإنما يحملونه على أن المرهون مركوب، ونحن نقول معناه: الرهن يصح فيما يركب ويحلب، وليس أحد التأويلين أولى من الآخر. 13543 - وفائدة الخبر على قولنا: أن الحيوان لما افتقر إلى نفقة جاز أن يستشكل جواز رهنه، فبين - صلى الله عليه وسلم -: أنه يصح وإن افتقر إلى ذلك. 13544 - ولأن الرهن عندنا محلوب ومركوب، لأنه يستضر بترك الحلب، فيحلبه المرتهن حتى لا ينقص ويكون اللبن في الرهن، ويركبه على طريق الرياضة حتى لا يستضر بالوقوف، ويركبه المرتهن عقبه ويحمل عليه علفه. 13545 - وجواب ثان: وهو أن في بدء الإسلام كان نفقة الرهن على من ينتفع بلبنه وركوبه، فجوز - صلى الله عليه وسلم -] للمرتهن أن ينفق ويركب ويحلب، والدليل على ذلك: ما روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم -[قال: (وعلى من يحلبه ويركبه نفقته).

13546 - فإن قيل: هذا لا ينافي قولنا، لأن النفقة عندنا على الراهن، والحلاب والركوب له. 13547 - قلنا: الخبر يقتضي وجوب النفقة بالحلاب، والراهن يلزمه نفقته بملكه، لا بالحلب والركوب. 13548 - قالوا: إنما حدث في ملكه، فكان له، كغير الرهن. 13549 - قالوا: بأنه محبوس بحق متعلقه، فكان نماؤه لمالكه، كالعبد الجاني. 13550 - قلنا: حكم مسلم؛ لأن النماء له، والكلام في أنه يمنع منه أم لا. 13551 - قالوا: إنما حدث بملكه، فكأن لم يتعلق بحق، فكان لمالكه أن يستوفيه لغير الرهن. 13552 - قلنا: لا نسلم الوصف، لأن التعليل إن كان في اللبن فهو في الرهن، وإن كان في المنافع فحق المرتهن متعلق بها من المنع منها، لأن الوثيقة لا تتم إلا بذلك على ما بينا. 13553 - والمعنى فيما ليس برهن: أنه لا يمتنع مالكه من الوطء فلم يمنع من الخدمة، ولما منع الراهن من الوطء الذي يملكه منع من الخدمة. 13554 - قالوا: محبوس بحق متعلق به، فكان لمالكه استيفاء منافعه، كالعبد الجاني. 13555 - قلنا: العبد الجاني ليس بمحبوس، ولا يثبت لولي الجناية حبسه لحقه، فالوصف غير مسلم. 13556 - ولأن الاستخدام لا يبطل حق ولي الجناية، لأن حقه لم يثبت بالتوثق، وفي مسألتنا: الرهن يثبت حبسه للتوثق، وفي استخدام ملكه إبطال التوثق

على ما قدمنا. 13557 - قالوا: الرهن عقد لا يبيح للمعقود له الانتفاع بالمعقود عليه، فوجب أن لا يمنع مالكه من الانتفاع به أصله: النكاح. 13558 - قلنا: يبطل بالوطء وبلبس الثوب. 13559 - قالوا: نحترز عنه فنقول: فوجب أن لا يمنع مالكها من الانتفاع بها مع عدم الضرر. 13560 - قلنا: هذا الوصف لا تأثير له في الأصل، لأن المولى لا يمنع من منافع المزوجة وإن أضر ذلك بزوجها، ألا ترى: أن في استخدامها ووطئها عنده إلحاق الضرر به. 13561 - ثم هو مسلم؛ لأن عندنا في استخدامه ضررا، لأنه يموت والرهن في يده، فيجحد الغرماء الرهن، فيصير المرتهن وهم سواء. 13562 - والمعنى في الأمة المزوجة: أن حق الزوج تعلق بنوع من منفعتها، فما لم يتعلق حكمه به لا يمنع المولى منه، والمرتهن عقد الوثيقة على رقبة الرهن، والعقد على الرقاب يمنع العاقد من الانتفاع بها، كعقد البيع، وكمنفعة الوطء من الرهن. 13563 - قالوا: عين تعلق بها دين، فجاز لصاحبها أن ينتفع بها مع عدم الضرر، كالأمة الجانية. 13564 - قلنا: يبطل بالمبيعة، ولأن استخدام الجانية لا يبطل حق الجناية، وليس كذلك استخدام الرهن؛ لأنه يبطل الوثيقة منه على ما قدمنا.

مسألة 682 رهن العين المغصوبة من الغاصب

مسألة 682 رهن العين المغصوبة من الغاصب 13565 - قال أصحابنا: إذا رهن المالك العين المغصوبة من الغاصب، صح الرهن، وزال ضمان الغصب، وتجدد ضمان الرهن. 13566 - وقال الشافعي: يصح الرهن، وضمان الغصب بحاله. 13567 - وإذا أودع العين عند الغاصب، نص الشافعي: أن ضمان الغصب يسقط، ومن أصحابه من قال: لا يسقط. 13568 - وإذا أبراه من ضمان الغصب، ففيه وجهان، أحدهما: يزول، والآخر: لا يزول حتى يرده إلى المالك. 13569 - وإذا باع الغصب من الغاصب أو وهبه له، سقط ضمان الغصب. 13570 - لنا: أنه عقد صحيح على العين المغصوبة بين المالك والغاصب، فوجب أن يسقط ضمان الغصب، كالبيع. 13571 - ولا يلزم: إذا استأجر الغاصب لتعليم العبد القرآن، أو لنقل الثوب، أو ليحمله من مكان إلى مكان؛ لأن ذلك] العقد [لم يقع على العين، وكذلك إذا وكله بالبيع، فعقد الوكالة لم يقع على العين. 13572 - فإن قيل: المعنى فيه: أن الغاصب ملك العين؛ فلم يضمنها ضمان

الغصب، وفي مسألتنا: الحادث عقد لا يفضي إلى زوال الملك، فإذا قبض الغصب عنه لم يزل ضمان الغصب، كالإجارة. 13573 - قلنا: المسقط للضمان في البيع ليس هو وقوع الملك، لأن الغاصب لو اشتراه لغيره زال ضمان الغصب وإن لم يملك. 13574 - ولأنه لا يمتنع أن يكون الشيء على ملكه ويضمنه ضمان الغصب، كما] لو [أتلف الراهن الرهن، أو العبد المدبر، ضمن قيمته. 13575 - وأما علة الفرع: فليس يمنع أن يزول ضمان الغصب وإن لم يزل الملك، كالوديعة على المنصوص عليه من المذهب. 13576 - فإن قيل: المعنى في البيع: أنه يزيل ضمان الجناية، فأزال ضمان الغصب، والرهن لا يزيل ضمان الجناية، فلم يزل ضمان الغصب. 13577 - قلنا: ضمان الجناية لا يزول برد المجني عليه إلى ملكه، فلم يزل بإذن المالك في إمساكه. وضمان الغصب يسقط برد العين إلى يد مالكها، فجاز أن يسقط بإذنه في إمساكه. 13578 - ولأنه عقد من شرط صحته القبض طرأ على العين المغصوبة، كالهبة. 13579 - ولأنه ممسك العين بإذن مالكها فلا تكون مضمونة عليه ضمان الغصب لحقه، كالرهن المبتدأ، وإذا أودع الغصب عند الغاصب. 13580 - ولا يلزم: إذا أذن الراهن لرجل في غصب الرهن، لأنه لا يضمنه لحق الراهن، بدلالة: أنه يدفع القيمة فيكون رهنا، وإذا قضى الراهن الدين عادت القيمة إليه. 13581 - ولا يلزم: الهبة الفاسدة، وهبة المريض، لأن الموهوب له يمسك الشيء بحق ملكه، لا بأمر الواهب.

13582 - ولا يلزم: إذا استأجر لنقل الطعام المغصوب، لأن الضمان لا يسقط بالعقد، لأنه تم له في الحبس من غير نقل، فإذا أحدث في النقل سقط الضمان، لأنه ممسك له بأمره. 13583 - ولأن عقد الرهن إذا لزم في العين المغصوبة يسقط ضمان الغصب، كما لو رهنه عند غير الغاصب وأذن له في قبضه فقبضه. 13584 - ولأن الضمان حكم متعلق بالغصب، فوجب أن يسقط بلزوم الرهن أصله: المأثم، وضمان الرد، ولزوم التسليم. 13585 - احتجوا: بأنه مضمون ضمان الغصب، ومن زعم أن الضمان زال فعليه إقامة الدليل. 13586 - قلنا: نقابله بمثله] إذا [أجمعنا على أن ضمان الرد سقط عنه، فمن زعم أن ضمان العين بقي معه، وسقط ضمان الرد، فعليه إقامة الدليل .. 13587 - قالوا: استدامة إمساك الغصب بعقد لا يفضي إلى زوال الملك، فلم يزل ضمان الغصب، وكما لو غصب ثوبا فاكتراه مالكه ليعلمه صنعه، أو كان] عبدا فاكراه مالكه ليعلمه صنعه، أو كانت [دابة فاكتراها ليروضها. 13588 - قلنا: هذه العقود لا تقتضي إفراد الغاصب باليد. بدلالة: أنه يجوز أن يعمل الثوب في دار مالكه، ويعلم العبد القرآن عند مولاه، فلما لم يوجب

العقد الانفراد باليد لم يصر إمساكه مأذونا فيه؛ فلم يسقط الضمان، والرهن يقتضي انفراد المرتهن باليد، فإذا أذن في إمساكه زال ضمان الغصب، كما يزول لو رهنه من غيره وأمره (بإقباضه)، وأما إذا استأجره ليروض الدابة فيجوز أن يقال: إنه إذا أخذ في الرياضة زال ضمان الغصب، لأنه انفرد باليد بإذن المالك. 13589 - قالوا: العين مضمونة بالغصب، و (ضمانه) أكثر من عقد الرهن، والرهن لا ينافي الضمان ، بدليل: أن المرتهن لو تعدى في الرهن فغصبه أو استعمله فالرهن بحاله، وهو مضمون بالغصب، فثبت أنه لا ينافي الضمان، فوجب أن يجتمعا معا. 13590 - قلنا: عقد الرهن لا ينافي ضمان الغصب، وإنما إمساك الرهن ينافي إمساك الغصب، فإذا طرأ الرهن زال إمساك الغصب، فقد انتفى كل واحد من الإمساكين بالآخر، والطارئ منهما يرفع حكم ما قبله، كإمساك الوديعة والغصب، وإن طرأ إمساك الوديعة على إمساك الغصب زال إمساك الغصب، وإن طرأ 15/ب الغصب على الوديعة زال إمساك الوديعة وتجدد ضمان الغصب. 13591 - يبين ذلك: أن ضمان الرهن عندنا بالأقل من قيمته ومن الدين، وضمان الغصب ضمان العين بكل قيمتها، فإذا تجدد الغصب زال الضمان الأول، وصارت العين مضمونة بكل قيمتها. 13592 - قالوا: وإذا كان التعدي الحادث لا يزيل عقد الرهن فالعقد عندكم هو الذي يزيل ضمان الغصب، ويكون كالإبراء، فلم يتجدد ضمان معه.

13593 - قلنا: لسنا نقول: إن العقد يسقط إمساك العين بحكم العقد. 13594 - قالوا: قولكم: عقد المريض بحاله محال من وجهين، أحدهما: لا يجوز أن يزول كونه بيعا وهبة مع بقاء عقده، والثاني: لو زال كونه رهنا لوجب إذا مات الراهن وعليه دين أن لا ينفرد به المرتهن. 13595 - قلنا: ما زال بالنقدين كونه رهنا مع بقاء عقده، وإنما زال إمساك الرهن، وهذا لا يوجب زوال العقد بالاتفاق، كما لو أعاره الراهن. 13596 - فأما قولهم: - (لو زال كونه رهنا لم يكن المرتهن أحق به) - فليس بصحيح، لأنه لم يزل كونه رهنا، وإنما زال إمساك الرهن كما يزول بإعارته للراهن، ثم إذا ارتفعوا إلى الحاكم أمر بإزالة النقدين فيعود إمساك الرهن كما كان. 13597 - قالوا: إذا ثبت أن التعدي الطارئ لا ينافي الرهن، وحال البقاء أقوى من حال الابتداء،] فإذا لم ينف ضمان الغصب في حال قوته، فلأن لا ينفيه حال ضعفه وهي حالة الابتداء أولى [. 13598 - قلنا: قد بينا أن الرهن لا ينافي الغصب، وإنما إمساكه ينفي إمساك الغصب، والإمساك لا يقال فيه: إن البقاء عليه أقوى، وإنما يقال ذلك من المعقود، وأما القبوض المختلفة الأحكام: فالطارئ منها يتجدد حكمه، فينفي الأول كالغصب، والوديعة، والجناية إذا طرأت على القبض بالغصب.

13599 - قالوا: حال من حالات الرهن، فوجب أن لا ينافي ضمان الغصب، كالاستدامة. 13600 - قلنا: لا فرق بين الابتداء والاستدامة على ما قدمنا، لأن الرهن لا ينافي ضمان الغصب في الحالتين، وإنما إمساك العين بالرهن ابتداء ينفي ضمان الغصب، وكذلك إمساكها رهنا في حال البقاء يزيل ضمان الغصب، لأنه إذا تعدى في الرهن ثم زال التعدي حال إمساك الرهن، فالنافي الموجود حال البقاء مثله يوجد حال الابتداء. 13601 - ولأن الرهن عندنا يجري مجرى الإبراء من ضمان الغصب، والبراءة من الحق توجد بعد ثبوته فيصح، وتوجد قبل ثبوت الحق فلا يتعلق بها حكم، كالبراءة من الدين، فلذلك لم يسقط الرهن ما يتجدد من ضمان الغصب. 13602 - قالوا: ضمان الغصب لا ينافيه استدامة الرهن، فوجب أن لا ينافيه ابتداؤه، أصله: ضمان الجناية. 13603 - قلنا: الوصف غير مسلم، لأن استدامة الرهن وضمان الغصب يتنافيان، لأنه يوجد ضمان الغصب وينتفي إمساك الرهن،] كما أن إمساك الرهن [لحماية ضمان الغصب، ثم ضمان الجناية إن كان يريد به ما تلف بالجناية فالرهن لا يسقط ذلك، كما لا يسقط حكم ما تلف بالغصب من العين المغصوبة، وإذا أريد الضمان المتعلق به الجناية وهو السراية، فلذلك لا يسقط بالإذن في الإمساك، كما لا يسقط برد المجني عليه إلى ملكه، وأما العلم المتعلق بإمساك الرهن فيسقط برد العين المغصوبة إلى مالكها، ذلك يسقط بإذنه مع إمساكها.

مسألة 682 رهن العين المغصوبة من الغاصب 13604 - قال أصحابنا: إذا عتق الراهن العبد المرهون، نفذ عتقه، وخرج من الرهن، فإن كان موسرا: ضمن قيمته وكانت رهنا إن كان الدين مؤجلا، وإن كان معسرا: يبقى العبد في قيمته. 13605 - واختلف أصحاب الشافعي، فمنهم من قال في قوله الجديد: إن كان موسرا، نفذ العتق قولا واحدا، وإن كان معسرا: فعلى قولين. 13606 - وفي القديم: إن كان معسرا: قولا واحدا، وإن كان موسرا: فعلى قولين. 13607 - ومنهم من قال: فيه ثلاثة أقوال: أحدهما: ينفذ بكل حال، والثاني: لا ينفذ بكل حال، والثالث: ينفذ إن كان موسرا، ولا ينفذ إن كان معسرا. 13608 - وأما إذا وطئها فحبلت فالولد حر، وهي أم ولد في حق الراهن حتى لو وهبها من المرتهن أو باعها لم يجز، وهل تكون أم ولد في حق المرتهن؟ فيه قولان، أحدهما: تباع إذا حل الدين، ولا ينفذ الاستيلاد في حقه، كالعتق.

13609 - لنا: ما روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا عتق إلا فيما يملكه ابن آدم). 13610 - وروى: أنه - صلى الله عليه وسلم - قال:: من أعتق شركا له في عبد، فإن كان موسرا ضمن قيمة نصيب شريكه، وإن كان معسرا سعى العبد غير مشقوق عليه)، ولم يفصل بين المرهون وغيره. 13611 - وروى أبو هريرة رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من لعب بطلاق أو عتاق، فهو جائز). 13612 - ولأنه عتق من مكلف صادف رقا بملكه، فوجب أن ينفذ، كالعبد المستأجر، والمبيع في يد البائع. 13613 - فإن قيل: العبد المستأجر يعتقه لأنه لزمه أن يخدم بعد العتق حتى تنقضي المدة. 13614 - قلنا: لا نسلم هذا، بل هو بالخيار إن شاء مضى على العتق، وإن شاء فسخ. 13615 - فإن قيل: المستأجر تعلق بمنفعته دون رقبته، (فالعتق يتعلق بما) فيما لم يتعلق (حق المستأجر به). 13616 - قلنا: عقد الإجارة يقع على الرقبة، والاستيفاء من المنفعة، كما أن عقد

الرهن يقع على الرقبة، ويستوفي المهر من القيمة. 13617 - فإن قيل: لا نسلم أن عتق المشتري يقع في المبيع. 13618 - قلنا: هذا لا يسلم على مذهب الشافعي، وإنما خالف ابن خيران فيه، وكلامنا مع الشافعي. 13619 - فإن قيل: الثمن يتعلق برقبة المشتري، والدين في مسألتنا متعلق بعين الرهن. 13620 - قلنا: كل واحد منهما وثيقة بالمال، إلا أن التوثيق في البيع يثبت بالشرع، وفي الرهن بالعقد المعقود من كل واحد منهما على حراسة المال الذي في مقابلته، لكن صاحب اليد أولى بما في يده من الغرماء، والثمن عندنا متعلق بذمة المشتري في عين المبيع، والدين يتعلق بذمة الراهن وبعين الرهن. 13621 - ولأن كل من ملك عينا مملوكة، ملك عتق ابنها، أصله: المستأجرة، والمبيعة. 13622 - ولأن حق المرتهن الذي لا يملك عتق من يحدث من أولادها، لا يمنع عتق أمهم، كحر في الجناية في الأمة الجانية. 13623 - ولأنه من أهل العتق صادف عتقه ملكه؛ فوجب أن يفعل لغير المرهون. 13624 - فإن قيل: غير المرهون لا يبطل بعتقه حق غيره، وفي مسألتنا: بخلافه. 13625 - قلنا: العتق إذا صادف ملك المعتق، وهو من أهل الإعتاق نفذ، وإن

أسقط حق غيره بعتق نصيبه من العبد المشترك وعتق الجارية التي حملها لغيره. 13626 - ولأنه ملك ولاء له محبوس عليه بدين، فوجب أن ينفذ عتقه إذا كان من أهل الإعتاق،] كالبيع [. 13627 - فإن قيل: لا نسلم أن المبيع محبوس] بدين، لأن الواجب تسليم المبيع أولا ثم الثمن. 13628 - قلنا: المبيع محبوس [إلى أن ينقذ المشتري الثمن بالاتفاق، ولا يجب على البائع تسليم المبيع قبل ذلك. 13629 - فإن قيل: إنما نفذ العتق في البيع، لأنه قبض يستقر به الثمن، كما استقر بالإملاك، وإذا استقر الثمن به كان ذلك في حق البائع، وعتق الراهن أنه (يسقط) به حق المرتهن، كما (يسقط) باستهلاكه، فلذلك لم ينفذ. 13630 - قلنا: لو كان نفوذ العتق لما ذكرتم، لوجب أن يملك المشتري القبض قبل إحضار الثمن، لأن حق البائع يستقر به، فلما لم يملك ذلك دل على أن نفوذ العتق إنما هو لأنه لا يمكن فسخه، وهذا المعنى موجود في غير الراهن. 13631 - ولأنه عقد لا يزيل الملك عن الرقبة، فكان وجوده وعدمه سواء، ونفوذ العتق في الكتابة والنكاح والإجارة. 13632 - فأما الكلام على القول الآخر: فلأن من نفذ عتقه في ملكه إذا كان موسرا نفذ عتقه إذا كان معسرا، أصله: العتق في الملك المشترك، وعتق المؤجر، وعكسه: الوارث إذا كان على الميت دين، والمولى في مماليك عبده إذا كان على العبد دين

13633 - احتجوا: بأنه حق يبطل وثيقة المرتهن عن غير الرهن مع بقائه، فلا يصح أن ينفرد (عتق) الراهن، كالبيع. 13634 - الجواب أن قولهم: مع بقائه، احتراز عن الاستهلاك، والعتق استهلاك في المعنى، وليس يصح العتق مع بقاء الرهن عندنا، لأن عقد الرهن إنما يصح في الرق، والعتق يتلفه، فالوصف غير مسلم. 13635 - وقولهم: فلا يملك الانفراد- احتراز من بيعه بالجناية، وهذا الاحتراز لا يصح، لأنه ينفرد بالبيع الذي يبطل الوثيقة، وإن كان لا يملك ذلك إلا بعد تقدم مطالبة وأن الجناية تبطل إذا رهن نصف عبده ثم أعتق النصف الآخر، فإن الوثيقة تبطل من عين الرهن وينفرد به الراهن. 13636 - ثم المعنى في البيع: أن تعذر التسليم يمنع من انعقاد حق المرتهن لمنع التسليم، وليس كذلك العتق، لأن تعذر التسليم لا يمنع من وقوعه، بدلالة: أن في العبد الآبق والمغصوب وحق المرتهن يمتنع التسليم. 13637 - ولأن البيع عندنا ينعقد في الرهن، بدلالة: أن المرتهن لو أجازه جاز، ولو قضى الراهن الدين لم يحتج في (إمضاء البيع إلى إذنه)، وكذلك العتق يقع، فقد تساويا في الوقوع إلا أن البيع يلحقه الفسخ فيفسخ لحق المرتهن، والعتق لا يمكن فسخه بعد وقوعه، فلذلك نفذ ولم ينفسخ. 13638 - قالوا: قول يزول] الملك به، فوجب أن يزول [ملك الراهن عنه بلزوم الرهن /كالبيع. 13639 - قلنا: يبطل ببيبع العبد بالجناية، وتسليم (الراهن بدل) الجناية بها. 13640 - ولأن الملك في البيع لا يجوز أن يزول بقول البائع، وإنما يزول بنفوذ حكمه حكما؛ ألا ترى: أنه يوجد البيع ولا يزول، ويوجد الإيجاب والقبول

ولا يزول بشرط الخيار، ويطلق البيع في الآبق فلا يزول، ولا يزول ملكه لعدم نفوذ حكمه، فلم نسلم الوصف. ثم يبطل ما قالوه إذا رهن نصف عبده ثم أعتق النص الآخر. 13641 - فإن قالوا: لم يزل الملك بقوله. 13642 - قلنا: وكذلك الملك في البيع لا يزول بقوله على ما بينا، وإنما يزول بمقتضى ذلك القول حكما. 13643 - ولان الحكم غير مسلم في الأصل؛ لأن ملك الراهن لم يزل عن البيع، بدلالة: أن وكيله وهو العدل يتبع وكالته، وإنما تعلق بالمبيع حق بيع من نفوذ معين تعلق الحكم بذلك الإنسان، فلا يمنع من نفوذ عتقه] إذا كان من أهل العتق. 13644 - ولأن المعنى في البيع: أن تعلق حق البائع بالبيع لا يمنع من نفوذ العتق فيه [، كذلك تعلق حق المرتهن لا يمنع من نفوذه. 13645 - قالوا: معنى يبطل حق الوثيقة من عين الراهن، فوجب أن يزول ملك الراهن عنه بلزوم الرهن، كالبيع. 13646 - قلنا: يبطل بأكل الرهن إذا كان طعاما. 13647 - فإن قالوا: لا يملك الأكل. 13648 - قلنا: بموجب العلة؛ لأنه زال ملكه عن العتق عندنا، لأنه ممنوع منه بالشرع، إلا أنه يقع بإيقاعه؛ لأنه مالك الرقبة صحيح القول، ويبطل بالقتل للرهن، وأما الراهن فله اختيار القصاص، وكذلك إذا جنى فباعه في الجناية. 13649 - فإن قيل: هذه المعاني حادثة بعد الرهن، ونحن قلنا بموجبها، وزوال ملك الراهن عنه بلزوم الرهن يقتضي ملكا كان قبل الرهن.

13650 - قلنا: الراهن قبل الرهن مالك لاختيار القصاص إذا قتل وليه، وإن كان القتل لم يوجد ولم يزل ملكه عن هذا الاختيار قبل لزوم الرهن، ألا ترى: أنه مالك قبل الرهن لاختيار البيع إذا وجد القتل. 13651 - والمعنى في البيع: أنه يجوز أن يوجد] ولا يقع به الملك لحق البائع إذا شرط الخيار، كذلك يجوز أن يوجد [غير موجب الملك لحق المرتهن. 13652 - وأما العتاق فلا يجوز أن يوجد من المالك الذي هو من أهل العتاق، ولا يقع لحقه. ألا ترى: أنه لو شرط الخيار بطل خياره ووقع العتق، كذلك لا يجوز أن يمتنع وقوعه لحق المرتهن. 13653 - قالوا: إنه محبوس لحق يتعلق به، فوجب أن لا ينفذ العتق فيه بغير إذن من له الحق، كما او كان العبد تركة وقد تعلق الدين بها. 13654 - قلنا: يبطل إذا رهن نصف عبده ثم أعتق النصف الآخر، فهذا العتق في النص المحبوس بغير إذن صاحب الحق، ويبطل بالمبيع في يد البائع. 13655 - ولأن الوارث يستفيد الملك من جهة الميت، والعبد محبوس بحق على من استفاد الملك فيه، فيمنع عتق من خلفه في الملك، كما لو باع الراهن فأعتق المشتري، وفي مسألتنا: محبوس بحق على مالكه، فصار كالبيع. 13656 - قالوا: كل من لزمته قيمته بإتلافه لم ينفذ عتقه، كالواهب، وعكسه: العارية، والوديعة، والمستأجر. 13657 - قلنا: يبطل بالعبد الموصي بخدمته إذا أعتقه مالكه نفذ عتقه وضمن، وكذلك العبد المدبر. 13658 - ولأن الراهن لا يضمن القيمة في الحقيقة، وإنما يقال له:] إذا لم

تقض الدين معجلا فأقم [مقام الرهن في الوثيقة غيره، والقيمة التي يدفعها على ملكه، بدلالة: أنه إذا قضى الدين أخذها. 13659 - ولأن وجوب الضمان عليه بإتلاف ملكه لا يمنع من نفوذ عتقه؛ ألا ترى: أنه يجب عليه الضمان بإتلاف ملك شريكه وبإتلاف حمل الجارية الموصي بحملها، ولا يمنع ذلك من سراية عتقه فيه، فوجب الضمان عليه بإتلاف ملكه لو أنه لا ينفرد عتقه فيه. 13660 - فإن قيل: عتق الشريك إنما ينفذ في ملك نفسه، ثم يسري إلى نصيب الشريك، ولو ابتدأ عتق نصيب شريكه لم يقع. 13661 - قلنا: وفي مسألتنا: حق المرتهن متعلق بحبس الملك، فالراهن يوقع العتق في ملكه، فيسقط بذلك ما تعلق للمرتهن من الحبس فتساويا. 13662 - قالوا: حق المرتهن تعلق بمحلين، بذمة الراهن، وبعين الرهن، فإذا لم يمكن الراهن نقل حقه في أحد المحلين إلا برضاه، كذلك إذا أراد أن ينقله من المحل الآخر. 13663 - قلنا: الراهن عندنا لا يملك نقل الحق، لكنه إذا أتلفه بالعتق انتقل حقه حكما، كما أن المشتري لا يملك نقل الحق من ذمته، ولو أعتق العبد نفذ عتقه، وكذلك الشريك في العبد لو نقل حق شريكه من عين العبد لم يصح النقل، ولو أعتق نصيبه انتقل إلى نصيب شريكه من طريق الحكم. 13664 - قالوا: إذا رهن فقد منع نفسه من التصرف، فصار كالمحجور. 13665 - قلنا: المحجور عندنا إذا كان صحيح القول لم يمنع حجره من نفوذ عتقه، وإنما يمنع الحجر بالصغر والجنون من نفوذ] العتق لعدم صحة القول، وقول الراهن في مسألتنا صحيح، بدلالة: أنه عقد جائز في عبد من عبيده.

13666 - قالوا: العتق والرهن [يتنافيان، ولا بد من تقديم أحدهما؛ 13667 - فكان تقديم حق المرتهن أولى؛ لان حقه أسبق، ولأنه يثبت بتراضيهما. 13668 - قلنا: حق البائع مقدم على العتق، ولا يمنع من نفوذ عتق المشتري، وملك الشريك ينافي العتق، وهو متقدم عليه، ولا يمنع سراية عتق الشريك إليه وتلفه به. 13669 - احتجوا للقول الآخر: بأنه عبد متعلق برقبته دين لا يجوز أن يسقطه، فوجب أن لا ينفذ فيه عتق المعسر بغير إذن من له الدين، أصله: العبد المأذون إذا أعتق مولاه، وعلى المأذون دين. 13670 - الجواب: أن المولى يستفيد الملك من جهة عبده، بدلالة: أن المالك إذا أوجب على العبد فقبله ورده المولى انتقل إليه، ولم يؤثر رد المولى، ولو رده العبد وقبله المولى بم ينتقل إليه، ثم تعلق حق العبد باكتسابه يمنع عتق المولى إذا كان العبد مكاتبا، فتعلق حق من تقدم حقه على حق العبد وهم الغرماء أولى أن يمنع عتقهم. 13671 - ثم قولهم: (فوجب أن لا ينفذ عتق العبد فيه) إن أرادوا المالك المعسر لم نسلمه في العبد المأذون، لأن المولى لا يملكه عند أبي حنيفة، وإن أرادوا غير المالك فالاعتبار لا معنى لذكره، لأن عتقه لا ينفذ موسرا كان أو معسرا. 13672 - قالوا: إسقاط حق الغير عن العين بالعتق، فوجب أن يختلف بالإعسار واليسار، كالعبد بين شريكين أعتق أحدهما نصيبه. 13673 - قلنا: لا نسلم أنه يختلف اليسار والإعسار في نفوذ العتق؛ لأن

نصيب الشريك يعتقد عندنا في الحالتين، وإنما يختلف الضمان، لأن المعتق الموسر يثبت لشريكه الخيار بين تضمينه وتضمين العبد، فإذا كان معسرا ثبت له تضمين العبد، كذلك في مسألتنا لا يختلف الوقوع باليسار والإعسار، وإنما يختلف الضمان. 13674 - فإن كان الراهن موسرا ضمن، وإن كان معسرا ضمن العبد، فلا فرق بينهما. 13675 - قالوا: أجمعنا أن حق المرتهن لا يسقط إلا بقيمة الرهن لتكون القيمة رهنا، وهذا لا يحصل إذا كان الراهن معسرا، ولا يصح استعساء العبد في قيمته، لان الراهن لم يستسعه، وسبب الجناية من جهته، لا العبد الذي لم يكن من جهته سبب (فالراهن أولى بالعناية)؛ لأن كسب] الحر [أكثر، وسببه أوسع. 13676 - قلنا: أما دعوى الإجماع- على أن حق المرتهن لا يسقط إلا بالقيمة- فغلط، لأن عندنا العتق إتلاف، فيجب فيه القيمة، سواء أمكن الوصول إليها أو لم يمكن، كسائر المتلفات. 13677 - وأما قولهم: (إن المولى أولى بالسعاية) -، فعندنا الدين واجب على المولى، وهو مطالب به، واكتسابه مأخوذ به، وكذلك العبد، وكما يؤخذ اكتساب المعتق، كذلك الراهن. 13678 - وقولهم: (إن الحر أقدر على الكسب) -، فالمعتق عندنا حر، فقدرة كل واحد منهما على الكسب كقدرة الآخر، والحق يؤخذ من كسبهما جميعا، وإنما ظن مخالفنا أنا نقول: إنه يستسعي كما في حكم المكاتب، وذلك إنما نقوله فيمن يسعى في بدل رقه.

مسألة 684 وطء المرهونة

مسألة 684 وطء المرهونة 13679 - قال] أصحابنا [: إذا وطئ المرهونة ولم يدع شبهة، لم يجب عليه الحد في إحدى الروايتين، ويلزمه الحد في الرواية الأخرى. 13680 - وبه قال الشافعي. 13681 - لنا: أنها محبوسة بعقد لاستيفاء ماله؛ فلا يلزم من له الحبس- الحد في وطئها، كالبائع إذا وطئها في مدة الخيار. 13682 - ولأنه لو وطئها وهو يظن أنها زوجته لم يجب الحد، كذلك إذا علم أنها أجنبية، كالأب إذا وطأ جارية ابنه. 13683 - احتجوا: بأنه ليس له شبهة في العقد، ولا شبهة في الموطوءة، ولا شبهة في الفعل، فوجب عليه الحد. 13684 - قلنا: لسنا نسلم أنه ليس فيها شبهة؛ بدلالة: أنها محبوسة في يده بحق، ويسقط بهلاكها الدين، فتثبت به المنفعة من هذا الوجه. 13685 - قالوا: محبوسة بدين، فصارت كجارية الميت إذا وطئها الغريم

13686 - قلنا: هناك لم يثبت له حق الحبس في رقبتها، ولا يسقط دينه بتلفها، فلم يكن له شبهة فيها.

مسألة 685 وطء المرتهن الجارية بإذن الراهن

مسألة 685 وطء المرتهن الجارية بإذن الراهن 13687 - قال أصحابنا- رحمهم الله-: إذا أذن الراهن للمرتهن في وطء الجارية فوطئها، فله المهر/. ... 158/ب. 13688 - وقال الشافعي رضي الله عنه: إذا ادعى الجهالة سقط الحد، وفي المهر قولان. 13689 - لنا: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لها مهر مثلها بما استحل من فرجها). 13690 - فأوجب مهر المثل في الوطء بالنكاح الفاسد، وكان المعنى سقوط الحد بالوطء، وهذا المعنى موجود في مسألتنا. 13691 - ولأنه وطء في ملك الغير يتعلق به ثبوت النسب، فتعلق به المهر، كما لو وطئ بنكاح فاسد إذا ظنها امرأته. 13692 - ولأن إذن المالك في سبب الوطء لا يسقط المهر عن الواطئ، كالنكاح الفاسد. 13693 - احتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه). 13694 - والجواب: أن المهر يثبت في الذمة، ولا يحل ماله إلا برضاه أو بحكم

الحاكم، فإذا حكم الحاكم فهو حلال بالاتفاق. 13695 - فإن قيل: فإذا وجد من جنس حقه حل له أخذه عندكم بغير طيب نفس منه. 13696 - قلنا: مهر المثل يجب من الدراهم أو الدنانير، والخيار إلى الواطئ، ولا يجوز لصاحب الحق أخذ أحدهما إلا برضا من عليه. 13697 - قالوا: أتلف ملك غيره بإذن مجرد من ملكه، وإباحة مجردة من ملكه، فلم يجب عليه ضمانه، كما لو استخدمها، أو قطع يدها، أو قتلها بإذن مالكها. 13698 - قلنا: الأسباب التي يتعلق بها المهر لا يختلف فيها إذن المالك وعدم إذنه، كما لو أذن في الوطء بالنكاح الفاسد والصحيح. 13699 - فإن قيل: هناك يجب المهر بالعقد، فلم يجب بمجرد إذنه. 13700 - قلنا: وههنا يجب بالشبهة، بل يجب بمجرد الإذن. 13701 - وأما الإذن في استيفاء المنفعة وفي الإتلاف: فلأن البدل يثبت بحق المالك برضاه بالاستيفاء من غير ذكر بدل يسقط البدل، والوطء يتعلق به المهر لحق الله تعالى، وحق المالك بالإذن في الاستيفاء لا يسقطه.

مسألة 686 حكم ولد الجارية التي وطئها المرتهن

مسألة 686 حكم ولد الجارية التي وطئها المرتهن 13702 - قال أصحابنا: إذا أذن الراهن للمرتهن في وطء الجارية فوطئها فالولد مملوك. 13703 - وقال الشافعي: الولد حر. 13704 - واختلف أصحابه: فمنهم من قال: تجب قيمته قولا واحدا، وفي المهر: قولان، ومنهم من قال: في قيمة الولد قولان، كالمهر. 13705 - لنا: أنه وطء في مملوكة أجنبي مع العلم بحالها، فصار كوطء الزوجة الأمة، وكما لو وطأها بغير إذنه. 13706 - ولأن كل جارية لو وطئها بنكاح كان الولد مملوكا فإذا وطئها بغير نكاح كان مملوكا. أصله: غير المرهونة، وعكسه: جارية الابن. 1370 - ولأن شبهة الإباحة لا تكون أقوى من نفس الإباحة، فإذا كان لو تزوجها رق الولد فشبهة الإباحة أولى. 13708 - احتجوا: بأنه وطئها وبشبهة يقتضي حرية الولد، فوجب أن يكون الولد حرا، أصله: المغرور. 13709 - قالوا: والدليل على أن شبهته تقتضي حرية الولد: أنه ظن أنها حلال بغير نكاح، وهذه صفة مملوكته. 13710 - قلنا: هذا غلط، بل شبهته أنه ظن أن الإباحة كالعقد أو كالجمعة،

وهذه الشبهة لا تفيد حرية الولد. 13711 - فأما المغرور: فإنما حكم بحرية ولده، لأن الولد يتبع أباه إلا أن يلتزم رقه، كوطء مملوكة غيره، فإذا وطئها على أنها حرة لم يلتزم رق الولد، فبقى على حكم الأصل، وفي مسألتنا: وطئها مع العلم برقها، فصار ملتزما لرق الولد، فلذلك حكم برقه. 13712 - ولأن الغرور لو وجد في النكاح كان الولد حرا، كذلك في غيره، والشبهة لو وجدت في النكاح كان الولد عبدا، كذلك في غيره.

مسألة 687 حكم بيع الرهن بإذن المرتهن

مسألة 687 حكم بيع الرهن بإذن المرتهن 13713 - قال أصحابنا: إذا أذن المرتهن في بيع الرهن قبل حلول دينه فباعه الراهن، فقيمته رهن مكانه. 13714 - وقال الشافعي: بطل حقه في الرهن، والثمن للراهن. 13715 - لنا: أنه بدل عن الرهن، فوجب أن يكون رهنا مكانه، كما لو أتلفه أجنبي فغرم قيمته. 13716 - ولأنه عير الرهن، فكان رهنا، كما لو] كان [بدين حال. 13717 - ولأن الثمن معنى يتعلق به حق المرتهن إذا كان المهر حالا، فيتعلق به إذا كان مؤجلا، كالقيمة. 13718 - احتجوا: بأن البيع معنى إزالة ملك الراهن عن عين الرهن بإذن المرتهن لا لقضاء دينه، فوجب أن يبطل حق المرتهن من الوثيقة، كما لو أذن له في عتقه فأعتقه. 13719 - وربما قالوا: معنى يسقط وثيقة المرتهن عن غير الرهن ثم يستحقه المرتهن.

13720 - الجواب: أن هذا يبطل إذا باعه بعد حلول الدين، واحترازهم الأول: لا يغني له، لأنه قد يأذن قبل حلول الدين ليقضي دينه من الثمن إذا حل، وقد تتفق الرغبة في البيع في زمان دون زمان، فهو يأذن في تعجيل البيع وإن لم يستحق الدين ليقضيه منه إذا حل. 13721 - والاحتراز الثاني: لا نسلمه، لأن الدين إذا حل استحق القضاء، فإذا امتنع من القضاء استحق البيع عندهم، وأجبر عليه عندنا، والمعنى فيه: أنه إذا أذن في العتق أنه رضي بمعنى سقط الحق من غير بدل، فلم يثبت هناك عوض ينتقل الإمساك إليه، وفي مسألتنا: أذن في نقل الحق من العين إلى بدل، فلم يسقط ذلك حقه أصلا. 13722 - يبين الفرق بينهما: أنه لو أذن في العتق والإتلاف بعد حلول الدين سقط حقه، كذلك قبله. ولو أذن في البيع يعد حلول الدين لم يسقط حقه، كذلك قبله.

مسألة 688 الإذن في بيع الرهن قبل حلول الدين على أن يكون ثمنه رهنا

مسألة 688 الإذن في بيع الرهن قبل حلول الدين على أن يكون ثمنه رهنا 13723 - قال أصحابنا: إذا أذن له في بيع الرهن قبل محل الدين على أن يكون ثمنه رهنا صح البيع. 13724 - وهو قول الشافعي في الصرف. وقال في الأم: البيع فاسد إذا صدق المشتري البائع، أن المرتهن أذن له بهذا الشرط، وإن كذبه فالبيع صحيح. لنا: أن الثمن يكون رهنا عندنا وإن لم يشترط على ما قدمنا، فقد شرط مقتضى البيع، فلا يفسده. ولأنه أذن في البيع بشرط أن يكون الثمن رهنا؛ فوجب أن يصح البيع بهذا الإذن، كما لو كان الدين حالا. 13725 - ولأن كل إذن لا يمنع صحة البيع إذا كان الدين حالا لا يمنع. وإن كان الدين مؤجلا، كما لو كان الدين حالا. 13726 - ولأن كل إذن سابق للبيع لا يفسد البيع، كسائر الشروط الفاسدة، وكما لو أنكره المبتاع. 13727 - احتجوا: بأنه بيع رهن مجهول، لأن ثمن العبد لا يعرف قدره، وليس كذلك الإذن بعد الحلول، لأن الثمن يكون رهنا بغير شرط. 13728 - الجواب: أن عندنا قبل الحلول يكون رهنا بغير شرط، فلا فرق بينهما.

ولو سلمنا ما قالوا لم ينفع، لأنه شرط في غير عقد البيع، وإنما هو شرط في أحكام الرهن، وعقد البيع لم يوجد فيه شرط، ولا يجوز أن يفسد بشرط لم يوجد في عقده.

مسألة 689 إذن المرتهن في بيع الرهن على أن يعجل له الدين من ثمنه

مسألة 689 إذن المرتهن في بيع الرهن على أن يعجل له الدين من ثمنه 13729 - قال] أصحابنا [: وإذا أذن المرتهن في بيع الرهن على أن يعجل له الدين من ثمنه، جاز البيع. 13730 - وقال الشافعي: لا يصح البيع. 13731 - لنا: أنه شرط سابق للبيع، فلا يفسد، كما لو أذن أن بيعه من فلان. ولأنه أذن له في البيع بشرط التعجل، فصار كما لو أجل الدين الحال ثم أذن في بيع الرهن بشرط التعجيل؛ لأن إذنه في البيع إسقاط، فإذا شرط لنفسه في مقابلته منفعة فلم تسلم، (جاز الشرط، و) صح الإسقاط، كالعتق. 13732 - احتجوا: بأنه أذن في البيع بشرط أن تسلم له منفعة، هي التعجيل، فإذا لم تسلم له لم يستحق عليه إسقاط حقه في العين، كما لو قال: أبيعك داري بألف على أن تبيعني عبدك بمائة، لم يستحق أحد الأمرين فلم يستحق الآخر. 13733 - الجواب: أن بيع الرهن لا يجوز بإذن المرتهن، وإنما يعمل إذنه في إسقاط حقه، فيبيع الراهن بحكم الملك، فيصح وإن خالف الشرط، كما لو قال: بعه من فلان.

ولا يشبه هذا ما قالوه؛ لأن هناك الشرط حصل في عقد البيع، والشروط إذا حصلن في عقد البيع فسد إذا لم يكن من مقتضاه، وليس هذا كالمالك إذا أذن في البيع بشرط، لأن هناك يستفيد البيع فلا يجوز أن يبيع بخلاف شرط، وههنا يبيع الراهن بحق الملك، وإذن المرتهن يعمل في إسقاط حقه.

مسألة 690 رهن العبد الجاني أو المرتد

مسألة 690 رهن العبد الجاني أو المرتد 13734 - قال أصحابنا: إذا رهن العبد الجاني أو المرتد، صح الرهن. 13735 - وقال الشافعي: رهن المرتد جائز. 13736 - واختلفوا في قوله في الجاني، فمن أصحابه من قال: في جناية العمد والخطأ قولان، ومنهم من قال: في العد قول واحد، والخطأ على قولين. 13737 - لنا: قوله تعالى:} فرهان مقبوضة {. ولأن الجناية حق لا يسري إلى (الرقبة)؛ فوجوده في العمد لا يمنع جواز الرهن، كالردة. 13738 - ولأنا قد دللنا على أن بيع العبد الجاني جائز، وكل عبد جاز بيعه جاز رهنه. 13739 - ولأن من أصلنا: أن الجناية لا تستقر في الرقبة، وأن المولى مخير فيها، فإذا رهنه انتقلت الجناية من رقبته إلى ذمة المولى، فكأنه رهن عبدا لا جناية فيه، أو كما لو رهنه بإذن ولي الجناية. 13740 - احتجوا: بأن العبد الجاني كالمستحق؛ بدلالة: أن المولى قبله، فصار

كالعبد المغصوب. 13741 - قلنا: المغصوب صادف غير مالكه] بغير إذنه، وفي مسألتنا: صادف الرهن مالكه، ويده ثابتة عليه، فجواز القتل بالقصاص كجوازه بالردة [. 13742 - احتجوا: في جناية الخطأ/ أنه محبوس بحق متعلق به، فلم ينفذ رهنه فيه، أصله: الرهن. 13743 - الجواب: أن العبد الجاني غير محبوس، ولا يد فيه لولي الجناية. 13744 - والمعنى في الرهن: أن الراهن لا يملك نقل الحق من عين الرهن إلى 159/أغيره، فلم يملك إيجاب الحق فيه بالرهن، والعبد الجاني يملك /نقل الحق من رقبته إلى ذمته، فإذا رهنه فقد اختار النقل، فكأنه فداه ثم رهنه. 13745 - قالوا: استدامة العقد أقوى من ابتدائه، ثم طريان الجناية على عبد الرهن يوجب تقديم أرشها على حق المرتهن، فقدمت على حقه، فإذا تقدمت فهي من ضمان المالك، فلم تؤثر في حق المرتهن. 13746 - ولأنها إذا طرأت تعلقت برقبة العبد ولم يوجد من المالك ما يقتضي نقلها من الرقبة، فإذا تقدمت فقد وجد من المالك الرهن بعدها وهو اختيار، فينتقل به الحق عن الرقبة.

مسألة 691 الزيادة على ثمن الرهن الأول

مسألة 691 الزيادة على ثمن الرهن الأول 13747 - قال أبو حنيفة، ومحمد: إذا رهن عبدا بمائة، ثم زاده في الرهن مائة أخرى على أن يكون الرهن بهما لم يصر رهنا بالزيادة. 13748 - وهو قول الشافعي في الجديد. 13749 - وقال أبو يوسف: تصح الزيادة، ويصير العبد رهنا بهما، وهو قول الشافعي في القديم. لنا: أن العبد رهن بالدين الأول؛ فلم يجز أن يصير رهنا بدين آخر مع بقاء الرهن الأول، كما لو رهنه عند آخر.

13750 - فإن قيل: رهنه عند آخر يسقط حق المرتهن الأول عن بعض الرهن، ورهنه عنده لا يؤدي إلى إسقاط حقه. 13751 - قلنا: بل يؤدي إلى إسقاط حقه عما أوجبه العقد الأول. لأن بعضه يصير وثيقة بالدين الأول بعد أن كان جميعه وثيقة بها. يبين ذلك: أن كل عقد منع من تجدد مثله على المعقود عليه إلى غير العاقد منع عن مثله مع العاقد، كالنكاح، والإجارة، وما لا يمنع من (تجدد مثله على المعقود عليه إلى) غير العاقد لا يمنع معه، كالكفالة. 13752 - فإن قيل: هذا يبطل بالزيادة في الثمن، فإنه يصح العقد فيها مع العاقد، ولا يصح مع غيره. 13753 - قلنا: بل يصح من المشتري، ويصير متبرعا بها، وكأنها وجدت على هذه الصفة مع العقد. ولأن الزيادة في الدين توجب تعيين الجنس الذي أوجبه قبض الرهن مع بقاء قبضه، وهذا لا يصح، كما لو رهنه عند غيره. 13754 - ولا يلزم: إذا رده في الدين؛ لأن الجنس الأول لا يتعين؛ بدلالة: أن كل واحد من الرهنين محبوس بجميع الدين، فالأول لم يتعين جنسه، وإنما يتعين الضمان. 13755 - فإن قيل: هذا يبطل إذا رهن عبدين قيمة كل واحد ألف بألف، فقتل أحدهما الآخر صار القاتل رهنا بسبع مائة وخمسين، وقد كان رهنا بخمسمائة. 13756 - قلنا: كل واحد من العبدين كان محبوسا بكل الألف، فإذا انتقل إليه زيادة الدين فلم ينتقل إليه إلا ما كان محبوسا به ابتداء. ولأن الدين من الرهن لا يجوز أن يزيد حكما؛ فلم يجز أن يزيد بزيادتهما، ألا ترى: أن الرهن لما جاز أن ينفذ حكما بازدياد المرهونة جاز الزيادة في الرهن

بعقدهما، ولهذا جاز الزيادة في عوض البيع، لأن كل واحد منهما يجوز أن يزيد حكما، بأن يكون جارية فتلد، أو تسمن، أو تتجاسر، أو تتقرع عروقها. 13757 - فإن قيل: الأجل لا يزيد حكما وتجوز الزيادة فيه بفعلهما. 13758 - قلنا: قد يزيد حكما؛ بدلالة: أنه لو باعه عبدا بألف إلى شهر فلم يسلم العبد إليه حتى مضى شهر، كان له شهر من يوم قبض العبد. 13759 - فأما خيار الشرط فإنما جازت الزيادة فيه لأن الخيار يثبت في الأصل ابتداء من طريق الحكم، وهو خيار الرؤية والعيب، فجاز أن تثبت الزيادة في الخيار الثابت في الشرع. 13760 - فإن قيل: المانع المعقود عليه في الإجارة لا يزيد حكما، ويزيد بالعقد. 13761 - قلنا: قد يزيد حكما إذا استأجر خادما فتعلمت الخبز والنسج. 13762 - وهذه المسألة مبنية على: أن رهن المشاع لا يصح، فلو ثبت زيادة الدين لم يلحق بعقده، لأنها زيادة من غير المعقود عليه] ألا ترى: أن عقد الرهن لا يتناول الدين إنما يتناول عين الرهن، والزيادة من غير المعقود عليه [لا تلحق العقد، فلو ثبت صار بعض الرهن رهنا بالدين الأول، وبعضه بالزيادة، لأنهما دينان مختلفان انفردا بالقيمة، فكأنه قال: رهنت بعض هذا الرهن بالدين الذي من الجهة الفلانية، وبعضه بالدين الذي من الجهة الأخرى، وليس كذلك الزيادة في الرهن، لأنهما زيادة في المعقود عليه، ملحقة بالعقد، وصارت كالموجودة فيه، فكأنه قال: رهنتهما بهذه الألف.

13763 - والدليل على أن الدين غير معقود عليه أن عقد الرهن إن كان ثابتا فله، والمال إذا تناوله العقد ثبت به، كالثمن في البيع، لأنهما لو تفاسخا الرهن لم يبطل الدين، ولو كان معقودا عليه سقط بفسخ العقد، كالثمن. ولأن الراهن والمرتهن لو التقيا في بلد والرهن في بلد آخر فطالبه] بالدين، وجب تسليمه، ولم يجز أن يحبسه حتى يحضر الرهن. ولو كان معقودا عليه لم يجب تسليمه حتى يحضر ما في مقابلته، كالبيع إذا التقيا في بلد فطالبه [بالثمن، لم يلزمه تسليمه حتى يحضر المبيع. 13764 - فإن قيل: لو اشترى بالدين الذي في الذمة ثوبا فثبوت الدين سابق لهذا العقد، وهو معقود عليه، ولو تفاسخا المبيع لم يسقط الدين. 13765 - قلنا: البيع عندنا لا يقع على الدين، وإنما يقع على ثمن في الذمة يصير قبضا في الدين، كما وقع عليه العقد، لا لسبق ثبوته، ولا يبقى مع فسخ العقد. 13766 - فإن قيل: الأجل والخيار كل واحد منهما ليس بمعقود عليه في البيع، ويجوز إلحاق الزيادة فيهما. 13767 - قلنا: كل واحد منهما شرط لتعيين مقتضى المعقود عليه، فصار من هذا الوجه في حكمه، فجاز إلحاق الزيادة به، لأن كل دين لا يصير الرهن به رهنا عند المرتهن، أصله: إذا قال: أقرضني مائة، فقد جعلت هذا الرهن رهنا بها مع الدين الأول. 13768 - احتجوا: بأنها وثيقة محضة، فجاز أن يزاد في دينها كالضمان، والشهادة. 13769 - واحترزوا بقولهم: (محضة) عن المبيع في يد البائع، لأن المقصود هناك ليس هو الوثيقة فحسب، بل المقصود العوض عن البيع. 13770 - وهذا ليس باحتراز، لأن وجوب الثمن عوض عن البيع، فأما حبس المبيع به ومنع المبتاع منه، فهو وثيقة محضة، ولهذا لم يثبت له التفريق، والثمن

المؤجل لم يثبت له الحبس. 13771 - ولأن الدين في الكفالة معقود عليه، بدلالة: أنه يتجدد وجوبه في الذمة، فجازت الزيادة فيه، وقد بينا أن الدين غير الرهن ليس بمعقود عليه، فلم تجز الزيادة فيه. ولأن المعقود عليه في الكفالة عين المعقود عليه في الذمة، بدلالة: أن الذمة متسعة، فالزيادة في حكم عقد مبتدأ، لأنها لا تتناول ما تناوله العقد الأول، وفي مسألتنا: الزيادة تتعلق بما تعلق به العقد الأول، فلهذا وصفت بأنها زيادة. 13772 - ولأن الكفالة بدين آخر لما جاز أن تتعلق بالذمة لغير المكفول له جاز إن تثبت للمكفول له، فلما لم يجز أن يثبت] الرهن بالرهن الأول عند غير المرتهن، كذلك لا يثبت عنده، كالمبيع لما لم يجز أن يعقد [عليه مع عتق المشتري لم يجز أن يعقد مثل العقد مع المشتري. 13773 - ولا يلزم على هذه: الزيادة في المبيع، لأنها إن كانت في الثمن فيجوز من المشتري والأجنبي، وإن كانت في المبيع فيجوز أن يملكها من المشتري على وجه الزيادة، ومن أجنبي على وجه ابتداء البيع. 13774 - فأما الشهادة: فمتى زاد في الدين المشهود به فهو شهادة مبتدأة ضمت إلى الشهادة الأولى، فوزانه في مسألتنا: أن يضم إلى الرهن رهنا آخر بدين مستقل؛ ألا ترى: أن التوثق بالشهادة الثانية لا يتناول ما تتناوله الوثيقة الأولى، إذ كل واحد منهما ينعقد، وجاءت الزيادة منهما ولحقت بالعقد، والدين قد بينا أنه غير معقود عليه،] والرهن معقود عليه، فجازت الزيادة في المعقود عليه، ولم تجز فيما ليس

بمعقود عليه [ولا هو مشروط فيه. ولأن زيادة الرهن تؤدي إلى إشاعة الدين، لأن بعض الدين يكون بهذا الرهن، وبعضه بهذا، وإشاعة الدين ابتداء لا تمنع جواز الرهن، بدلالة: أنه] لو [قال: رهنتك بنصف دينك هذا وبنصفه هذا، جاز. 13775 - قلنا: الزيادة في الدين تؤدي إلى إشاعة الرهن، وذلك لا يجوز في الابتداء، كذلك في الثاني. 13776 - قالوا: لو جنى عبد الرهن جناية لم يمنع تقدم الرهن من ثبوتها، كذلك لا يمنع من تعلق دين آخر به. 13777 - قلنا: حق الجناية لما جاز أن يتعلق] بالمرهون يستوي أن يثبت للمرتهن أو لغيره، ولما لم يجز أن يتعلق [بالرهن دين لغير المرتهن على وجه الرهن، كذلك لا يتعلق به دين للمرتهن. 13778 - قالوا: ليس يمتنع أن تجوز الزيادة في الدين، ويصير الرهن رهنا بها مع عدم الأصل للمرتهن، ولا يجوز لغيره، كما أن من استأجر دارا سنة جاز أن يستأجرها سنة أخرى، ولا يجوز لغيره أن يستأجرها. 13779: قلنا: لا نسلم ذلك، لأن عندنا يجوز أن يؤاجرها مدة مستقلة من المستأجر ومن غيره، وإنما كان كذلك لأن المدة المعقود عليها غير المدة التي تناولها العقد الأول، فلا يتنافيان.

مسألة 692 إقرار الرهن بما يبطل حق المرتهن

مسألة 692 إقرار الرهن بما يبطل حق المرتهن 13780 - قال أصحابنا: إذا أقر الراهن أن العبد المرهون كان جنى قبل رهنه وصدقه ولي الجناية، أو أقر أنه كان غصبه من فلان، أو باعه من فلان وكذبه المرتهن وصدقه المقر له، لم يقبل إقراره. 13781 - وهو أحد قولي الشافعي، وقال في القول الآخر: يقبل إقراره. 13782 - قالوا: وهل يستحلف؟ فيه قولان، أحدهما: أنه لا يمين عليه، رواه المزني، والثاني: يحلف. 13783 - قالوا: نص عليه إذا أقر الراهن أنه غصبه. لنا: أنه عقد يمنع البيع، فيمنع الإقرار بالجناية، كالبيع، والكتابة، وعكسه: النكاح. 13784 - ولأنه معنى يسقط به حق المرتهن مع بقاء الرهن بكماله، فلا يملكه الراهن، كالبيع. 13785 - احتجوا/ بأنه أقر في ملكه لغيره بما لا يجر إلى نفسه نفعا، فوجب أن يقبل إقراره، كما إذا أقر أنه كان أعتقه. 13786 - قلنا: لا نسلم أنه لم يجر إلى نفسه بهذا الإقرار /نفعا؛ بدلالة: أنه ... 159/ب

يواطئ المقر له بالبيع، فإذا فك الرهن وسلمه إليه يرده. 13787 - وقولهم: - (أقر في ملكه) - لا معنى له، لأن تعلق حق الغير بملكه إذا منعه من ابتداء التصرف منعه من الإقرار بالتصرف. 13788 - ثم الأصل غير مسلم، لأنه إذا أقر أنه كان أعتقه لم يقبل إقراره، وإنما يعتق في الحال، ولهذا يضمن قيمته، فيكون رهنا مكانه، ولو صدقناه في العتق لم يلزمه ضمان. 13789 - قالوا: الراهن محجور عليه، فيجوز إقراره فيه، كالمريض. 13790 - قلنا: المريض يجوز تصرفه فيه، فجاز إقراره بالتصرف الذي يملك أن يبتدئه، والراهن لا يملك التصرف، فلا يملك إقراره به، فيبطل هذه العلة بالمحجور عليه لسفه. 13791 - قالوا: الإقرار أقوى من البينة، وههنا إقرار في إبطال حق المرتهن، وهو لا يملك ذلك، فالبينة في حق الغير أولى من الإقرار. 13792 - قالوا: لو أجره عبده ثم أقر عليه بجناية، قبل إقراره. 13793 - قلنا: لا نسلم ذلك، فلا فرق بين الإجارة والرهن.

مسألة 693 حكم ما إذا علق عتقه بصفة ثم رهنه

مسألة 693 حكم ما إذا علق عتقه بصفة ثم رهنه 13794 - قال أصحابنا: إذا علق عتق عبده بصفة ثم رهنه، جاز الرهن، فإن دبره ثم رهنه، لم يصح. 13795 - وقال الشافعي: إن علق عتقه بصفة ثم رهنه بحق يحل قبل العتق، مثل أن يقول: أنت حر إن قدم زيد، ثم رهنه بحق يحل إلى سنة، فهو على قولين، أحدهما: يصح الرهن، والثاني: أن الرهن باطل. 13796 - وأما المدبر إذا رهنه، فمن أصحابه من قال: فيها قولان، احدهما: لا يصح الرهن، والثاني: صحيح، ويبطل التدبير. ومنهم من قال: الرهن باطل قولا واحدا، ومنهم من قال: يصح الرهن، والمدبر بحاله قولا واحدا. لنا: أن العتق بصفة عبد يجوز بيعه، فجاز رهنه، أصله: إذا علق عتقه بصفة فوجدت بعد حلول الدين. ولأن ما جاز رهنه بالدين الحال جاز بالدين المؤجل وإن بعد الأجل، كالعبد الذي لم يحلف بعتقه. 13797 - ولأنه عقد يقصد به الاستيفاء، فجاز في العبد المعلق عتقه بدخول الدار، كالإجارة. 13798 - احتجوا: بأنه معتق بصفة؛ فجاز تقدمها على محل الدين، فلا يجوز

رهنه، كالتدبير. 13799 - قلنا: المعنى في التدبير: أنه يثبت له حرية استحق بها اسما مطلقا؛ فمنه ذلك من رهنه، كأم الولد، والمكاتب، وليس كذلك في مسألتنا، لأن حق حريته لم يوجب لها اسما مطلقا، فصار كما لو علق عتقه بصفة، فوجدت بعد حلول الدين.

مسألة 694 إذا رهن عصيرا فصار خمرا

مسألة 694 إذا رهن عصيرا فصار خمرا 13800 - قال أصحابنا: إذا رهن عصيرا فصار خمرا، لم يبطل الرهن هنا، فإن استحالت خلا فالمرتهن أحق بها. 13801 - وقال الشافعي: زال ملك الراهن عنها، ويبطل الرهن، فإذا صار خلا عاد ملكه وعاد الرهن. 13802 - لنا: أنه معنى إذا حدث في العين المغصوبة لم يقطع حق مالكها عنها، فلا يزول الملك، كالحموضة. ولأنها إذا تخللت كانت رهنا من غير تجديد عقد، فلم يحكم ببطلان عقد الرهن، أصله: إذا تغير إلى شدة لا يسكر كثيرها. 13803 - ولأن الرهن قد صح فيها؛ فلم يزل ملك الراهن عنها وإن استحالت إلى ما يقوم في الثاني، كما لو حمضت.

13804 - احتجوا: بأن الرهن إنما يتعلق برقبة المال، وهذا ليس بمال، فلا يبقى رهنا، كما لو كان الرهن عبدا فمات. 13805 - قلنا: الرهن ابتداء يتعلق بالمال، فأما في حال البقاء فيجوز أن يتعلق بما لا يتعلق به ابتداء، كما لو استهلك الرهن فوجبت قيمته في ذمة المتلف كانت رهنا، ولو رهن المدبر ابتداء لم يصح. ولأن الخمر وإن لم تكن مالا فمعنى المال فيها موجود ينتظر بردها إلى المالك، فلهذا يكون الوارث أحق بها. 13806 - قالوا: القصد من الرهن استيفاء الحق من ثمنه عند امتناع من عليه الحق من بدله، وهذا لا يمكن فيه إذا صار خمرا. 13807 - قلنا: هذا والعين على حالها، فيمكن التوصل إلى ذلك التمليك، ويوكل ذميا ببيعها، ويقضي دينه من ثمنها؛ فلم نسلم ما قالوه.

مسألة 695 اختلاف الراهن والمرتهن في صفة المرهون

مسألة 695 اختلاف الراهن والمرتهن في صفة المرهون 13808 - قال أصحابنا: إذا اختلف الراهن والمرتهن، فقال الراهن: رهنتك عصيرا فصار خمرا في يدك، وقال المرتهن: رهنتني خمرا فأقبضتني خمرا، فالقول قول المرتهن (وفي مذهب الشافعي قولان، أحدهما أن القول قول الراهن، والآخر أن القول قول المرتهن) والقولان منه إذا اتفقا على وقوع (القبض) على العصير واختلفا في وقت حدوث الشدة، فأما إذا اختلفا في العقد فارهن باطل. 13809 - لنا: أنهما اختلفا في صفة ما قبضه من ملك عين، فكان القول قول القابض. 13810 - ولا يلزم: إذا قال المشتري: قيضت المبيع معيبا، فقال البائع: صحيحا؛ لأنه قبض ملك لنفسه، ولأنه حصل في يده بشيء لغيره، فالقول قوله في صفته، كالغصب. 13811 - احتجوا: بأنهما اتفقا على وقوع القبض في العين واختلفا في وقت

حدوث الشدة فيها، ومثلها يحدث بعد القبض وقبله، فيجوز أن يكون القول قول الراهن، لان معه سلامة العقد، فهو كما لو قال البائع: سلمت المبيع صحيحا، وقال المبتاع: قبضته معيبا، كان القول قول البائع. 13812 - قلنا: لا نسلم أنهما اتفقا على قبض الرهن، لأن المرتهن يقول: لم أقبض الرهن، والراهن ينكر قبض الرهن، فالقول قول النافي للقبض، ويفارق ذلك: البيع، لأنهما اتفقا على وقوع القبض في المبيع، ودخوله في ضمان المشتري، وادعى المشتري ما يتوصل به إلى إسقاط الضمان بعد لزومه، فلا يصدق فيه. 13813 - قالوا: إذا اتفقا في الرهن] ثم اختلفا في حدوث الشدة، فحدوث الشدة في الرهن [مثل القبض، فوجب الخيار في فسخ الرهن، كما أن حدوث العيب بالمبيع أوجب الخيار في فسخ البيع. فإذا اختلفا في وقت حدوثه فيجب أن يكون القول قول من ينفي خيار الفسخ في رهن المشتري الرهن، كما لو اختلفا في حدوث العيب بالمبيع، فالقول قول البائع. 13814 - قلنا: يبطل إذا شرط في البيع رهن عبد بعينه، فقال المشتري: رهنتك عبدي وأقبضتك إياه فمات عندك، فلا خيار لك في المبيع، وقال البائع: مات في يدك قبل أن ترهنني، فالقول: قول البائع في تقدم الموت، وإن كان المشتري ملك يثبت له الخيار في البيع. ولأنا بينا أنهما إذا اختلفا في العيب بعد اتفاقهما على دخول المبيع في ضمان المشتري، لم يصدق المشتري على إسقاط ذلك الضمان بعد لزومه، وفي مسألتنا: أنكر

المرتهن القبض الذي يلزمه الراهن به فالقول قوله، كما أن القول قول المشتري إذا قال: لم أقبض المبيع.

مسألة 696 التخليل للخمر

مسألة 696 التخليل للخمر 13815 - قال أصحابنا: في جواز التخليل للخمر جائز، وإذا خللها طهرت. 13816 - وقال الشافعي: لا يجوز تخليلها، فإن خللها لم تطهر. 13817 - لنا في جواز التخليل: قوله تعالى:} ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا {. قال ابن عباس رضي الله عنه: (الرزق الحسن الخل)، ولم يفصل، فدلت الآية على إباحة التخليل وإباحة خل الخمر بكل حال. 13818 - فإن قيل: إنما أباح الله تعالى الخل المتخذ من الثمار، وذلك مباح، والخلاف في الخل المتخذ من الخمر تتخذ من الثمار، لأنه يصير أولا خمرا فيعالج حتى يصير خلا.

وفي حديث ميمونة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في جلد الميتة: (الدباغ يحللها كما تخلل الخمر فيحل)، وذكر الدارقطني) كما يحل الخل الخمر). 13819 - قالوا: اجمعنا على ترك ظاهره، لان الخل لا يحلها، وإنما تحل باستحالتها. 13820 - قلنا: فإذا الخل حللها، لأنها لما استحالت إليه حلت، ولو استحالت إلى غيره لم تحل. 13821 - ولأنها عين لو تخللت فحلت، فجاز أن يتخذ منها الخل، كالعصير. ولأن كل عين حكم بطهارتها إذا استحالت أبيح التوصل إلى استحالتها، كالبيض. 13882 - فإن قيل: من أصحابنا من قال: إن البيضة إذا استحالت فهي طاهرة تصرفا. 13823 - قلنا: نحكم بطهارتها إذا استحالت، وكونها طاهرة، مثل ذلك لا يمنع هذا الوصف، فالدليل على طهارتها إذا خللت: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (نعم الإدام الخل).

13824 - ولأنها عين محكوم بطهارتها استحالت بعينها، فحكم بطهارتها إذا تسبب الآدمي إلى استحالتها، كالبيض. 13825 - ولأنها خمر صارت خلا، فوجب أن تطهر، كما لو استحالت بنفسها. 13826 - ولأن الاستحالة لما طهرت هذه العين طهرتها وإن تسبب بإزالتها الآدمي، كالدباغ. 13827 - ولأنها خل لم يحصل فيها نجاسة من غيرها، فجاز تناولها، كسائر أنواع الخمر. ولأن ما جاز تناوله إذا كان على حالة صار إليها وحرم، فإذا خفت حدة الشدة حل، كعصير العنب، وهذا دليل على أن نبيذ التمر والزبيب إذا تخلل جنسه. 13828 - احتجوا: بما روى أنس عن أبي طلحة قال: (كانت عندي جربان لأيتام، فابتعت به خمرا قبل أن ينزل تحريم الخمر، ثم حرمت، ـ فأخبرت بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: أهرقها، قلت: فأخللها، قال: لا). 13829 - قالوا: وفيه دليل من خمسة أوجه، أحدها: أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بإراقتها. والثاني: أنه نهى عن تخليلها. والثالث: أنها لو كانت تحل بالتخليل لكانت إضاعتها إضاعة المال، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن إضاعة المال.

والرابع: أنها لو كانت تحل لوجب أن يعلم ذلك، كما بين في شاة ميمونة. والخامس: أنها كانت لأيتام / وقد أمر الله تعالى بإصلاح مالهم، فكان يجب أن يأمر بتخليلها ليصلح مالهم. 13830 - الجواب: أن الأمر بالإراقة والنهي عن التخليل يحتمل لما قالوه، واحتمل أن يكون لقرب العهد بالتحريم واعتياد الناس شربها، فلم يأمن إذا بقيت إلى أن تتخلل أن تدعو النفس إليها، فأراد أن يحسم المادة فيها ويمنع من تبقيتها، وإن كانت لو بقيت فخللت صارت مالا، ومثل هذا غير ممتنع إذا كان فيه مصلحة عامة، كما أمر بقتل الكلاب لما دخل المدينة لإلفهم لها وإن كانت تقتني للصيد والحفظ إلا أنه حسم المادة في ابتداء التحريم قطعا للعادة ورفقا لهم، ثم بين إباحة الإمساك من بعد، ولهذا روي: (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا رأى اللبن] في السوق [غير آسن أهرقه)، روى ذلك ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه، عن عمر. 13831 - ومعلوم أن إمساك ذلك ليس بمحرم، وبيعه إذا بين عيبه جائز إلا أنه رضي الله عنه أمر بإهراقه حسما لمادة الفساد ولمصلحة الناس. يبين ذلك: أنه لو أمسكها حتى تخللت جاز، ثم لم يأمره بإمساكها إلى] أن [تصير خلا، ولا معنى يميز ذلك إلا ما ذكرنا.

13832 - وقد ذكر ابن المنذر حديث ابن عمر رضي الله عنه: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين حرم الخمر شق الزقاق بيده). ومعلوم أن الخمر مال يجوز الانتفاع به، ومع ذلك أتلفها حسما للمادة فيها، كذلك المنع من تخليلها. 13833 - وقد روي: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي طلحة حين أمره بإراقتها: (فإذا جاءنا مال عوضناهم)، فكأنه - صلى الله عليه وسلم - لم أمر بإتلافها (المعنى فيها يأتي) لمصلحة المسلمين، وعد بتعويضهم، فلولا أن الإتلاف وقع في منفعة جائزة لهم] لم [يعوضهم. 13834 - قالوا: روي أن عمر رضي الله عنه صعد المنبر فخطب، فقال: (لا يحل خل خمر أفسدت حتى يكون الله تعالى تولى إفسادها، ولا بأس على امرئ مسلم ابتاع خلا من أهل الكتاب ما لم يتعمدوا إفسادها، فعند ذلك يقع النهي). 13835 - قالوا: وهذا على المنبر من غير خلاف. 13836 - والجواب: أن الطحاوي قال: هذا الحديث رواه أبو عاصم، عن ابن أبي ذئب، عن ابن شهاب، عن القاسم بن محمد، عن أسلم مولى عمر، عن عمر

ابن الخطاب رضي الله عنه، قال: وجدنا أهل الحديث لا يختلفون أنه خطأ من أبي عاصم، فإن خطأه فيه إنما كان في اختصاره من حديث فيه كلام لعمر، وكلام ابن شهاب، فتوهم أن جميع الكلام لعمر، فاختصر آخره، ورواه عن عمر، وإنما هو كلام الزهري، وحذف كلام عمر، وقد كان ابن شهاب يروي الحديث ويتبعه بكلامه فيظن من لا علم له بالحديث أن جميع ما قاله رواية. 13837 - وقد روى الحديث بتمامه ابن وهب، عن ابن أبي ذئب، عن ابن شهاب، عن القاسم بن محمد، عن أسلم- مولى عمر-: أن عمر أتى بالطلاء، وهو بالجابية، وهو يومئذ يطبخ، وهو كعقيد الرب، فقال: إن في هذا لشرابا ما انتهى إليه، ولا يشرب خلا من خمر أفسدت حتى يبدي الله فسادها، فعند ذلك يطيب الخل. 13838 - وروى ابن أبي ذئب الحديث هكذا، وليس فيه من كلام عمر إلا ذكر الطلاء، والباقي من كلام الزهري. 13839 - والدليل عليه: أن يونس روى هذا الحديث عن ابن شهاب، وقطع على قول عمر: (إن في هذا لشرابا ما انتهى إليه)، ثم لو ثبت أن هذا من كلام عمر لم يكن فيه حجة، لأنه روي عن أبي الدرداء خافه، وذكره أبو يوسف في الأصل، وذكره إبراهيم الحربي في غريب الحديث. وذكره الطحاوي بإسناده عن أبي إدريس الخولاني: أن أبا الدرداء كان يأكل المري، يعني: فيه الخمر، ويقول: (ذبحته الشمس والملح)، والمري من الخمر، كان

يتخذه أهل الشام يجعلون فيه الخيار والملح، فهذا يدل من مذهبه أنها تحل إذا توصل إلى استحالتها. 13840 - قالوا: الخمر مستلذة مألوفة محبوبة، والطبع يميل إليها، وتدعو النفس إلى شربها، وموافقتها محظورة، فمنع من التعرض لها، كما منع من التصريح بالخطبة في العدة حتى لا تخبر المرأة بانقضاء عدتها قبل انقضائها. 13841 - قلنا: إذا طرح فيها الملح أفسدها وأخرجها من الهيئة التي تستلذ وتشتهى، فلم يوجد ما قالوا. 13842 - وأما التصريح بالخطبة: فلأن النكاح محرم في هذه الحال، فمنع الله تعالى من التصريح به ليظهر من كل واحد منهما الإعراض عن العقد المحرم عليها. 13843 - قالوا: فعل محظور؛ فوجب أن لا يكون سببا لاستباحة غير محظورة، كذبح الصيد في الحرم، والإحرام. 13844 - قلنا: لا نسلم أن التخليل محظور، بل هو مباح، ويبطل: بمن تشاغل عن الجمعة بدباغ جلد، فهو فعل محظور يتوصل به إلى استباحة غير محظور] وينتفض: بالغاصب لجلد الميتة إذا دبغه، فهو فعل محظور يتوصل به إلى استباحة غير محظور [. 13845 - قالوا: فعل منهي عنه لحق الله تعالى من غير اشتغال به عن عبادة، فوجب أن لا يتعلق به استباحة مقصودة لفاعله؛ أصله: إذا اصطاد المحرم صيدا في الحل، أو اصطاده الحلال في الحرم. 13846 - قلنا: لا نسلم الوصف، أنه ليس بمنهي عنه، ثم يبطل بمن طلق امرأته ثلاثا فتزوجت، فأكره الزوج على وطئها في حال الحيض، فهذا فعل منهي عنه

لحق الله تعالى، ويتعلق به استباحة مقصودة لفاعله، لأن التحريم المتعلق بالطلاق الثلاث (لا) يزول، ويبطل بمن استخمر بطعام، ويبطل بأم الولد إذا قتلت مولاها، فإنها تعتق بقتله وتستبيح التصرف في نفسها وكسبها. 13847 - فإن قالوا: النهي عن قتل المولى لحقه. 13848 - قلنا: ولحق الله تعالى؛ ألا ترى: أنه لو أذن لها في قتله لم يحل القتل، فلو ارتد جاز لها قتله لما زال المانع لحق الله تعالى. 13849 - ولأن الاستباحة المقصودة لا تحصل بالتخليل، وإنما تحصل بالاستحالة التي يتوصل إليها بالتخليل وليس كذلك إذا ذبح المحرم صيده، لأن الاستباحة لو حصلت أوجبها الفعل المحظور سببا لأمر آخر يقع به الاستباحة، كما أن الحامل إذا تداوت لتضع حملها استباحت بالوضع الفطر في رمضان وإن حصلت بسبب هي فيه عاصية. 13850 - ولأنا لو ملكنا المحرم بالصيد وأبحنا ما ذبحه بذبحه، صار ذلك] ذريعة إلى إتلاف الصيد والأنعام بفعل محظور، وإذا أبحنا الخمر بالتخليل، صار ذلك ذريعة [إلى إفسادها وإخراجها من أن تكون معدة للمعاصي، وهذا مندوب إليه وغير ممنوع منه. 13851 - قالوا: مائع متمول في العادة، فإذا نجس لم يطهر بصنعة آدمي، كاللبن. 13852 - وقولهم: (مائع) احتراز من جلد الميتة. 13853 - وقولهم: (متمول) من الماء النجس.

13854 - قلنا: نقول بموجب العلة، فإن الخمر لا تطهر بصنعة آدمي، وإنما تطهر بالاستحالة، وصنعة الآدمي سبب في ذلك، فهو كما لو نقلها من الشمس إلى الظل. 13855 - وقد قالوا: المذهب أن ذلك يخللها، وإنما خالف في ذلك بعض المتأخرين منهم. ولأن اللبن لا يستحيل بالصنعة؛ فلم يتغير حاله، والخمر تستحيل بالصنعة، والاستحالة أن يتنجس اللبن بمخالطة الخمر، فيطهر بغلبة الخل عليه؛ لأنه يستحيل بذلك. ولأن اللبن النجس لا يطهر إذا تغير بغير فعل الآدمي، والخمر إذا تغيرت بصنعة آدمي كذلك تطهر بالتغيير إذا كان بصنعة آدمي. 13856 - قالوا: فعل الآدمي قد يؤثر في الحظر والتحريم ما لا يؤثر غيره. ألا ترى: أنه لو ترك أباه يموت ورثه، ولو قتله لم يرثه، ولو ترك صيد الحرم فخرج من الحرم بنفسه حل له قتله، ولو نفرده وأخرجه إلى الحل لم يحل له قتله. 13857 - قلنا: لم يختلف بما ذكروه من فعل الآدمي وغيره؛ بدلالة: أن أجنبيا لو قتل أباه ورثه وارثوه، كما لو مات حتف أنفه، وقتل الآدمي فعل الآدمي. 13858 - وأما الصيد فلم يختلف لما ذكروه، ولكن إذا نفره حتى يخرج صار في ضمانه بالإخراج، فلم يجز له تخفيف الضمان بإتلافه، فلو ذبح ضمن، لكل يحل تناوله، فقد استوى فعل الآدمي وغيره في الإباحة بالذبح، وإنما اختلف في الضمان، لأنه تعدى في إحدى الحالتين دون الأخرى ولو قتل كان الأمر بضد ما

قالوه من باب أولى؛ لأن فعل الآدمي قد يؤثر في الإباحة ما لا يؤثر غيره، بدلالة: أنه لو ذبح] الشاة حلت، ولو تركها حتى تموت يحرم تناولها. ثم لو كان المانع ما قالوه من صنعة الآدمي لوجب لو أطارت الريح [الملح حتى وقع في الخمر فتحللت أن تحل، لأنه لم يوجد صنعة آدمي. 13859 - قالوا: مائع استحال فنجس، فلا يطهر بصنعة آدمي، كالبول. 13860 - قلنا: لا نسلم الأصل، لأن البول إذا وقع على الأرض طهر بمضي الزمان والاستحالة، فإذا فعل أجنبي ذلك يطهر بالاستحالة التي ينسب إليها الآدمي. 13861 - قالوا: خمر زالت شدتها بمخالطة غيرها، فوجب أن لا تطهر، كما لو غلبها السكر والدبس. 13862 - قلنا: هناك الشدة لم تزل، وإنما غلبها الحلاوة، بدلالة: أنها تحيل السكري إلى الشدة إذا بقي فيها، فعلم أن الشدة باقية لكنها لا تطهر؛ لأنها مغلوبة/ وليس كذلك إذا تخللت، لأن الشدة زالت، بدلالة: أن الخمر كانت هي 159/ب الغالبة، ومع ذلك ارتفعت الشدة عنها. 13863 - قالوا: مائع لا يطهر بالكثرة، فوجب أن لا يطهر بالصنعة، كالسمن الذائب إذا ماتت فيه الفأرة. 13864 - قلنا: لا نسلم الأصل، فإن السمن النجس يطهر بالغسل عندنا إذا طبخ بالماء، وجميع النجاسات تطهر عندنا بالاستحالة بفعل الآدمي وبغير فعله. 13865 - قالوا: الخمر نجسة، فإذا طرح فيها الملح ذاب ونجس، فإذا تخللت ففيها مائع نجس، فهو كخل وقع فيه بول.

13866 - قلنا: الملح إنما نجس بالخمر، فإذا استحالت الخمر استحال ما في الملح من أجزائها، وطهر ذلك كما يطهر كل جزء من الخمر. يبين ذلك: أن ظرفها نجس، فإذا استحالت فيه طهر، ولا يكون ذلك كخل في ظرف نجس. 13867 - فإذا قيل: زوال ما أوجب نجاسة المائع لا يطهره، كعظم الخنزير إذا وقع في الماء ثم أخرج منه. 13868 - قلنا: لم نقل: إنه يطهر بإزالة ما نجسه] لكنه يطه بإحالة ما نجسه [، وهذا يطهر المائع بالاتفاق، ألا ترى: أن الخمر إذا تخللت بنفسها طهرت لزوال المعنى الموجب لنجاستها بالاستحالة، فأما العظم ينجس الماء، فإذا أخرج لزوال المعنى الموجب لنجاستها بالاستحالة، فأما العظم ينجس الماء، فإذا أخرج بقيت الأجزاء المتخللة فيه في الماء لم تستحل، فلم تزل النجاسة بإخراج العظم.

مسألة 697 رهن ما يسرع إليه الفساد بالدين

مسألة 697 رهن ما يسرع إليه الفساد بالدين 13869 - قال أصحابنا: رهن ما يسرع إليه الفساد بالدين الحال والمؤجل جائز. 13870 - وقال الشافعي: ما يمكن استصلاحه ومنعه من الفساد، كالرطب الذي يصير تمرا، والعنب الذي يصير زبيبا؛ يجوز رهنه، ويكلف الراهن حفظه من الفساد بالشمس ويجبر على ذلك. 13871 - فإن كان مما يخشى فساده ولا سبيل إلى حفظه، كالتفاح، والقثاء، والبطيخ، فرهنه بدين حال أو بأجل لا يفسد إليه جاز، وإن رهنه إلى أجل لا يبقى إليه وشرط أن يباع إذا خشي فساده ويكون ثمنه رهنا جاز، وإن رهنه بشرط أن لا يباع بطل الرهن، وإن أطلق ففيه قولان، أحدهما: الرهن صحيح، والثاني: الرهن باطل، قالوا: وهو الصحيح. 13872 - لنا: أن ما جاز رهنه بدين حال جاز بدين مؤجل وإن بعد الأجل، كالعنب الذي يتخذ منه الزبيب. ولأن كل عين صح رهنها بدين بشرط البيع، جاز رهنها بذلك الدين من غير شرط؛ أصله: إذا كان لا يفسد قبل الحلول. 13873 - ولأنه يجوز بيع هذه العين إلى هذا الأجل، فجاز رهنها إليه مطلقا،

أصله: الأجل الذي لا يفسد إليه. 13874 - احتجوا: بأنه لا يصح بيعه عند محل الدين، فلا يصح الرهن به، أصله: أم الولد. 13875 - الجواب: أنه يبطل بالرطب الذي يجئ منه التمر إذا رهنه بدين مؤجل لا يمكن بيعه عند محل الدين. 13876 - فإن قالوا: يجففه ثم يباع. 13877 - قلنا: وكذلك هذا إذا خشي فساده، بيع وحبس ثمنه، فيباع في الدين ويستوفي. 13878 - ولأن أم الولد لا يمكن بيعها في حال من أحوال الرهن،] فلم يجز رهنها. وليس كذلك هذا، لأنه يجوز بيعه في حال من أحوال الرهن [، فصار كما لو رهن ما يفسد بشرط أن يباع قبل فساده. 13879 - قالوا: المقصود من الرهن استيفاء الدين من ثمنه إذا حل الدين وامتنع الراهن من قضائه، وهذا لا يصبح من هذا النوع، لأنه لا يمكن بيعه قبل فساده. 13880 - قلنا: إذا خشي فساده باعه الحاكم وأمر بحفظ ثمنه، فحصل مقصود الرهن منه. 13881 - قالوا: لا يجوز أن يلزم الراهن بيع الرهن قبل حلول الدين. 13882 - قلنا: يلزمه ذلك لحق المرتهن حتى لا يتلف الدين؛ يبين ذلك: أن الإنسان لا يجبر على تجفيف رطبه وعنبه وبيع ذلك، وإذا كان رهنا يجبر عليه عندهم لحق المرتهن، كذلك يجبر على البيع أو يبيعه الحاكم لتعلق حق المرتهن.

مسألة 698 توكيل الراهن المرتهن في بيع الرهن

مسألة 698 توكيل الراهن المرتهن في بيع الرهن 13883 - قال أصحابنا: إذا وكل الراهن المرتهن في بيع الرهن عند حلول الدين، أو شرط ذلك في الرهن، جاز. 13884 - وقال الشافعي: لا يجوز للمرتهن أن يبيع الرهن بالوكالة إلا أن يحضر الراهن أو وكيله. وقال أصحابه: لا يجوز بيعه من الراهن إن لم يحضره. لنا: أن ما جاز أن يشترط في الرهن للعدل، جاز أن يشترط للمرتهن، كالإمساك. 13885 - ولأن ما جاز أن يشترط الإمساك في الرهن جاز أن يشترط له البيع عند محل الدين، كالراهن. ولأن الراهن مالك البيع؛ بدلالة: أنه لو باع بإذن المرتهن جاز، وقد وكل في

البيع من يملك البيع، فصح توكيله، كما لو وكل أجنبيا، أو وكل المستعير. 13886 - احتجوا: بأن المرتهن يبيعه في حق نفسه، ويبيع ملك الغير في حق نفسه بتولية لا يصح، كما لو وكله في بيع عبده من نفسه. 13887 - وربما قالوا: توكيل فيما يتعلق بحق الوكيل، فوجب أن لا يصح. أصله: إذا وكل صاحب الدين من عليه الدين بقبضه من نفسه له. 13888 - الجواب لا يسلم: لأنه يبيع ملك الغير لمالكه ثم يستوفي الدين من ثمنه، وهذا غير ممتنع، كما لو قال المسلم إليه لرب السلم: وكلتك أن تشتري بدراهمي طعاما ثم تستوفيه لنفسك. 13889 - قالوا: الوكالة بشراء الطعام جائزة، والأمر بالاستيفاء لا يصح به، كذلك ههنا كان يجب أن تجوز الوكالة بالبيع وإن لم يصح الإذن في الاستيفاء عندهم. ولأنه إذا كان يجوز أن يملك بمشتري ملك الغير لحق نفسه بأمر الغير جاز أن يبيعه لحق نفسه بأمره. 13890 - وقولهم: توكيل فيما يتعلق بحق الوكيل، يبطل بتصرف المضارب، فإنه يتصرف بأمر رب المال لحق نفسه. فأما الوكالة بأن يبيع من نفسه فإنما لا يصح؛ لأن حقوق العقد تتنافى؛ ألا ترى: أنه تثبت له المطالبة على نفسه بتسليم المبيع وقبضه، ويطالب نفسه بالثمن، ويستحيل أن يثبت بالعقد المطالبة للإنسان على نفسه، وليس كذلك إلا إذا باع من نفسه، لأن المطالبة لا تثبت له بالعقد، وإنما تثبت بالولاية، بدلالة: أن الصبي

إذا بلغ لزمه أن يبدل التسليم إلى أبيه. وأما إذا وكله بأن يقبض له الدين من نفسه فلأنه أمره بالتصرف في ملك المأذون، وأمره له بأن يتصرف في ملكه باطل، فكأنه عين الدين بغير أمره. وفي مسألتنا: أمره ببيع ملكه، فهو يتصرف في ملك الغير بأمر مالكه، وإلا لمن ملك لذلك التصرف، فلهذا جاز. 13891 - قالوا: إذنه يضاد الغرضين، لأن المرتهن غرضه: البيع على الفور، والمبادرة لتعجل حقه، وغرض الموكل: الزيادة في الثمن، ولا يمكن هذا مع المبادرة في البيع، وإذا تضاد الغرضان بطل التوكيل، كما لو قال: بعني من نفسك. 13892 - قلنا: يبطل إذا قدر الثمن فباعه به فلم يفت عليه غرضه، ولا يجوز عندهم. 13893 - ويبطل بتوكيل المسلم إليه رب السلم ليشتري طعاما يستوفيه من دينه. 13894 - قالوا: عندنا إذا وكله أن يشتري طعاما لا يجوز، وإنما يجوز إذا وكله أن يشتري الطعام له. 13895 - قلنا: وكذلك في مسألتنا: إنما يوكل ببيع الرهن له، ثم أذن له في تسليم الدين من ثمنه. 13896 - وقد قال الشافعي في مسألتنا: إن المرتهن إذا باع فبيعه باطل، وقال في الوكيل: إذا وكل وكالة فاسدة صح البيع، وأكثر أحوال الوكالة ههنا أن تكون فاسدة، فيجب أن يجوز البيع عنده.

مسألة 699 شرط توكيل العدل ببيع الرهن

مسألة 699 شرط توكيل العدل ببيع الرهن 13897 - قال أصحابنا: إذا شرط في عقد الرهن توكيل العدل أو غيره ببيع الرهن عند حلول الدين، لم يملك عزله إلا برضا المرتهن. 13898 - وقال الشافعي: للراهن أن يعزله، وإن عزله المرتهن وحده، فالمذهب: أنه ينعزل. 13899 - ومن أصحابه من قال: لا يملك المرتهن عزله عنه بعد الشرطين، أصله: الإمساك. 13900 - ولأن كل من جاز له بيع الرهن عند المحل، لم يملك الراهن عزله عن البيع، كالقاضي إذا جعل الرهن عنده. ولأنه لما شرط البيع في الرهن صار من حقوقه، بدلالة: أن في ذلك زيادة وثيقة، والعقد إذا صار من حقوق عقد آخر لازم، لم يملك من شرطه عليه إسقاطه حتى كأنه لم يشرطه. أصله: إذا شرط في البيع بقي على حاله غير لازم، بدلالة: أن المشتري لا يجبر على تسليمه، كذلك الوكالة عقد غير لازم، فإذا شرط في الرهن بقي على ما كان عليه.

13901 - قلنا: نحن قلنا: إنه لا يملك إسقاطه حتى يصير كأنه لم يشترطه، وعندهم: يعزله عن الوكالة، فيصير كأنه لم يوكله، وفي مسألتنا: الراهن وغن لم يجبر على تسليم الرهن فقد تعلق بشرط حكم لازم، بدلالة: أنها تثبت للبائع الخيار إذا لم يسلم المشتري الرهن إليه. ذ 3902 - احتجوا: بأنها وكالة، فملك عزل وكيله عنها، كسائر الوكالات. 13903 - الجواب: أنه لا فرق بين هذا وبين سائر الوكالات في أنه متى تعلق بالوكالة حق غير الموكل لم يملك الموكل إسقاطه، ومتى لم يتعلق بالعزل إسقاط حق أحد، جاز للموكل إسقاط حق نفسه. 13904 - يبين هذا: أن إمساك العدل الرهن لو كان وديعة من غير/رهن ملك ... 160/أالراهن عزله، ولما تعلق بهذا الإمساك حق المرتهن لم يملك عزله. 13905 - قالوا: وكالة تبطل بموت الوكيل، فبطلت بالعزل، كالوكالة المجردة. 13906 - قلنا: موت العدل يسقط إمساكه للرهن وإن كان الراهن لا يملك عزله عن الإمساك، والمعنى في الوكالة المنفردة ما ذكرنا.

مسألة 700 بيع العدل الرهن وهلاك الثمن في يده

مسألة 700 بيع العدل الرهن وهلاك الثمن في يده 13907 - قال أصحابنا: إذا باع العدل الرهن فهلك ثمنه في يده، هلك من ضمان المرتهن. 13908 - وقال الشافعي: من مال الراهن. 13909 - وهذه مبنية على ضمان الرهن، ووجه البناء: أن ثمن الرهن قام مقامه رهنا في يد العدل، فهلاكه كهلاك الرهن، ولو هلك الرهن كان بالأقل من قيمته ومن الدين، كذلك الثمن لما صار رهنا. وعلى أصلهم: إذا هلك الرهن من غير تفريط كان من مال الراهن لذلك. 13910 - ويحتج في المسألة من غير بناء: أن العدل أمين يمسك الثمن لحق المرتهن؛ فصار كما لو دفع الثمن إلى وكيله بالقبض. ولأن يد العدل للمرتهن، فصارت كيد وكيله، ولو هلك الثمن من يد وكيله هلك من ضمانه كذلك هذا.

مسألة 701 رجوع المشتري بالثمن على العدل

مسألة 701 رجوع المشتري بالثمن على العدل 13911 - قال أصحابنا: إذا باع العدل الرهن وقبض الثمن، فهلك في يده ثم استحق المبيع، فللمشتري أن يرجع بالثمن على العدل. 13912 - وقال الشافعي: يرجع به على الراهن. 13913 - وهذه المسألة مبنية على: أن حقوق العقد تتعلق بالوكيل، والرجوع بالثمن من حقوق العقد، فيتعلق بالوكيل والمطالبة بالتسليم. 13914 - ولأن كل مكلف توجه عليه المطالبة بتسليم المبيع بالعقد، توجه عليه العهدة بالثمن، كالراهن إذا باع. 13915 - ولا يلزم: القاضي وأمينه، لأن التسليم يلزمهم بحكم الولاية لا بالعقد. 13916 - فإن قيل: فكذلك الوكيل لا يلزمه المطالبة بالتسليم، وإنما يلزمه التسليم بحكم العقد. 13917 - ولأن كل من ادعى المبيع جعل القول قوله مع يمينه، والرجوع بالثمن يتوجه عليه عند الاستحقاق، كالوصي، والأب. 13918 - ولا يلزم: الصبي والقاضي وأمينه، لأنه لا يتوجه عليهم اليمين. 13919 - احتجوا: بأنه نائب عن غيره من غير عقد؛ فلا يلزمه ضمان

العهدة، أصله: أمين الحكم. 13920 - الجواب: أن أمين الحكم قائم مقامه إذا كان من أهل الضمان.

مسألة 702 اختلاف العدل مع المرتهن في تسليم الثمن بعد بيع الرهن

مسألة 702 اختلاف العدل مع المرتهن في تسليم الثمن بعد بيع الرهن 13921 - قال أصحابنا: إذا باع العدل الرهن وادعى تسليم الثمن إلى المرتهن؛ فالقول قوله مع يمينه. 13922 - وقال الشافعي: القول قول المرتهن، والعدل ضامن إلا أن يكون سلم بشهادة فمات الشهود. 13923 - وإن سلم بشهادة واحد، ففيه وجهان. 13924 - وإن سلم بمحضر الراهن من غير إشهاد، ففيه وجهان. 13925 - وإذا وكله بأن يودع رجلا بعينه فقال: أودعته، ففيه وجهان. 13926 - لنا: أنه أمين في الدفع إليه؛ فالقول قوله في الدفع، كالمودع. 13927 - ولا يلزم: الوصي إذا قال: قبضت دين الميت، أو سلمت الوصايا، لأن القول قوله في نفي الضمان عن نفسه. 13928 - فإن قيل: المعنى في المودع: أنه يدعي التسليم إلى غير من ائتمنه،] وفي مسألتنا: يدعي التسليم إلى من ائتمنه [. 13929 - قلنا: المرتهن قد ائتمن العدل؛ لأنه يقبض له، وهو قائم مقامه، فكأنه

ادعى الدفع إليه. 13930 - احتجوا: بأن العدل مفرط في ترك الإشهاد على المرتهن؛ لأن أمره بقضاء دينه يقتضي دفعا بينهما إلا بشهادة شاهدين. 13931 - قلنا: أطلق الأمر بالدفع، فعموم الأمر يقتضي دفعا بشهادة وبغير شهادة. 13932 - ولأنه أمره بدفع مبرئ، وقد دفع دفعا مبرئا؛ لأن الدين سقط بالدفع، وجواز أن يجحد لجواز أن يدفع بشهادة فيموت الشهود. ولأن البراءة حاصلة عندنا؛ لأنا نجعل القول قول العدل في براءة نفسه، فإذا حلف لا يلزمه الضمان، فكأن الرهن هلك في يده فأسقط حق المرتهن، فقد حصل غرض الراهن من سقوط الدين، فلم يجب الضمان.

مسألة 703 جناية العبد المرهون

مسألة 703 جناية العبد المرهون 13933 - قال أصحابنا: إذا جنى العبد المرهون جناية واختار المولى الدفع ولم يفده المرتهن، دفع بجنايته وسقط الدين إن كان العبد مثل الدين أو أكثر. 13934 - وقال الشافعي: يباع في الجناية والدين بحاله. 13935 - قلنا: الكلام في موجب الجناية. 13936 - ولأن المولى لا يلزمه في جناية عبده أكثر من إزالة يده عنه، كما لو كان عمدا. 13937 - وأما سقوط الدين: فمبني على أن الرهن مضمون، فتلفه في يد المرتهن كتلفه بالموت، فيسقط الدين.

مسألة 704 إعارة العين ليرهنها المستعير في دينه

مسألة 704 إعارة العين ليرهنها المستعير في دينه 13938 - قال أصحابنا: إذا أعاره عينا ليرهنه المستعير في دينه، جاز، فإن هلكت في يد المرتهن يرجع المعير على المستعير بمقدار ما سقط من الدين. 13939 - وللشافعي قولان، أحدهما: أن العارية للرهن كالعارية للاستعمال، فإذا تلفت العين ضمن المستعير قيمتها. والقول الثاني: أن المعير ضامن الدين للمستعير بمقدار ما أدى من دينه، فإذا قال: إنه عارية صح وإن لم يبين المقدار الذي يرهنه به، وجنسه وصفته. 13940 - وهذه المسألة مبنية على: أن الرهن مضمون، فإذا هلك صار المرتهن مستوفيا لدينه، فكأن المعير أذن له في قضاء دينه من ماله، فيرجع عليه. 13941 - ولأنه رهن مال غيره بدين على نفسه، فكان تلفه من ضمانه، أصله: إذا أذن له أن يرهنه بدين حال، فرهنه بدين مؤجل. 13942 - ولأنه جمع بين العارية والإذن في الرهن، فصار كما لو أعاره لينتفع به، ثم أذن له أن يرهنه. 13943 - ولأن العارية] للرهن عارية؛ لضرب من الانتفاع؛ فكان يجب أن يتعلق بالقبض الضمان، كالعارية [للاستعمال على قولهم.

مسألة 705 رهن المكاتب بمال الكتابة

مسألة 705 رهن المكاتب بمال الكتابة 13944 - قال أصحابنا: إذا رهن المكاتب بمال الكتابة رهنا جاز. 13945 - وقال الشافعي: لا يجوز. لنا: أنه دين يصح استيفاؤه، فصح أخذ الرهن به، كسائر الديون. 13946 - ولأنه دين على المكاتب؛ فجاز أخذ الرهن به، كأثمان البياعات. ولأنه بدل العتق؛ فجاز أخذ الرهن به، كالبدل في العتق على مال. 13947 - قالوا: المعنى في جميع هذه الديون: انه يجوز أخذ الكفالة بها فجاز أخذ الرهن بها، فلما لم تجز الكفالة بمال الكتابة لم يجز أخذ الرهن به. 13948 - قلنا: علة الأصل تبطل بضمان الدرك الذي تجوز الكفالة به، ولا يجوز أخذ الرهن به. 13949 - وعلة الفرع لا تصح، لأن الدين لو ثبت في ذمة الكفيل ثبت ثبوتا صحيحا، ودين الكتابة ليس بدين صحيح، فلا يجوز أن يثبت في ذمة الكفيل.

أقوى من ثبوته في ذمة صاحب الأصل. 13950 - فأما الرهن: فهو مال المكاتب، فالدين يتعلق به على الوجه المتعلق بذمته، فلا يكون أكمل من ثبوته في ذمة صاحب الأصل. 13951 - احتجوا: بأن الرهن وثيقة في دين يستوفي الدين منها، فوجب أن لا يصح في دين الكتابة، أصله: إذا ضمن الحر عن المكاتب. 13952 - الجواب: إنما لا يصح الضمان؛ لأن من حكمه: أن يثبت في ذمة الضامن] على الوجه الثابت في ذمة المضمون، ودين الكتابة ناقص في ذمة [المكاتب، لأنه دين المولى على عبده، فلو تكفل الحرية لثبت في ذمته كاملا، وهذا لا يصح؛ فأما الرهن فإنما يراد لإبقاء الدين، وهذا المعنى صحيح في أكساب المكاتب. 13953 - قالوا: من حكم الدين: أن يتعلق بالرهن تعلقا صحيحا، كما يتعلق بذمة الكفيل. 13954 - قلنا: المعنى الموجب لنقص مال الكتابة: أنه دينه على عبده، فإذا تعلق بالرهن فهو دينه تعلق بالكسب الذي هو على حكم ملكه، فيثبت فيه كثبوته في الذمة ناقصا، فلذلك افترقا. 13955 - قالوا: دين الكتابة ليس بثابت، ولا يئول إلى الثبوت؛ فلم يجز الرهن به. 13956 - قلنا: هذا ثابت عندنا، لأن المكاتب لا يملك أن يسقطه عن نفسه مع القدرة على الكسب، إنما يجوز أن يسقط بالعجز، وهذا المعنى لا يمنع من جواز الرهن، كما يجوز بثمن المبيع وإن جاز أن يسقط بهلاك المبيع قبل القبض ورده بالعيب والخيار.

مسألة 706 تزويج الراهن الجارية المرهونة، ومنع المرتهن زوجها من وطئها

مسألة 706 تزويج الراهن الجارية المرهونة، ومنع المرتهن زوجها من وطئها 13957 - قال أو حنيفة، ومحمد: يجوز للراهن تزويج الجارية المرهونة وللمرتهن منع الزوج من وطئها. 13958 - وذكر الطحاوي: أنه استحسان. 13959 - وذكر عن أبي يوسف روايتين، إحداهما: للمرتهن فسخ النكاح. 13960 - وقال الشافعي: إذا زوجها بغير إذن المرتهن، لم يصح. 13961 - وقال في المبيعة- إذا لم يكن سلم الثمن-: مثل ذلك. لنا: قوله تعالى} وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم {، ولم يفصل. 13962 - ولأنها محبوسة للاستيفاء، فكان لمالكها تزويجها، كالمستأجرة. 13963 - ولأنه عقد يقصد به المنفعة، فجاز أن ينعقد من الراهن، وإنما ينعقد موقوفا بغير رضا المرتهن، كعقد الإجارة. 13964 - وهذا مسلم على المذهبين، لان عندنا عقود الراهن تنعقد موقوفة، وعندهم: إجازته صحيحة. 13965 - احتجوا: بأن التزويج ينقص قيمة الرهن؛ فلم يملك ذلك الراهن بغير

160/ب إذن المرتهن، أصله: لبس الثوب المرهون، وصبغه، ونقض الدار المرهونة/. 13966 - الجواب: انه يبطل على أصلهم بالإجارة، وإنما يصح من الراهن، وهي توجب نقص الثمن، لا سيما إذا طالت مدتها. 13967 - ولان عندنا إذا عقد عقدا لا ينفسخ نفذ في الرهن، فإن أتلف القيمة بالتدبير والعتق بعوض والنكاح لا ينفسخ عندنا فينفذ، وإن أثر في نقصان القيمة. 13968 - قالوا: الراهن لا يملك وطأها ولا تسليمها للوطء مع عدم الضرر بالموطوءة، فوجب أن لا يملك تزويجها كالأجنبي. 13969 - قلنا: الراهن مالك لوطئها؛ بدلالة: أنها إذا وطئت شبهة كان المهر له، وإنما يتعذر تسليمها للوطء لحق المرتهن، ولا يمكن تسليمها للوطء لحقه، وتعذر التسليم لا يمنع انعقاد النكاح، كالأمة المغصوبة والآبقة. 13970 - قالوا: إجارة تعلق بها دين آدمي، فوجب أن لا يجوز تزويجها بغير إذن من له الدين، كالجارية المأذونة إذا كان عليها دين. 13971 - قلنا: قد بينا أن الجارية المأذونة يتلقاها المولى منه، وتعلق حقه بها يمنع تزويجها إذا كان مكاتبا، فتعلق حق الغرماء المقدم على دين العبد أولى أن يمنع؛ وفي مسألتنا: الجارية على ملك المولى، وهو ممن يملك التزويج، فتعذر تسليمها لا يمنع تزويجها.

مسألة 707 الشرط الفاسد في الرهن

مسألة 707 الشرط الفاسد في الرهن 13972 - قال أصحابنا: إذا شرط في الرهن شرطا فاسدا، صح الرهن، وبطل الشرط. 13973 - وقال الشافعي: إذا كان الشرط الفاسد ينقص في حق المرتهن؛ بطل الرهن قولا واحدا، مثل: أن يشترط أن لا يسلم الرهن إليه أو لا يبيعه في محله، أو يبيعه بعد شهر، أو لا يبيعه إلا برضا الراهن، أو برضا غيره. فإن كان يزيد في حق المرتهن، مثل: أن يشترط دخول الولد والثمرة، ففيه قولان: أحدهما: يبطل الشرط ويصح العقد، والثاني: يبطل العقد. 13974 - لنا: حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يغلق الرهن). 13975 - وروي عن النخعي، وطاووس أنهما قالا: (كانوا يرهنون ويقولون: إن جئناك بالمال إلى وقت كذا وإلا فهو لك، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا يغلق الرهن). وتأوله على ذلك مالك، وسفيان.

13976 - وقد أبطل - صلى الله عليه وسلم - هذا الشرط، ولم يبطل الرهن. وقال أبو عبيد: لا يجوز في لغة العرب أن يقال للرهن إذا ضاع: قد غلق، وغنما يقال: غلق، إذا استحقه المرتهن. 13977 - ولأنه عقد من شرط تمامه القبض، فوجب أن لا يبطل بالشرط، كالعمري. 13978 - فإن قيل: قال الشافعي في قوله القديم: الشرط صحيح، ويرجع العمري بعد الموت إلى الواهب. 13979 - قلنا: فالتعليل إنما يقع أنها لا تبطل بالشرط وإن خالف مقتضى العقد، وقد سلمتم هذا. 13980 - على أن هذا أصل قد دل النص عليه، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من أعمر عمري فهي للمعمر حياته، ولورثته من بعده). 13981 - فإن قيل: نسلم هذا الأصل على قوله الجديد، إلا أن الفرق بينهما: أن مقتضى الهبة أن يملكها الموهوب له إلى أن يموت، فإذا شرط عودها بعد موته، فهذا شرط على ورثته،] وذلك لا يخالف مقتضى العقد. 13982 - قلنا: مقتضى العقد أن ينتقل إلى ورثته [، كسائر أملاكه، فمتى شرط انتقالها إلى غيرهم فقد شرط خلاف مقتضى العقد.

13983 - فإن قيل: يبطل إذا رهن يوما، ويوما لا. 13984 - قلنا: يبطل الرهن بالشرط. وإنما يبطل لأنه عقد على زمان دون زمان، فلم يجز إثبات العقد فيما لم يعقد فيه، ولم يصح تبقية العقد، لأن استحقاق القبض على الدوام لا يوجد. ولأنه شرط لو عري الرهن عنه صح، فوجب أن لا يبطله، أصله: إذا شرط أن يبيعه العدل. 13985 - احتجوا: بأنه شرط فاسد قارن عقد الرهن، فوجب أن يفسده، أصله: إذا رهنه يوما ويوما لا. 13968 - الجواب: أن هذا العقد يفسد بشرط قارنه، وإنما عقد زمانا دون زمان، فلم يجز إثبات العقد في زمان لم يعقد عليه، ولم يجز إثباته مؤقتا، لأن الرهن لا يتوقف. 13987 - قالوا: رهن لا يصح في المشاع، فلم يصح في المقسوم، أصله: الرهن المجهول، والرهن بضمان الدرك. 13988 - قلنا: العقود التي تتم بالقبض تبطلها الجهالة، ولا تبطلها الشروط، كالهبة. وأما ضمان الدرك فهو رهن بحق لم يجب، ووجوبه لا يقف على فعلها، فلم يصح الرهن به، وفي مسألتنا بخلافه.

مسألة 708 نماء الرهن

مسألة 708 نماء الرهن 13989 - قال أصحابنا: نماء الرهن يدخل في الرهن، مثل: الولد، واللبن، والصوف، والثمر. 13990 - وقال الشافعي: لا يدخل ذلك في الرهن. 13991 - لنا: ما روي (أن نخلا مثمرة مرهونة عند المرتهن، فطالب الراهن برد الثمرة عليه، فاختصما إلى معاذ (فقضى) بكون الثمر رهنا، وبإمساكه للمرتهن). 13992 - وروي عن حذيفة بن اليمان مثل ذلك؛ ولا مخالف لهم.

13993 - ولا يجوز أن يحمل ذلك بأن كانت موجودة عند العقد، لأن قوله: أثمرت عند المرتهن، فدل على حدوث الثمرة عنده، فلم يجز إسقاط السبب المنقول وتعليق الحكم بسبب لم ينقل. ولأنه نماء من نفس الرهن؛ فجاز أن يدخل في الرهن] تبعا، كالنماء المتصل. 13994 - أو نقول: نماء مملوك من نفس الرهن؛ فوجب أن يبتع الأصل في الرهن، كأغصان الشجرة. 13995 - أو نقول: نماء من نفس الرهن لو كان موجودا في الابتداء صح أن يدخل في الرهن [. 13996 - ولا يلزم: إذا وطئ المرهونة واطئ بالغرور أن الولد حر ولا يدخل في الرهن؛ لان العلة الأولى في الجواز. والثانية] قلنا [: نماء مملوك. والثالثة] قلنا [: يصح دخوله في الرهن ابتداء بعينه، فقامت قيمته مقامه، كما لو أعتق الراهن ولد المرهونة. 13997 - ولأن ما تبع الشاة الأضحية تبع المرهونة، أصله: ما ذكرنا. 13998 - فإن قيل: المعنى في الزيادة المتصلة: أنها غير متميزة من العين، والولد بخلافه. 13999 - قلنا: علة الأصل تبطل بمن رهن نصف داره، والنصف الآخر غير مميز من المرهون. وعلة الفرع تبطل بأغصان الشجر، وبأرش الأعضاء أنه متميز عن الرهن، وهو داخل في الجنس.

14000 - فإن قيل: المعنى في الزيادة المتصلة: أنها لو كانت موجودة حال العقد،] لم يصح إفراد الأصل بالعقد دونها، وليس كذلك المنفصلة، لأنها لو كانت موجودة عند العقد [، صح إفراد الأصل بالعقد دونها. 14001 - قلنا: علة الأصل تبطل بالحمل الموجود عند العقد لا يصح إفراد الأم بالرهن دونه، ولا يدخل في الرهن. 14002 - وعلة الفرع تبطل بولد الهدي، لأنه لو كان موجودا عند الإيجاب صح الإيجاب] في الأم، فالرهن دونه ولا يدخل، فإذا وجد بعد الإيجاب [تبع الأصل. 14003 - فإن قيل: المعنى في الزيادة المتصلة: أن حق ولد الجناية تعلق بها، وليس كذلك الزيادة المنفصلة؛ لأن حق ولد] الجناية [لا يتعلق بها، فلم يتعلق بها حق المرتهن. 14004 - قلنا: حق ولد الجانية ليس له حبس الجانية، والمرتهن له حبس المرهونة. 14005 - ولأنه عقد لا ينعقد إلا في مملوك،] فالولد الذي كان حملا حال العقد يتبع الأم فيه، كالبيع [. 14006 - أو نقول: عقد لا يصح إلا في مملوكة [، كاللبن الذي يحلب بعد العقد يثبت فيه حق الحبس، كاللبن الموجود في الضرع حال البيع. 14007 - ولأنه حق معلق ينتقل إلى جميع القيمة بكل حال، فوجب أن يتعلق بالولد] الحادث، كإيجاب الهدي، والأضحية. 14008 - أو نقول: فوجب أن يتعلق بالولد [المتصل بهذا العقد، كالولد

المنفصل في مجلس البيع، أو في مدة الخيار. 14009 - ولا يلزم: المستأجرة والموسي بخدمتها، لأن الحق لا يتعلق برقبتهما، وإنما يتعلق بمنافعهما. 14010 - ولأن حق المستأجر لا ينتقل إلى القيمة] وحق الموصى له لا ينتقل إلى القيمة [، وإنما ينقل إلى جارية مثلها. 14011 - ولا يلزم: الدية، لان العين لا تنتقل إلى قيمتها، وإنما تنتقل إلى مقدار الرهن من القيمة. 14012 - ولكن للمرتهن حقا ثابتا في الرقبة يسري إلى القيمة، وينتقل إلى الورثة، فوجب أن يسري إلى الولد،] كالملك. 14013 - ولا يلزم: حق ولد [، الجناية؛ لأنه ليس بثابت في الرقبة، ألا ترى: أن للمولى أن يسقط عنها باختيار الفداء مع تقاضي حق المجني عليه. 14014 - ولا يلزم: المستأجرة والموصي بخدمتها؛ لأن الحق في المنافع، ولا يتعلق برقبتهما. 14015 - ولا يلزم: أيضا الضامنة؛ لأنها إن كانت حرة فالحق يثبت في ذمتها لا في رقبتها، وإن كانت ثابتة فالحق يسري إلى ولدها. 14016 - ولا يلزم: إذا عجل المستأجر الأجرة ثم انفسخت الإجارة، فللمستأجر حق الحبس حتى يسترجع الأجرة؛ لأنه له أن يحبس الدار عندنا، كما أن للبائع أن يحبس الولد. 14017 - احتجوا بقوله - صلى الله عليه وسلم -، وبالإجماع الذي ذكروه. 14018 - احتجوا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (] لا يغلق [الرهن على راهنه الذي رهنه، له

غنمه، وعليه غرمه)، فأضاف الملك إليه بلام الملك، فثبت أنه له، ينفرد به. 14019 - الجواب: ان هذا من كلام سعيد بن المسيب، ولم يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسنبينه فيما بعد. 14020 - ولأن هذا يفيد ملك الراهن بالغنم، وملكه لا ينافي ثبوت حق المرتهن فيه، كأصل الرهن. ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل للراهن غنم الرهن، وغنم الشيء في حكمه. 14021 - فإن قيل: قوله: (له غنمه) يقتضي أن يكون له الملك والتصرف. 14022 - قلنا: ملك المشتري لا يقتضي ملك التصرف، وإنما يثبت الملك للإنسان مع سقوط الحقوق عنه، فيملك التصرف فيه، وقد اختلفنا في سقوط الحقوق عنه. 14023 - فإن قيل: ملك الراهن للنماء لا يشكل، فثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - أثبت له التصرف. 14024 - قلنا: بل هو أمر مشكل، لأن من الفقهاء من يقول: بأن النماء لمن يملك 161/أأن ينفق على الرهن، وقد كان /ثابتا في ابتداء الرهن ثم نسخ. 14025 - قالوا: حق استيفاء تعلق بالأم؛ فوجب أن لا يسري إلى ولدها، كالأمة الجانية. 14026 - قلنا: الوصف غير مسلم، لأن حق المولى لا يستوفي من الجانية، وإنما يخاطب المولى بجنايتها، كما تخاطب العاقلة بجناية الحر، فإما أن يفدي وينقل

الحق إلى ذمته، أو يسلمها إلى ولي الجناية ويسقط الجناية بملكه لها، فأما أن يستوفي الحف لا. 14027 - ومنهم من غير هذه العلة، فقال: حق يتعلق بعين قد يستوفي من ذمة المولى إن اختار ذلك، أو يدفعها ويسقط الحق بملك ولي الجناية لها- هو المعنى في الجناية، لأنه حق لا ينتقل إلى جميع القيمة بكل حال، ألا ترى: أن الأرش إذا كان أقل من القيمة يثبت حق ولي الجناية في مقدار الأرش، وإذا لم يتعلق بكل البدل، فأولى أن لا يتعلق بالولد، وحق المرتهن تعلق بجميع القيمة في كل الأحوال، فصار لحق المالك كالحق المتعلق بالهدي. ولأن الجناية إذا لم يكن حكمها الجاني تعلقت بعاقلته دون غيرهم، والمولى في حكم عاقلة المملوك، فإذا خوطب بجناية الأمة لم يتعلق بالولد، لأنه ليس بعاقلة لها. 14028 - وأما الرهن فهو حق مال تأكد في الرقبة، فيجوز أن يتعلق بولدها بحق الملك. 14029 - قالوا: كل ما لا يتبع الجانية في الجانية لا يتبع المرهونة في الرهن، كالكسب. 14030 - قلنا: يبطل بما زاد على أرش الجناية من قيمة الجانية إذا قتلت، فإنه لا يتبع الجانية حتى تتعلق الجناية به، ويتبعه الإمساك في الرهن، لأن المرتهن يجبس جميع القيمة وإن زادت على الدين. 14031 - وأما الكسب: فيجوز أن ينفرد عن الرقبة المملوكة، فيملك عين مالكها، كالموصي له بالغلة والمستأجر، والغاصب، فلأن ينفرد عن حق الحبس في

الرهن أولى. 14032 - وأما الولد: فلا ينفرد عنها في الملك مع كونه مملوكا، ولا ينفرد بحبس الجنس في الرهن؛ لأن الحقوق المتأكدة في الرقاب تسري إلى الأولاد، كحق الملك، والاستيلاد، والتدبير عندنا، وولد الكتابة وولد الأضحية على المذهبين، وولد المغصوبة عندهم، ولا تسري هذه الوقوف إلى الأكساب؛ لأن كسب أم الولد لا يتبعها في الحرية، وكذلك كسب المدبرة؛ فلم يجز اعتبار كسب أحدهما بالآخر. 14033 - قالوا: نماء متميز عن الرهن، فأشبه الكسب والاحتطاب. 14034 - قلنا: نماء الصوف ونماء الثمرة المتصلة عندهم يدخل في الرهن، والثمرة ليست برهن، والأغصان نماء متميز، وهي داخلة في الرهن. 14035 - قالوا: عقد لا يفضي إلى زوال الملك، فوجب أن لا يسري إلى الولد، كالإجارة. 14036 - قلنا: لا نسلم الوصف؛ لأن الإجارة تزيل الملك عن المنافع بعقدها عندهم، وعندنا بملك (الأموال التي) يفضي عقدها إلى زوال الملك. 14037 - ولا نسلم الوصف في الأصل؛ لأن عقد الرهن يقتضي بيع الرهن عندهم إذا تعذر استيفاء الدين، وعندنا: إذا مات الراهن فيزوي الملك عنه ببيعه بمقتضى عقد الرهن، وقد أفضى إلى زوال الملك بتوسط البيع، ويبطل بالوديعة على أحد الوجهين إذا ولدت جاز للمودع أن يمسكها وديعة كالأم.

14038 - والمعنى في ولد المستأجرة: أن العقد لا يجوز أن يتناوله بالعقد عليه، حتى يدخل تابعا للعقد على أنه، وولد المرهونة يجوز أن يتناول عقد الرهن لو وجد مع الأم، فجاز أن يدخل تابعا للعقد الذي وقع عليها. 14039 - فإن قيل: ولد المكاتبة يدخل في كتابتها، وإن أفرده بالعقد لم يجز. 14040 - قلنا: لو كاتبها على نفسها وولدها الصغير جاز، ويكون مكاتبا، وإنما لا يجوز أن يفرده بالعقد؛ لأنه لا يصح منه القبول، فيصير كالعبد الكبير إذا كاتبه فلم يقبل، فإذا كاتبه معها صح قبولها في حقه وصحت الكتابة. 14041 - ولأن عقد الإجارة ينعقد على المنافع والولد حادث من الرقبة، وكل ما حدث من غير ما تعلق العقد به لم يدخل في العقد، والرهن ينعقد على ورثته المرهونة، والولد حادث منها، فجاز أن يسري إليه ما تعلق بها. 14042 - فإن قيل: الإجارة تتناول الرقبة، بدلالة: أنه يقول: آجرتك هذه الجارية، ولا يقول: آجرتك منافعها. 14043 -] قلنا: الدليل على العقد على منافعها [: أنه لا بد أن يقول: آجرتكها للخدمة، أو لعمل كذا. ولأنه لو آجر ما لا منفعة له، كالجارية الطفلة، والأرض السبخة، لم تصح الإجارة، فأما الرهن فينعقد على الرقبة، بدلالة: أنه يجوز أن يرهن ما لا منفعة له، كالحنطة، والشعير. 14044 - فإن قيل: فنحن نقول في الرهن: إنه لا ينعقد على العين، وإنما ينعقد على ثمن الرهن، ويستوفي الدين من ثمنه أو قيمته إذا استهلك. 14045 - قلنا: إنما يتعلق الحبس بالثمن وبالقيمة لتعلقه بالعين ويستوفي من الثمن،

لأنه لا يمكن استيفاءه من العين، لأنها من غير جنس حقه، ولو كانت من جنس الدين استوفي عينها. 14046 - قالوا وثيقة فلا تسري إلى ولدها، كالضامنة والشاهدة. 14047 - قلنا: إن كانت الضامنة ضمنت بإذن مولاها، صح الضمان وسرى إلى ولدها مثل مسألتنا لا فرق بينهما، وإن كانت حرة فالحق يتعلق بذمتها لا برقبتها، والولد متولد من الرقبة، فلم يسر إليه ما لا يتعلق بها، فأما الشاهدة: فليس هناك حق تعلق برقبتها، وإنما رجعت إليها عبادة والعبادة الواجبة على الأم لا تسري إلى الولد.

مسألة 709 هلاك الرهن وضمانه

مسألة 709 هلاك الرهن وضمانه 14048 - قال أصحابنا: الرهن مضمون بالأقل من قيمته ومن الدين. 14049 - وقال الشافعي: الرهن أمانة تهلك من مال الراهن، والدين بحاله. 14050 - لنا: ما روى عبد الله بن المبارك، عن مصعب بن ثابت، عن عطاء بن أبي رباح: (أن رجلا ارتهن فرشا، فماتت الفرس في يد المرتهن، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ذهب حقك). 14051 - ولا يجوز أن يكون المراد به: ذهب حقك من الوثيقة، لأن هذا معلوم مشاهد.

ولا يجوز أن يكون المراد به: ذهب حق المطالبة برهن آخر، لأن هذا لم يكن حقا، والخبر يقتضي ذهاب حق ثابت، فلم يبق إلا أن يكون المراد به: ذهب حقك من الدين. 14052 - ولأنه ذكر حقا مضافا إليه، وهذا يقتضي التعريف، فإن كان المعرف هو الدين فهو قولنا، وإن كان لا ينصرف إلى معرفة، انصرف إلى جنس حقه، فيقتضي إسقاط الوثيقة والدين تبعا؛ ألا ترى: أن مخالفنا حمل الخبر على إسقاط الوثيقة، وذلك لغير حقه، فلا يكون معرفة. 14053 - فإن قيل: لو أراد سقوط الدين لسأل عن قيمة الرهن. 14054 - قلنا: يجوز أن يكون علم قيمة الرهن أكثر من الدين. ولأن الخبر يقتضي الضمان، وكيفية الضمان فرع عليه. 14055 - فإن قيل: رواية مصعب بن ثابت، وهو ضعيف. 14056 - قلنا: رواية ابن المبارك عنه تعديل، وإرساله لا يقدح فيه، لأن المرسل والمتصل عندنا سواء في الاستدلال. 14057 - ويدل عليه: ما روى عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، قال: كان من أدركت من فقهائنا الذين انتهى إلى قولهم، منهم سعيد بن المسيب، وعروة ابن الزبير، والقاسم بن محمد، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وخارجه بن يزيد، وعبيد الله بن عبد الله في مشيخة من نظرائهم، أهل فقه وصلاح وفضل، كلهم قالوا: (الرهن بما فيه، إذا هلك وعميت قيمته) ورفع ذلك منهم الثقة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.

14058 - قلنا: ذكر هذا الطحاوي؛ فدل عليه إجماع السلف. 14059 - روى عبد الله بن عمر: (أن عمر بن الخطاب قال في الراهن يرهن الرهن فيضيع، قال: إن كان بأقل ردوا عليه، وإن كان بأفضل، فهو ليس في الفضل). 14060 - وعن محمد بن الحنفية أن عليا قال: (إذا رهن الرجل الرجل رهنا فقال المعطي: لا أقبله إلا بأكثر مما أعطيك، فضاع] رد عليه الفضل، وغن رهنه وهو أكثر مما أعطى بطيب نفس من الراهن، فضاع [، فهو بما فيه). وعن شريح أنه قال: (الرهن بما فيه ولو بخاتم من حديد). 14061 - وقد اتفقوا على الضمان، واختلفوا في كيفيته، فمن أسقط الضمان خالف الإجماع. 14062 - قالوا: قد روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: (الرهن أمانة).

وروي أنه قال: (إذا تلف الرهن بجائحة، فلا ضمان على المرتهن). 14063 - قلنا: المشهور عن علي رضي الله عنه ما ذكرناه، ورواه ابن الحنفية، ورواه قتادة، عن خلاس، عن علي رضي الله عنه، وما ذكروه لا يعرف، فإن ثبت أنه قال: (أمانة)؛ فمعناه: أن عينه غير مضمونة، فإن كان الدين يسقط بهلاكه وفعله إذا هلك الراهن، فلا يجب بلا ضمان، وإنما أسقط ضمانه في بعض الأحوال، وهذا لا ينفي الضمان، كما روي عنه في الأجير المشترك. 14064 - ولأنه محبوس بعقد لاستيفاء مال، فكان المحبوس مضمونا، كالمبيع في يد البائع. 14065 - قالوا: المبيع غير محبوس بالبيع، وإنما حبسه لاستيفاء الثمن (وهذا الحق في الحبس) إنما يثبت بعقد البيع ولم يثبت قبله. 14066 - ولا يلزم: الإجارة؛ لأن العين محبوسة لاستيفاء منفعة. 14067 - ولا يلزم: إذا تفاسخا الإجارة وقد أتلف الأجرة أنه يحبس ما استأجره حتى يأخذ الأجرة، فلا يكون مضمونا؛ لأنه محبوس (بالأجرة لفسخ العقد). 14068 - ولا يلزم: الولد انه مضمون؛ لأنه لو هلك بعد هلاك / الأم سقط ما يقابله من الدين، فإن هلك مع بقائها فهو مضمون، لكن انتقل ما فيه من الضمان إلى الأم. 14069 - ولا يلزم الزيادة على مقدار الدين؛ لأن جملة الرهن عندنا مضمونة بما في مقابلتها وإن كان أقل من قيمتها،] كما أن المبيع مضمون بالثمن وإن كان أقل من قيمته [.

14070 - قالوا: قولكم لاستيفاء مال، لا يصح؛ لأن الدين عندكم ليس بمال. 14071 - قلنا: المستوفي هو عين مال، والرهن محبوس لاستيفاء ملك العين. 14072 - قالوا قولكم: محبوس لاستيفاء مال، ليس له تأثير في الأصل، ولا في الفرع، أما في الفرع: فلو أعطاه رهنا ليقرضه كان مضمونا، وليس بمحبوس للاستيفاء، ولو قضاه الدين كان الرهن مضمونا، وليس بمحبوس، فكذلك في الأصل لو قضاه الثمن كان المبيع مضمونا 14074 - فإن قيل: المعنى في البيع: أن الثمن وجب بالقول، فإذا هلك المبيع انفسخ العقد، فيسقط ما وجب، والدين في مسألتنا لم يجب بعقد الرهن، فإذا هلك الرهن لم يسقط الدين. 14075 - قلنا: إنما انفسخ البيع بهلاك المبيع لأنه مضمون؛ بدلالة: أن المشتري لو قبضه ثم أودعه إياه لم ينفسخ البيع بهلاكه؛ لأنه لم يكن مضمونا 14076 - قلنا: قولهم إن الدين لما لم يجب بعقد الرهن لم يسقط بهلاكه، لا يصح، لأن الدين لا يسقط عندنا، وإنما يصير مستوفيا له، بدلالة: أن هلاك الرهن بثمن الصرف ورأس مال السلم، يصير به مستوفيا ويتم العقد، ولو كان إسقاطا لبطل الصرف، كالبراءة، والسبب الذي يقع به الاستيفاء ليس هو بسبب المداينة.

14077 - ولأنه حبس للاستيفاء؛ فكان مقتضاه في المعقود عليه المنافع، وهي مضمونة عندنا. ولا يلزم الولد؛ لأنه ليس بمعقود عليه، ولا الزيادة، لأنا قلنا: مقتضاه الضمان في المعقود عليه، وكيفية الضمان لم يتعرض لها. 14078 - فإن قيل: المعنى في البيع أنها معاوضة يستحق فيها المشتري حقا في مقابلة حق عليه، وإذا لم يسلم له ماله لم يلزمه ما عليه، وليس كذلك الرهن، لأنه وثيقة، فلم يسقط بزوالها، كالضمان. 14979 - قلنا: كون الشيء مضمونا لا يقف على العوض؛ بدلالة: الغصب والمقبوض على وجه السوم، فأما الدين في الرهن وإن لم يكن عوضا عنه، فهو في مقابلته كالثمن المقابل للمبيع. 14080 - ولأنه محبوس بعقد الرهن، فكان مضمونا، كالعارية والغصب إذا رهنهما. 14081 - ولأنه حكم يتعلق بالغصب إذا رهن تعلق بالرهن المبتدأ حق الإمساك، وحق المبيع في الحق. 14082 - ولأنه عقد وثيقة؛ فكان مقتضاه الضمان، كالحوالة، والبيع. 14083 - ولأنه عقد اختص بما ليس ثابتا به؛ فكان مقتضاه الضمان، [كالبيع. ولا يلزم الشركة؛ لأن شركة الوجوه جائزة عندنا من غير مال. 14084 - ولأنه عقد يختص بدين من إحدى جنبتيه، وعمل من الجنبة الأخرى، فكان مقتضاه الضمان]، كالسلم. 1485 - ولأنه لو ادعى رده لم يصدق، فكان مقتضاه الضمان، كالغضب.

14086 - ولأن الحق تعلق بالرهن، فسقط بهلاكه، كالعبد الجاني إذا هلك. 14087 - فإن قيل: الحق في الجناية تعلق بمحل واحد، فسقط بهلاكه. 14088 - وفي مسألتنا: الحق تعلق بجنس، فهلاك أحدهما لا يوجب سقوطه عن الآخر. 14089 - قلنا: الثمن في البيع تعلق بالمبيع والذمة، فهلاك أحدهما يوجب سقوطه، والدين تعلق بمحل واحد وهو الذمة، وتلف الذمة بموت من عليه الدين لا يسقطه. 14090 - ولأن كل مقبوض على جهة، فهلاكه يقع على الجهة التي وقع القبض عليها، كالمغصوب لما اقتصر على الضمان كان هلاكه على ذلك، وعكسه: الوديعة. والمقبوض بالسوم لما قبض للتمليك كان هلاكه هلاك المبيع حتى يضمنه القابض، ومعلوم أن الرهن قبض للاستيفاء، ألا ترى: أنه يقبضه ليستوفي الدين من ثمنه، فوجب أن يكون بهلاكه مستوفيا. 14091 - فإن قيل: إنما قبض الرهن للوثيقة. 14092 - قلنا: معنى الوثيقة: هو الاستيفاء الذي يقصده صاحب الحق، إما من الرهن أو من ذمة الراهن ليخلص الرهن. 14093 - ولا يلزم: إذا تفاسخا الإجازة، فحبس العين ليس في الأجرة، لأنه ليس يبتدئ الحبس وإنما يبقى على الحبس الأول، وذلك كان لغير الاستيفاء. 19094 - ويجوز أن يقال: إنه يثبت له حق حبس المنافع المعقود عليها دون

العين التي لم يتناولها القد، لكن لا يتوصل إلى حبس المنافع إلا بحبس العين. 14095 - فإن قيل: يجب أن تكون المنافع مضمونة. 14096 - قلنا: لا تضمن عندنا إلا بعقد. 14097 - احتجوا: بما روى الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يغلق الرهن من راهنه الذي رهنه، له غنمه، وعليه غرمه). 14098 - [قالوا: فقوله: (الرهن من راهنه)، بمعنى: من ضمانه، وبقوله: (وعليه غرمه)] يعني: ضمانه وهلاكه. 14099 - الجواب: أن هذا حديث مرسل، رواه كذلك مالك، وثقات أصحاب الزهري، وقد رواه يحيى بن أبي أنيسة، فذكر أبا هريرة، وليس يحيي ممن تقلب زيادته على مالك؛ لأنهم لا يقبلون زيادة من ليس بحافظ على الحافظ. 14100 - فإن قيل: مراسيل سعيد بن المسيب مقبولة عند الشافعي. 14101 - قلنا: ولم كان الشافعي يخص مراسيل ابن المسيب دون سائر أهل المدينة، مثل: أبي سلمة، والقاسم، وسالم، وعروة، وسليمان بن يسار، والشعبي، والنخعي من أهل الكوفة، والحسن، وابن سيرين من أهل البصرة، ومن فوقهم من التابعين، مثل: علقمة، والأسود، وعمرو بن شرحبيل، وعبيدة، وشريح، فإن جاز

قبول مراسيل سعيد فمراسيل هؤلاء مثلها، وإن يمنع مراسيل هؤلاء فكذلك سعيد. 14102 - ثم هذا الحديث بعضه من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبعضه من كلام ابن المسيب، فأضاف الراوي جميعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. 14103 - قال ابن وهب: سمعت مالكا، ويونس، وابن أبي ذئب، يحدثون عن ابن شهاب، عن ابن المسيب: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: [(لا يغلق الرهن)، قال يونس بن يزيد، قال ابن شهاب: وكان ابن المسيب يقول: الرهن لصاحبه غنمه، وعليه غرمه]، فمن أدرج أحدهما في الآخر لم يعرف التفصيل الذي بينه يونس في روايته، ولو ثبت هذا الخبر لم يكن فيه دلالة، لأن قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يغلق الرهن (معناه: لا يصير للمرتهن بدينه، هكذا فسره أبو عبيد، وروي هذا التفسير كذلك عن النخعي، والثوري، ومالك. 14104 - قال أبو عبيد: من حمله على الهلاك فقد حمله على ما لا وجه له في اللغة، وأما قوله: (الرهن من راهنه)، فمعناه: نفقة الرهن من راهنه، ثم بين ذلك فقال: إذا كان له غنمة وزيادته كان عليه نفقته. 14105 - وهذا مثل الحديث الذي روي: (أن نماء الرهن لمن ينفق عليه)، وحمله على هذا أولى من حمله على الهلاك، لأنه بعد الهلاك ليس برهن، ويحتمل (الرهن من راهنه): أنه من ملك راهنه. 14106 - فأما قوله: (له غنمه، وعليه غرمه)، بمعنى: له زيادة من الولد والثمرة، وعليه غرمه من النفقة والمؤنة. 14107 - ويحتمل: له غنمه إذا بيع بأكثر من الدين كان الزيادة له، وإذا بيع بأقل كان غرم النقصان عليه، ولا يجوز أن يحمل الغرم على الهلاك، لأن الغرم هو اللزوم،

ومنه سمي الغريم غريما. 14108 - وقال الله تعالى {إن عذابها كان غراما} أي لازما، وقال تعالى: {إنا لمغرمون}، أي مثقلون بالدين، لأن من هلك زرعه بقى عليه دينه، ولا يعرف الغريم بمعنى الهلاك في اللغة، فلا يجوز حمله عليه. 14109 - قالوا: مقبوض عن عقد لو كان فاسدا لم يكن مضمونا، فإذا كان صحيحا لم يكن مضمونا، كالوديعة، والمضاربة، والشركة، والوكالة، وعكسه: القرض. 14110 - قلنا: الوصف غير مسلم، ولا فرق عندنا بين البيع والرهن في الضمان، لأن البيع الصحيح مضمون، وكذلك الرهن الفاسد، لأنهم قالوا: إذا ارتهن المسلم من ذمي خمرا فهلكت في يده يضمنها، والبيع بالباطل غير مضمون، كالبيع بالخمر، والميتة، والدم. 14111 - والرهن الباطل غير مضمون، كالرهن بالوديعة والمضاربة، فعلى هذا: الرهن يتعلق به الضمان فلم تصح العلة. 14112 - قالوا: مقبوض عن عقد واحد بعضه أمانة، فوجب أن يكون جميعه أمانة. أصله: المقبوض عن عقد الوكالة والشركة والوديعة والمضاربة. 14113 - قلنا: نقول بموجب العلة على قول أبي الحسن: أن المقبوض أمانة، إلا أن الدين يسقط بهلاكه، ولا يمتنع أن يقبض بعقد واحد ما يختلف حكمه في الضمان؛ بدلالة: أن العين المستأجرة مقبوضة بعقد الإجارة، هي أمانة، ومنافعها مقبوضة بذلك العقد، وهي مضمونة لو استعار من أحد الشريكين نصيبه. 14114 - ثم إن المعير ابتاع نصيب شريكه ثم رهن العين عند المستعير كانت العين مقبوضة بعقد الرهن، بعضها مضمون وبعضها.

14115 - والمعنى فيما قاسوا عليه: أن القول قول المرتهن في الرهن، ولما لم يقبل ول المرتهن في الرد جرى مجرى الغاصب. 14116 - قالوا: حق متعلق بمحلين؛ فلا يسقط/بتلف أحدهما، كالضمان. 162/أ 14117 - قلنا: يبطل بالثمن هو متعلق بذمة المشتري وبعين المبيع، ويسقط بتلف المبيع. 14118 - ولأن ذمة الكفيل وثيقة غير مقبوضة للاستيفاء، فهي كنفس الدين إذا استوفى. أو نقول: مال مقبوض بإزاء مال مقبوض، فكان مضمونا. 14119 - قالوا: وثيقة في دين ليس بعوض منها، فوجب أن [لا يسقط الدين بتلفها، كالضامن، والشاهد. 14120 - قلنا: موجبها أن] تجدد ضمانا لم يكن. أصله: وثيقة الضامن. ولأن ذمة الضامن قائمة مقام ذمة صاحب الأصل، ولو هلكت الذمة الأصلية لم يسقط الدين، كذلك الذمة القائمة مقامها. والرهن قائم مقام الدين ووثيقة به ليستوفي منه، ولو قبض الدين نفسه فهلك في يده كان مضمونا، كذلك إذا قبض ما قام مقامه. 14121 - قالوا: مرهون عري عن عدوان، فوجب أن يكون أمانة، كالزيادة على قدر الحق. 14122 - قلنا: ألرهن ليس بمضمون بنفسه عندنا؛ وإنما يضمن بما يقابله من الدين، والزيادة ليس في مقابلها دين، فلا يتعلق بها ضمان. ولأن الدين عندنا في مقابلة الرهن، كما أن الثمن في مقابلة المبيع.

14123 - ثم هلاك المبيع يسقط الثمن، ولا يجب فيما زاد على الثمن ضمان، كلك ما زاد على قدر الدين من قيمة الرهن. 14124 - ولأن ضمان الرهن لما تعلق به حق الاستيفاء، وليس في مقابلة الزيادة حق استيفاء. 14125 - ولا يقال: إن الدين في مقابلة كل جزء من الرهن، لأنه كذلك حبسا وإمساكا، فأما استيفاء فلا، لاستحالة أن يستوفي درهمين بدرهم. 14126 - قالوا: غير مضمون بثمنه ولا بمثله وقيمته، فوجب أن لا يكون مضمونا، كالوديعة. 14127 - قلنا: هذه طريقة فاسدة في التعليل، لأنه استثنى المواضع المتفق عليها، ثم قال: سواها مضمون عندنا أن الرهن نوع آخر من الضمان بما يقابله من الدين، فوجب أ، يفسد هذا القسم. 14128 - ولأن الجنين مضمون بقيمة ليست ثمنه ولا قيمته ولا مثله، بل هي نوع ضمان يثبت بقدر من الشرع. 14129 - والمعنى في الوديعة: أنه أمسكها لمالكها، فصارت يده كيده، فلم تكن مضمونة، والرهن يمسكه المرتهن يبيعه لنفسه ويقيمه مقام حقه، فهلاكه في يده كهلاك دينه في يده. 14130 - قالوا: الرهن إذا تلف بطلت الوثيقة، كما يبطل بالفسخ، ثم ثبت أنه لو زال بالفسخ كان الحق بحاله، كذلك إذا ذهب الوثيقة بالتلف. 14131 - قلنا: هلاك الرهن لا يبطل الوثيقة، بل يكمل المقصود بها؛ لأنه يقبضها للاستيفاء، فإذا هلكت وقع الاستيفاء من طريق الحكم، وهذا يقتضي تمام

الوثيقة. كما أن الدين إذا استوفى من ذمة الكفيل لم تنفسخ الكفاية، بل تم المقصود بها وإن زال العقد. وليس كذلك إذا تفاسخا، لأن المقصود بالعقد لم يحصل، فلم يسقط الدين. 14132 - قالوا: لو دفع إليه عبدا ليبيعه ويستوفى من ثمنه فهلك لم يسقط الدين، كذلك الرهن. 14133 - قلنا: لأن العبد قبضه لمالكه؛ بدلالة: أن المالك يملك عزله عن البيع واسترجاعه من يده، ولو مات المالك كان القابض أسوة الغرماء فيه، فلذلك لم يكن مضمونا عليه. وأما المرتهن فإنه يقبضه لنفسه قبضا مستحقا؛ بدلالة: أن الراهن لا يملك أخذه من يده، فصار كقبض نفس الدين لما وقع عليه من وجه مستحق كان مضمونا 14134 - قالوا: المرتهن إذا لحقه ضمان يرجع على الراهن، فصار كالمودع. 14135 - قلنا: لا يمتنع أن يرجع عليه بالضمان وإن كان المقبوض مضمونا عليه، كالمبيع إذا قبضه المشتري. 14136 - ولأن الضمان المانع من الرجوع ضمان الشيء بقيمته، كالغصب، والرهن مضمون بغيره، فإذا ألزم المرتهن ضمان القيمة رجع بها. 14137 - ولأن في حبس المرتهن حقا له ومنفعة للراهن، ألا ترى: أنه كما يصير مستوفيا يصير الراهن موفيا، وإذا كان في إمساكه لكل واحد منهما منفعة، رجع بالضمان على المالك، كالمستأجر لو استحق من يده.

14138 - قالوا: الرهن وثيقة للمرتهن، نظرا لحقه فإذا سقط حقه بهلاك الرهن بطل المقصود به. 14139 - قلنا: هذا يبطل بالمبيع في يد البائع يثبت له حق الحبس نظرا له ويسقط حقه بتلفه. ***

مسألة 710 وضع الرهن عند العدلين وهو مما لا يقسم

مسألة 710 وضع الرهن عند العدلين وهو مما لا يقسم 14140 - قال أصحابنا: إذا وضع الرهن على يد عدلين، وهو مما لا يقسم، جاز لأحدهما أن يسلمه إلى الآخر، وإن كان مما يقسم أخذ كل واحد منهما نصيبه عند أبي حنيفة، وإن تركه عند صاحبه ضمن. وقال الشافعي رحمه الله في أحد قوليه: لابد أن يكون في أيديهما يضعانه في حرز لهما، سواء كان مما لا يقسم أو يقسم. لنا: أنهما أمينان في حفظ العين فلكل واحد منهما أن يحفظه، كالوصيين. 14141 - ولأنهما يستحفظان فكان لهما القسمة للحفظ، كما لو قال: أودعت كل واحد منهما نصفه.

14142 - احتجوا: بأن المالك رضي بيدهما، ولم يرض بيد أحدهما. 14143 - قلنا: لما استحفظهما وقد علم أنهما لا يتفقان على إمساكه، ولا يمكن قسمته، دل على أنه رضي بكل واحد منهما على الانفراد ***

مسألة 711 شرط الرهن الفاسد في عقد البيع

مسألة 711 شرط الرهن الفاسد في عقد البيع 14144 - قال أصحابنا: إذا شرط في البيع رهنا فاسدا؛ بطل البيع. 14145 - وقال الشافعي في أحد قوليه: لا يفسد. لنا: نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن بيع وشرط. 14146 - ولأنه شرط في البيع رهنا فاسدا؛ فصار كما لو شرط أن يرهن المبيع عنده. 14147 - ولأنه إذا شرط الرهن في البيع، وذلك تمام البيع على قوله، وما وقف على تمام البيع على قول ففساده يوجب فساد البيع، كالثمن. والله وأعلم. ***

كتاب التفليس

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب التفليس

مسألة 712 فسخ البيع بإفلاس المشتري بعد دفع السلعة إليه

مسألة 712 فسخ البيع بإفلاس المشتري بعد دفع السلعة إليه 14148 - قال أصحابنا: إذا دفع البائع السلعة إلى المشتري فأفلس المشتري، فسخ البيع، وكذلك إن مات المشتري مفلسا فالبائع وسائر الغرماء في السلعة سواء. 14149 - وقال الشافعي رحمه الله: إذا أفلس المشتري، وسأل الغرماء الحاكم الحجر عليه، حجر عليه، وكان للبائع بعد ذلك الخيار، إن شاء كان أسوة الغرماء، وإن شاء فسخ البيع، وكان أولى بالمبيع ولا خيار له قبل الفلس.

14150 - فإن مات المشتري مفلسا ثبت للبائع الخيار إذا وجد عين ماله ولا يحتاج إلى الحجر، ويأخذ المبيع بزيادته المتصلة، ولا يأخذ الزيادة المنفصلة. 14151 - وإن أفلس الزوج بالمهر؛ ثبت للمرأة الخيار في فسخ العقد قبل الدخول، فإن أفلس بعد الدخول ففيه قولان. 14152 - لنا: قوله تعالى: {إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم}، ظاهر الآية يمنع من تصرف البائع في المبيع من غير رضا المشتري. 14153 - وقال عليه [الصلاة و] السلام: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه). 14154 - فإن قيل: عندنا لا يحل للبائع مال المشتري، وإنما يفسخ العقد، فيصير المبيع ملكه فيتصرف فيه. 14155 - قلنا: ظاهر الخبر يمنع جواز التصرف بالفسخ، لأنه تصرف في مال

المشتري وفسخ الملك فيه. 14156 - ويدل عليه: ما روى معمر، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، قال: (استدان معاذ بن جبل حتى أغلق ماله، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليكلم له غرماءه، فلو تركوا لأحد من أجل أحد لتركوا لمعاذ من أجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فباع لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - متاعه حتى قام معاذ بغير شيء). ولم يرد - صلى الله عليه وسلم - على أحد عين ماله، ولا بين لهم ثبوت الخيار، ومعلوم أن من أفلس بمتاع ابتاعه لا يخلو أ، يكون فيه ما لم يدفع ثمنه، فلو كان لمالك المتاع الخيار لذكر - صلى الله عليه وسلم - ذلك له. 14157 - ويدل عليه: أن كل عين إذا قبضت ملك التصرف فيها من جميع الوجوه، فلا يكون للمقبوض منه حق الفسخ فيها بسبب الفلس، وإن حكم به، كالهبة. 14158 - قالوا: الواهب إذا سلم انقطع العلق بينه وبين الموهوب، وفي مسألتنا: علقة الثمن قائمة، فوزان الهبة من المبيع أن يدفع المشتري الثمن ثم يفلس. 14159 - قلنا: لا نسلم أن علقة الواهب انقطعت، لأن له حق الرجوع عندنا. 14160 - وقولهم إن علق البائع لم ينقطع: يبطل بالراهن إذا رد عليه الرهن، فعلقة الرهون لم تنقطع بينهما ولا يثبت له استرجاع الرهن. ولأنها عين لا يجوز الرجوع فيها قبل الفلس، فلا يجوز بعد الفلس والموت، أو

بعد الفلس والحكم به كالرهن. 14161 - قالوا: إذا رد الرهن وفسخ العقد ارتفع العقد، فلم يحز أن لا يعقد آخر، وتسليم المبيع ليس بفسخ للبيع، فإذا نقص محل حقه، ثبت له الخيار. 14162 - قلنا: رد الرهن فسخ للعقد، فلا يعود حق المرتهن إلا بعقد. كذلك تسليم المبيع ويستقر به البيع ولا يعود الملك إلى البائع إلا بعقد، ونقصان محل الحق بالعكس كنقصانه بالجنون. ولأنه سلم المبيع برضاه؛ فوجب أن لا يثبت له فسخ البيع من غير عيب، إذا أفلس ولم يحجز الحاكم عليه ولم يمت. 14163 - ولا يلزم: البيع بالخيار إذا باع عبدا بجارية؛/لأن الأصل والفرع 162/ب يستويان فيه. 14164 - ولا يلزم: إذا سلم المبيع [ثم وجد الثمن وسلمه لأنه يفسخ القبض، ولا يفسخ العقد. 14165 - ولا يلزم إذا سلم المبيع] مكرها، لأنا قلنا: سلم برضاه، ولأن هنا لا يفسخ. 14166 - ولا يلزم إذا باع المريض بمعاينة الشهود ثم مات وعليه ديون في المرض، لأن البائع لا يفسخ البيع، وإنما نقدم على ديون المرض. 14167 - ولأنه أثبت البيع بثمن في الذمة، فلم يكن له فسخه. أصله: قبل الحكم بالحجر. 14168 - احتجوا: بما روى مالك، عن يحيى بن سعيد، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عمر بن عبد العزيز، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أيما رجل أفلس، فأدرك الرجل متاعه بعينه، فهو أحق به من الغرماء).

14169 - قالوا: روى ابن خزيمة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا أفلس الرجل فوجد غريمه ماله بعينه، فهو أحق به من الغرماء). 14170 - قالوا: روى ابن جرير، عن أبي كريب، عن أسامة، عن سفيان، عن يحيى ابن سعيد، عن أبي بكر بن محمد [بن عمرو] بن حزم، عن عمر بن عبد العزيز، عن أبي بكر - رضي الله عنه -: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من باع سلعة فأفلس صاحبها فوجدها، فهو أحق بها دون الغرماء). 14171 - قالوا: وروى الشافعي، عن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، قال: أخبرنا أبو المعتمر بن عمرو بن رافع، عن أبي خلدة الزرقي وكان قاضي المدينة قال:

جئنا أبا هريرة في صاحب لنا قد أفلس، فقال: هذا الذي قضى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أيما رجل مات أو أفلس، فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه). 14172 - قالوا: وروى النيسابروي في الزيادات، عن الزعفراني، عن شبابة، عن ابن أبي ذئب، عن أبي المعتمر، عن عمر بن خلدة الأنصاري، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رجل مات أو أفلس: (أن صاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه إلا أن يترك وفاء). 14173 - قالوا: وروى الدارقطني عن عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن عمرو بن دينار، عن هشام بن يحيى، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (إذا أفلس الرجل، فوجد البائع سلعته بعينها، فهو أحق بها دون الغرماء). 14174 - الجواب: أن مدار هذا الحديث على أبي هريرة - رضي الله عنه -، وقد روي ما ذكروه، وروي ما يخالفه. 14175 - روى ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني أبو بكر ابن عبد الرحمن: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (وإن كان قضى من ثمنها شيئا، فهو

أسوة الغرماء)، قال أبو بكر: (وقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه من توفي وعنده سلعة رجل بعينها، لم يقبض شيئا من ثمنها، فصاحب السلعة أسوة الغرماء فيها. 14176 - وكذلك رواه مالك عن ابن شهاب، ورواه إسماعيل بن عياش، عن الزبيدي، عن الزهري، وذكر فيه: أبو بكر بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، ففرق في هذا الخبر بين أن يدفع بعض الثمن، أو لا يدفع شيئا وفرق بين الحياة والموت، وسوى في خبرهم بين الأمرين، وهذا يدل على ضعف الخبر فلم يضبطه في الأصل، لأن الراوي واحد والخبر واحد، فإذا قصاها حكاية علم أنها غير مضبوطة. 14177 - وروى أبو عصمة نوح بن أبي مريم، عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا أفلس الرجل فوجد رجل متاعه، فهو بين غرمائه). 14178 - وروى ابن قيس عن أبي مليكة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله

[- صلى الله عليه وسلم -]: (من باع بيعا فوجده بعينه وقد أفلس الرجل، فهو ماله بين غرمائه). 14179 - ذكر هذين الخبرين أبو بكر الرازي في الشرح، وإذا اختلفت الرواية عن أبي هريرة وجب التوقف حتى يعلم أصل الخبر. 14180 - ثم حديث عمر بن عبد العزيز، وحديث بشير بن نهيك هما أصل الخبر، ولا دلالة فيهما؛ لأنه قال: (من وجد متاعه بعينه)، وحقيقة هذا تقتضي: متى وجد مال نفسه وما باعه، وملك المبتاع ليس بمتاع البائع، فلابد أن يحمل على ملك الواحد في الحقيقة، وهو ما يسلمه على وجه السوم، أو لو باعه وشرط الخيار لنفسه أو، لو كان وديعة عند المفلس، أو أمانة حتى يستعمل حقيقة اللفظ، ولا يعدل إلى مجازه. 14181 - فإن قيل: لو كان المراد ما ذكرتم، لم يكن لشرط الفلس معنى، لأن السلعة إذا كانت على ملك الطالب، فهو أحق بها، أفلس من هي في يده أو لم يفلس. 14182 - قلنا: هو كذلك، لكن حال المفلس يتعلق فيها حق الغرماء بماله، فتبين أنه وإن كان كذلك فإن ما لغيره لا يتعلق حقوق الغرماء به وإن كان في ضمانه. 14183 - فإن قيل: فلم شرط أن يجده بعينه؟. 14184 - قلنا: لأنه إذا لمي كن بعينه، صار دينا في ذمته، فصاحبه وسائر الغرماء في المطالبة سواء.

14185 - قالوا: (أحق به)، ولفظة: (أفعل) تفيد اشتراك الاثنين في الحق. 14186 - قلنا: وقد يستعمل الاثنان الحق لأحدهما، مع قطعة عن الآخر، قال الله تعالى: {والله ورسوله أحق أن يرضوه}، ويقال: محمد أحق بالنبوة من مسيلمة. ولأن المبيع المشروط فيه الخيار للبائع يثبت فيه حق البائع وحق المشتري، والبائع أحق به، فيستحق أن يستعمل فيه لفظة: (أفعل) على الاشتراك. 14187 - فإن قيل: النبي - صلى الله عليه وسلم - بين ما يشكل، ولا شبهة في الأحكام، وإن كانت ظاهرة، كما تبين ما يشكل، ولو لم تبين أحكام بماله لصارت مشكلة؛ ألا ترى: إلى ما روى سمرة بن جندب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من سرق متاعه فوجده، فهو أحق به)، فإذا قال ذلك في المسروق لم يمتنع أن يقوله في الوديعة، والمقبوض بالسوم، والمشروط فيه الخيار. 14188 - فأما حديث أبي كريب، وفيه: (من باع سلعة فأفلس صاحبها فوجدها، فهو أحق بها دون الغرماء)، فمحمول على من باع بشرط الخيار، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعله أحق بها إذا وجدها، ولم يشترط أن يجدها في يد المشترى، وهو لا يكون أحق بها في جميع الأحوال إلا أن يكون الخيار له، فيأخذها من يد المبتاع ومن يد المبتاع منه، وإذا لم يمكن استعمال العموم إلا بتخصيص أول الخبر خصصناه. 14189 - وأما حديث ابن أبي ذئب، عن أبي المعتمر، فأبو المعتمر لا يدري من هو، ولم يسمع له بذكر في حديث سوى هذا الحديث.

14190 - على أن فيه ..... فصاحب المتاع أحق بمتاعه (وهذا معنى الكلام الأول، وقد بينا أنه لا يتناول مازال ملك البائع عنه. 14191 - وأما الخبر الذي فيه: (فصاحب المتاع أحق بمتاعه إلا أن يترك وفاء) فراويه أيضا أبو المعتمر، وقد بينا أنه ليس بحجة. 14192 - ولأنه مستحيل أن يكون تكلم بهذه الألفاظ جميعا، وإذا أحسنا الظن فقد نقل الرواة المعنى، وزاد كل واحد منهم فيما حمل المعنى عليه، ولا يجوز الرجوع إليه حتى يتحقق لفظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكيف نقبل هذا الخبر؟. وأبو هريرة يروي الفرق بين الفلس والموت، وفي هذا الخبر التسوية بينهما، وهل يكون في التضاد والاختلاف أكثر من هذا؟. ثم هو محمول على المريض إذا ابتاع شيئا وعليه ديون أقر بها في مرضه ثم مات، فإن لم يترك وفاء فصاحب المتاع أحق بأن تباع، وإن ترك وفاء حقه وحق غرماء المرض، فاستووا جميعا، ولم يكن قضاء دينه من المبيع أولى من بقية التركة. 14193 - وأما حديث هشام بن يحيى، عن أبي هريرة: (إذا أفلس الرجل فوجد البائع سلعته بعينها، فهو أحق بها دون الغرماء)، فهذا محمول على من باع وشرط الخيار لنفسه حتى يصح أن يضيف السلعة إليه، وفائدة ذكر الفلس: أن بين - صلى الله عليه وسلم - أن المشتري وإن ثبت له حق فيها، فلا يعتد بذلك مع بقاء ما يدل على الاضطراب. 14194 - وخبر معاذ بن جبل خبر ظاهر محكم، ونحن نعلم أن من ابتاع السلع

حتى أفلس لابد أن يكون ما في يده مما ابتاعه وثمنه عليه أو بعضه، فلما سوى رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] بين غرماء معاذ في ماله ولم يبين لهم اختصاص من باع شيئا بما باعه، كان الرجوع إليه أولى. 14195 - قالوا: روي عن عمر، وعلي رضي الله عنهما مثل قولنا، ولا مخالف لهما. 14196 - قلنا: إنما اعتمد أصحابنا في هذه المسألة على قول علي، والحسن، وابن سيرين، والنخعي. 14197 - وقالوا: العمل على خبر معاذ، وقد وافقه قول السلف، فهو أولى. 14198 - وروي حديث هشام الدستوائي، وشعبة، عن خلاس، عن علي، قال: (إذا أفلس الرجل أو مات والسلعة قائمة بعينها، فهو أسوة الغرماء)، ذكر هذا عيسى في (الحجة)، وابن شجاع في (الآثار)، فهذا قول السلف، عليه عملنا، وما حكوا عن عثمان لا نعرفه، ولا بينوا طريقه.

14199 - وقد روي عن عمر - رضي الله عنه -: (أنه باع متاع أسيفع في دينه، وقد كان ادان حتى أفلس). 14200 - والظاهر في مثله: أنه لم يدفع السلعة، وسوى عمر بين الغرماء فيها/163/أبحضرة الصحابة من غير نكير، وهذا إجماع سبق عثمان. 14201 - قالوا: معاوضة يلحقها الفسخ، فوجب أن يكون للمعاوض خيار الفسخ بخراب ذمة من عليه الحق، كالكتابة. 14202 - قلنا: المعنى في عقد الكتابة أنه لم يسقط حقه من الرقبة، فوزانه إذا لم يسلم البائع المبيع؛ وفي مسألتنا: أسقط حقه بالبيع فصار وزانه العتق على مال. 14203 - ويبطل ما قالوه إذا مات المشترى عن وفاء، فذمته قد خربت بموته، وال خيار للبائع. 14204 - ولأن المكاتب يثبت له حق الفسخ بخراب ذمته فلا يثبت لبائعه. 14205 - ولأن عقد الكتابة لا يكمل فيه الاستحقاق؛ لأن المولى لا يثبت له على عبده حق صحيح، ولا يثبت للعبد على مولاه، فإذا لم يكمل أحكام العقد، صار كالبيع المشروط فيه الخيار، فأما البيع فقد كمل الاستحقاق فيه، فصار كالعتق على مال. 14206 - قالوا: مبيع على [صفته، لم يتعلق بحق الغير، فإذا أفلس بثمنه كان البائع أحق به. أصله: إذا لم يسلم المبيع. 14207 - قلنا: قولكم: (مبيع على] صفته) لا تأثير له؛ لأنه لم يؤثر بزيادة أو نقصان فكان أحق به.

14208 - وقولكم: (لم يتعلق حق الغير به) لا نسلم، لأن حق الغرماء بالموت تعلق به. 14209 - قالوا: نريد به حال الحياة. 14210 - قلنا لم يصح؛ لأن الوصف وإن سلم فالبائع لا يكون أحق به عندهم بالفلس. 14211 - فإن قالوا: بالفلس والحجر، لم نسلم لهم أن الحجر يثبت في الفلس. 14212 - ولأنه إذا لم يسلم المبيع فلم يسقط حقه عنه، فكان أخص به من الغرماء، وإذا سلمه فقد رضي بإسقاط حقه ونقله إلى الذمة، فساوى الغرماء. ولأن قبل القبض لا يكون البائع أحق به عندنا، وإنما يكلف المشتري البيع وقضاء الثمن؛ لأن تصرفه لا يجوز إلا بأمر البائع، وإذا لم يأذن إلا في تصرف لا يسقط حقه عن الثمن تعلق به، وبعد القبض تصرف المشتري لا يقف على رضا البائع؛ فجاز مطلقا، فلم يختص بثمنه البائع دون غيره. 14213 - قالوا: ضرر إن لحق البائع في ماله قبل القبض كان أحق بالمبيع، وكذلك بعد القبض. أصله: إذا باع المريض عبدا وقبضه وأقر بديون ثم مات، كان البائع أولى بثمن العبد. 14214 - قلنا: يبطل إذا امتنع المشتري من دفع الثمن مع اليسار، فالبائع أولى بإمساك المبيع قبل القبض، وبمثله لا يكون بعد القبض أولى به. والأصل غير مسلم؛ لأن البائع لا يكون أولى بالمبيع، وإنما يقدم دينه على الديون التي أقر بها في المرض، ويساوي ديون الصحة المقدمة على ديون المرض، والخلاف في ثبوت الفسخ بكون البائع أولى من جميع الغرماء. 14215 - وعلى قولناك يستوي البائع مع غرماء الصحة [في ثمن هذا العبد، فلم يسلم

أنه أولى به منهم]، ويسلم غرماء الصحة في ثمن هذا العبد. 14216 - ولأن مخالفنا لا يمكنه التصريح بالحكم، لأن عندنا بياع هذا العبد في دين البائع، فأما أن وجود ملك البائع فيه، فلا. 14217 - وقوله: (كان أحق بالمبيع) يريدون حق تمليكه، وهذا غير مسلم. 14218 - قالوا: عقد يلحق الفسخ بعجز أحد المتعاقدين عن تسليم العوض المستحق عليه، ووجد الآخر عوضه قبل التصرف فيه، فوجب أن يثبت الخيار، أصله: إذا أسلم ثوبا في رطب فانقطع الرطب قبل تسليمه. 14219 - قلنا: الوصف لا تأثير له في الأصل، لأن الرطب لو انقطع وقد تصرف في رأس المال، يثبت الفسخ. 14220 - ونقلب فنقول: فكان يقول الحاكم: حجرت وعدمه في ثبوت حق الفسخ. 14221 - ولأن الانقطاع يوجب تعذر تسليم المبيع، والفلس يوجب تعذر قبض الثمن، وفرق في الأصول بينهما؛ بدلالة: انقطاع الرطب يثبت الفسخ من غير حجر والإفلاس لا يثبت الفسخ إلا بعد الحجر. ولأن الرطب إذا انقطع أوجب تأخير تسليم المبيع، وذلك يفسد العقد إذا شرط فيه، فجاز أن يفيد الفسخ، والفلس يوجب تأخير قبض الثمن، وذلك معنى لا يفسد شرطه العقد، فإذا أثبت حكما لم يثبت به الفسخ، كما قبل الحجر: 14222 - قالوا: عقد يجوز فسخه بالعيب، فجاز فسخه بالإفلاس، كالكتابة. 14223 - قلنا: الكتابة لا تفسخ بالإفلاس؛ لأن القادر على الاكتساب مفلس لا مال به؛ ولا [يفسخ الكتابة بفلسه، ولا يفسخ بالعجز عن الكسب، وهنا معنى

زائد على الإفلاس. ولأن الكتابة لا] تنفسخ بالعجز حتى يتراضيا بالفسخ، أو بحكم الحاكم، ومثله يفسخ البيع عندنا غير الفلس، فلا فرق بينهما. ***

مسألة 713 امر المدين بقضاء الديون إذا ثبتت عند الحاكم

مسألة 713 امر المدين بقضاء الديون إذا ثبتت عند الحاكم 14224 - قال أبو حنيفة: إذا ثبتت الديون عند الحاكم، أمر المديون بقضائها وحبسه، ولا يحجر عليه ولا يبيع في الدين ما سوى الأثمان. 14225 - وقال الشافعي: إذا ثبتت الديون، وهي مثل ماله، أو ماله أكثر وليس هناك أمارات الفلس، أمره بقضاء ديونه، فإن فعل وإلا حبسه، فإن فعل وإلا باع عليه. 14226 - وإن كان له مال أقل من ديونه وطلب الغرماء الحجر، حجر عليه وباع ماله لهم. فإن كان له مال وهو ينفق من المال، ففي الحجر وجهان. 14227 - وإذا حجر الحاكم تعلقت حقوق الغرماء بماله، فمن وجد عين ماله أخذها وينقطع تصرفه في أعيان ماله. وهل تحل الديون التي عليه؟ على قولين. فإن تصرف في أعيان ماله بالبيع والهبة والعتق ففيه قولان، أحدهما: تصرفه باطل، والثاني: موقوف. فإن تصرف في ذمته، فاشترى شيئا أو استقرض جاز، ونفقته ونفقة زوجته وأقاربه في مدة الحجر في ماله إلا أن يكون له كسب، فيكون في كسبه ويبيع القاضي جميع أمواله من الدين إلا أقل ما يكفيه وأهله في مؤنة الطعام والشراب وثياب بدنه: منديل،

وقميص وسراويل، أو خميل، وجبة في الشتاء، ورداء إن كان ممن يتصف برداء (يكتسي برداء، فلا يبيعه إلا بإذنه). والثاني: أنه لا يحجز عليه في التصرف. 14228 - والدليل على الفصل الأول: قوله تعالى: {إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم}. وقال - صلى الله عليه وسلم -: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه). وذكر الدارقطني حديث أنس - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يشترين أحدكم مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه). 14229 - الرضا معتبر بالعقد، فلا يبيع الحاكم على المدين لغرمائه إلا بإذنه، كالرداء. 14230 - ولا يلزم: (إذا عاب) المشتري (ثمنه أو قطعه) والمبيع في يد البائع، لأنه لا يشتري الرداء (إلا بإذنه). ولأنه لا يبيعه لغرمائه، وإنام يبيعه لبائعه خاصة.

14231 - قالوا: قولكم:- (ما تعين) –لا تأثير له، لأنه لو كان ماله وديونه عروضا لم يمنع. 14232 - قلنا: إذا كان ماله دراهم فقد يباع في دينه إذا كان دنانير، وقد لا يباع إذا كان عروضا، وما يتغير لا يباع بحال، فقد أيدت العلة. 14233 - ولأن ما لا يجوز بيعه قبل المنع والحبس، لا يجوز بيعه بعده، أصله: ثيابه. 14234 - قالوا: المعنى في ثياب بدنه: أنه لا يلزمه بيعها في الدين، وعروضه يلزمه بيعها في الدين، فإذا امتنع قام القاضي مقامه. 14335 - قلنا: لا نسلم أن المدين يلزمه بيع ماله، وإنما يلزمه قضاء الدين، ويجوز أن يستدين ويستقرض ويقضى الدين، فالقاضي يقوم مقامه في القضاء الواجب عليه، والقضاء لا يكون إلا وقد حبس حقه. 14236 - ولا يلزم: الأثمان؛ لأنه لا يجوز بيعها بل الحبس. 14237 - ولأن القاضي يحبس في الدين، فلو كان يجوز أن يبيع مال الممتنع لم يجز الحبس؛ لأنه يؤدي إلى الإضرار بالغرماء والمديون. أما الغرماء: فيؤخر عنهم حقهم مع إمكان دفعه إليهم، وأما المديون: فلأنه يقدر أن يقضي دينه من غير حبسه، فلا معنى للإضرار به؛ ألا ترى: أن ديون الميت لا يحبس القاضي الوصي فيها؛ لأنه يقدر على القضاء دونه، فلما ثبت أن له يحبسه دل على أنه لا يجوز البيع. 14238 - فإن نازعوا في جواز الحبس، فالدليل عليه: ما روى أبو هريرة - رضي الله عنه -: (أن رجلا أعتق شقصا له في عبد، وله غنيمة، فحبسه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى باع غنيمته).

14239 - ولأن الحكام يفعلون ذلك في سائر الأعصار من غير نكير، فالإجماع بالقول. 14240 - والدليل على أن الحجر لا يجوز: قوله تعالى: {بل الإنسان على نفسه بصيرة}، يعني شاهدا، وهذا يقتضي أنه إذا أقر بأعيان ماله بعد الجر، جاز. ولأنه معنى لا يؤثر في الشهادة؛ فلا يستحق به الحجر، كالدين القليل، وعكسه: الصغر والجنون. 14241 - ولأن تصرفه يجوز في ذمته؛ فجاز في أعيان ماله، كمن لا دين عليه. 14242 - ولأن من صح نكاحه وطلاقه، جاز تصرفه في ماله، كمن عليه دين غير مستغرق. 14243 - ولأن من جاز إقراره بالحد والقصاص؛ جاز بأعيان ماله، كالمريض. 14244 - احتجوا: بما روي: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - باع على معاذ ماله في دينه)، وروي: (أنه حجر عليه في ماله وباعه). 14245 - الجواب: أن هذا مرسل، رواه الفقهاء عن معمر، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب، عن أبيه، وزاد: (فقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - باع على معاذ ماله). 14246 - وذكر هذا الحديث، فقال: حدثنا عمر بن أحمد بن علي، عن عبد الله بن أبي جبير المروزي، عن أبي إسحاق إبراهيم بن معاوية بن الفرات، عن هشام ابن يوسف قاضي اليمن عن معمر.

وهذا إسناد لا يعرف، لأن من دون هشام ابن يوسف مجاهيل/لا يثبت بقولهم 163/ب حجة، فكيف يظن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يحجر على معاذ؟ ومنزلته من الدين معروفة، وهو قاضي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والحجر إنما يكون حتى لا يتصرف ويسقط حقوق الغرماء، ومتى أعلمه النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يصرف ماله إلى الغرماء ثم يظن بمعاذ أن يتوصل بالتصرف إلى مخالفة فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. يبين ذلك أنه قال: (حجر على معاذ ماله)، معناه: صرفه إلى الغرماء فقطع حقه عنه، ولم يقل: حجر عليه في ماله. 14247 - وقد روى جابر - رضي الله عنه - فذكر فيه بيع المال، ولم يذكر الحجر، وإذا لم يثبت الحجر عليه لم يبق إلا بيعه لما له، فيحتمل أن يكون باعه بإذن معاذ. 14248 - يبين ذلك: أن البيع عليه يكون إذا امتنع من القضاء، ولا يظن بمعاذ أنه يأمره بقضاء دينه فيمتنع، فعلم أنه أذن للنبي في بيع ماله. والفائدة في ذلك: أن يبارك في ماله فيفي بالدين، كما روى: أن جابر - رضي الله عنه - (لما أصيب بأبيه طالبه غرماء أبيه بديونهم، فسألهم أن يأخذوا ما في حديقته، ويمهدوه بالباقي إلى أن يدرك الغلة من العام القابل، فأبوا ذلك، فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكلمهم فيه، فكلمهم فأبوا أن يجيبوه، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجذ ما في الحديثة من الثمر، ثم دخل الحديقة، فبارك عليه وأمره أن يكيل عليهم حقوقهم، فكال لهم، وبقي بعد قضاء حقوقهم من الثمر مثل كان في الأول).

فيجوز أن يكون معاذ أذن للنبي - صلى الله عليه وسلم - في بيع ماله طمعا في البركة ليوفي الدين كما بورك لجابر. ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يبيع لنفسه وإنما أذن لمن يبيع ويضاف إليه البيع لأمره به، فيجوز أني كون أمر معاذا بذلك، فباعه بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأضيف البيع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأمره به، وهذا موضع الاتفاق. 14249 - احتجوا: بما روي أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - خطب، فقال: (ألا إن الأسيفع أسيفع جهينة رضى من دينه وأمانته بأن يقال: سبق الحاج، فادان معرضا فأصبح قدرين به، وإنا بائعو ماله وقاسموه بين غرمائه، فمن كان له دين فليحضر). 14250 - الجواب: أن الحجر لا يجوز حتى يخاصم الغرماء فيثبت الفلس ويسأل الحجر، ولم ينقل ذلك، فيحتمل أن يكون أسيفع مات، فولى الإمام في قضاء ديونه، ويحتمل أن يكون رآه يبتاع الرواحل فيها ماله. 14251 - وقوله:- (إنا بائعو ماله) –إنا نأمر بذلك فيما هو من جنس الأثمان، وعندنا: يبتاع كل واحد من الثمنين في الآخر. 14252 - قالوا: يلزمه بيع ماله لقضاء دينه، فإذا امتنع باعه الحاكم، كما لو

كان دراهم وعليه دنانير. 14253 - قلنا: لا نسلم أنه يلزمه بيع ماله، وإنما يلزمه قضاء دينه، وهو مخير إن شاء باع، وإن شاء اقترض، وإن شاء أجر نفسه وماله. 14254 - فإن قيل: إن القاضي يحبسه إذا كان له مال، ولا يحبسه إذا لم يكن له شيء، وإنما يحبسه ليبيع المال فيقضي منه. 14255 - قلنا: غلط، بل يحبسه لأنه يقدر على قضاء الدين منه أو تأجيله، لأنه إذا علم أن له مالا أقرضه الناس، فيحبسه لهذا المعنى. 14256 - قالوا: إذا لم يكن له طريق إلى قضاء دينه إلا من بيع المال؛ وجب باتفاق. 14257 - قلنا: وإذا قدر على الاستقراض لم يجب البيع باتفاق، ولا فرق عندكم بين الأمرين. وأما الدراهم والدنانير فمفارقة للعرض، لأن كل واحد منهما بدل عن الآخر. 14258 - وفي الفقهاء من يقول: إن القاضي يقضي بأحدهما عن الآخر، وهو ابن أبي ليلى. وإنما قلنا: إن كل واحد منهما بدل الآخر، لأن من له دين من أحدهما إذا كسد قضي له بالآخر، فلذا كان كل واحد منهما بدلا عن الآخر. 14259 - وفي الفقهاء من جوز في القضاء، أن يكون القاضي مخيرا: إن شاء قضى الدراهم عن الدنانير، وإن شاء باعها في الدين، لأنها بدله، وهذا المعنى لا يوجد في العروض، لأنها ليس ببدل الأثمان. ولا قال أحد من الفقهاء: إنه يقضي عنها، فلذلك لم يملك بيعها.

14260 - قالوا: من بيع عليه دراهم بيعت عليه عروضه، كالميت. 14261 - قلنا: ألميت سقطت ولايته بموته، فولى عليه في بيع ماله، والحي ولايته باقية وتصرفه جائز، فلم تثبت الولاية. 14262 - يبين الفرق بينهما: أن غرماء الحي إذا لم يطلبوه بالحجر لم يبع القاضي ماله، والميت يبيع ماله من غير مطالبة، ولو رضي غرماء الميت بتأخير ديونهم ملك القاضي البيع، فبان الفرق بينهما. ***

مسألة 714 إقامة المدين البينة على إعساره أو تلف ماله

مسألة 714 إقامة المدين البينة على إعساره أو تلف ماله 14263 - قال أصحابنا: إذا أقام المديون البينة بالإعسار أو بتلف ماله قبل مضي مدة الحبس؛ لم يسمع منه في إحدى الروايتين، وتقبل منه البينة في الأخرى. 14264 - وهو قول الشافعي. 14245 - لنا: قوله - صلى الله عليه وسلم - (لصاحب الحق اليد واللسان)، ولم يفصل. 14266 - وروى الهرماس بن حبيب بن زيادة، عن أبيه، عن جده، قال: (أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بغريم لي، فقال، ثم مر بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا أخا بني تميم ما الذي

ترى أن تصنع بأسيرك،) ولو كانت البينة بالإعسار تسمع أولا لسأله عن البينة. 14267 - ولأن الإعسار لا يتوصل الشهود إلى حقيقته، وإنما يختبر الحال بالحبس، فما لم يوجد مل يثبت الإعسار، فلا يسقط الحبس. 14268 - ولأنه إذا أقام بينه الإعسار قلب اختبار حاله بالحبس، لم تقبل. أصله: إذا نكل عن اليمين وأراد أن يقيم البينة قبل يمين المدعى. ولأنها شهادة بالفقر؛ فلا يثبت لها حكم بانفرادها. أصله: إذا شهدوا أن لا مأزب لفلان. 14269 - ولا يلزم: بعد الحبس؛ لأن الحكم لا يثبت بانفرادها، لكن بانضمام الاختبار إليها، وغير ممتنع أن ينضم إلى الشهادة بالنفي معنى آخر، فيحكم بها، كما لو قالوا: هذا وارث لان، لا نعلم له وارثا غيره 14270 - احتجوا: بأن كل حق يثبت بالبينة وجب أن يكون سماعه قبل الحبس وبعده. أصله: إذا ادعى القضاء. 14271 - قلنا: لا نسلم أن الأعيان تثبت بالبينة حتى ينضم إليها الاختبار. والمعنى في الشهادة بالقضاء: أنها شهادة بإثبات، فقبلت في جميع الأحوال، وفي

مسألتنا: شهادة نفي فتقبل تبعا لغيرها، ولا تقلب بنفسها كما بينا 14272 - فإن قيل: إذا شهدوا بتلف ماله؛ فهذه شهادة بإثبات 14273 - قلنا: قضاء الدين لا يختص بمال واحد، وهم يشهدون بتلف ما عرفوه من المال، ويجوز أن يكون هناك غيره. ***

مسألة 715 إقامة المدين البينة على الفلس بعد حبسه

مسألة 715 إقامة المدين البينة على الفلس بعد حبسه 14274 - قال أصحابنا: إذا حبس المديون، ثم أقام بينة على الفلس، لم يستحلف بأنه لا مال له. 14275 - وقال الشافعي في أحد قوليه: أستحلفه استظهارا، وفي القول الآخر: على الوجوب. 14276 - لنا: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (شاهداك أو يمينه ليس لك إلا ذلك)، وقال: (البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه).

14277 - ولأنه حق أقام البينة عليه، فلا يستحلف فيه، أصله: إذا أقام البينة على ملك عين. 14278 - ولأن الطالب يدعي البيان، فالدعوى لا يجمع في إسقاطها بين البينة واليمين، أصله: إذا ادعى أنه أبرأه من الدين. 14279 - احتجوا: بأنه دعوى ما يجوز خفاؤه على الشاهدين، فوجب عرض اليمين إذا طالب المدعي، فيما إذا شهد عليه شاهدان بدين فادعى المشهود عليه القضاء أو الإبراء. 14280 - الجواب: أن هناك ادعى معنى لم ينفه الشهود، فلا [بد من نفيه باليمين إذا ادعى، وفي مسألتنا: تنفى معنى قد نفاه الشهود، فلا] يجمع بين النفي والبينة والنفي باليمين، كما لو شهدوا على إثبات معنى لم يجز أن يستحلف على إثباته مع الشهادة. 14281 - فإن قيل: الشهود ينفون المال في الظاهر، وقد يكون للإنسان مال يخفي ويكتمه. 14282 - قلنا: لا يجوز حمل أمر، الشهود على أنهم رجعوا إلى ظاهر النفي، لأن هذا قد علمه القاضي، وإنما يحمل أمرهم على أنهم خبروا حاله بالمخالطة والمعاملة، فنفوا الباطن والظاهر. ***

مسألة 716 إخراج المدين من الحبس بعد ثبوت إعساره

مسألة 716 إخراج المدين من الحبس بعد ثبوت إعساره 14283 - قال أبو حنيفة: إذا ثبت إعساره أخرجه من الحبس، ولم يحل بينه وبين الغرماء. 14284 - وقال الشافعي: يحول بينه وبين الغرماء، ولا يطالبوه إلى حين البيان. لنا: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لصاحب الحق اليد واللسان)، فله الملازمة بالاتفاق. 14285 - وروي: (أنه - صلى الله عليه وسلم -: اشترى بعيرا من أعرابي بأوسق من تمر فجاء الأعرابي وطلب اثمن، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: دعوه، فإن لصاحب الحق اليد واللسان).

14286 - ومعلوم أن إعسار النبي - صلى الله عليه وسلم -: ثبت بإخباره وهو أبلغ من ثبوته بالبينة، ومع ذلك أخبر أن لغريمه اليد، فدل على أن الأعسار لا يسقط الملازمة. 14287 - ولأن دينه في ذمته، فكان له ملازمته بعد الحبس. أصله: إذا اكتسب مالا. 14288 - ولأنه دين يجوز الملازمة به قبل حكم الحاكم بالفلس، فجاز بعده. أصله: إذا ظهر له مال. 14289 - ولأنه يتوصل بالملازمة إلى استيفاء/حقه، لأنه يقف على أكسابه فيأخذ 164/أمنها، فصار كمن له مال. 14290 - فإن قيل: المعنى فيما ذكرتم أنه يملك المطالبة، فيملك الملازمة وفي مسألتنا: لا يملك المطالبة. 14291 - قلنا: لا نسلم، لأن له المطالبة عندنا. وهل تثبت الملازمة إلا للمطالبة. 14292 - فإن قيل: المعنى فيه: أنه يثبت الحبس؛ فجاز أن تثبت الملازمة، وفي مسألتنا بخلافه. 14293 - قلنا: إذا ثبت الحق فإن القاضي يأمر بالملازمة ولا يحبسه في الحال حتى يعلم امتناعه. ولأن الحبس إذا كان له مال يتوصل به إلى إخراجه، فكان في الحبس فائدة، وكذلك في الملازمة. 14294 - وإذا لم يكن له مال توصل بالملازمة إلى الأخذ من كسبه، وفي الحبس لا يقدر على الاكتساب ولا يستفيد بالحبس فائدة.

14295 - احتجوا: بقوله تعالى: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة}. 14296 - الجواب: أن الأمر بالإنظار يدل على أنه لم يصر منظرا بنفس الفلس إذ الأمر لا يصح بما وجد، وكل من قال: لا يصير منظرا بالفلس، قال: إن الأمر على وجه الاستحباب، وكذلك نقول: فإنه يستحب أن يتركه ولا يلزمه. 14297 - قالوا: روى أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه -: (أن رجلا أصيب في ثمار ابتاعها فكثر دينه، فقال: عليه [الصلاة و] السلام: تصدقوا عليه، فلم يبلغ وفاء دينه، فقال: خذوا ما وجدتم، وليس لكم إلا ذلك). 14298 - الجواب: أن معناه: ليس لكم أخذ غيره، ولم يرد نفي غير الأصل، بدليل: أن الدين ثابت في ذمته باتفاق، وذلك لهم، فعلم أنه نفي الأخذ لنفي ما كان في ابتداء الإسلام من بيع المديون في دينه. 14299 - قالوا: من لا مطالبة له بدينه، فلا تلزمه الطالبة، ثم المعنى في الدين المؤجل لأنه لا يلازم به إذا كان له مال، فلا يلازم إذا كان له كسب. 14300 - [وفي مسألتنا: يلازم بهذا الدين إذا كان له مال، فجاز أن يلازم إذا كان له كسب].

14301 - قالوا: هذا الدين في معنى المؤجل؛ لأنه مؤخر إلى الميسرة. 14302 - قلنا: الدين حال ليس بمؤجل، بدلالة: أنه لا يتأخر على الكفيل، وإنما لا يستحق العقوبة بالحبس، ولا يلحقه مأثم التأخير، فأما غير ذلك فإن المطالبة باقية، والملازمة ثابتة، وإذا وجد شيئا استوفاه من الحال، فكيف نسلم التأجيل؟ 14303 - قالوا: إذا جوزتم ملازمته لم يكن لإخراجه من الجنس فائدة. 14304 - قلنا: ليس كذل؛ لأنه يتصرف في أعماله، ويسافر ويذهب حيث شاء. والله أعلم بالصواب. ***

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب الحجر

مسألة 717 البلوغ بالسن

مسألة 717 البلوغ بالسن 14305 - قال أبو حنيفة: مدة البلوغ بالسن في الغلام ثماني عشرة سنة، وفي الجارية سبع عشرة سنة. 14306 - وقال أبو يوسف، ومحمد: في الغلام والجارية خمس عشرة سنة. 14307 - وبه قال الشافعي. 14308 - لنا: قوله تعالى: {يأيها الذين ءامنوا ليستئذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات}، ثم قال تعالى: {ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم}. 14309 - فأمر الإماء بالاستئذان في كل حال، ومن لم يحتلم بالاستئذان في وقت مخصوص، دل على أن الاحتلام هو حد البلوغ، ووجب تعلق الحكم به إلا في

موضع ما دل الدليل. 14310 - وليس لهم أن يقولوا: هذا استدلال بدليل الخطاب؛ لأن الدليل من حيث الدين من المحتلم وغير المحتلم في كيفية الإذن، وهذا الاستدلال بالنطق لا بالدليل. ويدل عليه: قوله تعالى: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن ءانستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم}، قال مجاهد: (إذا بلغ الحلم). ويدل عليه: قوله - صلى الله عليه وسلم - (رفع القلم عن ثلاث: عن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن النائم حتى يستيقظ)، وهذا خبر مشهور رجعت إليه الأمة، وعملت به، واشتهرت روايته، وهو يقتضي إسقاط التكليف قبل الاحتلام، سواء بلغ خمس عشرة أو تجاوزها. 14311 - فإن قيل: الخبر يقتضي رفع القلم عن الصبي، ومن له خمس عشرة فهو رجل وليس بصبي. 14312 - قلنا: الخبر يقتضي أنه صبي حتى يحتلم وإن تجاوز الخمس عشرة، وما دل الخبر عليه لا يدفع بمذهبكم. ولأنها مدة لانتقال الصبي من حال إلى حال [لها] معتاد ونادر، فإذا جاز أن يزاد على نادرها جاز أن يزاد على معتادها، كمدة الحمل. 14313 - ولأنها مدة لا يستفيد بها غير الرشيد التصرف في ماله، فلم تكن مدة البلوغ كما دون الخمس عشرة.

ولأنها مدة لا تكون سببا لوجوب الزكاة في ماله، كأربع عشرة. 14314 - ولأن الصلاة عبادة، فلا تكون الخمس عشرة سببا في وجودها، كالزكاة. 14315 - ولأن الخمس عشرة عدد قدر به حكم غير البلوغ، [وهو الطهر على المذهبين، والحيض عندهم، وكل عدد قدر به حكم غير البلوغ] لم يتقدر به البلوغ، كالأربعين من النفاس، ومدة الحول في الزكاة والتلبية في مدة الخيار. 14316 - ولأن التسوية بين بلوغ الذكر والأنثى خلاف العادة، لأن المعتاد أن بلوغ الجارية يتقدم، والعادة أمر مقطوع به، فإذا خالفه ما طريقه الظن لم يلتفت إليه. ولأنه إذا شرب الخمر فقد اختلف في تحريم هذا الشرب عليه، فلم يجب به حد، كنبيذ التمر، وإذا جامع فقد اختلف في كونه فعله زنا مع العلم به، فلم يجب به حد، كالوطء بالمتعة، وهذا كلام في إبطال مذهبهم. 14317 - وأما الكلام في تصحيح مذهبنا فقوله تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده}، قال ابن عباس - رضي الله عنه -: (الأشد ثماني عشرة سنة). 14318 - وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أيما صبي حج عشر حجج ثم بلغ، فعليه حجة الإسلام)، فأضاف الحج عليه، وأقل ما يمكن الصبي أن يحج بنفسه إذا كان له سبع سنين أو ثمان، ثم أثبت له عشر حجج ثم البلوغ، وهذا يلزم على أن البلوغ يتأخر إلى ثماني عشرة سنة.

14319 - احتجوا: بما روى عبد الله بن عمر قال: (عرضت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة، فردني، ولم يرني بلغت، ثم عرضت عليه عام الخندق، وأنا ابن خمس عشرة سنة، فأجازني في المقاتلة). فنقل الحكم، وهو الإجازة في المقاتلة، والسبب هو أنه ابن خمس عشرة سنة، والحكم إذا نقل مع السبب فالظاهر أنه تعلق به. والثاني: أنه قال: (عرضت على النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد، وأنا ابن أربع عشرة سنة، فردني ولم يرني بلغت)، ومعلوم أنه لم يرد أنه من بلغ حدا يصلح للخروج؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخرج النساء والصبيان يستقون الماء، فثبت أنه أراد بلوغ التكليف. 14320 - قالوا: ولا يجوز أن يكون المراد به: أنه بلغ حدا يصلح للقتال، لأن الإجازة في المقاتلة بمنزلة البلوغ، ولا يجوز أن يجاز فيها إلا البالغ. 14321 - قالوا: روي أنه قال: (عرضت عليه وأنا ابن خمس عشرة سنة، فرآني بالغا فأجازني).

14322 - الجواب: أن هذا الخبر مداره على [عبد الله بن عمر العمري، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهم، وقد ضعف] مخالفونا عبد الله العمري في رواية: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل للفارس سهمين)، وصححوا خبره ههنا ورجعوا إليه في أصل من أصول الشريعة، وهو أعظم من مقدار السهم، فاعترضوا بخبره على القرآن والأخبار المتفق عليها. 14323 - وكيف يظن أ، حد البلوغ خمس عشرة سنة وخفي هذا الحكم على الأئمة الراشدين ومن بعدهم حتى سأل عمر بن عبدا لعزيز نافعا عن حضور ابن عمر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المغازي، فروي له هذا الخبر، فيقول عمر: (هذا حد بين الصغير والكبير)، ومدة البلوغ يتعلق بها وجوب العبادات وثبوت الأحكام، ويحتاج الأئمة إلى معرفتها، فيخفى مثل هذا على جميع الأمة، حتى يستخرجه عمر بن عبد العزيز من حديث نافع.

14324 - ثم هو خبر مضطرب؛ لأنه روى فيه: (أن ابن عمر عرض يوم بدر وله ثلاث عشرة سنة 14325 - [وبين] يوم أحد والخندق سنتان، هكذا رواه ابن إسحاق والواقدي، فعلى هذا كان لابن عمر في الخندق ست عشرة سنة؛ لأن بدرا كان في شهر رمضان من السنة الثانية من الهجرة، وأحدا في شوال من السنة الثالثة، والخندق كانت في ذي القعدة من السنة الخامسة. 14326 - فإن قيل: قد ذكر الزهري: أن الخندق كانت سنة أربع، فوافق ابن عمر - رضي الله عنه -. 14327 - قلنا: ابن إسحاق والواقدي أعلم بهذا من الزهري، وقد كان يرجع إلى ابن إسحاق، والذي يبين ذلك: أن بين بدر والخندق أحدا الموعد، وقد كانت على سنة من أحد، لأن أبا سفيان واعدهم يوم بدر لأحد/من العام 164/ب

المقبل، يبين ذلك: أن أحمد ابن محمد قال: حدثنا سفيان بن عيينه، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: (شهد ابن عمر الفتح وهو ابن عشرين سنة)، والفتح كان في شهر رمضان سنة ثمان. 14328 - وعند أصحاب الحديث: أن شرط الصحيح لم يوجد في شيء من هذه الأسانيد إلا في هذا الحديث، وهو يقتضي أن سن ابن عمر كان يوم الخندق تسع عشرة سنة. 14329 - وقد ذكر الواقدي في كتاب الطبقات، قال أخبرني أسامة بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده، قال: (سمعت عمر بن الخطاب [- رضي الله عنه -] يقول: ولدت قبل عام الفجار الأعظم بأربع سنين، وأسلمت في ذي الحجة السنة السادسة منا لمبعث، وأنا ابن ست وعشرين سنة. وكان عبد الله بن عمر [رضي الله عنهما] يقول: (أسلم عمر وأنا ابن ست سنين)، فعلى هذا سنة من الهجرة ثلاث عشرة سنة؛ لأن ابن عباس - رضي الله عنه - روى: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم -

أقام بمكة [ثلاث] عشر سنة، فعلى هذا سنة في الخندق ثمان عشرة سنة. 14330 - فإن قيل: قد روي: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقام بمكة عشر سنين، وروي: أنه أقام خمس عشرة سنة. 14331 - قلنا: الصحيح رواية ابن عباس، وقد استدل على ذلك بقول أبي قيس صرمة بن أبي أنس. ثوى في قريش بضع عشرة حجة .... يذكر لو يلقى صديقا مواتيا ويعرض في أهل المواسم نفسه .... فلم ير من يؤوي ولم ير داعيا 14332 - على أ، كل واحدة من الروايات الثلاث لو صحت خالفت قولهم، إن كان أقام عشرا فسن ابن عمر كان ببدر إحدى عشر سنة وشهور؛ لأن الهجرة كانت في شهر ربيع الأول، وبدرا في شهر رمضان من السنة الثانية، وإن صحت رواية ابن عباس خرج منها أنه كان يوم بدر في الخامس عشر، وإن صح أن للنبي - صلى الله عليه وسلم - خمس عشرة سنة فله في بدر سبع عشرة، وفي الخندق عشرون. 14333 - وهذا الاضطراب في الرواية يدل على أن خبر نافع ليس بمضبوط، فلا يجوز الرجوع إليه.

14334 - وقد تعاطى مخالفونا في هذا ما أبطلوا به الخبر، فقالوا: نحمل قوله-: (عرضت عليه يوم [أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة) –على أنه كان في أولها. 14335 - وقوله: (عرضت عليه يوم) الخندق وأنا ابن خمس عشرة (- يعني في آخرها، فيصح ذلك على رواية أصحاب المغازي. 14336 - قلنا: فعلى هذا فمن الذي يمنع أن يكون قوله: (وأنا ابن خمس عشرة (بمعنى استكملتها، ويكون قد مضى صدر من السادس عشرة ولم يكملها، فيكون حد البلوغ أكثر من خمس عشرة سنة على هذا القول. 14337 - وهذا هو العادة أن يقال للإنسان أربع عشرة سنة، يعني استهلها، ويقال ذلك بمعنى: أكملها وإن كان قد طعن في التي تليها ومضى بعضها. 14338 - فإن اعتبروا الحقيقة لم تصح الرواية، وإن اعتبروا المجاز بطل تحديدهم. 14339 - على أنه لم ينقل في الخبر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عرف سن ابن عمر، فعلق الرد والإجازة به، ولا سأل عنه حتى يكون الحكم تعلق بذلك، وقد كان يرد البالغ إذا لم يطق حمل السلاح، ويجيز غير البالغ إذا أطاق ذلك. 14340 - يدل عليه: حديث سعد بن أبي وقاص قال: (رأيت أخي عمير بن أبي وقاص قبل أن يعرضنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيستصغرني فيردني، وأنا أحب الخروج،

لعل الله أن يرزقني الشهادة، قال: فعرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستصغره، وقال: ارجع، فبكي عمير فأجازه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فكان سعد يقول: لقد كنت أعقد له حمائل سيفه من صغره، فقتل ببدر وهو ابن ست عشرة سنة)، فهذا قد رده النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد تجاوز سن ابن عمر، لأنه ظن أنه لا يقدر على حمل السلاح، فلما رآه يحب الحضور استدل على شجاعته وأجازه. 14341 - وقد روي عن ابن عمر أنه قال: (أجازني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورافع بن خديج يوم الخندق وسننا خمس عشرة سنة). 14342 - وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجاز رافعا يوم أحد، وهو في سن ابن عمر، فدل: على أن الإجازة لا تتبع السن. وقد روي: (أن رافع بن خديج حضر يوم أحد، فاستصغره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمر برده، فقال عمه ظهير بن رافع: يا رسول الله، إن ابن أخي رام، فأجازه)، أفلا يرى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجازه لرميه، لا لسنه. 14343 - وقد روي: (أنه - صلى الله عليه وسلم - أجاز غلاما في بعث ثم عرض بعده سمرة ابن جندب، فرده فقال سمرة: يا رسول الله أجزت غلاما ورددتني، ولو صارعني لصرعته، فقال: فدونك فصارعه، فصرعته فأجازني في البعث).

14344 - فهذه الأخبار تدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجيز من يقوى على حمل السلاح، ويرد من يضعف عن ذلك، وأن الحكم لا يتعلق بالبلوغ، فيجوز رد ابن عمر في أحد، لأنه كان لا يطيق السلاح، وأجازه في الخندق لأنه قوي على حمله، ولا يصح لمخالفنا التعلق بالخبر. 14345 - فإن قيل: الجهاد عبادة، فكيف يجوز فيها من لم يبلغ؟. 14346 - قلنا: كما يجوز في الحج والصوم والصلاة. 14347 - وقد روي في خبر ابن عمر الذي احتجوا به: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رده في أحد، وجعله في حرس المدينة (والحرس عبادة كالجهاد، إلا أنه أخره وإن كان من أهل القتال، كما يؤخر الضعيف ويقدم القوي. 14348 - وكيف يظن أن الحكم يتعلق بهذا السن، ولم يعلق النبي - صلى الله عليه وسلم - حكما من أحكام البلوغ، بل علق جميعها بغيره، وقال: (رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم)، وقال: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم)، وقال لمعاذ: (خذ من كل حالم دينارا)، وقال: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار). 14349 - ولم ينقل عن أحد من الصحابة أنه عمل على ذلك، ولا علق عليه

حكما من الأحكام فسقط الاحتجاج به. 14350 - وقد ذكر بعضهم حديثا زعم أنه أسند إلى أنس بن مالك (- رضي الله عنه -) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا استكمل المولود خمس عشرة سنة كتب ماله وما عليه، وأخذت منه الحدود). وهذا حدث موضوع لا يمكن أن يضاف إلى كتاب صحيح ولا فاسد، ولا يعرفه أحد من أصحاب الحديث، وكيف يسوغ التسامح بذكره ومبنى هذا الحكم مع عموم الحاجة إليه لا يثبت بخبر واحد صحيح، فكيف بخبر لا يعرف؟. 14351 - قالوا: يصح إيمانه ويلزم اعتقاده، ويعاقب على تركه؛ فوجب أن يكون بالغا. أصله: من له تسع عشرة سنة. 14352 - قلنا: لا نسلم أن الإيمان يلزمه ببلوغ هذا السن، ولا يصح إيمانه إلا مع إكمال العقل، فإن ضموا هذا الوصف إلى العلة فالحكم يتعلق به عندنا، ومن علق الحكم بوصف واحد فهو أولى ممن علقه بوصفين أو بأوصاف. 14353 - ولا نسلم أن من أسلم في هذا السن يعاقب على ترك الإسلام، وإنما يجبر على العود، وأما العقوبة فلا. 14354 - والمعنى في الأصل: أنه فات وقت الاحتلام [في العادة] فانتقل الحكم عنه إلى غيره، [وفي مسألتنا: لأم يفت وقت الاحتلام في العادة، فلم ينتقل الحكم عنه]، وهذا اعتبار صحيح؛ لأن السن يقوم مقام الاحتلام، فلا يتعلق به حكم مع توقت الأصل، كالإبدال. 14355 - قالوا: من صح بيعه وتوكيله بالعقود كان بالغا كابن تسع عشرة سنة.

14356 - قلنا: ينتقض على أصلنا بمن لم يبلغ خمس عشرة سنة. ولأن صحة البيع لا تعلق لها بالبلوغ؛ لأن المجنون بالغ ولا يصح بيعه، ولأن البلوغ حد تتعلق به الأحكام الشرعية، وجواز البيع والتوكيل يتعلق بالعقل؛ لأنا نحكم قبل الشرع بصحة البياعات، والظاهر أن الحد الذي تتعلق به الأحكام الشرعية يثبت بالشرع لا بالعقل، والمعنى فيما قالوه ما قدمناه. 14357 - قالوا: إنه معنى يتعلق به البلوغ يشترك فيه الذكر والأنثى؛ فوجب أن يستويا فيه، كالاحتلام. 14358 - قلنا: هذا التعليل لإثبات حكم يخالف العادة؛ لأن العادة: أن بلوغ الجارية يتقدم، والعادة دليل مقطوع به. 14359 - ولأنهما يفترقان فيما يقع به البلوغ، بدلالة: أنها تبلغ بالحيض والحبل، ولا يوجد ذلك في الغلام، وكذلك لا يمتنع أن يختلفا في السن. ولأن بلوغ الجارية بالاحتلام، وليس بمنصوص عليه عند أصحابنا، ومنهم من منع ذلك وقال: لا تبلغ الجارية به. 14360 - قالوا: حكم يتعلق بمدة تزيد على العشرة، فلا يبلغ عشرين، فوجب أن يقف على خمس عشرة كأقل الطهر. 14361 - قلنا: نقلب فنقول: لا يقدر فيه مدة البلوغ، كمدة الطهر، ويبطل ما قالوه بمدة العنة، لأنها تزيد على عشرة أشهر ولا تبلغ العشرين، ولا تقف على خمس عشرة سنة، وكذلك الزكاة.

مسألة 718 الإنبات دليل البلوغ

مسألة 718 الإنبات دليل البلوغ 14362 - قال أصحبنا: الإنبات لا يدل على البلوغ. 14363 - وقال الشافعي: إذا نبت للغلام أو الجارية الشعر القوي الخشن حول ذكر الغلام وفرج الجارية، كان بلوغا في أولاد/المشركين 165/أ 14364 - وهل هو بلوغ، أو دلالة على البلوغ؟ على قولين. 14365 - فإن قالوا: بلوغ في المشرك، فهو بلوغ في المسلم. 14366 - وإن قالوا: يدل على البلوغ، ففي المسلم على وجهين. لنا: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يحتلم)، وهذا يقتضي أنه ممكن رفع القلم عنهم وإن أنبت. 14367 - ولأنه شعر عضو، فخروجه لا يكون بلوغا، ولا يستدل به على البلوع، كالحية. لأن كل حكم لا يتعلق بخروج البنات لا يتعلق بالإنبات، أصله: وجوب الزكاة في ماله، ووجوب صلاة العيد.

14368 - ولا يلزم: استحباب الحلق؛ لأن ذلك يتعلق بالشارب. 14369 - ولأنه موضع من بدنه، فخروج الشعر فيه وعدمه سواء، كسائر المواضع. 14370 - ولأن نبات الشعر حول الفرج يختلف باختلاف الناس، فيتقدم في بعضهم على البلوغ ويتأخر عنه في بعضهم، فصار كشعر سائر الأعضاء. 14371 - احتجوا: بما رو عن عطية - رضي الله عنه -، قال: (عرضت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم قريظة فشكوا في، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ينظر إلى هل أنبت؟ فنظروني فلم يجدوني أنبت، فخلى عني وألحقني بالسبي). 14372 - وروي: أنه قال: (كنت فيمن حكم فيهم سعد بن معاذ، فشكوا إلي من الذرية أو من المقاتلة؟، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: انظروا إن كان قد أنبت وإلا فلا تقتلوه). 14373 - وروى مجاهد عن عطية، عن رجل من بني قريظة، أخبره: (أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم قريظة جردوه، فلم يروا الموسي على شعره، وتركوه من القتل). 14374 - الجواب: أن عطية القرظي قال أصحاب الحديث: لا يعرف بالرواية.

وقد اضطرب الخبر، فمره يرويه عن نفسه، ومرة يرويه عن غيره، ومرة يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. وذكر أهل المغازي: (أن سعدا حكم بذلك فيمن لم ينبت)، وروي اعتبار الانبات، وروي: أنه أمر بقتل من اخضر مئزره. 14375 - وهذا يدل على الإنبات حول الفرج، ويقتضي اعتبار الإنبات من السرة إلى العانة. 14376 - وروي: (أنه أمر بقتل من جرب عليه المواسي) وهذا يقتضي تكرار الحلق بعد الإنبات، وكيف يظن أن هذا حد في البلوغ، أمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بني قريظة بمشهد من أصحابه، ولم يروه أحد منهم حتى رواه صبي من أولاد المشركين وغفل عنه الجماعة، وهذا يوجب الشك في الخبر، ويجوز أن يكون - صلى الله عليه وسلم - أمر برفع القتل عمن لم ينبت، استظهارا في ترك القتل، إلا أن ذلك ينفي البلوغ لا محالة. 14377 - قالوا: روى محمد بن يحيى بن حبا: (أن غلاما من الأنصار من آل أبي صعصعة شبب بامرأة في شعره، فرفع إلى عمر فلم يجده أنبت، فقال: لو أنبت الشعر لحددتك). 14378 - وروى عبد الله بن عبيد بن عمير: (أن عثمان أتي بغلام قد سرق فقال:

انظروا هل اخضر مئزره؟ فإن اخضر فاقطعوه، وإن لم يكن اخضر فلا تقطعوه). 14379 - وروى أبو نضرة الغفاري، وعقبة بن عامر الجهني أنهما قالا: (من أنبت فاقسموا له من الغنيمة). 14380 - قالوا: وهذا إجماع، ومن أصل أبي حنيفة ترك القياس بقول الصحابي الواحد، فكيف ينكر لقول الجماعة،. 14381 - قلنا: روي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال: (رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم). 14382 - وعن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه كتب إلى نجدة الحرورى، (إذا احتلم اليتيم فقد خرج من اليتم، ووقع حقه في الفيء). 14383 - وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: (حفظت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا وصال ولا رضاع بعد فصال، ولا يتم بعد الاحتلام، ولا صمت يوم إلى الليل، ولا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك). 14384 - فهذا اختلاف بعد الصحابة على إبطال قولهم في خمس عشرة، لأن منهم من اعتبر الاحتلام، ومنهم من اعتبر الإنبات، ولم يقل أحد منهم باعتبار السن الذي ذكره الشافعي.

مسألة 719 الوقت الذي يدفع فيه المال إلى الغلام

مسألة 719 الوقت الذي يدفع فيه المال إلى الغلام 14385 - قال أصحابنا: إذا بلغ الغلام عاقلا مصلحا لماله فاسقا؛ دفع إليه ماله. 14386 - وقال الشافعي: إذا بلغ مصلحا لدينه وماله غير مرتكب لمعصية تمنع شهادته، دفع إليه ماله، وإن كان مرتكبا المعصية تقدح في شهادته، لم يدفع إليه ماله. 14387 - لنا: قوله تعالى: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن ءانستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم}، فذكر (رشدا) واحدا، لأنه نكرة في الإثبات، فظاهره يقتضي: أنه إذا كان رشيدا في عقله وماله جاز دفعه إليه. 14388 - فإن قيل: أجمعوا على أنه لم يرد رشدا واحدا؛ لأنه إذا بلغ مسلما فقد وجد رشد واحد، ولم يدفع إليه المال.

14389 - قلنا: لا يقتضي الظاهر إلا رشدا واحدا؛ لأن الآية خوطب بها المسلمون في أبنائهم، فعلم أن المراد بالرشد معنى زائد على الإسلام، أو على ضم الإسلام إليه لوجب أن يثبت جنس الرشد، أو لأثبتنا رشدا واحدا مع الرشد الذي هو الإسلام. 1439 - قالوا: روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - في قوله تعالى: {فإن ءانستم منهم رشدا}، قال: (إذا أدرك اليتيم بحلم وعقل ووقار). 14391 - وقال الحسن البصري: (صلاحا في دينه وحفظا لماله). 14392 - قلنا: روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال في الرشد: (الصلاح في العقل وحفظ المال)، وقال النخعي، ومجاهد: (العقل). 14393 - وما رووه عن ابن عباس - رضي الله عنه -: (إذا أدرك بحلم ووقار)، فلا يدل على صلاح الدين؛ لأن الحليم الوقور قد يرتكب المعصية، فقول ابن عباس دلالة لنا. 14394 - وما ذكروه عن الحسن يقابل بقول النخعي، وبقي لنا الظاهر الذي بيناه. 14395 - ولأنه مصلح لماله؛ فوجب أن لا يمنع من ملكه، أصله: إذا كان رشيدا في دينه.

14396 - ولأن من لزمته العبادات لا يمنع ملكه منه لدينه، كالكافر. 14397 - ولا يلزمه: المرتد أنه يمنع ماله منه، لأنه لا يملك ما في يده. 14398 - فإن قيل: الكافر تثبت له الولاية على ولده، والفاسق لا تثبت له الولاية على ولده. 14399 - قلنا: تصرفه في ماله لا يعتبر بولايته على غيره. ألا ترى: أن الفاسق يزوج نفسه عندهما ولا يزوج بنته، وعندنا يلي في مال نفسه، ولا يلي في مال ولده. ولأنه نوع فسق؛ فلا يمنع من دفع ماله إليه، كالكفر. 14400 - احتجوا: بقوله تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم}، والفاسق سفيه، فوجب أن لا يجوز دفع ماله إليه. 14401 - الجواب: أن ظاهر الآية منعنا من دفع مالنا إلى السفهاء، هذا حقيقة اللفظ. وقوله تعالى: {التي جعل الله لكم قياما}، يعني: معاشا، وقد فسر الآية على ذلك ابن عباس - رضي الله عنه -، فقال: (لا يقسم الرجل ماله بين ولده وعياله، ويصير عيالا عليهم وهم عياله، والمرأة أسفه السفهاء). وروى الشعبي، عن أبي بردة، عن أبي موسى قال: (ثلاثة يدعون الله فلا يستجاب لهم: رجل له امرأة سيئة الخلق فلا يطلق، ورجل أعطى ماله سفيها، وقد قال الله تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم}، ورجل دائن لرجل فلم يشهد عليه). وروي عن مجاهد: السفهاء النساء، فقد حمل الآية على حقيقتها صحابيان.

وروي عن سعيد بن جبير، أن المراد: (ولا تؤتوا السفهاء أموالهم)، فأضافها إليهم، كما قال الله تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم}، أي لا يقتل بعضكم بعضا إلا أن التابعي لا يقابل قول الصحابة، لاسيما إذا حملوا اللفظ على الحقيقة. 14402 - فإن قيل: لو كان المراد به أموالنا لم يكن لتخصيص السفهاء معنى، لأنه لا يجوز لنا دفع أموالنا إلى السفهاء حتى نصير عيالا عليهم، ولا إلى غير السفهاء. 14403 - قلنا: تخصيص المذكور بالحكم لا يلزم أن يكون له فائدة أكثر من علم الله تعالى أن الصلاح في بيانه دون غيره. 14404 - على أن له فائدة؛ لأنه منع من قسمة المال على السفهاء، النساء والصبيان، ويجوز أن يقسم المال على الرجال العقلاء المصلحين وإن صار عيالا عليهم؛ لأنه يسومهم ويسكن إلى قيامهم به، يبين ذلك: أنه تعالى قال: {وقولوا لهم قولا معروفا}، وهذا يجوز أن يقال في النساء والصبيان، ولا يقال في الفساق؛ لأنه يجب أن يغلط على الفاسق ويزجره ويتوعده، فعلم أن المراد بالآية من ذكرنا: وأنه لا يجوز حملها على الفساق. 14405 - قالوا: الفسق له تأثير في المنع من مال الغير، ولايتهم في مال نفسه، لهذا جوز له مخالفنا أن يزوج ابنته، والمعنى في المجنون: أنه لا يقف على مصالح ماله، فلم يجز تسليمه إليه، والفاسق يقف على مصالح المال، كالعدل. 14406 - وتبطل هذه العلة باختلاف الدين، لأنه لا يمنع من التصرف في مال الغير، ولا يمنع مال نفسه. 14407 - قالوا: ضبط الفاسق للمال وحفظه له غير موثوق به؛ لأن الفاسق

يتبع الشهوة فلا يؤمن أن تعرض له شهوة يفسد ماله فيها، فكان بمنزلة المبذر. 14408 - قلنا: إن كان يقف على مصالح ماله ويتمكن من حفظه لم يجز منعه منه لجواز أن تظهر عليه الشهوات، كما أن العدل يدفع إليه المال وإن جاز أن يطرأ عليه الفسق والسفه، ولهذا لا يحجر على السفيه عندنا، لأنه عارف مصالح المال، فإذا لم يستعملها، فهو المسقط لحق نفسه. * * *

مسألة 720 دفع المال لمن بلغ غير رشيد

مسألة 720 دفع المال لمن بلغ غير رشيد 14409 - قال أبو حنيفة: إذا بلغ غير رشيد جاز تصرفه في مال، ولا يدفع إليه حتى يبلغ خمسًا وعشرين سنة. 14410 - وقال الشافعي: لا يجوز تصرفه. 14411 - لنا: أن من جاز تصريفه إذا كان رشيدًا جاز وإن كان مفسدًا لماله. أصله: إذا طرأ السفه ولم يحجر الحاكم. 14412 - ولأن من توجه عليه الخطاب ببلوغه استفاد التصرف فيما يملكنه بالبلوغ. 14413 - ولأن من وجبت الزكاة في ماله جاز تصرفه فيه، كالرشيد. 14414 - [ولأنه مكلف تصرف في ماله الذي ليس لأحد فيه حق فنفذ تصرفه فيه كالرشيد]. 14415 - احتجوا: بقوله تعالى: {فإن أنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أمولهم}. 14416 - الجواب: أن الحكم المعلق بشرط لا يدل على نفي ما عداه.

ثم لو قلنا به لم يدل؛ لأنه يقتضى منع الدفع إليه، وعندنا لا يدفع إليه لكن تصرفه نافذ فيه. 14417 - قالوا: من لا يدفع إليه ماله لعدم رشده؛ وجب أن لا يصح تصرفه، كالمجنون، والصبي. 14418 - قلنا: المجنون والصبي لا يقع طلاقهما، ولا يصح إقرارهما بالحدود والقصاص، فلم ينفذ تصرفهما، والبالغ العاقل بخلاف ذلك. 14419 - قالوا: منع المال منه مع جواز تصرفه لا فائدة فيه. 14420 - قلنا: غلط، لأن الإنسان يتمكن من إتلاف مال نفسه إذا كان في يده ما لا يتمكن منه إذا كان في يد غيره، وهذا فائدته في المنع ليست بحجر، كما أن من رأيناه يلقي ماله في البحر لغير غرض خلينا بينه وبين ذلك ولم يحجر عليه، فإن تصرف جاز تصرفه في ماله، يبين ذلك: أنا إذا لم نسلم المال إليه لم يتمكن من هبته وإنفاقه ولا بيعه، لأن الناس لا يرغبون في الشراء منه.

مسألة 721 دفع المال إذا بلغ غير رشيد وتمت له خمس وعشرون سنه

مسألة 721 دفع المال إذا بلغ غير رشيد وتمت له خمس وعشرون سنه 14421 - قال أبو حنيفة: إذا بلغ غير رشيد دفع ماله إليه، إذا تمت له خمس وعشرون سنه. 14422 - وقال الشافعي: لا يدفع إليه ماله أبدًا. 14423 - لنا: قوله تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده}. وقد روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: (بلوغ الأشد خمس وعشرون سنة)، وهذا يعلم من طريق التوقيف. 14424 - ولأنه يصلح أن يكون جدًا، [ومن صار جدًا] فقد بلغ أشده. 14425 - ولأنه مميز؛ فلا يجوز منع ماله منه بعد خمس وعشرين سنة، كالرشيد. 14426 - فإن قيل: لا تأثير لذكر السن. 14427 - قلنا: هو في الحكم، فلا يطالب بتأثيره، وإن كان في الوصف أثر في المراهق. 14428 - ولأن ما اعتبر فيه الاحتلام جاز أن يتعلق بالسن، كوجوب العبادات.

ولا عبرة بالبلوغ فاختص بحكم من الأحكام، كالعشر الأول يختص بالأمر بالصلاة والصوم. 14429 - ولأنه قد ثبت من أصولنا أن السفه لا يوجب الحجر، وإنما يمنعه من ماله عقيب البلوغ انتظارًا لصلاحه، لأنه قد يبلع وهو [على] أخلاق الصبيان، ثم ينتقل عن ذلك، فإذا بلغ هذا السن فقد أيس من صلاحه، فلو منع منه المال كان حجرًا عليه، والحجر عندنا لا يجوز على البالغ العاقل. 14430 - احتجوا: بقوله تعالى: {فإن أنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم}، والفاء للتعقيب، فاقتضى دليل الشرط أن المال لا يدفع أليه عقيب البلوغ إذا لم يؤنس رشده. 14431 - وكذلك نقول: وهل يدفع إليه بعد ذلك الحال، موقوف على الدليل. 14432 - قالوا: لأنه غير مصلح للمال، فوجب أن يمنع ماله منه، كما قبل خمس وعشرين سنة. 14433 - [قلنا: ما قبل ذلك صلاحه منتظر، فكان في المنع فائدة لجواز أن يصلح، وبعد الخمس والعشرين] لا ينتظر الصلاح في الغالب، فلم يكن في المنع إلا الحجر عليه، والحجر على العاقل البالغ لا يجوز؛ لأن من بلغ غير ... مأمون على نفسه ضمه الولي إليه، فإذا كبر ضمه إلى نفسه، كذلك المال مثله.

مسألة 722 الحجر عليه بعد بلوغه رشيدا وطروء السفه والتبذير عليه

مسألة 722 الحجر عليه بعد بلوغه رشيدًا وطروء السفه والتبذير عليه 14434 - قال أبو حنيفة: إذا بلغ رشيدًا، دفع إليه ماله، فإن طرأ عليه السفه والتبذير لم يحجر عليه. 14435 - وقال الشافعي: يحجر الحاكم عليه، وتصرفه قبل الحجر جائز. 14436 - لنا: قوله تعالى: {فإن كان الذي عليه الحق سفيهًا أو ضعيفًا} بعد ذكر المداينة، فأجاز مداينة السفيه ولم يفصل. 14437 - يدل عليه ما روي: (أن حبان بن منقد أصابته آمة في رأسه وأثرت في عينيه، فكان يغبن في البيع، فجاء أهله رسول - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: احجر عليه، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تبع، فقال: لا أصبر عن البيع، فقال: إذا بعت فقل: لا خلابة، ولك الخيار ثلاثًا)، فلو كان الحجر واجبًا للسفيه لم يمنع - صلى الله عليه وسلم - منه، لأنه

لا يصبر عن التصرف 14438 - فإن قيل: سؤالهم الحجر عليه يدل على أنهم عرفوا ذلك من الشرع. 14439 - قلنا: قد عرفوا الحجر للمجنون، فظنوا أن ما أصابه بلغ به حد الجنون الموجب للحجر. 14440 - فإن قيل: إنما لم يحجر عليه لأنه لما قال: (لا أصبر عن البيع) دل على أنه يقصد التجارة، ولا يقصد تضييع المال. 14441 - قلنا: من قصد التجارة وهو غير عارف بها، ويتلف ماله فيها، فيحجر عليه وإن لم يقصد تضييع المال. 14442 - قالوا: فلم قال - صلى الله عليه وسلم -: (لا تبع)؟. 14443 - قلنا: إن المبذر نهاه الحاكم عن البيع طلبا لمصلحة لا على وجه الحجر. 14444 - ولأنه مكلف؛ فلا يحجر الحاكم عليه في ملكه، كالمصلح. 14445 - ولأنه لم يستفد التصرف من جهة غيره؛ فلا يجوز الحجر عليه في ماله، كسائر الناس. 14446 - ولأن من جاز إقراره فتصرفه في ماله، كالمصلح. 14447 - ولأنه إذا جاز تصرفه في نفسه وحرمة المال تابعة لحرمة النفس فجواز تصرفه في المال أولى. 14448 - فإن قيل: العاقل [لا يتهم في الإقرار بما يهلك نفسه، ويهتم في تضييع المال.

14449 - قلنا: إنما يتهم العاقل] في صرف المال في الشهوات، فأما أن يتهم في أن يقر بماله فيتلفه بغير عوض فلا. وإن جاز أن يقر في ماله بغير حق فيتلفه جاز أن يقر على نفسه بما لا أصل له فيتلفها. 14450 - احتجوا: بقوله تعالى: {فإن كان الذي عليه الحق سفيهًا أو ضعيفًا أو لا يستطيع أن يمل فليمدل وليه بالعدل}، فأثبت للسفيه وليا، فدل على جواز الحجر عليه. 14451 - الجواب: أن الله تعالى قد ذكر في أول الآية: المداينة، ثم ذكر السفيه المديون فدل على جواز مداينته، وهذا ينفي الحجر. وأما ذكر الولي فقد قيل: إن المراد به: ولي الدين؛ لأن السفيه إذا عجز أن يمل أملى ولي الدين لقدرته على الإملاء، فإذا سمع السفيه فاعترف بما عليه لزمه، ويحتمل: أن تكون الكناية راجعة إلى السفيه، فأثبت عليه الولاية، ويحتمل أن يكون المراد به: ولي الدين، وهو الذي تولى العقد بأمره. 14452 - وإذا احتملت الولاية هذه الوجوه، لم يكن ما ادعوه من أن المراد بها ولي السفيه بأولى مما ذكرنا. بل ما قلنا أولى؛ لأنه ذكر السفيه، والضعيف، ومن لا يستطيع الإملاء، ثم ذكر الولاية، ولا يجوز أن يكون المراد فيمن لا يقدر على الإملاء ولاية الحجر، فلم يبق إلا أن يكون المراد بها ما ذكرناه؛ يبين

ذلك: أن السفيه يعبر عن خفة العقل، وعن السفه باللسان والتبذير والفساد، فإذا حملنا الولاية على ما ذكرناه كان ذلك عامًا في وجوه السفه كلها، وإذا حملوه على ما قالوا خصوه بنوع من السفه دون بقية أنواعه، وفيما ذكرناه ... أولى. 14453 - ويبين ذلك: أن إقرار السفيه عليه لا يقبل إلا فيما وليه من العقود عندهم، والآية تقتضي الإملاء بكل حال، فإذا حملناها على ما قدمنا جوزنا الإقرار ولم نخصص، فكان ذلك أولى من حمله على ما يؤدي إلى التخصيص. 14454 - فإن قيل: ذكر الله تعالى المدين الذي عليه الحق ووصفه، فالكناية ترجع إليه لا إلى صفته. 14455 - قلنا: قال الفراء: إن شئت جعلت الهاء راجعة إلى الحق، وإن شئت إلى المديون، فدل ذلك على جواز الرجوع إلى كل واحد منهما. 1456 - احتجوا: بما روي (أن عبد الله بن جعفر ابتاع أرضًا بستين ألف درهم، فغبن فيها، فقال علي - رضي الله عنه -: لآتين أمير المؤمنين عثمان - رضي الله عنه - أن يحجر عليك، فذكر ابن جعفر ذلك للزبير، أنا شريك فيها، فجاء علي - رضي الله عنه - إلى عثمان - رضي الله عنه - فذكر ذلك له، فقال: كيف أحجر على رجل شريكه الزبير؟).

14457 - قالوا: وقال ابن الزبير: (لئن لم تنته عائشة لأحجرن عليها). 14458 - الجواب: أن توصل ابن جعفر إلى إسقاط الحجر يدل على أنه لا يرى ذلك واجبًا، وما عده الزبير له يدل على أنه يراه جائزًا؛ إذا لو كان حكمًا واجبًا لم يجز له التوصل إلى إسقاطه، ولوجب أن يحجر أن عثمان على الزبير أيضًا؛ لأنه تساوى مع ابن جعفر في تضييع المال. 14459 - فإن قيل: إنما لم يحجر لأن الزبير كان مشهورًا بحفظ ماله وبمعرفة التجارات، فعلم أنه لم يغبن فيما شاركه فيه الزبير. 14460 - قلنا: روي أن عثمان - رضي الله عنه - قال: (ما يسرني أن تكون لي هذه الأرض بنعلين). فهذا يدل على أنه تحقق الغبن، إلا أنه استعظم أن يحكم على مثل الزبير بخلافه. وأما خبر عائشة - رضي الله عنه - فقد روي: أنها حلفت أن لا تكلم ابن الزبير، وهذا إنكار منها لقوله، ولو كان ما قاله حكمًا ثابتًا لم يجز أن تنكره. 166/أ 14461 - فإن قيل: إنما أنكرت أن يكون ما فعلته/ موجب الحجر.

14462 - قلنا: لو كان كذلك ثبت، فلما لم يبين دل على أن إنكارها انصرف إلى جميع الكلام. 14463 - قالوا: قال الله تعالى: {إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين}، ولم يمكن المنع من ذلك إلا بالحجر. 14464 - قلنا: بل يمكن المنع منه بالنهي والإنكار، كما يفعل في المعاصي. 14465 - قالوا: روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الله كره لكم ثلاثًا: القيل والقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال)، وبالحجر يتوصل إلى المنع من ذلك. 14466 - قلنا: الخبر يقتضي النهي، وكذلك تقول، والقاضي يزجر عنها وينكر على فاعلها، ولا يحجر عليهم فإنه منع الحجر بها. 14467 - قالوا: لأنه معنى إذا قارن البلوغ منع دفع المال إليه، فإذا طرأ بعده أوجب انتزاعه من يده، كالجنون. 14468 - قلنا: يبطل بالشك في حاله، هل هو رشيد أم لا؟ ولو قارن البلوغ منع من تسليم المال، ولو تجدد الشك لم ينزع ماله من يده. 14469 - ولأن الجنون لما تعلق الحجر به لم يقف على حكم الحاكم، ولما لم يثبت الحجر على المبذر من غير حكم، لم يثبت بالحكم. 14470 - قالوا: كل من كان في الحجر عليه نظر له، صح الحجر عليه، كالمراهق.

14471 - قالوا: ولأن المراهق كالسفيه في تضييع المال ولا إثم عليه، فلأن يحجر على من يبذر ويأثم أولى. 14472 - قالوا: ولأن المراهق يحجر عليه خوف التأذي، فلأن يحجر ينفس التبذير أولى. 14473 – الجواب: أن المراهق لا يجوز تصرفه في نفسه فلا يجوز في ماله، والمبذر يجوز تصرفه في نفسه حتى يجوز إقراره بالقصاص والحدود، ولذلك يجوز تصرفه في ماله. 14474 - ولأن الغالب من أمر الصبيان أنهم يضيعون المال ولا يهتدون إلى المصالح، فأجرى حكم الأغلب على الجميع، فحجر على من لا يبذر منهم، والغالب من حال الباغين أنهم يهتدون إلى حفظ المال ويحفظونه، فالتبذير نادر فيهم، فأجرى حكم الأغلب على النادر ولم يحجر عليه. 14475 - قالوا: شهوات البالغ أعظم من شهوات المراهق، فهو أشد لتضييعه، فالحجر عليه أولى. 14476 - قلنا: الأمر وإن كان كما ذكرتم إلا أن المراهق في الغالب لا يهتدي إلى المصالح فيحفظ ماله عليه؛ والبالغ يهتدي إلى مصالح ويقدر على حفظ ماله، فإذا أحب أن يضيعه لم يحجر عليه؛ ألا ترى: أن الصبي يولى عليه لحفظ ماله وإصلاحه، لأن ماله لو كان محظوظًا بنفسه كالعقار، فإن الحاكم يولي من يحفظه ويعمره ويستغله لعجزه عن القيام بذلك، ثم البالغ الذي ليس بمبذر إذا لم يثمر ماله لم يل الحاكم من يثمر ماله، لأنه قادر على ذلك بنفسه، كذلك في الحفظ مثله.

مسألة 723 الحجر علي الفاسق بعد طروء الفسق عليه

مسألة 723 الحجر علي الفاسق بعد طروء الفسق عليه 14477 - قال أصحابنا: إذا طرأ الفسق لم يحجر علي الفاسق. 14478 - قال المروزي: مذهب الشافعي: أنه لا يحجر عليه. 14479 - وقال ابن سريج: إنه يحجر عليه. 14480 - لنا: قوله تعالي: {والذين يرمون المحصنات}، فأوجب الحد بالقذف ولم يوجب الحجر. 14481 - ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقام الحدود ولم يحجر على محدود، وكذلك الصحابة بعده، فلو وجب الحجر بطريان الفسق لحجروا. 14482 - ولأن كل معني لا يوجب الحجر من غير حكم لا يوجب الحجر بحكم، أصله: إذا أنفق من ماله في ملاذه من غير معصية. 14483 - احتجوا: بقوله تعالى: {فإن كان الذي عليه الحق سفيهًا أو ضعيفًا}، والفاسق سفيه. 14484 - الجواب: ما بينا أالآية اقتضت جواز مداينة السفيه بالولاية المذكورة، فالآية محتملة فسقط التعلق بها. 14485 - قالوا: كل معنى لو قارن البلوغ استديم الحجر عليه، فإذا طرأ بعد زواله أعيد عليه، كالمفسد لماله.

14486 - قلنا: هذا غير مسلم، لأن الفسق لا يؤثر في الحج، كما قدمنا، وإذا ثبت أن الفسق الطارئ لا يؤثر وهو إجماع قبل هذا القول. 14487 - قلنا: كل معنى طارئ لا يوجب الحجر فأصله لا يوجبه، أصله: إذا تعلق في الملاذ المباحة، وعكسه: الجنون.

مسألة 724 أكل الوصي من مال اليتيم

مسألة 724 أكل الوصي من مال اليتيم 14488 - قال أصحابنا-: لا يجوز للوصي أن يأكل من مال اليتيم على طريق الأجر ولا القرض. 14489 - وقال الشافعي: إن كان غنيًا؛ لم يجز له، وإن كان فقيرًا، ومتى تشاغل بحفظ مال اليتيم للنظر فيه انقطع عن الكسب الذي مادته منه, كان له أن يأكل من مال بقدر أجرة مثله قولًا واحدًا، وفيها أكل على قولين, أحدهما: لا ضمان عليه, قالوا: وهو الأصح, والثاني: عليه الضمان يؤديه إليه إذا وجد, كالمضطر إلى طعام الغير. 14490 - لنا: قول تعالى: {ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم}. 14491 - وقال: {وأن تقوموا لليتامى بالقسط}. 14492 - وقال: {فإن أنستم منهم رشدًا فادفعوا إليهم}. 14493 - وقال الله تعالى: {يأيها الذين أمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم}. 14494 - ولأن من يجوز له أخذ الأجرة على مال الصبي مع الغناء لم يجز مع الفقر.

14495 - ولأنه تصرف في مال الصبي، فلا يجوز له أخذ الأجرة، كالغني. 14496 - ولأنه لما قبل الوصية بغير عوض مشروط فقد تبرع بمنافعه عليه، فلا يجوز أن يقومها عليه، كالمودع. 14497 - ولأنه يتصرف في مال بأمر، كالوكيل. 14498 - فإن قيل: المعني في المودع: أنه يمكن موافقة المالك على الأجرة، والوصي يلي في مال من لا يمكنه موافقته على الأجرة. 14499 - ولأنه يقدر أن يرفع أمره إلى الإمام حتى يفرض له أجرة أو يستبدل به. 14500 - احتجوا: بقوله تعالى: {ومن كان غنيًا فليستعفف ومن كان فقيرًا فليأكل بالمعروف}. 14501 - قلنا: روي عن الضحاك: أنها منسوخة، وهي إحدى الروايتين عن ابن عباس - رضي الله عنه -، وقد روي عن ابن عباس: (أنه يأكل منه، ولا يكتسي). فهذه الآية محتملة للوجوه، والآيات التي ذكرناها محكمة، وقد أمر الله بحمل المتشابه على المحكم ورده إليه. 14502 - قالوا: روى (أن أبا بكر - رضي الله عنه - لما استخلف جمع المهاجرين والأنصار وقال: إن خليفة رسول - صلى الله عليه وسلم - ناظر في أموركم، وقائم بأحوالكم، وأنه من المسلمين بمنزلة ولي اليتيم فافرضوا له)، فهذا يدل على أن ولي اليتيم يفرض له، وكذا نقول، والخلاف أنه هل يجوز أن يأكل من غير فرض.

14503 - قالوا: يلي في مال من لا يمكنه موافقته على الأجرة، فكان له منه قدر أجرته، كالعامل في الصدقات. 14504 - قلنا: العامل لما لم يمنع من أخذ الأجرة مع الغني لم يمنع مع الفقر، ولما كان الوصي لا يجوز له أخذ الأجرة [مع الغني كذلك مع الفقر، والأصول له على هذا: أن من جاز له أخذ الأجر] إذا كان فقيرًا جاز له [إذا كان غنيًا، [ومن لا يجوز له مع الغني]، كذلك لا يجوز له مع الفقير. 14505 - فإن قيل: إذا جاز أن يعمل في ماله مضاربة ويستحق حقه من الربح، جاز أن يستحق الأجر. 14506 - قلنا: إذا عمل مضاربة بقدر ما يستحقه من الربح لم يملكه الصبي، وإنما يحدث على ملك المضارب. 14507 - ولهذا قالوا: إن المريض لو دفع مالًا مضاربة وشرط للمضارب تسعة أعشار الربح جاز، وإن كان ذلك أكثر من أجرة المثل، ولو كان مقدار نصيب المضارب مستحقًا من مال رب المال لم يجز إلا أجر المثل. 14508 - ولأن المضارب لما جاز له عمل المضاربة استوى فيه الوصي، والغني، والفقير، على مقتضى الأصول. 14509 - فإن قيل: قد روي بشر بن الوليد، عن أبي يوسف: (أن الوصي

لا يأكل من مال اليتيم إذا كان مقيمًا، وإن خرج في قضاء دين لهم أو إلى ضياع لهم، فله أن يكتسي وينفق ويركب، فإذا رجع رد الثياب والدابة إلى اليتيم). 14510 - وذكر الطحاوي: أن مذهب أبي حنيفة: أنه إذا احتاج أخذ قرضًا ثم يقضيه. 14511 - قلنا: هذا مذهب أبي يوسف خاصة أجراه مجرى المضارب، والذي نعرفه من مذاهب أصحابنا: أنه لا يجوز أن يأخذ قرضًا ولا غير قرض، ولا يقرضه غيره. وقد روى إسماعيل بن سالم، عن محمد بن الحسين، قال: (أما نحن فلا نحب للوصي أن يأكل من مال اليتيم شيئًا: قرضًا ولا غير قرض). وذكر في كتاب الآثار عن ابن مسعود، قال: (لا يأكل الوصي من مال اليتيم قرضًا ولا غيره)، قال محمد: وهو قول أبي حنيفة.

كتاب الصلح

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب الصلح

مسألة 725 الصلح مع الإقرار، والسكوت، والإنكار

مسألة 725 الصلح مع الإقرار، والسكوت، والإنكار 14512 - قال أصحابنا: لا يجوز الصلح مع الإقرار، والإنكار، والسكوت. 14513 - وقال الشافعي: إذا ادعى عينًا أو دينًا؛ لم يصح الصلح، إلا أن يقربها المدعي عليه، فإن جاء أجنبي إلى المدعى فقال: المال الذي ادعيته على فلان هو مقر لك في الباطن، فصالحني منه، فصالحه صح الصلح، أذن له المدعى عليه أو لم يأذن. ولو قال: أنا أعلم أنك صادق وأنه ظالم في جحود الدين فصالحني، صح الصلح. وإن قال: العين التي ادعيتها أنت صادق في دعواها وأنا أقدر على انتزاعها فصالحني ففعل، صح الصلح، فإن لم يقدر على انتزاعها، انفسخ الصلح. 14514 - وقال في الإملاء: إذا بنى رجل مسجدًا فادعى مدع أنه له فجحد الباني، فقال قوم من أهل المسجد: نحن نعلم أن الأرض لك وقد بناها مسجدًا فصالحنا منها فصالحهم جاز.

14515 - لنا: قوله تعالى: {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحًا والصلح خير}، فذكر الله تعالى خوف النشوز بين الزوجين وجوز الصلح، قد يكون عرض النشوز والإعراض بسبب دعوى تدعيها عليه، ويكون لغير ذلك، وقد جوز الله تعالى الصلح عامًا، ولم يفصل. 14516 - فإن قيل هذه الآية نزلت في رافع بن خديج وزوجته خولة بنت محمد بن مسلمة الأنصاري، وكان رافع قد تزوج عليها أشب منها، فخافت امرأته منه الإقامة على النشوز والإعراض، فنزلت هذه الآية. 14517 - قلنا: قد روي أنها نزلت في شأن سودة، وهبت يومها لعائشة. وروى [عروة، عن عائشة]: (أنها نزلت في المرأة تكون عند الرجل فيريد طلاقها ويتزوج عليها، فتقول: امسكني ولا تطلقني ثم تزوج وأنت في حل من النفقة والقسم لي). وروي عن على، وابن عباس رضي الله عنهما: (أن الله/ تعالى أجاز لهما أن يصطلحا على 166/ب رد بعض مهراها، أو بعض أيامها تجعلها لغيرها). 14518 - وقال عثمان - رضي الله عنه -: (ما اصطلحا عليه في شيء، فهو جائز).

14519 - وإذا اختلف في تأويلها وجب الرجوع إلى عموم اللفظ وإن نزل على سبب خاص. 14520 - ويدل عليه: قوله تعالى: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس}، ولم يفصل. وروي: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل المسجد فرأى اثنين يتنازعان على ثوب، وقد ارتفعت أصواتها، فقال للمدعي: (هل لك إلى الشطر) قال: (لا)، قال: (هل لك إلى الثلثين)؟ قال: (نعم). وهذا يدل على جواز الصلح على الإنكار. 14521 - فإن قيل: يجوز أن يكون الثوب في أيديهما. 14522 - قلنا: لو كان كذلك لم يتعين المدعى منهما؛ ويدل عليه: ما روى أبو هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (المسلمون على شروطهم، والصلح جائز بين المسلمين). 14523 - وروى أبو رافع عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الصلح بين المسلمين جائز). 14524 - فإن قيل: هذا بعض الخبر، وتمامه: (إلا صلحًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا). 14525 - قلنا: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ليس فيه استثناء، وإنما هذا رواه كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، عن أبيه، عن جده، فهما خبران راوي كل واحد

منهما غير الآخر، ولو ثبت أنه خبر واحد لم يمتنع الاستدلال، لأنه - صلى الله عليه وسلم - حكم بجوار الصلح وهذا عام، ثم استثنى صلحا بصفة خاصة، فإن لم يثبت أن الصفة موجودة فيه لم يخرج من الخبر. وقد اختلفنا في الصلح على الإنكار، هل وجدت فيه صفة الاستثناء، فلم يجز إخراجه من الخبر. 14526 - فإن قيل: الدليل على وجود الصفة فيه: أن المدعي إما أن يكون صادقًا أو كاذبًا؛ فإن كان صادقًا وقد حرم عليه العقد أخذ بقية حقه، وكان حلالًا له، فقد حرم عليه حلالًا، وإن كان كاذبًا فقد أخذ ما لخصمه، وهو حرام عليه، فأحل العقد له حرامًا. 14527 - قلنا: لا يجوز حمل الخبر على تحريم أوجبه العقد، أو تحليل أوجبه، لأنه لو كان كذلك لم يجز الصلح بعد الإقرار أيضا. ألا ترى: أنه إن صالحه على غير جنس حقه فقد أحل له الصلح ما كان حرامًا، وهو العين المعقود عليها، وإن وقع على جنس حقه فقد أحل له الصلح ما كان حرمًا، وهو العين المعقود عليها، وإن وقع على جنس الحق حرم حلالًا، وهو الباقي من حقه، فعلم أن المراد بالخبر غير ما ظنوه، وهو تحليل حرام لا يجوز استباحته بالعقد، أو تحريم حلال لا يجوز تحريمه بالعقد الأول، مثل: أن يصالحه المدعي على قطع يد المدعى عليه، أو يدعي قصاصًا في اليد فيصالحه على قطع عضو آخر، أو يصالح على خمر أو خنزير، أو يصالح المطلقة ثلاثًا على أن يتزوجها، أو يصالح المرأة على أن يزيدها في القسم، هذا كله لا يجوز استباحته بالعقد. 14528 - النوع الثاني: إذا صالحه على عبد لا يبيعه، أو دار لا يسكنها، فهنا صلح حرم حلالًا لا يجوز تحريمه بالعقد، فأما المال فيجوز تحليله وتحريمه بالعقد، فيجوز الصلح عليه. 14529 - وأما قولهم:- (إن المدعي إذا كان كاذبًا فقد أحل الصلح حرامًا) -، فههنا الصلح باطل عندنا، ويدل عليه: إجماع الصحابة.

14530 - وروى عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: (ردوا الخصوم إلى أن يصطلحوا، فإن فصل القضاء يورث الضغائن). وروي: (أن رجلين اختصما إلى على - رضي الله عنه - في بغلة، فجاء هذا بشاهدين، وجاء هذا بخمسة، فقال لأصحابه: ما تقولون، قالوا: يقضي لأكثرهما شهودًا، فقال: لعل الشاهدين خير، ثم قال: فيها قضاء وصلح، أما الصلح فأن يجعل بينهما على عدد شهودهما)، فلم يشترط الإقرار، وروي: (أن حذيفة - رضي الله عنه - أصاب ناقة في يدي رجل، فاستحقها بالبينة، فقال خصمه: ملكتها منك وأطلب يمينك، فقال حذيفة: خذ مني عشرة ولا تحلفني). 14531 - ولأنه صلح عن مال لم يحكم ببطلانه في الظاهر، فصار كالصلح عن المال المقر به. 14532 - فإن قيل: المال المقر به للعقد وجه صحيح، لأن المدعي يأخذ عوضًا عن مال محكوم به، وفي مسألتنا: لم يحكم بشيء حتى يكون ما يأخذه في مقابلته. 14533 - قلنا: المال المقر به غير محكوم به إلا بظاهر الإقرار، فجواز الصلح

أنما هو لتجويز أن يكون الأمر كما قال المقر، لا للحكم به، ألا ترى: أن عينًا لو علمناها ملكًا لزيد فرأيناها في يد غيره يبيعها، وزعم أنه وكله ببيعها، فإن عقده يجوز عليها لجواز أن يكون صادقا وإن لم يحكم بالوكالة. ولو تبرع رجل فصدق المشتري فصالحه جاز الصلح وإن لم يثبت بتصديقه المال على المدعي عليه، بل جاز الصلح لتجويز أن يكون كما قال. 14534 - ولأنها دعوى دين لم يحكم ببطلانه في الظاهر؛ فوجب أن يجوز الصلح عنه. أصله: إذا شهد شاهد واحد وحلف المدعي مع شاهده ثم صالح. 14535 - فإن قيل: إذا اعترف العاقد بالدين فقد ثبت في حقه. بدلالة: أنه لو ورث المدعى عليه طولب بالدين، ولو كانت الدعوى في عين يملكها وجب تسليمها. 14536 - قلنا: المصالح إنما يأخذ عوضًا عما ادعى في ذمة خصمه، وسقط بصلحه ما ادعاه حتى لو اعترف عليه لم يلزمه بعد الصلح شيء، ولم يثبت بتصديق الأجنبي حق في ذمة المدعي عليه حتى يؤخذ عنه العوض، ومع هذا جاز الصلح، فعلم أن العلة في صحته لما لم يحكم ببطلانه. 14537 - ولأن كل صلح جاز مع إنكاره؛ أصله: إذا صالح الأجنبي وإذا حكم بصحة المال. 14538 - ولا يمكن القول بموجب العلة، وإذا حكم عليه بشاهد ويمين، لأن هذا أصل العلة. 14539 - ولأنه أحد جوابي الدعوى؛ فجاز الصلح مع وجوده من المصالح، كالإقرار. 14540 - ولأن المقصود بالصلح إسقاط الحق، والتمليك تابع، بدلالة: أن من أراد إيفاء ما عليه لم يصالح، وإنما يصالح ويحط عنه، والإنكار لا يمنع إسقاط الحقوق،

كالبراءة، والعتاق، والطلاق. يبين ذلك: أن من أبرأ من حق مجحود ثم اعترف به من هو عليه، سقطت المطالبة به. 14541 - قالوا: المقصود بالصلح المعارضة. 14542 - قلنا: لو كان كذلك لكان بيعًا، فلما سمي باسم آخر دل على اختصاصه بمعنى ليس هو المعاوضة، فهو جائز عندنا، ولم يجز أن يصالح من المائة على خمسين وإن كان معاوضة، كما لم يجز أن يعاوض بذلك، فلما صح علم أن المقصود به: الإسقاط، والمعاوضة تابعة. 14543 - قالوا: لو كان إسقاط حق لصح لصاحب الحق وحده، كالبراءة، والطلاق. 14544 - قلنا: في مضمونه تمليك بعوض، وإن كان المقصود منه الإسقاط. 14545 - قالوا: البراءة تصح من المدعي وحده؛ ففي زعمه أن حقه ثابت، وكذلك العتاق والطلاق يصح بقول المدعي وحده، وفي زعمه أن ملكه ثابت. وفي مسألتنا: يصح الصلح بهما، وفي زعم الباذل أنه لا شيء عليه يصح بدل العوض عنه. 14546 - قلنا: يبطل هذا إذا أقر الرجل على غيره بالعتق ثم اشترى ذلك العبد منه ففي زعم المشتري أنه لا ملك للبائع يصح بدل العوض عنه، ومع ذلك يصح العقد. 14547 - فإن قالوا: المشتري يفتدي الحر من ظلم البائع. 14548 - قلنا: والمدعى عليه يسقط عن نفسه الخصومة واليمين.

14549 - ولأن الصلح مع إنكار عقده أجنبي جاز، فإذا عقده بنفسه جاز، كالبيع من الإنكار تبع الإقرار. 14550 - ولأن الأجنبي لو عقد الصلح بغير أمره جاز، فإذا عقده بأمره كان أولى بالجواز، كالكفالة. وإذا ثبت أنه يجوز أن يعقده بأمره] ثبت أنه لا يجوز للآمر أن يعقده؛ لأن أحدًا لا يفصل بينهما. 14551 - ولأن العقود اختلفت أسماؤها لاختلاف معانيها، بدلالة الكفالة والحوالة، كل واحد منها عقد ضمان، إلا أن اسمهما يختلف لاختلاف معناهما. وكذلك النكاح، والإجارة، وإن كان كل واحد منهما عقدًا على المنافع، فلما فرقوا بين الصلح والبيع دل على اختصاص الصلح بمعني يخالف البيع، وما ذاك إلا جوازه مع الإنكار. 14552 - ولأن معنى الصلح: أنه وضع لقطع الدعوى والمنازعة، وذلك يوجد مع الإنكار، فأما مع الإقرار فصاحب الحق يبرئ أو يستوفي، فلا توجد حقيقة الصلح، لهذين الوجهين. 14553 - قال أبو حنيفة: أجوز ما يكون الصلح عن الإنكار. 14554 - ولأن الإقرار سبب لثبوت الحق؛ فلا يعتبر وجوده في صحة الصلح، كالبينة. 14555 - ولأن اليمين تقضي إلى مال، فجاز الصلح عنه بمال كدم العمد.

14556 - احتجوا: بقوله تعالى: {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم}. 14557 - والجواب: أن الله تعالى أجاز أكل المال بالتراضي على وجه التجارة، والمرجع في التجارة إلى العادة، ومن عادة التجار أن يتنازعوا في المعاملات، ثم يصطلحوا، فيجوز ذلك يظاهر الآية. 14558 - احتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم - (إلا صلحًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا)، وقد جعلنا هذا الخبر دلالة لنا. 14559 - قالوا: المدعي عاوض على ما لم يثبت له، فوجب أن يكون له، وهذا المعنى يقتضي أن يملك بعوضه في الظاهر، كمن باع شيئًا في يده ملك في الظاهر 167/أعوضه، لأنه يجوز أن يملكه/. 14560 - فإن قيل: هناك يقتضي الشرع أن المرجع في ملكه إلى قوله، فقد ثبت له. 14561 - قلنا: الأمر كذلك إلا أن هذا لا يوجب ثبوته، فلزم على الوصف. 14562 - ويبطل بالأجنبي إذا اعترف بدين ثم صالح المدعى فإنه جائز، ولم يثبت الدين له، بدلالة: إنه إنما صالح عليه لو استحق رجع بالدعوى لا بالدين. 14563 - ولأن حق الدعي وإن لم يثبت فقد وجب بالدعوى حقٌ على خصمه، فجاز أن يسقط عن نفسه ذلك الحق بعوض إذا كان المدعي يجوز أخذ العوض عنه. 14564 - والمعنى فيمن باع ملك غيره: أن المشتري لم يستحق بهذا العقد شيئًا، ولا يملك عليه عوضًا، وفي مسألتنا: استحق بهذا العقد قطعُ الخصومة، فجاز أن يستحق عوضًا عليه. 14565 - ولأن هناك عقد على مالا يملك وههنا عقد على ما يجوز أن يكون ملكه، فاستحق عوضه؛ ألا ترى: أن العقود على الصحة مع التجويز ولا تصح إذا لم

يكن لها وجه في الجواز. 14566 - قالوا: صلح عن جحود أو صلح عن دعوى مجردة؛ فوجب أن لا يصح. أصله: إذا ادعى عليه أنه قذفه. 14567 - قلنا: المعنى فيه: أنه لو كان عن إقرار لم يصح الصلح، كذلك عن إنكار. وفي مسألتنا: يجوز الصلح عن المدعي مع وجود الإقرار، فجاز مع إنكار المدعى عليه، كصلح الأجنبي. 14568 - قالوا: عاوض على ما لا يجوز أخذ العوض عنه ولا يصح له أو لا تملك العوض، أصله: إذا باع خمرًا، أو خنزيرًا، أو دمًا، أو ميتة، أو حد القذف، أو حق الشفعة، أو خيار الشرط. 14569 - قلنا: الوصف غير مسلم، فإن المدعي أخذ العوض عن المال الذي ادعاه، والمدعى عليه بذل العوض لإسقاط الخصومة في حق المعاوضة عليه، وكل واحد من الأمرين يصح أخذ العوض عنه عندنا، فصار وصفهم مسألة الخلاف. 14570 - فأما الخمر والخنزير فلا وجه لصحة العقد عليهما، فلم يصح، والصلح له وجه في الصحة، وهو: أن المدعي يجوز أن يكون صادقًا في دعواه. 14571 - وأما حد القذف، وخيار الشرط، والشفعة: فحقوق ليس فيها معنى المال، فلا يجوز أخذ المال عنها، واليمين حق يفضي إلى مال، فجاز الصلح عنه. 14572 - قالوا: مال أخذه على سبيل المعاوضة؛ فوجب أن لا يلزم مع الإنكار. أصله: إذا ادعى رجل على رجل دارًا فأنكره فجاء أجنبي إلى المدعي فصدقه، وقال: صالحني منها على كذا، أو بعينها بكذا، فإن الصلح صحيح لكنه غير لازم، لأنه إذا لم يقدر على الدار رجع عليه. 14573 - قلنا: إذا عقد الصلح على أن يسلم الدار للعاقد فلم يسلم له، لم يستحق عليه عوضها، وفي مسألتنا: الحق مسلم في يد الخصم أو ذمته، فقد سلم له ما

عقد عليه, فلذلك استحق عوضه عليه. 14574_ قالوا: أخذ عوض الصلح واجب أن لا يصح حتى يكون محكومًا بملكه لباذله, كالمال المصالح به. 14575_ قلنا: لا فرق بين البدلين عندنا, لأنه لو ادعى كل واحد منهما على صاحبه حقا فتصالحا على أن أسقط كل واحد دعواه جاز الصلح وتساوى حكم عوضه. فأما إذا صالح على مال يأخذه فمتى لم يكن محكومًا به لم يسلم لخصمه شيء فلا يصح الصلح, والمدعي (معارض) ذمة المدعى عليه, وإنما يستفيد بالعلم سقوط المنازعة فيه, وهذا معنى قد سلم له, فلذلك صح العقد فيه وإن لم يحكم به للمدعي. 14576 - قالوا: لا وجه لاستحقاق المال المبذول, فإنه لا يخلو من أن يكون عوض المال المدعي, أو لترك الدعوى والخصومة, أو لافتداء اليمين, فلا يجوز أن يكون عوضا عن المال المدعي, لأنه لم يثبت له ولم يملكه فلم يجز أن يملكه ما في مقابلته, ولا يجوز أن يكون في مقابلة ترك الدعوى والخصومة, لأن ذلك يقتضي صحة الصلح من دعوى القذف ودعوى النكاح ولا يجوز عندكم فيهما, ولا يجوز أن يكون في مقابلة ترك اليمين, [لأن الصلح يمنع الرجوع عن دعوى المال وإقامة البينة عليه, وسقوط حقه في اليمين لا يمنع من سماع البينة على المال المدعي, فدل هذا على أنه ليس في مقابلة ترك اليمين] , فلم يبق إلا بطلان الصلح. 14577 - وربما قالوا: لو كان عوضًا عن إسقاط اليمين لم تجب الشفعة في عوضها, فلما وجبت الشفعة في الدار المصالح بها دل على أنها عوض عن الحق. 14578 - الجواب: أن المال المبذول في حق المدعي في مقابلة حقه الذي زعم أنه له وفي حق خصمه لإسقاط الخصومة وافتداء اليمين, فالعقد حكم من كل واحد من جنبته بخلاف الجنبة الأخرى, ومخالفنا يعتبر حكمه بكل واحد من الأمرين على الانفراد, وهذا لا يصح. يبين ذلك: أن الشاهد على غيره في عتق عبد إذا ردت

شهادته ثم ابتاع العبد جاز العقد واستحق البائع البدل, وحكم هذا العقد في حق البائع المعاوضة, وما يأخذه عوض عن عبده, وفي حق المشتري حكمه مخالف لذلك, فلو اعتبرنا حكم البيع من الطرفين لم يصح العقد مع اعتراف المشتري بفساده, ولو اعتبرنا حكم المفاداة لم يصح أن يأخذ البائع عوضا عن الحر, فاعتبر في حق كل واحد منهما ما صح معه العقد, كذلك في مسألتنا. 14579 - فأما قولهم: كيف يأخذ العوض عما لم يحكم بملكه له, قلنا: هذه مسألة الخلاف فكيف يجعل دليلًا؟. 14580 - ولأنه قد ادعى الملك ويجوز أن يكون الأمر كما قاله, فيصح أن يأخذ العوض في ظاهر الحكم, كمن في يده عبد لا يعلم أنه ملكه إذا باعه, فقولهم: لا يجوز أن يكون عوضًا عن إسقاط الخصومة واليمين؛ لأنه لو كان كذلك لصح الصلح في حد القذف, فهناك عندنا لا تجب اليمين والحق لله تعالى, فلا يسقط بعوض, والخصومة إنما يتعوض عنها إذا كانت فيما يصح أخذ العوض عنها, فأما دعوى النكاح فيجوز الصلح عنها, وإن كان الزوج أخذ المال كان خلعًا في حقه, وإن أخذته المرأة كان ذلك زيادة في المهر. 14581 - فأما قولهم: (لو كان لإسقاط اليمين لقبلت البينة بعده, كما لو استوفى اليمين ثم أقام البينة) فغلط؛ لأن المدعي لم يتعوض عن اليمين, وإنما تعوض عن المال المدعى, وكيف يصح أن يطالب به, بعد ذلك ويستوفيه؟ وإنما الشبهة على مخالفنا: أنه يعتبر الحكم في إحدى جنبتي العقد مما يقتضيه الحكم في الأخرى مع اختلافهما. 14582 - قالوا: ما كان معاوضة في إحدى جنبتي العقد كان معاوضة في الجنبة الأخرى.

14583 - قلنا: يبطل بمسألة دعوى العتق, فإن العقد بيع في حق البائع, وليس يبيع عند المشتري. 14584 - قالوا: العقد مبني على قول من جعل القول قوله في الشريعة, بدلالة: أن المودع إذا ادعى هلاك الوديعة ثم صالح لم يصح الصلح, وبقي العقد على قول المودع الذي جعلت الشريعة القول قوله, وقد جعلت الشريعة القول قول المدعى عليه, فيجب أن يبني العقد على قوله, ولا يصح أخذ العوض عنه, ولهذا قلنا في مسألة العتق:- إذا اشترى العبد يدعي العتق- إن الشراء جائز, لأن الشريعة جعلت القول قول المدعى عليه, ولم تجعل القول للأجنبي, [ثم بني العقد على قول الأجنبي] وصح الصلح، فدل على أن العقد يبني على قول من يدعي صحة العقد دون من يدعي فساده. 14585 - وأما مسألة المودع: فهي خلاف بين أبي يوسف ومحمد, وقد قال محمد: إن الصلح بعد دعوى هلاك الوديعة صحيح، وليس لأبي حنيفة قول، فلم نسلم لهم، فأما على قول أبي يوسف: فلأن المودع أمين قائم مقام صاحب الوديعة، فقوله كقول صاحب الوديعة. 14586 - فإذا قال: هلكت، فكأن صاحب الحق اعترف بهلاكها، ولو اتفقا على الهلاك لم يصح الصلح. 14587 - فإن قيل: إذا ادعى غاصب العبد أنه هلك أو أبق، ثم صالح مالكه على مكيل في الذمة لم يصح، ولو بنى العقد على قول المالك لم يتضمن صحة العقد [ولوجب أن يصح الصلح. 14588 - قلنا: يجوز، وإن بنينا العقد على قول المالك، لم يتضمن صحة العقد]؛ لأن العبد ليس بقائم في يد الغاصب، فلابد من أن يكون في الذمة، والصلح عما في الذمة على طعام في الذمة لا يصح.

مسألة 726 نقض ما شرع من أجنحة في طرق المسلمين

مسألة 726 نقض ما شرع من أجنحة في طرق المسلمين 14589 - قال أبو حنيفة: إذا أشرع جناحًا إلى طريق المسلمين فلكل واحد منعه من إحداثه، وإن أحدثه فلهم المطالبة بنقضه. 14590 - وقال الشافعي: إذا كان لا يضر بالطريق، بأن كان عاليًا تجتاز تحته الجمال بأجمالها ولا يتعلق به، لم يكن لأحد قلعه. 14591 - ومنهم من قال في الطريق الذي لا ينفذ: مثل ذلك: إذا كان لمن أحدث الروشن الاستطراق فيه، فإن أخرج روشنًا من ظهر داره في درب لا طريق فيه، لم يجز. 14592 - ومنهم من فرق بين الدرب الذي لا ينفذ له وبين الشارع، فقال: لا يجوز في الدرب، ويجوز في الشارع. 14593 - لنا: ما روي (أن عمر بن الخطاب مر بدار العباس، فرأى ميزابًا يقطر منه الماء فقلعه فخرج إليه العباس، وقال: قلعت ميزابًا نصبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: والله لارددته إلا على عنقي، فصعد العباس على ظهر عمر حتى رده).

14594 - وجه الدليل: أن عمر قلعه، فلو كان حقًا على صاحب الدار لم يرده فلما أخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نصبه رده، لأن الإمام له أن بإذن في ذلك، ويقوم 167/ب إذنه مقام/ إذن جميع الناس. 14595 - ولأن من يثبت له حق المنع من البناء في الطريق يثبت له المنع من البناء في هوائه؛ أصله: إذا أشرع في درب لا ينفذ، فإن سووا بينهما جعلنا أصل العلة من أشرع من ظهر داره في درب لا طريق له فيه. 14596 - ولأنه بناء في هواء أرض مشتركة، فصار كالبناء في هواء دار مشتركة. 14597 - ولا يلزم: إذا أذنوا؛ لأنه يستوي فيه الأصل والفرع. 14598 - ولأنه بنى فيما لا ينفرد بملكه بغير إذن آدمي، فكان كمن له فيه حق منفعة، كما لو بنى في دار مشتركة، أصله: إذا كان البناء يضره. 14599 - احتجوا: بإجماع أهل الأعصار في ترك الأجنحة من لدن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا، وإن كان يسوغ المنع لما اتفق على تركها. 14600 - قلنا: عندنا يجوز إخراجها ويحل الانتفاع بها حتى يمنع مانع منها، ولم ينقل أن أحدًا من المسلمين اعترض على ذلك فمنع من الاعتراض. فلم يكن في مجرد الفصل حجة. وهذا كبناء الدكاكين في الأفنية، والناس يغطونها في سائر الأعصار وإن كان للحاكم أن ينقضها بإجماع، وكذلك الأجنحة التي ليست مرتفعة لا ينكرونها وإن لم تجز بإجماع.

14601 - قالوا: الهواء تابع لقراره؛ لأن من ملك القرار ملك الهواء، ثم يثبت له أن ينتفع بالقرار على وجه لا يضر بالمارة والمجتازين؛ فوجب أن ينتفع بالهواء على وجه لا يضرهم، هذه علة من سوى بين الطريق النافذ وغير النافذ. 14602 - قلنا: يبطل بالمساجد، فلكل واحد من المسلمين الانتفاع بقرارها على وجه لا يضر أحدًا بها. 14603 - ولأنه ينتفع بتراب الطريق على وجه لا ينفرد به ولا يقطعه عن غيره، ولو أراد أن يقتطعه لم يجز وإن لم يضر، كما لو بني في الطريق الواسع، كذلك ليس له أن يقطع الهواء عن غيره فينفرد به وإن كان ذلك لا يضر. 14604 - قالوا: ارتفق بما لا يتعين ملك أحد عليه من غير إضرار؛ فوجب أن لا يمنع منه. أصله: الاجتياز في الطريق والجلوس فيه والاحتساب، وهذه علة من فرق بين الشارع والدرب الذي لا ينفذ، وهي فاسدة أيضًا؛ لأنها تبطل إذا بني في الطريق الواسع مالا يضر، أو بني في هواء المساجد. 14605 - فإن قيل: قد يعتبر أن المساجد حق الله تعالى. 14606 - قلنا: المساجد حق لجماعة المسلمين، وحق الله تعالى يتعلق بها، كالشوارع. وأصلهم: الاجتياز في الطريق، وقد ثبت الفرق بينهما. 14607 - ولأن ما يثبت فيه حق الغير لا يجوز أن يقتطع عن حقه، سواء كان (غير معين أو) معينًا، كمال بيت المال، فلما ثبت أن الحق إذا ثبت في الطريق لمعين لم يجز أن يقتطع، وهو الطريق الذي لا ينفذ، كذلك ما يثبت لغير معين.

14608 - قالوا: أخرج جناحًا، يجوز له إخراجه، فلا يجوز قلعه بغير إذنه، [كما لو أخرج] روشنًا إلى ملك نفسه. 14609 - قلنا: إنما يجوز الإخراج عندنا إذا صح عدم المانع، ولو لم يقصد لم يجز له، فإذا طولب في الثاني فقد زالت علة الجواز، فصار كما لو كان المنع ابتداء. 14610 - ولأنه إذا أشرع في ملك نفسه لم يقتطع حقًا لغيره، فلم يعترض عليه، وفي مسألتنا: قد اقتطع حقا لغيره، فجاز أن يمنع منه.

مسألة 727 التنازع في ملكية الحائط بين دارين

مسألة 727 التنازع في ملكية الحائط بين دارين 14611 - قال أصحابنا: إذا كان الحائط بين دارين ولأحدهما عليه جذوع وليس للآخر اتصال ولا جذوع، فتنازعاه، فصاحب الجذوع أولى، وإن كان لأحدهما جذع واحد وليس للآخر الجذوع. ذكر الطحاوي في مختصره أنه إذا كان لأحدهما عليه حمولة خشب فهو أولى به، وهذا يدل على أن صاحب الجذع الواحد أولى به. وقال في كتاب الصلح: إذا كان لأحدهما جذوع كثيرة ولآخر جذع واحد، فلكل واحد منهما ما في يده، فجعل الجذع الواحد يدًا، وهنا يقتضى أن صاحب الجذع الواحد أولى. 14612 - وقال الشافعي: الحائط بينهما ولم يرجح بالجذوع، وقال: إن كان لأحدهما اتصال أو عليه أزج؛ فصاحب الاتصال والأزج أولى. 14613 - واتفق أصحابه: أن راكب البعير أولى من المتعلق بخطامه، إلا المروزي فإنه قال: إنهما سواء. 14614 - لنا: أنهما لو تنازعا حائطًا ولأحدهما عليه ما يبني له الحائط،

فوجب أن يكون أولى ممن له مجرد الاستظلال، كما لو كان لأحدهما عليه أزج. 14615 - ولا يلزم: [إذا كان لأحدهما اتصال توسع، لأن له معنى زائدًا على الاستظلال. 14616 - ولا يلزم:] الجذع الواحد؛ لأن صاحبه أولى. 14617 - ولا يلزم: الهوادي؛ لأن الحائط لا يبني لأجلها. 14618 - ولا يقال: إن الأزج لا يكمن إحداثه إلا بعد كمال البناء، لأن الأزج يحدث بعد تمام البناء قبل حد التعويج، كما أن الجذوع توضع بعد إكمال البناء إلى حد الوضع، ثم توضع الجذوع ويتمم البناء فوقها. 14619 - ولأنه حمل مقصود على ما يتنازعانه؛ فكان صاحب الحمل أولي ممن لا ترجيح معه، كمن نازع في جمل لصاحبه عليه حمل 14620 - ولا يلزم: إذا كان الآخر راكبه، أو كان لأحدهما اتصال، لأن له ترجيحا. 14621 - احتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه). 14622 - قالوا: وكل واحد منهما مدعى عليه.

14623 - الجواب: أن المدعى عليه من شهد له الظاهر، وصاحب الجذوع شهد له الظاهر، فهو المدعى عليه، والآخر لا ظاهر له فهو المدعي. 14624 - ولأن مخالفنا سلم لنا أن صاحب الجذوع مدعى عليه، فاقتضى الخبر أن القول قوله، ثم زعم أن الآخر مثله، ونحن لا نسلم هذا. 14625 - قالوا: معنى حادث في الحائط يعد بنائه؛ فوجب أن لا تقوم به دعوى أحدهما قياسًا على التجصيص والتزويق على الجذع الواحد. 14626 - قلنا: الترجيح أبدًا يقع في الأملاك بمعنى حادث؛ ألا ترى: أنا نرجح في الدار بالسكنى وفي مدعي الدابة بالحمل، وكل هذه المعاني حادثة. 14627 - وقال الشافعي: بالأبرج وبالأزج، وهو حادث بعد البناء، [لأنه يبني الحائط أولًا إلى حد التعويج ثم يحدث التعويج عليه، كما يبني الحائط ثم يوضع الخشب، ثم يتمم البناء] بعد وضع الخشب. 14628 - ولأن التجصيص والتزويق معني لا يبني الحائط لأجله فلم يقع به الترجيح. والخشب معني يبني الحيطان لأجله في الغالب، فالظاهر أن صاحب الخشب هو الذي بناه فلذلك رجح به. 14629 - قالوا: لو كان له ساباط على حائط بينه وبين الطريق وادعى أنه له، كان صاحب الدار أولى به، وإن كان له حمل يبني له الحيطان.

14630 – قلنا: هذا غير مسلم، ويجب أن يكون الحائط لصاحب الساباط، وقد قال في الأصل: إن صاحب الجذوع أولى من صاحب الاتصال، وهذا هو الحائط بملكه. 14631 - قالوا: كل مالا يكون القليل منه يدًا، لا يكون الكثير منه يدًا، كالتزويق. 14632 - قلنا: إن أردت الجذع الواحد فهو غير مسلم على ما بينا، وإن أردت الهوادي فليست محمولة على الحائط، ولا هي من عمل الحائط في العادة، وعندنا أن الحمل على الحائط يد، وقليل ذلك وكثيره سواء، فأما القليل الذي ليس بحمل فلا يلزمنا. 14633 - قالوا: الحائط قبل وضع الجذوع كان بينهما، وإذا وضع الجذوع جاز أن يكون وضعها لحق، وجاز أن يكون ظلمًا وتعديًا، وجاز أن يكون القاضي قضى عليه بوضع جذوع جاره عليه، لأن من الناس من يقول: (إن الجار يجبر على تمكين جاره من وضع الخشب) فإذا كان كذلك لم يقع به ترجيح حتى يعلم على أي وجه وضعت. 14634 - قلنا: الراكب أولى من غيره، والركوب معني حادث يجوز أن يكون بحق، ويجوز أن يكون بغير حق، ويجوز أن يكون بغصب وتعد، ويجوز أن يكون اضطر إلى الركوب، ومع ذلك لا يمنع أن يقع فيه الترجيح، كذلك وضع الخشب. يبين ذلك أن: الحائط إلى حد التعويج لو تنازعاه كان بينهما، ثم يحدث الأزج فيجوز أن يكون حدث بحق، ويجوز أن يكون حدث باطلًا وغصبًا، ثم وقع الترجيح بيد باتفاق، كذلك ههنا.

مسألة 728 وضع خشبة على حائط الجار دون إذنه

مسألة 728 وضع خشبة على حائط الجار دون إذنه 14635 - قال أصحابنا: ليس للرجل وضع خشبة على حائط جاره إلا بإذنه. 14636 - وقال الشافعي في قوله القديم: له ذلك بغير إذنه 14647 - قال أصحابه: يعتبر فيه شرطان، أحدهما: أن يكون خشبًا خفيفًا لا يضر بالحائط ضررًا بينًا، والثاني: أن لا يصح في ملكه حائطان يضع عليهما، مثل أن تكون أرضه مداخلة لدار جاره، فلأنه حيطان منها للجار. 14638 - لنا: حديث ابن عباس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبته في حجة الوداع: (ألا وإن المسلم أخو المسلم لا يحل دمه ولا شيء من ماله إلا بطيب نفس منه). 14639 - ولأنه يبني لنفسه على حائط لا حق له فيه؛ فوجب أن لا يجوز إلا بإذن مالكه؛ أصله: إذا قدر على أن يضع الخشب على حيطانه. 14640 - ولا يلزم: صاحب العلو؛ لأن له حقا في حائط صاحب السفل،

بدلالة: أن له أن يمنعه من فتح باب فيه. 14641 - ولأنه ملك لجاره؛ فلا يجوز أن يشغله بخشبة [بغير رضاه، أصله: إذا كان الخشب يضر به]. 14642 - ولأن من لا يجوز له وضع الخشب على حائط غيره إذا / أضر به، لم يجز وإن لم يضر به، أصله: إذا كان له حائط آخر. 14643 - ولأنه لا يجوز أن يبني إذا وجد حائطًا غيره؛ فلا يجوز وإن لم يجد، كالجار المحاذي إذا كان بينهما الطريق. 14644 - احتجوا: بما روى أبو هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من منع فضل الماء ليمنع به الكلأ منعه الله فضل رحمته يوم القيامة). 14645 - قلنا: الماء غير مملوك لصاحب الري، بل حق جميع الناس فيه، والكلأ لا يمنعه صاحب الأرض، فيمنع الناس حقهم من الماء خوفًا على ما لا يملكه من الكلأ؛ وفي مسألتنا: يمنعهم من الحائط الذي في ملكه، وليس أحدهما من الآخر في شيء. 14646 - قالوا: روى مالك، عن الزهري، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يمنع أحدكم جاره أن يضع خشبة في جداره، فنكس القوم رؤوسهم، فقال أبو هريرة: مالي أراكم عنها معرضين، والله لأرمينها بين أكتافكم).

614647 - الجواب: أن معناه لا يمنعه من وضع خشبة على حائط نفسه، وتكون فائدته أن الجار لا يعارض جاره في ملكه وإن كان يعلو عليه، وهذا أولى؛ لأنا رددنا الكناية إلى أقرب المذكورين. 14648 - ولأن هذا يحتمل أن يكون في بدء الإسلام، فنسخ بقوله عليه [الصلاة و] السلام: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه). 14649 - ولأنه خبر واحدٍ ورد مخالفًا للأصول؛ فلا يجوز قبوله على ظاهره.

مسألة 729 اختلاف صاحبي العلو والسفل في السقف

مسألة 729 اختلاف صاحبي العلو والسفل في السقف 14650 - قال أصحابنا: إذا اختلف صاحب العلو وصاحب السفل في السقف، فهو لصاحب السفل. 14651 - وقال الشافعي: هو بينهما. 14652 - لنا: حديث ابن عباس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لو أعطي الناس بدعواهم، لادعى قوم دماء قوم وأموالهم، لكن البينة على المدعي، واليمين على من أنكر)، فأسقط باليمين الدعوي؛ ومعلوم أن صاحب السفل يجب عليه اليمين، فوجب أن يدفع بها صاحب العلو، وهذا يمنع أن يستحق شيًا. 14653 - ولأنهما تنازعا محمولًا على ملك أحدهما؛ فوجب أن يكون أولى به إذا لم يكن مع الآخر ترجيح، كما لو اختلفنا في متاع محمول على بعير أحدهما. 14654 - ولا يلزم: إذا كان الآخر راكبًا فوق المتاع؛ لأن معه ترجيحًا. 14655 - ولا يلزم: بناء العلو؛ لأن صاحب السفل سلم بناء العلو لصاحب العلو. 14656 - فإن قيل: إذا اختلفا في المتاع المحمول، فليس للآخر يد ولا تصرف، فكان صاحب البهيمة أولى، وفي مسألتنا: لصاحب العلو يد على السقف وانتفاع يساوي صاحب السفل، فصار وزانه من الحمال أن يكونا راكبين فوق المتاع.

14657 - قلنا: لا نسلم أنه لا يد لأحدهما في المتاع، لأنهما إذا كانا عنده واقفين فيدهما عليه، بدلالة: أن الحمل لو لم يمكنهما تناوله، ونازعهما أجنبي كانا أولى به منه. وعلى طريقة، من يقول من أصحابنا: إن البناء لصاحب العلو يقول: تنازعا محمولًا على ما هو ملك لأحدهما باتفاق، فإذا لزم بناء العلو، قال: ذلك محمولة على السقف، وقد اختلف في كونه لأحقهما. 14658 - ولأن يد صاحب السفل أسبق إلى السقف، لأن الإنسان يبني ويسقف ثم يبني عليه علوًا، فإذا كان يده أسبق كان أولى، كالحائط المداخل لأحدهما. 14659 - ولا يلزم: صحن الدار إذا كان تحته سرداب لرجل فتنازعا في الصحن، لأنه ملك لصحاب السرداب عندنا، ولهذا قال أبو حنيفة: لا يكون لصاحب العلو نقضه لتعلق صاحب السفل بالسقف. 14660 - ولأنه سقف بيته؛ فوجب أن يكون أولى به عند التنازع، كما لو اختلقنا في السقف الثاني الذي فوق العلو أن صاحب العلو أولى. 14661 - احتجوا: بأنه حاجز بين ملكيهما غير متصل ببناء أحدهما اتصال البنيان، فوجب أن يكون في أيديهما، أصله: الحائط بين الدارين. 14662 - قلنا: جذوع السقف مداخلة لبناء صحاب السفل سابقة لبناء العلو، فهو كاتصال ببناء أحدهما. 14663 - ولأن الحائط بين الدارين ليس بمبني على ملك أحدهما، وفي مسألتنا: الجذوع محمولة على بناء أحدهما، فوزان السقف من الحائط أن يكون مبنيا في عرصة أحدهما، فصاحب العرصة أولي به وإن حجز بين ملكيهما، ووزان الحائط في مسألتنا أن يكون حيطان السقف بينهما. 14664 - قالوا: إنه متصل بملكيهما اتصالًا واحدًا، وكل واحد منهما يتصل به، لأنه ظل صاحب السفل من الشمس والمطر، وقرار صاحب العلو يجلس عليه ويضع

متاعه، فكانا سواء فيه. 14665 - قلنا: انتفاع صاحب العلو به معنى حادث بعد كونه ظلا لصحاب السفل، فكان الأولى على قول مخالفنا أن لا نرجع بذلك، كمل لم يرجع ملك الحائط بوضع الجذوع الحادثة بعد بنائه والحكم به لهما.

مسألة 730 إجبار صاحب السفل على بناء سقف بينهما قد تهدم

مسألة 730 إجبار صاحب السفل على بناء سقف بينهما قد تهدم 14666 - قال أصحابنا: إذا كان السفل لواحد والعلو لآخر فانهدما، لم يجبر صاحب السفل على البناء، فإن بني صاحب العلو كان له ذلك، ويمنع صاحب السفل من الانتفاع حتى يرد عليه النفقة في إحدى الروايتين، أو قيمة ما عمل في الرواية الأخرى. 14667 - وقال الشافعي في قوله القديم: يجبر صاحب السفل على البناء، فإن أراد صاحب العلو أن يبني لم يكن لصاحب السفل منعه، فإن بني الحيطان بآلتهما فهي لصاحب السفل فله الانتفاع بها، فإن بناها بآلة جددها فالحيطان له، وليس له منع صاحب السفل من السكني، وله أن يمنعه من الانتفاع بالحائط، ولا يجوز أن يوتد فيه وتدًا، فإن اختار صاحب العلو أن يهدمه كان له ذلك. 14668 - لنا: حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا ضرر ولا ضرار من ضار ضاره الله، ومن شاق شاقة الله)، وهذا قد شق وأضر، فوجب أن يشق

عليه بالمنع من الانتفاع. 14669 - ولأنه يستحق الحمل على بناء غيره، فإذا أنفق عند الحاجة كان له أن يرجع عليه. أصله: إذا كان صاحب السفل أذن له القاضي في أن يستدين عليه. 14670 - ولأنه حائط له حق الوضع عليه عند امتناع صاحبه، فكان له المنع من الانتفاع به، كما لو بناه بآلة نفسه. 14671 - ولأن من جاز له البناء [في ملك غيره، لما يكن متبرعا بالإنفاق، كالأب، والوصي، ومن كان متبرعا بالإنفاق لم يكن مأذونا] في البناء، كمن لا حق له في البناء. 14672 - احتجوا: بأنه ملك لو انفرد به لم يجبر على الإنفاق، فإذا لم ينفرد به لم يجبر، كأرض بين شريكين أراد أحدهما بناؤها أو زرعها فامتنع الآخر. 14673 - الجواب: أن هناك يمكن التخلص من ضرر الشركة بالقسمة، فلا يحتاج إلى الإنفاق في ملك غيره. 14674 - وفي مسألتنا: لا يتمكن من التخلص من الضرر، فلذلك صار ما ينفقه دينًا على شريكه.

مسألة 731 إجبار أحد الشريكين على إصلاح الدولاب وكري النهر المشتركين

مسألة 731 إجبار أحد الشريكين على إصلاح الدولاب وكري النهر المشتركين 14675 - قال أصحابنا في الدولاب المشترك، والنهر المشترك: إذا امتنع أحد الشريكين من كري النهر وإصلاح الدولاب أجبر عليه، فإن أنفق الشريك [كان ذلك دينا على شريكه] يأخذه منه. 14676 - وقال الشافعي في قوله القديم: يجبر، وفي قوله الجديد: لا يجبر. 14677 - لنا: حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من ضار ضاره الله ومن شاق شاق الله عليه)، وهذا قد أضر، فوجب أن يشق عليه. ولأنه مشترك لا يفسخ؛ فوجب أن يجبر الممتنع منهما على الإنفاق مع شريكه عند الحاجة، كالدار المشتركة، والعبد المشترك. 14678 - فإن قيل: المعنى فيه: أن يجبر على الإنفاق إذا انفرد به.

14679 - قلنا: لا نسلم هذا في الدابة، لأنا نثبته بالنفقة ولا نجبره، وأما العبد إذا انفرد أجبرناه لما في كونه (الواجب) الذي لا يتخلص منه إلا بالنفقة، وكذلك في حالة الاشتراك، فأما النهر فيوجد الإضرار بالغير بهذا الاشتراك ولا يوجد حال الانفراد، فلذلك اختلفت الحالات. 14680 - ولأن الإنفاق ينتفع به المطالب في ملك مشترك، فجاز أن يجبر عليه في غير الحيوان، كالقسمة. ولا يلزم: إذا طلب أحدهما الزرع أو البناء، لأن هذا كله من جهة الإنفاق، والتعليل لجملة الإنفاق، وقد يثبت الإجبار على نوع منه، فلا يلزم أعيان المسائل. 14681 - احتجوا: بأنه ملك لو انفرد به لم يجبر على الإنفاق عليه، كذلك إذا كان مشتركًا، كما لو طلب زراعة الأرض، أو إذا اقتسما الدار المشتركة فطالب أحدهما ببناء حاجز بينهما. 14682 - قلنا: إذا انفرد بالنهر فإنه يسقط حق نفسه، وإذا كان مشتركًا فيقسط حق غيره، [وليس إذا أمكن الإنسان من إسقاط حق نفسه ما يجب أن ينزل حتى يسقط حق غيره]. والمعنى في الأصل: أنه يمكن التخلص من الضرر بغير الإنفاق، لأن الأرض تنقسم فيزرع المطالب في حق نفسه فيبني المطالب لبناء الحاجز حائطًا في نصيبه. وأما النهر فلا يمكن التخلص من الضرر بغير إنفاق، لأن قسمته لا تجوز.

مسألة 732 الصلح على المجهول

مسألة 732 الصلح على المجهول 14683 - قال أصحابنا: يصح الصلح على المجهول. 14684 - وقال الشافعي: لا يجوز. 14685 - لنا: ما روي (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث عليًّا إلى بني جذيمة حين قتل خالد بن الوليد في مأمنهم، ودفع إليهم مالًا وأمره بأن يفدي لهم قتلاهم وما استهلك من أموالهم، فرد على - رضي الله عنه -، كل ما أخذ منهم حتى ميلغة الكلب، وبقي في يده بقية من مال، فقال: أعطيكم هذا لما لا تعلمونه ولا يعلمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم -، فسر به، وقال: (ما يسرني بها حمر النعم)، وهذا صلح عن مجهول وأجازه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

14686 - ولأنه إسقاط حق، فصح في المجهول، كالعتاق. 14687 - ولأنها جهالة لا تؤثر في التسليم فلا تؤثر في الصلح، كجهالة القيمة. ولأنه دين واجب، فجاز الصلح عنه، كما لو قال: صالحتك من درهم إلى ألف. 14688 - احتجوا: بأنه أحد عوضى الصلح، فوجب أن لا يصح حتى يكون معلومًا، كالمال المصالح به. 14689 - الجواب: أن المال المصالح به يجوز أن يكون مجهولًا إذا كانت الجهالة لا تؤثر في تسليمه، كما لو صالح على ألف من الدراهم وعلى صبرة طعام لا يعرف كيلها، وإنما تؤثر الجهالة متى أضرت في التسليم، وجهالة المصالح عنه لا تؤثر في التسليم، لأنه في يد المدعى عليه أو في ذمته، فلا يفتقر إلى التسليم. 14690 - ولأنه لو صالح من حق له عليه مجهول على حق يدعيه الآخر عليه، كذلك ما أسقط كل واحد منهما جاز عندنا مع وجود الجهالة للطرفين في المعنى الذي ذكرنا.

مسألة 733 الصلح على أكثر من قيمة عبد أتلفه

مسألة 733 الصلح على أكثر من قيمة عبد أتلفه 14691 - قال أبو حنيفة: إذا أتلف عبدًا قيمته ألف، فصالحه على ألف ومائة، جاز. 14692 - وحكى أصحابنا عن الشافعي: أنه لا يجوز. وما وجدْتُ هذه لهم. لنا: أنه متلف قيمته ألف، فجاز أن يصالح على أكثر منها، كما لو أتلف مكيلًا. 14693 - ولأنه سبب يضمن به العبد، فجاز الصلح على أكثر من قيمته. 14694 - ولأن ما جاز الصلح عنه على قيمته جاز على أكثر منها، كالرطب إذا انقطع من أيدي الناس.

كتاب الحوالة

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب الحوالة

مسألة 734 يشترط رضا المحال عليه في صحة الحوالة

مسألة 734 يشترط رضا المحال عليه في صحة الحوالة 14695 - قال أصحابنا: رضا المحال عليه شرط في صحة الحوالة، وهذا ظاهر الأصل والمختصرات. 14696 - وقال الشافعي: إذا كان على المحال عليه دين، فرضاه ليس بشرط. 14697 - لنا: أنها حوالة بدين، فاعتبر فيها رضا المحال، كما لو لم يكن عليه دين. 14698 - ولأن من اعتبر رضاه في الحوالة إذا لم يكن على المحال عليه دين، اعتبر وإن كان عليه دين، كالمحيل. 14699 - ولأنه نوع ضمان، فاعتبر فيه رضا الضامن، كالكفالة. 14700 - احتجوا: بما روي أبو هريرة (- رضي الله عنه -) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من أحيل على مليء فليحتل).

14701 - الجواب: أنه قال: تَحوَّل ذمتُه إلى ذمة أخرى، وعندنا لا يتحول إلا بالتراضي، [ومتى لم يوجد التراضي] فلم يتحول دينه، فلا يوجد الاسم. 14702 - قالوا: لصاحب الحق أن يستوفي حقه بنفسه، وله أن يستوفيه بغيره، كالوكيل، كذلك ههنا جاز أن يستوفيه بنفسه وبالمحتال. 14703 - قلنا: إذا وكل فحق القبض ثابت له، فالذي عليه الدين بالخيار إن شاء سلم الحق إلى الموكل، وإن شاء إلى الوكيل، فلم يتعين موجب المطالبة التي اقتضتها المداينة إلا باختيار من عليه الدين، أو يسلم إلى الوكيل. 14704 - فأما الحوالة: فإن مقتضى المداينة معتبر بنقل الملك في الدين إلى المحتال، وتثبت المطالبة له خاصة، وقد يكون أصعب استيفاءً من صاحب الحق، فيستضر المدين، وهذا لا يجوز.

مسألة 735 رجوع المحال بدينه على المحيل إذا هلك المال على المحال عليه

مسألة 735 رجوع المحال بدينه على المحيل إذا هلك المال على المحال عليه 14705 - قال أصحابنا رحمهم الله: إذا توى الدين على المحال عليه، رجع المحتال بدينه على المحيل. 14706 - وقال الشافعي رحمه الله: لا يرجع، وإن أحاله عليه بشرط الملاءة، فبان أنه غير مليء، ففيه وجهان، أحدهما: يرجع، والثاني: لا يرجع. 14707 - قالوا: والصحيح أنه يرجع، وهو قول ابن سريج. 14708 - لنا: ما روي عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - (أنه قال- في الحوالة-: إذا مات المحال عليه مفلسًا، عاد الدين إلى ذمة المحيل، لا توى على مال مسلم).

14709 - فإن قيل: راوي هذا الحديث خليد بن جعفر، عن معاوية بن قرة، وخليد ضعيف، ومعاوية بن قرة لم يلق عثمان. 14710 - قلنا: مجرد الطعن لم يمنع قبول روايته حتى تبين جهة ضعفه، وأما إرسال الخبر: فإن ثبت لم يضرنا، لأن المرسل والمسند عندنا سواء، بل المرسل أولى على قول عيسى بن أبان. 14711 - قالوا: روي (أنه قال في حوالة أو كفالة)، فشك الراوي، وعندنا في الكفالة يرجع فيها على الأصيل على شرط موت الكفيل مفلسًا. 14712 - قالوا: عليٌّ مخالف، روي (أن حزنًا جد سعيد بن المسيب كان له قِبَل علي بن أبي طالب حق فأتاه، فقال: أحلني به على فلان، فأحاله عليه فعاد إليه، فقال: قد مات فلان، فقال له عليٌّ: اخترت علينا غيرنا أبعدك الله).

14713 - قلنا: لم يذكر أنه مات مفلسًا، وعندنا لا يرجع بمجرد الموت، والظاهر أنه مليء، لأن الإنسان لا يختار نقل الحق من ذمة مليء إلى ذمة المفلس. 14714 - قالوا: روي عن شريح أنه قال: (لا يرجع). قالوا: لم يبين الموضع الذي أسقط فيه الرجوع، فيحتمل أن يكون فيمن أفلس حال الحياة أو الموت غير مفلس، ولا يجب الخلاف بالشك. 14715 - ولأنه نقل دينه من الذمة إلى غيرها، فوجب أن يكون العود في المطالبة بالسواء، كما لو اشترى به عينًا فهلكت قبل القبض أو استأجره به. 14716 - ولأنه نقل الدين إلى استيفاء، فوجب أن يثبت الرجوع عند تعذره. أصله: ما ذكرنا. 14717 - ولا يلزم: إذا أفلس في حال الحياة، لأنه لم يتو الحق، وإنما تأخر. الاستيفاء والذمة بحالها. 14718 - ولا يمكن القول بموجب العلة إذا أحال عليه على المحيل لم يعد عند التوي ولا عند التعذر، ولا يمكن القول بموجبه، وإذا شرط أنه مليء، لأنا عللنا الوجوب. ولا يلزم: إذا مات المحيل والمحال عليه مفلسين، لأن الدين يعود ويتعذر استيفاؤه. 14719 - ولأن الأصل والفرع يستويان فيه، لأن العين إذا هلكت والإجارة إذا انفسخت وقد مات الذي كان عليه الدين مفلسًا، فالحكم كذلك هنا.

14720 - قالوا: لا تأثير لقولكم عند التوي من الأصل، لأنه لا فرق بين أن يملك المبيع (وألا يملكه) إن يجد به عيبًا في أنه يجوز الرجوع. 14721 - قلنا: في مسألة الفرع لا يتصور العيب في المعقود عليه، وإنما يتصور التوي خاصة، لأن الذمة لا تصير معينة وما فيها من الدين لا يصير ناقصًا في حال الحياة، فالعيب لا يتصور فيها، ولو تصور النقصان بالعيب يثبت الرجوع أيضًا. 14722 - ولأنه نوع تمليك مال بمال، فجاز أن يلحقه الفسخ بالتوي، كالبيع. 14723 - ولا يلزم: الصرف بما في الذمة، لأنه بعض النوع. 14724 - فإن قالوا: فوجب أن لا ينفسخ بموت المفلس. 14725 - قلنا: نقول بموجبه، لأن عندنا لا ينفسخ بالموت، وإنما يطَالبُ الحاكم بالفسخ، فيفسخ بحكمه، وتنتقض العلة على أصلهم بموت المستأجر مفلسًا. 14726 - ولأنه أحد نوعي الضمان، فجاز أن يثبت للمضمون له مطالبة الأصل بحكمه من غير شرط، كالكفالة. ولا يمكن القول بموجبه إذا شرط أنه مليء، لأنا قلنا: من غير شرط، ويدل على أن الدين بالحوالة ليس بمقبوض للمحتال. والدليل عليه: أنه لو أحاله بثمن الصرف [أو رأس مال السلم ثم افترقا قبل قبضه من المحال عليه بطل العقد في الصحيح من مذهبهم، ولو كان قبضًا لصح الصرف] به، كقبض الشاهد. ولأن ما في الذمة لا يكون مقبوضًا إلا لصاحب الدين، فأما لغيره فلا. 14727 - ولأنه لو أحال المشتري البائع بالثمن [ثم بان العبدُ المبيعُ حرًّا واستُحِقَّ

بطلت الحوالة، ولو كان الدين مقبوضًا وجب أن يرجع المشتري على البائع بالثمن]، ولا تبطل الحوالة لهذا المعنى. 14728 - وقال أصحابنا: إن المحيل لو مات مفلسًا والحوالة في الصحة فغرماء المحيل والمحتال في مال الحوالة سواء. 14729 - وقالوا: لو أحال المشتري البائع بالثمن لم يكن له قبض المبيع. وإذا ثبت أن الدين ليس بمقبوض بالحوالة، والتوي حصل قبل قبض العوض، فهو كهلاك العبد المبيع قبل القبض. 14730 - احتجوا: بما روي أبو هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (مطل الغني ظلم، وإذا أحيل أحدكم على مليء فليتبع). 14731 - وقوله: (فليتبع) أمر بالإتباع أبدًا. ولأنه ندبه إلى الإتباع بشرط الملاء احتياطًا لحقه، ولو ثبت له الرجوع لم يكن لشرط الملاء معنى. 14732 - الجواب: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالإتباع بشرط الملاء، والحكم إذا تعلق بشرط لم يقطع بزوال الشرط عندهم، فصار دليل الشرط يقتضي سقوط الإتباع عند الفلس، فائدة شرط الملاء: فهي حتى يتمكن معه من الاستيفاء. 14733 - قالوا: سبب يسقط المطالبة بالدين ويبدله عن مليء مكلف، فوجب أن لا يرجع به بعد ذلك، كما لو أخذ بالدين عبدًا وقبضه. 14734 - قلنا: لا نسلم أن المطالبة بالدين وبدله سقطت، لأن ما في ذمة المحال عليه يدل على الدين والمطالبة ببدله، ويبطل الرجوع إذا انهدمت الدار أو غصبت،

وإذا إتباع بالدين عينًا هي وديعة عند صاحب الدين على عين من الأعيان، فقد سقطت المطالبة بالدين وببدله، لأن العوض في الصلح يطالب به الأجنبي دون الغريم، ولو هلكت العين قبل التسليم عاد الدين، ثم أصلهم إذا ابتاع ثوبًا وقبضه، وهو غير مسلم، لأن الدين يجوز أن يعود إذا وجد به عيبًا فرده. 14735 - قالوا: فأصله: البراءة. 14736 - قلنا: يعود الدين برد البراءة. 14737 - فإن قالوا: نقيس على البراءة إذا قبلها. 14738 - قلنا: المعنى فيه: أنه إذا أسقط حقه من غير ابتغاء عوض، فإذا تم الإسقاط ولا حق لغيره فيه لم يعد الدين. 14739 - وفي مسألتنا: أسقط حقه بعوض ابتغاه، فإذا لم يسلم له رجع الدين، كما لو أخذ به عينًا، فلم يسلم له. 14740 - قالوا: حول الدين من الذمة إلى بدل كان يمكنه التصرف منه، فلم يعد حقه إلى الذمة، سواء كان ذلك البدل (عينا أو دينا)، كما لو اشترى بالدين شيئًا وقبضه. 14741 - قلنا: يبطل إذا استأجر بالدين دارًا وقبضها، فإنه نقل الحق إلى بدل كان يمكنه التصرف منه، ومع هذا يثبت له الرجوع بالدين إذا انهدمت الدار. 14742 - قالوا: نقل حقه من ذمة إلى ذمة، فلم يجز له الرجوع إلى ذمة المكفول عنه، أصله: إذا أفلس في حال حياته وحكم الحاكم بفلسه وحجز عليه. 14743 - وربما قالوا: حق نقلته الحوالة من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، فلا يجوز له الرجوع إلى ذمة المحيل متى مات على حالته هذه. والخلاف في المسألة في جواز الرجوع في الجملة، وليس الخلاف في الرجوع في حال معينة، ثم هذا الوصف لا معنى له، لأن نقل الحق من ذمة إلى عين أقوى من نقله

إلى ذمة، لأن القبض في الأعيان أمكنُ من الديون في الذمم، فإن كان الدين ينتقل إلى العين ويقبض ثم يعود إلى الذمة الأولى، كذلك إذا انتقل إلى ذمة أخرى، والمعنى في الأصل: أن الدين بالفلس يتوى بدليل: أن ذمة المفلس ذمة صحيحة يجوز أن يبتدئ فيها بثبوت نقل ذلك الدين والمطالبة الثانية والدين يتوى متى ذهب محله، فأما مع بقاء المحل فلا يكون تاويًا: ألا ترى: أن المديون لو مات غير مفلس فالدين غير تاوٍ وإن كانت الذمة قد بطلت لبقاء المال، وكذلك إذا ذهب المال وبقيت الذمة، فله محل باق ولا يكون تاويًا، ولهذا المعنى قال أبو حنيفة وأبو يوسف: إن الدين على المفلس يجب فيه الزكاة، وإن كان مالًا ناقصًا سقطت زكاته، وأما إذا مات مفلسًا فلم يبق للدين محل يوجد فيه التوى، فثبت الرجوع. 14744 - فإن قيل: فيجب أن لا يرجع إذا جحده وحلف، لأن محل الدين بحاله. 14745 - قلنا: قد روى عمرو بن أبي عمر، عن محمد في الإملاء: أن التوى عند أبي حنيفة لا يكون إلا أن يموت مفلسًا. 14746 - ولو قلنا بالرواية الأخرى، فبقاء محل الدين يعتبر ليتعلق به الدين، ومتى جحد ولا بينة له وحلف لم يبق هناك دين في الظاهر، فلا معنى لاعتبار محله. 14747 - قالوا: الدين بالحوالة في حكم المقبوض، بدلالة: أنه يجوز التصرف فيه، ويسقط المطالبة عن المحيل بكل حال، ولو كان دراهم بمثلها لم يعتبر فيها القبض فيس المجلس. 14748 - قلنا: أما جواز التصرف: فقد كان ثابتًا لصاحب الدين منها في الذمة الأولى، ولم يكن الدين مقبوضًا، كذلك في الذمة الثانية جواز التصرف لا يدل على

أنه في حكم المقبوض، وأما سقوط المطالبة: فيبطل إذا صالحه أجنبي على عين من الأعيان، وأما اعتبار التقابض: فلأن التمليك يثبت الحوالة حكمًا، فلا يعتبر فيه التقابض في المجلس كالقرض.

مسألة 736 يشترط رضا المكفول له لصحة الضمان

مسألة 736 يشترط رضا المكفول له لصحة الضمان 14749 - قال أبو حنيفة: ومحمد: لا يصح الضمان إلا برضاء المكفول له. 14750 - وقال الشافعي: لا يعتبر في الكفالة رضا المضمون له، ولا المضمون عنه. 14751 - لنا: أنه عقد وثيقة، فوجب أن يعتبر فيه رضا من له الوثيقة، كالرهن، أو نقول: فجاز أن يبطل لعدم رضا من له الوثيقة، كالرهن. ولأنه عقد فافتقر إلى القبول بحال، كسائر العقود. ولأنه أحد نوعي الضمان، فافتقر إلى رضا من له الضمان بحال، كالحوالة. 14752 - ولا يلزم على ما ذكرنا: المريض إذا قال لوارثه: اضمن لغريمي دينه مع غيبة الغريم، لأنا إن عللنا الجواز سقط عنا هذا، إذ التعليل وقع لاعتبار الرضا في الجملة لا في جميع الأحوال. 14753 - وعلى العلة الأولى: لا يلزم، لأنا قلنا: فوجب أن يعتبر فيه رضا من له الوثيقة، وفي مسألة المريض: الرضا معتبر عند أبي حنيفة، وإنما استحسن من أن العقد

ينعقد مع عدم حضوره في المجلس فأما أن يقول: إنه يصح بغيره رضاه فلا. ولا يلزم: الوصية، لأن القبول قد اعتبر فيها في جميع الأحوال إلا في مسألة وحدة: إذا مات الموصى له بعد موت الموصي، وتعليلنا القبض (لا يفيد عدم) افتقار العقد إلى القبول بحال. 14754 - قالوا: المعنى في الرهن: أن الدين يجوز أن يسقط بهلاكه وإذا ترافعا إلى حاكم يرى أنه مضمون، فلذلك وقف على رضا المرتهن، والكفالة بخلاف ذلك. 14755 - قلنا: الرضا إنما يعتبر في حق الراهن، فكان يجب أن ينعقد من غير رضاه، والدين لا يسقط بهلاكه بمجرد العقد، وإنما يهلك بالدين إذا انضم إليه القبض، والرضا معتبر حكما في العقد، فلم يجز أن يكون لما ذكروه من المعنى للعلة التي ذكرنا. 14756 - احتجوا: بما وري (أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال- في الميت الذي امتنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الصلاة عليه لأجل دينه- هما عليّ يا رسول الله وأنا لهما ضامن، فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)، ولم ينقل أنه شرط قبول المضمون له، وكذلك روي في حديث أبي قتادة - رضي الله عنه -. 14757 - الجواب: أنهما ضمنا القضاء: عِدَةً به لا كفالة، فوثق - صلى الله عليه وسلم - بوعدهما وصلى عليه، كما نصلي على من ترك وفاء لوجود جهة قضاء دينه، فأما أن يكون على طريق الكفالة فلا، ألا ترى: أن المكفول له لو لم يقبل لم يسأل عنه، ومعرفته شرط عندهم وإن لم يشترط رضاه. ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقضي دين من يموت من المسلمين إذا وجد ما يقضي به،

ولهذا قال: (من ترك دينًا أو كلاًّ فعليَّ، ومن ترك مالًا فلورثته). 14758 - وإذا كان يلتزم القضاء قام مقام الميت، ويجوز أن يكون الميت لا وارث له، فالمسلمون يرثونه، فصار خطاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي في الكفالة كخطاب الميت لبعض ورثته. 14759 - قالوا: عقد ضمان، فوجب أن لا يفتقر إلى قبول المضمون له، أصله: إذا ضمن بعض الورثة عن المريض. 14760 - قلنا: يبطل الحوالة، والأصل غير مسلم، لأن الوارث إذا ضمن وقف العقد عندنا على رضا صاحب الدين إلا أنه لا يعتبر وقوع الرضا في المجلس، والكلام في اعتبار الرضا لا في صفاته. 14761 - قالوا: وثيقة تؤمن سقوط الحق بنقله، فوجب أن لا يعتبر في ثبوتها رضا من له الحق، كالشهادة. 14762 - قلنا: يبطل بالرهن. 14763 - فإن قالوا: يجوز أن يسقط الحق بنقله إذا حكم حاكم. 14764 - قلنا: وكذلك الكفالة، لأن من الفقهاء من يقول: إنها تبرئ المكفول عنه، ثم ... (قد لا) لأن يموت الكفيل مسلمًا، ولا يرى الحاكم رد المطالبة فيسقط الحق بذهاب الوثيقة، والمعنى في الشهادة: أن رضا الشاهد لا يعتبر في لزومها له، فلم يعتبر رضا الشهود، وفي الضمان يعتبر رضا الضامن في لزومه، فجاز أن يعتبر رضا المضمون له.

مسألة 737 رجوع الضامن على المضمون له إن أدى بإذنه

مسألة 737 رجوع الضامن على المضمون له إن أدى بإذنه 14765 - قال أبو حنيفة، ومحمد: إذا قال الرجل لفلان: اضمن ألفًا، أو ادفع إلى فلان، أو انقد فلانًا، وَفَعَل المأمور، لم يرجع على الآمر، إلا أن يكون خليطًا أو في عياله. 14766 - وقال الشافعي: إذا ضمن بإذنه وأدى بإذنه رجع، وإن ضمن بغير إذنه وأدى بإذنه، فأكثر الصحابة على أنه لا يرجع، وهو ظاهر مذهبه. 14767 - ومن أصحابه من قال: يرجع. وإن ضمن بإذنه وأدى بغير إذنه ففيه ثلاثة أوجه، أحدهما: يرجع، والثاني: لا يرجع، والثالث: إن كان مضطرًا، مثل أن يكون المكفول عنه غائبًا لا يتوصل إلى إذنه رجع، وإن كان غير مضطر لم يرجع. 14768 - لنا: حديث ابن عباس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ألا وإن المسلم أخو المسلم، لا يحل دمه، ولا شيء من ماله إلا بطيب نفسه)، وهذا لم تطب نفسه لذلك.

14769 - ولأنه غير حاضر، فوجب أن لا يرجع عليه بما أمره، فضمانه مطلقًا كالصبي والمأذون إذا أمرا. 14770 - ولا يلزم: من في عياله وأقاربه، لأنه خليط في المنزل. 14771 - ولأنه أمرا أجنبيًا بضمان مال غيره، فضاف إلى نفسه، فلم يثبت له به الرجوع وإن أذن له في الأداء، كما لو قال: أضمن عن فلان ألفًا. 14772 - ولأنه إذا قال: اضمن، احتمل الضمان عنه، واحتمل عن غيره، وأحدهما يقتضي الرجوع، والآخر لا يوجب ذلك، فلم يثبت الرجوع بالشك. 14773 - ولا يلزم: الخليط، لأن العادة أن يأمره ليرجع عليه، فصارت العادة كشرط الرجوع. 14774 - احتجوا: بأنه ضمن بإذنه، فوجب أن يرجع عليه، كما لو قال: اضمن عني. 14775 - الجواب: أنه إذا قال: اضمن عني، فقد أمر بإسقاط الدين المضمون عنه، فإذا قضى فقد ملكه ما في ذمته بأمره، فصار كمن ملكه عينًا بأمره، وإذا لم يقل: عني، فلم يوجد التمليك، ولا شرط الرجوع نطقًا ولا عادة، فلا يرجع، كما لو قال: اضمن عن فلان. 14776 - قالوا: كل من كان له الرجوع عليه بما يضمن إذا قال: اضمن عني، فإن له الرجوع وإن أطلق الضمان، كالخليط. 14777 - قلنا: الخليط بينهما عادة تقتضي الضمان، فقامت مقام الشرط. الدليل عليه: أن من فتح دكانًا في صناعة كان الظاهر أنه يعمل بالأجرة وإن لم يشرط، وقامت العادة فيه مقام الشرط، كذلك ههنا.

مسألة 738 الضمان بالمجهول

مسألة 738 الضمان بالمجهول 14778 - قال أصحابنا: يجوز الضمان بالمجهول، مثل أن يقول: تكلفت بمالك على فلان، وبما يخرج في حسابك عليه، ويجوز تعليق الضمان بخطر، مثل أن يقول: ما قضى لك على فلان وما بايعته. 14779 - وقال الشافعي: لا يجوز ضمان المجهول، ولا ضمان ما لم يجب. قال ابن سريج: وفيها قول آخر: إن ضمان المجهول جائز، ونص الشافعي على جواز ضمان الدرك، وخرج ابن سريج فيه. 14780 - لنا: قوله تعالى: {ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم}، فجوز ضمان المجهول، لأن ما يحمله البعير يزيد وينقص، وجوز تعليق الضمان بشرط المجيء.

14781 - فإن قيل: كان حمل البعير معلومًا، وهو الوسق. 14782 - قلنا: حمل البعير ما يحمله، وهذا يزيد تارة وينقص أخرى. 14783 - قالوا: كيف تحل هذه الكفالة مع جهالة المكفول؟. 14784 - قلنا: عندنا يصح الضمان إذا كان المضمون له يصير معلوما عند وجوب المال، كما لو خاطب رجل جماعة فقال: من خاط منكم هذا الثوب فله درهم، وقال آخر: أنا كفيل به. 14785 - قالوا: قوله {وأنا به زعيم} يحتمل: أن يكون المؤذن ضمن عن اْلمَلِكِ، ويحتمل: أن يكون حكى قول الملك، كأنه قال: شرط لمن جاء به حمل بعير وأنا له ضامن. 14786 - قلنا: ظاهر قوله: (زعيم) أنه ضمن ما يجب على غيره، فأما من شرط الضمان على نفسه فعقده، فلا يقال: إنه زعيم، وإنما يقال ذلك فيمن خاطب عن غيره، ولهذا يقال: فلان زعيم القوم، بمعنى أنه يتكلم عنهم، ويدل عليه: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (الزعيم غارم)، ولم يفصل. 14787 - ولأن المال تارة يجب معلومًا بالعقود، وتارة مجهولًا بالإتلاف، فلما جاز ضمان أحدهما جاز ضمان الآخر. وتحريره: كل ما يجب ضمانه جازت

الكفالة به، كالمعلوم. 14788 - ولأنه نوع ضمان، فجاز تعليقه بشرط يوجد في الثاني، كضمان الدرك، وإن شئت قلت: فجاز في المجهول، أصله: ضمان الدرك. 14789 - فإن قيل: إذا استحقت الدار ثبت إن كان ضمن ما كان موجودًا. 14790 - قلنا: إلا أنه عند العقد يجوز أن يكون هناك استحقاق، ويجوز أن لا يكون، فلولا أن الضمان يتعلق بالأخطار لم يصح مع التجويز، كما لا يصح البيع مع التجويز إذا قال: بعتك هذا العبد إن كنتُ ورثتهُ لم يصح البيع وإن ثبت أنه كان ورثه. 14791 - ولأن ضمان الدرك قد يكون فيما ليس بمستحق عند الضمان، ألا ترى: أنه يشترى دارًا فتجب الشفعة ثم يبيعها المشتري، فيضمن ضامن الدرك، فإذا أخذها الشفيع وجب على الضامن الثمن، وإن لم يبين البائع، حتى لا يختص بما لا يستحقه. 14792 - فإن قيل: في ضمان الدرك إما أن تُستحق جميع الدار أو بعضها، فالضمان يتعلق بما هو مستحق منها، وذلك معلوم. 14793 - قلنا: فيجب أن يقولوا ففي الفرع مثله، إذا قال: ضمنت لك ما يخرج في حسابك عليه، فإن ذلك معلوم في نفسه وإن لم يكن معلومًا عنده، ومع ذلك لا يجوز ضمانه. 14794 - فإن قالوا: في ضمان الدرك قولان. 14795 - قلنا: ضمان الدرك نص الشافعي عليه، وأجمع المسلمون أيضا على جوازه، حتى قال ابن سريج تخريجًا لقول آخر، فلا تضرنا المنازعة فيما ثبت بإجماع.

14796 - فإن قالوا: ضمان الدرك جاز للضرورة في التوثق بالأيمان، لأن البيع لا يؤنس أن يستحق، ولا يجوز أخذ الرهن به، ولا تنفع الشهادة، لأنه ربما استحق المبيع، وقد أفلس البائع، فلذلك جوزنا التوثق بالضمان، لأن الجهالة والخطر يسامح فيهما بقدر الحاجة، فإذا كان له عليه مالًا يقفان على مبلغه، فلا يمكن أخذ الرهن به، ولا يقع التوثق بالشهادة، فيجب أن تجوز الكفالة قبل أجل الحاجة على قولكم. 14797 - ولأن كل دين لو ذكر مبلغه صح الضمان، [فإذا لم يذكر صح الضمان]، أصله: إذا قال للزوجة: ضمنت لك نفقتك اليوم، جاز بالاتفاق، لأن عندهم: أن النفقة مقدرة. 14798 - ولأنه عقد على ما ليس في مقابلته مال مشروط، فجاز أن يتعلق بخطر، كالوصية. 14799 - ولا يلزم: الهبة، لأنه يجوز تعليقها بالخطر إذا قال: وهبت لك الدين الذي في ذمة فلان، صح العقد ووقف على قبض الدين فيه. 14800 - ولأنه سبب لضمان ما ليس في مقابلته بدل مشروط، فصح في المجهول، كالإقرار. احتجوا: بنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن الغرر. 14801 - قلنا: روى (أنه نهى عن بيع الغرر)، وهذا مقيد، وخبر كم مطلق، ومن أصلكم: بناء المطلق على المقيد، وقد عارضه قوله - صلى الله عليه وسلم -: (الزعيم غارم).

فإن قيل: ذلك عام. 14802 - قلنا: هو عام من وجه خاص في الكفالة، وخبركم خاص من وجه عام من وجه. 14803 - فإن قيل: قوله: (الزعيم غارم) يقضي أن يكون غارمًا في الحال الذي يسمى زعيمًا، ومتى علق الكفالة بشرط لم يكن غارمًا حتى يسمى كفيلًا. 14804 - قلنا: قوله: (الزعيم غارم)، معناه ما يجب على المكفول عنه، فإذا علق الكفالة بالشرط فإن لزم المكفول عنه مال، فهو غارم عنه. 14805 - قالوا: يثبت مال في الذمة بعقد، فوجب أن لا يصح مجهولًا، كالثمن في البيع، والأجرة في الإجارة. 14806 - قالوا: ولا يلزم المهر، لأنه ثبوت مال بعقد ليس يثبت (بدلًا عن مال آخر). 14807 - قلنا: الثمن والأجرة كل واحد منهما بدل في عقد الإبدال، لا يثبت في المعاوضات مع الجهالة. 14808 - وفي مسألتنا: المال لا يثبت بدلًا، وإنما الكفالة سبب من أسببا الضمان، وأسباب الضمان مبنية في الأصول على الغرر والخطر والجهالة، ألا ترى: أنه لو وكل إنسانًا بشراء شيء فإن الموكل يضمن مثل ما يلزم الوكيل، ويجوز أن يشتري، ويجوز أن لا يشتري، ولا يعلم مقدار ما يباع به، (والكفيل) بالوديعة يضمن مثل ما يلحق المودَع من الضمان، وذلك خطر ومجهول، كذلك الكفالة

لما كانت من أسباب الضمان. 14809 - قالوا: ضمان مجهولِ، فلم يصح، كما لو قال: ضمنت لك بعض مالك على فلان. 14810 - قلنا: هذا يصح عندنا، والخيار فيه إلى الضامن يبين أي مقدار منها، كالراهن. 14811 - قالوا: وثيقة بالحق، فلم يصح بالمجهول. 14812 - قلنا: يبطل بضمان الدرك، ثم قد يجوز الضمان بما لا يصح الرهن باتفاق، بدلالة: لو ضمنه (أي الدرك) جاز، ولو أعطى به رهنًا لم يجز. 14813 - قالوا: وثيقة بالمال قبل وجوبه، فصار كما لو قال: إن دخلت الدار. 14814 - قلنا: هناك لم يضف الضمان إلى سبب الوجوب، ولا إلى سبب يتمكن من المطالبة به، ولما أضاف الضمان في مسألتنا إلى سبب وجوب الحق، جاز كضمان الدرك.

مسألة 739 الكفالة عن ميت لم يترك وفاء

مسألة 739 الكفالة عن ميت لم يترك وفاء 14815 - قال أبو حنيفة: لا تصح الكفالة عن ميت لم يترك وفاء. 14816 - وقال أبو يوسف: تصح الكفالة، وبه قال الشافعي. 14817 - والكلام في هذه المسألة يقع في فصول ثلاثة. أولها: في نفس المسألة، والثاني: مبني الكلام على سقوط الدين بالموت، الثالث: على طريقة أخرى، أن الدين ينقص. 14818 - أما الكلام في نفس المسألة فالدليل عليه: ما روي أبو موسى - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن أعظم الذنوب عند الله يلقاه بها [عبد] بعد الكبائر التي نهى الله عنها أن يموت رجل وعليه دين لا يدع له قضاء)، ذكره أبو داود، ولو صح

الضمان عنه لم يكن لقوله: (ولا يدع له وفاء) معنى. 14819 - ولأن المطالبة سقطت بهذا الدين على التأييد، فوجب أن لا يصح ضمانه، كما لو أبرأه صاحب الدين، أو استرق الحربي، أو وهب المولى العبد المدين من غرمائه. 14820 - ولا يلزم: إذا ترك وفاء، لأن المطالبة بالدين لم تسقط إذ الوصي يطالب به الوارث. 14821 - ولا يلزم: إذا استعار شيئًا فرهنه به ثم مات مفلسًا، لأن المطالبة تسقط عندنا ويأخذ صاحب الرهن رهنه، ولا تصح الكفالة به، ذكر محمد في الزيادات ما يدل على ذلك. 14822 - قالوا: لا نسلم سقوط المطالبة على التأييد، لأنه يجوز أن يتبرع إنسان بالكفالة فيطالب. 14823 - قلنا: هذه مطالبة تجددت عندكم بعد أن كانت المطالبة سقطت عن المدين وعمن قام مقامه على التأييد، فالصف صحيح. 14824 - فإن قيل: المعنى في البراءة: أنها تمنع استدامة الكفالة، فلا تمنع ابتداءها. 14825 - قلنا: هذه المعارضة لا نسلمها إذا استرقى الحربي، لأن الرق لا يمنع الكفالة لو كانت عليه دون في دار الحرب بها كفيل، فاسترق لم تبطل الكفالة. 14826 - ولأنه قد يمنع ابتداء الشيء ما لا يمنع استدامته، ألا ترى: أن براءة المحيل لا تمنع استدامة الحوالة، ولو وقعت الحوالة بعد البراءة لم تصح.

14827 - ولأن البراءة تسقط الدين في أحكام الدنيا، وتبقيه في أحكام الآخرة، فمنع الابتداء ولم يمنع من البقاء. ولأنه دين طرأ عليه ما يمنع ابتداء المداينة، وأثر ذلك في منع الكفالة، كالحربي يسترق. 14828 - ولأن كل دين لا يصح ضمان المجهول منه لا يصح ضمان المعلوم، كمال الكتابة، ودين الحربي إذا استرق. 14829 - وأما الدليل على سقوط الدين بالموت: أن الدين لا يثبت إلا في محل، إما في ذمة أو عين، وليس ههنا عين مال يتعلق الدين بها، والذمة قد بطلت بالموت، لأن الذمة عبارة عن التزام الشيء، والموت ينافي الالتزام. يبين هذا: أن أهل الذمة سموا بذلك لالتزامهم لنا الجزية والتزامنا لهم ترك القتال والسبي، ويقال: بيننا ذمام، بمعنى أنه أمن تلتزم أحكامه. 14830 - ولأن الدين يحل على الميت بالموت، ولو كانت ذمته باقية لبقي الأجل، لأنه يتعلق بما في الذمم ولا يتعلق بالأعيان، فلما سقط الأجل علم أ، هـ سقط، لأن الذمة بطلت وانتقل الدين إلى عين التركة، فلم يجز أن يثبت الأجل في الأعيان. 14831 - فإن قيل: إنما سقط الأجل، لأنه يثبت لحق الدين، ولا حق له في تبقية الأجل. 14832 - قلنا: حقوق الميت تثبت لورثته إن لم يكن للميت حق في ثبوتها، ألا ترى: أنه لو أَبْرَأَ من دينه وهو أكثر من الثلث، أو وَهَبَ، بطل تصرفه فيما زاد على الثلث، وانتقل ذلك إلى ورثته وإن كان من حقوقه لنفذ تصرفه، فلو صح ثبوت الأجل بعد موته انتقل إلى ورثته وإن لم يكن له في انتقاله إليهم حق. 14833 - ولأن ابتداء الدين لا يجوز أن يلزم الميت بوجه، ولو كانت ذمته باقية لجاز أن تلزمه الديون المبتدأة، كالحي.

ولا يلزم: المجنون، لأن الدين يلزمه تابعًا له وإن لم يلزمه بعقوده. يبين ذلك: أن من كانت له ذمة في عين متعلق بها إذا تصرف لحقه من يملك التصرف يثبت بذلك التصرف على الذي في ذمته، كتصرف الوكيل والولي، فلما كان الوارث أو الوصي يبتاع الكفن لمنفعة الميت ولا يثبت ثمنه في ذمته، دل على أنه لا ذمة له. 14834 - ولا يقال: إن الميت تلزمه الديون المبتدأة إذا كان حفر بئرًا في الطريق فوقع فيها إنسان بعد موته، لأن هذا ليس بدين مبتدأ، وإنما يسند إلى الحفر السابق ويصير كالثابت من ذلك الوقت، ولهذا تقوم على الميراث والوصايا، ولو كان حادثًا لم يبطل ما تقدمه من المواريث والوصايا. 14835 - ولأن الموت معنى يسقط مال الكتابة عن المكاتب، فجاز أن يسقط به سائر الديون، كالاسترقاق، وصحة العقد. 14836 - احتجوا: في هذا الفصل بما روي في حديث أنس - رضي الله عنه -، قال: (شهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أتى بجنازة، فقيل له: تصلي عليها، فقال: أليس عليه دين، قالوا: بلى، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ما ينفعكم أن أصلي عليه وهو مرتَهَنٌ في قبره به). 14837 - الجواب: أن الدين عندنا يسقط في أحكام الدنيا بسقوط المطالبة ولعدم محله، وهو باقٍ في أحكام الآخرة، والعقوبة تلحقه للتفريط الذي كان منه، فلم يكن في الخبر دليل. 14838 - قالوا: لو برئت ذمته بالموت برئ كفيله الذي يكفل عنه، ولم يصح أن يتبرع متبرع بالقضاء. 14839 - قلنا: إذا كان له كفيل فالدين له محل يتعلق به، وهو ذمة الكفيل،

فصار ذلك كالتركة في تعلق الدين بها، فأما التبرع بقضاء الدين فمن أصحابنا من قال: لا يصح إلا أن تظهر له التركة فيحكم بصحة ذلك القضاء، ومنهم من يقول: يسقط بالقضاء العقوبة في الآخرة، فلا يدل ذلك على بقاء الدين. 14840 - قالوا: يصح أن يبرئه من الدين، ولو كان سقط لم تصح البراءة. 14841 - [قلنا: إنما تؤثر البراءة] في إسقاط حق الغريم عن المال الذي يجوز أن يظهر أو يسقط بها العقاب في الآخرة، فأما أن يسقط الدين من ذمته فلا. 14842 - قالوا: لو كان الموت يوجب بطلان الذمة ونقل الدين إلى التركة لوجب إذا أبرأ الغريمُ الميتَ ألا تصح براءته، لأنه أبرأه بعد انتقال الدين، فصار كما لو أبرأ المحيل بعد الحوالة، فلما صحت الحوالة دل على أن الدين في ذمة الميت. 14843 - قلنا: الميت مطالب بالدين في أحكام الآخرة غير مطالب به في أحكام الدنيا، فإذا أبرأه فقد أبرأه من حق ثابت فتسقط العقوبة ببراءته، وسقوطها يوجب سقوط الحق عن التركة فلذلك سقط. وإذا ثبت أن الدين سقط لم تصح الكفالة به، كما لا تصح من ديون الحربي إذا استرق، والعبد إذا ملكه الغريم، وكالكفالة بعد البراءة. 14844 - وأما الطريقة الثالثة: وهي نقصان الدين، فلأن سقوط المطالبة على التأبيد على سقوط الدين، فلأن يدل على نقصانه أولى. 14845 - ولأن هذا الدين سقطت المطالبة به في أحكام الدنيا وبقيت في أحكام الآخرة، والمطالبة إذا ثبتت في الدين من وجه دون وجه دل على نقصانه، كدين

المولى على عبده يثبت من وجه دون وجه، وكذلك دين العبد على مولاه، وإذا ثبت أن الدين ناقص لم تصح الكفالة به، كدين الكتابة. وعلى هذا قال أصحابنا: إن الزكاة لا تصح الكفالة بها، لأنها دين ثابت من وجه دون وجه، ألا ترى: أن الإنسان لا يحبس بها ولا يطالب مطالبة الديون. 14846 - واحتج المخالف: بما روى أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قدم إليه جنازة ليصلي عليها، فقال: هل على صاحبكم من دين؟ قالوا: نعم يا رسول الله درهمان، فقال: صلوا على صاحبكم، فقال علي بن أبي طالب: هما عليَّ يا رسول الله، وأنا لهما ضامن، فصلى عليه، فلما فرغ من صلاته التفت إليه فقال له: جزاك الله عن الإسلام خيرًا، وفك رهانك كما فككت رهان أخيك). 14847 - رورى جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - (قال: مات رجل فغسلناه وكفناه، وقدمناه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليصلي عليه، فقال: هل على صاحبكم من دين؟ قالوا: نعم ديناران، فقال: صلوا على صاحبكم، قال أبو قتادة: هما عليَّ يا رسول الله، فصلى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -)، فدل هذا على أن الضمان عن الميت الذي لا يخلف وفاء صحيح. 14848 - والجواب: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي على من ترك وفاءً، ولم يصل على

من لم يترك وفاء. وجواب آخر: أنه يحتمل أن يكون هذا ابتداء كفالة، ويحتمل أن يكون أخبر عن كفالة تقدمت الموت، واللفظ لفظ الخبر، وإذا احتمل أحد الوجهين لم يصح الاحتجاج به مع الاحتمال. 14849 - فإن قيل: روي: (فتحملهما أبو قتادة)، وهذا يدل على أنه ابتداء كفالة. 14850 - قلنا: لم تكن الكفالة معلومة، فلما أقر بها صار بإقراره محتملًا لَمَّا لم يكن يُعْلم أنه حامل له، هذا كما نقول: أوجب على نفسه بإقراره، فوجب عليه بالإقرار، والإقرار في الحقيقة إخبار عن إيجاب سابق، إلا أنه لم يعلم تقدمه إلا بإقراره. 14851 - قيل: أوجب على نفسه، فوجب عليه. 14852 - قالوا: روي حديث أنس (- رضي الله عنه -) (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ما ينفعكم من صلاتي عليه وهو في قبره مرتهن بدينه، فلو قام أحدكم فضمن ما عليه صليت عليه، كانت صلاتي تنفعه). 14853 - قلنا: هذه الزيادة لا تعرف، ولو ثبت كان معناه: ضمن أن يَقْضِيَ، بمعنى أنه وعد أن يقضي، كما يقال: إن ضمن فلان أن يعين فلانًا بكذا، أو يقرضه كذا، وإذا وجد ذلك فالظاهر أنه يفي فيصلي عليه، كما يصلي على من ترك وفاء. 14854 - قالوا: إذا كان اللفظ يحتمل معنيين وجب حمله على ما لا يؤدي إلى

تخطئة النبي - صلى الله عليه وسلم -، [وإنما يؤدي إلى تصويبه، وإذا حملناه على ابتداء الضمان كان امتناعه من الصلاة] عليه صوابًا في الظاهر والباطن، وإذا حملناه على استدامة الضمان كان امتناع النبي - صلى الله عليه وسلم - خطأ في الباطن، لأنه امتنع من الصلاة على من له ضامن ويجوز له الصلاة عليه، فكان حمل الخبر على ابتداء الضمان أولى. 14855 - قلنا: النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يطلع على الغيب، فإذا امتنع من الصلاة، لأنه لا تركه له ولا ضامن في الظاهر، فقد عمل ما وجب عليه، فإذا كان الأمر في الباطن بخلاف ذلك ففعله في الظاهر صواب وليس بخطأ ألا ترى: أنا إذا علمنا الدين على زيد فشهدنا به عليه كانت الشهادة صحيحة، وإن جاز أن يكون قضى الدين، أو أبرأ عنه، فإن ثبت أنه قضى لم يكن الشاهد بالدين مخطئًا في شهادته، بل كان مصيبًا فاعلًا لما وجب عليه، فلو لم يفعل أثم واستحق العقاب. 14856 - قالوا: فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يستفصل هل هذا ابتداء ضمان أو غيره، ولو اختلف الحكم لزمه أن يسأل. 14857 - قلنا: إذا كان للضمان جهة صحة وجهة فساد، حمل الأمر على الصحة، ولم يحمل على الفساد. وجواب آخر: وهو أن هذا لم يكن على وجه الكفالة، وإنما كان وعدا بقضاء الدين والقيام بأدائه، وقوله: (هما عليَّ)، معناه: (على القيام بأدائهما)، كما نقول: عليَّ أن أحفظ مالك وأنفق عليه. يبين ذلك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي قتادة: (هما عليك وفي مالك، وحق الرجل عليك والميت منهما بريء، فقال:

نعم)، والتأكيد إنما يكون في الوعد الذي لا يجب عليه الوفاء به، والأولى الوفاء. 14858 - فأما الكفالة التي يجب حكمها، فإذا اعترف بها الكفيل لزمته، ولو رجع عنها قُضِي عليه وأجبر على أدائها، فلا يكون للتأكيد بالتكرار معنى، وليس يمتنع أن يتوقف - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة، لأنه لا وجه لقضاء الدين، فإذا وُعِدَ بقضائه كان الظاهر منه الوفاء، لأن الظاهر القضاء، كما أنه إذا ترك مالا صلى عليه [وإن جاز أن لا يقضي الدين بأن تتوى التركة، إلا أن الظاهر لما كان القضاء صلى عليه] كذلك هذا. 14859 - قالوا: من صح الضمان عنه إذا كان له وفاء، صح وإن لم يكن له وفاء، كالحر. 14860 - قلنا: إذا ترك وفاء فقد ضمن الدين مع بقاء المطالبة به، فصح الضمان، ولم يترك فقد ضمن مع سقوط المطالبة بالدين عنه، وعمن قام مقامه على التأييد، فلم يصح، كالسائل التي بيناها. 14861 - قالوا: (من صح الضمان عنه إذا كان حيًّا صح الضمان عنه إذا كان ميتًّا، كما لو كان له وفاء). 14862 - قلنا: نقول بموجبه، لأن الضمان عن الحي لا يصح إلا بدين ثابت، وبمثله يصح الضمان عنه بعد الموت، فأما في مسألتنا فلا، لأن بعد الموت وبمثله لا يصح الضمان عن الحر، كما ذكرنا في الحربي إذا استرق، والعبد إذا وهب لغريمه. ولأن من له وفاء المطالبة بدينه ثابتة، فصح ضمانه عنه، ومن لم يترك وفاء لا يطالب بدينه في أحكام الدنيا، وإنما يطالب به في أحكام الآخرة فلا ينتقل إلى غيره، كمن مات وعليه صلاة وزكاة وحج لا ينتقل إلى غيره عندنا في جميع

الأحوال، وعندهم إذا لم يترك وفاء. 14863 - قالوا: من صح الضمان عن ضامنه إذا كان له ضامن، صح الضمان عنه إذا لم يكن له ضامن، كالحر. 14864 - قلنا: إنما لا يجوز الضمان عن ضامنه مع بقاء الدين على الضامن، فلذلك يصح مع بقاء الدين، ولا يصح عن الضامن بعد سقوط الدين، فلا [يصح الضمان عنه مع سقوطه. 14865 - قالوا: الموت لا يمنع استدامة الضمان، فلا] يمنع ابتداء الضمان، أصله: جنون المضمون عنه وإتلافه. 14866 - قلنا: الموت عندنا لا يمنع الابتداء ولا الاستدامة، وإنما يمنع الضمانُ سقوطَ المطالبة عنه، وعمن قام مقامه على التأييد. 14867 - وقولنا: بموجب العلة. 14868 - فإن قيل: ذكر في الأصل، أنه إذا قال: إن مات قبل أن يقضي مالك عليه فأنا ضامن، فمات، فإن ذلك جائز على الكفيل في قول أبي حنيفة. 14869 - قلنا: محمول عليه إذا ترك وفاء، أو نقول: إن هذا ليس بابتداء ضمان، وإنما يتعلق الضمان بسبب كان في حال الحياة، فلم يسقط الدين بالموت لبقاء ذمة تتعلق المطالبة بها، وقد ذكر أبو الحسن، عن ابن سماعة، عن محمد: أنه قال: لو قال: قد ضمنت لك مالك على فلان إن توى، فذلك جائز، فإن مات فلان فلم يدع شيئًا، فهو ضامن، وهذا على قول محمد صحيح، لأن من أصلنا: أن ابتداء الكفالة يجوز بعد الموت، فإذا تعلقت بشرط كان في حال الحياة أولى.

مسألة 740 كفالة العبد بإذن سيده

مسألة 740 كفالة العبد بإذن سيده 14870 - قال أصحابنا: إذا تكفل العبد فإذن سيده ولا دين عليه، صحت الكفالة، وبيعت رقبته فيها. 14871 - وحكى أصحاب الشافعي: أنه على وجهين، في أحد الوجهين: لا يجوز وإن أذن المولى. وفي الوجه الآخر: يجوز إذا أذن. والمحجور والمأذون في ذلك سواء. ومن أين يقضي؟ في أحد الوجهين: يلزمه بعد العتق في المحجور والمأذون، [وفي الوجه الآخر: المحجور يلزم المولى أن يخليه حتى يكتسب ويؤدي، والمأذون] يؤدي ما في يده. وإن قال له المولى: اضمن على أن تؤدي المال الذي في يدي صح، فإن كان عليه دين مستغرق شاركهم المكفول له في أحد الوجهين، ويؤخر عن ديونهم في الوجه الآخر؟

14872 - فعلى هذا قد سقط الخلاف في صحة الكفالة، فإذا صحت بالخلاف في ديون العبد عندنا تتعلق برقبته، وعنده لا تتعلق، وقد قدمنا الكلام في المسألة.

مسألة 741 الكفالة بالنفس

مسألة 741 الكفالة بالنفس 14873 - قال أصحابنا: الكفالة بالنفس جائزة. وهل يجوز ببدن مَنْ عليه حد أو قصاص؟ قال في الأصل: وإذ كفل رجل نفس رجل والطالب يدعي عليه دم عمد أو قصاص فيما دون النفس، أو حدًّا في قذف أو سرقة، أو خصومة في دار أو غير ذلك فالكفالة بالنفس في ذلك جائزة، وقال في الكتاب: ولا ينبغي للقاضي أن يأخذ كفيلًا بالقصاص في النفس ولا دونها ولا في حد القذف والزنا والشرب والسرقة. قال أبو بكر الرازي: هذا محمول على أن القاضي لا يطالب بكفيل، وإن بذل المدعى عليه جاز. 14874 - وقال الشافعي: في عامة الكفالة جائزة، وقال في الدعوى: هي عندي ضعيفة، فمن أصحابه من قال: يجوز قولًا واحدًا، وقوله: ضعيفة، يعني في القياس. 14875 - وقال المزني: فيها قولان، استخرج قوله: إنها ضعيفة قولًا واحدًا.

14876 - لنا: قوله تعالى: {لتأتنني به إلا أن يحاط بكم}، فألومهم رده وهذا معنى الكفالة بالنفس، وقد روي عن ابن عامر في تأويل الآية: أنه كفلهم بنفسه. 14877 - ولا يقال: إنما استحلفهم على رده إليه، لأنه قال موثقًا من الله، واليمين هي موثق من الله. 14878 - ولا يقال: إنه لم يجب عليه حق لأبيه حتى يكفلهم برده، لأنه كان يجب عليه طاعة أبيه وخدمته والعود إليه، فضمنهم ذلك، كما يتكفل بإحضار من وجب عليه دين أو غيره، ويدل عليه: قوله - صلى الله عليه وسلم - (الزعيم غارم)، وهو عام. 14879 - فإن قيل: هذا دليل عليكم، لأنه - صلى الله عليه وسلم - حكم بصحة الكفالة التي يلزم الكفيل فيها الغرم، والكفيل بالنفس لا يغرم شيئًا. 14880 - قلنا: المغرم الملزم مستوفي اللزوم، والكفيل بالنفس ملتزم. 14881 - ويد عليه: إجماع الصحابة، روي (أن رجلًا أتى ابن مسعود - رضي الله عنه - فأخبره أنه سمع ابن نواحة يؤذن ويقول: أشهد أن مسيلمة رسول الله، فدعاه فاعترف بذلك، فعرض التوبة عليه فلم يتب، فأمر عبد الله بن مسعود قرظة بن كعب الأنصاري، فأخرجه إلى السوق فجز رأسه، ثم استشار أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -

في قومه، فقال عدي بن حاتم: ثؤلول الكفر أطلع رأسه فاحسمه، فلا يكون بعده شيء، وقال الأشعث بن قيس، وجرير بن عبد الله: بل استتبهم وكَفَّلْهم عشائرهم، فاستتابهم وكفلهم عشائرهم ونفاهم إلى الشام). 14882 - فاتفق على جواز الكفالة: ابن مسعود، وجرير بن عبد الله، والأشعث بن قيس، وقرظة بن كعب، وعدي بن حاتم، وغيرهم. وروي: (أن حمزة بن عمرو الأسلمي أراد أن يرجم رجلًا قد زنا، [فقيل له: أصلحك الله، إن أمره رفع إلى عمر، فجلده مائة ولم ير عليه الرجم]، فأخذ حمزة بالرجل كفيلًا حتى قدم على عمر، فسأله عن ذلك فصدقه)، وحمزة من أكابر الصحابة، ولم ينكر عمر الكفالة. وروي: (أنه كان لعبد الله بن عمر على عليَّ بن أبي طالب دين: فتكفلت أم كلثوم بنت علي بعلي). 14883 - ولا يقال: تكفلت بالدين الذي عليه، لأن المروي: أنها تكفلت به. 14884 - ومن أصحابنا من حكى عن عثمان، وعمران بن حصين جواز ذلك،

ولا يعرف له مخالف، وهذه المسألة فيها إجماع بعد الصحابة أيضًا، أنه لم يقل أحد من الفقهاء ببطلانها، ولا صرح الشافعي بذلك، وأهل الأعصار يعتقدونها من غير مانع ولا نكير، فدل ذلك على جوازها. 14885 - فإن قيل: أصحابن ابن نواحة تابوا، فلم يجب عليهم شيء، فكيف يصح الكفالة بها في حق من لا يجب عليهم؟. 14886 - قلنا: يجوز أن يكونوا أظهروا التوبة ولم يبطنوها؟، ألا ترى: أن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال لصاحبهم: ما فعل القرآن الذي كنت تقرأ؟ قال: كنت أتقيكم به، فلما جوزوا ذلك يتحقق سقوط الحد عنهم، فكفلهم لهذا المعنى. 14887 - فإن قيل: الكفالة في الحدود لا تجوز عندكم. 14888 - قلنا: قد بينا أنها جائزة، وإنما لا يطالب الإمام بها، فيجوز أن يكون القوم بذلوها ولم يبدئ بمطالبتهم. 14889 - ولأنه نوع كفالة، فكان فيها ما يصح، كالكفالة بالمال. ولا يمكن القول بموجبها في الأعيان المضمونة، لأن ضمان الأعيان فيها وجهان، فرع على هذه المسألة. 14890 - فإذا قالوا: إن الكفالة لا تجوز، كذلك بالعين. ولأن كل عقد لا يفتقر إلى التأجيل إذا صح بما في الذمة، صح بالعين، كالبيع، والإجارة. 14891 - فإن قبلوا فقالوا: يصح على نفس الحر، لم يكن للوصف في القلب تأثير. 14892 - ولأن كل ما يلزم المدعي عليه لا يجوز فيه النيابة، صحت الكفالة به

مع القدرة على تسليمه، كالأموال. 14893 - احتجوا: بأنه يثبت في ذمته عينًا بعقد، أو ضمن بيعه عينًا بعقد، فوجب أن يكون باطلا، كما لو أسلم في ثمرة نخلة قائمة. 14894 - قلنا: لا نسلم أنه يثبت في ذمته عينًا، وإنما ضمن الإحضار، وذلك ليس بعين. 14895 - فإن قيل: هذه المسألة عبر عنها الفقهاء بأنها كفالة بالنفس. 14896 - قلنا: معناه: كفالة بإحضار النفس، وقد يحذف المضاف ويقام المضاف إليه مقامه. 14897 - فأما السلم في الأعيان: فإن لم يشترط التأجيل جاز العقد وكان بيعًا، وإن ذكر التأجيل فسد العقد، لأن الأعيان لا يصح تأجيلها. 14898 - فأما الكفالة: فالمضمون الإحضار وذلك يجري مجرى المنافع، فيصح دخول عليه. 14899 - قالوا: كفالة بنفس من عليه حق، فوجب أن تكون باطلة، أصله: إذا كانت ببدن من عليه حد. 14900 - قلنا: هذا الأصل غير مسلَّم، ويجوز الكفالة فيه بالإحضار على ما بينا. 14901 - قالوا: عقد على غير شرط فيه تأخير التسليم، فوجب أن لا يصح. أصله: إذا باع عينًا وشرط أن يسلمها في وقت مستقبل. 14902 - قلنا: لا نسلم أن العقد وقع على عين، وإنما وقع على منفعة. 14903 - وقولهم: - (شرط فيها تأخير التسليم-) لا معنى له، لأنه لو كفل بالنفس على أن يسلمها في الحال لم يصح عندهم، ولا معنى لذكر شرط التأخير.

14904 - ولأن الأعيان إذا شُرِط تأخير تسليمها لم يكن في ذلك فائدة إلا مع موجب العقد فيها، لأن المسلم في الثاني: هو الذي يسلم في الحال، وليس كذلك تسليم المكفول به، لأن التسليم في وقتٍ غيرُ التسليم في غيره، لأنه قد ينتفع بإحضاره في وقت مخصوص بإقامة البينة عليه، فصار ذلك كالأجل في الديون لما كان في ثبوته فائدة صح أن يثبت. 14905 - قالوا: كفالة بعين، فلم تصح كالكفالة بالمال الذي في يد الموصي والمضارب، وكما لو تكفل بنفسه، بغير إذنه. 14906 - قلنا: قد بينا أن الكفالة ليست بالعين، والوصف غير مسلَّم. فأما الكفالة بالمال إذا كان أمانة فإنها لا تصح، لأنه غير مضمون على المكفول عنه، فلا يصح أن يضمنه كفيله، وإنما يجب على المؤتمن دفع يده، والتخلية بين المالك وماله، فإذا ضمن ضامن هذا المعنى صح، كما أن حضور المدعي معنى يلزمه ويخاصم فيه، فيصح أن يضمن عنه. 14907 - فإن قيل: الشاهد يلزمه أن يحضر لأداء الشهادة، ولا يتكفل بحضوره. 14908 - قلنا: ما يلزمه عبادة لا يصح أن يخاصم فيها ولا يتكفل بها، كما لا تصح الكفالة بالعبادات، فأما إذا تكفل بالنفس بغير أمر المكفول عنه فتصح الكفالة عندنا، كما تصح الكفالة بالمال بأمره وبغير أمره. 14909 - قالوا: كفالة لا تجب في الذمة، فوجب أن لا تصح، كالكفالة بالأمانات. 14910 - قلنا: إذا جاز أن يلزم المدعي عليه مال في ذمته وجاز أن يلزمه حق هو الحضور، ثم لو جاز أن يضمن أحد الأمرين جاز أن يضمن الآخر. 14911 - والمعنى في الأمانات: ما ذكرنا: أن العين غير مضمونة على الأصيل،

فلم يضمنها الكفيل، ولهذا جوزنا الكفالة بالأعيان المضمونة، فأما أن يكفل بتسليم الأمانة فيجوز فيما يلزم الأصيل تسليمها. 14912 - فإن قيل: إنما تثبتون كلامكم في هذه المسألة على أن الحضور يستحق على المدعي عليه، ونحن لا نسلم ذلك، لأنه إن كان المدعي صادقا لزم دفع الحق، وإن كان كاذبا لم يجب عليه الحضور، وكان له دفعه عن نفسه. 14913 - قلنا: غلط، لأن المدعي قد يكون صادقًا، فلا يمكن الخروج من الحق إلا بالحضور، مثل أنَ تدَّعي عليه العُنَّة، فلا يمكن إيفاء الحق إلا بتأجيل الحاكم. والمدعي عليه القذف إذا كان صادقًا لم يمكنه إيفاء حقه إلا بالحاكم. ومن يدعي حقًا على الميت ولا يمكن الوصي دفع حقه وإن علم صدقه، لأنه لا يصدق على الصغار، ولابد من الحضور ليحكم الحاكم، فعلم أن التقسيم الذي قسموه ليس بصحيح. 14914 - ولأن المدعي إذا كان كاذبًا فإن الحضور فيه حق الله، ولهذا يطالب الحاكم به ويؤدب على الامتناع منه، فيجب عليه الحضور لحق الله تعالى وإن كان يعلم أنه لا حق عليه، كان أن القاذف إذا كان صادقًا يجب عليه الحضور مع مدعي القذف عليه، لأنه تعلق عليه حق الله تعالى وهو الجلد، فلزمه الحضور لأجل ذلك. 14915 - قالوا: لو صحت هذه الكفالة لم يبرأ الكفيل منها إلا بالإبراء أو بالأداء، كالكفالة بالديون، فلما سقطت بموت المكفول عنه علم أنها لا تصح. وربما قالوا: كل عين لم تكن مضمونة مع التلف لم تكن مضمونة مع السلامة، كالوديعة. 14916 - قلنا: إذا مات المكفول به فموته يسقط عنه الحضور، وسقوط الحق عن الأصيل يوجب سقوطه عن الكفيل. وبمثله في الكفالة بالمال إذا وهب مولى العبد عبده من غريمه برئِ كفيله، فلم يوجد هناك سقوط الدين عن كفيله.

مسألة 742 شرط الخيار في الكفالة

مسألة 742 شرط الخيار في الكفالة 14917 - قال أصحابنا: إذا شرط في الكفالة الخيار، جاز. 14918 - وقال الشافعي: لا يصح شرط الخيار فيها، وتبطل الكفالة. 14919 - لنا: أنه شرط يجوز في المبيع، فجاز في الكفالة، كشرط الأجل. ولأن كل عقد لا يسحق فيه القبض في حال المجلس لا يبطله خيار الثلاث، أصله: البيع. ولا يلزم: الصرف، والسلم، لأن القبض في المجلس فيهما شرط. ولا يلزم: النكاح، لأن خيار الشرط لا يبطله. ولأنه عقد يجوز بالدراهم المؤجلة، فلا يبطله خيرا الثلاث، كالبيع. 14920 - فإن قيل: جواز الخيار في البيع استحسان، وعندكم: لا يجوز القياس على موضع الاستحسان. 14921 - قلنا: يجوز عندنا إذا كان غير المذكور أولى بالحكم من المذكور، والخيار في خطاب، والكفالة تحتمل من الأخطار ما لا يحتمله البيع، فإذا جاز في البيع ففي الكفالة أولى. 14922 - احتجوا: بأن الكفيل قد دخل على بصيرة بترك حظه، فلم يثبت به الخيار، كالمولى في الكتابة. 14923 - قلنا: الأصل غير مسلَّم، ويجوز شرط الخيار في الكتابة.

14924 - ولأن الكفيل يحتاج إلى الارتياء، لأن من الناس من يكون مليَّا بالدين، فإذا تكفل عنه بأمره قدر على الرجوع، ومنهم من يكون بخلاف ذلك، وقد يتكفل ويكون الطالب سهل المطالبة ولا يفسده على غريمه، وقد يكون بخلاف ذلك، وهو بشرط الخيار ليختبر حالهما، كما شرط في المبيع لينظر هل له حظ أم لا. 14925 - قالوا: عقد يلزم بنفسه، فلد يدخله خيار الشرط، كالنكاح. 14926 - قلنا: خيار الشرط للفسخ، والنكاح لا يدخله الفسخ، والكفالة يدخلها الفسخ، ولا يعتبر فيها القبض في المجلس، كالبيع.

كتاب الشركة

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب الشركة

مسألة 743 شركة المفاوضة

مسألة 743 شركة المفاوضة 14927 - قال أصحابنا: شركة المفاوضة جائزة، وحكمها: أن يتساوي الشريكان في الأموال، لكن يصح عقد الشركة عليها، ويتساويان في التصرف، ويكون كل واحد منهما وكيل الآخر وكفيلاً عنه. 14928 - وقال الشافعي: شركة المفاوضة باطلة، وقال: إن كانت صحيحة فليس في الدنيا عقد باطل، ما القمار إلا هذا.

14929 - وهذا كلام يتوجه علي أبن أبي ليلى لأنه يقول: ما ورثه أحد المتفاوضين أو وهب له فللآخر نصفه، وكذلك إذا اخذ أحدهما كراء، فأما نحن فلا نقول هذا. والدليل على ما قلنا: قوله تعالى:} يأيها الذين أمنوا أوفوا بالعقود {، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (المسلمون عند شروطهم"، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (تفاوضوا فإنه أعظم للبركة)، وقال: إذا تفاوضتم فأحسنوا المفاوضة، فإنه أعظم للبركة، ولا تجادلوا فإن المجادلة من الشيطان). 14930 - ولا يقال: إنه محمول على المفاوضة في الرأي؛ لأن اللفظ عام في الجميع. 14931 - قالوا: هذا الاسم لهذا العقد لم يكن في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -. 14932 - قلنا: غلط؛ فإن العتبي قال في (علوم الحديث): المفاوضة لغة أهل الحجاز، وهذا يدل على أنهم يعرفون الاسم.

14933 - ولأنه نوع شركة؛ فكان منه ما يصح، كشركة العنان. ولا يلزم: الشركة بالعروض، وشركة الاحتطاب والاصطياد؛ لأنها بعض النوع، ألا ترى: أنها إما أن تقع مفاوضة، أو عنانًا. 14934 - قالوا: هذه الأنواع المشتركة اصطلح الفقهاء عليها، ولم تكن متنوعة على زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكيف تكون علة الحكم؟. 14935 - قلنا: شركة المفاوضة: لغة أهل الحجاز على ما قدمنا، وشركة العنان: اسم موضوع في اللغة، ذكره أهل اللغة في كتبهم وبينوا اشتقاقه، وجاء في الشعر: وشاركنا قريشًا في تقاها ... وفي أحسابها شرك العنان 14936 - وإذا كان هذا التنويع في الجاهلية لم يصح ما قالوه. 14937 - فإن قيل: في الشرع عقود انفرد كل واحد منها باسم وجميعها فاسدة

كبيع المجر، والملامسة، والمنابذة. 14938 - قلنا: هذا غلط؛ لأن أنواع البيع مع الأعيان والصرف والسلم، فأما بيع المجر فهو: عقد على عين مخصوص، كبيع الخمر والميتة، فهو بعض نوع بيوع الأعيان، وأما بيع المنابذة والملامسة: فهما أيضًا بعض نوع بيوع الأعيان، وإنما صفة الإيجاب والقبول فيهما تختلف. 14939 - فإن قيل: المعنى في العنان إذا تفاضلا في المال، فلا تصح المفاوضة، ثم التفاضل يبطل بموضوع عقد المفاوضة، لأن معناها التساوي، ولا يبطل موضوع العنان. 14940 - ولا يقال: لما صح أحد العقدين مع وجود معنى لا ينفي مقتضاه صح العقد الآخر معه وإن عين مقتضاه؛ ألا ترى: أن بيوع الأعيان لا يعتبر فيها التقابض ويعتبر في عقد الصرف. ثم لا يصح أن يقال: لما جاز البيع مع ترك التقابض جاز كذلك بالصرف، لأن الصرف

171/ب مأخوذ من صرف كل واحد منهما ما عقد عليه إلى الآخر/، فترك القبض ينفي موضوعه. 14941 - فإن قيل: المعنى في شركة العنان: أنها تصح مع اختلاف الدين، فصحت مع الاتفاق، [والمفاوضة لا تصح مع الاختلاف في الدين، فلم تصح مع الاتفاق]، أو يقولون: المعنى في العنان: أنها تصح بين الحر والعبد. 14942 - قلنا: أصل علتنا العنان مع اختلاف الدين بين الحر والعبد، ثم المسلم والكافر، والحر والعبد لا يتساويان في تصرفهما، وموضوع أحد التساوي، ولهذا تجوز المفاوضة بين اليهودي والنصراني وإن اختلف دينهما لتساويهما في عرفهما والاختلاف في التصرف لا ينفي مقتضي العنان، وينفي مقتضي المفاوضة، فلم يجز أن يقال: لما صح العقد مع وجود معنى لا ينفي مقتضاه، صح مع وجود معنى ينفيه على ما قدمنا. 14943 - ولأن ما يعقد عليه الشركة يجوز أن يشرط فيه التساوي. الدليل عليه: أن التساوي في صفة المال مشروط في الشركة باتفاق عندهم في جميع الشركة، وعندنا في المفاوضة إذا كان الاختلاف يوجد فلا يوجد في اختلاف القيمة، كذلك التساوي في قدر رأس المال يجوز أن يكون شرطا. 14944 - ولأن الشركة عقد يقصد به المال، فجاز أن يكون فيه ما شرطه التساوي في المال، كالصرف. 14945 - [ولأنه عقد يتناول ثمنين؛ فجاز أن يكون التساوي فيهما شرطًا، كالصرف].

ولأن العنان عقد شركة خاصا؛ فجاز أن تنعقد شركة هي أعم منها، كالشركة في نوع من المال. ولأن الكفالة نوع معاملة، أو عقد يوجب الضمان، أو عقد يتضمن تمليك دراهم بدراهم، فجاز أن تتضمنه الشركة والإذن في التصرف بها، أصله: البيع، والشركة. 14946 - ولا يلزم: النكاح؛ لأن مضمون المفاوضة أن كل واحد من المتفاوضين يتزوج أيتهما شاء. 14947 - ولأن عقود المعاملات أحد نوعي العقود؛ فجاز أن يؤثر اختلاف الدين في فساده، كالنكاح. 14948 - احتجوا: بما روي (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهي عن الغرر)، وفي هذه الشركة غرر؛ لأنه لا يدري ما يضمن صاحبهُ، وإنما يعرف قدره. 14949 - الجواب: أنا قد بينا أن أصل الخبر: (نهي عن بيع الغرر) مطلق، والمطلق عند مخالفنا يحمل على المقيد. ولأن الغرر: ما كان الغالب فيه عدم السلامة، وهذا لا يوجد في الشركة، لأن الغالب فيها السلامة. 14950 - قالوا: شركة لا تصح مع اختلاف الدين؛ فلم تصح مع اتفاقه، كالشركة في العروض والاحتطاب.

14951 - قلنا: إذا اختلفا في الدين تفاوت تصرفهما، فلم يوجد مقتضي العقد، وإذا اتفقا وجد مقتضاه. 14952 - ولا يقال: إن العقد إذا لم يصح مع فقد مقتضاه، كذلك مع وجوده، فأما العنان فمقتضي العقد يوجد مع اختلاف الدين واتفاقه، فصح كل الوجهين، كالبيع. يبين ذلك: أن النكاح لما كان مقتضاه الإباحة لم يوجد بين المسلم والمجوسية، وبين الكافر والمسلمة لم يصح العقد لفقط مقتضاه، وصح مع اتفاق الدين لوجود مقتضاه. ولهذا نقول: إن اختلاف الدين إذا لم يوجب اختلاف التصرف لم يمنع المفاوضة، كالكافرين، وكذلك اختلاف الدين إذا لم يمنع الإباحة لم يؤثر في النكاح، كالمسلم والكتابية واليهودية والنصرانية. وأما الشركة في العروض والاحتطاب، فلو عقداها خاصة وهي العنان لم تصح، كذلك إذا عقداها عامة وجب أن لا تصح. 14953 - قالوا: شركة لا تصح مع التفاضل في جنس المال الذي اشتركا فيه، فكذلك مع اتفاقه؛ أصله: إذا شرطا أن ينفرد أحدهما بشيء من الربح والباقي بينهما. 14954 - قلنا: التفاضل في المال يزول به مقتضي العقد، والتساوي فيه يوجد معه مقتضاه. ولا يقال: لما لم يصح (مقتضي) العقد (وهو البقاء) إذا البقاء مقتضاه لم يصح إن وجد، أصله: إذا [شرطا التفاصيل في الربح.

14955 - والمعنى: أنه شرط لو صح أدي إلى التفاضل المفسد للعقد. وإذا] شرطا التساوي بخلافه، ولهذا نقول: إن شرط الربح في العنان يصح، لأنه لا يؤدي إلى إبطال الشركة بنفي مقتضاها. 14956 - قالوا: عقد لا يصح بين المسلم والذمي من غير أن يلحق بالمسلم صغار، فلم يصح بين المسلمين، كشركة الاحتطاب. 14957 - قلنا: هذا الوصف الذي احترزتم به عن النكاح لعدم الإباحة للصغار. ألا ترى: أن المسلم لم يتزوج الوثنية والمجوسية لعدم الإباحة وإن لم يلحقه بذلك صغار، فثبت أن اختلاف الدين يؤثر في العقد إذا انتفي مقتضاه، كذلك الشركة إذا انتفي باختلاف الدين مقتضاها من التساوي في التصرف لم يصح، وإن وجد مقتضاها مع اختلاف الدين. 14958 - قالوا: عقد شركة على أن يشارك كل واحد منهما صاحبه في ضمان ما لا تقتضيه الشركة، فوجب أن تكون باطلة. أصله: إذا شرطا أن يدخلا في ضمان الجناية على الآخر. 14959 - قلنا: عندنا يضمن كل واحد منهما عن الآخر ما يلزمه من الضمان فيما يتعلق بالتجارات وضمان البيع الفاسد، وكذلك الضمان المتعلق بالمغصوب يتعلق بالتجارة، لأن ضمانه موضوع للتمليك عندنا. 14960 - ولأن التجار قد يكون منهم التفريط في الأمانات، فلم نسلم أنه شرط المشاركة في ضمان ما لا تقتضيه الشركة. والأصل غير مسلم؛ لأنها تقتضي مشاركة كل واحد منهما صاحبه فيما يكتسبه بصنعته من غير مال الشركة،

والثاني: المشاركة في الضمان الذي يلزمه في غير مال الشركة بعقد الكفالة وبالغصب وضمان ما يتقبله من الأعمال. 14961 - قالوا: بدل عمله لا يجوز أن يشارك فيه؛ لأن عمله ملكه، فهو كبدل ثوبه، وكمهر الشريكة. 14962 - قالوا: ولا تصح المشاركة في الضمان؛ لأن المضمون له مجهول، فهو كما لو قال (أضمن شخصًا فلا يصح): لأن عندنا ما يتقبله أحدهما من الأعمال يلزمهما جميعًا، وكأنهما عقدًا عليه. وما ابتاعه أحدهما فكأنهما ابتاعاه، والعمل واجب عليهما والأجرة لهما، فكل واحد منهما يستحق بدل العمل الذي لزمه بالعقد، فإذا انفرد بالعمل صار معينًا لشريكه، فحكمه حكم من يقبل بعمل من الأعمال واستعان برجل حتى يعمله، فإن الأجرة للعاقد وإن كان العمل حصل من غيره فيكون مستحقا بالعقد، وجاز فيها ما لا يجوز بالانفراد، ألا ترى: أن شركة العنان تتضمن الوكالة وتصح مع جهالة ما وكله بابتياعه، ولو أفرد الوكالة بذلك لم تصح، فإذا صارت تابعة للعقد جاز فيها ما لا يجوز على الانفراد. وكذلك المضاربة إذا قال: خذ هذه الألف مضاربة بالنصف جاز. 14963 - ولو قال: وكلتك، ولم يبين ما وكله لم يصح، ولو انفرد بالوكالة انعزل بالنهي، ولو نهي المضارب عن التصرف بعد الشرى لم يؤثر النهي في منعه من

البيع، وبيع الشريك على الانفراد لا يصح، ولو دخل تابعا على الأرض جاز، ولو باع عبدًا بثمن مجهول لم يصح البيع، ولو باع عبدين بألف جاز العقد مع جهالة حصة كل واحد من العبدين، فثبت أن الشيء يجوز فيه تبعًا لعقد ما لا يجوز فيه إذا أفرده بالعقد، كذلك الكفالة لمكفول له مجهول لا تصح، وإن صارت تابعة لعقد الشركة جازت. * * *

مسألة 744 حكم شركة الصنائع

مسألة 744 حكم شركة الصنائع 14964 - قال أصحابنا: شركة الصنائع جائزة. 14965 - وقال الشافعي: باطلة. لنا: أن الناس يعقدون هذه الشركة في سائر الأعصار، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:) ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون سيئة فهو عند الله سيئة). 14966 - ولأنها نوع شركة كان منها ما يجوز، كشركة المال. ولأن ما يستحق به الربح في المضاربة يجوز أن يستحق به الربح في الشركة، كالأموال.

14967 - ولأنها نوع شركة ينعقد على مال من جنبة وعمل من الأخرى، وذلك مختلف؛ فإذا انعقدت من الجنبتين كانت أقرب إلى الجواز، لأن الاتفاق فيما تنعقد عليه الشركة أقرب إلى الصحة من الاختلاف، ألا ترى: أنهما إذا اشتركا ومال كل واحد منهما دراهم جازت الشركة باتفاق، فإذا كان من أحدهما: دراهم، ومن الآخر: دنانير لم تجز مع الاختلاف في العقد، فإذا جازت الشركة في المضاربة على مال وعمل، فلأن تجوز في مسألتنا على عملين أولى. 14968 - فإن قيل: المضاربة تنعقد على المال، والعمل تبع، بدليل: أنها إذا فسدت كان جميع الربح لرب المال، وللآخر أجرة مثله. 14969 - قلنا: لا يجوز أن يكون المعقود عليه من إحدى الجنبتين تابعًا لما في الجنبة الأخرى، وإنما يكون ما هو من جنبة واحدة بعضه تابع لبعض. 14970 - فأما استحقاق الربح: فلأن التسليم يبطل في العقد الفاسد، فيستحق المضارب قيمة ما بذله وهو أجل المثل. 14971 - ولأن ما تصح فيه الوكالة تصح فيه الشركة، أصله: المال وعكسه الاحتطاب. ولأن ما جاز أن يشرط في المضاربة من أحد جانبيها جاز أن تنعقد عليه الشركة من الجنبتين، كالمال. 14972 - احتجوا: بأنهما عقدًا شركة على أن يشارك كل واحد منهما

صاحبه في فائدة كسبه المنفرد به، فوجب أن تكون باطلة، كالشركة في الاصطياد. 14973 - قلنا: الوصف غير سليم؛ لأن كل ما يتقبله كل واحد منهما يلزمه 172/أنصف العمل ونصفه يلزم / شريكه؛ لأنه وكيله في تقبل العمل، فإن عملا فكل واحد منهما يستحق فائدة عمله فهو كسبه، فإن انفرد أحدهما بالعمل فقد أعان شريكه فيما يلزمه فوقع عمله، وكأن شريكه استعان بأجنبي حتى عمل. 14974 - فإن قيل: هذا يصح إذا تقبل العمل مطلقًا، فأما إذا استؤجر أحدهما على أن يعمل بنفسه لم يجز أن يلزم شريكه العمل، فلا يجوز ضمانه عنه. 14975 - قلنا: العمل وحده لا يدخل في الشركة عندنا، وإنما يدخل فيها ما يتقبله مطلقًا، فيلزم العلم لكل واحد منهما، وأما إذا أجر نفسه خاصة لم يصح ضمان هذا العمل ولا الوكالة فيه، فلا يدخل في الشركة. 14976 - فإن قيل: لو أخذ أحدهما عملاً على وجه الجعالة فقيل له: إن خطت هذا الثوب فلك درهم [دخل في الشركة والعمل غير مضمون، فإنه مخير إن شاء عمل وإن شاء لم يعمل. 14977 - قلنا: الجعالة لا نعرفها، ومتى قال: إن خطت هذا الثوب فلك درهم] فقيل هي إجارة العرف، والعمل مضمون فيها. 14978 - قالوا: عقد شركة على غير مال، أو عقد على غير الدراهم والدنانير، أو على غير الأثمان، أو على ما لا مثل له، فصار كالشركة في

الاحتطاب، والاصطياد، والعروض. 14979 - قلنا: إن قلتم: على غير مال لم يعلم الوصف في الأصل، لأن الحطب والصيد مال، وإن قلتم: ما لا مثل له، لم يصح؛ لأن العمل له مثل، ولهذا يلزم الضامن. 14980 - فإن قالوا: معنى قولنا: (أنه لا مثل له (أنه لا يجب بالاستهلاك، وبضمان العقد الفاسد مثله. 14981 - قلنا: أما بالاستهلاك فالعمل لا يضمن عندنا، وأما بالعقد الفاسد فإنما يلزم مثل العمل؛ لأن معاوضة العمل بجنسه لا يجوز عندنا. 14982 - وأما تقومه بغير الأثمان أو بغير الدراهم والدنانير، فلا يصح، لأن هذا العقد لو اختص من أحد جنبتيه بالأثمان لم ينعقد حتى يوجد الأثمان من جنسه كعقد الصرف، فلما جازت المضاربة وليس الثمن في أحد جنبيها، دل على أن العقد لا يختص بالأثمان. يبين ذلك: أن كل عقد انعقد من أحد جنبيه على العمل، يفعل على تحمل جنبه (الآخر البدل)، كالإجارة.

14983 - فأما أصل العلة في الفساد إن كانت الشركة في الاحتطاب، فالمعنى فيها: أنها لو صحت استحق كل واحد منهما كسب الآخر من غير مال ولا عمل. 14984 - ولأن الضمان كالربح في الشريعة لا يستحق إلا بأحد هذه الوجوه، وليس كذلك في مسألتنا، لأنه يستحق بعض الكسب بالضمان، لأنه وكله بالتقبل فضمن الموكل العمل فاستحق بعض بدله بضمانه، وقد فرق أصحابنا بينهما تفريقًا، ذكره محمد، وهو أن الشركة تنعقد فيما تصح به الوكالة. 14985 - فأما إذا اشتركا شركة عنان، فكل واحد منهما وكيل الآخر في نصف ما يبتاعه. وإذا اشتركا في الصنعة فكل واحد وكيل الآخر في التقبل، فلما وقعت الشركة فيما يصح التوكيل فيه صحت. 14986 - وأما الاحتطاب: فالشركة تقع على وجه لا يصح التوكيل فيه، لأنه لو قال: وكلتك على أن تحتطب، فاحتطب، كان ذلك للوكيل دون الموكل، فلما لم تصح الوكالة على هذا الوجه لم تصح الشركة، فصار لمخالفنا الكلام على هذا الفرق، وقال: يجوز أن يستأجره يومًا فيحتطب له، وهذا عدول عن الطريق لأنا لا نمنع أن يستحق ذلك بالاستئجار. والكلام في الوكالة. 14987 - وقال بعضهم: في الوكيل بالاحتطاب وجهان. فإن قيل: يجوز أن يوكله بأن يحتطب له لم نسلم الفرق، وهذا عدول عند ضيق الكلام بهم إلى مخالفة الإجماع. ثم هو فاسد؛ لأن الحطب يملك بالحيازة، وقد حصل ذلك بفعل المحتطب،

وكيف ينتقل الملك إلى غيره؟. ومنهم من تعاطي الكلام مع التسليم، فقال: التوكيل يجوز في عمل الصنائع، وعندكم الوكالة بتملك الكسب، فهو كالتوكيل بتملك الحطب. 14988 - وهذا كلام من لا يتصور مذهب خصمه، لأن التوكيل قد بينا أنه في التقبل له، فيقوم مقامه في قبول عقد الإجارة، كما يقوم مقامه في قبول عقد الشرى، ثم في تملك الكسب لا بالوكالة، لكن لأنها بدل عقد وقع له، فإن كان أصل العلة الشركة بالعروض، لأنها لا تصير مضمونة على بائعها بالعقد، وإنما ينفسخ العقد بهلاكها، فلو صحت الشركة استحق أحدهما ربح ما لم يضمن من مال صاحبه، وفي مسألتنا: يستحق ربح ما قد ضمنه، فلذلك افترقا. 14989 - قالوا: عمله له، فبدله له كبدل منافع داره. 14990 - قلنا: العمل بالعقد لزمهما، والأجرة بدل عن العمل المعقود عليه والعمل بينهما على ما وجب على شريكه بالأجرة كمن ضمن العمل، كالقصار إذا استعان برجل على قصارة الثوب كان الأجرة للقصار دون العامل، ولم يجز أن يقال: إن الأجرة بدل عمل العالم، فكانت له، كذلك في مسألتنا. 14991 - قالوا: عقد شركة على منافع أعيان مثمرة، فوجب أن تكون باطلة، كما إذا كان لكل واحد منهما دار فاشتركا في منافعهما. 14992 - قلنا: اشتركا في تقبل الأعمال وضمانها بالعقود، ولو اشتركا في المنافع لم يجز. ولا فرق بين الأصل والفرع عندنا؛ لأنهما لو اشتركا في أن يتقبلا من الناس

إحراز أموالهم ووضعها في الدور فتقبلا بذلك ووضعا المتاع في داريهما، أو في دار أحدهما، استحقا الأجرة، وإن اشتركا في منافع الدارين لا على هذا الوجه لم يصح، كذلك في مسألتنا. 14933 - قالوا: العقد يقع على العلم؛ بدلالة: أنه إذا كان فاسدًا وجب لكل واحد أجر مثله والعمل مجهول لا يعرف قدره، فلم يصح العقد عليه. 14994 - قلنا: قد بينا أن العقد لا يقع على العمل؛ وقولهم: (إنه يستحق في الشركة أجر المثل غلط، لأنهما اشتركا على أن يعمل أحدهما خاصة، فالشركة بينهما كانت باطلة، كذلك إذا اشتركا على أن يعملا؛ لأنه يفضي إلى ذلك، بدليل: أنه لو مرض أحدهما وعمل الآخر خاصة، صحت هذه الشركة عندنا. * * *

مسألة 745 حكم شركة الوجوه

مسألة 745 حكم شركة الوجوه 14995 - قال أصحابنا: شركة الوجوه جائزة، وهي: الرجلان يشتركان بغير مال على أن ما اشتريا فهو بينهما. 14996 - وقال الشافعي: الشركة باطلة، وما يشتريه أحدهما يكون له، إلا بشرائط أربعة: أن يأذن له، ويذكر جنس المبيع، وقدره، ويبين أن يشتريه بينهما، فإذا اجتمعت الشرائط كان المشتري بينهما. لنا: أن الناس يعقدون هذه الشركة في سائر الأعصار من غير نكير. ولأنه نوع شركة؛ فوجب أن يكون منه ما يصح، كشركة الأموال. ولأنهما اشتركا في الابتياع، فما يبتاعه أحدهما يكون بينهما، كما لو قال: اشتركنا فيما نشتريه من البر اليوم بألف درهم، فابتاع الآخر يكون لهما.

14997 - ولأن ما جازت الوكالة فيه بالشري جازت الشركة فيه، أصله: الأموال، ونعني بذلك إذا سمى الجنس والقدر. 14998 - ولأن الوكالة فيه بالشرى تارة تقع بمال معين، وتارة بمال في الذمة، فلما جازت الوكالة مع الجهالة في إحدى وكالتين تابعة للشركة، جازت كذلك الأخرى. 14999 - احتج أصحاب الشافعي في هذه المسألة بما احتجوا به في الأولي، ونحن نذكر ما يجوز أن يحتج به. إن قيل: لو اشتري ابتداء بالمال فهلك، بطلت الشركة، فإذا عقداها بغير مال لم تنعقد: ألا ترى: أنهما لو تبايعا فهلك المبيع بطل العقد، فلو تبايعا مبيعًا معدومًا لم ينعقد. 15000 - فإن قيل: لو وكله أن يشتري له بدراهم سلمها إليه فهلكت بطلت الوكالة، فلو وكله ابتداء بالشري ولم يدفع إليه مالاً، صحت الوكالة، كذلك الشركة. 15001 - وإنما كان هكذا؛ لأنه إذا عين المال لم يرض أن يثبت في ذمته مطالبة، وإنما رضي بإثبات الحق في المال المعين، فلو لم تبطل الشركة والوكالة بالهلاك ثبت له الثمن في ذمته، ولم يرض بهذا المعنى. وإذا وكله أو شاركه بغير مال فقد رضي بإثبات الحق في ذمته والرجوع عليه، فلذلك جاز أن تنعقد الشركة. 15002 - فإن قيل: نوع شركة، فلم ينعقد بغير مال، كالمضاربة. 15003 - قلنا: المضاربة استئجار العالم بجزء من ربح المال، والإجارة لا تصح إلا أن يذكر فيها أجرة، وفي مسألتنا: وكالة بالشرى، والوكالة لا تفتقر إلى تسمية مال، ولا إلى أجرة.

مسألة 746 حكم الشركة بالأثمان المختلفة الجنس والصفة

مسألة 746 حكم الشركة بالأثمان المختلفة الجنس والصفة 15004 - قال أصحابنا: تجوز الشركة بالأثمان، المختلفة الجنس والصفة. 15005 - وقال زفر: لا تصح. 15006 - وقال الشافعي: لا تصح الشركة حتى يكون مال كل واحد منهما من جنس مال الآخر وعلى صفته، حتى إذا اختلطا لم يتميزا، فلو كان لأحدهما دراهم وللآخر دنانير لم تجز. وكذلك لو كان لهما دراهم إلا أن صفتها تختلف، كالمكسرة، والصحاح، أو المغراة، لم تصح الشركة. 15007 - لنا: أن الناس يشتركون في سائر الأعصار / بالمال ولا تتفق صفاته، لأنه 172/ب قد يكون في رأس مال أحدهما مكسرة أكثر من الآخر، أو يكون في أحد المالين قطوع

وليس في الآخر كذلك، أو يكون في بعضها درهم مغري أو مثقوب، ولا ينكر أحد ذلك، فدل على جوازه. ولأن المالين من جنس الأثمان، فجاز أن ينعقد عليهما عقد الشركة. أصله: إذا كانا من جنس واحد على صفة واحدة. ولأن كل عقد جاز على الدراهم بمثلها والدنانير، كالصرف. ولأنه عقد يقصد به الربح؛ فجاز أن يكون المعقود في أحد جنبيه يخالف ما في الجنب الآخر، كالمضاربة. 15008 - ولأن الوكالة يصح أن تنعقد على هذا الوجه إذا وكل أحدهما الآخر أن يشتري له نصف العبد بدراهم، ووكله الآخر أن يشتري له نصف العبد بدنانير، وما جاز أن تنعقد عليه الوكالة بالشرى جازت الشركة عليه، كالنوع الواحد. 15009 - احتجوا: بأنهما مالان لا يختلطان، فإذا عقدا فيهما الشركة لم يصح، كالحنطة والشعير. وربما قالوا: مالان مختلفان في الصفة، أو مالان لا يختلط أحدهما بالآخر، فوجب أن لا يصح عقد الشركة عليهما، أصله: إذا أخرج أحدهما دراهم أو دنانير والآخر طعامًا. 150100 - قلنا: المعنى في الأصل: أنهما ليسا من جنس الأثمان [وليس كذلك في مسألتنا؛ لأنهما من جنس الأثمان]، كالصنف الواحد. 15011 - فإن قيل: اتفاقهما في أنهما ثمن لا يقتضي جواز الشركة، كما أن اتفاق المالين في كونهما ثمنين لا يوجب جواز الشركة. 15012 - قلنا: اتفاقهما فيما ذكرتم إنما يكون علة؛ لأنها تنتقض بالعروض، واتفاقهما في الثمنية لا ينتقض.

15013 - ولأن الحنطة والشعير لا تصح علتهما مطلقًا، فلذلك انعقدت الشركة عليهما، كالنوع الواحد. 15014 - قالوا: الشركة في العروض لا تصح؛ لأنها تفضي إلى أن يشتركا في ربح أحدهما، وهو أن يربح أحد المالين دون الآخر. 15015 - قلنا: الربح يتعين بالشراء، وما يشتريه بأحد المالين بينهما، ويثبت مثل نصف الثمن عليه، فيحصل الربح في ماله. 15016 - قالوا: الشركة مأخوذة من الاختلاط؛ فلا تصح فيما لا يختلط. 15017 - قلنا: إن المطلوب بالشركة الربح، وهو لا يظهر إلا مشتركًا، فإذا حصل الاختلاط في مقصود العقد وجد معناه. * * *

مسالة 747 حكم الشركة إذا اشتركا في المال ولم يخلطاه

مسالة 747 حكم الشركة إذا اشتركا في المال ولم يخلطاه 15018 - قال أصحابنا: إذا اشتركا في المال صحت الشركة، وإن لم يخلطا المالين. 15019 - وقال الشافعي: لا تصح الشركة حتى يختلط مالهما، ولا يتميز أحد المالين من الآخر. لنا: أنه عقد قصد به الربح، فلا يشترط فيه الخلط، كالمضاربة. 1520 - ولأنه نوع عقد؛ فلا تقف صحته على الخلط، كسائر العقود. 15021 - ولأنهما اشتركا في جنس لأثمان، فصحت الشركة كما لو خلطا. 15022 - ولأن الخلط إذا حصل ثم ابتاعا بالمال شيئًا كان الربح بينهما من غير عقد، فلو شرطنا الخلط صار وجود العقد وعدمه سواء على قول مخالفنا. 15023 - احتجوا: بأنهما مالان متميزان، فإذا عقدا عليهما الشركة لم يصح، كالحنطة.

15024 - قلنا: العقد صحيح، لكنه لم يتم عندهم، فالوصف لا يستقيم، والمعنى في الحنطة: أنها من غير الأثمان، أو أن إطلاق الشرى بها لا يصح. 15025 - قالوا: معنى الشركة: أن يختلط المالان حتى يصيرا كالشيء الواحد، وهذا لا يوجد [قبل الخلط. 15026 - قلنا: معنى الشركة: أن يكون المطلوب بها يثبت مختلطًا، وهذا يوجد] وإن لم يخلط المال، فإنهما إذا ابتاعا شيئًا ملكاه غير متميز، فوجد معنى الشركة؛ يبين ذلك: أنهما بهذا العقد لم يقصدا أن يوجب كل واحد منهما للآخر حقًا في رأس المال، وإنما قصدا إيجاب الحق في المشتري وفي الربح، وذلك موجود. 15027 - قالوا: مال كل واحد منهما يتلف على ملكه، فلا يوجد معنى الشركة. 15028 - قلنا: مال المضاربة يتلف على ملك رب المال، ومعنى الشركة فيه موجود. ولأنا بينا أن الشركة إيجاب فيما يستفاد بها، وليست إيجاب حق في رأس المال، فلو وقف تمامها على أن يكون الهالك من مالهما صارت إيجاب حق في رأس المال، وهذا خلاف المقصود. 15029 - قالوا: الشركة تحصل عند العقد، فإذا لم يختلطا فما اشتركا في شيء. 15030 - قلنا: هذا حجة عليكم، لأنه يقال: اشتركا إذا عقدا العقد، وإن كان تمامه يقف عندكم على الخلط الموجب للاشتراك، كذلك عندنا يوجد الاسم بالعقد، وتمامه يقف على وجود التصرف الذي يحصل به معنى العقد من الاشتراك.

مسألة 748 حكم التفاضل في الربح مع التساوي في المال

مسألة 748 حكم التفاضل في الربح مع التساوي في المال 15031 - قال أصحابنا: إذا تساويا في المال وتفاضلا في الربح، جاز. 15032 - وقال زفر: لا يجوز، وبه قال الشافعي. لنا: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (المسلمون عند شروطهم). وروى عن علي رضي الله عنه أنه قال: (الربح على ما شرطا، والوضيعة على قدر المالين)، ولم يفصل. 15033 - ولأن ما جاز أن يستحق به الربح في المضاربة جاز أن يستحق به في الشركة، كالمال. 15034 - ولأن كل شخصين جاز أن يتساويا في الربح جاز أن يتفاضلا فيه، كرب المال، والمضارب. 15035 - ولا يلزم: المتفاوضان، لأنه يجوز أن يتفاضلا في الربح وتصير

شركتهما عنانًا. 15036 - ولأنها شركة لا تقتضي المساواة؛ فجاز أن يستحق الربح فيها بالعمل، كالمضاربة. 15037 - [فإن قيل: المضاربة يستحق بإطلاقها مال في مقابلة العمل، فجاز أن يستحق بالشرط، فالشركة لا يستحق بإطلاقها] شيء في مقابلة العمل، فلم يستحق بالشرط. 15038 - قلنا: في الشركة شرط التفاضل في الربح يصيرها في معنى المضاربة، فإذا أطلقه لم يوجد فيها هذا المعنى، والمضاربة مع الإطلاق والشرط هي صريح العقد المقتضي للعوض في مقابلة العمل، فاستوي فيها الشرط وعدم الشرط، يبين ذلك: أن الهبة تصير في معنى البيع بشرط العوض، فثبت فيها أحكام البيع، [فإذا لم يشترط العوض لم يثبت أحكام البيع] والبيع يثبت أحكامه بإطلاقه لا بمعنى آخر. 15039 - ولأن المال المعقود عليه في الشركة مقصود بها، وكذلك المال المستفاد بها؛ ثم إذا جاز أن يتفاضلا في أحد المالين، جاز أن يتفاضلا في الآخر، وتحريره: مال مقصود بعقد الشركة؛ فجاز التفاضل فيه، كرأس المال. 15040 - احتجوا: بأنه عدل بالربح عن التقسيط على قدر المالين؛ فوجب أن تبطل الشركة. أصله: إذا شرط كل الربح لأحدهما. 15041 - قلنا: يبطل بالمال المشترك إذا دفعاه مضاربة، وشرطا للمضارب

جزءًا من الربح ولكل واحد منهما جزءًا فقد عدلا بالربح عن التقسيط على قدر المالين، ولا تبطل الشركة. 15042 - والمعنى في الأصل: أنهما أخرجا العقد عن موضوع الشركة حين أفرد أحدهما بالربح، فصار نصيب شريكه فرضًا عليه، ومتى شرط لكل واحد مقدارًا من الربح، فلم يخرجاه عن موضوع الشركة (لشيوع) الربح بينهما، فلم يبطل معنى الشركة. يبين ذلك: أن المضارب لو شرط جميع الربح لأحدهما بطل معنى المضاربة، فإذا شرط لرب المال صار المضارب مبضعًا وإن شرط للمضارب كان رب المال مقرضًا، ولو تفاضلا في الربح لم يخرج العقد عن موضوع المضاربة، كذلك في مسألتنا. 15043 - قالوا: أحد موجبي الشركة، فإذا شرطا التفاضل فيه بطل، كالوضيعة. 15044 - قلنا: الوضيعة جزء هالك من المال، وذلك لا يتبع العمل، والربح يستفاد بالمال، وذلك يتبع العمل. ألا ترى: أن العمل مؤثر في الربح غير مؤثر في الوضيعة، ولهذا يجوز استحقاق الربح في المضاربة بالشرط، ولو شرطا الوضيعة عليهما كانت في رأس المال، فأثر الشرط في استحقاق الربح، ولم يعتبر في تغيير حكم الوضيعة. ولأن الوضيعة: لما كانت هلاك جزء من المال، وذلك لا يكون مستحقا على غير المال، والربح نماء من المالك، وذلك يستحقه غير مالك المال. 15045 - قالوا: شرطا قسطًا من الربح من لا يقتضيه إطلاقهما؛ فوجب أن

تكون باطلة، كما لو شرط ذلك لأجنبي. 15046 - قلنا: الربح يستحق في الأصول بالمال أو العمل أو الضمان، ولم يوجد في الأجنبي واحد من هذه الشروط، فلم يستحق. والشريك في مسألتنا وجد من جهته العمل وذلك من أسباب استحقاق الربح، ولهذا يستحق المضارب ما شرط لوجود شرط العمل ولو جعل للأجنبي لم يصح لعدم المال والعمل. 15047 - قالوا: إذا فضل أحدهما في الربح كان مضاربة في نصيب شريكه، وقد شرط عمل رب المال فيها، وهذا يبطل المضاربة. 15048 - قلنا: هذا العقد فيه معنى المضاربة وليس بصريحها، ولا يجوز اعتبار جميع شرائط المضاربة؛ ألا ترى: أن في المضاربة معنى الإجارة، ولا يعتبر فيها جميع شرائط الإجارة؛ بدلالة: أنها تصح وإن لم يسم مدة معلومة ولا أجرة معلومة. 15049 - ثم لا فرق بين هذا وبين المضاربة، لأن من أصحابنا من قال: إذا شرط عمل رب المال وعمل المضارب ولم يشترط اجتماعهما في التصرف، فلم تبطل المضاربة، وإنما يبطلها إن شرط عمل رب المال معه حتى لا يجوز الانفراد بالعمل، 173/أكذلك/ في مسألتنا: إن شرط عملهما مجتمعا ومتفرقا جاز. وإن قال: على أن لا يتصرفا إلا معًا لا يصح حتى يوجد تسليم المال إلى المضارب، وهذا لا يوجد في مسألتنا. 15050 - قلنا: هذا الاختلاف لمعنى صحيح، وذلك لأن المضاربة ائتمان للمضارب، فلا تتم الأمانة إلا بالتسليم، كالوديعة؛ وفي الشركة: كل واحد منهما مؤتمن للآخر، فتصح الأمانة وإن لم ينفرد أحدهما، كالمودعين والمضاربين. 15051 - قالوا: نماء مشترك؛ فوجب أن يكون على قدر المالين؛ أصله: ثمرة البستان، وأجرة العقار، وكسب العبد، وأولاد الماشية وألبانها. 15052 - قلنا: النماء إذا لم يجز أن يستحق غير الشريك جزءًا منه بالعمل في

المال [لم يجز أن يستحق فيه الشريك، والربح يجوز أن يستحق غير الشريك جزءا منه بالعمل في المال] فجاز أن يستحقه الشريك. يبين ذلك: أنه ليس لأحدهما تأثير في حصول الولد، فلا يستحق بعضه بالعمل، فأما الربح فللعمل تأثير فيه، فجاز أن يستحق به. 15053 - فإن قيل: لو عمل الشريك الذي شرط له أقل النصيبين استحق الآخر الفضل، فدل على أنه لا يستحقه بالعمل. 15054 - قلنا: إنما نعني بقولنا: أنه يستحقه بالعمل أنه يستحقه بشرط العمل لا بوجوده. يبين ذلك: أن المضارب يستحق الربح بالعمل، ولو لم يعمل وعمل رب المال استحق [المضارب الربح؛ لأن عمل رب المال وقع إعانة له، كذلك في مسألتنا. 15055 - فإن قيل: إذا عملا جميعا في المال استحق] عندكم أحدهما عوضا بعمله، ولم يستحق الآخر شيئًا. 15056 - قلنا: لأن أحدهما تبرع بعمله، وهذا غير ممتنع، كما لو استأجر رجل رجلا للخدمة. 15057 - قالوا: هذه شركة تتضمن، المضاربة، والعقد الواحد لا يجمع بين عقدين، وكذلك لو باع ثوبا بدينار وخدمة المشتري شهرًا؛ جاز وجمع العقد الإجارة والبيع. * * *

مسألة 749 لمن تكون الأجرة في الشركة الفاسدة؟

مسألة 749 لمن تكون الأجرة في الشركة الفاسدة؟ 15058 - قال أصحابنا: إذا اشتركا شركة فاسدة والربح على مقدار رأس المال؛ فلا أجرة لواحد منهما. 15059 - وقال الشافعي: يقتسمان الربح على مقدار رؤوس مالهما ولكل واحد منهما أجر مثله فيما عمل، أو يسقط منه حصة نصيبه، ويستحق الباقي ويتقاصان به، فإن فضل شيء استحقه من ثبت له. 15060 - لنا: أن من استحق الربح المشروط في الشركة لم يستحق أجرة عمله فيها، كالشركة الصحيحة، وهذا فرض فيه إذا شرطا في الشركة الربح بقدر المال. 15061 - ولأنه استحق جزءًا من ربح ما عمل منه؛ فلا يستحق الأجرة في شيء منه، كالمضارب. 15062 - احتجوا: بأنه عقد يبتغي منه الفضل في باقي الحال؛ فوجب أن يقابل العمل فيه عوض، كالمضاربة. 15063 - قلنا: يبطل بالشركة الصحيحة، ولأن المضاربة لا تخلو صحتها من

عوض في مقابلة العمل، كذلك فاسدها. 15064 - قالوا: إذا كان المال متساويًا وشرط التفاضل في الربح فلم يرض الذي شرط له الفضل بالعمل إلا أن يستحق الأجر وإن لم يشرط في مقابلة عمله عوضًا إذا كانا قد شرطا الربح على مقدار المال، فلا معنى لاعتبار شرط العوض، [فأما على قولنا فالأجرة لا تستحق في مقابلة العمل في مال الشركة، فهو ضمان بشرط العوض] لا يكون آكد من شرط الأجرة. 15065 - فإن قيل: عندكم يستحق العوض عن عمله في الشركة الصحيحة إذا شرط له الفضل، كذلك في الفاسدة. 15066 - قلنا: الربح في الشركة ليس بعوض، وإنما يقابل العمل، ولهذا استحق المضارب الربح، وهو شريك بأول جزء منه، لأنه في مقابلة عمله، لا على طريق البدل. فأما الأجرة فلا تكون إلا بدلاً عن العمل، وذلك لا يستحق العمل في المال المشترك. * * *

مسألة 750 جواز شراء كل منهما وبيعه عند اشتراكهما في المال

مسألة 750 جواز شراء كل منهما وبيعه عند اشتراكهما في المال 15067 - قال أصحابنا: إذا اشتركا في المال جاز لكل واحد منهما الشراء والبيع بغير إذن الآخر. 15068 - وقال المزني عطفًا على الشركة في العروض، والشركة في الدراهم: وإن اشترى فليس لأحدهما أن يبيع دون صاحبه. 15069 - فمن أصحابه من قال: هذا راجع إلى الشركة في العروض خاصة، ومنهم من قال: إلى شركة العنان، وقد نص على ذلك في جامعة. 15070 - لنا: أنه نوع شركة؛ فلم يفتقر المتصرف إلى إذن، كالمضاربة. ولأن مقتضي الشركة: التصرف، والشرى، والبيع، ومقتضي العقد لا يحتاج إلى التصريح بذكره، كذلك في البيع. 15071 - ولأن التصرف في شركة العقود لو وقف على الإذن، لصارت وشركة الأملاك سواء. 15072 - احتجوا: بأن الشركة لا تفيد التصرف في ملك العين، بدلالة شركة الأملاك. 15073 - الجواب: أن هذا يبطل بالمضاربة.

15074 - ولأن شركة الأملاك لم تعقد فيها على التصرف، فلم يجز التصرف بغير إذن، وشركة العقود معقودة على التصرف، فلم يفتقر إلى الإذن، كالمضاربة. * * *

مسالة 751 تصح الشركة مع الشرط الفاسد

مسالة 751 تصح الشركة مع الشرط الفاسد 15075 - قال أصحابنا: إذا شرط أن الوضيعة بينهما أثلاثًا مع التساوي في المال، بطل الشرط، وصحت الشركة، وكانت الوضيعة على قدر المال. 15076 - وقال الشافعي: الشركة باطلة. 15077 - لنا: أن النماء يتبع رأس المال في الشركة. وإذا شرط أن لا يتبع المال لم تبطل الشركة، كالربح. 15078 - ولأنه شرط في الشركة ما لا يمنع التصرف، فلم يبطلها. أصله: إذا قال: على أن لا تسافر. 15079 - ولأن كل عقد لا يتم بالقول لا يبطله الشرط، كالهبة، إذا وقتها بعمر الموهوب. 15080 - ولا يلزم: الصرف، والسلم، لأنهما يتمان بالقول، ولهذا يجبرهما القاضي على التقابض، وإنما يبطلان بالتفرق، كما يبطل البيع بهلاك

المبيع قبل القبض. 15081 - احتجوا: بأنه إطلاق شرط يخالف مقتضي الشركة، فصار كشرط تصرفهما معًا. 15082 - قلنا: هناك شرط ما ينافي التصرف في المعقود عليه، وههنا شرط التفاضل في الوضيعة، وذلك شرط عين المعقود عليه، فلا يبطلها. * * *

مسألة 752 توكيل الشريك والمضارب

مسألة 752 توكيل الشريك والمضارب 15083 - قال أصحابنا: توكيل الشريك والمضارب جائز. 15084 - وحكي أصحابنا عن الشافعي: أنه لا يجوز. 15085 - لنا: أنه يملك عموم التصرف، فجاز توكيله، كالوصي. 15086 - ولأنه يملك البيع والشراء مطلقًا، كالوصي. 15087 - ولا يلزم: الوكيل، لأنه لا يملك أن يشتري مطلقًا حتى يعين له ما يشتريه. 15088 - ولأنه عقد يملكه الوصي على اليتيم فملك الشريك جنسه في مال الشركة، كالبيع والرهن. 15089 - ولا يلزم: التزويج: لأن الشريك المفاوض يملك ذلك في جارية مشتركة. * * *

كتاب الوكالة

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب الوكالة

مسألة 753 التوكيل في الخصومة

مسألة 753 التوكيل في الخصومة 15090 - قال أبو حنيفة: توكيل الحاضر الصحيح لا يلزم الخصم إلا برضاه. 15091 - وقال في الأصل: لا يقبل توكيل الحاضر إلا من عذر، وقال في الشفعة: الوكالة باطلة. 15092 - وقال الطحاوي: وليس للحاضر أن يوكل إلا عن عذر. وهذا يدل على أن الوكالة لا تصح، والأظهر: أنها صحيحة، إلا أنه لا يلزم الخصم الجواب عنها. 15093 - وأما الغائب والمريض فيقبل توكليهما، والمخدرة ظاهر الأصل يقتضي: أنها لا توكل، وكان أبو بكر الرازي يقول: إنها كالمريض. 15094 - وقال أبو يوسف، ومحمد: الوكالة جائزة، وعلى الخصم أن يجيب الوكيل.

15095 - وبه قال الشافعي. 15096 - لنا: حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا ابتلي أحدكم بالقضاء، فليسو بينهما في المجلس والنظر والإشارة، ولا يرفع صوته على أحد الخصمين أكثر من الآخر). 15097 - وروي: (من ولي القضاء بين اثنين، فليسو بينهما في المجلس والنظر)، وليس من التسوية أن يكون أحدهما في منزله والآخر على باب الحكم يناظر الوكيل ويدخل معه. 15098 - فإن قيل: إذا جوز القاضي للحاضر أن يوكل كما وكل خصمه فقد سوى بينهما، والخصم هو المختار لترك المساواة حين لم يوكل. 15099 - قلنا: قد لا يقدر أحدهما على التوكيل، وقد لا يأمن وكيله، فإذا

ألزمناه الحضور مع التوكيل وهو لا يتمكن من التوكيل، فقد تركنا التسوية. 15100 - ولأن عند مخالفنا: إذا وجبت اليمين وجب على المستحلف أن يحضر، فلا يجوز أن يستنيب، ويجوز لخصمه أن يوكل من يستوفي اليمين، وهذا ترك التسوية بينهما في مجلسه ومخالفة للخبر. 15101 - ولأنها استنابه فيما يختص بحضرة الحاكم، فلم يلزم الخصم حكمها ابتداء من غير عذر، كالشهادة على الشهادة. 15102 - ولأن ما يختص بحضرة القاضي لا يلزم الاستنابة فيه ابتداء، كالشهادة. 15103 - فإن قيل: التوكيل يصح إذا رضي الخصم، والشهادة لا تصح. 15104 - قلنا: لأن المانع من الشهادة على الشهادة مع القدرة حق الله تعالى فلم يسقط برضا غيره، والمنع من التوكيل لحق الخصم فسقط برضاه. 15105 - قالوا: دعوى الوكيل والموكل سواء، فلم يقف أحدهما على العجز عن الآخر، وقول شهود الفرع يخالف قول شهود الأصل، لأنهم يثبتون الشهادة دون المشهود به. 15106 - قلنا: لا فرق بينهما؛ لأن الوكيل يباينه ثم يذكر الدعوى. 15107 - والجواب أن الخصم يذكر الدعوى خاصة، وشهود الفرع يذكرون استنابتهم أولاً، ثم يذكرون الشهادة التي يأتي بها شهود القضاء، فهما من هذا الوجه سواء. 15108 - قالوا: على الحاكم مشقة في قبول الفرع مع حضور الأصل، لأنه 173/ب يحتاج إلى تأمل وبحث عن حال شهود/ الأصل والفرع، وإذا اقتصر على شهود الأصل لم يحتج إلى هذا البحث، والتوكيل مع القدرة لا مشقة على القاضي في سماع دعوى الوكيل.

15109 - قلنا: لو كان امتناع قبول الشهادة لهذا المعنى لوجب إذا رضي القاضي بتحمل هذه المشقة أن يجوز سماع الشهادة؛ لأنه أسقط حق نفسه، وأنه لا فرق بينهما، لأن القاضي يلحقه مشقة بالوكالة، لأنه محتاج إلى ثبوت الوكالة والنظر في صفات الوكيل وهل هو ممن تصح وكالته أم لا، ويجتهد في جواز إقراره أو إبطاله، وإذا سمع الدعوى من الموكل كان أيسر وأسهل، ولا فرق بينهما. 15110 - قالوا: ليس على المدعي ضرر في الامتناع من قبول شهود الفرع، لأنه يثبت حقه بشهود الأصل، وعليه ضرر إذا لم يسمع من وكيله، لأنه ممن يكون لا يلحن بحجته، فإذا لم يسمع من وكيله أضربه. 15111 - قلنا: قد يضره رد شهود الفرع؛ لأنهم يكونون في المجلس، فيتعجل ثبوت الحق، فإذا ردوا احتاج إلى إحضار شهود الأصل فتأخر حقه. 15112 - فأما قولهم: إن في منع التوكيل إضرارا به؛ لأنه لا يلحن بحجته، ففي قبوله إضرار بخصمه، لأنه لا يقدر على مقاومة الوكيل ومحاجته، فلم يجز إلحاق الضرر به. 15113 - ولأنه توكيل في الخصومة؛ فلم يلزم الخصم قبوله ابتداء من غير عذر، أصله: إذا وكل صبيًا مأذونًا. 15114 - ولأن كل من لا يلتزم وكالته المتعلقة بالشرط، لا يلزم وكالته مطلقة، كالصبي والمجنون. 15115 - ولأنه استنابه في الخصومة على من اختلف في جواز إقراره عليه، فصار كما لو وكل صبيًا، وهذه المسألة مبنية على أن المدعى عليه يلزمه الحضور. 15116 - وقال الشافعي: لا يلزمه، وإنما يقال: احضر أو وكل.

15117 - لنا: قوله تعالى:} وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون {، فذمهم بترك الحضور. 15118 - ولا يقال: إنما ذمهم بالإعراض، ومن وكل فلم يعرض، لأنه قد أعرض عن الحضور بنفسه، والذم يتناول الإعراض بكل وجه، يبين ذلك: قوله تعالى:} وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين {، فذمهم على الإعراض عن الإتيان الذي يفعلونه إذا كان الحق لهم. 15119 - ويدل عليه: حديث الحسن (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من دعي إلى حاكم من حكام المسلمين فلم يجب، فهو ظالم لا حق له)، ذكره الدارقطني، فذمه على ترك الإجابة، فدل: أنها واجبة. 15120 - وروي: (أن امرأة استعدت على زوجها فأعطاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هدبة من ثوبه، وقال: قولي له: لم يحضر ولم يقل أو يحضر وكيله). 1521 - ولأن البينة أحد ما يقطع به الخصومة، فجاز أن يجب على المدعى عليه أن يحضر لأجلها، كاليمين إذا وجبت عليه. 15122 - ولأن المدعي أحد المتداعيين؛ فجاز أن يستحق عليه الحضور، كالمدعى عليه الحد والقصاص. 15123 - ولأن من تقطع الخصومة بقوله إذا لم يلحقه مشقة في الحضور،

جاز أن يجب عليه الحضور، كالشاهد. 15124 - قلنا: حق لزمه، فلا ينتقل إلى غيره بغير رضاه، كالحوالة. 15125 - أو نقول: الحضور للخصومة قد لزمه، وهذا معنى يتفاوت الناس فيه تفاوتا ظاهرًا؛ لأن فيهم من يستعين بنيابة، فيصور الباطل بصورة الحق، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إنكم لتختصمون إلى، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض)، فإذا كان كذلك لم يجز نقل ما لزمه إلى غيره إلا برضا خصمه، كما أن الدين لما لزمه كان الناس يختلفون في الذمم اختلافًا ظاهرًا، لم يملك نقل الدين من ذمته إلى ذمة غيره إلا برضا خصمه. ولا يلزم: المريض والمسافر، لأن الحضور لا يلزمهما. ولا يلزم: إذا وكل بقضاء الدين؛ لأن الوكيل إذا شدد لم يدفع أكثر من الحق، ولم يأخذ أقل منه، وذلك غير مستحق، والوكيل بالخصومة يثبت ما ليس بحق. 15126 - احتجوا: بما روي (أن عليا (رضي الله عنه) وكل أخاه عقيلاً عند أبي بكر وعمر، فلما كان عثمان أمر عقيل، فوكل عبد الله بن جعفر، وكان يقول: إن للخصومة قحمًا، وأن الشيطان يحضرها، وإني أكرهها)، فهذا يدل على أن

التوكيل إلى اختياره. 15127 - الجواب: أن هذا يدل على جواز التوكيل، وكذلك نقول: وإنما للخصم أن يمتنع، ولم ينقل: أن خصوم عليّ امتنعوا فألزموا خصومة وكيله، فلم يكن في التوكيل ومخاصمة خصومه باختيارهم دليل. 15128 - والظاهر منهم الرضا لوجهين، أحدهما: أنهم كانوا يرون تعظيمه وتوقيره، ولا يكلفونه بالحضور، والثاني: أنه أقوم بالخصومة من عقيل وأفقه وأعرف بمواقع الحجج، والظاهر أن الخصم لا يختار مخاصمة أشد الخصمين، وأنه إذا خاصمه أضعفهما رضي به. 15129 - قالوا: توكيل في حقه؛ فوجب أن لا يفتقر في المطالبة إلى رضا خصمه، كما لو وكله في قبض حقه بعد ثبوته. 15130 - قلنا: الوكالة في القبض إنما يختلف الناس فيها، لأن منهم السهل الذي يأخذ دون حقه، ومنهم الصعب الذي يستوفي حقه، وترك بعض الحق لا يجب، فلم يختلف الواجب باختلاف من يتولاه، وليس كذلك الخصوم، لأن العارف بها يصور الباطل بصورة الحق، فيثبت ما لا يجب ويسقط ما يجب، فلما اختلف ذلك باختلاف الولي وقف على الرضا. 15131 - قالوا: كل وكالة لا تفتقر إلى رضا الخصم مع المرض والسفر كذلك مع الحضور والصحة. 15132 - قلنا: لا يخلو أن تكون الوكالة من المدعي المريض أو المدعي عليه [فإن كان المريض هو المدعى عليه] فالحضور لا يمكنه إلا بضرر، فسقط عنه

للعجز، فجاز أن يوكل، وإن كان المدعي هو المريض فهو لا يقدر على الحضور، ولو لم يجز له التوكيل أدي إلى تأخير حقه، وفي ذلك ضرر عليه، وهذا المعنى لا يوجد في الصحيح القادر. 15133 - فإن قيل: حقوق الآدمي المحضة لا تسقط بالأعذار، وإنما تؤثر الأعذار في حقوق الله تعالى. 15134 - قلنا: قد تؤثر في حقوق الآدمي؛ ألا ترى: أن المفلس يسقط عنه الحبس للعذر، والمريضة لا يلزمها تمكين زوجها من الوطء، لأجل الضرر، وكذلك الحضور إن كان حقا لآدمي سقط بالعذر. 15135 - فإن قيل: المرض ليس بعذر في التوكيل؛ لأن القاضي ينفذ إلى المريض من يحكم بينه وبين خصمه. 15136 - قلنا: المرض يمنع المخاصمة واستيفاء الحجة، كما يمنع الحضور. 15137 - قالوا: فالأعذار تؤثر في تأخير الحقوق، لا في إسقاطها. 15138 - قلنا: العذر إذا أخر الحق أسقطه في الحال، وإن كان المدعى عليه مريضًا، فخصمه بالخيار: إن شاء الله أخر الحق، وإن شاء خاصم الوكيل، وإن أكن المدعي هو المريض ففي تأخير الحق ضرر به، ولذلك جاز له أن يقيم غيره مقامه. 15139 - قالوا: من لا يعتبر رضاه في صحة التوكيل لا يعتبر في لزومه، كالحاكم. 15140 - قلنا: الوصف غير مسلم على ظاهر لفظ الكتاب والمختصر، والوكالة موقوفة عندنا، فأما أن نقول صحت، فلا. 15141 - ولأن الرضا قد يؤثر في تمام الشيء وإن لم يؤثر في صحته، ألا ترى: أن رضا المقر له لا يعتبر في صحة الإقرار ويعتبر في تمامه، لأنه لو رده بطل، وإن لم يرده

حتى مات المقر له ثبت، فلولا أنه صح لم يلزم بالموت، وأما الحاكم فلا يعتبر رضاه في انتقال الدين بالحوالة، وجاز أن يعتبر في انتقال الخصومة، [ولما كان رضا الخصم يعتبر في انتقال الدين بالحوالة، جاز أن يعتبر في انتقال الخصومة] بالوكالة، والوديعة. 15142 - قالوا: المقصود من التوكيل تصرف الوكيل، وإذا صحت الوكالة وجب أن يشتمل على جواز التصرف. 15143 - قلنا: لا نسلم صحتها، بل نقول: إنها موقوفة على ما بينا. 15144 - قالوا: الدليل على أن الحضور ليس بمستحق: أن الخصم لو بعث بما يدعي عليه، لم يكلف الحضور. 15145 - قلنا: الحضور مستحق لا لنفسه، لكن لإثبات الحق واستيفائه، فإذا بذل الحق سقط ما طلب الحضور لأجله، فسقط الحضور. يبين ذلك: أنه لما لم يلزمه عندهم لم يكن مستحقًا. 15146 - قال الشافعي: إن كان المانع من التوكيل أنه مقيم مقامه من هو أقوى بالخصومة منه، فيجب إذا وكل من هو دونه في الخصومة أن يجوز. 15147 - قلنا: المانع من الوكالة أمران، أحدهما: هذا الذي ذكر، والآخر: ما في ذلك من ترك التسوية، وكون أحد الخصمين في داره، والآخر بباب القاضي، فإذا استناب من هو دونه في الخصومة وأجزناه يثبت الحكم بأحد العلتين، ثم هذا لا يصح، لأنه لا يمتنع أن يقف الوكالة للاختلاف الذي ذكره، فيعتبر الرضا فيها في جميع الأحوال، كما أن الحوالة بالدين امتنعت بغير تراض لاختلاف الذمم، ثم لو نقل الحق إلى ذمة أوثق من ذمته، لم يجز إلا برضا خصمه، كذلك هذا.

مسألة 754 الإقرار عند القاضي بالتوكيل

مسألة 754 الإقرار عند القاضي بالتوكيل 15148 - قال أصحابنا: إذا أقر عند القاضي أنه وكل هذا والقاضي يعرف الموكل، صح الإقرار، وإن كان لا يعرفه لا يسمع/ هذا الإقرار حتى يشهد شاهدان 174/أبعرفانه. 15149 - قال الخصاف: وإن كان القاضي يعرف الموكل قبل وكالته وأنفذها الوكيل. 15150 - وقال أصحاب الشافعي رحمهم الله: إذا سمع القاضي الإقرار يثبت وكالته عن من ناب عنه، ولهذا الوكيل التصرف. وإن كانوا يعنون بثبوت الوكالة أن القاضي علمها وأنه لا يحتاج في إنفاذها إلى إعادة الإقرار، فهذا صحيح، وهذا كمن أقر بدين لرجل عند القاضي فقد ثبت الإقرار بمعنى أن القاضي علمه، وأنه لا يحتاج في إلزامه المقر إلى إعادة الإقرار.

وإن أرادوا بذلك أن الوكالة تثبت بمعنى أن القاضي يحكم بها بغير دعوى ولا خصم، فهو موضع خلاف. وعندنا: لا يقضي بها حتى يحضر المدعى عليه، فينفذ ذلك الإقرار عليه، وهذا فرع على امتناع القضاء على الغائب. 15151 - وإن أرادوا بقولهم: إن الوكالة صارت محكومة بها بنفس الإقرار وسماع الحاكم من غير إنفاذ، فهذا ليس بصحيح؛ لأنه عقد جرى بحضرة الحاكم، فلا يصير محكومًا به أو لا يجوز الحكم به بغير دعوى، كسائر العقود. 15152 - ولأنه أذن في الخصومة؛ فلا يحكم به الحاكم بغير دعوى، أصله: إذا قال: إذا قدم فلان، فقد وكلتك. [ولأنه توكيل] بحضرة القاضي، فلم يحكم به بغير دعوى، كتوكيل الولي الفاسق في تزويج وليته. * * *

مسألة 755 سماع القاضي البينة على الوكالة هل يشترط فيه حضور الخصم؟

مسألة 755 سماع القاضي البينة على الوكالة هل يشترط فيه حضور الخصم؟ 15153 - قال أصحابنا: لا يسمع القاضي البينة على الوكالة إلا بعد حضور الخصم، فإذا حضر الخصم فادعى أنه وكيل فلان وأن لموكله على هذا ألفا سمع هذه الدعوى. 15154 - وقال الشافعي: يسمع القاضي البينة بغير حضور الخصم، فإن أحضر خصمًا وادعى عليه ألفًا، لم يسمع هذه الدعوى إلا بعد ثبوت الوكالة. 15155 - وهذا مبني على أصلنا في امتناع القضاء على الغائب، وهذا قضاء على الغائب، لأنه يثبت له حق المطالبة على الغائب، فلا يجوز. 15156 - [ولأنه أقام بينه على إذن، فلم يسمع من غير خصم، كالوكالة المعلقة بشرط، وتوكيل الولي الفاسق بالنكاح]. 15157 - ولأنه إقامة بينه بالوكالة من غير خصم، فصار كتوكيل المرأة بالنكاح. 15158 - احتجوا: بأن من لم يعتبر رضاه في تثبيت الوكالة لم يعتبر

حضوره، كسائر الناس. 15159 - قلنا: الحق يثبت على الغرماء، وما يثبت على الإنسان من الحقوق ولا يعتبر في ثبوته الرضا. وقد تعتبر الخصومة فيما يثبت على الإنسان؛ بدلالة أن النكول على اليمين لا يثبت حكمه إلا بعد حضوره. 15160 - ولأن الخصومة إنما يحتاج إليها للطعن وليحتج، وقد طعن من لا يؤثر رضاه، فلم يجز أن يعتبر الحضور بالرضا. 15161 - قالوا: بأنه تثبت وكالته فلا يعتبر فيه حضور الموكل عليه. أصله: إذا حضر غريم واحد فحكم عليه بالوكالة، ثم حضر بقية الغرماء. 15162 - قلنا: إذا حضر واحد من الغرماء وحكم بمحضر منه، تثبت الوكالة على خصمه، فصار ثبوتها على واحد بالحكم كثبوتها بالإقرار في حق جميع الناس، وإذا لم يحضر واحد من الغرماء فقد حصل الحكم، وليس هناك محكوم عليه لم ينفذ الحكم من غير خصم * * *

مسألة 756 لا ينعزل الوكيل إلا بعلمه وعلم الموكل

مسألة 756 لا ينعزل الوكيل إلا بعلمه وعلم الموكل 15163 - قال أصحابنا: إذا عزل الموكل وكيله لم ينعزل حتى يعلم بالعزل. وإن عزل الوكيل نفسه، لم ينعزل حتى يعلم موكله بذلك. 15164 - وقال الشافعي: إذا عزل الوكيل نفسه، انعزل. فإن عزله الموكل فيه وجهان، أحدهما: ينعزل، والآخر: لا ينعزل. أما الكلام في الوكيل إذا عزله: فلأن العزل نهي، فلا يثبت حكمه في حقه إلا بالعلم، كنهي صاحب الشرع. 15165 - فإن قيل: نهي صاحب الشريعة يثبت وإن لم يعلم. 15166 - قلنا: غلط؛ الدليل عليه: أنه لا يستحق الذم والتوبيخ بالفعل. 15167 - فإن قيل: أمر صاحب الشريعة واجب وخلافه معصية، والأمر قائم حتى

يعلم النهي، ومخالفه أمر الوكيل ليس بمعصية، فلذلك يثبت النهي قبل العلم. 15168 - قلنا: نسخ المندوب لا يثبت إلا بعد العلم وإن كان لا يقضي بتركه، ثم هذا ليس بصحيح، لأن أمر الموكل غير واجب، إلا أنه يفسد جواز التصرف، والعزل يقتضي حظر ذلك، فهو كالأمر الذي أفاد الوجوب، والنهي يقتضي حظر ذلك الفعل. 15169 - ولأنه عقد فلا ينفسخ بلفظ الفسخ من غير علم، كسائر العقود. 15170 - ولا يلزم: الطلاق؛ لأنه ليس بفسخ. ولأن التصرف موجب الوكالة، فلم يملك بغيره، كالفسخ من غير علم الوكيل. ولأنه باع ما وكله ببيعه مع بقاء الموكل فيه من غير علم، وصحته الترك ممن يعزل؛ فجاز بيعه، كما لو لم يعزله. 15171 - ولأنه نهي عن تصرف استفادة؛ فوجب أن لا يلزمه من غير علم، أصله: عزل المودع عن إمساك الوديعة. 15173 - فإن قيل: المودع يستفيد بالوديعة، الحفظ والاستئمان، ولا يستفيد التصرف، والعزل يقع في التصرف، وذلك غير موجود في الوديعة، فكيف يقال عليها؟. 15174 - قلنا: الوديعة تتضمن التصرف، كالوكالة؛ بدلالة: أن نقل

الوديعة من مكان إلى مكان تصرف فيها، والعزل يقتضي قطع ذلك، كما يقتضي قطع التصرف الذي هو البيع. 15175 - قالوا: الوديعة لا تنفسخ بالعزل؛ بدلالة: أنهما لو اجتمعا فقال: عزلتك، لم يبطل الائتمان حتى لو هلكت قبل الرد لم يضمنها، كذلك لا ينعزل مع الغيبة؛ والوكالة تنفسخ بالقول إذا اجتمعا، وإذا لم يفتقر إلى الرضا لم يفتقر إلى الحضور. 15176 - قلنا: إذا عزله عن الوديعة انقطع بعزله تصرفه حتى لا يجوز له نقلها، فزال حكم الائتمان بالعقد وبقيت أمانته بمعنى آخر، وهو أن العين متى حصلت في يده لا على وجه التعدي والتمليك كانت أمانة، فكذلك الوكالة إذا عزله في وجهه انقطع تصرفه وزال الائتمان بالوكالة وبقي حكم الأمانة بالمعنى الذي ذكرنا، ولا فرق بينهما. 15177 - وأما الكلام إذا عزل الوكيل نفسه: فلأن العقد يتعلق بهما، فلما لم يملك أحدهما العزل من غير علم صاحبه، فكذلك الآخر. 15178 - ولأن العقد تم بينهما ولا يملك أحدهما فسخه من غير علم الآخر، كالبيع. ولا يلزم: الطلاق، لأنه ليس بفسخ. 15179 - ولا يلزم: إذا باع الموكل ما وكله فيه، لأنه لم ينعزل عندنا، وإنما تعذر البيع ولهذا لو رد المبيع عليه بعيب بقضاء، جاز للوكيل بيعه. 15180 - ولأنه التزم أمانة في حق غيره، فلم يملك فسخ ذلك بغير علم صاحبه، كالمودع إذا عزل نفسه عن حفظ الوديعة.

15181 - ولأنه لو وكله بشراء عبد بعينه لم يملك الوكيل أن يبتاعه لنفسه، ولو ملك العزل الابتياع ويكون ذلك عزلا عن الوكالة. 15182 - احتجوا: بأنه قطع عقد؛ فوجب أن لا يفتقر إلى حضور من لا يفتقر إلى رضاه، كالطلاق. 15183 - قلنا: يبطل بالعزل عن حفظ الوديعة [على ما قررنا. 15184 - ولأن الطلاق إسقاط لحق الزوج عما ملكه بالعقد]، كعتاق العبد وإتلاف المبيع. فأما في مسألتنا: فالوكيل يسقط حق موكله الذي التزمه، فصار كعزله نفسه عن الوديعة. 15185 - قالوا: معنى تنفسخ به الوكالة؛ فوجب أن لا يفتقر إلى علم الوكيل، كموت الموكل، كما لو باع ما وكل ببيعه. 15186 - قلنا: الموت عزل من طريق الحكم، وفي مسألتنا: عزل بالفسخ، وحكهما يختلف؛ بدلالة: أن فسخ البيع بهلاك المبيع لا يقف على الرضا والعلم، والفسخ بالإقالة يقف على ذلك، وإذا باع الموكل ما وكل ببيعه، فلم ينعزل الوكيل عندنا، وإنما تعذر التصرف لخروج المبيع من ملك موكله، ولو عاد المبيع إليه بحكم الملك الأول، جاز لوكيله بيعه، ولو كان انعزل لم يملك البيع إلا بوكالة مجددة. * * *

مسألة 757 إقرار الوكيل على موكله

مسألة 757 إقرار الوكيل على موكله 15187 - قال أصحابنا: إقرار الوكيل على موكله جائز، وذكر في باب الصلح من كتاب الوكالة: أن التوكيل بالإقرار جائز. 15188 - وقال الشافعي: إذا أقر على موكله، لم يلزمه إقراره. 15189 - و [اختلف أصحابه في التوكيل بالإقرار، فقال ابن سريج]: لا يصح التوكيل بأن يقر عنه، ومنهم من قال: يصح التوكيل، وهو ظاهر مذهبه. 15190 - وهل يكون التوكيل بالإقرار؟ قال ابن سريج: لا يكون إقرارًا، ومنهم من قال: الأمر بالإقرار والتوكيل به إقرار.

15191 - لنا: أنه يملك الخصومة فيما يقبل البراءة، فملك الإقرار باستيفاء غيره كالموكل إذا أقر باستيفاء الوكيل، والوكيل إذا جعل إليه أن يوكل. ولا يلزم: إذا استثني لأنا عللنا للجواز. 15192 - ولا يلزم: الأب، والوصي، لأن مال الصبي لا تثبت به البراءة. ولا يلزم: الوكيل بإثبات القصاص، وحد القذف، لأنه يملك الإقرار باستيفاء غيره. 15193 - قالوا: المعنى في الموكل: أن إقراره يجوز بحضرة الحاكم وبغير حضرته، 174/ب ولما كان الوكيل لا يجوز / إقراره بغير حضرة الحاكم لم يجوز بحضرته. 15194 - قلنا: الوكيل يقر في الحالة التي [وكل فيها، وهو إنما وكل في الخصومة، والخصومة تختص بحضرة الحاكم في الحالة التي] فيها مما في يده، فأقر في غيرها. 15195 - ولأنه أحد جوابي الدعوي؛ فوجب أن يملك وكيل الخصم بإطلاق الوكيل بالخصومة كالإنكار. 15196 - قالوا: جواب الدعوى الإنكار خاصة. 15197 - قلنا: القاضي يقول للمدعي عليه: إما أن تقر أو تحلف، ويعظه حتى يقر، فدل على أن ذلك أحد الجوابين. 15198 - ولا يلزم: وكيل القاتل والقاذف؛ لأنه يملك الإقرار، إلا أن إقراره لا يستوفي به الحد والقصاص، لأنه قائم مقام إقرار الموكل، كالحد والقصاص لا يستوفيان بما قام مقام الغير، كالكتابات، وشهادة النساء مع الرجال، لأنها قائمة مقام شهادة الرجال. 15199 - ولا يلزم: إذا أقر في غير مجلس القاضي، لأن بالوكالة ملك الإقرار، كما ملك الإنكار، ثم إنكاره يختص بمجلس الحاكم، كذلك إقراره. 15200 - ولا يلزم: إذا استثني؛ لأن الوكالة ليست بمطلقة، ولا يمكن القول

بموجبها إذا وكله بالإقرار، لأن ذلك ليس بإطلاق للوكالة بالخصومة. 15201 - ولأن التعليل للوجوب؛ ولا يلزم: وكيل الأب، والوصي، لأنا قلنا: وكيل المدعى عليه. 15202 - فإن قيل: الإنكار موافق للتوكيل بالخصومة، والإقرار مخالف لها. 15203 - قلنا: إن لكل واحد منهما مقتضاه، بدلالة: أنه يوكله ليخاصم بالحق لا بالباطل والمخاصم بالحق إذا عرف الحق أقر به. 15204 - فإن قيل: نقلب العلة فنقول: فوجب أن يملك الموكل إبطاله، كالإنكار. 15205 - قلنا: عندكم الإقرار لم يصح. ولا يقال: إن الموكل يبطله، بل هو باطل بنفسه. 15206 - ولأن الموكل لو أنكر ملك الرجوع عن ذلك بالإقرار، كذلك إذا أنكر وكيله، ولو أقر الموكل لم يملك إبطال إقراره بالرجوع، كذلك لا يملك إبطال إقراره. 15207 - ولأنه قبض يسقط به حق الموكل، فجاز أن يملك الوكيل الإقرار به بإطلاق الوكالة. أصله: إذا أقر بقبض نفسه. 15208 - فإن قيل: الوكيل بالخصومة لا يملك القبض والإقرار به. 15209 - قالوا: والوكيل بالبيع إذا أقر أن موكله قبض الثمن، لم يقبل إقراره، وإن قال: قبضت أنا الثمن فهلك، ففيه وجهان. 15210 - قلنا: أصل العلة: الوكيل بالخصومة والقبض هل يملك الإقرار بالقبض بلا خلاف؟ لأن من ملك الاستيفاء ملك الإقرار بقبض غيره، كالمالك. ولا يلزم: الأب، والوصي؛ لأنهما يملكان الإقرار بقبض وكيلهما.

15211 - قالوا: فنقول بموجبه: إن الوكيل يملك الإقرار بقبض موكله. 15212 - قلنا: التعليل للوكالة المطلقة التي لم يجعل فيها أن يوكل. 15213 - ولأن الوكيل إذا أقر باستيفاء نفسه قبل إقراره، فملك أن يقر باستيفاء من يملك الاستيفاء في الحال، كالموكل. 15214 - ولا يلزم: الأب، لأن الأب لا يملك الاستيفاء في الحال. 15215 - احتجوا: بأنه معنى يقطع الخصومة، فإذا لم يملكه الوكيل في غير مجلس الحكم، لم يملك في مجلس الحكم، كالإبراء، وعكسه: القصاص. 15216 - قلنا: يملكه بإقامة البينة، لأنه معنى يقطع الخصومة يملكه الوكيل في مجلس الحكم، ولا يملكه في غير ذلك. 15217 - ولأنه يملك الإقرار عندنا في الحالتين، إلا أن إقراره في غير مجلس القاضي لم يعتد بإنكاره حتى يسأله القاضي فينكر بحضرته. ولأن البراءة تبرع وإسقاط، فلا يملكها في حق غيره، ومتى أقر بإبراء موكله؛ لأن ذلك ليس بتبرع منه، وإنما أقر بالبراءة على من يملكها، وأما القبض فهو يملكه، فجاز إقراره به، وجاز إقراره بقبض موكله، لأنه يملك القبض أيضًا. 15218 - قالوا: لا يصح إقراره في غير مجلس الحكم؛ فوجب أن لا يصح في مجلس الحكم، [كما لو نهاه عن الإقرار. 15219 - قلنا: الموكل أقامه مقام نفسه في الخصومة، وذلك يختص بمجلس الحكم]، وأما المنازعة في غير مجلسه فهي لغو، ولهذا لا يلزم الخصم الجواب عنها، ولو حلف لم يعتد بيمينه ولم تسقط الخصومة بها، ومتى أقر في حال لم يقمه مقام نفسه، فهنا لم ينفذ إقراره عليه؛ ثم أصلهم إذا استثني؛ والمعنى فيه: أنه

خص الوكالة، فزال إطلاقها بالتخصيص، كما لو قال: وكلتك بالخصومة ولم أجعل إليك الاستحلاف ولا إقامة البينة، لم يملكه الوكيل، وإن كان يملكه بإطلاق الوكالة. 15220 - قالوا: وكيل في خصومة مجردة أقر على موكله فيها، فوجب أن لا يصح إقراره. أصله: إذا ادعي رجل على موكله القصاص أو حد القذف، فأقر له بذلك. 15221 - قلنا: إذا أقر الوكيل قام إقراره مقام موكله، والأموال تثبت بما قام مقام الغير. وإقرار الوكيل يقوم مقام إقرار موكله فلا يحكم به، كما لا يحكم بشهادة النساء والكتابة القائمة مقام الصريح. 15222 - قالوا: شهادة النساء لا يقضي بها في الحدود لضعفها، لا لأنها تقوم مقام الغير، بدلالة: أنها تقبل مع القدرة على شهادة الرجال. 15223 - قلنا: ما قام مقام الغير يجوز مع القدرة على أصله، كمسح الخفين. 15224 - فقالوا: من لا يصح يمينه لا يصح إقراره، كالوصي. 15225 - قلنا: الوصي تصرفه يختص بمصلحة الصبي والتصرف في ماله بالأصلح والأحسن، وليس الإقرار في مصلحته، والوكيل تصرفه في الخصومة عام، كموكله ولا الوصي في التصرف ينوب عما لا يثبت إقراره وهو الصبي، فلم يجز إقرار النائب عنه، والوكيل نائب عمن يجوز إقراره، فملك الإقرار بمطلق وكالته. 15226 - فإن قيل: الوصي يقوم مقام من لا يملك الإقرار ويجوز إقراره. 15227 - قلنا: في التصرف في ماله ضرورة؛ لأنه يستضر بتأخير التصرف

إلى البلوغ؛ فلذلك جوزنا له التصرف، وتأخير الإقرار إلى حين بلوغه لا ضرر عليه فيه وفي تعجيله ضرر، فلذلك لم يملكه الوصي عليه. 15228 - قالوا: التوكيل بالخصومة أمر بإقامة الخصومة، والنيابة والامتناع من قطعها، وفي الإقرار على موكله قطع لها، ولا يكون التوكيل في الشيء توكيلاً في ضده، ولهذا لا يملك الوكيل بالخصومة الإبراء والصلح. 15229 - قلنا: هو وكيل بالخصومة والجواب بالحق دون الباطل؛ لأن الوكالة لو تناولت الخصومة بالباطل لكانت باطلة، إذ كل أمر ينعقد على الباطل باطل، وإذا انضم بالوكالة الأمر بالنيابة عنه، وقد يكون الحق الإنكار، وقد يكون الإقرار، والخصومة تشتمل عليهما، [بدلالة: أن القاضي يستدعي من الخصم أحد الأمرين، إما الإقرار أو الإنكار. 15230 - وليس هذا كالصلح والإبراء، لأن الخصومة لا تتناوله]، بدلالة: أن القاضي لا يستدعي الناس إلى ذلك ولا يطالبهم به ولا يحثهم عليه، وإذا لم تشمل الوكالة بالخصومة، لم يملكه الوكيل. * * *

مسألة 758 استيفاء حد القذف والقصاص مع غيبة الموكل

مسألة 758 استيفاء حد القذف والقصاص مع غيبة الموكل 15231 - قال أصحابنا: لا يحوز استيفاء حد القذف والقصاص مع غيبة الموكل. 15232 - وقال الشافعي في (الوكالة) ما يدل على: أنه لا يجوز، وقال في (الحدود): يجوز. 15233 - واختلف أصحابه، فقال المروزي: يجوز قولاً واحدًا، وما قال في الوكالة استحباب، ومنهم من قال: هي على قولين. 15234 - لنا: أنه يستوفي القصاص مع تجوز العفو للظاهر، فلم يجز، أصله: إذا

أخبره بالعفو فاسق. 15235 - ولا يلزم: إذا كان حاضرًا؛ لأن ليس هناك عفو ظاهر، ولو أظهر العفو شاهده، يبين ذلك: أن الحدود يعتبر فيها الاحتياط، لأنها لا تستدرك بعد الاستيفاء، والظاهر أن الولي يرق فيعفو، وهو مندوب إلى العفو، ولو استوفي الوكيل مع غيبة الموكل استوفي مع شبهة ظاهرة، وهذا لا يجوز. 15236 - فإن قيل: صحت إذا شهد الشهود ثم غابوا أن يستوفي الحد لجواز أن يكونوا رجعوا في القصاص، ولم يسقط في أحد الروايتين، والتجويز مع يبتهما مؤثر. 15237 - ولا يلزم: إذا اقتص مع غيبة الإمام وقد اجتهد في إيجاب الحد، ويجوز أن يكون بغير اجتهاد؛ لأنا لا نعرف هذه المسألة ولا نغير الاجتهاد مع الحكم بالحد، وإنما يؤثر إذا أمضى الاجتهاد الثاني. 15238 - ولا يجوز أن يمضي ذلك وهو لا يقدر على المنع من الحد، لأنه لا فائدة فيه إلا إيجاب الضمان على من أقام مقامه في الحد. 15239 - ولا يلزم: من غاب عن المدينة في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد ولاهم الحكم يستوفون الحد مع تجوز الفسخ، لأنه ليس هناك أمارة ظاهرة تدل على العفو، وهو الندب إلى ذلك. 15240 - ولأن الفسخ لا يسقط الحد في حق من لم يبلغ، والعفو يسقط القصاص باتفاق وإن لم يبلغ الوكيل. 15241 - ولأنه استوفي القصاص لغائب لا ولاية له عليه؛ فصار كما لو قال: إن وجب لي قصاص فاستوفه. 15242 - ولأنها حالة لا يجوز لوكيل الإنسان أن يستوفي القصاص لابنه الصغير، فلم يجز للوكيل أن يستوفيه لموكله، كما لو أقر الوكيل بالعفو.

15243 - ولأنه توكيل باستيفاء القصاص، فصار كتوكيله الصبي. 15244 - احتجوا: بأنه حق تدخله النيابة؛ فجاز أن يوكل باستيفائه مع غيبته، كالدين. 15245 - قلنا: الديون لا تسقط بالشبه ويمكن استدراكها، وأكثر الأحوال أن يكون صاحب الدين قد أبرأ فيستوفي مع الشبهة، وهذا لا يمنع الاستيفاء، والقصاص لا يستدرك بعد تناوله، والشبهة تؤثر فيه، فلم يجوز الاستيفاء مع الشبهة. 15246 - قالوا: كل ما صحت النيابة فيه بمحضر من الموكل / فكذلك مع غيبته، 175/أكاستيفاء القصاص. 15247 - قلنا: النيابة مع حضور الموكل تدعو إليه الضرورة، لأنه ليس كل أحد يحسن استيفاء ذلك، فلو لم يجز له أن يستنيب بطل حقه، ولا ضرورة في التوكيل مع الغيبة. فأما الإثبات: فلا شبهة فيه؛ لأنه ليس فيه معنى العقوبة، وإنما تحصل العقوبة بالاستيفاء. وإذا ثبت القصاص ولم يستوفه إلا مع حضور الموكل أو يقع التجويز بحضوره، وقد نص أصحابنا هذه العلة بتسليم ثمن الصرف يجوز التوكيل والنيابة فيه مع حضور الموكل، ولا يجوز مع غيبته. 15248 - قالوا: هناك بطل الحق بالإقرار؛ فلم يبق ما يثبت فيه النيابة. 15249 - قلنا: لو تعاقدا فسلم الوكيل إلى وكيل العاقد الآخر، جاز، فلو قام العاقدان من المجلس ولم يفترقا لم يجز لأحد الوكيلين أن يدفع الثمن إلى الآخر لغيبة الموكلين وإن كان العقد لم يبطل والدين لم يسقط، ومنهم من احترز فقال: كل حق جاز للوكيل دفع ثمن الصرف مع غيبة الموكل جاز مع حضوره وإن كان الحق باقيًا على ما قدمناه. * * *

مسألة 759 بيع الوصي وشراؤه مال الصغير بنقصان كبير أو بزيادة كبيرة

مسألة 759 بيع الوصي وشراؤه مال الصغير بنقصان كبير أو بزيادة كبيرة 15250 - قال أبو حنيفة: إذا باع الوصي ماله من الصغير بنقصان كثير، أو ابتاع مال الصغير بزيادة كثيرة، جاز. 15251 - وقال أبو يوسف، ومحمد: لا يجوز، وبه قال الشافعي. 15252 - لنا: قوله تعالى:} ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن {، والمرجع في الأحسن إلى العادة، ومتى باعه ما يساوي درهمًا بنصف، فهذا من الأحسن، فوجب أن يجوز بظاهر الآية. 15253 - ولأنه يجوز أن يبيع مال الصغير من زوجته وإن لم ينص عليه، فجاز أن يبيعه من نفسه، كالأب، لأنه قائم مقام الأب بعد موته، فجاز أن يبيع مال الصغير من نفسه، كالجد.

15254 - ولأن ما جاز البيع منه، جاز للوصي البيع منه. 15255 - احتجوا: بما روي (أن رجلاً أوصي إلى رجل، فكان للموصي قماش، فأراد الوصي أن يشتريه لنفسه، فسأل ابن مسعود رضي الله عنه، فقال: لا يجوز ذلك). 15256 - قلنا: تقليد الصحابي لا يجوز عندكم، وعندنا الرجوع إلى عموم القرآن أولى. 15257 - قالوا: الوصي يلي بتولية، فلم يجز أن يبيع من نفسه، كالوكيل. 15258 - قلنا: الوكيل يتصرف بالأمر، والوصي يتصرف من طريق الحكم، بدلالة: أنه يتصرف مع انقطاع أمر الوصي، فصار كالجد. 15259 - قالوا: يجوز بيعه من نفسه بمثل قيمته، فلا يجوز الزيادة عليها، كالوكيل. 15260 - قلنا: إنما لا يجوز إلا بمثل القيمة؛ لأنه متهم في تحصيل العين لنفسه، وفي الأعيان عوض مطلوب، فإذا بذل الزيادة زالت التهمة، فصار كالأب. 15261 - قالوا: الأب والجد لهما اختصاص النسب، وهي مرتفعة في حق الوصي، فاعتباره بالوكيل أولى من اعتبارهما. 15262 - قلنا: إنما انتقل إليه ما كان إليهما من الولاية، فثبت له حكمها وإن لم يوجد فيها ما لهما من الخصائص، كما أن وصي الأب يتقدم على الجد مع وجود الخصائص في الجد إلا أن الوصي مقدم لا تنتقل ولاية الأب إليه وإن عدمت الخصائص فيه. * * *

مسألة 760 يجوز بيع الوكيل بقليل الثمن وكثيره

مسألة 760 يجوز بيع الوكيل بقليل الثمن وكثيره 15263 - قال أبو حنيفة: إذا باع الوكيل بقليل الثمن وكثيره جاز. 15264 - وروى الحسن عنه: أن بيعه لا يجوز إلا بمثل القيمة، أو بنقصان يتغابن بمثله. 15265 - وبه قال أبو يوسف، ومحمد، والشافعي. 15266 - [وأما الوكيل بالشرى، ففيه روايتان، كان قوله الأول: إن الشرى يجوز بالقليل والكثير، وقوله الثاني: إن الشرى] لا يجوز إلا بمثل الثمن وزيادة يسيرة.

15267 - لنا: أن أمره بالبيع عام في قليل الثمن وكثيره، ومن حكم اللفظ أنه يحمل على عمومه إلا أن يمنع منه مانع. 15268 - ولا يلزم: الوكيل بالشرى؛ لأنا خصصنا الكلام بدليل، لأن ما ملك الموكل أن يبيع العين به ملك الوكيل بإطلاق الوكالة بيعها به، كثمن المثل. 15269 - قالوا: المعنى في ثمن المثل: أن الأب والوصي يملكان البيع به، ولا كذلك ثمن القليل، لأنهما لا يملكان البيع به، كذلك لا يملك الوكيل. 15270 - قلنا: تصرف الأب والوصي يختص بما فيه الحظ، لأنهما يتصرفان حكمًا، لا بأمر المالك، وتصرف الوكيل يقع بالأمر، فاعتبر عموم الأمر. 15271 - ولا يلزم: الوكيل بالشرى؛ لأنه لا يتصرف بأمر عام، بدلالة: أنه لا يملك الشرى بعمومه أملاك الموكل، فثبت أن تصرفه يقع خاصًا في الأعراض. 15272 - ولأنه سبب يملك به بيع مال المكلف بما يتغابن الناس فيه، فيجب أن يجوز بما لا يتغابن الناس فيه، أصله: إذا قال: بع بما شئت، أو عين الثمن، أصله: الملك. 15273 - ولا يلزم: الولاية؛ لأنه لا يملك بها بيع مال المكلف. ولأنه حط لو نص عليه جاز للوكيل البيع به، فجاز له البيع بالإطلاق، أصله: ما يتغابن به. 15274 - ولا يلزم الوكيل بالشرى، لأنه زيادة، والزيادة ليست بحط. 15275 - ولأن الإنسان يأمر ببيع ماله لطلب العوض، ويأمر ببيعه ضجرًا منه

وكراهة له، وإذا أراد العوض قدره وإن لم يرد فغرضه إزالة الملك، لا العوض، فإذا أزاله على وجه البيع فقد فعل ما أمره به، فوجب أن يجوز، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: (إذا زنت أمة أحدكم، فليحدها، فإذا زنت فليحدها، فإذا زنت فليبعها ولو بظفير). 15276 - ولأنه باعه بما يجوز أن يكون ثمنًا، فوجب أن يصح البيع، كما لو باع بثمن المثل، وإذا نقص عن القدر. 15277 - احتجوا: بأنه موكل في معاوضة، فوجب أن يقتضي إطلاقها عوض المثل، كالشري. 15278 - قلنا: الأصل غير مسلم على أحد الروايتين، والفرق بينهما على الرواية الأخرى: أن الأمر بالشرى يقع خاصًا في الأثمان؛ لأنه لا يجوز أن يشتري بأعيان ملك الموكل. 15279 - ولأنا نقول، وإذا وقع خاصًا في ذلك رد إلى العادة، والأمر بالبيع يقع عامًا في الأثمان، ولم يثبت تخصيص في الأثمان بالتبرع، فوجب اعتبار العموم. 15280 - ولأن الوكيل بالشرى لم يؤمر بالتصرف في ملك الآمر، فلم يجز اعتبار أمر عمومه فيما لا يملك، فوجب الرجوع إلى العادة، والوكيل بالبيع مأمور بالتصرف في ملك الآمر، فأمكن اعتبار عموم أمره. ولأن الوكالة بالبيع لا تثبت لنفسه حقًا على موكله ببيعه، فلم يلحقه تهمة، والوكيل بالشري يرجع على موكله بضمان الثمن، فإذا أثبت لنفسه ضمانًا في

الزيادة، لم يحصل له العوض عنها لحقته التهمة، فلم ينفذ تصرفه. 15281 - ولأن الوكيل بالشرى لم يسلطه في ماله، وإنما سلطه على التصرف في عين ماله، وفرق في الأصول بين الأمرين؛ بدلالة: أنه لو دفع إلى رجل دراهم، وقال له: اقض بها ديني الذي لفلان عليَّ، فقال: قد قضيت، صدقه في براءة نفسه، وبمثله لو لم يدفع مالاً وقال: اقض فلانًا، فقال: قد قضيت فأنكر ذلك، لم يقبل قوله في الرجوع. 15282 - وإنما افترقا لأنه سلطة في أحد الموضعين على التصرف في عين المال فيقبل قوله، وإن لم يسلم له البدل في الموضع الآخر لم يسقط حق التصرف في مالهئ، وإنما جعل إليه إثبات الحق في ذمته، ومتى لم يسلم له البدل، وهو سقوط الدين عن ذمته لم يصدق في الرجوع، كذلك في مسألتنا. 15283 - قلنا: من ملك هذه الطريقة نقول يجوز تصرفه فيها على العموم. 15284 - قالوا: كل ما يملك به الشري بأكثر من ثمن المثل لا يملك به البيع بأقل من ثمن المثل، كالأب والجد. 15285 - قلنا: الأب والجد يتصرفان من طريق الحكم، فاعتبر عموم الأمر. 15286 - ولا يلزم: الوكيل بالشري؛ لأنه لا يتصرف من طريق الأمر لاستحالة أن ينفذ أمر الإنسان في ملك غيره. ولأن الأب والوصي يقومان مقام من لا يصح التبرع في ماله، فلا يجوز تصرفهما بما لا حظ له فيه، والوكيل يقوم مقام من صح التبرع منه في ماله، فإذا فوض التصرف في ماله مطلقا إليه ملك منه ما بملكه موكله.

15287 - ولا يلزم: الوكالة بالشري؛ لأن الوكيل لم يفوض إليه التصرف في ماله. 15288 - قالوا: تصرف الأب أقوى من تصرف الوكيل؛ بدلالة: أن التهمة تنتفي عنه، ويملك أن يبيع من نفسه، فإذا لم يجز له البيع بالقليل فالوكيل أولى. 15289 - قلنا: الأب وإن كان تصرفه أقوى إلا أنه ليس لتصرفه جهة إلا لطلب الحظ، فإذا تصرف فيما لا حظ له فيه لم يجز، والوكيل أقامه المالك مقام نفسه في ماله، فيملك من التصرف ما كان يملكه. 15290 - قالوا: المحاباة بمنزلة الهبة لا يملكها الوكيل، كذلك المحاباة. 15291 - قلنا: إنما لا يملك الهبة لأنها عقد لم يؤذن فيه، وليس كذلك البيع بالمحاباة، لأنه نوع العقد الذي أذن فيه. ولأنه يملك المحاباة من لا يملك الهبة، مثل أن يقول: بع بما شئت وبما رأيت. 15292 - قالوا: الوكالة مجهولة على العادة، بدلالة أنه لو وكل بشراء طعام بدرهم حمل على الخبز، ولو وكله بذلك تارة حمل على الحنطة، والعادة: أن الناس لا يبيعون المعاينة، فوجب أن يختص ذلك بالعادة. 15293 - قلنا: [العادة أن] يبتاع الثياب في سوقها، فلو باع الوكيل في سوق الغنم أو الجمال، جاز وإن خالف العادة. ولأن العادة: أن الإنسان إذا قصد بما دون ثمن المثل غير الثمن، وإن أطلق الأمر 175/ب في التصرف في ماله ولم / يعين علم أن القصد البيع خاصة على أي وجه وقع. * * *

مسألة 761 الحكم إذا وكله بالبيع مطلقا فباع بالأثمان أو العروض

مسألة 761 الحكم إذا وكله بالبيع مطلقًا فباع بالأثمان أو العروض 15294 - قال أبو حنيفة: إذا وكله بالبيع مطلقًا فباع بالأثمان أو العروض، جاز. 15295 - وقال أبو يوسف، ومحمد: لا يجوز البيع إلا بالأثمان. 15296 - وقال الشافعي: لا يجوز إلا بنقد البلد. 15297 - لنا: أن كل ثمن جاز للموكل أن يبيع به جاز للوكيل أن يبيع به بإطلاق الوكالة، كنقد البلد. ولأنه سبب يملك به البيع بنقد البلد، فملك البيع بغيره من غير تعيين، كالوصية، والشركة، والمضاربة. 15298 - ولا نقول بموجبه إذا عين له؛ لأنا قلنا: من غير تعيين. 15299 - ولا يلزم: إذا قال: بع بنقد البلد، أو بع لأقضي ديني، لأنا عللنا

السبب المطلق ولم نعلل لأحواله، لأن هذا تعيين لما يباع به. 15300 - فإن قيل: قد يكون دينه من الحنطة، فيجب أن يجوز بيعه بها. 15301 - قلنا: كذلك نقول، ولأنه سبب يملك به البيع على الغير، فملك بإطلاق البيع بغير الأثمان، كالشركة، والوصية. 15302 - ولا يلزم: الوكيل بالشراء، لأنا قلنا: سبب يملك به البيع. 15303 - ولأن ابن شجاع ذكر في نوادره: الوكيل بالشري إذا اشترى في الذمة جاز. ولأنه إذا وكله ببيع عبد قيمته مائة، فباعه بمائة وثوب، لم يجز أن يقال: يجوز البيع أو لا يجوز. 15304 - فإن قيل: لا يجوز البيع لم يصح، لأنه لو باعه بالمائع خاصة جاز، وإذا زاده ثوبًا فقد زاده خيرًا، فهو أولى بالجواز. 15305 - وإن قلنا: يجوز، قلنا: كل سبب يجوز أن يملك بإطلاقه البيع بالأثمان والعروض يملك [بإطلاقه البيع] بالعروض، كالمضاربة، والوصية. 15306 - احتجوا: بأنه عارض ما ليس من نقد البلد، فوجب أن لا يصح، أصله: إذا باع عينًا بمنافع دار أو دابة. 15307 - قلنا: المعنى فيه: أنه وكله بالبيع لا بعقد الإجارة، فصار عدوله إلى الإجارة كعدوله إلى النكاح إذا زوجه امرأة، وليس كذلك في مسألتنا، لأنه وكله بالبيع مطلقًا فعقد ما يتناوله اسم البيع على الإطلاق، فكذلك جاز. 15308 - قالوا: العقد في البيع إذا انعقد بثمن مطلق وجب حمله على غالب

نقد البلد، فكذلك الوكالة إذا انعقدت ببيع مطلق وجب أن يحمل على غالب نقد البلد. 15309 - قلنا: البيع المطلق إنما يختص بنقد البلد؛ لأنه لا طريق على تصحيح العقد عند الإطلاق إلا أن نحمله على ذلك. ألا ترى: أنه لو باع بأي ثمن شاء المشتري، لم يصح، وهذا المعنى لا يوجد في الوكالة، لأنه لو عقدها على عموم الأعواض جاز، فلم يكن بنا حاجة إلى تخصيصها بنقد البلد ليصح، فحملت على العموم. * * *

مسالة 762 بيع الوكيل بالنقد والنسيئة

مسالة 762 بيع الوكيل بالنقد والنسيئة 15310 - قال أصحابنا: يجوز للوكيل أن يبيع بالنقد والنسيئة. 15311 - وقال الشافعي: لا يجوز أن يبيع بالنسيئة. 15312 - لنا: أنها مدة ملحقة بالعقد، فملك الوكيل المطلق الوكالة شرطها في العقد. أصله: إذا شرط الخيار. 15313 - فإن قيل: إنما جاز للوكيل البيع بشرط الخيار لما فيه من الاحتياط، ولأن إطلاق العقد يقتضيه.

15314 - قلنا: وفي النساء احتياط؛ لأنه يزاد في الثمن. ولأنه إذا أمره بالبيع بشرط الخيار لنفسه فقد منع به تمام العقد، وهذا ضد ما أمره به، فلا يكون فيه احتياط. ولأنها أحد وصفي الثمن، فجاز للوكيل بمطلق الوكالة البيع عليها، كالنقد. 15315 - ولأن كل سبب يملك به البيع، يملك به البيع بالوكالة المعينة، والشركة، والمضاربة، والملك والأبوة والوصية. 15316 - ولأنه مما يعتاد التجار بيعه، فجاز للوكيل المطلق البيع به، كنقد البلد. 15317 - احتجوا: بأن إطلاق العقد يقتضي النقد؛ بدلالة: أن البائع إذا قال: بعتك، تناول إطلاق النقد. 15318 - قلنا: قوله: - (بعتك)، إنما كان نقدًا،؛ لأنه لو جعل مؤجلاً لم يكن أجل فيبطل العقد لجهالة الأجل، فحمله على النقد حتى لا يفسد، لا لما ذكروه من الإطلاق. وهذا المعنى لا يوجد في قول الموكل: بع، لأنا إذا اعتبرنا عموم الأمر في الحال والمؤجل جاز، لأنه قال: بع بثمن مؤجل، وجهالة الجل لا تبطل التوكيل. 15319 - فإن قيل: قوله: (بع) لو كان عامًا في الحال والمؤجل فسد العقد، كما لو قال: بعتك بألف، إما حالة وإما مؤجلة. 15320 - قلنا: لفظه يقتضي الأمرين، وإنما خصصناه بأحدهما، لأن التأجيل لو أراده لبين مدته، لأنه لا يصح إلا بمدة معلومة، فلما لم يبين مدته دل على أنه أراد الحلول، والوكالة لا يفتقر جواز التأجيل في عقدها إلى مدة معلومة، لأنه لو قال: بع بثمن مؤجل جاز وإن لم يبين الأجل، فلذلك حمل على الإطلاق في عموم الأمرين.

15321 - قالوا: توكيل في معاوضة مطلقة؛ فوجب أن يكون العوض الذي يحصل للموكل حالاً قياسًا على الوكيل في الشرى. 15322 - قلنا: هذا غير مسلم؛ لأنه إذا وكله بالشراء جاز أن يشتري بالثمن الحال والمؤجل، لأن عموم اللفظ بتناول الأمرين. وإنما قالوا: إذا دفع إليه مالاً وأمره أن يشتري به لم يجز أن يشتري بثمن مؤجل، لأن الوكالة تعلقت بالعين، فلا يجوز أن يشتري في الذمة. ولذلك إن أسلفه الذي وكله في ابتياعها جاز، فالأجل غير مسلم. 15323 - فإن قالوا: أصلنا: إذا أمره ببيع ثوب فأسلف في حنطة. 15324 - قلنا: يجوز ذلك عند أبي حنيفة، ذكره في باب الوكالة في كتاب البيوع. * * *

مسألة 763 ادعاء شخص الوكالة وتصديق الغريم له

مسألة 763 ادعاء شخص الوكالة وتصديق الغريم له 15325 - قال أصحابنا [: إذا ادعي رجل أنه وكيل صاحب الدين في قبضه وصدقه الغريم؛ ألزمه الحاكم التسليم. وكذلك إذا قال: مات صاحبه وأنا ولده لا وارث له غيري فصدقه، لزمه التسليم إليه في رواية الأصول. 15326 - وروى ابن سماعة، عن محمد: أنه يجبر في العين أيضًا. 15327 - وإن ادعي: أن صاحب الدين مات وأنه كان أوصى إليه، فصدقه، لم يجبر على التسليم. 15328 - وقال الشافعي: لا يجبر على التسليم في الوكيل والوصي، ويجبر في الوارث. 15329 - وإن زعم أن صاحب الدين أحاله بالدين فصدقه، ففيه وجهان، أحدهما: يجبر على التسليم، والثاني: أنه لا يجبر.

15330 - لنا: أنه إقرار بحق الاستيفاء منه، فوجب أن يجبر على التسليم إليه إذا لم يؤد إلى إبطال حق الغير. أصله: إذا ادعى أنه وارثه لا وارث له غيره، أو ادعي الدين لابنه الصغير فصدقه. 15331 - ولا يلزم: إذا ادعى وكالة بقبض العين؛ لأن في التسليم إسقاط حق الموكل من العين. ولا يلزم: إذا أقربه وصي؛ لأن القاضي لو قضي بالتسليم جعله وصيًا، لأنه يملك نصب الوصي، فيسقط ذلك حق الورثة. 15332 - فإن قيل: المعنى في الوارث: أنه إقرار لا مستحق له سواه، فلزمه التسليم إليه، وفي مسألتنا: إقرار هناك مستحق سواه. 15333 - قلنا: علة الأصل غير مسلمة لأنه يجوز أن يكون على الميت دين أو يكون هناك وصية، فيستحق التركة سواه. 15334 - ويبطل علة الأصل: بمسألة الحوالة على أحد الوجهين أنه لا يجبر على التسليم وإن كان لا مستحق سواه. 15335 - ولأنه ادعى على غيره وجوب تسليم ما في ذمته إليه من غير ولاية، فوجب أن يجبر على وجوب تسليمه إليه ما في ذمته إذا صدقه. أصله: إذا ادعى أنه وارث.

15336 - ولا يلزم: الوصي، لأنه لا يدعي حق القبض إلا بالولاية. ولأنه اعترف له بثبوت المطالبة في حق في ذمته بسبب يتبعض، فوجب أن يجبر على التسليم، كما لو أقر له بدين. 15337 - ولا يلزم: الوصي لأنه يدعي المطالبة بسبب لا يتبعض. 15338 - ولأن ما يدفعه من الدين ملك نفسه، فإذا أقر بوجوب تسليمه، فلهذا حق اعترف به على نفسه لا يسقط به حق غيره، فنفذ إقراره فيه كما لو أقر بدين. وليس كذلك العين، لأن إقراره لو نفذ سلم ملك الغائب، فإذا حضر وجحد الوكالة فاتت العين، وفي الأعيان أعراض، فلم يقبل إقراره بحق المقر، لأنه إبطال حق غيره. وأما الدين: فإذا حضر الغائب فجحد الوكالة، فدينه بحاله، فلم يكن الإقرار نافذًا في حقه. 15339 - ولا يلزم: إذا ادعى أنه وصي؛ لأنا نجوز أن يكون صاحب الدين مات وللقاضي ولاية في نصب الوصي، فإذا أقر بالتسليم إلى مدعي الوصية صار وصيًا بإذن القاضي وبرئ البائع بقبضه، ويجوز أن يكون كاذبًا، فيسقط الدين في حق الورثة. 15340 - احتجوا: بأنه أقر بوكيل غيره في قبض دينه، فلم يلزمه الإقباض، كما لو كان الحق عينًا. 15341 - الجواب: أن الأصل غير مسلم على رواية ابن سماعة. والفرق بينهما على رواية الأصول ما بينا: أنه في الدين مقر في حق نفسه، ودين الغائب بحاله، وفي العين مقر بحق الغائب لأن العين تفوت. وأكثر الأحوال أن يضمن المقر قيمتها

ففي الأعيان أعواض. 15342 - قالوا: وكالة لم تثبت في حق صاحب المال، فلا يجبر على دفعه إليه، كما لو كذبه في الوكالة. 15343 - قلنا: المقر إنما يدفع مال نفسه، لا مال صاحب الدين، فوجب أن يعتبر ثبوت الوكالة في حقه، لا في حق الغائب. ألا ترى: أنه لو أقر أن صاحب الدين مات وهذا ابنه، لم يثبت النسب في حق صاحب الدين، ومع ذلك يدفع 176/أإليه، لأن النسب يثبت في حق المقر، فأما إذا كذبه فلم تثبت / الوكالة في حق صاحب الدين ولا في حق غريمه، فلم يجبر على الدفع بدعوى الوكيل. وفي مسألتنا: تثبت الوكالة في حق الغريم، والواجب بها تسليم ماله، فلهذا وجب عليه التسليم. 15344 - قالوا: أنه دفع غير مؤثر في البراءة، فلا يجبر عليه، كما لو ادعي أنه وصي. 15345 - قلنا: يبطل إذا قال: أنا وارث صاحب هذا الدين فصدقه. 15346 - ولأن في زعم المقر أنه دفع مبرئ ويجزيه أن يكذبه صاحب الحق لا يعتبر، كما لو أقام الوكيل البينة وجب التسليم وإن جاز أن يقيم الموكل بينه أنه كان عزله. 15347 - والمعنى في دعوى الوصية: أنه يزعم أن صاحب الدين مات، والولاية للقاضي إذا لم يثبت عنده وصية، فلم ينفذ إقراره في حقه 15348 - وأما مدعي الوكالة: فلم يعرف بثبوت حق الوكالة للقاضي، فلم يعتبر ثبوت الوكالة عنده.

ولأن القاضي له ولاية في نصب الوصي، فإذا أقر بالتسليم إليه سقط الدين بقبضه، ويجوز أن يكون كاذبًا، ولا ولاية للقاضي في نصب وكيل، وإذا أقر بالدفع لم يصر بذلك وكيلاً، فلم يسقط الدين في حق الموكل، فلذلك لزم التسليم إليه. 15349 - قالوا: دفع لا تبرأ به ذمة حكمًا؛ فلم يجبر عليه، كما لو كان عليه دين يبينه فطلبه منه بغير شهادة، لم يجز تسليمه. 15350 - قلنا: لا نسلم، بل يجب على من في ذمته الحق تسليمه في جميع الأحوال، حضرت البينة أو لم تحضر، ومتى أخر المال حتى تحضر البينة مع المطالبة، كان ظالمًا. * * *

مسألة 764 إذا تلف المقبوض في يد الوكيل بعد تصديق الغريم له وإنكار صاحب الحق فعلى من يكون الضمان؟

مسألة 764 إذا تلف المقبوض في يد الوكيل بعد تصديق الغريم له وإنكار صاحب الحق فعلى من يكون الضمان؟ 15351 - قال أصحابنا: إذا صدقه في الوكالة وسلم إليه ثم حضر صاحب الحق فأنكر التوكيل وحلف وقد تلف المقبوض في يد الوكيل؛ فإن كان عينًا فهو بالخيار في تضمين الدافع أو القابض، وإن كان دينًا فله تضمين الدافع دون القابض. 15352 - وقال المزني: له أن يضمن القابض منهما، وهو اختيار المروزي. وقال عامة أصحاب الشافعي مثل قولنا. 15353 - لنا: أنه دفع الدين إلى من لا يبرأ بقبضه، فصار كما لو دفع إلى وكيله وأمره بالتسليم، فتلف في يده، لم يكن لصاحب الحق أن يضمنه. ولأن الحق في الذمة لا يتعين بالدفع، فكان له إتباع الذمة، فأما الوكيل فإنما قبض مال الدافع، فلا سبيل للغريم عليه.

15354 - احتجوا: بأن الوكيل اعترف بأنه قبض مال صاحب الحق وأنه ائتمنه عليه، وقوله في الأمانة لا يقبل، وقبل قوله في قبضه إياه بغير أمره، فضمن. 15355 - قلنا: إنما أقر أنه قبض ماله وكذبه في هذا الإقرار، لأن هناك قبض ملك المالك بغير أمره على وجه التعدي، فكان له أن يضمنه. * * *

مسألة 765 الحكم فيما إذا وكله ببيع فاسد فباع بيعا صحيحا

مسألة 765 الحكم فيما إذا وكله ببيع فاسد فباع بيعًا صحيحًا 15356 - قال أبو حنفية، وأبو يوسف: إذا وكله ببيع فاسد فباع بيعا صحيحا جاز. 15357 - وقال محمد: لا يجوز، وبه قال الشافعي. 15358 - قالوا: إن وكله ببيع عبد بثمن نساءً فباعه بمثل ثمن النساء نقدًا ففيه وجهان: أحدهما: يجوز، والآخر: لا يجوز. 15359 - لنا: أنه أمره ببيع بشرط، فملك أن يبيع بيعًا صحيحًا، كما لو أمره بالبيع بشرط العتق. 15360 - ولأنه إذا أمره بالبيع إلى العطاء فقد وكله ببيع عين بثمن مؤجل، فجاز بهذا التوكيل البيع بأجل. 15361 - ولأنه إذن في البيع لو عري عن شرط التأجيل ملك به البيع. أصله: إذا قال: بع بكل مالي بأي أجل شئت. 15362 - ولأنه وكل ببيع بثمن مؤجل، فإذا باع بثمن حال جاز، كما لو

وكله ببيع إلى أجل صحيح فباعه بمثل ثمن النساء نقدًا. 15363 - فإن نازعوا في الأصل: دللنا عليه بأنه حصل له العوض وهو زيادة الثمن وزاده خيرًا بأن أسقط التأجيل، فصار كما لو وكله ببيع بمائة فباعه بمائتين، وهذه المسألة مبنية على أن البيع الفاسد يقع به الملك، كما يقع في الصحيح. 15364 - وقد دللنا على هذه المسألة، فنقول: ملكه بالتمليك على وجه البيع فجاز أن يملك به البيع على الوجه المأمور به، وزاده خيرًا فوجب أن يجوز. ولا يجوز على الوجه الأول إذا وكله أن يبيع ويشترط الخيار للآمر لأنه يملك بهذا التوكيل البيع الصحيح. 15365 - ولا يلزم على الثاني: إذا وكله أن يبيع بخمر فباعه بدراهم، لأنه لم يعقد على الوجه المأمور به، بل خالف في جنس الثمن. 15366 - فإن قيل: البيع الفاسد لا يقع الملك بعقده. 15367 - قلنا: يقع الملك بالعقد إذا سلم المبيع أولاً على وجه السوم ثم باعه، وعموم التوكيل يقتضي ذلك. 15368 - فإن قيل: البيع الفاسد لا ينبرم، بل يثبت فيه حق الفسخ لكل واحد منهما، فإذا باع بيعًا صحيحًا فقد خالف في صفة العقد. 15369 - قلنا: البيع الفاسد قد لا يثبت فيه الفسخ، مثل أن يوكله ببيع عبد فيبيعه من أبيه أو ممن حلف بعتقه، أو يوكله ببيع عين من الأعيان من رجل قد أقر أنها لغير مالكها، فلا يثبت حق الفسخ في هذا. ولأن حق المقر له تعلق به. 15370 - احتجوا: بأن كل من لم يملك البيع على الوجه المأمور به لم يملكه على غير الوجه المأمور به، كتوكيل المراهق.

15371 - قلنا: المراهق وكله بالتمليك وشرط الفساد، وهو يملك التمليك ولا يملك الأمر بالفساد؛ فجاز تصرف الوكيل فيما يملكه الموكل، وذلك كما لو وكله ببيع عبده وعبد غيره، وأما المراهق فلا يملك ما وكل فيه ولا شيئًا منه؛ فلم يجز تصرف وكيله عليه. 15372 - قالوا: وكالة لا تتضمن بيعًا شرعيًا؛ فلا يملك بها البيع الشرعي، كما لو وكله بالشراء لم يملك البيع. 15373 - قلنا: لا نسلم أن الوكالة لا تتضمن البيع الشرعي، لأنها تضمنت التمليك على وجه البيع، وتضمنت الفساد، وهو معنى زائد على البيع، والوكالة بالشراء لم تتضمن البيع بوجه، فلذلك لا يملكه. 15374 - قالوا: وكله ببيع عبد آبق. 15375 - قلنا: وكل بالبيع والتسليم وإن كان البيع لا يوجب ذلك، فإذا باع وسلم فقد فعل ما وكله به، فأما إذا وكله ببيع عبده الآبق فحضر العبد، جاز له بيعه بتلك الوكالة ووجب له تسليمه. 15376 - قالوا: البيع إلى العطاء لا يملك الموكل توكيله به، فلم يصح، كما لو وكله ببيع عبد لغيره. 15377 - قلنا: الموكل لا يملك هذا البيع، فإذا فعل وقع به التمليك، فوكيله في حكمه. 15378 - ولأنه ملك البيع والتأجيل ولا يملك جهالة الأجل، فينتقل إلى وكيله ما يملك دون ما لا يملك. 15379 - قالوا: وكيل ببيع فاسد، فلا يملك به بيعًا صحيحًا، كمن وكله ببيع خمر بدراهم. 15380 - قلنا: الوصف غير مسلم في الأصل، لأن الوكيل لو أمر ذميًا فباعه من ذمي بخمر بمشهد منه جاز، وهو بيع صحيح عندنا، وإنما لا يملك أن يبيع بالدراهم؛ لأنه خالف في جنس الثمن، فهو كما لو أمره أن يبيع بالحنطة، فباعه بالشعير. * * *

مسألة 766 من تتعلق به حقوق العقد

مسألة 766 من تتعلق به حقوق العقد 15381 - قال أصحابنا: حقوق العقد تتعلق بالوكيل، فإذا باع فله أن يطالب بالثمن دون الموكل، وعليه تسليم المبيع، وإذا ابتاع فعليه تسليم الثمن، وضمان العهدة عليه، وهو المخاصم في العيب. 15382 - وقال الشافعي: إذا باع الوكيل فالمطالبة بالثمن لموكله وله. وإذا ابتاع ففي أي ذمة يثبت الثمن، فيه ثلاثة أوجه، أحدها: الثمن وجب على الموكل، والوكيل ضامن له عن الموكل وللبائع مطالبة أيهما شاء. والوجه الثاني: الثمن يتعلق بذمة الوكيل وحده ولا مطالبة على الموكل حتى يزن الوكيل الثمن ويرجع

حينئذٍ. والوجه الثالث: الثمن في ذمة الوكيل ويثبت مثل ذلك للوكيل في ذمة موكله، ويكون للبائع مطالبة الوكيل، فإذا طولب كان له مطالبة موكله بخلاصه. 15383 - للوكيل بالبيع تسليم المبيع. وفي قبض الثمن وجهان: له ذلك. وإذا سلم الثمن وقدر على قبض المبيع فلم يقبضه؛ ضمن، والثاني: ليس له ذلك. 15384 - لنا: أن كل من لزمه تسليم الثمن بالعقد كانت له حقوق العقد المتعلقة به، والعهدة عليه. أصله: من اشتري لغيره ولم يضف العقد إليه ولم يصدقه البائع أنه اشتراه لغيره. 15385 - ولا يلزم: الصبي، والعبد، لأن التسليم لا يجب عليه بعقده في الحال، [ولا عهدة عليه في الحال]، فإذا عتق وجب عليه تسليم الثمن والعهدة. 15386 - ولا يلزم: القاضي، وأمينة؛ لأن الثمن لا يجب بالعقد، وإنما يجب عليهم بالولاية. ألا ترى: أن العقد لو تولاه غيرهم وجب عليه تسليم الثمن. 15387 - فإن قيل: لا نسلم أن تسليم الثمن وجب بالعقد، وإنما وجب بالضمان.

15388 - قلنا: لم يجز بين الوكيل والبائع إلا عقد الشراء. ولأن من يجب عليه الثمن إذا قبل البيع تعلقت حقوقه به، أصله: من ابتاع لنفسه، وإذا أمره أن يشتري بالدراهم فابتاع بالدنانير. 15389 - ولا يلزم: القاضي، وأمينه، والصبي المحجور عليه، لأن الثمن لا يلزمهم ولا يلزم العبد المحجور، لأن الحقوق تتعلق به، لكنها تتأخر، لأن العهدة حكم من أحكام بيع الوكيل المكلف، فوجب أن يتعلق به. أصله: تسليم المبيع والثمن. ولأن عقد الصرف يصح من الوكيلين مع غيبة موكليهما، فلو لم تتعلق الحقوق بهما لم ينعقد الصرف، كما لا ينعقد بالرسولين. 15390 - فإن قيل: حقوق الصرف لا تتعلق بهما، وإنما يعتبر محلهما، لأنهما أوجبا العقد. 15391 - قلنا: لولا أن حقوق العقد تعلقت بهما / لم يؤثر تفرقهما، كالرسولين. 176/بـ 15392 - قالوا: القاضي إذا عقد الصرف اعتبر المجلس، ولم تتعلق الحقوق به. 15393 - قلنا: من أصحابنا من قال: إن الحقوق تتعلق به إلا أنه لا يلزمه الضمان. 15394 - احتجوا: بأن الثمن حق الموكل يجوز لوكيله المطالبة به؛ فجاز للموكل أن يطالب به. أصله: سائر حقوقه. 15395 - قلنا: الوصف غير مسلم؛ لأن الثمن حق الوكيل عندنا يتعين به حق الموكل. ولهذا تجوز البراءة منه. 15396 - وقولهم: (يجوز لوكيله المطالبة به)، لا نسلمه؛ لأن الوكيل لا يطالب بالثمن بمقتضي الوكالة، وإنما يطالب بحكم عقده، ولهذا لو عزله الموكل عن المطالبة

لم ينعزل. 15397 - قالوا: لما جاز للموكل مطالبة وكيله إذا قبضه كان له مطالبة من حل محله قبل قبض وكيله، قياسًا على الوكيل بقبض الدين. 15398 - قلنا: يبطل إذا أطلق الوكيل العقد ثم زعم أنه باع لغيره، فلم يصدقه المبتاع. 15399 - ولأن الوكيل التزم هذا الحق لموكله فملك أن يطالبه، والمشتري لم يلتزم للموكل حقا، فلم يملك مطالبته، ولهذا لو أطلق العقد ثم زعم أنه وكيل غيره فلم يصدقه العاقد معه، لم يثبت للمقر له مطالبته. 15400 - فإن قيل: لو قبض الموكل الثمن من المشتري برئ من حق الوكيل، فدل أن القبض من حقوقه. 15401 - قلنا: قبض ما ليس بحق له إلا أنه لا يفسخ قبضه، لأنا لو فسخنا وقبضه الوكيل لتعين في يده للموكل واحتجنا إلى إعادة قبضه، ولا معنى لفسخ قبض يجب إعادته في الحال. 15402 - قالوا: الوكيل نائب عن الموكل في العقد؛ فوجب أن تثبت الحقوق للمنوب عنه، كالحاكم. 15403 - قلنا: الحاكم يعقد بولاية القضاء، فلو تعلقت به الحقوق صار خصمًا، وهذا يبطل معنى الولاية، فلما أدي تعليق حقوق العقد بها إلى إبطال عقده، لم تتعلق. وفي مسألتنا: الوكيل تعليق الحقوق به لا يؤدي إلى إبطال البيع بالوكالة، لأن الوكيل يجوز أن يكون خصمًا، فلذلك تعلقت الحقوق به. * * *

مسألة 767 هل الملك ينتقل للوكيل أو للموكل؟

مسألة 767 هل الملك ينتقل للوكيل أو للموكل؟ 15404 - كان الشيخ أبو الحسن يقول: إن الملك المنتقل في الشري ينتقل للوكيل ملكًا غير مستقر، وينتقل منه إلى الموكل. 15405 - وقال أبو طاهر: الملك بالعقد ينتقل ابتداًء إلى الموكل. وأما الحاكم وأمينه: فمن أصحابنا من قال: لا ينتقل الملك إليهما، وكان الشيخ أبو عبد الله يقول: ينتقل الملك إلى القاضي، إلا أن الحقوق لا تتعلق به. 15406 - وقال الشافعي رحمه الله: ينتقل الملك ابتداًء إلى الموكل. لنا: أن من لزمه تسليم ثمن المبيع، دخل البيع في ملكه، أصله: إذا اشترى لنفسه، وإذا وكله في شراء عبد بمائة فاشتراه في صفقتين. 15407 - ولا يلزم: القاضي؛ لأن تسليم الثمن يلزمه بالولاية لا بالبيع. 15408 - ولأنه مكلف اشترى ما وكل في شرائه، فانتقل الملك إليه. أصله: إذا وكله أن

يشتري بمائة دينار، وهذا أصل مركب، لأن الحسن روى عن أبي حنيفة: أن الشري للموكل. ولأنه أضاف الشراء إلى نفسه إضافة صحيحة من غير ولاية، فلم ينتقل الملك بالعقد إلى غيره. أصله: إذا اشترى لنفسه. 15409 - ولا يلزم: الصبي المحجوز؛ لأن إضافته ليست بصحيحة، بدلالة: أنه لا يملك الإضافة. 15410 - ولا يلزم: القاضي، وأمينه؛ لأنهما يتصرفان بولاية. هذا على طريقة من يقول: إن الملك لا ينتقل إلى القاضي، فإن عللت على طريقة من يقول: إن الملك ينتقل إلى القاضي فأسقط من الولاية. 15411 - ولأن الملك لو لم ينتقل إلى الوكيل لم يضف العقد إلى نفسه كالوكيل بالنكاح إذا خالف لم يلزمه العقد؛ لأن المعقود عليه لا ينتقل إليه عند موافقة الأمر. 15412 - فإن قيل: إنما لا يلزم النكاح مع الخلاف، لأن لفظ العقد لا يصلح له، ولما صلح لفظ البيع له انتقل مع الخلاف إليه. 15413 - قلنا: هذا دليلنا أن الملك لو لم ينتقل إلى الوكيل لم يجز أن يعقده بلفظ يصلح له، كالرسول بالعقد، وكالوكيل بالنكاح. 15414 - احتجوا: بأنه يقبل لغيره عقدًا صح له؛ فوجب أن ينتقل الملك إلى المقبول له، لا إلى القابل، كالوكيل بالنكاح. 15415 - قلنا: النكاح لا ينتقل الملك فيه إلى الإنسان، ثم ينتقل من جهته إلى غيره، فلذلك انتقل إلى الموكل ابتداًء والبيع فيه إلى الإنسان ثم ينتقل من جهته إلى غيره، فجاز أن ينتقل بالعقد إلى الوكيل، ثم ينتقل منه إلى غيره.

15416 - ولأن العاقد لغيره النكاح لا يجوز أن ينتقل الملك إليه مع المخالفة (فلم يجز) أن ينتقل إليه مع الموافقة. 15417 - ولا يلزم: الحاكم، لأنه لا يجوز أن ينتقل إليه مع الموافقة إذا عقد بوكالة. 15418 - ولأن العاقد في النكاح يضيف العقد إلى غيره، فوقع الملك لمن أضيف العقد إليه، والعاقد في الشراء يضيف العقد إلى نفسه فوقع الملك بعقده لمن أضيف إليه. 15419 - ولا يلزم: الحاكم، وأمينه، والمحجور عليه؛ لأن الملك ينتقل إليهم على قول بعض أصحابنا. 15420 - قالوا: قبل لغيره عقدًا صح له، فوجب أن ينتقل فيه على المقبول له، أصله: الأمين. 15421 - قلنا: انتقال الملك إلى الموكل إجماع، وموضع الخلاف: هل ينتقل إلى العاقد أولاً، أو لا؟. 15422 - ولأن الأصل غير مسلم على ما بينا، ومن سلم ذلك من أصحابنا يقول: الأمين قائم مقام القاضي، وهو يتصرف بولاية الحكم، فلو ملك ما يتصرف فيه بطل معنى الولاية، فلم يجز عقده، وهذا لا يوجد في الوكيل. 15423 - قالوا: الرجل يوكل بالبيع تارةً وبالشراء أخرى، فلما كان الوكيل بالبيع لا ينتقل الملك إليه، كذلك الوكيل بالشراء. 15424 - قلنا: لا نسلم أن الوكيل بالبيع يحل الثمن بعقده ثم يملك الثمن من جهته، فلا فرق بينهما. 15425 - فإن قالوا: إنه لا يملك المبيع. 15426 - قلنا: العاقد لا يملك بالعقد ما يملكه غيره، وإنما يملك البدل الذي من جهة غيره. 15427 - قالوا: لو ملك المبيع لكان إذا وكل بشراء ابنه يعتق عليه.

15428 - قلنا: يملكه ملكًا غير مستقر، والعتق لا يقع إلا في ملك مستقر، ألا ترى: أنه إذا ملك ابنه وقع عليه الملك ثم العتق في الحالة الثانية بالملك، وفي مسألتنا يتلو ملك الوكيل الانتقال، فلا يستقر الملك في حالة الوقوع. 15429 - قالوا: من اشتري أباه عتق عليه قبل قبضه، وإن كان الملك لم يستقر. 15430 - قلنا: لم نرد بالاستقرار تمام الملك، وإنما أردنا به ما فسرناه. وقبل القبض يملك ويستقر ملكه بالحالة الثالثة للمالك إلا أن يطرأ على الملك ما ينافيه، فاستقر بمعنى بقي على ما كان عليه، فوقع العتق عليه. 15431 - قالوا: لو وكل رجل عبدًا يشتري له نفسه من مولاه لم يعتق، ولو كان الملك بالعقد ينتقل إلى ملك العاقد لعتق. 15432 - قلنا: هذا على وجه إن أضاف العقد إلى نفسه ولم يذكر الآمر عتق؛ لأن المولى قصد العتق. وإن أضاف العقد إلى الآمر: لم يعتق، لأنه يصير كالرسول بالبيع، وكالوكيل بالنكاح، فلا ينتقل الملك إليه. 15433 - قالوا: إذا وكله بشراء عبد زيد بثوبه ففعل، فقد ملك زيد الثوب عن جهة الوكيل، وملك الموكل العبد الذي هو عوضه من جهة زيد في مقابلة ملك العوض. 15434 - قلنا: زيد يملك الثوب عن الملك الموكل بتمليك الموكل إياه، فيجب أن يملك العبد في مقابلة الثوب بتمليك الوكيل أيضًا، والوكيل لا يملك التصرف في العبد؛ لأن مالكه لم يجعل له التصرف فيه، فلم يبق إلا أن ينتقل إليه حتى يملكه الموكل من جهته، كما ملك زيد الثوب من الموكل بتمليك الوكيل، وليس يمتنع عنده أن يملك العوض من ملك إنسان ويملك بعوضه غيره، كمن قال: اشتر عبد فلان لنفسك بثوبي، جاز ذلك، ويصير مقرضًا للثوب.

مسألة 768 إبراء الوكيل المشتري من الثمن

مسألة 768 إبراء الوكيل المشتري من الثمن 15435 - قال أبو حنيفة، ومحمد: إذا باع الوكيل ثم أبرأ من الثمن جازت براءته، وضمن للموكل. 15436 - وقال أبو يوسف: لا تصح براءته، وبه قال الشافعي. 15437 - لنا: أنه دين يقبل الإبراء وجب ببيعه، فكان له البراءة فيه إذا كان من أهل البراءة. أصله: إذا باع ملك نفسه. 15438 - ولا يلزم: القاضي؛ لأن الثمن الذي يجب بعقده لا يحتمل الإبراء. ولأنه معنى يملكه الموكل، فسقط به الثمن من ذمة المشتري، فجاز أن يملكه الوكيل، أصله: الرد بالعيب والاستيفاء. 15439 - ولا يلزم: الإقالة؛ لأن الوكيل يملكها عندنا، ولأنها فسخ، وهو يملك الفسخ. ولأن كل من لزمه تسليم المبيع في البيع كان له البراءة من ثمن المبيع في الشراء من غير ولاية له أو عليه؛ أصله: من باع ملك نفسه، أو إذا وكله بالإبراء.

15440 - ولا يلزم: القاضي، وأمينه؛ لأن له ولاية. 15441 - ولا يلزم: المأذون؛ لأن عليه ولاية. 15442 - وهذه مبنية على أن حقوق العقد تتعلق بالعاقد، والدين في الذمة، هو والمطالبة من حقوق العقد، والعاقد ممن يملك إسقاط حق نفسه، والدين يقبل الإسقاط. 15443 - فإن قيل: الدين في الذمة، بدلالة: أن الحول ينعقد عليه ويجب فيه الزكاة، لأنه حق يتعين به في الثاني، فتجب الزكاة لأجل ذلك. 15444 - احتجوا: بأنه إبراء من دين لغيره بغير إذنه، فوجب أن لا يصح. أصله: إذا أبرأه من دين يثبت بعين عقده. 15445 - قلنا: لا نسلم أنه أبرأ من دين لغيره، والدين للوكيل وما يتعين به 177/ألغيره، والمعنى / فيما وجب بغير عقده: أن العقد لم يوجب له المطالبة، فلم يملك بحكم العقد البراءة منه. وفي مسألتنا: دين يحتمل البراءة أوجبه بعقده، فوجب أن يملك أن يبرئ منه، كما ملك أن يسقط حقوق نفسه، بدلالة: أنه لو أذن لرجل في قطع يده، لم يسقط ما يجب بالقطع. 15446 - فإن قيل: إنه يملك بالطلاق، وهو إسقاط حقه. 15447 - قلنا: لا يملك من حيث الإسقاط، وإنما يملكه لأنه وقع عقد يسقط برفعه حق عليه، وهو النفقة والقسم، فصار كالإقالة. 15448 - قالوا: لا تصح هبة الدين بعد قبضه، فلا يصح إبراؤه منه

قبل قبضه أصله: العبد المأذون له، وولي البكر. 15449 - قلنا: إذا قبض الدين فقد استوفى الوكيل حقه، وتعين المقبوض ملكا للموكل، فلم يملك عليه، وقبل القبض ليس هناك إلا المطالبة التي قد ثبتت عندنا أنها حق للوكيل بالعقد، فملك إسقاطها كما يملك إسقاط حقوق نفسه، فلا يملك إسقاط ما ثبت له من حق المطالبة بالعقد، والوكيل بخلافه. 15450 - وأما الأب في النكاح فلا يملك المطالبة بالمهر بالعقد، وإنما يملك عندنا بالتوكيل، والوكيل بالقبض لا يملك البراءة. 15451 - فأما الوكيل فمن أصلنا: أنه يملك المطالبة بالثمن بالعقد لا بالولاية، وليس بمولي عليه، فملك الإسقاط. 15452 - قالوا: لو قبض الموكل الثمن أو أبرأ عنه صح، ولو كانت المطالبة من حقوق الوكيل، والدين لم يصح ذلك. 15453 - قلنا: أما براءة الموكل فلأنه يسقط بالبراءة ما يتعين له الثاني، وإسقاط الحقوق عند وجود أسبابها يجوز. 15454 - وأما القبض فإنه قبض ما ليس بمستحق له، وإنما لا يفسخ قبضه، لأنا لو فسخنا قبضه احتجنا أن نعيده به في الحال، ولا معنى لفسخ شيء تجب إعادته. * * *

مسألة 769 تعليق الوكالة بالشرط

مسألة 769 تعليق الوكالة بالشرط 15455 - قال أصحابنا: يجوز تعليق الوكالة بالشرط، مثل: أن يقول: إذا جاء رأس الشهر فبع عبدي، وإذا قدم الحاج فاقبض ديوني. 15456 - وقال الشافعي: لا يجوز تعليق الوكالة بالشرط، فإن أطلقها وعلق التصرف بالشرط جاز، مثل أن يقول: وكلتك بالبيع، فلا تبع حتى يهل الشهر أو يقدم الحاج. 15457 - قالوا: إذا علق الوكالة بشرط فوجب الشرط؛ لم يملك الوكيل التصرف، فإن تصرف نفذ تصرفه، فعلى هذا يسقط الخلاف، إذ لا فائدة فيه إلا العبارة. 15458 - فإن قيل: فائدته: أنه إذا وكله بأجره استحق المسمي عندكم، وعندنا: يستحق أجرة المثل. 15459 - قلنا: الوكالة بأجرة لا تستحق المسمي؛ لأن العمل في البيع، والاقتضاء يقل ويكثر، وإنما يجب أجرة المثل، وهذا خلاف لا يعود إلى هذه المسألة. 15460 - لنا: أنه أذن في التصرف، فيجوز تعليقه بالشرط. أصله: الولاية. وقد دل على ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - لما جهز جيش مؤتة قدم إمارة زيد بن حارثة، ثم قال: (إن

قتل زيد فأميركم جعفر، فإن قتل فأميركم عبد الله بن رواحة). 15461 - فإن قيل: هذه مشورة منه - صلى الله عليه وسلم - لا ولاية، بدلالة: أن الولاية في هذا الوقت لا يجوز تعليقها بشرط. 15462 - قلنا: قوله: (فأميركم فلان) إن كان خبرًا اقتضي ظاهره أن يكون أميرًا قلدوه أو لم يقلدوه، وهذا لا يكون إلا بتوليته - صلى الله عليه وسلم -، وإن كان أمرًا فهو على الوجوب. 15463 - وقولهم: (الولايات لا يجوز تعليقها بالشروط)، غلط، لأن ذلك جائز عندنا. 15464 - ولأنها استنابه في التصرف؛ فجاز تعليقها بالشروط، كالوصية. 15465 - فإن قيل: إطلاق الوصية يقتضي تعليقها بالشروط وهو الموت، فجاز أن يتعلق بالشرط، وإطلاق الوكالة يقتضي التصرف في الحال، فلم يجز أن يتعلق بالشطر. 15466 - قلنا: إطلاق الوكالة يقتضي جواز التصرف عقيب العقد، ولو علق التصرف بالشرط وأطلق الوكالة جاز، وإن خالف ذلك مقتضاها. 15467 - فإن قيل: الوصية لا تؤثر الجهالة فيها فجاز تعليقها بالشرط. والوكالة تؤثر الجهالة فيها فلم يجز تعليقها بالشرط، ألا ترى: أنه لابد من بيان الجنس الموكل به وصفته. 15468 - قلنا: الوكالة تحتمل الجهالة أيضًا؛ بدلالة: أنه يوكله بقبض ديونه، ولا يعلم ما هي وما يتجدد من ديونه على الناس، ويوكله بشراء عبد زنجي فيجوز مع جهالته؛ فلما احتملت الوصية الجهالة من كل وجه لم توجد إلا متعلقة بشرط، ولما احتملت الوكالة الجهالة من وجه دون وجه، جاز أن تقع مطلقة،

وجاز أن تتعلق بالشرط. ولأن كل إذن إذا تصرف به نفذ ملك التصرف به، أصله: الإذن المطلق. ولأنه لو جعل إليه البيع وقت القدوم، فصار كما لو وكله في الحال ببيع إذا قدم. 15469 - فإن قيل: ههنا انعقدت الوكالة في الحال على بيع عند القدوم، وفي مسألتنا: علق بشرط القدوم، وهما مختلفان، بدلالة: أنه لو أجر داره مدة لم تحضر، فإن عقد في الحال الإجارة على تلك المدة جاز عندكم، وإن عقد عقدًا متعلقًا بحضور تلك المدة لم يجز. 15470 - قلنا: لا فرق بينهما؛ لأنه إن عقد في الحال جاز، وإن أراد المؤجر مع الدار قبل حضور المدة لم يجز، وإن جاء رأس الشهر فأراد بيعها قبل ذلك أو بعده جاز ولنعقد صحيح في الحالين. 15471 - احتجوا: بأنه عقد يملك به البيع، فإذا لم يكن على التعليق لم ينعقد بالشرط، كالنكاح والبيع والهبة. 15472 - قلنا: لا نسلم أن الوكالة عقد، بل هي إباحة التصرف، يبين ذلك: أن العقد افتقر في وضعه إلى إيجاب وقبول، والوكالة لا تفتقر إلى قبول، فلا نسلم الوصف في الأصل؛ لأن التوكيل لا يملك الوكيل به المبيع، وإنما يملك به البيع، ثم يملك المبيع بمقتضي الملك لا بالبيع. ويبطل ما ذكروه بالوصية؛ لأنها على قولهم عقد يملك به البيع وينعقد بالشرط. 15473 - فإن قالوا: الوصية لا يملك بها البيع وإنما يملك بها وبالموت. 15474 - قلنا: غلط، بل البيع يملك بها إذا وجد شرط التصرف، كما أنه إذا

قال: وكلتك ببيع عبدي فبعه إذا الحاج، فالبيع يملك بالوكالة إذا وجد شرط التصرف، والمعنى في البيع والنكاح: أنه إذا علقها بشرط لم ينفذ تصرفه في مقتضاها عند وجود الشرط، وفي مسألتنا: إذا علق الوكالة بشرط لم ينفذ تصرفه فيما وكل فيه عند وجود الشرط فدل ذلك على صحة تعلقها بالشرط. 15475 - قالوا: التوكيل سبب له مسببه، ومسببه التصرف بالبيع والهبات وغير ذلك، ثم ثبت أن مسببه لا يتعلق بشرط، وكذلك السبب. وعكسه الوصية: لما تعلق مسببها بشرط، وهو إذا قال: وصيت لك بما تحمل ناقتي، جاز أن يتعلق السبب بالشرط. 15476 - قلنا: الوكالة سبب في مسببٍ، منه: ما يتعلق بشرط، ومنه: ما لا يتعلق بشرط، بدليل: أن البيع والهبة والنكاح لا يتعلق بالشطر، وقد يوكل بالطلاق والخلع والعتاق، واستيفاء ما يتجدد من ديونه، كما أن الوصية مسببها منه: ما يتعلق بشرط ومنه: ما لا يتعلق؛ لأنه قد يوصي إليه ببيع ماله، ثم جاز تعليق الوصية بشرط كذلك الوكالة. 15477 - قالوا: وكالة معلقة بشرط مستقبل؛ فوجب أن لا تصح. أصله: إذا قال: إذا جاء رأس الشهر فقد وكلتك في الآخر. 15478 - قلنا: قولكم: - (فوجب أن لا تصح) – لا يعمل؛ لأن التصرف نافذ في هذه الوكالة، كما هو نافد من مطلقها، ثم المعنى في الإيصاء: أنه وكله بالتصرف فيما ليس بحق للموكل، ولا يثبت بالتصرف فيه ضمان عليه، فلم

يصح بمطلق الوكالة ولا بقيدها لهذا المعنى، وفي مسألتنا بخلافه. 15479 - قالوا: عقد يستفاد به التصرف في حق العاقد حال حياته، فلا يجوز تعليقه بالصفة، أصله: الشركة، والمضاربة. 15480 - قلنا: قولكم – (عقد) – قد بينا أنه غير مسلم أيضًا؛ لأن الشركة والمضاربة يجوز تعليق كل واحد منهما بالشرط، لأنها في معنى الوكالة. وقد قالوا فيمن قال: بعْ هذا المال واعمل فيه مضاربةً: جاز، ولو قال: ما اشتريت اليوم من شيء فهو بيننا: جاز. * * *

مسألة 770 توكيل الصبي بالبيع والشراء

مسألة 770 توكيل الصبي بالبيع والشراء 15481 - قال أصحابنا: إذا وكل صبيا يعقل بالبيع والشراء، جاز. 15482 - وقال الشافعي: لا يجوز توكيله. 15483 - لنا: ما روي (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب أم سلمة، فقالت: إنه ليس أحد من أوليائي شاهد وإني امرأة مصبية، فقال: ليس من أوليائك أحد إلا وهو يرضاني لك، فأمرت ابنها عمر فزوجها منه وكان صبيًا). وذكر الزبير بن بكار قال: زوجها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابنها سلمة بن أبي سلمة في

شوال سنة أربع. وقال ابن سعد في الطبقات: الذي زوجها سلمة بن ابي سلمة دون غيره من أهل بيتها، فزوجه النبي - صلى الله عليه وسلم - ابنه حمزة، فرأي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قد حار صبع. 15484 - فإن قيل: إنما زوجها ابنها عمر، وكان ابن عمها زوجها بالولاية، وكان بالغًا. 15485 - قلنا: كيف يكون بالغًا وهي تقول: (ليس أحد من أوليائي شاهد)، وهي تقول: (إني امرأة مصبية)، أي ذات صبيان. على أنه إن كان الأمر كما ذكر الزبير وهو أعلم الناس بأخبار قريش، فسلمة كان طفلاً، لأن ابن إسحاق ذكر: أنها هاجرت وابنها طفل في حجرها يرضع فجذبوه من حجرها فانخلعت يده. 15486 - وإن كان الذي زوجها عمر، فقد قال ابن سعد في الطبقات: إن عمر أصغر سنًا من سلمة. ولأنه يعقل البيع والشراء فصح توكيله، كالبالغ. ولأن التوكيل حكم يتعلق بمن بلغ خمس عشرة سنة وإن لم يحتلم، فتعلق بمن 177/ب لم يبلغها. أصله: الأمر / بالصلاة والصوم، وجواز الرجوع إلى قوله في الإذن، وصحة الطهارة. 15487 - ولأنه يؤمر بالصلاة؛ فجاز توكيله بالبيع، أصله: من بلغ خمس عشرة سنة.

15488 - احتجوا: بقوله عليه [الصلاة و] السلام: (رفع القلم عن ثلاث). 15489 - قلنا: هذا يقتضي رفع التكليف، وصحة العقود لا تتعلق بالتكليف. 15490 - قالوا: غير مكلف؛ فلم يجز توكيله، كالمجنون. 15491 - قلنا: المجنون لا يقصد البيع؛ فلا ينعقد بيعه، كالعاقل الهازل، والصبي له قصد صحيح، فيصح توكيله، كالبالغ. 15492 - قالوا: لا يصح طلاقه كالمجنون. 15493 - قلنا: الطلاق إسقاط لحقه، وليس له إذا لم يملك أن يسقط حقوقه، فلا تصح فيه النيابة عن غيره، ألا ترى: أنه لو وهب ماله لم يصح، ولو كان رسولاً في هدية أو إذن في دخول دار غيره صح إذنه، كذلك لا يملك أن يطلق زوجته وإن صح أن ينوب عنه غيره في الطلاق. * * *

مسألة 771 إطلاق الوكالة للوكيل في البيع يقتضي سلامة المبيع

مسألة 771 إطلاق الوكالة للوكيل في البيع يقتضي سلامة المبيع 15494 - قال أبو حنيفة: إذا وكله بشراء عبد فاشترى عبدًا أعمي أو مقطوع اليدين بقيمته جاز. 15495 - وقالا: لا يجوز، وبه قال الشافعي. 15496 - لنا: أن كل عبد لو عينه جاز له شراؤه؛ فجاز له شراؤه بإطلاق الوكالة، كالبصير. ولأنه عيب لا يؤثر في النكاح؛ فلا يمنع جواز الشراء بإطلاق الوكالة، كالزاني، والسارق. ولأنه عبد يجوز للموكل أن يشتريه، فجاز للوكيل بإطلاق الوكالة أن يشتريه، كالعبد الصحيح. 15497 - احتجوا: أن إطلاق البيع يقتضي الصحة، بدلالة: أن من اشترى شيئًا فوجد به عيبًا لم يلزمه، فكذلك إطلاق الأمر بالشراء.

15498 - قلنا: يبطل بالعيب اليسير وبالعبد السارق، وهذا موضع لا شبهة فيه؛ لأنهم قالوا في الوكيل: إذا اطلع على عيب هل يملك الرد أم لا؟ على وجهين. ولو كان الأمر اقتضي الصحة لكان العيب غير داخل تحت الأمر، فيلزم الوكيل دون الموكل. 15499 - واحتج أبو يوسف ومحمد: بأن هذا العبد لا يمكن استخدامه، والعبد يراد للخدمة. 15500 - قلنا: يبطل بالمقطوع اليد والرجل من خلاف أنه يجوز شراؤه عندهما وإن لم يمكن استخدامه. ويبطل إذا اشترى للموكل أباه أو ابنه، فإنه يعتق وتعذر الاستخدام بالعتق، كتعذره بالعمى، ومع ذلك يجوز الشراء. * * *

مسألة 772 يجوز أن يبيع نصف العبد لو وكل ببيعه جملة

مسألة 772 يجوز أن يبيع نصف العبد لو وكل ببيعه جملة 15501 - قال أبو حنيفة: إذا وكله ببيع عبده فباع نصفه، جاز. 15502 - قالا: لا يجوز، وبه قال الشافعي. 15503 - لنا: أنه أطلق له الأمر ببيع جملته، فملك بيع بعضها، أصله: الطعام. ولأنه باع ما يملك بيعه من غيره بوكالة مطلقة، فوجب أن يجوز، أصله: بيع الصبرة، وإذا وكله ببيع عبدين فباع أحدهما. ولأنه قد ثبت من أصولنا: أنه لو باع الجميع بما باع به النصف جاز، فإذا حصل له ذلك العوض وزاده خيرًا بتبقية بقية العبد على ملكه، كان أولى بالجواز. 15504 - احتجوا: بأنه تبعيض الصفة فيما على الموكل فيه ضرر، فوجب أن لا يلزم الموكل. أصله: إذا وكله بشراء عبد فاشترى نصفه. 15505 - قلنا: هناك ألحق الضرر بمو كله فيما عقد عليه، وههنا أدخل الضرر فيما

لم يعقد عليه، كذلك ههنا. 15506 - فإن قيل: هناك الضرر يلحقه فيما بقي بتصرفه في نصف العبد الذي باعه. 15507 - قلنا: إذا كان الضرر فيما لم يؤثر فيه لم يؤثر فيما تصرف فيه وإن حصل الضرر بذلك التصرف، ألا ترى: أنه لو وكل ببيع أمة فباعها من زوجها قبل الدخول سقط المهر وإن كان هذا الضرر لحق الموكل بتصرف الوكيل، كذلك لو وكله أن يزوجه فزوجه أخت جاريته التي وطئها، جاز، وإن ألحق به ضررًا بتصرفه؛ لأنه لا يجوز له وطؤها حتى يخرج استباحة جاريته من ملكه. * * *

مسألة 773 جواز توكيل المسلم للذمي في بيع الخمر وشرائها

مسألة 773 جواز توكيل المسلم للذمي في بيع الخمر وشرائها 15508 - قال أبو حنيفة: إذا وكل مسلم ذميا ببيع خمر أو ابتياعها جاز. 15509 - وقالا: لا يجوز، وبه قال الشافعي. 15510 - لنا: أنه وكل بالتصرف في الخمر من أقر على شرائها، فوجب أن لا يلزم الآمر إذا اشتراها، أصله: الذمي إذا وكل ذميًا. 15511 - ولأنه شراب متمول؛ فجاز للمسلم أن يوكل ذميًا في شرائه، أصله: سائر الأشربة. 15512 - ولا يلزم: لبن الآدمية؛ لأنه ليس بمتمول، ولأن ما أقر الذمي على بيعه جاز بيعه للمسلم، أصله: ما ذكرنا. 15513 - فإن قيل: المعنى فيما قستم عليه: أن الموكل لو باشر العقد جاز، فصح توكيله. وفي مسألتنا: لو باشر العقد لم يصح، فكذلك توكيله. 15514 - قلنا: لو وكل بعقد الصرف لم يصح.

15515 - ولأنه لا يمنع أن يصح عقد الغير له، ولا يصح عقده لنفسه، كما أن شهادة الغير مقبولة، ولا تصح شهادته لنفسه، وكذلك يجوز حكمه لغيره، ولا يجوز حكمه لنفسه. ولأن الموكل من أهل التوكيل، ويملك هذا العقد لنفسه ولغيره، وحقوق العقد تتعلق به، فوجب أن يصح التوكيل قياسًا على الغائب إذا وكل حاضرًا بعقد الصرف. 15516 - ولا يلزم: المجنون، والصبي إذا وكلا؛ لأنهما ليسا من أهل التوكيل. 15517 - ولا يلزم: إذا وكل الحر مكاتبًا أو مأذونًا يشتري له نسيئة، لأنهما لا يملكان الشراء لغيرهما نساء. 15518 - ولا يلزم: المسلم إذا وكل مجوسيًا يزوجه مجوسية، أو المجوسي وكل مسلمًا يزوجه مسلمة؛ لأن حقوق النكاح لا تتعلق بالعاقد، وإنما تتعلق بالمعقود له. 15519 - احتجوا: بأنه عقد لا يجوز للمسلم أن يتولاه بنفسه، فلا يجوز توكيل الذمي به، أصله: نكاح المجوسية: 15520 - الجواب: أن النكاح يضاف إلى المعقود له لا إلى العاقد، فاعتبر حكمه به قياسًا على مكاتب المسلم إذا كان نصرانيا فاشترى خمرًا.

15521 - فإن قيل: نحن لا نسلم أن هذا العقد يصح في عقد الذمي ولا يلزم: وإنما نقره عليه مع بطلانه، كما نقره على الكفر. 15522 - قلنا: نحن لا نتكلم في هذه المسألة إلا بعد تسليم هذا الأصل، لأنها فرع عليه، فإن التسليم بأن عقدهم في الخمر منعقد لازم تكلمنا في هذا الفرع وإلا تشاغلنا بالأصل، وتكلمنا في هذه مع أبي يوسف ومحمد. * * *

مسألة 774 الحكم إذا وكله في شراء سلعة بثمن فاشترى ضعفها بنفس الثمن

مسألة 774 الحكم إذا وكله في شراء سلعة بثمن فاشترى ضعفها بنفس الثمن 15523 - قال أصحابنا: إذا وكله ليشتري له عشرة أرطال لحم بدرهم فاشترى عشرين رطلاً بدرهم من لحم يباع عشرة أرطال بدرهم؛ لزم الآمر عشرة بنصف درهم وعشرة للوكيل، وإن اشترى عشرة وربعًا أو نصفًا بدرهم، لزم ذلك الآمر استحسانًا، وإن أمره أن يشتري عبدًا بمائة فاشترى بها عبدين يساوي كل واحد منهما مائة، قال في المنتفي: عن أبي حنيفة: إنه لا يلزم الآمر واحد منهما. 15524 - وقال الشافعي: إذا اشترى بثمن في الذمة، ففيها قولان، أحدهما: الملك في الجميع للموكل، والثاني: يملك الموكل النصف، والنصف للوكيل، وللموكل أخذه منه. وأما إذا اشترى بمال الموكل ففي أحد القولين: الجميع للموكل، وفي القول الثاني: البيع باطل في الزيادة.

15525 - لنا: أنها زيادة متحققة ابتاعها لغيره بغير أمر ولا ولاية، فوجب أن تلزمه. أصله: إذا اشترى ابتداء. ولا يلزم: الزيادة القليلة؛ لأنها تدخل بين الوزنين، ويسترجع مثلها في العادة، فلا يتحقق حصول الزيادة. ولأنه أمره بشراء عبد فلم يلزمه عبدان، أصله: إذا اشتراهما بأكثر مما سمي له. 15526 - احتجوا: بحديث عروة البارقي رضي الله عنه: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاه دينارًا وأمره أن يشتري له شاة، فاشتري شاتين ثم باع إحداهما بدينار وجاءه بشاة ودينار، فدعا له بالبركة). 15527 - الجواب: أن هذا الخبر طعن عليه أصحاب الشافعي في استدلالنا به في وقوف البيع. 15528 - قالوا: يروى عن أناس من الحي، عن عروة، فهو مرسل، فكيف

صح لهم الرجوع إليه؟. ثم قد ذكر الطحاوي في هذا الخبر: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يشتري شاة أضحية)، والأضحية اسم لما يضحي به، وذلك يتناول الواحدة والعدد. 15529 - فإن قيل: أضحية اسم للواحدة، يقال: أضحية وأضحيات والأضاحي فتثني وتجمع. 15530 - قلنا: الاسم يصلح للواحدة وللجماعة، فإذا ثني دل على أن المراد به الواحدة، وإذا أطلق احتمل. ولأن عندنا إذا سلم المأمور ما ابتاعه إلى الموكل ورضي به، جاز وانتقل إليه، هكذا رواه بشر عن أبي يوسف، وقد سلم ذلك عروة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فرضيه، وليس في الخبر ما دل على أنه ملكه بالعقد الأول. 15531 - قالوا: فعل المأمور به وزاد خيرًا من جنسه، فوجب أن يلزم الآمر، كمن قال: بعْ هذا الثوب بعشرة فباعه بعشرين. 15532 - قلنا: إذا أمره بالبيع فالثمن عوض ملك الآمر، وعوض ملك الغير لا يجوز أن يستحقه الوكيل بإذنه ولا بغير إذنه، لأنه إذا قال له: بع ثوبي على أن ثمنه لك، لم يصح، فلهذا كانت الزيادة للآمر، وليس كذلك في مسألتنا، لأن الزيادة مشتراة بثمن على ملك الآمر، ويجوز أن تشتري بمال غيره شيئا لنفسه، كما لو قال: اشتر لنفسك عبدًا بدراهمي جاز، فكذلك لم تلزم الآمر ولزمت المأمور.

كتاب الإقرار

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب الإقرار

(بسم الله ارحمن الرحيم) كتاب الإقرار

مسألة 775 إقرار الصبي المأذون

مسألة 775 إقرار الصبي المأذون 15533 - قال أصحابنا: [إقرار الصبي المأذون لازم. 15534 - وقال الشافعي]: لا يصح إقراره.

15535 - لنا أنه هذا مبني على جواز الإذن له في التجارات، وعلى صحة توكيله وقد دللنا على الأصلين. 15536 - ومن صح تصرفه جائز إقراره كالبالغ،

ولأنه عاقل مميز فجاز أن يصح إقراره كالبالغ؛ ولأنه يؤمر بالصلاة فجاز أن يصح إقراره. أصله: إذا بلغ خمس عشرة سنة. 15537 - ولأنه معنى يصح في حق من بلغ خمسة عشرة سنة، ولم يحتلم

فجاز في من لم يبلغها على تلك الصفة أصله: وجوب صدقة الفطر، ولأنه أحد نوعي الحجر فجاز أن يكون منه ما يرتفع بالإذن من التجارة أصله/ النوع الآخر. 15538 - ولا يلزم المجنون، لأنه دخل في الفرع؛ ولأن إذن المجنون الذي يحسن الشراء يجوز.

15539 - لأن الحجر تارة يكون مع عدم وجود التكليف وتارة مع وجوده فلما كان الإذن يؤثر في إزالة أثر أحد الحجرين جاز أن يؤثر في الآخر. 15540 - احتجوا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: رفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يحتلم). 15541 - الجواب: أن هذا يقتضي رفع التكليف الشرعي؛ وجواز الإقرار غير معلوم بالشرع

15542 - قالوا: غير مكلف فلم يصح إقراره كالمجنون. 15543 - قلنا: المجنون إذا كان يعقل التصرف فأذن له جاز إقراره، فلا فرق بينه وبين الصبي. 15544 - قالوا: [إقرار من غير مكلف فصار، كمن لم يؤذن له]. 15545 - قلنا: إذا لم يؤذن له لم يملك التصرف فلم يجز إقراره، وإذا أذن له ملك التصرف فجاز إقراره، (بما يدل على) الفرق بينهما. 15546 - [فإن قيل]: العبد المحجور لا يلزم إقراره في الحال. 15547 - قلنا: فإن كان مأذونًا لزم للمعنى الذي ذكرنا. 15548 - قالوا: لو أقر الأب عليه لم ينفذ، وهو يستفيد التصرف بإذنه، فكيف يملك منه ما لا يملكه). 15549 - قلنا: (إذن الأب لا يملك الإقرار به، وإنما يرتفع الحجر فيكون إقراره بنفسه. 15550 - ويجوز أنه يكون الإذن سببًا فيما لا يملكه الإذن وهو الأب)

بدلالة: أن شهادة القابلة سبب يفضي إلى ثبوت النسب ولو شهدت بالنسب لم يجز والعبد يملك الطلاق بإذن المولى في النكاح والمولى لا يملك الطلاق عليه. ***

مسألة 776 مقدار ما يصدق فيه من أقر بمال عظيم

مسألة 776 مقدار ما يصدق فيه من أقر بمال عظيم 15551 - قال في الأصل: وإذا أقر بمال عظيم لم يصدق بأقل من مائتي درهم عند أبي يوسف ومحمد وروي عن أبي حنيفة نحوه. 15552 - وذكر في المنتقى في المال القليل أنه درهم وذكر أيضًا في مال

لا قليل ولا كثير مائتي درهم وهو إذا قال: (مال عظيم من الدراهم) فأما إذا لم يقل (من الدراهم) صدق في أي جنس ذكر؛ فإن كان مما يجب فيه الزكاة لم يصدق في أقل من نصاب منه، وإن كان مما لا نصاب له صدق فيما يبلغ قيمة النصاب. 15553 - وقال الشافعي: يصدق فيما يصح إذا قال مال، ولو قال: مال عظيم، أو حقير، أو جليل، فالمرجع في تفسير ذلك إلى قوله. ويقبل في كل واحد من ذلك ما يقبل في الآخر.

15554 - لنا ما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان لا تقطع على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الشيء التافه). 15555 - فهذا يدل على أنه ما لا تقطع فيه تافه والتافه: ضد العظيم. 15556 - [و] لأن كل ما لو فسر به النصاب لم يصدق، فإذا فسر به المال العظيم لم يصدق. أصله: (الحمل على) الكلب الذي لا يساوي نصابا؛ ولأنه

فسر المال العظيم بقدر لا تجب به الزكاة منفردًا، فلم يصدق أصله: إذا فسره بالكلب. 15557 - ولأنه لو قلنا: إنه يقبل تفسيره في القليل والكثير، ألغينا الصفة وجعلنا قوله: مال، وقوله مال عظيم أو كثير سواء، والصفة لا يجوز إلغاؤها، أصله: إذا قال دراهم لا يصدق (في درهم). 15558 - ولا يلزم النفيس والخطير والكثير والمعلوم، لأن هذه المسائل لا رواية فيها. وكان شيوخنا يقولون في النفيس والخطير لا يصدق في أقل من مائتي درهم. 15559 - ولا يلزم إذا قال: مال حقير أو قليل أو كثير، لأن ظاهر الصفة يقتضي أن يقبل قوله إذا بين بأقل من درهم. 15560 - ولو قال مالًا مطلقًا لم يصدق في أقل من درهم وقد جعلنا للوصف تأثيرًا. ولأن قوله مال عظيم صفة يفهم منها زيادة القدر في العادة، فلا يجوز إلغاؤها بقوله هو مال أو هو نصاب أو عقود أو عشرات. 15561 - واحتجوا: بأن كل ما لو فسر به المال قبل، فإذا فسر به المال العظيم قبل كما لو فسره بألف. 15562 - قلنا: هذا يؤدي إلى إلغاء الصفة والتسوية بين ذكرها وفقدها، والصفة الموضوعة للتكثير لا يجوز أن نلغيها ونجعل وجودها وعدمها سواء.

15563 - ولأنه إذا فسر بالألف فقد فسر بما تبلغه الصفة الزائدة ولأنه قدر يوصف بالتمول والعظم، فجاز أن يكون تفسيرًا لها ووالدرهم صفة للمتمول وليس يستعظم، فجاز أن يفسر به المال ولا يفسر به العظم. 15564 - يبين هذا أنه [لو قال: (رأيت زيدًا جاز أن يفسر بالقصير والطويل]، فلو قال: (رأيت زيدًا الطويل لم يفد تفسيره بالقصير، كذلك هذا. 15565 - قالوا: (لفظ مجمل فوجب أن يرجع في تفسيره إلى المجمل، كالكلام من صاحب الشرع. 15566 - قلنا: نحن نرجع في تفسيره إلى المفسر، ويقبل إقراره في النصاب وما زاد وإلى ما لا نهاية له، ولا يرجع إليه في بيان مقدار ما لا يفيده ظاهر كلامه، كما أنه إذا فسر بما ليس متمولا لم يقبل قوله وإن كان هو المحمل. 15567 - قالوا قوله مال مبهم، وقوله عظيم مبهم، لأنه لا يفيد معلومًا فقد وصف مبهما بمبهم فكان الكل مبهمًا كقوله: (مال معلوم). 15568 - قلنا: قوله عظيم وإن كان مبهمًا بمعنى أنه لا يفيد مقدارًا بالوضع فهو غير مبهم في العظم والزيادة. 15569 - فهو كقولنا: (دراهم جياد في أن الجودة مبهمة لأنها تتنوع وتختلف إلا أنا لا نلغيها، بل نثبت أدناها، كذلك هنا نثبت أدنى العظم وإن كان مبهمًا. 15570 - قالوا: قوله مال [مبهم] وقوله عظيم يحتمل العظمة في المقدار، ويحتمل العظمة في الحلال والعقاب والثواب).

15571 - قلنا: ظاهر الكلام أن العظيم صفة للمال ومتى حمل على ما قالوا صار صفة لغيره، وهذا ترك لظاهره. 15572 - ألا ترى أنه لو قال رأيت رجلًا طويلًا لم يجز أن يحمل الطول على طول ثيابه أو رمحه أو طول باعه وامتداده بالعطاء، لأن ذلك يجعل الطول صفة لغيره كذا هذا. 15573 - قالوا: قال الشافعي: لو كان المرجع إلى المتعارف لوجب أن نفرق بين الخليفة والفقير في هذا الإقرار. 15574 - فإذا قال الخليفة عظيم، لم يقبل فيه النصاب، لأنه لا يستعظم هذا القدر في العادة. 15575 - قلنا: إذا كان النصاب أدني ما يستعظم من الأموال اعتبر صفته في نفسه، ولم يعتبر حال الواصف. ***

مسألة 777 مقدار ما يصدق فيه من أقر بدراهم كثيرة

مسألة 777 مقدار ما يصدق فيه من أقر بدراهم كثيرة 15576 - قال أبو حنيفة: إذا قال لفلان: علي دراهم كثيرة لم يصدق في أقل من عشرة، و [قالا]: (مائتان). 15577 - وقال الشافعي: ثلاثة دراهم. 15578 - لنا: أن أكثر ما يتناوله اسم الدراهم فيما له عدد محصور عشرة، وأقله

ثلاثة وما زاد على العشرة يقال: أحد عشر درهمًا فلما وصف الدراهم بالكثرة وجب أن يلزمه أكثر ما يتناوله هذا الاسم ولا يصدق فيما دونه. 15579 - فإن قيل: ما زاد على الثلاثة دراهم كثيرة والعشرة غايتها فلم ألزمتموه أعلي ما يتناوله اسم الكثرة. 15580 - قلنا: هذا السؤال لا يتوجه لكم؛ لأن الكثرة لغو عندكم وذكرها والسكوت عنها [سواء] والكلام في كيفية ما يفيده، فصح على قول من جعل لها فائدة. 15581 - فأما على أصلنا فلأنه ذكر الكثرة في لفظ الجنس، وجنس ما سمي دراهم فيما له عدد محصور عشرة. 15582 - ولأنه أقر بدراهم موصوفة بالكثرة فلم يصدق في أقل من عشرة. أصله: إذا قال لفلان على دراهم (صدق في) أكثر ما يقع عليه اسم الدراهم. وما لا يتقدر به أقل المهر لا يصدق أو يفسر به الدراهم الكثيرة. أصله الدرهمان. ولأنه أقر

بالدراهم ووصفها بصفة فلم يجز إلغاء الصفة كما لو قال له صحاح أو بيض. 15583 - احتجوا بأنه ذكر قدرًا مبهمًا وضم إليه صفة مبهمة يحتمل كثرة في الثواب، ويحتمل في العقاب. 15584 - قلنا: هذا يقتضي أن تكون الصفة لغير الموصوف، وقد أبطلنا هذا الكلام في المسألة الأولى. 15585 - قالوا: العشرة غاية الكثرة، والمقر يلزمه أقل ما يتناوله الاسم. 15586 - قلنا: العشرة عندنا أقل ما يتناوله اسم الدراهم الكثيرة وقد تكلمنا على هذا السؤال 15587 - قالوا: هلا حملتم الدراهم الكثيرة على المائتين كما حملتم في المال العظيم. 15588 - قلنا: من أصحابنا من قال: المال العظيم والدراهم الكثيرة عند أبي حنيفة سواء، كل واحد منهما يحمل على العشرة. 15589 - قال أيده الله: وقد كان الشيخ أبو عبد الله يروي عن أبي حنيفة أن المال

العظيم مائتان والفرق أن الدراهم تفيد العدد وكثيرة تفيد العدد [أيضًا] لأن الكثرة لا تكون إلا بزيادة العدد [فاعتبرت الكثرة التي ترجع إلى العدد وقوله عظيم لا يتضمن عددًا، فوجب أن يحمل على المستعظم لا من حيث العدد]. 15590 - والعظيم في الشرع [ما لم يرد به عيب] فتجب الزكاة فيه بنفسه وتجب على من تجب عليه الزكاة. ***

مسألة 778 مقدار ما يصدق من أقر بمائة ودرهم وما شابه ذلك

مسألة 778 مقدار ما يصدق من أقر بمائة ودرهم وما شابه ذلك 15591 - قال أصحابنا: إذا قال له علي مائة ودرهم فالجميع دراهم فكذلك إن قال مائة ودينار وكذلك مائة وشاة [كان الجميع شياه] استحسانًا. 15592 - ذكر في الأصل، عن أبي يوسف إذا قال عشرة وثوب كانت كلها ثيابًا وذكر في المنتقى ولو قال: علي عشرة وعبد أنه يرجع في تفسير العشرة إليه.

15593 - وقال الشافعي: في جميع ذلك يرجع في تفسير المعطوف عليه إلى قوله. 15594 - قالوا: والمذهب إذا قال مائة وخمسون درهمًا أن الجميع دراهم وكذلك إذا قال عشرة وثلاثة دراهم.

15595 - وقال الإصطخري ابن خيران أن الخمسين دراهم وكذلك الثلاث ويرجع إليه في بيان الباقي. 15596 - لنا: أن حرف العطف يقتضي تساوي الشيئين [كما يقتضيه] حرف التثنية. هذا ظاهر الكلام/ فوجب أن يحمل عليه إلا أن يمنع مانع. 15597 - و [لا] يلزم ما إذا قال مائة وعبد، لأن العبد لا يثبت في الذمة بنفسه. 15598 - وقوله علي مائة يقتضي ثبوتها في الذمة فجعل في اللفظ ما يقتضي التغاير فخالف بينهما للدلالة.

15599 - ولأنه أقر بقدر من جنسه ثبت في الذمة بنفسه عطفًا على عدد مبهم، فكان الجميع من جنسه. أصله إذا قال: لفلان علي مائة درهم [و] درهم زعفران. 15600 - ولا يلزم إذا قال: مائة وعبد لأن العبد ليس بقدر، ولأنه لا يثبت في الذمة بنفسه، ولأنه أقر بجملتين عطف إحداهما على الأخرى، أحدهما من جنس الدراهم فوجب أن يكون المبهم من جنسها أصله إذا قال: ثلاثة دراهم ودينار. 15601 - ولأنه عطف جملة معلومة تتقدر بنفسها، والجنس على جملة مبهمة فوجب أن يكون الجميع من جنسها. أصله إذا قال: مائة وخمسون درهمًا، ولا يلزم إذا قال: مائة وثوب، لأن ثوبًا لا يدل على القدر بنفسه. 15602 - وقد قال أصحابنا إنه لو قال مائة وثوبان [اثنان] كان الجميع من الثياب ولأنه ذكر العدد الدال على المقدار. 15603 - فإن قيل: الأصل غير مسلم. 15604 - قلنا: خلاف الإصطخري لا ينقض الإجماع وقد أجمع المسلمون على أن من باع ثوبًا بمائة وخمسين درهمًا جاز. ولولا أن الجميع من

الدراهم لم تصح. 15605 - فإن قيل: قوله: [مائة وخمسون درهمًا] ذكر التفسير فاقتضي كون المفسر من جنس الدراهم. 15606 - قلنا: غلط لأن درهما لا يفسر المائة، لأنه لا يفسر من الأعداد إلا أحد عشر وتسعة وتسعين، وما سوى ذلك إضافة وليس بتفسير فقوله: درهمًا تفسير للخمسين وهي معطوفة على المائة فصارت من جنسها. 15607 - احتجوا: بأن العرب تعطف جنسًا على جنس وجنسًا على غيره فتقول: رأيت زيدًا وعمرًا، ورجلًا وحمارًا فجاز أن يكون العطف من جنس الأول، وجاز أن يكون من غير جنسه. وتحرير هذا: أنه مسوق على غيره فوجب أن لا يكون تفسيرًا للمعطوف عليه كقوله مائة ودار. 15608 - الجواب: ما بينا أن عطف الجملة على الجملة يقتضي تساويهما في الظاهر كما تقتضي التثنية؛ فقوله (علي مائة) مبتدأ، وقوله (ودرهم) معطوف على

المقدار مرتفعة بالابتداء، وقوله (علي) خبر مقدم على المبتدأ، هذا ظاهر الكلام، وغيره معدول به عن الظاهر، فلا اعتبار به والمعنى في الأصل أن الدار لا نثبت في الذمة بنفسها، وقوله (علي مائة) يقتضي ثبوت عدد في الذمة، فلما عطف عليه ما يخالفه في حكمه دل ذلك على التغاير، وهذا لا يوجد في قوله: [مائة] ودرهم. 15609 - ومعنى قولنا: أنه ثبت في الذمة بنفسه أنه ثبت بإطلاق العقد وبالاستهلاك ثبوتًا صحيحًا. ولهذا قلنا: في مائة وشاة أنها من الشياه، ولأن الشاة تثبت بالإطلاق في النكاح. 15610 - فإن قيل: المستهلكات كلها تثبت في الذمة عند أبي حنيفة. 15611 - قلنا: لا تثبت ثبوتًا صحيحًا، لأن المطلق لا يتعلق بما لا مثل له. 15612 - قالوا: قولكم إن علي يقتضي ثبوت المائة في ذمته. 15613 - قلنا: لا نسلم، لأن عندنا إذا قال: لفلان علي [مائة ثم أحضر مائة فقال: هي هذه، وهي وديعة عندي، قبل قوله، علمًا بأننا قد اتفقنا أنه لو قال لفلان على] ألف ثم قال: كانت وديعة عندي فهلكت لم يقبل قوله. 15614 - وهذا يدل [على] أن الإقرار اقتضى الثبوت في الذمة وما ادعيتموه مذهبا لكم لا نوافقكم عليه ولا يضرنا. 15615 - فإن قيل: لو قال له علي مائة وسكت، ووقف ثم قال: هي إثبات قبل قوله [فلو كان] إطلاق قوله علي يقتضى ما ثبت في الذمة بنفسه لم يصح

هذا التفسير. 15616 - قلنا: إذا قال علي مائة وسكت لم يصدق إلا أن يفسر بما يثبت في الذمة بنفسه. 15617 - قالوا: كل من أقر جملة ووصلها بصلة [لم يجز أن يلزمه بصلة] زيادة لما يلزمه. فإن لزمه بها زيادة لم يكن تفسيرًا كقوله مائة وثوب، وإن لم تلزمه بها زيادة لم يكن تفسيرًا. 15618 - قلنا: ليس بتفسير عندنا؛ فقد بينا أن التفسير [عندنا] لا يكون في أكثر من تسعة وتسعين، وإنما هو عطف على موضع مسلم. 15619 - قالوا: الصلة إذا وقع بها للتفسير بجملة خالفت الجملة في إعرابها كقوله عشرون درهمًا وألف درهم، وإذا وافقتها في إعرابها لم يكن تفسيرا لها كقوله ألف درهم. 15620 - قلنا: قد بينا أنها اسم عطف على اسم وليست بتفسير. وقولهم في ألف درهم أنه تفسير غلط، وإنما هو إضافة ولا يكون التفسير إلا في العدد الذي بيناه من أحد عشر إلى تسعة وتسعين فضيلة وزائدة، والمضاف والمضاف إليه كالشيء الواحد. ***

مسألة 779 الإقرار بالمظروف يقتضي الإقرار بالظرف كالثوب في المنديل

مسألة 779 الإقرار بالمظروف يقتضي الإقرار بالظرف كالثوب في المنديل 15621 - قال أصحابنا: إذا قال غضبت ثوبًا في منديل لزماه جميعًا ولو قال: ثوبًا في عشرة أثواب لزمه أحد عشر ثوبًا عند محمد وهو الصحيح. 15622 - وقال الشافعي: إذا قال ثوبًا في منديل أو تمرًا في جراب، فالوعاء للمقر ولو قال له: السفينة بطعامها والدابة بسرجها لزماه.

15623 - لنا: أنه وصف المنديل بأنه ظرف للثوب حال الغصب [وهذا يقتضي إيقاع الفعل فيهما فدخلا في ضمانه، ولأن المنديل ظرف له حال الغصب] فصار كما لو قال: ثوبًا في منديل غصبته. 15624 - ولأنه أقر بإيقاع الغصب فيما هو ملفوف في غيره فلزمه ردهما، كما لو قال غصبت ثوبًا بلفافة. 15625 - ولا يلزم إذا قال: غصبت درهمًا في درهم أو في قفيز هذه الأشياء لا تكون ظروفًا. 15626 - ولا يلزم إذا قال: [بعت] زعفرانًا في سلة، لأن التعليل وقع للغصب ولإيقاع الفعل. والفرق بينهما من طريق المعنى: أن البيع طريقه الإقرار فتميز بعض الشيء، والغصب فعل فلا يمكن إيقاعه في ثوب ملفوف دون الظرف. 15627 - ولا يلزم إذا قال دابة في إصطبل لأنه يقر بغصب الإصطبل والعقار لا يضمن بالغصب. 15628 - احتجوا: بأنه أقر بشيء في ظرفه فوجب أن لا يكون مقرًا بظرفه، كقوله دابة في إصطبل ونخلة في بستان. 15629 - قلنا: إيقاع الفعل لا يمكن في الثوب الملفوف إلا بعد إيقاع الفعل في ظرفه فوجب ضمانه. ويمكن إيقاع الفعل في الدابة دون موضعها فلم يدخل في

ضمانه. 15630 - قالوا: المفسر يلزمه ما صرح به. وإن كان مبهمًا رجع في تفسيره إليه. وقوله ثوب في منديل مبهم، لأنه يحتمل أن يكون منديلًا له ويحتمل (أن يكون لغيره)، فلم يلزمه المنديل بالشك. 15631 - قلنا: هذا يبطل إذا قال دابة بسرجها، لأن الدابة قد تكون لمالكها ويكون [السرج] لغيره ومع ذلك يلزم المقر الدابة والسرج، وكذلك إذا قال: ثوب بلفافة. ***

مسألة 780 الاستثناء مما أقر به

مسألة 780 الاستثناء مما أقر به 15632 - قال أصحابنا: إذا أقر واستثنى من جنس المقر به جاز. وإن استثنى من غير جنسه، فإن كان استثنى ما لا يثبت في الذمة بنفسه لم يصح وإن استثنى ما ثبت في الذمة من غير جنسه جاز عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله.

15633 - وقال محمد رسول الله: لا يجوز الاستثناء من غير الجنس. 15634 - وقال الشافعي رسول الله: يجوز استثناء غير الجنس الموجب في جميع الاستثناء ويخرج من الجملة المستثنى. 15635 - لنا: أن الاستثناء يخرج من الكلام ما لولاه لدخل فيه، وهذا لا يوجد في غير الجنس فإن ألزمونا لزم ما لم يثبت في الذمة. 15636 - قلنا: هذا أصل من الأصول يجب استعماله إلا أن يمنع مانع [كالعموم فلا يناقض ولأنه استثناء ما لا يثبت في الذمة بنفسه مما يثبت في الذمة] فصار كما لو قال ألف إلا كلب. 15637 - احتجوا: بأن الاستثناء من غير الجنس ورد به الشرع واللغة، قال الله تعالى: {فسجد الملائكة كلهم أجمعون (30) إلا إبليس} وقال {ولا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيمًا (25) إلا قيلا سلما سلما}.

15638 - وقالوا: وبلدة ليس بها أنيس .... إلا المعافير وإلا العيس 15639 - وقال النابغة: وقفت بها أصيلانًا أسائلها .... أعيت جوابًا وما بالربع من أحد إلا أواري لأيا ما أبينها .... والنؤي كالخوض بالمظلومة الجلد

15640 - قلنا: هذا كلام لا تعرفه لغة العرب في الاستثناء وإنما سمى الاستثناء المنقطع، وتكون بمعنى لغة. فأما أهل الحجاز فيقولون: إنه ليس باستثناء والقرآن بلغتهم نزل، ولهذا قال: إلا إبليس بالنصب، وقال: سلاما ولم يعدلوا، لأن البدل لا يكون إلا من الجنس. 15641 - فأما بنو تميم [فيقولون] فإنها وجدت علاقة أبدلت ورفعت. 15642 - حكى سيبويه عنهم: لا أحد فيها إلا حمار واحد لا يقع إلا على من يعقل، إلا أنهم قالوا: معناه ليس فيها شيء إلا حمار.

15643 - وقولهم: مالي غياث إلا السيف. وأنشدت بنو تميم قول النابغة. 15644 - وقالوا: معناه ما بالربع من شيء إلا أواري. وقوله: وبلدة ليس بها أنيس إلا اليعافير أنس ذلك المكان. ثم اتفق أهل الحجاز وبنو تميم على أنه ههنا منقطع لا يصح فيه البدل. 15645 - فأبو حنيفة عمل على لغة بني تميم أنه ههنا منقطع، لا يصح فيه البدل، وجوز استثناء ما ثبت في الذمة. 15646 - [ومتى قلنا]: جعل هذا الاستثناء علاقة، ومشابهة، ولم يعمل على لغة أهل الحجاز حتى ثبت في الإقرار المتيقن ما أمكن، ثم لم يكن بد من بقية شيء لا يصح أن يجعل [مستثنى] ويكون منقطعًا، لأن هذا باب باتفاق اللغويين/ ومتى قلنا بقول الشافعي لم يبق في الكلام منقطعًا بوجه، وهذا خلاف أهل اللغة. 15647 - قالوا: استثناء لا يرفع الجملة فوجب أن يصح، أصله إذا كان من جنسه. 15648 - قلنا: نحن لا نسلم أن هذا استثناء، لأن الخلاف في هذا واقع. 15649 - ولأن الاستثناء من الجنس يجوز أن يكون بدلًا ومتى كان من غير الجنس لم يصح أن يكون بدلًا فلم يجز استثناؤه. ***

مسألة 781 الإقرار بكذا كذا درهما، كذا وكذا درهما

مسألة 781 الإقرار بكذا كذا درهمًا، كذا وكذا درهمًا 15650 - قال أصحابنا: إذا قال لفلان علي كذا كذا ردهمًا لزمه أحد عشر [درهمًا]. وإن قال: كذا وكذا درهما لزما أحد وعشرون درهمًا. 15651 - وقال الشافعي: يلزمه درهم. وفي كذا وكذا نقل المزني عنه درهمان. قال المزني: وقال في موضع آخر: درهم واحد.

15652 - واختلف أصحابه فمنهم من قال: فيها قولان، ومنهم من قال يلزمه درهم قولًا واحدًا. والذي قال درهم إذا نوى. 15653 - ومنهم من قال: منصوص الشافعي في الإقرار أنه إذا قال: كذا وكذا درهما [بالنصب لزمه درهمان] وإن قال كذا وكذا درهم بالرفع لزمه درهم واحد. 15654 - لنا: أن قوله كذا عبارة غير عدد، فإذا قال كذا كذا فهي جملة

رتبها على جملة من غير عطف، وفسرها بقوله درهما، وأقل ذلك أحد عشر درهمًا، وأكثره تسعة عشر [درهمًا] وإذا قال كذا وكذا، فقد ذكر جملتين عطف إحداهما على الأخرى بواو العطف، فإذا فسره بدرهم فأقله أحد وعشرون درهمًا وأكثره تسعة وتسعون [درهمًا] فثبت النص المتيقن فهذا ترتيب صحيح. 15655 - ذكره ابن كيساني وذكره أبو سعيد في الإقناع وفرع عليه. 15656 - وقال أبو علي: هذا قياس حسن ولكن العرب لم تتكلم

[به] وهذا لا يقدح فيما قلنا، لأنه إذا كان على قياس كلامهم وجب اعتباره وحمل الإقرار عليه. 15657 - ولأن له مدخلًا في القياس، وقد نص عليه من قوله حجة في العربية وهو ابن كيسان وأبو سعيد. وما قاله مخالفنا لا يدل قياس العربية عليه، ولا حكى عن أحد من أهل اللغة، فسقط حكمه. 15658 - وقد أنكر أبو علي قولنا في كذا درهم وقال: إن ذا معرفة في التوحيد والتثنية، والمعرفة لا يصح إضافتها. وهذا كلام صحيح إلا أن محمدًا لا يسقط حكم الإقرار لغلط القرون في العربية فاعتبر قياسه لو صحت الإضافة. 15659 - احتجوا: بأن كذا كذا مبهم يحتمل درهمًا وأقل منه وأكثر وغير ذلك من أجناس المال، فإذا قال درهمًا فقد فسره بدرهم، فوجب أن يلزمه درهم واحد، وإذا عطف عليه بالواو فقال: كذا وكذا درهمًا احتمل أن يكون تفسيرًا لهما، فيكون درهمًا واحدًا، ويحتمل أن يكون تفسيرًا لكل واحد منهما، فيكون درهمين فخرج منقولان. 15660 - الجواب: أن قوله: كذا وكذا يتناول عددًا مبهمًا مثل كم، هكذا ذكر أبو الحسن الأخفش فقد ذكر عددًا مبهمًا يزيد عليه عددًا مبهمًا، ودرهمًا، تفسيرًا

له، التفسير يقع لواحدة نكرة من الجنس فلم يصح أن يكون التفسير كل المفسر وهذا يسقط كلامهم. 15661 - فإن قيل: لو قال لفلان علي كذا وسكت وقال: أردت به درهمًا واحدًا صح فدل على أنه يتضمن الواحد. 15662 - قلنا: كذا يقتضي العدد فلا بد أن يفسره بعدد، والواحد ليس بعدد إلا أنه يقبل قوله لأنه يتضمن عدا من الدوانيق والحبات لو فسر الإقرار بها صح. فأما إذا قال كذا وكذا درهما فقد أقر بعدد فسره بواحد من جنسه فلا بد أن يكون العدد دراهم فأما الدرهم الواحد فهو خلاف اللغة لا محالة.

15663 - فإن قيل في الدراهم هلا حملتموه على عشرة دراهم كما قال الفراء. 15664 - قلنا: لأن كذا عدد وقد فسره بواحد منكر من جنسه، فدل على أنه أقر بجملة من الدراهم أضافها إلى درهم وأقل ذلك مائة. ***

مسألة 782 هل ديون الصحة وديون المرض سواء في القضاء؟

مسألة 782 هل ديون الصحة وديون المرض سواء في القضاء؟ 15665 - قال أصحابنا: إذا كان على المريض دين أقر به في صحته ثم أقر بديون في مرضه، قدمت ديون الصحة في القضاء فما فضل عنها كان لديون المرض. 15666 - وإن لزمه دين في المرض ببينة أو بابتياع بمعاينة أو بنكاح كانت كديون الصحة. 15667 - وقال الشافعي: ديون الصحة والمرض سواء لا يقدم بعضها.

15668 - لنا: أنه مال أوجبه في حال مرضه لا يعلم سببه إلا بقوله، فكان دين الصحة أولى. أصله هبته ومحاباته. 15669 - فإن قيل: لا يمنع أن ينفذ إقراره، وإن لم ينفذ تبرعه، بدلالة أن ما زاد على الثلث لا يجوز تبرعه به، ولو أقر به جاز. 15670 - قلنا: إذا لم يكن عليه دين فتبرعه جائز في محل التبرع [وهو الثلث، وإقراره جائز في محل الإقرار وهو جميع المال فإذا كان عليه ديون الصحة منعت تبرعه في محل التبرع]، ومنعت إقراره في محل الإقرار، وهو المال كله. 15671 - ولأن الإقرار إنما ينفذ في جميع المال؛ لأن المانع من تصرف المريض حق الوارث وبالدين تبين أنه لا حق للوارث، وأما التبرع فالمانع منه ديون المريض وبالإقرار الثاني لا يتبين أنه لم يكن للغريم الأول حق، بل حقه ثابت، فمنع من الإقرار المسقط لحقه من التبرع. 15672 - ولأن حالة الصحة حال إطلاق بدليل جواز التصرف بكل وجه، وحال المرض حال حجر، بدلالة أن التبرع لا ينفذ فيها كما ينفذ في حالة الصحة، ودين الإطلاق مقدم على دين الحجر إذا لم يعلم سببه. 15673 - أصله؛ العبد المأذون إذا أقر ثم حجر عليه فأقر

15674 - ولأن الدين تارة يثبت على حر وتارة يثبت على عبد؛ فإذا كان لأحدهما حالتان يقدم إقراره في إحداهما على الأخرى لمعنى يعيد إلى حالة المداينة كذلك الآخر. 15675 - فإن قيل: العبد المحجور لا يملك سبب المداينة فلم يملك الإقرار بالدين. 15676 - قلنا: المريض إنما يملك السبب الذي هو المعاوضة، فإن أعملنا المعاوضة صح الإقرار. وإذا لم يعملها ببدله وهو إخراج ما له بغير عوض في الظاهر، وهو لا يملك هذا المعنى. 15677 - ولأن دين الصحة أقوى بدلالة أنه يثبت في حالة لا يقف شيء منها من التصرف بعوض وبغير عوض، ودين المرض ثبت في حال ينفذ فيها بعض التصرف دون بعض، والحقوق في مال المريض يقدم منها الأقوى على الأضعف، بدلالة أنه يقدم الكفن على الديون والديون على المواريث. 15678 - ولأنه أقر بدين في مرض موته فوجب أن يؤخر عن ديون صحته. أصله المريض المحجور عليه لسفه أو دين.

15679 - قالوا: فيه قولان أحدهما: أنه إذا أقر صح إقراره وساوى الديون التي حجر عليه لأجلها 15680 - قلنا: هذا غلط؛ لأنه يبطل معنى الحجر فلا يكون فيه فائدة، لأن المريض مع دين الصحة لا يملك إخراج شيء من ملكه بغير عوض يحصل [له] أو منفعة يختص بها في نفسه. 15681 - والإنسان يملك الإقرار بما يملك إيجابه. 15682 - ألا ترى أن الوكيل بعد العزل لا يقبل إقراره [بالبيع، لأنه لا يملك إيجابه وكذلك الزوج إذا أقر بالرجعة

بعد العدة وإذا ثبت هذا لم ينفذ إقراره] في حق غرماء الصحة؛ إذ لم يحصل [له] عوض [معلوم] أو منفعة يختص بها في نفسه. 15683 - فإن قيل: إذا أقر بدين في الصحة (وأحاط بماله) فإنه لا يملك بعده إخراج شيء من ملكه بغير عوض. ولو أقر (في المرض و) جاز إقراره تساوى الدينان. 15684 - قلنا: الدين الأول والثاني في كل واحد منهما حصل وهو ممنوع من إخراج ملكه بغير عوض. 15685 - لأن التبرع إذا حصل من المريض ثم لحقه دين بطل التبرع فتساوى حكم الدينين فكذلك هنا. 15686 - وهذه المسألة [مبنية] على أن الدين يتعلق بمال المريض. 15687 - والدليل عليه أن المريض ممنوع من التبرع في شيء من ماله مع صحة القول، لأن حق الغير متعلق به. أصله الثلثان في حق الورثة وهذا أصل مسلم، لأنهم يقولون في حق الورثة، الذين هم في معلوم الله أنهم ورثته- متعلق بالمال.

15688 - ولا يلزم المرتد لأنه إذا قبل حكمنا فإن تصرفه [لا] ينفذ ولأن حق الورثة كان متعلقًا بماله. 15689 - ولأنه منع من التصرف في المال لحق الغرماء بدليل أنه لولا حقهم نفذ تصرفه وكل حالة منع من التصرف في المال في حق غرماء الصحة كان حقهم متعلقًا بماله. أصله بعد الموت. 15690 - ولا يلزمه دين المرض لأنه يتعلق بمال المريض عندنا تعلقا مراعى، ولأن المريض لا يملك أن يخص بعض الغرماء بالقضاء ولولا أن حق الجميع تعلق بالمال ملك القضاء كحال الصحة. 15691 - فإن قالوا: إنه يملك [القضاء] كحال الصحة دللنا عليه فقلنا: القضاء فعل يصح في حال المرض ويصح أن يفعل عنه بعد الموت بأمره، فكان بعد الموت وفي حال المرض سواء كالهبة والعتق والصدقة 15692 - فإن قيل: إنما يتعذر تبرعه ليس لما ذكرت، ولكن لأن التبرع من الثلث [ومن عليه دين فلا ثلث لماله. بيان ذلك أنه لو تبرع ولا دين عليه، ثم لحقه دين بطل ذلك التبرع لأنه لا ثلث لماله]. 15693 - قلنا: ما من مال إلا له ثلث، إلا أن التبرع لم ينفذ في هذا الثلث لتعلق حق الغرماء به. فأما إذا تبرع المريض ولا دين عليه ثم لحقه دين فلأن تبرعه مراعي كموقوف على الموت. فإذا لزمه دين قبل الموت استقر فبل استقرار التبرع فكأنه تقدم عليه في المعنى.

15694 - قالوا: لو تصرف في ماله بالإنفاق على نفسه في ملاذه ونكاحه نفذ تصرفه، فلو كان ماله مشغولًا بحق غرمائه لم ينفذ/ تصرفه فيه كالرهن. 15695 - قلنا: لا يمنع أن يتعلق الحق بماله، ويجوز صرفه في المنافع المختصة، به كما أنه بعد الموت تتعلق الديون بالتركة بالإجماع، ولا يمنع ذلك من صرف المال في الكفن ومؤنة الدفن. 15696 - ولأن ما لابد له من أخذه، وإن كان حقه متعلقا به، كما يثبت للإنسان أخذ ما يحتاج إليه من مال غيره وما زاد على قدر الحاجة بالشراء [و] لأنه لا يفوت به حق الغرماء فإذا تناوله بعد ذلك صار كإتلافه للرهن. 15697 - وأما المهر فلا يثبت بقوله لكنه إذا أقر بالنكاح ثبت النكاح، لأنه يملكه فإذا لزمه وجب المهر من طريق الحكم فصار كالدين المعروف السبب وليس كذلك إذا أقر بالشراء. 15698 - لأن الشراء لا يجوز أن يثبت، ثم يثبت حكمًا، لأنه لا ينفرد عنه وإنما يتعلق الثمن بإقراره وهو لا يملك ذلك من غير عوض يحصل له في الظاهر. 15699 - قالوا: لو تعلق حقهم بالمال لم يجز تصرفه فيه وإن كان ينمي المال بالتصرف [كالرهن] ولكان إذا وجب عليه دين بالبينة لا يساويه كالرهن. 15700 - قلنا: المرتهن تعلق حقه بعين الرهن والغرماء تعلق حقهم بعين المال

لا بعينه. 15701 - الدليل على ذلك أن المرتهن يحبس العين، فلولا أن حقه تعلق بها لم يثبت له حبسها. فأما الغرماء فليس لهم حبس الأعيان وإنما لهم استيفاء الحق منها فلا يمنع ذلك التصرف كحق الفقراء في مال الزكاة، وكما أن حق الورثة متعلق بالمال وإن لم يمنع التصرف. 15702 - فأما مشاركة من أقام البينة على دين فلأن حقه ثبت لسبب لا تهمة فيه. وبمثله في الرهن: لو أقام رجل البينة على الدين. والرهن ساوى المرتهن. 15703 - كذلك إذا أقام بينة على دين ساوى غرماء الصحة. وإذا ثبت أن حق الغرماء يتعلق بماله لم يملك أن يسقط حقهم عن ذلك بمجرد قوله كالدين الذي به رهن. 15704 - فإن قيل: هذا موجود في دين المريض إذا لزمه، ثم أقر بدين. 15705 - قلنا: دين المريض متعلق بالمال، إلا أنه غير مستقر، لجواز أن يكون عليه دين في حال الصحة. وإنما يستقر بالموت فيتساوى الدينان في الثبوت. 15706 - احتجوا بقوله تعالى: {بل الإنسان على نفسه بصيرة} أي شاهد، فدل على قبول قوله على نفسه. 15707 - قلنا: قوله مقبول عندنا، وثبت به الدين عليه، وإنما يقدم على غيره والآية لا تدل على ترتيب الديون. 15708 - احتجوا بقوله تعالى: {يأيها الذين امنوا كونوا قومين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم} فلولا أن شهادة الإنسان تقبل على نفسه لم يؤمر بها. 15709 - قلنا: نحن قد قبلنا شهادته على نفسه وأثبتنا الدين بها، وإنما نمنع أن تقبل شهادته على غيره- وهو غرماء الصحة- وليس إذا وجب قبول قوله على نفسه

قبل في إسقاط حق غيره. 15710 - ألا ترى أنه لو أقر بملك الرهن لغيره قبل إقراره على نفسه ولم يقبل في إسقاط حق المرتهن. 15711 - قالوا: حق لو ثبت عليه بالصفة [التي] بيننا وآخر ثبت له مثله، حال الصحة، فإذا ثبت عليه بالاعتراف وجب أن يساوي من ثبت له مثل حال الصحة. أصله النسب. 15712 - قلنا: لا نسلم أن أحد الدينين مثل الآخر بدلالة أن دينه متعلق بالذمة والمال ودين المرض متعلق بالذمة غير مستقر في المال. وإن سقط هذا الوصف انتقضت العلة، كدين به رهن [إذا] أقر الراهن بدين آخر لا يساوي الغريم الأول في الرهن. والمعنى في النسب ثبوت الإنسان على الأنساب. وتعلق الحقوق بماله لا يجعله محجورًا [عليه] في الإقرار بسبب آخر، وليس كذلك الديون؛ لأن ثبوت الدين قد يؤثر في الحجر ومنع المشاركة [بما يقر به دلالة أن الدين به رهن. ولذلك جاز أن تكون حقوق غرماء الصحة تؤثر في الحجر ومنع المشاركة] بين ديونهم والدين المقر به. 15713 - قالوا: دين ثبت على المريض فوجب أن يساوي ما ثبت مثله في حال الصحة، كما لو ثبت [بالبينة]، وكما لو صح من هذا المرض ثم مرض. 15714 - قلنا: لا نسلم أن دين الصحة مماثل لما ثبت] في حال المرض؛ فإذا سقط هذا الوصف بطل بدين في الصحة به رهن. ودين أقر به في المرض لا يساوي المرتهن في الرهن والمعنى فيما ثبت [بالبينة] لأن قول الشهود مقبول على المريض

وعلى غرمائه فثبت الدين في حقهم فساواهم. 15715 - وأما المقر فقوله مقبول على نفسه [و] غير مقبول على غرمائه فثبت الاستحقاق في حقه دونهم؛ فتبين الفرق بينهما في أن المبيع لو استحق من يد المشتري بينة رجع على البائع بالثمن، ولو أقر المشتري للمدعى لم يرجع على البائع، وكان [المعنى] فيه: أن البينة مقبولة في حق البائع والمشتري، وإقرار المشتري مقبول في حقه خاصة. 15716 - فأما قياسهم عليه إذا صح من مرضه فلأنه لو كان تصرف في إخراج ماله من ملكه بغير عوض لم يصح جاز، وإن أسقط بذلك حق غرمائه. كذلك إذا أقره، وإذا لم يصح لم ينفذ تصرفه في إخراج شيء من ماله بغير عوض كذلك لا ينفذ قوله في الإقرار المؤدي إلى استحقاق ماله بغير عوض معلوم. 15717 - قالوا: المريض غير متهم فيما اعترف به من الدين [و] العين، لأنه في حال الحذر من الله تعالى والخروج من المظالم وتجديد التوبة، وكان أبعد في التهمة من الصحيح؛ فإذا نفذ إقرار الصحيح فالمريض أولى.

15718 - قلنا: لو صح ما ذكرتموه لوجب إذا أقر بالعين المرهونة أنها لغيره أن يبطل حق المرتهن، لأنه متهم في إقراره ولكان إذا قال هذا العبد رهنته عند فلان وإن عدا في حقه، ويقبل إقراره فلما لم يقبل علم أن بعده عن التهمة لا يوجب قبول قوله في إسقاط حق. 15719 - ولأن المريض لو شهد لأبيه وابنه لم تقبل شهادته، كما لا تقبل في حال الصحة للتهمة، وإن كانت التهمة في إحدى الحالتين أبعد من الأخرى. 15720 - قالوا: المرض يؤثر في التبرع ولا يؤثر في الواجبات، ولهذا لو اعتق المريض أو حايى كان من الثلث. ولو أقر كان من جميع المال. وإذا أبرأ المريض في التبرع دون غيره جاز [إقراره]. 15721 - قلنا: إقراره جائز بلا خوف، والكلام في تساوي الديون أو تقديم بعضها على بعض. وهذا المعنى قد يوجد في ديون الصحة كذلك يجوز أن يوجد في دين الصحة والمرض. 15722 - قالوا: قد قلتم إنه لو تزوج وطلق قبل الدخول كانت المرأة مساوية لغرماء الصحة فيما وجب لها من المهر. وكذلك لو استقرض مالًا ببينة أو أتلف مالًا على إنسان ثبت له الحق مساويًا لغريم الصحة، كذلك ما ثبت عليه بإقراره. 15723 - قلنا: إما إذا استقرض أو ابتاع فلم يخرج من ملكه شيء إلا بعوض، تتعلق حقوقهم به وهو غير ممنوع من أعيان المال، وإنما منع إبطال معناها. وأما التزويج فلأنها منفعة يختص بها المريض، وله أن يصرف ماله في المنافع التي يختص بها، وإن تعلق حق الغرماء بالمال بعد الموت. ولأن المهر لا يثبت بقوله [وإنما يثبت بعقد النكاح، فإذا ثبت وهو لا ينفك عن المهر يثبت من طريق الحكم، والكلام

فيم يثبت بقوله] وما يسقط به حقوق الغرماء. 15724 - فأما الإتلاف فإنما يجب عوضه من طريق الحكم لا بقوله، وإنما بفعل الإتلاف وهو لا يملكه فيثبت بحكمه ضمان العوض. وهذا الثبوت لا تهمة فيه فساوى ديون الصحة. ***

مسألة 783 حكم إقرار المريض للوارث

مسألة 783 حكم إقرار المريض للوارث 15725 - قال أصحابنا: إقرار المريض لوارثه باطل إن مات في مرضه. 15726 - وهو أحد قولي الشافعي. وقال في قول آخر: إقراره جائز.

15727 - لنا: ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: إذ أقر المريض لوارثه لم يجز وإن أقر لأجنبي بجميع ماله جاز ذكره محمد في (الأصل). 15728 - ومن أصحابنا من روى عن عمر رضي الله عنه مثله ولا نعرف لهما مخالفًا، ولأنه لو أقر لوارثه في مرض موته [لم يصح] فلم يصح إقراره، أصله السفيه. 15729 - ولأنه نفع وارثه في ماله في حال مرضه فيما لا يعلم سببه إلا بقوله، فصار كهبته ولأنه مال أثبته لوارثه في مرض موته بقوله، لا يعلم سببه إلا به، فصار كهبته ووصيته.

15730 - فإن قيل: لم يثبت وإنما أخبر عن وجوب سابق. 15731 - قلنا: إذا لم يعلم بقدم الوجوب فإنما أثبت بقوله. 15732 - فإن قيل: لا يمنع أن لا يجوز تبرعه ويجوز إقراره، كما أن الأجنبي يجوز التبرع عليه في جميع محل التبرع، ويجوز الإقرار له في جميع محل الإقرار، إلا أن محل التبرع الثلث ومحل الإقرار جميع المال، والوارث لا يجوز التبرع عليه من محل التبرع وهو الثلث فلم يجز الإقرار له في محل الإقرار. وهذه مبنية على أصل أبي حنيفة أن عقود المرض مع وارثه لا يصح، ومتى لم يصح منه سبب الإقرار لم يصح منه الإقرار كالعبد المحجور إذا أقر. 15733 - وهذه المسألة مبنية على أن المريض محجور عليه في حق وارثه. بدلالة أن الثلث الذي يملكه، ولا حق لأحد فيه لا يجوز وضعه في وارثه. وهذه صفة الحجر أن يمنع الإنسان من التصرف في ماله مع عدم تعلق حق الغير به. 15734 - ولا يقال: إنه ممنوع من التبرع فيما زاد على الثلث في حق الأجنبي وليس بمحجور عليه، لأنه منع من التبرع/ في (الزائد عن الثلث) لتعلق حق الوارث به. 15735 - ومن منع من التصرف في مال لتعلق حق الغير به لم يكن محجورًا [عليه] كالرهن، ولو كان المنع لهذه العلة حجزًا لكان جميع الناس محجورًا عليهم لأنهم ممنوعون من التصرف في حقوق غيرهم.

15736 - فإن قيل: لو كان المنع من التصرف في الثلث لحق الورثة لمنع من التصرف فيه بالواجبات، كما يمنع في الرهن. 15737 - قلنا: إذ أقر بان إقراره أنه لا ملك له، وحق الورثة يتعلق بثلثي ماله وإذا بان بالإقرار أن لا مال له لم يتعلق حقهم بشيء مما في يده. وإذا ثبت أنه محجور عليه فئي حقه لم يجز إقراره كالصبي في حق جميع الناس. 15738 - احتجوا: بقوله تعالى: {بل الإنسان على نفسه بصيرة} يعني شاهدًا، وبقوله تعالى: {كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم} وبقوله تعالى: {فليملل وليه بالعدل}. 15739 - والجواب: أن هذا يدل على جواز إقرار الإنسان، ولا يدل على قبول قوله في حق غيره، فالخلاف في قبول إقراره في حق ورثته. 15740 - وقوله تعالى: {كونوا قوامين بالقسط شهداء لله} يعني بالعدل، والشاهد بالعدل هو الذي لا يلحقه تهمة، والمريض عندنا متهم فيما يقر به. 15741 - قالوا: من صح إقراره له في صحته صح إقراره [له] في مرضه، كالأجنبي، أو من صح إقراره للأجنبي صح للوارث. أصله: الصحيح. 15742 - قلنا: إنما صح إقراره له في الصحة، لأنه لو نقل ملكه إليه بالتبرع المبتدأ صح، فلم يتهم في الإقرار، لأن لو كان كاذبًا لعدل إلى التمليك المبتدأ وحصل له به المال. ألا ترى أنه من خير بين أمرين لم يجز أن يعدل عن المباح منهما إلى

المحظور. 15743 - وأما في المرض فهو لا يملك نقل ملكه إليه بالتبرع، فاتهم أن يكون أراد تحصيل المال له، فعدل عما لا ينفذ إلى الإقرار [بوجوب سابق. وأما الأجنبي فلا تلحقه تهمة في حقه فيملك إيجاب التبرع له في جميع محل التبرع فيملك الإقرار] له في محل الإقرار. وفي الوارث تلحقه تهمة في حقه بدلالة أنه لا يملك التبرع عليه في محل التبرع، فلم يملك الإقرار له في محل الإقرار. تبين ذلك أن الغالب أن الإنسان يؤثر بعض ورثته ويفضلهم، وليس الغالب أن الإنسان يؤثر تحصيل ما زاد على ثلثه للأجنبي ويمنع بذلك وارثه. 15744 - قالوا: يصح إقراره للوارث كالصحيح. وهذا إقرار؛ لأنه إذا أقر لوارث لثبت النسب والتوارث والولاية، وإذا أقر لوارث فقد أثبت حقًا واحدًا. 15745 - قلنا: هذا يبطل على الصحيح من مذهبهم بالمحجور [عليه] بالسفه والدين؛ يملك الإقرار بالوارث ولا يملك الوارث. 15746 - ومنهم من التزم هذا، وقال: لا يصح إقرار المحجور بنسب، ثم هذا لا يصح، لما قدمنا في المسألة الأولى أن الإنسان لا يحجر عليه في الإقرار بالنسب مع صحة القول، ويحجر عليه في [الإقرار] في التصرف في المال، فلم يعتبر أحدهما بالآخر. 15747 - ولأنه إذا أقر بالوارث حصل ابتداء الإقرار له وهو أجنبي، وإذا أقر للوارث حصل إقراره له وهو وارث. 15748 - ولأن المورث لا يتهم في أنه يستلحق بولد ليس منه ويتهم أنه موجب

لوارثه ما ليس له، قصد إلى منفعته فلذلك افترق الأمران. 15749 - ولأن الإقرار بالنسب ليه بإقرار بمال ويجوز أن يفضي إلى مال [ويجوز أن لا يفضي]. 15750 - وقد يقبل في السبب المفضي إلى معنى لا يقبله في ذلك المعنى شهادة القابلة للولادة المؤدية إلى ثبوت الإرث وأنه لم يقبل في الإرث. 15751 - قالوا: المريض غير متهم فيما يقر به، لأنه حال مفارقة الدنيا والمصير إلى الآخرة وقد أجبنا عن هذا الكلام في المسألة التي قبل هذه. 15752 - قالوا: لو كانت الوصية جائزة فلا شك أن الإقرار كان جائزًا لأن الإقرار أبعد من الوصايا، ولم تستحب الوصية للوارث فبقي الإقرار على ما كان عليه. 15753 - قلنا: لا نعلم هذا ويجوز أن تكون الوصية جائزة والإقرار لا يجوز. ثم الوصية إنما كانت تجوز لجميع الورثة ولم تكن جائزة لبعضهم دون بعض، فيجب أن يكون الإقرار فيه جائزًا على هذا الوجه، فتستحب الوصية ويبقى الإقرار. 15754 - وعندنا يجوز الإقرار لجميع الورثة، ويخيرون بين أخذ المال بالإقرار والإرث. 15755 - قالوا: المريض مأمور بالتخلص من الديون وإيصالها إلى مستحقها، فإذا كان عليه دين لوارثه فقد أمر بإيصاله إليه، فيستحيل أن يكون مأمورًا بذلك، وإذا ثبت

لم يقبل منه. 15756 - قلنا: هو مأمور بإيصال الحق إلى وارثه، ويقدر أن يقضيه دينه باطنًا، ويوصله إليه فيتخلص بذلك من مظلمته، وإن كان لو أقر لم يقبل إقراره. كما أن الوصي إذا كان شاهدًا على الميت بدين، وليس معه شاهد غيره فهو مأمور سرًا بإيصاله إلى مستحقه لتخليص الميت، ولو أظهر ذلك وأقر به لم يقبل قوله [فيه] ولم يثبت به الدين وإن كان مأمورًا [بالقضاء]. ***

مسألة 784 حكم قضاء المريض المديون بعض غرماء الصحة دون البعض

مسألة 784 حكم قضاء المريض المديون بعض غرماء الصحة دون البعض 15757 - قال أصحابنا: إذا قضى [المريض المديون] بعض غرماء الصحة دون بعضهم لم يصح القضاء. 15758 - وقال الشافعي: يصح. وهذا مبني على أصلنا أن حق الجميع تعلق بالمال على وجه واحد فلا يفرد بعضهم بالقضاء دون بعض. أصله الدين إذا كان به رهن ولأنها حالة يعتبر العتق فيها من الثلث فلا يجوز أن يفرد بعض الغرماء بالقضاء. أصله بعد الموت. ولا يلزم إذا [قضى] دين الصحة، وهناك دين في المرض، لأن ذلك يجوز بعد الموت أيضًا، فاستوي الفرع والأصل.

15759 - ولأن القضاء فعل يصح في حال المرض [ويصح أن يفعل عنه بعد الموت بأمره، فكان فعله بعد الموت وفي حالة المرض] سواء، أصله العتق. 15760 - احتجوا: بأنه قضى دينه، وهو من أهل القضاء، فصار كحال الصحة. 15761 - قلنا: لا نسلم أنه من أهل القضاء على الإطلاق، [وإنما هو من أهل القضاء] على صفة مخصوصة، والمعنى في حال الصحة: أنه يملك أن يزيل ملكه على طريق التبرع، فيملك أن يفرد بعض الغرماء بالقضاء. ولما كان في حال المرض لا يملك مع الدين أن يتبرع بماله لم يملك أن يفرد بعض غرماء الصحة بالقضاء. 15762 - قالوا: يملك قضاء الجميع فملك قضاء البعض كحال الصحة. 15763 - قلنا: إذا قضى الجميع فلم يشقط حق بعضهم. وإذا أفرد بعضهم فقد أسقط حق الباقين. وحكم الأمرين مختلف؛ بدلالة الرهن إذا كان عند جماعة فسلم بدينهم جاز، ولو أفرد به بعضهم لم يجز. 15764 - ولأنه إذا قضى الجميع لم تلحقه تهمة وإذا أفرد بعضهم فإنه متهم. وتصرف المريض لا يصح مع التهمة ويجوز مع عدمها. ***

مسألة 785 الإقرار للحمل

مسألة 785 الإقرار للحمل 15765 - قال أبو يوسف: إذا أقر لحمل امرأة بدين مطلق لم يصح الإقرار. ولو أقر بسبب معين، فقال: له عندي ميراث أبيه أو وصيته من فلان جاز. 15766 - وقال محمد: إذا أطلق الإقرار للحمل صح. 15767 - وللشافعي في الإقرار المطلق قولان: أحدهما مثل قول أبي يوسف، والثاني مثل قول محمد.

15768 - قالوا: وهو الصحيح أما إذا بين فقال: اقترضت منه فهو على قولين. 15769 - [إن] قلنا: المطلق لا يصح فهذا إقرار وإن قلنا المطلق يصح فهذا على قولين بناء على قوله إذا وصل بإقراره ما يقره فيه قولان. 15770 - لنا: إن قرار وقع للحمل فلا يصح، أصله إذا خرج ميتًا ومات المقر قبل أن يبينه.

15771 - [و] لا يلزم إذا ورثه من أبيه أو أوصى به فلان؛ فإن هذا إقرار للميت أو الوصي. 15772 - ولأنه إقرار لمجهول، لأنه لا يعلم هل هو واحد أو أكثر، وهل هو ذكر أم أنثى، فصار كإقراره لواحد من الناس. 15773 - ولأن الحقوق إذا ثبت للحمل وقعت على الولادة، بدلالة الميراث والوصية. والإقرار لا يقف على الشروط. 15774 - فإن قيل: الإقرار يقف على القبول. 15775 - قلنا: الإقرار قد يصح، والرد يبطله، والقبول يسقط المراعاة. فأما

أن يصح الإقرار فلا. 15776 - احتجوا: بأنه إقرار من جائز الأمر بما يمكن فوجب أن يحمل على الصحة. أصله إذا أقر لطفل أو لبالغ، فلا يبطل إذا قال: لولد هذا الحمل علي كذا فإنه يمكن حمله على الصحة، بأن يكون بوقف وقف عليه وعلي ولده. 15777 - ومع ذلك لا يلزم، والمعنى في الأصل: أن الإقرار يثبت له على طريق القطع، وليس كذلك الحمل، لأن الإقرار يثبت له بشرطه. 15778 - وقد ناقض أصحابنا هذا: بمن أقر لدابة فلان. 15779 - فإن قالوا: الإقرار في الدابة لصاحبها. 15780 - قلنا: وكذلك في الحمل الإقرار لم ينتقل إليه الشيء [من جهته]. 15781 - قالوا: حيث صح الإقرار بالوصية والإرث صح بالمال المطلق كالبالغ.

15782 - قلنا: الإقرار بالوصية لا يصح، بدلالة أنه لو ولد ميتًا كان ذلك للوصي، فعلم أن الإقرار له والمعنى في البالغ ما ذكرناه. ***

مسألة 786 حكم ما إذا قال: غصبت هذا العبد من فلان لا بل من فلان

مسألة 786 حكم ما إذا قال: غصبت هذا العبد من فلان لا بل من فلان 15783 - قال أصحابنا: إذا قال غصبت هذا العبد من فلان لا بل من فلان سلمه للأول وضمن قيمته للثاني. 15784 - وهو أحد قولي الشافعي وقال في قول آخر: لا ضمان عليه والثاني خصم للأول.

15785 - لنا: أنه أقر بغصب وانتقل، فإذا تعذر رده عليه لزمه قيمته أصله: إذا أقر له ابتداء ثم سلمه إلى غيره. 15786 - ولا يلزم إذا قال هذا لزيد/، لا، بل لعمرو ثم سلمه إلى الأول بقضاء. 15787 - لأنا قلنا: أقر [بالغصب، ولأنه أقر بنقل مضمون في ملكه، فوجب أن يلزم الضمان. أصله: إذا أقر] بالقتل. 15788 - ولأنه أقر له بغصب، وتعذر تسليم المغصوب بفعله، فصار كما لو قتله. 15789 - احتجوا: بأنه أقر به لغيره فلا يتعلق به الضمان. أصله: إذا أقر له من غير ذلك الغصب وسلم إلى الأول بقضاء. 15790 - قلنا: هناك لم يوجد فيه فعل مضمون، وإنما وجد مجرد الإقرار، وذلك لا يتعلق به ضمان في ملك الغير. وفي مسألتنا: أقر بفعل مضمون عليه، فإذا تعذر الرد وجب الضمان. 15791 - قالوا: إذا سلمه القاضي إلى الأول بمقتضي إقراره فكأنه هو الذي سلمه، لأنه الفاعل. للسبب.

15792 - قلنا: في مسألتنا قد وجد السبب من الغاصب وانضم إليه الفعل ومع ذلك لا ضمان عندهم. ويبطل على أصلهم بالشهود بالمال إذا رجعوا؛ فإنهم لا يضمنون وإن كان [الفعل] بسبب وجد منهم. ***

مسألة 787 حكم ما إذا قال لك علي ألف درهم ثم جاء بألف وقال كانت وديعة

مسألة 787 حكم ما إذا قال لك علي ألف درهم ثم جاء بألف وقال كانت وديعة 15796 - قال أصحابنا: إذا قال لفلان علي ألف درهم ثم جاء بألف قال هذه التي أقررت بها كانت وديعة عندي، فقال المقر له: لي عليك ألف وهذه لي عندك [وديعة] فالقول قول المقر له، ويلزمه ألف آخر. 15794 - وقال الشافعي: يقبل قول المقر [مع يمينه].

15795 - لنا: أنه أقر بألف عليه مطلقًا، فإذا فسرها بوديعة لم يقبل. أصله: إذا قال بعد الإقرار: كانت وديعة فهلكت. 15796 - ولأنه أقر بما يحمل ظاهره على الدين، فلا يصدق في الوديعة بعد استقرار الكلام. أصله: إذا قال له: علي ألف دينار ثم قال وديعة. 15796 - ولأن أقر بما يحمل ظاهره على الدين، فلا يصدق في الوديعة بعد استقرار الكلام. أصله: إذا قال له: علي ألف دينار ثم قال وديعة. 15797 - ولأن ظاهر قوله [علي] يقتضي الضمان، بدلالة أنه إذا قال له ما لك على فلان علي كان كفيلًا؛ فلولا أن اللفظ ظاهره يفيد الضمان لم تصح الكفالة، ومتى كان ظاهر اللفظ الضمان لم يصدق في صرفه عن ظاهره. 15798 - احتجوا: بأن علي يقتضي الوجوب وما في الذمة يجب عليه أداؤه كما يجب أن يؤدي ما في يده، وإذا صلح اللفظ لها قبل تفسيره. 15799 - قلنا: هذا غلط لأن قوله علي معناه واجب أو مستقر علي. وهذا يقتضي أنه يتعلق الوجوب بها؛ فالوديعة لا يتعلق الوجوب بها، وإنما يتعلق بردها، فإذا صرف الوجوب عن العين إلى الفعل كان تاركًا لظاهر كلامه. 15800 - فإن قيل: لو قال له عندي. ثم فسر فقال هو دين قبل قوله، لأن حروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض. 15801 - [قلنا: إذا قال عندي ثم فسر بالدين قبل؛ لأن الوديعة قد تعتبر دينًا بالتعدي فأمكن حمل إقراره على صفة. فإذا قال: علي، ثم فسره بالوديعة لم يصح ذلك. فهذا لأن الدين لا يصير وديعة. وأما قولهم: إن حروف الصفات يقوم بعضها

مقام بعض] فهو كذلك إلا أنه غير الظاهر. 15802 - قالوا: قال الله تعالى: {ولهم على ذنب} معناه عندي ذنب. 15803 - قلنا: معنى قوله {على ذنب} أي جناية أو حكم أو دية فلم يكن بنا ضرورة إلى حمله على غير ظاهرة. ***

مسألة 788 إقرار العبد المأذون بالغصب

مسألة 788 إقرار العبد المأذون بالغصب 15804 - قال أصحابنا: إذا أقر العبد المأذون بالغصب صح إقراره، ولزمه فيما في يده أو يباع فيه. 15805 - وقال الشافعي: يلزمه بعد الحرية. 15806 - لنا: أنه أقر علي نفسه يبدل عين مملوكة فوجب أن يؤخذ مما في يده، أصله: إذا أقر بثمن متاع. 15807 - ولأنه لو أقر بثمن متاع أخذ منه في الحال، فكذا إذا أقر ببدل غصب أخذ منه في الحال. أصله: الحر وعكسه العبد المحجور. 15808 - ولأن يتعلق به دين المأذون إذا أقر بثمن متاع تعلق به، كما إذا أقر بالغصب. أصله: ذمته. وهذه مبنية علي أن ديون العبد تتعلق بما في يده وبرقبته. وقد بينا هذه المسألة في البيوع. ***

مسألة 789 حكم ما لو أقر لشخص بدرهم تحت درهم أو فوق درهم أو معه درهم أو درهم فدرهم أو درهم ودرهم أو درهم ثم درهم أو قبله درهم وبعده

مسألة 789 حكم ما لو أقر لشخص بدرهم تحت درهم أو فوق درهم أو معه درهم أو درهم فدرهم أو درهم ودرهم أو درهم ثم درهم أو قبله درهم وبعده 15809 - قال أصحابنا: إذا قال [له] علي درهم [تحت درهم] لزمه درهم. ولو قال معه درهم أو فوق درهم أو دراهم أو ثم درهم لزمه درهمان. 15810 - وقال الشافعي: إذا قال تحت درهم أو فوق درهم فعليه درهم [واحد]،

وكذلك لو قال واحد درهم فدرهم. 15811 - ووافقنا في قوله: قبله درهم أو بعده درهم وفي قوله درهم ثم درهم وفي قوله: درهم ودرهم. 15812 - لنا: أنه أقر بشيء عطف عليه مثله بما [لا] [يوجب التخيير فوجب أن يلزماه إذا لم يكن استدراكًا. أصله إذا قال درهم ودرهم. 15813 - ولا يلزم إذا قال: درهم أو درهمان لأن هذا للتخيير].

15814 - ولا يلزم إذا قال بل درهمان؛ لأنه للاستدراك، ولأنه عطف على المفر به كما [مر] فلزمه، كما لو قال درهم ثم درهم، ولأن الفاء للترتيب فما عطف به لزمه درهم. 15815 - وقد قالوا: الصحيح من المذهب في قوله: أنت طالق فطالق أنه تطليقتان وإنما التزم ابن خيران. 15816 - ونقل جواب الإقرار إلى الطلاق، فقال في كل واحد منهما قولان والكلام مع الشافعي، فنقول: كما لو عطف به تطليقة كان تطليقتين، فإذا عطف به درهما علي درهم كان درهمين كالواو. 15817 - ولأن قوله: فوقه درهم أو فوق درهم يقتضي زيادة درهم فلزمه درهمان كما لو قال قبله درهم. 15818 - احتجوا: بأن قوله قدر درهم يحتمل أن يكون أراد به فدرهم لازم أو بدرهم جيد وإذا احتمل لم يلزم. 15819 - قلنا: الفاء عاطفة وظاهر العطف أنه غير المعطوف عليه فلا نسلم الاحتمال.

15820 - قالوا: الفاء قد تكون عاطفة وقد تكون صارفة بدلالة قولهم: يريد أن يعربه فيعجمه معناه: فهو يعجمه. 15821 - قلنا: الفاء تكون عاطفة وتكون مجازية وتكون زائدة، ولا يجوز حملها علي الزائد لأن ذلك لا يصار إليه إلا بدليل. وأما أنها صارفه فلا يعرف. وقوله يريد أن يعربه فيعجمه عطف جملة من مبتدأ وخبر علي جملة من فعل وفاعل، وإحدى الجملتين غير الأخرى. 15822 - قالوا: إذا قال فوق درهم احتمل في الجودة وفي المكان، فصار كقوله تحت درهم. 15823 - قلنا: ظاهر فوق أنه يستعمل في الزيادة، بدلالة قوله لفلان علي فوق ألف وفوق مائة، ولأن هذا ظرف مكان تقديره له [علي] درهم مستقر علي درهم فيقتضي وجوبهما عليه. ***

مسألة 790 حكم الإقرار بألف في مجلسين

مسألة 790 حكم الإقرار بألف في مجلسين 15824 - قال أبو حنيفة: إذا أقر بألف في مجلس، وأقر بألف في مجلس آخر لزمه ألفان. وإن كان ذلك في مجلس واحد فذكر أبو بكر الرازي عن أبي الحسن أنه كذلك أيضًا وأنه لا فرق بين المجلس والمجلسين. 15825 - وذكر الطحاوي [أنه في المجلس الواحد مال واحد. 15826 - وظاهر الأصل يدل علي ما حكي الطحاوي] لأنه قال: ولو أقر له بمائة في موطن ثم أقر له في موطن آخر بمائة درهم وأشهد به شاهدين فإنه يؤخذ بمائتين إذا ادعاه الطالب، وكذا لو كانت الثانية أقل أو أكثر أخذ بذلك كله في قوله أبي

حنيفة رحمه الله. 15827 - أما في قول أبي يوسف ومحمد فهو مال واحد يؤخذ بالأكثر في ذلك والموطن في هذا والموطنان سواء حتى يجيء في الإقرار أنه يدل علي أن المال الأول غير الآخر، فقوله في موطن آخر يدل علي أن الموطن الواحد بخلافه. 15828 - وقد قال أصحابنا: إذا قال له علي [ألف] بل ألفان أن الألف مدخل في الألفين، فلولا أن المجلس الواحد يحمل الإقرار فيه علي مال واحد لم يصح هذا. ولو ادعى عليه ألفا عند القاضي فأقر به، ثم ادعى في يوم آخر عليه ألفا فأقر به فإنه مال واحد، ذكره الطحاوي عن ابن سماعة عن أبي يوسف. 15829 - قال: وهو قال أبي حنيفة رحمه الله. ولو كان المال المقر به في صك فإنه مال واحد، وإن أقر به في مجلسين. وإن أشهد شاهدين على ألف قدمه إلى القاضي

فادعى عليه ألفا فأقر بها فهما ألف واحد. ولو جاء بشاهدين علي ألف وجاء بشاهدين علي ألف ولا يعلم في مجلس واحد شهداء وفي مجلسين فهما مالان، إلا أن يعرف أنه في موطن واحد. ولو أشهد شاهدًا في موطن وشاهدا آخر في موطن فهما مال واحد. 15830 - وقال الشافعي: إذا أقر له يوم السبت بدرهم ويوم الأحد بدرهم فهو درهم واحد. 15831 - لنا: أنه أشهد على مال منكر ليوم استيفاء الإشهاد علي مال في مجلس آخر فوجب أن يلزمه المالان. أصله إذا أشهد أن له ألفا من ثمن عبد اشتراه يوم الجمعة، وأشهد في مجلس آخر أن له ألفا من ثمن عبد اشتراه يوم السبت. 15832 - ولا يلزم إذا ادعى المقر له مالًا واحدًا؛ لأنه قد لزم المقر وإنما أسقط المقر له. 15833 - ولا يلزم إذا أشهد على ألف ثم أقر بألف عند القاضي؛ لأن الثاني ليس بإشهاد. 15834 - ولا يلزم إذا كرر الإقرار في مجلس واحد لأن المجلس والمجلسين سواء، على طريقة أبي الحسن، وقد احترزنا بقولنا في مجلس آخر. 15835 - ولا يلزم إذا أشهد، شاهدين بأنه أقر بألف يوم الخميس، وشهد شاهد أنه أقر بألف يوم الجمعة، لأنه لم يستوف الإشهاد في مجلس. ولا يلزم إذا كان في

صك واحد، لأن الثاني ليس بمنكر، بل نعرف أنه هو الذي أشهد عليه أولًا، ولأنه أقر في مجلسين بمالين لم يتعلق أحدهما بالآخر من غير حاجة فوجب أن لا يدخل أحدهما بالآخر من غير حاجة كما لو أقر بألف/ مؤجل ثم أقر بألف حال. 15836 - فإن قيل: لا نسلم أنه أقر بمالين. 15837 - قلنا: يعني أنه إذا أقر بألف ثم ألفين ولا يلزم إذا اجتهد ثم أقر عند القاضي، لأن له إلى ذلك حاجة وكذلك إذا أشهد واحدا ثم أشهد آخر. 15838 - ولا يلزم الصك الواحد [لأنه] تعلق أحد الإقرارين بالآخر، ولأنه أقر بألف منكر فإذا أقر بألف منكر فالظاهر أن الثاني غير الأول إلا أن تدل دلالة على خلافه يدل على ذلك قوله تعالى: {فإن مع العسر يسر (5) إن مع العسر يسرًا. 15839 - قال علي وابن عباس رضي الله عنهما (لن يغلب عسر يسرين) فلما عرف

العسر جعل الثاني [عين] الأول ولما نكر اليسر جعل الثاني غير الأول. 15840 - ولهذا قال أصحابنا: إذا قال لامرأته أنت طالق نصف تطليقة وثلث تطليقة وربع تطليقة أنه ثلاث تطليقات، لأنه لما نكر اختلف كل واحد عن الآخر. ولو قال: أنت طالق نصف تطليقة وثلثها كانت واحدة لأنه عرف الثلث. كذلك في مسألتنا. 15841 - احتجوا: بأنه أقر بألف، بعد هذا أقر له بألف فيحتمل الإخبار عن الأول ويحتمل استئناف غيره. وإذا احتمل الأمرين لم يلزمه إلا باليقين. وتحريره إقراران لفظهما سواء، فلا يلزمه إلا أحدهما كما لو كان في مجلس واحد. 15842 - قلنا: لا نسلم ما ذكرتموه من الأخبار، لأن المفسر إنما يفسر من نفسه، فإذا أكمل الشهادة فقد حصل المقصود فقوله بعد ذلك [له] ألف منكر، الظاهر أنه لو أراد الأولى لعرفها فلما لم ينكر ولم يكن هناك دليل يقتضي حمل إقراره على التكرار حمل على الإقرار المبتدأ كما لو كانا في صكين. 15843 - فأما قولهم: إقراران لفظهما واحد فلا معنى له؛ لأن عندهم لو أقر بألف ثم بألف أو بألف ثم بألفين دخل أحدهما في الآخر، وإن اتفق لفظ أحد الإقرارين واختلف الآخر. وقياسهم على المجلس الواحد غير مسلم لما قدمنا. وعلى طريقة من سلم ذلك نقول: إن الإقرار قد يتكرر في المجلس الواحد ليفهمه الشهود وقد

يفعل ذلك ليتم به الوثيقة وهذا لا يوجد إذا تمت الوثيقة بالشاهدين في المجلس الأول. ولأن من أصلنا أن ما جمعه مجلس واحد فكأنه حصل في لفظ واحد، وما حصل في مجلسين فهو كالحاصل بسببين مختلفين، بدلالة إقرار المقر بالزنا أربع مرات في مجلس واحد أو في مجالس، وتكرار تلاوة السجدة في مجلس واحد لا يوجب إلا سجدة واحدة. وإن تكررت التلاوة في مجلسين تعلق بكل تلاوة سجدة. 15844 - قالوا: لو أقر بحضرة الشهود بألف ثم قدمه إلى الحاكم فادعى عليه ألفًا فأقر له، وشهد الشهود بالألف كان ألفًا واحدًا. وإن اختلف مجلس الإقرار كذلك في مسألتنا. قلنا: المقر إنما يوثق بالشهادة ليثبت بها اليمين فإذا أشهد عليه ثم أقر أو جحد لقامت عليه البينة فهو يقر حتى لا يثبت بالبينة تكذيبه، فكذلك كان مالًا واحدًا؛ وأما إذا استوفى الشهادة في المجلس ثم أقر في آخر، فإن كان الإقرار لا يلزمه حتى يكون خاف التكذيب- فالظاهر أنه إذا لم يعرف إقراره مقر بدين آخر. ***

مسألة 791 الإقرار بالهبة

مسألة 791 الإقرار بالهبة 15845 - قال أبو حنيفة رحمه الله: إذا أقر أنه وهب فأقبض ثم ادعى أنه لم يسلم فطلب بدين المقر له لم يستحلف. 15846 - وقال الشافعي: أحلفه، لأن العادة أن الإنسان قد يعلم بذلك قبل فعله. 15847 - وقال المروزي: إنما يستحلف إذا لم يقر بأنه سلم هو بل قال أن وكيله زعم أنه أقبضه، ثم قال: بان لي أنه خانني، ولم يكن أقبض. فأما إذا قال أقبضته أنا، لم يستحلف. قال الإسفراييني: إنه يستحلف في الموضعين.

15848 - قالوا: ولو قامت عليه البينة بالإقرار بالهبة والقبض وطلت بدين الموهوب لم يستحلف. 15849 - لنا: أن إقراره بالقبض قد ثبت فلا يستحلف المقر له، أصله إذا ثبت ببينة. ولأنه طلب اليمين على نفس ما أقر فلم يستحلف كما لو قال: استوفيت شيئًا وأتلفته، ثم قال: حلفه أنه وفاني. 15850 - ولا يلزم إذا ادعى أنه باع تلجئة، لأنه يستحلف على معنى غير ما أقر به. 15851 - ولأنه أقر بما تتم الهبة به، فصار كما لو جحد أن يكون وهب، فطلب اليمين على ذلك. 15852 - احتجوا: بأن ما ادعاه محتمل فوجب أن يستحلف ليزول الاحتمال. 15853 - [قلنا شهادة الشهود لا تبطل إذا شهدوا بإقراره. قالوا هناك يدعي كذب الشهود]. 15854 - قلنا: الشهود لم يشهدوا على معاينة القبض وإنما شهدوا على إقراره فهو مكذب لنفسه بدعواه، كما يكذبها إذا أقر ولم يشهد عليه الشهود. ***

مسألة 792 حكم ما إذا أقر بأن عليه ألفا من ثمن مبيع غير معين وادعاء المقر له غصبا

مسألة 792 حكم ما إذا أقر بأن عليه ألفًا من ثمن مبيع غير معين وادعاء المقر له غصبًا 15855 - قال أبو حنيفة رحمه الله: إذا أقر بأن عليه ألفا من ثمن مبيع لم يعينه، وادعى المقر له الألف غصبًا، لم يقبل قول المقر وصل أو قطع. 15856 - وكان قول أبي يوسف رحمه الله: الأول: أنه يقبل قوله إذا قال المقر له قد قبضها. وهو قول محمد رسوله الله. 15857 - وقال الشافعي رحمه الله: إن وصل قبل، وإن قطع لم يقبل، وإن قال: علي ألف من ثمن خمر أو خنزير ففيه قولان.

15858 - لنا: أنه وصل بإقراره ما يسقطه، لأن ثمن المبيع المجهول له يلزم، فصار كما لو قال له: علي ألف من ثمن عبد اشتريته فرأيته ولا أثر له أو أنه حمل. 15859 - ولأنه أقر بألف وادعى ما يوجب تأخيرها إلى غير غاية، فصار كما لو قال له علي ألف من ثمن مبيع أعطيه متى شئت أولا أعطيه أبدًا. 15860 - وإنما قلنا: أنه أقر بتأخيرها إلى غاية، لأن البائع كلما أحضر مبيعًا قال المقر ليس هذا الذي ابتعته، ولأن كل معنى لو ألحق بإقراره المطلق لم يسقطه. فإذا ألحق بإقراره الموصوف لم يسقطه. أصله إذا قال قد أبرأني منه. 15861 - احتجوا: بأنه أقر بحق في [مقابلة] حق له لا ينفك أحدهما عن الآخر، فإذا لم يسلم ما له لم يلزمه [ما] عليه كما لو كان المبيع معيبًا. وعكسه إذا قال لعبده: بعتك نفسك بألف، فأنكر وحلف، فإنه يعتق ويسقط الألف. 15862 - لأنه أقر بحق في مقابلة حق لا ينفك أحدهما عن الآخر. وكذلك إذا أقر أنه طلق امرأته علي مال فجحدت. 15863 - قلنا: أقر بمال وفي مقابلته ما لا يجوز أن يكون في مقابلة الأموال، فثبت ما عليه. ولا يتعلق بما لا يجوز [تعليق الأموال به، كما لو قال: علي ألف من ثمن عبد ابتعته من غير عبيده. وليس كذلك المبيع المعين لأن ثمنه يجوز] أن يلزمه، فلهذا تعلق المال المقر به عليه. يتبين ذلك أنه يصح أن يقال: أقر بحق عليه في مقابلة

حق له إذا كان مما يجوز أن يتعلق أحد الحقين بالآخر. 15864 - فإن قيل: هو لم يقر بثمن مبيع مجهول، بل هو أقر بثمن مبيع، فيجوز أن يكون معلومًا. 15865 - قلنا: إذا لم يكن معلومًا في الحال فإن كان [لا يؤول]. لذلك فثمنه غير لازم. وإن كان معلومًا في الأصل ثم صار مجهولًا لا يسقط الثمن. ودعوى ما يسقط ما أقر به لا تقبل. ***

مسألة 793 اختلاف الشاهدين في شهادتهما بزيادة أو نقص

مسألة 793 اختلاف الشاهدين في شهادتهما بزيادة أو نقص 15866 - قال أبو حنيفة رحمه الله: إذا شهد أحد الشاهدين أنه أقر بألف وشهد الآخر أنه أقر بألفين أو بخمسمائة فإن شهادتهما لا تقبل حتى ينضم إلى كل واحد [منهما] شاهد آخر. ولو شهد أحدهما بجملة، والآخر بها، وبجملة معطوفة عليها- قبلت شهادتهما في الجملة الأولى. 15867 - قال الشافعي رحمه الله: إذا شهد له شاهد بألف، وآخر بألفين، ثبت له ألف بشاهدين، وإذا أراد ألفًا أخرى حلف وكانت له. 15868 - لنا: أنهما شهدا بجملتين لا تعتبر إحداهما دون الأخرى، فصار كما لو شهد أحدهما بألف والآخر بمائة دينار، ونعني بالجملتين إذا شهد أحدهما بألف والآخر بتسعمائة. 15869 - ولأن أحدهما شهد بألف والآخر بألفين فلم تقبل شهادتهما، كما لو شهد أحدهما أنه باعه بألفين وشهد الآخر أنه أقر بألف من ثمن عبد. ولا يلزم إذا شهد

أحدهما بألف [والآخر] بألف وألف. 15870 - لأن قولنا: شهد الآخر بألفين يعني هذا اللفظ. ولأن كل واحد منهما شهد بجملة ليس فيها لفظ الجملة التي شهد بها الآخر، فوجب أن لا تثبت إحداهما، كما لو شهد أحدهما بمائة دينار والآخر بألف دينار. ونعني بالجملتين ألف وتسعمائة أو عشرة دراهم وألف. 15871 - ولأن أحدهما بين الجملة التي شهد بها صاحبه، فوجب أن لا يثبت بشهادتهما إحدى الجملتين، كما لو شهد أحدهما بألف من ثمن عبد، والآخر بألفين من ثمن ثوب. 15872 - احتجوا: بأنهما عددان لو أقر بهما في مجلس واحد دخل الأقل في الأكثر، كما إذا شهد أحدهما بألف والآخر بألف وخمسمائة. والمعنى فيه: أنهما اتفقا علي ألف وانفرد أحدهما بعدد آخر عطف عليه، فيقبل ما اتفقا عليه. 15873 - قلنا: وفي مسألتنا كل واحد شهد بعدد غير هدد الآخر. وإنما يتفقان في المعنى لا في اللفظ، فصار كما لو شهد أحدهما بمائة والآخر بعشرة دنانير. 15874 - فإن قيل: اجتمعت العرب أن الجمع ضربان: أحدهما ما سلم لفظ الواحد فيه، والآخر جمع التكسير، وهو ما لم يسلم فيه لفظ الواحد. فأما التثنية فلفظ الواحد لا ينكسر فيه، فألفان: هما ألف زيد عليها ألف وألف ثوب، فهي كألف زيد عليها ثوب، وألف وخمسمائة هي الألف الموجودة وقد زيد عليهما/ خمسمائة. 15875 - قلنا: هذا غلط، لأن معنى قولهم إن جمع السلامة ما سلم فيه لفظ الواحد، وإنما يراد به الصورة. فأما أن يكون هو الاسم المفرد فلا يدل عليه، لأن حروف الإعراب في زيد الدال، وفي زيدون الواو، وخرجت الدال أن تكون حرف إعراب [فلا يكون] أحد الأمرين هو الآخر، وكذلك في ألف حرف الأعراب فيه الفاء وفي التثنية ألفان حرف الإعراب الألف فكيف يكون أحدهما الآخر، وليس إذا اتفقت الحروف كان الاسم واحدًا كامرئ وامرأة؟ ولا شبهة في اللغة أن التثنية والجمع بناؤهما غير بناء الواحد، فسقط ما قالوه.

مسألة 794 حكم ما لو مات فخلف ولدين فاقر أحدهما باخ ثالث وأنكر الآخر شارك المقر في الميراث دون النسب

مسألة 794 حكم ما لو مات فخلف ولدين فاقر أحدهما باخ ثالث وأنكر الآخر شارك المقر في الميراث دون النسب 15876 - قال أصحابنا: إذا مات الرجل وترك ابنين، فأقر أحدهما بأخ وكذبه أخوه، شارك المقر به المقر في الميراث، ولم يحكم بالنسب. 15877 - وقال الشافعي رحمه الله: لا يثبت الإرث ولا النسب. فإن أقر أحدهما بزوجة لأبيه وكذبه أخوه ففيه وجهان. 15878 - وإذا أقر ببيع شقص وكذبه المشتري، قال المزني: قياس قوله أن

للشفيع الشفعة. 15879 - وقال ابن سريج: لا شفعة [له]، ومتى علم المقر في الباطن أنه أخوه فيه وجهان: 15880 - أحدهما: لا يلزم أن يشاركه. والصحيح أنه يلزمه. فإذا قالوا شاركه هل يأخذ النصف أو الثلث فيه وجهان.

15881 - لنا: أنه إقرار من وارث ممن يرث معه فوجب أن يشاركه إذا لم يحكم ببطلانه كما لو كان الوارث واحدًا. 15882 - ولا يلزم إذا أقر بمعروف النسب، لأنا حكمنا ببطلان اعترافه وإن أسقطت من الحكم الآخر وسوت بين الأصل والفرع جاز. 15883 - ولأنه أقر بنسب لم يحكم ببطلانه فوجب المشاركة في مال الميت فوجب أن يوجب استحقاق بعض الميت فجاز أن يشاركه. 15884 - وإذا [لم] يثبت في حق الباقين كما لو أقر بدين ولا يلزم إذا كذبه المقر به؛ لأن الحق يثبت بالإقرار فأبطله المقر به؛ بعد ثبوته. 15885 - قالوا: المعنى في الدين والوصية أنه أقر بحق مطلق ليس في مقابلته حق له، وفي مسألتنا أقر بحق عليه في مقابلته حق له فإذا لم يثبت ماله لم يثبت ما عليه، ألا ترى أنه لو أقر بعقد مطلق لزمه الإقرار ولو أقر أنه باعه عبدًا بألف لم يلزمه الإقرار حتى يصدقه ويسلم له الثمن.

15886 - قلنا: هذا يبطل بمن قال: بعتك نفسك بألف، فجحد المقر له عتق العبد ولم يثبت البيع ولم يسلم له الثمن. بل عندنا [أنه] أقر بحق عليه في مقابلته حق له وهو الميراث من المقر له، وقد ثبت الحقان باعترافهما، لأن كل واحد منهما يرث الآخر إذا مات، وليس له وارث معروف، وإنما لا يثبت إقرارهما في حق غيرهما والمعتبر لحقهما. 15887 - ألا ترى أنه إذا قال بعتك هذا العبد بألف فصدقه ثبت حق كل واحد منهما من جهة الآخر، وإن كان الحق لم يثبت في حق غيرهما، بدلالة أن لكل واحد من الناس أن يقيم البينة علي استحقاق المبيع بجهة من جهات الاستحقاق، لأن كل نسب لو أقر به وارثه يجوز الميراث فوجبت مشاركته. فإذا أقر به ولزمه لم يجز الميراث وما وجبت مشاركته. أصله الوصية، وعكسه إذا أقر بنسب معروف بنسب وإن سلموا للزوجة علي الصحيح. 15888 - قلنا: أحدهما يستحق به الإرث فإذا أقر به بعض الورثة جاز أن يشاركه به، أصله الزوجة. 15889 - فإن قيل: المعنى فيه أنه لم يقر بحق في مقابلته حق له؛ لأنه إذا ماتت لا يرثها، وفي مسألتنا بخلافه. 15890 - قلنا: ليس إذا أقر أنه وارث أبيه ففي مقابلته أنه يرث منه، لأن الآخرين يشتركان في ميراث أبيهما، ولا يرث كل واحد منهما الآخر إذا كان لهما أولاد، وإنما في مقابلته ميراث من أبيه [و] ميراث أبيه منه لو [كان] مات قبله. ثم قد بينا أنه يثبت لكل واحد منهما الميراث من الآخر في حقهما، وإنما لا يثبت في حق غيرهما. 15891 - ولأنه حق يتعلق بسببه لم يحكم ببطلانه فوجب أن يلزم إذا أقر به، كما لو أقر بأنه باع شقصًا له فجحد المشتري وجبت الشفعة. فإن لم يسلموا ذلك فأصله إذا قال تكلفت لك بألف عن فلان وأنكر فلان أن يكون عليه دين؛ أو أصله: إذا قال بعتك إياك عتق بلا خلاف.

15892 - فإن قيل: المعنى في الشفعة أن البائع أقر بحق عليه في مقابلة حق له. وقد سلم له الثمن من جملة الشفيع، فإذا أسلم له عوضه لم يعتبره أعيان الناس. وفي مسألتنا أقر بحق عليه في مقابلته حق له ولم يسلم ماله فلم يستحق ما عليه. 15893 - قلنا: العوض وإن سلم لا إلا أنه أقر بسبب يثبت بحكم الشفعة لم يثبت ذلك السبب ولم يحكم ببطلانه وثبتت الشفعة التي هي من أحكامه كذلك في مسألتنا لم يثبت ذلك السبب وإن لم يحكم ببطلانه فجار أن يثبت الحكم المتعلق به. 15894 - قالوا: المعنى في الشفعة أنا لو حكمنا ببطلان السبب بأن جحد المشترى وحلف [لم] يسقط كذلك إذا لم يبطل السبب. 15895 - وفي مسألتنا لو حكم ببطلان السبب سقط الإرث كذلك إذا لم يثبت. 15896 - قلنا: إذا جحد المشتري وحلف لم يحكم ببطلان السبب [وإنا قطعنا الخصومة، بدلالة أن البائع لو أقام البينة قبلت. ولو كنا حكمنا ببطلان السبب لم تسمع البينة، وإنما يحكم ببطلان السبب] إذا استحق المبيع وحكم [به للمستحق، وذلك يمنع من ثبوت الشفعة. 15897 - فإن قيل: المعنى فيه إذا قال له: بعتك إياك أن العتق ليس هو في مقابلة العوض فلم يقف وقوعه علي سلامة العوض] [وحكم ببطلانه]. 15898 - قلنا: وفي مسألتنا استحقاق المال ليس في مقابلته ولا في وقوعه علي سلامة العوض فلا يحتاج إلى السبب لأنه يجوز أن ينفرد عنه فجاز أن يثبت وإن لم يحكم بالنسب [في حق غير المقر. ولأن العتق وإن لم يكن في مقابلة عوض فقد أقر به وعلقه بسببه، فلم يثبت النسب] وثبت ما تعلق به من العتق. 15899 - احتجوا: بأنه أقر بحق في مقابلته حق له حتى لا ينفك أحدهما عن الآخر، فإذا لم يسلم له ماله لم يلزمه ما عليه. أصله إذا قال: بعتك عبدي هذا بألف

فأنكر المشتري فإن البائع لا يلزمه ما أقر به. 15900 - قلنا: هذا الوصف غير صحيح؛ لأنه أقر بالأخوة [وهي ثابتة في حقه دون حق غيره، ففي مقابلتها ثبوت الحق المقر به، لا في حق غيره وقد ثبت ذلك. ولهذا يرثه إذا لم يكن له وارث غيره ولم تثبت الأخوة] في حق غيرهما، فكذلك قدم عليه الوارث المعروف. 15901 - ولأنه أقر بما يوجب مشاركته فيما في يده من الإرث ففي مقابلة هذا أن يشاركه هو فيما يحصل في يده من الإرث. 15902 - وكذلك نقول إن وصل إلى يد المقر به شيء من تركة الميت يشاركه فيه المقر. فأما ميراث المقر به من المقر فلا يثبت إلا إذا لم يكن له وارث [معروف]. وكذلك ثبت له بماله مثله مثل ذلك. 15903 - ثم هذا يبطل بمن قال لعبده أعتقتك علي ألف، ولامرأته طلقتك علي ألف وكذباه فثبت الطلاق والعتق، وإن لم يثبت المال. واحترازهم عنه بأنه لا ينفك أحدهما عن الآخر ليس باحتراز. 15904 - لأن ملك المبيع ينفك عن الثمن إذا ملكه لا علي وجه البيع وإنما لا ينفك إذا ملكه بالبيع [كما أن الطلاق بغير عوض في المعنى في البيع] أن البائع لم يقر بسقوط حقه عن المبيع؛ لأن حق الحبس ثابت حتى يستوفي الثمن، فلما لم يعترف بسقوط حقه عن المبيع لم يجز أن يستحقه المقر له لا لما قالوه، لأن الوارث قد أقر بسقوط حقه [عن مقدار نصيب المقر له] فكذلك لزمه المال وإن لم يثبت النسب. 15905 - قالوا: إقرار بنسب، وإذا لم يثبت النسب لم يثبت الإقرار، كما لو أقر بمعروف النسب، وكما لو أقر بمن لا يلد أبوه مثله.

15906 - قلنا: النسب ثابت عندنا في حق المقر، غير ثابت في حق غيره. وليس يمنع أن يثبت النسب في حق الواحد، فتثبت أحكامه، وإن لم يثبت ذلك في حق غيره، كما يثبت التبايع في حق البائع والشفيع ولا يثبت في حق المشتري، وكما ثبتت الكفالة في حق الكفيل والمكفول له إذا تصادق ولم يثبت المال في ذمة الأصيل. والمعنى في معروف النسب أنا حكمنا بثبوت النسب من غيره، والحكم بذلك تكذيب له في إقراره، فصار التكذيب بالحكم كتكذيب المقر، فلا يستحق شيئًَا. 15907 - وفي مسألتنا يحكم بكذبه فيما أقر به فجاز أن يثبت في حقه، وإن كان المقر له أكبر من أبيه فقد علمنا كذبه فيما أقر به من طريق المشاهدة. ولو كذبه الحاكم لم يثبت إقراره فإذا كذبته المشاهدة فهو أولى. فإن لزم علي هذا إذا قال لعبده ولمثله لا يولد مثله هذا ابني إنا قد كذبناه مشاهدة وإن حكمنا بالعتق. 15908 - قلنا: تكذيب المشاهدة كتكذيب المقر له وذلك لا يمنع من وقوع العتق 15909 - فإن قيل إذا أقر بمجهول النسب لم يحكم بالنسب، لأنا حكمنا بكذبه، والوقوف كالحكم بالتكذيب بدلالة أن البينة إذا لم يعدلها القاضي فهو كما لو

ثبت كذب الشهود. 15910 - قلنا: غلط: لأنهم إذا لم يعدلوا جاز أن يحكم بها في الثاني بأن ينضم إليها التعديل، فإذا خرجوا لم يجز الحكم بها أبدًا، فلم يتساو الأمران. ***

مسألة 795 ثبوت النسب بإقرار الورثة ولو كان واحدا

مسألة 795 ثبوت النسب بإقرار الورثة ولو كان واحدًا 15911 - قال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله: لا يثبت النسب في حق الميت بإقرار وارث. ويثبت إذا كان الورثة/ رجلين أو رجلًا وامرأتين. 15912 - وكان أبو الحسن يقول: يثبت النسب بقول الوارث إن كان واحدًا، وهو قول أبي يوسف. 15913 - وقال الشافعي رحمه الله: من يجوز ميراثه يثبت النسب بقوله وإن كان واحدًا. 15914 - لنا: أنه إقرار وارث واحد فلا يثبت به نسب علي الميت، كما لو كان الورثة جماعة فأقر أحدهم، ولأنه إثبات نسب علي الغير بقول واحد فلم يجز. أصله الخال إذا أقر بوارث ولا يلزم الشهادة بالولاية، لأن النسب لا يثبت بذلك وإنما يثبت بالولادة، ولأن النسب معنى يثبت به العتق فلا يثبت علي الغير بقول الواحد،

أصله الاستيلاد والكتابة. 15915 - ولأن الشهادة أقوى في حق الغير من الإقرار، بدلالة أن البنين لو كانوا ثلاثة فيشهد اثنان منهم بنسب ثبت النسب، ولو أقرا لم يثبت، ومعلوم أن شهادة الواحد من الأولاد في الحال التي تعتبر الشهادة وهي حال الحياة لا يقبل، كذلك إقرار الواحد في الحال التي يعتبر فيها الإقرار إقرارًا لا يقبل. 15916 - احتجوا: بما روى الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ابن أمة

زمعة فقال سعد: أوصاني أخي عتبة إذا قدمت مكة أن أنظر إلى ابن أمة أبي زمعة، وأقبضه، فإنه ابنه. وقال عبد بن زمعة: أخي ابن أمة أبي زمعة، ولد علي فراش أبي فرأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شبهًا بينًا بعتبة فقال: هو لك يا عبد بن زمعة (الولد للفراش وللعاهر الحجر) 15917 - والجواب: أن زمعة خلف ولدين: عبد وسودة واعتراف أحد الوارثين لا يثبت النسب به في حق الميت باتفاق.

15918 - فإن قيل: زمعة مات كافرًا وكان عبدا علي دينه، وكانت سودة مسلمة، فلم ترثه. الدليل عليه ما روي أن عبدًا قال: أسلمت أختي فحملتها وودت أن أكون أسلمت يوم أسلمت. 15919 - قلنا: الذي ذكرتموه يحتاج إلى شرائط منها: موت زمعة علي الكفر، وكفر عبد حين موته، وتقدم إسلام سودة علي موت أبيها، وهذه شرائط لا تثبت إلا بالنقل ولم ينقل واحد منها. 15920 - فإن قيل: يجوز أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع إقرار سودة قبل ذلك. 15921 - قلنا: الظاهر تعلق الحكم بالسبب المنقول دون غيره. ولم ينقل إلا إقرار عبد خاصة، فعلم أنه أثبت النسب في حقه بإقراره، ولم يثبت في حق أبيه. وكذلك نقول. تبين من هذا أنه عليه الصلاة والسلام قال لسودة: احتجبي عنه يا سودة، فإنه ليس بأخ لك، ولو ثبت النسب في حق الميت [لتثبت الأخوة في حقنا، فعلم أنه أثبت النسب في حق الميت]. 15922 - قلنا: هذا تعليل لقطع النسب عن عتبة لانتسابه من زمعة، ولأنه إذا ثبت النسب في حقه بإقرار فقد أثبته، لأنه أقر بالفراش فثبت النسب في حقه باعترافه علي أبيه بالفراش، وإن لم يثبت في حق أبيه بدلالة أمره لسودة بالاحتجاب.

15923 - فإن قيل: إنما أمرها أن تحتجب احتياطًا لما رأى من الشبه بعتبة. 15924 - قلنا: الشبه الذي لا يثبت به النسب لا يجوز أن يقطع أحكام النسب الثابت. 15925 - فإن قيل: أراد أن يبين أن للزوج أن يحجب الزوجة عن أقاربها. 15926 - قلنا: لا يجوز ذلك. 15927 - قالوا: كل من جاز إرثه ملك إلحاق النسب، أصله إذا كانوا جماعة. 15928 - قلنا: الجماعة لو شهدوا عليه في حال الحياة جاز أن يثبت النسب بشهادتهم فجاز أن يثبت بإقرارهم في الحال التي تعتبر الإقرار، والواحد لا يثبت النسب بشهادته في الحال التي تعتبر الشهادة فيها، لذلك لا يثبت في حق الغير بإقراره في الحال التي لا يعتبر الإقرار فيها. 15929 - قالوا: [كل] حق ثبت بالاعتراف صح أن يثبت باعتراف واحد كما لو كان المعترف به أباه. 15930 - قلنا: الأصل أن الاعتراف يثبت به الحق في حق المعترف دون غيره فلا يصح أن يقال: اعتراف الأب لما ثبت به الحق علي نفسه يجب أن يثبت باعتراف غير الأب علي غيره.

15931 - ولأن الأب إذا أقر فهو يثبت النسب علي نفسه، ثم يسري إلى غيره، فلذلك جاز أن يعتبر العدد في أحدهما دون الآخر. 15932 - قالوا: أخبار لا يراعى فيها العدالة فوجب أن لا يراعى فيها العدد. أصله سائر الإقرارات. 15933 - قلنا: من أصحابنا من اعتبر العدالة في الورثة المقرين والعدد جميعًا، فعلى هذا الوصف غير مسلم. وإن سلمنا فلأن العدالة شرط لنفي التهمة، والمقر هنا غير متهم، لأنه يلزم نفسه الحق، وههنا يلزم غيره فقوله يثبت بالشهادات فجاز أن يعتبر العدد كما اعتبر في الشهادات. 15934 - قالوا: الوارث يقوم مقام مورثه، بدليل أنه يثبت باعترافهم عليه ما يثبت باعترافه على نفسه، ويملك إقامة بيناته ودعاويه فإذا كانوا كهو ثم ثبت أنه يستلحق النسب فلذلك ملكوا أن يستلحقوه. 15935 - قلنا: إنما قاموا مقامه في استيفاء حقوقه وقضاء ديونه وأما فيما عليه فلم يقوموا مقامه بدلالة أنهم [لو] أقروا بدين لم يحكم بثبوته عليه، والنسب حق لثبوته عليه، فلم يقوموا مقامه فيه. 15936 - ولأنه إذا أقر على نفسه فهو أصل في الالتزام، وإذا ألزموه فهو فرع عليه. 15937 - ويجوز أن تختلف صفة الفرع والأصل في الالتزام، كما يختلف شهود الفرع في العدد عند مخالفنا، وفي سائر الصفات عندنا. ***

مسألة 796 إقرار أحد الورثة بالدين وإنكار الآخرين

مسألة 796 إقرار أحد الورثة بالدين وإنكار الآخرين 15938 - قال أصحابنا: إذا أقر أحد الورثة بدين وجحد الباقون أخذ جميع الدين من نصيب المقر خاصة. 15939 - وهو قول الشافعي رحمه الله في القديم وقال الشافعي رحمه الله في الجديد يؤخذ من حقه بمقدار نصيبه من الإرث.

15940 - لنا: قوله تعالى: {من بعد وصية يوصى بها أو دين} فأثبت الله الإرث بعد الدين، ولو لم يعتبر جميع ما أقر به استحق الميراث مع بقاء الدين على الميت في زعمه، وهذا لا يصح. 15941 - ولا يقال: إنه تعالى سوى بين الدين والوصية، وإن جاز أن يسلم له الميراث قبل استيفاء الوصية المقر بها؛ لأن الظاهر منع ثبوت الإرث قبل الوصية لولا قيام الدلالة. 15942 - ولأن الإقرار بالدين معنى يجوز أن يستحق به جميع التركة من يد الورثة فجاز أن يستحق به جميع ما أقر به بعض الورثة من نصيبه. أصله: إذ أقر بعين وعليه الوصية. 15943 - ولا يقال: الوصية وتستحق بها جميع التركة عندكم ولا تستحق جميعها إذا أقر بها الوارث من نصيبه، لأن الوصية يستحق بها جميع المال إذا لم يكن هناك ورثة. 15944 - ونحن قلنا: معنى يستحق به جميع التركة من يد الورثة. 15945 - فإن قالوا: بموجب العلة فيمن مات وترك ابنين وألفين فأقر أحدهما بألفين استوفى جميع ما في يده. 15946 - قلنا: فجاز أن يستحق به ما أقر به من نصيبه، وهناك لا يستحق جميع ما أقر به ولأنه لو أقر على الميت بدين يستغرق ما في يده من التركة فللمقر له استيفاء [ما في يده إذا لم يقدر على استيفائه] من غيره، كما لو كان الوارث واحدًا

وبعض التركة في يد الغاصب. 15947 - ولأنه تعذر استيفاء الدين مما ليس في يده فوجب أن يستوفى مما في يده منها إذا كان فيه وفاء. أصله: إذا قامت البينة وبقية الورثة غيب. 15948 - ولأن الوارث الجاحد غاصب لما في يده في زعم المقر، فصار كالأجنبي إذا غصب بعض التركة. 15949 - فإن قيل: إذا أقر أحد الابنين بوصية خمسين درهما، وجحد الآخر والتركة ثلاثمائة استوفى من نصيب المقر خمسة وعشرين [درهمًا]. ولو كان نصف المال في يد الغاصب استوفى منه جميع الخمسين. 15950 - قلنا: لا نعرف رواية في هذه المسألة. 15951 - وإنما قالوا: إذا أقر أحدهما أنه وصى بالثلث لم يلزمه إلا بقدر حقه، لأن الموصى له شهد له الوارث؛ فالهالك من المال والمجحود على الحقين [سواء] والدين يثبته على وجه التقديم، ولا يثبته على وجه الشركة. 15952 - فأما في هذه المسألة فلو هلك بعض المال لم ينقص الموصى له من وصيته. كذلك إذا جحد الشريك. 15953 - فإن قيل: قد قلتم أنه إذا أقر أحد الابنين أن الميت أوصى بالثلث دفع ثلث ما في يده. وقد كان يجب أن يدفع نصف ما في يده، لأن الجاحد استوفى نصيبه والمقر زعم أن حقه وحق الموصى له سواء. 15954 - لعل هذا كان القياس عندهم، وإنما تركوه لأنه يؤدي إلى ما لا يصح. ألا ترى أنا لو ألزمنا المقر نصف ما في يده جاز أن يقر الابن الآخر بوصية الثلث فيدفع إلى المقر له مثل ذلك فيستحق بالوصية نصف مال الميت، وهذا لا يجوز. 15955 - وليس هذا كالدين؛ لأن المقر متى ألزمناه دفع ما في يده [و] في يد شريكه وألزمناه دفع ما في يده فيستحق جميع ما في التركة بالدين وهذا غير ممتنع. 15956 - ولأن/ كل جزء من التركة مشغول بكل الدين، بدلالة أن التركة لو

كانت أضعاف الدين فهلكت إلا مقدار الدين استوفى الغرماء ما بقي بدينهم. 15957 - ولو كان كل جزء من التركة مشغولًا بجزء من الدين لسقط من الدين بحصة الهالك. وتبين ذلك أن الدين لو ثبت بالبينة فتصرف بعض الورثة بنصيبه أخذ جميع الدين من الحاضر. ولو كان الدين منقسمًا عليها لم يؤخذ من الحاضر إلا مقدار نصيبه ولو كان في التركة عين ودين أخذ الغريم جميع ماله من العين ولم ينتظر خروج الدين بقدره [وتعلق كل جزء بجزء من المال يؤخذ من العين بقدره، ومن الدين بقدره] وليس هذا كالوصية؛ لأنه ثبتت مشتركة مع الوارث، بدلالة أنها إذا كانت بجزء مشاع ثم هلك بعض المال بطل من الوصية بقدره، فلذلك لا يستحق الموصى له من نصيب المقر جميع وصيته. 15958 - احتجوا: بأنه أقر بدين تعلق بمال مشترك فوجب أن يجب عليه بقدر حقه منه. أصله: العبد المشترك إذا أقر أحد الشريكين باستهلاك مال وجحد الآخر استوفى من نصيب المقر النصف، كذلك هذا. 15959 - قلنا: دين العبد في أحد النصيبين غير متعلق بالنصيب الآخر، بدلالة أن الدين لو ثبت ببينة ثم غاب أحد الشريكين لم يستوف جميع الدين من نصيب الآخر، وإذا أقر استوفى من نصيبه بقدره. وأما الدين فكل جزء من التركة مستحق بجميعه، بدلالة أنه لو ثبت بالبينة ثم غاب أحدهما استوفى من نصيب الآخر. وإذا أقر تعذر الاستيفاء من نصيب الآخر فصار كتعذر غيبته. 15960 - قالوا: ما ثبت بالإقرار في حق المقر كالثابت بالبينة. ومعلوم أن الدين لو ثبت بالبينة استوفى من نصيب أحدهما النصف كذلك إذا ثبت بالإقرار. 15961 - قلنا: إذا ثبت الدين بالبينة وتعذر الاستيفاء من أحدهما بعينه استوفى جميع الدين من الحاضر. فإذا أقر أحدهما فقد تعذر الاستيفاء من الجاحد، فوجب أن

يستوفى الجميع من المقر. 15962 - فأما إذا أقرا جميعًا أو قامت عليهما البينة وهما حاضران فقد أمكن استيفاء الدين منهما. 15963 - فلو قلنا: إن جميعه يستوفى من أحدهما، ويثبت له الرجوع على شريكه لم يكن في ذلك فائدة. 15964 - فقلنا: يأخذ من كل واحد منهما بمقدار نصيبه. 15965 - قالوا: لو وجب جميع الدين من نصيب المقر لم تقبل شهادته بالدين مع غيره، لأنه يدفع عن نفسه بهذه الشهادة مغرمًا ويتخلص من بعض [ما وجب] [عليه] فلما قبلت شهادته دل على أنه لا يجب عليه بالإقرار إلا مقدار نصيبه. 15966 - الجواب: أن أحد الوارثين عندنا لو أقر ثم شهد لم تقبل شهادته، لأنه يدفع شهادة بعض ما وجب عليه بإقراره فأما إذا ابتدأ فشهد فشهادته مقبولة، ولا يعتبر ما في ضمن شهادته؛ لأنه لو ثبت [لثبت بالإقرار] لا بالشهادة. 15967 - ألا ترى أن شهود الزنا في ضمن شهادتهم القذف، ولو تقدم القذف لم تقبل شهادتهم؛ لأنهم يدفعون بها الحد. ومتى لم يقذفوه حتى شهدوا جازت

الشهادة ولم يعتبر ما في ضمنها من دفع الحد. 15968 - الحد كذلك في مسألتنا على هذا: إذا ادعى الوكيل أنه باع وفي ضمن إقراره أنه انعزل- ولو انعزل لم يجز إقراره ولم يعتبر ما في ضمن إقراره- لتنافي الإقرار. 15969 - فإن قيل: من أصلنا على أحد القولين أن الشهادة ليست بقذف فلا تتضمن الشهادة دفع الحد. 15970 - قلنا: فكذلك الشهادة ليست بإقرار. فإن جاز أن يعتبروا ما في مضمونها من الإقرار جاز أن يعتبر ما في ضمن الشهادة من القذف بالزنا، ولا فرق بين الأمرين. 15971 - قالوا: وعلى القول الآخر أن الشهادة إذا لم تتم حد الشهود. 15972 - فنقول: لو تمت الشهادة لم يثبت القذف، فلم يكونوا بالشهادة دافعي مغرم ولو تمت الشهادة بالدين ثبت الدين فقد دفعوا مغرمًا. 15973 - قلنا: إذا تمت الشهادة لم يلزم الشاهد كل الدين، فلم يدفع بشهادته شيئًا، كما أن الشهادة إذا تمت بالزنا لم يثبت القذف، فلم يصر دافعًا بشهادته شيئًا، ولا فرق بينهما. 15974 - ولأن الدين إذا ثبت بالإقرار لم يجز أن يستوفى من نصيب الشريك باتفاق. وإذا ثبت بالبينة جاز أن يستوفى من نصيب الشريك إذا غاب الشاهد، ومع ذلك تقبل شهادته، ولا يصير كأنه شهد بأن شريكه تكفل عنه، بذلك تقبل شهادته ولا يصير دافعًا عن نفسه. ***

مسألة 797 هل إقرار الرجل بنسب ولد يثبت زوجية أمه الحرة؟

مسألة 797 هل إقرار الرجل بنسب ولد يثبت زوجية أمه الحرة؟ 15975 - قال أصحابنا: إذا أقر الرجل بنسب ولد ثم مات فجاءت أمه تدعي الزوجية وهي حرة كان لها الميراث. 15976 - وقال زفر: لا ميراث لها. 15977 - وبه قال الشافعي رحمه الله.

15978 - لنا: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (الولد للفراش وللعاهر الحجر) وهذا ولد موجب أن يكون أبوه زوجًا؛ ولأن نسب ولد الحرة يثبت من الميت فوجب أن يكون أبوه روحًا وبحكم بالزوجية. 15979 - ولا يلزم إذا قال: (وطئتها بشبهة، لأنه عرف بنسب غير النكاح ولأنها محصنة فلا يثبت نسب ولدها إلا من زوج، أصله إذا قال بنكاح. 15980 - ولا يلزم إذا أقر بولد من غيرها؛ لأنها محصنة وكذلك الموطوءة بشبهة غير محضة. 15981 - ولأن نسب ولد الحرة يثبت إما من نكاح أو من سبب محظور، ولا يجوز حمل أمر المسلم على الوطء المحظور من غير حاجة، فلم يبق إلا أن يحمل على الوجه المباح. وليس كذلك ولد الأمة، لأن نسب ولد الأمة يثبت من وجه مباح غير النكاح، وهو ملك اليمين [وليس بنا حاجة] إلى إثبات النكاح، ولأن الزوجية إذا ثبتت فإن ولد الزوجة [ثبت] نسبه من الزوج، وإن جاز أن توطأ بشبهة فثبت النسب من الوطء، وكذلك إذا ثبت نسب ولدها [ثبت النكاح وإن جاز أن توطأ بشبهة. 15982 - احتجوا: بأنه إقرار بنسب ولد] فلا يكون إقرارًا بنكاح أمه. أصله، إذا لم تعرف حريتها. 15983 - قلنا: هناك يجوز أن يثبت النسب من وجه مباح غير النكاح فلم يكن بنا حاجة إلى إثبات النكاح، وفي مسألتنا لا يجوز أن يثبت النسب من وجه مباح إلا بالنكاح حتى لا يحمل وطؤها على وجه محظور. ***

كتاب العارية

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب العارية

مسألة 798 هل العارية مضمونة أو أمانة؟

مسألة 798 هل العارية مضمونة أو أمانة؟ 15984 - قال أصحابنا: العارية أمانة لا يضمنها المستعير لا بالتعدي. وهل يضمن بالشرط؟.

15985 - قال أبو سعيد: تضمن. وذكر ابن رستم عن محمد أنها لا تضمن. وذكر البقالي عن محمد أنه تأول حديث صفوان علي شرط الضمان. 15986 - وقال الشافعي: كل عارية مضمونة علي المستعير، وإن تلفت بغير فعله. وأما الأجزاء فغير مضمونة عندهم مع بقاء الأصل إذا تلفت بالاستعمال. 15987 - وأما إذا أتلفت الجملة بعد ذلك فالمذهب أنه يضمن القيمة يوم التلف، ولا يضمن الأجزاء. وقال ابن سريج يضمن الأجزاء معها.

15988 - لنا: ما روى همام عن عطاء بن أبي رباح عن صفوان بن يعلي عن أبيه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا أتاك رسلي فأعطهم ثلاثين درعًا وثلاثين

بعيرًا، قال: قلت يا رسول الله أعارية مضمونة أو عارية مؤداة؟ قال - عليه السلام -: بل مؤداة. ذكره أبو داود. 15989 - ويدل عليه حديث أبي أمامة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث، لا تنفق المرأة من بيتها إلا بإذن زوجها، فقيل يا رسول الله: ولا الطعام، قال: ذلك أفضل أموالنا ثم قال: العارية مؤداة والمنحة مردودة، الدين مقضي والزعيم غارم.

15990 - فوصف العارية بأنها مؤداة [ولا فرق بينها وبين الزعامة المقتضية العزم فهذا المنع تعلق الغرم بها، ثم وصفها بأنها مؤداة] وهذا مقيد، لقوله تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}. 15991 - وقد ذكر أصحاب الشافعي في هذا الخبر والعارية مضمونة. وهذا لا أصل له، وقد ذكر الخبر علي ما ذكره أبو داود والدارقطني. 15992 - ويدل عليه حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ليس علي المستعير غير المغل ضمان، ولا علي المودع غير المغل ضمان)،

وقد اعترض الدارقطني هذا الحديث فقال: رواه عمر بن عبد الجبار عن عبيدة بن حسان عن عمرو بن شعيب، وعمرو وعبيدة ضعيفان. وهذا ليس بصحيح لأن البخاري ذكر في تاريخه: عبيدة بن حسان السنجاري الجزري وذكر من روى عنه، لم يذكره بضعف ولا طعن، والبخاري لا يكاد يسلم عليه أحد.

15993 - وقال الدارقطني أيضًا إن هذا الخبر عن شريح ورواه بإسناده عنه، وهذا ليس بطعن، لأن شريحًا إذا أفتى بما أفتى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يقدح ذلك في رواية من روى. قوله: غير المغل هو الآخذ لغلته والقابض لفائدته. 15994 - قالوا: والخائن هو غال يقال: غل/ يغل غلولًا إذا خان. فأما الغل فهو من الغلة يقال: خراج يغل فلو أراد الخيانة لقال: علي المستعير غير الغال ضمان، والدليل علي أن أغل يغل من الغلة قول زهير: فتغلل لكم ما لا تغل لأهلها .... قرى بالعراق من قفيز ودرهم. 15995 - قالوا: وإذا ثبت أن المستغل استعملناه في موضوعين: أحدهما: قبل قبض العارية فلأنه لا ضمان عليه. والثاني: إذا كان عنده وديعة، فقال له السيد: متى اخترت أن تستخدمه عارية فافعل، فما لم يستخدمه فهو أمانة ووديعة، فإذا استعمله كان عارية مضمونة فههنا لا ضمان عليه قبل الاستعمال، فإذا استعمله ضمنه. 15996 - والجواب: أن المغل هو الخائن. 15997 - قال النمر بن تولب:

جزى الله عنى عمرة بن نوفل .... جزاء مغل بالأمانة كاذب بما حدثت عني الوشاة ليكذبوا .... علي وقد أوليتها في النوائب 15998 - وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا إغلال في الغنيمة). 15999 - وقال أبو عبيد يعنى الخيانة. 16000 - وقولهم: مغل معناه مستغل، لا يصح، لأن مفعل لا يستعمل مستفعل إلا في موضع المنقول عن أهل اللغة. وقول زهير: فتغلل لكم مالا يغل لأهلها، إنما قال، القرى تغل، وهي مغلة، ولم يقل إن أهلها مغلون. 16001 - ولو سلمنا ما قالوا كانت الحجة قائمة، لأنه يفضي إلى أن العارية غير مضمونة ما لم يستغلها، والاستغلال ليس هو الاستعمال وإنما هو الإجارة، وإن كان الاستعمال استغلالا اقتضى ألا [يضمنها قبل الاستعمال وعندهم يضمنها.

16002 - ولأن ما ذكروه ليس بعارية؛ لأنها لا] تصير عارية قبل القبض، ولأن مغلا صفة للمعير لا للمستعير، يقال أرض مغلة. ولا يقال رجل مغل للدار. 16003 - [قالوا]: حمله على نفي الضمان، وإنما أراد ضمان المعبر، ولأن الأجزاء عندهم مضمونة مع الأصل، إلا أن ضمانها سقط بالاستعمال. 16004 - قالوا معناه: أنه لا يجب عليه ضمان منافعها، وهو أجرة المثل، إلا أن يكون قد خان فيها واستعملها فيما لم يؤذن فيه، فيلزمه أجرة مثلها. 16005 - [قلنا] ظاهر الخبر يقتضي نفي ضمان الأجرة والعين، وحمله على ضمان الأجرة تخصيص. 16006 - ولأنه إذا أجر ولم يستعمل ضمن فيه لظهور الخيانة أيضًا بالاستعمال فيما لم يؤذن فيه. ولأنها عين أخذها دون مالكها لا علي وجه التمليك والوثيقة فلا تكون مضمونة له؛ أصله الوديعة. 16007 - وإن شئت ذكرت عبارة أصحابنا فقلت: لا علي وجه البدل والوثيقة. ولا يلزم الهبة الفاسدة؛ لأنه يقبضها على وجه التمليك. وعلى العبارة الثانية يقبضها بإذن من كان مالكها، ولا يلزم المقبوض بالسوم لأنه مأخوذ على وجه التمليك،

وعلي العبارة الثانية هو مأخوذ على وجه البدل، وإن شئت أسقطت من العلة ذكر الوثيقة وقلت: الرهن ليس بمضمون. وإنما يسقط الدين بهلاكه على قول أبي الحسن وأبي طاهر. 16008 - فإن قيل: على العبارة الثانية إن أردتم بقولكم قبضها لا على وجه البدل بدلًا مشروطًا بطل بالقرض، وإن أردتم بدلًا من طريق الحكم لم نسلم ذلك في العبارة، لأنها عندنا مضمونة يرد عينها أو قيمتها إذا تلفت. 16009 - قلنا: يريد أن الأخذ لم يقع لتحصيل البدل. 16010 - فإن قيل: ينتقض بمن دفع إلى رجل ألفًا على أن نصفه هبة ونصفه مضاربة فهلك ذلك، فإن الموهوب له لا يضمن نصف الألف الذي هو الهبة. ذكر هذا محمد في أصل المضاربة. 16011 - قلنا: لا يلزم، لأنا قلنا: عين قبضها، والمقبوض مشاع فليس بعين، وإن شئت أن تحترز بلفظ آخر قلت عين قبضها بإذن مالكها قبضًا صحيحًا. ولا يلزم الراهن إذا أعار الرهن فأخذه المستعير بغير إذن المرتهن، لأنا قلنا: فلا تكون مضمونة وههنا يضمنها للمرتهن لا للمالك.

16012 - فإن قيل: المعنى في الوديعة أنها غير مضمونة الرد، وليس كذلك العارية؛ لأنها مضمونة الرد فكانت مضمونة العين. 16013 - قلنا: ضمان الرد والعين قد ينفرد أحدهما عن الآخر، بدلالة أن المبيع مضمون في يد المشتري ولو تفاسخا كان مضمونًا، ورده ليس بمضمون؛ لأن أجرة النقل على البائع والمبيع مضمون على البائع، وأجرة المثل تنتقل إلى يد المشتري فيلزمه المشتري، ومن غصب صبيًا حرًا فهو غير مضمون عندهم ورده مضمون. والحربي إذا غلب على أموالنا ملكها عندهم، وإن هلكت لم يضمنها، وردها مضمون عليه. 16014 - قالوا: الوديعة أخذها لمنفعة صاحبها، والعارية أخذها لمنفعة نفسه. 16015 - قلنا: الوصي له بالخدمة أخذ العين لمنفعة نفسه ولا يضمنها. 16016 - ولأن الشافعي وافقنا أن أجزاء العارية إذا أتلفت بالاستعمال لم يضمنها. 16017 - ولنا من ذلك طرق في الاستدلال: 16018 - أحدها: أن كل عين لا يضمنها بالإتلاف لا يضمنها إذا تلفت. أصله: ملكه والعين الموصى بمنفعتها له، والعين المستأجرة. 16019 - ولأنه مأخوذ على وجه العارية فلا يكون مضمونًا. أصله: الأجزاء إذا أتلفها.

16020 - ولا يلزم إذا كانت لغير المعير؛ لأن العين والأجزاء تتساوى في الضمان، ولأن الإتلاف له من التأثير في الضمان ما ليس للتلف، بدلالة أن الوديعة لم تضمن بالتلف وتضمن بالإتلاف ثم لو أتلف الأجزاء بالاستعمال لم يضمنها، فإذا تلفت أولى أن لا يضمنها. 16021 - فإن قيل الأجزاء مضمونة عندنا وإنما سقط ضمانها، لأن المالك [أذن] في إتلافها. 16022 - قلنا: إذا كان الإذن في الإتلاف يسقط الضمان [فالإذن في القبض لا على وجه التمليك، والوثيقة يجب أن يسقط الضمان] أيضًا. 16023 - فإن قيل: لا يمتنع أن يختلف الضمان بالأجزاء والجملة، كما أن المبيع في يد البائع جملته مضمون يسقط الثمن بتلفها، وأجزاؤه غير مضمونة لا يسقط بتلفها شيء. 16024 - قلنا: هذا لا يلزم على لفظ علتنا. والفرق بينهما أن المبيع ضمن بالعقد فلم يضمن إلا ما يصح أن ينفرد بالعقد والأجزاء لا تنفرد بالمبيع فلا تنفرد بضمانه. 16025 - وأما العارية فضمانها عندهم يتعلق بالقبض، ويمكن إفراد الأجزاء بالقبض، فيمكن إفرادها بضمانه كالغصب. 16026 - فإن قيل: الرهن مضمون، وما زاد على مقدار الدين غير مضمون، فقد خالفت الأجزاء الجملة. 16027 - قلنا: غلط، مقدار الدين من الرهن مضمون الجملة والأجزاء، ومقدار الزيادة على الدين غير مضمون الأصل، والأجزاء فتساويا. و [لأنها عين أخذها ثمن عقد على منفعة فلم تكن مضمونة كالإجارة].

16028 - ولأنها عين أخذها ليستوفي منفعتها [من غير تعد فأشبه الموصي بخدمته ولأنها عين أخذها ليستوفي منفعتها] وردها كالمستأجرة. 16029 - ولأن العقد إذا كان يبدل فهو داخل في الضمان، كالعقد إذا كان بغير بدل. ألا ترى أن تمليك الرقبة ببدل يقتضي ضمانها على المشتري كالبيع، والتمليك بغير عوض لا يضمن قيمة الرقبة كالهبة. 16030 - ثم اتفقنا على أن العقد على المنفعة يبدل لا يضمن العين مستوفى المنفعة يبدل لا يضمن العين مستوفى المنفعة فلأن لا يضمن في العقد على المنفعة بغير عوض أولى. 16031 - فإن قيل: المبيع ملك المشتري فكيف يكون مضمونًا عليه؟. 16032 - قلنا: لو تفاسخا البيع كان المبيع مضمونًا على المشترى، ولو تفاسخا الهبة لم تكن العين مضمونة على الموهوب، وهذا يبين أن أحد القبض مضمون والآخر بخلافه. 16033 - قالوا: المستأجر لو ضمن رجع بالضمان على المؤجر فلا فائدة في تضمينه، والمستعير لا يرجع بما يلحقه من الضمان على المعير، فلذلك لزمه الضمان. 16034 - قلنا: الموصى له لا يرجع بما يلحقه من الضمان على الموصي، ولا في ماله. ومع ذلك لا يلزم الضمان. ولأن ولد المرهونة وولد المبيعة كل واحد منهما غير مضمون على ما حدث في يده. وإن كان المشتري يرجع بقيمة الولد عند الاستحقاق وإذا كان منه والموهوب لا يرجع، فعلم أن الرجوع وعدم الرجوع لا يدل على إيجاب الضمان ولا نفيه، لكن المشتري يرجع بما يلزمه من قيمة الولد. لأن البائع يستحق بدلًا على المشتري بإزاء ملكه فصار غارًا له بذلك، فلا يرجع بما يلحقه من الضمان، والمعير ملكه المنافع متبرعًا بها فلم يصر غارًا له بذلك فلا يرجع بما لحقه من الضمان، وطريقة أخرى في المسألة: وهو أن المستأجر إذا أعار ما استأجره من إنسان لم يخل أن يضمن المستعير أو لا يضمن. 16035 - فإن قالوا: لا يضمن.

16036 - قلنا: إعارة غير المالك إذا أسقطت الضمان فإعارة المالك أولى أن تسقط الضمان. 16037 - فإن قالوا: إن المستعير يضمن. 16038 - [قلنا]: لم يصح، لأن المستعير من المستأجر يملك الشيء بحكم الإجارة، بدليل أن المؤجر يستحق الأجرة بإمساكه، ويستحيل أن يكون الشيء في يد الإنسان بحكم الإجارة من المالك ويكون مضمونًا عليه. 16039 - احتجوا: بما روي ابن أبي مليكة عن أمية بن صفوان عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعار منه درعًا فقال: أغصبا يا محمد؟ قال: بل عارية مضمونة مؤداة. 16040 - وصفوان كان كافرًا جاهلًا بالأحكام، فبين له - صلى الله عليه وسلم - أنها ليست غصبًا، وإنما هي عارية، ولم يكن له حكم العارية في شريعته فدل/ أن من حكم العارية الضمان. 16041 - الجواب: أن أمية بن صفوان هو أمية بن صفوان بن عبد الله بن صفوان

ابن أمية، ذكر هذا البخاري. 16042 - فصفوان بن أمية صاحب القصة جده لأبيه، فإذا قال في الخبر عن أبيه فهو مرسل. 16043 - والثاني: أن هذا الخبر لم يرده بلفظ الضمان إلا شريك بن عبد الله القاضي عن عبد العزيز بن رفيع عن أمية بن صفوان قال أبو داود هكذا رواه يزيد بن هارون عن شريك ببغداد وفي روايته بواسط على خلاف

هذا. 16044 - وهذا قدح في الخبر. 16045 - الثالث: روى جرير بن عبد العزيز بن رفيع عن أناس من آل عبد الله ابن صفوان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يا صفوان هل عندك من سلاح؟ قال: أعارية تأخذها أم غصبًا؟ قال: لا، بل عارية. فأعاره ما بين الثلاثين إلى الأربعين درعًا. وغزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حنين. فلما هزم المشركون جمعت دورع صفوان وفقد منها أدرعا، فقال عليه الصلاة والسلام لصفوان: قد فقدنا من أدرعك درعًا فهل نغرم لك؟ قال يا رسول الله في قلبي اليوم ما لم يكن يومئذ. 16046 - وروى أبو الأحوص عن عبد العزيز بن رفيع عن عطاء عن أناس من

آل صفوان قال: استعار النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر معنى حديث جرير فقد خالف جرير وأبو الأحوص شريكًا في [إسناد الخبر]. 16047 - فرواه جرير عن عبد العزيز بن رفيع عن أناس من آل صفوان، [ورواه أبو الأحوص عن عبد العزيز بن رفيع عن عطاء عن أناس من آل صفوان] وخالفا جميعًا شريكًا في متنه فلم يذكرا الضمان. 16048 - ومتى اختلفوا على عبد العزيز بن رفيع [تطرق الاحتمال]، وأبو الأحوص أثبت من شريك؟! 16049 - قال البخاري: سمعت أبا بكر بن الأسود يقول: سمعت عبد الرحمن ابن مهدي يقول: أبو الأحوص سلام بن [سليم] الحنفي الكوفي أثبت من شريك

ابن عبد الله القاضي وأخرج البخاري جريرًا وأبا الأحوص في الصحيح، ولم يخرج شريكًا؛ فالرجوع عند الاختلاف إلى الأثبت أولى، ورواية اثنين عن عبد العزيز بن رفيع أولى من رواية واحد. 16050 - الرابع: قد عارض هذا رواية همام عن قتادة عن عطاء بن أبي رباح عن صفوان بن يعلي عن أبيه قال: قلت يا رسول الله أعارية مضمونة أو عارية مؤداة؟ قال: بل مؤداة، وهذا نص في نفي الضمان فلا يكون الرجوع إلى ما رووه في حديث شريك من إثبات الضمان بأولى مما في حديث قتادة من إسقاطه. وقد وافق قتادة أبو الأحوص وجرير، ولم يوافق شريكًا أحد. 16051 - الخامس: أنا لو سلمنا ذكر الضمان لم يكن فيه دلالة، لأن عندنا العارية مضمونة الرد، وعندهم العارية مضمونة بالهلاك والخير يقتضي ثبوت الضمان، فليس ما يقولونه أولى منا نقوله. يبين ذلك: أن العارية اسم للعقد لا للعين. هذا هو الحقيقة، والعقد لا يوصف بالضمان، فلم يكن بد من الانصراف عن الظاهر فليس بأن يحمل على العين بأولى من حملنا له على الرد. 16052 - فإن قيل: النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل الضمان صفة للعين. 16053 - قلنا: لم نسلم؛ لأنه وصف به العارية، والعارية ليست العين فلم يبق لهم ظاهر.

16054 - فإن قيل: ضمان الرد قد فهم بقوله: مؤداة. 16055 - قلنا: مؤداة يقتضي وجوب الرد، فأما ضمان أجرة المثل فلا يفيده. 16056 - ألا ترى أن الوديعة [أمانة] فالأمانات أمر الله تعالى بأدائها ولم يدل ذلك على ضمان أجرة الرد. 16057 - الجواب السادس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذه بغير رضاه، بدلالة قوله أغصبا تأخذها يا محمد؟ وهو رجل من أهل اللغة لا يسمي العارية المأخوذة بالإذن غصبًا، وإنما ذلك اسم للمأخوذ بغير إذن المالك، فبين له عليه الصلاة والسلام أن ذلك ليس بغصب، وإنما هو عارية أذن الشرع فيها مضمونة؛ لأنها أخذت بغير رضاه. وعندنا: للإمام إذا احتاج إلى السلاح أن يأخذه بغير طيب نفس أصحابه ويضمنه لهم. 16058 - فإن قيل: في الخبر استعار. 16059 - قلنا: استعار معناه طلب العارية، وكذلك يفعل الإمام، فإذا امتنع المالك من الدفع أخذها بغير إذنه، وكانت عارية مباحة بالشرع، يتعلق بها الضمان. 16060 - الجواب السابع: أن أبا سعيد البردعي قال: إن العارية إذا شرط فيها الضمان ضمنت، وقد شرط عليه السلام الضمان. 16061 - قالوا: لو كان مقتضاها الأمانة لم يضمن بالشرط، كما لا يضمن الوديعة بالشرط.

16062 - قلنا: الوديعة يمسكها لمنفعة صاحبها، فلا يجوز أن يضمنها. ولو ضمنها دفع بالضمان، فلا معنى لإثباته، والعارية [يمسكها] لمنفعة يختص بها، فيصح إن شرط ضمانها، لأنه إذا ضمن لم يرجع بالضمان فكان في شرطه فائدة. 16063 - الجواب الثامن: قال محمد بن مقاتل الرازي: صفوان بن أمية كان كافرًا مستأمنًا، أخذت له زوجته الأمان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمستأمن في دارنا على حكم دار الحرب، يجوز له من الشرط ما لا يجوز للمسلمين ولهذا لا يلزم عليه الحدود لتبعيته على حكم الحرب، فلهذا شرط عليه الصلاة والسلام له ضمان العارية، وإن كان ذلك لا يجوز اشتراطه للمسلمين. 16064 - وذكر الطحاوي في الاختلاف عن محمد بن عباس الرامي أنه تأول الخبر فقال: لأنه كان حربيًا فشرط ذلك له.

16065 - فإن قيل: مكة يومئذ كانت دار الإسلام والشروط التي تجوز مع أهل الحرب إنما تجوز في دار الحرب. 16066 - قلنا: قد بينا أن المستأمن على حكم دار الحرب، فيصح أن يشترط معه ما لا يجوز للمسلمين، ولهذا يجوز للإمام أن يأخذ أموالهم رهينة، وإن لم يجز ذلك مع المسلمين. 16067 - الجواب التاسع: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمن أهل مكة في أنفسهم بقوله: (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن) ولم يتعرض لأموالهم بشيء فكانت موقوفة على حكم أموال أهل الحرب، فأخذها النبي - صلى الله عليه وسلم - على هذا الوجه، وشرط له الضمان بإبقائه على الإسلام، ولهذا جاز الأخذ بغير رضاه حتى قال: يا محمد؟ 16068 - الجواب العاشر: إن محمد بن جرير الطبري ذكر أن هذه الأدرع لم

تكن لصفوان وإنما كانت في يده لغيره، فأخذها النبي - صلى الله عليه وسلم - بإذن صفوان، فلم يسقط ضمانها في حق مالكها، فقال عليه الصلاة والسلام بل عارية مضمونة لهذا المعنى. 16069 - الجواب الحادي عشر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما رد الأدرع فقد بعضها، فقال لصفوان: إن شئت غرمناها لك، فقال صفوان: لا أنا اليوم أرغب في الإسلام من ذلك اليوم، ولو كانت مضمونة لم يخير صفوان في الضمان، ولم يقنع منه بقوله حتى يؤدى إليه المضمون أو يبرئه منه. يتبين ذلك أنه عليه الصلاة والسلام اقترض من عبد الله بن ربيعة ثلاثين ألف درهم، فلما أراد أن يعطيه أبى أن يقبل. فقال عليه الصلاة والسلام: إنما جزاء القرض الوفاء والحمد. 16070 - احتجوا: بقوله عليه الصلاة والسلام: (إن الله [قد] أعطى كل

ذي حق حقه فلا وصية لوارث. العارية مضمونة والمنحة مردودة) وهذا الخبر ليس فيه ذكر الضمان. 16071 - ذكره الدارقطني وأبو داود، وكذا رويناه، وجعلناه حجة لنا. ولو ثبت حملناه على ضمان الرد، وعلى عارية المكيل والموزون، وعلى عارية الرهن للمرتهن بغير رضا المرتهن. 16072 - قالوا: روى قتادة عن الحسن عن سمرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: علي اليد ما أخذت حتى تؤديه. 16073 - قلنا: لا دلالة فيه، لأنه يقتضي وجوب رد المأخوذ، وهذا متفق عليه. والخلاف في رد البدل، والخبر لا يدل على ذلك.

16074 - قالوا: روي أن عائشة رضي الله عنها استعارت قصعة وانكسرت فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يغرم لها قصعة مثلها. 16075 - قلنا: الذي روي أن صفية رضي الله عنها حملت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - طعامًا في قصعة فكسرتها عائشة رضي الله عنها، وليس يمتنع أن يكون كسرتها ويقال انكسرت، لأنهم يقولون كسرته فانكسر، ولو ثبت أنها كانت عارية انكسرت بنفسها احتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بذلك على طريق حسن العشرة وتطمين القلب ولو كان على وجه الوجوب لضمنت بالقيمة، لأن القصعة لا تضمن بمثلها. 16076 - قالوا: روي عن ابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم أنهما قالا: العارية

مضمونة ولا مخالف لهما. 16077 - قلنا: ذكر الطحاوي بإسناده عن علي - رضي الله عنه - أنه كان لا يضمن العارية، ويقول: هي معروف، وذكر عن ابن عمر عن عمر - رضي الله عنه - مثله. 16078 - قالوا: مقبوض بغير استحقاق لنفسه له الانتفاع به، فوجب أن يكون هلاكه من ضمانه، كالقرض. 16079 - وقولهم: بغير استحقاق احتراز من الإجارة والموصى بخدمته. 16080 - [وقولهم]: لنفسه احتراز من الشركة والمضاربة والوكالة. 16081 - [وقولهم] له الانتفاع به: احتراز من الوهن. 16082 - الجواب: أن القبض لا يستحق. إنما يخالف المستحق متى لم يكن جائزًا، وأما إذا جاز القبض وأذن فيه فالاستحقاق/ وعدم الاستحقاق سواء، وينتقض

بالمقبوض على سوم الإجارة إذا قال استعمله والأوصاف موجودة، ولا ضمان. 16083 - ومعنى قولنا: إنه مقبوض بنفسه أنه يقبضه حتى ينظر هل يصلح له أم لا؟ وهذه منفعة يختص بها ولا شبهة في أنه غير مضمون، لأنه مقبوض على سوم عقد لا يقتضي الضمان. والمعنى في القرض أنه قبضه ليتملكه بالعوض، فكان مضمونًا عليه. والعارية قبضها بإذن مالكها لا يملكها ولا يقضي بها حقا عليه فلم يكن مضمونًا كالإجارة والوديعة. أو نقول: لفظ العوض موضوع لوجوب المثل. يقولون: الأيادي من فرض، بمعنى من أسدى معروفًا وجب له مثله. وإذا اقتضى اللفظ وجوب المثل كان مضمونًا. والعارية أخذها بإذن مالكها، لا ليمتلكها ولا ليقضي بها حقا فلم تكن مضمونة. 16084 - قالوا: كل مال ضمن بالرد ضمن بالقبض، كالمأخوذ على سبيل السوم. وعكسه الوديعة والمضاربة والشركة والعين المستأجرة. 16085 - قلنا: يبطل بمن استأجر رجلا ليحمل له حمولة في منزله فالمتاع مضمون الرد على الحمال، وليس مضمون العين، [والحربي إذا غصب من المسلم مالًا فليس بمضمون العين] وهو مضمون الرد عندهم لأنه لا [يملكه] بالغلبة وكذلك عن أصلهم إذا غصب صبيا حرًا فهو مضمون الرد عندهم، وليس بمضمون العين. 16086 - ولأن ضمان الرد إنما يجب لمعنى، وهو أن المالك لا منفعة له في قبض المستعير، وإنما انفرد بالمنفعة فلم يجز تكليف المالك مؤنة، وعليه ضمان العين للتعدي في الأجرة أو القبض للتمليك أو للقضاء، وهذا لم يوجد في العارية. والمعنى في المقبوض على وجه السوم أنه يشبه لو قبض به الموصى له ضمن، كذلك إذا قبض به غير الموصى له ضمن، بيانه: أن رجلًا لو أوصى أن يباع عبده من فلان، فمات الموصي، ودفع إلى الموصي له لينظر هل يصلح له أم لا، فهلك في يده كان مضمونًا عليه. وأما العارية فهو تسليم العين على طريق التبرع بمنفعتها وهذا المعنى لو وقع إلى الموصى له لم تصر العين مضمونة عليه، كذلك إذا قبضها عن الموصى له علي ذلك الوجه لم تكن

مضمونة عليه. 16087 - قالوا: مقبوض عن عقد لا يتضمن زوال الملك فوجب أن يكون هلاكه ممن تكملت المنفعة له كالوديعة. 16088 - قلنا: يبطل بالعبد الموصى بخدمته. ونقلب فنقول: ألا يكون مضمونًا على القابض، كالوديعة؟ 16089 - قالوا: المستعير من الغاصب إذا ضمن لصاحبه لم يرجع على الغاصب. فوجب إذا قبضه من صاحبه لم يكن مضمونًا. أصله: القبض لشراء فاسد على سبيل السوم وغصبه من الغاصب. وتحريره أن كل ما قبضه من الغاصب ضمنه لصاحبه، ولم يرجع على الغاصب، فإذا قبضه من صاحبه كان مضمونًا عليه، أصله ما ذكرنا. 16090 - قلنا: الرجوع فيما لزمه من الضمان ليس من وجوب الضمان في شيء، لأن الرجوع إنما يكون لأجل الغرور بإيجاب عقد فيه بدل أو يقتضي نفعه [ولا يوجد في قبض المستعير، لأن قبضه نفعه لمنفعة نفسه] بغير عوض؛ فلهذا لا يرجع. وإنما عليه الضمان بأن يكون القبض وقع بغير رضا المالك أو على وجه التملك ببدل، أو قضاء الحق، وهذا لا يوجد في العارية. 16091 - فإن قيل: إذا كان قبض المستعير لنفسه فيجب أن يتعلق به الضمان، إذا أعار [الغاصب] أقبض المودع الذي وقع قبضه للمالك. 16092 - قلنا: يبطل هذا بقبض الموصى له الخدمة. 16093 - فإن قيل: هناك القبض مستحق بدلالة أن الورثة لا تملك الرجوع.

16094 - قلنا: ليس بمستحق بدلالة أن الموجب له، وهو الموصي، يملك الرجوع فيه وإنما يتعذر عليه ما كان يملكه بموته ولم يتعذر على المعير، فلا فرق بينهما. وأمس العلة المقبوض على وجه السوم وبيع فاسد، وقد بينا الفرق بين ذلك وبين العارية، وهو أن ذلك يشبه لو قبض به الموصى له كان مضمونًا وبدل المنافع على وجه التبرع سبب لو قبض به الموصي لم يكن مضمونًا، وإن جعلوا الأصل الغصب. 16095 - والمعنى فيه أنه قبض تضمن به الأجزاء فضمنت به العين، وهذا القبض لا يضمن به الأجزاء على ما قدمنا فلا يضمن به العين. أو نقول المعنى في الغصب أنه مأخوذ على جهة التعدي فكان مضمونًا على القابض. 16096 - وفي مسألتنا مأخوذ بإذن المالك لينتفع بالعين ويردها، فلم يكن مضمونا كالمستأجر والموصى بخدمته. 16097 - قالوا: العارية على ضريين: عارية المكيل والموزون، وعارية المنافع، فإذا كان يقتضي أحدهما الضمان كذلك الآخر.

16098 - قلنا: عارية المكيل والموزون قرض عبر عنه بالعارية فله أحكام القرض، وإن عبر عنه بغير عبارته، كما أن النكاح ينعقد عندنا بلفظ الهبة، ويكون له أحكام الأنكحة لا أحكام الهبات. ***

مسألة 799 حكم من أعار أرضا ليبني فيها أو يغرس

مسألة 799 حكم من أعار أرضا ليبني فيها أو يغرس 16099 - قال أصحابنا: إذا أعاره أرضًا ليبني فيها ويغرس فبنى وغرس، وقد أطلق العارية، فله الرجوع ومطالبته بقلع البناء والغراس، ولا ضمان عليه. 16100 - وإن وقت العارية فرجع قبل مضي الوقت كان له المطالبة بالقلع ويضمن النقصان. وإن مضت المدة فطالبه بالقلع فليس عليه ضمان. وكذلك الإجارة إذا انتقضت وفي الأرض بناء أو غراس فله المطالبة بالقلع، ولا ضمان عليه. 16101 - وقال الشافعي: إذا كانت العارية مطلقة لم يقلع إلا بشرط الضمان. وكذلك إن كانت مؤقتة، فمضت المدة. وكذلك الإجارة إذا انقضت لم يلزم المستأجر إلا بشرط الضمان، إلا أن يكون شرط أنه يقلع بعد مضي المدة.

16102 - لنا: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: المنحة مردودة والعارية مؤداة وهذه عارية فيجب أن تكون مؤداة في كل حال. 16103 - وهذا لا يكون حتى يرد مواضع البناء والغراس ولأنه لم يوجد غرر من المعير فله أن يطالبه بقلع الشجر من غير ضمان، أصله إذا شرط في العارية القلع وعكسه إذا طالب بالقلع قبل مضي المدة. 16104 - فإن قيل: لا نسلم أنه لم يغرره؛ لأن البناء والغرس يراد للتأييد فالظهر أنه أبد العارية. 16105 - قلنا: العارية لا يصح التأييد فيها وما لا يصح لا يجوز أن يقتضيه العقد، ولأن الغرس قد يقصد به التأييد وقد لا يقصد فلم نسلم لهم ما ذكروه، ولأنه شغل العارية بما لا غاية لقلعه فيجبر على قلعه، أصله إذا بدل النقصان.

16106 - ولأنه لم يوقت العارية فكان له المطالبة بالقلع من غير ضمان. أصله إذا أطلق، وإن أذن له في الغراس فبنى. 16107 - ولأنه استأجر، فإذا مضت المدة لم يجز أن تتأبد يده فيما استأجر، كمن استأجر للسكنى. 16108 - احتجوا: بقوله عليه الصلاة والسلام (وليس لعرق الظالم حق) دليله أن عرق غير الظالم له حق، فوجب أن لا يقلع. فإذا مضت المدة فهو ظالم لنفسه بالغرس في أرض المالك، فهو عرق ظالم في هذه الحال. 16109 - قالوا: غرس مأذون فيه له بشرط قلعه، فوجب أن لا يجبر على قلعه على وجه يضر بغارسه، كما لو أعاره للغراس سنة فطالبه بالقلع قبل مضيها. 16110 - قلنا: هناك لما سمى له المدة، والظاهر أنه يفي بوعده، فصار غارًا بذلك، فلزمه الضمان. فأما إذا مضت المدة فلا غرر؛ لأنه قدر له مدة الانتفاع، وعلم أنه قدر له ذلك ليخص العارية به. 16111 - فإن قيل: إنما قدر المدة حتى لا يتعدى بالغراس بعدها. 16112 - قلنا: غلط. الظاهر أن تقدير المدة ليختص الانتفاع بها، فلا يثبت له

حق فيما بعد. 16113 - قالوا: الظاهر أن الغراس يراد للتأييد، فحمل إطلاق العقد على ظاهره، ولم يجز له الرجوع كما لو أعاره موضعًا ليدفن فيه. 16114 - قلنا: عندهم لا فرق بين التوقيت وعدم التوقيت، فلا معنى للرجوع إلى العادة في التأييد، فأما الغرس فغير مسلم، وأما إذا أعاره له- للبناء فتجوز له المطالبة بالنقل من ملكه، ولو سلمنا فلأن النقل بالتراضي ممنوع منه، وليس كذلك في مسألتنا؛ لأنه بالتراضي غير ممنوع منه. ***

مسألة 800 رد العارية

مسألة 800 رد العارية 16115 - قال أصحابنا: إذا رد العارية إلى منزل صاحبها، كما لو كانت دابة فردها إلى اصطبله أو إلى عبده أو إلى زوجته كان ذلك ردًا صحيحًا، ولم يلزمه ضمان. 16116 - وقال الشافعي: لا يبرأ حتى يردها إلى يد مالكها أو وكيله. 16117 - لنا: حديث سمرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (على اليد ما أخذت حتى ترده) وهذا قد رد.

16118 - فإن قيل: المراد به حتى ترد إلى المالك. 16119 - قلنا: قد يبرأ بالرد إلى وكيل المالك والمولى عليه. 16120 - فإن قالوا: يضمن جميع ذلك. 16121 - قلنا: فنحن نضمن الرد المعتاد، وهو أخص مما أضمرتم فكان أولى. 16122 - ولأنه رد العارية إلى الموضع الذي يعتاد كونها فيه، فوجب أن يبرأ من ضمان الرد. أصله إذا رد وهو حاضر. ولأنه إذا ردها إلى من جرت العادة بالرد عليه فأشبه إذا ردها إلى صاحبها. 16123 - ولأنه رد العارية إلى من يحفظ به العين في العادة فوجب/ أن يبرأ من ضمان الرد. أصله: إذا رد العارية إلى المالك. 16124 - احتجوا: بأن ما وجب رده وجب رده على مستحقه، أو من هو في مقامه بوكالة أو ولاية. ولأنه في منزله. أصله: الوديعة ومال المضاربة والمال الذي في يد الشريك والوصي والمسروق والمغصوب. 16125 - قلنا: الرد يعتبر فيه العادة، والودائع لم تجر العادة بردها إلى البيوت، وإنما ترد إلى المالك، والعواري قد جرت العادة بردها إلى منزل صاحبها وبرد الدواب إلى إصطبلها، فوجب أن تعتبر العادة في كل واحد من الأمرين.

مسألة 801 إعارة المستعار وإجارته

مسألة 801 إعارة المستعار وإجارته 16126 - قال أصحابنا: إذا استعار جاز أن يعير، إلا أن يشترط استيفاء المستعير للمنفعة، والعين مما يختلف باختلاف الاستعمال. 16127 - وقال أصحاب الشافعي: لا يجوز أن يؤجر قولًا واحدًا، وهل له أن يعير؟ على وجهين:.

16128 - لنا: أن التبرع في حالة الحياة تارة يقع بالأعيان وتارة بالمنافع، فإذا كان من تبرع عليه بعين وجاز له أن ينتفع بها بنفسه جاز أن ينقل الانتفاع إلى غيره، كذلك إذا تبرع عليه بالمنفعة. 16129 - ولأن التبرع بالمنفعة تارة يكون في الحياة وتارة بعد الموت بالوصية، ثم جاز للموصى له بالمنفعة أن يعير، كذلك المستعير. ولأنه عقد يدخله التوقيت فجاز أن ينقل المعقود له إلى غيره، كالإجارة. 16130 - ولأن الأعيان يصح تمليكها كالمنافع، ثم كان التبرع بالأعيان في حال الحياة تارة إباحة وتارة تمليكا، كذلك المنافع. 16131 - احتجوا: بأنه تبرع لم يتصل بالقبض كالهبة التي لم تقبض. 16132 - قلنا: قبض العين التي تستوفى المنفعة عند مخالفنا قبض لمنافعها فلم يصح هذا الكلام على أصله. فأما على أصلنا فإن قبض العين ثبت لجواز التصرف في المنافع بدلالة المستأجر. 16133 - قالوا: أما بالانتفاع على الصفة فلم يجز له أن يبيح لغيره، لأن ذلك استيفاء على غير الوجه الذي أثبت له. 16134 - قلنا: إذا أطلق العارية ولم يقل: إن تركت أنت فقد أباحه مطلقًا فلم يكن في ذلك استيفاء ماله بوجه، فأما إن أعير ركوبه فليس له أن يعير. ثم هذا تمليك وليس بإباحة. الدليل عليه: أن هذا العقد مختلف في تعلق الصحابة به، ولو كان إباحة لم يصح ذلك فيه.

16135 - ولأنه إذا ذكر فيه عوضًا كان تمليكًا. وكذلك إذا كان بغير عوض. ولأن العارية إذا علقت بالأعيان التي لا منافع لها كانت قرضًا. فلولا أن مقتضاها التمليك لم تملك بعقدها الأعيان. 16136 - ولأن عند مخالفنا يستحق لها اليد على التأييد؛ فلو كانت إباحة لم تتأبد اليد فيها. ولأن مطلق العارية يجوز أن ينقل به العين إلى حيث شاء؛ فلو كانت إباحة لم يجز النقل بالإطلاق، كمن أباح لغيره أكل طعامه. 16137 - فإن قيل: لو كان تمليكًا لجاز له أن يؤجرها. 16138 - قلنا: إنها لا تجوز؛ لأنه يؤدي إلى قطع حق المعير عنها، وهو يملكه على أن ينقطع حقه متى شاء أن يرتجعها. ***

كتاب الغصب

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب الغصب

مسألة 802 خرق الثوب

مسألة 802 خرق الثوب 16139 - قال أصحابنا: إذا خرق ثوبًا لغيره خرقًا كبيرًا فصاحبه بالخيار إن شاء ضمنه قيمة الثوب، ويسلم إليه الثوب، وإن شاء أمسكه وضمنه النقصان. وإن ذبح شاة فهي مثله في رواية الأصل. 16140 - وروى الحسن عن أبي حنيفة في الشاة إذا ذبحها [إن شاء]

ضمنه قيمتها وسلمها إليه، وإن شاء أخذها ولا شيء له. 16141 - وقال الشافعي: يضمنه القيمة ولا يضمنه النقصان.

16142 - لنا: حديث ابن عمر [- رضي الله عنه -] أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من كان له شريك في عبد أو أمة فأعتق نصيبه فإن عليه عتق ما بقى من حصص شركائه من العبد يقوم عليه قيمة عدل. 16143 - فحكم عليه الصلاة والسلام ببقاء ملك الشريك وأوجب على المعتق جميع قيمته نصيب شريكه؛ لأنه أتلف أعظم منافع ملكه. 16144 - وذكر الحسن بن زياد عن محمد بن الحسن: أن دهقانًا فقأ عين فرس لعروة البارقي فكتب بذلك إلى عمر - رضي الله عنه - وكتب عمر إلى سعد أن قوم الفرس صحيحًا فإن شاء الدهقان فليأخذه ويعطى قيمته وإن شاء فليعط عروة ربع ثمنه.

وهذا منه لم يذكره أحد. 16145 - ولأنه أتلف عليه المنفعة المقصودة من العين، فكان له أن يضمنه قد جميع قيمته. أصله إذا قطع يدي عبد [ضمن] القيمة. 16146 - وذكر الطحاوي في الخلاف: وأنه لا يضمنه، فعلى هذا نقول تلف بعض منافعه ولم يتلف جميعها. 16147 - ولأن كل عين لو أتلفها وجب عليه بدلها، جاز أن يجب قدر ذلك البدل بالجناية عليها مع بقاء عينها، أصله إذا غصب طعامًا فأكله أو شيرجًا وعسلًا فاتخذه خبيصًا. ولأنه بالذبح فوت الروح فجاز تضمينه جميع القيمة كما لو قتله. 16148 - فإن قيل: هناك قد أتلف جميع منافعها. 16149 - [قلنا]: لم نسلم، لأنه بقى الجلد والشعر والعظم. ولأن العين مضمونة في يد الغاصب ببدلها، فجاز أن يثبت لمالكها المطالبة ببدلها لأجل نقصانها كالمبيع في يد البائع إذا حدث به عيب. 16150 - فإن قيل: هناك ثبت الخيار بالعيب اليسير. 16151 - قلنا: لأن المشتري يستدرك [فائدة] في المطالبة بالقيمة عند حدوث العيب الكبير، وهو أخذ الثمن، وفي الغصب لا يستدرك في المطالبة بالقيمة عند حدوث العيب اليسير فائدة، لأن أرش العيب يدخل بين تقويم المقومين، والعيب الكبير لا يدخل بين تقويم المقومين فيغتفر استدراك الفائدة فيه، وكذلك ثبت الخيار. وإن شئت

جعلت أصل العلة المهر في يد الزوج، فلا تسلم المعاوضة لأنه لا يرد العيب اليسير 16152 - قالوا: البائع ضمن للمشتري سلامة المبيع من العيوب؛ ولهذا يرد عليه بالعيب الموجود قبل البيع، والغاصب لم يضمن سلامة العين من العيوب، ولهذا لا يثبت للمالك الخيار بعده، كما قبل الغصب. 16153 - قلنا: البائع لم يضمن السلامة، ولذلك اقتضى كون العيوب من ضمانه، كما اقتضى كونها من ضمان الغاصب فلا فرق بينهما، إلا أن العيب الحادث قبل الغصب كان في يد المالك فلا يثبت لأجله خيار له، وفي البيع كان في يد البائع، فيثبت الخيار لغيره. وهذا غير ممتنع. 16154 - احتجوا: بأنه أتلف جزءًا معينًا بجناية استقر أرشها فوجب أن لا يجب علي الجاني إلا أرشها، أصله الجناية اليسيرة. 16155 - وقولهم: جزءًا معينًا احتراز من غصب عبد وفقء [عين] عبده لأن التالف بالنار جزء غير معين. 16156 - وقولهم: بجناية استقر أرشها- احتراز من الطعام إذا أكله؛ لأن الجناية لم تستقر. 16157 - الجواب: أن إتلاف الجزء المعين وغير المعين يتساويان في الضمان وكذلك في إيجاب الضمان، وكذلك في كيفيته. 16158 - فأما قولهم: بجناية استقر أرشها فلا يصح، لأن ما استقر من الجنايات فر أولم يستقر سواء. 16159 - ألا ترى أن العيب في الطعام يجوز ببدل، فسقط الضمان، فإذا ثبت له

المطالبة بجميع البدل في جناية لم تستقر ففيما استقر أولى. 16160 - وأصلهم الجناية اليسيرة، والمعنى فيها أن أرشها يجوز أن يدخل بين تقويم المقومين فلا ينتقل استدراك الحق بالمطالبة بالبدل. 16161 - وهذا لا يوجد في العيب الكبير؛ لأنه لا يدخل بين تقوم المقومين فتيقن أنه يستدرك حقًا بأخذ البدل، فكذلك ثبت له المطالبة. ولهذا المعنى قلنا: يرد المبيع بالعيب اليسير، ولا يرد المهر به. 16162 - قالوا: جناية على بهيمة أو حيوان فلا يجب على الجاني إلا أرش ما جنى. أصله: إذا قطع يد حر، وإذا قلع عين دابة. 16163 - قلنا: المعتق لنصيبه من العبد جنى على ملكه، وضمن نصيب شريكه، ولم يجب عليه، ولأنه إذا ذبح الشاة فقد جنى على جميعها؛ لأنه أبطل أكثر المقصود منها، فلم يضمنه إلا ما جنى عليه. 16164 - فأما إذا قطع يد الحر فلأنه غير مضمون باليد، وإنما يضمن بالإتلاف، فما لم يتلف لم يضمن، والغصب مضمون باليد فيجوز أن يضمن قيمته ما لم يتلف إذا دخله نقص، وأما غير الدابة فغير مسلم على ما قاله الشيخ أبو عبد الله [رحمة الله عليه]. ***

مسألة 803 حكم قطع يدي العبد

مسألة 803 حكم قطع يدي العبد 16165 - قال أبو حنيفة رحمه الله: إذا قطع يدي عبد فالمالك بالخيار إن شاء ضمنه جميع القيمة وسلم العبد إليه، وإن شاء أمسك العبد ولا شيء له. 16166 - وقال الشافعي رحمه الله: يمسك العبد ويأخذ جميع قيمته. 16167 - لنا: أنها جناية على مملوك يصح تمليكه، فلم يسلم للمالك بها جميع القيمة مع بقاء المجني على ملكه كالثوب. 16168 - ولا يلزم إذا قطع يدي مدبر، لأنه يضمن ما نقص، ولا يلزم إذا غصبه فأبق منه، لأن الغصب لا يقال: إنه جناية في الإطلاق ولأنه مملوك لا يصح تمليكه.

16169 - ولأنه معنى يجب به جميع قيمة المملوك الفن فيجب تسلميه إذا سلمت القيمة له. أصله إذا وطئ جارية/ ابنه وادعى حملها. 16170 - فإن قيل: هناك القيمة بدل العين. 16171 - [قلنا]: لم نسلم، لأن في الموضعين القيمة بدل عن الرقبة عندنا. 16172 - فإن قيل: ضمان الإحبال لو حصل من جزء من الرقبة اقتضى نقل الملك من ذلك الحر في بدل الجارية المشتركة إذا وطئها أحد الشريكين، فكذلك إذا حصل في جميعها، وضمان الجناية لو حصل في إحدى اليدين لم ينتقل شيء من الرقبة، كذلك إذا حصل في جميعها. 16173 - قلنا: الاستيلاد في الجارية المشتركة دليلنا، لأنه ضمان بدل جميع ما هو على ملك الغير، فهو كمسألتنا. 16174 - فأما الجناية على إحدى اليدين فليست بسبب لضمان جميع ما هو على ملك الجاني، فصار كضمان العقد في الوطء فلا ينقل به شيء من الرقبة، وإن شئت قلت: إنه سبب يضمن به جميع ما هو على ملك الغير الذي يصح تمليكه فصار كوطء أحد الشريكين إذا ادعى الولد. 16175 - ولأن قدر قيمة العبد إذا وجب بالجناية أوجب زوال الملك عن الرقبة كالقتل. 16176 - ولأن كل عين لو أتلفها ضمن بدلها، فإذا استوفى قدر بدلها بالجناية وهي مما يملك وجب تسليمها إليه. أصله إذا خلط الزيت بالأرز. 16177 - ولأن ملك المولى من العبد مقدار قيمته، بدلالة أنه لو كان للتجارة لم يجب أكثر من ذلك، فلو ضمناه جميع القيمة وأبقيناه على ملكه زاد ملكه بالجناية، والجناية ليست من أسباب زيادة الأموال.

16178 - ولأن القيمة [بدل عن الرقبة، بدلالة أن المملوكات لا يجوز أن يكون جميع قيمتها بدلًا عن أجزائها التامة، لأن القيمة] لو كانت بدلًا عن اليدين لوجب بإتلاف الرقبة جميع القيمة كالحر إذا قطعت يداه. 16179 - ولما كانت الذمة في مقابلة الدين لم ينتقص بدل النفس بالقتل، وإذا ثبت أنها بدل [من] اليدين، فلو استوفى القيمة ولم يسلم العبد اجتمع في ملكه العوض والمعوض فيما يصح تمليكه بالعقود، وهذا لا يصح كالمبيع والثمن. 16180 - ولا يلزم إذا شرط تعجيل الأجرة في الإجارة فتعجلها؛ لأن المنافع ليست على ملك المؤجر. 16181 - فإذا حدثت ملكها المستأجر فلم يجتمع على ملك المؤجر البدل والمبدل. 16182 - ولا يلزم إذا جنى العبد في يد الغاصب ثم رده على مولاه فجنى، فدفعه المولى بالجنايتين، ويرجع على الغاصب بنصف قيمته إن كان ولي الجناية الأولى يأخذ نصف القيمة [وهو بدل عن النصف الذي سلم إليه فيجتمع له البدل والمبدل؛ وذلك لأن المولى يأخذ نصف القيمة] من الغاصب بدلًا عن نصف العبد، وقد خرج ذلك عن ملكه ثم يأخذه ولي الجناية الأولى بدلًا عما سقط حقه عنه من رقبة العبد بالمزاحمة، وأما أن يأخذه بدلًا عما يسلمه فلا، فإذا لم يجتمع له البدل والمبدل. 16183 - احتجوا: بأنها جناية على ملك، فوجب أن لا يكون من شرط أخذ أرشها تسليم المجني عليه، كما لو كان أرشها دون قيمة الملك.

16184 - قلنا: لا يمتنع أن يكون أخذ الأرش تمليك الضامن، ألا ترى أن رجلًا لو قطع يد العبد المغصوب كان للمالك [أن] يضمن الغاصب، ويملك بالضمان الأرش على القاطع ثم المعنى في الجناية إذا كانت توجب بعض القيمة أنه يجوز أن يجتمع على ملك الإنسان. بعض البدل مع بقاء المملوك على ملكه، كما يأخذ المشتري أرش العبد مع كون المبيع على ملكه. 16185 - ولا يجوز أن يرجع بجميع الثمن في الاستحقاق مع بقاء المبيع على ملكه. كذلك في مسألتنا. ولأن العبد لا يصير مستهلكًا بقطع إحدى اليدين، فبقى ملك المولى فيه مع الضمان وقطع اليدين استهلاك. 16186 - ولأن منفعة الجنس تعدم فصار كتلفه، ولا يجوز أن يبقى على ملكه مع السبب الذي يضمن به جميع بدله. 16187 - قالوا: كل عضوين يجب في كل واحد منهما على الانفراد أرش وجب فيهما معا أرش كل واحد كالإصبعين ويدي الحر. 16188 - قلنا: الواجب بإحدى اليدين بعض بدل الجملة، وذلك لا يجوز أن يجب في أبعاض المملوكات. 16189 - فأما الحر فدليلنا؛ لأن الدية لما وجبت في يديه لم يؤثر في نقصان بدل نفسه، وقد التزم مخالفونا في هذه المسألة إذا قطع اثنان كل واحد منها إحدى اليدين. 16190 - وهذا لا يلزم لأنهما إن قطعا معا وجب بقطعهما جميع القيمة، وكان من شرط ضمانهما تسليم العبد إليهما، وإن قطع إحداهما بعد الأخرى فالواجب بالجناية أولى من نصف القيمة، فلا يجب التسليم. ***

مسألة 804 أرش عين الفرس

مسألة 804 أرش عين الفرس 16191 - قال أبو حنيفة: في عين الفرس ربع قيمته، وفي عينيه جميع قيمته استحسانًا. 16192 - وقال الشافعي: فيها النقصان. 16193 - لنا: ما روى منصور عن إبراهيم قال: كتب قاضي البصرة

إلى شريح يسأله عن عين الدابة إذا أصيبت [ما فيها؟ فقال: قضى عثمان - رضي الله عنه - على عين الدابة إذا أصيبت ربع] قيمتها. 16194 - وروي عن شريح قال: كتبت إلى عمر في ذلك فكتب: إنا كنا ننزلها بمنزلة عين الآدمي، إلا أنه أجمع رأينا على أن فيها ربع الثمن. 16195 - وروي الحكم عن عمر وعلي رضي الله عنهما أنهما قالا: في عين الدابة ربع

القيمة ووجه الاستدلال أن عمر - رضي الله عنه - حكي عنه الإجماع. 16196 - ولأن عمر وعليًا رضي الله عنهما اتفقا على هذا الحكم من غير خلاف. 16197 - ولأن هذا الحكم لا يستدرك من جهة القياس، فإذا قاله الصحابة

حمل على التوقيف. 16198 - ولا يجوز أن يقال: يحتمل أنهما أوجبا النقصان، فبلغ هذا القدر كما روى عن أبي بكر وزيد رضي الله عنهما أنهما قالا: في العين القائمة ثلث الدية، لأن

قول عمر - رضي الله عنه -: كنا ننزلها بمنزلة عين الإنسان ينفى هذا، ولأنه كتب بذلك في دابة لم يشاهدها، فلا يجوز أن يكون قوم بعضها وهو [لا] يعرفها، ولأنه حيوان يستحق بنفسه جزءًا من المغنم، فوجب أن يكون في أعضائه ما يتقدر أرشه شرعًا كالعبد. 16199 - ولأن ما [لا] يؤكل أحد نوعي الحيوان، فوجب أن يكون فيه ما يتقدر أرش عينه كما يؤكل. 16200 - فإن قالوا: فوجب أن لا يتقدر أرش عينه بربع قيمته. 16201 - قلنا: هذا فرض في صحة التقدير، والكلام في نفس التقدير. ولأنه لو قال حيوان استقل الحكم به، فلا يحتاج إلى قوله أحد نوعي الحيوان. 16202 - احتجوا: بأنها جناية على بهيمة فلم يجب بها مقدار كما لو قطع يدها، ولأن كل حيوان لا يجب في أطرافه المقدر لم يجب في عينه مقدر كالغنم، ولأن عين الدابة لو تقدرت لتقدرت بنصف قيمتها كعين العبد. 16203 - الجواب: أن القياس في هذه المسألة مسلم، وإنما تركناه لقضاء الأئمة المهديين، والرجوع إلى قولهم عندنا أولى من القياس. وليس إذا لم يتقدر أرش اليد لم يتقدر أرش العين. لأن الحر تتقدر أطرافه، ثم يكون فيها ما لا يتقدر كاليد الشلاء،

ولا يمنع ذلك من تقدير الباقي، ولأن الفرس كثرت منافعها فأخذ شبها [من الآدمي شبهًا] من الشاة فأعطيناه الشبه من الأصلين فقدرنا عينه ولم نقدر بقية أطرافه. فأما الشاة فلا ينتفع بها إلا من حيث اللحم، والفرس ينتفع بعينه وظهره، فلكثرة منافعه وجب تقدير أرش بعض أعضائه. ***

مسألة 805 حكم زيادة العين المغصوبة

مسألة 805 حكم زيادة العين المغصوبة 16204 - قال أصحابنا: إذا زادت العين المغصوبة في يد الغاصب ثم نقصت لم يضمن الزيادة وإن استهلك هذه الزيادة. 16205 - فذكر الطحاوي عن أصحابنا [من الإملاء] عن أبي يوسف عن أبي حنيفة: [أنه لا تضمن الزيادة إلا أن يكون الاستهلاك قتلًا. 16206 - وروي محمد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة] أنه تضمن الزيادة بالاستهلاك. 16207 - وقال الشافعي رحمه الله: إذا غصب جارية تساوي مائة فزادت في يده بالتعليم أو

بالسمن حتى صارت تساوي ألفًا، ثم نقصت حتى صارت تساوى مائة فإنه يأخذها وتسعمائة معها، كما لو غصبها وفي تساوي ألفا فنقصت. 16208 - لنا: أنها زيادة لم تعتبر بالغصب فلا تضمن بفواتها في يد الغاصب، كما لو زاد سعرها ثم نقصت، أو كانت زيادة القيمة عند الغاصب ثم نقصت فردها. 16209 - فإن قيل: زيادة القيمة لو كانت موجودة عن الغصب لم يضمنها. كذلك إذا حدثت وزيادة البدن بخلاف ذلك. 16210 - قلنا: إذا جنى على زيادة السعر حال الغصب لم يصح هذه المعاوضة ثم الزيادة حال الغصب لا تضمن، لأنها غير مغصوبة. كذلك زيادة البدن الحادثة. 16211 - فأما زيادة البدن الموجودة حالة الغصب فهي مغصوبة فلذلك ضمنت. 16212 - ولأنها عين حدثت في يده بغير فعله مغصوبة فلم تحدث مغصوبة، أصله الثوب إذا ألفته الريح في حجره أو في داره، ولا يلزم الزيادة في بدل الصيد؛ لأنها تحدث أمانة، ثم يضمن بمعنى حادث. 16213 - فإن قيل: لو زاد الصيد أو ولد في يده وهو لا يعلم ضمنه، وإن كان لا يلزم رده. 16214 - قلنا: لا يضمنه هكذا قال أبو بكر الرازي وقد روى ابن سماعة عنهم: أنه يضمنه وليس بصحيح.

16215 - ولأنه عين حصلت في يده بفعله، وهلكت بغير فعله، فوجب أن لا بضمنها من غير منع. أصله ما ذكرنا. 16216 - وإنما قلنا من غير منع في الحكم لأنه لا تأثير له في الفرع، إذا كان المالك عندنا لو طالب بالعين المغصوبة فلم يردها لم يضمن/ زيادتها فلذلك لم يذكر المنع في الأصل. 16217 - ولا يحتاج إلى ذكر يوم المطالبة لأن المنع لا يكون إلا بعد المطالبة. 16218 - ولأنها زيادة غير متميزة لم يتناولها الغصب فلا يضمنها الغاصب به، أصله: زيادة السعر. 16219 - ولا يلزم إذا منعها لأنه لا يضمن به، ولا يلزم الولد إذا منع، لأنها زيادة متميزة. 16220 - ولأنه لا يضمن بالغصب الولد، وإنما المنع غصب آخر، والزيادة تضمن عندنا بغصب آخر، ولا يتصور ذلك إلا إذا ردها ثم غصبها. 16221 - ولأنه رد العين كما غصبها فلم يلزمه ضمان الزيادة التي فاتت بالغصب، أصله: إذا سمنت فنقصت قيمتها بالسمن ثم ذهب السمن فعادت قيمتها. 16222 - ولا يلزم الصيد؛ لأنا خصصنا الضمان بالغصب، ولا يلزم إذا ذهب السمن بفعله، لأن ذلك الضمان يجب بالإتلاف لا بالغصب. 16223 - ولا يلزم إذا رد الأمة زانية أو آبقة، لأنه لم يرد العين كما غصبها، لأن صفتها تغيرت، ولأن الأصل والفرع يستوي في ذلك. 16224 - احتجوا: بأنها زيادة في عين مغصوبة لو أتلفها الغاصب ضمنها، فوجب أن يضمنها وإن تلفت. 16225 - أصله: الزيادة الموجودة حال الغصب، أو أصله: إذا منعه ثم رده. 16226 - قلنا: قد يضمن بالإتلاف ما لا يضمن بالتلف، بدلالة الأمانات.

والمعنى في الزيادة الموجودة حال الغصب أنها مال حدث في يده فضمنها به، وهذه الزيادة حدثت بغير فعله فلم تحدث مضمونة وإن كانت [على] أصلهم إذا منعه ثم بذل، فالمنع لا يضمن عندنا الزيادة، فالأصل غير مسلم. 16227 - فإن قيل: علة الأصل تبطل بمن غصبها حاملًا فإنها زيادة حصلت في يده بفعله فلا يضمنها، وعلة الفرع تبطل بزيادة الصيد. 16228 - قلنا: الحمل لا تثبت اليد عليه، فلا يقال إنه حصل في يده بفعله، وإنما ثبتت يده على الأم. 16229 - الحاصل: أنه إن كان الحمل زيادة فيها ضمنها، وإن كان نقصانًا فيها فصفة النقص لا يوجب زيادة الضمان. 16230 - وأما علة الفرع فلا يلزم عليها إبطال زيادة الصيد؛ لأنها [لا تحدث] [زيادة الضمان، وأما علة الفرع فلا يلزم عليها زيادة] مضمونه. 16231 - فإن قيل: الزيادة وإن لم تحدث بفعله فقد حدثت بسبب إمساكه للعين المغصوبة. وإذا حصلت في يده بسبب من جهته على وجه التعدي تعلق به الضمان، كحفر البئر. 16232 - قلنا: غصبه وإمساكه ليس بسبب لحدوث الزيادة، فلم تحصل الزيادة في يده بسبب تعديه. وحفر البئر سبب الوقوع فقد حصلت الجناية بسبب هو متعد فيه، ثم يبطل ما قالوه بمن جلس في الطريق فألقت الريح ثوبًا في جحره، فإنه حصل في يده بسبب هو فيه غير متعد على فرض قولهم، ولا يحدث مضمونًا عليه.

16233 - قالوا: كل ما لو تلف في يد المبتاع من الغاصب ضمنه الغاصب فكذلك إذا تلف في يده، أصله الزيادة الموجودة حال الغصب. 16234 - قلنا: الوصف غير مسلم؛ لأن عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى: إذا باع الغاصب زائدة ضمن قيمتها يوم الغصب ويضمن المشتري قيمتها يوم قبضها. 16235 - فإن قالوا: كل ما يضمنه المشتري من الغاصب المغصوب منه ضمن الغاصب له، أصله: الزيادة الموجودة حال الغصب. 16236 - قلنا: المشتري من الغاصب قبض الثمن زائدة فضمن الزيادة بغصبه وأما الغاصب فله يغصب هذه الزيادة فلم يضمن بالغصب ما لم يغصبه وقد تكلمنا على الأصل. 16237 - قالوا: زيادة في عين مضمونة باليد المتعدية فوجب أن تكون مضمونة كالزيادة في الصيد في يد المحرم. 16238 - قلنا: يبطل بالمشترى إذا قبض المبيع بغير أمر البائع فزاد في يده ثم هلك ويبطل، بالجارية الموصى بها يحدث من أولادها إذا غصبها الموصى له فحملت في يده. 16239 - وأما زيادة الصيد فلا تحدث مضمونة عندنا، وإنما يتجدد ضمانها؛ لأن المالك لها حق الله تعالى طالبه بردها فضمن بترك الإرسال مع المطالبة. 16240 - والزيادة في مسألتنا لم تحدث مضمونة ولكنها تضمن عندنا متى حدث معنى يوجب ضمانها. 16241 - فإن قيل: الغصب قد أمر الله تعالى برده كما أمر برد الصيد فيجب أن يضمنه بالحبس.

16242 - قلنا: ضمان الغصب يجب لحق الآدمي، فالمعتبر بمطالبته. وضمان الصيد يجب لحق الله تعالى فالمطالبة من جهته هي المعتبرة. يبين ذلك أن الله تعالى أمر المودع برد الوديعة إذا عجز عن حفظها. ثم لا يضمنها، لأن المالك لم يطالبه، وقد أذن الله تعالى للمضطر أن يأخذ مال غيره، ولا يسقط ضمانه لأن المالك لم يأذن. 16243 - قالوا: الغاصب مأمور برد العين بزيادتها، فإذا لم يفعل حتى نقصت وذهب السمن ضمن؛ لأنه لو تلف في يده ما كان عليه رده. 16244 - قلنا: الوديعة يلزمه رد جميع أجزائها، فإذا نقصت فقد هلك في يده ما كان يجب عليه رده ولا ضمان عليه. وكذلك إذا اختلط الغصب بالوديعة فهو مأمور برد الغصب، وذلك لا يتميز من الوديعة، فهو مأمور برد الوديعة، وإذا هلكت الجملة ضمن الغصب دون الوديعة. ***

مسألة 806 ضمان منافع العين المغصوبة

مسألة 806 ضمان منافع العين المغصوبة 16245 - قال أصحابنا: لا يضمن الغاصب منافع العين المغصوبة إذا تلفت في يده أو استوفاها. 16246 - قال الشافعي: تضمن المنافع كالأعيان. 16247 - وحصروا المذهب فقالوا: كل منفعة تضمن بعقد الإجارة فإنها تضمن بالغصب. 16248 - لنا: ما روي أن جارية غرت رجلًا فتزوجها، فكانت عنده مدة، فولدت منه أولادًا ثم جاء صاحبها واستحقها فقضى عمر - رضي الله عنه - بالجارية لصاحبها بالعقد، وبقيمة الأولاد

ولم يقض بقيمة منافعها التي كانت في يده واستوفاها، فلو وجب لبينه لمستحقه. 16249 - وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - مثل ذلك، ولم يخالفهما أحد، فصار لشهرته إجماعًا، ولأنها منفعة استوفاها من غير عقد، ولا شبهة فلا يلزم شيء في مقابلتها. 16250 - ولا يلزم بدلها، كمن زنا بمطاوعة من غير عقد ولا شبهة فلا يلزمه شيء في مقابلتها. 16251 - فإن قيل: قوله من غير عقد ولا شبهة لا تأثير له؛ لأن المنافع لو استوفاها بشبهة لم يضمنها كمن ركب دابة فضمنها له. 16252 - قلنا: هذا الوصف [ليس] له تأثير فيمن زفت إليه غير امرأته، وفي من استوفاها بشبهة الإجارة. وإذا بينا تأثيره في هذين الوضعين لم يلزم بيان تأثيره في كل المواضع. 16253 - فلا يلزم من يرد آبقًا [لأن المالك لم يستوف المنفعة، وإنما ملك بدلها، ولأن جعل الآبق صفته وليس ببدل عبد] وإنما هو في مقابلة المنافع، كرزق القاضي ونصيب المضارب من الربح. 16254 - ولا يلزم الأب إذا وطئ جارية ابنه، لأنه استوفى المنفعة بشبهة الملك. 16255 - ولا يلزم إذا وصى الرجل بخدمة عبده ويعتقه بعد ذلك فأعتقه الوارث أنه يضمن للموصى له، لأن الوارث لم يستوف المنفعة، ولأنه لا يضمن المنفعة وإنما يضمن الرقبة فيشتري بالقيمة عبدًا فيخدمه. 16256 - قالوا: المطاوعة بذلت منفعتها له فلا يجب عليه عوضها، كما لو بذلت له قطع يدها.

16257 - قلنا: الأسباب التي يجب بها بدل البضع لا يسقط بدلها، كالمقبوضة، ولأن الأمة المطاوعة لا مهر لها، ولا يسقط حق مولاها. 16258 - قالوا: العاقلة لو دعت مجنونًا إلى نفسها فلا مهر لها، لبذلها. 16259 - قلنا: غلط؛ لأنها إن ضمنته المهر رجع به عليها، لأنها هي التي أدخلته في سبب الضمان، فمن حيث ثبت سقط. 16260 - ولهذا قالوا: إنه لو أكرهها وجب المهر، ولأنها نوع منفعة فلا تضمن باليد [أصله المنفعة]. بيان هذا: أن من غصب أمة فأمسكها، فقد فوت علي المولى وطأها في مدة الغصب ولا ضمان عليه. 16261 - قالوا: لأن منفعة البضع في يد المولى، بدلالة أنه لو زوجها جاز، واستحق المهر، ومنافع الأعضاء ليست في يده، بدلالة أنه لو عقد عليها لم يجز. 16262 - قلنا: [المولى يملك وطء الأمة]، كما أن عوضه قد يكون في المهر وهو ممنوع من العوض الذي هو الوطء، فكان يجب أن يضمن، كما لو بذل الغاصب تمكينه من استعمالها في وجه دون وجه. 16263 - ولأن تزويجه إنما يجوز ليس لأن منافع بضعها تحت يده لكن لأن صحة النكاح لا يقف علي إمكان التسليم، ولأنا لا نسلم أن العوض عن البضع يسلم له إذا زوجها، بدلالة أن الزوج لا يلزمه تسليم المهر إذا كان ممنوعًا من الزوجة. 16264 - قالوا: منفعة البضع غير مقدرة بالزمان [فلم يفوت على المولى شيئًا،

لأنه يطؤها بعد ردها، ومنفعة الأعضاء مقدرة بالزمان]، بدلالة أن العقد يقع فيها على المدة وينقسم عليها، فإذا حبسها فقد أتلف منفعتها. 16265 - قلنا: إذا حبسها فقد أتلف منفعة البضع، ومنع المولى في المدة، وإمكان الوطء في الباقي لا يمنع ضمان التالف في يد الغاصب، كما لو وطئها ضمن عندهم، وإن كان المولى يطؤها في الثاني، ومنفعة الوطء لا تتقدر بالزمان. 16266 - [ولأن/ منفعة الأعضاء في حق المالك لا تقدر بالزمان] وإنما تتقدر في حق المستأجر، ولهذا لو حبس البائع المبيع بغير حق لم يسقط شيء من الثمن، وإن حبس المؤجر سقطت الأجرة، فلا فرق بين منافع البضع، والأعضاء حق المالك. 16267 - ولأن كل سبب يضمن به المنفعة يستوي فيه منفعة الحر والعبد. أصله: الإجارة الصحيحة والفاسدة. ومعلوم أن من حبس حرًا صانعًا وحال بينه وبين العمل لم يضمن أجرته، كذلك إذا حبس عبدًا أو منعه من مولاه، وهذا أصل مسلم، وزعموا أنه هو المذهب. 16268 - قالوا: وقال ابن شريح من أصحابنا: من قال يضمن منفعة الحر فليس بمذهب، وهو فاسد، لأن المنافع تتولد عن رقبة الحر فلا يضمن بالغصب، كالولد. 16269 - فإن قيل: الحر لا تضمن رقبته بالغصب، كذلك منفعته 16270 - قلنا: لأنها لا تضمن بالعقد، والمنافع تضمن بالعقد. 16271 - فإن قيل: منافع الحر تحت يده فلا يضمنها الغاصب، كما لا يضمن ما

عليه من الثياب والحلي، فيضمنها الغاصب. 16272 - قالوا: وكذلك لو غصب جملًا، وعليه متاع، ومالكه فوقه لم يضمنه. ولو كان عبده فوقه ضمنه. 16273 - قلنا: منافع الحر في يده كما أن منافع العبد في يده، والغاصب يحسبه بمنافعه فكل واحد من المنتفعين فاتته المنفعة، فلا فرق بينهما. وما ذكره من المسألتين لانسلمه، فلا يضمن عندنا المتاع إذا كان عند مالكه عليه، ولا يضمن ثياب العبد المغصوب إذا لم تزل يده عنها، كما لا يضمن ثياب الحر. 16274 - ولأنه لا تضمن منفعة بضعها فلا تضمن منفعة أعضائها، كالجارية المستعارة. 16275 - ولأنه رد العين على الصفة التي غصبها، فلم يلزمه بدل شيء من منافعها بالغصب. أصله إذا غصب دراهم أو دنانير. ولا يلزم إذا وطئ الجارية بشبهة؛ لأن العقد لا يلزمه بحكم الغصب. 16276 - ولأن الغصب سبب يضمن به الرقبة فيتضمن به المنفعة كالقتل والغرور. 16277 - احتجوا: بقوله تعالى: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}. 16278 - قلنا: حقيقة اللفظ يقتضي الاعتداء على الأنفس دون الأموال. ومن حكم اللفظ أن يحمل على حقيقته، ولا يحمل على مجازه إلا بدليل. 16279 - قالوا: كل ما يضمن المسمى في العقد الصحيح يضمن بالغصب كالأعيان. ولا يلزم منفعة الحر؛ لأنه يضمن بالغصب إذا أكرهه على العمل. 16280 - قلنا: قد يضمن بالعقود ما لا يضمن بغيرها، بدلالة أن منافع البضع مضمونة على المرأة بالخلع ولا تضمنها بغيره، كذلك إذا باعه عينًا قيمتها مائة بمائتين فما

زاد على مقدار القيمة يضمن بالعقد ولا يضمن بالغصب. والمعنى في الأعيان أنها إذا ملكت كان بدلها لمالكها، والمنافع تملك، ثم يستحق بدلها غير مالكها، بدلالة أن الزوجة إذا وطئت بشبهة كان المهر لها ولم يستحقه الزوج المالك لمنافع بضعها. 16281 - ولأن الأعيان المملوكة لما جاز أن تنتقل إلى الوارث منفردة عن [غيرها ضمنت بالغصب والمنافع قد تملك ثم لا يجوز أن تنتقل إلى الوارث منفردة عن] الأعيان، وهي منافع البضع، فلذلك لم يضمن بالغصب. أو نقول: الأعيان لا توجد مملوكة إلا وحق الغرماء يجوز أن يتعلق بها، والمنافع قد توجد فلا يتعلق حق الغرماء [بها]، وهي منافع الديون، فلذلك لم تضمن بالغصب. 16282 - قالوا: جهتا الضمان عليه العقد الصحيح والفاسد كالغصب، ثم ثبت أن المنافع تجري مجرى الأعيان في الجهتين: العقد الصحيح والفاسد. كذلك الغصب. 16283 - قلنا: أما قولكم: إن الأعيان تضمن بالعقد الصحيح والفاسد فغير مسلم، بل هي مضمونة بنفسها فأما كونهما سببا يقتضي ضمانها فلا، وإنما المنافع هي التي تضمن بأسباب. 16284 - وقولهم: إن المنافع تضمن بالعقد الفاسد فغير مسلم، وإنما تضمن متى أتلفها لأجل العقد الفاسد، بدلالة، أنها لو تلفت [تحت يده] لم يضمنها عندنا. 16285 - ثم الغصب من ضمان الشيء بنفسه، وليس إذا ضمنه الأعيان بأنفسها يجب أن يضمن المنافع كذلك، لأن الأعيان أدخل في التمول من المنافع والضمان يتعلق بالأموال، ولأن الخلاف بيننا في أن المنافع هل تضمن بأنفسها.

16286 - فإذا قالوا: لما استوت المنافع والأعيان في الضمان بالعقد وجب أن يتساويا في الضمان من غير عقد، فلم يدلوا في المعنى على موضع الخلاف. 16287 - قالوا: استدل الشافعي رحمه الله تعالى، فقال: لو استأجر قميصًا فلبسه فنقل فيه التراب كان عليه [ضمان] المنافع. ولو اكتري دكانًا للبر فعمل فيه الطحن ضمن المنافع، وإن كان الاستيفاء بغير إذن المالك، كذلك في مسألتنا. 16288 - قلنا: هذه غفلة، لأن الأجرة لا يضمنها في مسألتنا، لاستيفاء المنافع، وكذلك الإجارة الصحيحة تضمن الأجرة فيها [بكون العين] في يده، فهو يضمن الأجرة لأجل ذلك إذا لم يفسد القميص. فأما أن يكون ضمن بدل المنافع المستوفاة بغير إذن المالك فلا. 16289 - قالوا: ضمان الغصب أوسع من ضمان العقود، بدلالة أن كل ما يضمن بالغصب ضمن بالعقد، وقد يضمن به ما لا يضمن بالعقد، مثل أم الولد، ثم لو ثبت أنه يضمن المنافع بالعقد فلأن يضمنها بالغصب أولى. 16290 - قلنا: ما يضمن بالعقد يضمن بالغصب، إذا حصل الغصب فيه. والمنافع لا يتصور غصبها في أنفسها، وإنما بغصب الأعيان التي تتولد منها المنافع، فتضمن تلك الأعيان، وضمانها يسقط معه ضمان المنافع. بدلالة أن بتلف العين تتلف منافعها فتضمن العين، ولا تضمن المنافع، ويسقط ضمان العين المتلفة فلا يجب ضمان المنافع، بدلالة أن المرأة لو تأذن لرجل في قتلها فيسقط بإذنها ضمان نفسها، ولا يضمن منافعها لزوجها. 16291 - وكذلك لو أذن المولى في ضمان أمته المتزوجة وإن أتلفها عليه، كذلك

إذا ضمن العين المغصوبة يسقط ضمان منافعها لأجل ضمانها. 16292 - قالوا: المنافع مال بدلالة جواز الوصية بها. 16293 - قلنا: الكلب عندكم موصي به، وليس بمال. ولأن جواز الوصية بالمنافع يدل على جواز تمليكها، وقد تملك الأموال وغيرها، بدلالة أن الإنسان يملك بالعقد على من يلي عليه، وليس ذلك بمال. ويملك المقذوف الحد عندهم وليس بمال. وكذلك يملك القصاص وليس بمال. وقد يملك بالوصية التصرف كما يملك المنافع، وإن لم يكن التصرف مالًا. 16294 - قالوا: لو أوصى بمنافع عبد اعتبرت من الثلث فدل أنها مال. 16295 - قلنا: هذا غير مسلم ولا يعتبر عندنا خروج الرقبة من الثلث؛ لأنها خصصت من الوراثة، ولهذا تقول: لو عقد المريض على المنافع بغير مال فإن أعارها لم يعتبر ذلك من الثلث. ***

مسألة 807 إجارة المغصوب

مسألة 807 إجارة المغصوب 16296 - قال أصحابنا: إذا أجر الغاصب المغصوب فأخذ أجرة المغصوب ملكها، ولزمه أن يتصدق بها، ولا شيء عليه للمغصوب منه. 16297 - وقال الشافعي: على الغاصب الأجر. 16298 - لنا: قوله عليه الصلاة والسلام (الغلة بالضمان) والغاصب ضامن فكانت الغلة له. 16299 - ولأنه انفرد بعقد الإجارة فكانت الأجرة له، ولا يلزمه أجره لغيره كالراهن. 16300 - ولأن كل من لو أجر ملك نفسه كانت الأجرة له، فإذا أجر ملك غيره

لم يلزمه أجرة، وكانت الأجرة له، أصله المستأجر إذا أجر والولي والوكيل. 16301 - ولأنه أجر ما ليس له أن يؤجره من غير إذن، فلم تلزمه أجرة، وكانت الأجرة له، كالبائع إذا أجر العبد في يد المشتري. ***

مسألة 808 ولد الجارية المغصوبة

مسألة 808 ولد الجارية المغصوبة 16302 - قال أصحابنا: إذا غصب جارية فولدت في يده لم يضمن الولد، إلا أن ينقله. أو يطالبه مالكه فيمنعه. 16303 - وقال الشافعي رحمه الله: يضمن الولد. 16304 - والكلام في هذه المسألة في فصلين. أحدهما: في الحمل الحادث في يد الغاصب، والثاني في الحمل الموجود حال الغصب. 16306 - فأما الفصل الأول فالكلام فيه قد تقدم في مسألة المغصوبة إذا زادت في يده. والوجه فيه: أن الحمل زيادة حدثت في يده بغير فعله [فلم تحدث مضمونة. كذلك الوديعة. وإن شئت قلت [عين] حدثت في يده بغير فعله] كالثوب تلقيه الريح في داره أو في حجره. 16307 - وإذا ثبت أنه أمانة لم يضمن إلا بما تضمن به الأمانات من المنع والتعدي. 16308 - ولأن غصب الأم لا يوجب ضمان الولد الحادث في يده. أصله إذا كان

حرًا أعتقه المولى. 16309 - ولا يقال: إن الحر لا يضمن كالغصب؛ لأنا لا نسلم ذلك في الصغير لأنه يضمن إذا تلف بالأسباب التي يمكن الحفظ منها. 16310 - ولأنه نماء مغصوبة فلم تحدث مضمونة، أصله الجارية التي خلع عليها والتي أوصى له بحملها. 16311 - فإن قيل: المعنى أن الولد ملكه. 16312 - قلنا: لا يمتنع أن يضمن ملكه إذا تعدى في التصرف فيه، كما يضمن الراهن الرهن، وههنا هو متعد عند مخالفنا في الولد حين تعدى في الأم. وأما الكلام إذا غصب الأم وهي حامل. 16313 - ولأن كل سبب لا يضمن به الحر لا يضمن به حمل الآدمية. أصله العقود وعكسه الجناية. ولا يلزم ولد الصيد. 16314 - ولأنا خصصنا/ الحمل بحمل الآدمية. ولأنه حمل المغصوبة فلم يضمن من غير جناية فيه. أصله إذا كان الولد حرًا. 16315 - ولأن الغصب معنى لا يحصل [من غير جناية فيه. ولأن الغصب] لا يحصل إلا بإزالة يد المالك عنك، فلا يصح في الحمل كالرهن. 16316 - ولأنه ضمن وجب للآدمي بالتعدي في الأم، فلا يتعلق بالولد كالجناية على الأم، ولأنه ضمان فعل لا يتعلق بحكم عقد سابق، فلا يكون ضمان الأم سببًا في ضمان الولد كالجناية. 16317 - ولأنه ضمان لا يتبع الولد الأم فيه شرطًا فلم يتبعها (شرعًا) كضمان الجناية وعكسه الرهن والبيع. 16318 - احتجوا بأن كل ما ضمن بالغصب خارج الوعاء ضمن كذلك إذا كان في الوعاء، كالدر في الصدف، والدراهم في الكيس. 16319 - قلنا: ضمان الغصب ضمان النقل، بدلالة أنه لو حال بين المالك وملكه، ومنع من الانتفاع به لم يضمنه. والنقل من الكيس نقل لما فيه؛ لأن ثبوت اليد على

الظرف ثبوت يد على ما فيه لأنه يمكن التصرف، فيه وثبوت [اليد] على الجارية لا يوجب ثبوت اليد على حملها، فلم يوجد فيه النقل فلم يصح ضمانه من غير نقل. ولأن الدراهم في الكيس لما ضمنها بغصب الكيس ضمنها منفردة منه كما لو أفردها بالغصب، ولو ضمن الحمل بغصب الأم ضمنه منفردًا عن الأم، فلما لم ينفرد بالضمان دل على مفارقة الأصل للفرع. 16320 - قالوا: كل ما ساوي العين ملكًا ساواها الغصب، كالزيادة الموجودة حال الغصب. 16321 - قلنا: زيادة البدل يحصل فيها بالنقل والتحويل، وضمان الغصب متعلق به. والحمل لا يصح فيه النقل والتحويل، فلم يساو الأصل في الضمان، مع افتراق الأصل والحمل في سبب الضمان. 16322 - ولأن زيادة البدن تساوي الأصل في الغصب إذا ساوت الأصل في النقل. كذلك الولد إذا ساوى الأم في النقل و (إيقاع) الفعل فيه ساواها في الغصب. 16323 - قالوا: كل ما ضمن به الولد منفصلًا ضمن به متصلًا، كأخذ المحرم الصيد. 16324 - قلنا: لا نسلم أن حمل الصيد مضمون، فإنما يضمن عندما يترك إرساله بعد الولادة، لأن المالك طالبه بإزالة (يده) عنه، فكيف يقول إنه يضمنه حال الاتصال. 16325 - ولأن ولد الصيد مضمون لحق الله تعالى، وقد طلب إزالة يده عنه،

فضمن بترك إزالة اليد مع المطالبة، وولد المغصوبة يضمن لحق الآدمي ولم يوجد من جهته مطالبة بالرد، فلم يضمن. 16326 - ولا يجوز اعتبار أمر الله تعالى الغاضب بالرد؛ لأن ما يضمن لحق الآدمي يعتبر (مطالبة) الآدمي. ألا ترى أن إذن (المالك) في تناوله ماله يسقط الضمان، وإذن الله تعالى في تناوله عند حاجة المضطر لا يسقط الضمان. 16327 - ولأن الصيد يضمن بالأسباب عندنا قبل الدلالة، فجاز أن يضمن بالسبب الذي هو غصب الأم. وضمان مال الآدمي لا يضمن بالسبب الذي هو الدلالة، كذلك لا يضمن بحصول يده على الأم فتبين الفرق بينهما، إذ المالك لو أتلف المغصوب في يد الغاصب لسقط الضمان. ولو أمات الله تعالى الصيد في يد المحرم لم يسقط ضمانه، وإن كان الإتلاف بفعل (الآدمي المالك)؟ 16328 - قالوا: (النماء) ليس له حادث في يده من أصل مضمون عليه بيد متعدية، فوجب أن يكون مضمونًا عليه. أصله ولد الصيد في يد المحرم. 16329 - قلنا: يبطل بالولد الحر تثبت عليه اليد، كما تثبت على العبد. وهذا معلوم مشاهد، لهذا إذا أسلم الأجير الخاص نفسه ولم يعمل استحق الأجر، فدل أن اليد تثبت عليه وإذ لا يضمن باليد يلزمه النقص. 16330 - ولأن اعتبار حدوثه في يده لا يؤثر؛ لأن الحادث الموجود عن الغصب مضمون عندهم وهو القليل، وإنما زاد في ألفاظ العلة لنوع من الناس ثم لم يتخلص منه. 16331 - وقولهم: بيد متعدية لا يؤثر في الأصل ولا في الفرع، لأنه لو أخذ العين يظنها له فليس بمتعد ويضمنها، ولو أخذ الصيد للضرورة فليس بمتعد ويضمنه. 16332 - قالوا: الضمان يتعلق بالأم فسرى إلى الولد. 16333 - قلنا: لا نسلم أن الضمان حكم متعلق بالأم، وإنما هو متعلق بذمة الغاصب. وكذلك يسري ضمانها إلى ولدها إذا كانت أمة.

مسألة 809 متى يضمن المغرور؟

مسألة 809 متى يضمن المغرور؟ 16334 - قال أصحابنا: يضمن المغرور قيمة الولد يوم الخصومة. 16335 - وقال الشافعي: يضمن حين وضعه حيًا. 16336 - لنا: أن كل وقت لم يطالب بقيمة ولد المغرور لم يعتبر قيمة ولد المغرور فيه، أصله حال العلوق. 16337 - وهذه مبنية على أن ولد المغصوبة أمانة، وإنما يضمن بالمطالبة. 16338 - فأما قبل ذلك لا ضمان عليه فلا تعتبر القيمة. 16339 - احتجوا: بأنه منع المالك من التصرف في الولد حين ولده، لأنه حكم بحريته، فوجب أن يلزم الضمان حين المنع. 16340 - قلنا: المنع من التصرف مثل قبل الوضع، لأنه كان يقدر على عتقه لولا الغرور، وقد منعه من التصرف الذي هو العتق، ولم يضمن قيمته قبل الوضع عندهم.

16341 - قالوا: ما قبل الوضع لا نعلم حياته. 16342 - قلنا: إذا وضعته حيًا فقد تيقنا وجود الحياة قبل الوضع. ***

مسألة 810 رجوع المغرور على الغار

مسألة 810 رجوع المغرور على الغار 16343 - قال أصحابنا: لا يرجع المغرور على الغار بالعقر. 16344 - وهو قول الشافعي في الجديد. 16345 - وقال في القديم: يرجع عليه بالعقر وبالأجرة. 16346 - لنا: أنه يدل عما نسلم له فلا يرجع على غيره؛ أصله إذا اشترى طعامًا فأكله ثم استحق لم يرجع بالقيمة على البائع، ولا يلزم قيمة الولد، لأنه جزء القيمة (يدل على الرق)، وذلك لم يسلم له.

16347 - فإن قيل: دخل في العقد ليسلم له الاستباحة من غير عوض، كما لو دخل ليسلم له الولد من غير عوض، فإذا رجع رجع بما غرم من قيمة الولد كذلك العقد. 16348 - قلنا: الولد موجب بالعقد، بدلالة أنه يجوز أن يستحق بالشرط. والمنفعة غير موجبة بعقد البيع، بدلالة أنها لا تستحق به شرطًا، وما ليس بموجب لا يثبت لأجله رجوع. ***

مسألة 811 إكراه الرجل امرأة على الزنا

مسألة 811 إكراه الرجل امرأة على الزنا 16349 - قال أصحابنا: إذا أكره الرجل امرأة على الزنا فعليه الحد ولا مهر عليه. 16350 - وقال الشافعي: عليه الحد والمهر.

16351 - لنا قوله تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} ظاهر الآية أنها بيان جميع الحكم الواجب على الزاني، ولو كان يجب عليه غير الحد لذكره. 16352 - ولا يقال النبي - صلى الله عليه وسلم - بين حكم الزانيين، وهذا لا مهر للزانية، وذلك لأنه تعالى ذكر حكم الزاني والزانية، وهذا لا يقتضي اجتماعهما، بل يقتضي وجوب الحد على كل واحد، إذا وجد منه الزنا، وإن لم يكن الآخر زانيًا. وهذا كقوله {والسارق والسارقة فاقطعوا} [ظاهره] يقتضي وجوب القطع على كل واحد، وإن لم يشاركه الآخر في السرقة. 16353 - فإن قيل وجوب الحد لا ينفي وجوب المهر. قلنا لم نستدل بالآية من هذا الوجه، وإنما قلنا: إنه معنى الحكم الواجب على الزاني، وكأن بيان الحق الواجب للآدمي أولى، لأنه أحوج إلى حقه. 16354 - ولأن كل وطء يجب به المهر استوي فيه الإكراه والطوع، كالوطء للنكاح الفاسد. 16355 - ولا يلزم المجنون إذا أكره عاقلة على الوطء فوجب عليه المهر. وإن طاوعته لم يجب. لأنا لم نوجب إذا طاوعت من غير استدعاء، وإنما سقط المهر إذا استدعته، فالحكم يختلف بالاستدعاء وغيره، لا يختلف بالطوع والإكراه. ولأنه وطء وجب [به] الحد عليه فلم يجب عليه المهر لها، أصله إذا طاوعته. 16356 - (فإن قيل): المعنى في المطاوعة أن الحد يجب عليهما. قلنا: الحقوق التي تجب للمرأة على وجه العوض يستوي فيه الزانية وغيرها، بدلالة سائر حقوقها. 16357 - فإن قيل المعنى في الزانية وجوب الحد عليها. 16358 - قلنا: اعتبرنا في نفي المهر وجوب الحد على الواطئ، واعتبرنا وجوبه على الموطوءة، والوجوب يعود إلى فعله، وكان وجوب السبب المنافي في حقه أولى

بالإعادة. 16359 - (فإن قيل) الواجب لها وصفته الواجبة معتبرة بمنزلة الوجوب. 16360 - قلنا: الوجوب يعتبر في ثبوته صفة الموجب له والموجب عليه، فمتى لم يوجد محل الإيجاب لا يجب، ألا ترى أن العبد إذا أكره مولاته على الوطء لم يجب المهر، لأنه لا محل بالإيجاب وإن كانت ممن يجب لها الحقوق. 16361 - كذلك في مسألتنا الزاني ليس بمحل لوجوب المهر، فلا معنى لاعتبار صفة من وجب له. 16362 - فإن قيل: المعنى في المطاوعة: أنها رضيت بإسقاط حقها، فصارت كمن أذن لغيره في قطع [يده] وأذن في أكل طعامه. 16363 - قلنا: (الباذلة) والآذنة في الوطء هي التي وجد فيها زائد على الطوع. وأصل علتنا المطاوعة، وهي التي أمسكت عن المنع. وهذا المعنى لا يسقط الأعواض في الأصول، بدلالة من لم يمنع (من إتلاف) ماله ومن إتلاف أعضائه لم يسقط ضمان ذلك وإنما/ يسقط إذا أذن و (بذل) وهذه صفة زائدة على الطوع. 16364 - فلا يجوز لمخالفنا أن يعارضنا في غير الأصل على أن هذا فاسد. لأن الأسباب الموجبة يستوي فيها الرضاء بإسقاط البدل وعدمه في وجوب [المهر] بدلالة وطء المفوضة والمنكوحة نكاحًا فاسدًا على أن لا مهر لهما، فلو كان الوطء من غير عقد ولا شبهة موجب البدل استوي طوعها وإكراهها. 16365 - ولأن الأمة لا مهر لها، فوجب الحد على الواطئ، ولا يجوز أن يكون أرضاها بإسقاط المهر، لأن مهرها حق لمولاها وهي لا تملك إسقاطه، فإن لم يسلموا هذا فقد دل عليه نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن مهر البغي وهي الزانية.

16366 - ولأنه وطء واحد فلا يجب به حد ومهر. أصله إذا وجد على فراشه امرأة فوطئها. 16367 - ولأن الحد والمهر كل واحد منهما موجب الوطء، وكل وطء تعلق به أحد موجبيه لم يتعلق به الآخر، بدلالة الوطء بشبهة. ولأن الحد سقط بالشبهة والمهر لا يسقط [بها] ولا يختار بفعل واحد كالأرش (والقصاص). 16368 - ولأن الأسباب الموجبة للحدود لا يتعلق بها (المال) أصله الردة والقذف. 16369 - قالوا: يبطل بالزنا في رمضان حيث يتعلق به الحدود والكفارة. 16370 - قلنا: لا يلزم على العلة الأولى لأن كل واحد من الحدود وكفارة الصوم يسقط بالشبهة. 16371 - ولا يلزم على الثانية، لأن الحد يجب بالوطء والكفارة لهتك حرمة الشهر وهما أمران مختلفان. 16372 - ولا يلزم إذا شرب خمر الذمي أنه يجب عليه الحد والضمان ولأن الضمان يجب بحصولها في فمه، لأن ذلك استهلاك لها والحد بوصولها إلى جوفه، وهما فعلان مختلفان ولا يلزم إذا زنى بها مكرهة فأفضاها، لأن الحد يجب بالتقاء الختانين والإفضاء يكون بمجاورة الموضع المعتاد للوطء، وكل واحد من الفعلين غير الآخر. 16373 - لا يلزم إذا وطئ امرأة ابنه قبل دخول زوجها بها يقصد بذلك إفساد النكاح أنه يحد ويجب عليه ضمان نصف المهر. 16374 - لأن الضمان عندنا لا يجب بالوطء بدلالة أن الزوج لو دخل بها لم يضمن الواطئ وكذلك لو لم يقصد (الإفساد). 16375 - وإنما يجب الضمان لأنه (فوت) عليه ضمانًا، فجاز أن يتخلص منه بوقوع الفرقة بفعل المرأة. وهذا معنى غير الوطء، ألا ترى أنه بالرضاع على وجه الفساد ثبت الرجوع لتفريق المهر عليه.

16376 - فإن قيل: المعنى في القصاص والدية أنهما بدلان عن مبدل واحد، فلم يجز اجتماعهما كالمثل والقيمة، وليس كذلك الحد والمهر، لأنهما حقان بجملتين مختلفتين، فلهذا وجبا معًا. 16377 - [وكما] لا يجوز اجتماع المثل والقيمة، لا يجوز أن يجب مثلان، ولا قيمتان. ثم وجب في قتل النفس قتل جماعة وكل واحد منهم مثل، فعلم أن المانع من اجتماع القصاص والدية ليس هو لما ذكروه، وإنما هو اختلاف (سببهما). وأما المهر والحد وإن وجب [بجملتين مختلفتين]، فسببها متناف، بدلالة أن الحد لا يجب إلا من ارتفاع أسباب الاستحقاق وما جرى مجراها، والمهر موضوعه أن يجب عند العقود وما جرى مجراها، فلم يجتمعا مع تنافي سببهما. 16378 - احتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (فإن دخل بها فلها مهر مثلها بما استحل من فرجها). 16379 - قلنا: استحل: استفعل من التماس الحل، وهذا (يوجد) في النكاح والشبهة دون غيره.

16380 - قالوا كل ما ضمن بالإتلاف في العقد الفاسد ضمن بالإكراه. والغصب كالأعيان. 16381 - قلنا: نقول بموجبه فإن المجنون إذا أكره امرأة فوطئها ضمن مهرها. والمعنى في الأعيان لو أتلف مع ترك مالكها للمنع ضمنه. وكذلك إذا أتلف مع الإكراه. ومنفعة البضع لو أتلف مع إمساكها عن المنع لم يضمن، كذلك إذا استوفت ممن أكرهها لم يضمن. 16382 - قالوا: ملتزم حق الإسلام صادف وطئه من يملك عليه بدل المتلف، فإذا لم يجب الحد عليها كان لها المهر كالوطء بشبهة. وقولهم: (ملتزم حكم الإسلام): احتراز من الحربي إذا أكره مسلمة. وقولهم: (صادف وطؤه) احتراز مما إذا استدخلت ذكر النائم، لأنه لم يوجد وطؤه. 16383 - وقولهم: (من يملك عليه البدل) احتراز من وطء العبد مولاته أو أمة لسيده أو وطء المسلم حربية كرهًا. وقولهم: إذا لم يوجب الحد على الموطوءة احتراز من المطاوعة إذا وجب عليها الحد. 16384 - الجواب: أن وجوب الحد عليها إذا نفى المهر فوجوب الحد عليه مثله، لأن المعنى المنافي قارن سبب الوجوب. 16385 - ولأن الوطء بالشبهة [لما لم يجب به الحد على الواطئ جاز أن يجب به المهر، ولما وجب بهذا الوطء الحد عليه لم يجب المهر كالمطاوعة. 16386 - قالوا: الموطوءة بشبهة] رضيت بالوطء، فإذا وجب لها المهر فالمكرهة التي لم ترض بالبذل أولى. 16387 - قلنا: قد بينا الأسباب التي يتعلق بها [المهر] ويستوي فيها الطوع والإكراه، وهي الوطء بنكاح فاسد وشبهة، والوطء الذي لا يتعلق به مهر ويستوي فيه

الإكراه والطوع. ولأنا بينا أن (المطاوعة) ما بذلت وإنما أمسكت عن الامتناع، وهذا ليس ببذل بدلالة الممسك حتى يتلف ماله. قالوا: الحد يجب لحق الله تعالى والمهر لحقها، وكل واحد منهما ينفرد عن الآخر فجاز أن يجبا بفعل كل واحد كالجزاء والقيمة. 16388 - قلنا: الحد يجب لحق الله تعالى، والمهر يجب لحقه وحقها، فهما كالحقين (لمستحق) واحد. والمعنى في الجزاء والقيمة أنهما يجبان لحق مستحق واحد [بدلالة الصيد المنذور إذا أتلفه المحرم، فجاز أن يجب لحق مستحقين، والمهر والحد لا يجتمعان لحق مستحق واحد] فلم يجتمعا لحق اثنين. 16389 - قالوا: المهر يجب لإتلاف حقها، والحد بفعل منهي عنه لحق الله تعالى، فإذا أكرهها فقد فعل ما حظر الله تعالى، وأتلف حقها فاجتمع الواجبان الجزاء والقيمة. 16390 - [قلنا: هذا يبطل بالمطاوعة على ما أمرها، وقد تكلمنا على الجزاء والقيمة]. 16391 - قالوا: كل حكم تعلق بفعل محظور اعتبر ثبوته [ورضا] المتلف عليه، بدلالة من بذل لغيره فقطع يده فالقطع محظور ولا ضمان. ولو أكرهه على قطعها فالفعل محظور ويجب الضمان، واختلف الحكم باختلاف المتلف عليه. 16392 - قلنا: إذا وطئها بنكاح فاسد مكرهة أو (باذلة) فلها المهر. وإن اختلفت صفتها [كذلك لا يمنع أن يسقط المهر في المطاوعة وإن اختلف صفتها].

مسألة 812 غصب العقار وضمانه

مسألة 812 غصب العقار وضمانه 16393 - قال أبو حنيفة وأبو يوسف: العقار لا يضمن بالغصب. 16394 - وقال محمد: يضمن وبه قال الشافعي رحمه الله. 16395 - وهل يكون العقار مغصوبًا؟ قال في الجامع الكبير: العقار لا يغصب.

16396 - وكذلك ذكر الطحاوي من أصحابنا من قال: يغصب ومن قال: لا يضمن بالغصب. 16397 - والدليل على أنه لا يضمن ما روى أبو هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من أخذ شبرًا من الأرض بغير حق طوقه [يوم القيامة] من سبع أرضين). 16398 - وروي يعلي بن مرة [الثقفي] أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من أخذ أرضًا

بغير حقها كلف أن يحمل ترابها إلى المحشر) فالنبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر الوعيد، ولم يذكر الضمان وهو الحكم العجل فلو كان واجبًا لذكره. 16399 - ولأنه لم يحدث فيه فعلًا فلم يصر غاصبًا، أو فلم يضمنه ضمان الغاصب، كالمنقولات إذا منع صاحبها منها ولم ينقلها. 16400 - ولأنه باق في المكان الذي كانت يد صاحبه ثابتة عليه فيه، فلم يكن مغصوبًا، أو لم يضمنه ضمان الغصب. أصله المنقول إذا لم ينقله، ولأن الضمان إذا تعلق بالفعل استوي فيه العقار وغيره أصله الإتلاف. ومن علتنا أن ما سوى العقار لا يضمن ضمان الغصب بالتخلية، وكذلك العقار. 16401 - ولأن العقار ممنوع من الانتقال، فصار كالعبد إذا رام غصبه فمنعه من نفسه، أو فلم يتابعه. 16402 - ولا يلزم على ما ذكرنا جاحد الوديعة، والشاهدان إذا رجعا، وولد المغصوبة إذا طولب به فلم يرده، والثوب تلقيه الريح إلى داره فيطلب منه فلا يرده. 16403 - لأن هذا كله عندنا ليس بغصب، ولا يضمن بضمان الغصب، وإنما هو ضمان آخر. فأما جاحد الوديعة والشاهدان إذا رجعا فهو ضمان تعلق بالقول لا بالفعل. 16404 - ولهذا يقول أبو حنيفة رحمه الله: إن الصبي إذا جحد الوديعة لم يضمنها، لأنه لا يضمن بالقول وكذلك العبد الجحود. 16405 - وكان أبو بكر الرازي يقول: إنه يضمن ضمان التمليك، لأنا حكمنا له

بحكم الملك [السابق] في المجحود، ويضمن الشهود بإتلاف الملك، بدلالة أن المشهود عليه لا يقبل ضرر نفسه. والعقار يضمن عندنا بالإتلاف. 16406 - ولأن الشهود نقلوا الملك في الظاهر والعقار يضمن بنقل الملك كالبيع. 16407 - ومن أصحابنا من قال: جاحد الوديعة يضمنها بالنقل الثابت/ بدلالة أنها لو هلكت قبل جحوده ضمنها، فدل على أنه يضمن عند الجحود بالنقل السابق. وأما ولد المغصوبة إذا جحده، وولد الوديعة والثوب الذي ألقته الريح، فضمانه يشبه ضمان الغصب وليس بغصب. [وهذا غير ممتنع] كضمان المقبوض بالسوم، والبيع الفاسد، وضمان العارية عند مخالفتنا. 16408 - ولأن هذا جرى مجرى المنقول وإن لم ينقل؛ بدلالة أنه في مكان لم يكن يد المالك ثابتة عليه فيه، مع منع المالك منه. ويدل عليه أن كل عين لا يجب القطع بسرقتها لا يجب الضمان بثبوت اليد عليها. أصله الحر. 16409 - ولأن الضمان أخذ ما يستوفى من السارق فلم يتعلق بأخذ العقار. أصله القطع، ولأن ما يصح سرقته لا يصح غصبه. أصله الحر. 16410 - احتجوا بما روي أن رجلًا من حضر موت ورجلًا من كندة تحاكما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال الحضرمي: أرضي غصبها [وهي في يده] أبو هذا، ولم ينكر عليه - صلى الله عليه وسلم - ذلك

فدل على أن العقار يغصب. 16411 - [قالوا: روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من أخذ شبرًا من أرض) وروي من غصب)] 16412 - قلنا: إن كان هذا دليلًا على إثبات الاسم فمن أصحابنا من سلم، أو نقول: هو مغصوب، وقد يغصب ما لا يضمن كغصب الحر وغصب الخمر على المسلم. ومن أصحابنا من منع الغصب وقال تسميته غصبًا على وجه المجاز، كما يقال باع حرًا. 16413 - وكما روي في هذا الخبر من سرق شبرًا من أرض فسماه سارقًا وإن كانت السرقة لا تثبت في الحقيقة. وإنما شبهه بالسارق، كذلك ذكر الغصب والغاصب. 16414 - وقولهم: إنه قال وهي في يده فلا يمنع أن اليد ثبتت على العقار، إلا أن الغصب ليس هو مجرد ثبوت اليد حتى ينضم إليه النقل. 16415 - وإن كان هذا احتجاجًا في الحكم فقد بينا أنه دلالة لنا، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يذكر الضمان مع شدة الاهتمام به ووقوع الحاجة إليه، فلو كان واجبًا لذكره. 16416 - قالوا: كل ما يضمن بمقتضي عقد صح غضبه، وصح أن يضمن بالغصب كما ينقل ويحول. 16417 - قلنا: ضمانه بمقتضي عقد أوجب الضمان بأمرين: بالعقد وما ثبت من توابعه، وهو القبض. والغصب مجرد القبض. وليس إذا ضمن الشيء بأمرين وجب أن يضمن بأحدهما. 16418 - ولأنه قد يضمن بالقبض كحكم العقود ما لا يضمن بغير عقد؛ بدلالة أن من استأجر حرًا فلم يفسد اليد، فتلفت المنافع تحت يده فضمنها. ولو غصبه فحسبه تلفت المنافع تحت اليد على ذلك الوجه ولا يضمنها.

16419 - ولأن قبض العقود ثبت به الضمان. وإن كان قبضًا حكمنا بذلك عليه أن المشتري لو أعتق العبد المبيع صار بذلك قابضًا. وبمثله لو أعتق العبد المشتري لم يصر [غاصبًا] لنصيب شريكه. ولهذا لا يضمنه مع الإعسار. 16420 - ولأن الحكم إذا كان بصحة الغصب فعندنا يصح غصب العقار بما يصح به غيره، وهو النقل. فإذا نقل الأبنية وتراب البقعة صار بنقله لذلك غاصبًا. وإنما الكلام هل يصير غاصبًا من غير نقل؟ وعليه لا يعطى أكثر من إثبات الغصب في الجملة، وإن كان الحكم [صح] أن يضمن بالغصب. 16421 - قلنا: بموجبه إذا نقله أو نقل بعضه. ثم أصلهم المنقولات، وهي دلالة لنا أنها لما ضمنت بالقبض عند عقد لم يضمن في العقد من غير نقل كالمنقول. 16422 - قالوا: كل سبب ضمن به ما ينقل ويحول ضمن به ما لا ينقل ولا يحول، كالإتلاف. 16423 - قلنا: نقول بموجبها، لأن الغصب يضمن به ما لا ينقل ولا يحول إذا نقل، كما تضمن المنقولات. 16424 - ولأن الإتلاف لما ضمن به أحد الأمرين كما ضمن الآخر تساويا في كيفية وقوع سبب الضمان، وهو الإتلاف؛ ولما لم يتساويا في صفة السبب الذي هو الغصب- لم يتساويا في ضمانه. 16425 - ولأنه قد يضمن بالإتلاف ما لا يضمن بالغصب كالحر. 16426 - قالوا: أسباب الضمان: قبض، وغصب، وإتلاف. فلما استوي المنقول وغيره في ضمان القبض والإتلاف، كذلك في ضمان الغصب. 16427 - [قلنا: يتساويان عندنا في وجوب الضمان بالغصب. وإنما الكلام كيف

يغصب؟ فلم يسو بين المنقول وغيره في كيفية الغصب] كما سوي بينهما في كيفية الإتلاف والقبض. مخالفنا يفرق بينهما في كيفية الغصب، فيجعله غاصبًا في المكان بالتخلية ولا يجعله غاصبًا بها في المنقول، وكنا نحن أسعد بهذا الكلام منهم. 16428 - قالوا: الغصب إزالة يد المالك ظلمًا وقهرًا، وهذا موجود في العقار، فوجب أن يكون به غاصبًا ضامنًا. الدليل على أن يده قد حصلت عليه: أنهما لو تنازعا ولم يعلم سبب اليد كان القول قول صاحب اليد. 16429 - قلنا: هذا دليل من زعمكم على إثبات الغصب فلم يجب أن يضمن به. وقد يغصب ما لا يضمن كالحر وخمر المسلم. 16430 - فإن قالوا: الحر لا يثبت عليه اليد. قلنا: غلط، بل يثبت اليد عليه مشاهدة، وبهذا استحق الأجرة بتسليم نفسه في الإجارة وإن لم يعمل. ولهذا لو غصب صبيًا صغيرًا لا يعبر عن نفسه ثم نوزع فيه كان القول قوله أنه عبده. فدل على أن اليد تثبت عليه، ومع هذا لا يضمن. ولأن الحد الذي ذكروه غير مسلم. 16431 - و [لأن] الغصب عندنا هو نقل الملك عن المكان الذي كانت يد المالك [عليه فيه، بغير حق. الدليل عليه أن من منع المالك] من ملكه وحبسه عنه فقد أزال يد المالك] ظلمًا وقهرًا، وأثبت يده عليه، ولا يكون غاصبًا. 16432 - قالوا: نوع مال؛ فجاز أن يضمن بالغصب، أصله ما ينقل. 16433 - قلنا: نقول بموجبه؛ لأنه يضمن عندنا إذا وجب [أن يضمن] الغصب فيه بالنقل والتحويل على ما بينا. 16434 - قالوا: الأرض تثبت عليها اليد. فإذا ثبت بعدوان وصاحب اليد من أهل

الضمان في حق المضمون له وجب الضمان. أصله المنقولات إذا نقلها. 16435 - قلنا: قد ثبت يد الغاصب إلا أن يد المالك في حكم الثابتة، [فيه. ومن ثبت للمعتدي يد، وللمالك يد ولم يكن غاصبًا كمن دخل دار غيره] بغير إذنه، وكمن غصب بعيرًا عليه متاع، وصاحب المتاع عليه، لم يكن غاصبًا، وإن ثبت يده لبقاء يد المالك مع يده. 16436 - وكذلك لو يمسك بعبد، والعبد يمتنع عليه- فقد ثبت يده عليه؛ بدلالة أن القول قوله فيه، ولا يكون غاصبًا لبقائه في المكان الذي كانت (تحت يده المالك) فيه، لأن المنقولات إذا نقلها فيه أثر نقله في ملك المالك، بدلالة أنها تغيب في العادة فلا يمكن البينة عليها. والعقار محفوظ بنفسه والمالك متمكن من إقامة البينة عليه، فلم يقدح الغصب في ملكه، فلم يوجد فيه المعنى الموجود من المنقولات. ***

مسألة 813 حفر البئر في ملك الغير وإرادة الطم

مسألة 813 حفر البئر في ملك الغير وإرادة الطم 16437 - قال أصحابنا: إذا حفر بئرًا في ملك غيره بغير أمره فليس له أن يطمها ولا للمالك أن يطالبه بطمها ولكنه يضمن النقصان، فإن أبرأه من الضمان برئ منه. 16438 - وقال الشافعي رحمه الله: للمالك مطالبته يرد ترابها؛ فإن أراد الغاصب [طمها، ورد التراب] وامتنع المالك فللغاصب أن يطمها. فإن أبرأه المالك من ضمان ما صنع، ففيه وجهان: 16439 - أحدهما: لا يبرأ، [فعلى هذا الوجه]: يطمها بعد البراءة. 16440 - والثاني وهو المذهب: أنه يبرأ؛ فعلى هذا ليس له أن يطمها إلا أن يكون له فيه غرض، وهو أن يكون نقل التراب إلى ملكه، أو إلى ملك غيره، أو إلى طريق المسلمين.

16441 - لنا: أنه حفر بئرًا في ملك غيره فليس له أن يطمها مع كراهة المالك أصله إذا طرح التراب في ملك المغصوب وأبرئه من الضمان. 16442 - [ولأنه] جني على عقار غيره فلم يكلف إصلاحه [ولم يملك إصلاحه] بغير رضاه أصله إذا نقض حائطه وقال أنا أبنيه، وعلى هذا إذا فتق قميص غيره بشرط أن يخيطه. 16443 - احتجوا: بأنه هل ملكه غير ملكه فكان له مطالبته برده كما لو حول طعامًا من داره كان عليه رده. 16444 - قلنا: لا يملك رده؛ لأنه [لم] يفعل أكثر من إزالة يد المالك فكان عليه رد يده على الوجه الذي كانت عليه، وفي مسألتنا أحدث نقصًا في الملك يتعلق به الضمان، فكان عليه النقصان كنقص الحائط. 16445 - قالوا: حفرها على سبيل التعدي فكان له طمها. أصله إذا حفرها في

طريق ضيق للمسلمين. 16446 - قلنا: لا نسلم بل يضمنه الإمام نقصان الطريق، ويأمره بسدها إن رأى ذلك، أو سد رأسها حتى لا يضر بالمارين. 16447 - قالوا: للغاصب غرض في طمها، لأنه حفرها على طريق التعدي فلا يأمن أن يقع فيها شيء فيتلف فيضمنه/. 16448 - قلنا: إذا أبرأه المالك من الضمان زال التعدي، وصار كأنه حفرها بإذنه. وإن لم يبرئه، لكنه [ضمنه] فقد أزال التعدي بالتضمين. 16449 - وإن (قال) [المالك] لا أبرئه، ولا أتركه يطمها، فله ذلك. وإن كان الغاصب لا يأمن التبعة، لأن المالك ليس عليه تمكينه مما يضر به ليسقط على نفسه التبعة كما أنه لو جرح عبده وقال أنا أداويه ليبرأ، فيسقط الضمان بالبراءة؛ كان للمالك منعه من ذلك. 16450 - قالوا: يجوز أن يكون نقل التراب إلى ملك آخر فطولب بنقله عنه. 16451 - قلنا: فلم يجب نقله إلى البئر، وهو إذا نقله إلى المغصوب ولم يطم البئر زال عنه هذا الضرر. ثم المالك لا يخلو أن يطالب أو لا يطالب. فإن طالب به: فهو ينقله، أو يكلف الغاصب نقله حيث شاء. وإن لم يطالبه: فعلى الغاصب أن ينقله إلى الصحراء؛ لأنه هو الذي أدخل نفسه في هذه الجناية، وليس على (المالك) أن يبطل غرضه ويطم البئر، ليخلص الغاصب من جنايته. ***

مسألة 814 صبغ الثوب المغصوب

مسألة 814 صبغ الثوب المغصوب 16452 - قال أصحابنا: إذا غصب ثوبًا فصبغه بصبغ الغاصب؛ فالمالك بالخيار: إن شاء ضمنه قيمة ثوب أبيض، وإن شاء ضمن له ما زاد الصبغ في ثوبه، وكان الثوب بصبغة له. وإن شاء شاركه فكان الصبغ والثوب بينهما، فإذا بيع ضرب صاحب الثوب بقيمة ثوب أبيض وضربت للغاصب بقيمة صبغ في الثوب. وليس للغاصب أن يقول أنا أقلع الصبغ. 16453 - وقال الشافعي رحمه الله: للغاصب أن يقلع الصبغ، بشرط أن يضمنه ما نقص ذلك الثوب.

16454 - لنا: أن إزالة الصبغ من الثوب جناية عليه، كما لو كان الثوب يهلك بذلك حتى لا يبقى منه شيء. 16455 - ولأن ملكه صار تابعًا لملك المغصوب منه على وجه [في] إزالته ضرر، كمن غصب عبدًا فأطعمه، ثم أراد أن يكلفه القيء، كما لو خاط الغاصب جرح العبد المغصوب بخيطه. 16456 - ولا يقال: إن في العبد ليس له نزع الخيط، وإن رضي المالك وههنا له قلع الصبغ إذا رضي المالك، لأنا لا نسلم هذا، لأن المالك يفسد ثوبه والآخر يتلف صبغه من غير غرض صحيح، ثم هذا ليس بصحيح، لأنه إذا رضي [المالك] بما فيه نقصان ماله فجاز ما يراه، دون من يجوز ذلك بغير رضاه. 16457 - احتجوا: بأن الصبغ عين مال الغاصب له قلعه برضاء المغصوب منه، فكان له قلعه بغير رضاه. أصله: إذا بني في ملك غيره أو غرس. 16458 - قلنا: إن كان البناء والغرس لا يزول إلا بالضرر على صاحب الأرض فله أن يمنع ذلك، ويغرم قيمة البناء والغراس، ولا فرق بينهما. وأما إن طالب صاحب

الثوب الغاصب بقلع الصبغ والغاصب ممتنع فليس له ذلك، وبه قال ابن سريج. 16459 - وقال المروزي: له إجباره، وهذا غلط؛ لأن إتلاف مال الغاصب وإلحاق الضرر بمال المغصوب، والغصب، لا يبيح ذلك. وليس هذا كالبناء والغرس؛ لأن صاحب الأرض إذا ألزم الغاصب قلعه نقصت قيمته بالقلع. فأما أن يتلف فلا. 16460 - ولأن العادة جارية أن الناس يقلعون البناء والغراس بغرض فيه، ولم تجر العادة أن يقلعوا الصبغ من الثياب. 16461 - وقال الشافعي رحمه الله في القديم: لصاحب الثوب أخذه، ولا شيء للغاصب عليه. وهذا غلط؛ لأن الصبغ عين مال قائمة، فلم يجز أن يتملكه المالك بغير شيء، كالبناء والغراس. 16462 - وليس هذا كالقصارة؛ لأنه ليس فيها عين مال، وإنما هو يتبعض الثوب، وذلك في حكم المنفعة، فلا يقوم بغير عقد أو شرط. ***

مسألة 815 غصب الطعام وتغيير حالته

مسألة 815 غصب الطعام وتغيير حالته 16463 - قال أصحابنا: إذا غصب طعامًا فعفن عنده، أو صب فيه ماء، أو كسر قلبًا، أو درهمًا؛ فالمالك بالخيار: إن شاء ضمنه مثله، وإن شاء أخذه ولا شيء له. 16464 - وقال الشافعي رحمه الله: له أن يأخذه ويضمن النقصان. 16465 - لنا: قوله عليه الصلاة والسلام: (على اليد ما أخذت حتى ترد) فظاهره يقتضي أنه إذا رد العين سقط الضمان. 16466 - ولأنه أخذ قدر المغصوب من الطعام وزيادة، فصار كما لو هلك فأعطاه

أكثر من كيله، ولأنه قومه بما لا قيمة لا عند ملاقاة جنسه؛ فلم يجز تضمينه شيئا. أصله: إذا تغير تغيرًا لا يوجب نقصان القيمة. 16467 - ولأن ما لا يجوز أخذه مع مقدار الكيل إذا تلف لا يجوز أخذه مع مقدار إذا [عين]. أصله جميع القيمة. احتجوا: بأن جنايته قد استقرت فصار كما لو غصب ثوبًا فدخله عيب. 16468 - قلنا: الثوب نقص منه ما له قيمة عند ملاقاة جنسه، وما لا يدخله الربا بخلاف ذلك، ولأن الثوب لو تلف جاز أن يأخذ من الغاصب مثله وزيادة، فجاز أن يأخذه معيبًا مع الأرش، وما يدخله الربا لو هلك لم يجز أن يأخذ مثله وزيادة، كذلك لا يأخذه معيبًا مع الأرش. ***

مسألة 816 تغيير العين المغصوبة بفعل الغاصب

مسألة 816 تغيير العين المغصوبة بفعل الغاصب 16469 - قال أصحابنا: إذا غصب شاة فذبحها وشواها، أو حنطة فطحنها، أو ثوبًا قطعه أو خاطه، أو حديدًا فاتخذه أواني انقطع حق المغصوب منه عنها، ولا يحل للغاصب الانتفاع بها حتى يؤدي بدلها. 16470 - وقال الشافعي رحمه الله: لا ينقطع حق صاحب العين، وله أن يأخذها ويضمنه النقصان.

16471 - لنا: ما روي عن أبي حنيفة عن عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (صنع رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - طعامًا ثم دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقام وقمنا معه فوضع الطعام بين يديه فأخذ بضعة من ذلك فلاكها طويلًا فلم يقدر على أن يسيغها فألقاها عن فمه وأمسك عن الطعام، فلما رأيناه فعل ذلك أمسكنا عن الطعام كما أمسك، ثم قال لصاحب الطعام: أخبرني عن لحمك هذا من أين هو؟ قال: يا رسول الله، شاة كانت لجاري وكان غائبًا فذبحناها حتى يأتي صاحبها فنعطيه ثمنها، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرفع الطعام ويطعمه الأسرى).

16472 - ولو كان ملكه باقيًا؛ لم يجز أن يأمره بالصدقة بها بغير أمره، فلما أمرهم بالصدقة دل [على] أنهم ملكوها، ولم يجز لهم التصرف فيها قبل ضمان البدل، وجاز فسادها إن تركوها فأمرهم بالصدقة. 16473 - قالوا: التصرف فيها عندكم محظور [فكيف يأمره - صلى الله عليه وسلم - بالصدقة المحظورة؟. 16474 - قلنا: التصرف فيها محظور] حتى يضمن، فإذا لم يكن يجوز بيعها لم يجز الصدقة بها. 16475 - فإن قيل: يجوز أن يكون على ملك الغائب، إلا أنها كانت لا تبقي. 16476 - قلنا: ملك الغائب إذا خاف الإمام عليه التلف باعه وحبس ثمنه عليه، ولم يجز أن يتصدق به. 16477 - قالوا: يجوز أن يكون لم يجد من يبتاعه. 16487 - قلنا: هذا محال؛ لأنه لا يتعذر في الأمصار من يبتاع الشاة المشوية، ولأن [الذي] ذبحها قد رضي بدفع عوضها، فكان يجب أن يبيعها منه. 16479 - فإن قيل: يجوز أن يكون الغائب أراد الصدقة بها على الأسري. 16480 - قلنا: النبي عليه الصلاة والسلام لم يعرف صاحبها، فكيف عرف أنه يتصدق بها؟ وكيف يجوز أن يتعلق الحكم بسبب لم ينقل ويترك المنقول؟ وعلى أن من أوجب الشاة لا يجوز لغيره أن يمضى نذره بغير أمره. 16481 - [قالوا: يجوز أن يكون الأسرى قد اضطروا إلى أكل مال الغير بغير أمره].

16482 - قلنا: هذا لا يؤدي إلى تعليق الحكم بسبب لم ينقل، ولأنه لو كان الأسرى على هذه الصفة ما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإطعامهم قبل أن يبين حال الشاة، وهذا خبر صحيح الإسناد لا يسوغ العدول عنه بمثل هذا التمحل البعيد. 16483 - ولأنه غصب حنطة، فلا يطالب برد الدقيق. أصله: إذا أتلفها, ولا يلزم إذا طحنها بإذن مالطها، لأن قولنا: لا يطالب معناه: لا يطالب الغاصب، ومتى طحنها بإذنه فليس بغاصب. 16484 - ولأنه أزال الاسم وأكثر المنافع المقصودة بفعل لم يأذن المالك فيه، فوجب أن يزول ملك صاحبه عنه؛ أصله: إذا غصب دهنًا بأن خلطه بالبذر أو حزها ثم شواها. 16485 - ولا يلزم إذا ذبح الشاة؛ لأن الاسم لم يزل؛ بدلالة أنه يقال: شاة مذبوحة، فإن ألزموا إذا ذبحها وقطعها. قلنا: لا رواية فيه، ولأن معظم المنافع لم يزل؛ لأنه يتخذ من المذبوحة جميع ما يتخذ من اللحوم وإنما المنفعة للدر والنسل، فهذا بعض المنفعة. ولا يلزم إذا غصب عصيرًا فصار خلًا. لأنه إن تحلل بنفسه فلم يزل الاسم وعامة المنافع بفعله وإن خلل هو زال الملك. ولا يلزم إذا غصب خمرًا فخللها؛ لأنه لم يزل عامة المنافع المباحة إن يتخذها خلا. ولا يلزم إذا غصب فضة فضربها؛ لأن اسم الفضة لا يزول بالصفة، ولأنه فعل لو حصل من الخمار- أزال الملك، فإذا حصل في الشاة أزال الملك كالبيع. 16486 - ولأنه أخرج العين عن [المعنى] المقصود بها بزيادة معنى، فزال ملك المالك/ كأحد الشريكين إذا وطئ الجارية فأحبلها. 16487 - ولأن العقود والمقبوض كل واحد منهما سبب لضمان الأموال، فإذا كان في أحدهما ما يوجب نقل ملك العين بعوض، كذلك الآخر. ولا يمكن القول

بموجبه في خلط الزيت بالبذر، لأن الملك المنقول غير متعين. احتجوا: بحديث الحسن عن سمرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (على اليد ما أخذت حتى تؤدي). 16488 - قلنا: هذا دليل عليكم، لأنها أخذت الحنطة؛ فعليه أداؤها، وأما الدقيق فلم يأخذه؛ فلا يلزمه أداؤه بالظاهر. 16489 - قالوا: روي أنه عليه الصلاة والسلام قال: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه) فظاهره أنه لا يتملكه ولا يمسكه ولا يتصدق به. 16490 - قلنا: الفعل الذي هو جهة التملك ههنا لا يحل له عندنا ويملك به حكمًا، فقد قلنا بالظهر؛ فأما قولهم: إن لا يحل له إمساكه والتصدق به حكمًا، ففي تلك الحال ليس بملك لغيره فلم يتناوله الخبر عندنا. 16491 - قالوا: فعل لو فعله في ملك نفسه لم يزل ملكه، فإذا فعله في ملك غيره [لم يزل ملكه]. أصله: إذا ذبح الشاة ولم يشوها، وإذا قطع الثوب ولم يخطه، وإذا ضرب الفضة دراهم أو حليًا. 16492 - قلنا: يبطل إذا غصب ذهبًا فخلطه بجنس آخر دونه لا يختلف المذهب أنه استهلاك، فإن صاحبه لا حق له في العين، فأما إذا خلطه بجنسه

فالمنصوص أن للغاصب أن يعطيه مثله، ومنهم من قال: يشاركه فيه وخالف المنصوص. 16494 - فعلى هذا الخلط الذي يزيل الملك، لو حصل في ملك نفسه لم يزل ملكه، فإذا حصل في ملك غيره أزال ملكه. 16494 - ولأن من طحن حنطة نفسه زال ملكه عنها ويحدد على (دقيقها)، فالوصف غير مسلم. فأما إذا ذبح الشاة؛ [فالاسم] لم يزل، يقال: شاة مذبوحة، ولم تفت عامة المنافع. 16495 - وإنما [فات] بعضها، ألا ترى أن سائر منافع الأكل باقية مثل إمكان (الشواء) والطبخ والقديد وإنما فاتت منافع الحياة؛ وأما الحنطة إذا طحنت؛ فقد زال الاسم. 16496 - الدليل عليه: أن الدقيق لا يستحق بالعقد على الحنطة. ولو عقد على حنطة فوجدها دقيقًا كان البيع باطلًا، وقد فات أكثر لمنافع؛ لأنها لا تزرع بعد الطحن وفاتت بعض منافع الأكل، وهو الطبيخ والقلي وعمل السويق. وكذلك إذا قطع الثوب ولم يخطه فلم يزل اسم الثوب عنه، وأكثر منافع الثياب باقية. 16497 - وأما إذا ضرب الدراهم فلم يزل اسم الفضة عنها، ولا زال المنافع، بدلالة: أن كل شيء يتخذ من النقرة يتخذ من المصوغ والمضروب. 16498 - قالوا: التعدي على مال الغير إذا طرأ؛ يخرجه من أن يكون مملوكًا [لم يزل ملك صاحبه عنه أصله ما تقدم]. 16499 - قلنا: [التعدي على مال الغير] لم يزل الملك عندنا، وإنما صار سببًا في الإزالة إذا حدث عن التعدي معنى من المعاني، وهذا يزيل الملك، بدلالة وطء الجارية المشتركة إذا حبلت، ووطء الأب جارية الابن عندنا

وفي أحد القولين عندهم. 16500 - قالوا: لو ملكها حل له أكلها والتصرف فيها، ولم يجب عليه أن يتصدق بها؛ لأن من ملك شيئًا لم ينحصر تصرفه. أصله إذا ملك بالبيع. 16501 - قلنا: لا يمنع أن يملك الإنسان ما منع من التصرف فيه كما يمنع المشتري من التصرف في المبيع قبل دفع الثمن. هذا مع رضاء المالك بزوال الملك. فلأن يمنع من التصرف في الموضع الذي لم يرض المالك بزوال ملكه أولى. ***

مسألة 817 تمليك الغاصب بالتضمين

مسألة 817 تمليك الغاصب بالتضمين 16502 - قال أصحابنا: الضمان سبب للتمليك، فإذا غصب عينًا فتعذر ردها، ضمن قيمتها، وملكها بالضمان، إن كانت مما تملك بالعقود. وإن أحضرها الغاصب فهي له. 16503 - وقال الشافعي رحمه الله: لا تملك بالضمان، فإذا قدر على ردها أخذها مالكها، ورد القيمة التي قبض. 16504 - لنا: أن كل [ما] يضمن به العين جاز أن يملكه. أصله البيع فلا يلزم القتل والاستهلاك؛ لأنه لا يملك بهما. 16505 - ولأنه ضمن العقد الذي يجوز نقل الملك فيها؛ فوجب أن يكون سببًا للتمليك. أصله: إذا خلط الدهن بالبذر، وإذا وطئ الجارية المشتركة.

16506 - فإن قيل: لا نسلم أن العبد الآبق يجوز نقل الملك فيه. 16507 - قلنا: إذا عين العين المغصوبة في بلد آخر فللمالك تضمينه، ونقل الملك فيها جائز. لأنه [لو] باعه، صح باتفاق الحق بها في يده. ولو غصب العبد منه غاصب فضمن الأول، فالعين يصح تمليكها، لأنه يجوز بيعها من الغاصب الثاني. فأما العبد الآبق: فبيعه يصح من الغاصب عندنا، لأنه في ضمانه، وهذه المسألة مبنية على أن القيمة بدل عن العين وعند مخالفنا بدل عن الحيلولة بين المالك وملكه وهذا غلط؛ لأنه مال مأخوذ عن مال مملوك، فكان بدلًا عنه [كالعبد إذا قتله. 16508 - ولأنه سبب لضمان القيمة فكانت بدلًا عن المضمونة] كالقبض في البيع الفاسد. ولأنها مأخوذة في مقابلة ما يصح تمليكه، كالثمن في البيع. 16509 - ولأن الحيلولة السبب الموجب للضمان، فالبدل في مقابلة السبب كالثمن في البيع في مقابلة المبيع. وليس هو بدل في مقابلة البيع، والدية في القتل بدل من المقتول لا عن القتل، والمهر في النكاح بدل عن الاستباحة لا عن النكاح. 16510 - وإذا ثبت هذا قلنا: [ملك] البدل عن العين التي يصح تمليكها، فوجب أن يملك [العين كالثمن في المبيع، ولأنه سلم بدل ملكه والملك محل النقل؛ فوجب أن يملك] عليه كالبيع. ولا يلزم إذا غرم الغاصب قيمة المدبر، لأنها بدل عنه عندنا لا عن الحيلولة، كما يظن مخالفنا. إلا أن تمليكه لا يجوز فلا يملك، كالدية المأخوذة في قتل الحر. 16511 - ولا يلزم على هذا هبة على شرط العوض، إذا سلم العوض ملكه بالقبض بدلًا عن الموهوب، ولا يزول ملكه عن الموهوب؛ لأن الهبة لا تتم إلا بقبض عوضها، فإذا قبض أحد العوضين فقد ملك هبة مضمونة، ولم يصر بدلًا حتى يقبض البدل الآخر، ولهذا يضمن هذا المقبوض بقيمته حتى يسلم ما في مقابلته. 16512 - ولا يلزم إذا أكره على أن يبيع عبدًا [في] جارية، وسلم العبد

فأعتقه القابض ملكه ونفذ عتقه فيه، والجارية على ملكه [لأن بدل هذا العبد القيمة، وقد استحقت على قابض العبد. 16513 - ولا يلزم البيع الفاسد، فإذا اتصل به القبض ولم ينقد الثمن لزم، لأن الثمن ليس ببدل، وإنما القيمة البدل، وقد ملكت عليه. 16514 - فإن قالوا: من أصحابنا من قال: إنه لا يملك القيمة، وإنما يقبضها لتحول بينها وبين الغاصب. 16515 - قلنا: هذه عبارة لا يحصل معناها؛ لأنه يقبض القيمة، ويجوز تصرفه فيها بسائر جهات التصرف وتورث عنه، وهذه صفات المملوكات فتجتمع العبارة ولا يضرنا. 16516 - احتجوا: بقوله- عليه الصلاة والسلام-: (على اليد ما أخذت حتى ترد). 16517 - قلنا: المراد به ما أخذت من ملك العين حتى ترد، وبعد أخذ القيمة والمطالبة بها لم تبق العين ملكًا يجب عليه رده بظاهر الخبر. 16518 - وأما قوله تعالى: {إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} فالله تعالى أباح الأكل والتجارة، ونهي عن أكل المال بالباطل، فما ليس بتجارة ولا أكل مال بباطل لا تتناوله الآية. 16519 - وقوله عليه الصلاة والسلام: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه) لا دلالة فيه، لأنه لما طالب بالقيمة وأخذها فقد رضي، وطابت نفسه بعوض ما أخذه.

16520 - قالوا: غرم ما تعذر رده بخروجه من يده فلا يملكه. أصله إذا غصب مدبرًا فأبق منه. 16521 - قلنا: المعنى في المدبر: أنه لا ينتقل الملك فيه إلى الموصى له فلم يملك بالضمان [كما لو أخذ] القيمة بالتراضي. 16522 - فإن قيل: المدبر ينتقل إلى الموصى له إذا [أبطل] المولى التدبير. فجاز أن يملك بالضمان كما لو أعتق أحد الشريكين [العبد] وهو موسر، ملك نصيب شريكه. (فالضمان) من أسباب الملك لم يصح إلا فيما يملك (بالبيع) فما ثبت في المدير وأم الولد علم أنه ليس من أسباب الملك. 16523 - قلنا: ضمان الغصب الذي يفيد الملك لا يصح إلا فيما يملك عندنا؛ لأن المدبر يجوز أن ينقل فيه الملك بحكم الحاكم، والآبق يجوز بيعه ممن هو في يده، ويجوز بيعه من الغاصب، لأنه في ضمانه: ولهذا قال أبو حنيفة: إن ما لا ينقل فيه الملك لا يضمن بالغصب، كأم الولد. 16524 - ولأن البيع تمليك بالعقد، وهنا تمليك من طريق الحكم فهو أكد، فيجوز أن يصح فيما لا يصح بيعه، كما أن الإرث ينتقل به ما لا ينتقل بالبيع. 16525 - قالوا: بدل عن جناية فلم يستقر، فإذا تبين أن الجناية غير موجودة؛ وجب رد البدل، كمن ضرب عين رجل فابيضت فغرم الأرش ثم زال البياض وجب رد الأرش.

16526 - وربما قالوا: غرم على ظن أن حقه قد فات، فصار كالبياض إذا زال. 16527 - قلنا: يبطل إذا تعذر تسليم المبيع فقضي للمشتري بالثمن، ثم أمكن التسليم. والمشتري يجد [بالمبتاع] عيبًا فيرده ويأخذ الثمن ويزول العيب، و [بالقاضي] إذا فسخ النكاح بالعنة بعد مضى السنة ثم زالت العنة. 16528 - ولا نسلم أن الغاصب يغرم البدل على الجناية، وإنما يغرم بدل العين على ما قدمنا. والمعنى في الجناية: أن الأرش يجب بفوات المنفعة، أو الجمال إذا زال البياض فلم/ يفت واحد منهما. والقيمة [في مسألتنا عوض عن العين، والعين قد سلمت للغاصب، فلم يفسخ التضمين فيها]. 16529 - قالوا: إذا كان يغرم القيمة لعدم القدرة على الأصل، يسقط البدل بالقدرة، كالمتيمم إذا قدر على الماء. 16530 - قلنا: قدر على المبدل بعد الملك المغصوب [منه] البدل فصار كالقدرة على الماء بعد الصلاة بالتيمم. 16531 - قالوا: المأخوذ لا يخلو أن يكون ثمنًا أو قيمة، والثمن لا يكون إلا بالتراضي، والقيمة لا تجب إلا عن متلف. 16532 - قلنا: تعذر الوصول إلى العين جعل العين في حكم المتلف، ولهذا يجوز إيجاب القيمة مع بقائها كما يجب عند تلفها. 16533 - قالوا: غرم القيمة على قولهم فوات العين، فإذا ظهرت كان له المطالبة

بها، كما لو أخذ القيمة بقول الغاصب. 16534 - قلنا: إذا ضمن بقوله ثم ظهرت العين زائدة القيمة، فقد تم التمليك وثبت للمغصوب [منه] الخيار. ولأن القاضي نقل الملك على شرط فبان بخلافه. وهذا كمن ابتاع عبدًا على أنه خباز فوجده بخلاف ذلك. 16535 - قالوا: ظلمًا إذا وقع على ما يملك ملكًا لا يقع على مالا يملك كالبيع والنكاح وعكسه الوكالة. 16536 - قلنا: ضمان الغصب الذي يملك به لا يثبت إلا فيما يملك على ما قدمنا. ويبطل هذا بالوصية، فإنها إذا وقعت فيها يملك ملك، ويصح فيما لا يملك عندهم وهو الكلب ويكون الموصي لهم الحق به. ***

مسألة 818 غصب الساجة والبناء عليها أو حولها

مسألة 818 غصب الساجة والبناء عليها أو حولها 16537 - قال أصحابنا: إذا غصب (ساجة) فبني عليها تقض البناء. وإن بني حولها لم ينقض. 16538 - وذكر محمد في كتاب الصرف ما يقتضي التسوية بين الأمرين وهو الصحيح. 16539 - وقال الشافعي رحمه الله: ينقض وترد على صاحبها. وقال فيمن غصب خيطًا فخاط به جرحه أو جرح عبده: فإن نزعه خاف التلف أو زيادة العلة لم ينزعه. وإن كان لا يخاف التلف ولا زيادة العلة ولا النتن ولا إبطاء برء فإنه ينزعه.

16540 - وإن خاف النتن أو إبطاء البرء، فقيمته. والبغل والحمار كالآدمي. والكلب والخنزير تقلع في جميع الأحوال، وأما الحيوان المأكول كالبقر والغنم فنص على أنه لا يجب الرد. 16541 - قال الربيع فيها قول أخر: أنه يجب الرد.

16542 - لنا: قوله عليه الصلاة والسلام (لا ضرر ولا ضرار) [ولا ضرر] في الإسلام: وفي قلع البناء إضرار بمال الغاصب. 16543 - فإن قيل: في منع الساحة إضرار بمالكها. قلنا: الضرر يلحقه بنقل ملكه إلى العوض، فذلك أخف من إتلاف الملك من غير عوض. وإذا وجب دفع الضرر ولم يكن بد من الضرر فإن دفع [أعظم] الضررين أولى. 16544 - ولا يقال: الإضرار بمال الغاصب الجاني أولى؛ لأن الخلاف بيننا فيمن بني على ساجة اعتقد غصبها، ومن بني على ساجة فظنها له يكونان سواء، وهذا ليس

بظالم ولا جان، ولأن جنايته لا يبيح إتلافه ماله؛ فصار من هذا الوجه كغير الغاصب. 16545 - ويدل عليه قوله تعالى: {فمن اعتدي عليكم فاعتدوا عليه} الآية والغاصب لم يقصد أن ينقض البناء؛ فلا يجوز أن ينقض بناؤه. 16546 - فإن قيل: الواجب الاعتداء بإيجاب الرد بدلالة ما قبل البناء. 16547 - قلنا: الظاهر يقتضي إيجاب المثل قبل البناء وبعده، والمثل في القيمة، وإنما تركنا الظاهر قبل البناء [به]. 16548 - ولأن ملك الغير صار تابعًا لملكه على وجه يلحقه الضرر برده، فسقط رده عنه، كمن غصب خيطًا فخاط به جرحه أو جرح عبده أو حماره. قالوا: لا نسلم أنه صار تابعًا. 16549 - قلنا: يعني بذلك أن الساجة لو كانت للغاصب دخلت في بيع الدار من غير تسمية، فدل أنها تابعة. 16550 - قالوا: إنما تكون تابعة إذا اتفق الملك، فإذا اختلف لم تتبع، كمن باع جارية حاملًا دخل حملها في البيع، ولو كان حملها لغيره لم يدخل لافتراق الملكين. 16551 - قلنا: هي تابعة من الوجهين؛ لأنه إذا باع الدار والمشتري لا يعلم بحال الساجة، اقتضي العقد دخول الساجة حتى لا [يصح بجميع الثمن دونها، وكذلك إذا باع الجارية الحامل وحملها لغيره بطل البيع] فلولا أنها تابعة للأصل في المسألتين لم يثبت [لها حصة] من غير تسمية، ولم يفسد البيع ولصارت والجارية الحامل سواء. 16552 - ولا يلزم إذا غصب أرضًا فبني أو غرس؛ لأن الأرض تصير تابعة للغرس والبناء، بدلالة أنها لا تدخل في بيعه على وجه البيع. 16553 - فإن قيل: المعني في الخيط: أن له أخذه ابتداء من غير إذن المالك. 16554 - قلنا: إذا خاف الرجل بوقوع حائط عليه أو على مارة الطريق كان له أخذ ساجة الغير بغير إذنه ليعمل بها حائطه. وأما الأصل: فهو أن من أخذ خيطًا وهو يجب خيطًا غيره فلا نسلم أن له أخذه من غير إذن صاحبه.

16555 - قالوا: المعنى في الخيط أنه ليس للغاصب رده فلم يجب عليه، وفي مسألتنا له رد الساجة فلزمه ردها. 16556 - قلنا: إذا وجب له على عبده القصاص فله أن يختار القصاص، ويرد الخيط، ولا يجب عليه. وأما الفرع: فلا نسلم [قبل النقض] أن له الرد؛ لأنه (لا يجوز) له إتلاف ماله من غير عوض، وهو يقدر على إسقاط الضمان بالقيمة. 16557 - فإن قيل: له عرض صحيح ليتخلص من المأثم بإجماع. 16558 - قلنا: لا يجوز له ذلك لهذا الغرض. ألا ترى أن من كان في سفر فوجد ما يتوضأ به بجميع ماله [لم يحل له] ابتياعه. وإن كان يتخلص بذلك من المأثم، على قول من يوجب عليه ابتياع الماء (بما عز وهان). 16559 - فإن قالوا: المعني في الحيوان أن له حرمة بنفسه وحرمة بمالكه فإذا سقطت حرمه مالكه بالتعدي [بقيت حرمة الحيوان، فلم يجز قلع الخيط. والبناء له حرمته بمالكه، فإذا سقطت حرمة المالك بالتعدي]، وفي الغصب لم يبق هناك حرمة أخرى. 16560 - قلنا: إذا خاط به جرحه فقد سقطت حرمته بالتعدي، ولم يبق هناك حرمة أخرى، فكان يجب [أن] يقلع الخيط، وقد أجمعنا أنه لا يقلع، ثم لا

نسلم أن حرمة مال الغاصب تسقط بسبب غصبه بما لا يسقط حرمة عبده بغصبه، وكما لا تسقط حرمته في نفسه. 16561 - قالوا: المعني في الأصل: أنه إدخال ضرر على حيوان، والبناء بخلافه. 16562 - قلنا: يبطل إذا خاط به جرح كلبه وشاته. 16563 - قالوا في الكلب يقلع، وجهًا واحد، وفي الشاة، على وجهين ولأن المغصوب صار تبعًا لملك الغاصب ومستهلكًا فيه، فصار كما لو غصب الساجة. حتى لو قلع البناء. وكما لو غصب مسمارًا فسمر به السفينة وهي في لجة البحر. 16564 - ولأنه لا يمكن رد ماله إلا بإتلاف مال متبوع، فصار كما لو ابتلع لغيره درهمًا لم يجب ذبح البعير لرد الدرهم على صاحبه. 16565 - ولا يلزم إذا ابتلعت الدجاجة لؤلؤة ألا يجب على صاحب الدجاجة ذبحها، وله أن يضمن قيمة اللؤلؤة لصاحبها. 16566 - ولأن من غصب خيطًا فخاط به جرح حماره وليس في رده نفس التلف، بل يجوز أن يتلف ماله بذلك، ويجوز أن يسلم. وفي مسألة البناء يتيقن تلف ملكه، فإذا لم يجب قلع الخيط مع عدم تعيين التلف فلأن لا يجب في مسألتنا أولى. 16567 - احتجوا بما روي قتادة عن الحسن عن سمرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ([علي] اليد ما أخذت حتى تؤديه). 16568 - قلنا: معناه ما أخذت من ملك الغير [فقوله: (تؤديه) كناية عن ملك الغير، لا نسلم أن الساجة ملك الغير] فلم يتناولها الخبر.

16569 - قالوا: روي أنه عليه الصلاة والسلام قال (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه). 16570 - قلنا: لا يحل عندنا (لمن أخذ الساجة أخذها ولا التصرف فيها) وإنما حل له تبقيتها بعد ما زال ملك مالكها عنها، فأما أن يكون أحللنا ملكه بغير اختياره فلا. 16571 - قالوا: روي عبد الله بن السائب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يأخذ أحدكم مال أخيه جادًا ولا لاعبًا، فمن أخذ عصا أخيه فليردها).

16572 - قلنا: أمره برد عصا أخيه، وقد بينا أنها لا تكون للأخ بعد البناء فلم يتناولها الخبر. 16573 - قالوا: روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (وليس لعرق ظالم حق). 16574 - قال الشافعي: المراد به كل موضوع بغير حق. 16575 - قلنا: العرق يكون للغارس والزرع، وقول الشافعي المراد به كل موضوع بغير حق [لا] يدل عليه الظاهر، ولا أجمعوا عليه، وإن كان ينقص ذلك عندنا فيما بينا، فيجب أن يبين العلة ويسقط الاستدلال بالخبر. 16576 - قالوا: مغصوب، له رده وكان عليه رده إذا لم يبن عليها، وإذا أدخلها بيتًا وسده. 16577 - قلنا: لا نسلم أن له رده قبل (نقض) البناء على ما قرره، ويبطل بالحربي إذا دخل دار الإسلام فغصب مالًا ونقله إلى دار الحرب فله رده. وإن امتنع لم يجبر على الرد، ويبطل بمن غصب عبدًا فرهنه المالك عند الغاصب، فللغاصب رده، ولا يجبر على الرد. 16578 - قالوا: لا يجوز إلا بعد فسخ الرهن، فإذا فسه صيح الرد ووجب. 16579 - قلنا: يجوز له الرد بشرط تقديم الفسخ، ولا يجبر على الرد. وعلى

هذا الوجه، يبطل بمن خاط بالخيط جرح عبده؛ فوجب له على عبده [القصاص، فيجوز له الرد بشرط استيفاء القصاص.] فأما إذا لم يبن عليه/ فالعين المغصوبة بحالها، وليس في ردها إتلاف مال متبوع. فأما إذا سد عليها الباب: ففي فتح البيت منفعة مالكه؛ لأن البيوت لا تتخذ لتسد، وإنما تتخذ لتسكن، فلم يكن في رد العين المغصوبة ضرر. 16580 - وفي مسألتنا في ردها إتلاف مال متبوع. 16581 - قالوا: [شغل] ملك غيره بملكه الذي لا حرمة له بنفسه غصبًا، فلم ينقطع حق مالكه. أصله إذا غصب أرضًا فغرس فيها. 16582 - قلنا: اختلف أصحابنا المتأخرون في هذا الأصل، فكان أبو طاهر يقول: إن كان البناء والغراس أكثر قيمة من الأرض لم يجب عليه رد الأرض ورد قيمتها؛ فعلي قوله لا نسلم، وإن سلمنا فالمعني فيه أن الأرض لا تصير تابعة لبنائها وغرسها، بدلالة أن بيع الأرض دون البناء والغرس لا يجوز، فدل أنه من توابعها وبيع الغرس منفردًا عن الأرض جائز، فدل على أنه ليس من توابعها، فلم يكن في رد الأصل إتلاف مال متبوع، وفي مسألتنا بخلافه، بدلالة أنه لو باع البناء دون الساجة لم يجز، فدل أنها تتبع البناء. 16583 - قالوا: قال الشافعي: لما لم يكن له أخذ مساجة الغير ابتداء ليبني عليها، لم يكن له في الثاني بنفسها، ألا تري أن الخيط لما كان له أخذه ابتداء بغير رضاء المالك جاز تبقيته؟.

16584 - قلنا: هذا قياس عكسي وهو لا يقول به، ثم لا فرق بين الأمرين؛ لأن الساجة ليس له أن يأخذها مع عدم الحاجة، وله أخذها إذا اضطر وخاف على نفسه أو عبده، والخيط ليس له أخذه إذا وجد غيره، وله أخذه إذا اضطر إليه. ثم جاز عندهما تبقيته الخيط في الوجهين مع اختلاف حكمهما ابتداء، كذلك الساجة عندنا. 16585 - قال الشافعي: لو غصب جارية فأولدها أولادًا، فإنه يحكم عليه بردهم، إلى المغصوب منه يكونون عبيدًا له، ولا يقبل من الغاصب قيمتهم. فالضرر الذي يلحقه باستخدام أولاده واسترقاقهم أعظم، ولم يسقط ذلك حق المغصوب منه في أعيانهم. 16586 - قلنا: نحن لم نسقط حق صاحب الساجة عنها بمجرد الضرر بالغاصب، والإلزام يجب أن يكون على العلم. ثم هو غلط، لأن الغاصب (إن)

وطئها من غير شبهة فلا ولد له وإن وطئها بشبهة فلا يكون ذلك بأكثر من الوطء المباح بالنكاح. وذلك لا يوجب حرمة الولد، وإن أضر الاسترقاق بالواطئ فالغصب أولى. 16587 - وفي مسألتنا: لو بني على الساجة بإذن مالكها لم يلزمه القلع، وكذلك إذا كانت بغير إذنه، لا يتغير ملكه في الوصفين على وجه لو كان في إزالتها ضرر. ***

مسألة 819 إذا غصب طعاما فقدمه إلى مالكه فأكله برئ الغاصب من الضمان

مسألة 819 إذا غصب طعامًا فقدمه إلى مالكه فأكله برئ الغاصب من الضمان 16588 - قال [أصحابنا]: إذا غصب طعامًا فقدمه إلى مالكه فأكل برئ الغاصب من الضمان. 16589 - وقال الشافعي رحمه الله: إن كان المالك عالمًا برئ الغاصب، وإن كان جاهلًا ففيه قولان. 16590 - لنا: حديث سمرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (على اليد ما أخذت حتى تؤديه) والغاصب قد رد.

16591 - ولأنه أتلف مال نفسه فلم يرجع بضمانه على غيره. أصله: إذا أكله مع العلم، ولأن كل ما لو فعله بحال العلم برئ به الغاصب فإذا فعله مع الجهل برئ. أصله: إذا أكله من غير إذن الغاصب. 16592 - ولأن أمر الغاصب في ملك الغير لا حكم له، فسقط، وصار كأن المالك أكله ابتداء. 16593 - ولأن ثبوت يد المالك على ملكه يسقط الضمان وكل سبب يسقط الضمان يستوي فيه العلم والجهل كالبراءة من الحقوق. ولهذا نقول: إنه لو طلق امرأته وهو يظن أنها أجنبية، أو أعتق عبده وهو يظن أنه لغيره وقع الطلاق والعتاق. 16594 - فإن قيل: الغاصب أزال يدًا كاملة الأحكام، فإذا أباحه له الغير فلم تعد يد المالك بكمالها، بدلالة أنه ليس له في الظاهر أني يبيع ويهب ويمسك ويدخر، فإذا لم تعد اليد التي زالت بالغصب لم يسقط الضمان. 16595 - قلنا: سقوط الضمان لا يتعلق عندنا [بتمكين] الغاصب، وإنما يتعلق بثبوت يد المالك، فصار كما لو أكله من غير تمكين. ولأن يده لما ثبتت، فقد صار بحيث يجوز تصرفه بكل حال، إلا أنه لا يعلم، والأسباب المسقطة للضمان يستوي فيها العلم والجهل. 16596 - احتجوا: بأنه أكل ما غصبه مع الجهل بحاله، فأشبه إذا كان الغاصب غصب شاة فذبحها وشواها، فأطعمها المالك. 16597 - قلنا: الوصف غير مسلم، لأن الغاصب ملك الشواء فلم يأكله المغصوب منه، وإنما أكل مال الغاصب. والمعني فيه: أن حق المالك غير متعين من الشواء، لأن عندنا لا حق له فيه. وعندهم هو مخير: إن شاء أخذ العين، وإن شاء أخذ القيمة. 16598 - وإذا أكلها وهو لا يعلم فلم يأكل ما تعين حقه فيه، فلم يسقط الضمان. 16599 - وفي مسألتنا: أكل ما تعين حقه فيه فسقط الضمان بأكله، كما لو أكل ابتداء. وقد ادعوا أن من غصب حطبًا فأمر المغصوب منه بأن يحرقه فحرقه لم يبرأ

الغاصب من الضمان. وهذا غلط؛ لأن عندنا ثبوت يده على المغصوب وتصرفه لا بأمر الغاصب، فلا فرق بين أن يأكل الطعام أو يوقد الحطب. ***

مسألة 820 فتح القفص وطيران ما فيه

مسألة 820 فتح القفص وطيران ما فيه 16600 - قال أصحابنا: إذا فتح القفص فطار ما فيه لم يضمن إلا أن يكون هيجه. 16601 - قال الشافعي رحمه الله في اللقطة: فإن قعد الطائر ثم ذهب فلا ضمان. 16602 - قالوا: ومفهومه: أنه إذا طار من فوره ضمن. 16603 - وقال في القديم: ولو حل دابة، أو فتح قفصًا عن طائر ففي هذا لا ضمان عليه. وعمومه يقتضي سقوط الضمان بكل حال.

16604 - قالوا: وهو الصحيح. 16605 - لنا: أنه طار باختياره من غير تنفير فلم يجب على الغاصب ضمان كما [لو] مكث ثم طار. 16606 - ولأنه سبب غير ملجئ؛ لأن القفص قد يفتح فلا يطير، وإذا انضم إليه فعل الحيوان لم يضمن به المال، كمن فتح باب البيت حتى أبق العبد. 16607 - ولا يلزم الدال على الصيد ولا الممسك؛ لأنهما لا يضمنان المال وإنما تلزمهما كفارة. 16608 - ولأنه سبب لا يتعلق به الضمان إذا تأخر التلف عنه فلا يتعلق به إذا وجد عقيبه. أصله: من حفر بئرًا في داره. وعكسه إذا حفر بئرًا في الطريق، والسراية مع الجراحة، ولا يلزم إذا فتح رأس الزق فسال ما فيه أنه يضمن. وإن تأخر السيلان لم يضمنه. لأنه إذا فتحه وهو مائع فقد باشر الإتلاف [لأنه لا يحدث أن يتماسك.

وإن كان جامدًا فأذابه بالحر فقد حصل الإتلاف] بفعل غيره. وهذا المعني إن وجد عقيب الفتح تعلق به الضمان، كمن فتح رأس الزق فأراقه آخر. 16609 - احتجوا: بأنه يوصل إلى الذهاب بفعله، فأشبه إذا نفره. 16610 - قلنا: يبطل بالعبد إذا حبسه مولاه، ففتح رجل الباب، أو حل العبد. ويبطل إذا مكث ثم طار. والمعنى فيه إذا نفره فقد ألجأه، فانتقل فعله إليه. وإذا لم ينفره فلم يلجئه، فحصل الخروج بانفتاحه وخرج عن الباب. 16611 - قالوا: خرج بسبب كان منه، وقد يضمن بالأسباب، كما يضمن بالمباشرة. أصله: حفر البئر، وإذا فتح رأس الزق. 16612 - قلنا: حفر البئر إذا انضم إليه فعل حيوان [مختار] لم يتعلق به الضمان، كما لو ألقي رجل نفسه بالبئر، أو ألقاه آخر. كذلك في مسألتنا، انضم إلى السبب فعل مختار، فلم يضمن به في حق الآدمي. 16613 - فأما إذا وقع فيها بغير اختياره [كما لو اجتاز بالليل]، أو لأن رأسها مغطي فهو ملجأ والطائر ليس بملجأ، وإنما فتح رأس الزق فليس بسبب، وإنما هو إتلاف؛ لأن المائع لا اختيار له، والإراقة حصلت بفعل من فتح الزق. 16614 - ولهذا لا يجوز أن يتأخر التلف ولا هكذا الحيوان؛ لأن له اختيارًا وقصدًا، بدلالة أن الطائر يهرب ممن يصيده ويطلب الماء والعلف، فقد حصل خروجه باختياره، كما يفتح رأس الزق فيريقه آخر. 16615 - فأما إذا كان السمن جامدًا، ففتح رأس الزق فليس بإتلاف، وإنما هو سبب التلف. ويمكن أن يكون بتجدد فعل بعد ذلك، فيتعلق الحكم [بعد ذلك] بالفعل ويسقط حكم السبب.

مسألة 821 هل في كسر البربط أو الطبل ضمان أو لا؟

مسألة 821 هل في كسر البربط أو الطبل ضمان أو لا؟ 16616 - قال أبو حنيفة: إذا كسر [على غيره] بربطًا أو طبلًا ضمن قيمته لصاحبه خشبًا، أو منحوتًا يصلح لغير التلهي. 16617 - وقال: في المنتقي عن أبي حنيفة: يضمن قيمة الخشب مخلعًا، إنما الذي يحرم منه التأليف على أنه عود أو طنبور، وليست الألواح محرمة، لأنها تستعمل في غير ذلك. 16618 - وقال أبو يوسف: لا ضمان على المستهلك. 16619 - وحكي أصحابنا: عن الشافعي مثل قولهما. 16620 - وقد قال الشافعي: وإن كسر لنصراني صليبًا، فإن كان يصلح لشيء

من المنافع مفصلًا فعليه قيمته مفصلًا؛. وهذا مثل قول أبي حنيفة رحمه الله. 16621 - لنا: أن كل [عين] لو أتلفها قبل حصول الصنعة فيها ضمنها، فإذا أتلفها على غيره بعد الصنعة ضمنها، أصله الثياب التي فيها تصاوير. 16622 - ولا يلزم إذا غصب خشبة فعملها بابًا أنه لو أتلفها قبل الصنعة [ضمنها] وبعد الصنعة لا يضمنها. 16623 - لأنا قلنا: أتلفها على غيره/ وههنا ملكها فأتلفها على نفسه، ولأنها عين يمكن أن بينتفع بها على وجه مباح فجاز أن يضمن بالإتلاف. أصله الثوب المصور. 16624 - ولا يلزم الخمر لأنه يضمن إذا أتلفها على ذمي. 16625 - ولأنه لا يمكن الانتفاع بعينها على وجه مباح. وهما يقولان: إنها عين لا تستعمل في الغالب إلا في معصية كالخمر.

مسألة 822 إتلاف المسلم خمر الذمي أو خنزيره

مسألة 822 إتلاف المسلم خمر الذمي أو خنزيره 16626 - قال أصحابنا: إذا أتلف المسلم على الذمي خمرًا أو خنزيرًا ضمن. 16627 - وقال الشافعي رحمه الله: لا ضمان عليه.

16628 - لنا: ما روي [أن] عمر - رضي الله عنه - كتب إلى عماله يأمرهم بقتل الخنازير وأن تقاصوا بأثمانها من الجزية. 16629 - وذكره أبو عبيد في كتاب الأموال ولا يعرف له مخالف. 16630 - ولأنه شراب لهم فجاز أن يضمن بالإتلاف، أصله سائر أموالهم.

16631 - ولا يلزم العبد المرتد؛ لأننا ننزعه من أيديهم فنقتله، والأمة نأخذها لنعزرها أبدًا ونمسكها، وهذا يمنع الإقرار. 16632 - فإن قيل: المعني في سائر أموالهم أنها تضمن في حق المسلم، فضمت في حق الذمي، والخمر لا تضمن للمسلم فلم تضمن للذمي. 16633 - قلنا: المسلم أقر على تمول سائر الأموال كما أقر أهل الذمة، فتساووا. وليس يمتنع أن يختلف الضمان باختلاف المالك، والمتلف على صنف واحد، كما أن الملك لا يضمن للحربي ويضمن للذمي، والمال على صفة واحدة واختلف لاختلاف المتلف عليه. 16634 - ولأن كل إباحة مطعوم يقر عليه فإنه يجوز أن يضمن له بالإتلاف. أصله الشاة التي تركت التسمية عليها عمدًا. 16635 - فإن قيل: ملك يضمن لمن لا يعتقد إباحتها. 16636 - قلنا: لا نسلم بأنها لو تلفت على من يعتقد تحريمها لم يضمن له. وهذه المسألة مبنية على أنهم يقرون على بيعها وتمولها. والدليل عليه [ما روي] أن عمر - رضي الله عنه - كتب إلى عمالة ولوهم بيعها وخذوا العشر من أثمانها. 16637 - فأذن لهم في بيعها وسمى العقد عليها بيعًا وبدلها ثمنها، والثمن لا يجب إلا في عقد صحيح، وواجب فيها العشر، وهذا لا يوجد إلا من الأموال.

16638 - وقضايا عمر لا تخفي على الصحابة رضي الله عنهم فلم ينكروا فهو إجماع ولأن من أصلنا تقليد الصحابي إذا لم يعرف له مخالف. 16639 - فإن قيل: ذكر ابن المنذر عن سويد بن غفلة أن عمر - رضي الله عنه - ذكر: أن له عمالًا يأخذون الخمر والخنازير في الجزية، قال: فنشد لهم عمر، فقال بلال: إنهم ليفعلوه. فقال: لا يكونوا أمثال اليهود حرمت عليهم الشحوم فابتاعوها وأكلوا أثمانها ولوهم يبيعها ولم يزد على ذلك ومعنى قوله ولو هم: أي لا تعترضوا عليهم. 16640 - قلنا: عمر أنكر تصرف المسلمين فيها وكذلك نقول، ولذلك بين ذلك بالشحوم.

16641 - وقوله (ولوهم): ظاهره الأمر فمن حمله على غيره فقد ترك الظاهر وقولهم إن ابن المنذر لم يذكر الزيادة، لا يضرنا، لأنه روي بعض الخبر والزائد أولى. 16642 - فإن قيل: لا يعرف انتشار هذا الخبر. 16643 - قلنا: ما يكتب عمر - رضي الله عنه - إلى عماله يعلمون به، والصحابة يحضرونه، وعماله من الصحابة، ومعهم الصحابة فلا بد أن ينتشر. 16644 - قالوا: القياس مقدم على قول الصحابي؛ لأن القياس دليل من صاحب الشريعة، فلا يجوز تركه لقول غيره. 16645 - قلنا: هذا غلط؛ لأن الصحابي يحكم توقيفًا [أو قياسًا فإن قالوا: توقيفًا]: فهو أولى من القياس. 16646 - وإن قالوا قياسًا: فقياسه دليل من صاحب الشريعة، فقد تساويا وانفرد بمشاهدة التنزيل، والعلم بمقاصد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأيده التوفيق فقياسه أولى. 16647 - قالوا: فقد قال عمر - رضي الله عنه -: إن وطء الزوج الثاني لا يهدم ما دون الثلاث ولا مخالف له. فلم لا تقلدونه وتركتم قوله بالقياس، وأوجب على هبار

ابن الأسود هديًا لفوات حجه فلم تقلدوه. 16648 - قلنا: هذا غلط، لأن وجوب تقليد الصحابي إذا صح لم يسع مخالفنا العدول عنه في مسألة أخرى. وكأنه يقول أخطأتم هناك فأنا أخطئ ههنا، فنحن نقدر عليه الخطأ في هذه المسألة. 16649 - ولا ينفعه خطأ خصمه في غيرها، ثم ما قاله غلط؛ لأن مسألة الهدي ترك أبو حنيفة قول عمر - رضي الله عنه - وأخذ بقول أبي وابن عمر رضي الله عنهما في هدي فائت الحج.

16650 - وروي عن الأسود قال: سألت عمر عمن فاته الحج فقال: يتحلل بالطواف والسعي وعليه الحج من قابل ولا هدي عليه، فلقيت زيد بن ثابت بعد ثلاثين سنة، فسألته [فقال] مثل ذلك. 16651 - وهذا قول عمر وزيد وهو خبر متصل عن عمر - رضي الله عنه - وخبر هبار بن الأسود منقطع لأن سليمان بن يسار لم يلق عمر فسقط هذا الاعتراض. 16652 - قالوا: السنة أولى من قول عمر - رضي الله عنه -، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه

قال: (لعن الله الخمر وشاربها وعاصرها ومعتصرها ومشتريها وآكل ثمنها). 16653 - وروي ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (ثمن الخمر حرام وثمن الكلب). 16654 - قلنا: هذا النهي يتناول آكل الثمن، وعندنا أنه منهي عنه، والكلام في صحة العقد مع ذلك وفي تمولها للكفار. 16655 - قالوا: عندكم يجوز للمسلم أخذ دينه من الذمي فيأكل ثمن الخمر. 16656 - قلنا: المسلم لم يأخذه ثمنًا للخمر وحكم الملك يختلف باختلاف المالكين؛ بدلالة أن بريرة كانت تأخذ الصدقة فيأكلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هدية

والصدقة محرمة عليه، ثم جاز باختلاف المالكين. 16657 - قالوا: روي عن علي - رضي الله عنه -: أنه نهاه عن بيعها. 16658 - قلنا: إنما نهاه عن إظهار بيعها. وكذلك نقول، ويدل على أنها مال لهم: أنهم يتمولونها ويعتقدونها مالًا [فكانت مالًا لهم] كالعبد المرتد. 16659 - ولا يلزم الميتة والدم؛ لأنهم إن تمولوها كانت كالخمر، ولأنه شراب ممدوح عندهم، فوجب أن يكون مالًا لهم كسائر أشربتهم. 16660 - ولأنهم يقرون على إمساكه والانتفاع به فكان مالًا لهم، كالشاة التي تركت التسمية عليها عمدًا، ولأنها كانت متمولة قبل التحريم بعد الأحكام دون الأسماء. 16661 - ولأن أهل الذمة لم يعتقدوا التحريم، فبقي التمول في حقهم كما كان، وإذا ثبت أنها مال لهم، فإذا أتلفها من غير إباحة لذمي ضمنها كسائر أموالهم. 16662 - ولا يلزمه العبد المرتد؛ لأنه بردته أباح قتل نفسه. وهو يملك الإباحة بدلالة أنه لو أقر على نفسه بالقتل قتل، فلذلك سقط الضمان. 16663 - احتجوا: بما روي أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال:

إن الله تعالى لعن الخمر وحرم ثمنها، ولحم الخنزير وحرم ثمنه. 16664 - قلنا: ثمنها محرم عندنا لكنهم أقروا عليه، والمختلف فيه القيمة وليس الثمن. 16665 - قالوا: نجس العين فلم يكن مالًا، ولا يجوز بيعه، ولا يضمن بالإتلاف كالبول. 16666 - قلنا: المعني فيه أنهم لا يتمولونه في العادة بالإتلاف، إلا أن توجد إباحة ممن يملك الإباحة. 16667 - قالوا: علة الأصل تبطل بالمصحف والشحوم. 16668 - قلنا: هذا غلط؛ لأنهم يتمولون المصحف [لمطالعته واقتنائه] كما يتمولون كتب اللغة والشعر. وأما الشحوم: فإنهم يتمولونها لأجل أثمانها وإن حرموها كما يتمول السمن النجس. فإن كانوا لا يتمولون الشحوم لم تضمن لهم. 16669 - قالوا: فتبطل العلة بالموقوذة وذبائح المجوس. 16670 - قلنا: أما الموقوذة: فإنها تضمن، وأما ذبائح المجوس فجوابنا عنها جوابنا في الشحوم.

16671 - قالوا: علة الأصل تبطل بالعبد المرتد. 16672 - قلنا: هو مال لهم يجوز، بيعه ولا يجب على مستهلكه ضمان، لأنه أباح دم نفسه فيملك الإباحة على ما قدمنا. 16673 - قالوا: ما لا يتقوم لأهل ملة لم يتقوم عليها. 16674 - قلنا: لا يتقوم للمسلمين؛ لأنهم منعوا من تموله والانتفاع به، ويتقوم عليهم لمن يتموله وأقر على الانتفاع به، ولهذا يضمن الشاة التي تركت التسمية عليها عمدًا لمخالفينا ولا يضمنهم إذ أتلفوا علينا. 16675 - قالوا: المعتبر في الأحكام بما يقرون عليه في شرعنا دون ما اعتقده الكفار وإن أقررناهم عليها، كما نقرهم على كفرهم بالجزية، ولا يعتبر ذلك إقرارًا بأحكام الكفر. 16676 - قلنا: عندنا أن شريعتنا لما منعت التعرض لهم في الخمر وحظرت إتلافها عليهم، وأوجبت إقرارهم على تمولها؛ اقتضت شريعتنا تقويمها.

16677 - فأما أن تقوم بحكم دينهم فلا. 16678 - قالوا: قد اقتضت شريعتنا عند أبي حنيفة إقرارهم على تزويج ذوات المحارم، ثم لم يوجب التوارث بهذا النكاح- لم ينقض توارثًا عليهم لأن الزواج الصحيح قد يخلو من التوارث وأحكامه. فلو منعنا البيع وأسقطنا الضمان عن المتلف لنقضنا معني إقرارهم على تمولها. 16679 - فإن قيل: لو ترافعوا إلى الحاكم، أبطل نكاح ذوات المحارم وحكم على المشتري بثمن الخمر، فكان يجب أن يتساويا في الإبطال أو في التصحيح. 16680 - قلنا: ملك الإنسان لاستباحة أمه وبنته وأخته لا يجوز في الإسلام بحال فلم يجز أن يحكم الحاكم به. وملك المسلم الخمر يجوز، لأنه تملكها بالميراث والضمان، فلما جاز تملكها في الإسلام جاز للحاكم أن ينفذ الحكم المتفق عليه في الشرع والقضاء بالثمن، كالقضاء بالمسمي في نكاح ذوات المحارم إذا [دخل] بهن وكذلك نقول/.

مسألة 823 هبة الطعام والمغصوب لغير المغصوب منه

مسألة 823 هبة الطعام والمغصوب لغير المغصوب منه 16681 - قال أصحابنا: إذا غصب طعامًا فوهبه لغيره فأكله، فللمالك تضمين أيهما شاء، فإن ضمن الغاصب لم يرجع على الآكل وإن ضمن الآكل لم يرجع على الغاصب. 16682 - وقال الشافعي رحمه الله: إن أطلق الهبة ثم ضمن الموهوب له، فهل يرجع على الواهب؟ فيه قولان. وإن ضمن الغاصب رجع على الموهوب له، على القول الذي قال: الموهوب لا يرجع. 16683 - وعلى القول الآخر: يرجع، وإن قال: كله؛ فهو طعام فلان، ثم ضمن الغاصب رجع عليه. وإن ضمنه هو لم يرجع على الغاصب. وإن قال: هذا طعامي فكله، فإن رجع عليه الغاصب لم يرجع على الآكل قولًا واحدًا، وإن رجع على الأكل فهل يرجع على الغاصب؟ قولان.

16684 - لنا: أن الموهوب له قابض لنفسه من غير بدل، فوجب أن لا يرجع على من أقبضه. أصله إذا قال: هذا طعام فلان غصبته، ولأن منفعة الأكل سلمت له فلا يرجع ببدله على غيره، أصله إذا غصب منه فأكله. 16685 - [ولأنه وهب ملك غيره، فإذا ضمن لم يرجع على من وهب له، كما لو قال: هذا طعامي فكله]. ***

مسألة 824 جبر نقصان الولادة بالولد

مسألة 824 جبر نقصان الولادة بالولد 16686 - قال أصحابنا: إذا ولدت المغصوبة في يد الغاصب فنقصتها الولادة وفي الولد وفاء بالنقصان لم يضمن ذلك. 16687 - وقال زفر: يضمنه. 16688 - وبه قال الشافعي رحمه الله.

16689 - لنا: أن حدوث الولد وانفصاله أوجب النقص، وكل نقص وقع لملوك جاز أن يجبر به. أصله: إذا جني على [الأم]، ولأن الولادة أوجبت نقصًا وأفادت مالًا، فجاز أن يجبر النقص بالفائدة، أصله: إذا قلع سن المغصوبة فنبتت، أو قطع يدها فأخذ الغاصب الأرش. 16690 - فإن قيل: لا نسلم أن الولادة أفادت مالًا؛ لأن الولد كان ملكًا قبلها، ولهذا يجوز تصرفه فيه بالعتق. 16691 - قلنا: إنما صار مالًا بالولادة، بدلالة أنه صار بحيث يعتاض عنه، وقبلها كان لا يجوز الاعتياض عنه. 16692 - فإن قيل: هذا ينتقض إذا قطع غصن شجرة فنبت، أو جز صوفًا فنبت. 16693 - قلنا: إنما يضمن الغصن والشعر ولا يضمن نقصان الأم. ألا ترى أنه لو لم تنقص [قيمة الشجرة والشاة] ضمن، وإتلاف الأغصان ما أوجد ما حدث من الأغصان؟. 16694 - قالوا: إذا قطع أنثيي العبد أو الأصبع الزائدة فإن قيمة العبد تزيد ولا يجبر الأرش بزيادة القيمة. 16695 - قلنا: ههنا يضمن التلف ولا يضمن النقصان، بدلالة أن تضمن اليدين بجميع العبد والنقصان لا يبلغ كل القيمة، فصار ذلك كالأغصان. 16696 - ولأن زيادة القيمة في العين المغصوبة غير معتد بها، كما لا يعتد عندنا بنقصانها، فوجودها وعدمها سواء، فبقي فوات الغصن وهو نقص. 16697 - قالوا: الأرش مال وجب للمغصوب منه، فقام الغاصب مقامه في قبضه. 16698 - قلنا: إنه وجب للمغصوب منه فاعتد به في مقابلة النقصان الذي

كان يضمنه الغاصب، كذلك الولد. وإن حدث على ملكه يجبر به النقصان الحادث على ملكه إذا كان سببًا في حصوله. 16699 - ولأنه نقص لو حصل في الموهوبة لم يسقط به شيء من الدين فلم يلزمه غرامته في الغصب، أصله نقصان الشعر. 16700 - ولأنه نقص حصل بالولادة، وفي الولد وفاء به فلم يضمن لأجله شيئًا. أصله الموهوبة إذا ولدت. 16701 - احتجوا: بأن الولد مال مغصوب منه فوجب أن لا يجبر به النقصان الحادث في يد الغاصب، كسائر أمواله. 16702 - قلنا: يبطل بالأرش [وبالسن] إذا قلعها فنبتت، ولأن سائر أمواله لم يستنفذها بسبب الولادة فلم يجبر بنقصانها. وفي مسألتنا بخلافه. 16703 - قالوا: نقص حصل بالولادة فلا يجبر بالولد، كما لو ماتت الأم. 16704 - قلنا: إذا ماتت الأم سقط نقصان الولادة وتعلق الحكم بالأصل. وإذا سقط ضمانه بطل جبرانه [بما حدث بسببه] وقبل الموت ضمانه واجب، فجاز أن يجبر؛ ولأن الولد تبع والأم أصل، والتبع يقوم مقام الأصل. ***

مسألة 825 ضمان أم الولد بالغصب

مسألة 825 ضمان أم الولد بالغصب 16705 - قال أبو حنيفة: أم الولد لا تضمن بالغصب إذا تلفت في يد الغاصب. 16706 - وقال الشافعي: تضمن. 16707 - لنا: أنه سبب لا تضمن به الحرة، فلم تضمن به أم الولد [كما لا يضمنها] مولاها بالعقد. 16708 - ولأنه ضمان يد؛ فلا يثبت في أم الولد. أصله: إذا مات المولي وعليه دين تحملته في يد نفسها. 16709 - قالوا: كل ما يضمن بالقيمة إذا أتلفه الغاصب ضمن بها إذا أتلف فيه يده كالمدبر. 16710 - قلنا: المدير لو حصل في يد نفسه بموت المولي جاز أن يضمن رق نفسه عندنا من طريق الحكم. وعندهم إذا كوتب جاز أن يضمنه الغاصب باليد، وأم الولد بخلاف ذلك. ***

كتاب الشفعة

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب الشفعة

كتاب الشقعة

مسألة 826 هل شراء الأرض والنخيل يستلزم دخول الثمر في الشفعة

مسألة 826 هل شراء الأرض والنخيل يستلزم دخول الثمر في الشفعة 16711 - قال أصحابنا: إذا اشتري أرضًا ونخلًا وفي النخل تمر؛ أخذ الشفيع ذلك بالشفعة. 16712 - وقال الشافعي [رحمه الله]: لا تجب الشفعة في الثمر. وإن كان غير مؤبر

دخل في البيع بغير شرط، وهل يؤخذ بالشفعة على قولين؟ 16713 - لنا: ما روي ابن أبي مليكة عن ابن عباس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الشريك شفيع، والشفعة في كل شيء). 16714 - ولأنه متصل بما تجب به الشفعة؛ فوجب أن تثبت فيه الشفعة كالبناء والأبواب. 16715 - ولأنه نماء الشجر فتبع الأصل في الشفعة حال اتصاله كالأغصان والورق. 16716 - ولأنه سبب يملك به الشجر؛ فجاز أن يملك به نماؤها كالبيع. 16717 - احتجوا: بما روي جابر - رضي الله عنه - قال: إنما جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشفعة

فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة). 16718 - [قالنا]: وقد يقتضي وجوب الشفعة فيما يقع فيه الحدود ولا ينفي غيره. 16719 - لأن قوله إنما يفيد التأكيد ولا ينفي المذكور؛ قال الله تعالى: {إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله}. ولم يدل ذلك على أن غير الكافرين لا يفترون. 16720 - قالوا: كل ما لا يدخل مع الأرض بإطلاق البيع لا يجب فيه الشفعة كالثياب والمتاع والبعر الذي في الأرض. 16721 - قلنا: يبطل بالطريق الخارج من الحدود والشرب، والمعني في الأصل: أنه منفصل عما تعلقت به الشفعة وليس كذلك الثمرة؛ لأنه متصل بما قامت به فتتبعها في الشفعة.

مسألة 827 الجوار سبب الشفعة

مسألة 827 الجوار سبب الشفعة 16722 - قال أصحابنا: الشفعة واجبة للجار بالجوار. 16723 - وقال الشافعي رحمه الله: لا شفعة للجار. 16724 - لنا: ما روي الحسن عن سمرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (جار الدار أحق بشفعة الدار والأرض). 16725 - وذكر أبو داود (جار الدار أحق بدار الجار والأرض). 16726 - فإن قيل: لم يسمع الحسن من سمرة إلا حديث الهدي. 16727 - قلنا: أكثر الأحوال أن يكون مرسلًا والمرسل عندنا مقبول على أن

أصحاب الحديث أخرجوا للحسن عن سمرة في المسند فلم يصح هذا الاعتراض. 16728 - قالوا: لم يذكر في هذا الخبر أحق بأي حكم. 16729 - قلنا: ذكره أبو بكر الرازي في الشرح: أحق بشفعة الدار، ولم يذكر فيه احتمالا، لأنه لا حق يثبت للجار في دار غيره على طريق الوجوب إلا الشفعة. 16730 - ويدل عليه حديث عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء بن أبي رباح عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الجار أحق بشفعة جاره وإن كان غائبًا انتظر إذا كان طريقهما واحدًا). وهذا يدل على وجوب الشفعة بالطريق والجوار.

16731 - فإن قيل: عبد الملك العرزمي تكلم فيه أصحاب الحديث وتوقف عنه شعبة، قال يحيي بن سعيد القطان: لو روي عبد الملك حديثًا آخر مثل حديث الشفعة تركت الرواية عنه. 16732 - قلنا: وثقه سفيان الثوري وأحمد بن حنبل وأخرج في

الصحيح عنه مسلم بن الحجاج، وإنما تكلموا في عمه محمد بن عبد الله الغرزمي ذكره ابن مروان، وقال سفيان: هو حافظ ثقة، وإنما هو مذهب يحيى وشعبة ألا يقبلا ما انفرد الواحد حتى يرويه عنه فتوقفا في هذا الخبر لانفراده به، مع روايتهما عنه وشهادتهما بحفظه، ومتى قدحا بعلة فاسدة عند الفقهاء، لم يلتفت إلى قدحهما، ولو أسقطنا ما انفرد به الواحد سقط أكثر أحاديث الفقه. 16733 - قالوا: فأنتم لا تقولون بالخبر؛ لأن الجار تجب له الشفعة إذا كان غائبًا،

وإن لم يكن طريقهما واحدًا؟. 16734 - قلنا: تعليق الحكم بالشرط لا يدل على نفي ما عداه، وبهذا ورد القرآن في قوله تعالى: {ولا تكرهوا فآيتاكم على البغاء إن أردن تحصنا}. 16735 - ويدل عليه ما روي [أبو] رافع بن خديج - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الجار أحق بصقبه ما كان) وروي عمرو بن شريك

عن أبيه شريك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الجار أحق بسقبه). 16736 - قيل: يا رسول الله ما سقبه؟ قال: (شفعته). 16737 - وروي ابن عمرو بن شعيب عن عمرو بن شريك عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله أرض ليس لأحد فيها شرك ولا قسم، غير أن جدارنا واحد يبعث فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (الجار أحق بسبقه). 16738 - قالوا: حق مجمل أنه لم يبين الحكم الذي هو أحق، فيحتمل أحق بالعرض عليه. 16739 - قلنا: هذا قد بينه شريك في خبره حتى قيل: يا رسول الله ما سقبه/ قال: (شفعته). فهذا يدل على أن الحكم المذكور هو الشفعة [لا العرض] على أن (أحق) تقتضي الوجوب، والعرض مستحب، ونحن نستعمله على ظاهره في الوجوب، وعلى أنه عليه الصلاة والسلام أحق بما قرب منه، وعندهم أحق بعرض ما

قرب منه، ومتى استعمل اللفظ بغير حدف كان أولى. 16740 - قالوا: الجار يعبر به عن الشريك والحادث والناصر والحليف والزوجة [لاشتراكهما في العقد، الدليل عليه أن: حمل بن مالك قال: كنت] بين [جارتين] يعني زوجتين قال: الأعشى: يا جارتي بيني فإنك طالق. 16741 - قلنا: هذا غلط، لأن في حديث ما يمنع منه، وهو قوله: أرض ليس لأحد فيها شرك ولا قسم غير أن جدارنا، وهذا خاص في الجار، ثم هو غلط في اللغة، قال ابن درستويه. 16742 - وهذا ظاهر العصبية للشافعي، والجار من جاورك في المسجد ومن

استجارك في الأمر، ومن هذا قيل للزوجة جارة؛ لأنها تجاور زوجها في البيت كما قال الأعشى: * يا جارتي بيني فإنك طالق* 16743 - وزعم الشافعي أن الجار هو الشريك، واحتج بهذا البيت وهو غلط منه، والعرب لا تسمي الشريك جارًا إلا إذا جاور في المنزل أو استجار، وزوجة الرجل لا تكون جارة إلا إذا ساكنته ببلده أو قريته أو داره، فسقط بهذا ما ادعوه على أن أكثر ما في هذا الباب أن اسم الجار يتناول الشريك والجار. 16744 - والخير يقتضي وجوب الشفعة لهما، ومدعي التخصيص يحتاج إلى دلالة. 16745 - ويدل عليه حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الخليط أحق من الشفيع، والشفيع أحق من غيره. 16746 - وهذا يدل على أن الشفعة تجب لغير الخليط، وذكره محمد في الأصل. 16747 - وقولهم [لفظه] متناقض؛ لأن الخليط شفيع، فكيف نقول الخليط أحق من الشفيع؟ 16748 - قلنا: [تقديره: أن] الخليط أحق من الشفيع الذي لأجله يثبت له، ولا يرد كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمكن حمله على الصحة.

16749 - ويدل عليه أنه سبب يملك به الثمن، فلا يختص بالمبتاع، وجاز أن يملك به ابتداء، ما لم يعلم فيه إشاعة، أصله البيع. 16750 - ولا يلزم القيمة؛ لأنها لا تملك بها ابتداء. 16751 - فإن قالوا: نقول بموجبه إذا بيع الشقص فقسم القاضي على الشريك الغائب ثم حضر أخذ بالشفعة النصيب المقسوم. 16752 - قلنا: قد علمنا المشاع فيما قبل القسمة، ولأن كل سبب جاز أن يملك به بعض الدار ابتداء جاز أن يملك به جميعها أصله البيع والصلح. 16753 - ولا يلزم القسمة؛ لأنها لا يملك بها ابتداء، ولأنه قد يملك بالقسمة جميع الدار إذا قسم الدار بعضه في بعض بالتراضي. 16754 - ولأنه سبب لنقل الملك فلا يختص بالمشاع كالبيع. 16755 - ولا يلزم القيمة؛ لأنها لا تنقل الملك، وإنما وضعت ليتميز أحد الملكين من الآخر 16756 - ولأن الجار يستحب عرض الملك عليه عند البيع، فوجب أن يستحق الشفعة كالشريك، ولأنه يخاف التأذي على وجه الدوام، فوجب أن يستحق الشفعة بسبب ملكه كالشريك. 16757 - فإن قيل: إن أردتم التأذي بالباطل، فهذا موجود في المحاذي، وإن أردتم التأذي بالحق فذاك معني واجب فلا نريد به التأذي بالمضاربة فيما يجوز للجار أن يسامح له، ويجوز له أن يمنع منه، كوضع الخشبة على الحائط والمنع من التعلية. 16758 - فإن قيل: يبطل بالموصي له بالسكني أبدًا.

16759 - قلنا: لا يخاف التأذي به على وجه الدوام؛ لأن حقه يسقط بموته. 16760 - ولا يلزم الهبة والخلع، لأنا عللنا أن هذا الضرر من الضرر الذي يستحق به الشفعة ولم يتعلق بالأسباب التي [لا] يتعلق بها. 16761 - فإن قيل: يبطل بالوقف. 16762 - قلنا: ذكرنا أنه يستحق بسبب ملكه، ولا ملك له. 16763 - فإن قيل: المعني في الشريك [أن التأذي بالشركة لا يزول إلا بالشفعة والتأذي بالجوار يرتفع بالسلطان. 16764 - قلنا: إذا فسرنا الضرر بما حددنا لم يرتفع ذلك الضرر بالسلطان. 16765 - فإن قيل: المعني في الشريك] الضرر الذي في الشركة من اشتراك الأيدي، ودخول كل واحد منهما إلى ملك صاحبه، وما يلزمهما من مؤنة المقاسمة في النماء والغلة والثمرة. 16766 - قلنا: هذا تعليل لعلتنا وزيادة أوصاف ولا يصح. ولأن هذه العلة تقتضي تساوي الشريك والجار في الضرر، ولإثبات مزية في الشركة وهذا يوجب تقديم حق الشريك وأما اختصاصه مع المشاركة في الضرر فلا. 16767 - فأما اعتبار أجرة القسام فلا يصح؛ لأن الشفعة لو وجبت لذلك لم يختص العقار. 16768 - لأن الأجرة تلزمه في كل ملك مشترك. 16769 - ولأن الأجرة تلزم بالمطالبة عندنا؛ فلا نسلم أن من لم يطالب يستضر. ويدل عليه أن كل شركة تفضي إلى مجاورة تتعلق بها الشفعة، وهي الشركة في العقار، وكل شركة لا تفضي إلى مجاورة لا تتعلق بها الشفعة. 16770 - فدل على أن تأثير المجاورة في الشفعة؛ فوجب أن يتعلق بها. 16771 - فإن قيل: هذا يقتضي أن يكون الجار أولى من الشريك، لأن العلة إذا وجدت فحكمها أقوى منها قبل وجودها.

16772 - قلنا: لا يمتنع أن تكون المجاورة أقوى، ويتقدم غيرها، كما أن النسب أقوى في استحقاق الميراث من الزوجية على السبب. 16773 - فإن قيل: إذا كانت الدار بين جماعة فكل واحد منهم شفيع، وشركته لا تفضي إلى المجاورة؛ لأنها إذا قسمت حال نصيب كل واحد بين اثنين. 16774 - قلنا: جواز المجاورة موجودة قبل القسمة فتأثرت هذه العلة لتجويز وجودها. 16775 - وهذا يدل على ما عداها. 16776 - احتجوا: بما روي مالك عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة).

16777 - ورواه عاصم النبيل عن مالك بسند: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. 16778 - وروي الترمذي عن أبي سلمة عن جابر قال: إنما جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة. وروي ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر أنه قال: قضي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

بالشفعة في كل شرك لم يقسم: ربعة، أو حائطًا لا يحل له أن يبيعه حتى يؤذن شريكه؛ فإن شاء أخذ، وإن شاء ترك، وإن باعه ولم يؤذنه فهو أحق به. 16779 - قالوا: والاحتجاج بالخبر أنه ذكر الألف واللام، وهما للعهد أو للجنس، ولا عهد فلم يبق إلا الجنس. 16780 - والثاني: دليل الخطاب، لأن العقد مقسوم وغير مقسوم، فإذا علق الحكم بأحدي صفيته دل على نفي ما عداها. 16781 - قالوا: وآخر الخبر دليل، لأنه قال: فإذا وقعت الحدود فلا شفعة، وهذا يقتضي نفي الشفعة في المقسوم. 16782 - الجواب: أما حديث مالك الذي ابتدأوا به فهو خبر الموطأ. ولفظه: (قضي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالشفعة فيما لم يقسم). وخبر جابر ذكره أبو داود وذكر فيه: قضي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] وهذا يقتضي الفعل ولا عموم لفعله حتى يستدل به. وإنما بين أنه حكم بالشفعة فيما لم يقسم وحكمه بالشيء لا يدل على تخصيص الحكم بما قضي فيه. 16783 - وقد يستعمل فضي بمعني أمر، لأن اللفظ إذا احتمل الأمرين يسقط

التعلق به فلم يكن لهم واحد من الخبرين حجة، لا من حيث اللفظ، ولا من حيث الدليل. لأن الفعل لا دليل له، وأما آخر الخبر وهو قوله: فإذا وقعت الحدود فلا شفعة: فليس من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الرجل حكي أنه فعل القضاء، وهذا إخبار عن حكم ماض. 16784 - وقوله: فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق، بيان حكم مستقل، ولا يكون معطوفًا على الأول، فتعين أن يكون قول واحد من الرواة، فلا يحتج به. 16785 - ولأن القول لا يعطف على الفعل، فأما الذي ادعوه من قوله عليه الصلاة والسلام: (الشفعة فيما لم يقسم) لم يدخل في واحد من الخبرين. 16786 - ولا يلزم الكلام عليه أنه يجوز ثبوته غير مقسوم اقتضي وجوب الشفعة للجار فيما لم يقسم، وإذا باع الرجل بعض داره وجبت الشفعة لجاره فيما باعه وهو غير مقسوم؛ فصار الخبر دليلًا عليهم من هذا الوجه. 16787 - فإن قيل: الشفعة فيما لم يقسم أراد به الشريك. 16788 - قلنا: هذا تخصيص بغير دليل. 16789 - قالوا: قد بين ذلك بقوله: لا يحل أن يبيعه حتى يوجد شريكه، وبينه

بآخر الخبر؛ لأنه نفي الشفعة إذا وقعت الحدود. 16790 - قلنا: قد بينا أن الخبر إذا كان بيانًا لقضاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما بعد قول الراوي إما جابر أو من بعده، فلا يختص به عموم اللفظ الذي رووه، ثم إذا أوجبنا الشفعة بالخبر للجار إذا باع جاره نصف داره فليس هناك شريك حتى يحمل الخبر عليه. 16791 - وأما قولهم: قد نفي بآخر الخبر فسيجيء الكلام عليه. 16792 - وجواب آخر: وهو أن جنس الشفعة عندنا يتعلق بما لم يقسم؛ لأن الجار متى لم يكن بينهما طريق فالحد الفاصل بين الملكين مشترك بينهما، فيجب للجار الشفعة في ذلك الجزء، فكل من أوجبها في ذلك أوجبها في بقية الدار. 16793 - فقد قلنا بموجب دعواهم وجعلنا خبر الشفعة/ مختصًا بما لم يقسم. 16794 - وأما دليل الخطاب فنحن لا نقول به، ثم مخالفنا يسقط الشفعة في المقسوم من الدار بدليل الخطاب، ومع ذلك الخبر الفاصل المشترك، ونحن نوجب الشفعة من ذلك الخبر بنطق الخبر ونتبعه بقية الدار فتساوينا في ذلك بل نحن أولي؛ لأنا احتججنا بالنطق المجمع على وجوب العمل به. 16795 - وقالوا: بالدليل المختلف فيه، فأما خبر الزهري عن أبي سلمة عن جابر قال: (إنما جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشفعة فيما لم يقسم). 16796 - قالوا: [وإنما] للحصر وتحقيق ما يتناوله اللفظ ونفي ما عداه، لقوله

تعالى: {إنما الله إله واحد} معناه لا إله إلا الله. 16797 - قلنا: إنا قد بينا أنه يدخل للتعظيم أو للتحقيق وهي لتأكيد المذكور، وإنما لنفي ما سواه، فلا يدلك عليه قوله تعالى: {إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه} وقال: {إنما أنت منذر من يخشاها} وقال: {إنما تنذر من اتبع الذكر} الآية، وقال: {لتنذر قومًا ما أنذر ءاباؤهم فهم غافلون (6) لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون} ولو كانت إنما لنفي ما عداها تناقض الكلام. وتعالى الله عن ذلك. 16798 - فثبت أنها لا تنفي ما سوى المذكور وإنما تؤكده وقوله: {إنما الله إله واحد} لم يدل على نفي إله آخر باللفظ وإنما ثبت ذلك بدليل آخر. 16799 - إن قول الراوي إنما جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشفعة يحتمل أن يكون قال ذلك ويحتمل فعله وقضي به، والفعل لا عموم له فوجب التوقف عن ادعاء العموم كما وجب التوقف في قوله قضي. 16800 - وجواب آخر: وهو أن قوله الشفعة فيما لم يقسم لو ثبت أنه قوله: لم يخل أن يكون المراد به الشفعة فيما لم يقسم للشريك ولغير الشريك، أو يكون المراد به الوجه الثاني. 16801 - قلنا: مقتضاه؛ لأن حق الشفعة ثبت عندنا فيما لم يقسم للشريك وإنما تثبت الشفعة لغيره إذا سقط حقه. 16802 - وقد قلنا: بموجب ما قالوا وسقط دليل الخطاب على هذه الطريقة؛ لأن الدليل يصير كأنه قال: لا شفعة للشريك فيما قسم، وكذلك نقول: إن الشفعة التي أثبتها للشريك لا تثبت إلا فيما لم يقسم وهي الشفعة التي تتقدم على غيرها.

16803 - فأما احتجاج مخالفنا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة). 16804 - فالجواب عنه: أن العقار متى زالت الشركة فيه حتى لم يبق بين الحدين شركة سقطت الشفعة عندنا. 16805 - والجواب الثاني: أن قوله عليه الصلاة والسلام: (الشفعة فيما لم يقسم) إن كان تقديره الشفعة للشريك فيما لم يقسم، فقوله عليه الصلاة والسلام: فإذا وقعت الحدود [معناه إذا قاسم خوف الشفعة بطلت شفعته. 16806 - لأن رضاه بالقسمة إبطال الشفعة فيكون قد نفي في آخر الخبر الشفعة التي أثبتها في أوله. 16807 - وجواب ثالث: قال إذا وقعت الحدود] فلا شفعة، يعني بالقسمة حتى لا يظن ظان أن القسمة إذا كانت تمليكًا من كل واحد من الشريكين للآخر كالتمليك بالبيع. 16808 - فإن قيل: أول الخبر يقتضي وجوب الشفعة فيما بيع، وآخره يقتضي نفي ما أثبته أولًا، وهو سقوط الشفعة في البيع لا في القسمة. 16809 - قلنا: أول الخبر ما اقتضي الشفعة في البيع؛ لأنها عندكم تجب في البيع والنكاح والخلع والإجارة فالمراد من أول الحديث التمليك والقسمة فيها معنى تمليك فقد نفي بعض ما أثبت. 16810 - ثم قوله عليه الصلاة والسلام: (فإذا وقعت الحدود فلا شفعة) ينصرف إلى صرف الحدود لا إلى أول الخبر؛ لأن من حكم الغاية أن يتعلق ما بعدها بما قبلها، وهذا يوجب نفي الشفعة عن القسمة لا عن التمليك المضمر في أول الخبر. 16811 - جواب أخر: وهو أن قوله عليه الصلاة والسلام: (فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق [فلا شفعة) تقتضي سقوط الشفعة بهذين الشرطين فإذا وقعت الحدود

ولم تصرف الطرق] لم تسقط؛ لأن الحكم إذا علق سقوطه بشرطين لم يسقط بوجود أحدهما، فاقتضي الظاهر أن الحدود إذا وقعت ولم تصرف الطرق فالشفعة واجبة بالشركة في الطريق الذي لم يقسم، والطريق الضيق الذي لا يقسم. 16812 - قالوا: روي عن عمر وعثمان رضي الله عنهما مثل قولنا ولا مخالف لهما. 16813 - قلنا: ذكر أصحابنا عن ابن مسعود - رضي الله عنه - وجوب الشفعة للجار وعن أبي رافع مثله وكان شريح يقضي بشفعة الجوار وخلافه معتد به على عثمان - رضي الله عنه -؛ لأنه قضى في خلافته. 16814 - قالوا: ملكه محوز عن ملكه، فوجب أن لا يستحق أحد الملكين بشفعة لملك الآخر. أصله: إذا كان بينهما طريق نافذ.

16815 - قلنا: الشفعة تثبت في الأصل ليدفع الشفيع عن نفسه [الأذية] ويجمع الملكين فيصير أن ملكًا واحدًا، وهذا موجود في الشريك والجار، فإذا حصل الطريق بين الملكين فهذا المعني لا يوجد. 16816 - ولأنه إذا لم يكن بينهما طريق [فالخلطة موجودة في الحائط والتأذي بسوء المشاركة موجود إذا كان بينهما طريق] فلا شركة بينهما في شيء فلم تجب الشفعة. 16817 - قالوا: ما لا يجب فيه إذا ملك بعقد النكاح لم يجب إذا ملك بعقد البيع كالعروض. 16818 - قلنا: المعني في سائر الأموال أن الشركة فيها لا تؤدي إلى المجاورة، وليس كذلك المقسوم، لأن الشركة [فيه] تؤدي إلى المجاورة. 16819 - ولأن سائر الأموال لا يخشي فيها التأذي على وجه الدوام، والمقسوم يخشي فيه التأذي على وجه الدوام. 16820 - قالوا: الشفعة وجبت لإزالة الضرر عن الشفيع، فلو أوجبنا للجار، دخل الضرر على البائع، لأنه لا يقدر على بيع داره بقيمتها، لأن أحدًا لا يقدم على ابتياعها لعلمه أن الشفيع يأخذها منه بالشفعة وهذا ضرر، والضرر لا يزال بالضرر. 16821 - قلنا: الضرر قد وجب بالشرع إزالته عن الشفيع [وإن لحق غيره، بدلالة أن أخذ المبيع ضرر بالمشتري، فقد وجب إزالة الضرر عن الشفيع] بهذا الضرر، ثم هذا غلط؛ لأن عندهم الشفعة تجب في المشاع فإذا أراد الشفيع إسقاط شفعة شريكه

قسم وباع. كذلك عندنا إذا أراد إسقاط الشفعة، باع الدار إلا الحائط المشترك، وباع الدار إلا ذراعًا من طول الجدار، ثم يهب ذلك الذراع فيسقط الضرر عن نفسه بهذا كما يسقط الشريك الضرر عندهم بتكليف القسمة. 16822 - قالوا: زعمتم أن الشفعة تجب لخوف التأذي وهذا يبطل بإيجار المحاذي. ويمكن إزالة الضرر بالسلطان. 16823 - وعندنا: يجب لتكمل انتفاعه بالدار، فإن انتفاعه بالنصف مع الإشاعة أكثر من انتفاعه إذا قسم بالثمن والمبايعة؛ لأنه سقط عند إحداث المرافق إن قاسمه المشتري فاحتاج إلى باب وبئر وبالوعة ويسقط عن نفسه أجرة القسام وهذه المعاني: خوف التأذي- باطلة، واعتبار الحق أولى. 16824 - قلنا: قد بينا أن التأذي بالباطل لا نعتبره، وإنما نعتبر التأذي بالحق على ما قدمنا وبينا الكلام على أجرة القسام، وإنما يبطل بالشركة في المنقولات. وأما كمال الانتفاع وسقوط المؤن بالمرافق؛ فمثله موجود في الجار. 16825 - لأنه إذا أخذ بالشفعة استغني عن بناء الحائط الحاجز؛ ويكمل انتفاعه بملكه؛ لأنه يجرى ماؤه إلى الدار التي يأخذها، وقد كان لا يتمكن من ذلك ويستطرقها إلى طريق آخر وقد كان يمنع من ذلك ويساوي الجار الشريك في هذين الوجهين. ***

مسألة 828 طلب الشفعة

مسألة 828 طلب الشفعة 16826 - ظاهر رواية الأصل: أن طلب الشفعة على الفور، وروي هشام عن محمد أنه على المجلس، ولم يحك خلافًا.

16827 - وللشافعي رحمه الله أربعة أقوال: 16828 - أحدها: على الفور. 16829 - والثاني: ثلاثة أيام. 16830 - والثالث: على التأييد [إلا أن للمشتري مطالبة الشفيع أن يأخذ أو يسقط حقه. 16831 - والرابع: أنه على التأييد] كحق القصاص وليس على المشتري مطالبة الشفيع بالأخذ أو الإسقاط. ونص في اختلاف العراقيين على أنه إذا أسقطها فله أن يرجع في مجلسه ويطالب بها. 16832 - قال ابن شريح: وفيه وجه آخر: أنه لا يطالب بعد الإسقاط فإن دلفنا على الفور، فما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الشفعة لمن واثبها) وقال: (إنما

الشفعة كنشطة عقال إن قيدها مكانها يثبت حقه وإلا فالغرم عليه). 16833 - وروي: (فإن ترك فاللوم على من تركها). 16834 - ولأنه خيار تملك، ولا يختص بثلاثة أيام، ولا يقف على التأييد كخيار القبول. 16835 - ولأنه خيار يثبت من طريق الحكم فلا يتقدر بالثلاث كخيار العيب. ولأنه ترك المطالبة في المجلس الذي بلغه فيه البيع فوجب أن تبطل شفعته إذا بيعت الدار بعبد فمات قبل القبض ثم علم الشفيع فترك الطلب. 16836 - وأما إن دللنا على المجلس فلأنه اختيار تملك كخيار المخيرة، ولأن الشفيع يحتاج إلى الفكر والارتياء. 16837 - فإن قلنا: إنه على الفور لم يتمكن من اختيار الأصلح له، وفي هذا إلحاق ضرر به ولأنه طلب في المجلس الذي علم فيه البيع؛ فكان له الشفعة، كما لو

علم بالبيع وهو في الصلاة فتمها ثم طلب. 16838 - فإن احتجوا بالخبرين. 16839 - قلنا: إذا طلب في مجلسه فقد واثبها، ولأنه قال في الخبر الآخر: إن فقدها مكانها/ فاعتبر المكان وهذا معني المجلس. 16840 - قالوا: أخرها عن غير عذر، فصار كما لو طلبها بعد المجلس. 16841 - قلنا: يبطل إذا علم وقد دخل الوقت، فتوضأ، فأذن، وصلى، فإنه يقدر على الطلب ويؤخر الصلاة إلى وسط الوقت أو آخره، ولأنه إذا قام من مجلسه قبل المطالبة فقد أعرض عما هو فيه بدلالة المخيرة. وإذا لم يقم ولم يتشاغل فهو في الارتياء فلم يعرض عما هو فيه ومتى طلبه قبل الإعراض صار كالطلب على الفور. 16842 - قالوا: خيار جعل لإزالة الضرر عن الإنسان من ماله فوجب أن لا يختص بالمجلس كالرد بالعيب. 16843 - قلنا: الرد بالعيب حق تعلق بسبب مستقر، بدلالة أن المشتري وجب له على البائع تسليم المبيع بجميع أجزائه، فلم يسلم ما وجب عليه، والحق إذا تعلق بسبب مستقر لم يختص بالمجلس، وفي مسألتنا تعلق الحق بسبب لم يستقر- فهو كخيار المخيرة، وتسليم ثمن الصرف ورأس مال السلم- فيختص بالمجلس.

مسألة 829 حكم ما إذا كان بدل الشقص صداق امرأة أو خلع أو إجارة أو صلح دم عمد وغيرها

مسألة 829 حكم ما إذا كان بدل الشقص صداق امرأة أو خلع أو إجارة أو صلح دم عمد وغيرها 16844 - قال أصحابنا: إذا تزوجها على شقص، أو خالع به، أو استأجر به، أو صالح به من دم عمد فلا شفعة فيه. 16845 - وقال الشافعي: تجب الشفعة في هذه المواضع. 16846 - لنا: قوله عليه الصلاة والسلام: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه). 16847 - ولأنه مملوك بسبب لا يثبت فيه خيار الشرط كالمملوك بالهبة والوصية والميراث. ولا يلزم إذا حصل الشقص في رأس مال السلم أن الشفعة تجب فيه

والسلم لا يثبت فيه خيار الشرط؛ لأن الخيار يثبت عندنا، فإذا قبض الدار لم يملكها. ولو فسد العقد بغير جدار ملكها، فدل على أن الخيار ثابت. 16848 - ولأنه مملوك بعقد لا يفتقر إلى تسمية عوض كالهبة والوصية. 16849 - ولأنه ليس في مقابلته عوض هو مال كالهبة، أو ليس في مقابلته عوض يورث كالهبة. 16850 - فإن قيل: المعني في الهبة أنه ملكها بغير عوض. 16851 - وفي مسألتنا ملك بمعاوضة ما تقبل الشفعة. 16852 - قلنا: الهبة والوصية مملوكة بعوض هو الثواب، فعلة الأصل غير مسلمة وعلة الفرع لا تصح، لأن العوض إذا لم يكن له حكم الأموال جري مجري العوض الذي هو الثواب، فلم توجد الشفعة. 16853 - ولأنه عقد لا يستحق الجار بالشفعة المعقود عليه فيه، فلم يستحقه الشريك. أصله: بيع ما لا يقسم وعقد الوصية، ولأنه سبب لو ملك به الحمام، لم يؤخذ بالشفعة، فإذا ملك به غيره لم يؤخذ بها. أصله. الوصية والغنيمة، ولأنه نقل ملك البدل؛ فلا يصح في المهر كالتولية والمرابحة. 16854 - ولأن البضع لا يتقوم إلا على من ملك الاستباحة، أو أتلف المنفعة، والإتلاف يكون مشاهدة وحكمًا، فالشفيع لم يؤخذ منه ذلك، فلم يتقوم عليه. وإذا لم يجز تقويمه عليه تعذر أخذ الشقص بغير بدل، كما أن المملوك بالصدقة لما تعذر تقويم العوض الذي هو الثواب لم تجب الشفعة فيه. 16855 - فإن قيل: عندنا يتقوم البضع على المكره والشهود إذا رجعوا

والمرضعة. 16856 - قلنا: هذا كله إتلاف فقد دخل في التقييم. 16857 - فإن قيل: يجوز أن يتقدم على الشفيع وإن لم يؤخذ منه أحد هذه الأقسام، كما يأخذ الشقص بقيمة العوض [ويقوم العوض] عليه، وليس بملك له ولا متلف. 16858 - قلنا: هو متلف من طريق الحكم؛ لأن المبتاع إذا لم يسلم له المبيع استحق الرجوع بالعوض فيما أخذ الشفيع الدار ولا طريق له على العوض صار الشفيع كالمتلف للعوض عليه حكمًا فقومناه عليه. 16859 - وفي مسألتنا استحقاق المهر لا يوجب رجوع المرأة بالبضع حتى يقوم عليها ذلك، فصار الشفيع كالمتلف له فلم يتقوم عليه. 16860 - احتجوا: بقوله عليه الصلاة والسلام (الشفعة فيما لم يقسم). 16861 - قلنا: قد بينا أن أصل الخبر قضي بالشفعة فيما لم يقسم وقبل الشفعة. 16862 - وبينا: أن هذا يحتمل الفعل فلا يجوز دعوى عمومه حتى يثبت أنه قول، ثم قد أجمعوا على أن الشفعة تجب فيما لم يقسم إذا ملك بسبب، فأضمرنا البيع وأضمروا الملك، فوجب إضمار ما أجمعوا عليه وإسقاط زيادة إضمار لم تدل عليه الدلالة. 16863 - قالوا: معاوضة يملك بها ما يحتمل الشفعة فجاز أن تجب بها الشفعة كالبيع. 16864 - قالوا: وقولنا يملك بها ما يحتمل الشفعة احتراز من الكتابة. 16865 - قلنا: لا نسلم إطلاق المعاوضة؛ لأن [عقد] النكاح لا يقف على تسمية عوض، ولا يجوز أن يكون مرادهم أنه لا ينفك عن العوض؛ لأن عندهم قد

يخلو من العوض في المفوضة. 16866 - ولا يجوز أن يكون المراد به: أنه يصح ذكر العوض فيه، لأن هذا موجود في الهبة. ولأن البيع عقد، المقصود منه العوض بمالين، والنكاح ليس المقصود منه العوض فصار في حكم عقد المعاوضات. 16867 - ولأن البيع يجوز أن يكون عوضه بالتولية والمرابحة، فلم تجب فيه الشفعة ولأن البيع عوضه مال؛ فجاز أن تجب فيه الشفعة، والمهر عوضه ليس بمال؛ بدلالة أن الحربي إذا أخذ أمانًا لنفسه وماله جاز أن تسبى زوجته، ولو كان البضع مالًا له دخل في أمانة. 16868 - قالوا: الشفعة وجبت لإزالة الضرر لما يلحقه من نقصان التصرف وأجرة القسام وهذا موجود في المهر. 16869 - قلنا: هذا يبطل بالهبة والحمام وما لا يقسم؛ فإن الضرر فيه بنقصان التصرف أكثر، ولا شفعة فيه، والعروض فيها ضرر بأجرة القسام ولا أجرة فيها. 16870 - فإن قيل: الهبة لا تجب فيها الشفعة؛ لأنا لو أوجبنا ما [أخذناها] بعوض، وفي هذا ضرر بالموهوب له، فلم يجز إزالة الضرر بالضرر. 16871 - قلنا: كان يجب أن توجب الشفعة بقيمة الدار الموهوبة كما قال مالك لأن القيمة كالعوض، ألا ترى أن الإنسان يهب ليعوض في العادة مثل ما وهب؟. 16872 - قالوا: اعتبرتم المعاوضة بغير المعاوضات، واعتبرها الشافعي بمعاوضة غير مختصة، واعتبار الشيء بجنسه أولى. ولأن حكم المهر حكم الثمن بدلالة أنه يرد بالعيب ويرجع به عند الاستحقاق.

16873 - قلنا: إذا كانت الشفعة تجب في البيع وهي معاوضة بصفة، فمتى زالت الصفة فهو كزوال المعاوضات. ألا ترى أن ارتفاع أحد وصفي العلة كارتفاعهما، فمتى ألحقنا النكاح بالهبات فقد أعطينا العلة حكمها عند وجود شروطها، ورفعنا حكمها لارتفاع أحد الشرطين كما يرفع الزوال الشرط جميعًا، فأما الرد بالعيب فلا يستوي المهر والمبيع عندنا. 16874 - لأن في البيع يرد بكل عيب، والمهر يرد ببعض العيوب، والبضع لا يرد بعيب أصلًا؛ فلم يسلم التساوي. 16875 - ولأن الرد بالعيب والرجوع عند الاستحقاق حكم ثابت بين المتعاوضين، والنكاح معاوضة في حق الزوجية. والكلام في أنه هل يصير معاوضة في حق الشفيع أم لا؟ وقد بينا في حق الشفيع أنه [كالمملوك بغير عوض لأن السبب الذي به يتقوم العوض لا يوجد في حق الشفيع] فلا معني لاعتبار أحكام المعاوضات بين الزوجين. ***

مسألة 830 بم يأخذ الشفيع إذا اشتري المشتري الشقص بثمن مؤجل؟

مسألة 830 بم يأخذ الشفيع إذا اشتري المشتري الشقص بثمن مؤجل؟ 16876 - قال أصحابنا: إذا اشتري بثمن مؤجل فالشفيع بالخيار إن شاء أخذ بثمن حال، وإن شاء يدع، فإذا مضى الأجل أخذها. 16877 - وهو قول الشافعي رحمه الله في الجديد. 16878 - وقال في القديم يأخذها بثمن مؤجل، فإن كان الشفيع غير ملئ طالبه تكفيل نفسه. 16879 - وقال في الشروط يأخذها بسلعة تساوي ذلك الثمن بمثل ذلك

الأجل. 16880 - لنا: أنها مدة ملحقة بالعقد؛ فلا تثبت في حق الشفيع كمدة الخيار. 16881 - ولأنه ملك بسبب لم يشترط فيه التأجيل، فلم يتأجل البدل في حقه كما لو كان في البيع بعض ملحق، ولأنه تمليك بمثل الثمن؛ فلا يثبت التأجيل من غير شرط كالتولية. 16882 - ولأن الشفيع يملكها بسبب حادث، فلا يتأجل الثمن عليه كالوارث. 16883 - وأما القول الآخر: فلأن المبيع وقع بثمن فلا تجب الشفعة بالسلعة؛ كما لو اشتري حالًا. 16884 - ولأن السلعة لو اشتري بها لم يأخذ بها، فإذا اشتري بعدها أولى. 16885 - احتجوا: بأن الأجل صفة للثمن كالسواد. 16886 - قلنا: الأجل [ليس] بصفة بدلالة أن الثمن يحل فيسقط، ولو كان صفة لم يحل للموصوف منه، وإنما هو حق أثبته البائع للمشتري في ماله فلا يثبت لغيره إلا برضاء من له الحق. 16887 - قالوا: أحد صفتي الثمن فكان للشفيع الأخذ بها كالحلول. 16888 - قلنا: الأخذ بالحال لا يؤدي إلى الإضرار بالمشتري؛ والأخذ بالأجل إضرار به، لأن ماله يتأجل بغير اختياره. 16889 - احتجوا للقول الآخر فقالوا: لا يجوز أن يأخذه بثمن حال؛ لأنه إضرار بالشفيع: يأخذ ما يساوي مائة إلا سنة بمائة نقدًا. 16890 - ولا يجوز أن يأخذه إلى سنة، لأنه إضرار بالمشتري، ولا يجوز أن يخير

بين أن يؤخر الأجل أو يأخذه في الحال، لأن حق الشفيع في الأخذ لا تخيير فيه، فلم يبق إلا أن يأخذه بالسلعة. 16891 - قلنا: إذا كان الشفيع لا يخير فيه بين التقديم والتأخير، فكذلك الشفعة إذا وقع البيع [بالأثمان] لم يؤخذ بالسلع، فلم يكن برد أحد الأمرين أولى من الآخر بل كان التخيير أولى. 16892 - لأن الشفعة قد يتأخر أخذها إذا تعذر تعجيله بغيبة الشفيع وبغيبة المشتري عندنا/، فجاز أن يوجد في مسألتنا إذا تعذر الأخذ في الحال. ولم يثبت في الأصول لما قالوه نظير؛ لأن الشفعة لا تؤخذ بالسلعة، وإن بيعت بها فأولى أن لا يؤخذ بها إذا بيعت بالأثمان. ***

مسألة 831 هل تجب الشفعة للأخ والعم أو للأخ فقط

مسألة 831 هل تجب الشفعة للأخ والعم أو للأخ فقط 16893 - قال أصحابنا: إذا مات الرجل وترك ابنين ودارًا فمات أحدهما وترك ابنين فباع أحدهما نصيبه فأخوه وعمه في الشفعة [سواء]. 16894 - وهذا أحد قولي الشافعي. وله قول آخر: أن الأخ أولى. وكذلك لو اشتري رجل نصف دار فاشتري اثنان نصفها فباع أحدهما فشريكه أولى من المشتري عنده. 16895 - لنا: قوله عليه الصلاة والسلام (الشفعة للشريك الذي لم يقاسم)

ولأنهم شركاء في نفس المبيع، فكانوا شركاء في الشفعة كما لو ملكوا بسبب واحد. 16896 - ولأن العم لو باع نصيبه كان لكل واحد منهما الشفعة، وكل شريكين ثبت لأحدهما الشفعة في نصيب شريكه ثبت لشريكه في نصيبه إذا [كانا] ملكا بسبب واحد. 16897 - احتجوا: بأن الأخوين ملكا بسبب واحد، فملك أحدهما إلى الآخر أقرب فكان أولى به، كالشريك والجار. 16898 - وقلنا: قرب الملك واحد وإن اختلف الأسباب، والشفعة تجب بقرب الملك لا بأسبابه. 16899 - قالوا: سببهما كالشيء الواحد بدلالة أن رجلًا لو أقام البينة أن أباهما غصبه أخذ نصيبه أو نصيب عمهما، فدل أنه كالشيء الواحد. 16900 - قالوا: لو قسمت الدار قسم للعم نصفها [ولهما نصفها]. 16901 - قلنا: لا نسلم؛ لأن الواجب قسمة نصيب كل واحد منهم وإفراده عن نصيب الآخر، فإن اختاروا جمع النصيبين ووقف ذلك على التراضي؛ فيجوز أن يجمع نصيب الأخوين باختيارهما، كما يجوز أن يجمع نصيب أحدهما إلى نصيب عمه باختياره. ***

مسألة 832 هل الشفعة بين الشركاء على هدد الرءوس أم على مقادير الأنصبة؟

مسألة 832 هل الشفعة بين الشركاء على هدد الرءوس أم على مقادير الأنصبة؟ 16902 - قال أصحابنا: الشفعة بين الشركاء على عدد الرءوس. 16903 - وهو أحد قولي الشافعي. وقال في القول الآخر: إنها على مقادير الأنصباء. 16904 - لنا: قوله عليه الصلاة والسلام: (الشفعة للشريك الذي لم يقاسم). وهذا يقتضي تعلقها باسم الشركة، وقد تساووا في ذلك. 16905 - ولأن كل واحد منهما لو انفرد استحق الجميع قل أو كثر بالسبب الذي يستحق به صاحبه، وإذا اشتركا تساويا، أصله ميراث الابنين وعكسه الدينين المتفاضلين.

16906 - ولا يلزم الفارس والراجل في الغنيمة؛ لأن الفارس لا يستحق بالسبب الذي يستحق به الراجل؛ لأن الفارس يستحق بنفسه وفرسه والراجل يستحق بنفسه. 16907 - ولا يلزم إذا ترك مائة وعليه لرجل مائة ولآخر مائتان؛ لأن صاحب المائة لا يستحق جميع التركة قلت أو كثرت. 16908 - ولا يلزم العبد بجني جنايتين مختلفتين؛ لأن ولي الجناية لا يستحق العبد وإنما يستحق الأرش، وللمولي إسقاط ذلك عن نفسه بتسليم العبد؛ فلم يصح أن يقال كل واحد منهم يستحق جميعه عند الانفراد. 16909 - ولا يلزم الأب والابن والبنت وبنت الابن؛ لأنهم لا يستحقون [بسبب واحد. ألا ترى أن الأبوة ليست البنوة، والبنت تذكر به وبنت الابن تذكر بابنه فاختلف سببهما؟. 16910 - ولأنه مستحق] الشفعة فاستحق عند قلة النصيب ما استحقه عند كثرته. أصله: إذا انفرد. 16911 - ولأنهما شريكان اشتركا في أخذ مشفوع، فوجب أن يتساويا في قدر الاستحقاق. أصله: إذا اشتري نصيبها وانفرد أحدهما بالشركة في حق المبيع. 16912 - فإن قيل: نقلب فنقول: فوجب أن يستحقا بقدر نصيبه. 16913 - قلنا: لا نسلم؛ لأن الشريك في الطريق استحق النصف، وقد زادت شركته على شركة الآخر، ولأنه قد ثبت لهما حق الملك ببيع مطلق فوجب أن يتساويا في التمليك، كما لو وجب البيع لهما. 16914 - احتجوا: بأنه حق مستفاد بالملك، فوجب أن يتقسط حال الاشتراك

على قدر الملك كالثمار والنتاج وغلى العقار. 16915 - قلنا: لا نسلم أنه حق يجب بالملك، وإنما يجب بمعنى يوجد بوجود ملك مخصوص، وهو خوف التأذي على وجه الدوام، ولهذا تجب الشفعة للمكاتب ولا ملك له، ولا يجب في العروض مع وجود الملك؛ لفقد التأذي فيها على وجه الدوام. 16916 - وقولهم: المكاتب مستحق للشفعة بالملك وإن كان غير مالك لا يصح، لأن المعتبر استحقاق المالك في الملك عندهم. لولا ذلك استحقت الشفعة بالوقف، لأنه ملك ولكن لا مالك له. 16917 - فإن قال مخالفنا أن الشفعة تستحق بالملك لم نسلم له، وإن قال بمعني يوجد بوجود الملك، قلنا لم يوجد في الأصل، أو يبطل بعبد بين ثلاثة، لأحدهما النصف وللآخر السدس؛ اعتق صاحب النصف والسدس نصيبهما معًا؛ انتقل الثلث إليهما نصفين ولم يتقسط على قدر ملكهما. 16918 - فإن قالوا: الضمان ههنا بالجناية فتقسمها على عدد الجناة. 16919 - قلنا: لسنا نلزمكم الضمان، وإنما نلزمكم انتقال نصيب صاحب الثلث إلى المعتقين، والانتقال يوجد عند الشافعي قبل الضمان، ثم يكون الضمان بقدر المنتقل. 16920 - فلم يصح قولهم إنه ضمان متعلق بالجناية ثم قول مخالفنا، فوجب أن يتقسط على قدر الملك عند الاشتراك. يقال له: إن أردت أنه يتقسط بقدر الملك عند الثبوت والوجوب لم يصح؛ لأن كل واحد من الشريكين يثبت حقه في جميع الشقص. 16921 - وإنما ينتقص بالمزاحمة؛ بدلالة أن أحد الشريكين لو ترك أخذ الآخر الجميع. وإن أراد الحق ثبت بقدر الملك عند المضايقة والمزاحمة، لأن حق كل واحد من الشريكين من الثمار لم يثبت إلا في مقدار ملكه، ولم يثبت له حق فيما يخص الآخر بمال. وهذه الطريقة هي الفرق. وذلك لأن الشفيعين كل واحد منهما ثبت حقه في جميع المشفوع بكل سببين متماثلين، فتعلق حق كل واحد منهما بمثل ما تعلق به حق الآخر فتساويا، والنماء بخلاف ذلك. 16922 - ولأن الولد والثمر متولد من الملك فانقسم على قدره، والشفعة تستحق بمعني متساو يعتبر فيه الملك، فصار كالوصية للجيران، أن يكون صاحب القليل والكثير

سواء، وإن اختلف ملكهما. 16923 - قالوا: تخصيص الشفعة بالملك أقوى وأكد من تخصيص النماء، بدلالة أن النماء يستحقه عن المالك بالوصية [به] والشفعة لا تستحق إلا بقدر الملك، فإذا كان النماء على قدر الملك فلأن تكون الشفعة على قدر الملك أولى. 16924 - قلنا: يبطل بانتقال نصيب الشريك إلى المعتقين على ما قررنا؛ فإنه يختص بالملك ثم لا ينتقل على قدر اختصاص الشفعة، فلم يمنع أن يستحق بها عند الانفراد الجميع؛ فالنماء الذي يختص بالملك لا يستحق فيه الجميع فكذلك عند الاجتماع لا يمنع أن يستحق الشقص [و] المشفوع مالا يستحق من النماء والغلة. ***

مسألة 833 هل تسقط الشفعة بموت الشفيع

مسألة 833 هل تسقط الشفعة بموت الشفيع 16925 - قال أصحابنا: إذا مات الشفيع سقطت شفعته، ولم تنتقل إلى وارثه. 16926 - وقال الشافعي رحمه الله: تنقل إلى وارثه. ونقل المزني: أنها بينهم على عدد الرءوس: الزوجة والابن سواء. 16927 - وقال ابن سريج والمروزي: تنتقل على قدر مواريثهم. 16928 - لنا: أنه خيار الاستحقاق بالثمن، فوجب أن لا يورث، كخيار القبول

في البيع والتولية. 16929 - ولأنه خيار لاستجلاب مال كخيار القبول. ولا يلزم خيار العيب، لأنه يثبت لاستدراك السلامة. 16930 - ولأنه خيار تملك كخيار القبول وخيار المخيرة. 16931 - فإن قيل: المعني في خيار القبول أنه ليس بثابت، بدلالة أن من أوجه يملك أن يرجع عنه، وخيار الشفعة ثابت، بدلالة أن من ثبت عليه لا يملك إسقاطه. 16932 - قلنا: خيار الشفعة ليس بثابت بدلالة أنه يبطل بالسكوت وبزوال ملكه عن الشقص الذي به شفع، فإن فرقوا بالثبوت لم نسلم ذلك، فإنهم ذكروا إحدى علامات الثبوت، وإن جعلوا التفسير فرقًا، فقالوا: الشفعة لا تملك من يثبت عليه إسقاطها. قلنا باطل بالرد بالعيب. 16933 - لأن البائع يملك إسقاطه بأن يجنى على المبيع في يد المشتري، ومع ذلك ينتقل إلى الوارث، ولا تملك المرأة إسقاط حق الزوج عن بضعها، ولا يورث. 16934 - ولأن الوارث لا يستحق الشفعة حال إبرام العقد فلم يستحق له بذلك العقد أبدًا، أصله وارث الجار والموصى له. 16935 - ولأن الشقص الذي تثبت به الشفعة كان ملكًا لغيره، فلم يستحق هذه الشفعة. أصله المشتري والموصى له. ولأن الوارث أخذها لنفسه، فملكه حادث، كملك الموصى له، وإن أخذها للميت فقد زال ملك الميت عما يشفع به، فصار كمن باع نصيبه بعد وجوب الشفعة. 16936 - فإن قيل: لا يستحق الوارث لجوار مستحدث، وإنما ترك الدار بحقوقها. 16937 - قلنا: فالسؤال باق، إلا أنا نقول: إذا ورث هذا الحق لم يحل أن يأخذها لنفسه وللميت.

16938 - احتجوا: بقوله تعالى: {ولكم نصف ما ترك أزواجكم}. 16939 - قلنا: الشفعة تسقط بالموت فلا تكون متروكة. 16940 - قالوا: كل ما كان للإنسان إلى حين موته، إما أن يبقي، أو ينقل إلى وارثه. 16941 - قلنا: بضع المرأة لم يبق على ملكه ولا انتقل إلى وارثه. وتصدق الإمام كان حقًا [له] إلى حين موته مستقر بدلالة أن المسلمين لا يملكون فسخه ولم يبق له بعد موته/ ولا انتقل إلى وارثه. 16942 - وحق الرجوع في الهبة كذلك، ونفي نسب ولده كان حقًا إلى حين الموت، ولم يبق على ملكه، ولا انتقل إلى وارثه. 16943 - قالوا: خيار ثابت لدفع الضرر عن ماله، فوجب أن يقوم الوارث مقام مورثه فيه، كخيار العيب. 16944 - قلنا: لا نسلم أنه خيار ثابت على ما قدمنا، ولأن خيار العيب يثبت للمشتري، وبعد موته يسبق فيه الوارث. 16945 - ألا ترى أنه إذا تعذر الرد أخذ الأرش، وقضيت منه ديونه، ونفذت وصاياه، فلذلك لم يؤثر الموت فيه. 16946 - وخيار الشفعة لا يسبق فيه الوارث للميت، بدلالة أنه لا يقضي بالشقص ديونه؛ ولا ينفذ فيه وصاياه، فعلم أن الوارث يأخذ لنفسه، ولم يثبت له هذا الحق بالعقد، فلا يثبت بعده. 16947 - ولأن خيار العيب فيه [معنى] المال، بدلالة أنه يسقط حكمًا ولا يجب المال عند سقوطه؛ فلم يورث كالوكالة، والمضاربة.

16948 - قالوا: من ورث مالًا ورثه بحقوقه؛ بدلالة أن من ورث أرضًا ورثها بحقوقها، ومن ورث دينًا به رهن ورث الرهن، وكذلك لما ورث الشقص ورثه بحقه الذي هو الشفعة. 16949 - قلنا: لا نسلم أن الشفعة من حقوق الشقص وإنما هو يثبت للمالك بسبب الملك، كما ثبت له جواز التصرف فيه. 16950 - وأما حقوق الدار فهي ملك لصاحبه فيورث كنفس الدار، وأما الرهن والكفالة ففيهما معنى المال؛ لأن الرهن يستوفى الدين منه عند الفلس، والكفيل يؤخذ المال منه. 16951 - والحقوق التي فيها معنى المال تورث، وحق الشفعة ليس فيه معنى المال. وإنما هو سبب للتملك بعوض [كالقبول] في الشراء [والإقالة]. 16952 - قالوا: الشفعة لإزالة الضرر كالقصاص، ثم ثبت أن القصاص يورث. كذلك الشفعة. 16953 - قلنا: القصاص فيه معنى المال، بدلالة أنه إذا سقط بشبهة وجب المال، وحق الشفعة بخلاف ذلك. 16954 - قالوا: الشفعة تعلقت بشقصين: المبيع، والمشفوع، ثم انتقال الملك إلى وارث المشتري لا يسقط الشفعة، كذلك انتقال الشقص المشفوع لا يسقط الشفعة. 16955 - قلنا: الشفعة حق [على] المشتري، وليس إذا لم يسقط الحق بموت من عليه الحق لم يسقط بموت المستحق، كما أن الأجل يسقط بموت المستحق له ولا يسقط بموت صاحب الدين.

16956 - ولأن زوال ملك المشتري بالبيع لا يسقط الشفعة عنه، فكذلك انتقال الملك بموته. ولما سقطت الشفعة زال ملك الشفيع في حال حياته، كذلك إذا زال بموته. 16957 - فإن قيل: إذا باع فقد رضي بإسقاط حقه فسقط بإسقاطه، وإذا مات فلم يرض بإسقاطه حقه فلم يسقط. 16958 - قلنا: لو زال ملكه في حال حياته بغير اختياره، مثل أن يبيعها الحاكم سقطت الشفعة، وإن كان لم يرض بإسقاط حقه. ***

مسألة 834 حكم تلف الشقص المشفوع

مسألة 834 حكم تلف الشقص المشفوع 16959 - [قال] أصحابنا: إذا انهدم البناء وحدث النقص بآفة من السماء [أو] احترق فالشفيع بالخيار: إن شاء أخذ الباقي بكل الثمن، وإن شاء تركه، فإن ذهب بفعل آدمي أخذها الشفيع بحصتها إن شاء، ولا يأخذ البناء المنقوض. 16960 - واختلف قول الشافعي رحمه الله في هذا، فاختلف أصحابه في توجيه قوله على طرق، إلا أن ظاهر مذهبه إذا احترق البناء أنه على قولين:

16961 - أحدهما: يأخذ الباقي بكل الثمن. والآخر: يأخذ بحصته. ومنهم من قال: إذا هدمه آدمي على قولين. 16962 - واختلفوا في الأنقاض، فمنهم من قال: يأخذها مع العرصة بالشفعة. 16963 - ومنهم من قال: لا يأخذها. 16964 - وقال الشافعي متكلمًا عن أبي حنيفة رحمه الله: إن ذهب بفعل آدمي أخذه بالحصة، وإن ذهب بآفة سماوية أخذه بكل الثمن، ثم ناقض هذا فقال: وإن غرقت بعض العرصة أخذ الباقي بكل الثمن أو تركه. 16965 - الدليل على أن الشفيع لا يأخذ النقض: أنه منقول منفصل عن المشفوع، فلا يؤخذ بالشفعة كالثمرة إذا انفصلت. 16966 - وإنما قلنا إنه يأخذ بكل الثمن إذا ذهب بآفة من السماء أنه نقص حصل بغير فعل آدمي، فأشبه إذا دخله في يد المشتري عطب بتشقيق الحيطان أو وهن السقوف. 16967 - ولأنه يأخذها بالثمن الآجل فلم يحط عنه شيء لنقص بغير فعل آدمي. أصله المشتري تولية. 16968 - واعتمد أصحابنا في هذا على المبيع في يد البائع، فقال مخالفنا: هو على قولين أيضًا. 16969 - والدليل على أن البناء [إذا هلك] بفعل المشتري أو أجنبي سقطت

حصته، أن العقد يتناول شيئين، فإذا أخذ الشفيع أحدهما لم يبق الباقي للمشتري بغير شيء. أصله: إذا اشتري شقصًا وثوبًا. 16970 - ولأن المشتري أتلف بعض المبيع؛ فكان للشفيع أخذ الباقي بالحصة أصله: إذا أكل الثمرة. 16971 - احتجوا على أنه يأخذ الباقي بالحصة: أنه أخذ بالشفعة بعض ما تناولته الصفقة فوجب أن يكون بالحصة من الثمن، كما لو اشترى شقصًا وسيفًا. 16972 - قلنا: لا نسلم أن للبناء حصة بالعقد، وإنما الثمن في مقابلة العرصة والبناء لا حصة لها، ولا يقابلها عوض إلا أن ينفصل بفعل مضمون. وإن كان جميع الثمن في مقابله العرصة لم يصح قولهم أنه يأخذها بالحصة ولا حصة هناك منقسمة، وإنما الثمن كله في مقابلة العرصة. وأصلهم: إذا ابتاع شيئين وهلك أحدهما فالثمن ينقسم عليهما. وهنا البناء تابع، فالبدل في مقابلة المشفوع دون البيع. 16973 - قالوا: الشفيع يأخذ بما قابل المبيع من الثمن. 16974 - قلنا كذلك نقول في الثمن كله مقابل للعرصة، فقد قلنا بموجب كلامهم. 16975 - قالوا: الدليل على أن يأخذ الأنقاض أنه يقبلها بالثمن الذي وقع المبيع عليه والاستحقاق وجب [له ضمن] العقد؛ فكان له أخذ كل ما يتناوله عقد البيع. 16976 - قلنا: الأبنية متعلق بها الشفعة لاتصالها بالعرصة، فإذا انهدمت زال المعنى الذي أوجب استحقاقها فصارت كالمقبوض حال العقد. 16977 - وما قاله الشافعي رحمه الله مناقضة على صورة المسألة، ويجب أن تكون المناقضة على معنى. فأما قوله: إذا غرقت بعض العرصة أخذ الباقي بالحصة فهو سهو منه؛ لأن

العرصة لا تذهب بالغرق، وهو مخير عندنا: إن شاء أخذ بجميع الثمن، وإن شاء ترك. ***

مسألة 835 حكم ما لو بني المشتري أو غرس في الشقص الذي اشتراه

مسألة 835 حكم ما لو بني المشتري أو غرس في الشقص الذي اشتراه 16978 - قال أصحابنا: إذا بني المشتري أو غرس كان للشفيع نقض البناء والغرس [أو أخذ المبيع بالثمن]، وإن شاء غرم له قيمة البناء والغرس مقلوعًا وأخذه. 16979 - وقال الشافعي: الشفيع بالخيار: إن شاء أخذ بالثمن وبقيمة البناء والغرس، وإن شاء ألزم المشتري القلع بشرط أن يضمن له النقصان، وإن شاء ترك الشفعة. 16980 - لنا: أن الشفيع له حق في استحقاق يد المشتري بعد البناء والفرس بغير رضائه، ولا رضا من قام مقامه، فوجب أن يكون له نقض البناء وقلع الغرس من غير ضمان. أصله: المستحق. 16981 - ولا يلزم المقبوض على وجه بيع فاسد إذا بني فيه. ومن اشتري دارًا بعبد

فبني فيها، ثم أصاب بائع الأرض بالعبد عيبًا فرده، لأن ههنا يثبت له حق في استحقاق اليد بعد البناء. 16982 - فإن قيل: المعني في المستحق أنه غرس في ملك غيره. وههنا غرس في ملكه الذي يملك بيعه. 16983 - قلنا: علة الأصل تبطل على مذهبك بالمستأجر والمستعير، وعلى الفرع لا تصح؛ لأنه وإن بني في ملكه فهو في حكم من بني في ملك غيره في استحقاق يده، كذلك في نقض تصرفه. 16984 - فإن قيل: إذا استحقت الأرض فقد تعدي في التصرف. 16985 - قلنا: المشتري إذا بني ولم يعلم فغير متعد. 16986 - فإن قيل: المستحق يقلع الزرع، [والشفيع] لا يقلع الزرع فلم يقلع الغرس. 16987 - قلنا: الشفيع يقلع الزرع، عندنا في الباقي، والكلام ليس هو في أوقات القلع وإنما هو في وجوب القلع. ولأنه تصرف في المبيع مع تعلق حق الشفيع به فكان تصرفه كالتصرف في ملك الغير، أصله إذا باع. ولا يلزم إذا زرع؛ لأن تصرفه كالتصرف في ملك الغير، بدلالة أن يترك في الأرض بالأجرة. 16988 - ولأنه تصرف يلزم الشفيع زيادة لم يوجبها البيع، فكان له الأخذ من غير التزام [بشيء]. أصله: الزيادة في الثمن. 16989 - ولأن كل من لو تصرف في ملكه بالبيع كان للغير نقضه إذا تصرف فيه بالبناء كان له المطالبة بنقصه من غير ضمان. أصله الراهن إذا بني في الرهن وقيمة الأرض إذا قلع البناء أكثر وهي لا [تفي] بالدين مع نقصانها. 16990 - فإن قيل: الراهن ليس له التصرف بالبناء فكذلك القلع. 16991 - قلنا: يبطل إذا كان البناء لا ينقص الأرض وعلة الفرع لا تصح؛ لأن المشتري وإن ملك البناء فإنه يملك شرط إسقاط الشفيع لحقه، بدلالة أن لو طالبه/ وخاصمه لم يملك البناء، فإذا قضى له فلم يوجد الشرط الذي أبيح البناء لأجله فصار

كمن تصرف وليس له حق التصرف. 16992 - ولأنه تصرف من المشتري في المشفوع ليس له مدة ينتهي إليها، فكان للشفيع نقضه كالبيع. 16993 - احتجوا: بأنه غرس ملكه في ملكه الذي يملك بالبيع فوجب أن لا يجبر على قلعه، كما لو غرس في ملك له مطلق، أو الموهوب له إذا غرس. 16994 - قلنا: الحكم لا يصح، لأنه [لا] يجبر على قلعه بإجماع. 16995 - وإنما الخلاف هل من شرط القلع الضمان؟ فإن أطلقت الحكم [لا يصح لأنه يجبر على قلعه] وهو موضع الإجماع، وإن شرطت لم يوجد الوصف في الأصل. والمعنى في الملك المطلق أن حق الغير لا يثبت في استحقاق يده من غير رضائه ولا رضاء من يقوم مقامه، فجاز أن يستحق قلع غرسه بغير ضمان. 16996 - والمعنى في الهبة أن الغرس لا يقع بشرط ضمان النقصان، فلم يقع من غير ضمان. 16998 - قالوا: غرس من غير متعد فلا يجوز قلعه مع الإضرار من غير رضاء.

أصله المستعير للغرس مدة مؤقتة. 16999 - قلنا: هناك وجد ممن يثبت له القلع غرورًا بالغارس، فيضمن النقصان بالغرور وهذا المعنى [ليس] موجودًا في الشفيع. 17000 - قالوا: الأرض والغرس مملوك الرقبة والمنفعة، ويده ثابتة عليه بحق، فوجب أن لا يقلع بناؤه مع الإضرار. أصله: الصداق. 17001 - قلنا: المعنى فيه أنه مال مملوك بالمناكحة، فلم يملك الشريك الاعتراض فيه كالميراث. 17002 - وفي مسألتنا عقار مملوك بالبيع، فملك الشفيع المطالبة بنقض البناء الحادث، كما لو بني بعد المخاصمة. 17003 - قالوا: من لا يقلع زرعه لا يقلع غرسه، كالزوجة في الصداق. 17004 - قلنا: لا نسلم؛ فإن الزرع عندنا يقلع إذا لم يبذل صاحب الزرع الأجرة. والمعنى في الصداق [ما] ذكرنا]. 17005 - قالوا: حق الشفيع لا يملك به إجبار المشتري على قلع ما أحدثه. أصله إذا زرع. 17006 - قلنا: حق الشفعة يوجب قلع المستحدث باتفاق [والكلام في شرط الضمان ولأن الزرع مستحق القلع] إلا أن له مدة ينتهي إليها، فأقررناه بأجرة حتى يوفى كل واحد منهما حقه، وهذا لا يوجد في الغرس. 17007 - قالوا: روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (ليس لعرق ظالم حق) دليله أن عرق غير الظالم له حق.

17008 - قلنا: ذلك يقتضي ثبوت الحق لعرق واحد، ولا يقتضي العموم. وعندنا ههنا له حق فسقط التعلق بالدليل. ***

مسألة 836 الشفعة فيما لا يحتمل القسمة

مسألة 836 الشفعة فيما لا يحتمل القسمة 17009 - قال أصحابنا: الشفعة واجبة في الحمام والرحى والبئر. 17010 - وقال الشافعي رحمه الله: ما لا يجوز قسمته شرعًا لا شفعة فيه. 17011 - لنا: حديث جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الشفعة في كل شرك: ربع أو حائط). 17012 - ولأن ملكه متصل بالمبيع فوجبت له الشفعة كما وجبت يقسم. 17013 - ولأن الشفعة واجبة في البقعة قبل البناء فوجبت بعده كالدار الكبيرة. 17014 - ولأن كل بقعة تجب فيها الشفعة بعد البناء تجب قبله. أصله: ما

ينقسم. ولأن ما يملك به السهم في الدار الكبيرة يملك به السهم في الدار الصغيرة. أصله البيع. 17015 - ولا يلزم القسمة لأن السهم يملك بها من الحمام إذا كان بين شريكين نصف حمام ودار فاقتسما، وأخذ هذا نصف الحمام، والآخر الدار. ولأن الشفعة تجب لإزالة الضرر لخوف التأذي على وجه الدوام، والضرر فيها لا يقسم أعظم؛ لأنه لا يتخلص منه بالقسمة، فهو أولى بإيجاب الشفعة. 17016 - احتجوا: بقوله عليه الصلاة والسلام (الشفعة فيما لم يقسم) وقوله إنما جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشفعة فيما لم يقسم. 17017 - قلنا: لا دلالة في الخبر لأن ظاهره يقتضي وجوب الشفعة في الحمام، لأنه ليس يقسم، والحكم متى علق بنفي وصف عن شيء وذلك الوصف لا يوجد فيه فهو آكد للحكم. 17018 - وقولهم: لم يقسم إلا فيما يصح قسمته ليس يعلم، بدلالة أن الله تعالى وصف نفسه فقال: {لم يلد ولم يولد} وهذه الصفات لا تجوز عليه تعالى. 17019 - ولو سلمنا أن ما قالوه يقتضي ما يصح فيه القسمة والحمام يجوز فيه القسمة، وإنما لا يجب. 17020 - ولا يقال: إن المراد به القسمة الشرعية، لأن هذا دعوى، ولأن عندنا يصح فيه القسمة الشرعية؛ لأن القاضي يقسم بينهم بالتراضي. وقد قال بعضهم: القياس يمنع الأخذ بالشفعة، وإنما ورد النص بوجوبها فيما لم يقسم فيما سواه على أصل القياس. 17021 - وهذا غلط، لأن من مذهب مخالفنا أن العلة لا تجوز أن تخصص

وأنه متى ورد نص فعارض بعض ما اقتضه العلة دل على بطلانها. ثم هذا ليس بصحيح؛ لأن الشفعة أصل من الأصول ثابت بالإجماع. 17022 - ولا يقال: إن القياس بنفيه، بل هو أصل لأن غيره أصل. ألا ترى أنه لا يقال: القياس يقتضى أن تكون صلاة الفجر أكثر من ركعتين قياسًا على غيرها؛ لأنها أصل كما أن غيرها أصل. 17023 - قالوا: روى عن عثمان - رضي الله عنه - أنه قال: لا شفعة في بئر ولا فحل. 17024 - قلنا: ليس من أصلكم القول بتقليد الصحابي. وعندنا عموم [قول] رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[أولى] من قوله. 17025 - قالوا: كل ما تجب الشفعة فيه إذا ملك بالنكاح لم تجب فيه الشفعة إذا ملك بالبيع، أصله البناء المنفرد.

17026 - قلنا: المعنى في البناء أنه لا يبقى على التأييد، فلا يخاف الضرر فيه على الدوام، كالعروض وليس كذلك الشقص فيما لم يقسم، لأن الضرر يخاف فيه على الدوام مثل ما يقسم. 17027 - قالوا: ما لا يقسم شرعًا لا تجب فيه الشفعة. أصله إذا ملك بالنكاح. 17028 - قلنا: المعنى فيه أنه مملوك بسبب لا يقف على تسمية عرض كالمملوك بالوصية. 17029 - قالوا: الشفعة وجبت لإزالة الضرر، فلو وجبت في الحمام لم يبغ الشقص أحد، خوفًا من الشفيع فتدعوه الضرورة إلى بيعه للشريك باختياره. 17030 - قلنا: الضرر إذا جعل بالشركة على وجه لا يتخلص منه لم تلزم القيمة. 17031 - ألا ترى أن الشريكين في العبد كل واحد منهما يستضر بعتق شريكه، ولا طريق إلى إزالة هذا الضرر. والقصاص المشترك كل واحد يستضر بعفو شريكه، ولا يمكن رفع هذا الضرر، فلا يمتنع أن توجب الشركة حق الشفعة، وإن كان يلحق بالشريك ضرر ولا يزول. ثم الشريعة قضت برفع الضرر عن الشفيع وإن أضر ذلك بالمتبايعين، ألا ترى أن أخذ المبيع بينهما فيه ضرر ثم قضى بإزالة ضرر الشفيع بإلحاق هذا الضرر بالمشتري. 17032 - ثم إنا نقول إذا أضر الشريك شريكه جاز له أن يحتال لإبطال حقه فيبيع على وجه لا شفعة فيه فيزيل هذا الضرر عن نفسه. 17033 - قالوا: الشفعة تجب لخوف الضرر بالتزام أجرة القسام. 17034 - قلنا: قد أبطلنا هذا بالشركة في غير العقار، وأن أجرة القسام فيها

واجبة ولا شفعة، [بينا أن من] مذهبا أن الأجرة تلزم المطالب بالقيمة دون غيره فسقط. ***

مسألة 837 عدم أخذ الولي الشفعة وبلغ المولى عليه هل هو له أخذها أو لا؟

مسألة 837 عدم أخذ الولي الشفعة وبلغ المولى عليه هل هو له أخذها أو لا؟ 17035 - قال أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله: إذا أسقط الولي شفعة الصغير. أو أمسك عن المطالبة سقطت. 17036 - وقال الشافعي رحمه الله: لا تسقط. وللصبي المطالبة بها بعد البلوغ. 17037 - وأما إن تركها لأنها بيعت بزيادة كبيرة، أو لأنها مال للصبي ثم بلغ الصبي فالمذهب أنه لا يأخذها. 17038 - قالوا: ومن أصحابنا من قال يأخذها، وزعم أنه قول آخر للشافعي رحمه الله.

17039 - لنا: أن كل من ملك المطالبة بالشفعة من غير أمر ملك التسليم، كالمأذون والمكاتب، ولا يلزم الوكيل لأنه يملك الترك عندنا. 17040 - ولأنه كبيع من أجنبي علم به الأب وأعرض عنه، فلم يكن للصبي أخذه بالشفعة بعد بلوغه، أصله الدار إذا بيعت في جواره. ولا يلزم الأب إذا باع واشتري. 17041 - لأنا قلنا: من أجنبي ولأن الأب إذا اشتري لا شفعة للصبي على قياس قول أبي حنيفة، ذكره في المنتقى. وأما إذا باع فهو لا يملك المطالبة فلا يتصور الإعراض. لأن مالا يأخذه الصبي بعد بلوغه بشفعة الجوار لا يأخذه بشفعة الشركة كالشقص من الحمام. 17042 - احتجوا: بأنه حق هو مال ترك الاستيفاء له، فكان له أن يستوفيه بعد بلوغه. أصله استيفاء الدين. 17043 - قلنا: يبطل إذ كان الحظ في تركه. ولأن الدين [لا يسقط بتأخير المطالبة به فلذلك لم يسقط بالترك والشفعة] تسقط بالتأخير فلم يجز المطالبة بها مع ترك المطالبة ممن يملك الأخذ. وإن قاسوا عليه إذا أبرأ من الدين. 17044 - قلنا: إذا أسقط الشفعة فقد ترك حظًا إلى عوض حصله، وهو تبقية الثمن على ملكه، فكأنه أخذها ثم باعها بمثل الثمن. وأما الدين فقد أسقطه من غير عوض حصله له في مقابلته، فلم يصح.

17045 - ولا يصح قياسهم على القصاص وخيار الغيب إذا أسقطهما [الأب] لأن الأب [إن] أسقطهما بعوض جاز، وإن أسقطهما بغير عوض لم يجز. 17046 - وفي مسألتنا: إذا أسقط الشفعة فقد حصل العوض للصغير وأبقاه على ملكه فكأنه حصل العوض على/ إسقاط القصاص. ***

مسألة 838 قبض الشفيع الشقص من البائع

مسألة 838 قبض الشفيع الشقص من البائع 17047 - قال أصحابنا: إذا كانت الدار في يد البائع فللشفيع أخذها من يده. 17048 - وقال الشافعي رحمه الله: يستحقها الشفيع على المشتري، ويدفع الثمن إليه، ويقبض الشفيع من يد البائع، ويكون قبض الشفيع بمنزلة قبض المشتري، ويدفع الثمن إليه من البائع. وقال ابن شريح: فيه وجهان. 17049 - أحدهما: ليس للشفيع أخذه من البائع، بل على المشتري أخذه وتسليمه إلى الشفيع. وإن كان المشتري غائبًا أخذه القاضي وسلمه إلى الشفيع وحفظ الثمن له 17050 - والوجه الثاني: يأخذه من البائع، وإن كان المشتري حاضرًا.

17051 - لنا: حديث جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (فإن باعه ولم يؤده فهو أحق به) ظاهره يقتضي أنه عقيب البيع أحق من المشتري. ولأنه أحد المتابعين فكان للشفيع أخذ المشفوع من يده. أصله إذا وجبت الشفعة، فباع المشتري، فللشفيع أخذها من البائع وله أخذها من المشتري. 17052 - فإن قيل: هناك [باع] بعد وجوب حقه، وفي مسألتنا ثبت حق المشتري بعد ثبوت حق الشفيع؛ لأنه حقه ثبت برغبة البائع عن ملكه. 17053 - احتجوا: بأن الشفيع يستحق بعد تمام البيع، بدلالة أنهما لو شرطا الخيار للبائع أولهما لم يستحق، ومن استحق بعد ملك المشتري استحق من ملكه كالمشترى منه. 17054 - قلنا: الشفعة تجب عندنا بخروج الشيء من ملك البائع قبل دخوله في ملك المشتري. ولهذا لو قال: بعت من فلا، فجحد، استحق الشفعة عندنا وعلي أحد الوجهين عندهم. 17055 - وبهذا تجب الشفعة إذا كان الخيار للمشتري، وإن كان لا يملك عند أبي حنيفة ولم يتم ملكه عند أبي يوسف ومحمد. وإذا ثبت حقه بخروج الشيء من ملك البائع قبل دخوله في ملك المشتري يستقر في ثبوت الحق، فلذلك أخذ من يد

البائع. فأما إذا باع بشرط الخيار فلأن ذلك يمنع من خروج المبيع من ملكه فلهذا لم تثبت الشفعة، لا لما ذكروه من عدم تمام البيع! ***

مسألة 839 هل العهدة على البائع أو على المشتري؟

مسألة 839 هل العهدة على البائع أو على المشتري؟ 17056 - قال أصحابنا: إذا أخذ الشفيع الشقص من يد البائع انفسخ البيع بينه وبين المشتري، وكانت العهدة على البائع. 17057 - وقال الشافعي رحمه الله: عهدة الشفيع على المشتري وإن أخذ من يد البائع، وليس له أخذ ملك آخر فكان الأخذ من ملكه، أصله المشتري.

17058 - ولأن الشفيع إذا أخذ الشقص من يد البائع فسخ البيع بيته وبين مشتريه. أصله إذا باع المشتري، فأخذ الشفيع من البائع الثاني بالبيع الأول. 17059 - ولأنه معنى يوجب زوال ملك المشتري عن المبيع قبل القبض بغير رضائه مع بقاء تكليفه فأوجب فسخ البيع. أصله هلاك المبيع. 17060 - ولا يلزم إذا مات المشتري؛ لأن تكليفه لا يبقى مع الموت. 17061 - ولا يلزم إذا باع، لأن الملك زال برضاهما. 17062 - احتجوا: بأنه حق يثبت لحق المتبايعين بعد انعقاد البيع شرعًا، فوجب أن يكون على المشتري. أصله وقوع العتق في ذوي الأرحام. 17063 - قلنا: عندنا تثبت الشفعة عند الانعقاد بخروج الشيء من ملك البائع، فلا نسلم أنها تجب بعد الانعقاد. فأما غير ذوى الأرحام فهو معنى يستحق على المشتري، فلا يلزم البائع؛ فالشفعة تثبت لإزالة الضرر الذي يلحق الشفيع، وهذا المعنى موجود في حق البائع والمشتري، فتوجهت على كل واحد منهما. 17064 - قالوا: أخذ المبيع من [يد] البائع يؤدي إلى فسخ البيع، والفسخ يسقط الشفعة، بدلالة أن من ابتاع شقصًا بعبد فهلك العبد قبل القبض انفسخ البيع وسقطت الشفعة. 17065 - قلنا: هذا غير مسلم، وفسخ البيع عندنا بعد وجوب الشفعة لا يسقطها سواء كان الفسخ بفعلهما أو من جهة الحكم. فإذا هلك العبد وانتقض البيع لم يسقط حق الشفيع، وله أن يأخذ الشقص بقيمة العبد الهالك.

مسألة 840 إذا حط البائع بعض الثمن عن المشتري هل يشمل ذلك الشفيع أم لا؟

مسألة 840 إذا حط البائع بعض الثمن عن المشتري هل يشمل ذلك الشفيع أم لا؟ 17066 - قال أصحابنا: إذا حط البائع بعض الثمن أخذها الشفيع بما بقى. 17067 - وقال الشافعي: إن كان الحط في المجلس ثبت في حق الشفيع، وإن كان بعد الافتراق وليس في البيع خيار أخذها بالجميع. 17068 - لنا: أنه حط بعض الثمن على المشتري فوجب أن يثبت في حق الشفيع، أصله: الحط في المجلس.

17069 - ولأنه يستحق المبيع بالثمن فيثبت الحط في حقه كالمشترى، وكالحط في المجلس. ولأن كل من يثبت الحط في المجلس في حقه ثبت بعدمه كالمشترى وهذه فرع على أن حط بعض الثمن يلحق بالعقد. وقد بيناه في البيوع. 17070 - احتجوا: بأنه حط بعد لزوم البيع فلا يخلو العقد كحط الجميع. 17071 - قلنا: هناك لو لحق العقد أخرجه عن موضوعه فلم يلحق كحال المجلس. ***

مسألة 841 هل للشفيع أن يأخذ من المشتري نصيب أحد البائعين أو لا؟

مسألة 841 هل للشفيع أن يأخذ من المشتري نصيب أحد البائعين أو لا؟ 17072 - قال أصحابنا: إذا اشترى رجل من اثنين شيئًا فليس للشفيع أخذ نصيب أحد البائعين دون الآخر. وإن اشترى اثنان من واحد جاز أن يأخذ نصيب أحدهما. 17073 - وروي عن أبي حنيفة: أنه يجوز له أخذ نصيب البائعين إذا أخذه من يد البائع، وليس له أخذه من يد المشتري. 17074 - قال: وإن اشترى اثنان من واحد لم يكن له أخذ نصيب أحد المشتريين قبل القبض، وله ذلك بعده. 17075 - وقال الشافعي: له أن يأخذ من يد المشتري نصيب أحد البائعين.

17076 - لنا: أنه أخذ بعض ما ثبت له في حق الشفعة بقبول واحد لنفسه، فوجب أن لا يجوز. أصله: إذا كان البائع واحدًا، والمشترى واحدًا. 17077 - فإن قيل: لا نسلم أنه قبول واحد؛ لأن قوله قبلت منكما كأنه قال: قبلت منك، وقبلت منك. 17078 - قلنا: معنى قولنا قبول واحد لأنه لا يفتقر إلى تكرار القبول وإنما يكتفي بقوله قبلت البيع. ولا يلزم إذا كان المشتري اثنين؛ لأن ذلك ملك بقبولين. 17079 - ولا يلزم إذا كان اشترى دارين هو شفيع أحدهما، لأن الطحاوي روى عن أبي حنيفة أنه يأخذها ولأنه أخذ بعض ما ثبت له فيه الشفعة، وهناك أخذ جميع ما ثبت الشفعة فيه. 17080 - ولا يلزم على المشتري ما ملكه بثمن واحد مع ثبوت حق الشفعة في جميعه، فصار كما لو اشترى شقصين من دارين هو شفيعهما. ولأن ما لا يملك أخذ بعض ما اشتراه من واحد بالشفعة لا يملك أخذ بعض ما اشتراه من اثنين. أصله الجار. 17081 - احتجوا: بأنه بيع في أحد طرفيه عاقدان، فوجب أن ينفرد كل

واحد منهما بحكم الشفعة. أصله: إذا باع الواحد من اثنين. 17082 - قلنا: هناك لا ضرر على المأخوذ منه، لأنه يأخذ منه جميع ما ملكه، ولا ضرر على شريكه، لأنه قد رضي بضرر الشركة فلا فصل بين أن يشاركه المشتري أو الشفيع. 17083 - وفي مسألتنا على المشتري ضرر في التبعيض؛ لأن الشفعة وجبت في جميع ما ابتاعه بقبول واحد لنفسه فلم يجز الأخذ منه على وجه يضر به كما لو اشترى من واحد. ***

مسألة 842 إذا أقر المشتري بثمن معين وأخذها الشفيع بذلك الثمن ثم أقام البائع البينة على خلاف ذلك

مسألة 842 إذا أقر المشتري بثمن معين وأخذها الشفيع بذلك الثمن ثم أقام البائع البينة على خلاف ذلك 17084 - قال أصحابنا: إذا أقر المشتري أنه اشترى بألف فأخذ الشفيع بذلك، ثم أقام البائع البينة أنه باع بألفين فقضى له القاضي، أخذ من المشتري ألفين ورجع على الشفيع بألف. 17085 - وقال الشافعي رحمه الله: لا يرجع عليه بشيء. 17086 - لنا: أن ثمن الشقص لزم المشتري بالعقد، فثبت في حق الشفيع، كما لو أقام البائع البينة ابتداء. ولأن ثمن الشقص لزم المشتري، لم يلحق به زيادة، فلزم الشفيع. أصله الثمن الذي تصادق المشتري والبائع عليه. 17087 - احتجوا: بأن الشفيع أقر بأن الثمن ألف، فإن أقام البينة على هذا فقد زعم أن البائع أخذ منه ظلمًا وتعديًا فلا يرجع به، وإن عاد إلى تصديق البائع فقد أكذب نفسه فيما أقر به للشفيع فلا يقبل. 17088 - قلنا: أبطل القاضي اعترافه بحكمه، فسقط اعتباره، كما لو أقر أن المبيع للبائع فاستحق رجع بالثمن، وإن كان في زعمه أنه ظالم بأخذه المبيع منه بغير حق.

مسألة 843 إذا كان المشتري شريكا فهل للشفيع الآخر الشفعة أو لا؟

مسألة 843 إذا كان المشتري شريكًا فهل للشفيع الآخر الشفعة أو لا؟ 17089 - قال أصحابنا: إذا ابتاع أحد الشركاء نصيبًا في شركته فطالبه شريكه آخر كانت الشفعة لهما وقسم الشقص المبتاع بينهما. وكذلك فرع المزني على قول الشافعي. 17090 - ومن أصحابهم من قال يأخذ الشقص الشفيع ولا شيء للمشتري فيه. 17091 - لنا: حديث ابن عباس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الشريك شفيع وهما شريكان). 17092 - ولأنهما يتساويان في السبب الموجب الذي يستحق به الشفعة، فوجب

أن يتساويا في استحقاقها إذا لم يتقدمه استحقاق، أصله إذا اشتراه أجنبي. 17093 - ولأنه شريك يملك ما هو شريك فيه ولم يعدل عن المطالبة بشفعة ثانية، فإذا استحق عليه بالشفعة شارك المستحق، كما لو ابتاع الشقص أجنبي فأخذه منه بالشفعة، ثم حضر شفيع آخر. 17094 - ولا يلزم إذا ابتاع الشفيع من المشتري؛ لأنا احترزنا عنه في العلة الأولى بقولنا إذا لم يتقدمه استحقاق، وفي العلة الثانية. 17095 - قلنا: ولم يعدل عن المطالبة. ومتى وجبت له الشفعة بطل البيع فقد عدل عنها 17096 - احتجوا: بأنه مشتر فوجب أن لا يستحق الشفعة على نفسه، أصله إذا كانت الدار بين رجلين فاشترى أحدهما نصيب شريكه. 17097 - قلنا: لا يستحق الشفعة على نفسه لكن الشريك لا يستحق جميع الشقص لمساواة المشتري. 17098 - قالوا: الإنسان إنما يستحق حقا في [ملك] غيره، فأما أن يستحق في ملك نفسه فلا، كما لو أتلف عبده. 17099 - قلنا: ليس يستحق/ الشفعة في ملكه، كمن يدفع شريكه استحقاق الشفيع عليه. 17100 - ولا يجوز أن يثبت له حق في ملك نفسه إذا زاحمه غيره، كما يثبت لرب المال الشفعة في الدار التي اشتراها المضارب، ويصير كسائر الشركاء متى ابتاع المضارب شقصًا منها. ***

مسألة 844 حكم ما إذا اشترى الذمي من الذمي شقصا بخمر أو خنزير

مسألة 844 حكم ما إذا اشترى الذمي من الذمي شقصًا بخمر أو خنزير 17101 - قال أصحابنا: إذا اشترى الذمي من الذمي شقصًا بخمر أو خنزير وجبت الشفعة فيه للمسلم والذمي. 17102 - وقال الشافعي: لا شفعة فيه. 17103 - لنا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الشفعة في كل شرك من ربع أو حائط). 17104 - ولأنه شقص لو أخذه الشفيع من غير حكم أقره الحاكم في يده؛ فإذا طلب أخذه حكم له بأخذه. أصله إذا باعه بمال مباح، ولأنه بيع لغير أهل الذمة، فجاز أن يستحق المسلم به عليهم الشفعة. أصله البيع وسائر المباحات. 17105 - ولأن كل متبايعين لو تقابضا وأقرا على المبايعة فإنه يحكم للشفيع بالشفعة. أصله: إذا باعه شاة تركت التسمية عليها.

17106 - احتجوا: بأنه بيع بما هو نجس العين فلا يصح البيع، ولا تجب الشفعة كالبيع بالميتة والدم. 17107 - قلنا: هناك لم يقر الذمي على العقد، وفي مسألتنا أقر على هذا العقد، فصار كالبيع بالثمن المباح. 17108 - قالوا: بيع بخمر فصار كالمسلم إذا باع بها. 17109 - قلنا: المسلم منع من تمول الخمر والتصرف فيها، والكافر لم يمنع من التصرف [فيها] وأقر على تمولها. ***

مسألة 845 هل طلب الشفعة يسقط بالتأخير؟

مسألة 845 هل طلب الشفعة يسقط بالتأخير؟ 17110 - قال أبو حنيفة: إذا صح طلب الشفعة لم يسقط بالتأخير. هذه الرواية المشهورة. وذكر الطحاوي عن الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله: إذا أخرها ثلاثة أيام مع القدرة سقطت. 17111 - وكذلك روى [بشير] بن الوليد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة رضي الله عنهم ذكره في المنتقى. 17112 - وذكر أبو الحسن عن الحسن أنه قال: قياس قول أبو حنيفة أنه إذا أخرها شهرًا سقطت، وهو قول محمد رحمه الله.

17113 - وقال الشافعي: إذا قال الشفيع للمشتري: قد أخذتها بالثمن والثمن معلوم ملكها بغير اختيار [المشتري]، وكذلك إن قال الحاكم قد أخذتها. 17114 - قالوا: فإن لم يدفع الثمن بعد الملك حتى مضت ثلاثة أيام أبطل الحاكم أخذه. 17115 - لنا: أن حقه قد استقر بالطلب، والحقوق المستقرة لا تسقط بالتأخير كالديون. وهذا الوصف غير مسلم؛ لأن عندهم إذا صحت المطالبة ملك، والملك يقتضي استقرار الحق، ولأنه إذا ملك عندهم بقوله: أخذت، لم يفسخ البيع الملك بتأخير الثمن كالمشتري إذا أخر، ولأنه أخر الأخذ بعد صحة المطالبة، فلم تسقط شفعته. أصله: إذا أخر بعذر. ***

كتاب المضاربة

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب المضاربة

مسألة 846 المضاربة بالدراهم المغشوشة

مسألة 846 المضاربة بالدراهم المغشوشة 17116 - قال أصحابنا: (الدراهم التي فيها غش)

تجوز المضاربة بها. 17117 - وقال الشافعي: لا يجوز.

17118 - لنا: أنه يجوز التجوز بها في ثمن الصرف كالسود والنوع الرديء، ولأنها أثمان في المعاملات كالجياد. 17119 - ولأن الفضة لا تنطبع إلا بغش يسير، ولا يغير ذلك حكمها لأن الغالب في الفضة كذلك في مسألتنا، ولأنه لا يجوز بيعها بالجياد متفاضلًا، فجاز المضاربة بها كالسود. 17120 - احتجوا: بأنهم دراهم مغشوشة؛ فصار كما لو كان الغش أكثر. 17121 - قلنا: إن كان الغالب غير الفضة فلا يخلو أن تكون نافقة أو كاسدة. فإن كانت نافقة فهي كالفلوس. 17122 - [وقد ذكر الحسن عن أبي حنيفة ومحمد] جواز

المضاربة بالفلوس. وإن كانت كاسدة فالمعني فيها أنها ليست بثمن، وهذا معنى يمنع المضاربة من غير وجود العين، كالنقرة. ***

مسألة 847 المضاربة بثمن السلعة

مسألة 847 المضاربة بثمن السلعة 17123 - قال أصحابنا: إذا دفع إليه ثوبًا وقال: بعه واعمل بثمنه مضاربة؛ جاز. 17124 - وقال الشافعي رحمه الله: لا يجوز. 17125 - لنا: أنها استنابة في التصرف؛ فجاز تعليقها بالشرط. أصله الوصية. 17126 - ولأنه جعل إليه الشراء بثمن جعل إليه بيعه، كما لو قال: وكلتك يبيع هذا العبد بألف، وشراء هذا الثوب بثمنه. مبنية على جواز تعليق الوكالة بالحظر. 17127 - احتجوا: بأن المضاربة لا تنعقد على مال مجهول، فلا تتعلق بشرط كالبيع. 17128 - قلنا: هذا الوصف غير مسلم؛ لأنه لو دفع إليه دراهم لا يعلم

وزنها، لم يعرف مقدارها، فالمضاربة أولى. 17129 - ولأن المقصود من البيع الملك، وذلك لا يقف على شرط، فلم يقف العقد على شرط، والمقصود بالمضاربة الربح، وذلك موقوف على الشرط؛ فجاز أن يقف العقد على الشرط. ***

مسألة 848 تأقيت المضاربة

مسألة 848 تأقيت المضاربة 17130 - قال أصحابنا: إذا وقت المضاربة جاز. 17131 - وقال الشافعي: لا يجوز أن يقارض إلى مدة. 17132 - قال أصحابه: قال: قارضتك سنة، فإذا مضت فلا تبع ولا تشتر، أو تشتري ولا تبيع، فالقراض باطل، وإن قال: على أنك بعد السنة لا تشتري ولك أن تبيع؛ فهو جائز. 17133 - لنا: حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (المسلمون عند شروطهم).

17134 - ولأنه أذن في التصرف؛ فلا يبطله التوقيت كالوكالة. 17135 - ولأن البيع عقد تتضمنه المضاربة، فإذا شرط توقيته فيها لم يبطل كالشراء. ولأنه أحد شطري عقد البيع، فإذا وقته في المضاربة لم يبطل كالشراء. 17136 - احتجوا: بأنه شرط ليس من مصلحة العقد ينافي مقتضاه، فأشبه إذا شرط في البيع أنه لا يقبض المبيع. 17137 - قلنا: يبطل إذا قال على أن لا تشتري بعد المدة، ولأن القبض في المبيع موجب البيع، فصار في مسألتنا كما لو قال: علي أن لا أسلم إليك المال. وأما عموم التصرف: فليس من موجب العقد، وإنما هو مقتضاه. ومقتضى المضاربة إذا نفاه لم يفسدها كما لو نفى الشراء. 17138 - قالوا: عقد غير مؤقت؛ فإذا شرط فيه التوقيت بطل كالنكاح. 17139 - قلنا: يبطل بالوكالة؛ لم يصح كذلك في مقتضاه، ولما كان دخول التوقيت في بعض مقتضى المضاربة يصح كذلك فصح في باقيها. 17140 - قالوا: المقصود بالعقد: تحصيل الربح عند المقاسمة فإذا شرط أن لا

يبيع بعد السنة فربما انقضت وعنده عروض لا يتمكن من بيعها، فلا تظهر الفائدة، فيبطل مقصودة بعقد. 17141 - قلنا: عندنا لا يبطل العقد، ولا يثبت هذا القول، ثم هذا لا يبطل مقصود العقد لأنه يجوز أن يلزم رب المال المضارب العروض، ويدفع نصيب المضارب، فيحصل له مقصوده من العقد مع وجود الشرط. ***

مسألة 849 تقيد رب المال للعامل في التصرف

مسألة 849 تقيد رب المال للعامل في التصرف 17142 - قال أصحابنا: إذا دفع إليه مضاربة على أن لا يشتري سلعة إلا بعينها، أو لا يشتري إلا من فلان، جاز. 17143 - وقال الشافعي: لا يجوز أن يخص الشراء من واحد، أو يخص سلعة بعينها. 17144 - قال أصحابه: إن عين له شيئًَا لا ينقطع من أيدي الناس غالبًا جاز التخصيص، كالطعام والثياب القطن. وإن عين ما يجوز أن يوجد، وأن لا يوجد كلحم الصيد ببغداد، وما يوجد في بعض الزمان كالرطب والعنب لم يجز. 17145 - لنا: أنه إذن في التصرف حال الحياة، فلا يبطله التخصيص بعين من الأعيان، كالوكالة.

17146 - ولا يلزم الوصية، لأنها تصرف بعد الموت، ولأن التخصيص لا يبطلها. 17147 - ولا يلزم الإذن في التجارة، لأن تخصيصه لا يبطله. ولأن ما جاز شراؤه من المضاربة جاز تخصيص المضاربة فيه، إذ صح شراؤه وبيعه كالبر. 17148 - ولأن لرب المال غرضًا صحيحًا في تخصيص رجل بعينه لأمانته وثقته، فصار كتخصيص النوع. 17149 - احتجوا: بأن المقصود بهذا العقد تحصيل الربح، فإذا خص رجلًا بعينه، جاز أن لا يبيعها مالكها، وإذا خص ما لا يوجد في عموم الأوقات لم يقدر عليه المضارب، فلم يوجد مقصود العقد. 17150 - قلنا: العقد قد أوجب له الربح فيما يبتاعه. فإذا كان يجوز أن يكون، ويجوز أن لا يكون لم يمنع صحة العقد، كما لو سمى نوعًا جاز العقد وإن جاز أن يحصل فيه الربح وجاز أن لا يحصل. فإن قيل تخصيص النوع مناف لتخصيص العين. ألا ترى أن في السلم لو خص نوعا جاز، ولو خص متاع فلان [لم يجز؟. 17151 - قلنا: لا نسلم، وأنه لا يجوز أن تنعقد، ولا يحصل الملك والتسليم، فإذا سمى متاع] فلان جاز أن يحصل [وجاز ألا يحصل]، فلم يصح

العقد، لأن المضاربة يجوز أن توجد صحيحة ولا يستحق المضارب فيها ربحًا، فإذا وقعت على وجه يجوز أن يحصل ويجوز أن لا يحصل لم تبطل. 17152 - فإن قيل: الوكالة يجوز أن تقع بالشراء دون البيع وبالبيع دون الشراء، فكذلك يجوز أن تختص. والمضاربة لا يجوز أن تقع علي الشراء دون البيع، فلم يجز أن تختص. 17153 - قلنا: إذا شرط الشراء دون البيع لم يجز أن يحصل الربح فلم يصح الشرط، ومتى شرط الشراء من فلان فيجوز أن يحصل، ويجوز أن لا يحصل، [فهو كالشراء المطلق الذي يجوز أن يحصل فيه الربح ويجوز أن لا يحصل]. ***

مسألة 850 نفقة المضارب في السفر

مسألة 850 نفقة المضارب في السفر 17154 - قال أصحابنا: إذا سافر المضارب فنفقته في مال المضاربة. 17155 - وقال الشافعي في البويطي: نفقته في طعامه وكسوته على نفسه.

17156 - وقال في المزني: له أن ينفق بالمعروف، فمن أصحابه من قال لا ينفق من المضاربة قولًا واحد، ومنهم من قال على قولين، ومقدار ما ينفق على وجهين: أحدهما: جميع ما يكفيه، والآخر: ينفق من المال الزيادة على نفقة الحضر. 17157 - لنا: أنها مؤنة تلزمه لسفر المضاربة، فوجب أن تكون منها. أصله: حمل المتاع، ولأنه منفرد بالتجارة في ملك غيره بإذنه لمنفعته من غير ضمان؛ فجاز أن ينفق منه كالعبد المأذون. ولا يلزم الوصي. 17158 - ولأن تصرفه من طريق الحكم لا بالإذن، [ولأنه لا يتصرف] بإذن المالك، ولأنه/ لا يتصرف لمنفعة نفسه. 17159 - ولا يلزم الأجير لأنه يعمل ببدل مضمون. 17160 - ولا يلزم المبضع والوكيل؛ لأن، كل واحد منهما لا يتصرف لمنفعة نفسه. 17161 - احتجوا: بأنه رضي بنصيبه من الربح فلا يستحق الزيادة عليه من غير شرط. 17162 - قلنا: النفقة ليست مستحقة له، لكنها من مؤن المال، كأجر الأجراء للعمل

في المال، وأجرة الحمال، ولأنه شرط لنفسه قدرًا من الربح ليسلم له، فإذا جعلنا نفقة السفر الذي تكلفه لأجل المال عليه يسلم له المقدار الذي شرطه فيتقابل الأمران. 17163 - قالوا: نفقة تخص المضارب فكانت في ماله كنفقة الحضر وأجر الطبيب وثمن الدواء. 17164 - قلنا: نفقة الحضر في ماله؛ لأنه لم يتكلف الإقامة لأجل المال، ألا ترى أنه لو لم يأخذ المضاربة لأقام في وطنه، وإذا لم يتكلف الإقامة لأجل المال لم ينفق منه؟ وأما السفر فقد تكلفه لأجل المال المنفعة غير مضمونة؛ فلذلك كانت النفقة من المال. وأما أجرة الطبيب وثمن الدواء فلأن النفقة أوجبتاها بالعادة؛ فاعتبرت النفقة التي اعتادها الناس. 17165 - ولأن العقد إذا اقتضى نفقة من مال الغير لم يدخل فيها الدواء، وأجر الطبيب كنفقة الزوجة في مال الزوج. 17166 - قالوا: من لا يجوز له أن ينفق من مال الغير في الحضر لا ينفق في السفر كالأجير.

17167 - قلنا: الأجير يستحق بدلًا مضمونًا، فإذا وثق بسلامة ما رضي به من البدل لم يستحق النفقة. وأما المضارب فيجوز أن يسلم له العوض، ويجوز أن لا يسلم، والإنسان لا يعمل إلا طلبا للمنفعة فلا نحمله الإنفاق من ماله لغرض يجوز أن يسلم له ويجوز أن لا يسلم. ***

مسألة 851 شراء المضارب من يعتق عليه

مسألة 851 شراء المضارب من يعتق عليه 17168 - قال أصحابنا: إذا اشترى المضارب من يعتق عليه وليس في المال فضل؛ صح الشراء. فإذا ظهر ربح، عتق عليه نصيبه، وإن اشتراه وفي المال فضل فالشراء لنفسه لا للمضاربة. 17169 - وقال الشافعي: إذا قلنا إن الربح لا يملك إلا بالمفاصلة لم يعتق بظهور الربح. 17170 - وإن قلنا يملك بالظهور فهل يعتق؟ فيه وجهان، والكلام في وقوع الملك بالظهور يأتي من بعد. 17171 - فأما قولهم: إنه يملك، ولا يعتق ففاسد؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من ملك ذا رحم محرم عتق عليه).

17172 - [ولأنه إذا ظهر المال مساويًا قدر مال المضاربة لم يعتق عليه، وإذا تفاضلا جاز أن يعتق عليه من المضاربة قبل المفاضلة]، أصله رب المال. ولأنه حالة يملك رب المال فيها الربح فيعتق على المضارب فيها أبوه إذا كان من المضاربة. أصله عند المفاضلة. 17173 - احتجوا: بأن ملك المضارب لم يتم فيه؛ لأن نصيبه وقاية لمال (رب المال، والكلام إذا لم يتم المال لم يعتق كالمكاتب، إذا ملك أباه. 17174 - قلنا: الضارب مالك تام الملك، وإنما يزول ملكه بنقصان المال. وجواز أن يزول الملك بسبب طارئ لا يوجب نقصان الملك، كما يجوز أن يزول ملك البائع عن الثمن بهلاك المبيع قبل القبض، ولا يدل ذلك على نقصان ملكه فيه. فأما المكاتب إذا ملك أباه فإنه يساويه في صفته كما يساوي الحر أباه إذا ملكه. 17175 - قالوا: لو عتق من نصيب المضارب سلم له نصيب من الربح قبل أن يسلم لرب المال نصيبه بالقسمة. 17176 - قلنا: فأما من طريق الحكم فلا يمتنع؛ ألا ترى أن لأحد الشريكين في المال يعتق نصيبه من العبد، فيسلم له نصيبه قبل أن يسلم لشريكه حقه، ولو أراد ذلك لغير العتق لم يصح.

مسألة 852 شراء المضارب زوج ربة المال

مسألة 852 شراء المضارب زوج ربة المال 17177 - قال أصحابنا: إذا اشترى مضارب المرأة زوجها صح الشراء وبطل النكاح. 17178 - وقال الشافعي: في أحد قوليه: الشراء للمضارب. 17179 - لنا: أنه يملك بيعه على المضاربة إذا اشتراه، فملك شراءه للمضاربة بإذن رب المال، وجاز بإطلاق المضاربة عليها. أصله: الزوج الذي طلقها طلاقًا رجعيًا. 17180 - ولا يلزم إذا اشترى أمة قد ولدت منه أنه لا يجوز شراؤها للمضاربة بإذن رب المال، ولأن زوج أحد متعاقدي المضاربة يملك المضارب بإطلاق المضاربة شراءه. أصله: إذا اشترت المضاربة زوجها. 17181 - احتجوا: بأن المضاربة تقتضي ما ينتفع بشرائه ويحصل به الربح ولا يستضر به، وشراء زوجها ينفسخ به النكاح، ويسقط به المهر والنفقة، فلم يجز

كشراء ذوى أرحامها. 17182 - قلنا: الزوج يحصل بشرائه منفعة وهو الربح، وليس فيه ضرر على المضاربة [والمعتبر المنفعة والضرر الذي حدث رجع إلى المضاربة لا] إلى غيرها. 17183 - ألا ترى أنه لو اشترى عبدًا قد حلف رب المال لا يملكه صح الشراء، وإن استضر بالحنث. وكذلك لو كان المال لا يبلغ ثمن رقبة وليس لرب المال غيره، وقد لزمته كفارة الظهار فاشترى المضارب عبدًا فإن رب المال يستضر، لأنه يجب عتقه ويصح الشراء. 17184 - لأن هذا الضرر لا يعود إلى مال المضاربة كذلك هذا. أما الضرر الذي يلحقها بسقوط المهر والنفقة فغير مؤثر؛ لأنها لو كانت قد استوفت المهر وأسقطت نفقتها بالنشوز؛ لم يصح الشراء عندهم، وإن لم تستضر في مهرها ولا نفقتها. والمعنى في شراء من يعتق عليها أنه لا يتمكن من بيعه على المضاربة ومقتضاها شراء ما يمكن بيعه عليها. ***

مسألة 853 شراء المأذون بالتجارة أبا مولاه

مسألة 853 شراء المأذون بالتجارة أبا مولاه 17185 - قال أصحابنا: إذا اشترى المأذون أبا مولاه جاز وعتق، إن كان لم يكن على العبد دين. 17186 - وقال الشافعي: لا يجوز الشراء في أحد القولين إلا بإذن المولى. 17187 - لنا: أن المأذون يتصرف لنفسه، بدلالة أنه لا يرجع على المولى بديونه؛ فجاز أن يشترى من يعتق بالشراء كالحر. 17188 - ولأنه رفع للحجر، كما لو أعتقه وكما لو بلغ الصبي. 17189 - احتجوا: بأنه أذن له، لتحصيل المال والاكتساب لا بتلفه. 17190 - قلنا: تصرفه عندنا ليس من طريق الإذن، وإنما هو بزوال الحجر، بدلالة أنه لو نهاه عن شراء من يعتق عليه؛ لم يصح نهيه، ولو أذن له في شيء خاص ملك التصرف العام. وإذا لم يسلم أن تصرفه بالإذن لم يعتبر صفة الإذن ومقاصد المولى فيه.

مسألة 854 اشتراط جميع الربح لأحد المتضاربين

مسألة 854 اشتراط جميع الربح لأحد المتضاربين 17191 - قال أصحابنا: إذا دفع مالًا مضاربة على أن جميع الربح للمضارب صح وكان قرضًا. وإن قال: على أن جميع الربح لي صح وكان مبضعًا. 17192 - وقال الشافعي: يكون قراضًا فاسدًا. 17193 - لنا: أنه أذن له في التصرف على أن يكون جميع الربح له فكان قرضًا. 17194 - أصله: إذا قال: اتجر فيه على أن يكون ربحه لك، ولم يذكر المضاربة أو [نقول أذن له] في التصرف في المال على أن جميع الربح لصاحب المال، فكان

بضاعة. 17195 - كذلك إذا شرط الانفراد بالربح كان قرضًا وإن لم يصرح به، ولأن كل لفظ لو أقرن بشرط مقاسمة الربح كان قراضًا، وإذا أقرن بشرط سلامة الربح للعامل كان قرضًا. أصله: إذا قال خذه واتجر فيه. 17196 - احتجوا بأنه لما ذكر القراض صحيحًا ومن حكمه مقاسمة الربح. ثم شرط الانفراد بالربح، وقد نفى موجب العقد، ففسد العقد. 17197 - قلنا: الحكم يتعلق بمعاني العقود لا بألفاظها، ألا ترى لو عبر العقد.

17198 - ألا ترى لو عبر عن البيع بالتمليك أو بالمعارضة جاز؟ وقد فسر معنى القرض ومعنى البضاعة، فوجب أن يعتبر المعنى الذي فسره دون لفظ العقد كما قال لعبده: بعتك نفسك بألف كان ذلك عتقًا، ولم يعتبر صريح لفظ البيع؛ لأنه أتى بمعنى العتق. ***

مسألة 855 اقتضاء ديون المضاربة بعد فسخها

مسألة 855 اقتضاء ديون المضاربة بعد فسخها 17199 - قال أصحابنا: إذا تفاسخا المضاربة والمال ديون على الناس ولا ربح فيها لم يجبر المضارب على الاقتضاء، وله أن يحيل رب المال بالديون ليقبضها. 17200 - وقال الشافعي: يجبر المضارب على الاقتضاء. 17201 - لنا: أن الديون ملك لصاحب المال، فلا يجبر من لا يملكه على المطالبة بها من غير عوض ولا ولاية. أصله: إذا باع الوكيل. 17202 - ولأنه تصرف بأمره ولم يحصل له عوض في مقابلة تصرفه؛ فلم يلزمه الاقتضاء كالوكيل. 17203 - ولا يلزم إذا كان في المال ربح؛ لأن تصرفه بعوض فيجبر [عليه كالأجير]. 17204 - فإن قيل: المضارب يجب عليه رد رأس المال على صفته، فيجب أن

يقتضي الديون حتى يصير بصفة رأس المال. 17205 - قلنا: المضارب لا يلزمه التسليم، وإنما يلزمه رفع يده عن المال كالمودع، فإذا أحال بالدين فقد أزال يده وتصرفه عنه، فلا يلزمه أكثر من ذلك. 17206 - وقولهم: إنه يلزمه رد رأس المال بصفته فهذا يلزمه عند حصول الربح، فأما مع عدم الربح فلا يلزمه إلا رفع يده. 17207 - قالوا: لو تفاسخا وهناك عروض وجب على المضارب بيعها، لرد رأس المال بصفته. 17208 - قلنا: بيع العرض حسن للمضارب يجوز أن يحصل فيه الربح، فإذا لم يكن فيه ربح ونص بتسليمه إلى رب المال؛ لم يجبر على بيعه/.

مسألة 856 ملك الربح بالظهور أو بالقسمة

مسألة 856 ملك الربح بالظهور أو بالقسمة 17209 - قال أصحابنا: إذا ظهر ربح في مال المضاربة ملك المضارب منه حصته. 17210 - وهو أحد قولي الشافعي، وقال في القول الآخر: لا يملك إلا بالقسمة. 17211 - واختلف أصحابه في المساقاة، فمنهم من قال: إنها على قولين كالمضاربة، ومنهم من قال: إن حصة العامل تملك بالظهور قولًا واحدًا. وهو الصحيح. 17212 - لنا: أنه غير صحيح على أصل يوجب الاشتراك في النماء؛ فوجب أن يظهر النماء على الشركة. أصله: عقد الشركة. 17213 - ولأن له المطالبة بالقسمة إذا نض المال. [وكل من له]. المطالبة بقسمة ربح المضاربة لنفسه كان مالكًا لجزء منه. أصله: رب المال. ولأن كل من ملك مطالبة غيره بقسمة مال بينه وبينه وجب أن يكون شركة بينهما: كالمواريث. والشركاء شركة عنان.

17214 - فإن قيل: لا نسلم أن المال بينه وبينه. 17215 - قلنا: يملك مطالبته بقسمة المال بينه وبينه، وهذا يقتضي إذا اقتسما وهذا مسلم، ولأن كل حالة كان الربح في الشركة ملكًا لهما كان في المضاربة ملكًا بينهما. أصله بعد المفاصلة. 17216 - احتجوا: بأنه لم يسلم إلى رب المال رأس المال، فوجب أن لا يمتلك حصته من الربح. 17217 - أصله: إذا كان رأس المال ألفا فاشترى به عبدين، كل واحد يساوي ألفًا. 17218 - قلنا: عندنا يملك المضارب حصته من الربح ولكن لا ينفذ عتقه فيه ولأنه

إذا أعتق أحدهما بعينه لم يجز أن ينفرد به إلا على طريق القسمة، وقسمة العبد لا تصح عندنا، وإن أعتقهما جميعًا، لم ينفذ عتقه؛ لأن عتق رب المال يصح فيهما. 17219 - والذي يدل على أنه مالك لحقه: أن رب المال لو إعتقهما ضمن للمضارب فنصيبه. 17220 - قالوا: لو كان الربح للمضارب كان الهالك من الحقين. 17221 - قلنا: كذلك نقول الهالك من الربح الذي بينهما لا يختص به نصيب أحدهما. 17222 - فإن قالوا: كان يجب أن يكون الهالك من الربح ورأس المال. 17223 - قلنا: هذا لا يدل على أن المضارب لا يملك [ألا ترى أن رب المال يملك الربح والهالك [ورأس المال، والمضارب بملك في الربح والهالك] دون رأس المال؟]. 17224 - ولأنه [يجوز أن يكون المال بين اثنين، والهالك من نصيب أحدهما، كمن أوصى لرجل بمائة] من ثلث ماله ولآخر بما بقى من الثلث، فالثلث مشترك بينهما، والهالك من نصيب الموصى له بما بقي. 17225 - قالوا: الربح وقاية لرأس المال، فلو ملك المضارب [لاستحق] قبل سلامة رأس المال.

17226 - قلنا: رأس المال سالم له، لأن يد المضارب قائمة مقام يده، فصار كما لو سلم رأس المال إلى وكيله، فإن نقص المال؛ زال ملك رب المال لفوات الشرط الذي ملك به. ***

كتاب العبد المأذون في التجارة

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب العبد المأذون في التجارة

مسألة 857 استفادة التصرف العام بالإذن الخاص

مسألة 857 استفادة التصرف العام بالإذن الخاص 17227 - قال أصحابنا: إذا أذن لعبده في نوع من التجارة؛ جاز أن يتصرف في جميع الأنواع. 17228 - وقال الشافعي: لا يجوز أن يتصرف إلا فيما أذن له. 17229 - لنا: أن الإذن إطلاق من حجر فلا يختص تصرفه بنوع من الأموال كالعتق. 17230 - ولأنه يتصرف لنفسه بدلالة أنه لا يرجع عليه بالديون فصار كالمكاتب. 17231 - فإن قيل: لو كان إطلاقًا؛ لجاز أن يتزوج. 17232 - قلنا: [لا يمتنع] أن يكون الإذن له إطلاقًا، ولا يستفاد به التزويج كالمكاتب في إطلاقه، فيجوز أن يتصرف المكاتب في جميع التجارات، ولا يجوز أن يتزوج. وبلوغ المرأة عند مخالفنا سبب لإطلاق حجرها ولا يجوز أن

تتزوج عندهم. 17233 - فإن قيل: فالوكيل والمضارب كان تصرفهما جائزًا قبل الإذن، إنما منعا من التصرف في مال غيرهما لحقه، وهذا ليس بحجر. 17234 - فلا يقال إن الإذن لهما إطلاق من حجر، ولأنه معنى يستفيد به العبد التصرف لنفسه فلا يتخصص تصرفه كالكتابة ولأن كل ما ملك المكاتب أن يشتريه جاز للمأذون أن يشتريه، كالنوع الذي سماه المولى. 17235 - فإن قيل: المكاتب يزوج أمته، ويكاتب عبده ويصالح من دم العمد. 17236 - قلنا: نحن اعتبرنا أحدهما بالآخر في الشراء، فلا يلزم هذا من حيث النقص، والفرق من طريق المعنى: أن المكاتب يملك هذه المعاني بإطلاق الكتابة فيملكها بتقييدها، والمأذون لا يملكها بالإطلاق فلا يملكها بالتقيد، ولما ملك المأذون عموم التصرف بإطلاق الإذن كان كذلك بالتقييد. 17237 - ولأنه إذا قال: اشتر البر؛ فعموم أمره يقتضي الشراء بالأثمان والمكيلات والموزونات. 17238 - فإذا لزمه ذلك جاز له أن [يشتريه من طريق الحكم، ومن جاز أن يشترى الحنطة حكمًا جاز أن يشتريها بأي نوع شاء، فصارت الأجناس كلها داخلة في الإذن من طريق الحكم، وبطل التخصيص. 17239 - ولأن التعيين إذا لم يفد سقط كقوله على أن تزن بهذا الميزان فلا فائدة في التعيين؛ لأن المولى رضي باستحقاق رقبته وكسبه بديونه، فلا فرق أن يستحق

بهذا النوع أو بغيره. ويفارق الوكيل والمضارب والشريك؛ لأنهم يرجعون بالدين وللآمر غرض؛ إذا يثبت الرجوع في بعض الأشياء. 17240 - احتجوا بأنه تصرف مستفاد بالإذن من جهة الآدمي، فوجب أن يكون متصورًا على مقتضى الإذن. أصله: المضارب. 17241 - قلنا: المضاربة لا يجوز أن يرتفع الإذن فيها إلا في مال رب المال، فجاز أن يتخصص بتخصيصه [والإذن في التجارة يجوز أن يوجد غير مختص بمال المولى، فلما لم يختص بماله لم يتخصص بتخصيصه]. 17242 - وقد قال أصحابنا: في الفرق بين الموضعين أن المأذون لنفسه؛ بدلالة أن لا يرجع بالديون على مولاه، فصار كالمكاتب. والمضارب يتصرف لرب المال؛ بدلالة أنه يرجع بالديون عليه، فلذلك اختص بما أذن فيه. 17243 - فقال مخالفونا: لا نسلم هذا الفرق؛ لأن المضارب إذا اشترى بثمن في ذمته، وهلك مال المضاربة صار ما اشتراه لنفسه، ولم يرجع على رب المال على أحد الوجهين وهذا المنع لا يضرنا. 17244 - لأنا نقول: إن العبد يتصرف لنفسه بدلالة أن المشتري يملكه المولى ولا يرجع عليه بثمنه، والمضارب لا يجوز أن يملك رب المال الشفعة إلا وثمنها مستحق من

ماله؛ فدل أن تصرفه يقع لرب المال. 17245 - وقولهم تصرف مستفاد بالإذن غير مسلم، لأن عندنا يستفيد العموم من طريق الحكم، لا بالإذن. 17246 - قالوا: تصرف لم يتناوله إذن المولى فلا يستبيحه العبد من جهة الإذن، كعقد النكاح. 17247 - قلنا: الإذن إذا وقع في نوع من التجارات كان إذنًا في جميعها حكمًا؛ لأن عموم الأمر يقتضي التصرف في جميع الأموال. 17248 - فإذا لزمته لم يتوصل إلى تحصيلها إلا بالشراء، فأما منافع البضع فلا يضمنها الإذن نطقًا، ولا يؤدي إلى وجوبها عليه حتى يحتاج إلى تحصيلها، فلذلك لم يدخل في الإذن. 17249 - ولأنا نقول: بموجب العلة، لأن العبد [لا يستفيد] العموم بالإذن، وإنما يستفيد الإطلاق، كما لو أذن البائع للمشتري في نوع من التصرف قبل القبض كان له التصرف في كل نوع. 17250 - وكذا لو أذن الشفيع للمشتري في البيع من زيد فباع من عمرو، وتساويا في سقوط الشفعة عليهما. 17251 - فإن قيل: لو أذن له في تزويج امرأة بعينها لم يجز له أن يتزوج غيرها، ولا فائدة للولي في التعين؛ لأن استحقاق رقبته بمهر واحدة كاستحقاق رقبته بمهر غيرها. 17252 - قلنا: التزويج تصرف مملوك للمولى على عبده؛ لأنه يملك تزويجه بغير إذنه عندنا.

فإذا ملكه منه شيئًا معينًا لم يتملك غيره فالشراء ليس مع كونه عاقلًا بالغًا لحق المولى حتى لا يستحق رقبته عليه. فإذا أذن فقط أسقط حق نفسه، فهو كما لو أسقط حقه عن رقبته بالكتابة لم يتخصص ما يتصرف فيه، وإن خصصه له. يبين الفرق بين النكاح والشراء أنه لو أطلق له الأمر بالنكاح لم يستفد العموم، ولم يجز أن يتزوج أكثر من واحدة. فعلم أن مقتضاه الخصوص، فإذا اعتبر لم يتجاوز ما عينه، ولو أطلق له الإذن في التجارة؛ لم يتخصص ما يشتريه، ولكان على العموم، فإذا خص له الإذن في الشراء لنفسه لم يتخصص، وكان على العموم. 17253 - ولا يلزم المضارب والشريك؛ لأنه لا يأذن لهما في الشراء لأنفسهما، فوزانه من العبد أن يوكله المولى ليشتري له شيئًا فلا يملك أن يشترى غيره. 17254 - فإن قيل: لو أمر أن يشترى ثوبًا يلبسه لم يكن إذنًا. 17255 - قلنا: إذا أطلق له الرأي وجعل إليه/ أن يشتري لنفسه؛ فهو إذن في جميع الأشياء. وإن قال له: اشتر من فلان ثوبًا لي فهذا توكيل له، وليس بإذن، فلا يستفاد به العموم. 17256 - فإن قيل: إذا أذن له في نوع خاص فلم يرض بدخول ما سواه في ملكه، ولا يملك المأذون أن يدخله في ملك مولاه بغير رضاه.

17257 - قلنا: المأذون غير محجور عليه في إدخال الأموال في ملك مولاه، بدليل أنه يملك قبول الهبة، فيملك المولى ما قبل من الهبة، وإن لم يرض المولى بذلك. ***

مسألة 858 استفادة الإذن عن طريق السكوت

مسألة 858 استفادة الإذن عن طريق السكوت 17258 - قال أصحابنا: إذا رأى المولى عبده يبيع أو يشترى فلم ينهه كان ذلك إذنًا. 17259 - وقال الشافعي: لا يكون مأذونًا، وبيعه لما في يده باطل. واختلف أصحابه إذا اشترى بثمن في ذمته. 17260 - قال: الإصطخري: [لا يصح]. وقال ابن أبي هريرة: يصح ويكون للمولى الدين في ذمة العبد وللبائع الفسخ فإن أخذه المولى من يده سقط حق الفسخ. 17261 - لنا: أن كل من يتصرف لنفسه يجوز تصرفه من غير إذن كالمكاتب، ولأنه يملك قبول الهبة، فيملك قبول الشراء من غير إذن. أصله: الحر.

17262 - احتجوا بأنه تصرف يفتقر إلى إذن، فوجب أن لا يقوم السكوت مقام الإذن فيه. 17263 - أصله: إذا باع الراهن الرهن والمرتهن ساكت، وباع الأجنبي ماله وهو ساكت، وتزوج العبد أو تزوجت الأمة والمولى ساكت. 17264 - قلنا: لا نسلم أنه تصرف يفتقر إلى إذن المولى، وإنما يفتقر إلى إمساكه عن النهي مع علمه بتصرفه، وإذا وجد الإذن فقد حصلت زيادة على الإمساك، فيجوز التصرف. فأما الراهن إذا باع فإنما لا ينفذ بيعه لسكوت المرتهن، وكذلك الأجنبي إذا باع ملكه. 17265 - لأن كل واحد منهما لا يملك أن يدخل الشيء في ملك من تصرف عليه بغير رضاه، فجاز أن ينفذ تصرفه في حقه لسكوته. وأما التزويج: فلأن العادة جارية أن كل واحد من الزوجين يبحث عن حال [الآخر عند العقد، فلما لم تبحث المرأة عن إذن المولى وهي المفرطة فلا يكون بالسكوت غارًا لها، ولم تجر العادة أن يبحث] الناس عن حال من يبيع ويشتري إذا جلس في السوق وفتح الدكان، فلما لم ينكر المولى جاز التصرف؛ إذ لو لم يجز تصرفه صار غارًا للناس والغرور لا يجوز.

مسألة 859 ما يجوز للمأذون من التصرف في المال

مسألة 859 ما يجوز للمأذون من التصرف في المال 17266 - قال أصحابنا: يجوز للمأذون أن يتخذ الوليمة التي يعتادها التجار ويهب الطعام. 17267 - وقال الشافعي رحمه الله: لا يجوز ذلك إلا بإذن المولى. 17268 - لنا: ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (كان يركب الحمار ويجيب دعوة المملوك). وروي أن سلمان الفارسي كان مكاتبًا فحمل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - رطبًا وقال: هذا صدقة، فقال لأصحابه: (كلوا) ولم يأكل، ثم حمل إليه رطبًا وقال: هو هدية فأكل وأكلوا). 17269 - فدل على جواز قبول هديته. فإن قيل: يجوز أن يكون إذن المولى في الدعوة. 17270 - قلنا: لو وقف ذلك على إذن المولى لسأل عن الإذن، ولو سأل لنقل. 17271 - ولأنه يملك الشراء والبيع فيملك التبرع كالحر، ولأن من ملك التصرف في اكتسابه ملك التبرع فيها كالحر.

17272 - احتجوا بأنه تبرع بمال مولاه فلم يجز بغير إذنه. كما لو وهب الدراهم والثياب 17273 - [قلنا: الدراهم والثياب]، لم تجر عادة التجار بأن يهبوها طلبًا لإصلاح التجارة فلم يملكها المأذون. 17274 - وأما الطعام: فقد جرت عادة التجار ببذلة طلبًا لإصلاح التجارة واختلاف الناس على أن يملكه إذا ملك التجارة. ***

مسألة 860 رفع الإذن بالهرب

مسألة 860 رفع الإذن بالهرب 17275 - إذا أبق المأذون صار محجورًا. 17276 - وقال الشافعي: إذنه بحاله. 17277 - لنا: أن إباقه يبطل تصرف المولى في إجارته فيبطل إذنه في التجارة. أصله: بيعه، ولأنه صار في يد نفسه، فلم ينفذ تصرفه بإذن مولاه كالمكاتب. 17278 - احتجوا بأن الإباق [لا يمنع] ابتداء الإذن فلم يمنع استدامته. أصله: إذا غصبه غاصب]. 17279 - [قلنا: الوصف غير مسلم؛ لأنه لا يجوز أن يبتدئ الإذن للآبق. والمعنى فيه: إذا غصبه غاصب] أن تصرف المولى يجوز فيه الإجارة من الغاصب فجاز تصرفه بإذن المولى، والآبق لا يجوز تصرف المولى فيه بالمعاوضات، فلم يجز تصرفه بإذن المولى، على أن من أصحابنا من قال يصير محجورًا إذا غصب. 17280 - قالوا: هربه لا يبطل إذنه كهرب المضارب. 17281 - قلنا: هرب المضارب لا يوجب زوال يد رب المال عن المال المتصرف

فيه، فلم يتعين التصرف. 17282 - وإباق العبد يوجب زوال يد المولى عما يقع التصرف فيه، وهو الإذن، فلم يجز التصرف بإذنه. فصار وزانه أن يجحد المضارب المال، فلا يجوز تصرفه على المضاربة. 17283 - قالوا: تصرف يملكه قبل الإباق، فلم يزل بالإباق كطلاق زوجته. 17284 - قلنا: الطلاق معنى يملكه بنفسه فحاله قبل الإباق وبعده فيه سواء. وأما التصرف: فيملكه بإذن المولى، وبالإباق تزول يد المولى عما تصرف فيه، وهي الذمة فيبطل تصرفه. 17285 - قالوا: ما تعلق به صحة الإذن باق، فوجب أن يكون الإذن باقيًا. أصله: إذا لم يأبق. 17286 - قلنا: إذنه يصح لولايته والولاية تزول بالإباق، بدلالة أن تصرفه فيه ناقص عما كان عليه، حتى لا تجوز إجارته ولا بيعه. ***

مسألة 861 إجارة المأذون لنفسه

مسألة 861 إجارة المأذون لنفسه 17287 - قال أصحابنا: يجوز للمأذون أن يؤاجر نفسه. 17288 - وقال الشافعي: ليس له ذلك. 17289 - لنا: أنه يتصرف لنفسه، فيملك أن يؤجر نفسه كالمكاتب، لأنه يملك التصرف فتتلف. هذا المنافع بغير عوض، فلأن يتلفها بعوض يحصله لمولاه (أولى). 17290 - ولأن الإذن يتضمن تحصيل الأكساب، والمعتبر أنه في نفسه، يحصل الكسب بإجارة نفسه فصار ذلك من مضمون الإذن، ولأن من ملك أن يؤجر العبيد الذين من كسبه ملك أن يؤجر نفسه كالمكاتب، ولأنها إجارة الذوات والصد ملك إجارة نفسه، كالمكاتب. 17291 - احتجوا بأنه عقد على رقبته فصار كبيعها ورهنها. 17292 - قلنا: الإجارة عقد على المنافع لا على الرقبة وأنه قد يملك إجارة نفسه من لا يملك بيع رقبته ورهنها كالمكاتب. ولأن الإذن (يتضمن) جواز التصرف والبيع والرهن. وكل واحد منها يوجب الحجر عليه لو صح المنع منه، فلم يجز أن يتضمن الإذن تصرفًا يرفع الإذن، والإجارة لا توجب رفع الإذن، وهي من العقود التي يتبعها المال فيملكها بإطلاق الإذن. يبين ذلك أنه لو أذن له في بيع نفسه من إنسان صار بالبيع محجورًا، ولو أذن له في إجارة نفسه لم يصر بذلك محجورًا. 17293 - قالوا: عقد على النافع كالنكاح، والمأذونة لا تملك أن تزوج نفسها.

17294 - قلنا: لما لم تملك أن يزوجها أبوها لم تزوج نفسها، ولما ملكت أن تؤاجر اكتسابها كذلك تملك أن تؤجر نفسها. 17295 - قالوا: منافعه ملك المولى فلا يملك العقد عليها كسائر أموال المولى. 17296 - قلنا: يبطل بالعقد على أكسابه، ولأن هذه المنافع وإن كانت على حكم ملك المولى فقد أذن المولى في إتلافها لتحصيل الأكساب. 17297 - ألا ترى أنه إذا اشتغل بالتجارة تلفت منافعه على المولى، فجاز أن يتلفها بعوض وسائر أموال المولى لم يتضمن الإذن إتلافها لتحصيل الأكساب، فلم يتضمن العقد عليها لتحصيل عوضها. ***

كتاب المساقاة

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب المساقاة

مسألة 862 كتاب المساقاة

مسألة 862 كتاب المساقاة 17298 - قال أبو حنيفة: المساقاة باطلة. 17299 - وقال الشافعي في الجديد: تجوز في النخل والكرم دون غيرهما.

17300 - وقال في القديم تجوز في كل شجر له ثمرة. 17301 - لنا: حديث رافع بن خديج - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المخابرة، وعن جابر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (من لم يذر المخابرة فليأذن

بحرب من الله ورسوله). قال ابن الأعرابي: المخابرة مشتقة من معاملة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل خيبر [ثم صارت لغة مستعملة، وقيل للأكار خبير]. 17302 - وقال أبو عبيدة: الخبير الأكار، والمخابرة المواكرة ولذلك سمى الأكار أكارًا لأنه مواكر الأرض، والمواكرة تكون في المزارعة والمسافة جميعًا

فتدخل تحت النهي. 17303 - ولا يقال: إن العقود لا يشتق لها اسم من الأماكن كما لا يشتق لعقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع أهل مكة [اسم من مكة] لأن إخبار ابن الأعرابي بذلك حجة. 17304 - ولأن ذلك غير ممتنع كما قال أعرق وألحد وبدا. 17305 - ولأنه عقد لا يصح من غير ذكر مدة فلم يجز [بذكر] ثمرة (معدومة كالإجارة، وعكسه الخلع والمضاربة. 17306 - ولأنه شرط له جزءا من ثمرة معدومة عوضًا عن عمله، فوجب أن لا يجوز.

17307 - أصله: إذا ساقاه على نخل على أن يستحق نصف ثمرة نخلة واحدة منه. 17308 - فإن قيل هذا لا يجوز مثله في المضاربة. 17309 - قلنا: المضاربة نوع شركة، فلا تجوز مع قطع الربح عن بعض المال. 17310 - والمساقاة إجارة، فإذا جازت على نوع مال جازت على أبعاضه/. 17311 - ولأنه شرط جزءا مما يحدث من ملكه بدلًا عن عمله، فوجب أن يكون باطلًا. أصله المزارعة المنفردة والغنم إذا عامله راعيها بجزء من أولادها، وألبانها. 17312 - فإن قيل: الأرض المنفردة يمكن إجارتها فلم تجز المعاملة عليها. 17313 - قلنا: والنخيل يمكن الاستئجار على عمله بثمن في الذمة. 17314 - فإن قيل: الغنم لا يحصل النماء بعمله عليها، وإنما يقربها من العلف ويقرب الفحل منها، ثم يكون الولد من فعل الله. 17315 - قلنا: لا نفرق بينهما؛ لأن النخل والكرم يقرب الماء منهما، كما يقرب العلف إلى الغنم، أو يقرب الغنم إلى العلف، ويوقع فعلًا فيها وهو حلابها وجزها، كما يلقح النخل ويقرب الفحل [لضرابها]، فيخلق الله سبحانه وتعالى الولد، كما يلقح النخل فيخلق الله الثمرة، ويقلبها من حال إلى حال، فلا فرق بينهما. 17316 - ولأن العمل على النخل معاوضة لازمة، فلا يجوز بدل معدوم كالبيع والإجارة.

17317 - احتجوا بما روى نافع عن ابن عمر [- رضي الله عنه -] أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع). 17318 - وروى مقسم عن ابن عباس قال: افتتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر، واشترط أن له الأرض من كل صفراء وبيضاء. وقال أهل خيبر: نحن أعلم بالأرض منكم (فأعطناها) على أن لكم نصف الثمرة ولنا النصف. 17319 - والجواب: أن هذا لم يكن على طريق المساقاة، بدلالة أنه لم يذكر مدة معلومة فقال (نقر كم فيها ما شئنا).

17320 - ذكر ذلك ابن إسحاق وروي (نقركم ما أقركم الله) وهذا لا يجوز شرطه باتفاق فاحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل جزيتهم العمل في الأرض ودفع إليهم سهمًا من الثمرة على طريق المعونة؛ لأن الإمام يجوز له معونة أهل الذمم، إذا لم يجدوا شيئًا. 17321 - فإن قيل: إذا أجمعنا على أن المساقاة لا تجوز إلا بمدة معلومة علمنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر المدة، ولم تنقل، ولا يجوز بأن يحمل أمره على أنه عقد مالا يجوز بالإجماع. 17322 - قلنا: قوله: تقركم ما شئنا، ينفى ذكر مدة معلومة، ولو كانت مذكورة لنقلت، فلا يجوز ثبت مدة لم تنقل، بل قد نقل ما ينفيها ويوجب حمل الأمر على غير عقد المساقاة من الوجه الذي بينا. 17323 - قالوا: قوله: (على أن نقركم ما أقركم الله وما شئنا) يحتمل أن يكون شرطًا تقدم العقد.

17324 - قلنا: المنقول أن العقد وقع على هذا الشرط، ولأنه لو كان قبله لم يتعلق به حكم، ولا يجوز أن تحمل شروط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على مالا يؤثر في الحكم. 17325 - فإن قيل: قوله: (نقركم ما أقركم الله) معناه: ما لم ينسخ. هذا الحكم. 17326 - قلنا: قد روينا: (نقركم ما شئنا) وهذا لا يمكن حمله على النسخ. 17327 - ولأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقركم على هذه المعاملة وأبو بكر [- رضي الله عنه -] وبعض أيام (عمر (- رضي الله عنه - فلما أراد عمر - رضي الله عنه - أن يجليهم قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شرط أن يقركم ما أقركم الله في أحلامكم. ولو كان هذا الشرط لبيان

انقطاع العقد بالفسخ؛ لم يجز أن يفسخ عمر - رضي الله عنه -، ولما وجد الفسخ علم أنه يؤقت بمشيئة الإمام ما رأى أن في تبقيته مصلحة، لا كما قالوا. 17328 - وجواب آخر: وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فتح أكثر خيبر عنوة فثبت له حق الاسترقاق في رقابهم، فعقده معهم كعقد المولى مع عبده، فيجوز فيه ما لا يجوز في عقود الأحرار. 17329 - فإن قيل: لو كانوا استرقوا لم يجز له أن (يجليهم) ويسقط حق المسلمين من رقابهم. 17330 - قلنا: النبي - عليه السلام - لم يسترقهم ولم يحكم بحريتهم، وبل أوقف ذلك على الارتباط بالعقود معهم، وحق الاسترقاق ثابت كالعقد مع الرقيق فرأى عمر - رضي الله عنه - أن يأخذ وجهي الاختيار وسقط حق الاسترقاق عنهم. 17331 - فإن قيل: لما حرص عبد الله بن رواحة قال: إن شئتم فلكم وإن

شئتم فلنا، فدل أنهم أحرار؛ لأن العبيد لا يملكون. 17332 - قلنا: العبد يضاف إليه الملك وإن لم يملك حقيقة؛ لأن العرب تضيف بأدنى ملابسة، على أنا بينا أن حق الاسترقاق كان متعلقًا برقابهم، وهذا لا يمنع من ثبوت ملكهم إلا أن يسترقوا. 17333 - وجواب ثالث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نزل على أملاكهم بعض خيبر على طريق الطعمة لهم، لأنه لما أجلاهم عمر - رضي الله عنه -: قوم لهم ملك الطعمة فيجوز أن يكون جعل عليهم العمل في حصة المسلمين جزية، وأعطاهم النصف حصة ما تركه لهم من الأملاك طعمة، يبين ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأخذ منهم جزية. ولا يجوز تبقية الكافر في دار الإسلام بغير شيء؛ فعلم أن عملهم كان جزية. فإن قيل: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قسم خيبر بين المسلمين فكيف يكون بعضها لهم؟. 17334 - قلنا: إنما بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكتيبة خاصة فجعلها لنفسه، وجعل

سهام المسلمين من الشق، والنطاة، ولم يقسم الأراضي وإنما جعل لهم سهامًا من الأوسق، وهذا لا ينفى أن تكون طعمة اليهود فيها، يدل على [ذلك] ما ذكر الواقدي: أن عمر - رضي الله عنه - لما أجلاهم خرج إليها ومعه القسام، وقسمها بين المسلمين، ولو كانت القسمة سبقت لم يكن للقسمة الثانية معنى، يبين صحة ما ذكرنا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - انفرد بالكتيبة، وجعل سهام المسلمين في الشق والنطاة ولم ينقل أنه استأذنهم في عقد، ولا يجوز أن يعقد على أملاكهم عقد معاملة بغير إذنهم. 17335 - ويجوز أن يعقد الجزية لهم بغير إذنهم. 17336 - فدل أن هذا العقد كان على أن جعل عملهم جزية عليهم، وهذا لا يقف على إذن المسلمين، فكان حمل العقد على ذلك أولى. ثم هذه الأخبار لو دلت

على جواز العقد كان خبر رافع بن خديج مستأخرا عنها فالرجوع إليه أولى. 17337 - واحتجاجهم بالإجماع لا يصح، لأن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما أقرا على فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يستأنفا عقدًا وقد بينا أنه لا دلالة في فعله لاحتماله. 17338 - ومن روي عنه أنه كان يعامل بالمدينة فقوله معارض بقول رافع بن خديج وبما روي أن ابن عمر رضي الله عنهما لما سمع حديث رافع بن خديج انثنى عنها وتركها. 17339 - قالوا: عين يتوصل إلى نمائها بالعمل عليها، فإذا لم يكن إجارتها

جاز العقد عليها ببعض نمائها كالأثمان. 17340 - قلنا: الوصف غير مسلم؛ لأن الأثمان تجوز إجارتها عندنا للرهن ولتعبر بها الموازين، ويبطل بالحنطة والشعير، لأن إجارتها على قولهم لا تجوز، ولا يجوز العقد عليها مضاربة، لأن المضاربة نوع شركة، والشركة يعتبر فيها أن يعلم السهم المستحق دون غيره، والمساقاة نوع إجارة بدلالة اشتراط المدة فيها، والإجارات يعتبر فيها العلم بمقدار الأجرة، فإذا جمعت جهالة المقدار وتعلقها بمعدوم وخطر لم يصح. 17341 - قالوا: الغرر في المضاربة أكثر من المساقاة بدلالة أن النخل في الغالب يحمل والربح يجوز ويجوز أن لا يوجد، فإذا جازت المضاربة فالمساقاة أولى. 17342 - قلنا: الغالب وجود كل واحد من الأمرين والخطر موجود فيهما جميعا إلا أن أحدهما شركة والشركة لا يؤثر فيها الأخطار والجهالة، والآخر إجارة فيؤثر ذلك فيها. يبين الفرق بينهما أن صاحب (العمل) شرط بعض ماله في مقابلة العمل كما شرط في الإجارة، وصاحب المال لم يشترط بعض ماله وإنما شرط بعض

ما يتحصل للمضارب بتصرفه، وضمانه، كما يتشرط في الشركة ألا ترى أن الثمرة يجوز أن توجد بلا سقى ولا عمل والربح لا يوجد إلا بالعمل!. 17343 - فدل على أن رب المال لم يشترط للمضارب بعض ماله (والمساقي) شرط بعض ماله. كما شرط في المعاوضات. 17344 - قال ابن أبي هريرة أجمعت الصحابة رضي الله عنهم على صحة المضاربة والإجماع لا ينعقد إلا عن دليل. 17345 - والدليل توقيف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أو قياس، وليس مع الصحابة توقيف على جوازها، فثبت أنهم أجازوها قياسا، ولابد للقياس من أصل، وليس للمضاربة أصل إلا المساقاة، فثبت أنهم جوزوا المضاربة قياسًا على المساقاة، فإذا جاز الفرع فالأصل أولى بالجواز. 17346 - وهذا غلط ظاهر؛ لأن الأمة أجمعت على جواز المضاربة، وما أجمع

عليه هو الأصل، وما اختلف فيه فهو الفرع، وكيف يقال إنهم أخذوا المجمع عليه من المختلف فيه. 17347 - وقوله: إنه لا توقيف مع الصحابة على المضاربة غلط؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يجوز أن يكون بين لهم ذلك فاكتفوا بالإجماع على نقل الطريق الذي انعقد الإجماع عنه/، ويجوز أن يكون لجوازها طريق ثالث، وهو إقرار النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهل عصره عليها كما أقرهم على سائر العقود، وانعقد الإجماع على هذا التقرير، ولو وجب ما قالوا لجاز أن يكونوا قاسوها على الشركة. 17348 - لأن شركة العنان يجوز بالمال من الجهتين، وشركة الوجوه تجوز بالعمل من الجهتين، والمضاربة يجتمع فيها الأمران فجوزوها اعتبارًا بالأصلين، فهذا أجاز أن يوجد ما أجمع عليه مما اختلف فيه.

17349 - ثم كيف تكون المساقاة أصل المضاربة والتوقيت شرط في المساقاة، وعند مخالفنا التوقيت يبطل المضاربة، وعندنا: إن جاز فيها فليس من شرائطها، ورأس المال في أحدهما يجوز إخراجه من الملك والنخيل في المساقاة لا يجوز إخراجها من الملك، والمضاربة لا تجوز بالعروض، والمساقاة لا تقع إلا على العروض، والمضاربة شرط للمضارب بعض الفاضل عن رأس المال، فلو شرط أن الربح ورأس المال بينهما كان باطلًا، والمساقاة إذا كان [منها] مزارعة فمن شرطها قسمة الخارج. 17350 - فإن شرط المقاسمة فيما زاد على البدل كان باطلًا، وكيف يكون أحد العقدين مثل الآخر، وعندهم المساقاة من العقود اللازمة والإجارة والمضاربة من العقود الجائزة. ولو أخذتم أحد العقدين من الآخر لاستويا في اللزوم، أو في الجواز. 17351 - ثم قال الشافعي: في الجديد لا تجوز المساقاة على غير النخل والكرم. 17352 - فإن كل لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عامل أهل خيبر على ذلك؛ فقد أجمع أهل النقل على أنه لم يكن بخيبر كروم، وإن جوزوا الكرم قياسًا على النخل فكان يجب أن يجوزوا جميع الشجر قياسًا على النخل ثم منع المزارعة في الأرض، إذا

لم تكن بين النخل فإن كان المرجع إلى معاملة خيبر فقد عاملهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ما فيها من نخل وزرع، ونحن نعلم أن خيبر كسائر البلاد. 17353 - ولا تخلو من أرض بيضاء [أو من أرض] فيها نخل يمكن أن ينفرد بسقي النخل عن سقي الأرض، وقد جوز النبي - صلى الله عليه وسلم - المعاملة في جميع ذلك، ولم يستثن شيئًا منه. 17354 - فكان يجب أن تكون المزارعة في الجميع كما قال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله أو يبطلها في الجميع كما قال أبو حنيفة - رضي الله عنه - .. 17355 - [قلنا: يبطل بنصيب العامل في المساقاة، أن المعاوضة تناولت الثمرة وهي معلومة وليست مملوكة. 17356 - قالوا: ليست معلومة]. 17357 - قلنا: وكذلك مقدار خدمة العبد (في الشهر غير معلومة) [القدر] والمعنى في المبيع أنه موجود (بمعاوض (عنه، فكان مملوكًا، والمنفعة (معدومة) [في الشهر] فلم تملك وإن تناولها العقد كسهم العامل من النخل.

17358 - قالوا: الملك ليس بإشارة إلى العين وإنما هو عبارة عن حكم؛ لأن الملك هو التصرف في العين. بدلالة أن المولى يملك التصرف في العين والتصرف في المنافع فدل أنها ملكه. ***

كتاب الإجارة

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب الإجارة

مسألة 863 فسخ عقد الإجارة بالعذر

مسألة 863 فسخ عقد الإجارة بالعذر 17359 - قال أصحابنا: الإجارة تنفسخ بالعذر، ويستوي في الفسخ عذر المؤجر وعذر المستأجر وإن اختلفا في كيفية الإعذار.

17360 - وقال الشافعي: لا يفسخ إلا بعيب. 17361 - لنا: حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (لا ضرر ولا ضرار، من ضار ضاره الله، ومن شاق شق الله عليه) ولو بقينا الإجارة مع

الفلس ومع لزوم الدين للمؤجر كان إضرارًا به، وهذا لا يصح، ولأن كل عقد تناول المنفعة جاز فسخه لعذر غير العيب كالعارية. وكمن قال: إن خطته اليوم فلك درهم. 17362 - فإن قيل: المعنى فيه أنه غير لازم، لم نسلم ذلك في مسألة الخياطة، ثم الإجارة عندنا عقد لازم ما لم تحدث الأعذار، فلا نسلم لزومها مع ذلك. 17363 - ولأنه أحد متعاقدي الإجارة، فجاز أن يثبت الخيار في فسخها بسبب فاسد: أصله: المستأجر إذا أفلس بالأجرة عندهم. 17364 - وعلى أصلنا: إذا أفلس فلم يتمكن من الانتفاع بالدكان، ولأنه لا يمكنه استيفاء المعقود عليه إلا بضرر لم يلتزم بالعقد فلا يلزمه الوفاء به.

17365 - أصله: إذا استأجر لقلع ضرسه فسكن الوجع. 17366 - ولا يقال: إذا سكن انفسخ العقد؛ لأنه تعذر استيفاء العمل بالشرع، فهو كما لو تعذر الاستيفاء بالهلاك لأنا عللنا لإسقاط لزوم الوفاء به وهذا مسلم. 17367 - ولأنه لا يمكنه استيفاء المعقود عليه علي ما أوجبه العقد، فكان له فسخها كما لو أبق العبد المستأجر. 17368 - فإن قيل هناك تعذر الاستيفاء. 17369 - [قلنا: إذا أمكن رده بجعل بدل لمن يرده لم يتعذر الاستيفاء] لكن يلحق فيه ضرر مثل مسألتنا. 17370 - فإن ألزم على هذا إذا مرض مستأجر الدكان. 17371 - قلنا: إن كان مما لا يمكنه معه الانتفاع بالدكان ثبت الفسخ، فإن ألزم الجمال إذا أجر إبله [وبدا له] مانع من الخروج. 17372 - قلنا: خروجه مع الجمال غير مستحق. 17373 - ولا يلزم إذا استأجر نعلًا ليلبسها في يوم بعينه فجاء المطر الشديد. لأن عندنا لكل واحد من صاحب النعل والمستأجر الفسخ؛ لأن صاحب النعل يستضر والمستأجر لا يتمكن من استيفاء المنفعة. 17374 - ولأن البقاء على الإجارة في المدة موجب بها. كما أن ارتفاع العقد

وإزالة اليد بعد المدة موجب بها. ثم جاز أن تبقى العين في يد المستأجر للعذر إذا انقضت المدة وفي الأرض زرع، كذلك يجوز أن يرتفع العقد في المدة [لوجود العذر]. 17375 - ولأنه أحد موجبي الإيجارة، فجاز مخالفته بعذر غير العيب، أصله: رفع اليد بعد المدة، ولأنه لا يتمكن من قضاء ديونه إلا من بيع المستأجر فكان له فسخ الإجارة. [أصله: إذا أخذها بعد حجر الحاكم في الدين، ولأنه عقد يقصد به المنفعة؛ فجاز رفعه من غير عيب]، أصله: النكاح والمضاربة. 17376 - قالوا: الطلاق ليس بفسخ وإنما هو إزالة ملكه عن البضع، كما يزول ملكه [عن العبد بالعتق]. 17377 - قلنا: الطلاق رفع العقد بدلالة أنه يرجع بنصف المهر قبل الدخول. ولو كان أتلف ملكه] كما يتلفه بالعتق لم يجز أن يرجع بالعوض. 17378 - احتجوا: بقوله تعالى: {يأيها الذين أمنوا أوفوا بالعقود}. 17379 - قلنا: المراد به الوفاء بأحكامها، وعندنا حكم هذا العقد مع وجود العذر الفسخ، وعندهم تبقية العقد فتساوينا. 17380 - قالوا: ضرر لا يملك المكري به الفسخ فوجب أن لا يملك (المكترى) بمثله الفسخ كالعين.

17381 - قلنا: عندنا أن هذا العقد يفسخ من كل واحد من [جهته] بالعذر وقد تساويا من هذا الوجه، وإن كان الشيء يكون عذرا في حق أحدهما ولا يكون عذرا في جنب الآخر ألا ترى أن المبيع يرد الإباق والرق والزنى ويرد الثمن بالعيب وإن لم يتصور فيه هذه العيوب؟ 17382 - وقد قال مخالفنا: إن النكاح يفسخ بالقرن والرتق ولا يتصور ذلك في الفروج، وإن كان يفسخ العقد بعينه وجنسه كذلك في مسألتنا. وأصلهم (العين). 17383 - والمعنى فيه: أنه حصل بتفريط العاقد؛ لأنه كان يمكنه أن يتثبت في العقد ولا يعقد على وجه فيه عيب وليس كذلك الأعذار؛ لأنها توجد، ولا

تفريط من العاقد فيها؛ فلذلك جاز أن يثبت الخيار. 17384 - قالوا: عذر لا يتضمن نقصًا في المعقود عليه، فوجب أن لا يملك به الفسخ كالمكري إذا أجر داره لينتقل من البلد، ثم بدا له.

17385 - قلنا: يبطل بمن استأجر ظئرًا فلم يأخذ الصبي من لبنها، ومن استأجر عبدًا فأبق، فعيب الإباق لا يؤثر في منافعه؛ بدلالة: أن من استأجر عبدًا للخدمة فوجد آبقًا لم يكن له خيار. 17386 - فأما الأصل الذي ذكروه فليس بمنصوص عليه. ويجوز أن يقال: إن الدار إذا كانت لسكناه فبدا له ترك السفر فذلك عذر في الفسخ. 17387 - قالوا: عقد معاوضة محضة فإذا لزم من أحد الطرفين منع اللزوم منه، ولم يمنع من الآخر [كالبيع. 17388 - قلنا: هو معد عدم الأعذار ملزم، فإن وجد العذر من الطرفين؛ فلم يلزم، وإن وجد من أحد الطرفين؛ منع اللزوم منه ولم يمنع من الآخر] كالعيب الموجود من أحد الطرفين دون الآخر. 17389 - ولأن البيع لا يستحق فيه العذر ما لم يعقد عليه [فلم ينقض العقد بالعذر فيما عقد عليه، والإجارة يستحق فيها بالعذر ما لم يعقد عليه] إذا انقضت المدة وفي الأرض زرع لم يستحصد، كذلك يجوز أن ينقض بالعذر فيما عقد عليه. 17390 - قالوا: كل عقد يفسخ بالعذر يفسخ من غير عذر كالشركة والوكالة. 17391 - قلنا: العقود إذا تناولت المنافع ضعف لزومها عن عقود الأعيان

بدلالة النكاح، وكذلك الإجارة تضعف في اللزوم عن البيع، فيجوز رفعها من غير عيب كما يجوز في النكاح. 17392 - قالوا: عقد لازم فلا يفسخ لمعنى في غير المعقود عليه كالمبيع. 17393 - قلنا: يبطل إذا استأجر ظئرًا فلم يأخذ الصبي من لبنها وإذا أسلمت المجوسية فسخ النكاح بينها وبين زوجها عندنا. 17394 - وعندهم: ينفسخ العقد بمضي الحيض، ولم يحدث بإسلامها عيب بالمعقود عليه والمعنى في البيع ما قدمناه. ***

مسألة 864 وقت وجوب الأجرة

مسألة 864 وقت وجوب الأجرة 17395 - قال أصحابنا: لا تجب الأجرة في الإجارة بنفس العقد، وإنما تجب بإيفاء المنفعة، فإن كانت المنفعة مما ينفرد بعضها عن بعض بالمنافع؛ وجب أجر كل جزء عند استيفائه كأجرة الدار وإن كان لا ينفرد لم تجب الأجرة بإيفاء جميعها كالقصار والصباغ وري عن محمد أنها تجب بالعقد وجوبًا مؤجلًا. 17396 - [قال الشافعي رحمه الله: إذا أطلق العقد استحق الأجرة بالعقد]. 17397 - لنا: قوله تعالى: {فإن أرضعن لكم فأتوهن أجورهن}.

17398 - ومن أصحابنا من يقول إن الحكم المعلق بالشرط يدل على نفى ما عداه. 17399 - وعلى قول الباقين/ الأمر يتناول الحالة المقصودة، وهي ابتداء [الإيجاب] فلو تقدم الوجوب على الإرضاع لأمر بدفع الأجر حين وجب. 17400 - فإن قيل: المراد بالآية أن يذكر الإرضاع كقوله تعالى: {حتى يمطوا الجزية} أي يبذلوها. 17401 - والدليل على ذلك: قوله تعالى في سياق الآية: {وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى} وهذا لا يكون بعد الرضاع. 17402 - قلنا: قوله: {فإن أرضعن [لكم}] حقيقة تقتضي فعل الرضاع، وحمله على البذل مجاز فلا يصار إليه إلا بدليل، وإذا حملنا الآية على غير ظاهرها [جاز] صرف هذه الآية عن ظاهرها بغير دليل. 17403 - فأما قوله: {وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى}: فيتناول ما قبل الرضاع، فكأن الله ذكر حال ما إذا فعلت، ثم ذكر حالها لو لم تفعل، وهذا كقوله: من دخل فالدار فله درهم، ومن لم يدخلها عاقبته. 17404 - ويدل عليه قوله - عليه السلام -: (ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته: رجل استأجر أجيرًا فاستوفى عمله ولم يوفه أجره).

17405 - فدل على تأخير الأجرة بعد العمل، ولو وجبت بالعقد لذمه على تأخيره عن تلك الحال، ويدل عليه قوله - عليه السلام -: (أعط الأجير أجرته قبل أن يجف عرقه)، وإنما يجف العرق بعد مفارقة العمل؛ فدل أن الأجرة تجب حينئذ. 17406 - وقولهم: يحتمل أن تكون أجرة مؤجلة يحل أجلها قبل أن يجف العرق، لا يصح، لأن اللفظ يقتضي سائر الإجارات ولأنه لم يجر للتأجيل ذكر. 17407 - قالوا: ليس المراد من الخبر بيان وقت الوجوب، وإنما المقصود بيان دفع الأجرة من غير مطل. 17408 - قلنا: الأمر إنما يتناول أقل أحوال الوجوب، لأنها المقصود، وما بعدها حال أخرى، وليس بعض الأحوال أولى من بعض، فلا فائدة لتخصيص حال منها 17409 - ولأنه مال في مقابلة منفعة، فلا يستحق بنفس العقد كالربح في المضاربة. 17410 - ولا يلزم المهر؛ لأنه في مقابلة [استباحة] المنفعة.

17411 - فإن قيل: المعنى في الربح أنه لا يملك بشرط التعجيل. [فلم يملك بالإطلاق، والأجرة تملك بشرط التعجيل] فملكت بالإطلاق. 17412 - قلنا: قد ثبت بالشرط ما لا يثبت بإطلاق العقود. 17413 - الدليل عليه: الأجل، والخيار إذا سمى أو غير نقد البلد، ولأنه عقد بني على منفعة فلا يستحق به الأجرة. 17414 - أصله: إذا أجره دارا شهر رمضان وهما في رجب. 17415 - ولا يلزم النكاح؛ لأن البدل ليس بأجرة. ولا يلزم إذا عجل الأجرة أو شرط تعجيلها؛ لأنها لا تملك بنفس العقد لأنه لم يسلم المنفعة المستأجرة فلا يلزم تسليم بدلها بالعقد. 17416 - أصله: إذا لم يسلم العين، ولأنه عقد معاملة لا يملك به المعوض [عنه] فلا يستحق به البدل كالبيع الفاسد. 17417 - ولا يلزم للمسلم لأن المسلم فيه يتعين من العوض الثاني فيملك بالعقد؛ لأنه عقد على منافع يتعذر استيفاؤها عقيب العقد فأشبه الإجارة التي شرط فيها الخيار ولأنها معاملة لا توجب تسليم أحد البدلين في الحال، فإذا لم يجب قبض البدل الأجر في المجلس لم يوجب العقد تسليمه كالبيع المشروط فيه الخيار للبائع والبيع الفاسد، ولا يلزم النكاح لأنه ليس بمعاملة.

17418 - ولا يلزم السلم؛ لأن قبض بدله يجب في المجلس، ولا يلزم إذا شرط التعجيل؛ لأن ذلك لا يوجبه العقد، وهذه المسألة مبنية على أن المنافع لا تملك بالعقد وإنما تملك بالاستيفاء. 17419 - والدليل على أنها [لا تملك] [أنها معدومة والملك من صفات الموجود، ولأنها نماء يحدث من ملكه فلا يملك بالعقد كسائر المعدومات 17420 - ولا يلزم السلم] لأن العقد يقع على دين في الذمة. والديون في الذمة لا توصف بالعدم كالشراء بالأثمان في الذمة ولا النكاح. 17421 - لأن المنافع لا تملك به، وإنما يقدر على ملك الاستباحة. 17422 - قالوا: الثمرة المعدومة لا يجوز التصرف فيها، فدل [على أنها لم تملك، والمنفعة المعدومة يجوز التصرف فيها]؛ فدل أنها مملوكة. 17423 - قلنا: إنما جاز التصرف في المنافع حال عدمها؛ لأنها إذا وجدت

عدمت فلم يمكن التصرف فيها بعد وجودها [فلهذه الضرورة جاز التصرف فيها، والثمرة يمكن التصرف فيها بعد وجودها] فلم توجد تلك الضرورة [فيها]، وإن ساوت المنفعة في فقد الملك. 17424 - ولأنها لو ملكت بالعقد وجدت في ضمانه بالقبض الأول كالأعيان. 17425 - احتجوا في هذا الفصل بأن عقد المعاوضة إذا تناول معلومًا بعينه؛ كان المعقود عليه مملوكًا كالأعيان المبيعة. 17426 - [قلنا: يبطل بنصيب في المساقاة أن المعاوضة تناولت الثمرة وهي معلومة وليست مملوكة. 17427 - قالوا: ليست معلومة]. 17428 - قلنا: وكذلك مقدار خدمة العبد [في الشهر غير معلومة] القدر والمعنى في المبيع أنه موجود بمعاوض عنه فكان مملوكًا، والمنفعة (معدومة) [في الشهر] فلم تملك، وإن تناولها العقد كسهم العامل من النخل. 17429 - قالوا: الملك ليس بإشارة إلى العين، وإنما هو عبارة عن حكم؛ لأن الملك هو التصرف في العين بدلالة أن المولي [يملك التصرف] في العبد

فإذا أعتقه فالرقبة لا تجوز له لأن الملك زال عنه، ثم المالك له كمال التصرف في المنافع؛ [فدل أنها ملكه]. 17430 - قلنا: الثمرة المعدومة يملك التصرف (فيها) بالوصية، وبالمعاوضة في المساقاة، ولم يدل جواز التصرف فيها على أنها مملوكة [إذا ثبت أن المنافع لا تملك إلا بالعقد]. 17431 - قلنا: إن كل معاملة لا يملك فيها أحد البدلين بنفس العقد لا يملك به البدل الآخر كالهبة بعوض. والبيع المشروط فيه الخيار لهما والبيع الفاسد.

17432 - احتجوا بأنه عقد يجوز شرط تعجيل العوض فيه، فوجب أن يقتضي إطلاقه تعجيل العوض كالبيع. 17433 - قلنا: قد يجوز أن يشرط في العقد مالا يقتضيه الإطلاق بدلالة تأجيل الثمن والخيار إذا شرط غير نقد البلد ويبطل، بالعقد على الجزية فإنه يجوز أن يشرط الإمام تعجيلها، إطلاق عقد الذمة لا يقتضي التعجيل. 17434 - والمعنى في البيع أن يمكن تسليم المعقود عليه عقيب العقد، فجاز أن يستحق عوضه بالعقد. والإجارة لا يمكن تسليم المعقود عليه عقيب العقد فلم يجب بدله بالعقد كالعبد الآبق وكربح المضارب. 17435 - ولأن المبيع لما ملك بالعقد ملك العوض عنه بالعقد، فلم يسبق ملك أحد العوضين ملك الآخر، ولما ثبت أن المنافع لا تملك بالعقد لم يملك عوضها إلا حين ملكها حتى يتساوى الملك في العوضين كما يتساوى في المبيع. 17436 - قالوا: معاوضة لا يملك أحد المتعاقدين فسخها لغير عذر، فوجب أني يقتضي إطلاقها تعجيل العوض كالنكاح. 17437 - قلنا: يبطل بالمساقاة، فإنه معاوضة لا يملك أحد المتعاقدين فسخها لغير عذر، فوجب أن يقتضي إطلاقها تعجيل العوض وهو الجزء من الثمرة. 17438 - ولأن البدل في النكاح أقوى من الثبوت من الأجرة، بدلالة أن المرأة لو

ماتت عقيب العقد فلم يتمكن الزوج من الاستمتاع ووجب البدل. ولو احترقت الدار المستأجره، أو مات العبد لم تستحق الأجرة فلم يجز اعتبار أحدهما بالآخر. ولو طلقها قبل الدخول وجب نصف المهر، ولو عادت المنافع إلى المؤجر لم يستحق شيئًا من البدل. 17439 - والمعنى في النكاح: أن المعنى الذي يستقر به المهر هو وطء واحد، وذلك يمكن تسليمه عقيب العقد؛ فلذلك جاز أن يجب عوضه بالعقد والمعنى الذي تستقر به الأجرة هو استيفاء جميع المنافع وذلك لا يمكن تسليمه عقيب العقد؛ فلذلك لم يجب بدله بالعقد. 17440 - قالوا: المنافع بمنزلة العين القائمة بدلالة جواز العقد عليها مطلقًا، ولو لم تكن كالعين لم يجز العقد عليها قبل أن تخلق كالثمرة والنتاج قبل أن يخلقا وإذا كانت كالعين فإذا قبض الدار كانت المنافع في حكم المقبوضة له؛ دلالة جواز تصرفه فيها كالإجارة والإعارة؛ ولو لم تكن كالمقبوضة ما جاز هذا. ولو رجل أصدق امرأة منفعة دار شهرًا فسلم الدار إليها لزمها تسليم نفسها،

وإذا ثبت أنه كالقابض للمنافع لزمه تسليم الأجرة. 17441 - الجواب: أما قولهم: إن المنافع بمنزلة الأعيان بدلالة جواز العقد فغلط؛ لأن المنافع متى تعينت عدمت مع التعين، فلم يجز العقد عليها، فكيف يستدل بجوار العقد على أنها في حكم الأعيان؟ 17442 - وهذا المعنى يمنع جواز العقد، فأما الثمرة والنتاج [فلا يمكن العقد عليها مع عدمها] بل وقف جواز العقد على الوجود، وأما المنافع: فلا يمكن العقد عليها بعد وجودها فاضطررنا إلى تصحيح العقد قبل وجودها. 17443 - فأما قولهم: إن قبض الدار في حكم قبض المنافع، فلا يصح بدلالة أنها لو صارت/ مقبوضة لتلفت من ضمان المستأجر، ولكان العيب الحادث فيها لا يوجب الرد. 17444 - وفي علمنا: أن الدار لو احترقت بعد القبض سقطت الأجرة، ولو دخلها عيب ثبت الفسخ، ولو غصبها غاصب سقط ضمانها؛ دل ذلك على أنها ليست في حكم القابض، وإنما يقبضها إذا وجدت باستيفائه لها. 17445 - فإن قيل: لو اشترى عبدًا أو قاتلًا فقبضه، استقر بدله، وإن سقط عندكم متى قتل في يد المشتري.

17446 - قلنا: قتله عندنا بسبب كان عند البائع يقام عليه البينات يفسخ قبضه الموجود، فيزول ضمان الثمن كما يزول الاستحقاق، وهلاك الدار وغصبها لا يوجب فسخ القبض ومع ذلك يسقط البدل. 17447 - فدل على أن المنافع لم تصر مقبوضة. [وأما جواز التصرف فيها بغير قبض الدار فليس لأن المنافع مقبوضة]، ألا ترى أنه يعقد عليها، ولم يملكها؟ كما يعقد المؤجر عليها ولم يملكها وعدم الملك أكثر من عدم القبض، وإنما وقف تصرفه على قبض الدار 17448 - لأنه ما لم يقبض تحدث المنافع في ضمان المؤجر، فلم يجز أن يملكها المستأجر الثاني عند حدوثها من جهة المستأجر الأول، وإذا قبض الدار حدثت المنافع على ضمانه، فجاز أن يملكها المستأجر الثاني بعد دخولها في ضمان المستأجر الأول، فإذا تزوج امرأة على سكنى فسلم الدار فإنما لزمها تسليم نفسه. لأنها رضيت ببدل مؤجل، فلم يجز أن تحبس نفسها مع الرضا بالتأجيل 17449 - فإن قيل: فكان يجب أن تسلم نفسه قبل قبض الدار. 17450 - قلنا: الجزء الأول من المنفعة قد استحقت تعجيله فوجب أن يسلم الدار إليها حتى لا يفوتها ذلك الجزء المعجل.

17451 - [قالوا: لو كانت المنافع لا تملك عندنا ولا الأجرة فكلما وجد جزء من المنافع ملكه وقد تعين واستحق غرمه دينًا، فيكون في الحقيقة تمليك عين بدين]. ***

مسألة 865 إجارة الدار كل شهر بكذا

مسألة 865 إجارة الدار كل شهر بكذا 17452 - قال بعض أصحابنا: إذا استأجر دارا كل شهر بدرهم صح العقد في شهر واحد، وفسد في بقية الشهور.

17453 - وهو قول الشافعي في الإملاء واختيار الإصطخري. 17454 - قالوا: والمذهب أن العقد فاسد في الجميع. 17455 - لنا: ما روى أن عليا - رضي الله عنه - أجر نفسه من يهودي ليستقى له للماء كل دلو بثمرة فأخذ الثمر وحمله إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لجوع رأى به ولم ينكر ذلك

عليه. ولأنه ذكر جزءًا من الجملة معلومًا بدلًا معلومًا وأبعاضها غير مختلفة؛ فوجب أن يصح العقد في ذلك الجزء إذا كان مما يصح إفراده به. 17456 - أصله: إذا باع صبرة كل قفيز بدرهم ولأنه سمى أجرة معلومة لمدة معلومة مع جملة مجهولة؛ فوجب أن يصح في المعلومة. أصله: إذا قال: أجرتك داري كل شهر بدرهم، وكل شهر بعده بدرهم، وأما إذا سكن من الشهر الثاني يومًا صح العقد فيه، ولزم جميع الشهر بالمسمى.

17457 - وقالوا: يجب فيه أجر المثل وإن صححنا العقد في الشهر الأول. 17458 - لنا: أن عليًا - رضي الله عنه - استوفى المسمى في الدلو الثاني والثالث ولم ينكر النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه، ولأنها ما تناولها العقد وأفردها بالتسمية، فاستيفاء المنفعة فيها توجب التسمية كالشهر الأول. 17459 - احتجوا: بأن المدة التي تناولها العقد مجهولة، فكان العقد باطلًا كما لو قال: أجرتك مدة معشرة. 17460 - قلنا: وهناك كل جزء من المدة لو أفرده لم يصح العقد فيه لجهالة بدله. وههنا: لو أفرد الشهر الواحد [صح، فإذا ضم إليه جملة مجهولة صح كما لو قال: أجرتك شهرًا بدرهم، وكل شهر بدرهم. 17461 - قالوا: الشهر الواحد] معلوم إلا أنه ضم إليه جملة مجهولة، فهو كقوله: بعتك هذا العبد بدرهم، وكل عبد لي كل عبد بدرهم. 17462 - قلنا: يبطل بما قال الشافعي: رحمه الله، ولو أكرى حملًا بمكيلة، وما زاد فبحسابه، فهو في المكيلة جائز وفي الزيادة فاسد وإن كان قد ضم جملة مجهولة إلى قدر معلوم. 17463 - ثم عندنا: إذا جمع بين الصحيح والفاسد في غير المعقود عليه؛ صح في الصحيح، وبطل في الفاسد؛ فلم يسلم ما قالوا. ***

مسألة 866 انفساخ الإجارة بالموت

مسألة 866 انفساخ الإجارة بالموت 17467 - قال أصحابنا: الإجارة تبطل بموت أحد المتعاقدين. 17465 - وقال الشافعي: لا تنفسخ بموت أحدهما، وإذا ورث المستأجر وحده ففيه وجهان. [وإذا باع العين المستأجرة من المستأجر ففيه وجهان]. 17466 - قالوا: الصحيح فيهما أن الإجارة باقية. 17467 - لنا: قوله - عليه السلام -: (إذا مات المرء انقطع عمله إلا من إحدى ثلاث). 17468 - ظاهره يقتضي أن عقوده كلها تبطل بموته إلا ما دل عليه دليل،

ولأنه عقد يقصد به المنفعة حال الحياة، فوجب أن لا يبقى بعد موت من عقد له ووجب أن يرتفع إذا مات من عقد له. أصله: النكاح. 17469 - ولا يلزم الوصية بالمنافع؛ لأنها ترتفع بموت الموصى له، فأما موت الموصى فيوجد قبل وقوع العقد فلا يؤثر فيه. 17470 - ولا يلزم إذا زوج أمته ثم مات؛ لأن العقد يقع لها، بدلالة أن مقاصد النكاح التي تثبت للزوجة تثبت لها، وإنما يستحق المقر به المهر وليس هو من مقاصده، ولأنه ينتقل إليها ثم يملكه الولي من جهته كما يملك أكسابه. 17471 - ولا يلزم إذا مات المؤجر وفي الأرض زرع؛ لأن العقد ارتفع، وإنما يبقى حكمه، وتبقية الزرع بالمسمى لا يدل على بقاء العقد، لكن التسمية صحت في المنافع ابتداء، فإذا استوفيت على وجه مأذون؛ تثبت التسمية. 17472 - فإن قيل: النكاح لا يرتفع بالموت، لكن مضت المدة المعقود عليها؛ لأن النكاح يتوقت بالحياة. 17473 - قلنا: النكاح لا يتوقت وإنما يتأبد فما حدث مما يقطع التأييد. 17474 - لا يقال. إن العقد انتهى بوجوده كما لو هلك المبيع قبل القبض، ولا يقال: إن البيع كان مؤقتًا بذلك.

17475 - يبين هذا أن المبيع كان يجوز أن يبقى فيكون العقد بحاله، وكذلك كان يجوز أن لا يموت الزوج فيبقى النكاح بحاله. 17476 - فإن قيل: إذا مات الزوج فالاستباحة لا تنتقل إلى الورثة ولا يجوز أن ينتقل الملك فيها حال حياته، ولا يجوز أن يستوفى له بالنيابة وإن ماتت المرأة تلف المعقود عليه فهو كتلف العبد المستأجر. 17477 - [قلنا: والمنافع في الإجارة ينتقل الملك من جهة المستأجر لها] لأنه يتملك المنافع حالًا فحالًا فيملكها المستأجر من جهته، فإذا مات؛ لم يجز أن يتملك بعد الموت فلم يصح أن يتملكها الوارث من جهته، فساوت الإجارة النكاح بعد الموت وإن اختلفا في حال الحياة. 17478 - فإن قيل: الزوج معقود عليه [فبطل العقد بموته. 17479 - قلنا: المعقود عليه] من جهة الزوج: المهر، والزوج معقود له كما أن المستأجر يعقد على الأجرة وهو معقود له. 17480 - فإن قيل: المعنى في النكاح أنه غير لازم من جهة الزوج؛ فلذلك انفسخ بالموت. 17481 - قلنا: الرهن غير لازم من جهة المرتهن، ولا يبطل بموته ولا بموت

الراهن. 17482 - ولأنه يقبل التوقيت فمطلقه يقع على حال الحياة كالوكالة والعارية. 17483 - فإن قيل: المعنى في الوكالة أنها عقد جائز من الطرفين، وليس كذلك الإجارة لأنها لازمة من الطرفين. 17484 - قلنا: الرهن لازم من جهة الراهن غير لازم من جهة المرتهن، ولا يبطل بموت من ليس بلازم من جهته، كما لا يبطل بموت من هو لازم من جهته، فسقط اعتبار اللزوم في الفسخ. 17485 - ولأنه عقد يوجب التصرف في العين من غير انتقال ملكها؛ فوجب أن ينقطع بموت المعقود له؛ كالشركة والمضاربة والوكالة والعارية والنكاح وعكسه البيع. ولأنه معنى ينقضي بانقضاء المدة، فوجب أن ينقطع بموت المستحق،

ولأن ملك المؤجر زال عما أجره، فلم يجز استيفاء المنافع بحكم عقده أصله: إذا أجره داره في أول رجب ثم مات في أول شعبان. 17486 - احتجوا: بأنه عقد معاوضة محضة ليس لأحد المتعاقدين فسخه بغير عذر، فوجب أن لا ينفسخ بالوفاة. [أصله: البيع، ولأنه عقد يملك به ما يملك نقله إلى غيره؛ فوجب أن لا ينفسخ بالوفاة]. أصله: البيع. 17487 - قلنا: يبطل إذا مات العبد المستأجر. 17488 - قالوا: لا يبطل العقد بموته لكن بتلف المعقود عليه بدلالة أنه لو استأجر للخياطة فقطعت يده بطل العقد. 17489 - قلنا: وكذلك نفعل: إن الإجارة لا تنفسخ بالموت، وإنما تنفسخ بانتقال الملك في العين المستأجرة، بدلالة أن المؤجر لو باعها يرضي المستأجر بطل العقد أيضًا. 17490 - ثم المعنى في البيع أنه عقد على عين والأعيان تورث، والإجارة عقد على منفعة والمنافع لا تورث. 17491 - يدل على ذلك: أن من أوصى بجاريته لواحد وبحملها لآخر فمات الموصى/ ورد الموصى له بحمل الوصية كان الحمل للورثة، والجارية للموصى له

برقبتها. ولو أوصى لرجل بجاريته وبخدمتها لآخر فمات الموصي ورد الموصى له بالخدمة الوصية كانت المنافع للموصى له بالرقبة. ولو كانت المنافع تورث كما أن العين تورث لاستحق الورثة الخدمة كما استحقوا الحمل، أو نقول: المعنى في البيع: أن العقد لا ينفسخ فيه بتلف المعقود عليه بعد القبض فلم نسلم أنه ينفسخ بالموت، والإجارة تنفسخ بتلف العقود عليه بعض قبض العين المستأجرة، فكذلك انفسخ بالموت. 17492 - قالوا: عقد على منفعة ليس له فسخه من غير عذر، فوجب أن لا ينفسخ بوفاته. أصله: النكاح. 17493 - قلنا: يبطل إذا زوج أمته من وارثه فمات المولى وورثها الزوج. 17494 - فإن قالوا: لا نفسخ النكاح بموت المولى لكن بملك الزوج لها. 17495 - قلنا: كذلك نقول في الإجارة إنها لا تبطل بالموت، وإنما تبطل بانتقال الملك في الرقبة على ما قررنا، والمعنى في النكاح: أنه أجرى مجرى العقد على العين، ولهذا لا يقبل التوقيت، ولأعيان لا يبطل العقد عليها بالموت، والإجارة عقد على المنافع، والعقود المختصة بالمنافع تبطل بالموت كالعارية. 17496 - ولأن عقد النكاح يقع للأمة، بدلالة أن مقاصد المرأة من النكاح تحصل لها وتعتق فلا يبطل العقد مع زوال ملك المولى، والمهر إنما يملكه المولى من جملتها، فلما وقع العقد لها لم يبطل بموت العاقد كما لا تبطل الإجارة بموت الوكيل،

وليس كذلك الإجارة، لأنها وقعت للمولى، وعقود المنافع تبطل بموت من وقع له العقد كالعارية والمضاربة. 17497 - قالوا: عقد على منفعة عين ليس له فسخه من غير عذر، فوجب أن لا ينفسخ بوفاته. أصله: الناظر في الوقف إذا أجره ثم مات. 17498 - قلنا: العقد لم يقع للمولى وإنما وقع لغيره فلا يبطل بموت من لم يقع العقد له، والعقد على المنفعة يبطل بموت من عقد له كالعارية. 17499 - قالوا: عقد لازم على ما يجري فيه الإرث، فوجب أن لا يبطل بموت العاقد وينتقل المعقود عليه إلى الوارث. أصله: البيع. 17500 - قلنا: لا نسلم أنه لازم؛ لأنه يفسخ عندنا بغير عذر، وهذا يمنع اللزوم، ولا نسلم أن العقد وقع على ما يجري فيه الإرث؛ لأن المنافع لا تورث عندنا، وقد بينا ذلك والمعنى في البيع أنه يقع على الأعيان، والأعيان تنتقل بالعقد وبالموت. والإجارة تقع على المنافع وهي لا تنتقل بالموت؛ بدلالة أن سبب ملكها لابد أن يضاف إلى أوقات حدوثها في المستقبل، فإذا سمى شهرًا ملك ذلك الشهر، والميراث ينتقل بالموت وبالموت لا يجوز أن يضيف الملك إلى أوقات مستقبلة، وإنما

يصح ذلك في العقود فلهذا لا تنتقل المنافع بالموت، وأما الأعيان: فسبب ملكها لا يجب إضافته إلى وقت مستقبل فصح أن يملك بالموت. 17501 - قالوا: حق المرتهن يتعلق بعين الرهن ويستوفى الحق من ثمنه، ولا يزول ملك المالك عن رقبته، كما أن حق المستأجر يتعلق برقبه الدار يستوفي حقه فيها ولا يزول ملك المكري عن رقبتها ثم لم ينفسخ الرهن بموت الراهن كذلك الإجارة. 17502 - قلنا: عقد الرهن في حكم العقد على الأعيان بدلالة أنه لا يقبل التوقيت ويصح مع الإبهام، وعقود الأعيان [لا] تبطل بالموت، والإجارة عقد على المنفعة بدلالة قبوله للتوقيت فبطل بالموت كالعارية. 17503 - ولأن الرهن يعقد لقضاء الدين؛ فإن مات الراهن [فقضى الدين واحد] عن وارثه، فلم يبطل عقد القضاء بموته، فأما الإجارة فتنعقد لاستيفاء المنافع، والموت يؤثر في عقود المنافع بدلالة ما قدمنا. 17504 - قالوا: المنافع تملك بالوصية، وما ملك بالوصية ملك بالميراث كالأعيان.

17505 - قلنا: الثمرة المعدومة تملك بالوصية، ولا يجوز أن تملك الثمرة المعدومة بالميراث. 17506 - ولأن الوصية عقد بيع بعد الموت، والملك في الرقبة ينتقل بالموت؛ فيستحق المنفعة ابتداء مع حصول الرقبة للوارث فلذلك لم يؤثر في هلاكها موت الموصي، والمنفعة في الإجارة عقدت على ملك المؤجر؛ فموته يؤثر فيها. ***

مسألة 867 مدة الإجارة

مسألة 867 مدة الإجارة 17507 - قال أصحابنا: تجوز الإجارة أكثر من سنة. 17508 - وقال الشافعي في أحد أقواله: لا تجوز أكثر من سنة. وما زاد على السنة، قالوا: فيه قولان: أحدهما: تجوز ما شاء، والآخر: لا تجوز أكثر من ثلاثين سنة. 17509 - وأما إذا أجر الشيء مدة لا يبقى إليها، مثل: أن يؤجر عبده على مائتي سنة؛ فلا يجوز عندهم قولًا واحدًا.

17510 - لنا: قوله تعالى: {قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرًا فمن عندك} وما جاز في شرعية من قبلنا فهو جائز في شرعنا إلا أن يمنع من دليل. 17511 - ولأنها مدة معلومة فجاز عقد الإجارة عليها: أصله السنة. ولأن كل مدة جاز أن تكون أجلًا في الديون جاز أن تكون مدة في الإجارة كالسنة. ولأنه عقد يجوز أن يشترط فيه مدة سنة فجاز أن يشترط ما زاد عليها، كالبيع والكتابة. 17512 - احتجوا: بأن القياس يمنع الإجارة لأنها تنعقد على منافع (معدومة) وإنما جوزناها للضرورة، فوجب أن يجوز منها مقدار ما تدعو إليه الضرورة، عز وجل وذلك سنة؛ لأن في الإجارات ما لا يتكامل منافعه إلا في سنة، وهو الأرض المستأجرة للزراعة، وما زاد على ذلك لا تدعو الحاجة إليه. 17513 - قلنا: هذا كلام من يرى تخصيص العلة، والشافعي رحمه الله لا يقول

بذلك، ثم الحاجة قد تدعو إلى ما زاد على السنة، لأن المستأجر الأرض للزراعة يعمرها في السنة الأولى، وقد لا يتكامل انتفاعه بها، فهو يعقد على أكثر من سنة ليحصل له الانتفاع بما عمره في السنة الأولى ويستأجر ويكره أن ينتقل منها كل سنة، فيعقد على أكثر من ذلك ليحصل له الغرض [بالاستقرار]. 17514 - واحتجوا لقول الذين قالوا ثلاثين سنة بأنها نصف العمر، فإذا أجر بتعين فيها في الغالب. [قلنا]: فتزيد الأجرة أو تنقص أو تخرب الدار؛ [قلنا] اختلاف السعر في (المعقود) عليه لا يؤثر في العقود، وأما خراب الدار إذا حدث. فيثبت للمستأجر الخيار كما لو حدث قبل هذه المدة). 17515 - قلنا: إذا عقد مدة لا يبقى المعقود عليه فيها غالبًا فمن أصحابنا من أجاز العقد، وعلى قوله يستمر العمل، ومنهم من قال: لا يجوز ذلك.

17516 - واحتج المخالف في هذا الفصل بأن قال: لو أجر عبده مدة حياته لا يصح فإذا أجره أكثر من ذلك أولى أن لا يصح. 17517 - وهذا غلط؛ لأن العقد على مدة حياته عقد على مدة مجهولة، والعقد على ما زاد على ذلك عقد على مدة معلومة. يبين ذلك: أنه لو أجره عمره لم يصح، ولو أجره مدة لا يبقى إليها جاز، ثم لا يصح أن يقال: إذا أمكن أن يؤجر عمره فما زاد على ذلك أولى. ***

مسألة 868 تقسيط الأجرة على عدد السنين

مسألة 868 تقسيط الأجرة على عدد السنين 17518 - قال أصحابنا: إذا أجر داره أو أرضه عدة سنين جاز، وإن لم يسم حصة كل سنة من الأجرة. 17519 - وقال الشافعي على القول الذي جوز العقد على ما زاد على السنة في وجوب تفصيل الأجرة قولين: أحدهما: لا يجوز حتى يبين حصة كل سنة. 17520 - لنا: أن كل مدة صحت فيها الإجارة لم يفتقر العقد إلى تقسيط الأجرة على أجزائها كالسنة ولأن السنة بعض مدة الإجارة فلا يفتقر إلى ذكر حصة من الأجرة كالشهر من السنة، ولأن الأجرة معلومة؛ فوجب أن لا يبطل العقد لجهالة الحصة. 17521 - أصله: إذا استأجر شهرًا.

17522 - احتجوا: بأن الإجارة تقع مترقبة منتظرة معرضة للفسخ؛ لأن المكري قد يهلك فيبطل عقد الإجارة فيحتاج المكري أن يرد حصة ما بقي من المدة ويلزم المكري حصة ما نكر، وذلك يختلف اختلافًا شديدًا فيتعذر الوصول إليه، فلهذا كان ذكره شرطًا وليس هذا كالسنة الواحدة؛ لأن الأجرة لا تختلف فيها [في] العادة. 17523 - والجواب: أن المنافع في السنين متماثلة، فالأجرة تسقط عليها بالأجزاء كما تتقسط أجرة السنة على شهورها، وأجرة الشهر على أيامه، ولهذا قال أبو حنيفة رحمه الله في رأس مال السلم: لا ينقسم عليه بالأجزاء فيصير معلومًا بنفس العقد. ***

مسألة 869 تأجير المستأجر العين لصاحبها الذي أجرها له

مسألة 869 تأجير المستأجر العين لصاحبها الذي أجرها له 17524 - قال أصحابنا: لا يجوز للمستأجر أن يؤاجر العين المستأجرة من المؤجر. 17525 - وقال الشافعي رحمه الله: يجوز بعد قبض العين وجهًا واحدًا، وقبل قبضها فيه وجهان. 17526 - لنا: أنه عقد يختص المنفعة، فلا يجوز أن يعقد لمالك العين. أصله: المضاربة والعارية، ولهذا قال أصحابنا: لا يجوز للموصى له بالمنفعة أن يؤجر العين من (الورثة).

17527 - ولأنه عقد لا يزيل الملك عن العين، فلا يملك به مثله مع مالكها. أصله: البيع المشروط فيه الخيار والرهن. 17528 - ولأنه عقد يقصد به الاستيفاء، فلا يعقد لمالك العين كالرهن. 17530 - قلنا: البيع من/ البائع في حكم البيع من الأجنبي؛ لأن من يقع له العقد غير مالك للمعقود عليه ولا لما يستوفى منه. 17531 - والإجارة يعقدها مع المالك للعين التي يستوفي المنفعة منها، فلذلك لم يصح العقد. 17532 - ولأن المبيع يجوز بيعه من البائع إذا أمن بهلاكه فسخ العقدين ومتى لم يؤثر ذلك لم يجز البيع كما قبل القبض. 17533 - ولهذا نقول: إن بيع العقار من البائع قبل القبض جائز؛ لأنه أمن فيه فساد [العقد الأول، فأما الإجارة: فإنها تعقد على المنفعة من المؤجر، والعقد الأول يتعرض للفسخ]؛ فصار كبيع المشروط فيه الخيار من البائع. 17534 - ولأن المنافع إذا تلفت كان تلفها فسخًا، فلم يجز أن يعقد عليها العاقد،

كالمبيع المنقول قبل القبض. وليس كذلك المبيع المقبوض، لأن ملكه لا يوجب فسخًا، فجاز أن يعقد عليه مع العاقد الأول. وتنتقض العلة بالعارية إذا إذن المالك للمستعير أن يعيرها جاز مع الأجنبي ولم يجز مع المالك، فكذلك المضاربة إذا أذن المالك للمضارب أن يدفعها إلى غيره. ***

مسألة 870 إجارة المأجور

مسألة 870 إجارة المأجور 17535 - قال أصحابنا: لا يجوز للمستأجر أن يؤجر قبل قبض العين. 17536 - وقال أصحاب الشافعي: إذا أجر من الأجنبي ففيه وجهان: وإن أجر من المؤجر فإذا جاز من الأجنبي فالمؤجر أجوز. 17537 - وإذا قلنا: لا يجوز من الأجنبي ففي المؤجر وجهان. 17538 - لنا: أن كل حالة لا يجوز العقد على المبيع المعين لم يجز على المنفعة المستأجرة. 17539 - أصله: حال المجلس قبل القبض، ولأنه عقد يخشى فسخه بالهلاك، فلا يجوز أن يعقد مثله على المعقود عليه قبل قبضه. أصله: البيع وعكسه المهر والعقار. 17540 - احتجوا: بأنه لا أثر لقبض العين؛ لأنه لا يصير بقبضها قابضًا للمنافع، فصار وجود القبض وعدمه سواء.

17541 - الجواب: أنه إذا قبض العين فالمنافع تحدث على ضمانه، فإذا لم يقبض حدثت وليست في ضمانه، وللضمان مدخل في جواز التصرف بدلالة المبيع إذا قبض. ***

مسألة 871 اشتراط الخيار في عقد الإجارة

مسألة 871 اشتراط الخيار في عقد الإجارة 17542 - يجوز شرط الخيار في الإجارة. 17543 - وقال الشافعي: لا يجوز شرط الخيار إذا استأجر عينًا قولًا واحدًا، وفي خيار المجلس وجهان. 17544 - وإن كانت المنفعة في المدة ففيه ثلاثة أوجه:

17545 - أحدها: لا يدخلها الخياران. 17546 - والثاني: يدخلها خيار المجلس دون خيار الشرط. 17547 - والثالث: يدخلها الخياران. 17548 - لنا: أنه عقد معاملة لا يستحق فيه القبض حال المجلس فجاز شرط الخيار فيه كالبيع، ولأنها مدة ملحقة بالعقد كالأجل، ولأن كل خيار ثبت في البيع يثبت في الإجارة. 17549 - أصله: خيار العيب ولأنه معاملة يدخلها وليس من شرطها فيدخلها خيار الشرط كالبيع، ولأنه عقد يفسخ بالإقالة، لا يعتبر فيه القبض في المجلس، فجاز أن يدخله الخيار كالبيع. 17550 - احتجوا: بما روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم -[نهى عن الغرر] والخيار غرر. 17551 - قلنا: روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الغرر ومن أصل مخالفتنا أن الخبر إذا ورد في حكم المطلق يحمل على المقيد. 17552 - قالوا: القياس عندكم يمنع شرط الخيار في العقود، وإنما جاز في البيع

بالخبر فما سواه على أصل القياس. 17553 - قلنا: الخيار يجوز في البيع، والإجارة تحتمل من الغرر والخطر ما لا يحتمله البيع، فإذا جاز في البيع خطر الخيار ففي الإجارة أولى. وعند القياس يجوز على المخصوص من طريق الأولى. 17554 - قالوا: عقد على منفعة فلم يصح اشتراط الخيار فيه كالنكاح. 17555 - قلنا: النكاح أجرى مجرى العقد على الأعيان بدلالة بطلانه بالتوقيت، وبدلالة استحقاق جميع البدل مع هلاك المعقود عليه عقيب العقد وإذا أجرى مجرى العقد على الأعيان لم يصح اعتبار عقد الإجارة. 17556 - ولأن النكاح لا يصح فيه الفسخ بالإقالة [بعد انبرامه فلم يدخله الخيار، ولما كانت الإجارة يلحقها الفسخ بعد انبرامها بالإقالة] ولا يعتبر فيها القبض في المجلس جاز اشتراط الخيار فيها. 17557 - قالوا: عقد لابد أن يكون أحد بدليه غير عين فلم يصح فيه خيار الشرط كالسلم. 17558 - قلنا: السلم شرط صحته قبض بذله في المجلس، وخيار الشرط منع صحة القبض، فلهذا لم يصح شرط الخيار في الصرف وإن جاز أن يتعين بدلالة أنه وأما الإجارة فلا يتعين قبض بدلها في المجلس، ويدخلها الفسخ بالإقالة فصح شرط الخيار فيها. 17559 - قالوا: شرط الخيار في الإجارة لا فائدة فيه؛ لأنه إن شرط الخيار

للمستأجر فإنه عبد الفسخ لا يمكنه تسليم المنفعة العقود عليها بكمالها، وهذا المعنى يمنع الرد بالخيار كما لو تلف بعض المبيع في مدة الخيار. وإن شرطه للمؤجر لم يمكنه تسليم المعقود عليه بكماله، فصار كما لو باع بشرط الخيار، فكيف يختلف بعض المبيع في المدة؟. 17560 - قلنا: الإجارة في هذا مخالفة للبيع، وذلك لأن البائع لو أراد تسليم بعض المبيع إلى المشترى لم يجز. 17561 - لو أراد المشترى رد البعض لم يكن له ذلك. وكذلك إذا كان فيه خيار الشرط. وأما الإجارة: فلو أراد المؤجر تسليم بعض المنافع من غير خيار جاز، مثل أن يؤجر داره شهرًا فيمنعها منه بعض المدة ثم يسلمها 17562 - وكذلك إذا كان في الإجارة خيار، وكذلك يجوز للمستأجر رد بعض المنفعة، كما إذا سكن الدار ثم أراد ردها بخيار الرؤية أو العيب وكذلك بخيار الشرط. 17563 - وإنما افترقا لأن المبيع يمكن تسليمه إلى المشترى جملة، ويمكن للمشترى رده كله، فإذا أراد البائع تسليم البعض أو أراد المشتري رد بعضه دون بعض [لم يكن له ذلك، وأما المنافع: فلا يمكن قبضها جملة واحدة، فجاز تسليم بعضها دون بعض] ورد بعضها على المؤجر دون بعض، فحمل عليه. ***

مسألة 872 مشاهدة المحمل المؤجر

مسألة 872 مشاهدة المحمل المؤجر 17564 - قال أصحابنا: إذا اكترى محملًا مغطى إلى مكة جاز، وإن لم يشاهد المحمل استحسانًا. 17565 - وقال الشافعي: لا يجوز حتى يشاهد المحمل، ويسمى الوطاء فإن أطلق

الغطاء جاز فأما التعليق من السطحية والركوة، فلابد من مشاهدتها، وإن أطلق فمن أصحابنا من قال على قولين، والصحيح أنه قول واحد: لا يجوز حتى يشاهد. 17566 - لنا: قوله تعالى: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلًا من ربكم} قال: تحجوا وتكروا الإبل ولم يفصل. 17567 - ولأن المحمل غير مقصود بالكري وإنما يطلب تسهيل حمله [ولم يقف

العقد على] مشاهدته كالمتاع. 17568 - [ولأن ما لا يشترط] في الظلال والسرج لا يشترط في المحمل كالوزن. 17569 - احتجوا بأن المحمل يختلف بالثقل والخفة، وذلك يوجب اختلاف المنفعة المعقود عليها فمنع من صحة العقد. 17570 - الجواب: أن هذا يبطل بالسرج والظلال ولأن المحامل تعتاد في كل بلد والعقد يقع على المعتاد فإن جاء بما يخالف العادة لم يستحق بالعقد. ***

مسألة 873 استبدال المحمول كلما نقص

مسألة 873 استبدال المحمول كلما نقص 17571 - قال أصحابنا: إذا استأجر جملًا إلى مكة على أن يحمل عليه الزاد كلما منه جاز أن يرد مثله. 17572 - وقال الشافعي: القياس أن يبدل ما بقى من الزاد. 17573 - ولو قيل: إن الزاد ينقص ولا يبدل كان مذهبًا. 17574 - قالوا: فيه قولان: أحدهما: يستبدل. والآخر: لا يستبدل. 17575 - قال المروزي: هذا إن اتفق السعر في المنازل، فإن

اختلف. فله أن يستبدل ليخلص نفسه من زيادة السعر. 17576 - لنا: أنه استحق عليه قدر من الزاد، فإذا نقص؛ كان له رد بدله. أصله. إذا سرق، ولأن حمل لو سرق منه كان له أن يبدله [فإذا انتفع به كان له أن يبدله] أصله: الماء، ولأن ما شرط حمله وزنًا إذا نقص كان له رد مثله. أصله: المتاع، ولا يلزم إذا نقص لأن ذلك لا يشترط حمله وزنًا. 17577 - احتجوا: بأن مطلق العقود يحمل على العرف. والعادة أنهم يأكلون الزاد ولا يردون بدله ويشربون الماء ويردون بدله فحمل العقد على المعتاد. 17578 - الجواب: أنهم إذا شرطوا حمل وزن معلوم فلم يطلقوا العقد بل عينوا المعقود عليه، ثم هذه العادة منتفية فإنهم قد يردون تارة ولا يردون أخرى، فلم يصح الرجوع إلى العادة مع انقسامها. 17579 - ولأن العادة أنهم يشترطون قدرًا من الحمل ويحملون أكثر منه، ولا يحمل العقد على ذلك فكذلك النقصان. ***

مسألة 874 إجارة الظئر بطعامها وكسوتها

مسألة 874 إجارة الظئر بطعامها وكسوتها 17580 - قال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه: إذا استأجر ظئرًا بطعامها وكسوتها جاز استحسانًا. 17581 - وقال الشافعي: لا يجوز. 17582 - قالوا: والصحيح من مذهبنا أن العقد يقع على الحضانة والتربية، واللبن والحفظ تبع [ومنهم من قال: اللبن هو المعقود عليه وما سواه تبع]. 17583 - لنا: قوله تعالى: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} وهذا أجر الرضاع وليس بنفقة الزوجة؛ بدلالة أنه عطف قوله: {والوالدات يرضعن

أولادهن} على قوله: {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن}. 17584 - ولأنه ذكر رضاع الوالدة، وقد تكون الوالدة زوجة وتكون غير زوجة، والآية تقتضي استحقاقها بكل حال، وذلك لا يكون إلا على وجه الأجرة. وقال: {وعلى الوارث مثل ذلك}. والذي يجب مثله على الوارث هو أجرة الرضاع، دون نفقة الزوجة. 17585 - ولأنه جعل الطعام في مقابل إرضاعها، والزوجة تستحق النفقة أرضعت أو لم ترضع، ولا يقال: إن الله تعالى ذكر الرزق والكسوة من غير عقد، وذلك لا يكون إلا في الزوجة. وذكر إرضاعها/ ليس لأن النفقة في مقابلته لكن ليبين أن اشتغالها بالصبي لا يسقط نفقتها كما يسقط [إذا امتنعت] على زوجها بعمل من الأعمال؛ وذلك لأنه لما ذكر الطعام في الوالدات على العموم، ولم يفصل بين الزوجة وغيرها، ولا يمكن حمل ذلك على العموم إلا بشرط الإجارة، صارت الإجارة مشروطة وإن لم يثبتها. 17586 - فإن قيل: الآية دلت على وجوب الرزق والكسوة والأصول دلت على أن بدل الأجرة لا يجوز مجهولًا، فحملنا الآية على الموصوف من الطعام والكسوة، والأصول دلت على الموصوف من الطعام والكسوة. 17587 - قلنا: لما قال {بالمعروف} علم أن المرجع في صفته إلى العادة، لقوله تعالى: {والمطلقات متاع بالمعروف} وقال - صلى الله عليه وسلم - لهند: (خذي من مال أبى سفيان ما يكفيك ويكفي ولدك بالمعروف).

17588 - ولأنها مؤنة يجبر الأب عليها لتغذية الولد؛ فجاز أن يكون طعامًا وسطًا غير موصوف. أصله: نفقة الولد، ولأن كل ما جاز أن يستحق في نفقه الزوجة جاز أن يستحق في أجرة الرضاعة. 17589 - أصله: الطعام الموصوف والكسوة الموصوفة ولأن الإجارة نوع عقد يقصد به المنفعة فجاز أن يكون سببًا لاستحقاق طعام وكسوة، وسطًا غير موصوف كالنكاح. 17590 - احتجوا: بأن الطعام والكسوة مجهولان جنسًا وقدرًا وصفة، فلا يجوز أن يكونا أجرة في الرضاع. أصله: الدراهم المجهولة. 17591 - قلنا: الحاجة داعية إلى أن يكون تدبير طعام الظئر إلى أهل الصبي؛ لأن صلاح الصبي [إنما يكون بصلاح لبنها، وصلاح لبنها إنما يكون بصلاح طعامها، وذلك يختلف] بحسب طبع الصبي وباختلاف الأوقات، فجوز مع الجهالة ليدبروه في كل وقت بسحب ما يصلحها ويصلح اللبن، وهذا يدعو إلى اختلاف الأغذية، فسومح بالجهالة لهذا العذر، وهو غير موجود في الدراهم إذا كانت أجرة. 17592 - لأنه لا يعطى مضطرًا إلى جهالتها؛ فلم يجز شرطها مع الجهالة. 17593 - قالوا: ما لا يجوز أن يكون أجرة في غير الرضاع [لا يجوز أن يكون

أجرة في الرضاع. أصله: الدراهم المجهولة. قلنا: غير الرضاع] مبدله معلوم فكذلك بدله والرضاع سومح في جهالة المقصود منه، وهو اللبن [فسومح في جهالة البدل] والفرق بين الطعام المجهول والدراهم المجهولة ما قدمنا. 17594 - قالوا: بدل مستحق بعقد إجارة، فوجب أن لا يصح مجهولًا، كما لو استأجرها للخدمة. 17595 - قلنا: هنالك لم يسامح في جهالة المعوض [فلم يسامح في جهالة العوض] وفي مسألتنا: لما سومح بجهالة المعوض الذي هو اللبن كذلك العوض. 17596 - فإن قيل: العوض في الإجارة هو الخدمة والحضانة دون اللبن.

17597 - قلنا: المقصود بالعقد هو اللبن، ولهذا يضاف العقد إلى الرضاع دون غيره، والعقد يضاف إلى ما تناوله العقد. 17598 - فإن قيل: إذا استأجر دارًا فالماء الذي في البئر تتناوله الإجارة، وما يؤخذ منه مجهول، ولا يدل ذلك على جواز جهالة الأجرة. 17599 - قلنا: الماء لا تتناوله الإجارة ولا يملك بها إنما هو على أصل الإباحة فيتناوله بإباحة الأصل، لا بالعقد. 17600 - قالوا: لو كان كذلك لم يثبت الخيار للمستأجر إذا نضب ماء البئر. 17601 - قلنا: يثبت له الخيار إذا انقطع ماء النهر، وإن كان ماء النهر لا يملك بل يوجد على الإباحة إلا أن الخيار يثبت؛ لأن الدار مستأجرة، وانقطاع الماء يوجب نقصان منافعها.

17602 - قالوا: يجوز أن يسامح في أحد بدلي العقد للحاجة، ولا يدل ذلك على جواز مثله في البدل الآخر، كما جاز التأجيل في المسلم فيه للحاجة إليه، ولم يدل ذلك على جوازه في رأس المال. 17603 - قلنا: التأجيل لو جاز في رأس المال لصار دينًا بدين، وذلك ممنوع منه. ***

مسألة 875 إجارة المؤجر ما ستأجره بأكثر من أجرته

مسألة 875 إجارة المؤجر ما ستأجره بأكثر من أجرته 17604 - قال أصحابنا: إذا أجر ما استأجره بجنس الأجرة لم يطب له الفضل إلا أن يكون زاد في الدار ما يزيد الانتفاع به. 17605 - وقال الشافعي رحمه الله: يطيب له الفضل. 17606 - لنا: نهيه - عليه السلام - عن ربح ما لم يضمن والمنافع لم تدخل في ضمان

المستأجر بل يطيب له ربحها. 17607 - فإن قيل: نحمله على ما يصح طلب الربح فيه بعد الضمان. 17608 - قلنا: هذا تخصيص بغير دليل، ولأن المنافع لم تدخل في ضمان المستأجر فلم يطلب له الأجر بأكثر من المسمى. 17609 - أصله إذا استأجر دارًا مدة لم يحضرها ثم أجرها، ولأن المعقود عليه لو هلك كان في ضمان غيره فلم يطب له الربح فيه. أصله المبيع في يد البائع إذا جني عليه، وكانت القيمة أكثر من الثمن. 17610 - ولأنه عقد يختص بالمنفعة [فإذا عقد] على المنفعة المعقود عليها فيه ببدل لم يملك عليه لم يطب له. أصله العارية. 17611 - ولا يلزم الموصي له بالغلة إذا أجر، لأن ذلك العقد لا يختص بالمنفعة. 17612 - [ولا يلزم] إذا زاد في الدار شيئًا؛ لأن زيادة الأجرة تكون مقابلة للزيادة، فلا يحصل هناك ربح في المنفعة. 17613 - احتجوا بأن كل عقد جاز تقدير رأس المال جاز طلب الربح فيه أصله البيع. 17614 - قلنا: ينتقض إذا اشترى درهمًا بدرهم يجوز العقد عليه بقدر رأس المال، وبأن يبيعه بغير جنسه. 17615 - قلنا: فعلى هذا نقول بموجب العلة؛ لأن عندنا يؤجر الدار بمثل الأجر في الوزن من جنس أجود منها، فيجوز ويؤجرها بغير جنس رأس المال فيطيب له الربح.

17616 - قالوا: ما جاز إجارته برأس المال جاز أكثر منه. أصله إذا أحدث فيها عملًا. 17617 - قلنا: إذا أحدث فيها عملًا يؤثر في زيادة المنافع، فزيادة الأجرة في مقابلتها، ويصير عاقدًا على المنفعة التي ملكها وزيادة منفعة يملكها فكأنه أجر دارين. 17618 - ولا يلزم إذا زاد السعر في المنافع أو كنس الدار؛ لأنه لم يزد عينًا يختص بمنفعتها حتى يتناولها العقد، وإنما عقد على المنفعة الأولى زائدة السعر. ***

مسألة 876 بيع العين المؤجرة

مسألة 876 بيع العين المؤجرة 17619 - قال أصحابنا: إذا باع الدار بعد ما أجرها فالبيع موقوف، فإن أجازه المستأجر جاز. 17620 - وقال الشافعي: في أحد قوليه: البيع جائز، وللمشترى الخيار إن كان لم يعلم بالإجارة. 17621 - لنا: أنها محبوسة لاستيفاء حق، فلا ينفذ بيعها بغير رضا من له الحق كالرهن. 17622 - ولا يلزم الأمة المنكوحة؛ لأنها ليست محبوسة. 17623 - ولا يلزم إذا حبس المؤجر في دين؛ لأن البيع لا يجوز حتى يزول

الحبس بفسخ الإجارة. 17624 - قال في الزيادات: يفسخها القاضي، ولا يلزم إذا أجر داره شهر رمضان وهما في المحرم ثم باعها قبل شهر رمضان. 17625 - لأن الطحاوي ذكر في الاختلاف عن ابن سماعة عن محمد

أنه لا يجوز بيعه. 17626 - وكذلك ذكر أبو الحسن في الجامع والحكم في المنتقى، على أنه لا يلزم على العلة؛ لأن الدار ليست محبوسة قبل المدة. 17627 - ولا يلزم إذا أنفق على اللقطة بإذن القاضي وحبسها؛ لأنه لا رواية فيه، والظاهر أن بيع المالك لا يجوز. 17628 - قالوا: الرهن عقد على الرقبة يعقد رقبة بعقد البيع على ما يتناوله العقد الأول، والإجارة عقد على المنفعة فلا يمنع العقد على الرقبة التي لم يعقد عليها، وصار وزان الرهن: إن يؤجر الدار المستأجرة فلا يجوز؛ لأنه عقد على ما

يتناوله العقد الآخر. 17629 - قلنا: لا فرق بينهما؛ لأن الرهن عقد على الرقبة وثيقة وحبسًا والبيع عقد على الرقبة ملكًا فما وقع عليه أحد العقدين غير ما وقع عليه الآخر. 17630 - ولهذا يصح أن يعقد الرهن في ملك غيره إذا أعاره فيكون الملك لمالكه والرهن من المستعير فأما البيع وإن وقع على الرقبة فمن حكم منافعها أن تستحق بمقتضى ملك الرقبة، فصارت المنفعة من هذا الوجه كأن العقد تناولها. 17631 - قالوا: من حق المرتهن أن يباع الرهن في ذمته إذا تعذر القضاء؛ فلو جوزنا بيع الراهن سقط بذلك حق المرتهن. 17632 - قلنا: وكذلك الإجارة عندنا؛ لأن المؤجر إذا مات مفلسًا انقضت الإجارة، وإن كان المستأجر أحق بإمساك الدار من سائر الغرماء، وتباع فيقضي دينه منها، فإذا جوزنا بيع المؤجر أبطل هذا الحق على المستأجر، وهو كبيع الراهن المبطل لحق المرتهن من البيع.

17633 - ولأنه عقد يمنع الرهن من غيره فيمنع نفوذ البيع. أصله: الرهن والكتابة والبيع، ولأنه عاجز عن تسليم العين عقيب العقد لعدم ثبوت يده عليها، فوجب أن لا ينفذ بيعه فيها، كالعبد الآبق. 17634 - فإن قيل: تعذر التسليم لأنه إن كان عقارًا خلى بين المشتري وبين الرقبة وهي في يد المستأجر وإن كان مما ينقل أخذه من يده فسلمه إليه ثم رده إليه ولا ضرر عليه في هذا القدر، وهذا كما لو انسدت البالوعة فقال المؤجر: أنا أعملها وذلك في مدة يسيرة جاز وإن زالت يد المستأجر. 17635 - قلنا: المستحق على البائع تسليم العقار مفرغًا، وأما إذا سلمه وهو مشغول بسكنى المستأجر ومتاعه فلا يجوز في مدة يسيرة ولا كثيرة؛ لأنه مستحق للسكنى في جميع المدة. 17636 - وهذا معنى قولنا: إن التسليم يتعذر. فأما إصلاح البالوعة/

فذلك لا يوجب زوال يد المستأجر، وإنما يفسخها المؤجر. واليد للمستأجر كما يعملها الصانع والكلام فيما يوجب زوال يده. 17637 - احتجوا: بأن الحاكم لو باعها في دين على المؤجر لم يجز فسخ بيعه، وكل من لا يعتبر إذنه في بيع الحاكم لا يعتبر إذنه في بيع مالكه. أصله: الزوج في بيع الأمة المزوجة. 17638 - قلنا: الحاكم لا يجوز بيعه عندنا حتى يقدم عليه فسخ الإجارة، فيحصل بيعه. 17639 - ولا حق هناك للمستأجر حتى يعتبر إذنه في بيع الحاكم. ولو باع المؤجر بعد فسخ الحاكم جاز أيضًا، ولم يعتبر في بيعه إذن المستأجر فلا فرق بينهما. 17640 - قالوا: عقد على منفعة فلا يمنع العقد على الرقبة كمن زوج أمته ثم باعها. 17641 - قلنا: الزوج لا يثبت له حق الحبس في الأمة فلا يمنع ذلك من تسليمها والمستأجر ثبت له حق الحبس فيمنع حقه من التسليم، ومنع التسليم مؤثر في البيع. 17642 - فإن قيل: الزوج له حق في الاستمتاع إذا فرغت من خدمة المولى وذلك

لا يؤثر في التسليم، لأنه ما من وقت يريد الزوج وطئها إذا أراد المولى استخدامها إلا وله منعه من الوطء للخدمة كذلك له منعه من الوطء ليسلم. 17643 - قالوا: العين أمانة في يد المستأجر خالية من العقد، فجاز العقد عليها كالوديعة. 17644 - قلنا: المودع ليس له حق في بيع العين من المالك فلم (تمنع) يده من بيعها والمستأجر له حق في منع العين من المالك فأثر ذلك في بيعها. 17645 - قالوا: لو باع ثمرة على النخل ثم باع رقبة النخل جاز، ولم يمنع العقد على الثمرة العقد على النخل كذلك لا يمنع العقد على المنفعة العقد على الرقبة. 17646 - قلنا: الثمرة لا تستحق تبقيتها [على النخل فإذا باع النخلة فتسلمها ممكن لأنه يأخذ الثمرة فيسلمها فهو كمن باع دارا فيها متاعه] جاز البيع، لأنه ينقل متاعه ويسلمها. ولو استحق تبقية الثمرة على النخل كالثمرة الموصى بها لم يجز بيع النخلة لأن التسليم متعذر مثل مسألتنا. ***

مسألة 877 ما تلف في يد الأجير المشترك من غير فعله

مسألة 877 ما تلف في يد الأجير المشترك من غير فعله 17648 - قال أبو حنيفة لا ضمان على الأجير المشترك فيما تلف في يده من غير عمله. 17648 - وقال أبو يوسف ومحمد [رحمهما الله تعالى بضمانه إلا أن يكون ما لا يمكن التحفظ منه كالحريق الغالب، واللصوص الغالبين. 17649 - وقال الشافعي] إن استعمله ويد المالك ثابتة على المعمول فيه لم يضمن، كما لو قال: خط الثوب في دارى. فإن دفع الثوب إليه ففيها قولان. 17650 - أحدهما: لا يضمن كقولنا. 17651 - والثاني: يضمن، وسوى على هذا القول بين ما يمكن الاحتراز منه وما لا يمكن. 17652 - واختلف أصحابه في صورة الأجير المشترك فمنهم من قال أجير المشترك أن تكون المنفعة معلومة بالعمل، كقوله: خط هذا الثوب، والمنفرد أن تكون المنفعة معلومة بالمدة، مثل أن يقول استأجرتك للخياطة يومًا. 17653 - واختلف من قال هذا في تضمن الأجير المنفرد؛ فمنهم من قال لا

يضمن قولًا واحدًا، ومنهم من قال على قولين. 17654 - الطريقة الثانية: منهم من قال: المشترك هو المشارك في الرأي مثل أن يقول ترعى غنمي [حيث ترى، والمنفرد هو الذي يعمل بمفرد رأي المالك مثل أن يقول ترعى غنمي] في هذا البستان. هذا المشترك على قولين، والمنفرد لا يضمن قولًا واحدًا. 17655 - لنا: حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا ضمان على مؤتمن) والأجير مؤتمن، ولأنها عين قبضها بإذن مالكها لا على وجه التمليك والوثيقة، فلا تكون اليد مضمونة عليه، كالوديعة. 17656 - ولأنها عين قبضها على وجه الإجارة فلا يضمنها إلا بفعل من جهته. أصله إذا قبض الدار لسكنها أو والعبد [لعمله]. 17657 - ولا يلزم الأجرة، لأنها لا يقبضها على وجه الإجارة لكن يقبضها (على) عقد

الإجارة. وإن شئت قلت عين قبضها على وجه الإجارة لا يتعلق حقه بها. 17658 - ولأنه مأمور بالحفظ والعمل، فلو لم يستحق عليهما بدلًا لم يضمن كالعين. فإذا لم يستحق على أحدهما عوضا لم يلزمه ضمان له على الانفراد، كما لا يضمنه عند الاجتماع. والدليل على أن الأجير لا يستحق أجرة الحفظ أنه لو حفظ ولم يعمل لم يستحق شيئًا. 17659 - ولأن الأجرة لو كانت للحفظ والعمل فسد العقد، لأن مقدار الحفظ مجهول، فلا تعرف حصته. 17660 - احتجوا: بما روي عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما أنهما [ضمنا الصناع]. 17661 - الجواب: أنه روي عن علي - رضي الله عنه - أنه لا يضمنه. 17662 - فنقول: ما روي عنهما من التضمين يجوز أن يكون فيما كان من عمل الأجير. وما روي عن علي - رضي الله عنه - أنه لم يضمن معناه: ما كان من غير عمله. وكذلك نقول. 17663 - قالوا: روي عن قتادة عن الحسن عن سمرة رضي الله عنهم أن النبي

- صلى الله عليه وسلم - قال: [على اليد ما أخذت حتى ترد]. 17664 - قلنا: هذا يقتضي وجوب رد العين، وذلك لا يكون إلا مع بقائها وكذلك نقول والخلاف في رد القيمة بعد هلاك العين، والخبر لا يتضمن ذلك. 17665 - فإن قيل: لا يحلو أن يكون المراد على اليد رد العين [التي أخذت أو قيمة العين]، ولا يجوز أن يكون رد العين حتى يرد العين لأنه يقتضي أن يعتبر الشيء غاية نفسه، فبقي أن يكون المراد على اليد قيمة العين حتى ترد. 17666 - قلنا: قال سيبويه: علي كذا يعني استقر علي كذا. 17667 - قال: وقولهم على فلان دين. شبه بالشيء الذي يستعلى على غيره ويستقر عليه، وإذا كان كذلك فتقديره استقر على صاحب اليد ما أخذ حتى يرد، وهذا يفيد وجوب حق عليه فسقط رد العين. فأما القيمة فلم يجر لها ذكر، فلا حاجة بنا إلى إضمارها. 17668 - قالوا لو أجر عبده فسلمه كان ضمان ملكه، لأنه بذل المنفعة بعوض. كذلك إذا استأجره فسلم الثوب إليه كان من ضمان باذل المنفعة بعوض.

17669 - قلنا: إنما كان العبد من ضمان مالكه، لأنه يسلم العين بالإجارة لاستيفاء العمل فيها، كذلك الثوب قبضه الأجير بالإجارة ولإيقاع العمل فيه فلم يكن مضمونًا. 17670 - قالوا: العمل مضمون وقد استحق على الأجير تسليم العين معمولة، والبذل في مقابلة ذلك فكانت العين والعمل مضمونين عليه. 17671 - قلنا: الواجب عليه تسليم العمل، إلا أنه لا ينفرد عن العين، فيلزمه تسليم العين الأمانة ليسلم العمل المضمون، فلا يوجب ذلك ضمان العين، كمن عنده ألف وديعة وألف مغصوبة اختلطا بغير [فعله] فعليه تسليمها، ولا يضمن الوديعة، وإن لم ينفرد تسليم العين المضمونة عنها. 17672 - واحتج أبو يوسف ومحمد: بأن الأجير لما ضمن بالعمل ضمن القبض كالمأخوذ على وجه السوم وعكسه البزاغ لما لم يضمن بالعمل لم يضمن قبله. 17673 - قلنا: التلف بالعمل ليس بمضمون، بدلالة أنه لو تلف في حال العمل

من غير العمل [لم يضمن] فكذلك قبل العمل، وإنما المضمون ما تولد من العمل وذلك لا يوجب ثبوت الضمان قبل العمل. 17674 - ألا ترى أن الوديعة تضمن بإيقاع الفعل ولا تضمن بقبضها، ثم الضمان لو تعلق بالقبض استوي ما يحترز منه ومالا يحترز منه بقبض الغصب والمقبوض على وجه السوم. ***

مسألة 878 تلف المعقود عليه بفعل الأجير المشترك

مسألة 878 تلف المعقود عليه بفعل الأجير المشترك 17675 - قال أصحابنا: إلا زفر ما تلف بعمل الأجير المشترك مضمون. 17676 - وقال الشافعي إن قلت الأجير يضمن ما تلف بغير عمله فما تلف بعمله أولى به. وإن قلت لا يضمن ما تلف من غير عمله فكذلك ما تلف بعمله. 17677 - لنا: أن العمل مضمون عليه فما يتولد منه يكون مضمونا كالخياطة. 17678 - وإنما قلنا إن العمل مضمون، لأن في مقابلته بدل مضمون ويجبر على تسليمه. 17679 - ولا يلزم البزاغ. والفاصد والحاجم لأن العمل ليس بمضمون

عليهم، لأنهم لا يجبرون عليه لو امتنعوا عنه. 17680 - ولا يلزم من استأجر دابة ليحمل عليها عبدًا فعثرت فمات العبد، لأن سير الدابة عمل غير مضمون وتلف العبد متولد منه. 17681 - ولا يضمن لأن من أصحابنا من قال: إن المسألة موضوعة على الكبير الذي يستمسك على الدابة [فالدابة] في يده، وهو في يد نفسه فلا يضمنه، المكاري [كما لا يضمن] المتاع إذا تلف بسقوط الدابة وصاحبه فوقه، فإن كان العبد صغيرا فهو في يد المكاري فيضمنه كالمتاع, 17682 - وهذا معنى صحيح لأنا نعني بقولنا عمل مضمون عمل الأجير، وسير الدابة ليس هو (عمله)، وإنما عمله السوق. فإذا كان العبد عليها وهو (مستمسك) عليها فهو المسير لها، فتلفه من عمله، لا من عمل المكاري، وإذا كان لا يستمسك فليس بمسير لها، فاعتبر سوق المكاري ووجب عليه الضمان. 17683 - فإن قيل: المضمون هو عمل في ذمة الأجير، وما في الذمة لا يتولد منه تلف. 17684 - قلنا: إيفاء ما في الذمة هو المضمون الذي يجبر الأجير عليه، والبدل في مقابلته، والتلف متولد من ذلك الإيفاء، والبدل في مقابلة ما يتعين عما في الذمة. 17685 - ولا يلزم على العلة الأجير الخاص، لأن عمله (لا يقابله) بدل. 17686 - ألا ترى أن يستحق البدل بتسليم نفسه في المدة عمل أو لم يعمل. ولأن (العقد) تناول القصارة. وهو العمل المصلح للثوب، فإذا عمل عملا أفسده فقد

فعل ما يتناوله العقد فصار كما لو اعتمد الدواء المفسد مع العلم. 17687 - ولا يلزم الفصاد، لأن العقد تناول/ الجراحة التي لا يتجاوزها الموضع المعتاد فإن فعل ذلك فقد فعل ما يتناوله العقد، وإن تجاوز ضمن عندنا. فأما القصار فتخريق الثوب لا يكون إلا بأن يأتي من الدق بما لا يحتمله الثوب أو يحصل من مطاوي الثوب [إن كان فيه حصاة] والدق على هذه الصفة غير مأذون يبين هذا أنه يصح إن شرط في المعقود مالا يحرقه ولا يصح إن شرط على البزاغ بزغا لا تموت الدابة منه لأن البزغ جراحة والجراحة لا يمكن التحفظ فيها من الموت. 17688 - ولا يلزم على العلة إذا استعان برجل (يدق له ثوبا، لأنه أذن له في الدق مطلقا فتناول ما يخرق وما لا يخرق ومن القصارة العمل الذي يصلح الثوب فإن أذن للمستعان به في دق يحسن الثوب ويصلحه فهو كالقصارة. 17689 - احتج المخالف: بأن كل ما لو تلف في يده بغير فعله لم يضمنه فكذلك بفعل ما تعدى به كالوديعة. 17690 - قلنا: يبطل بمن ضرب زوجته فماتت فهو غير متعد في ضربها ويضمن. 17691 - ولأن الفعل وإن لم يتعد فيه فلا يمتنع أنه يقع على شرط

السلامة، كالجلوس في طريق المسلمين للاستراحة إذا تعثر بالجالس إنسان فتلف. كذلك في مسألتنا القصار لم يفعل [إلا] الدق، إلا أن عمله بشرط السلامة، فيضمن ما تولد منه. فأما الوديعة إذا تلفت بعمل مأذون فذلك العمل غير مضمون على المودع، وقد وقع الإذن مطلقا فلم يضمن. 17692 - وفي مسألتنا العمل مضمون فما يتولد منه مضمون. 17693 - قالوا: هلاك لو كان في يد الأجير المنفرد لم يضمنه فكذلك في يد غير المنفرد كما لو هلك بغير فعله. ولأنها عين هلكت في يد الأجير من غير عدوان فلم

يلزمه الضمان كالأجير المنفرد. 17694 - قلنا: الأجير المنفرد عمله غير مضمون بدلالة أن البدل [لا يقابله]، فما تولد منه لا يضمن كقطع السارق. وعمل الأجير المشترك مضمون فما تولد منه مضمون كالقطع بغير حق، واعتبار العدوان يبطل بضرب الرجل امرأته، وبالجلوس في الطريق. 17695 - قالوا: عمل الأجير الخاص مضمون، بدلالة أنه لو امتنع في المدة من العمل لم يوجب الأجر. وإنما تجب الأجرة إذا سلم نفسه، لأن المستأجر لم يستعمله فأتلف منافعه عليه، وهي في يده، فصار كما [لو] أتلف المشترى [المبيع] في يد البائع. 17696 - قلنا: إذا امتنع من العمل فلم يسلم نفسه، والعقد وقع على ذلك. فأما قولهم إن أتلف المنفعة في يده فغلط لأنه امتنع من [تسليمها] وهذا ليس بإتلاف، ومن أصل مخالفنا أن المنقولات لا تضمن بالتخلية. ***

مسألة 879 الدابة المستأجرة إذا تلفت بضربة

مسألة 879 الدابة المستأجرة إذا تلفت بضربة 17697 - قال أبو حنيفة عليه إذا استأجر دابة فضربها أو كبحها فماتت ضمن. 17698 - وقال أبو يوسف ومحمد إن فعل ما يعتاده الناس لم يضمن، وبه قال الشافعي 17699 - لنا: أنه ضرب لاستيفاء منفعة لنفسه فما تولد منه يكون مضمونا أصله ضرب امرأته. 17700 - ولا يقال: إن الآدمي يمكن رده عما هو عليه بالكلام والعيب، والدابة لا يمكن [تسييرها] إذا وقفت إلا بالضرب، لأن الدابة يمكن تسييرها بالصياح عليها وتحريك الرجل لأن في الآدميين من لا يزجر إلا بالعنف، ولهذا أمر الله تعالى بضرب النساء ولم يقتصر على زجرهن بالكلام.

17701 - ولأن دابة الغير تلفت بضربه من غير إذن من طريق النطق، فوجب أن يضمن. 17702 - أصله: إذا كان الضرب غير معتاد ولا يلزم جواز أهل الحرب لأن الضرب المعتاد وغير المعتاد سواء. ولأنه مخير بين الاستيفاء [بضرب معتاد وبدونه] وإذا تلف من ضربه ضمنه كالمرهونة ولا يلزم إذا أذن نطقا لأنهما يستويان. 17703 - ولأنه فعل يمكن تحصيل المعقود عليه دونه، فإذا أدى إلى التلف ضمن أصله ضرب المعلم والزوجة. 17704 - احتجوا: بأنها هلكت بفعل لم يخرج المكتري من العرف به فصار كما لو هلكت من الركوب. 17705 - قلنا: يبطل إذا استأجر عبدًا للخدمة فضربه. والمعنى في الركوب أنه مأذون منه نطقا، فما تولد منه لا يضمن، وفي مسألتنا تلفت من فعل لمنفعة المستأجر لم يتناوله الإذن نطقا. 17706 - قالوا: الرائض إذا ضرب الدابة لم يضمن. 17707 - قلنا: لا نسلم هذا ويلزمه الضمان إلا إن أذن له في الضرب.

17708 - قالوا: (لهم مستأجرة تلفت بما يضمنه. وعقد الإجارة لم يتناول الضرب. والمغني في التلف من الحمل ما قدمنا. 17709 - فإن قيل: لا فرق بين ما يتناوله العقد عرفا ونطقا بدلالة نقد البلد. 17710 - قلنا: نقد البلد لا يصح [العقد] دون اعتبار العرف فيه. وفي مسألتنا يصح العقد دون ذلك. فصار كالنقد المسمى، وما لم يفتقر العقد إلى العرف لم يعتبر فيه. 17711 - قالوا: (لو استأجر دابة فأسرجها أو أو كفها لم يضمن، وإن لم يتناول العقد ذلك نطقا، لأن السرج يوضع المنفعة الدابة ومنفعة المستأجر. 17712 - ونحن قلنا: تلف من فعل لمنفعة المستأجر لم يؤذن فيه نطقا. ***

مسألة 880 إجارة المشاع

مسألة 880 إجارة المشاع 17713 - قال أبو حنيفة إجارة المشاع من غير الشريك لا تجوز. 17714 - وقال أبو يوسف ومحمد تجوز. 17715 - وبه قال الشافعي أنه أجر من غير الشريك فذكر في الأصل أنه يجوز. 17716 - وروي عن أبي حنيفة أنه لا يجوز وهو قوله، وأما الإشاعة في حال البقاء مثل أن يستأجر رجلان فيموت أحدهما فروى الحسن عن أبي حنيفة أن الإجارة تبطل في نصيب الآخر. 17717 - لنا: أنه أجر ما لا يتميز مما لم يؤجر فوجب أن [لا يجوز] أصله: إذا أجر دارين على أن يسكن المستأجر أيهما شاء. ولا يلزم إذا أجر من الشريك

لأنه لا يجوز على رواية زفر وإن شئت احترزت فقلت مما يستحق المستأجر الانتفاع به بما لا يتميز (مما) لا يستحقه. 17718 - ولا يلزم إذا أجر من اثنين فمات أحدهما أن الإجارة تبطل في نصيب الآخر على رواية الحسن، وعلى الرواية الأخرى نقول: ما يستحق المستأجر الانتفاع به لا يتميز بالعقد عما لم يؤجره، ولأنه أجر بعض عين يملكها، فوجب أن لا يجوز. 17719 - أصله: إذا أجره شهر متراخيا عن العقد، ولأنه عقد يقصد به المنافع فوجب أن يؤثر فيه الشياع كالنكاح. و [لأن] ما لا يصح إجارته إذا شرط فيه الخيار لا يصح وإن شرط فيه. أصله إذا أجره أحد عبيده الأربعة. 17720 - ولأن يد المستأجر تستحق في [المدة] بمعنى [قارن] العقد بحق الملك فوجب أن لا يجوز. أصله إذا أجره على أن المؤجر يأخذه متى شاء، ولا يلزم إذا [استأجره يوما ويوما، لأن يد المستأجر] تستحق في غير مدة الإجارة. 17721 - فإن قيل: هذا على أصلكم في المهايأة.

17722 - قلنا: بل على الأصلين لأن عندهم [يرفع] القاضي يد الشريكين [ويؤجرها] لهما، ولأنه لا يمكن استيفاء المنفعة على الوجه الذي اقتضاه لأن العقد اقتضى استيفاء المنفعة من ملك المؤجر وهو [يستوفيها] من ملكه وملك الشريك، والإجارة متى [تعذر] استيفاء المنفعة فيها على الوجه الذي اقتضاه العقد لم يصح كمن استأجر أرضا سبخة [لا تنبت] الزراعة وكمن استأجر [طفلًا] للخدمة. 17723 - [ولا يلزم إذا أجر من اثنين لأن العقد اقتضى أن يستوفي كل واحد منهما من ملك المؤجر وهذا يمكن] (على الوجه الذي اقتضاه العقد). 17724 - احتجوا: بأنه عقد يصح في المشاع مع شريكه فوجب أني صح مع غيره كالبيع. 17725 - قلنا: الوصف غير مسلم على إحدى الروايتين، ويبطل بالشريك في العبد إذا غصبه جاز إجارته منه ولم يجز من غيره. والمعنى في البيع أن الملك يقع لعقده، وذلك في المشاع والمقسوم سواء، والمنافع عندنا لا تملك بالعقد وإنما تملك بالاستيفاء ولا يمكن استيفاء المنفعة المعقود عليها، فلم يصح العقد. 17726 - ولأن البيع ينعقد [على الملك] ولا يتناول المنافع، والملك حاصل على ما اقتضاه العقد، والإجارة تنعقد على استيفاء المنافع، وذلك غير ممكن على ما

اقتضاه العقد. 17727 - قالوا: ما صح أن يعقد عليه الاثنان صح [أن] يعقد على بعضه لأحدهما أصله البيع. 17728 - قلنا: نقول بموجبه، لأنه يصح أن يؤجر دارا من اثنين، ويصح أن يؤجر من أحدهما بعضها معينا، ولأنه إذا عقد لاثنين استوفيا المنفعة فيكون أحدهما مستوفيا ومستعيرا حق صاحبه، وإعارة المستأجر لا تسقط الأجرة [عنه]. وإذا أجر من أحدهما [بعضها] فاستوفى منفعة بعض الدار فهو [مستوف] لبعض ما عقد عليه [ومستعير] للباقي، وما يستوفيه غير موجب العقد، ثم أعار للمؤجر بعض ما استأجره. والمستأجر إذا أعار المؤجر سقطت الأجرة عنه فقد [استوفاها] المؤجر. 17729 - قالوا: كل ما لو انفرد به جاز عقد الإجارة عليه، فإذا كان له بعضه جاز عقد الإجارة عليه كما لو عقد مع شريكه. 17730 - قلنا: إذا أجر من الشريك غير مسلم على رواية زفر، ولو سلمناه فالمعنى فيه أن الشريك يستوفي المنفعة على ما يقتضيه العقد فيستوفي بعضها بحق الملك، وبعضها بحق

الإجارة. وإذا أجر البعض لم يتمكن من استيفاء المنفعة على ما اقتضاه العقد.

مسألة 881 اختلاف رب الثوب والخياط

مسألة 881 اختلاف رب الثوب والخياط 17731 - قال أصحابنا: إذا اختلف رب الثوب والخياط فقال صاحب الثوب أمرتك أن تقطعه قميصا فقطعته قباء فلا أجرة لك وعليك الضمان، وقال الخياط: بل أمرتني أن أقطعه قباء فلا ضمان علي ولي الأجرة/ (فالقول) قول رب الثوب مع يمينه. 17732 - وحكي الشافعي: رحمه الله قولنا، ثم حكي قول ابن أبي ليلى [أن القول قول الخياط]. 17733 - قال: وأصح القولين أن القول قول رب الثوب.

17734 - فقال عامة أصحابه: المسألة على قولين: أحدهما مثل: قول أبي حنيفة والآخر. كقول ابن أبي ليلى. 17735 - ومنهم من قال فيها قول ثالث. أنهما يتحالفان، ومنهم من قال فيها قول واحد بأنهما يتحالفان، لأنه قال في موضع آخر بعد حكاية القولين هما مدخولان. 17736 - وإذا قالوا بالتحالف فإذا حلف أحدهما دون الآخر قضى له وإن حلفا جميعًا ففيها قولان:

17737 - أحدهما يأخذ الثوب وأرش القطع. 17738 - والثاني: يأخذ الثوب ولا أرش له كما لا أجرة عليه. 17739 - لنا: أنه قطع ثوبا لغيره وادعى الإذن فوجب أن يكون اليمين عليه. 17740 - أصله: إذا قال لم آذن لك في شيء. 17741 - وعلى القول الآخر نقول، إذا جحد الإذن لم يتحالفا، ولأنه إذن خالص مستفاد من جهة صاحب الثوب، فوجب أن يكون القول قول الآذن في صفة الإذن كالوكيل والموكل. 17742 - ولا يلزم المضارب ورب المال لأن الإذن في المضاربة إذا وقع (خاصًا) فالقول قول رب المال. 17743 - ولأنه يدعي استحقاق الأجرة بإيفاء العمل فلا يقبل قوله، [أولا يثبت] التحالف. أصله إذا جحد الإذن. 17744 - احتجوا بقوله - صلى الله عليه وسلم - (البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه.

17745 - وكل واحد منهما مدع، لأن صاحب الثوب يدعي الضمان، والخياط يدعي الأجرة. 17746 - قلنا: المدعي من خالف قوله الظاهر، والمدعى عليه من شهد له الظاهر وصاحب الثوب بجحد الإذن والأصل أنه لم يأذن [فالظاهر] معه فهو المدعى عليه. 17747 - ولا يجوز القياس على اختلاف المتبايعين لأن هناك إذا تخالفا فسخ العقد وعاد المعقود عليه لأن المبيع ما خرج من ملكه، وهذا لا يوجد في مسألتنا فلا يثبت التحالف، ولهذا [نقول] في [المبيع] الهالك لا تحالف فيه. 17748 - احتجوا: للقول الآخر [بأنهما] اتفقا على الإذن، واختلفا في التعدي ووجوب الضمان، والأصل أنه غير [متعد] و [أنه] لا ضمان عليه. فوجب أن يكون القول قوله كما لو ادعى عليه القطع فأنكره الخياط.

17749 - قلنا: يبطل إذا قال أودعتك، فقال وهبت لي، وقد استعمل العتق فإنهما اتفقا على الإذن وادعى [الدافع] التعدي، ثم جعلنا القول قوله. 17750 - قالوا: لو اختلف المضارب ورب المال في عموم التصرف كان القول قول المضارب، وإن كان الإذن يستفاد من جهة رب المال. 17751 - قلنا: لأن لفظ المضاربة يقتضي العموم، فمن يدعي تخصيص اللفظ لا يقبل قوله. وفي مسألتنا الإذن وقع [خاصا] فالقول قول الآذن في صفته، كما لو اتفق على مضاربة خاصة، ثم اختلفا في كيفية الإذن كان القول فيه قول رب المال. 17752 - قالوا: وقد تجوز الإجارة عامة إذا قال للخياط اقطعه ما شئت فهو كالمضاربة. 17753 - قلنا: المضاربة مقتضاها العموم بدلالة أنها تصح بإطلاق اللفظ فيثبت العموم حكما والخياطة ليس كذلك. 17754 - لأنه لو قال اقطع هذا الثوب لم يصح حتى يخص الإذن أو يجعل المشيئة إليه فيقول اقطعه ما شئت فعلم أن مقتضى اللفظ ليس هو العموم. ***

مسألة 882 إجارة الدار شهرا مطلقا

مسألة 882 إجارة الدار شهرًا مطلقًا 17755 - قال أصحابنا: إذا استأجر دارا شهرا جاز وكان أول المدة عقيب العقد. 17756 - وقال الشافعي: لا تصح الإجارة إلا أن تتصل المدة بالعقد ولا يتصل به إلا إن [سمى] ذلك. 17757 - لنا: قوله تعالى: {على أن تأجرني ثماني حجج} ولم يبين أول المدة، ولأنه تقدير لمدة [بغير] [مزاحمة] [فوجب أن يختص بعقيب السبب عن إطلاقها. أصله إتلاف سائر الأثمان، ولأنها مدة مشروطة في العقد] فوجب أن يقتضي إطلاقه كونها من حين العقد كالأجل. 17758 - ولأنه نوع إجارة فإطلاقها يقتضي ثبوت المطالبة بالشفعة عقيب العقد.

17759 - أصله: إذا [استأجر] ليخيط ثوبًا. 17760 - احتجوا: بأن الشهر [لا يذكر] في العقد أجلا وإنما يذكر ليتقدر المعقود عليه به وما ذكر لتقدير المعقود عليه به [معلوما كقوله أسلمت إليك في كذا من طعام وتحريره ما يقدر به المعقود عليه في المعاوضة لم يتعين به كقوله بعتك كذا]. 17761 - قلنا: يبطل بالمدة في الإتلاف فإنها ليست باختلاف وإنما يتقدر بها المعقود عليه، ومع ذلك [تتعين] بها المدة عقيب العقد [ولأنا] لا [نعتبر] المدة مما يلي العقد بالتقدير [ولكن] لأنا لو [لم] نحملها على ذلك بطل العقد، وهذا كما نقول جميعا في الأجل إنه يختص بعقيب العقد ليس لتقدير المدة لكن ليصح العقد بنفس المدة. ***

مسألة 883 إجارة مدة لا تلي العقد

مسألة 883 إجارة مدة لا تلي العقد 17762 - قال أصحابنا: إذا أجر داره شهر رمضان وهما في رجب جاز. 17763 - وقال الشافعي: لا يجوز. وإن أجرها سنة [ثم أراد أن يؤجرها سنة] أخرى من غير المكتري لم يصح قولًا واحدًا. وإن أكراها من [المكتري] فالمنصوص أنه يصح. 17764 - ومن أصحابهم من قال: لا يصح. وإن كانت المنافع في الذمة بشرط التأخير عن العقد جاز.

17765 - لنا: أن كل شهر لو أجره مع ما يليه جاز فإذا أجره منفردا [من أجنبي] جاز. أصله الشهر الأول. 17766 - ولا يمكن القول بموجبه إذا أجره من المستأجر, لأنا قلنا من الأجنبي وأن كل مدة جاز عقد الإجارة عليها جاز إفرادها بالعقد مع عموم الناس. أصله المدة التي تلي العقد، ولأن كل وقت جاز أن [يعقد] فيه الإيلاء جاز أن يبتدئ فيه عقد الإجارة كالمدة التي تتعقب الإجارة. 17767 - ولأنه أحد نوعي الإجارة فجاز تأخير المنفعة فيه، أصله كما لو كانت الإجارة على ما في الذمة. 17768 - فإن قيل: إذا كانت المنفعة في الذمة جاز شرط تأخيرها، كما يجوز تأخير المبيع في الذمة [وإذا كانت في غير الذمة لم يجز شرط تأخيرها، كما لا يجوز تأخير المبيع المعين].

17769 - قلنا: المنافع المستقبلة لا يمكن قبضها في الحال فيجوز أن يتعلق قبضها بالوقت الممكن كبيع العبد. 17770 - احتجوا: بأنه عقد معاوضة على معين، شرط فيها تأخير تسليم المعقود عليه فوجب أن لا يصح. أصله: إذا باع على أن يسلم في وقت مستقبل. 17771 - قلنا: لم يشترط تأخير التسليم وإنما علق التسليم بحال إمكان التسليم فهو كبيع العبد الغائب عن حضرتهما، وكتزويج الصغيرة التي لا يمكن وطؤها، فإن العقد يصح ويقف التسليم على حين إمكانه فيهما. 17772 - ولأن البيع لا يقع على عبدين يكون تسليم أحدهما وشرط [تأخير الآخر]. كذلك لا يقع على غير شرط تأخير تسليمها. ولما جاز أن تقع الإجارة على مدتين يتأخر تسليم أحدهما جاز أن يبتدئ العقد عليهما. 17773 - فإن قيل: إذا عقد على شهرين فهو تسليم في الحال تسليما يفضي إلى تسليم الشهر الآخر فهو كمن باع صبرة لا يقدر على [نقلها] جاز لأن [بدءه] عقيب العقد بنقل جزء منها يفضي إلى نقل كلها. 17774 - قلنا: لا يثبت به للصبرة مدة الإجارة، لأن الشهر الثاني لا سبيل إلى قبضه عقيب العقد فحكمه في حال الاجتماع والانفراد سواء. والصبرة كل جزء منها يصح نقله عقيب العقد فعلم أن العقد لم يقتض تأخير قبض شيء منها. 17775 - قالوا: معاوضة لا توجب ملك العوض في إحدى الجانبين فلم يصح كبيع الآبق.

17776 - قلنا: يبطل إذا زوج المولى أمته الصغيرة عبدا ولم [يسم] مهرا فعنهم المهر لا يملك بالعقد، والاستباحة لا تملك لأنه لا يجوز وطؤها وإنما خصصنا النقص لأنهم يقولون الصغيرة [لا يزوجها] إلا الأب والجد ولا يملكان إسقاط مهرها. 17777 - قالوا: لا يجوز تزويج الأمة إلا إذا خشي العنت وهذا لا يتصور في الصغيرة.

17778 - قلنا: هذا الشرط يعتبرونه في الحر، ونحن بقضاء تزوجها [من عبد] فيجوز العقد وإن لم يخش العنت، وكذلك ينتقض بمن زوج أمته الصغيرة (من) عبده، والمعنى في العبد أنه لو باعه مع عبد آخر في يده لم يصح، كذلك إذا أفرده لم يصح. 17779 - وفي مسألتنا لو أجر الشهر الثاني مع الأول صح وليس أحد الشهرين من حقوق الآخر، فإذا أفرده صح. 17780 - قالوا: لو صحت الإجارة لم يخل أني قول يجوز بيع المؤجر للدار قبل حضور مدة الإجارة أو لا يجوز. 17781 - فإن لم يجز فقد منعتموه من بيع ملكه [في] حال ليس بينهما إجارة. 17782 - وإن قلتم يجوز البيع بطلت الإجارة فيخرج من أن يكون يستحقه. 17783 - قلنا: اختلفت الرواية عن أصحابنا في ذلك، فإن قلنا: يجوز بيعه قبل المدة لم يمتنع كما نقول فيمن قال [لعبده] أنت حر رأس الشهر جاز بيعه [له] قبل ذلك، وإن أدى بيعه إلى بطلان العتق، [ولا يخرج ذلك] أن يكون إيقاعًا صحيحًا. 17784 - فإن قلنا: لا يجوز بيعه فلأنه علق بالدار حقا يستحق التسليم به في المستقبل فيمنع ذلك البيع قبل استحقاق التسليم، كمن أوصى بسكنى داره سنة بعينها لم يجز لوارثه أن يبيعها بعد الموت وإن كانت السنة لم تحضر.

مسألة 884 عتق العبد وبلوغ الصبي في مدة الإجارة

مسألة 884 عتق العبد وبلوغ الصبي في مدة الإجارة 17785 - قال أصحابنا: إذا جر عبده ثم أعتقه فله الخيار إن شاء فسخ الإجارة وإن شاء مضى عليها وكانت [الأجرة] فيما بعد العتق له يقبضها المولى من المستأجر أو يوكله بقبضها. 17786 - وقال الشافعي لا خيار للعبد، ويرجع على المولى [بأجر المثل] في قوله القديم.

17787 - وفي الجديد لا يرجع، وإذا أجر الصبي ثم بلغ فله الخيار. 17788 - وقال الشافعي تبطل الإجارة. 17789 - لنا: أنه عقد يقصد به المنفعة صح من المولى عليه في حال لا يملك التصرف في نفسه، فإذا ملك التصرف ثبت له الخيار في قطعه. 17790 - أصله: الأمة إذا زوجها المولى ثم أعتقها/ [...] عبده. 17791 - ولا يلزم المولى إذا زوج عبده ثم أعتقه، لأن له رفع العقد ولأنه عقد صح من المولى على أمته، فإذا أعتقها ثبت لها الخيار كالنكاح، ولأنه أجر مولى عليه فإذا ملك التصرف على نفسه [لم يجبر] على إتمام العقد كالصبي إذا أجره الوصي، ولأنه حر مكلف فلا يستحق (منفعة) المستأجر بغير رضاه كما لو أجره الغاصب ثم أعتق. 17792 - احتجوا: بقوله تعالى: {أوفوا بالعقود}. 17793 - قلنا: هذا خطاب للعاقد ولم يوجد من العبد عقد حتى يخاطب بالوفاء به. 17794 - قالوا: عقد لازم قبل أن يملك التصرف، فإذا ملك التصرف لم يثبت له

الخيار بملكه التصرف، كما لو زوج عبده ثم أعتقه أو زوج ابنه أو ابنته أو باع مالهما أو أجر عقارهما. 17795 - قلنا: [لا يثبت الخيار بملك] التصرف لأنه لو أذن له يملك التصرف ولا خيار له، والمعنى فيه إذا زوج عبده: أنه يملك رفع العقد الذي عقده من كملت ولايته عليه بالطلاق فلم يثبت رفعه بالخيار. 17796 - وفي الإجارة عقد على منافعه لا يملك رفعه [بغير] الخيار فملك رفعه بعد الحرية بالخيار. [وأما] إذا زوج ابنه أو ابنته فالعقد وقع لهما من كامل الولاية وليس في تبقيته شين. فكأنهما عقداه بأنفسهما. وفي مسألتنا وقع العقد للمولى فلم يلزم [العبد] بعد الحرية البقاء عليه كما لو ابتدأه. وأما إذا أجر عقارهما فالعقد أيضًا وقع لهما [ولا شين في تبقيته] فلم يثبت فيه حق [الفسخ] مع كمال ولاية العاقد. ***

مسألة 885 بلوغ الصبي وماله مؤجر

مسألة 885 بلوغ الصبي وماله مؤجر 17797 - قال أصحابنا: إذا أجر الأب مال ابنه ثم بلغ الابن فلا خيار له. 17798 - وقال الشافعي ارتفع العقد. 17799 - لنا: أنه عقد لازم فإذا عقده على مال ولده لم يبطل العقد بعد بلوغه كالبيع، ولأنه عقد على منافع ملكه كتزويج أمته. 17800 - ولأن العقد صح من [المولى] وانبرم فلا يرتفع [بزوال] ولايته عنه كمن أجر عبده ثم أعتقه ولأنه عقد يقصد به المنفعة صح من الأب في مال الصغير فلم يؤثر بلوغه كالنكاح. 17801 - احتجوا: بأنه عقد إجارة في حق الصبي فوجب أن يزال بزوال الولاية عنه، كما لو كانت الإجارة عليه.

17802 - قلنا: إذا كانت الإجارة لم تزل بزوال الولاية فإنما ثبت له الخيار من تبقية الإجارة، لأن في تبقية الإجارة شينا عليه، لأنه يخدم الناس، فثبت له الخيار للضرر الذي يلحقه بتبقية العقد، وليس في تبقية إجارة داره شين عليه، فلم يثبت له الخيار. ***

مسألة 886 استئجار منفعة بجنسها

مسألة 886 استئجار منفعة بجنسها 17803 - قال أصحابنا: لا يجوز استئجار منفعة بجنسها كاستئجار دار بدار، ويجوز بغير جنسها كاستئجار دار بخدمة عبد. 17804 - وقال الشافعي: يجوز في الوجهين. 17805 - لنا: ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (نهى عن الكالئ بالكالئ وروي عن الدين بالدين). 17806 - ومتى استأجر رجلا يخيط له ثوبا بخياطة ثوب فقد ثبت كل واحد من العملين في الذمة فهو دين بدين، ولأنه عاوض منفعة بجنسها فلم تصح القسمة كنكاح الشعار. 17807 - ولا يلزم المهايأة لأنه ليس بمعاوضة وإنما هو [تمييز] المنافع، ولا يلزم

الموصى [له] بسكنى دار إذا صالحه الورثة على سكنى دار أخرى، لأنه ليس بمعاوضة، وإنما هو [لإسقاط حقه] عن الوصية. 17808 - ولهذا قالوا: لو أجر الدار الموصى بسكناها من الورثة لم يصح. 17809 - ولأنه عاوضه ما ليس بغير جنسه فوجب أن تبطل التسمية إذا لم يستويا في المجلس (كمن) باع ردهما بدرهم أو قفيز حنطة غير معين بمثله غير معين. 17810 - ولا يلزم [الشغار لأن التسمية تبطل ولا يلزم] بيع الطعام بالطعام لأنه إذا تعين جاز، وقد احترزنا عنه وإن كان غير معين فهو أصل علتنا، ولأن آجر دارًا بدار للسكنى فوجب أن لا يصح. أصله: إذا أطلق المدة. 17811 - احتجوا: بأنهما منفعتان يجوز إجارة كل واحدة منهما على الانفراد

فجاز إجارة إحداهما بالأخرى. أصله منفعة الدار بمنفعة العبد. 17812 - قلنا: منفعة الدار ومنفعة العبد جنسان لا ربا فيهما فلا يعتبر فيهما التعين ولا التقابض، وليس كذلك الدار بالدار ولأنه جنس واحد غير معين فلا يصح إذا تأخر استيفاؤه عن مجلس العقد. 17813 - فإن قيل باطل إذا استأجر عبدا يرعى الغنم بعبد يخبز له. 17814 - قلنا: منفعة (العبيد) جنس واحد وهذا اختلاف الأنواع فهو كالحنطة البيضاء والحمراء. 17815 - قالوا: لو كان المانع عذر القبض لم يجز [في الجنسين] لأنه دين بدين. 17816 - قلنا: المانع عدم القبض.

مسألة 887 استئجار الكتب

مسألة 887 استئجار الكتب 17817 - قال أصحابنا: إذا استأجر دفترًا يقرأ فيه لم تصح الإجارة. 17818 - وقال الشافعي تصح. 17819 - لنا: أنها إجارة لا تصح على مدة مطلقة فلا تصح وإن عين المدة. 17820 - أصله: ما ليس له قيمة، ولأنه عين استأجرها ليقرأ فيها فأشبه إذا استأجر [دراهم] ليقرأ ما عليها، ولأنها منفعة تستوفى بالنظر فلم تستحق بالإجارة. 17821 - أصله: إذا استأجر ثيابا لينظر إلى نقوشها، وإذا استأجر الحائط لينظر إلى ما عليه من الكتابة. 17822 - فإن قيل: النظر إلى هذا مباح غير إجارة. 17823 - قلنا: النظر في المصحف مباح بغير إجارة.

17824 - احتجوا: بأنها منفعة مقصودة، يجوز إعارتها فجاز إجارتها، أصله: إجارة الحلي والثياب. 17825 - قلنا: يبطل بإجارة الفحل. 17826 - قالوا: [هناك المقصود الماء دون المنفعة، والماء تبع] ولهذا يجوز إعارة الفحل والأعيان لا تستحق بالعارية. 17827 - ولأن الثياب تستوفى منفعتها بإيقاع الفعل فيها، والدفاتر لا يوقع فيها فعلا، وإنما هو بفعل النظر وذلك لا يستحق به أجرة. ***

مسألة 888 إجارة الدراهم والدنانير

مسألة 888 إجارة الدراهم والدنانير 17828 - قال أصحابنا: إذا استأجر دراهم ليعير بها أو حنطة ليغير بها المكايل جازت الإجارة. 17829 - (ذكره في الأصل، وذكره الطحاوي في الاختلاف. 17830 - وقال أبو الحسن. في المختصر: لا يجوز إجارة الدراهم ولا الدنانير. 17831 - قال أبو بكر الرازي معناه إذا أطلق الإجارة.

17832 - قال أصحاب الشافعي فيها وجهان، المذهب منهما أنه لا يجوز. 17833 - لنا: أنها منفعة معلومة يحل استيفاؤها من العين مع بقائها فجاز العقد عليها. 17834 - أصله: سائر المنافع ولأنها أبيح الانتفاع بها فإذا استأجرها ليزن بها جاز كالحجر ولأنه من جنس الأثمان فجاز استئجاره ليزن به [كقطع الذهب].

17835 - احتجوا: بأنه لا يجوز إجارتها [مطلقة] فلا يجوز إن عين كالفحل. 17836 - قلنا: يبطل باستئجار رأس الحائط لو أطلق الإجارة لا يصح ولو عقد [للبناء] عليه جاز عندكم، ولأن الإجارة المطلقة تتناول المنفعة المقصودة من العين والمقصود من منافع الدراهم إنفاقها فإذا أطلق العقد على ذلك يبطل، وإذا قيد فقد صرف العقد إلى منفعة يباح استيفاؤها من غير استهلاك فجاز العقد. ***

مسألة 889 استئجار الحائط لوضع خشبه عليه أو الشجر لنشر الثياب

مسألة 889 استئجار الحائط لوضع خشبه عليه أو الشجر لنشر الثياب 17837 - قال أصحابنا: إذا استأجر حائطا ليضع [عليه] خشبا أو بيني (عليه) سترة لم يجز. 17838 - وقال الشافعي: يجوز ذلك. 17839 - قالوا: لو استأجر نخلة ليبسط على أغصانها [الثياب] أو يسند إليها دابة جاز. 17840 - لنا: أنها منفعة لا تصلح للسكنى فلا تجوز إجارتها. أصله: إذا استأجر كوة ليدخل عليه الضوء منها، ولا بقعة؛ لا يجوز أن يكريها شهرًا مطلقًا فلم يجز أن يكريها وإن عين الشهر - رضي الله عنه -. 17841 - أصله: إذا كان رأس الحائط لا يمكن الانتفاع به. 17842 - ولأنه استأجر حائطًا للبناء عليه فصار كما لو لم يسم جنس البناء (ولا صفته).

مسألة 890 الاستئجار لحمل الخمر لغير الإراقة

مسألة 890 الاستئجار لحمل الخمر لغير الإراقة 17843 - قال أصحابنا: إذا استأجر رجلا لينقل له خمرًا صحت الإجارة. 17844 - قال الشافعي لا يجوز. 17845 - لنا: أنه استئجار لحمل ما قد يباح حمله فوجب أن يصح. أصله إذا استأجره ليحمل له ظهر ميتة. 17646 - والدليل على الوصف: أن نقلها للإراقة جائز باتفاق، ولأنه نوع شراب، فجازت الإجارة على حمله كسائر الأشربة. 17847 - ولأنه شراب يجوز أن يستأجر لحمله للإراقة فجاز مطلقًا كسائر الأشربه. 17848 - ولأن العقد لا يختص بحمل الخمر؛ لأنه لو أمر بحمل خل مثله جاز،

فإذا لم يتعين ذلك صار كأنه استأجره على نقل أرطال مطلقة. 17849 - ولا يقال إذا استأجر دارًا ليصلى فيها لم يتعين الصلاة، ولا يجوز عندكم، لأنها تتعين عندنا ألا ترى أن توع المنفعة المسماة لا يستحق أكثر منه، والسكنى أكثر من الصلاة فتتعين الصلاة وما تعين [هنا معنى من العمل] وذلك مجهول فيتعلق العقد، وإنما لا تصلح الإجارة له أو بنوعه وهو غير معروف. 17850 - احتجوا: بأن تخليل الخمر لا يجوز، فصار النقل معصية والإجارة

على المعاصي لا تجوز. 17851 - قلنا: تخليل الخمر عندنا مباح، ونقلها كذلك مباح، ولا نسلم الوصف. 17852 - ولأن نقلها وإمساكها حتى تخلل بنفسها غير محظور، والنقل [يجوز أن يكون لذلك]. 17853 - قالوا: روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه [لعن الخمر وحاملها]. 17854 - قلنا: المراد به الحمل المحظور باتفاق، وذلك لا يكون إلا في نقلها للشرب خاصة. ***

مسألة 891 استئجار الدار للصلاة

مسألة 891 استئجار الدار للصلاة 17855 - قال أصحابنا: إذا استأجر دارًا ليتخذها مسجدًا أو يصلى فيها الغرض لم يجز. 17856 - وقال الشافعي:/ يجوز. 17857 - لنا: أنه عمل لا يستحق بالإجارة، فلا يجوز إجارة الدار له. أصله إذا [استأجرها لينظر إليها، ولأن كل فعل لو] استأجر له الدار مدة مطلقة لم يجز فإذا عينها لم يجز. 17858 - أصله: إذا [استأجرها] لنوع المعاصي، وأما إذا قال لأتخذها مسجدا فالمسجد يقتضي زوال الملك عن الرقبة والإجارة لا يستحق بها أصلًا كالأعيان. 17859 - احتجوا: بأنه استأجر عينًا لإيقاع فعل فيها يجوز استباحته بالإذن فأشبه الاستئجار للسكنى. 17860 - قلنا: يبطل إذا استأجر دابة [لينزي] عليها فحلًا، وإذا استأجر حيوانا ليذبحه فيتعلم الذبح. 17861 - والمعنى في السكنى أنها تجوز [لمنفعة وذلك يجوز أن] يستحق

بعقد الإجارة إذا استأجره ليحفظ داره فجازت الإجارة له والصلاة لا تستحق على الإنسان بالإجارة فلا يجوز الاستئجار لها. 17862 - قالوا: إذا استأجر قميصًا ليلبسه جاز ولبس القميص لا يستحق على الإنسان بعقد الإجارة. 17863 - قلنا: يجوز أن [يستحق] إذا استأجر ثوبًا يلبسه، أو الثياب [ليحفظها] عليه أو ليعرف مقاديرها. 17864 - قالوا: منفعة يجوز إعارة العين لها فجاز إجارتها كالسكنى. 17865 - قلنا: يبطل بضراب الفحل. 17866 - قالوا: المقصود الماء دون الضراب. 17867 - قلنا: الإجارة تقع على منافع، وإن كان فيها عين مقصودة كالإجارة على الرضاع والصبغ. 17868 - قالوا: إذا استأجر دارًا للسكنى استحق الصلاة فيها فجاز إفراد ذلك بالإجارة. 17869 - أصله: وضع متاعه فيها.

17870 - قلنا: ليس كل مستحق بالعقد جاز أن ينفرد به كبيع الشرب والطريق ولأنه إذا استأجر للسكنى [فقد] استحق نوعًا من المنفعة الصلاة في الدار دونه، فجاز أن يستوفى ذلك المنفعة [و] أما إذا [استأجر] للصلاة فلابد من تعين ذلك الفعل، لأنه لا يجوز أن يستوفي لسكنى وهي أكثر من فعل الصلاة، وإذا تعينت الصلاة لم يجز أن يتناولها العقد كما لا يجوز استئجار الدار للصوم فيها. ***

مسألة 892 إجارة الدار لمن يتخذها كنيسة أو صومعة

مسألة 892 إجارة الدار لمن يتخذها كنيسة أو صومعة 17871 - قال أصحابنا: إذا استأجر الذمي بيتًا في السواد ليتخذه صومعة أو كنيسة جاز. 17872 - وقال الشافعي: لا يجوز. 17873 - والمسألة موضوعة على أنه إذا استأجرها شهرا للسكنى وليصلى الجماعة فيه فتكون الإجارة جائزة، لأن الصلاة لا تتعين وكان أبو بكر الرازي يقول المسألة محمولة على أنه لم يشترط ذلك لكن علم من حاله أنه يفعل ذلك، وإنما جاز لأن السواد في ذلك الوقت كان لأهل الذمة فلا [يمنعوا] من اتخاذ الكنائس في أملاكهم فكيف إذا استأجروه، ولأنه معنى أقروا عليه بعقد الإجارة فجاز استئجار الدار له. 17874 - أصله: إذا اكتروها لذبائحهم. 17875 - احتجوا: بأنه إجارة لمعصية كسائر المعاصي. 17876 - قلنا: الإجارة إن وقعت للصلاة لم تجز عندنا، وإنما يستأجره ويعلم من حالة أنه يريده لذلك، فلا تكون الإجارة للمعصية وعلى قول بعض أصحابنا إذا استأجرها للسكنى والصلاة فلا تتعين الإجارة للصلاة فكيف يقال إن العقد على معصية.

مسألة 893 إجارة السمسار

مسألة 893 إجارة السمسار 17877 - قال أصحابنا: إذا استأجر رجلًا ليبيع له ثوبًا لم يجز. 17878 - وقال الشافعي يجوز. 17879 - لنا: أن العقد يتناول منفعة عين لا يمكنه إيفاؤها بنفسه، فوجب أن لا يصح العقد. 17880 - أصله: إذا استأجر فحلا للضراب. 17881 - [ولا يلزم] إذا استأجره ليحمل [له] خشبة لا يقدر الواحد على حملها؛ لأن العقد لم يتناول منفعة المستأجر ولو قال على أن تحملها بنفسك بطل العقد، وإنما يقع العقد على عمل مطلق. 17882 - وفي مسألتنا وقع على عمله؛ لأنه لا يجوز أن يوكل غيره بالشراء، وهو لا يقدر على إيفاء المعقود عليه بنفسه. 17883 - فإن قيل: إجارة الفحل تجوز عند ابن أبي هريرة. 17884 - قلنا: الإجماع يسقط قوله. وقد دل عليه نهيه - صلى الله عليه وسلم - (عن

عسب الفحل، ومعلوم أن النهى لم يتناول الفعل وإنما يتناول العقد عليه، ولأنه استئجار على عقد فكان فاسدًا. 17885 - أصله: إذا استأجره لبيع زيت نجس. 17886 - ولأنه قول يقتصر إلى قول غيره فلم يصح الاستئجار عليه. أصله: إذا استأجر رجلًا ليسهد له بحق أو استأجر من يبتاع له صيدًا من الهواء.

17887 - احتجوا: بأنها منفعة يجوز العقد عليها [إذا] كانت مقدرة بزمان فجاز العقد عليها إذا كانت معلومة مقدورًا على تسليمها. 17888 - قلنا: يبطل إذا استأجره ليصيد له ظبيًا أو طائرًا. 17889 - فإن قالوا: ذلك لا يقدر على تسليمه. 17890 - قلنا: قد يتمكن من تسليمه، وقد يتعذر، كما أنه إذا استأجره ليبتاع له ثوبًا بعينه فقد يقدر على ذلك وقد يتعذر عليه أن يمتنع بائعه من بيعه، ولأنه قد تجوز الإجارة إذا تقدرت بزمان، ولو لم يقدرها لم تجز الإجارة. 17891 - فإن قيل: إذا أطلق المنفعة لم تكن معلومة. 17892 - قلنا: لا فرق بين مسألتنا وبين هذا، لأنه إذا استأجر دارا ليبيع فيها هذه الثياب لم يجز؛ لأن المنفعة لا تنحصر بزمان معلوم كما أن المستأجر على أن [يبيع] هذه الثياب لا تنحصر منفعته بزمان معلوم، ولكنه يتعلق بالفراغ من العقد، وفي استئجار الدار لبيع الثياب فيها مثل ذلك. ***

مسألة 894 الإجارة على تعليم القرآن

مسألة 894 الإجارة على تعليم القرآن 17893 - قال أصحابنا: لا يجوز الاستئجار على تعليم القرآن ولا تعليم شيء من الأشياء ولا على الإمامة. 17894 - وقال الشافعي تجوز الإجارة. 17895 - لنا حديث عبد الرحمن بن شبل الأنصاري. أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (اقرءوا القرآن ولا تغلوا فيه ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به) وروى أنه نهى (أن يستأكل الرجل بالقرآن).

17896 - ولأن العقد [وقع] على عمل لا يقدر على إيفائه، فوجب أن لا يجوز، كما لو استأجره ليحمل هذه الخشبة [وحده] وهو لا يقدر على حملها. 17897 - ولأنها إجارة على التعليم، كما لو استأجره على تعليم كل سورة بدرهم ولأن الإمامة من شرطها أن تكون قربة لفاعلها يصح أخذ الأجرة عليها كالصوم، وكما لو استأجر قوما يصلون خلفه الجمعة والظهر. 17898 - احتجوا: بأن ما جاز التطوع به جاز أخذ الأجرة عليه كسائر الأعمال. 17899 - قلنا: يبطل بضراب الفحل وباصطياد طير بعينه.

مسألة 895 موجب الأجرة في الإجارة الفاسدة

مسألة 895 موجب الأجرة في الإجارة الفاسدة 17900 - قال أصحابنا: لا تجب الأجرة في الإجارة الفاسدة إلا باستيفاء المنفعة. 17901 - وقال الشافعي: في كتاب المزارعة [إذا مضت المدة] والعين في يد المستأجر لزمه الأجرة، انتفع بها أو لم ينتفع. 17902 - لنا: أنه عقد يقصد به المنفعة، فلا يجب البدل [في فاسده إلا باستيفاء المنفعة كالنكاح، ولأنه عقد لا يستحق به تسليم العقود عليه فلا يجب البدل] فيه إلا باستيفائه. أصله النكاح، وإذا قال: من جاء بعبدي الآبق فله أربعون. 17903 - فإن قيل منافع البضع غير مقدرة بالزمان، ولهذا يجوز العقد عليها مطلقًا ولا يجوز مؤقتًا، ومنافع الإجارة مؤقتة بالزمان، ولهذا لا يجوز العقد عليها مطلقًا فما يتقدر بالزمان يتلف في يد العاقد بمضيه فيضمن وما لا [يتقدر] لا يتلف تحت يده بمضي الزمان [فلا يضمن].

17904 - قلنا: إنما لا تقدر منافع البضع بالزمان لأنه متأبد، فهو عقد على كل الزمان فإذا مضى جزء من الزمان والبضع تحت يده فقد تلفت تحت يده المنفعة التي كان يجب البدل باستيفائها، كما أن منافع الأعضاء تتلف تحت يد المستأجر عندهم، فيجب بدلها الذي كان يجب باستيفائها. 17905 - قالوا: منافع البضع لا تثبت اليد عليها، بدلالة أن المولى يزوج المغصوبة. 17906 - قلنا: ثبوت يد الزوج على منفعة البضع كثبوت يده على منفعة [الحر] إذا سلم نفسه ولا فرق بينهما. 17907 - [فإن قيل] منافع البضع تحت يد المرأة. 17908 - قلنا: ومنافع الحر تحت يده، فأما جواز نكاح المغصوبة فليس لما قالوا [و] لكن لأن العقد لا يقف على إمكان التسليم. 17909 - قالوا: الإجارة فرع متردد بين البيع والنكاح وفكان اعتباره بالبيع [أولى، لأنه يوافقه في شرائطه وجواز بدله وإباحته ولا يتنصف بدله برفع العقد ولا يستقر بالموت. 17910 - قلنا: اعتبار المنفعة بعقود الأعيان؛ لأن رد الشيء إلى جنسه [أولى من رده إلى غير جنسه. 17911 - فأما افتراق النكاح والإجارة في امتناع الإباحة وكذلك الإجارة قد فارقت البيع في جوازها على ما لم (يحل) وفي افتقارها إلى التوقيت وامتناع

ذلك في البيع فأما استقرار المهر بالموت وتنصفه بالطلاق قبل الدخول على تأكده ثم مع هذا التأكيد لم يجب بدل في العقد الفاسد بالتخلية فالإجارة أولى. 17912 - احتجوا: بأنها منفعة تلفت في يده بإجارة فاسدة فوجب أن تكون مضمونة [عليه]. 17913 - أصله: إذا انتفع بها فقد استوفى المنفعة بحكم العقد الفاسد وإذا لم ينتفع لم يستوفها فلم يجب بدلها مع الفساد. 17914 - أصله: النكاح الفاسد. ولأنه لو استأجر خياطًا يخيط له ثوبًا بإجارة فاسدة ضمن الأجرة إذا استوفى المنفعة. ولو حبسه تلفت المنفعة تحت يده ولم يضمنها. 17915 - قالوا: كل منفعة وجب ضمانها إذا انتفع بها وجب ضمانها [إذا تلفت في يده]. 17916 - ولم ينتفع. أصله الإجارة الصحيحة.

17917 - قلنا: الإجارة الصحيح أوجبت [التسليم] فإذا تلف المنافع في يده فقد/ وجد التسليم الذي أوجبه العقد فوجب البدل والعقد الفاسد لا يوجب التسليم [فلم يوجد التسليم] الموجب بالعقد ولا استيفاء المعقود عليه فلم يضمن البدل كالنكاح. 17918 - قالوا: تلف في يده عن عقد معاوضة فوجب أن يكون مضمونًا عليه. 17919 - أصله: إذا تلف المبيع عن عقد صحيح [ولأن ما] ضمنه إذا تلف في يده [عن عقد صحيح ضمنه إذا تلف في يده عن عقد فاسد. أصله البيع. 17920 - قلنا: يبطل بالنكاح الفاسد إذا وجدت التخلية على ما قررناه أن المنافع تلتف في يده، ولأنه لا فرق بين البيع والإجارة لأن البيع الصحيح يضمن المبيع بالتخلية وإن لم يستوفه المبتاع وكذلك يضمن المنافع في الإجارة الصحيحة والنكاح الصحيح. والبيع الفاسد لا يدخل في ضمان المشتري بالتخلية لأن ضمانه عندنا كضمان المغصوب وإنما يضمن بالقبض الذي هو استيفاء المعقود عليه، كذلك المنافع في الإجارة في الإجارة الفاسدة لا تضمن إلا بالاستيفاء ولأنها تضمن بالتخلية، وكذلك النكاح الفاسد. ***

مسألة 896 مقدار الأجرة في الإجارة الفاسدة

مسألة 896 مقدار الأجرة في الإجارة الفاسدة 17921 - قال أصحابنا: الواجب في الإجارة الفاسدة الأقل من المسمى ومن أجر المثل. 17922 - وقال الشافعي الواجب أجر المثل بالغًا ما بلغ. 17923 - لنا: أنه عقد على المنفعة ببدل، فجاز أن تثبت للتسمية فيه حكم فلا يزاد على قيمة المسمى. أصله العقد الصحيح. 17924 - ولا يلزم إذا استأجره بميتة أو دم أنه يجب أجر المثل، لأنا عللنا للعقد لا لأحواله، وعلى العبارة الثانية قلنا: فلا يزاد على قيمة المسمى وهناك لا قيمة للمسمى. 17925 - ولا يلزم إذا قال إن خطته اليوم فلك درهم، وإن خطته غدًا فلك نصف درهم، لأنه [قد ثبت للتسمية حكم] لأنه لا ينقص من نصف. وقد روى ابن سماعة عن أبي يوسف عن أبي حنيفة أنه إن خاط في الثاني لم يزد على نصف وهو الصحيح. 17926 - ولأنه بدل عن منفعة فلا يزاد على ما رضي به. أصله إذا استأجره ليبيع له ثوبًا فباعه. ولا يلزم المحجور إذا أجر نفسه؛ لأنه لا يزاد على المسمى.

17927 - ولأن البدل في الإجارة تارة يكون المسمى وتارة يكون أجر المثل ثم جاز أن يرد المسمى إلى أجر المثل وسقط الزيادة إذا استأجر المريض بأكثر من أجر المثل أو باعه [وعليه دين. كذلك أجر المثل جاز أن يرد إلى المسمى وتسقط الزيادة عليه. 17928 - احتجوا: بأنه يضمن البدل المسمى في العقد الصحيح فوجب أن يضمن بجميع المثل] أصله الأعيان. 17929 - قلنا: العقد الصحيح أقوى، لأنه موجب للبدل، والفاسد أضعف، لأنه لا يوجب البدل بنفسه، فلا يقال لما وجب جميع البدل بأقوى العقدين وجب بمثله بحكم أضعفهما. 17930 - ولأن الأعيان مقومة بأنفسها والمنافع لا تتقوم عندنا بنفسها بكل حال وعندهم في الزانية المطاوعة وإذا لم تتقوم المنفعة بنفسها وجب الرجوع إلى ما قومها العقد وسقط ما زاد عليه. ***

مسألة 897 انقضاء مدة الإجارة وفي الأرض غرس أو بناء

مسألة 897 انقضاء مدة الإجارة وفي الأرض غرس أو بناء 17931 - قال أصحابنا: إذا أجر أرضه للغراس والبناء فانقضت المدة وفيها غرس [أو] بناء فله أن يجبره على قلعه. 17932 - وقال الشافعي: إن كان شرط في العقد قلعه بعد انقضاء المدة فله المطالبة بالقلع، وإن أطلق العقد فالمؤجر بالخيار إن شاء طالبه بالقلع وضمن له النقصان الذي يحصل بالقلع، وإن شاء أعطاه القيمة وملك الغرس وإن شاء تركه بأجر المثل. 17933 - لنا: قوله - صلى الله عليه وسلم - (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه)

ولأن الإجارة انقضت والمستأجر مشغول بملك المستأجر فوجب أن يؤمر بالرد إذا لم يكن لفعله وقت مقدر كالثياب والمتاع. 17934 - قالوا: إنما يلزم نقل المتاع من الدار على الوجه المعتاد. 17935 - قلنا: لا نسلم هذا بل يلزمه نقل المتاع [من الدار] على الوجه الممكن. 17936 - ولا يلزم الزرع، لأن لوقت حصاده زمانًا مقدرًا، ولأنها إجارة لو شرط فيها الرد بعد (المدة) تبرعا وجب. فإذا لم يشترك وجب. 17937 - أصله: سائر الإجارات، ولا يلزم إذا انقضت المدة وفي الأرض زرع؛ لأنه يجوز تركه وإن شرط في الإجارة قلعه. ولأن كل حالة [توجب] على المستأجر نقل المتاع توجب نقل البناء والغرس أصله: إذا أعطاه قدر النقصان، وإذا شرط النقل. ولأن كل حالة يجوز للمؤجر المطالبة بالقلع يجب القلع من غير (غرم). أصله إذا شرط. 17938 - احتجوا: بأنه استأجر شيئًا مدة [ليشغله] بما اكتراه به. 17939 - دليله: إذا انقضت المدة وفي الأرض زرع. 17940 - قلنا: يبطل بمن استأجر دكانا [فأحرز] متاعًا ثقيلًا لا يباع إلا في وقت معتاد كالثلج والفحم ثم انقضت الإجارة فالعادة أن ذلك لا ينقل [إلا] وقت بيعه ممن لا يلزمه تركه إلى الوقت المعتاد. 17941 - ولأن الزرع يجب قلعه كما يجب قلع الغرس إلا أن في الزرع وقت الحصاد متقدر في يد فأمكن اتصال كل واحد إلى حقه، فجعلنا لصاحب الأرض الأجر

وكملنا من المستأجر، وأبطلنا حق صاحب الأرض ونظير مسألة الزرع من الغرس أن تنقضي المدة وفي الغرس ثمرة لم تدرك [أنا نبقى] الغرس بأجر المثل إلى حين إدراك الثمرة. 17942 - قالوا: غرس في أرض غيره بإذن مطلق فإذا طالبه بقلعه (بغير) ضمان النقص لم يكن له كما إذا أراد [القلع] في المدة. 17943 - قلنا: في المدة لا تثبت المطالبة متى بذل الضمان فلم تثبت له بغير ضمان. 17944 - وفي مسألتنا: يثبت له القلع متى بذل الضمان من غير غرور كذلك، وإن لم يبذله، كالمغصوب منه. ***

مسألة 898 اشتراط اختلاف الأجر باختلاف نوع المنفعة ووقتها

مسألة 898 اشتراط اختلاف الأجر باختلاف نوع المنفعة ووقتها 17945 - قال أبو حنيفة إذا قال: إن خطت هذا الثوب اليوم فلك درهم وإن خطته غدًا فنصف صح الشرط الأول، وإن قال إن خطته روميًا فبدرهم، وإن خطته فارسيًا فبنصف صح الشرطان. 17946 - وقال الشافعي الشرطان باطلان. 17947 - لنا: ما روى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: قال (من استأجر أجيرًا فلتعلمه أجره). 17948 - ولأنه خيره بين عملين معلومين، كل واحد منهما ببدل معلوم [فوجب] أن يصح. أصله إذا قال: إن رددت عبدي الآبق من الكوفة فلك درهم

وإن رددته من المصر فلك نصف، ولأنه عقد تناول المنفعة، فجاز أن يخيره فيه بين شيئين منهما، ويصح العقد. 17947 - أصله: إذا استأجر دابة إن [ركبها] إلى النهروان فبدرهم وإن ركبها إلى طريق له مسافة مثلها فبدرهم، ولأنه خيره بين شيئين يصح أن يفرد كل واحد منهما بالإجارة فوجب أن يصح. 17950 - أصله: إذا استأجره [ليخيط] هذا الثوب أو هذا، وهما سواء. 17951 - احتجوا: بأن المعقود عليه غير [معتبر] فصار كما لو قال: إن خطته فلك نصف نقدا أو درهم إلى شهر.

17952 - قلنا: ههنا المعقود عليه معلوم و [أحد البدلين] مجهول لا يدرى إذا عمل ما الذي يستحق؟ وفي مسألتنا بدل كل واحد من العملين معلوم وهو [يستحق] الأجرة بالعمل، وعند الاستحقاق يصير البدل معلومًا. ***

مسألة 899 الإجارة على القصاص في النفس

مسألة 899 الإجارة على القصاص في النفس 17953 - قال أبو حنيفة: إذا استأجر للقصاص في النفس لم تصح الإجارة. 17954 - وقال محمد والشافعي: يجوز. 17955 - لنا: أن القصاص هو [إفاتة] الروح وذلك من فعل الآدمي، ولا يقدر عليه وإنما هو فعل الله تعالى، والاستئجار على ما لا يقدر عليه الأجير لا يصح. ولا يلزم ذبحه الشاة، لأنه لا يستأجره على تفويت الروح، وإنما يستأجره على قطع الأوداج، بدلالة أنه لو فوت الروح بالخنق لم يستحق شيئًا. 17956 - ولا يلزم القصاص فيما دون النفس، لأن ذلك إفاتة العضو، وهذا من فعل الآدمي فجاز أن يستأجر عليه، ولأن القصاص ضرب القاتل بالسيف مع التجافي وذلك تارة يقع على وجه مأذون وتارة على وجه [محظور] فلم يجز.

17957 - وليس كذلك [الطرف] لأن قطعه بإمرار السكين وذلك يتميز فيه المحظور من المباح. ولأنه استأجره [على القتل كالقتل بغير حق. ولأن الإجارة لو صحت] على القتل لحق، [استحق] البدل، إذا استأجره على تفويت روح غير مستحق كالذبح لما جاز أن يستأجره على ذبح شاة استحق الأجرة إذا استأجره على ذبح الشاة فذبحها. 17958 - احتجوا: بأنه أحد نوعي القصاص كالأطراف والفرق بينهما ما بينا. 17959 - قالوا: حق يجوز فيه التوكيل كما [يجوز] في الأعمال المجهولة، مثل اقتضاء ديونه وخصومة من [خاصمه]، والإجارة لا تصح إلا في [المعلوم]، والمعنى في الأطراف ما قدمنا. ***

مسألة 900 الأجرة في استيفاء القصاص على المقتضي أو المقتضى منه

مسألة 900 الأجرة في استيفاء القصاص على المقتضي أو المقتضى منه 17960 - قال أصحابنا: الأجرة في استيفاء القصاص في الطرف على المقتضى له. 17961 - وقال الشافعي على المتقضى منه.

17962 - لنا: أن [حق] المجني عليه [لمعنى] في الطرف والقطع المفصل بين حقه وبين ما لاحق له فيه فكانت الأجرة على صاحب الحق كمن باع ثمرة على النخل فأجرة جذاذها عليه. 17963 - فإن قيل: هناك قد حصلت التخلية، فدخلت في ضمان المشترى، وسقط الإيفاء [عن] البائع، وفي مسألتنا لم يسقط الحق عن الجاني/ فالأجرة لإيفاء حق عليه. 17964 - قلنا: [لوجد] المشترى الثمرة قبل التخلية كانت الأجرة عليه، وإن كان الإيفاء لم يسقط عن البائع ولأن الجاني إنما يلزمه التخلية وقد فعل، فصار كالبائع إذا سلم. 17965 - فإن قيل: البائع سقط عنه التسليم. والجاني إذا لم يقطع في الحال لم يسقط عنه التسليم. 17966 - قلنا: لأن العضو تحت يده، فقد فسخ التخلية، فصار كالبائع إذا عادت يده إلى [الثمرة] لزمه تسليم أجرة الجذاذ. 17967 - ولأن القصاص لمنفعة المقتص له، ولا منفعة فيه للمقتص منه فكانت الأجرة على من تجعل له المنفعة كالجذاذ وكالعامل في الزكاة، ولأن الأجرة لو وجبت على الجاني لجاز أن يتولى القطع بنفسه كالختان. 17968 - ولا يقال إنه يجوز أن يستوفيه بنفسه في أحد الوجهين لأنه لو جاز

أن يستوفى القصاص فيما دون النفس جاز في النفس والنص قد منع ذلك. 17969 - احتجوا: بأنها أجرة وجبت [لإيفاء] حق فوجب أن يكون على (الموفى) دون المستوفى. 17970 - أصله أجرة الكيال والوزان. 17971 - قلنا: لا نسلم أن الأجرة في مسألتنا للإيفاء بل هي للاستيفاء، بدليل أن المقتص له يجوز أن يتصرف فيه في الطرف بغير إذن الجاني وأجرة الكيال [للإيفاء] بدلالة أن المشترى لا يجوز أن يفعل ذلك إلا بإذنه. 17972 - والمعنى في الكيال [أن] حق المشترى لم يتعين [والمتعين] واجب عليه والكيل المتعين المستحق عليه فكانت الأجرة عليه وفي مسألتنا الحق [متعين] والقطع للفصل كالجداد. 17973 - قالوا: يبطل بمن ابتاع صبرة على أنها عشرة أقفزة كل قفيز درهم [فقد]

تعين حق المشترى وأجرة الكيال على البائع. 17974 - قلنا: لم يتعين الحق؛ لأن الصبرة يجوز أن تزيد فتكون الزيادة للبائع. 17975 - قالوا: الجاني إذا سلم نفسه [فالجناية] مضمونة عليه عندنا، ولهذا [لو أتلف] الطرف وجب عليه الأرش، وهو يحتاج إلى القطع، ليسقط عن نفسه الضمان. 17976 - قلنا: إن كان هذا الكلام على جوابنا فلا تعلق له به؛ لأنا اعتبرنا التعين ولم نتعرض للضمان، وإن كان ابتداء دليل فهو غير مسلم، لأن عندنا إذا تلف الطرف سقط الضمان عن الجاني. 17977 - قالوا: [قطع] واجب فأشبه قطع السارق، [إذا] لم يكن في بيت المال شيء. 17978 - قلنا: لا يجب عندنا على السارق [أجرة] في الحالين. 17979 - قالوا: قطع مستحق فالأجرة على المستحق عليه كالختان. 17980 - قلنا: الختان عندنا غير واجب فكيف يجب عليه أجرته، ثم المعنى في الختان أنه يجب لمنفعة المختون وهو ما يحصل [بعد] الطهارة ويتميز [به من المشركين فكانت الأجرة عليه]. ***

مسألة 901 إمساك العين مدة الإجارة من غير انتفاع بها

مسألة 901 إمساك العين مدة الإجارة من غير انتفاع بها 17981 - إذا استأجر دابة إلى الكوفة [فسلمها] المؤجر وأمسكها المستأجر [ببغداد] حتى مضت مدة [يمكنه] المسير فيها فلا أجرة عليه، [إن] ساقها معه إلى الكوفة ولم يركبها وجبت الأجرة. 17982 - وقال الشافعي يجب الأجرة في الوجهين. 17983 - لنا: أن العقد وقع على مسافة، فالتسليم [في غيرها] لا يستحق به البدل، كما أن العقد لو وقع على مدة فسلم في غيرها لم يستحق البدل. 17984 - ولأنه لو سلم الدابة في مسألتنا بالبصرة لم تستحق الأجرة لأنه تسليم

في غير الأماكن التي تناولها العقد، كذلك في مسألتنا. 17985 - ولأن العقد وقع على المسير، فلو أوجبنا الأجرة بالإمساك صار كالعقد على مدة، وحكم الأمرين يختلف بدلالة أن الخياط لو سلم نفسه لم يستحق الأجرة؛ لأن العقد وقع على العمل دون المدة، ولأن الإجارة على ضربين: تارة تقع على منفعة معينة وتارة تقع على مدة، فإذا وقع العقد على المدة استقر البدل بالتسليم كمن استأجر رجلًا للخدمة شهرا وإن وقع على المنفعة [لم يستحق إلا بالعمل] كالخياطة، كذلك العقد على الدابة إن استأجرها مدة معلومة لم تستحق الأجرة بمجرد التسليم. 17986 - ولأنه لو خلى بينه وبين الدابة لم يستحق الأجرة من غير قبض، كذلك لا يستحق [وإن] وجد القبض، كما لو أجر مدة متراخية فسلم قبلها. 17987 - احتجوا: بأن المستأجر قبض العين المستأجرة وتمكن من استيفاء المنفعة المعقود عليها فوجب أن تستقر الأجرة عليه. 17988 - أصله: إذا استأجرها شهرًا للركوب. 17989 - قلنا: التمكن من الاستيفاء في غير محل المعقود عليه [كلا تمكن] فلا يستقر به بدل. والمعنى فيه أنه إذا استأجرها شهرًا وفرقً في الأصل بينهما كما لو استأجر لخياطة ثوب أو استأجر [يومًا]. 17990 - قالوا: وأصل العلة إذا سيرها إلى الكوفة ولم يركبها. 17991 - قلنا: هناك وجد التسليم في المحل المعقود عليه، فصار كالتسليم في المدة المعقود عليها. 17992 - وفي مسألتنا وجد التسليم في غير المحل المعقود عليه، فصار كالتسليم في غير المدة.

مسألة 902 (المزارعة)

مسألة 902 (المزارعة) 17993 - قال أبو حنيفة المزارعة

عقد فاسد. 17994 - وقال الشافعي إذا ساقاه على نخل وكان فيها بياض [لا يتوصل] إلى عمله إلا بالدخول على النخل ولا الوصول إلى سقيه [إلا بسقي] النخل في الماء [أو] كان غير [متميز] جاز أن يساقي عليه مع النخل، ولا يجوز منفردًا. 17995 - قالوا: وإنما يجوز إذا كان من رب الأرض البذر والفدن ومن العامل العمل.

17996 - وإن كان البياض بين نخل يسير ففيه وجهان. 17997 - لنا: حديث جابر - رضي الله عنه -[عن النبي - صلى الله عليه وسلم -] قال (من لم يذر المخابرة فليأذن بحرب من الله ورسوله (ذكره) أبو داود. ولأنه عقد لا يصح

منفردًا فلا يصح تبعًا للمساقاة كما لو كان البذر والفدن من العامل. 17998 - ولأنه استئجار ببعض ما يخرج من الريع فلم يجز. أصله إذا كان البذر من العامل. 17999 - احتجوا: بما روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عامل أهل خيبر على نصف ما يخرج من ثمر أو زرع. 18000 - وقد أجبنا عن هذا الخبر، ولأن خبرنا متأخر فكان أولى. يبين ذلك أنه لم ينقل أنه - صلى الله عليه وسلم - أغطاهم البذرو البقر والمزارعة على هذا الوجه لا تصح باتفاق. 18001 - ولأن الشافعي رحمه الله إن عمل بظاهر هذا الخبر فيجب أن تجوز المزارعة في الأرض وإن انفردت عن النخل لأنه لم يفصل في الخبرين الأمرين وإن عمل بخبر

النهى فيجب أن يبطل العقد [في الوجهين] ولا يقال إن المزارعة تجوز على طريق التبع للمعاملة لأن العقود تتبعها حقوقها. 18002 - فأما أن يصح العقد الذي لا يجوز إفراده [تبعا لعقد] آخر فلا. ***

كتاب إحياء الموات

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب إحياء الموات

مسألة 903 إحياء الأرض من غير إذن الحاكم

مسألة 903 إحياء الأرض من غير إذن الحاكم 18003 - قال أبو حنيفة لا يملك الموات بالإحياء إلا أن يأذن الإمام فيه. 18004 - وقال أبو يوسف ومحمد إنه يملك بنفس الإحياء. 18005 - وبه قال الشافعي. 18006 - لنا: ما روى معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ليس للمرء إلا

ما طابت به نفس إمامه). 18007 - [فإن قالوا] هذا مرسل رواه محكول، عن جنادة بن أبي أمية قال: نزلنا مع أبي عبيدة بن الجراح دابق وذكر الخبر. فإن قيل قد طابت به نفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الإمام، قلنا: هذا الخبر رواه معاذ بن جبل - رضي الله عنه - حين طلب حبيب ابن مسلمة فقال معاذ: مهلًا يا حبيب، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إنما للمرء ما طابت به نفس إمامه) فقد فهم معاذ أن المراد الإمام من بعد

النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يخالفه في ذلك أبو عبيدة ولا حبيب بن مسلمة. 18008 - ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إمام في الحقيقة، إلا أنه يذكر الاسم الأعظم الأخص وهو النبوة واسم الإمام يحمل على من يسمى بذلك على الإطلاق. 18009 - ولأنه أحيا مواتًا بغير إذن الإمام، فوجب أن لا يملكها به. أصله: الذمي إذا أحيا في دار السلام. 18010 - فإن قيل: المسلم آكد حكمًا في التمليك بدلالة أنه يملك العبد المسلم والكافر، والذمي ممنوع من تملك المسلم، ويمنع من نكاح المسلمة، ويملك المسلم الصدقات المفروضة، ولا يملكها الذمي، ويملك المسلم السهم الكامل من الغنيمة والذمي [يرضخ] له. 18011 - قلنا: الذمي أيضًا يملك ما لا يملكه المسلم، لأنه يملك [الخنزير والخمر]. ويتزوج المجوسية، ويملك الصدقات إذا [دفعت إليه] باجتهاد ونقصان حقه في الغنيمة كنقصان حق المرأة، ولا يدل ذلك على أنها غير مساوية

للرجل في أسباب التملك. 18012 - فإن قيل: الذمي ليس من أهل دارنا بدلالة أنه لا يقيم فيها إلا بعوض فلذلك لا يملك [بالإحياء]. 18013 - قلنا: هذا غير مسلم بل هو من أهل الدار، ولهذا تجري عليه أحكامنا وتقام عليه الحدود. 18014 - ولأنه سبب [لا يملك] به الميراث إذا كان فيه أثر العمارة فلم يملك به ما ليس عليه أثرها [بالتحيز، ولأن] كل عين جاز للإمام أن يقطعها لإنسان ويخصه بها وقف جواز [تصرفه] فيها على إذنه. 18015 - أصله: مال بيت المال، وخمس الغنيمة وعكسه (الماء) والحطب والحشيش والصيد. 18016 - ولأنه مال/ [ظاهر] وصل إلينا بزوال أهل الشرك عنه فلم يجز الانفراد به إلا بإذن الإمام كالأرض العامرة.

18017 - ولا يقال: لا نسلم أنها مال، لأن الإمام يجوز أن يقطعها، ولو باعها جاز، والبيع لا يجوز إلا في مال. 18018 - ولا يقال: لا نسلم أنها كانت في يد المشركين. لأن يد أهل المصر [ثابتة] على جميع المصر [العامر فيه] و [الغامر]. 18019 - ولا يلزم الصيد والحشيش؛ لأن ذلك ليس بمال ولا يجوز بيعه قبل الحيازة. 18020 - ولا يلزم [المعدن] والركاز (لأنه ليس بظاهر). 18021 - فإن [قيل] المعنى في الأراضي المغنومة أن قدر المستحق [مختلف] فيه فيوقف على [الإمام لأن] الجيش لو كانوا كلهم [رجالة]

لم يختلف في قدر استحقاقهم ومع ذلك يفتقر [تعيين] حق كل واحد إلى إذن الإمام وفي مسألتنا وإن لم يختلف في قدر التملك، فقد اختلف في نفس التمليك فأولى أن يقف ذلك على الإمام. 18022 - احتجوا: بما روى سعيد [بن] زيد بن عمرو بن نفيل - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -[أنه قال]: من أحيا أرضًا ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق.

18023 - الجواب: أن الإحياء في اللغة هو العمارة، وذلك مما لا يملك فيه باتفاق إلا بشرائط عندنا: إذن الإمام وانتفاء حق المستحق فيها، وعندهم لابد من انتفاء الحقوق عنها. والاسم اللغوي لا يفيد ذلك فعلم أنه شرعي، فلا يثبت ألا في الموضع الذي دل الشرع عليه. 18024 - ولهذا قال أبو حنيفة لا يكون الإحياء إلا بإذن الإمام، رواه أبو يوسف عنه فجعل الاسم شرعيًا. [ولأنا] أجمعنا على أن المراد بالخبر من أحيا أرضًا لا حق [لغيره] فيها، ولو صرح بهذا في الخبر [لم] نسلم لمخالفنا [وجود] ذلك في أراضي دار الإسلام، لأن حق جماعة المسلمين متعلق بها كما يتعلق بمال بيت المال. 18025 - ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الشرع، ويتصرف بالولاية [بالأول]، كقوله (من بدل دينه فاقتلوه)،

ومن اشترى طعامًا فلا يبعه حتى يقبضه. ومن باع عبدًا فماله للبائع. 18026 - والثاني: كقوله (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن تعلق بأستار الكعبة فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن) وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (من أحيا أرضًا ميتة فهي له) يحتمل أن يكون بيانًا لحكم، فيتناول ذلك جميع الناس إلى قيام الساعة، ويحتمل أن يكون شرطًا من حيث التصرف للمسلمين، والولاية عليهم، فيختص بمن خاطبه، ومن توجه الكلام إليه ولا يعتبر عمومه فلم يجز حمله على العموم. 18027 - ولهذا قلنا: في قول - صلى الله عليه وسلم - (من قتل قتيلًا فله سلبه) أنه شرط بحق

الولاية والمصلحة، وليس لبيان الشرط. 18028 - قالوا: روي أن - صلى الله عليه وسلم - قال: (موتان الأرض لله ولرسوله ثم هي لكم مني). 18029 - قال أهل اللغة: بفتح الميم. 18030 - قالوا: (وقولنا هذا يدل على أنها لجماعة المسلمين. وكذلك نقول) فلا يجوز الانفراد بعمارتها إلا بإذن من يملك التصرف على جماعتهم وهو الإمام. 18031 - قالوا: روى أسمر بن مضرس قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فبايعته فقال: (من سبق إلى ما لا يسبقه إليه مسلم له فهو له فخرج الناس يتعادون ويتخاطون). 18032 - قلنا: الجواب عن هذا الشرط كالجواب عن الخبر الأول. 18033 - قالوا: عين مباحة فلا يفتقر تملكها إلى إذن الإمام كالحشيش والصيد والماء.

18034 - قلنا: لا نسلم أن الموات مباح بل حق جميع المسلمين يتعلق به، وإن لم يتعين ملك أحد فيه كمال بيت المال والغنيمة قبل القسمة. 18035 - قالوا: معنى قولنا مباح: أنه لم يجر عليه ملك، ولا سبب ملك ولا يضمن متلفه. 18036 - قلنا: هذا غير مسلم، لأنه قد جرى عليه سبب ملك وهو الغلبة وإتلافه لا يتصور، فإن فعل فاعل فيه ما يزيد في خرابه وتقل معه عمارته ضمن الإمام عنه. 18037 - والمعنى فيه ما ذكروه أن الإمام لا يملك أن يفرد بالموات واحدًا من الناس فلم يقف تملكه على إذنه. ولما لم يملك [أن يفرد بالموات واحدًا] دون غيره وقف الانفراد به على إذنه كمال بيت المال، ولآن الحشيش لا يتعلق بتملكه حق يتولاه الإمام، ولا يد له عليه فلم يقف تملكه على إذنه، وتملك الموات يتعلق به [إما] عشر أو خراج. وذلك مما يتولاه الإمام، فوقف على إذنه، ليأذن لمن يتق في حق المسلمين، ونعكس العلة فنقول. عين مباحة فاستوى في تملكها المسلم والذمي والوصف مؤثر، لأن قولنا: عين مباحة يحترز به عن الخمر والخنزير. 18038 - قالوا: الإحياء جهة للتملك فلا يفتقر إلى إذن الإمام أصله البيع والهبة.

18039 - قلنا: يبطل [بما] يوجد من مال بيت المال. 18040 - فإن قالوا: إن ذلك مملوك فإنما يعني [الإمام] الملك فيه. 18041 - قلنا: وكذلك نقول في الموات [فيه] حث للجماعة كما لهم في بيت المال والإمام يعين ذلك الحق بالإذن. 18042 - ولأن البيع والهبة لا يتحدد بالتملك بهما حق الله تعالى في المملوك. 18043 - ولا يتميز حق الواحد عن غيره فلم يقف على الإمام، والإحياء يتحدد بالتملك به حق الله تعالى متعلق بالمملوك، وذلك الحق يختلف باختلاف المالكين، فمنهم من يتوقى به الحق ومنهم من يزريه، فوقف على إذن الإمام ليتخير الأصلح للمسلمين. أو نقول إن البيع والهبة يقفان على إذن من له حق في المعقود عليه فلا يقع [الملك] دون إذنه، وكذلك التملك بالإحياء يقف على الإمام الذي يملك التصرف في الحق المتعلق بالمملوك وهو الخراج [أو] العشر. 18044 - قالوا: أجزاء الأرض متساوية لا ميزة لبعضها على بعض، ولا خلاف أن

بعض أجزاء الموات [يصح] تملكه بغير إذن الإمام، وهو إذا أخذ ترابًا من الموات ليطين به داره. [وكذلك] جاز تملك باقي الأرض بغير إذن الإمام. ألا ترى أن الحطب لما تساوت أجزاؤه وجاز تملك [بعضه] بغير إذن الإمام جاز تملك جميعه. 18045 - قلنا: يبطل بالغنيمة فإن مقدار العلف منها وما يحتاج إليه من الطعام يجوز تملكه بغير إذن الإمام. ولا يجوز تملك بقية أجزاء الغنيمة بغير إذنه. وكذلك يجوز أن يسرج الإنسان من نار غيره بغير إذنه وذلك تناول جزء منها، ولو أراد أخذ جميعها بغير إذنه فلم يجز. 18046 - ولأن التراب عندنا لا يجوز أخذه من الموات إلا بإذن الإمام، لأن أخذه تارة يضر بالأراضي وتارة يصلحها فوقف ذلك على إذنه كما وقف تملكها على إذنه.

مسألة 904 إحياء الذمي لأرض الموات

مسألة 904 إحياء الذمي لأرض الموات 18047 - قال أصحابنا: إذا أحيا الذمي أرضًا بإذن الإمام ملكها. 18048 - وليس للشافعي في ذلك نص، إلا أنه قال من أحيا مواتًا من المسلمين فهو له. فدل كلامه أنه لا يجوز للذمي. 18049 - وقال أصحابه وليس للإمام أن يأذن للذمي في الإحياء وإن أذن له [فأحيا] لم يملك. 18050 - لنا: حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (البلاد [بلاد الله] والعباد عباد الله فمن أحيا من الموات أرضًا فهي له ولأن كل سبب يملك به المسلم أرضًا جاز أن يملك به الذمي أرضًا في دار الإسلام. 18051 - أصله: الميراث والشفعة وعكسه [التحجر].

18052 - ولا يلزم دفع الزكاة؛ لأن الدفع على وجه الصدقة يملك به ما سوى الزكاة إذا دفعت إليه باجتهاد، وإذا رأى الإمام صرف الزكاة على مذهب ابن شبرمة. 18053 - فإن قيل: التملك بالشراء والصداقة ليس فيه ضرر على المسلمين والتملك بالإحياء فيه ضرر؛ لأن الدار تضيق بهم. 18054 - قلنا: [إثبات] التملك يجوز أن يثبت لأهل الذمة وإن [أضر] بالمسلمين، بدلالة الشفعة ثبت للذمي الأخذ بها، وإن أضر ذلك بالمشتري المسلم. 18055 - ولأن إحياء الذمي أنفع من إحياء المسلم، لأن الخراج يتعلق بالأرض، وهذا أنفع من العشر المتعلق بإحياء المسلم.

18056 - فإن قيل: التملك بالإحياء يفارق التملك بالشراء [والهبة] بالإجماع؛ لأن عندنا شرط فيه الإسلام وعندكم شرط فيه إذن الإمام. 18057 - قلنا: أسباب التملك قد تختلف شروطها، بدلالة أن شرط النكاح مفارق لشرط البيع، وشروطهما يفارق شرط الهبة، ولم يكن اختلاف شروطهما مانع للذمي من التملك بجميعها؛ لأن كل من ملك بالإحياء ثم يصير ذميًا بوضع الخراج عليه. 18058 - ولأنه أحيا مواتًا بإذن الإمام، فوجب أن يملكها كالمسلم، ولأنه يملك البناء فجاز أن يملك بالإحياء في دارنا كالمسلم، فإن قيل المعنى في المسلم أنه من أهل الدار والذمي ليس من أهلها. ولهذا لا يمكن [المقام] فيها إلا بعوض. 18059 - قلنا: الذمي من أهل دارنا بدلالة جريان أحكامنا عليه، والعوض لإسقاط القتل، على أن الذمية. يجوز أن تقيم في دارنا بغير/ عوض ولا يجوز لها الإحياء عندهم. 18060 - [قالوا]: الذمي يفارق المسلم في التملك، بدلالة [أنه] لا يملك بضع [المسلمة] ولا يملك من الغنيمة السهم ويملكه المسلم. 18061 - قلنا: المسلم والذمي يتساويان في تملك الأبضاع، وينفرد المسلم بجواز

نكاح المجوسية. 18062 - فأما الغنيمة فاستحقاقها يتعلق بحضور الوقعة، والمسلم يملك الحضور بنفسه، والذمي لا يملك إلا بإذن غيره، فصار [كنساء] المسلمين. وعندهم لما لم يجز لهم حضور القتال إلا بإذن الغير لم يستحقوا السهم مع وجود الإسلام. 18063 - احتجوا: بقوله - عليه السلام - موتان الأرض لله ولرسوله ثم هي لكم مني. 18064 - قالوا: وهذا خطاب للمسلمين، بدلالة أنه خرج على وجه الامتنان، وإنما المنة على المسلم الذي يعتقد المنة، دون الكافر الذي لا يعتقد ذلك. 18065 - الجواب: أن هذا الخطاب يحتمل أن يكون لأهل الذمة، ويحتمل أن يكون كالخطاب بالشرائع الذي لا يختص [المسلمين] كقوله {وأقيموا الصلوة وءاتوا الزكوة} وقوله: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم} وإذا احتمل ذلك وجب التوقف فيه. فأما الامتنان فإنه يتناول المسلمين والكفار، بدلالة قوله تعالى: {ولقد كرمنا بني ءادم} وقوله: {ألم نجعل له عينين ولسانًا وشفتين}. 18066 - قالوا: روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تبدؤهم بالسلام واضطروهم إلى أضيق الطريق)، وفي جواز توسعة عليهم. 18067 - قلنا: قد ساووا المسلمين في أخذ الصيد والحشيش مع الأمر بالتضييق عليهم كذلك في الإحياء.

18068 - ولأن جواز الإحياء حق للمسلمين لأن دار الإسلام تعمر، ويكثر الخراج، فصار في إحيائهم منفعة وتوسعة على المسلمين. 18069 - قالوا: كافر أحيا مواتًا في دار الإسلام فلم يملكه، كما لو كان بغير إذن الإمام. وربما قالوا منقوص بالكفر يملك [بالإحياء] في دار الإسلام. 18070 - قلنا: الكفر ليس له تأثير في المنع من أنواع التملك. والدليل عليه سائر الأسباب. والمعنى في الأصل: أنه انفرد فيما للإمام فيه [تدبير بإفراده]. فصار كمال بيت المال. 18071 - قالوا: من لا يجوز له الإحياء بغير إذن الإمام لم يجز بإذنه كالصبي. 18072 - قلنا: لا نسلم لو أذن الإمام [لصبي] في الإحياء، فأحيا ملك كما يملك بقبول الهبة والصدقة. 18073 - قالوا: الذمي ليس من أهل دارنا، بدلالة أن الدار تضاف إلى المسلمين، وبدليل أن الذمي لا ينزل فيها بغير عوض، والإحياء من حقوق الدار. 18074 - قلنا: الذمي من أهل دارنا، وما ذكروه من [الغرم] قد بينا أنه ليس [للمقام] في الدار، وإنما هو لإسقاط القتل بدلالة أن النساء [يقمن] بغير شيء لما لم يجب عليهن القتل، فأما إضافة الدار إلى المسلمين [فلإنفاذ]

أحكامها، وإلا فالملك للمسلم والذمي. ولو سلمنا أن الذمي ليس من أهل الدار لم نسلم أن الإحياء من حقوق الدار، بل حق أهل الدار عمارة الموات، والانتفاع بما يتعلق به من حق الله تعالى. أما الخراج أو العشر فوجب اعتبار حصول هذا الحق لأهل الدار دون ملك (المحظور) بما قاسوا على المستأمن، وهو غير مسلم لأن المستأمن إذا أذن له الإمام فأحيا ملك. 18075 - قالوا: يصير عندكم بالإحياء ذميًا، فلا يملك بالإحياء (كونه) من أهل الحرب. 18076 - قلنا- غلط بل (يحيى) ويملك، وهو حريي، فإذا وضع الإمام عليه الخراج صار بذلك (ذميًا) وها أمر (يتأخر) عن الملك. 18077 - قالوا: الموات مال شريف، لأنه مضاف إلى الله ورسوله، وهو مال حلال لا شبهة فيه، وكل مال بني على الشرف والفضيلة فإن الكافر لا يساوي المسلم فيه كالغنيمة. 188078 - قلنا: قد بينا أن الكافر يساوي المسلم في الغنيمة، ويستحق منها مثل ما يستحق نساء المسلمين وصبيانهم وعبيدهم لأن حضوره يقف على إذن غيره، كما يقف (حضورهم) ولما كان المسلم الحر لا يقف حضوره على إذن استحق السهم، فصار هذا الاختلاف عائدا إلى صفة الحضور لا إلى الكفر والإسلام.

مسألة 905 الأرض إذا كان عليها أثر الإحياء ولا يعرف لها صاحب

مسألة 905 الأرض إذا كان عليها أثر الإحياء ولا يعرف لها صاحب 18079 - قال أصحابنا: إذا كان على الموات أثر العمارة ولا يعرف له مستحق جاز إحياؤه بإذن الإمام. 18080 - وقال الشافعي: إذا كان من أملاك المسلمين لم يملك بالإحياء، وإن كان من أملاك الكفار (ففيه) وجهان. 18081 - أحدهما: يملك بالإحياء، والآخر، يملك على وجه الغنيمة فيملك بإذن الإمام لا بالإحياء.

18082 - ولنا قوله - عليه السلام - ومن أحيا أرضًا ميتة فهي له". واسم الميتة أخص بما تقدمت عمارته، كما أن أسم الميت اسم لما سبقت الحياة فيه، ولا يقال إن أهل اللغة قالوا: إن الميتة ما (لا مستحق) له لأن هذا لم ينقله أحد وإنما الميت من الأراضي ما هو على صفة لا ينتفع به شبيها بالحيوان إذا مات بطل الانتفاع به. 18083 - فإن قيل هذه الأراضي قد ملكها المالك الأول بالإحياء فيجب أن يكون وجوبها بظاهر الخبر. 18084 - قلنا: النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل الإحياء من أسباب التملك، فإذا تكرر كان الثاني

أولى من الولي كما لو وجد البيع بعد البيع، ولأنه موات لا يعرف له مالك فجاز أن يملك بالإحياء. 18085 - أصله: الأراضي العارية ولا يلزم ما قرب من العامر، لأنه يملك بالإحياء عندنا إذا خرب ما يقاربه من العامر، ولأن ما يملك به الأرض جاز أن يملك به أرض ملكها مسلم. 18086 - أصله الشفعة. ولأنه مال ظاهر في دار الإسلام لا يعرف له مالك معين فجاز تصرف الإمام فيه كاللقطة ومال بيت المال، ولأنه أحيا بإذن الإمام مالًا لمعين (فيه حق) فملكه بالإحياء. أصله: إذا لم يكن عليه أثر العمل. 18087 - احتجوا: بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال "من سبق إلى ما لم يسبقه مسلم فهو له" دليله: أن (من) سبق إلى ما سبق إليه مسلم لم يملكه. 18088 - الجواب: أن الخبر يقتضي ما تملك بسبق اليد، وذلك يخص الصيد والحطب، وأما الموات فلا يملك بسبق اليد بإجماع. 18089 - قالوا: روي عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم -

قال (من أحيا أرضًا ميتة ليست لأحد فهو أحق بها وروى عن كثير بن عبد الله المزني عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال من أحيا مواتًا من أرض في غير حق مسلم فهو أحق به. 18090 - قلنا: (ذكر هذين الخبرين) الثاني وما تفرد (منه) لا يقبل عند أصحاب الحديث ولا سيما إذا خالف الأخبار المشهورة، وقد ذكر أبو داود وغيره (من هذه الأخبار) من غير ذكر هذه الزيادة. 18091 - ولأنه لا يقال إنه لا حق إلا ما يثبت فيه حق معين، فإما ما لا يثبت الحق فيه لمعين فلا يضاف إلى واحد، وإنما هو حق الجماعة.

18092 - قالوا: أرض جرى عليها ملك فلا تملك بالإحياء. 18093 - أصله: إذا كان مالكها معروفًا، ومن يحترز عن موات (دار الحرب) يقول جرى عليها ملك من له حرمة. 18094 - قلنا: نقول بموجبه، لأنه لا يملك عندنا بالإحياء، بل يملك بإذن الإمام والإحياء. 18095 - والمعنى في أرض المالك المعروف أن مستحق هذا المال معتبر، فلا ينفذ تصرف الإمام عليه، إلا بسبب يقتضي الولاية. وفي مسألتنا (المالك) غير معين، فجاز تصرف الإمام في المال كاللقطة. 18096 - ولأن (المالك) إذا كان معلومًا أمكن إلزامه العمارة، حتى لا يتعطل تحصيل حق المسلمين (من العشر أو الخراج)، وإذا لم يعرف لها مالك لم يتوصل إلى تحصيل حق المسلمين بالإحياء (فصارت) كالموات الأصل. 18097 - قالوا: لا يخلوا مالك الأرض: أعقب أو لم يعقب، فإن كان أعقب فالأرض (لعقبه، وإن كان لم يعقب فالأرض) للمسلمين والإمام يملكها لمن رأى من غير شرط الإحياء. 18098 - قلنا: الإمام لا يجوز أن يأذن في إحيائها حتى يبحث عن مالكها أو يتلوم في طلبه.

18099 - وإذا لم يظهر لها مستحق فالظاهر انه لا مستحق لها، وله التصرف فيها إلا أنه لا يأذن إلا بشرط الإحياء حتى يؤدي إلى عمارة الدار، ويوفر حق المسلمين فيها. * * *

مسألة 906 إحياء الأرض القريبة من العمران

مسألة 906 إحياء الأرض القريبة من العمران 18100 - قال أصحابنا: الموات الذي يجوز إحياؤه ما بعد عن العامر وما قرب منه فلبس بموات. 18101 - وقال أبو يوسف الموات هو الذي إذا وقف رجل في أدناه من العامر فنادى بأعلى صوته (لم) يسمعه أقرب من في العامر إليه. 18102 - وقال أصحاب الشافعي ما قرب من العامر يملك بالإحياء إلا ما لابد للعامر منه، وهو فناء العامر وحقوقه، كالطريق ومجرى الماء، ومسيله ونحو ذلك. 18103 - لنا: أن ما يبلغه الصوت لا يجوز الإذن في إحيائه (أصله ما لابد للعامر منه. ولأن كل أرض جرى عليها ملك لا تملك بالإحياء). 118104 - أصله: حريم البئر والنهر، (ولأن كل من لا يجوز له إحياء حريم النهر لم يجز له إحياء ما قرب من العامر كالذمي. وما لا يجوز للذمي إحياؤه لا يجوز للمسلم كحريم النهر).

18105 - احتجوا بقوله - صلى الله عليه وسلم - من أحيا أرضًا ميتة فهي له. 18106 - الجواب: أن المراد/ بالخبر إذا لم يتعلق بها حق، وما قرب من العامر يتعلق به حق القرية. 18107 - قالوا: روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قطع الدور حين ورد المدينة. 18108 - فقال: حي من عدو يقال لهم بنو عبد بن زهرة نكب عنا ابن أم عبد. 18109 - قلنا: يجوز أن يكون فعل ذلك برضاء أهل المدينة، ألا ترى أن الدور اسم للعامر وذلك ليس نفيا لغيره.

18110 - قالوا: روي عن عمر رضي الله عنه أنه أقطع العقيق وهو بين البساتين. 18111 - قلنا: هو اليوم كذلك، ويجوز أن يكون إذ ذاك غير متصل بالعامر، ويجوز أن يكون أقطعه لمن يلي بساتينه فلا يستضر بإقطاعه أحد. 18112 - قالوا: موات لا يملك ولا يتعلق بمصلحة مملوك، فجاز أن يملك بالإحياء كالموات البعيد. 18113 - قلنا: إن كان لا يتعلق بمصلحة أحد جاز الإذن في إحيائه، وإنما منع مما يحتاج إليه أهل القرية لرعى مواشيهم ومطارح غلاتهم وإخراج فاضل مياهم، وفي تملك ذلك تضيق عليهم وإلحاق ضرر بهم. * * *

مسألة 907 اقتطاع جزء من الأرض للمنفعة العامة

مسألة 907 اقتطاع جزء من الأرض للمنفعة العامة 18114 - قال أصحابنا: للإمام أن يحمي موضعا يرعى فيه مواشي بيت المال وخيل المجاهدين. 18115 - وقال الشافعي يجوز ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -. وهل يجوز للإمام (فيها) قولان. 18116 - لنا: ما روى ابن عباس رضي الله عنه (عن) النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (لا حمى إلا

لله ولرسوله ولائمة المسلمين). 18117 - ولأن من ملك الولاية على بيت المال ملك أن يحمي الموات. أصله النبي - صلى الله عليه وسلم -. 18118 - ولأن ما كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - إمساكه لمؤنة بيت المال جاز الإمام، كالحشيش النابت في أراضي بيت المال، ولآن من جاز له أن يقطع جاز له أن يحمي. أصله (النبي) - صلى الله عليه وسلم -. 18119 - ولأن كل تصرف جاز للنبي - صلى الله عليه وسلم - في مصالح المسلمين جاز للإمام. أصله الإقطاع. 18120 - وقد روي أن عمر رضي الله عنه حمى الربذة. 18121 - وروى زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولى على الحمى

مولى له يقال له هنى، وقال له: (اخفض جناحك للناس، واتق دعوة المظلوم فإنها مجابة وأدخل رب الصريمة والغنيمة، وإياي ونعم ابن عفان ونعم ابن عوف فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعا إلى نخل وزرع، وإن رب الصريمة والغنيمة إن تهلك ماشيتهما يأتيني، ببينه، فيقول: يا أمير المؤمنين أفتاركهم أنا؟ لا أبا لك الكلأ أهون على من الدينار والدراهم وايم الله ليرون أني قد ظلمتهم، إنها لبلادهم فقاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الإسلام. والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت شبرًا. وهذا بحضرة الصحابة رضي الله عنه

من غير خلاف. 18122 - فإن قيل: يحتمل أن يكون حمى حماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (لأن النبي) - صلى الله عليه وسلم - قد يستغني عنه فيترك الحمى ثم يحتاج إليه فيحميه الإمام. 18123 - قلنا: النبي - صلى الله عليه وسلم - (حمى) النقيع. 18124 - وقد روينا أن عمر حمى الزبدة. ثم عمر يقول: يرون أني ظلمتهم، ولو كان حمى حماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما جاز أن يظنوا هذا. 18125 - فإن قيل: فقد روي أن عثمان رضي الله عنه ذكر له فيما أنكر عليه الحمى، فدل أن الصحابة اختلفوا في ذلك. 18126 - قلنا: ما فعله عمر حق وصواب، ومن أنكر عليه لا يعتد بإنكاره ولا يلتفت إلى خلافه، ولم يثبت إنكار من الصحابة عليه وإنما هم أهل مصر ومن أشبههم. 18127 - احتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم - لا حمى إلا لله ولرسوله

18128 - قلنا: خبرنا زائد فكان أولى، ولأن ما جاز للنبي صلى من التصرف لمصالح المسلمين جاز للأئمة بعده. 18129 - قالوا: روى عن النبي صلى أنه قال: (الناس شركاء في ثلاثة) وهذا يمنع الحمى. 18130 - قلنا: لا يمنعه، لأنه حق لجميع الناس، فإذا حماه كان لهم، فقد وصل نفعه إلى جماعتهم، وهذا لا يمنع الشركة. 18131 - قالوا: روي عن النبي صلى أنه قال: من يمنع فضل الماء لفضل الكلأ منعه الله فضل رحمته) 18132 - قلنا: هذا يدل على انه لا يجوز منع الماء مخافة على الكلأ، والكلام في منع الكلأ. 18133 - ولأن فضل الله وفضل الكلأ إنما يكون في ملك الإنسان وأما في المباح فلا يمنع فضله ولا أصله. وعند مخالفنا: الكلأ الذي في أرضه يجوز

المنع منه. 18134 - قالوا: لا يجوز أن يحمي لنفسه فلم يجز أن يحمي لمصالح المسلمين. أصله: الرعية، وعكسه النبي - صلى الله عليه وسلم -. 18135 - قلنا: الواحد من الرعية: لا يملك التصرف على المسلمين. وعندنا يجوز الحمى لمواشي المسلمين وخيل المجاهدين. فمن لا يجوز أن يتصرف عليهم لا يجوز أن يحمي لهم، ولما كان الإمام يملك التصرف جاز أن يحمي لهم إقطاعه لا يجوز (للإمام إقطاعه ولا التصرف فيه لا يجوز) أن يحميه كالمياه. 18136 - قلنا: لا نسلم الوصف لأن الحمى إنما يكون في المباح، وذلك كله يجوز للإمام إقطاعه، وتخصيص الواحد به إذا رأى ذلك من المصلحة. فأما الماء فإن كان المسلمون يستضرون بحماه لم يجز، كما لو استضروا بالحمى في الحشيش. وإن لم يستضروا فلا بأس أن يحمي ماء بعينه تشرب منه إبل الصدقة، وترده دون غيرها حتى لا تختلط. * * *

مسألة 908 الحشيش النابت في أرض مملوكة

مسألة 908 الحشيش النابت في أرض مملوكة 18137 - قال أصحابنا: إذ نبت الكلأ في أرض مملوكة لم يملكه صاحبها وكل من أخذه فهو له، إلا أنه يكره دخول الأرض بغير إذن مالكها، وكذلك ماء البئر والعين غير مملوك لصاحبها. ومن أخذ منه شيئًَا ملكه، ولم يلزمه رده. 18138 - وقال الشافعي إذا نبت الحشيش في أرض مملوكة فهو ملك لصاحبها، يجوز له بيعه، وإن أخذه، غير لزمه رده عليه. 18139 - وقال في كتاب الأقضية في القديم، وفي كتاب حرملة: إن

الماء ملك لصاحب البئر ويجوز له بيع مقدار معلوم بالكيل أو الوزن ومن استقاه لزمه رده على صاحبه وإن أتلفه لزمه قيمته. 18140 - لنا: ما روى ابن عباس رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: الناس شركاء في ثلاثة الماء والكلأ والنار. وهذا ينفي أن يختص به واحد. 18141 - وروى مالك (عن أبي الزناد) عن الأعرج عن أبي

هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من منع فضل الماء ليمنع به فضل الكلأ منعه الله فضل رحمته يوم القيامة. 18142 - ولو كان الكلأ ملكًا له لم يلحقه الوعيد بمنع شيء منه لأن الغالب في الكلأ المباح فما حصل منه في ملكه بغير (فعله). لم يملكه كالصيد. 18143 - احتجوا: بأنه نماء ملكه لا يملكه غيره، فوجب أن يكون له أصله: الحطب والقصب. 18144 - قلنا الأصل غير مسلم لأن الحطب والقصب إذا نبت في أرض إنسان بغير فعله لم يملكه كالصيد، فإن قاسوا على ما أثبته من ذلك. 18145 - قلنا: حصل في ملكه بفعله فهو كالسمك إذا حصله في حظيرة لصيده وما نبت بنفسه كالسمك الذي خرج به السيل إلى أرضه فصاحب الأرض وجميع الناس فيه سواء. * * *

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب الوقف

مسألة 909 صور لزوم الوقف وجوازه

مسألة 909 صور لزوم الوقف وجوازه 18146 - قال أبو حنيفة وزفر لا يزول الملك عن الوقف بالقول إلا أن يخرجه مخرج الوصايا 18147 - وقال أبو يوسف يزول الملك عنه بالقول. 18148 - وبه قال الشافعي.

18149 - لنا: ما روى عكرمة عن أبي عباس رضي الله عنه قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ما أنزلت سورة النساء وأنزل فيها الفرائض نهى عن الحبس. 18150 - روي أنه قال (لا حبس عن فرائض الله) وهذا يجل على أن الحبس بعد نزول آية المواريث مخالف لما قبله، وذلك أنهم كانوا يصنعون بمالهم ما شاؤا، وكان الحبس كذلك، فلما نزلت آية المواريث نسخ ذلك. 18151 - فإن يعني له 1 احبس النساء في البيوت إذا أتين الفاحشة. 118152 - قلنا: ذاك ثبت بسورة النساء وبحديث عبادة والخبر

يقتضي حبسًا بنسخ الفرائض التي في سورة النساء وهي فرائض الأموال. 18153 - فإن قيل غنما نهى عن السائبة والوصية والبحيرة. 18154 - قلنا: هذا ساقط من ثلاثة أوجه. 18155 - أن البحيرة والسائبة إطلاق وليس بحبس، لأنهم كانوا يخرجونها من حكم الملك ويمنعون الانتفاع بها، كما يزول الملك عن المعتق بالعتق (وهذا إطلاق) وهو ضد الحبس. 18156 - والثاني: أن السائبة والبحيرة لم تكن تفعل في الإسلام، وإنما كانت في الجاهلية، والخبر يقتضي أمرًا كانوا يفعلونه على أن نزلت السورة. 18157 - والثالث: أنه عام في الوقف، وما ذكروه فلم يجز تخصيصه بغير دليل.

18158 - ويدل عليه (ما روى) أبو حنيفة ومعن بن (كلام) عن الشعبي عن شريح. 18159 - أنه قال: جاء محمد ببيع الحبس. 18160 - وهذا إخبار عن شريعته - صلى الله عليه وسلم -، ولا يقال إنه مرسل؛ لأن إرساله لا يمنع الاستدلال به عندنا. 18161 - ويدل عليه: ما روى بشير بن محمد بن عبد الله بن زيد وأبو بكر

بن حرم/ عن عمرو بن سليم عن عبد الله بن زيد الأنصاري أنه تصدق بحائط فأتى أبوه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إنها كلت في وجوهنا، ولم يكن لنا مال غيره، فدعا عبد الله وقال: إن الله قد قبل منك صدقتك، ورد على أبويك: قال بشير: فتوارثناها بعد ذلك. 18162 - فإن قيل: كان الحائط لهما. 18163 - قلنا: روي أنه تصدق بحائط وروي انه تصدق بما ليس له مال غيره، وقال أبوه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (تصدق بحائط) وكان لنا وله منه كفاف.

18164 - فإن قيل: يجوز أن يكون تصدق بأصلها. 18165 - قلنا: لو كان كذلك زال ملكه، [وكان] لا يجوز ردها باتفاق. 18166 - ولأنها نوع صدقة فلا يلزم بمجرد قوله. أصله: إذا تصدق بها على معين. 18167 - ولأنه إزالة ملك إلى غير مالك فلا يلزم في غير الآدمي بمجرد قوله. أصله: إذا وقف على المكاتبين. 18168 - ولأن كل صدقة لا تلزمه إذا كانت على المكاتب، وأم الولد لا تلزم إذا كانت على حر. 18169 - أصله: إذا قال تصدقت بدارى على فلان أو على الفقراء ولم يجتمع مع لفظ الصدقة قرينة ولا نية [لأن كل صدقة] لا تلزم بمجرد قوله تصدقت على فلان لم تلزمه وإن نوى. 18170 - أصله: إذا كانت على مكاتب. ولأن الملك لو زال في الوقف لم يستحق الواقف ثواب الصدقة بالغلة؛ لأنها صدقة بغير ملكه، وفي علمنا أنه يستحق الثواب بالصدقة دلالة على بقاء ملكه في الأصل. 18171 - ولا يلزم إذا أخرجه مخرج الوصايا؛ لأنه باق على حكم ملكه. ولو لزمه دين بضمان درك أو وقوع في بئر كان حفرها بيع الوقف في ذلك، ولأن الوقف لو تعلق بالرقبة على وجه الاستحقاق سرى إلى ما يتولد منها. 19172 - ألا ترى أنه لو تعلق بالرقبة لحق الله سرى إلى ما يتولد منها، كولد المبيع قبل القبض؟ ومعلوم أن امتناع التمليك قد استقر عند مخالفنا في الأصل، فكان يجب

أن يمتنع تمليك الثمار كم امتنع من أصلها. 18173 - ولأن الوقف في حال الحياة يتضمن تمليك ما لم يخلق [لمن لم يخلق] وهذا لا يصح في العقود الواقعة حال الحياة. 18174 - ولا يلزم إذا أخرجه مخرج الوصايا؛ لأن الوصية تصح بما لم يخلق ولمن لم يخلق. 18175 - ولأنه إيجاب حق في الثمار والمنافع فلا يزيل الملك عن الرقاب، كما لو أعارها، أو نذر الصدقة بثمارها أو كانت الثمار موجودة فتصدق بها. 18176 - فإن قيل: عندنا قد أوجب الحق في الرقبة. 18177 - قلنا: بل أوجب في الثمرة؛ لان الموقوف عليهم لا منفعة لهم في العين وإنما حبس العين لاستيفاء الحق في الثمرة. 18178 - فإن قيل: [هذا] يبطل إذا حكم الحاكم. [قلنا: لم يزل الملك بإيجاب الحق في الثمرة، وإنما زال بحكم الحاكم في] موضع الاجتهاد. 18179 - فإن قيل: يبطل به إذا أخرجه مخرج الوصايا

18180 - قلنا: إنما يزول الملك بالموت لا بإيجاب الحق في الثمرة [وإنما] يبقى الأصل على حكم ملكه كما لو أوصى بثمارها. 18181 - احتجوا: بصدقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 18182 - قلنا: لا دلالة فيها؛ لأن المنافع عندنا من الوقف حق الورثة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يورث. فلما سقطت سهام المواريث من تركته صار حكمه حكم سائر الناس قبل نزول آية الموارث. 18183 - احتجوا: بما روى أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني أصبت مالا كثيرا والله ما أصبت مالا قط هو عندي أنفس منه، فما تأمرني؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن شئت تصدقت بها وحبست أصلها. قال: فجعلها عمر - رضي الله عنه - صدقة لا تباع [ولا توهب] ولا تورث. 18184 - الجواب: أن هذا يحتمل أن يكون قبل نزول النساء [لأنها]

مدنية، وقد كانت الوقوف لازمة قبلها كما تلزم الوصية بجميع المال، ويحتمل أن تكون القصة بعد نزول النساء؛ فوجب التوقف في الخبر حتى يعلم التاريخ. 18185 - فإن قيل: الوقف عندكم جائز، ولازم إذا أخرجه مخرج الوصية؛ فدل أن سورة النساء ما منعت الوقف. 18186 - قلنا: إنما يجوز عندنا وصية من الثلث، وسورة النساء اقتضت ثبوت حق الورثة بعد الوصايا، ثم هذا الخبر قد اختلفت ألفاظه، فروى: (إن شئت حبست أصلها)، وروي (إن شئت أمسكت أصلها) رواه ابن علية، عن ابن عوف وإمساك أصلها)، أصل الوقف عندهم، لان الوقف إذا صح خرج من ملكه فلم يكن ممسكا. وقوله: (احبس أصلها) يحتمل احتفظ به ولا تزيل ملكك عنه، ويحتمل الوقف، فليس لهم الاحتجاج باللفظ المحتمل إلا ولغيرهم الرجوع إلى اللفظ الذي لا يحتمل. 18187 - وهذا كما قال [رسول الله]- صلى الله عليه وسلم -: (أمسكوا عليكم أموالكم لا تعمروها)

ويكون معنى آخر أنه أمره بالتمسك بالملك والصدقة بالثمرة أبدا، وهذا لا يكون إلا أن يوجب الصدقة حال حياته وشرط عدمه فيما بعد ذلك، فيكون وصية على [ما قال] أبو حنيفة رحمه الله وقوله: لا تباع ولا توهب؛ لأنه نذر أن يتصدق بثمرتها وقوله: حبست الأصل: معناه: أمسكته [لتمضى] ما أوجبته وهذا كمن نذر أن يتصدق بثمرته، فإن الأصل محبوس حتى يفي نذره، وإن كان لم يتصرف في الأصل. وإذا بطل الوصف انتقض بالوصية بالغلة والسكنى؛ لأن ذلك يلزم بالوصية، ولا يلزم بالإيجاب في حال الحياة. 18188 - ولأن الوقف تصرف في منافع تستوفى من العين كالإجارة؛ فيدخل معه الوصية بالسكنى. 18189 - وأما العبارة الثانية فقولهم: إزالة ملك موضع الخلاف، إن أرادوا أنه قصد إزالة الملك، وعقد على ذلك، فهذا ليس بإزالة في الحقيقة. ثم عندنا الوقف بعد الموت ليس بإزالة ملك، بل يزول الملك بالموت وقف العين على حكم ملك الميت

ولهذا تقتضي منها ديونه إذا [حدثت] بأسباب متقدمة للموت. 18190 - وأصله العتق. والمعنى فيه: أنه إتلاف الملك، وإتلاف الملك يقع بمجرد القول، كالطلاق والبراءة من الديون. فأما الوقف: فليس إتلاف وإنما هو تبرع بالملك مع بقاء المملوك فلا يلزم بمجرد القول كالهبة. يبين ذلك أن أحكام الأملاك غير باقية بعد العتق، ولهذا لا يغصب ولا تؤثر شروط العتق فيه، ولا يصح نقله من جهة إلى جهة كما لا يصح نفي الطلاق. 18191 - وأما الوقف: فمعنى الأملاك لا يزول عنه بدلالة أن معير الوقف يضمنه متلفه بالقيمة، ويصح غصبه، وتؤثر شروط الوقف فيه، وينتقل عن شروطه من جهة، فيقول: وقفته على فلان مدة حياته ثم من بعده للفقراء ثم لوالده. 18192 - قالوا: إنما كان الوقف يلزم بعد الموت مع زوال ملك الواقف فلأن يلزمه في حال حياته مع بقاء ملكه أولى. 18193 - قلنا: يبطل بالوصية بالنفقة والسكنى؛ فإنها لازمة ولو أوجب هذا الخبر في حال حياته [لم يلزم].

18194 - فإن قيل: يلزمه في حال الحياة إذا قبضه وليس الكلام في كيفية اللزوم. 18195 - قلنا: وكذلك الوقف يلزم المقصود به في حال الحياة بإقباضه، وهو الثمرة والمنفعة. 18196 - قالوا: تحبيس أصل على وجه القربة ينتفع به مع بقاء عينه، فصح أن يلزمه بغير حكم الحاكم. أصله: بناء المسجد، وربنا قالوا: حبس الأصل وسبل المنفعة فوجب أن لا يقف صحته على حكم حاكم. 18197 - أصله: إذا جعل أرضه مسجدا. 18198 - قلنا: لا فرق بين المسجد والوقف عندنا؛ لان كل واحد منهما لا يزول الملك فيه بمجرد القول حتى ينضم إليه معنى، فيعتبر في المسجد الصلاة فيه بإذن المالك ونعتبرها هنا حكم الحاكم، أو إخراجه على وجه الوصية. واختلاف المعنى الذي ينضم إلى القول لا يمنع التساوي. كما أن الهبة والوصية كل واحد منهما لا يلزم بالقول حتى ينضم إلى معنى، وإن كان المعنى مختلفا فيعتبر في الهبة القبض، وفي الوصية الموت. 18199 - ولأن المسجد يثلف الملك فيه إذا تم، بدلالة أن الشرط الثاني لا يؤثر في حكمه؛ لأنه [لو] جعل المسجد لطائفة من الناس، ومن بعدهم لطائفة أخرى كان لجميع الناس، كما أن المعتق إذا شرط في العتق شرطا لم يؤثر شرطه، فلذلك زال الملك في كل واحد إلى غير مالك. 18200 - ولما كان الوقف حكم الملك فيه حال، ولهذا ينتقل شرطه من جهة إلى جهة لم يزل الملك إلى غير مالك بان الفرق بينهما أن المسجد يصح بقوله جعلته مسجدا، والوقف لا يصح بقوله حبسته ولا وقفته حتى يذكر السبيل وبيينها. وما مسجدا، والوقف لا يصح بقوله حبسته ولا وقفته حتى يذكر السبيل وبينها. وما

أوجبه في الوقف يصح مع بقاء الأصل على ملكه وهو الصدقة بالثمار والغلة. 18201 - ولا يصح أن يكون مسجد مع بقاء ملكه، ولو فعل ذلك لم يصح، فدل أن/ المسجد من قبل العتق وأن الوقف مخالف له. 18202 - قالوا: إزالة ملك عن الرقبة على وجه لا يتصرف فيها، فوجب أن لا تقف صحته ولزومه على حكم حاكم. أصله: العتق. 18203 - وربنا قالوا: إزالة ملك لا إلى مالك. 18204 - قلنا: هذا ينتقض بمن وقف على نفسه ثم على الفقراء، وكمن قال: جعلت داري صدقة موقوفة، إن حكم بذلك حاكم صح وزال الملك؛ لأنه مذهب أبي يوسف. وإن لم يحكم به لم يزل الملك عندنا وعندهم المعنى في العتق ما قدمنا. 18205 - قالوا: جهة من جهات الملك، فوجب أن لا يفتقر لزومها إلى حكم حاكم كصدقة التطوع. 18206 - قلنا: الوقف لا يتملك وإنما يزول ملك الموقوف لا إلى مالك، ويمتلك الرقبة والغلة ولزوم التملك في ذلك لا يفتقر إلى الحكم، وإنما يملك بالقبض، فأما صدقة التطوع فهي دليلنا؛ لأنها تبرع من غير إتلاف، فلم يلزم بمجرد القول كذلك الوقف يجب أن يكون مثله. 18207 - قالوا: أجزتم المسجد وأزلتم الملك إذا صلى فيه. ولم يصرح بلفظ التحبيس فيه وأبطلتم الوقف [وقد صرح بالتحبيس. قلنا: كما أجزتم العتق ولم يذكر فيه التأبيد وأبطلتهم الوقف] على نفسه ثم على الفقراء وإن صرح فيه بالتأبيد. 18208 - قالوا: إذا زال الملك في المسجد بفعل الصلاة فلم لا يزول بالقبض؟. 18209 - قلنا: لأن القابض في الوقف هو الولي، وهو قائم مقام الواقف فيده كيده، والمصلى في المسجد يفعل الصلاة لله تعالى، والملك في المسجد يزول لحقه؛ فصار كقبض وكيل المتصدق عليه.

مسألة 910 الملك في الموقوف

مسألة 910 الملك في الموقوف 18210 - قال أصحابنا: إذا صح الوقف زال الملك لا إلى مالك. 18211 - وقال الشافعي: يزول الملك في الصحيح من المذهب ومن قال لا يزول ملك الموقف فغلط، وإنما ذاك قول مالك. 18212 - واختلف قول الشافعي إلى من يزول الملك، فقال في هذا الكتاب: يزول إلى الله تعالى كالعتق. 18213 - وقال في الشهادات: يثبت الوقف [بشاهدين أو] بشاهد ويمين،

فمن أصحابه من قال: هذا يدل على أنه يملك الموقف عليه حتى يتبين قيمته، ومنهم من قال: هو لله، وثبت بالشاهد واليمين وعلى قول من يزعم أنه ينتقل الملك إلى الموقف عليه هل تجب الزكاة إذا وقف إبلا سائمة في وجهان: 18214 - أحدهما: تجب الزكاة إذا كان الوقف على صغير، والآخر: لا تجب لنقصان ملكه؛ لأنه لا يورث. 18215 - لنا: أنه سبب لا يملك به بيع عين بحال فلا يملك به [العين]. أصله: الوصية بالمنافع، ولأنه أحد نوعي الوقف فلا ينتقل الملك فيه إلى غير الله [تعالى] كالمسجد. 18216 - ولأن كل من لا ينتقل إليه ملك المسجد لا ينتقل إليه ما وقف عليه، كالمكاتب. 18217 - ولأنه لو انتقل إلى الموقف عليه لم يجز أن يتوقت ملكه كسائر

الأملاك. وفي علمنا أنه يصح أن يوقف عليه سنة ومن بعده على غيره دليل أن الملك لا ينتقل، ولو انتقل الملك لم ينتقل عن الموقف عليه بشرط المالك الأول، كسائر الأملاك. 18218 - احتجوا: بأنه سبب إذا طرأ على الملك لم يخرجه من حكم المالية فوجب أن تكون له مالك يملكه كالبيع وعكسه العتق، ولان كل ما ضمن بالقيمة كان له مالك كأم الولد. 18219 - قلنا: هذا يبطل بستارة الكعبة [وآلة المسجد]. ***

مسألة 911 ما يلزم به الوقف

مسألة 911 ما يلزم به الوقف 18220 - قال محمد: لا يلزم الوقف في حال الحياة إلا بالقبض، وهو قول ابن أبي ليلى. 18221 - وقال أبو يوسف: يلزم بمجرد القول، وبه قال الشافعي. لمحمد: أنه تبرع إتلاف فوقف لزومه على القبض كالهبة. 19222 - ولأنه تبرع بالثمرة على أن توجد في الثاني ولو تبرع بثمرة موجودة لم يلزمه من غير قبض، فالمعدوم أولى. 18223 - احتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم - احبس أصلها، وتصدق بغلتها. 18224 - قلنا: هذا يدل على الجواز، فأما اللزوم فلا، ولا يقال: إنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عما تصح به القربة. 18225 - لأن القربة تصح بالقول، ولم يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن لزومها. 18226 - قالوا: عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ولي صدقته إلى أن مات، وولي علي ابن أبي طالب صدقته إلى أن مات، وقالوا في وقفهم: لا تباع ولا تورث.

18227 - قلنا: هذه الوقوف كانت جائزة، وقولهم: لا تباع وتورث؛ لأنهم أوجبوها [على هذا الوجه] وقصدوا القربة؛ حتى لا تباع، والكلام أن هذا القصد يرجع عنه أم لا؟. 18228 - على أنه قد وي أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ولي صدقته حفصة. 18229 - قالوا: سبب يزيل الملك عن الرقبة، فإذا لم يكن المقصود بالتمليك لم يفتقر إلى القبض كالعتق. 18230 - قلنا: العتق إتلاف الرق، والإتلاف لا يتصور فيه القبض، والوقف إيجاب للحق في مملوك؛ فيجب أن يقف على القبض. 18231 - قالوا: عقد المقصود منه تمليك المنفعة، فلم يفتقر إلى القبض كالإجارة. 18232 - قلنا: قد يقصد بالوقف تمليك الأعيان وقد يقصد به المنافع، فهذا التخصيص لا معنى له، ثم الإجارة موضوعة للمعاوضة؛ فلزومها لا يقف على القبض، والوقف تبرع في الحياة من غير إتلاف؛ فلذلك جاز أن يقف على القبض. 18233 - قالوا: القبول آكد من القبض؛ لأنه شرط في جميع العقود، فإذا لم يعتبر القبول في الوقف فالقبض أولى. 18234 - قلنا: القبض في التبرع أقوى بدلالة أن اللزوم يقع به، ولا يقع بالقبول. 18235 - قالوا: لو افتقر الوقف إلى القبض وقف على قبض الموقوف عليه كالهبة. 18236 - قلنا: يبطل بالرهن، فإنه يقف على القبض ولا يفتقر فيه إلى قبض المرتهن.

مسألة 912 ما يجرى فيه الوقف

مسألة 912 ما يجرى فيه الوقف 18237 - قال أبو حنيفة: لا يلزم وقف المنقولات وإن أخرجه مخرج الوصايا، هكذا قال شيوخنا ولم يتعرضوا للزوم وقفها بالحكم. 18238 - وقال الشافعي: ما يبقى. أصله: إذا أمكن الانتفاع به مع بقاء عينه وجاز بيعه جاز وقفه. 18239 - وهل يجوز وقف الدراهم؟. فيه وجهان مرتبان على إجارتها. لنا حديث ابن عباس - رضي الله عنه - قال لما: نزلت سورة النساء قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا حبس عن فرائض الله). 18240 - ولأنه مما ينقل ويحول أو لا يبقى على وجه الدهر، فلم يصح وقفه كالطبيب.

18241 - ولان كل ما لو أوقفه على مكاتب لم يلزم فإذا أوقفه على حر لم يلزمه كالطعام. ولأنه صدقة لا تلزمه في الطعام فلا تلزم في الثياب. 18242 - أصله: إذا قال: تصدقت على [بني] فلان ولم يبق الوقف. ولا يلزم إذا حكم الحاكم؛ لأنا لا نعرف المذهب فيه. 18243 - فإن قلنا: يلزم في المنقولات. 18244 - قلنا: بمثله في الطعام إذا حكم بوقفه على مذهب مالك. 18245 - ولأن ما لا يبقى على وجه الدهر وقفه مؤقت بمدة بقائه ولو صرح بالتوقيت في الوقف لم يصح كذلك إذا وقت قطعا.

18246 - احتجوا: بما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث عمر - رضي الله عنه - على الصدقات، فشكا من خالد وابن جميل والعباس. 18247 - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أما خالد فقد ظلمتموه؛ فإنه حبس [أدراعه] وأعتده في سبيل الله) وروي وأعبده. 18248 - الجواب: أنه حبسها بمعنى جعلها للاستعمال في سبيل الله، ولم يعدها للتجارة فلم تجب عليه زكاة، ألا ترى أنه أضافها إليه، وهذا يدل أنها على ملكه؟ ولو كان الوقف لزم فيها لم تكن على ملكه. 18249 - قالوا: روى: أن أم معقل أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: [يا رسول الله] إن أبا معقل جعل بعيرا له في سبيل الله، وإني أريد الحج، أفأركبه؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: (أركبيه؛ فإن الحج في سبيل الله).

18250 - قلنا: هذا يدل على أنه أعده للقربة، فأما زوال مالكه فليس في الخبر. يبين ذلك: أنه جعل ناقته يحج عليها وغيره أقروا عليها. فقالت له: لو أعطيتني البعير، فقال: (أما علمت أني جعلته في سبيل الله) فقالت: (إن الحج في سبيل الله) وسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (لو أعطيتها لكانت وكنت في سبيل الله) فأضاف البعير إليه، وأوقف النبي - صلى الله عليه وسلم - الانتفاع به على إذنه، وهذا يدل على أنه على ملكه. وقال: لو أعطيتها لكانت وكنت في سبيل الله. 18251 - وهذا يدل على استحقاقه الثواب بإعطائها في غير ما جعله، وهذا لا يكون إلا والبعير على ملكه. 18252 - قالوا: عين تبقى ينتفع بها مع بقاء عينها، فإذا جاز بيعها جاز وقفها، كالعقار والشجر. 18253 - قلنا: المعنى في العقار أنه يبقى على وجه الدهر فلم يتوقف وقفه، وليس كذلك المنقولات فإنها يتوقف وقفها، وأما الشجر: فإنه يدخل في الوقف تابع للأرض، وقد يتبع في العقود ما لا يجوز العقد عليه. 18254 - قالوا: روي عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما أنهما قالا: لا حبس إلا في

كراع أو سلاح. 18255 - قلنا: هذا دلالة عليكم أنه لا يجوز فيما سوى ذلك من المنقولات. فأما على قولنا؛ فيدل/ على جواز الحبس. والكلام في زوال الملك وفائدة التخصيص أن الثواب في هذا الوجه أعظم وأرفع من غيره لما فيه من مجاهدة العدو وإعزاز الدين. ***

مسألة 913 وقف المشاع

مسألة 913 وقف المشاع 18256 - قال محمد: لا يصح وقف المشاع وبه قال الشافعي. 18257 - وقال أبو يوسف: يصح. 18258 - لمحمد: أنه [نوع وقف فأثرت الإشاعة فيه كبناء المسجد، ولأنه وقف جزءا غير معين، فلم يلزم كما لو] وقف على مكاتب، ولأن كل ما لو وقفه على مكاتب لم يلزم فإذا وقفه على حر لم يلزم كالطعام، ولأن الوقف إذا لزم انتفى عنه التمليك، فلو جاز في المشاع لثبت في حق التمليك متعلق به، لان الشريك يلتمس القسمة، وفيها معنى التمليك فلم يجز لزومه مع مفارقة ما ينافيه. 18259 - احتجوا: بما روي أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ملك مائة [سهم] بخيبر فقال - صلى الله عليه وسلم - (احبس أصلها). 18260 - والجواب: أنه قد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قسم خيبر بين أصحابه: (فقوله

مائة سهم إنما أراد به ما أصابه بالقسمة لمائة سهم ولما ثبت ما قالوه دل على جواز الوقف، والكلام في لزومه وقد بينا أنه ليس في الخبر ما يدل على اللزوم. 18261 - قالوا: لو وقف الشريكان جاز أن يصير قف كل واحد منهما مشاعا. 18262 - قلنا: هناك لا يقارن الوقف حق التملك؛ لأن القسمة لا تثبت، ومتى وقف أحدهما فإن الوقف حق القسمة وذلك ينافي الوقف. ***

مسألة 914 اختصاص الواقف بالوقف أو دخوله مع آخرين

مسألة 914 اختصاص الواقف بالوقف أو دخوله مع آخرين 18263 - قال أبو يوسف: إذا وقف على نفسه ثم على جهات من بعده جاز. 18264 - وقال محمد: لا يجوز. 18265 - وبه قال الشافعي:. 18266 - [و] لأبي يوسف ما روي أن عمر شرط في وقفه أو لا جناح على [من] وليه أن يأكل منه غير متمول وقد كان وليها بنفسه، ولأنه أحد نوعي الوقف، فصح أن يكون الواقف أحد الموقوف عليهم كالمقبرة أو المسجد. 18267 - ولا يقال: هناك قد أباح الانتفاع به فيستحق بحكم الإباحة لا بالشرط؛ وذلك لأن هناك لم يخص الانتفاع لمن يدخل في جملتهم كما يستحق غيره من غير تعيين وهنا قد عين، وكما لا يستحق غيره إلا بالشرط والتعيين كذلك هو أيضا. 18268 - ولأنه وقف على معين فصار كما لو وقف على ولده؛ لأنه شرط الإنفاق منه على من لا معصية عليه في الإنفاق عليه، كما لو شرط أن ينفق على غيره. 18269 - احتجوا: بأنها جهة يملك بها فوجب أن لا يملك بها نفسه، كالبيع والهبة. 18270 - والجواب: أنه لا يملك نفسه بالوقف، ولكنه تصدق بها؛ فليس بدل الانتفاع من جملة ما تصدق به، فكأنه تصدق بما سوى ما شرط لنفسه.

مسألة 915 الملك في الوقف بعد خرابه

مسألة 915 الملك في الوقف بعد خرابه 18271 - قال محمد: إذا خرب جوار المسجد واستغنى عنه عدا إلى ملك جعله مسجدا. 18272 - وقال أبو يوسف: لا يرجع ملكا أبدا. 18273 - وبه قال الشافعي. 18274 - لمحمد أنه إزالة ملك في حال الحياة لم يبن على التغليب، فجاز أن يعود إلى ملكه كالهبة والصدقة، ولأنه استغنى عن الصلاة فيه فصار كما لو بنى مسجدا وأذن للناس في الصلاة فيه ولم يوجبه بقوله. 18275 - ولأن الملك زال فيه لجهة قربة، فإذا استغنى عنه عاد إلى ما كان قبلها كالميت إذا أخذه السيل أو أكله السبع عاد الكفن إلى ملك من كفنه.

18276 - احتجوا: بأنه إزالة ملك على وجه القربة، فوجب أن لا يعود إلى ملكه لا قال كما لو أعتق عبدا. 18277 - فالجواب: أن العبد بالعتق يعود إلى حرية الأصل [فمن جاز أن يسترق ابتداء] جاز أن يسترق بعد عتقه؛ لأن العبد النصراني إذا أعتق فنقض العهد [و] لحق [بدار الحرب] جاز أن يسترق فيملك، وكذلك الأمة المسلمة إذا ارتدت. 18278 - فأما العبد المسلم إذا أعتق وارتد لم يقر على كفره؛ فهو كالكافر الأصلي الذي لا يقر على كفره ولا يسترق، كذلك المسجد إذا استغنى عنه عاد إلى أصل الأرض، فيجوز أن يملك. 18275 - قالوا: المسجد إذا خرب ما حواليه جاز أن يعود إلى العمارة، ويصلى فيه مارة الطريق فلا يبطل بالقربة فيه. 18280 - قلنا: جواز عود العمارة [لا] يعتبر، كما لا يعتبر جواز أن يوجد الميت في عود الكفن إلى ملك من كفنه. وأما صلاة من يجتاز بالموضع فالموضع الخراب لا تختص الصلاة فيه ببقعة المسجد، بل تجوز في جميعه وإنما تتخصص الصلاة في المسجد في المواضع المملوكة.

مسألة 916 دخول أولاد البنات في الوقف على ولد الوالد أو الذرية

مسألة 916 دخول أولاد البنات في الوقف على ولد الوالد أو الذرية 18281 - قال أبو يوسف: إذا وقف على ولده وولد ولده، أو على ذريته؛ دخل فيه ولد البنين وولد البنات. قال: وهو قياس قول أبي حنيفة وإحدى الروايتين. 18282 - وبه قال الشافعي. 18283 - وقال محمد في السير الكبير: إذا أخذ الأمان لولده وولد ولده لم يدخل فيه ولد البنات،

وهو اختيار عيس بن أبان حكاه الطحاوي عن مالك. 18284 - فإن اخترنا قول محمد؛ فالوجه يف ولد الإنسان في الإطلاق من ينسب إليه، وولد البنات ينسبون إلى آبائهم، ولأن الولد إنما ينسب إلى الرجل؛ لأنه ولد له، وولد البنت ولدوا لآبائهم وأنشدوا فيه: بنونا بنو أبنائنا وبناتنا .... بنوهن أبناء الرجال الأباعد 18285 - ولهذا لا يقال لولد الزبير أنهم من ولد بني هاشم، وكذلك لا يقال

لولد عثمان أنهم من بني هاشم، وإن كانت أمهاتهم هاشميات، ومن حكم الأسماء أن تحمل على إطلاقها. 18286 - فإن قيل: قال الله تعالى {ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى ..) فلا يمنع أحد أن يقول عيسى من ولد آدم. 18287 - قلنا: لما لم يكن [لعيسى انتساب لأب بأن اختص نسبا بأمه] فتناوله اللفظ بهذه القرينة، والكلام في الإطلاق، وكذلك احتجاجهم بقول الناس: 18288 - الحسن والحسين

[ابنا فاطمة] ابنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الحسن ابني) لا دلالة فيه؛ لأنه روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (عصب كل إنسان من عصبي من فاطمة) فلما خص - صلى الله عليه وسلم - بالتعصيب من ولد الابنة خصوا بالنسبة إليه. 18289 - وقولهم: إضافة الولد إلى والده [وولد البنت ولد ولده] كولد الابن لا يصح [لشيء] هو أولى من جميع ما ذكروه، وهو قوله تعالى {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين} وورثهم من هذا ولد الصلب وولد البنين فلم يشركهم ولد البنات، ولولا أن إطلاقه الاسم لا يتناول ولد البنات لشاركوا ولد البنين، وإن الآية أريد بها: ولد الولد بالإجماع. * * *

كتاب الهبة

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب الهبة

مسألة 917 حكم ما لو وهب عينا فقبل وقبضا في المجلس ولم يأذن له في القبض

مسألة 917 حكم ما لو وهب عينا فقبل وقبضا في المجلس ولم يأذن له في القبض 18290 - قال أصحابنا: إذا وهب له عينا فقبل، وقبضا في المجلس ولم يأذن له في القبض ملكها.

18291 - وقال الشافعي: لا يملكها حتى يأذن له في القبض. 18292 - وقالوا: إذا وهب له ما هو وديعة في يده، [فلابد له من الإذن] في القبض. ومنهم من قال: فيها قولان. 18293 - لنا: أن إيجاب العقد إذن فيما يقع الملك به كالقبول في البيع. 18294 - [ولأن القبض معنى يقع به الملك، فلم يفتقر بعد إيجاب العقد إلى تجديد إذن فيه كالقبول]، ولأنه قبض في المجلس من غير منع فصار كما لو أذن له في القبض. 18295 - قالوا: قبض من الموهوب له بغير إذن الواهب فلم يصح، كما لو قبضه بعد القيام من المجلس. 18296 - قلنا: ما يقع به الملك يخالف حاله بعد المجلس حاله في المجلس بدلالة

القبول. 18297 - فإن قيل: القبول لا يصح بعد المجلس، والقبض يصح في المجلس وبعده. 18298 - قلنا: حكمه بعد المجلس مفارق لحكمه في المجلس كمفارقة القبول. 18299 - ولأن الافتراق لما حصل بعد الإيجاب أثر ذلك في الإيجاب، فلما يصح تملكه بحكم الأول، فإذا أذن له في القبض فكأنه جدد الإيجاب، وإذا لم يأذن له لم يصح التملك بحكم إيجاب قد ضعف، ومع بقاء المجلس لا يحتاج إلى الإذن في التمليك كما لا يحتاج في القبول. * * *

مسألة 918 حكم هبة المشاع الذي ينقسم

مسألة 918 حكم هبة المشاع الذي ينقسم 18300 - قال أصحابنا: هبة المشاع فيما يحتمل القسمة لا يملك بها حتى تقسم ويقبض. 18301 - وقال الشافعي: الهبة جائزة، فإن كان الشريك غير الواهب قيل للشريك: ترضى أن يقسم الموهوب له الجميع نصفه، ونصفه وديعة؟ فإن رضي بذلك سلم إليه الكل، وإن لم يرض قيل للموهوب له: ترضى أن توكل الشريك ليأخذه كله ونصفه له؟ فإن رضي وإلا نصب القاضي من يقبض الكل نصفه هبة، ونصفه قبض أمانة للشريك. 18302 - لنا: ما روى مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة أن أبا

بكر نحلها جداد عشرين وسقا. 18303 - من ماله بالغابة فلما مرض قال: يا بنية ما أحد إلي غنا بك ولا أعز علي فقدا منك، وقد كنت نحلتك جداد عشرين وسقا، وودت أنك حزتيه وقبضتيه، وهو اليوم مال الوارث [أخواك وأختاك]. 18304 - وذكر الطحاوي هذا الخبر عن ابن وهب عن مالك وفيه: فلو كنت حزتيه، جددتيه واحتزارتيه كان لك، وإنما هو اليوم مال الوارث. 18305 - فاعتبر الحيازة والقبض، وليس يعتبر في الهبة مع حيازة إلا القسمة.

18306 - وقال في اللفظ الثاني: جددتيه فاعتبر الجد ليزول اتصاله بملك الواهب والإبضاع موجود في المشاع، وهذه وصية أبي بكر ظاهرة بين الصحابة لم يخالف فيها أحد. 18307 - فإن قيل: هبة أبي بكر للمشاع تدل على الجواز. 18308 - قلنا: ألعقد عندنا جائز وإذا قسم قبل حكم ذلك العقد لزم وليس الخلاف في جواز العقد، وإنما الخلاف في وقوع الملك. 18309 - وروي عن عمر أنه قال: ما بال أقوام ينحلون أولادهم نحلا لا يحوزونها ولا يقسمونها فيقول أحدهما: إن مت فهو له، وإن مات رجع إلي، وأيم الله لا ينحل أحدكم ولده نحلا لا يحوزها، ولا يقسمها إلا جعلناها ميراثا عنه. 18310 - وقال معمر: سألت الزهري عن رجل وهب لابنه مائة دينار،

والابن شريك معه في ذلك المال فقال: لا يجوز ما لم يحز قضى بذلك أبو بكر وعمر. 18311 - ولا يجوز حمل الحيازة على القبض؛ لأن الحيازة إذا ذكرت في المشترى وهب القسمة، ولأنه وهب لا يتميز من غيره فيما يتميز، فوجب أن لا يصح، كما لو وهب أحد عبدين على أن يأخذ الموهوب له أيهما شاء. 18312 - ولأنه وهب غير محوز فيما تتأتى حيازته، فلا يصح هبته كاللبن في الضرع، والصوف على ظهر الشاة. 18313 - فإن قيل: المعنى في اللبن أنه ليس بمرئ بطل بالصوف، وأن المعنى في اللبن أنه يجوز بيعه فجازت هبته. 18314 - قلنا: بموجبه أن الهبة عندنا جائزة، وإن قالوا: يلزمه بيعه فيلزم هبته لم يصح. 18315 - لأن الهبة لا تلزم بما يلزم به البيع ألا ترى أن البيع يلزم بالعقد، والهبة لا تلزم به. 18316 - ولأنه نوع تبرع بالمال حال إظهاره من غير إتلاف، فجاز أن تؤثر فيه الإشاعة كالمسجد. 18317 - ولأن الهبة لو صحت في المشاع للعمل بالقسمة أوجبت على الواهب ضمان المقاسمة، والهبة لا توجب الضمان على الواهب بدلالة أنها لو استحقت

فضمن الموهوب له لم يرجع ولهذا لا تلزم الهبة بالعقد. 18318 - ولأنها لو لزمت أوجبت ضمان التسليم، وعكس هذا البيع لما أوجب ضمان التسليم صح في المشاع، وجاز أن يوجب ضمان القسمة، يبين ذلك أن العقد قد يوجب ضمان [القسمة، وهو بيع المشاع الذي لا يحتمل القسمة، والهبة التي لا توجب ضمان] التسليم أولى أن لا توجب ضمان القسمة. 18319 - فإن قيل: هذا المشاع فيما لا يحتمل القسمة [يجوز عندكم]، ويجب فيها المهايأة، فإذا جاز أن توجب الهبة ضمان المهايأة جاز أن توجب ضمان القسمة. 18320 - قلنا: المهايأة قسمة المنافع، والمنافع ما ملكت بالهبة، وإنما ملكت بملك الأصل، فلم تكن الهبة موجبة للضمان فيما وهب. 18321 - أما الهبة فيما يقسم فالمملوك بها العين، والضمان يجب بقسمة العين فثبت الضمان في العين التي حصل فيها الشيوع. 18322 - فإن قيل: ضمان القسمة لا يجب بالهبة، وإنما يجب بملك الموهوب. 18323 - قلنا: [ملك الموهوب] يحصل بالتسليم، وهو متبرع بالتسليم، فلم يجز أن يلزمه ضمان فيما تبرع به لأجل تبرعه. 18324 - ولا يلزم إذا استردت العين الموهوبة بعد تقبيضها؛ لأنه لا يضمن

لأجل تبرعه لكنه يضمن على ملك الموهوب، وذلك لا يتعلق بتبرعه. 18325 - ولا يلزم على هذه الصفة الوصية بالمشاع، لأنها لا توجب الضمان على الموصي، وإنما توجب ضمان القسمة على الوارث كما توجب عليه ضمان التسليم. 18326 - فإن قيل: هذه العلة لا توجد في هبة المشاع من الشريك. 18327 - قلنا: لا تجوز الهبة هناك لعلة أخرى، وقد يتفق الحكم مع اختلاف العلل. 18328 - احتجوا: بما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترى سراويلا فقال للوازن: زن وأرجح. فالرجحان هبة مجردة عن الثمن وهو مشاع. 18329 - والجواب: أنه إنما أمر بالرجحان الذي يتيقن معه الإيفاء، وليس ذلك بهبة؛ ولأن الرجحان إذا كان مما لا يدخل بين الموازين فهو زيادة في الثمن عندنا وليس بهبة، والزيادة لا تؤثر فيها الإشاعة. 18330 - فإن قيل: هذا يوجب جهالة الثمن. 18331 - قلنا: الحق حاله لا يؤثر في الثمن المعين، 18332 - قالوا: روي عن عمير بن سلمة الضميري أنه قال: بينما نسير مع

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالروحاء إذا حمار وحشي فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعوه فإنه يوشك صاحبه أن يأتيه فجاءه رجل من بهز. فقال: هذه رمتي هي لكم. 18333 - وروي أنه قال: شأنكم بها فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر فقسمه بين الرفاق، وهذه هبة مشاعة. 18334 - والجواب: أنه يحتمل [أن يكون] الحمار لم يمت عند الهبة فيكون هبة مشاع فيما لا يحتمل القسمة، و [يجوز] عندنا أن الهزي قال: هي لك يا رسول الله، فهذه هبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - والنبي وهبها [وأمر أبا بكر فقسمها فجازت بتسليم الأقسام إليها من غير مشاع. 18835 - ولأن عندنا هبة المشاع جائزة، والملك فيها موقوف على القسمة، وجواز الإشاعة]، وقد قسمه أبو بكر فزالت الإشاعة، ووقع الملك من غير مشاع. 18336 - ولأن العادة من تسليم المأكول أنه إباحة، فقوله: هي لكم أكلها إباحة والإباحة لا تؤثر فيها الإشاعة. 18337 - [قالوا: كيف] يجوز أن يقسم المباح؟. 18338 - قلنا: إنما لا يجوز قسمة التمليك فإذا أفرد ولكل فريق ترضى بأكله

فذلك غير ممتنع، ويأكل كل منهم ما أفرد له على حكم المبيح، وإنما الممتنع عليه قسمة التمليك. 18339 - قالوا: روي أن رجلا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بكبة من شعر فقال: إني أخذت هذه من الغنم لأخيط بها برذعتي فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أما نصيبي، ونصيب بني هاشم فهو لك، وشأنك في الباقي) وهذه هبة مشاع. 18340 - قلنا: الغنائم لا تملك عندنا قبل القسمة، وقوله: نصيبي لك إسقاط للحق وذلك يجوز في المشاع. 18341 - قالوا: كل عقد صح فيما لا يقسم، صح فيما يقسم كالبيع. 18342 - قلنا: المعنى في البيع أنه يجوز أن يوجب ضمان التسليم فجاز، أن يوجب الضمان بالقسمة، والهبة إنما توجب ضمان التسليم، فلم يجز أن تقع على وجه يوجب الضمان بالقسمة. 18343 - قالوا: ما جاز بيعه جازت هبته كالمقسوم [ولا يقف].

18344 - قلنا: المقسوم لا يقف قبضه على قبض ما لم يوهب، فصحت هبته، [والمشاع لا يمكن قبضه] إلا بقبض ما لم يوهب على وجه يمكن إزالته، فلم تصح هبته كهبة اللبن في الضرع، وهبة عبد من عبدين. 18345 - قالوا: كل عين [جازت هبتها جاز] هبة بعضها أصله: ما لم يقسم. 18346 - قلنا: نقول بموجبه؛ لأن عندنا يجوز هبة بعضها فجاز ذلك للحاجة، وما يقسم يمكن إزالة المشاع فيه بالقسمة ثم يسلمه تسليما صحيحا، فلذلك لن تصح معه الإشاعة. 18347 - فإن قيل: القبض يصح في المشاع كما يصح في المقسوم بدلالة قبض المبيع. 18348 - قلنا: البيع يقع الملك بالعقد، والقبض يحتاج إليه [لنقل الضمان فيصح في المشاع والمقسوم وأما الهبة فبعضها تحتاج إليه] لصحة الملك فيقف على القبض، والحيازة فيما يمكن حيازته بدلالة أن من اشترى طعاما مكايلة لم يجز بيعه، وإن قبضه حتى يكتاله فيحصل مع القبض حيازة. 18349 - فإن قيل: لو أثرت الإشاعة في قبض الهبة استوى ما يقسم وما لا يقسم كالرهن.

18350 - قلنا: قد بينا أن الحاجة داعية إلى هبة المشاع فيما لا يقسم، ولا يمكن إزالته، ولا ضرورة في الرهن؛ لأنه يقدر أن يستعير ملك شريكه [ويرهن الجميع فالأصل هبة مالك الشريك] فلذلك افترقا. 18351 - قالوا: لو وهب اثنان من واحد [فجاز كل واحد] وهبه مشاعا. 18352 - قلنا: إن نفرق القبض لم يجز، وإن قبض النصيبين معا فقد حصل قبضه، منفعة المشاع فالمنفعة عندنا زوال الإشاعة في القبض، وإن عدمت في العقد ولو وهب نصف دار ثم وهب النصف الآخر ثم أقبضه جاز لزوال الإشاعة عن القبض وإن وجدت في العقد. * * *

مسألة 919 حكم الرقبى

مسألة 919 حكم الرقبى 18353 - قال أبو حنيفة ومحمد: الرقبى باطلة. 18354 - وقال أبو يوسف: جائزة. 18355 - وبه قال الشافعي. 18356 - وهذه المسألة إذا فسرت سقط الخلاف، فعندنا معنى الرقبى أن يقول: إن مت قبلي فهي لي، وإن مت قبلك فهي لك. 18357 - وقال الشافعي: الرقبى أن يقول: داري هذه لك رقبى معناه: يرقب كل منا صاحبه، فإن مت [قبلي عادت إلي وإن مت قبلك فهي لك]، فسقط الشرط، وتصح الهبة في قوله الجديد. 18358 - [وهي فاسدة في قوله القديم] وهذا الذي فسره عندنا جائز،

وإنما تمنع ما فسرناه وهو لا يجوز. 18359 - والدليل على ما قلنا: هو إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أجاز العمرى وأبطل الرقبى. 18360 - ولأن الملك تعلق بحضور الأملاك في حال الحياة، ولا يجوز تعليقها بالأخطار. 18361 - ولأنه أرقبه عينا فلم يملكها أصلا إذا قال: أرقبتك ما في هذا البيت. 18362 - ولأنه نوع عقد يجوز للأب الرجوع فيه بعد القبض، ولا يملك به غير العارية. 18363 - قالوا: روى جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (العمرى جائزة لأهلها [والرقبى جائزة لأهلها]) وروى عطاء عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا ترقبوا ولا تعمروا، فمن أرقب شيئا أو أعمره فهو لورثته).

18364 - قلنا: إن هذا محمول على الرقبى التي أرقب فيها الفسخ وذلك جائز عندنا، وإنما يمنع بما يرقب فيه الملك. 18365 - فإن قيل: فلم فصل النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الاسمين. 18366 - قلنا: يجوز أن يكون ذكر في حالتين فروى فجمع الراوي بينهما أو يكون القوم يعبرون عن العقد تارة بالرقبى فبين [النبي - صلى الله عليه وسلم -] حكم اللفظين، ففي الكلام الاسم اعتبرناه في أولى، لأنا وجدنا الأسماء تختلف في العقود لاختلاف معناها، فلما فرقوا بين اسم العمرى والرقبى دل على أن الاختلاف يعود إلى افتراق معنى وهو يصح على قولنا. * * *

مسألة 920 هبة الأب لابنه وحكم الرجوع فيها

مسألة 920 هبة الأب لابنه وحكم الرجوع فيها 18367 - قال أصحابنا: إذا وهب الأب لابنه لم يصح له الرجوع، وكذلك كل ذي رحم محرم. 18368 - وقال الشافعي: يجوز للأب الرجوع فيما وهب لولده، وكذلك الجد، وكذلك الأم والجدات. 18369 - لنا: ما روى حماد بن سلمة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع فيها).

18370 - ولأنه ذو رحم محرم من النسب، فلا يرجع فيما وهب له كالابن إذا وهب لأبيه. 18371 - ولا يلزم إذا وهب لأخيه وهو أجنبي؛ لأن الأصل والفرع يستويان وإن احترزت فعل فلا يرجع فيما ملكه عليه بالهبة كالابن فيما وهب لأبيه، ولأن كل شخصين إذا وهب أحدهما الآخر لم يجز له الرجوع فيها، فإذا وهب الآخر له لم يجز له أيضا كالآخرين. 18372 - ولا يلزم هبة العين للفقير؛ لأنه إذا وهب لا على وجه الصدقة جاز له الرجوع كما يجوز للفقير أن يرجع فيما وهب له. 18373 - ولأنه يعتق عليه إذا ملكه فلا يجوز له الرجوع فيما ملكه عليه بالهبة أصله: ما وهب الابن للأب. 18374 - احتجوا: بما روى عمرو بن شعيب عن طاووس عن عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (لا يحل لرجل أن يعطي عطية

أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي لولده). 18375 - الجواب: أن هذا الخبر تكلم عليه أصحاب الحديث وقالوا: رواه ابن جريج عن الحسين بن مسلم عن طاووس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا وهذا الطريق أحسن وأصح. 18376 - ولهذا قال الشافعي: لو اتصل حديث طاووس لقلت به. 18377 - قالوا: روى سالم عن ابن عمر قال: [سمعت عمر يقول:] من

وهب هبة فهو أحق بها، حتى يثاب منها بما يرضى. 18378 - ولو كان سمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلاف ما سمعه من أبيه لروى ما سمعه ولا يرجع إليه، ولو ثبت لم يكن فيه دليل. 18379 - لأنه يقتضي تحريم الرجوع في الموهوب إلا على الأب، وكان يقول: لأن الأجنبي [لا يحل له] الرجوع حتى يوافقه الموهوب له على الفسخ، أو يحكم بذلك حاكم إلا الأب فإنه يجوز أن يرجع فيأخذ ما وهبه بغير حكم، ولا رضا للنفقة على نفسه عند الحاجة. 18380 - فقد قلنا بالظاهر وأثبتنا الفرق بين الأب والأجنبي على ظاهر الخبر. 18381 - فإن قيل: ليس لتخصيص الأجنبي من مال كما وهبه الأب له معنى لا يجوز له الأخذ من كل ماله. 18382 - قلنا: فائدة التخصيص التفريق بين الأجنبي والأب فيما وهباه. 18383 - احتجوا: بما روي عن النعمان بن بشير قال: ذهب بي أبي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يا رسول الله إني نحلت ابني هذا غلاما فجئت لأشهدك عليه فقال: (أكل ولدل نحلت مثل هذا؟) قال: لا فقال: النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا).

18384 - وروى انه قال: (فاردده)، وروي: (فأرجعه)، وروي: (هذا جوز فأشهد عليه غيري). 18385 - وهذا يدل على أن للوالد أن يرجع فيما وهب؛ لأنه قال: (اردده) أو قال: (أرجعه). 18386 - والجواب: أن هذا الخبر اختلف في متنه فروى الشعبي عن النعمان ابن بشير بقوله: أعطاني أبي عطية فقالت أمي عمرة بنت رواحة لا أرضى حتى تشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني أعطيت ابني من عمرة عطية وأني أشهدك. فقال: (أكل ولد أعطيت مثل هذا) قال: لا. قال: (فاتق الله، واعدلوا بين أولادكم). 18387 - وليس في هذا ذكر الرد، ولا الرجوع فتعارضت الألفاظ في رواية النعمان بن بشير، وروى أبو الزبير عن جابر: قال: قالت امرأة بشير لبشير: انحل ابني غلامك وأشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول إن ابنه فلان سألتني أن أنحل ابنها غلامي وقالت لي: أشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (أله

أخوة؟) قال: نعم قال: (أكلهم أعطيته؟) قال: لا قال: (فإن هذا لا يصلح وإني لا أشهد إلا على حق). 18388 - وهذا يدل على أن مسألة بشير كانت قبل أن يفعل شيئاً، وهذا خلاف ما رواه النعمان، وحديث جابر أولى بالقبول لأنه كان حينئذ رجلاً، وكان النعمان صبياً صغيراً. 18389 - ولأن أمر ضبط جابر لما سمعه، ولا يظن مثل ذلك بالنعمان، فالرجوع إلى رواية جابر أولى. 18390 - وقد روي أن النعمان خطب بالكوفة، وذكر القصة إلى قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إني لا أشهد على جور) قال النعمان: فرجع أبي في وصيته، وهذا يدل على أنه كان على وجه الوصية، والرجوع عن الوصية جائز. 18391 - وقد أجاب أصحابنا عن هذا الخبر بأنه يحتمل أن يكون لم يقبضه؛ فلذلك يجوز له الرجوع. 18392 - قالوا: قوله فاردده يدل على القبض. 18393 - قلنا: يكون معناه: اردد العقد، وارجع عنه. 18394 - قالوا: النعمان كان صغيراً، لأنه أو من ولد بعد الهجرة من الأنصار ويكون الوالد قابضاً له عقب الهبة. 18395 - قلنا: قدي هب، ولا يصير قابضاً إذا كان العبد موهوباً أو مؤجراً، أو يجوز أن يقال أن بشيراً أراد أن يعرف الحكم، فوهب هبة لم يمضوا حتى

يعرف حكمها فلم يصر قابضاً لها عقب العقد؛ لأن الأب إذا قال: أنا أهب لابني الصغير هذا العبد، ولا أمضي الهبة حتى أنجز لم يصر قابضاً عقب العقد، حكمه حكم من وجب لأجنبي ثم قال له: سلم الهبة وديعة لي لم يصر قابضاً بذلك ولا يملك، وإذا احتمل الخبر هذا سقط التعلق به. 18396 - قالوا: اتفقنا على جواز الرجوع في الهبة فجوزتم ذلك للأجنبي. 18397 - ونحن قلنا: يجوز للأب فكان الأب أولى؛ لأن منزلة الاختصاص مع الولد ما ليس للأجنبي فإثبات الرجوع له أولى. 18398 - قلنا: الأب وصل رحم ابنه بهبته له، وفي عوده قطع للرحم، وليس في رجوع الأجنبي قطع الرحم، وهبة الابن حصل فيها الثواب الكامل، وذلك لا يوجد في هبة الأجنبي فلذلك اختلفا. 18399 - قالوا هبة لمن جعل ماله له فكان الرجوع فيها ما لم يتعلق بها حق الغير قياساً على العبد. 18400 - قلنا: الوصف غير مسلم؛ لأن العبد لا مال له، وإنما المال للمولى فكيف يقال جعل ماله له، ومال الابن لم يجعل مال الأب، وإنما يثبت التصرف فيه عند الحاجة، فأما غير ذلك فلا، والمعنى في العبد أن الهبة لم تخرج من ملكه فصارت كهبة الأب قبل القبض. 18401 - [وأما هبة الابن فقد ملكها وحصل له صلة الرحم الكامل فصار كهبة الابن للأب].

19402 - قالوا: كلما يتشرط فيه الإحسان من حكم الهبة فإنه يجوز للأب أن يختص به في ولد قياساً على الإيجاب والقبول .. 18403 - قلنا: نقلب فنقول فحكم الأب مع ولده فيه حكم الأخ مع أخيه، أصله: الإيجاب والقبول؛ لأن قبوله قائم مقام قبول ابنه. 18404 - [ولو قيل الابن جاز فكذلك الأب ولا يجوز أن يقوم مقام ابنه] في الفسخ. 18405 - لأن الابن الصغير لو فسخ لم يصح، فكذلك الأب إذا قام مقامه، وإن كان الابن كبيراً، ولا ولاية عليه فلا يقوم فسخه مقام فسخ الابن. ***

مسألة 921 الهبة لأجنبي وحكم الرجوع فيها

مسألة 921 الهبة لأجنبي وحكم الرجوع فيها 2/ب 18406 - قال أصحابنا: إذا وهب/لأجنبي تعلق بها حق الرجوع. 18407 - وقال الشافعي: لا يجوز الرجوع فيها. 18408 - لنا: ما روى ابن وهب قال: أخبرني أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب حدثه عن أبيه عن جده عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (مثل الذي يسترد ما وهبه كمثل الكلب يقئ فيأكل منه). 18409 - فإذا استرد الواهب فليوقف، وليعرف بما استرد، ثم ليدفع إليه ما وهب ذكره أبو داود، وذكر الدارقطني عن عطاء، عن ابن عباس أن النبي

- صلى الله عليه وسلم - قال: (من وهب هبة فارتجع فيها فهو أحق بها، ما لم يثب منها ولكنه كالكلب يعود في قيئه). 18410 - ولم يطعن الدارقطني فيه. 18411 - وهذا يدل على جواز الرجوع، وعلى استقباحه وكراهته. 18412 - ز ولا يقال: هو محمول على هبة لم تقبض، لأن قوله: ثم ليدفع إليه ما وهب يدل على القبض، ولا يحمل على شرط العوض لأن هناك لا يكره الرجوع عند المنع من العوض. 18413 - وروى عمرو بن دينار [عن أبي هريرة] أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الواهب أحق بهبته ما لم يثب فيها) الأعمش عن إبراهيم عن

الأسود عن عمر قال: من وهب هبة لذي رحم جازت، ومن وهب هبة لغير ذي رحم فهو أحق بها ما لم يثب. 18414 - وروى عبد الرحمن بن أبزى عن علي بن أبي طالب قال: الواهب أحق بهبته ما لم يثب منه. 18415 - وروى ابن سعد عن أبي الدرداء قال: الواهب ثلاثة: رجل وهب من غير أن يستوهب، وفي كيل الصدقة فليس له أن يرجع في صدقته، ورجل استوهب فوهب له فله الثواب. 18416 - فإن قيل: من هبته ثواباً فليس له إلا ذلك، وله أن يرجع في هبته ما لم يثب، ورجل وهب فاشترط الثواب فهو دين على صاحبها في حياته وبعد موته.

18417 - وعن عبد الله بن عامر قال: كنت عند فضالة بن عبيد إذ جاء رجلان يختصمان في باز فقال أحدهما: وهبت له بازياً، [وأنا أرجوا أن يكفيني منه، وقال الآخر: وهب لي بازياً] وما سألته، وما تعوضت له فقال فضالة: أردد إلهي هبته فإنما يرجع في الهبات النساء وشرار الناس وهذه قضايا ظاهرة عن أئمة الصحابة رجع إليها أصحابنا وعملوا بها وخالفها الشافعي. 18418 - قالوا: قد روي عن عبد الله بن عباس [وابن عمر] رضي الله عنهما قالا: لا يحل لواهب أن يرجع في هبته إلا ما وهبه الوالد لولده. 18419 - قلنا: هذا [زعمتم أنهما روياه] عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم جعلتموه قولنا. 18420 - استدلالاً بأنهما إذا رداً خبراً قالا به، ومثل هذا لا يثبت به خلاف على هذه الروايات الظاهرة.

18521 - ولأنها هبة لأجنبي فتعلق بها حق الرجوع إذا تجردت عن العوض أصله: إذا قالك وهبت لك فقبض الموهوب في المجلس من غير تحديد إذن. 18222 - ولأنه تبرع يلحقه الفسخ، فجاز أن يرجع فيما يهب منه مع الأجانب أصله: الوصية والعارية. 18423 - فإن قيل: المعنى في الوصية، وفي العارية أنها لو كانت لذوي أرحامه رجع فيها، وكذلك إذا كانت لأجنبي، وفي الهبة بخلافه. 18424 - قلنا: امتناع الرجوع في ذي الرحم إنما هو حصول العوض الكامل في صلة الرحم، وليس إذا امتنع الرجوع مع العوض، امتنع مع عدمه كالهبة المشروط فيها العوض. 18425 - ولأنها هبة تجردت عن الثواب، فكان حق الرجوع متعلقاً بها أصله إذا شرط العوض وهبة المكاتب. 18426 - ولأنه عقد يقصد به التبرع، ولا يصح إلا بمعنى آخر ينضم إليه فوجب أن يكون الرجوع من أحكامه كالوصية. 18427 - ولا يلزم العتق لأنه يصح بالقول، وإن لم ينضم إليه معنى. 18428 - ولا يلزم القرض لأنه تبرع إلا أن المقصود منه العرض.

18429 - ولا يلزما الهبة لذوي الأرحام، لأن الرجوع من أحكام العقد إلا أنه يسقط بحصول العوض الذي هو الثواب الكامل. 18430 - احتجوا: بحديث ابن عباس وابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يحل لمسلم أن يعطي عطية، ولا بهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده، ومثل الذي يعطي العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب يأكل فإذا شبع قاء ثم عاد في قيئه. 18431 - والجواب: أنا قد تكلمنا على سند هذا الخبر في المسألة الأولى، ثم رواية عمرو بن شعيب، وقد أحال به مرة على طاووس، ومرة على أبيه وجده ولو ثبت اقتضى تحريم الرجوع بفعل الواهب، وعندنا لا يحل له إلا بإنضمام الحكم، أو إلى ضامن الموهوب إلا في حق الولد فيصح أن يرتجع إذا احتاج من غير رضا. 18432 - وجواب آخر: وهو أن قوله: لا يحل [قد يذكر ويراد الكراهية والإساءة والقبح، وقد يذكر ويراد به التحريم بدلالة قوله - صلى الله عليه وسلم -] لا يحل لرج يستعمل، وجاره طارئ، وإذا احتمل اللفظ الأمرين ثم شبهه [- صلى الله عليه وسلم -] يعود الكلب في قيئه. 18433 - وذلك لا يوجب التحريم وإنما [يوصف بالقبح]، فعلم أن اللفظ أراد به هبة وذم هذا الخلق دون التحريم، ولولا صحة الرجوع لكان لا يضعه؛ لأن المعدوم لا يصفه بقبح، وعند مخالفنا الرجوع لا يثبت فكيف يقبح.

18434 - قالوا: روى ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (العائد في هبته كالعائد في قيئه). 18435 - قلنا: قد روى طاووس عن ابن عباس [عن النبي - صلى الله عليه وسلم -] (العائد في هبته كالكلب [يقيء ثم يعود] في قيئه) وكذلك رواه عكرمة عن ابن عباس وأبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فدل بأن أصل الخبر هذا المفسر الذي روي عن طريق ابن عباس وغيره، والتشبيه برجوع الكلب يدل على قولنا: مستقبح مستنكر. 18436 - فاما التحريم فلا يوصف الكلب به؛ فلذلك لا يوصف له وهذا إلزام على أقوالهم؛ لأنهم ردوا العام رددنا الخاص المفسر. 18437 - وعندهم الرجوع إلى الخاص أولى؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - أثبت العود ووصفه بالعود في القيء فدل على ثبوت العود. 18438 - وكل من صحح العود حمل التشبيه على الكراهة. 18439 - احتجوا: بأنها هبة مقبوضة لمن ليس يولد له، واليمين منه، أولاً يقاد به فلا يجوز له الرجوع أصله إذا واهب أحد الزوجين للآخر وإذا وهب لأخيه أو عمه أو خاله. 18440 - قلنا: المعنى في الهبة من الأخ أو العم أن المقصود من الهبة بينهما صلة الرحم الكامل. وقد سلم هذا المقصود من تمام الهبة فهو كهبة الأجنبي؛ إذا أخذ الهبة عوضاً وليس كذلك الهبة من الأجنبي لأنها تقصد بها المكافأة في الغالب، فإذا لم يحصل المقصود هنا ثبت الرجوع كما لو شرط العوض يستحق بالعرف كما يستحق بالشرط. 18441 - ألا ترى أن من دفع إلى خياط ثوبه ليخيطه له استحق العوض وإن لم يسويه لأن العرف اقتضى أنه يخيط بالعوض فصار ذلك كالعوض المشروط. 18442 - والمعنى في هبة أحد الزوجين أن بينهما نسب يوجب التوارث من غير حجب، فصار كهبة الولد للوالد وتتعدى هذه الهبة إلى هبة الابن لأبيه.

18443 - قالوا: هبة لا يجوز الرجوع فيها إذا كانت زائدة. فلا يجوز الرجوع فيها قبل الزيادة أصله هبة الأخ. 18444 - قلنا: المعنى في الهبة للأخ قد بيناه، فأما إذا زادت الهبة، فلا يمكنه الرجوع فيما وهب إلا بالرجوع فيما لم يهب، وذلك ممتنع. 18445 - ألا ترى أنها لو خرجت من ملك الموهوب لم يجز الرجوع. لأنه يرجع في ملك لم يوجد، كذلك لا يرجع في هبة زائدة لأنه يرجع فيما لم يرجع قبل الإثابة كهبة القرابة. 18446 - [قلنا: إذا ثبت فيها نقد حصل له المقصود بالعقد؛ لأن العوض كهبة الأجانب حصول العوض وإن لم يثب فيها لم يحصل له العوض منها وحكم الأمرين مختلف بدلالة أنه شرط العوض، فسلم له ما شرط لم يرجع، ولم لم يسلم له رجع وقد بينا أن مكان العوض يثبت بالعرف كما يثبت بالشرط]. ***

مسألة 922 اقتضاء الهبة للثواب

مسألة 922 اقتضاء الهبة للثواب 18447 - قال أصحابنا: الهبة لا تقتضي الثواب. 18448 - وقال الشافعي في القديم: إذا وهب الأدنى للأعلى اقتضت الهبة الثواب. 18449 - [وقال في الجديد: لا تقتضي الهبة الثواب]، وقدر الثواب فيه. 18450 - ثلاثة أقوال: أحدها ما يرضى به، والآخر قيمته، والثالث: ما جرى به العرف، فإن امتنع فللواهب الرجوع. 18451 - لنا: حديث سمرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا كانتا لهبة لذي رحم محرم لم يرجع فيها ولم يفرق بين أن يثب عنها أولا يثب سواء كان الواهب 2/أفوقه أو دونه ولأن ما لا يقتضي عوضاً إذا كان كنظيره لم يقتض/إذا كان لمن فوقه كالوصية، وعكسه البيع ولأنها هبة مطلقة فلا تتضمن عوضاً [كما لو وهب لنظيرة ولأنه مطلق لا يفيد لفظ عوض فلا يتضمن عوضاً] كالعتق. 18452 - ولا يلزم القرض؛ لأنه لفظة يفيد العوض، ولأن العقد على مال إذا

اقتضى عوضاً غير مقدر، وجب ذكره في العقد كالبيع. 18453 - احتجوا: بقوله تعالى: {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها}. 18454 - قلنا: قد قيل: إن المراد بذلك رد السلام. 18455 - ولأن عندهم يجب العوض، والآية تقتضي التخيير بين العوضين والرد، وذلك لا يصح إلا على قول من يرى العوض مستحباً، وكذلك نقول. 18456 - احتجوا بما روي أن أعرابياً أهدى إلى النبي [- صلى الله عليه وسلم -] ناقة فأعطاه ثلثاً، فأبى ثم أعطاه ثلثاً، فأبى، ثم أعطاه ثلثاً فاستكمل تسعاً فقال الإعرابي قد رضيت فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لقد هممت أن لا أقبل هدية إلا من أنصاري، أو دوسي، أو ثقفي أو قرشي. 18457 - قلنا: هذا يدل على جواز العوض والكلام في وجوبه، وليس في الخبر ما يدل على الوجوب 18458 - قالوا: روي عن عمر أنه قال: من وهب لأجنبي هبة فله أن يرجع فيها ما لم يثب منها وعن على مثله، وعن فضالة بن عبيد أن رجلاً جاءه

فقال: إني وهبت من رجل بازياً فلم يكفني عليه، فقال: إن أثابك، وإلا فارجع وخذ باذيك. 18459 - قلنا: هذا يدل على انقطاع الرجوع بالعوض ولا يدل على وجوب العوض، ولأنهم لم يفضلوا بين هبة الإنسان لمن فوقه أو دونه. 18460 - ولأن فضالة قال في الحديث: إنما يرجع في الهبة النساء وشرار الأقوام، وعند مخالفنا إذا أوجب العوض فلم يسلم له ذلك بل يذم على الرجوع فالخبر خلاف قولهم. 18461 - قالوا: العادة أن الإنسان يهب لمن فوقه لطلب العوض، والمعتاد في العقود كالمشروط وإذا كانت العادة أنه [يهب ليعوض]، والعوض مجهول ثبت الرد عند عدم التراضي، فأما أن يجب العوض مع الجهالة فلا. 18462 - ولأن البدل إنما يجب إذا تعذر الفسخ، فأما إذا أمكن الرد لم يجز إيجاب عوض مجهول كالبيع الفاسد. ***

مسألة 923 حكم الهبة المشروطة بالعوض المجهول

مسألة 923 حكم الهبة المشروطة بالعوض المجهول 18463 - قال أصحابنا: إذا شرط في الهبة عوضاً جاز. 18464 - وقال الشافعي: [على القول الذي قال إن الهبة لا تقتضى عوضاً إن شرط عوضاً مجهولاً فسدت]، وإن شرط عوضاً معلوماً ففيه قولان: أحدهما:] جوز وتصير تبعاً، والآخر: لا يجوز. 18465 - لنا: ما روى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من وه بهبة فله الرجوع فيها ما لم يثب منها) وظاهر هذا يقتضي أنه إذا شرط الثواب فسلم له لم يثبت له الرجوع. 18466 - ولأنه عقد تملك به الأعيان فجاز شرط العوض فيه كالقرض ولأنه تبرع فلا يبطله شرط العوض كالعتق، ولا تلزم العارية؛ لأنها تبطل بشرط العوض [ولأنه عقد تملك به بإتمام القبض ولأن] العوض كالقرض. 18467 - احتجوا: بأنها هبة بشرط العوض، فلم تصح كما لو وهب مشاعاً. 18468 - قلنا: إذا وهب مشاعاً بعوض ثم قسم وسلم صح عندنا، وإن سلم قبل القسمة فلا لأنه وهب مالا يتميز عما لم يقف على وجه يمكن تمييزه وسلمه على ذلك. 18469 - قالوا: شرط العوض يخرج العقد عن موضوعه، فصار كالبيع إذا سقط فيه العوض. 18470 - قلنا: هذا غير مسلم؛ لأن الهبة قد يقصد بها التعويض، وقد يقصد بها الثواب، وقد يقصد بها المودة والمحبة فلم يخرج شرط العوض عن موضوع العقد،

وهذا كالعفو عن الدم؛ لأن الوارث تارة يعفو للثواب، وتارة يعفو للعوض، فلم يكن شرط العوض مخرجاً للعقد عن موضوعه، وبطل ما ذكروه بالعتق إن شرط العوض فيه لا يخرجه عن موضوعه؛ لأنه يجوز تعليقه بالشرط، فإذا ذكر المال فقد علق العتق بصفته. 18471 - قلنا: ألعتق يقع وتتأخر الصفة، ولو تعلق شرطه وقف على أداء المال فلما تعلق للعتق بالقبول، كما يتعلق بالملك في المعاوضة بالقبول دل على أنه ليس بمتعلق بصفة. ***

مسألة 924 الزيادة في الهبة وحكم الرجوع فيها

مسألة 924 الزيادة في الهبة وحكم الرجوع فيها 18472 - قال أصحابنا: إذا زادت الهبة في [يد ربها] سقط الرجوع فيها. 18473 - وقال الشافعي: لا يسقط. 18474 - ولأن ما منع الفسخ في المهر منع في الهبة كزوال الملك، ولأنه فسخ بموجب عقد فمنع أصله: الزيادة المتصلة كالمهر. 18476 - احتجوا: بأنها زيادة حادثة من الموهوب فلا تمنع الرجوع في الهبة أصله: إذا حدثت قبل القبض. 18477 - وقع عليها القبض المتصدر عن العقد فدخلت في حكم العقد، فجاز أن يقع عليها الفسخ، وإذا حدثت بعده فلم يقع عليها العقد، ولا القبض المتصدر عنه، فلم يدخل في العقد، فلم يجز أ، يقع عليها الفسخ كالولد. 18478 - قالوا: زيادة إذا حدثت قبل القبض لا تمنع الرجوع، فكذلك إذا حدثت بعده أصله الزيادة المنفصلة، يصح نقل الملك في الأصل دونها فامتناع الفسخ فيها لا

يمنع في الأصل، وليس كذلك المتصلة؛ لأنه لا يملك نقل الملك في الأصل دونها، والفسخ متعذر فيها. 18479 - لأن العقد لم يتناولها فمنع ذلك من الفسخ فيما لا ينفرد بنقل الملك عنها. 18480 - فإن ألزم على علة الأصل الزيادة المنفصلة في البيع. 18481 - قلنا: تعذر الفسخ فيها لا يمنع من الفسخ في الأصل، وإنما المانع أنها موجبة للعيد، فلم نسلم للمشتري مع فسخ العقد. ***

كتاب اللقطة

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب اللقطة

مسألة 925 حكم التقاط ضالة الإبل

مسألة 925 حكم التقاط ضالة الإبل 18482 - قال أصحابنا: ضالة الإبل يجوز لمن وجدها أخذها ليردها على صاحبها. 18483 - وقال الشافعي: إذا كان الحيوان في البرية فكل حيوان يمتنع من صغار السباع بقوته مثل الإبل والبقر والدواب والبغال والحمير، أو لسرعته وخفته كالظباء والغزلان والأرانب والطيور لم تكن لقطة، ولا يجوز أخذها على وجه اللقطة. 18484 - فإن أخذها ليحفظها وهو الإمام فلا ضمان عليه، فإن كان غير إمام ففيه وجهان فإن كان ذلك في البلدان والقرى. 18485 - قال المزني: قال الشافعي: فيما وضعه بخطه صغارها وكبارها لقطة.

18486 - ومن أصحابه من قال: البلاد والبرية سواء وليس بلقطة. 18487 - لنا: قوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا يزال الله في عون المرء ما دام في عيون أخيه ومن أخذ ضالة فخاف عليها ليحفظها على ربها فهو في عونه). 18488 - ويدل عليه: ما روى حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي العالية، عن عياض بن حماد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الضالة فقال: (عرفها فإن وجدت صاحبها وإلا فهي مال الله). 18489 - وهذا يدل على جواز أخذ الضالة وأنها في حكم اللقطة؛ ولأنها ضالة يخشى ضياعها فجاز أخذها لصاحبها لقطة كالصغار إذا أخذت في مصر. 18490 - ولأن كل جنس كان صغاره لقطة كان كباره لقطة كالغنم، ولأنها

لقطة مملوكة فجاز أخذها لقطة من البرية كالشاة, 18491 - ولأنه نوع أمانة فلا يختلف فيه الشاة والحمار كالوديعة. 18482 - احتجوا: بما روى مالك عن ربيعة بن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد الجهني قال جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن اللقطة فقال: (أعرف عفاصها ووكاءها وعرفها سنة فإذا جاء صاحبها وإلا فشأنك بها) قال: فضالة الغنم قال: (خذها فإنما هي لك أو لأخيك، أو للذئب) فقال: يا رسول الله فضالة الإبل فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى احمرت وجنتاه واحمر وجهه، وقال: (مالك ولها معها معاقرها وحداؤها وشقاؤها ترد الماء وترعى الشجر دعها حتى يلقاها ربها).

18493 - الجواب: أنه - صلى الله عليه وسلم - بين أن ضالة المؤمن يجوز أخذها للخوف عليها، وهذا تنبيه على أخذ الإبل إذا خاف عليها، وهو خلاف قولهم، ثم أخبر أنه لا يأخذها إذا كانت محفوظة يرجى لقاء صاحبها، ومتى كانت كذلك لم يجز أن يأخذها فربما بعدت عن مالكها، والكلام إذا خاف عليها، أو غلب على ظنه أن مالكها لا يلقاها فيأخذها فيحفظها، وإنما فرق عليه السلام بين الإبل والغنم. 18494 - لأنه لم يرى الغنم تستقل بنفسها، فلم يؤمن عليها، وهذا هو الغالب من حالها فخرج كلامه على الغالب في دينه به على إحدى حالة الإبل، وبين بالنطق حكمه إذا كانت محفوظة يلقاها مالكها في الغالب. 18495 - وقال في خبر عياض/: عرفها، وهذا بيان لحكم الضالة التي يتعذر أن يلقها بها إلا بعد التعريف. 18496 - قالوا: روى عن المنذر بن جرير: قال: كنت مع جرير بن عبد الله البجلي في، البواذيج فجاء الراعي بالبقر وقال: فيها بقرة ليست منها، فقال له جرير: أخرجها فقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (لا يأوي الضالة إلا ضال). 18497 - وروى مطرف بن الشخير عن أبيه قال: قدمنا على رسول

الله - صلى الله عليه وسلم - في نفر من بني عامر فقال: يا رسول الله في هذا من الإبل أفنأخذها قال: (لا تفعلوا، ضالة المؤمن حرق النار). 18498 - والجواب: أن هذا محمول على من أواها لا يقصد بذلك منفعة صاحبها، ومن أخذها لينتفع بها. 18499 - الدليل عليه ما روي عن شريك بن عبد الله بن الشخير، عن أبي مسلم عن الجارود قال بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمر على أهل عجاف فقلنا: يا رسول الله إنما نمر بالجرب فنجر إبلاً أفنتكرها فقال: (ضالة المسلم حرق النار). 18500 - وهذا يبين أن النهي وقع على أخذ الضالة للانتفاع بها فأما إذا أخذت لمنفعة مالكها فذلك غير ممنوع بدلالة ما روى سراقة بن مالك أنه جاء رسول الله

- صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله أرأيت الضالة ترد على حوض إبلي ألي أجر أن أسقيها؟ فقال: (في الكبد الحراء أجر) 18501 - وقد علم أن تركها على حوضه وسقيها إبقاء وقد جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له أجر على ذلك. 18502 - لأنه آواها لمنفعة صاحبها، وقد كان عمر يأوي الضيعان في حظيرة ويجعلها مع خيل المجاهدين وإبل الصدقة ترعي في الحمى. 18503 - فدل على أنه فهم من الخبر ما ذكرناه من الإبقاء الذي يقصد به منفعة المالك. ***

مسألة 926 الانتفاع باللقطة بعد التعريف

مسألة 926 الانتفاع باللقطة بعد التعريف 18504 - قال أصحابنا:: إذا عرف اللقطة حولاً جاز له أن ينتفع بها إن كان فقيراً، وإن كان غنياً فله أن يتصدق بها، وله أن يمسكها، وليس له أن ينتفع بها. 18505 - وقال الشافعي: يجوز للفقير أن ينتفع بها بعد الحول، ويكون فرضاً عليه. 18506 - لنا: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه) 18507 - وقال) ضالة المؤمن حرق النار)، وقال: (لا يأوي الضالة إلا ضال)، وهو عام إلا ما منع منه دليل. 18508 - وروى عياض بن حماد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من التقط لقطة فليشهد ذا عدل أو ذوي عدل، ولا يكتم [ولا يغيب] فان جاء صاحبها فهو أحق بها، وإلا فهي مال الله يؤتيه من يشاء)، والمنع من كتمانها يدل على المنع من استهلاكها؛ لأن الاستهلاك أكثر من الكتمان، وقوله: فإنه مال الله يدل على أنه قصد

القرابة. 18509 - وروى أبو إسحاق أن رجلاً التقط لقطة فأتى علياً فذكر ذلك له فقال: عرفها فان جاء صاحبها فادفعها إليه وإلا فتصدق بها، فان جاء طالب فخيره فان أحب أن يكون أجرها له، وإلا فادفعها إليه [ويكون أجرها لك]. 18510 - وروى ابن المبارك، عن الثوري، عن إبراهيم عن سويد عن عثمان قال في اللقطة: تعرفها سنة فان جاء صاحبها وإلا تصدق بها، فأن جاء صاحبها بعد أن تصدق بها خيرة بين الأجر والغرم وروي أبو وائل عن عبد

الله أنه اشترى جارية بسبعمائة درهم فطلب صاحبها، فلم يجده فعرفها حولاً وخرج إلى [المساكين] وجعل يعطيهم ويقول: عن صاحبها فإن أبي فلي وعلي [أيضًا له ثم قال: هكذا نفعل بالضالة وروى باللقطة]. 18511 - وروى ابن أبي ذئب عن المنذر بن المنذر قال: جاء رجل إلى ابن عباس بصرة مسك وقال: إني وجدت هذه فقال: عرفها فإن وجدت صاحبها وإلا فتصدق بها. 18512 - وروى نافع عن ابن عمر أنه قال للذي عرفها: فإن وجدت لقطة تعرفها فإن لم تجد صاحبها لاا آمرك أن تأكل، أو شئت لم يأخذها. 18513 - وعن أبي هريرة في اللقطة قال: يعرفها حولاً فإن لم يجد صاحبها باعها وتصدق بثمنها، فإن جاء صاحبها خير، فإن شاء كان الأجر له، وإن شاء أعطى الثمن وهذا اتفاق منهم على أن جهتها صدقة، وإن تصدق بها صدقة

موقوفة على مال صاحبها، وعند مخالفنا إن تصدق بها فهي صدقة عنه غير موقوفة، ولم يقل أحد منهم أنه يمتلكها ولا ينفقها. 18514 - ولأنه مال أمر بإمساكه لطالب مستحقه، فلا يجوز له الأكل منه من غير حاجة كمال بيت المال [ولأنه لا يجوز له أكل ضالة الإبل فلا يجوز له أكل اللقطة كما قبل الحول ولأنه مال لا يحل للغير أكله قبل الحول فلم يجز بعده فاستحق الزكاة. 18515 - ولأنه غنى فلا يجوز له الانتفاع باللقطة كما لو تصدق بها الملتقط على غنى] 18516 - احتجوا: بما روى زيد بن خالد الجهني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (أعرف عفاصها ووكاءها فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها) 18517 - والجواب: أي شأنك حفظها والعمل فيها كما كنت تعمل قبل الحول، لأنه شأن معروف وهذا هو الشأن المعروف الذي كان ثابتًا، وقوله اصنع بها ما تصنع بمالك معناه من الحفظ والاجتهاد ألا ترى أن الانتفاع والإنفاق لا يصفه الملتقط عندهم، وإنما يمتلكها ثم يصنع الانتفاع بمال نفسه والذي يصنع عندهم باللقطة استقراضها وتملكها، وذلك لا يتصور أن يفعل في مال نفسه. 18518 - يبين هذا ما روي في خبر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (عرفها حولا فإن لم تعرف فاستنفع بها ولتكن وديعة عندك، فإن جاء لها طالب يوما من الدهر فأدها إليه). 18519 - وهذا يدل على أنه يحفظ العين ولا يتلفها حتى يؤديها إلى صاحبها. 18520 - قالوا: روى عن أبي بن كعب أنه قال: وجدت صرة على عهد رسول

الله - صلى الله عليه وسلم - فيها مائة درهم فأتيت بها النبي - صلى الله عليه وسلم - فحدثته فقال: (عرفها حولاً) فقلت: أرأيت إن لم أجد صاحبها، قال: (استنفقها). 18521 - قالوا: وروي أنه قال: (فأخلطها بمالك) وروي أنه قال: (فاحفظها بملكك). 18522 - وروي أنه قال: (فاستمتع). 18523 - قال الشافعي: كان أبي بن كعب من أغنياء الصحابة وأيسرهم. 18524 - قلنا: الاستمتاع باللقطة والاستنفاق إنما يكون إذا تصدق بها فأما عندهم يستمتع بمال نفسه لا باللقطة فصار الخبر من هذا الوجه دليلنا. 18525 - ولأن أخذها بعوض يلزمه الاستمتاع والصدقة يتعجل بها الثواب ولا يلزم في ذمته شيئًا إلا أن يحضر مالكها فطالب بالضمان والاستمتاع [أخص] بالصدقة. 18526 - ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أمر بالانتفاع بها فقد أقرضه إياها، وللنبي - صلى الله عليه وسلم - ولاية على اللقطة. 18527 - ويجوز أن يقرضها عندنا كما يقرض مال اليتيم احتياطًا، والخلاف إذا أقرضها نفسه، وليس في الخير دلالة على هذا، ولأن أبيًا كان فقيرًا فأباح عليه السلام، إنفاقها، وكذلك نقول [والدليل على أن الأصل فقره: ما روى أبو يوسف عن عمير عن سلمة بن كهيل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أبيًا أن يعرفها ثلاثة أحوال ثم قال له: (كلها فإنك ذو حاجة إليها) وهذا يدل على قصده وعلى أن إباحة الإنفاق متعلق به سقط العلة.

18528 - فإن قيل: هذا مرسل لأن سلمة بن كهيل لم يلق أبيًا] 18529 - قلنا: سلمة بن كهيل روى خبرهم عن سويد بن غفلة، وإذا علم أنه عنده عن سويد فإذا علقة لم يكن مرسلاً، وقد روى ثمامة عن أنس قال كان لأبي طلحة أرضًا فجعلها لله فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (اجعلها في فقراء قرابتك)، فجعلها في حسان بن ثابت، وأبي بن كعب. 18530 - وقولهم: إن أبا داود ذكر هذا الخبر وقال فيه: (اجعلها في قرابتك) لا حجة فيه لأن الزائد أولى

18531 - وقول الشافعي: إنه كان أغنياء المدينة أخبار عن حاله بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والغنى لا يستصحب إلى الزمان الماضي، وإنما يستصحب إلى المستقبل. 18532 - وقولهم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: (اخبطها بمالك) لا يدل على الغنى؛ لأن المال القليل إذا يخلط به الكثير، وبالقليل لا يكون غنيًا. 18533 - فإن قيل: عندكم أن الفقير يأخذها صدقة، ويكره أن يتصدق علي فقير بعشرين دينارًا، فكيف يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يأخذ مائة دينار؟. 18534 - قلنا: أمره بإنفاقها صدقة، وهو ينفقها النفقة المعتادة، وروي فخذوا على ملك صاحبها، فكل أجر أنفقه فقد حصل له صدقة فلا يكون صدقة، وبصفات في حالة واحدة، والذي روي عن عطاء أن عليًا: وجد دينارًا فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (فعرفه فعرفته إلى أن قاال: فشأنك به) لا دلالة فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقرضه إياه؛ لأن إذنه في إنفاقه قرض/ ويجوز ذلك للإمام على ما قدمناه. 18535 - لأن عليًا تصرف فيه لحاجته بدلالة ما روي في الخبر أنه دخل على فاطمة والحسن والحسين يبكيان من الجوع فأخرجه ليبتاع به خيزًا والتصرف للحاجة يجوز في مال الغير، فجاز في اللقطة بشرط الضمان كما يجوز في الوديعة. 18536 - وقول الشافعي: إن عليًا لا يحل له الصدقة صحيح، فلم يأخذه صدقة

عندنا، وإنما أخذه للحاجة علي وجه الضمان يبين ذلك أنه لا يجوز أن ينتفع بما وجده من غير حاجة، لأنه يجوز أن يكون صدقة ألا ترى أن ما روي عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى ثمرة فقال: (لولا أن تكون من الصدقة لأكلتك). 18537 - فدل على أنه لا يجوز أن ينتفع كما لا بأس أن تكون صدقة، وأنه ينتفع بها للضرورة بشرط الضمان كما ينتفع بملك الغير. 18538 - قالوا: من جاز له أن يتصدق باللقطة، جاز أن يأكلها كالفقير 18539 - قلنا: الفقير يجوز أن يثبت له حق في مال المسلم بمضي الحلول فجاز أن يثبت له بعد الحول الانتفاع، والغني لا يثبت له حق من مال المسلم بمضي الحول فلا يجوز أن ينتفع بها. 18540 - قالوا: لقطة عرفها ملتقطها حولاً، ولم يجد صاحبها فجاز له أكلها كالفقير. 18541 - قلنا: الغني لا يجوز له أكل اللقطة عندكم، وإنما يمتلكها فيأكل ملك نفسه، والفقير عندنا يأكل اللقطة لأنه ينفقها على ملك مالكها، فلم يصح الجميع، والمعنى في الفقير أن الظاهر بعد الحول أنه لا يجد مالكه فحظه من الثواب أوسع من حظه من الضمان، وفي انتفاع الفقير ثواب، وليس في انتفاع الغني ثواب فكان اعتبار أنفع الحظين أولى. 18542 - قالوا: من جاز له التمليك بالاستقراض، جاز له التمليك باللقطة كالفقير.

18543 - قلنا: لا نسلم الحكم في الأصل، لأن الفقير عندنا لا يملكها. 18544 - قالوا: التملك حكم من أحكام اللقطة فاستوى فيه الغني والفقير أصله: حفظها والتصدق بها. 18545 - قلنا: الغني والفقير لا يستويان في حكم التملك، بدلالة تملك الزكاة ولأن الفقير عندنا لا يملك بتملك على ما بينا. 18546 - قالوا: لا تخلو اللقطة بعد الحول أن تكون في حكم الصدقة، لأن الضمان يثبت لمالكها، لا يجب على الفقير إذا أكلها الضمان، فلم يبق ألا أن يكون بمنزلة القرض، والغني والفقير يستويان في قبض القرض والتمليك به. 18547 - قلنا: لا يمنع أن تكون صدقة، ويجب على قابضها الضمان كما قال الشافعي في الزكاة المعجلة إذا استغنى الفقير قبل الحول. 18548 - وعلى قولنا من مات ولا يعرف له وارث فدفع ماله إلى فقير ثم ظهر له وارث. * * *

مسألة 927 استحباب أخذ اللقطة للعدل

مسألة 927 استحباب أخذ اللقطة للعدل 18549 - قال أصحابنا: يستحب أخذ اللقطة للعدل ولا يجب. 18550 - وقال الشافعي في المزني: ولا يجب ترك اللقطة لمن وجدها إلا إذا كان أمينًا. 18551 - فمن أصحابه من قال: فيهما قولان، ومنهم من قال: يجب أخذها إذا خاف ضياعها ويستحب إذا لم يخف. 18552 - لنا: أن كل من لم يجب عليه أخذ ضالة الإبل لم يجب عليه أخذ اللقطة كالفاسق. 18553 - ولأن كل مال لم يجب أخذه على الفاسق الجائز، لم يجب على الأمين كالوديعة. 18554 - ولأنه لو وجب حفظها ضمن حفظها كالوديعة، ولأن كل فعل [لو تركه لم يضمن به الملتقط فإنه] لا يمنعها كالتعريف.

18555 - قالوا: قوله تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} فأثبت لهم الولاية، والولي يجب عليه حفظ مال المولى. 18556 - قلنا: المراد بهذه الآية النصرة وولاية الدين بدلالة أنه قال: {يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة} فدل أن المراد بالآية موالاة الدين. 18557 - قالوا: المقصود من اللقطة الحفظ فإذا لم يأخذها فقد ضيع حفظها. 18558 - قلنا: يبطل إذا امتنع من أخذ الوديعة، فقد ترك التزام حفظها والأخذ لي بواجب عليه. * * *

مسألة 928 الإشهاد على أخذ اللقطة

مسألة 928 الإشهاد على أخذ اللقطة 18559 - قال أبو حنيفة: يجب على الملتقط أن يشهدد أنه أخذ اللقطة ليردها على مالكها، فإن لم يشهد حتى هلكت فهو ضامن. 18560 - وقال أبو يوسف ومحمد: الإشهاد ليس بواجب. 18561 - الشافعي قولان: أحدهما: أن الشهادة واجبة، والآخر: أنها مستحبة. 18562 - لنا: حديث يزيد بن الشخير عن مطرف بن الشخير عن عياض بن حماد الجاشعي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من التقط لقطة فأشهد ذوي عدل، ولا يكتم ولا يعين فإن جاء ربها فهو أحق بها وإلا فهو مال الله يؤتيه من يشاء)، والأمر بالإشهاد يدل على الوجوب والنهي عن الكتمان يمنع ترك الإشهاد؛ لأن ذلك كتمان لها. 18563 - ويدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ضالة المؤمن حرق النار) وهذا يمنع من أخذ اللقطة إلا في الموضع الذي أجمعوا عليه. 18564 - ولأنه معنى لو وجد في أخذ ضالة الإبل ضمن، فإذا وجد في ضالة الغنم ضمن كما لو أخذها لنفسه.

18565 - ولأن كل التقاط عري عن الإشهاد وجب الضمان، أصله: التقاط ضالة الإبل، ومن التقط لنفسه، ولأن العقد والقبض كل واحد منهما سبب للضمان فإذا جاز أن يشترط الإشهاد في عقد جاز أن يشترط في قبض، وتحريره أنه أحد سببي الضمان، فجاز أن يشترط فيه الإشهاد كالعقد. 18566 - قالوا روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال السائل: اعرف عفاصها ووكاءها) ولم يأمره بالإشهاد. 18567 - قلنا: الاستدلال إن كان بصفة الملتقط الذي سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (أشهد فقد أشهده بقوله: إني وجدت لقطة) وإقراره عند الحاكم من عندنا كشهادة شاهدين. 18568 - لأن الحاكم ثبت به الحق، وإن كان الاستدلال ببيان النبي - صلى الله عليه وسلم - مطلقًا ففي خبرنا زيادة، والمصير إليها أولى. 18569 - قالوا: من أخذ أمانة فلا يجب الإشهاد كالوديعة وأخذ الوصي مال اليتيم، والوكيل مال الموكل. 18570 - قلنا: الأخذ هاهنا بإذن المالك، وإذا لم يشهد فقد أسقط حقه، ومالك اللقطة لم يأذن في الأحد، فلم يسقط حقه من الثواب فوجب أن يستوفي.

18571 - ألا ترى أن من أقام البينة على حي بدين قضي له، ولا يستخلف له على الاستيفاء إلا أن يدعي خصمه، ذلك لأنه يرى المطالبة بحقه مكن اليمين. 18572 - ولو قامت البينة على ميت بدين لم يقض عليه حتى يستخلف صاحب الدين، لأن الميت لم يسقط حقه من الاستخلاف. 18573 - قالوا: مال يضمنه إذا أشهد عليه فلم يضمنه، وإذا لم يشهد عليه ضمنه كالوديعة. 18574 - قلنا: إذا أشهد فقد علم أنه أخذ لمالكه، والأخذ مأذون فيه لا يضمن إذا أشهد، وإلا فالظاهر أن الأخذ وقع لنفسه، وأخذ ملك الغير بغير إذنه يتعلق به الضمان إلا أنه يفارق الأخذ ما يسقط به الضمان. * * *

مسألة 929 التصرف في اللقطة بعد التعريف

مسألة 929 التصرف في اللقطة بعد التعريف 18575 - قال أصحابنا: لا يملك الملتقط اللقطة، فإن كان فقيرًا جاز له الانتفاع بها، وإن كان غنيًا كان له أن يتصدق بها، وله أن يملكها لصاحبها، وليس له أن يتملكها. 18576 - وقال الشافعي: إذا عرفها حولاً فإن جاء صاحبها وإلا فهي له بعد سنة. 18577 - ومن أصحابه من قال: تدخل في ملكه بغير اختياره. 18578 - ومنهم من قال: لا تدخل إلا باختياره. 18579 - واختلفوا فمنهم من قال: يملك بعد أن يقول: اخترت الملك والتصرف بعده، ومنهم من يملك بمجرد النية، ومنهم من قال: يفتقر إلى قوله: اخترت الملك. 18580 - لنا: حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تحل اللقطة فمن التقط لقطة فليعرفها سنة) ومعلوم أنه لم يرد ل يحل أخذها بقي أن يكون المراد لا يحل تملكها 18581 - ولأن كل حالة لا تملك فيها ضالة الإبل لا تملك اللقطة كما قبل الحول،

ولأنها أمانة في يده لمن لا يلي علييه، فلا يجوز أن يملكها كالوديعة، ولن مالا يجوز له تملكه قبل الحول، لا يجوز تملكه بعد الحول كالكلب، ولأنها لقطة فلا يكون مضي الحول سببًا في تملكها أصله: إذا لم يعرفها. 18582 - قالوا: روي أنه عليه السلام قال: (فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها). 18583 - قلنا: المراد به وإلا فشأنك بها في تعريفها أو حفظها، ألا ترى أنه لا يقال في التملك شأنك به وإنما يقال هذا في أمر يقال هذا أمر قد تعرف به والشان المعروف هو التعريف والإمساك. 18584 قالوا: روي أنه قال: (فإن جاء صاحبها وإلا فهي لك). 18585 - قلنا: روي أنه قال: (هي وديعة عندك) فيحمل قوله: (وهي لك) على معنى يملك التصرف فيها بالحفظ والصدقة كما روي عن أبي رواحة قال لأهل خبير: (إن شئتم فلكم، وأن شئتم علي). 18586 - قالوا: مال أبيح الانتفاع به بغير أمر مالكه [فجاز له تملكه] كالزكاة من مال أهل الحرب يجوز تملكه بغير رضى مالكه، وإن كان الملك معينًا فيجوز إذا كان غير معين. 18587 - وفي مسألتا لا يجوز أن يتملك اللقطة إذا تعين صاحبها إلا بإذنه، أو بإذن من يلى عليه فكذلك إذا لم يتعين/ فنقول: فاستوى في تملكها ما قبل الحول وبعده كالركاز.

مسألة 930 مدة تعريف اللقطة

مسألة 930 مدة تعريف اللقطة 18588 - قال أصحابنا: إذا التقط ما دون العشر عرفه ثلاثة أيام وذكر الحسن في المجرد عن أبي حنيفة: إن كانت مائتي درهم عرفها حولاً، فإن كانت عشرة أو أكثر عرفها شهرًا، وإن كانت دون ذلك عرفها ثلاثة أيام، وروي أنه إذا كان أقل من عشرة عرفها بقدرها. 18589 - وقال الشافعي: وقليل اللقطة وكثيرها سواء فمن أصحابه من حمل هذا على ظاهره وقال: القليل والكثير في التعريف سواء. 18590 - ومنهم من قال: إن كان يسيرًا كالدانق والكسرة فلا يعرفه ويعرف ما ذاد عليه، ومنهم من قال: وزن القلة دينار.

18591 - لنا: ما روى إسرائيل بن يونس عن عمر بن عبد الله عن جدته حكيمة عن أبيها قال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من التقط لقطة تساوي درهما أو شبه ذلك فليعرفها ثلاثة أيام، فإن كان فوق ذلك فليعرفه ستة أيام). 18592 - وروى عن جابر قال: رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العصا والسوط والحبل يستعمله ملتقطه وينتفع به، ولأنه ناقص عن نصاب السرقة فلم يجب تعرفه حولاً. أصله: إذا لم يجز التملك.

18593 - ولأن كل لقطة لو لم يرد تملكها لم يجب تعريفها خولاً فإنه لا يجب تعريفها حولاً فإن أراد تملكها كالتمرة والكسرة. 18594 - ولأنه معنى يتعلق بمال اعتبر فيه الحول فلا يتعلق بالحول بانفراده كالزكاة. 18595 - فإن قالوا: القليل والكثير فيه سواء، فهو فاسد لأنه روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وجد تمرة فقال: (لولا أن تكون من الصدقة لأكلتها) ولم يشترط فيها مضي الحول. 18596 - قلنا: قد بينا بخبرنا إذا كانت درهمًا أو حبلاً لم يجب ذلك فيها، وأن الحكم يختلف باختلاف المقادير فوجب المقادير فوجب أن يرجع إليه. 18597 - قالوا: ما قيمته دون العشرة يطلب ويتبع في العادة ولا يتملكه إلا بتعريف سنة أصله: مما قيمته دينار. 18598 - قلنا: لا يجوز التملك عندنا عرف سنة أو أقل منها وقد اتفقنا أن السنة لا تعتبر إذا لم يعتبر التمليك. 18599 - ولأن هذا القدر يتبع ويطلب إلا أنه لا يطلب كما يطلب الكثير، فكان التعريف فيه لقدر الطلب.

مسألة 931 حكم التقاط العبد اللقطة

مسألة 931 حكم التقاط العبد اللقطة 18600 - [قال أصحابنا]: يجوز للعبد أن يلتقط ويمسك اللقطة حتى يحضر صاحبها. 18601 - وللشافعي: قولان، أحدهما: العبد كالحر في اللقطة، والثاني: لا يجوز له الالتقاط التقط ضمها سيده إلى يده فإن تلف في يد العبد قيل: إن علم سيده فضمانها في رقبته. 18602 - لنا: حديث عياض أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من التقط لقطة وروى عن وجهه فليشهد ذوى عدل فلا يكتم [ولا يعين]. 18603 - ولأن كل من جاز له قبول الهبة جاز له الالتقاط كالحر، ولأنه نوع أمانة فيما يوجب ضمانه فيستوي فيه الحر والعبد كالودائع ولأنه مكلف فكان له الالتقاط أصله: المكاتب والعبد إذا أعتق المولى بعضه.

19604 - قالوا: اللقطة أمانة للسنة بدلالة وملك العوض في الذمة بعد السنة وليس العبد من أهل الولاية، ألا ترى أنه لا ولاية له على ولده ولا يجوز للحاكم أن يوليه شيئًا من الولايات، وليس من [أهل التملك] ولا ذمة له صحيحة لأنه لا يصح مطالبته كما في الذمة مع بقاء الرق حتى يعتق فإن كان كذلك لم يجز له أخذ اللقطة فكان أخذه لها غصبًا وعدوانًا. 18605 - قلنا: أما قولكم إنه ليس من أهل الولايات فيبطل بالصبي لأنه لو التقط صح ويمسكها وليه، وليس للصبي الولاية، ولأن اللقطة مأذون من جهة الشرع في إمساكها أمانة وصار الإذن بالشرع كإذن مالكها في حفظها وديعة استوى الحر والعبد في جواز الإمساك كذلك الحفظ المأذون فيه بالشرع فأما التملك فعندنا لا يتملكها الحر والعبد مثله. 18606 - وأما قولهم: إن صاحبها لا يمكنه المطالبة حتى يعتق فهذا السؤال يلزمنا إذا تصدق العبد بها. 18607 - لأن التملك لا يثبت عندنا فليس بصحيح؛ لأن مالكها بعد الحول في الثواب. 18608 - لأن الظاهر أنه لا يحضر فحكم الضمان كالبالغ والواجب اعتبار جهة الثواب التي يستوي الحر والعبد فيها، ولأن العبد إذا وجد لقطة ثم تصدق بها فإن صاحبها إذا حضر في الحال استوفاه من رقبته؛ لأنه دين ثابت بعقد العبد وليس بمحجور عليه في أفعاله.

18609 - وقد قال الشافعي: إن الصبي يجوز أن يلتقط وإن كان قوله غير مقبول في الحال أنها لقطة، ولا يقبل قول وليه فيها والعبد يقبل قول مولاه فيها فالأولى أن يجوز التقاطه. * * *

مسألة 932 حكم التقاط الفاسق للقطة

مسألة 932 حكم التقاط الفاسق للقطة 18610 - قال أصحابنا: إذا التقط الفاسق لقطة لم يعترض عليه. 18611 - وقال الشافعي:: إن كان غير مأمون في دينه ففيها قولان: 18612 - أحدهما: أن القاضي يأمر بضمها إلى مأمون وبأمر المأمون والملقط بالتعريف. 18613 - الثاني: أنه لا نزعها من يده ولكن يضم إليه أمينا يشرف عليه. 18614 - لنا: قوله عليه السلام: (من التقط لقطة فليشهد ذوي عدل ولا يكتم ولا يعين). 18615 - ولأن من يخلي بينه وبين الوديعة خلى بينه وبين مال الملتقط كالعدل. 18616 - ولأن كل أمانة يخلى بينها وبين الأمين وقد لا يخلى إذا كان لا يقوم بمصالح الموصى لهم، ولأنه مكلف التقط يخلي بينه ويبنها كالأمين.

18617 - احتجوا: بأنها في السنة أمانة فولاية كالوصية وكما أن الوصي إذا فسق أخذ القاضي المال من يده كذلك الملتقط. 18618 - قلنا: الوصي لم يجعل له التعريف بشرط الضمان فإذا لم يرض المالك بيده منع من الإمساك الذي لم يؤمر أن يؤدي إلى الضمان، وأما الملتقط فقد أذن له في التصرف المؤدي إلى الضمان فإذا أثبت له ذلك بالشرع لم يمنع من الإمساك الذي يجوز أن يؤدي إليه. * * *

مسألة 933 حكم أخذ اللقطة بمكة

مسألة 933 حكم أخذ اللقطة بمكة 18619 - قال أصحابنا: يجوز أخذ اللقطة بمكة إذا عرفها حولاً جاز أن يتصدق بها وكان له أن ينتفع بها إن كان فقيرًا. 18620 - قالوا: وليس للشافعي: فيها تصرفا، والمذهب أنه لا يحل أخذها للتعريف أبدًا إذا يحضر صاحبها ولا يصح أخذها للتملك. 18621 - ومن أصحابه من قال: الحرم وغيره سواء. 18622 - لنا: قوله عليه السلام: (من التقط لقطة فليعرف عفاصها ووكاءها وليعرفها حولاً) وهو عام، ولأنها لقطة أبيح أخذها فجاز له الانتفاع بها بعد الحول في الحل.

18623 - ولأن كل حكم لا يتعلق بلقطة غير الحرم لا يتعلق بلقطته، أصله: تحريم الأخذ، ولأنه أحد الحرمين فجاز الانتفاع بلقطته بعد التحريم كالمدينة، ولأنه مال لا يضمن بالجراحة عليه ولأنه يملك يجوز الانتفاع في غير الحرم فجاز الانتفاع به في الحرم كالكنوز. 18624 - احتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم - (ولا تحل لقطتها إلا لمنشد). 18625 - وهذا لا دلالة فيه لأن عندنا لا يجوز أخذ لقطة الحرم إلا من يعرفها، وأما إذا أخذها لا يعرفها لا يجوز له الأخذ، وفائدة تخصيص الحرم أن الغالب أن اللقطة تكون فيه للغريب فيظن أن صاحبها لا يوجد في الغالب فيبين - صلى الله عليه وسلم - أنه وإن كان كذلك فلابد من التعريف. 18626 - قال الطحاوي: قد روينا عن عائشة أنها سئلت عن ضالة الحرم فإنها عرفت فلم يوجد من تعريفها فقلت: استنفعي بها. 18627 - قالوا: أصله: بدل مجتمع ومن يحضره للحج يعود فالظاهر أن صاحب اللقطة يحضر فيعرفها فلم يجز ملكها. 18628 - قلنا: فعلى هذا إذا تكرر التعريف ومضى الزمان فقد زال هذا الظاهر فيجب أن يجوز الانتفاع بها. * * *

مسألة 934 ضمان اللقطة

مسألة 934 ضمان اللقطة 18629 - قال أبو حنيفة: إذا أخذ اللقطة وأشهد ثم ردها إلى المكان الذي أخذها منه لم يضمنها. 18630 - وقال الشافعي: يضمنها. 18631 - لنا: إن تركها في المكان الذي وجدها فيه قبل وجوب الضمان فوجب أن لا يلزمه ضمانها من غير إتلاف كما لو تمكن من أخذها، ولأنه رد اللقطة إلى الموضع الذي أخذها منه فوجب أن لا يضمن كما لو أخذها من موضع يده ثابتة عليه مثل داره والحمامي إذا وجد في الحمام. 18632 - ولا يلزم إذا لم يشهد وإذا طرحها [في النار] ثم أخذها منها لأنه

يستوي فيه الأصل والفرع [ولأنه له المنفعة. 18633 - قالوا: ضمنها بالرد. 18634 - قالوا: بعد الحول عليها ثم ردها إلى مكانها]. 18635 - لأن ذلك المكان أجرى مجرى المالك فدلالة إباحة الأخذ منه قبل ذلك حدوث يد أخرى فإذا ردها إليه لم يلزمه الضمان بالرد كما لوردها إلى يد وكيله. 18636 - ولا يلزم إذا قال: خذ الكيس من موضع كذا فأخذه ثم رده لأن ذلك المكان الذي أحذ منه بإذن المالك فصار الأخذ من المالك/ في الحقيقة فإذا ردها إلى 210/ أمكانها فلم ترد على المأخوذ منه. 18637 - ولا يلزم إذا خلص مال غيره من الغرق ثم رده إليه لأنه لم يبح له الأخذ وإنما أبيح له التخليص [فإذا رده فلم يفعل التخليص]، ولا يلزم إذا قال له المالك خذ هذا الشيء من يد الغاصب فأخذه ثم رده إلى الغاصب لأنه لما أخذ بإذن المالك ويد الغاصب يد متعدية فلا يقوم مقام يد المالك وإنما هي لنفسه. 18638 - احتجوا: بأنه إنما جاز له أخذها من مكانها لأنها ضائعة فيه وإذا أخذها

لزمه حفظها فإذا ردها فقد ضيعها، وصار كمن في يده وديعة وتركها في الطريق، 18639 - قلنا: ليس في الأخذ التزام الملتقط فإذا ترك لم يجب عليه الضمان كما لو لم يأخذها ولكنه جلس عندها انتظارًا لصاحبها ثم انصرف عنها وليس كذلك الوديعة لأنه التزم لصاحبها حفظها ولو لم يلتزم لكان المالك يستدرك حقه من مودع آخر فلم يجز أن يرجع عما التزمه. 18640 - قالوا: لو أخذها لنفسه ثم ردها ألزمه ضمانها، وكذلك نقول إذا أخذها لصاحبها كما لو أخذ المال من يد الغاصب ثم رده بغير إذن المالك ثم ردها إلى الغاصب سقط الضمان عنه، وإن أخذها من يده بأمر مالكها ثم رجع على الوجه الذي أخذها زال الضمان، وهو أن يأذن المالك في الرد. * * *

مسألة 935 جعل من رد الآبق من مسيرة سفر

مسألة 935 جعل من رد الآبق من مسيرة سفر 18641 - قال أصحابنا: من رد آبقا على مولاه من مسيرة سفر فله أربعون درهمًا وإن رده من أقل ذلك فبحسابه. 18642 - وقال الشافعي: إن شرط المولى جعلاً فقال: من جاء بعبدي فله كذا استحق الذي رده ما شرط وإن لم يشترط جعلاً لم يستحق شيئًا. 18643 - لنا: ما روي ابن أبي مليكة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من رد آبقا من

خارج الحرم فله دينار). 18644 - وروى عن عمر بن دينار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه جعل لمن رد آبقًا من مسيرة ثلاثة أيام ولياليها أربعين درهمًا. 18645 - وبما روى عاصم عن ابن عمرو الشيباني عن ابن مسعود أنه أتي بإباق من الناس بالعين فقال: يا أيها الناس إنا قد أوتينا بإباق ممن كانت له في الإباق شيء فليأخذه وأمر أن يعطى الذي جاء بالإباق أربعون درهمًا. 18646 - وروى شريك بن عبد الله عن عبد الله بن رباح وعن ابن عمرو الشيباني عن عبد الله بن مسعود قال: في الآبق إذا أخذ في المصر عشرة دراهم وإذا أخذ خارج المصر أربعون درهمًا. 18647 - وقد روي وجوب الجعل عن علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر

والصحابي إذا قال ما لا يستدرك ممن طريق القياس حمل على التوقيف. 18648 - ولأنهم اتفقوا على وجوب الجعل واختلفوا في قدره فمن قال لا يجب فقد خالف الإجماع. 18649 - قالوا: قال أحمد بن حنبل لم يصح في جعل الآبق عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أحد من الصحابة شيء. 18650 - قلنا: الذي حكي عنه أنه قال: ليس عندي عنهم فيه شيء يجوز أن يكون قال ذلك لإرسال الخبر. 18651 - أما قول الصحابة فقد ذكر الطحاوي بإسناد صحيح عن ابن مسعود. 18652 - فإن قيل: الخبر مخالف الأصول. 18653 - قلنا ليس كذلك لأن تقويم المنافع من غير عقد مختلف فيه ووجوب البدل عن المنافع مع بدلها واجب في النكاح. 18654 - فإن قيل: يجوز أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك في عبد آبق تشترط لمن جاء به على طريق الجعالة.

18655 - قلنا: ذكر آبقا مجهولا ولأنه - صلى الله عليه وسلم - لا يشتر الجعالة في ملك غيره. 18656 - ولأن المضمونات على ضربين أيعان ومنافع، وإذا جاز أن يضمن أحدهما مع بدل المالك من غير عقد ولا شبهة عقد وهو المقبوض على وجه السوم جاز أن يضمن الأجرة. 18657 - ولأنه رد آبقا إلى يد المولى من مسيرة سفر صحيح فوجب أن يستحق الجعل كما قال المولى: من رد عبدي فله أربعون، ولأن يد المولى زالت عنه وحدثت يد لا يتعلق بها الضمان فجاز أن يستحق العوض برده إلى المولى كما غلب عليه لو غلب الكفار فوجده مولاه بعد القسمة. 18658 - احتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (ولا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه). 18659 - قلنا: يجب الحق في ذمته ولا يجوز أخذ عين ما له إلا برضاه أو بحكم وإذا حكم الحاكم حل الأخذ بالإجماع. 18660 - قالوا: رد ما لم يشترط له على رده جعلا فوجب أن لا يستحق بذلك شيئا لرد الضوال. 18661 - قلنا: الضوال لا يتحدد عليه أيد بضلالها فهي في يد مالكها حكما

والعبد يثبت يد ملك نفسه وتغيب عن المولى فتلف الملك فيه، ولأن الضوال يثبت عليه أيد لا تتعلق بضمان [جاز إن استحق بعودها إلى يده عوض إذا غنمها أهل الحرب فكذلك العبد إذا حصل بالإباق في نفسه والضمان لا يتعلق بها]. 18662 - قالوا: عمل لغيره عملا لم يشترط له ولا من ينوب عليه عوضا فوجب أن لا يستحق العوض كما لو خاط ثوبا. 18663 - قلنا: الخياطة تقع لمالك الثوب تارة وللخياط أخرى، ألا ترى أنه يخيط على طريق الغصب ونخيط للمالك فلا يستحق إلا بالتراضي والرد على المالك لا يقع إلا لمنفعة المالك فجاز أن يستحق عليه العوض من غير شرط ولا يلزمه رد الضوال ولأن التعلي وقع لجواز وجوب البدل في العمل الواقع لمالك من غير تعيين فلا ينتقص بغير مثله من النوع. 18664 - قالوا: ما لا يجب في رد الجمل الشارد لا يجب في رد العبد الآبق فلم يجز إيجابه والأربعين مقدار اختلف في وجوبه فصار كالمال المشرود على طريق الجعالة ولما اختلف في وجوبه جاز أن يتعلق الاستحقاق بشيء منه. 18665 - قالوا: العبد يرجي عوده إلى مالكه لأنه يراقب الله تعالى ويخافه ويندم وهذا المعنى غير موجود في البهيمة [وإذا لم يجب العوض في البهيمة] فهذا أولى. 18666 - قلنا: العبد يتغيب ويتستر ويلحق بدار الحرب والبهيمة لا يوجد فيها هذا فالملك في العبد متلف [وفي البهيمة غير متلف] ولذلك لم يجب في البهيمة

ويجب في العبد. 18667 - قالوا: لو خلص العبد من الغرق لم يستحق الجعل فكذلك إذا رده من الآباق لأن الغرق تلف المال لا محالة. 18668 - قلنا: يد المولى لم تزل بوقوعه في الماء فلم يجب برده شيء وقد زال بالإباق يد المولى فجاز أن يستحق بردها عوضا عما يستحق بالشرط. 18669 - قالوا: استحق عوضا برده اختلف العوض بمقدار المسافة فإما أن يجب في قليلها كما يجب في كثيرها. 18670 - قلنا: الواجب عندنا ليس بدل وإنما هو مقابلة العمل فيجوز أن يستحق في القليل كما يستحق في الكثير كربح المضاربة، ثم عندنا يستحق الأربعين برده مدة سفر صحيح وقد كان يمكنه إذا رده ثلاثة أيام أن يسلمه إلى قاضي ذلك الموضع فيستحق الجعل ولا يتكلف زيادة المسافة فإذا لم يفعل فهو المختار المكلف لا يحتاج إليه في الاستحقاق فلذلك لم يتقوم. 18671 - ولأن يد المولى زالت عنه وحدثت به لا يتعلق بها الضمان فجاز أن يستحق العوض برده إلى المولى كما لو غلب عليه الكفار فوجده مولاه بعد القسمة. * * *

كتاب اللقيط

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب اللقيط

مسألة 936 حكم اللقيط إذا وجد في مصر من أمصار المسلمين

مسألة 936 حكم اللقيط إذا وجد في مصر من أمصار المسلمين 18672 - قال أصحابنا: إذا وجد اللقيط في مصر من أمصار المسلمين أو قرية من قراهم فهو مسلم فإن بلغ كافرا رد إلى الإسلام. 18673 - وقال الشافعي: يزجر عن الكفر فإن أقام على ذلك فإن أظهر دينا يقر عليه بالجزية وبذلها كان كأهل الذمة وإن لم يبذل الجزية وأظهر دينا لا يقر أهله على الكفر رد إلى مأمنه في دار الحرب. 18674 - لنا: أنه محكوم بإسلامه بدلالة أنه لو مات قبل بلوغه [صلى عليه] ويجوز للإمام أن يزوجه بمسلمة ويدفن في مقابر المسلمين ومن حكم له بالإسلام قبل بلوغه لم يقر على الكفر بعد بلوغه كأولاد المسلمين. 18675 - ولأن نسبه لم يثبت من كافرين في دارنا فوجب أن يحكم بإسلامه ولا يقر على الكفر بعد البلوغ كالمتبني. 18676 - ولأن كل حالة [لا يترك] لأولاد المسلمين لإظهار الكفر لا يترك اللقيط كما قبل البلوغ.

18677 - فإن قيل: أولاد المسلمين حكم لهم بالإسلام ظاهرا وباطنا واللقيط حكم بإسلامه في الظاهر بدلالة أن ذميا لو أقام البينة من المسلمين أن ابنه كان على دينه، وذلك لأن حكمنا بإسلامه ظاهرا وباطنا وأقام البينة أنه من أولاد الكفار بينا أن الإمام غلط في حكمه، ومثل هذا [في أولاد المسلمين عندنا لأن] الأمة الذمية إذا كان مولاها مسلما وادعى ولدها ثبت نسبه فكان مسلما فإن أقام الذمي أنه كان تزوجها منه ثبت النسب من الزوج وتبعه الولد في دينه وظهر أن الإمام غلط في حكمه فلا فرق بينهما. 18678 - احتجوا: بأن حكم اللقيط بظاهر الدار فإذا أقر بغيره بعد بلوغه. 18679 - والجواب: أنا نقول بموجبه إذا قامت البينة أنه من أولاد أهل الذمة وأقر بذلك والمعنى في الرق أنه حق أقر به على نفسه فصدق في حقوقه و [لا يصدق] في غيره. ألا ترى أن عقوده لا تبطل وأما الإسلام فهو حق الله فلا يصدق في إسقاط وجوبه وصار نظيره الحقوق التي عليه إذا أقر بالرق ولم يبطل عنه. 18680 - قالوا: إذا أظهر الكفر لم يقتل ولو وجب إجباره على الإسلام قتل إذا امتنع كسائر المسلمين. 18681 - قلنا: قد يجبر على الإسلام من لا يقتل عندنا كالمرأة. 18682 - ولأن القتل لا يثبت بالاحتمال فلما احتمل أن يكون من أولاد الكفار واحتمل أن يكون من أولاد المسلمين لم يجز قتله بالشك فعلى هذا لا يخرج من الإسلام بالشك. * * *

مسألة 937 حكم إسلام الصبي العاقل وردته

مسألة 937 حكم إسلام الصبي العاقل وردته 18683 - قال أبو حنيفة ومحمد: إسلام الصبي الذي يعقل إسلام، وردته ردة. 18684 - وقال أو يوسف: إسلامه إسلام وردته ليست ردة. 18685 - وقال زفر: لا يكون إسلامه إسلاما ولا ردته ردة. 18686 - وقال الشافعي: يحال بينه وبين أهله ويسلم إلى مسلم حتى يبلغ فإن وصف الإسلام حكم بإسلامه وإن وصف الكفر أقر عليه. 18687 - ومن أصحابه من قال: إذا أسلم حكم بإسلامه من حين أسلم وهو صبي. 18688 - قالوا: وكلام الشافعي في كتاب الطهارة يدل على ذلك. 18689 - لنا: قوله- عليه الصلاة والسلام-: (كل مولود يولد على الفطرة وإنما أبواه يهودانه وينصرانه حتى يعرب لسانه فإما شاكرا وإما كفورا) فأتبعه أبويه في الدين ونقله عنهما إذا أعرب عن نفسه وقد وجد ذلك في مسألتنا فوجب أن ينتقل عن حكم أبويه إلى ما أظهر من الإسلام. 18690 - قالوا: أخبر - عليه السلام - أنهما يهودانه حتى يعرب عن نفسه ولم يقل أنه أعرب عن نفسه لزمه. 18691 - قلنا: نقله عن حكم الأبوين إذا أعرب لأن ما بعد الغاية يخالف، ما

قبلها ومن نقله عن حكمه يلزمه ما اعترف به. 18692 - دل عليه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أسلم عمير بن أبي وقاص وهو صبي وهاجر وتوجه مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى بدر قبل أن يحتلم فلما عرض النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بالسقيا كان يتوارى خلف الرجال حتى لا يرده فرده النبي - صلى الله عليه وسلم - فبكا فأجازه واحتلم في الطريق وحضر الواقعة وحمائل السيف تعقد عليه لصغره وأبوه مات على كفره وأمه كانت كافرة وهذا أمر مشهور يقوله أهل السيرة فدل على قبول إسلام الصبي. 18693 - ويدل عليه أن عليا - عليه السلام - أسلم وهو صبي ولم يحتلم وافتخر بالسبق إلى الإسلام فقال: سبقتكم إلى الإسلام حرا غلاما ما بلغنا أنه حلم لم يرد عليه الافتخار بالإسلام أحد. 18694 - فدل على صحة إسلامه. 18695 - فإن قيل قد اختلف في إسلامه فذكر أحمد بن حنبل في كتابه في فضائل الصحابة عن قتادة عن الحسن أنه قال: أسلم علي بن أبي طالب بعد خديجة وله خمسة عشر سنة أو ستة عشر سنة. 18696 - قلنا: هذا غلط؛ لأن أحمد وجماعة الرواة روا عن سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد قال: سمعت أبا محمد يقول لعمته فاطمة بنت

الحسين: إن السنة الثامنة والخمسون فيها مات أبي وفيها قتل الحسين وفيها قتل علي بن أبي طالب وأبا يحيى بن عبد الله بن الحسين فإنه قال إن علي قتل وله سبع وخمسون سنة وخطبه على الشهور التي رواها الناس وهي أصح خطبة يقول فيها: (أفسدتم علي رأيي بالعصيان ... حتى قالت قريش: ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا رأي له [في الحرب] لله رأيهم ومن ذا يكون أعلم بها وأشهد لها ميراثا مني والله لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين ولكن لا رأي لمن لا يطاع وهو - رضي الله عنه - لم يشهد حربا قبل بدر وكانت في رمضان السنة الثانية من الهجرة وقد مضى قبلها من الإسلام خمس عشرة سنة فكيف يظن أنه أسلم وله خمس عشرة سنة؟). 18697 - وقولهم: إن النبي ذكر في المعارف أنه قبل وله ثلاث وستون لا يلتفت إليه. 18698 - لأن طريق سفيان بن عيينة أصح الطرق وهو عن ولده، وأعمار الناس في العادة يعرفها أهلهم، ثم قد نقلنا عنهم أنه قال: أسلمت وما بلغت أول الحلم وقد نقل فيه كلام أبي بكر وعمر وهو أليفه فيما يرويه من الشعر ويحكيه عن العرب من الخيار. 18699 - فإن قيل: يقولون تقتضي أنه أسلم وله خمس سنين ومثله لا يعقل الإسلام. 18700 - قلنا: قد اختلف في مقام النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة. 18701 - فإنه قيل أقل من خمس عشرة فقد أسلم في السنة السابعة ومثله يعقل الإسلام. 18702 - فإن قيل: الصبي إذا أظهر الإسلام مدح به وإن لم يصح كما يقولون أنه إذا صلى وصام لم يصح ذلك منه وإن كان يمدح به فيقال صبي ملازم الصلوات. 18703 - قلنا: الصحيح عندنا أن هذه العبادات تصح منه ولا تكون واجبة، وقد تكون الصلاة واجبة وغير واجبة ولا يكون الإسلام بأوله فإذا صح منه كان واجبا.

18704 - ولأن أحكام الإسلام على بصيرة فوجب أن يحكم بإسلامه كالبالغ). 18705 - ولأنه تصح صلاته وصيامه فيصح إسلامه كمن بلغ خمس عشرة سنة، ولأن الأحكام الشرعية تلزمه عندهم الزكاة وعندنا صدقة الفطر والعشر فجاز أن يصح إسلامه كالبالغ. 18706 - ولأن من وجب أن يزال يد الكفر عنه بإسلامه صح إسلامه كالعبد إذا أسلم. 18707 - ولأن إسلامه يتعلق به حكم من أحكام الإسلام وهو إزالة يد أبويه عنه فتعلق به جميع أحكام الإسلام كمن بلغ خمس عشرة سنة. 18708 - احتجوا: بقوله - عليه السلام -: (رفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يحتلم والمجنون حتى يفيق والنائم حتى يتسيقظ. 18709 - قالوا: وهذا يقتضي سقوط التكليف عنه. 18710 - والجواب: أن هذا يقتضي سقوط التكليف الشرعي الذي يعرف من جهته - عليه السلام -، والإسلام عندنا من الأحكام العقلية. 18711 - ولأن الخبر يقتضي أنه لا يجب عليه الأحكام فليس المراد إذا لم يجب عليه الشيء لم يصح منه لأن العبادات الشرعية لا تلزمه وإن حدثت منه صحت. 18712 - احتجوا: بأنه تابع في الإسلام لغيره فوجب أن لا يصح إسلامه بنفسه كالصغير الذي لا يميز. 18713 - قلنا: إذا ثبت له حكم الشيء على وجه البيع فأولى أن ثبت له الحكم

بنفسه. ألا ترى أن المرأة تصير تابعة لزوجها في السفر والإقامة ولا يمنع ذلك أن ثبت لها حكم السفر والإقامة لفعلها. 18714 - ولأن الصبي الذي لا يعقل لم يوجد منه القصد إلى الإسلام فلا يحكم بإسلامه والعاقل قصد الإسلام وهو بعقله فحكم بإسلامه. 18715 - ولا يلزم على علة الأصل السكران لا نصدقه أنه لم يقصد إلى ما يقول. 18716 - قالوا: لا يستباح دمه بردته فلم يصح إسلامه كالمجنون. 18717 - قلنا: القتل عقوبة: والعقوبات من أحكام الشرع فلذلك لم يلزمه وأما اعتقاد الإسلام فهو من أحكام العقل فإن وجد العقل لزمه. 18718 - وقولهم: إن الإسلام يجب الشرع غلط، لأن الشرع فرع على العلم بالتوحيد والنبوة، وكيف يدل الفرع على أصله؟ ثم يقال لهم إذا عرف الصبي دليل التوحيد وبان هل يقولون أنه يتصرف عن هذا الاعتقاد ولا يعمل به؟ وهذا ليس بقول لأحد فلم يبق إلا أن يعتقده وهذا هو الإسلام. 18719 - فإن قيل: ليس يمتنع أن يتبين له الدلائل ولا يلزمه الاعتقاد كما أن دليل وجوب الصلاة تبين ولا يلزمه الصلاة. 18720 - قلنا: هذا غلط؛ لأنه إذا عرف التوحيد والنبوة بالعقل لزمه أن يعتقد وجوب الصلاة وغيرها من العبادات، وإذا وجد شرط وجوبها ومن شروطها البلوغ؛ لأنها مما تصح أن تجب في حال دون حال وأما التوحيد فلا يصح أن يجب في حال دون حال فإذا كمل عقله وتصوره لم يعف وجوبه على شرط أخر. 18721 - قالوا: غير مكلف فلم يصح إسلامه كالمجنون. 18722 - قلنا: عن أردتم أنه غير مكلف لشيء لم نسلم؛ لأنه غير مكلف بالعقليات وإن أردتم أنه غير مكلف لبعض الأشياء فالفقير غير مكلف بالزكاة والحج. 18723 - ولا يدل على ذلك أنه غير مكلف بالإيمان.

18724 - قالوا: كل من لا يلزمه إقراره فإنه لا يلزمه إسلامه كالمجنون. 18725 - قلنا: لا نسلم؛ لأن إقرار الصبي يلزمه إذا أذن له في التجارة. 18726 - وبالإقرار قد لا يلزم البالغ في بعض الأحوال وهو المحجور عليه عندهم والمرتهن إذا أقر لوارثه عندنا. 18727 - ولا يدل على أن الإسلام لا يصح من هؤلاء. 18728 - قالوا: حكم يتعلق بالقول فلم يتعلق بقول الصبي كإقراره. 18729 - قلنا: لا نسلم؛ لأن الإسلام يتعلق بالاعتقاد. ولأن الإقرار يوجد مع التكليف فلا يلزم المقر وقد يلزمه كذلك الصبي يوجد منه الإقرار فيلزمه تارة ولا يلزمه أخرى عندان، وكما كان الإيمان يلزم البالغ الكامل بكل حال كذلك الصبي الكامل بكل حال. * * *

مسألة 938 حكم إذا ادعى نسب اللقيط اثنان فوصف أحدهما علامة في جسده

مسألة 938 حكم إذا ادعى نسب اللقيط اثنان فوصف أحدهما علامة في جسده 18730 - قال أصحابنا: إذا ادعى نسب اللقيط اثنان فوصف أحدهما علامة في جسده كان أحق به. 18731 - وقال الشافعي: يرجع إلى القافة فإن ألحقوه بأحدهما فهو أولى وإن ألحقوه بهما أو لم يكن به قافة فإنه يترك حتى يبلغ وينسب إلى أحدهما. 18732 - لنا: أنه ملتقط فتعلق بوصف العلامة فيه حكم لا يثبت مع عدمها أصله جواز تسليم اللقطة إلى من وصفها إذا غلب على ظنه صدقة. 18733 - ولأن العلامة تدل على ثبوت اليد إليه؛ لأن الظاهر أن الإنسان يعرف علامة ولده وكما لو قال أحدهما هو ابني وقال الآخر هذا ابني فكان ابنا؛ لأن مدعي الابن أولى به. 18734 - ولأن اللقيط يستحق الدعوى فيجوز أن يرجع بوصف المدعي. ألا ترى

أن الأملاك لما لم تستحق إلا بالنية لم يرجع إلا بما يثبت به الاستحقاق وهذه مبنية على أنه لا يرجع إلى القافة وأن الدعاوى ترجع بالعلامات في اختلاف الزوجين في متاعا لبيت والراكب المتعلق بلجام الدابة. 18735 - احتجوا: بأنه وصف للمدعي فوجب أن لا تقوم به الدعوى، أصله: إذا وصف اللقطة. 18736 - والجواب: أن هناك لا يستحق بالدعوة فلا يرجح بالوصف [وهذا استحق بالقول فيرجح بالوصف ولأن اللقطة يتعلق بوصفها حكم وهو جواز التسليم وكذلك هاهنا يتعلق بالوصف] أيضا حكم ولأن اللقطة إذا ادعاها اثنان ووصفها أحدهما جاز أن تسلم إليه ويخاصمه الآخر. 18737 - قالوا: معنى من جهة المدعي لا تقوم به دعواه في اللقطة فلا تقوم في اللقيط كما لو كان زاهدا. 18738 - قلنا: هذا غير مسلم على ما بينا ولأن زهد المدعي لا يتعلق به حكم في اللقطة والعلامة يتعلق بها حكم في اللقطة كذلك في اللقيط. 18739 - قالوا: العلامة قد يثبت عليها بالوصف فصار يداه في يد غيره. 18740 - قلنا: هذا المعنى لم يمنع أن يتعلق بها جواز تسليم اللقطة إليه كذلك لا يمنع أن يترجح به دعواه في اللقيط. 18741 - ولأن الوصف إذا جاز أن يقف عليه من غيره فالعادة أن الأب لا يخفى عليه صفة ولده، فإذا جهل الصفة رجح دعوى الآخر على دعواه.

مسألة 939 حكم إذا مات اللقيط ولم يترك فجاء واحد وادعى نسبه

مسألة 939 حكم إذا مات اللقيط ولم يترك فجاء واحد وادعى نسبه 18742 - قال أصحابنا: إذا مات اللقيط ولم يترك والدا [فجاء] رجل، وادعى نسبه لم يثبت. 18743 - وقال الشافعي يثبت. 18744 - لنا: أنه حق يبتدئ إثباته في ميت والميت لا تثبت له الحقوق المبتدأة ولا عليه كالديون ولأنها دعوى نسب في ميت من غير ميت فلم يثبت فيه ابتداء كما لو ادعاه اثنان. 18745 - ولأن ما لا يستحق بدعوى الاثنين لا يستحق بدعوى الواحد كالديون. 18746 - احتجوا: بأنه أقر بنسب صغير مجهول النسب مع وجود الإمكان وعدم المنازع من غير إلحاق الضرر بأحد فوجب أن يصح. أصله: إذا كان [حيا]. 18747 - والجواب: أنه إذا كان حيا فهو ممن تثبت له حقوقه عليه، ولأن دعوى الحي فيه منفعة له لا تلزم نفقته وحضانته وميراثه يجوز أن يكون ويجوز أن لا يكون كما دفنه فصار في معنى المفاوضة فاتهم فيه فلم يثبت بقوله. 18748 - قوال: من صح استحقاق نسبه في حياته صح في موته كولد الملاعنة إذا ترك ولدا. 18749 - قلنا: لا فرق بينهما فإن اللقيط لو بلغ مجنونا فولد له ثم مات وادعى

رجل ولده يثبت نسبه وإن لم يكن له ولد لم يثبت كما تقول في الملاعنة وإنما شرطنا أن يبلغ مجنونا؛ لأنه إذا بلغ عاقلا لم يثبت نسبه بمجرد الدعوى حتى تنضم إليه البينة أو التصديق فإذا بلغ مجنونا ثبت نسبة بالدعوى فثبت بعد موته إذا اخلف ولدا كما يثبت في ولد الملاعنة. * * *

مسألة 940 ادعاء المرأة صبيا أنه ابنها

مسألة 940 ادعاء المرأة صبيا أنه ابنها 18750 - قال أصحابنا: إذا ادعت المرأة صبيا أنه ابنها لم يثبت نسبه منها حتى شهد لها على ولادته. 18751 - وقال الشافعي: فيه ثلاثة أوجه. 18752 - أحدهما ثمل قولنا. 18753 - والآخر يثبت إن كان لها زوج أو لم يكن ولا يثبت من الزوج والثالث إن كان لها زوج لم يقبل إقرارها وإن لم يكن لها زوج صح إقرارها. 18754 - لنا: أن النسب لا يثبت منها إلا بثبوته من غيرها وهو صاحب الفراش فلم يجز إقرارها بغير بينة كمن أقر بأخ أو عم. 18755 - وإن قيل: يجوز أن يكون الولد من الزنا فلا يثبت من غيرها. 18756 - قلنا: أمر المسلمة محمول على الصلاح ولا يجوز حمل إقرارها على الزيادة فلا يثبت من غيرها ولا يجوز أن تكون وطئت بشبهة لأنه إذا لاثبت منها ولد ولها فراش فلا يعلم الزنا ولا الوطء بشبهة نفى السبب من صاحب الفراش حتى ينفيه عن

نفسه فلما لم يجز أن يلحق به لم يثبت منها وإذا ثبت هذا فيمن لها زوج. 18757 - قلنا: إذا لم يكن لها زوج لم يقبل وإذا لم يكن فقد حملت النسب على زوج، ويجوز أن يظهر لها، ولأن ما لا يقبل إقرارها فيه إذا كان لها زوج لم يقبل إذا لم يكن لها زوج كالأخ والعم. 18758 - قالوا: من صح إقراره بغير النسب صح بالنسب كالرجل. 18759 - قلنا: نقول بموجبه لأن إقرارها يصح بالنسب إذا أقرت بأن قالوا يجوز إقرارها بالولد فجاز إقرارها بالولد حتى يثبت على نفسها وإقرارها بالولد حمل النسب على غيرها وحكم الأمرين مختلف بدلالة أن إقرار الرجل مقبول بالابن ولا يقبل بالأخ. 18760 - قالوا: ثبوت النسب منها تعلمه قطعا وثبوت النسب من الرجل لا يقطع فإذا ملك الرجل الإقرار بالولد فالمرأة أولى. 18761 - قلنا: إقرارها بابنها يعلم قطعا بولادة أمها وإقرارها بابنتها لا يعلم قطعا، ثم جاز إقرارها بابنها فلم يجز بأخيها مع وجود المعنى الذي ذكروا. * * *

مسألة 941 تصرف اللقيط وعقده العقود

مسألة 941 تصرف اللقيط وعقده العقود 18762 - قال أصحابنا: إذا بلغ اللقيط فتصرف وعقد العقود ثم أقر بالرق لإنسان فصدقه قبل قوله على نفسه ولم يقبل قوله في فسخ العقود وبطلان التصرف. 18763 - وهو أحد قولي الشافعي: وقال في القول الآخر تفسخ عقوده. 18764 - لنا: أنه حر في الظاهر فإقراره يتضمن إسقاط حق نفسه وإسقاط حق غيره فيصدق على نفسه ولا يصدق على غيره كمن ابتاع عبدا وزعم أنه حر عتق عليه ولم يرجع على البائع بالثمن. 18765 - ولأن عقوده صحت في الظاهر فلم يقبل قوله في فسخها كما لو ادعى أنه شرط فيها شرطا فاسدا وأن الرقم معنى لو قارب العقد منع صحته فإذا أقام به بعد صحة العقد في الظاهر لم يقبل قوله كمن باع وزعم أنه كان مجنونا عند العقد. 18766 - احتجوا: بأن ما ثبت به بالرق تثبت به أحكام، كما لو أقر المدعي البينة على الرق. 18767 - والجواب: أنه إذا أقام البينة ثبت الرق على وجه لا تهمة فاتبعه أحكامه فإذا أقر به [اتهم في حق عليه فلم تتبعه الأحكام. ألا ترى أن العبد المبيع إذا شهد الشهود بحريته رجع المشتري على البائع بالثمن ولو أقر أنه] ابنه عتق عليه وثبت نسبه وعلمنا أنه حر الأصل ولم يرجع على البائع بشيء. * * *

مسألة 942 ادعاء الكافر نسب اللقيط

مسألة 942 ادعاء الكافر نسب اللقيط 18768 - قال أصحابنا: إذا ادعى الكافر اللقيط ثبت نسبه وكان مسلما. 18769 - وقال الشافعي: في أحد قوليه يكون على دينه. 18770 - لنا: أنه محكوم بإسلامه بالدار فلا يقبل الكافر عن دينه كما لو شهد عليه، ولأن دعواه تتضمن منفعة اللقيط في النسب والحضانة وما يضره من طريق الدين فيقبل قوله فيما فيه منفعة ولا يقبل فيما فيه ضرر وكما لو أقر له بمال أنه يصح ولو أقر عليه بحق لم يقبل. 18771 - قالوا: بأنه لما ثبت نسبه تبعه في دينه كما لو ثبت بالبينة. 18772 - قلنا: إذا ثبت بالبينة والشهود لا يتهمون في شهاداتهم فعلم بمضمون الشهادة والمقر متهم في إقراره فيجوز أن يقبل بعض ذلك دون بعض. * * *

مسألة 943 ادعى اللقيط حر وعبد

مسألة 943 ادعى اللقيط حر وعبد 18773 - قال أصحابنا: إذا ادعى اللقيط حر وعبد فالحر أولى، وإن ادعاه مسلم وكافر فالمسلم أولى. 18774 - وقال الشافعي: يتساوون. 18775 - لنا: أن دعوى الحر المسلم أولى من دعوى العبد والكافر لأنه قد ثبت للصبي الإسلام والحرية والقولان إذا تعارضا في حقوق الصغير فالأنفع أولى من الأضر كما لو شهد شاهدان برقه وشاهدان بحريته وكما لو أقر لأب له بحق ثبت ولو أقر عليه لم يثبت. 18776 - ولأن كل ذكرين ادعيا النسب وأحدهما أحق بالحضانة كان أحق بالدعوى أصله: إذا ادعى أحدهما أنه ابنه والآخر أنه أخوه، ولأن الدعوى في اللقيط كالبينة فإن ادعياه ثبت النسب من المسلم وتثبت له اليد عليه. لأنه أحق بحضانته، فكما ادعياه وهو في يد أحدهما. 18777 - قالوا: بأن الحر والعبد يتساويان في جهة ثبوت النسب فصار كالحرين. 18778 - قلنا: هما وإن تساويا في الأنساب فالدعوى تقبل لحق اللقيط لولا ذلك لم يثبت النسب بمجرد الدعوى وإذا قبلناهما ثبت ما فيه من منفعة وسقط ما فيه من ضرر. * * *

كتاب الفرائض

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب الفرائض

مسألة 944 ميراث ذوي الأرحام

مسألة 944 ميراث ذوي الأرحام 18779 - قال أصحابنا: ذوو الأرحام أولى بالميراث من بيت المال، وهم من لا سهم لهم ولا تعصيب من الأقارب مثل أولاد البنات وبنات الأخوة وولد الأخوات وولد الإخوة من الأب وبنات العم، والعم من الأم والعمة وأولادهما والخال والخالة وأولادهما والجد أبو الأم. 18780 - وقال الشافعي: بيت المال أولى منهم. 18781 - لنا: قوله تعالى: {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله} شهد الله أنه يستحب التوارث بالولاء والهجرة وكأن الله تعالى قال: وأولوا الأرحام بعضهم أولى ميراث بعض إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا أي

توصوا لهم بوصية. 18782 - وهذا يدل أن المراد بالآية أنهم أولى بالمال. 18783 - فإن قيل: قوله في كتاب الله يدل على الرحم الذي يورث به وهو من ذكر ميراثه في كتاب الله وهو لا حق لهم في آية المواريث. 18784 - قلنا: قوله: في كتاب الله معناه فيما كتبه وهو حكمه وليس بالمراد به القرآن بدلالة أنا لا نعلم أن هذه الآية تأخرت من أي المواريث حتى حملت عليها. 18785 - ولأنه لا خلاف أن الجدة تستحق الميراث وليست ممن ذكر في آية المواريث. 18786 - فإن المراد بكتاب الله حكمه عموم ما قررنا ويدل عليه قوله تعالى: {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون}. 18787 - وهذا يقتضي أن يكون بكل قرابة من الرجال والنساء نصيب من التركة. 18788 - فإن قيل: قوله نصيبا مفروضا يدل على أن القرابة المستحق بها من فرض له نصيب. 18789 - قلنا: قوله نصيبا نكرة وقوله مفروضا ليس بصفة لأنه لو كان كذلك

لكان إعرابه كإعرابه فنفى أن يكون حالا والحال ينتقل فكان قدر نصيب في حال فرضه لهم. 18790 - وقال الأخفش: هو محمول على كلامين كأنه قال: جعله نصيبا مفروضا. 18791 - ويدل عليه قوله تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين}، وقد أريد بهذا ولد الولد بالإجماع فيتناول ولد البنت وولد الابن. 18792 - ويدل عليه ما روى أبو أمامة بن سهل بن حنيف أن رجلا رمى رجلا بسهم فقتله وليس له وارث إلا خال فكتب بذلك أبو عبيدة بن الجراح إلى

عمر فكتب عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (الله ورسوله مولى من لا مولى له [والخال وارث من لا وارث له). 18793 - وروى المقدام بن معد يكرب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (الخال وارث من لا وارث له)]. 18794 - وروى عمرو بن مسلم عن طاووس عن عائشة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (أنا وارث من لا وارث له أعقل عنه وأرثه والخال وارث من لا وارث له يعقل عنه ويرثه). 18795 - وفي خبر المقدام: (أنا مولى من لا مولى له، أرث ماله وأؤدي عنه، والخال وارث من لا وارث له يرث ماله فيعقل عنه) وهذا خبر صحيح متصل لم

يعارضه مثله عدل مخالفنا مثله ورده بغير حجة. 18796 - فإن قيل: الخال السلطان. 18797 - قلنا: عمر بن الخطاب روى هذا الخبر محكما في ميراث الخال النسب وكيف يجوز أن يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ليبين استحقاقه الميراث [ولا يذكره] بأخص أسمائه بل يذكر فيه اسما مشتركا لا يختص به السلطان لا يستحق ميراث أحد وإنما استحقه المسلمون عندهم، 18798 - قالوا: قوله: (الخال وارث من لا وارث له) كما يقال: الصبر حيلة من لا حيلة له. 18799 - قلنا: في الخبر (الله مولى من لا مولى له، والخال وارث من لا وارث له). فالمراد أحد الأمرين والظاهر هو المراد الآخر، وما يقولونه إن حمل عليه اللفظان كان كفرا، ثم هذا يؤدي إلى أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - أثبت وهو يريد النفي وهو غاية التلبس [وهو لا يجوز عليه في بيان الشرائع].

18800 - [فإن قيل: يحتمل أنه أراد إذا كان له بعصيب]. 18801 - قلنا: هذه اللفظة غير مذكورة في خبر عمر، ولا في خبر عائشة، وإنما ذكرت في خبر المقدام وقد تعارضت، وروى ويعقل عنه وروى ويفك عانه يعنى يحمل نقله، فيجوز أن يكون قوله ويعقل عنه: المراد به هذا وسمى ذلك عقلا لما فيه من تحمل وإن لم يكن واجبا. 18802 - وقد روى الدارقطني حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الخال وارث ولأن الخال عندنا يلزمه العقل في ولد الملاعنة إذا عتق من أخيه. 18803 - وإذا تزوجت الحرة عبدا فأولدها فجناية الولد على عاقلة أمه والخال أحدهم وإذا كان الخال يجوز أن يعقل وإن لم يكن ابن عم. 18804 - فقد قلنا: بالظاهر فأما هم فلا يمكن حمله عندهم على ابن العم [لأنه يجب أن يستحق الميراث بكونه ابن العم] بمعرفة بالنسب الذي لا يتعلق به استحقاق بل كان يجب أن يكون تعريفه بأخص وصفته بهذا الحكم أولى ويحتمل أن يكون هذا في الوقت الذي كان يعقل من يرث هذا ونسخ أحد الحكمين لا يسقط الآخر. 18805 - ويدل عليه: ما روى واسه بن حبان وقال: توفي ثابت بن

الدحداح وكان أتينا فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعاصم بن عدي هل تعرفون له قبل نسبا قال: لا يا رسول الله فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا لبابة بن المنذر ابن أخته فأعطاه ميراثه. 18806 - ولا يقال: يحتمل أن يكون عصبة؛ لأنه قال: لا يعرف له نسب. 18807 - ولا يقال: عطاء لأنه من المسلمين لأن في الخبر أعطاه ميراثه وهذا يدل على أنه أخذه ميراثا وأن ولد البنت وأبو الأم ينتسبون للميت بالولاء لولد الابن وأبو الأب ولأنهم يعتقون عليه بالقرابة فجاز أن يستحقوا الميراث كولد الأب. 18808 - ولأن ولد الأم يدلي بأحد الأبوين كابن الأب ويعتق عليه فلو قتله لم يقتص منه وإذا وطئ جاريته لا يحد كأب الأب. 18809 - ولأن ولد البنت يدلون بالبنت، والبنت أقوى في استحقاق الإرث من الأم فإذا استحق الإخوة للأم الميراث فولد البنت أولى، ولأن العم والعمة تساويا في الدرجة وكل ذكر وأنثى يتساويا في درجة القرابة [فكان الذكر من أهل الميراث

فكذلك الأنثى كالأخ والأخت. 18810 - ولأن العمة تدلى بالجد كالعم ولأنها قرابة] يتعلق بها تحريم المناكحة فتعلق بها الإرث كبنات الابن ولأن الخالة تستحق الحضانة كالأم. 18811 - ولأن كل رحم يحجب به الشخص استحق به الإرث بحال كالإخوة لما حجبوا الأم أسهموا بالإخوة الإرث. 18812 - ومعلوم بأن العم للأب والأم يحجب العم برحم الأم فيجب أن يرث العم من الأم بحال [أولى ولذلك] لم يحجب غيره بهذا الرحم. 18813 - ولأن القرابة لها رحم وإسلام بيت المال له إسلام ومن يدلي بسببين يقدم على من يدلي بسبب واحد إلا أن تضايق الفريضة عن السهام كالأخ للأب والأم والأخ للأب. 18814 - ولا يقال: بأن بنت المولى لها بسببين الإسلام وانتسابها إلى المولى أولى وبيت المال مقدم عليهما ولأن الولاء بسبب لا يورث به إلا بالتعصيب فمن لا تعصيب له لم يوجد له سبب غير الإسلام وأما النسب فيستحق به الإرث

بالتعصيب وتارة برحم ليس بتعصيب فكذلك قدم ذوي الرحم على بيت المال. 18815 - احتجوا: بما روى أبو إمامه الباهلي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث). 18816 - قالوا: فلما لم يذكر الله قرابة المواريث العمة والخالة دل أنه لا حق لهما. 18817 - الجواب: أن قوله تعالى: (إن الله تعالى أعطى كل ذي حق حقه المراد به بالقرابة وقد ذكر ذا الرحم في القرآن بقوله تعالى: {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض} وبقوله {ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون}. 18818 - ولا يجوز أن يكون المراد به قرابة المواريث لأن المولى لم يعطيها حقا وإن كان من أهل الحرب والجدة لم يذكرها وإن كانت من أهل الإرث، كذلك بنات الابن فعلم أن هذا لم يقصد به نفي الاستحقاق عمن لم يذكر في الآية وإنما المراد

من حصل له حق في الشرع. 18819 - قالوا: روى مسعدة بن اليسع عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن ميراث العمة والخالة فقال: لا أدري حتى يأتيني جبريل ثم قال: أين السائل عن العمة والخالة؟ فقال الرجل: نعم، فقال - صلى الله عليه وسلم - نبأني جبريل أن لا شيء لهما. 18820 - قلنا: احتجاج مخالفنا بهذا الخبر يدل على ترك مراعاة أصوله؛ لأن هذا الخبر روته الأئمة مرسلا عن زيد بن أسلم ومنهم من رواه عن عطاء بن يسار.

18821 - وقد رواه الشافعي مرسلا ثم قد رواه الدارقطني عن مسعدة بن اليسع الباهلي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، قال الدارقطني لم يسنده غير مسعدة وهو ضعيف والصواب مرسل وقال في موضع آخر من كتاب أسنده مسعدة ووهم فيه ولم يبين ذلك مسعدة وهو من وضاع الحديث روى نسخا موضوعا وكان الأولى لمخالفنا أن ينقل هذا الطعن إذا نقل الحديث عن الدارقطني فلا يستحل الإدلال به. 18822 - قالوا: روى الشافعي مرسلا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأتي قباء على حمار وحماره يستحر فسألنا عن العمة والخالة فأنزل الله تعالى أن لا ميراث لهما. 18833 - ورواه أصحابنا عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار وعن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا ليس له أصل صحيح ولا فاسد ولا يحل ذكره إلا على إرساله فإما أن يخلو عن كتاب أو رواية فلا. 18824 - فإن قيل: فما تقولون عن هذه الأخبار على أصولكم بقول المراسيل؟. 18825 - قلنا: هذا قبل نزول الآية في التوارث بالرحم ثم نزلت الآية فأفادت الميراث وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك في الخال، وبيانه في الخال بيان في الخلة فيصير المثبت أولى من النافي ويحتمل لا شيء من العصبات وذوي السهام أولى بتركهما سهم مقدر وتعصيب. 18826 - قالوا: كل أنثى ساوت أخاها في القرابة إذا لم تشارك في الإرث لم تكن وارثة كبنت المولى، وعكسه البنت والأخت. 18827 - قلنا: ولد المعتق يرثون بتعصيب المعتق لا بقرابته بدلالة أن المعتق إذا خلف ابنين فمات أحدهما وترك ابنا وترك الآخر خمس بنين ورثوا المعتق لا بتعصيب

لهما فلم تشارك أخاها ولم تستحق بانفرادها فأما أقارب الميت فيستحقون بالرحم إذا اجتمعت الأنثى مع الذكر في الدرجة وتساويا في القوة وتشاركا كالبنت والابن لأن الابن عصبة والبنت ذات سهم ولكل واحد في الأمرين ضرب من القوة ليس للآخر. 18828 - ألا ترى أن ذوو السهام إذا استغرقوا الفريضة اسقطوا العصبات وللعصبة ضرب من القوة ليس لذوي السهام لأنه إذا انفرد استحق كل المال بجهة واحدة فلما استوى الابن والبنت في الدرجة ولكل واحد ميزة ليس لصاحبه اشتركا، وأما العم والعمة فاجتمعا في الدرجة وللعم ميزة التعصيب وليس للعمة تعصيب ولا سهم فلم يساوه فاستحق الإرث فيها فإذا عدم لم يوجد من يتقدم عليها فاستحقت وصارت كالأخ للأب مع الأب والأم ولما تأكد استحقاقه انفرد بالإرث دونها فإذا عدم استحقت الإرث. 18829 - قالوا: من لا يرث مع عصبة أبعد من لا يرث بقرابته بحال كابنة المولى والمملوك والكافر من المسلم وعكسه الأولاد والإخوة. 18830 - قلنا: تقديم البعيد على القريب لقوته لا يوجب إخراج القريب من الإرث كما أن استحقاق القريب مع البعيد لا يوجب سقوط حق القريب ألا ترى أن ابن العم وإن بعد يرث مع البنت مع قربها ولم يجز أن يستدرك بمشاركته على إسقاط حقها لأنها ترث بالسهم وترث بالتعصيب.

18831 - ولا تعصيب لها بنفسها من بعد من القرابة إذا كان له سهم أو تعصيب يقدم على ذي الرحم القريب؛ لأنه لا سهم له ولا تعصيب فإذا انفرد تركه بين ذلك أن قوة النسب تقدم على القرب أن حد الأب أولى من العم بالميراث وإن كان العم أقرب لقوة نسب الجد ثم لم يخرج العم من الاستحقاق عند عدم الجد، كذلك قوة سبب العصبة وذوي السهم أوجب تقديمه على ذي الرحم وإن قرب. 18832 - ولا يدل ذلك على أنه لا يستحق عند الانفراد وأصلهم المملوك والكافر والمعنى فيه أن هناك معاني مؤثرة في الإرث. 18833 - والخلاف في كون النسب فيما يستحق به الإرث في الجملة فقياسه على المعاني العارضة لا يصح. 18834 - قالوا: قرابة مورث بقرابة تقدم على المولى فلما قدم المولى على ذي الرحم على أنه لا يرث وربما. قالوا: النبي - صلى الله عليه وسلم - أجرى الولاء مجرى النسب فلا يتقدمه الفرع على أصله. 18835 - قلنا: المولى له تعصيب وذوو الرحم ليس لهم ولاء تعصيب وقد بينا أن المستحق بالسهم والتعصيب يقدم في الإرث. 18836 - فأما قولهم: أن الولاء فرع النسب. 18837 - قالوا: لا تعصيب فهو فرع للنسب الذي هو التعصيب فلذلك تقدم عليه جميع العصبات وليس بفرع للنسب الذي هو الرحم فلذلك جاز أن يتقدم عليه. 18838 - قالوا: الحجب أوسع من الإرث، لأنه قد يحجب من لا يرث ولا يرث إلا من يحجب قد أثبت لذوي الأرحام الحجب مع سعة أمره فالإرث أولى.

18839 - قلنا: فالزوج والزوجة لا يحجبون غيرهم وإن كانوا من أهل الإرث على أنا جعلنا الحجب دليل لنا وبينا أن العم للأب والأم يحجب بالعم للأب برحم أنه فدل على أن العم لا يرث لولا ذلك ثم يحجب. 18840 - قالوا: الخطأ في كيفية توريث ذوي الأرحام دليل على الخطأ في التوريث لأن الخطأ فيما يفرع على الشيء دليل على بطلانه. 18841 - قالوا: فلما قلتم أن ولد البنت وولد الأخت يقتسمون للذكر مثل حظ الأنثيين فجعلتموهم عصبات وكذلك الخال والخالة، وقلتم في أب الأم أنه أولى من ولد البنت فجعلتموهم عصبات لا تعصيب لهم؛ لأنهم يدلون لمن لا تعصيب له فكيف يرث بالتعصيب من يدلى بمن لا تعصيب له. 18842 - ثم قلتم: في ابن أخت لأم [وبنت أخت لأم] المال بينهما بالسوية ولا فرق بين أولاد البنات وأولاد الأخوة للأم ثم قلتم أن للعم ما للأب فللخالة ما للأم؛ لأنهما يدليان بالأبوين وهذا يبطل بالجدة. 18843 - لأن أم الأب تدلي بالأب ولم تستحق سهم الأب. 18844 - قالوا: ثم قلتم في عمة الأم وخالها وخالة الأب وعمته أن ثلث الأم بين عمتها وخالتها أثلاثا والعمة تدلي [بأبي الأم] وليس بوارث فما وجد الثلثين لها

والخالة تدلي بأم الأم فهي وارثة فجعلتم من يدلي بغير وارث أقوى من الميراث فهذا فاسد. 18845 - والجواب: أن هذا الكلام ممن لا يتصف بعينه وهو منقول في فروع الجد بمذهب زيد فهلا قال إن اضطراب زيد في التفريع على مقاسمة الجد ورد أصوله في الأكدرية دل على فساد قوله في مقاسمة الجد وقد كان بعض من يتكلم في الفرائض عملا زماننا يسلك هذه الطريقة في الاستدلال إلا أنه لم يناقض؛ لأنه قال في الجد. بقولنا لاضطراب فروعه فأما من ينصر الشافعي على زعمه كيف يورد هذه الطريقة هي بعينها لازمة لصاحبها في الجد. 18846 - وقد قال أصحابنا: إن الذي دعى القوم إلى إسقاط ميراث ذوي الأرحام مع ورود النص عجزهم عن ترتيب فروعها وصعوبتها فأسقطوا الأصل فكفوا مؤونة الباب فهذه الطريقة لهم في أصول كثيرة. 18847 - فأما قولهم كيف يورثون مواريث العصبات من لا يدلي بعصبة فليس بصحيح؛ لأن الدلالة لما دلت على توريثهم وليس لهم سهم مقدر صار كالعصبات فورث الأقرب منهم فالأقرب فأما ولد الأخت للأم لكم فلهم أسوة من يدلون به فلما كان ولد الأم يستوي ذكرهم وأنثاهم كذلك أولادهم، وأما العمة والخالة فتركوا القياس فيهما لقول عمر وعلي وعب الله بن مسعود.

18848 - قالوا جميعا: للعمة الثلثان نصيب الأب وللخالة الثلث نصيب الأم، وأما أبو الأم فالصحيح من الروايتان ولد البنت أولى منه فأما عم الأم وخالها فيرثوا ميراثها على ترتيب العمة والخالة وقد حكمت الصحابة في ذلك لما ذكرنا. 18849 - قالوا: الميت لا يخلو إما أن يكون له ابن عم ولا يرث ذوي الأرحام معه. 18850 - قلنا: فكان يجب أن لا يستحق المسلمون ميراثه وإن جاز أن يستحق بيت المال ميراثه معه وهذا التقدير جاز أن يستحق ذوي الأرحام/ثم يجوز أن يخلو الميت من بني الأعمام. 18851 - ولأنه قد ينقطع نسبه من قبل أنسابه بأن يكون فيهم ابن ملاعنة، وولد زنا فلم يصح هذا الذي قالوه. ***

مسألة 945 الرد على أصحاب الفروض عدا الزوجين

مسألة 945 الرد على أصحاب الفروض عدا الزوجين 18852 - قال أصحابنا: إذا لم تستغرق السهام، الفريضة ولا عصبة للميت رد عليهم بقدر سهامهم إلا على الزوج والزوجة. 18853 - وقال الشافعي: الفاضل عن السهام لبيت المال. 18854 - لنا: قوله تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين} هذا يقتضي أن البنتين تستحقان جميع المال حين يكون سهم الابن وهذا

لا يكون إلا على قولنا. 18855 - ويدل عليه قوله تعالى: {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله}. 18856 - ويدل عليه ما رواه واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يجوز المرأة ثلث مواريث عتيقها ووليدها والولد الذي لوعنت به) فلا يستحق ميراث ابن الملاعنة إلا بالرد. 18857 - [فإن قيل: إنما بين - عليه السلام -، ما يظن أنها لا تستحقه تبين الإرث بالولاء لأن النساء لا ترث به إلا من أعتقهن وبين ولد الملاعنة لابن لا يظن أنها لا ترثه كما يرثه الملاعن. 18858 - قلنا: الميراث عبارة عن جميع ما تركه الميت فلما قال يجوز دل أنه قاضٍ أردا استحقاقها] 18859 - فإن قيل: ذكر في الخبر لقيطها 18860 - قلنا: ظاهره يقتضي استحقاقها ميراثه لولا قيام الدليل. 18861 - ولأن البنت تنسب إلى الميت بالولادة فجاز أن تستحق جميع الميراث

بالقرابة كالابن. 18863 - ولأن البنت والأخت تارة تكون عصبة وتارة تكون ذات سهم فجاز أن تستحق بقرابتها جميع المال كالأب والابن، ولأن القرابة لها رحم وإسلام وبيت المال له إسلام من غير رحم، ومتى اجتمع سببان يورث بهما واتسعت الفريضة لم تقدم عليه صاحب سبب واحد كالأخ للأب والأم والأخت للأب. 18863 - احتجوا: بقوله تعالى: {وله أخت فلها نصف ما ترك} فمن قال يستحق الجميع فقد زاد في الحكم ولأنه أثبت لها النصف إذا انفردت كما أثبت لأختها جميع المال. 18864 - قلنا: بين الله تعالى ما تستحقه بكونها أختا وهي لا تستحق بالأخوة أكثر من النصف وإنما تستحق الزيادة بالقرابة وذلك معنى غير الأخوة. 18865 - ألا ترى أن القرابة تتنوع فتارة تكون بنوة وتارة تكون أبوة وتارة أخوة والقرابة في الكل معنى واحد فدل أن القرب معنى يعم ثم يخصص جهات فهي تستحق بجهة القرابة النصف وبأصل القرابة ما بقي إذا لم يكن من هو أولى منها. 18866 - فإن قيل: ظاهر الآية يقتضي أنها جواب السؤال لأنه قال: {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة} وكيف يجوز عند السؤال أن يترك بعض

بيان الحكم. 18867 - قالوا: روى سعد بن سهل الساعدي قال: لاعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الرجل وزوجته وكانت حاملا فأنكر حملها وكان يدعي وجوب السنة أن يرثها ويرث ما فرض الله لها 18868 - قالوا: والذي فرض الله لها الثلث والسدس. 18869 - قلنا: الصحابة إذا قالت السنة احتمل سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - واحتمل سنة [] بعض الأئمة وخبر وائلة بيان استحقاقها لميراثه في قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان أولى. 18870 - ولأنه قال: ترث منه ما فرض الله تعالى لها وقد فرض لها بكونها أما الثلث وجعل لها الباقي [يرحمهما عندنا كل ذلك فرض الله تعالى وحكمه]. 18871 - قالوا: روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: إن الله تعالى أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث 18862 - قلنا: أعطاهم السهام المقدرة بالآية وأعطاهم بقية المال بالرحم] بقوله تعالى: {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله} 18873 - قالوا: ذو سهم لا تعصيب له فوجب ألا يزاد على فرضه كالزوج والزوجة. 18874 - قلنا: الزوج ليس له جهة يستحق بها إلا الزوجية فلا يستحق بها بقية

المال، وأما البنت فلها البنوة والرحم فإذا استحقت بكونها بنت نصفا جاز أن تستحق الباقي برحمهما عندنا كما أن الأب مع البنت يستحق الفرض بالأبوة والباقي بالتعصيب كما يستحق الزوج إذا كان ابن عم أو مولى بقية المال بالتعصيب كذلك هاهنا. 18875 - قلنا: [إنما لا يجوز] ترك الجواب عند السؤال إذا كان لا طريق إلى معرفة الحكم إلا ببيانه فأما إذا كان للحكم طريق آخر فلا يمتنع أن لا يبين ويكله إلى الاجتهاد وإلى دليل العقل. 18876 - ألا ترى أن عمر لما سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الكلالة قال: يكفيك آية الصيف فلما لم يبين له مع السؤال ووكله إلى الاجتهاد. 18877 - فإن قيل: الأب يستحق السدس بالولاء وهذا معنى غير الأبوة كالأم والجدة ويستحق الباقي بالأبوة والبنت ليس لها إلا معنى واحد 18878 - قلنا: لا فرق بينهما لأن العم معنى شائع يتنوع بالبنوة والأخوة وهو موجود في جميعهم فلو كان الرحم هو الأبوة استحال أن يكون هو الأخوة وإذا كان معنى غيرها استحق بنفسه المال واستحق بالبنوة المقدرة. 18879 - قالوا: المسلمون يعقلون عنه والفاضل من ذوي السهام لهم كالوارث 18880 - قلنا: الميراث غير معتبر بالعقل بدلالة أنه يعقل عنه القريب والبعيد ويرثه

القريب فيرثه الأب والابن فلا يدخلان في العقل عندهم. 18881 - قالوا: [يمت إلى الميت] بنسب واحد فلا يرث من وجهين العصبات. 18882 - قلنا: يبطل بالأب مع الابن. 18883 - فإن قالوا: للأب رحم وتعصيب. 18884 - قلنا: وللبنت رحم وولاء. 18885 - قالوا: القرابة تقدم في الإرث على المولى فلما قدم المولى على الإرث دل على أنه لا يستحق الفاضل. 18886 - قلنا: المولى عصبة والرد يستحق بمجرد الرحم والتعصيب والسهام مقدم على الرحم كما تقدم المولى على بيت المال وإن كان يستحق الإرث عندهم. ***

مسألة 946 حكم من مات ولا وارث له

مسألة 946 حكم من مات ولا وارث له 18887 - قال أصحابنا: من مات ولا وارث له وضع ماله في بيت المال لا على الإرث ولكن لأنه لم يوجد له مستحق لعينه. 18888 - وقال الشافعي: يوضع على وجه الإرث. 18889 - لنا: أن الميراث يملك بدلالة أن من لم يصح تملكه لم يرث كالعبد والملك لا يثبت لمعين. 18890 - ولأنه لو كان إرثا لم يستوفه القريب والبعيد ولم يستوفه الذكر والأنثى بكل حال كميراث العصبات. 18891 - ولأن من لا يعرف له وارث معين لا يوضع ماله في بيت المال إرثًا كالذمي؛ لأن التوارث لا يكون مع اختلاف الدين. 18892 - احتجوا: بما روى المقدام بن معديكرب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من ترك كلا فعلى ومن ترك مالا فلورثته وأنا وارث من لا وارث له أعقل عنه وأرثه والخال وارث من لا وارث له يعقل عنه ويرثه.

18893 - قالوا: والنبي - صلى الله عليه وسلم - لا يرث الأجانب فإنما أراد به يرثهم من بيت المال كذلك قوله أعقل عنه معناه يعقل بيت المال وأضاف ذلك إلى نفسه؛ لأنه يملك التصرف في بيت المال. 18894 - والجواب: أن هذا الخبر قد طرقه الدارقطني وغيره فلا يذكر فيه الزيادة وقد اختلف في المقدام في الحال ففي بعض الأخبار فيعقل عنه وفي بعضها نقل غاية فدل على اختلاف الخبر. 18895 - ولأنه متروك الظاهر؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يرث بالإجماع فعندهم معتاد يرثه بيت المال وعندنا معناه يستحق أخذه كما يستحق أخذ الإرث. 18896 - قالوا: في حمل العقل ورث كالعصبة. 18897 - قلنا: العقل يتحمل بالنصرة والتوارث بالقرابة وهذا يستوي في العقل القريب والبعيد ويختص بالميراث من لا يعقل كالنساء والصبيان ويعقل عندنا من لا يرث وهم أهل الديوان فجرى اعتبار أحد الحكمين بالآخر ولأن العصبات لما ورثوا كان الميراث الأقرب فالأقرب ولما استوى في بيت المال القريب والبعيد علم أنه لا يوجد على وجه الإرث. ***

مسألة 947 حكم إذا قتل الصبي وارثه

مسألة 947 حكم إذا قتل الصبي وارثه 18898 - قال أصحابنا: إذا قتل الصبي وارثه لا يحرم من الميراث، وكذلك المجنون. 18899 - وقال الشافعي: لا يرثان. 18900 - لنا: قوله تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين}. 18901 - ولأن حرمان الإرث حكم يتعلق بقتل العمد فلا يتعلق بقتل الصبي كالمأتم والقود. 18902 - ولأنه حكم يتعلق بالقتل على طريق الرد فلا يثبت في قتل الصبي والمجنون كالقصاص. 18903 - ولأنه فعل من المجنون فلا يسقط حقه من الميراث كالإمساك، ولأن حرمان الميراث يتعلق بالقتل على طريق العقوبة. 18904 - الدليل: ما روى سيرين/عن عبيدة السلماني أنه قال: لا ميراث

لقاتل بعد صاحب البقرة، وقد كان صاحب البقرة في بني إسرائيل قتل قتيله ثم ذهب وألقاه على باب قوم آخرين وطالب بدمه فحرم ميراثه فشرع ذلك من بعده فدل على أن ذلك عقوبة القاتل. 18905 - لأن هذا حكم يثبت صيانة للنفوس فكان عقوبة كالقود، ولأن ما يثبت على وجه التغليظ إذ تعلق بفعل هو معصية كان عقوبة كالحد ولا يقال لو كان عقوبة لم يتعلق بقتل الخطأ لأن الخطأ يجوز أن يتعلق به القود فلهذا قال لله تعالى: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا}. 18906 - ولأن الخاطئ يجوز أن يكون أظهر الخطأ وهو عامد فالحق بالعمد حسما لمادة القتل. 18907 - فإن قيل: يجب أن يحل للخاطئ أخذ الميراث فيما بين الله تعالى وبينه. 18908 - قلنا: إذا أسقطنا أرثه للتجويز لم يجز أن يأخذ ما حكم بأنه غير مستحق له فلزمه حكم السارق والغاصب وإذا ثبت أن حرمان الميراث عقوبة لم يثبت في حق الصبي والمجنون كسائر العقوبات. 18909 - فإن قيل: لا يثبت في حق الصبي العقوبة البدنية ويجوز أن يثبت في حقه العقوبة المالية وهذا من عقوبات الأموال

18910 - قلنا: حقوق الأموال الواجبة على طريق العقوبة لا تلزم الصبي كالجزية. احتجوا: بقوله - عليه السلام -: (لا ميراث لقاتل، وليس لقاتل شيء). 18911 - والجواب: أن هذا زجر عن القتل والزجر لا يتناول الصبي والمجنون فلهذا لا يتناول عموم قوله النفس بالنفس وقوله: {يأيها الذين ءامنوا كتب عليكم القصاص في القتلى}. 18912 - قالوا: قاتله فلا يرث كالعاقل البالغ 18913 - قلنا: البالغ العاقل يجوز أن يتعلق بفعل القصاص والمأثم عنه فلم يتعلق به حرمان من الميراث وفعل الصبي ينفى ارتفاع المأثم عنه فلم يتعلق به حرمان الميراث. 18914 - فإن قال قائل: متهم في استعجال الميراث كالبالغ، وربما قالوا قتل مضمون. 18915 - قلنا: أما اعتبار التهمة استعجال الإرث والأحكام التي موجبها التهمة عقوبات على ما يتهم به والصبي العاقل لا يعاقب على أفعاله التي تحققت منه فالأولى أن لا يعاقب على ما يتهم فيه، 18916 - وقولهم: قتل مضمون لا يصح؛ لأن أفعال الصبي يجوز أن توجب عليه الضمان ولا يجب أن تسقط حقوقه بفعله كما لو أعتق أو أقر بالعتق في ممالكيه أو أبرأ من دونه والمغنى في البالغ العاقل إن فعله إذا وقع على وجه العمد جاز أن يوجب القصاص، وفعل الصبي إذا وقع عمدا لم يجز أن يوجب القصاص فلم يوجب حرمان الميراث.

مسألة 948 القاتل بحق لا يحرم من الميراث

مسألة 948 القاتل بحق لا يحرم من الميراث 18917 - قال أصحابنا: ألقاتل بحق لا يحرم الميراث. 18918 - واختلف أصحاب الشافعي على طريقتين فمنهم من قال: حرمان الميراث يتعلق بالقتل في جميع الأحوال 18919 - فقالوا: إذا قتله قصاصا أو دفعا عن نفسه لو قتل الإمام مورثه لأنه أقر بقصاص أو بزنا وهو محصن أو قتله في قطع الطريق لم يرثه هذا اختيار الأصطخري وقال المروزي كل قتل فيه تهمة لاستعجال الميراث يتعلق به حرمان الميراث. 18920 - ولأن من لا يتهم قبل استعجال الميراث ورث منه مثل الحاكم إذا حكم بالردة أو بالإقرار بالزنا أو قلته في قطع الطريق فأما إذا قتله وليه فقتله لم يرث وكذلك إذا شهد عند الإمام شهود فقبل شهادتهم لم يرث لأنه متهم في التركة وكذلك إذا قتله دفاعا عن نفسه أو قتله في الحرب وهو باغ.

18921 - وقال ابن سريج: كل قتل مضمون بالدية والكفارة تمنع الإرث وما ليس بمضمون لا يمنع الإرث 18922 - لنا: أنه حق ثبت له قتله فاستيفاؤه لا يحرمه الميراث كاستيفاء الدين، ولأن الميراث حق ثبت بالموت فلا يسقطه القتل بحق كالوصية ولأن أحكام القتل القصاص والمأثم والدية والكفارة وهذه الأحكام كلها لا تتعلق بالقتل بحق فكذلك حرمان الميراث لما كان من أحكام القتل، ولأنه فعل مباح فلا يتعلق به حرمان الميراث كسائر الأفعال المباحة. 18923 - ولأن حرمان الميراث يتعلق بالزجر على طريق الزجر عنه وهذا القتل لا يزجر عنه، ولهذا قد ادعى أصحابنا الإجماع في قتل العادل للباغي أنه لا يحرمه الميراث؛ لأنه قتل مثولا وقتل واجب إلا أن أصحاب الشافعي ارتكبوا ذلك وخالفوا الإجماع. 18924 - احتجوا: بقوله - عليه السلام - (لا ميراث لقاتل) وقوله) ليس لقاتل شيء. 18925 - والجواب: أن هذا الخبر عن القتل فيختص بالقتل الممنوع منه فأما القتل الواجب فلا يسقط حق القاتل. 18926 - قالوا: لأنه قاتل فأشبه القاتل بغير حق. 18927 - قلنا: هناك تعلق بفعله أحكام القتل فتعلق به حرمان الإرث وهذا الفعل لا يتعلق؟ أحكام القتل فلا يحرم الإرث. 18928 - قالوا: متهم أن يكون اختيار تعجيل القصاص. 18929 - قلنا: التهمة إنما تكون فيما يمنع منه فأما ماله أن يفعله فلا يتهم والظاهر أن ذلك فعل بالحق الذي ثبت له.

مسألة 949 حافر البئر وواضع الحجر في الطريق لا يحرم من الميراث

مسألة 949 حافر البئر وواضع الحجر في الطريق لا يحرم من الميراث 18930 - قال أصحابنا: حافر البئر وواضع الحجر لا يحرم من الميراث. 18931 - وقال الشافعي: يحرم من الميراث. 18932 - لنا: أنه لم يوقع فعل في المقتول ولا فيما اتصل به فصار كالآمر والممسك ولأنه غير متهم في ذلك لأنه لا يعلم هل وقع وليه أمر لا وصار كما لو حفر في ملكه. 18933 - ولأنه سبب لو حصل في ملكه لم يوجب حرمان الميراث كذلك إذا حصل في غير ملكه كما لو وضع حجرا فنقلته الريح عن مكانه. 18934 - ولأنه لا يسمى قاتلا والدليل عليه أن القتل في اللغة إيقاع فعل في المقتول أو فيما اتصل به وهذا لا يوجد في الحافر، ولأنه ولو كان قاتلا استوى أن يكون الحفر في ملكه وفي غير ملكه كالرمي ولأنه قد يقع في البئر بعد موت الحافر ويستحيل أن يكون قاتلا بعد موته. وكل فعل ليس بقتل لا يتعلق به حرمان الميراث بين الحرين المسلمين كالإمساك وليس هذا إثبات اسم بقياس [وإنما هو نفي اسم بقياس] 18935 - احتجوا: بقوله - عليه السلام - (لا ميراث لقاتل). 18936 - والجواب: أنا لا نسلم الإثم ففي حافر البئر على ما بيننا. 18937 - قالوا: فعل يتعلق به ضمان النفس فتعلق به حرمان الميراث بين الحرين

المسلمين كالإمساك ولأن ما تعلق بقتل الخطأ جاز أن يتعلق بحفر البئر ووضع الحجر كالدية. 18938 - قلنا: ضمان النفس لا يتعلق بها الحرمان والمعنى في المباشرة أنه يتهم فيها لجواز أن يكون قصد القتل وليس كذلك حفر البئر. 18939 - لأنه لا يتهم فيه ولأن المباشرة يجوز أن يتعلق بها القصاص فجاز أن يتعلق بها حرمان الميراث والحفر لا يجوز أني تعلق به قصاص فلا يتعلق به حرمان الميراث فصار كالأمر. 18940 - وقولهم ما تعلق بقتل الخطأ جاز أن يتعلق بحفر البئر [لا يصح 18941 - لأن المباشرة إذا حصل سببها في ملكه تعلق به الضمان والحفر] إذا حصل في ملكه لم يوجب الضمان فأما ضمان الدية فيجوز أن يتعلق بما ليس بقتل بدلالة العقل فجاز أن يتعلق بحفر البئر وحرمان الميراث بين الحرين المسلمين لا يتعلق بغير الفعل فلم يتعلق بحفر البئر. ***

مسألة 950 القربى من الجدات أولى بالسدس

مسألة 950 القربى من الجدات أولى بالسدس 18942 - قال أصحابنا: القربى من الجدات أولى بالسدس من البعدى. 18943 - وقال الشافعي: إن كانت القربى من قبل الأم فهي أولى، وإن كانت القربى من قبل الأب شاركتها البعدى من جهة الأم. 18944 - لنا: أنهما اشتركا في سهم واحد فالقربى أولى من البعدى كما لو كانت القربى من جهة الأم ولأنها أم الأب أقوى من أم الأم لأنها تدلى بعصبة وترث الميت ويرث منها وأم الأم تدلي بذات سهم ولا يرث الميت منها مع وجود ذوي السهام والعصبات فإذا حجبت أم الأم أم الأب فلا تحجب أم الأب من بعد من جهة الأم أولى. 18945 - ولأنها ترث بالأمومة فلم تشاركها في سهمها من بعد أمومية [كما أن البنت لما ورثت بالنبوة لم يشاركها في سهمها من بعدت] ثبوتها وهي بنت البنت. 18946 - فإن ألزموا على هذا أم الأب إذا كان ابنها حيا لم تحجب أم الأم مع قربها. 18947 - قلنا: ذكر أبو منصور السمرقندي عن أبي حنيفة عن أبي يوسف أنه يحجبها فقلت له أليس الأخوة يحجبون الأم ولا يرثون فرجع عن قوله.

18948 - احتجوا: بأن الجدة من قبل الأم تدلى بالأب والأب لا يحجب الجدة من قبل الأم فوجب أن لا تحجبها الجدة التي تدلى به، وتحريره أن كل شخص لا يحجب شخصا حجب إسقاط فمن يدلى به لا يحجبه حجب إسقاط كالأب لا يحجب الأم فالجدة التي تدلى به لا يحجبها والعم لا يسقط الأخ ولأن العم لا يحجبه. 18949 - والجواب: أن الأب لا يسقط بعد فرض الجدة وأمه تزاحمها وسقط حقها عن بعض الفرض والأخوة يحجبون الأم وأبوهم لا يحجبها. 18950 - وقولهم: إنا قلنا حجب إسقاط وهذا حجب عن بعض الفرض ليس بصحيح لأن من يحجب عن بعض السهم ثبت له ما لم يثبت لمن يدلى به/في المزاحمة وكذلك من يحجب عن جميعه يجوز أن يثبت له ما ثبت لمن يدلى به وذلك لأن الأب عصبة وأمه ذات سهم ويجوز أن يحجب ذوو السهم وإن كانت العصبة التي يدلى بها تحجبه. 18951 - ألا ترى أن البنات يحجبن بنات الأم وهن يدلين بالأب والأب لا يحجب في بنات الابن فيبطل ما قالوه. 18952 - فأم الولد إذا كانت [.....] الآخر كافر [] بأمه قاتلة لأنه يحجب أم الأب إذا وجدت بنتها لا تحجبها وأم الأب تحجب أمها أم أم الأب وابنها الذي هو الجد لا يحجبها وكذلك في مسألتنا.

مسألة 951 ميراث الجد مع الأخوة

مسألة 951 ميراث الجد مع الأخوة 18953 - قال أبو حنيفة: الجد أولى بالميراث من الأخوة. 18954 - وقال أبو يوسف ومحمد يشاركونه ما لم تنقصه مقاسمة من الثلث فيه 18955 - وبه قال الشافعي. 18956 - لنا: قول الله تعالى {ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث} واسم الأب يتناول الجد بدليل قوله تعالى: {ملة أبيكم إبراهيم} وقال: {يابني ءادم}. 18957 - فإن قيل: هذا مجاز والحقيقة لا تتناول إلا الأب الأدنى فلهذا

يصح أن ينتفي عنه الاسم فيقال: ليس بأب واسم الحقائق لا تنتفي عن مسمياتها. 18958 - قلنا: الأحكام التي ذكرها الله تعالى متعلقة بالآباء أراد بها الأجداد والآباء بدلالة قوله تعالى: {ولا تنكحوا ما نكح ءاباؤكم من النساء} وقوله {ولا يبدين زينتهم إلا لبعولتهن أو ءابائهن}. 18959 - فإذا كانت الأحكام المتعلقة باسم الآباء في الشرع يتناول الجميع حمل الميراث على ما استقر من خطاب الشرع. 18960 - فإن قيل: لو صح هذا استحقت الجدة الثلث. 18961 - قلنا: كذلك نقول لولا قيام الدلالة. 18962 - قالوا: روي عن أبي بكر أنه قال للجدة ما أجد لك في كتاب الله حقا ولو كانت الجدة أما كان حقها في القرآن. 18963 - قلنا: إنما أراد به ليس لها بكونها جده سهم والقرآن يقتضي استحقاقها بكونها أما فالتمس لها سهما بكونها جدة فلما شهد المغيرة بذلك لم يرجع إلى

العموم مع عموم حقها بالاسم الخاص. 18964 - ولأن الله تعالى ورث الأخوة والأخوات في الكلالة، والكلالة من ليس له ولد ولا والد فلما لم يرث الأخوة للأم مع الجد دل على أنه لا يرث معه الأخوة للأب والأم. 18965 - ولأن تعصيب الجد يستفاد [بالولاء صار كالأب ولا يلزم به الاسم إذا كان مولى لأن تعصيبه مستفاد] بالعتق لا بالولادة. 18966 - فإن قيل: المعنى في الأب أن الأخوة يدلون به ومن يدلى بعصبة لا يرث معه كما لا يرث الجد مع الأب وابن الابن مع الابن وابن الأخ مع الأخ وليس كذلك الجد الآخر ولا يدلون به وإنما هم في درجة واحدة وتعصيبهم بالبنوة، لأنهم أولاد أبي الميت والجد [أبو الميت] والبنوة في هذه الدرجة على قوتها فإن تعصيب أخيه كالولد. 18967 - قلنا: الأب لم يسقط الأخوة لأنهم يدلون به بدلالة أنه يسقط الأخوة للأم وهم لا يدلون به وكذلك يسقط ولده لما سقط به ولد الأم وعليه الفرع يبطل فإن الجد وابن الأخ وأولاد الأخ لا يدلون به وقد ساواهم في الدرجة. 18968 - لأن هذا ابن أبي الميت وذاك أبو أبي الميت واختيارهم بقوة تعصيبه بدلالة أن يعصب أخته غلط.

18969 - لأن الأخ يعصب أخته لقوتها في نفسها فلحقت به فأما أن تكون لقوة التعصيب فلا. 18970 - ولأن الجد عصبته تلي في مال الصغير كنكاحه بغير كفاءة كالأب ولأنه يملك بيع ماله من نفسه كالأب. 18971 - والدليل على أن الولادة مؤثرة في الإرث أن أهل الملتين لما ارتفعت الولاية بينهم لم يتوارثوا؛ لأنهما تساويا في الإدلاء إلى الميت وفي التعصيب بقرابتهما وأحدهما لا يجرى بينه وبين الميت قصاص ولا يجب عليه الحد بوطء جاريته ويثبت الاستيلاء بوطء جاريته فصار في هذه الأحكام كالأب ولم أنتف هذه الأحكام في الأخ جرى مجرى الأخ وابن العم. 18972 - ولأن الانتساب يقع إليه كالأب الذي يقع الانتساب إليه ولا جاري في عمود النسب. 18973 - لأن النسب إلى الأولاد والأخوة خارجون عن عمود النسب كالأعمام ولأنه عصبة يسقط ولد الأم كالابن. 18974 - ولا يلزم بنت الابن؛ لأنها ليست عصبته ولأنه يرث بالتعصيب تارة وبالسهم تارة أخرى كالأب.

18975 - فإن قيل: هذا يدل على قوة تعصيبه الابن بالأمرين وهو أقوى من الأب. 18976 - قلنا: لم يستدل بها على قوة التعصيب وإنما استدللنا به على أن تعصيبه وتعصيب الابن سواء لأن ابن الابن يرث الجد بكونه ابنا فيجب أن يرثه بكونه أبا لأنه يستحيل أن يكون ابنا له ولا يكون هو أبوه. 18977 - ولأن الجد يدلي بابنه والأخ يدلي بأبيه فصار كالعم ولأن الجد يدلي بابنه يجب [والأخ يدلي بابنه فلما اجتمع الأب والابن كان الابن أولى بالتعصيب كذلك من يدلي بالابن] أن يكون أولى من الأخ الذي يدلي بأبي الميت. 18978 - فإن قيل: فيجب أن يكون الجد أولى بالتعصيب من ابن الابن. 18979 - قلنا: ابن الابن وإن كان يدلى بأبيه فإنه يدلي أيضا بابن الميت، فلذلك لم يكن الجد أولى منه بالتعصيب والأخ لا يدلى بابن نفسه ولا بابن الميت ولا يساوي من يدلي بابن على أي وجه كانت البنوة. 18980 - ولأن الأخ يشارك أب الجد عند مخالفنا والجد يسقط أباه فوجب أن يسقط كل عصبة تجري مجرى ابنه. 18981 - ألا ترى أن الأب لما أسقط الجد أسقط كل عصبته أجرى مجراه كالأخوة

والابن لما أسقط [ابن نفسه] أسقط كل عصبة تساوي ابنه وهو بنو أخته. 18982 - ولأن العصبة إذا لم يساووا لم يفضل بعضهم على بعض فلما انفرد الجد بسهم لا يساوي فيه الأخوة دل على أنهم لا يتساوون ولأن كل ذكر تقدم الجد على ابنه تقدم عليه كابن العم فلما قدم الجد على ابن الأخ لذلك تقدم على الأخ يبين ذلك أن العصبات إذا تنوعوا فالنوع الأول يكون مقدما قرب أم بعد فلهذا تقدم ولد الأخ على العم كما يقدم أبوهم فلما قدم الجد على ولد الأخوة [ولأن الأخوة] لا يتساوو. 18983 - ولأنهم اتفقوا في زوج وأم وجد وأخ أن الأخ يسقط فلو ساوى الأخ الجد في التعصيب لم يسقط معهم في هذه المسألة. 18984 - فإن قيل: إنما يتساويان في التعصيب وقد سقط تعصيبهما هنا وإنما يستحق الجد بالفرض. 18985 - قلنا: غلط لأن الجد لا يستحق الفرض إلا مع الولد كما لا يستحق الأب الفرض إلا مع الولد ويدل عليه قوله - عليه السلام -: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفرائض فلأولى عصبة ذكر) فتعصب الجد نوع غير تعصيب الأخ فيجب أن

يكون الفاضل لأولاهما. 18986 - وقد أجمعوا أن الأخ ليس بأولى بالفاضل من الجد فلم يبق إلا تساويه أو يكون الجد أولى منه ولا يجوز أن يساويه لأن عدد الإخوة إذا كثر لم يساويهم فانفرد بنصيب هو أوفر من نصيب أحدهم ويرث مع الولد دونهم وسقط ولد الأم ولا يسقطونه فدل على أنه أولى بالفاضل من الأخ. 18987 - ولأن تعصيب الجد نوع مخالف لتعصيب الإخوة والميراث لا يشترك فيه عصبتان مختلفتان كما لا يشترك الأعمام والأخوة والموالي بسائر العصبات ولأنه عصبة يرث معه الأولاد كالأب ولأن الميراث إذا تعلق بجهة تعصيب لم

تشاركها جهة أخرى وإنما ينتقل الإرث بانقطاع الجهة كالأولاد والأب يرثوا بالولاء فما دام جهة الولاء لا ينتقل الميراث إلى غيرها. 18988 - احتجوا: بقوله تعالى: {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون}. 18989 - قالوا: وقربة الجد والأخ واحد لأنهما يدليان بالأب فيقدم ولد الأخ على ولد الجد وتراكض الأخوات في رحم واحد وخرجا من صلب. 18990 - والجواب: أن الآية تقتضي استحقاق الأقرب للميراث والقرب قد يكون بالتساوي في الدرجة وقد يكون بقوة الجهة لدلالة أن الأخ للأب والأم في درجة الأخ للأب وهو أقرب لقوة في نفسه والجد أقرب عندنا منا لأخ فهو أولى. 18991 - فأما تراكضهما في رحم واحد وخروجهما من ظهر واحد فمزية الجد أولى. 18992 - لأن الميت حرمه والتعصيب أكد من المشاركة بدلالة الأب وتقديم ولد الأخ على ولد الجد لا يدل على قرب الأخ لأنه لو كان كذلك لكان أولى بالميراث من الجد وهذا لا يقوله أحد.

18993 - قالوا: كل من أخته لم يسقط الجد كالابن وعكسه العم وابن العم. 18994 - قلنا: تعصيبه لأخته إنما هو لقوتها لا لقوته لأنها ورثت بمعنى لا يرث به وهو/الفرض وساوته في الرتبة فلحقت به والكلام في قوة تعصيبه. 18995 - ولأن الجد لما لم يسقط جد الجد لم يسقط ولده فلما أسقط ولد الأخ ذكره على أنه يسقطه كما أنه لم يسقط ولد العم أسقط العم. 18996 - قالوا: الأخت ترث نصف المال بالفرض فلم يسقطها الجد كالبنت. 18997 - قلنا: ألجد لا يسقط ولكنها في درجتها فلم يسقطها فيسقط ولد الأخ. 18998 - ولأن الجد قرابته نوع غير قرابتها فلو لم يسقطها لم يعين فرضها كالعم وكما لا يعين الجد فرض البنت وإنما يرث الباقي بالتعصيب تعصيبا. 18999 - فلما قالوا: إن الجد عين فرضها علم أنها مخالفة للبت التي لا يتعين فرضها الجدة 19000 - قالوا: الإخوة كالأولاد لأن الواحد يرث جميع المال والآخر النصف والأختين الثلثين فإذا اجتمع الذكور والإناث اقتسموا للذكر مثل حظ الأنثيين. 19001 - ولأن الأخ يقول: أنا ابن أبي الميت والجد يقول: أنا [أبو الميت] فكان الأب كالأخ يدلي بالبنوة، لأن الأخ ينفرد بالتعصيب المحض والجد يرث

بالتعصيب تارة وبالسهم أخرى وهذا مخالف للابن. 19002 - والجواب: أن هذه الطريقة في الترجيح تقتضي تقدم الأخ على الجد وهو خلاف الإجماع. وطريق الاجتهاد إذا أدى إلى ما يخالف الإجماع دل على سقوطه. 19003 - لأن الإجماع مقطوع بصحته وقولهم هذا هو القياس أو لإجماع الصحابة يرد لأصولهم لأن من مذهب الشافعي أن القياس الصحيح لا يختص فإذا لم يكن أجراه يسقط ودل على فساده. 19004 - فأما قولهم أن الأخ يدلي بالبنوة والجد بالأبوة فيبطل بأب الجد وابن الأخ لأنهم في درجة واحدة وابن الأخ يدلي بالبنوة والجد أولى منه وكلك العم أبو الجد يدليان بالجد وأحدهما أبوه والآخر ابنه ثم الجد أولى من العم وإن كان يدلي بالبنوة. 19005 - فأما قولهم أن الأخ يستحق بالتعصيب المحض والجد يستحق تارة بالسهم. 19006 - فهذا لو دل على ضعف تعصيبه [يدل عليه نسب الأب وهذا لم يقوله أحد. ولأن الجد يستحق الثلث] ويحجب عنه فيستحق بالسهم والأخ يحجب عن التعصيب فلا يستحق شيئا فدل على قوة سبب الجد. 19007 - قالوا: الإخوة يجرون في الميراث مجرى الأولاد بدلالة تعصيب

الأخوات وانفراد الواحدة بالنصف ومن جرى في الميراث مجرى غيره ممن لا يسقط أحدهما لا يسقط الآخر إذا لم يكن يدليان به يدل عليه الجدتان لما أجرى مجرى واحد [لم يحجب] أحدهما من لا يحجب الآخر إذا لم يدل بها. 19008 - قلنا: لسنا نسلم أن الإخوة يجرون في الإرث مجرى الأولاد ولأن الولد لا يحجب والإخوة يحجبون والأولاد يسقطون تعصيب الأم والإخوة يسقطون به والولد الواحد يجب الأم من الثلث إلى السدس ولا يحجبها الأخ الواحد وليس إذا جرى مجرى الولد من وجه كان في حكمه. 19009 - لأن الجد يجري مجرى الوالد في الإرث بالسهم تارة وبالتعصيب أخرى فليس له حكم الأب عند مخالفنا ثم هذا يبطل بنت الابن فإنها أجريت في الميراث مجرى البنت ويحجبها النقصان ولا يحجب البنات بعضهن بعضا. 19010 - قالوا: الجد لا يحجب الأم إلى السدس فلم يسقط الأخ كالعم. 19011 - قلنا: والأولاد أيضا لا يحجبها إلى فرض الزوج مستحق ثم الأب

والابن في درجة واحدة فتفاضلا في الإرث والجد والأم يتساويان في درجة واحدة لم يفضل عليها واستوفت سهمها. 19012 - ولأن ابن الابن يقوم مقام الابن في الإرث ثم لا ينقص ابنته الصلب من النصف لأنه لم يساويها في درجتها وبنت الابن تقوم مقام البنت فلا تساوي البنت فلم ترث معها السدس لاختلاف الدرجة، وكذلك الأم ولأن من يدلي بالأب يحجب الأم إلى السدس فجاز أن يحجبها الأب. 19013 - ومن يدلي بالجد لا يحجبها وهم الأعمام وكذلك الجد لا يردها إلى السدس. 19014 - قالوا: شخص يدلي بالأب فلم يحجب الأخوة كالجد. 19015 - قلنا: لما لم يحجب أولاد الإخوة لم يحجب أباهم ولما حجب الجد أولاد الإخوة كذلك آباءهم. 19016 - قالوا: الأخ والجد عصبتان والجهة التي صار إليها عصبته واحدة فتساويا

وانفرد الأخ بأنه ركض مع أخته في رحم واحد فصار كالأخ للأب والأم مع الأخ للأب. 19017 - قلنا: والجد قد انفرد عن الأخوة لمعنى أقوى من تراكضهما في رحم ولهذا قدم الأب على الأخ. 19018 - قالوا: قوة الفروع تدل على قوة الأصل وفرع الجد ابنه وهو العم وفرع الأخ ابنه ثم كان ابن الأخ أولى من العم فدل على أن أصله أولى. 19019 - قلنا: الجد فرعه الأب وهو أولى من الإخوة وأولادهم فدل على هذا الفرع على قوة أصله ويبطل ما قالوه؛ لأن الجد أولى بالميراث من العم [وابن العم أولى بالميراث من عم الأب] وهو في غير ميراث الجد ولم تدل قوة الفرع على قوة أصله بإجماع كذلك في مسألتنا. 19020 - قالوا: الأخ والجد يدليان بالأب ولو مات الأب كان أولاده أقوى في استحقاق ميراثه من أبيه فدل على أن أولادهم أقوى وكان أولى. 19021 - قلنا: يبطل بأن الجد والعم يدليان بالجد ولو مات الجد كان العم أولى بالميراث ثم كان أب الجد أولى بميراث الميت من ابن الجد الذي هو العم. 19022 - قالوا: الجد لا يحجب الولد ولا يصير الولد مسلما بإسلامه. 19023 - قلنا: هذه المعاني وإن يخالف فيها الأب لم يمنعه من الإرث من ولد الولد كذلك لا يمنعه من إسقاط الأخ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل الولد يهوديا بتهويد

الأب، فلو صار مسلما بجده لم يتهود بأبيه. 19024 - وهذا خلاف النص وإنما لم يجز الولاء لأن الولاء كالنسب فيستحيل أن يثبت من أخذ ولم يرث من الأب الجد فلم يجز ولاءه ولما عتق بعتق الأب جاز أن يجري الولاء. ***

مسألة 952 مال المرتد لورثته المسلمين

مسألة 952 مال المرتد لورثته المسلمين 19025 - قال أبو حنيفة: ما اكتسبه المرتد في حال إسلامه لورثته المسلمين وما اكتسبه في حال ردته فيء. 19026 - وقال أبو يوسف ومحمد: جميع ذلك لورثته. 19027 - وقال الشافعي: جميعه فيء وهل يخمس، فيه قولان. 19028 - لنا: ما روى الأعمش عن أبي عمر الشيباني عن علي أنه جعل ميراث المرتد لورثته من المسلمين. وعن أبي مسعود أنه قال: ميراث المرتد لورثته، وعن معاذ بن جبل أنها قال: يرث المسلم الكافر، وعن زيد بن ثابت قال: أرسلني أبو بكر إلى أهل الردة لأقسم أموالهم بين ورثتهم المسلمين ولا يعرف لهؤلاء الجماعة مخالف. 19029 - قالوا: روي أن معاوية كتب إلى زيد بن ثابت وابن عباس في ذلك

فقالا: (ماله لبيت المال). 19030 - قلنا: ذكر الطحاوي أنه لم ينقل عن أحد من الصحابة في ذلك إلا ما روى عن علي وابن مسعود. 19031 - وذكر أصحابنا عن ابن عباس وزيد مثل قولنا ذلك ولم يذكر أهل الفرائض ما ذكروه في شيء من كتبهم. 19032 - فلو ثبت ما قالوه حملناه على ما اكتسبه في حال ردته أو على ماله إذا تخبره. 19033 - قالوا: روي عن محمد بن نصر المقدسي في فرائضه عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي قال في مال المرتد إذا قتل على ردته إلى بيت المال.

19034 - قلنا: الحارث أنتم لا تقبلون أخباره، وقصة علي مشهورة وما ذكرتموه لا يعرف ولو ثبت جمعنا بين الخبرين وحملنا ما نقلتموه على ما اكتسبه في حال الردة، ولأن كل حر لا يرثه ورثته من الكفار يرثه ورثته من المسلمين كالمسلم. 19035 لأن هذا التعليل للاستحقاق لا لاعتبار المال المورث. 19036 - ولأنه على حكم الإسلام بدلالة أن أولاده يجبرون على الإسلام. 19037 - ولأن تصرف في الخمس [والخيارين] وعند مخالفنا يجب عليه الصلاة والزكاة ومن كان على حكم الإسلام ورثه ورثته المسلمون كالمجنون المسلم. 19038 - ولأنه قتل استحق لنقص أدخله في دينه كالقتل بالزنا ولأنه أبطل تقويم دمه فوجب أن يورث كما لو قتل نفسه ولأنها معصية فلا تمنع الإرث عنه كسائر المعاصي. 19039 - ولأن الردة معنى تبطل الأنكحة وتمنع من انعقادها كالموت. 19040 - فإن قيل: المعنى فيما قستم عليه أنه يرث وكذلك يورث ولما كانا لمرتد لا يرث ولا يورث عنه. 19041 - قلنا: يبطل بالمعتق بصفة إذا كان المعتق معسرا فاكتسب مالا ومات فإنه يورث عنه ولو مات أقاربه لم يرث منهم عند الشافعي. 19042 - احتجوا بما روى أسامة بن زيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يرث المسلم

الكافر ولا الكافر المسلم). 19043 - الجواب: أن هذا بعض الخبر وتمامه قوله - عليه السلام -[لا يفارقه أصل الدين فلم يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم وبين - صلى الله عليه وسلم -]: أن الكفر الذي منع ميراث المسلم هو الكفر المضاف إلى ملة وذلك لا يكون إلا في الكافر الأصلي دون المرتد لا ملة له. 19044 - فإن قيل: هذا إنما يقال في الخبرين إذا كان الراوي واحدا فيكون الزائد أولى لأن الراوي الواحد أغفل الزيادة فإما إذا اختلف الراوي خبران/الخبر الذي استدللنا به رواه أسامه بن زيد وما ذكرتموه رواه عبد الله بن عمر وعائشة. 19045 - قلنا: بل روى ذلك أسامة، وروى [مالك عن] الزهري عن علي بن الحسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يرث المسلم الكافر). 19046 - وروى هشيم عن الزهري عن علي بن الحسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يتوارث أهل الملتين لا يرث المسلم

الكافر ولا الكافر المسلم) والراوي واحد وأصل الخبر ما ذكرنا من الزيادة والخبر الآخر أغفل أحد الرواة بعضه فكان الرجوع إلى الزائد أولى فإذا وافق أحد الطريقين رواية عائشة وابن عمر علم أنه الأصل. 19047 - قالوا: الراوي قد ينقل الخبر بالمعنى فيجوز أنه سمع (لا يرث الكافر المسلم) فيروى لا يتوارث أهل الملتين؛ لأنه بعض معنى ما يسمع، ولأنه يجوز أن يسمع لا يتوارث أهل الملتين فروى لا يرث المسلم الكافر لأنه أكثر مما سمع. 19048 - قلنا: الظاهر أنه لمي نقل بالمعنى إنما نقل ما سمع ولكن الراوي عنه أغفل بعض اللفظ، وجواب آخر أن ردة المسلم عندنا كموته ولهذا يبطل نكاحه ولا ينعقد له نكاح وتزول أملاكه ويبطل تقويم دمه فلا يجب بقطع أعضائه أرض فإذ مات على ردته حكمنا بانتقال ميراثه في آخر إسلامه إلى ورثته ويرث المسلم من المسلم فأما أن يرث كافرا فلا. 19049 - فإن قيل: هو في آخر أجزاء إسلامه فكيف يورث الحر. 19050 - قلنا: هو في حكم الميت وإذا تحقق هذا الحكم بقتله أو موته نقلنا المال عند الموت بذلك السبب السابق كما ترث المبتوتة في المرض عند الموت من آخر جزء من

أجزاء النكاح وكذا يحكم بقتل المؤمن عند وقوع السهم به في الزمن السابق. 19051 - فإن قيل: عند أبي حنيفة إذا انقضت عدة امرأة المرتد قبل موته لم ترث ولو مات أحد ابنيه وترك ابنا ثم قتل لم يرث ابن الابن مع الابن ولو انتقل الإرث قبل الردة ورثت الزوجة وابن الابن. 19052 - قلنا: روى أبو يوسف عن أبي حنيفة أن امرأة المرتد ترث وإن انقضت عدتها وأن المعتبر من كان وارثا عند ردته فعلى هذه الرواية سقط السؤال. 19053 - قالوا: روي عن البراء بن عازب قال: لقيت خالي ومعه الدابة فقلت: إلى أين تريد فقال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رجل أعرس بإمرأة ابنه أن أضرب عنقه وأخمس ماله. 19054 - قالوا: وأخذ المال بنكاح امرأة الأب إنما يكون إذا استحل ذلك ومن استحله كان مرتدا فدل على أن المال المرتد فيء. 19055 - قلنا: يحتمل أن يكون فعل ذلك وامتنع حارب فصار حربيا بذلك فعاد

بذلك إلى حكم أهل الحرب يبين ذلك أن الرواية إنما يحتاج إليها للمحاربة لا في إقامة الحد، وقد روي عن البراء قال: مربي عمي الحارث بن عمرو ومعه لواء قد عقده له النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاء إلى ماء ومعه خيل فلما رآه أهل الماء أهموا إلي فدخل خبا فأخرج رجلا وضرب عنقه) والخيل يحتاج إليها في الممتنع ولهذا خمس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ في المال؛ لأنه عاد إلى حكم مال أهل الحرب. 19056 - قالوا: المرتد لا يرث بحال ولا يورث كالمكاتب. 19057 - قلنا: المرتد عندنا في حكم الميت والميت لا يرث ولا يورث ولأن المكاتب ليس له ملك ولا مورث عنه كالمسلم والذمي. 19058 - قالوا: مال مشرك ولا يرثه المسلم عنه كالكافر الأصلي. 19059 - قلنا: الملك يزول بالردة فهو مالك مسلم عندنا والمعنى في الكافر الأصلي أنه لما ترك ماله وورثه الكفار لمي رثه المسلمون من أهل الميراث ولما كان المرتد حرا لا يرث منه ورثته الكفار ورثه المسلمون من ورثته. 19060 - قالوا: من لا يرث عنه المسلم ماله الذي اكتسبه في حال ردته لم يرث عنه ماله الذي اكتسبه في حال إباحة حقن دمه كما لو نقض الذمي عهده ولحق بدار الحرب وعكسه الزاني المحصن.

19061 - قلنا: إباحة الدم توجب تعلق حق المسلمين باكتسابه فيمنع ذلك من انتقال الملك إلى الورثة كما يمنع الدين من انتقال الملك وما اكتسبه في حال حقن دمه ولم يتعلق به حق أحد فكان مورثا وكذلك الذي ما اكتسبه في حال إباحة دمه يتعلق به حق الفيء فلم يورث وما اكتسبه في حال حقن دمه كان موروثا عنه فلا فرق بينهما وأما الزاني فما يكتسبه لورثته لأنه محقون الدم بدلالة أن القصاص يجب على قاتله فليس إذا وجب قتله يقتضي ذلك إباحة الدم. 19062 - قالوا: مازال ملكه فإذا مات على الزوال وجب أن لا يورث عنه قياسا على ما باعه من ماله. 19063 - قلنا: زوال الملك في البيع أوجب انتقال الملك إلى المشتري فلم يورث عن البائع والردة أوجب إزالة الملك حكما وتصير النفس غير مقومة ويزول الملك عن البضع ولا يصح استثناء نكاح فلذلك وجب أن يزول الملك إلى الورثة. 19064 - قالوا: ما لو عاد المرتد إلى دار الإسلام كان أحق به فوجب أن تقول فيها بقوله قياسا على ما اكتسبه في حال ردته. 19065 - قلنا: ما اكتسبه في حال إباحة الدم فهو كاكتساب الحربي فيجوز أن يتعلق الفيء به، وما اكتسبه حال الإسلام اكتسبه في حال حظر دمه فإذا زال ملكه عنه حكما مع بقاء المال زال إلى ورثته كما لو زال بموته والله أعلم بالصواب. ***

مسألة 953 [الجزء الثالث] بسم الله الرحمن الرحيم حكم مال المرتد إذا لحق بدار الحرب

مسألة 953 [الجزء الثالث] بسم الله الرحمن الرحيم حكم مال المرتد إذا لحق بدار الحرب 19066 - قال أصحابنا: إذا ارتد المسلم ولحق بدار الحرب حكم بلحاقه وقسم ماله بين ورثته. 19067 - وقال الشافعي: يكون فيئا. 19068 - لنا: أنه مال اكتسبه مسلم فلا يكون فيئا في دار الإسلام [كمال من] لم يرتد ولأن الإرث سبب تملك فجاز أن يملك بدين حال الحياة كالعقود. 19069 - ولا تلزم الوصايا لأنها من جملة العقود والتعليل بجنسها وفرع العلة ما يملك به وليس بعقد وأصلها ما يملك به وهو عقده ولأن المال عندنا لا يقسم بين الورثة إلا بحكم الحاكم بلحاقه وقسمته بينهم. 19070 - وهذا حكم في موضع يسوغ الاجتهاد فيه فينعقد الحكم كما لو حكم بكون المال فيئا

19071 - وهذه المسألة فرع لنا على أصول. 19072 - أحدها: أن ملك المرتد يزول بردته ويقف ذلك مراعى كما يقف في بيع مشروط فيه الخيار) فإذا لحق انقطعت حقوقه 19073 - لأن اختلاف الدارين يمنع بقاء الحقوق فإذا حكم الحاكم بلحاقه فقد زالت المراعاة وصار في حكم أهل الحرب لينتقل المال إلى الورثة وقوله - صلى الله عليه وسلم - (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم قد أجبنا عنه). 19074 - قالوا: كيف يورث الحربي. 19075 - قلنا: هذا في حكم الميراث وليس بصريح ميراث ولأنا بينا أن الردة كالموت) فكما يصير المرتد كالميت في الأنكحة كذلك في الإرث). 19076 - قالوا: لو ملك الوارث بغير عوض صار كالمملوك بالهبة وإذا وجد على حكم الملك الأول تعلق بالرجوع كما يقول مخالفنا في هبة الوالد) فنقول نحن في هبة الأجنبي وكما لو مات فانتقل ماله إلى ورثته. 19077 - ثم وقع في بئر كان حفرها إنسان فمات أو استحق ما كان ضمان الدرك فيه عادت التركة إلى حكم ملكه واستحقت في ديونه كذلك هنا.

مسألة 954 الشركة في الميراث

مسألة 954 الشركة في الميراث 19087 - قال أصحابنا: في المشتركة وهي وزوج وأم وأخوان لأم وأخ لأب وأم فصاعدا أن للزوج النصف وللأم السدس وللأخوين لأم الثلث وسقط ولد الأم والأب. 19079 - قال الشافعي: الثلث بين ولد الأم وولد الأب والأم بالسويد ترث ولد الأب والأم بانتسابهم إلى أمهم دون أبيهم. 19080 - لنا: قوله تعالى: {وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث} فجعل الله تعالى جميع الثلث للأخوة لأم فلم يجب أن يتقص منه. 19081 - فإن قيل: الأخ لأب وللأم أخ آخر فيستحق سهما معهم. 19082 - قلنا: إنما جعل الله تعالى الثلث للأخوة التي استحق الواحد منهم الثلث والأخ للأب والأم لا يستحق الثلث وتسحق أخته السدس فلما دخلوا في الآية، ويدل عليه قوله - عليه السلام -: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقيت الفرائض فلأولى عصبته ذكر) ولم يبق الفريضة. شيئا يستحقه الأخ للأب والأم/. 19083 - فإن قيل: الأخ للأب والأم من ذوي الفريضة في مسألتنا. 19084 - قلنا: لو كان كذلك لكانت أخته إذا انفردت مثله لأنها أخته وأم أخت الأخت فلما لم يشاركهم إذا انفردت بولي انتسابهم إلى الأخوة وينفرد عن انتسابهم إلى الأب ولأن ولد الأم له سهم مقدر فلم يشاركهم فيه ولد الأب والأم كالزوج، ولأن الميراث استحق بنسب ونسبتهم كان ذو السهم بسبب لا يشاركه فيه كذلك من يستحق السهم بالنسب ولأن الأخ للأب والأم إذا لم يرثوا بالتعصيب سقط ميراثه كما لو كان كافرا ولأنه إذا كان لم يفضل على أخيه في الميراث لم يرث كما لو كان عبدا. 19085 - ولأنه ينسب إلى الأبوين فلم يشاركه من ينسب إلى أحدهما في قوله كالأخ للأب والأم والأخت للأب، لأنها جهة واحدة في القرابة فلم تتبعض

للأستحقاق حال الانفراد ويبين ذلك أن الأخ للأب والأم إذا كان معه أخوة لأم لم يشاركهم في الثلث استحق الباقي بالتعصيب كذلك في مسألتنا. 19086 - ولا يلزم ابن العم إذا كان أخا لأم لأنها جهتان مختلفان. 19087 - احتجوا: بقوله تعالى: {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون} وعمومه يتناول الأخوة. 19088 - والجواب: أن الآية لا تقتضي استحقاق جميع الرجال على الإجماع وإنما يقتضي أنهم من أهل الميراث فأما ترتيب ميراثهم فثابت بدليل آخر وعندنا الأخوة من أهل الميراث وهل يتقدمون أو يتقدم غيرهم موقوف على الدليل. 19089 - ولأن الآية تقتضي إثبات نصيب منهم وقد بين الله تعالى سهام ذوي السهام بيانا مفسرا فالواجب تقديمهم على من لم يثبت نصيبه. 19090 - قالوا: فريضة جمعت ولد أم وولد أب وأم وإذا ورث ولد الأم لم يسقط ولد الأب والأم مع السلامة ولم يكن هناك زوج. 19091 - قلنا: لا نسلم أن الفريضة جمعت الفرقتين لأن الفريضة ليست عبارة عن أقارب الميت وإنما هي عبارة عن جملة استحقاق المستحقين وولد الأب والأم لا استحقاق لهم فكيف نسلم أن الفريضة جمعتهم فتغلب هذه العلة فنقول وجب ألا يشتركون في السهم كما لم يكن هناك زوج، أو نقول فلا يستوي ذكرهم وأنثاهم.

19092 - والمعنى في الأصل أن السهام لم تستغرق الفريضة فاستحق العصبة وأصل السهام في مسألتنا استغرقت السهام الفريضة فسقط الأخ كما سقط العم وابن العم. 19093 - قالوا: الأخ والأم لهم سببان يورث لكل واحد منهما على الانفراد فإذا سقط التعصيب كان كالمنفرد بالأم أصله ابن العم إذا كان للأم. 19094 - قلنا: ليس لولد الأب والأم إلا سبب واحد وهو انتسابهم إلى الأبوين فلو ورثوا بأحدهما انتفض ذلك السبب فلا يجوز تبعيضه كما لو اجتمع أخ لأب وأم وأخ لأب استحق الأخ للأب والأم الجميع ولو تبعض السبب استحق بانتسابه إلى الأم السدس وتساوى الأخ للأب في الباقي فأما ابن العم إذا كان أخا واحدا سببه غير الآخر ألا ترى أنه إذا اجتمع مع ابن العم من ليس بأخ. 19095 - انفرد بالسهم وساوى شريكه في التعصيب ولم يترجح بالسبب الآخر فدل على اختلافهما. 19096 - قالوا: من له معنى الفرض والتعصيب فله حالة يأخذ منها بالفرض دون التعصيب كالأب. 19097 - قلنا: لا نسلم أن الأخ للأب والأم حالة فرض لأنا لسهم لا يستحق إلا بمجرد الانتساب إلى الأم فإذا انتسب إلى الجهتين فلم يوجد فيه معنى استحقاق السهم.

19098 - ولأن الأب يجوز أن يستحق سهما معا فجاز أن يستحق لكل واحد منهما والأخ لا يستحق بالسهم والتعصيب معا فلم يجز أن يستحق بكل واحد منهما ولأن الأب لما لم يجز أن يسقط إرثه بحال فتقدمه الولد في التعصيب وورث بغير التعصب في الجهة التي يستحق بها التعصيب وإذا كان الأخ يجوز أن يحجب عن الإرث وسقط تعصيبه لم ي رث السهم بالجهة التي استحق بها التعصيب وإلا كان الأخ يجوز أن يحجب عن الإرث وسقط تعصيبه لم يرث السهم بالجهة التي استحق لها التعصيب فلا ينقضها. 19099 - قالوا: يتساويا في الانتساب إلى الآخر وانفرد أحدهما بمزية وهي الانتساب إلى الأب وكل شخص ساوى غيره في القرابة وانفرد بفضل مزية فإنه إما أن يسقط الذي يساويه بذلك الفضل أو يأخذ زيادة على ما يأخذ الآخر فالأول كالأخ. 19100 - للأب والأم والأخ للأب والثاني الأب لما ساوى الآخر في الولاء وانفرد بالتعصيب أخذ بذلك زيادة على ما يأخذ الآخر وذلك عمدتهم في المسألة وتختلف عبارتهم عنه وهو معنى قول من قال: هب أن أباهم كان حمارا قد تراكضوا في رحم واحد. 19101 - قلنا: يمتنع أن يتساوى ولد الأم وولد الأب والأم في الانتساب إلى الأم ويحجب ولد الأب والأم دونهم كما يستحق ولد الأم ولا يساويهم في الاستحقاق وولد الأب والأم وأن كانوا مثلهم فلهم مزية بيان ذلك أنه إذا كان في الفريضة زوج وأم وأخ لأم وعشرة أخوة لأب وأم انفرد الأخ بالسدس فكان لكل واحد من الأخوة للأب والأم عشر السدس فلم يتساوا مع التساوي في الانتساب إلى الأم وجود المزية في الإدلاء بالأب وصارت هذه المزية صدرا على ولد الأب كذلك لنفي مسألتنا.

19102 - قال: المخالف لأنهم ورثواها هنا بالتعصيب فلم يرثوا بالسهم. 19103 - قلنا: قد نقضنا معناكم فلا يمنع بعد ذلك التعريف فيبطل هذا الفرق بزوج وأم وأخت لأب وأم وأخت وأخ لأب لأن الأخت للأب لو انفردت استحقت السدس فلما عصبها أخوها أسقطها فكان يجب أن تقول له: (إذا لم استحق معك بالتعصيب شيئا استحق بالسهم وانضمامي إلى مالا يكسبني ضعفا كما قال مخالفنا من بعض الأخوة حتى تعتبر جهة الأم على الانفراد وجهة الأب على الانفراد لوجب أن يقال في بنت وأخ لأب وأم وأخ لأب أن يقول الأخ للأب نسبك إلى الأم سقط اعتباره مع الولد لأن ولد الأم لا يرثون مع البنت وإذا سقط نسبك إلى الأم تساوينا في الانتساب إلى الأب فيجب أن يكون الباقي بعد نصيب البنت بيننا. 19104 - لما كان الأخ للأب والأم أولى دلى على أن جهته قرابة واحدة لا تتبعض حتى ينفرد أحد جهته عن الأخرى، ولكان يجب في المشتركة إذا كان فيها زوج وأخت لأب وأم أن تقول الأخت لأختها كان أبي لو لم يكن النصف بالفرض فلما عصبتني صرت بك ذات سهم يجب لي أخذ سهمي الذي فرض الله لي إذ قد سقط تعصيبي وصرت من ذوات السهام ***

مسألة 955 الخنثى المشكل أنثى في الميراث

مسألة 955 الخنثى المشكل أنثى في الميراث 19105 - قال أبو حنيفة [- رضي الله عنه -]: الخنثى المشكل أنثى في الميراث إلى أن يتبين حاله. 19106 - وقال الشافعي اجعل له أضر الحالين فإن كان الإضرار أن يكون أنثى جعلته أنثى ووقعت الزيادة على نصيبه إلى أن يتبين حاله أو يصطلح هو والورثة وإن كان الإضرار به أن يكون ذكرا مثل أن يكون أخا لأب وأم في الشركة جعلته ذكرا واعتبرت في الباقين الأضر بهم ووقف الباقي ويظهر الخلاف فيمن ترك ابنا وخنثى. 19107 - قال أبو حنيفة: للابن الثلثان وللخنثى الثلث. 19108 - وقال الشافعي: للخنثى الثلث وللابن النصف ونقف السدس.

19109 - لنا: أن الابن مستحق جميع المال وإنما يسقط بعض حقه بالمزاحمة وقد تيقنا أن الذي يزاحمه أنثى وشككنا في كونه ذكرا فلم يجز أن يسقط بعض حقه بالشك ولا يلزم إذا ترك حملا لأنا لا نتيقن كونه أنثى ولا أمارة على ذلك فقد تيقنا في الخنثى الأنوثية في الخلقة فيما زاد عليها. 19110 - ولأن القاضي منصوب لفصل الأحكام لا لبقائها فلم يجز له أن يوقف بعض الميراث إلى أمد غير معروف. وليس هذا كالحمل لأنه يوقف إلى حين الولادة وذلك أمد معلوم. 19111 - احتجوا: بأنه يجوز أن يكون ذكرا ويجوز أن يكون أنثى فلا يدفع إلى شركائه/بالشك. 19112 - قلنا: وكذلك لا ينقصون بالشك ولأن هذا يبطل بمن مات وترك أخا وإنما يدفع إليه الميراث بعد البلوغ مع جواز أن يكون هناك ابنا لحجبه الآباء وإلا يحجبه بغير تعيين. 19113 - فإن قيل: يوقف ميراث الخنثى حتى يبلغ فيتبين أمره بالبلوغ. 19114 - قلنا: الشافعي يقول: في الخنثى بعد البلوغ ما يقوله قبله وليس بعد البلوغ أمر منتظر يتعلق البيان به. ***

مسألة 956 المجوسي إذا اجتمعت فيه قرابتان

مسألة 956 المجوسي إذا اجتمعت فيه قرابتان 19115 - قال أصحابنا: إذا ترك المجوسي من له قرابتان لو تفرقا من شخصين ورث كل واحد منهما مع الآخر وورث الشخص الواحد بالقرابتين. 19116 - مثاله: أن يتزوج المجوسي ببنته فتلد له بنتا فإذا ماتت بنته فبنتها أختها من أبيها أو يتزوج أمه فيولدها بنتا فهي بنتها وبنت ابنها وترث بالقرابين أو يتزوج بنته فتلد له ابنا ثم يموت الابن فهذه أمه وأخته من أبيه. 19117 - وقال الشافعي: يرث بأقوى القرابتين 19118 - لنا: قوله تعالى: {إن امرؤا هلك ليس له ولد وله وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك} فلم يفصل أخت هي أم أو ليست بأم. 19119 - وقال تعالى: {وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس} ولم يفصل بين أخت هي جدة أو غير جدة. 19120 - وعند مخالفنا الأخت للأم إذا كانت ورثت سهم الجدة ولم ترث بكونها أختا لأم وهو خلاف القرآن وإنما تكون جدة وتكون أختا لأم إذا تزوج المجوسي أمه فأولدها بنتا فإن ماتت هذه البنت فلجدتها أم أبيها السدس ولها السدس آخر لأنها أخت

لأم وعندهم لا ترث نصيب الأخت. 19121 - ويدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفرائض فلأولى عصبة ذكر). 19122 - فقد وجد في الشخص السببان فيستحق بهما كما لو قال: (من دخل الدار فله درهم، وقال: من لم يدخل فهو حر فدخل عبده استحق العبد الدرهم، وكذلك من قال: من دخلها فله درهم ومن دخلها راكبا فله دينار فدخلها راكبا استحق الدرهم والدينار لاجتماع الصفتين 19123 - ولأنه اجتمع فيه معنيان لو تفرقا في شخصين ورث كل واحد منهما مع الآخر فورث بهما كابن عم هو أخ لأم وابن عم هو زوج. 19124 - ولأن ابن العم إذا كان زوجا اجتمع فيه سببان أحدهما منقطع، والأخت التي هي بنت اجتمع فيها سببان متصلان فإذا ورث الزوج بالسببين فالبنت أولى، ولأن الميراث يستحق بالسهم تارة وبالتعصيب أخرى ثم جاز أن يستحق الشخص الواحد بالسهم والتعصيب كذلك يجوز أن يستحق بالسهم والسهم ولأنها قرابة تحصل بوطء قر عليه فصارت كالقرابة بوطء مباح. 19125 - ولأن من اجتمع له سببان إذا اجتمع مع ذي سبب واحد إما أن يستحق

بسببه أو يترجح إذا لم تتضامن الفريضة كالأخ للأب والأم والأخ للأب كابني العم إذا كان أحدهما أخ لأم. 19126 - فلما اجتمع في مسألتنا سببان أحدهما أخت فلم تسقط إحداهما الأخرى بزيادة سببها فوجب أن ينفرد استحقاقها. 19127 - ولأن مخالفنا يقول: إذا كنت أختا أنها ترث نصيب الأم ويسقط استحقاقها بالأخوة، لأن قرابة الأم أقوى بدلالة أنها ترث مع الأب والابن والأخت لا ترث معها. 19128 - فقلنا: بالفصل بينك وبين من قال: إنني ورثتها بكونها أنني أكثر ولأنها ترث بالفرض تارة وبالتعصيب أخرى ولأنها تحجب الأم مع مثلها ولا تحجبها الأم بحال. 19129 - ولأنها من قبيلة الميت وكذلك يقول مخالفنا في الجدة إذا كانت أختا لأنها تستحق سهم الجدة لأنها قربى بدلالة أنها ترث مع الأب. 19130 - فيقال لهم: بل سهم الأخ أقوى لأنها ترث مع الأم ولا ترث الجدة معها. 19131 - ولأن فرض الأخت أكثر وسهمها منصوص عليه في القرآن، وسهم الجدة ثبت بالخبر الواحد ولأن الأخت ترث النصف إذا لم تكن أما ولا جدة فإذا ازدادت قربا برحم الأم كانت أختين ولا ينقص من حقها. 19132 - احتجوا: بأنهما سببان يورث كل واحد منهما من جنس ما يورث

الآخر فوجب أن لا يورث إلا بأحدهما قياسا على ابن العم إذا كان مولى. 19133 - قلنا: التعصيب إذا اجتمع للشخص من وجهين ولم يعرف السببان في الشخصين ورث أحدهما، فإذا اجتمعا في شخص ورث بأحدهما ألا ترى أن ابن العم والمولى إذا اجتمعا ورث ابن العم كذلك إذا اجتمعا في شخص واحد ووازنه من مسألتنا أن تكون البنت أختا لأم لما لم ترث الأخت من الأم مع البنت ثم اجتمعا السببان ورث بأحدهما كحال الاجتماع فأما القرابتان في مسألتنا. 19134 - فلو تفرقنا في شخصين ورث أحدهما مع الآخر كذلك إذا اجتمعا ورث بهما كما يرث بالسهم والتعصيب. 19135 - قالوا: قرابتان ورث كل واحد منها سهم مقدر فلما اجتمعا لم يرث بهما كالأخت للأب والأم لا تستحق النصف بانتسابها إلى الأب والسدس بانتسابها إلى الأم. 19136 - قلنا: هذه قرابة واحدة ليس بقرابتين. 19137 - الدليل عليه: ابن الأخ للأب والأم إذا اجتمع معه الأخ للأب سقط ولو كانت قرابتين انفرد بالسدس وساواه في الباقي كابني العم أحدهما أخ للأم وإذا ثبت أنها قرابة واحدة وقد استحقت بها النصف لم تستحق بها سهم آخر. 19138 - فإن قيل: النصف لا يستحق بالانتساب إلى الأم خاصة.

19139 - قلنا: لو كان كذلك لساوت الأخ للأب واستحقا الثلثين فلما انفردت بفرض النصف دل على أن استحقاقها إياه بانتسابها إلى الأم مزية التقديم على ولد الأب أو اجتمع معها فله أثر زيادة لنسبها في القوة والتقديم ثم لم يؤثر في استحقاق سهم. 19140 - ولما لم يستحق في مسألتنا بزيادة جهة القرابة مزية تقديم وجب أن يستحق الفرض المستحق بها كابني عم أحدهما أخ لأم لما لم يتقدم على نظيره زحمه استحق به السهم المستحق بانتسابه إلى الآخر؛ ولأن الأخ للأب والأم لم يستحق بكل واحد من الجهتين اسما فلم يرث بكل واحدة منهما. 19141 - وفي مسألتنا قد استحق بكل جهة من القرابة اسما فصار كابن العم إذا كان أخا لأم. 19142 - قالوا: فرضان فلا يأخذهما واحد كالبنت إذا كانت زوجة. 19143 - قلنا: النكاح الفاسد لا يستحق به الميراث والنسب من وطء بنكاح فاسد يستحق به، فلهذا لم ترث البنت بالنكاح كما لا ترث بالنكاح الفاسد حال انفراده. 19144 - قالوا: وجدنا أصول الفرائض مبنية على أن كل من أدلى بسببين يرث بكل واحد منهما من جهتين ما يرث به الآخر لم يرث إلا بأحدهما كالأخ إذا كان مولى وإن كان يورث بأحدهما من غير جنس الآخر بأنه يورث بهما كابن العم إذا كان أخا لأم. 19145 - قلنا: التعصيب لا يتصور أن يجتمع لشخص واحد تعصبيان متساويان من جهتين يقدم أحدهما على الآخر، فلا يصح أن يرث بهما كما يرث بسهمين يحجب بسبب أحدهما سببا للآخر ثم البنت إذا كانت أختا لأب فهي ترث النصف بالسهم وبقية المال بالتعصيب وأيضا من جنسين مختلفين ثم لم يورث الشافعي بهما فدل على فساد هذا الكلام.

19146 - قالوا: وقد خرج ابن شريح وجها فقال ترث البنت بكونها نبتا وأختا. 19147 - قلنا: خالف به الإجماع لأن هذه المسألة تكلم الصحابة فيها فمنهم من ورث بالسببين فسوى بين الجميع ومنهم من ورث بسبب واحد فقال في البنت: لا ترث بكونها أختا وإذا فسد طريق الاستدلال علي ابن شريح فقال مما يخالف الإجماع لم يلتفت إلى قوله. 19148 - قالوا: قال الشافعي: فرض الله تعالى للأم الثلث وحجبها عنه إلى السدس بغيرها. 19149 - فلو قلنا: أنها كانت أما وأختا ترث بهما لكنا قد حجبناها بنفسها وذلك لا يجوز. 19150 - قلنا: الله تعالى حجبها بالأخوة ولم يفصل وليس يمتنع أن يكون الحاجب هو المحجوب كما أن البنت إذا كانت أختا لأم [لم ترث] برحم الأم فحجبت نفسها عنه ثم يقال لهم فإذا كانت/أما هي أخت فيجب أن يعطيها الثلث 216 والنصف لأنها لا تحجب نفسها ويجب أن يقول في المجوسية إذا تركت أما وبنتا هما أختاها أن ترث الأم بالقرابتين لأنها لم تحجب نفسها وإنما حجبتها البنت. 19151 - قالوا: لو جاز أن ترث الأم بالقرابتين لجعل الله تعالى إلى ذلك سبيلا.

19152 - قلنا: المسلم إذا تزوج بامرأة ابنه وهو لا يعلم فأولدها فهذا الولد عم أخته من أمه ورث بالسببين باتفاق فلم يجعل الله إلى ذلك سبيلا. 19153 - فإن قيل: إذا تركت المجوسية بنتها وهي بنت ابنها لورثت بالسببين لاجتمع لشخص واحد الثلثان. 19154 - قلنا: لم يتم ذلك بسبب واحد وإنما يستحق بسببين كما يستحق الزوج جميع المال وكما تستحق الأم البنت بالبنوة. ***

مسألة 957 ولاء الرجل للرجل

مسألة 957 ولاء الرجل للرجل 19155 - قال أصحابنا: إذا والى الرجل الرجل، وعاقده صح الولاء وورثه وإن لم يكن له وارث يعقل عنه. 19156 - وقال الشافعي لا يرث. 19157 - لنا: قوله تعالى: {ولكل جعلنا موالى مما ترك الوالدان والأقربون والذين عقدت أيمانكم فئاتوهم نصيبهم} فأوجب الله الميراث بالمعاقدة، وهذا لا يكون إلا في الموالاة. 19158 - قالوا: المراد به الميراث بالحلف وذلك كان في الجاهلية فنسخ. 19159 - قلنا: قوله: {والذين عقدت أيمانكم} يحتمل أن يكون المراد به الحلف الذي كان في الجاهلية، ويحتمل أن يكون المراد به الضرب على اليمين عند المعاقدة فأما النسخ فإن كان بآية المواريث فإنما يصير النسخ فيمن له وارث فمن لا وارث له على ما كان عليه. 19160 - فإن كان النسخ بقوله - عليه السلام -: (لا حلف في الإسلام) فهذا خبر واحد ولا يجوز نسخ القرآن به وإن جاز تخصيصه به على الحلف فيمن له وارث.

19161 - ويدل عليه حديث تميم الداري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: فيمن أسلم على يدي رجل (هو أحق الناس بمحياه ومماته). 19162 - ومعلوم أنه لم يرد بذلك تعلق الحكم بمجرد الإسلام، فلم يبق إلا أن يكون المراد الإسلام والموالاة. 19163 - فإن قيل: أحق الناس بنفقته في حياته وتجهيزه بعد موته. 19164 - قلنا: أحق يقتضي الوجوب وذلك لا يكون إلا في العقل عند حياته وأخذ ميراثه ميتا، وقد روي هذا الخبر لعمر بن عبد العزيز فجعل الميراث لمن أسلم الميت على يده. وهذا يدل أنه فهم منه التوارث. 19165 - وروي أن عمر بن الخطاب جعل الميراث لمن عاقد رجلا وأسلم على يده ولا يعرف له مخالف، وروى أبو الزبير عن جابر قال: كتب النبي - صلى الله عليه وسلم - على كل بطن عقوله وقال: لا يتولى قوما إلا بالفهم فدل على ثبوت الموالاة بالتراضي وتعلق الفعل علق به التوارث.

19166 - ولأنه نوع يقع به التناصر المقصود فجاز أن يتعلق به الميراث كولاء العتاق. 19167 - ولأن الميراث يتعلق بالنسب والسبب ثم جاز أن يقوم مقام استحقاق التوارث ما يلحقه النسخ وهو النكاح، فجاز أن يجري مجرى الولاء في استحقاق التوارث ما ينسخ به وهو المعاقدة. 19168 - ولأن مال الإنسان إذا لم يتعلق به حق معين جاز أن ينقل الملك فيه إلى من شاء لحال الحياة. 19169 - ولأن ثلث ماله يجوز أن يستحق بعد موته بعقده إذا لم يتعلق به حق معين وإن تعلق به حق معين لم يصح بقية المال. 19170 - ولا يقال: إن الثلث لما استحق بالوصية استحق مع وجود الورثة. 19171 - لأن حقهم لا يتعلق بالثلث، فجاز أن ينتقل بعقد، وإن تعلق به حتى لم ينتقل كما لو كان عليه دين، وحق الورثة يتعلق بالثلث فمنع ذلك النقل فإذا لم يكن له وارث معين جاز أن ينتقل الثلثين بعقده كما كان في الثلث. 19172 - احتجوا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث). 19173 - والجواب: أنه يحتمل من المذكورين ويحتمل من كل يستحق. 19174 - وقد علمنا: أنه لم يعطف الآية على كل مستحق. 19175 - لأنه لم يذكر فيها المولى ولا الجدة، فعلم أن المراد من المذكورين، والخلاف فيمن لم يذكر. 19176 - قالوا: قال - عليه السلام -: (الولاء لمن أعتق) والألف واللام للتعريف والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال هذا في خطبته في قصة بريرة فانصرف الكلام إلى ولاء العتق

للمذكر به وولاء العتق لا يتعلق بغيره. 19177 - واحتج بدليل الخطاب لم يكن فيه دلالة لأن الكلام إذا انصرف إلى الولاء الذي تقدم ذكره وهو قوله [- صلى الله عليه وسلم -]: (ما بال أحدكم يعتق على أن الولاء لغيره وتقرير الدليل كأنه قال: من لم يعتق فليس له ولاء العتق. 19178 - ولذلك قالوا: السبب لا يورث به مع وجود النسب بحال وجب أن لا يورث مع عدمه كما لو أسلم أحدها على يد الآخر. 19179 - قلنا: يورث عندنا بالولاء مع وجود السبب إذا كان النسب عبدا أو قاتلا أو كافرا ثم هذا ليس بصحيح. 19180 - لأن ولاء العتق لا يورث به مع وجود عصبته من النسب، ويورث به إذا انفرد، ثم لم يستدل به على سقوط حكمه كذلك الموالاة والمعنى في الأصل وهو إذا أسلم ولم يواله أنه لم يلزمه له نصرة خاصة، ولا التزم ذلك فلم يرثه بالولاء. 19181 - وفي مسألتنا قد التزم له نصره خاصة فصار كولاء العتاق الذي يعتقه نصرة خاصة. 19182 - قالوا: لماله جهة ينقل إليها بوفاته فوجب أن لا يجوز له نقله عنها كالمولى. 19183 - قلنا: للمولى والورثة جهة معينة فلا يعطي بملكه حق معين لم يملك نقله عنه. وبيت المال مستحق فيه غير معين والمال إذا لم يتعلق به حق معين جاز له نقله بعقده كالثلث. 19184 - قالوا: لو كان الولاء يتوارث به لم يجز فسخه من غير عذر. 19185 - قلنا: قد لا يملك فسخه عندنا إذا تم مقصوده وينفسخ إذا لم يحصل مقصوده وهذا غير ممتنع كما أن النكاح ينفسخ عندهم بالعيب فلا يقال كذلك لغير عيب. ***

مسألة 958 من يستحق السهم من الورثة والزوجة حامل

مسألة 958 من يستحق السهم من الورثة والزوجة حامل 19186 - [قال أصحابنا] إذا مات رجل وترك زوجة حاملا وفي ورثته من يستحق السهم بكل حال دفع إليه السهم المستيقن وإن كان له عصبة. 19187 - قال ابن المبارك: يوقف نصيب له مع بنين ويدفع الباقي. 19188 - قال ابن المبارك: المعنى أن المرأة لا تملك أكثر من أربعة. 19189 - وقال الشافعي: لا يدفع إلى أحد من العصبات شيئا حتى يعلم ما يكون منه. ***

كتاب الوصايا

موسوعة القواعد افقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب الوصايا

مسألة 959 حكم إذا أوصى لرجل بسهم من ماله

مسألة 959 حكم إذا أوصى لرجل بسهم من ماله 19190 - قال أبو حنيفة: إذا أوصى لرجل بسهم من ماله فله أدنى سهام الورثة إلا أن يزيد ذلك على السدس، وفي رواية أخرى إلا أن ينقص من السدس فيكون له السدس. 19191 - وقال الشافعي: يعطيه الورثة ما شاءوا. 19192 - لنا: ما روى ابن مسعود أن رجلا أوصى لرجل بسهم من ماله فأعطاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السدس. 19193 - ولا يقال لا يعرف هذا الخبر لأن أبا بكر الرازي ذكره عن هذيل بن

شرحبيل عن ابن مسعود ولا يقال أعطاه برضا الورثة لأنه نقل الوصية والتقرير فالظاهر أن الحكم تعلق بالسبب المذكور فتعلقه بمعنى لم ينقل عن الظاهر. 19194 - ولا يقال: إنهم يضمرون إذا لم يزد إحدى سهام الورثة على ذلك وإذا لم ينقص عن ذلك ونحن نضمر فيه إذا رضي الورثة، لأنا لا نحتاج إلى إضمار لجواز أن يكون الوارث عصبة فيستحق الموصى له السدس من غير زيادة ولا نقصان وروي عن ابن مسعود فيمن أوصى لرجل بسهم أن له السدس، وقال إياس بن معاوية السهم في لغة العرب السدس وكذلك قال أبو عثمان الحافظ وهؤلاء أهل اللغة وقولهم حجة في الأسماء. 19195 - فإن قيل: لو كان ذلك لغة لذكر في كتب اللغة. 19196 - قلنا: قد تثبت الأسماء بقول واحد من العرب الذي لا يعرف ولا يعتبر مع قول حكاية أهل اللغة في الكتب بل يرجع إلى ما نقول وإنما لم يذكر أهل اللغة ذلك لأنه لا عناية لهم ببيان المقادير الثابتة في الأحكام وإنما ينقلها من تعلق بها.

19197 - ولأن الوصية والإرث كل واحد منهم تمليك يتعلق بالموت ثم جاز أن يتعذر في أحدهما بنفسه كذلك الآخر. 19198 - ولأن السهم في الجمل التي يدخلها القول التضارب فيها بالسهام والفريضة العائلة ستة أسهم وما بعدها تضعيف لها فوجب أن يجعل السهم جزءا منها وهو السدس. 19199 - ولأن الميراث يتعلق بالنسب في الأصل وأدنى سهام ذوي الأنساب السدس فكذلك تقدر الوصية. 19200 - احتجوا: بأن السهم لفظ مبهم يحتمل القليل والكثير فصار كالجزء والنصيب. 19201 - قلنا: لا نسلم ذلك بل هو عبارة عن سهام الورثة وعن السدس كما بينا، فأما الجزء والنصيب فإنما لم يتقدر فإن التفاوت لا يقع ف الفرائض إلى ترى أنه لا 2/ب يقال عالت الفريضة لجزء ولا نصيف/، فلا يسقط وإنما يقال بسهم وبسهمين فعلم أن السهم هو واحد من جملة مقدرة والنصيب والجزء كل واحد منهما لا يعبر به عن واحد من جملة محصورة. 19202 - قالوا: لفظ لا يتقدر موجبة في الإقرار فلم يتقدر في الوصية كالجزء.

19203 - قلنا: هذا غير مسلم لأن من أقر لرجل بسهم من دار وسهم من ثوب استحق السدس عندنا 19204 - قالوا: لا يتقدر في البيع ولا في العقود. 19205 - قلنا: لا تعتبر الوصية بالبيع ولا بالعقود بدلالة أنه لو أوصى بدراهم استحق ثلاثة ولو باع بدراهم لم يصح البيع ولا يتقدر الثمن بثلثه. 19206 - بل قالوا: لو كان الاسم عبارة عن السدس [وعن سهام الورثة] لم يزد ولا ينقص. 19207 - قلنا: هو عبارة عندنا عن السدس وعن سهام الورثة فاعتبر أقل الأمرين في إحدى الروايتين وفي الأخرى لم ينقصه عن السدس. لأنه أقل سهم من الجملة العائلة. ***

مسألة 960 حكم إذا أوصى لرجل بنصف ماله ولآخر بثلث ماله فلم تجز الورثة

مسألة 960 حكم إذا أوصى لرجل بنصف ماله ولآخر بثلث ماله فلم تجز الورثة 19208 - قال أبو حنيفة: إذا أوصى لرجل بنصف ماله ولآخر بثلث ماله فلم تجز الورثة الوصية فالثلث بينهما نصفان. 19209 - وقال أبو يوسف ومحمد: الثلث بينهما على خمسة أسهم وبه قال الشافعي. 19210 - لنا: قوله - صلى الله عليه وسلم - لسعد حين قال له أوصي بنصف مالي قال: لا، قال أوصي بثلث مالي قال: الثلث والثلث كثير. 19211 - فهذا يدل على أن الوصية فيما زاد على الثلث [لا تجوز] والمنع من جوازها يمنع من تعلق الأحكام بها وهذا خلف الخبر ولأنه أوصى بما جعل له أن يوصي به فيما لم يجعل له في الأحكام أن يوصي به فلم يجز للموصى له أن يضرب بما لا يجوز الوصية به. 19212 - كما لو أوصى له بعبدين فاستحق أحدهما وأوصى لآخر بعبد لم يضرب صاحب العبدين بالمستحق وكذلك من أوصى بثلث ماله وثلث مال غيره. 19213 - فإن قيل: هذا يبطل بمن ترك ستمائة وأوصى بثلاثمائة ومائتين. 19214 - قلنا: الوصية هاهنا تعلقت بالتسمية وهو غير ممنوع من تسمية الدراهم المرسلة في وصيته لجواز أن يزيد ماله فتخرج من الثلث مع بقاء حق الورثة.

19215 - فإن قيل: هذا يبطل بمن أوصى بالثلث ثم أوصى بالثلث فأحدهما قد أوصى له بما لا تجوز الوصية به وإن كان يضرب به. 19216 - قلنا: وصية كل واحد منهما تعلقت بمقدار يجوز أن يوصي به ويجوز أن يسلم به بالوصية من غير إجازة مع قيام حق الورثة وهو أن يريد الموصى له الأول الوصية أو يموت الموصى له قبل الموصي فأما الوصية بالنصف فلا يجوز أن يسلم للموصى له مع قيام حق الورثة إلا بالإجازة يبين ذلك أن الموصي يجوز أن يكون علق وصية للثلث بالثلث الأول لتقع المضاربة فيه والنصف لابد أن يكون تعلق بما لا يملك الوصية به مع قيام حق ورثته. 19217 - فإن قيل: المعنى في الموصي بثلث مل زايد أنه لا يضرب عند الإجازة في تركة الموصي فلا يضرب به مع عدم الإجازة وليس كذلك الموصي بالنصف لأن الضرب يقع به عند الإجازة وكذلك عند عدمها. 19218 - قلنا: إذا أوصى لأحد ورثته بزيادة على نصيبه عند إجازة الورثة بسهمه فيما أوصى به فإذا لم يجز له لم يضرب إلا بمقدار ميراثه ولأن الوصية بالنصف تعلقت بهذه التركة فضرب فيها عند الإجازة والوصية بثلث مال الغير لم تتعلق بهذه الشركة فلم تتعلق بها المضاربة فيها عند الإجازة. 19219 - ويدل عليه أن نصيب الورثة مقدر بثلثي المال عند الوصايا ونصيب الموصى له مقدر في الشرع بالثلث ثم كان الورثة وإن زادت سهامهم لم يضربوا بأكثر من الثلثين كذلك الموصى له لا يضرب بأكثر من الثلث. 19220 - ولأن الورثة إذا تعاولوا لم يضرب كل واحد منهم إلا بما قدر له الشرع من السهم المستحق كذلك أصحاب الوصايا لا يضرب كل واحد منهم بأكثر مما قدر له الشرع.

19221 - احتجوا: بقوله تعالى: {فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه}. 19222 - قالوا: وقد فضل الموصي بينهم فلم يجز تبديل ذلك. 19223 - قلنا: التبديل هو المعتبر والمخالفة، وهذه الوصية يجوز تبديلها فيعتبرها باتفاق فلم تتناول الآية إلا الوصية الجائزة التي لا يجوز بغيرها. 19224 - قالوا: فاضل بينهما في العطية من مال فوجب أن يتفاضلا كما لو أوصى بالثلث والربع. 19225 - قلنا: هناك كل واحد منهما أوصى له بما يستحقه حال الانفراد إلا بإجازة؛ فلذلك لم يجز بضرب من غير إجازة مع قيام حق الورثة فلذلك تضاربا. 19226 - وفي مسألتنا أوصى بما لا يجوز أن يستحق حال الانفراد مع قيام حق الورثة إلا بإجازة فلذلك لم يضرب بجميع وصيته. 19227 - قالوا: وصية منفعة فجاز أن يضرب بها بإجازة والمعنى في الدراهم المرسلة أنها لم تنعقد على حق الورثة، والاستحقاق يجوز أن يتعلق بجميعها من غير إجازة مع قيام حق الورثة بأن تزيد مال الميت فلذلك جاز أن يضرب وإن زادت، والوصية بالنصف لا يجوز أني ستحق جميعها مع قيام حق الورثة من غير إجازة فصارت كالوصية للوارث والوصية بمال الغير تبين الفرق بينهما أن الوصية بالنصف انعقدت على حق الوارث والوصية بالدراهم انعقدت على التسمية ولم تنعقد على غير الشركة. 19228 - فإن قيل: علة الأصل تبطل بمن أوصى بعبد أو ثوب تزيد قيمته على الثلث فإنه لا يضرب بجميعه ويجوز أن يستحقه من غير إجازة مع قيام حق الورثة بأن يزيد المال. 19229 - قلنا: هناك انعقدت الوصية على حق الورثة فإذا لم تخرج العين من الثلث لم يجز المضاربة لحق الوارث فبين الفرق بين هذا وبين الدراهم المرسلة أنه يجوز أن

يوصي بألف وليس في ماله دراهم، ولو أوصى بعتق عبد وليس في ملكه لم يجز فعلم أن هناك انعقدت الوصية على التسمية وهاهنا على العين التي تعلق حق الوارث بها. 19230 - فإن قيل الوصية بالنصف يجوز أن تنعقد عندكم من غير إجازة إذا مات الوارث قبل المورث. 19231 - قلنا: الشائع من الوصايا في قدر دون قدر إنما هو حق الوارث فوجب اعتبار جواز الوصايا مع جواز حقه. 19232 - قالوا: الموصي قصد التفضيل بينهما فلم يجز إبطال قصده. 19233 - قلنا: بطل إذا أوصى لوارثه بوصية فقد قصد إلى تفضيله ثم لا يجوز أن يثبت له التفضيل لأن الشرع منع الوصية له إلا بإجازة كذلك هاهنا أيضا. 19234 - [فإن قيل: الوصية بالنصف يجوز أن تنفذ عندكم من غير إجازة إذا مات الوارث قبل المورث]. 19235 - [فإن قيل]: الموصي يملك التفضيل وإن لم يملك الزيادة فوجب أن يثبت ما يملك وهو لا يملك تفضيل الوارث. 19236 - قلنا: يملك تفضيل حق أصحاب الوصايا ولو بين حق الورثة فإذا أوصى لأجنبي بالثلث ولأحد ورثته بالثلث فمن حجة الورثة أن يقولوا: قد قصد الميت الإضرار بهذه الوصية وهو يملك ذلك وإن كان لا يملك إثبات وصية الوارث فيجب أن يسقط حق الموصى له وهو في ذلك على كل الورثة فلما لم يصح ذلك حكم لوصيته لا يملكها كذلك التفضيل حكم الوصية فلا يملكها فلم يجز اعتباره. ***

مسألة 961 حكم إذا أوصى بجميع ماله ولآخر بنصف ماله

مسألة 961 حكم إذا أوصى بجميع ماله ولآخر بنصف ماله 19237 - قال أصحابنا: إذا أوصى [لأحدهما] بجميع ماله [ولآخر بنصف ماله] فأجازات الورثة فلصاحب الجميع ثلاثة أرباع المال ولصاحب النصف الربع. 19238 - وقال أبو يوسف ومحمد: المال بينهما أثلاثا 19239 - [وبه قال الشافعي]. 19240 - وقد تغلظ مخالفونا الكلام في هذه المسألة وذكروا فيها فروعا عليها وما ذكروه بعض كلام أبي يوسف ومحمد فأوهموا، وأنهم ظفروا بشيء وسبقونا إلى طعن وعليهم اتفقوا أنه فرع من أصحابنا ويرجحوا كلام بعضهم على بعض فأين ما سبقوا إليه. 19241 - وما يكرهوا في هذه المسائل والفروع التي عددوها على هذا الأصل لا وجه لذكر أجزائها وإنما تتكلم في الأصل بالدليل على قول أبي حنيفة أن الموصي خص صاحب الجميع بالنصف وسوى بينهم في النصف ويتضاربا فيما اشتركا بينهما فيه وينفرد أحدهما بما انفرد به أصله إذا أوصى لرجل بعبد وأوصى له والآخر بعبد آخر اشتركا في أحد العبدين وانفرد أحدهما بالعبد الذي انفرد به كذلك هاهنا. 19242 - احتجوا: بأنها وصية منعقدة فوقفت المضاربة بها كالثلث والربع. 19243 - والجواب: أن هناك كل واحد من السدس صحيح بدلالة أن الاستحقاق [لا يقدم على معنى ينضم إليه وما زاد على الثلث ليس بصحيح بدلالة أن/الاستحقاق]

لا يتعلق به مع بقاء حق الورثة إلا بإجازة فلم يجوز أن يستوي السبب الصحيح والضعيف في المضاربة كما لا يضارب الوارث الورثة بسهمه وبما أوصى له به. 19244 - قالوا: الجملة إذا ضاقت عن الحقوق ضرب كل واحد بنصيبه كأصحاب الفروض. 19245 - قلنا: الله تعالى قد علق حق كل واحد من أصحاب السهام بالمال كما علق حق غيره فوجب أن يتساويا في المضربة وليس كذلك الوصية. 19246 - لأن الموصي علق حق أحدهما بشيء أفرده به وسوى بينه وبين غيره في الباقي وصارت أجزاء المال كالأعيان المختلفة بين ذلك أن كل واحد من الورثة إذا انفرد يستوفي سهمه والموصى له لو انفرد جاز أن يستوفي إذا انضم إليه إجازة أو يحرم الوارث وجاز أن يستوفيه فلذلك لم يجز أن يضرب بجميعه. ***

مسألة 962 حكم إذا أوصى بجميع ماله فأجازت الورثة

مسألة 962 حكم إذا أوصى بجميع ماله فأجازت الورثة 19247 - قال أصحابنا: إذا أوصى بجميع ماله فأجازت الورثة كان تمليكا من الميت وكذلك الوصية للوارث. 19248 - وقال الشافعي: في أحد قوليه يكون هبة من الورثة إن قبضت صحت وإلا بطل. 19249 - قالوا: ولو أعتق عبدا لا مال له غيره فأجاز الوارث بثلث للميت قبلناه للورثة فكأن بالإجازة أعتق الثلثين. 19250 - لنا: قوله: - صلى الله عليه وسلم -: (لا وصية لوارث إلا أن تجيز الورثة) وروي إلا

أن يشاء الورثة. 19251 - فدل على أنهم إذا أجازوها تكون وصية لأنه أثبت بالاستثناء ما نفاه فيقتضي أن تكون وصيته بعد الإجازة ولأنه عقد على ملك نفسه مع تعلق حق الغير به فإذا أسقط الغير حقه نفذ العقد من جهته كما لو أوصى وعليه دين فأبرأه الغرماء من دينه. 19252 - ولأن المنع من التصرف في الثلثين لحق الورثة كحال المنع من التصرف في الثلث لحق الغرماء فجرى أحدهما مجرى الآخر. 19251 - وعلى هذا قال أصحابنا: إذا باع الراهن الرهن بإذن المرتهن نفذ العقد من جهة الراهن وإن شئت قلت: عقد على ملك غيره وللغير فيه حق. 19254 - فإذا نفذ العقد بسقوط حق الغير نفذ من العاقد إذا باع الرهن بإذن المرتهن والمشتري للشقص إذا باع فأسقط الشفيع الشفعة. 19255 - ولأن الهبة المبتدأة لا تجوز بلفظ الإجازة فلما جازت الوصية بهذا اللفظ دل على أن الإجازة إمضاء لعقد الموصي. 19256 - فإن قيل: الإجازة من ألفاظ الهبة يقال: هذه جائزة فلان وأجاز الأمير فلانا. 19257 - قلنا: تلك إجازة مضافة إلى الموهوب له بقوله أجزتك بكذا وها هنا تصرف الإجازة إلى العقد فكيف تحمل على الجائزة.

19258 - ثم قد قالوا: إذا أعتق المريض فأجاز الوارث كان عتقا منه والإجازة ليست من ألفاظ العتق فلا يعتق بها عنه. 19259 - ولأن المريض إذا وهب وأقبض فقد ملك الموهوب له [العين بدلالة أن جواز تصرفه فرضا وثلث الموارث حتى الفسخ فكيف يكون الموصي به له الإجازة] ما تقدم ملكه ليعلم فلم يبق إلا أن تؤثر الإجازة في إسقاط حق الفسخ. 19260 - وكذلك إذا باع وحابا فقد ملك المشتري المبيع والإجازة لا تجوز أن يملك المشتري بها ما هو على ملكه وإنما سقط حق الفسخ الثابت للورثة. 19261 - احتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله جعل لكم ثلث أموالكم في آخر أعماركم زيادة في أعمالكم) وهذا يقتضي أن جميع ما يجوز أن يتصرف فيه المريض هو الثلث. 19262 - والجواب: [أن جميع]. 19263 - المال ملك الإنسان في آخر عمره فالخبر متروك في الظاهر بالاتفاق ومعناه عندنا أن الله تعالى جعل لنا في آخر العمر إسقاط حق [الوارث عنه من التقرير وما زاد على ذلك لا يملك إسقاط حق وارثه عنه] إلا رضا الوارث. 19264 - قالوا: روى في حديث سعد أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أوصي بنصف مالي

قال: لا وهذا نهي عن الوصية بما زاد على الثلث. 19265 - قلنا: سعد سأله عن إيجاب الحق على وجه لازم فمنعه عن الوصية بما زاد على الثلث. 19266 - لأن ذلك لا يقع لازما فإما النهي وإما نقول أنه ممنوع من الوصية لا للزوم بل العقد جائز مباح بالاتفاق. 19267 - قالوا: روى أبو أمامة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا وصية لوارث). 19268 - قلنا: روي إلا أنه يشاء الورثة أو إلا أن يجيزها الورثة فعلم أن المراد به لا وصية يستحقها الوارث بغير إجازة الورثة. 19269 - قالوا: ملك للورثة ملكة بموت الموصي فوجب أن يكون تمليكا من جهته كما لو وهب ملك نفسه وسلمه. 19270 - قلنا: [الوارث وإن لم يملك ملك] المال عندنا ملكا مراعا فإذا أجاز عقد الميت رد الملك وأسقط حقه عند فنفذ فيه عقد الميت. 19271 - الدليل عليه يفصل بتيقن الإمضاء والإجازة فلولا أنه استحق بذلك العقد لم ينفذ بهذا اللفظ والمعنى في الهبة المبتدأة أنها تفتقر إلى لفظ صحيح يصح ابتداء العقد به فلما لم يفتقر هذا إلى لفظ يجوز ابتداء العقد به لم يكن تمليكا من الوارث.

19272 - قالوا: لو أجاز الوارث في مرضه كان ذلك من ثلث ماله فدل أنه تمليك من جهته. 19273 - قلنا: الوارث وإن لم يملك فقد أسقط حقه عن المال بفعله وإسقاط الحقوق عن الأموال يكون من الثلث وإن لم يكن تمليكا كالعتق [وكما لو ابتاع ما يساوي عشرة دراهم ثم رده بالعيب في مرضه كان من الثلث] وإن كان الرد بعيب نقصا ليس مليك مبتدأ إلا أنه لما أسقط حقه بالرد عن المال كان من الثلث. ***

مسألة 963 زوال ملك الموصي عن الثلث بموته

مسألة 963 زوال ملك الموصي عن الثلث بموته 19274 - [قال أصحابنا] إذا أوصى بثلث ماله زال ملك الموصي عن الثلث بموته ولا يملك ذلك الورثة، وإذا قبل الموصى له الوصية حكمنا بانتقال الملك إليه بالموت حتى قالوا لو أوصى له بجارية فمات الموصى ثم ولدت أو وهب لها هبة قبل القبول كان ذلك للموصى له إذا قبل ولو أوصى بما زادا على الثلث ملك ذلك الوارث ملكا مراعا فإن أجاز حكمنا بزوال ملكه وانتقل الملك إلى الموصى له بالموت. 19275 - وللشافعي قولان: أحدهما: ينتقل الملك في الثلث بالقبول من حين موت الموصي وأن رد تبين أنه انتقل إلى الوارث من حين الموت. 19276 - والقول الثاني: ينتقل الملك في الثلث بالموت إلى الوارث وينتقل القبول من الوارث إلى الموصى له فيما زاد على الثلث. 19277 - فإن قالوا: الإجازة تفسد فهذا على قولين كالوصية بالثلث. 19278 - وإن قالوا: هبة مبتدأة انتقل الملك إلى الوارث قولا واحدا ومن جهته إلى الموصى له فأما مقدار الثلث فالدليل على أنه لا ينتقل إلى الوارث قوله تعالى: {من بعد وصيته يوصى بها أو دين} فأثبت الميراث بعد الوصية فمن أثبته قبلها فقد خالف الظاهر. 19279 - ولأن ما استحق بعطية الميت فلم يعتبر رضا الوارث في استحقاقه فلم يملكه الوارث كهبة المريض لمقدار الثلث في حال مرضه.

19280 - ولأن تبرع المريض في حال مرضه كوصيته بعد موته بدلالة اعتبار كل واحد منهما من الثلث فإذا كان الملك ينتقل في أحدهما من العاقد إلى المستحق من غير شرط ملك آخر كذلك هذا مثله. 19281 - ولأن ما ينتقل إلى ملك الوارث بالموت لا يملكه غيره إلا بسبب من جهته أو بفعل الحاكم لمقدار الدين، وفي علمنا أن قدر الثلث يستحقه الموصى له بقبوله من غير رضا الوارث ولا فعل الحاكم دلالة على أن الوارث لا يملكه. 19282 - قالوا: ما وجب انتقاله من جهة الموجب وجب أن ينتقل إليه من غير توسط ملك بينهما كما لو أنجز عطية في مرضه. 19283 - قلنا: إن كان هذا تعليلا لمقدار الثلث فكذلك نقول وإن كان فيما زاد على الثلث فإنه لا يجب انتقاله بالقبول بل ينتقل بالإجازة وبالقبول فسقط هذا. 19284 - ولأن الهبة المنجزة ينتقل الملك فيها قبل استحقاق الوارث فلم يتوسط ملك الوارث بين الإيجاب والقبول. 19285 - وفي مسألتنا يتوسط بسبب الاستحقاق بين الإيجاب والقبول فينتقل الملك إلى الوارث كما لم يجز. ***

مسألة 964 انتقال الوصية إلى ورثة الموصى له

مسألة 964 انتقال الوصية إلى ورثة الموصى له 19286 - قال أصحابنا: إذا مات الموصى له قبل قبول الوصية انتقل إلى وارثه. 19387 - وقال الشافعي: إن قبل الوارث ملكها وإن ردها بطلت. 19288 - لنا: أنه تملك يتعلق بالموت فجاز أن يملك بغير قبول كالميراث ولأن الوارث لم توجد له الوصية فلا ينفسخ برد الأجنبي. 19289 - ولأن وارث الميت لو وقفت الوصية على قبوله لم تجز إلا بإجازة الوارث كما لو أوجب له الوصية ولا يجوز أن يقال: تقف على الإجازة لأن الوصية إذا لم تفتقر عند الموت على الإجازة لم تفتقر إلى الإجازة بعده إلا أن يتغير المال كسائر الوصايا. 19290 - احتجوا:/بأنه تملك يفتقر إلى قبول تملك فإذا مات قبل القبول لم يتم كالبيع. 19291 - والجواب: أن الوصية بعد الموت تجري مجرى البيع الذي قد انضم إليه القبول ولهذا يقف على قبول يتأخر عن مجلس الإيجاب وقبول الموصى له يجري مجرى إمضاء البيع مشروط فيه الخيار ورده كفسخه فلهذا جاز أني تم العقد دونه.

19292 - ولأن البيع لا يتم بقبول من لم يوجب له العقد فكذلك الوصية لا يقف تمامها على قبول من لم يوجب له العقد. ***

مسألة 965 الوصية للأقارب

مسألة 965 الوصية للأقارب 19293 - قال أبو حنيفة - رضي الله عنه -: إذا أوصى لأقاربه اعتبر اثنان فصاعدا من ذوي الرحم المحرم ليس فيهم والد ولا ولد ويستحق ذلك الأقرب فالأقرب. 19294 - وقال الشافعي: يصرف إلى جميع أقاربه من قبل القريب منهم والبعيد سواء وقد جعل مخالفونا هذه المسألة فصولا أفردوا كل واحد منها بالكلام فقالوا استحقها بنوا الأعمام والخالات. 19295 - والدليل على أنهم لا يستحقون بالوصية أن النفقة لا تجب لهم فلا يدخلون في وصية الأقارب كالهاشمي إذا أوصى لأقاربه لم يدخل فيها من ينسب إلى وصي كالأب. 19296 - ولأنه تعصيب ليس معه تحريم مالا يدخل في الوصية للأقارب كالمولى ولأنه مال مستحق بالقرابة على وجه الإرث فلم يثبت الابن والخال كنفقته. 19297 - ولأن الوصي قصد بالوصية صلة أقاربه فاعتبر ذلك بالصلة التي تجب لهم

في حال الحياة وهي النفقة. 19298 - والدليل على أن النفقة تجب لذي الرحم المحرم ما روي في قراءة أبي بن كعب وعلى الوارث ذي الرحم مثل ذلك. 19299 - واحتجوا: بقوله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول} وقد قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سهم ذوى القربى على بني هاشم وهم بنو أعمامه. 19300 - قالوا: فلما نزلت {وأنذر عشيرتك الأقربين} جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - بني هاشم وأنذرهم 19301 - قالوا: فلما نزلت {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} جاء أبو طلحة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعل أرضه لله فقال: اجعلها في قرابتك فجعلها في حسان بن ثابت وأبي بن كعب وكانا من بني النجار وكان أبو طلحة وحسان يجتمعان في الأب الثالث ويجتمع مع أبي بن كعب في الأب السادس.

19302 - والجواب: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطى من السهم بني المطلب. 19303 - ولا خلاف بيننا وبين الشافعي أنه لو أوصى لقرابته لم يستحقوا إلا أن الشافعي قال: ولو أوصى رجل من بني شافع لقرابته اشترك فيها بنو شافع دون بني علي والعباس بن السائب فجعل الوصية لولد الأب الأدنى الذي يقع الانتساب إليه ويبين ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يدفع من السهم إلى بني زهرة وهم أخواله ولا إلى بني مخزوم وهم أخوال أبيه ولا إلى بني النجار وهم أخوال جده لأن أم عبد المطلب منهم ولا خلاف أن من ينسب إلى الأم لا يدخل الوصية ثم لم يدخلوا في السهم فدل على افتراق الوصية للقرابة ومن يستحق السهم من ذوي القربى. 19304 - وأما قوله: {وأنذر عشيرتك الأقربين} فقد جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[عند نزولها قبائل قريش] القريب منهم والبعيد. 19305 - ولا خلاف أنهم لا يدخلون في الوصية. 19306 - وأما أبو طلحة فلم يتصدق بها على أقاربه وإنما جعلها لله تعالى

فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يصرف ذلك إلى أقاربه كما يستحب لكل متصدق أن يخص بصدقته أقاربه ولو صرفها إلى غيرهم جاز ولذلك يجوز أن يسوى بين القريب والبعيد. 19307 - قالوا: إذا أخذ الحربي أمانا لقرابته دخل فيه ابني العم والخال. 190308 - قلنا: لا نسلم ذلك ومن لا يدخل باسم القرابة في الوصية كذلك لا يدخل في الأمان. 19309 - فصل 19310 - والدليل على أن الوالد والولد لا يدخلان في الوصية قوله تعالى {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين} فعطف الأقارب على الوالدين والمعطوف غير المطعوف عليه. 19311 - ولأن اسم القرابة لا يتناول الأب والابن في العادة ألا ترى أنه لا يقال هؤلاء أقارب فلان والاستحقاق يتعلق بالاسم فمن لا يطلق عليه لا يدخل فيه. 19312 - [قلنا: والخال والعم لهم أسماء تخصهم] 19313 - ولا يقال: إنما لا يقال هذا لأن لهم اسما يخصهم وإن أطلق عليه اسم القرابة. 19314 - احتجوا: بأنهم يدخلون في عقد الأمان ومن دخل في عقد الأمان باسم القرابة دخل في الوصية أصله غير الوالد والوالد. 19315 - والجواب: أن الغرض بالأمان هو رفع الذل والرد عنهم ومن قصد هذا في غير ولده ففي ولده أولى أن يقصده، وأما الوصية فالمقصود منها الصلة وقد يقصد الإنسان الصدقة على غير الولد صيانة للولد عن ذلك دينا على ما فرض الله من

الزكاة التي لا يجوز صرفها إلى ولد ولا والد. 19316 - قالوا: لو أوصى لأقرب الأقارب دخلوا في الوصية. 19317 - قلنا: لا نسلم ذلك. 19318 - فصل 18319 - والدليل على أنه يستحقها الأقرب فالأقرب أن ما يستحق بعد الموت باسم القرابة جاز أن يترتب فيه الأقرب على الأبعد كالميراث 19320 - فإن قيل: الميراث لا يستحق بالقرابة وإنما يستحق بالبنوة والأخوة والعمومة. 19321 - قلنا: علق الله تعالى الميراث بالقرابة لقوله تعالى: {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون} لأنه علق الوصية بنوع قرب فيقدم فيه الأقرب كما لو أوصى لأعمامه وله عمان لأب وأم وأعمام لأب وكذلك إذا أوصى لأولاد فلان استحق الوصية وله الثلث دون ولد الوالد. 19322 - ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعم سهم ذوي القربى في القريب والبعيد بل خصه ببعضهم ألا ترى أنه لم يعط بني عبد مناف ولا بني مخزوم وهم أخوال أبيه ولا بني

النجار وهم أخوال جده فمن زعم أن القريب والبعيد يستويان في الاستحقاق بالاسم فقد خالف ذلك. 19323 - احتجوا: بقصة أبي طلحة وقد بينا الجواب فيها. 19324 - قالوا: تساووا في سبب الاستحقاق وهو اسم القرابة فوجب أن يتساووا في الاستحقاق كما لو أوصى لبني فلان. 19325 - قلنا: الاستحقاق بالاسم قد خالف الإجماع، لأن أبا حنيفة يعتبر الأقرب وأبو يوسف ومحمد اعتبرا من ينتسب إلى أقصى أب في الإسلام. 19326 - والشافعي يعتبر من ينتسب إلى الأب الأدنى، لأنه قال فيمن ينتسب إلى شافع إذا أوصى لأقاربه لم يدخل ولد السائب وهو ابن شافع، واسم القرابة يعم الجميع فدل على أن الاسم لا يحمل على عمومه وأنه مخصوص بالإجماع. ***

مسألة 966 حكم إذا أوصى لجيرانه

مسألة 966 حكم إذا أوصى لجيرانه 19327 - قال أبو حنيفة: إذا أوصى لجيرانه فذلك للجار الملاصق. 19328 - وقال محمد: من يصلي معه في المسجد. 19329 - وقال الساجي عن الشافعي: من كان داره إلى أربعين دارا. 19330 - لنا: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (الجار أحق بشفعته) فجعل الشفعة للجار وقد أجمعوا أنه لا يستحقها غير الملاصق فوجب حمل لفظ الوصية عليها فعلق الحكم بالشرع، ولأن الاسم إن رجعنا فيه إلى اللغة فإنهم يسمون من جمعت القبيلة جارا وإن كان بينه وبينهم أكثر من أربعين دارا، وإن اعتبرنا الشرع لم يختص ذلك بالأربعين. 19331 - ولأن كل دار لم يجب لمالكها الشفعة في دار الموصي لم يدخل ساكنها

في الوصية للجيران أصله ما بعد الأربعين. 19332 - احتجوا: بقوله تعالى: {والجار ذي القربى والجار الجنب} {والجار ذي القربى} هو الأجنبي {والجار الجنب} هو البعيد. 19333 - والجواب: أن أهل اللغة قالوا: {والجار ذي القربى والجار} والجار المناسب {والجار الجنب} هو الجار الأجنبي {والصاحب بالجنب} هو الصاحب بالسفر الذي لا يجمعه وإياه جوار الدار. 19334 - قالوا: روى عبد السلام بن أبي الجنوب عن أبي سلمة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (حق الجوار أربعون دارا هكذا وهكذا). 19335 - قلنا: عبد السلام عن أبي الجنوب شيخ روى عن أهل البصرة ساقط الحديث لا يجوز الاحتجاج به أليس دالا على روايته المناكير الذي روى هذا الحديث فاستدل بروايته له على سقوطه فكيف يجوز الاحتجاج به. 19336 - قالوا: روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (لا صلاة الجار المسجد إلا في

المسجد) ولم يختص ذلك بالملاصق. 19337 - قلنا: ولا يختص عن الأربعين دارا؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حث بهذا الخبر على الجماعة فلو خصصناه بالملاصق أبطلنا الفائدة التي طلب لها وأما الوصية للجار فهي صلة لقربه والمقارب هو الملاصق/ولهذا لما استحقت الشفعة بالقرب اختصت به. 19338 - قالوا: عندكم تجب الشفعة للمحاذي ولا يدخل في الوصية. 19339 - قلنا: لأنه استحق الشفعة بالجوار وإنما يستحقها بالشركة في الطريق. ***

مسألة 967 الوصية لقبيلة كبيرة لا تحصى

مسألة 967 الوصية لقبيلة كبيرة لا تحصى 19340 - قال أصحابنا: إذا أوصى لقبيلة لا تحصى كبني تميم وبني عباس. وبني هاشم وفيهم الغني (والفقير فالوصية باطلة) 19341 - وقال الشافعي: جائزة ويدفع إلى جماعة منهم). 19342 - لنا: أن الوصية إذا دخل فيها الأغنياء لم يقصد بها القربة وإنما القصد منها إيجاب الحق لأدمي ولا يثبت لغير معين كما لو قال لبني تميم عندي ألف لأن الوصية إذا لم تكن لحق الله تعالى وقفت على القبول والعقد الذي يقف على القبول لا يثبت لمن لا يحصى. 19343 - احتجوا: بأن من جازت لهم الوصية إذا انحصر عددهم جازت الوصية وإن لم يحصروا كالفقراء. 19344 - والجواب أن الوصية للفقراء المقصود بها هو الله تعالى وهو معين معلوم والوصية للأغنياء لا يقصد بها الله تعالى فنفى أن يقصد بها الآدمي فلا يثبت له إلا أن يكون غنيا.

19345 - ولا يقال أنكم جوزتم الوصية للحمل وليس بعين الحمل لأن الوصية للحمل متعلقة بشرط الولادة وفي ذلك الحال هو معنى محصور لا تصح فيه الزيادة ولا النقصان. ***

مسألة 968 حكم إذا أوصى المسلم للحربي

مسألة 968 حكم إذا أوصى المسلم للحربي 19346 - قال أصحابنا: إذا أوصى المسلم للحربي لم تصح الوصية مع اختلاف الدار 19347 - وقال الشافعي: تصح الوصية. 19348 - لنا: قوله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم} إلى قوله {إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم} وظاهر الآية لا يقتضي النهي عن تولي أهل الحرب وبرهم والوصية من البر. 19349 - فإن قيل: الآية الأولى تقتضي إباحة غير المحاربين. 19350 - والثانية: تقتضي المنع من تولي أهل الحرب وأما برهم فدليل الخطاب. 19351 - قلنا: الآية نزلت على سبب؛ وهو أن أسماء سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن برأم لها مشركة فظاهر الآية أنها فرق في الحكم المسئول عنه فذكر النفي والإثبات إلا أنه نهى عن التولي الذي يدل البر عليه ولأنا أمرنا بأخذ أموالهم فيستحيل أن تدفع أموالنا إليهم.

19352 - ولأن في دفع الوصية إليهم تقوية لهم على حربنا. 19353 - ولا يجوز كما لو أوصى لهم بالسلاح، ولأن في تكثير مالهم إضرار بالمسلمين فصار كالوصية لهم بالعبد المسلم. 19354 - ولأن من لا يجوز أن يوصى له بالعبد المسلم لا يجوز أن يوصى له بالمال كالوارث. 19355 - احتجوا: بقوله تعالى: {من بعد وصيته يوصى بها أو دين}. 19356 - والجواب: أن هذا عموم مخصوص بما ذكرنا. 19357 - قالوا: من صحت له [الهبة صحت له الوصية] كمن في دار الإسلام. 19358 - قلنا: لا فرق بين الهبة والوصية لو أوصى له مع اختلاف الدار لم يجز ولو وهب له لم تصح الهبة. 19359 - قالوا: من جازت مناكحتهم جازت الهبة لهم. 19360 - قلنا: إنما تصح مناكحتهم إذا اجتمعوا في دار واحدة فأما مع اختلاف الدار فلا تصح المناكحة ولو وكل من يزوجه امرأة في دار الحرب وهو في دار الإسلام لم ينعقد النكاح كذلك الوصية مثله. ***

مسألة 969 حكم الوصية للقاتل

مسألة 969 حكم الوصية للقاتل 19361 - قال أصحابنا: لا تصح الوصية للقاتل وإن قتل الموصى له الموصي بعد الوصية بطلت الوصية. 19362 - وهو أحد قولي الشافعي. 19363 - وقال في القول الآخر: الوصية جائزة. 19364 - وإذ قتل بعد الوصية لا تبطل. 19365 - لنا: قوله - عليه السلام -: (ليس لقاتل شيء). 19366 - فإن قيل روي (لا ميراث لقاتل) فيحمل المطلق على المقيد. 19367 - قلنا: بل نستعمل هذا على عمومه وهذا على خصوصه. وروي عن

على أنه قال: (لا وصية لقاتل) ولا مخالف له. 19368 - وروى الحجاج ابن أرطأة عن عاصم عن على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا وصية لقاتل) ولأنه ملك ينتقل بالموت فيمنع منه القتل كالميراث ولأن الموصى له شريك الوارث يزيد حقه بزيادة المال وينتقص بنقصانه فإذا أسقط القتل أحد الحقين أسقط الآخر ولأن الميراث يتعلق بسبب لا ينفسخ والوصية تتعلق بسبب ينفسخ فإذا منع القتل أقوى الحقين فبأن يمنع أضعفهما أولى. 19369 - فإن قيل: يجوز أن يمنع الإرث مالا يمنع الوصية كالكفر. 19370 - قلنا: الكفر لما منع الإرث، مع الوصية لأنها لا تجوز لحربي وكذلك القتل يجب أن تؤثر في الوصية أيضا. 19371 - ولأن الموصى له بالجرح استعجل ما أخره الله عنه بفعل محظور فصار المقتول كالحي في حقه كالوارث إذا جرح المورث ولا يلزم أم الولد إذا قتلت مولاها. 19372 - لأن العتق يجوز فيها أن يتعلق بالموت ويجوز أن يتقدمه لأن أم ولد بين شريكين إذا مات أحدهما أو أعتق نصيبه عتق نصيب الآخر فلم تستعجل ما حكم له بتأخيره والوصية لا تملك إلا بالموت فإن الموصي بعد الجرح يقدر على الرجوع عن وصيته.

19373 - قالوا: لم يفعل فقد رضي بها والمجروح لا يقدر على إسقاط الإرث [فلذلك مسقط الإرث]. 19374 - قلنا: إذا أسقط بالقتل مالا يصح الرجوع عنه فأولى أن يسقط ما يصح الرجوع عنه ولأن المجروح متهم في ترك الرجوع لأنه يجوز أني ظن أن الجارح أخطأ في الجرح فلم يرجع عن الوصية وما يتهم فيه المريض لا ينعقد تصرفه فيه. 19375 - احتجوا: بقوله تعالى: {من بعد وصيته يوصى بها أو دين}. 19376 - قلنا: أجمعنا على أن المراد به الوصية الصحيحة وقد اختلفنا في هذه الوصية. 19377 - قالوا: روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا وصية لوارث) دليلة أنها تجوز لغير الوارث. 19378 - قلنا: ظاهر الخبر يقتضي أنه إذا أوصى لقاتل الوارث لم تصح الوصية ومن منع وصية القاتل الذي هو من لأهل الميراث منع غيرها. 19379 - قالوا: أجنبي عنه فصحت الوصية له كغير قاتل. 19380 - قلنا: استحقاق الوصية والإرث يتقابلان بنسب استحقاق القرب إما بنسب أو كسب استحقاق الوصية عدم ذلك القرب ثم كان بسبب الإرث إذا حصل منه القتل كذلك الأجنبي وجد منه استحقاق الوصية جميع القتل. 19381 - قالوا: تمليك يفتقر إلى قبول فصح للقاتل كالبيع والإجارة. 19382 - وربما قالوا: تمليك بعقد. 19383 - قلنا: الأصل غير مسلم لأن عند أبي حنيفة البيع والإجازة وصية فلا

تصح للقاتل كما لا تصح الوصايا له. 19384 - قالوا: من صحت له الوصية إذا لم يكن قاتلا صحت له الوصية إذا كان قاتلا أصله الصبي. 19385 - قلنا: الصبي لا يتعلق بفعله القود فلم يتعلق به حرمان الوصية والبالغ يجوز أني تعلق بفعله القود. 19386 - قالوا: نوع قتل كحفر البئر [ولأنه يمنع الوصية في الصغير لا يمنعها في الكبير. أصله حفر بئر. 19387 - قلنا: لا نسلم أن حفر البئر] نوع قتل لأن حافر البئر ليس بقاتل وقد بينا ذلك والمعنى في الحافر أنه لم يوقع فعلا في الواقع ولا فيما اتصل به يمنع الوصية بفعله ولما كان المباشر أوقع الفعل في المقتول أثر ذلك في استحقاقه فاستحق بالموت كالوارث. 19388 - قالوا: أحد موجبي القتل فجاز أن يجعله المجروح للجارح أصله الذمي. 19389 - قلنا: لما جاز أن يسلم الدية للوارث بالعفو جاز أن يسلم للقاتل ولما لم يجز أن يسلم المال للوارث لم يجز أن يسلم للقاتل. ***

مسألة 970 حكم إذا قدم الرجل ليقتل أو بارز عدوا أو ضرب الحامل الطلق

مسألة 970 حكم إذا قدم الرجل ليقتل أو بارز عدوا أو ضرب الحامل الطلق 19390 - قال أصحابنا: إذا قدم الرجل ليقتل أو بارز عدوا أو ضرب الحامل الطلق فعطاياهم من الثلث. 19391 - وهو أحد قولي الشافعي. 19392 - وقال في الإملاء: تكون عطاياهم من رأس المال. 19393 - لنا: أن هذه أحوال الغالب فيها التلف فصار كحال المرض، ولأن المرض على ضربين ضرب موجب كون العطاء من الثلث، ومرض كحال الصحة وهو المرض الذي يتطاول ولا يخاف منه الموت كالفالج وجب أن يكون حال الصحة منقسمة منها ما يعتبر التصرف من الثلث كحال المرض ومنها ما يعتبر من رأس المال والمعنى فيها أنها إحدى حالتي الإنسان. 19394 - احتجوا: لأنه صحيح الجسم فأشبه القائم في الصف والحامل في شهر وضعها. 19395 - قلنا: هذه أحوال يجوز أن يحصل منها التلف وليس الغالب فيها ذلك وجواز التلف غير معتبر لأنه موجود في الصحيح وكذلك صحة الجسم لا معتبر به لأن

الحكم يتعلق بالغالب فيه الخوف ألا ترى أن مريض الجسم إذا لم يوجد فيه هذا المعنى كالصحيح وهو مفلوج ومن به سل متطاول. ***

مسألة 971 حكم إذا أعتق ثم أعتق

مسألة 971 حكم إذا أعتق ثم أعتق 19396 - [قال أصحابنا]: إذا أعتق في مرضه ثم أعتق تحاص العبدان في الثلث وكذلك إذا أوهب ثم وهب. 19397 - وقال الشافعي: الأول أولى بالثلث. 19398 - لنا: أنهما تبرعان في حال المرض من الثلث كما أن ما يوجبه بعد الموت من الثلث فإذا كان ما يوجبه بعد موته من نوع واحد يستوي الأول والآخر كذلك هنا. 19399 - ولأن تبرع المريض موقوف مراعى على حال الموت بدلالة أن ماله تملك لم يفقد تبرعه وإذا كان موقوفا على الموت استوى المتقدم منه والمتأخر إذا كان من نوع واحد. 19400 - فإن قيل: المعنى في الوصايا أنه ملك الرجوع فيها فجاز أن يوجب الوصية للثاني فيشترك بيه وبين الأول. وفي مسألتنا لا يملك الرجوع عن العتق ولا عن الهبة فلذلك لا يملك الاشتراك بين الأول والثاني. 19401 - قلنا: ليس يمنع أن يملك الرجوع ويثبت في طريق الحكم بمقتضى إيجابه ما يؤدي إلى إسقاط حق الأول. 19402 - ألا ترى أنه لو أعتق لم يملك الرجوع ولو أقر بدين بعد العتق قدم صاحب الدين على حق العتق/. 19403 - ولو أوصى بالثلث فأراد الورثة أن يطلبوا لم يملكوا ذلك ولو شهدوا أنه

أوصى لأخر اشترك الموصى لهما في الثلث كذلك في مسألتنا. 19404 - احتجوا: بأنهما عطيتان منجزتان معتبرتان من الثلث فإذا عجز الثلث عنهما كانت الأولى أولى بالثلث أصله إذا باع في مرضه وحابا ثم اعتق. 19405 - والجواب: أن الكلام بيننا وبينهم في الترجيح بالتقدم وهذا إنما يتصور في النوع الواحد فأما إذا اختلف التبرع جاز أن ينفرد أحدهما بالثلث لقوة الشيء في نفسه لا لمعنى يعود إلى التقديم. 19406 - والمعنى في المحاباة أنها أقوى من العتق بدلالة أنها تتعلق بعقد معاوضة وذلك مما يتعلق بالاستحقاق والغير غير مستحق. 19407 - ولأن المحاباة تجوز أن تلزم في حال المرض من جميع المال ألا ترى أن الصحيح إذا اشترى وحابا شرط الخيار للبائع فلزم البيع في مرض المشتري كان من جميع المال ولو علق في صحته عبده بشرط فوجد الشرط في حال المرضى كان من الثلث وإذا كانت المحاباة أقوى من العتق ولها مزية التقديم كانت أولى. 19408 - فإن قيل: العتق أقوى لأنه لا يلحقه فسخ ويبنى على الدابة وفيه حق الله تعالى. 19409 - قلنا: نحن لا نبطل العتق وإنما يشتركان في المال الذي هو السعاية والسعاية يلحقها الفسخ ولا يتعلق بها حق الله تعالى فلم يصح ما قالوه. ***

مسألة 972 حكم إذا أعتق ثم حابا

مسألة 972 حكم إذا أعتق ثم حابا 19410 - قال أبو حنيفة: إذا أعتق ثم حابا تحاصا في الثلث. 19411 - وقال الشافعي: العتق أولى. 19412 - لنا: أن المحاباة لو تقدمت لم يتقدم العتق عليها فإذا تأخرت مع تعلق حق الورثة لم يتقدم عليها كما لو أوصى بهم وقدمت ذكر أحدهما على ذكر الآخر ولأن كل ما لو تقدم على العتق في حال المرض لم يتقدم العتق عليه إذا تأخر عنه لم يتقدم عليه أصله الإقرار بالدين. 19413 - احتجوا بما ذكر في المسألة الأولى وقد أجبنا عنه. ***

مسألة 973 الوصية إلى العبد وليس في الورثة كبير

مسألة 973 الوصية إلى العبد وليس في الورثة كبير 19414 - قال أبو حنيفة: إذا أوصى إلى عبد وليس في ورثته كبير جازت الوصية. 19415 - وقال الشافعي: لا يجوز. 19416 - لنا: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر له لشيء يريد أن يوصي فيه يبيت ثلاث ليال إلا ووصيته عند رأسه) ولم يفصل بين أن يوصي إلى عبده أو إلى غيره. 19417 - ولأن كل مكلف جاز أن يكون وكيلا في البيع جاز أن يكون وصيا أصله الحر. 19418 - ولانه مكلف فجاز الوصية إليه كالحر ولأن العبد يجوز تصرفه عليهم [بعد بلوغهم بأمرهم فجاز تصرفه] عليهم حال صغرهم بوصية أبيهم كالحر. 19419 - ولأنه يجوز تصرفه عليهم في حال حياة أبيهم بأمره فجاز تصرفه عليهم بعد موته بوصيته كالحر. 19420 - ولا يلزم الفاسق لأن الوصية إليه جائزة ولو تصرف جاز ثم يخرجه

القاضي إذا ثبت حقه عنده للتهمة، ولا يلزم إذا كان في الورثة كبار لأن التعليل للشخص والشخص يجوز عندنا الوصية إليه وليس الكلام في أحوال الشخص وهذه حال من أحواله. 19421 - فلا يلزم. 19422 - فإن قيل: المعنى في الحر أن الوصية إليه جائزة إذا كان في الورثة كبار ولما لم تجز الوصية إليه إذا كان في الورثة كبار ولم تجز إذا كانوا صغارا. 19423 - قلنا: إذا كان فيهم كبار ملكوا صرفه عن التصرف يبيع ويستحيل أن يلي عليهم وصرفه بيدهم. 19424 - فإن قيل: فإذا كانوا صغارا فالقاضي يلي من يبيعه إذا رأى ذلك مصلحة أو ظهر على الميت دين. 19425 - قلنا: ولاية القاضي على الوصي لا تمنع جواز الوصية لأنه يلي على الأضرار ومع ذلك تجوز الوصية إليهم. 19426 - ولأن العبد يستفيد الوصية من جهة الموصي ومن يلي عليه لا يملك عزله فضحت الوصية إليه كالحر. 19427 - احتجوا: بأن من لا تجوز الوصية إليه إذا كان في الورثة بالغ لم تجز الوصية إليه إذا لم يكن فيهم بالغ كالمجنون. 19428 - قلنا: الوصف غير مسلم لأنه يجوز أن يوصى إليه غير مولاه وإن كان ورثته كبارا وإنما لا يجوز وصية مولاه إليه إذا كان الورثة كبارا والمعنى في المجنون أنه لا يجوز أن يتصرف على الصغار في حال حياة أبيهم بأمره فلم يجز بعد موته بوصيته والعبد بخلافه. 19429 - قلنا: الأصل غير مسلم لأن العبد يكون وصيا عندنا على البالغين إذا كان الموصي غير المولى والمعنى فيه أنه أوصى إليه المولى وفي الورثة كبيران الوارث يملك

صرفه عن الوصية ببيعه وهذا لا يوجد إذا كانوا صغارا أو بكون أن من حكم الموصى أن بلي على الورثة فيستحيل أن يلي على الكبار بالوصية ويكون عليه الملك وهذا لا يوجد في الصغار. 19430 - قالوا: ليس من أهل الشهادة عندكم ويصح وصية الذمي إليه في الصحيح الوجهين من والوجه الآخر باطل لأن من يلي بالنسب يجوز أن يلي بالوصية. 19431 - ولأن منع الشهادة لو أثر في الوصية أثر فيها نقصان الشهادة بالأنوثية [ألا ترى أن منح الشهادة بالرق إذا أثر في الميراث أثر نقصان الشهادة بالأنوثية] في نقصان الميراث وأصلهم الفاسق والوصية إليه جائزة ولو تصرف جاز وأما الصبي فليس من أهل الولاية والعبد من أهل الولاية بدلالة أنه يلي الجمعة وتجعل إليه إقامة الحدود. 19432 - قالوا: الرق معنى يمنع ثبوت الولاية على ولده فجاز أن يمنع ثبوت الولاية [بالوصية على ولده كالحر. 19433 - قلنا: لسنا نسلم أن الرق يمنع ثبوت]. 19434 - الولاية على الولد لأن المكاتب يلي على ولده مع وجود الرق وإنما لا يلي العبد على ابنه إذا كان عبدا كما لا يلي الأب الحر عليه ولا يلي عليه إذا كان حرا لأنه لا يملك التصرف في حق غير المولى إلا بإذنه والولاء بالنسب لا يقف على إذن الغير والمعنى في المجنون ما قدمناه. 19435 - قالوا: هذا التصرف إذا كان في حكم الوكالات جاز من الفاسق وإن كان في حكم الولايات فالعبد ليس من أهل الولايات. 19436 - قلنا: يجوز التصرف بالوصية مع الفسق عندنا لأن الفاسق يخرجه القاضي نظرا للصغار والميت لأنهم لا يقدرون على استدراك حقهم فأما الموكل فيقدر على استدراك حقه فلا يخرجه القاضي من الوكالة. 19437 - وأما قولهم: إن العبد ليس من أهل الولايات فإن قالوا أنه لا يلي بحال لم نسلم ذلك لأنه يلي إقامة الجمعة ويوليه الإمام إقامة الحدود وإمارة السرايا وقسمة

الصدقات والخمس وجباية الزكاة وأن كان قد قال أن لا يلي في جميع الأشياء بطل ذلك بالمرأة فإنها لا تلي الإمامة اتفاقا ولا تلي القضاء عندهم. 19438 - وعندنا لا تلي القضاء إلا فيما لا تقبل شهادتها فيه ومع ذلك تصح الوصية إلى عبد الغير فإذا أذن له فولاه في التصرف جاز تصرفه. 19439 - ولأن المعنى فيه أن الموصي صرف منافع عبد غيره إلى مصالح ولده كما لا يملك أن يستخدمه. 19440 - ولا يجوز أن يقف ذلك على إذن مولاه لأن تصرف الوصي لا يقف نفوذه على أذن غير الموصي وأما عبد نفسه فيملك صرف منافعه إلى مصالح ولده ولا يملكون عزله عنا لولاية فجازت الوصية إليه. 19441 - قالوا: إن كان كذلك فقد صرف منافع عبده إلى ورثته فكأنه أوصى لهم بمنافعه. 19442 - قلنا: الوصية للوارث لا تجوز إذا خص بها بعض الورثة وهاهنا صرف المنافع إلى جماعتهم بقدر استحقاق كل واحد منهم فلم تلحقه تهمة في ذلك فجاز. ***

مسألة 974 حكم الوصية للفاسق

مسألة 974 حكم الوصية للفاسق 19443 - قال أصحابنا: إذا أوصى إلى فاسق صحت الوصية فإن تاب وأصلح قبل موت الموصي أو بعد موته قبل إخراج القاضي إياه كان وصيا بحاله وإن لم يتب أخرجه. 19444 - وقال الشافعي: يعتبر أن يكون عدلا عند الوصية. 19445 - لنا: أنه يصح أن يكون وكيلا فجاز أن يكون وصيا كالعدل ولأنه تصرف خاص مستفاد بأمر كالوكالة. 19446 - ولأنه لا يجوز أن يتصرف لهم حال حياة أبيهم بأمره فجاز بعد موته كالعدل. 19447 - [احتجوا: بأنه لا يجوز أن ينصرف إقراره على الوصية فلا يجوز الوصية إليه كالمجنون]. 19448 - قلنا: الضعيف لا يقر على الانفراد بالتصرف والوصية إليه جائزة والمجنون. 19449 - لا يجوز أن يتصرف في حال حياة الميت بأمره والفاسق بخلافه.

19450 - قالوا: ولاية في حق الغير فلا تثبت مع الفسق كولاية الأب على المال. 19451 - قلنا: الأصل غير مسلم لأن تصرف الأب الفاسق بالولاية جائز إلى أن يخرجه القاضي كما يجوز تصرف الوصي الفاسق ولا فرق بينهما. ***

مسألة 975 حكم إذا ترك الميت وارثا صغيرا أو كبيرا فباع الوصي نصيبهما

مسألة 975 حكم إذا ترك الميت وارثا صغيرا أو كبيرا فباع الوصي نصيبهما 19452 - قال أبو حنيفة [- رضي الله عنه -] إذا ترك الميت وارثا صغيرا وكبيرا فباع الوصي نصيبهما جاز وكذلك إن كان على الميت دين غير مستغرق فباع الجميع وإن كان قد أوصى بالثلث فباع الجميع. 19453 - قال أبو يوسف ومحمد لا يجوز أن يبيع إلا نصيب الصغير وقدر الدين والثلث دون غيره. 19454 - وبه قال الشافعي. 19455 - لنا: أن الوصي إذا جاز له بيع بعض التركة جاز له بيع جميعها أصله إذا كان الوارث صغيرا والدين مستغرقا، ولأنه قام مقام الميت والميت كان يملك بيع جميع التركة كذلك وصيه يجوز أن يملك ذلك بإطلاق الوصية. 19456 - ولا يلزم وصي الأم لأنه قد يملك عندنا بيع جميع التركة إذا كانت عروضا، ولأنه مال لا يجوز بيعه في دين مستغرق كالرهن. 19457 - ولأن في تبعيضه/ضرر بالمال وفي جمعه توفير له ومن حق الميت ما صح في التركة لجواز أنه يظهر عليه ديون والوصي يتصرف لحقه فما كان أوفى جاز.

19458 - احتجوا: بأنه مال رشيد فلا يجوز بيعه بغير إذنه أصله مال الدين لم يرثه. 19459 - قلنا: يبطل بيع الحاكم مال الديون وبيعه الرهن. 19460 - فإن قالوا: هناك باع للغرماء. 19461 - قلنا: بل يبيع الديون ويملك الثمن ويقبضه من ملكه ولأن الرهن يبيعه القاضي وما زاد على الدين يدفعه إلى الراهن وإن جاز البيع بغير إذنه والمعنى فيما سوى التركة أن الموصى لا يملك حفظه فلم يملك بيعه وكما ملك حفظه نصيب الكبير بأمر من هو على حكم ملكه ملك بيعه أيضا 19462 - قالوا: لا ولاية للوصي على الكبير ولا يجوز له بيع ماله كالأجنبي. 19463 - [قلنا: الأجنبي ليس قائم مقام من المال على حكم ملكه فملك التصرف فيه بحقه] 19464 - قالوا: لو بلغ الصغير [فباع جميع المال] لم يجز والتصرف بالملك أقوى من التصرف بالولاية. 19465 - قلنا: ليس كذلك لأن التصرف بالملك بخص نصيب المالك والتصرف بالوصية لأحد النصيبين لا يرتفع لحق الميت وحقه متعلق بالجميع. ***

مسألة 976 حكم إذا مات الموصى له قبل القبول

مسألة 976 حكم إذا مات الموصى له قبل القبول 19466 - [قال أصحابنا]: الملك في الوصايا ينتقل بالموت والقبول إلا في مسألة واحدة وهي إذا مات الموصى له قبل القبول. 19467 - وللشافعي: قولان معروفان أحدهما أنه يملك بالموت والقبول فإذا قبل ملك الموت والقول الآخر الملك مراعى. 19468 - فإن قيل: بينا أنه كان ملكها بالموت ومتى ردها بينا أنه مالكها بالموت وحكى ابن عبد الحكم قولا ثالثا وهو أن يملك بالموت فيدخل في الملك الموصى له كما تدخل التركة في ملك الوارث. 19469 - فإن قيل: استغرق ملكه وإن رد انقطع ملكه ودخل في ملك الورثة. 19470 - لنا: أنه تمليك بعقد فافتقر إلى القبول كالتمليك بالبيع ولأن هذا العقد قبل القبول لا يعتق به أخوه عليه فلا يقع به الملك أصله إيجاب البيع ولأنه عقد يبطل بالرد فافتقر إلى قبول كالبيع والهبة. 19471 - ولا يلزم إذا مات الموصى له قبل القبول لأن التعليل تمليك للعقد في الجملة لأحواله ولأن هناك القول معتبر إلا أنه وجد ما قام مقامه وهو أن العقد من جهة الموصى له بموته يتم العقد به كموت من شرط له الخيار.

19472 - احتجوا: [بأنه حر يملكه] بالموت فلا يفتقر إلى قبول كالميراث. 19473 - قلنا: الميراث لما لم يفتقر إلى قبول لم يبطل بالرد وإنما بطلت الوصية بالرد لأنه افتقر عقدها إلى القبول. 19474 - قالوا: لو افتقرت إلى القبول ملكها به فكأن الموصي ملكه بعد موته. 19475 - قلنا: سبب الملك وجد من الموصي في حياته فيصير كمن باع وشرط الخيار للمشتري ثم قال لبائع وأجاز المشتري استقر ملكه بالبيع السابق الذي حصل في حال حياة البائع. 19476 - قالوا: لو زال ملك الميت بالموت ولم يدخل في ذلك الموصى له صار ملكا لا مالك له. 18477 - قلنا: هذا عندنا غير ممتنع كالبيع المشروط فيه الخيار للمشتري وكما نقول جميعا في عبيد الكعبة. ***

مسألة 977 حكم انفراد أحد الوصيين بالتصرف

مسألة 977 حكم انفراد أحد الوصيين بالتصرف 19478 - قال أبو حنيفة ومحمد: لا يجوز لأحد الوصيين أن ينفرد بالتصرف إلا فيما في تأخيره ضرر ككفن الميت وطعام الصغير وكسوته ومالا يفتقر إلى الرأي كرد وديعة وتنفيذ وصية بعينها وعتق عبد بعينه وقضاء دين وبالخصومة. 19479 - وقال الشافعي: لا يجوز في هذه الأشياء ولا في غيرها. 19480 - لنا: أن الموصي يقصد بوصيته نفع الصغير وفي انتظار كل واحد منهما لصاحبه في ابتياع الطعام ضرر وهو لا يقصد ذلك فكأنه أمر بالاجتماع إلا فيما يضر بالأولاد ولا يلزم الوكيلان إذا غاب أحدهما وخشي الآخر الضرر في ترك البيع. 19481 - لأن الموكل يقدر على استدراك حقه عنه خشية الضرر والموصي بعد الموت والصغير لا يقدر على ذلك ولأن أمر الموصي فيما يؤدي إلى إلحاق الضرر بالصغير يسقط حكمه ويجب تغييره أصله إذا أوصى إلى ضعيف أو فاسق وفي انتظار اجتماعهما ضرر يسقط اعتباره وليس كذلك الوكيلان لأن أمر الموكل معتبر وإن أضربه كما لو وكل فاسقا أو ضعيفا. 19482 - ولأنه لو أفرد التصرف من يستضر الصغير بإفراده سقط حكم إفراده ووجب ضم غيره إليه كذلك إذا اجتمع في التصرف من يستضر الصغير باجتماعه يجوز أن ينفرد، ولأن تسليم وديعة بعينها وتنفيذ وصية بعينها وعتق رقبة بعينها لا يفتقر

إلى الرأي وإجماع الاثنين شرط فيما لا يفتقر إلى الرأي. 19483 - وعلى هذا قالوا: في الوكيلين بالطلاق والعتاق أن كل واحد يوقع لأن الإيقاع لا يختلف أن حكمه بالإجماع والانفراد ولأن صاحب الدين إذا وجد جنس حقه جاز له أخذه وصاحب الوديعة إذا أخذها بنفسه جاز فإذا كان كذلك ففعل أحد الوصيين أولى أن يجوز. 19484 - احتجوا: بأنه أشرك بينهما في النظر فلا يجوز لأحدهما أن ينفرد كالوكيلين. 19485 - قلنا: إذا وكل اثنين فيما لا يختلف باختلاف الرأي جاز لأحدهما أن ينفرد به كالخصومة وفي مسألتنا مثله، فأما إذا وكلهما بالبيع فاجتماعهما لا يؤدي إلى الضرر وإن خيف الضرر أمكن استدراك ذلك من جهة الموكل فجاز أن ينفرد أحد [] الاثنين بذلك. 19486 - لأن الوكيل الضعيف ينفرد بالتصرف لأن الموكل يقدر أن يستدرك حقه بتصرفه بخلاف الوصي الضعيف لأن الموصي لا يقدر على استدراك حقه. 19487 - قالوا: السبب الذي ملك الموصى به التصرف في الستة أشياء هو الذي ملك به التصرف في كيفية الأشياء، فيجب أن يستويا. 19488 - قلنا: السبب واحد لكن حكم المملوك بالسبب مختلف فاختلف الحكم باختلافه لا باختلاف السبب كما أن الحاكم ملك الولاية بسبب واحد على جميع الناس ويجوز حكمه على أبيه وولده لا يجوز حكمه لهم وفي الأجانب يحكم لهم وعليهم فاختلف الحكم باختلاف المحكوم له وإن اتفق السبب الذي ملك الحكم به في الجماعة. ***

مسألة 978 وصي الأب أولى بالتصرف من الجد

مسألة 978 وصي الأب أولى بالتصرف من الجد 19489 - قال أصحابنا: وصي الأب أولى بالتصرف من الجد. 19490 - وقال الشافعي: الجد أولى بالتصرف من الوصي. 19491 - لنا: أن الوصي متصرف بأمر الأب فكان أولى بالتصرف من الجد كوكيل الأب. 19492 - ولأن تصرف الأب مقدم على تصرف الجد فوصى الأب مقدم عليه كالحاكم لما تقدم الأب عليه عدم وصيته عليا. 19493 - احتجوا: بأن الوصي يلي بتوليه والجد يلي بغير تولية فصار كالحاكم والجد. 19494 - قلنا: الجد يتقدم على الحاكم لأنه يقوم مقام الأب كذلك الوصي يقوم مقام الأب فيتقدم على الجد كما يتقدم على الأب 19495 - قالوا: الجد يتصرف بقرابة وتعصيب والوصي بتفويض فصار كالحاكم. 19496 - قلنا: الوصي يتصرف بتفويض إلا أنه تفويض الأب فقام مقام الأب فيقوم مقام الجد والحاكم بتصرف بتفويض الإمام والجد مقدم على الإمام فكذلك الحاكم. ***

مسألة 979 حكم إذا أوصى لرجل في بعض أمره

مسألة 979 حكم إذا أوصى لرجل في بعض أمره 19497 - قال أبو حنيفة: إذا أوصى إلى رجل في بعض أمره كان وصيا في جميع أموره. 19498 - وقال الشافعي يكون وصيا فيما فوض إليه خاصة. 19499 - لنا: أنه يتصرف في ماله بالوصية فجاز أن يتصرف في عموم المال. أصله إذا أطلق الأمر فقال: أوصيت إليك جاز أن يتصرف في مال الآمر وفيما استفاده الصغيرة من الأموال بعد موت الموصي، ولأنه تصرف الموصي لو جاز أن يختص ببعض الأشياء لم تجز الوصية بلفظ مطلق كالوكالة فلما جاز أن تثبت الوصية بقوله: أوصيت إليك علمنا أنها لا تنحصر. 19500 - ولا تلزم المضاربة لأنه لا تصح إلا بعد تخصص اللفظ وهو أن يقول دفعت إليك هذا المال مضاربة بالنصف. 19501 - ولأن تصرف الوصي لو اختص بما خص به ولزم القاضي أن ينصب للصبي وصيا في بقية ماله وتصرف الأمين الذي رضي به الميت أولى من تصرف أمين لم يرض به. 19502 - [فإن قيل: أوصى إلى رجل في بعض ماله ولآخر في بعض ماله فلم يثبت التصرف لمن لم يرض الموصي به].

19503 - قلنا: إذا خص لكل واحد شيئا فلابد من بقاء تصرف لم يجعله إلى كل واحد منهما فيؤدي إلى ما قلناه. 19504 - فإن قيل: يجوز أن يوصي إلى أحدهما في أمر خاص وإلي آخر في بقية الأشياء كلها. 19505 - قلنا: إذا ثبت لنا في الموضع الذي ذكرناه ثبت هذا لأن أحدا لم يفصل بينهما ولأن من ملك التصرف بموت لأب لم يتخصص تصرفه بمال دون مال كالجد. 19506 - ولأن تصرف الأب ينتقل بعد موته في المال والنكاح ثم كان من انتقل إليه التصرف في المال ولأن تصرف الوصي بولاية بدلالة أنه يتصرف مع بطلان أمر الأب ولو كان تصرف من طريق الأمر لم يجز تصرفه مع انقطاع الأمر كالوكيل. 19507 - فإن قيل: إنما انقطع/الأمر في الوكالة بالموت لأن العقد وقع على التصرف مع الحياة فإذا انقطع بالموت لم يمنع أن يكون العقد الذي ابتدأه بعد الموت لا يبطل وإن تعلق بالأمر كما أنه لو قال لعبده إن دخلت الدار فأنت حر ثم مات فدخل لم يعتق، ولو قال: إذا مت فأنت حر لم يبطل هذا القول بالموت لأنه أوجبه ابتداء بعد الموت، وكذلك لو جعل لغيره سكن داره عشر سنين يطلق ذلك بموته ولو جعل له سكناها بعد موته سننا مسماة جاز لأنه ابتداء الإيجاب بعد ذلك في مسألتنا. 19508 - قلنا: هذا يبطل بمن قال: جننت فبع مالي لم يجز تصرفه بعد الجنون كما لو أطلق الوكالة فجن بطلت ثم لم يجز أن يقال لما علق الوكالة ببلد المال صح التصرف فبطل أن تكون الوصية إنما جازت لأن ابتداء إيجابها بعد الموت إذا لو كان يجوز التصرف بأمره في حالة الأمر. 19509 - لأن ابتداء الإيجاب في تلك الحال لزم مثله في الجنون فأما التمييز

والتدبير والوصية بالسكنى فلم يختلف الحكم فيها لما ذكروه، لكنه إذا مات انتقل الملك في العبد والدار إلى ورثته فلم يجز أني عتق بثمنه وهو على ملك غيره ولم يجز تبقية الحق في السكنى مع انتقال الملك في الرقبة لذلك بطلا، وأما إذا دبر وأوصى فالسكنى إنما تصح بعد الموت. 19510 - لأن قوله: منع ذلك في مال ورثته قبض على حكم ملكه فجاز أن ينفذ إيجابه فيه بعد مماته كما ينفذ في حياته وإذا ثبت أن تصرف الوصي من طريق الولاية لم يبتعض في بعض المال دون بعض كتصرف الأب والجد. 19511 - ولأنه ملك التصرف بولاية منقولة فلم يتعلق بعض المال دون بعض كالجد. 19512 - فإن قيل: القاضي يتصرف من طريق الولاية. 19513 - قلنا: لا يختص ببعض المال دون بعض ولأن ولايته ليست منقولة لأن ولاية الإمام الذي ولاه باقية بحالها ولأن القاضي يشهد لقولنا لأنه لما جاز أن يختص تصرفه لم يملك التصرف لمطلق اللفظ حتى يختص له. ألا ترى أنه لا يصح أن يستقضى حتى يبين له في بلد كذل أو في موضع كذا. 19514 - فإن قيل: الوصية تختص باتفاق لأن أحد الوصيين لا يملك التصرف دون الآخر. 19515 - قلنا: هذا ليس بتخصيص وإنما هو بتبعض الولاية كما يتبعض تصرف الأبوين إذا ثبت نسب الواحد منهما وكذلك تصرف الجد به. 19516 - [فإن قيل: قد تقع الوصية خاصة إذا قال: أوصيت إلى فلان إلى أن يكبر ولدي.

19517 - قلنا: إن تبين أن ابنه وصية بعد ذلك جاز. لأنا نجعله وصيا فيما لم يسلم الأول. لأن الموصي وصى به واختاره فهو أولى ممن لم يرض به. وهاهنا الرضا يحصل بالأمور وإن الرضا عن الوصي فكان الذي رضي به أولى ممن لم يقع به الرضا. 19518 - احتجوا: بأنه تصرف مستفاد بالعقد فوجب أن يكون مقصودا على ما عقد عليه. أصله التوكيل.] 19519 - قلنا: لا نسلم الوصف لأن العقد أثر في نقل الولاية إليه [ثم التصرف بحكم الولاية] لا بحكم العقد وهذا كمن لا يعرف له نسب إذا أقر بأب ثم مات ملك أبوه التصرف ليس بمقتضى الإقرار ولكن بإقراره صار جدا فملك التصرف بذلك. 19520 - والمعنى في الوكيل أن تصرفه لما اختص بما سمى له لم يجز تصرفه بمطلق الوكالة حتى يتعين له ما تتناوله الوكالة ولما جاز تصرف الوصي بمطلق الوصية وإن لم يبين له ما يتصرف فيه دل على أن تصرفه لا يختص يبين ذلك أن الوكيل بالوكالة لا يملك أن يتصرف في غير مال الموكل والوصي يجوز تصرفه بالوصية في غير ملك الموكل وهو ما ملكه الصبي من غير الأب. 19521 - قالوا: تصرف مستفاد بإذن آدمي أو تصرف استفاد بتولية آدمي فوجي أن يكون مقصورا على موضوع الإذن كالوكيل. 19522 - قلنا: الوكيل لما سكت عن التوكيل يقدر الموكل على استدراك حقه منه بأن يتصرف بنفسه أو يوكل ولهذا لا يجوز للقاضي نصب من يتصرف فيه فكذلك نقض تصرفه فأما الوصي لما سكت لا يقدر الموصي على استدراك حقه فيه فلابد للقاضي من اختيار ثقة أمين مطلع وهذه الصفات موجودة في الوصي ومعها اختيار الميت فكان أولى. ***

مسألة 980 إقامة الموصى له مقام الوصي في حقوق الصغار

مسألة 980 إقامة الموصى له مقام الوصي في حقوق الصغار 19523 - قال أصحابنا: للموصي أن يوصي ويقوم وصيه مقامه في حقوق الصغار. 19524 - وقال الشافعي: ليس للوصي أن يوصي بمطلق الوصية فإن قال له الموصي: إذا حضرك الموت فرد الوصية إلى من ترى. 19525 - قالوا: فيه قولان: أحدهما: له أن يوصي، والآخر: ليس له أن يوصي. 19526 - لنا: أنا قد دللنا على أنه يتصرف بولاية وكل تصرف بولاية خاصة يملك أن يوصي كالأب والجد ولا يلزم القاضي لأن ولايته عامة. 19527 - ولا يقال: أن الأب والجد لا يتهمان في حق الصغير والوصي متهم لأن هذا المعنى لم يمنع مساواة الموصي للجد في التصرف ولم يمنع جواز توكيله كما يجوز توكيل الأب والجد، ولأنه سبب خاص يملك به مطلق تصرف التوكيل من غير إذن فيملك به الوصية كالأبوة والجدودة ولا يلزم المضارب لأن وصيته تصح في مال المضاربة، ويجوز لوصيه أن يقوم مقامه في [خفض المال] وبيع العروض. 19528 - ولأن الوصية إذن في التصرف في مصالح الصغير مع بطلان أمر الأب ومن مصلحته أن يوصي في ماله حتى لا يبقى المال غير محفوظ على الصغير ولأن الأب نقل إليه بالوصية ما كان يملكه من التصرف وقد كان يملك الوصية والتوكيل

كذلك يملك ذلك الوصي. 19529 - ولا يلزم ولاية التزويج لأنها لا تنقل بالنقل بدلالة أن الأب لو فوض إليه التزويج لم يجز أن يزوج. 19530 - احتجوا: بأنه يلي بتوليه فلم يكن أن يوصي كالوكيل. 19531 - قلنا: الوكيل مفارق للوصي بدلالة أنه ليس له التوكيل إلا أن يفوض ذلك إليه والوصي له ذلك. 19532 - ولأن الموكل بموت الوكيل باق على استدراك حقه فكان اختيار، من له النظر أولى من اختيار وكيله والوصي بموت الموصي لا يقدر على اختيار فقام اختياره مقام اختياره كما يقوم وكيله مقام نفسه. 19533 - قالوا: نظره مستفاد بعقد كالأمين وقد بينا الجواب عن هذا. 19534 - قالوا: الموصي وصى باجتهاد الموصى دون غيره فلم يجز للوصي أن يقوم الأمر إلى من لم يرضه الموصي 19535 - قلنا: يبطل هذا بتوكيله في حقوقه وقولهم لا يجوز توكيل الوصي إلا فيما لا يقدر أن يتولاه بنفسه خلاف الإجماع على أن الموضع المسلم ببعض كلامهم. 19536 - قالوا: لا يملك المطلق التفويض مثل ما جعل إليه أصله المضارب إذا دفع المال مضاربة فالوكيل إذا وكل والشريك إذا شارك. 19537 - قلنا: كل هؤلاء لا يتصرفون مع وجود صاحب المال وهو يقدر على استدراك حقه فلا يحتاج إلى الوصية وأما الموصي فيتصرف مع موت الموصى فكان

توصيته أولى من اختيار القاضي الذي لم يرض الميت باختياره 19538 - قالوا: يملك التصرف على الصغير بتوليه كالقاضي. 19539 - قلنا: القاضي إذا مات فالإمام هو الذي فوض إليه التصرف وهو يقدر على استدراك حق الصغير فكان ذلك أولى من وصي القاضي. 19540 - قيل: وأما إذا جعل له أن يوصي فلان تصرف الوصي لا يكون مأذونا في تصرف الوكيل ولو أذن الوكيل في التوكيل جاز كذلك إذا أذن للوصي أن يوصي. 19541 - ولأن هذا الوصي الثاني يتصرف بمقتضى حكم الأب فصار كما لو قال: إن مت فوصيي بعدك فلان ولأن هذا تصرف باختياره ومن ينصبه القاضي بتصرف بغير اختياره وإذا استوى التصرف كان من اختيار الموصى أولى. 19542 - قال الشافعي: هذا الوصي يوصي في ملك غيره فصار كالأجنبي إذا أوصى في مال أجنبي. 19543 - قلنا: يبطل بالأب إذا لم يكن له مال ولولده الصغير مال فوصية الأب جائزة وهو موصى في ملك غيره وإنما كان ذلك لأنه يوصي في حقه الذي هو التصرف وبسبب غيره فيه كذلك الوصي إذا أوصى. 19544 - قالوا: أما أن يوصي عن نفسه أو عن الموصي بطل أن يوصي عن نفسه لأن الوصي لا يكون له وصي وبطل أني وصي عن الموصي لأن الوصي عقد لا عمن لا إذن له في العقد فلم يصح كالوكيل إذا وكل لموكله بعد عزله. 19545 - قلنا: عندنا الوصي ينصب وصيا لنفسه فينقل إلى وصيته ما كان له من التصرف وقد كان له التصرف على الصغار، وإن لم يعين له ذلك وأما إن قلنا إنه يقيمه مقام الموصي فبطلان إذن الصغار لا يمنع ذلك، كما أن الأب يقيم مقام نفسه من يتصرف لهم وإن لم يكن له أمر في العقد فكذلك الوصي مثله ***

مسألة 981 حكم إذا ادعى الوصي تسليم المال إلى الصبي بعد بلوغه

مسألة 981 حكم إذا ادعى الوصي تسليم المال إلى الصبي بعد بلوغه 19546 - قال أصحابنا: إذا أدى الوصي تسليم المال إلى الصبي بعد بلوغه ورشده فالقول قوله مع يمينه. 19547 - وقال الشافعي: لا يقبل قول الوصي والأب والقاضي، إلا ببينة والمودع يقبل قوله في الوديعة بغير بينة وإن ادعى الوصي أنه أنفق على الصبي أو أن المال هلك فالقول قوله مع يمينه. 19548 - قالوا: فأما المضارب والشريك والوكيل فجعل فيها وجهان أحدهما يقبل قولهم بغير بينة والوجه الآخر لا يقبل. 19549 - لنا: أنه مؤتمن في المال فالقول قوله مع رده كالمودع. 19550 - فإن قيل: المودع يدعي الرد على من ائتمنه والوصي يدعي الرد على من لم يأتمنه. 19551 - قلنا: أئتمان الأب يجري مجرى ائتمان الصغير لأن تصرف الأب كتصرفه لنفسه بعد بلوغه بدلالة عقوده ولأنه يدعي زوال يده في الأمانة فكان القول قوله. 19552 - كما لو ادعى هلاكها وإنفاقها على الصغير ولأن كل من لو ادعى هلاك المال جعل القول قوله فإذا ادعى رده على مستحقه كان القول قوله كالمودع، ولأن ما تصرف القاضي فيه بولاية الحكم يقبل قوله فيه بغير بينة أصله سائر أحكامه 19553 - احتجوا:.بقوله تعالى: {فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم}.

19554 - قالوا: ولو كان قولهم في الدفع مقبول لم يشرط الشهادة. 19555 - قلنا: ذكر الله تعالى العقود وأمر بالإشهاد عليها مرة ولم يأمره بالإشهاد أخرى وإن كان قول العقد غير مقبول فيها ولأن الإشهاد عليهم إسقاط الخصومة ومتى لم يشهد فالقول قول الوصي إلا أن الخصومة لا تسقط عنه فأمر الله تعالى بالإشهاد وليقطع الصبي ولأن قول الصبي غير مقبول. 19556 - ولأن قول الوصي وإن كان مقبولا فإنه يقبل في براءة نفسه ولا يقبل في إسقاط حق الصبي عن بقية ما في يده من التركة فأم بالإشهاد حتى يبرأ الوصي ولا يثبت للجاحد المشاركة فيما بقي من المال وهذه الفائدة الحاصلة بالشهادة لا يجود بعدمها. 19557 - قالوا: ادعى دفع المال إلى من لم يأتمنه عليه فإذا جحده لم يقبل قوله إلا ببينة أصله أمر المودع بدفع الوديعة إلى رجل فادعى دفعها إليه وجحده المدعي عليه لم يقبل قوله 19558 - قلنا: هذا غير مسلم وقول المودع عندنا مقبول في براءة نفسه. ***

مسألة 982 من مات ولم يترد وارثا معينا

مسألة 982 من مات ولم يترد وارثا معينا 19559 - قال أصحابنا: من مات ولم يترك وارثا معينا فأوصى بجميع ماله تقدمت وصايته. 19560 - لنا: قوله - صلى الله عليه وسلم - لسعد: لا أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة؛ فتبين أنه منع من الوصية بما زاد على الثلث. كما لما يخاف على فقر الورثة وهذا لا يوجد فيمن لا وارث له معين، لأن المسلمين لا يخافون الفقر. 19562 - وروى عمر بن شرحبيل قال: قال عبد الله بن مسعود: ليس في العرف أن يموت الرجل متهم، ولا يعرف له وارث منكم معشر همدان. فإذا كان كذلك فليضع ماله حيث شاء ولا يعرف له مخالف في الصحابة فيجب تقليده ولا يقال معناه تصنع الثلث الذي جعله إليه. 19563 - قلنا: لا يكون بقوله لا يعرف له وارث معين فائدة لأن من له وارث ومن لا وارث له يضع الثلث حيث يشاء، ولأن الوصية عقد يجوز أني ملك به بعض المال فجاز أن يملك به جميعه بنفسه. أصله سائر العقود. 19564 - ولأنها جهة ينتقل الملك فيها بالموت فجاز أني ملك بنفسها جميع المال كجهة الإرث. 19565 - ولأنه مال لم يتعلق به حق وارث معين فجاز لمالكه وضعه حيث شاء كمال الصحيح. 19566 - ولأن ما جاز للصحيح التبرع به جاز للمريض التبرع به من غير إجازة. أصله مقدار الثلث لأنه مقدار لم يتعلق به حق مستحق تعيينه فجاز التبرع بجميعه. أصله مال الصحيح وثلث مال المريض. 19567 - ولأن الموصى له شريك الوارث في المال بدلالة أن ملكها ينتقل بالموت ويزيد حقهما بزيادة المال [وينقص بنقصانه ثم كان الوارث لم يزاحمه في المال غيره استحق جميعه]

19568 - وهذه المسألة مبنية على أصلنا أن المال يوضع في بيت المال لا على وجه الإرث لكن لأنه مال لا مستحق له بعينه فإذا أوصى تعلق به حق معين فكان أولى من بيت المال وقد بينا هذا الأصل. 19569 - احتجوا: بقوله - عليه السلام -: (إن الله جعل لكم ثلث أموالكم في آخر أعماركم زيادة في أعمالكم). 19570 - قلنا: هذا يدل على جواز التصرف في ثلث المال ولا شيء غيره، وفائدة تخصص الثلث أن التصرف يجوز فيه في عموم حاله والثلثان يجوز تصرفه فيها إذا لم يكن له وارث. فلهذا خص الثلث بالذكر. 19571 - قالوا: مال له مصرف يستحق بموت مالكه فوجب ألا تلزم الوصية بأكثر من الثلث. 19572 - أصله: إذا كان له وارث معين. 19573 - قلنا: إذا كان هناك وارث معين فقد تعلق بالثلثين وتعلق حق المعين بالمال يمنع التصرف فيه كما لو تعلق حق الغرماء منع التصرف من الثلث وإذا لم يكن وارث فلم يتعلق بالمال حق معين فصار كمال الصحيح يجوز تصرفه فيه. 19574 - قالوا: أوصى وله من يعقل عنه فصار كمن له مولى. 19575 - قلنا: إذا كان له مولى فقد ثبت الاستحقاق في ماله كمن يخاف الفقر بتنفيذ الوصية وليس كذلك في مسألتنا، لأنه لم يثبت في ماله استحقاق كمن يخاف الفقر بفوت المال. 19576 - قالوا: وصية يقف لزومها على موت الموصي فوجب أن لا يلزم فيما زاد على الثلث. أصله: إذا كان له وارث معين. 19577 - قلنا: الوصية لا يقف لزومها على الموت وإنما يقف انعقادها عليه. والمعنى في الوارث المعين أن الوصية تنفذ بإجازاته. 19578 - فلم يلزم مع عدما لإجازة وإذا لم يكن هناك وارث معين لم تدخل الإجازة في المال فنفذت الوصية فيه كمقدار الثلث ما لم يكن للإجازة فيه مدخل نفذت الوصية فيه بإيجاب الموصي. 19579 - فإن قيل: المستحق المعين وغير المعين سواء بدلالة أن من أتلف مالا

مملوكا وجب عليه ضمانه ولو أتلف مال بنت وجب ضمانه فاستوى المالان في وجوب الضمان مع اختلافهما في المستحق المعين. 19580 - قلنا: الضمان يجب من تلف الإنسان حق غيره فسواء تعين ذلك للغير أو لم يتعين، فأما وجوب الحق لغير معين فيخالف ثبوته لمعين بدلالة أن من أقر لواحد من الناس لم يتعلق بإقراره حكم. وبدلالة أن اللقطة يجوز التصرف فيها ولو كانت لمعين وقف التصرف فيها على أمرة. ***

مسألة 983 حكم إذا باع الوصي ماله منا ليتيم أو اشترى منه

مسألة 983 حكم إذا باع الوصي ماله منا ليتيم أو اشترى منه 19581 - قال أبو حنيفة [- رضي الله عنه -]: يجوز للوصي أن يبيع ماله من اليتيم بنقصان من قيمته لا يتغابن في مثله ويشتري من مال اليتيم نفسه بزيادة ل يتغابن في مثلها. 19582 - وقال أبو يوسف ومحمد: لا يجوز ذلك. 19583 - وبه قال الشافعي:. 19584 - لنا: قوله تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن} والمراد في الأحسن إلى العادة ومتى باعه ما يساوي عشرة بمائة درهم أو اشترى منه ما يساوي مائة بعشرة كأنه قيل أنه أحسن فوجب أن يجوز بظاهر الآية. 19585 - فإن قيل: الأحسن يترتب على الحسن والحسن البيع بمثل القيمة والآية تقتضي [أن يجوز التصرف للأحسن لا تصرفه لحسن وإلا] جواز الأحسن وليس فيها أن الحسن جائز. 19586 - قلنا: الحسن عندنا ما تبين أن فيه حظ وهذا لا يوجد في المشتري بالقيمة لنفسه لأن الأعيان فيها أعراض ولأنه يملك التصرف بموت الأب كالجد. 19587 - ولأن ولاية الأب انتقلت إليه فإذا كان الأب يملك البيع من نفسه كذلك

الوصي ولأن التصرف تارة يستفاد بالنسب وتارة بالأمر فإذا كان أحد النوعين يتعلق به جواز التصرف مع نفسه كذلك الآخر. 19588 - احتجوا: بأنه لا يجوز أن يشتريه بثمن مثله فلا يجوز له أن يشتريه بأكثر من ثمن مثله أصله الوكيل. 19589 - قلنا: الوكيل يتصرف على وجه الاحتياط والأعيان فيها أعراض فإذا ابتاع بثمن لم يتيقن حصول الحظ للصغير فلم يجز الشرى وإذا ابتاع بزيادة تيقنا حصول الحظ فجاز التصرف وأما الوكيل فيتصرف بالآمر وإطلاق الآمر يقتضي العقد مع غيره فلم يجز أن يعقد مع نفسه. 19590 - فإن قيل: الوصي إنما يتصرف بالآمر. 19591 - قلنا: غلط لأن الآمر جعله وصيا ولمي تناول الأمر بالإتباع فهو يملك ذلك حكما إلا ترى أنه لو وكله ولم يسم ما يشترى به والوصي يقيمه الأب مقام نفسه فينصرف بكونه وصيا وإن لم ينص على بيعه أوي يبتاعه. ***

مسألة 984 قضاء الغريم بعض غرمائه

مسألة 984 قضاء الغريم بعض غرمائه 19592 - قال أصحابنا: إذا قضى الغريم بعض غرمائه شاركه الباقون. 19593 - وقال الشافعي: ليس للباقين أن يخاصموه 19594 - واختلف أصحابه فمنهم من قال: هذا إذا كان في ماله ما يفي بديونهم ومنهم من حمله على ظاهره وقال: ليس لهم المحاصة في الوجهين. 19595 - لنا: أن تصرف المريض فيما يضر بغرمائه يجرى مجري تصرفه بعد موته بدلالة هبته وصدقته 19596 - ومعلوم أنه لو أوصى بتغريم بعض الغرماء أنه متهم في إثيار بعض الغرماء على بعض وما اتهم فيه المريض من التصرف لم ينفذ كوصيته لوارثه/. 19597 - ولأن الغرماء يتعين حقهم في المال بالموت كالورثة. وكما لا يملك إفراد بعض الورثة بماله حال مرضه كذلك لا يملك إفراد بعض غرمائه وهذا مبني على أصلنا. أن حقوق الغرماء تتعلق بالمال وبالمرض. 19598 - وقد دللنا على هذا الأصل وإذا تعلقهم بالمال لم يجز أن ينفرد بالاقتضاء منه أحدهم. 19599 - فإن قيل: هو يملك أن يبتاع الملابس الفاخرة والأطعمة الشهية ولو تعلق حقهم بالمال لم يجز له ذلك. 19600 - قلنا: حق تعلق بمعنى لا بعينه وابتياع هذه الأشياء لا يسقط حقهم ولأن دين ديونهم تنتقل إليها وإنما تسقط عنها بإتلافها وهو ممنوع من إتلافها عندنا على وجه

الصرف فإذا تلف فقد تعدى فهو كما لو سرق ماله 19601 - احتجوا: بأن ذمته صحيحة وتصرفه ففي ماله بالبيع والشراء والنكاح والصداق جائز فوجب أن يصح قضاؤه فلم يمنع من إفراد بعضهم بالقضاء. 19602 - قلنا: وفي مسألتنا من إسقاط حقوقهم بالهبة والصدقة وكذلك يمنع من إسقاط حقهم بتخصيص. ***

مسألة 985 حكم إذا أوصى أن يعتق عنه رقبة بألف

مسألة 985 حكم إذا أوصى أن يعتق عنه رقبة بألف 19603 - قال أصحابنا: إذا أوصى أن يعتق عنه رقبة بألفي درهم فلم يبلغ ثلث ذلك بطلت الوصية. 19604 - وقال الشافعي: يعتق عنه بمقدار الثلث. 19605 - لنا: أن الوصية تتضمن ابتياع الرقبة بعتقها ومن أمر بشراء رقبة بمائة كذلك أمر الموصي ولأنه أمر بعتق رقبة موصوفة فلم يجز عن غيرها كما لو أوصى بعتق عبد بعينه لم يجز عبد غيره، ولأنه لو أوصى بما يمكن تنفيذه على ما أوصى به فلم يجز أن ينفذ غير الذي أوصى به كما لو أوصى لزيد بعين فمات قبل الموصي لم يجز دفع ذلك إلى غيره. 19606 - ولا يلزم إذا وصى أن يحج عنه بألف فلم يبلغ الثلث لأنه لا يملك تنفيذ الوصية على الوجه المأمور به ألا ترى أنه إذا دفع الألف إلى من يحج بها لم يكن به من بر منه أن يبقى في يده شيء يرده على الورثة فعلم أن الوصية تعلقت بالألف وببعضها وأما العتق فيمكن أن يبتاع بما سمى منا لمال فتسقط الوصية على غير ما سماه. 19607 - فإن قيل: حكم الابن في حال الحياة مخالف للوصية بدلالة أن لو وكله أن يعطي رجلا ألف درهم أن يعطيه ألفا لم يجز أن يعطيه بعضها ويجوز الوصية إذا عجز الثلث عنه. 19608 - قلنا: لا نسلم لو وكله أن يعطيه ألفا فهلك بعضها أو استحق جاز أن

يعطي الباقي كالوصية إذا لم تخرج من الثلث. 19609 - قالوا: لو وكله في إعتاق غيره لم يجز أن يعتق بعضه ولو أوصى بعتقه فلم يخرج من الثلث جاز أن يعتق بعضه. 19610 - قلنا: ولو وكله بعتق لعبده فأعتقه أو أعتق بعضه جاز ولذلك أن استحق بعضه فأعتق الباقي جاز ولو أوصى بعتق عبده فلم يخرج من الثلث لم يجز عتق بعضه لأنه يفسد باقيه على الورثة. 19611 - قالوا: لو أمره في حال الحياة بأن يحج عنه رجلا بألف درهم لم يجز أن يحج ببعضها ولو أوصى أن يحج عنه بألف جاز أن يحج عنه ببعضها. 19612 - قلنا: لأن لا يمكنه أني حج ببعضها على ما قدمنا فلذلك كان تنفيذ وصيته أولى من إبطالها. 19613 - احتجوا: بأن كل وصية وجب إنفاذها إذا احتملها الثلث فإذا عجز عنها الثلث وجب إنفاذ ما احتمله الثلث. أصله إذا أوصى لرجل بألف فلم يحتمله الثلث وكذلك إذا أوصى بأن يتصدق عنه بألف أو أوصى أن يحج عنه بألف فكان الثلث أقل من ذلك 19614 - قلنا: الوصية بالصدقة أو التمليك لا يقف بعضه على بعض وليس لبعضه تعلق ببعض فإذا تقرر التنفيذ في المقدار الموصى به بعد في الثلث والعتق موصا به عند موصوف فكما لا يجوز أن تنفذ الوصية في عبد يخالف صفة العبد الموصى به وكما لو أوصى بعتق عبد سعدي لم يجز أن يعتق زنجي أو رومي لمخالفة صفته للصفة الموصى بها كذلك إذا أوصى بعبد رفيع القيمة لم يجز عتق عبد القيمة فأما الحج فالقياس أن تبطل الوصية فيه كما تبطل الوصية فيه يبطل بالعتق. 19615 - ولكنهم قالوا: المقصود بالوصية حصول الحج وثواب النفقة والحج حاصل في الوجهين والثواب المتعلق بالنفقة إذا لم يبلغها الثلث فينفذ منها المقدار

الموجود فأما العتق فمتى نقصت قيمة العبد المعتق فلم ينفذ العتق في العبد الذي تناولته الوصية وإنما ينفذ في غيره فوازنه من يحج أن يبلغ الثلث بعقد العمرة ولا يجوز صرف الوصية إليها. 19616 - قالوا: لو أوصى بعتق عبده وقيمته أكثر من الثلث أعتق منه بقدر الثلث. 19617 - قلنا: لا نسلم هذا بل تبطل الوصية؛ لأن عتق بعض العبد لا يحصل به غرض الموصي في العتق وإنما يصير مكاتبا فلا يجوز صرف الوصية إلى ما لم يوص به ***

مسألة 986 حكم إذا اعتقل لسان المريض فأشار بالإقرار والوصية

مسألة 986 حكم إذا اعتقل لسان المريض فأشار بالإقرار والوصية 19618 - قال أصحابنا: إذا اعتقل لسان المريض فأشار بالإقرار والوصية لم يتعلق بذلك حكم إلا أن يمضي عليه فيؤمن بإشارته ويصير عادة له يفهم مراده وقد قدر الطحاوي ذلك بسنة والصحيح أنه لا يتقدر). 19619 - وقال الشافعي: إذا لم يقدر على الكلام صحت وصيته وإقراره بالإشارة). 19520 - لنا: أن الإشارة لم تصر عادة له فلا يتعلق بها حكم في حقه كالصحيح). 19621 - ولا يقال: المعنى فيه أنه قادر على الكلام فلم يتعلق بإشارته حكم؛ لأن الغرض أن يفهم مراده ولو كانت الإشارة ممن لم يعتدها يفهم بهما المراد إذا استوى أن يقدر على غيرها أو لا يقدر. 19622 - ألا ترى أن المقر بالفارسية يصح إقراره وإن كان يحسن العربية كما يصح إذا عجز عنها لأن مراده يفهم بكلا اللغتين ولأنهما وصية لا ينفذها الإمام في بعض المال إذا لم يكن للموصي وارث فلم يلزم الوارث بمضيها في الثلث كوصية المجنون. 19523 - ولأن مالا يثبت به العتق بعد تقدم العتق في مقدار الثلث لا ينفذ به العتق بالمبتدأ كالكلام المحتمل. 19624 - احتجوا: بأن أمامه بنت العاص أصمتت فقيل لها لفلان كذا ولفلان كذا فأشارت برأسها أي نعم وماتت فرفعوا ذلك إلى الصحابة فرأوا أنها وصية جائزة

19625 - قلنا: لم يذكر الصحابة الذين جوزوا ذلك وعنده قول الثلاثة ليس بحجه حتى يستقر من غير خلاف فأما على قولنا فيحتمل أن يكون ذلك لغتها حتى ألف منها الإشارة وعرفت عادتها منها. 19626 - قالوا: روي أن يهوديا أخذ أوضاحا على جارية وقد رضح رأسها فقالوا لها أفلان قتلك فأومت برأسها أي لا فقيل لها فلان فأومت برأسها أي نعم) فهذا يدل على أن دعواها بالإشارة مقبولة. 19627 - قلنا: الحكم إذا تعلق بمعنى لم يقبل وقد قيل أن اليهودي أقر ويجوز أن يكون اطلع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ذلك بالوحي فالحكم تعلق بهذا. 19628 - قالوا: غير قادر على النطق فوجب أن تصح هبته بالإشارة أصله بعد مضي الحول. 19629 - قلنا: إذا مضى حول ولم تؤلف إشارته لم تجز الوصية وأن ألف إشارته فقد صار ذلك عادة مفهومة فيحل محل المواضع بينه وبين الشهود وأما إذا لم تؤلف إشارته لم يتعلق بها حكم كإشارة الصحيح). ***

مسألة 987 حكم وصية المراهق

مسألة 987 حكم وصية المراهق 19630 - قال أصحابنا: وصية المراهق لا تصح. 19631 - وقال الشافعي: خلافه. 19632 - لنا: قوله - عليه السلام -: (رفع القلم عن ثلاث عن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق وعن الصبي حتى يحتلم) وهذا يقتضي أن لا يتعلق بأحواله حكم شرعي 19633 - ولأنها عقد من العقود فلا يملكه الصبي عليه كعقد البيع ولأنها تبرع كعتقه وهبته فلا تصح كالمجنون. 19634 - ولأن طلاقه لا يقع فلا تصح وصيته كالصبي الصغير. 19635 - ولأن استحقاق مال بقول الصبي فلا يثبت كما لو أقر بدين ولأنه

لو مرض أوصى به حال مرضه لم تصح وصيته به كمان عليه دين مستغرق ولأن وصيته لا تنفذ في جميع ماله إذا لم يكن له وارث فلا ينفذ في مقدار الثلث إذا كان له وارث كالمديون. 19636 - احتجوا: بما روي أن صبيا من غفار له عشر سنين أوصى لبنت عم له وله وارث فرجع ذلك إلى عمر بن الخطاب فأجاز وصيته. 19637 - الجواب: أن قول الواحد لا يكون حجه حتى ينقرض العصر من غير مخالف وقد قال الشعبي والحسن والنخعي لا تجوز وصية المراهق فبطل بالإجماع ولم يبق إلا التقليد وهم لا يقولون به وعندنا تقليد الصحابي. لا يلزم إذا خالف عموم 22/ألفظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويحتمل أن يكون صبيا مأذونا أوصى/بأن يقضي دينا أقر به وهذا عندنا يستحق بإقراره ويجب قضاؤه من تركته. 19638 - قالوا: تصرف الصبي [لا ينفذ] طلبا لحفظه وحفظ ماله عليه فإذا أوصي فحفظ ذلك له لأنه لو أبطلنا وصيته بمعنى غير المعنى الذي تناول به الآخر فصار كالصبي والمسجون. 19639 - قالوا: لو حلف لا يكلم موالي فلان حملت اليمين على جميعهم. 19640 - قلنا: لأن النفي يتناول المتضاد والمختلف وإن كان الإثبات لا يتناول جميع ذلك ألا ترى أنه يقول ما رأيت عينا فيحمل على كل ما يتناوله الاسم ولو قال رأيت عينا حمل على واحد من ذلك غير معين فإن قيل كيف ينتفي باليمين ممن لا يتناوله الاسم.

19641 - قلنا: الاسم يتناوله كل واحد منهم بمعني يخالف الآخر فيجمعهم النفي ولا يعمهم الإثبات [فأما أن يكون أن الاسم لا يتناول كل فريق منهم فلا. 19642 - فإن قيل: لا فرق في اليمين بين النفي والإثبات] لأنه لو قال: إن كلمت موالي فلان فأمرأتي طالق حمل على الجميع. 19643 - قلنا: هذا نفي أيضا؛ لأن معناه إنني لا أكلمهم وإنما الإثبات أن يقول: لأكلمن موالي فلان وال يحمل اليمين إلا على أحد الفريقين ويكون القول قول الحالف فيه فإن كلمه بر بكلامه خاصة. ***

مسألة 988 ولادة الجارية الموصى بها قبل موت الموصي

مسألة 988 ولادة الجارية الموصى بها قبل موت الموصي 19644 - قال أصحابنا: إذا ولدت الجارية الموصى بها قبل موت الموصى وقبل قبول الموصى له بالوصية فالولد للورثة ولا حق للموصى له وإن ولدت بعد قبول الموصى له فالولد للموصى له ولا يحتسب به من الوصية وإن ولدت بعد الموت قبل القبول ثم قبل فالجارية وولدها للموصى له ولا يحتسب به مال الموصي. 19645 - وقال الشافعي: إن جاءت به لأقل من ستة أشهر من حين مات ولكن ستة أشهر من حين أوصى لم يدخل الولد في الوصية. 19646 - فإن قلنا: إن للحمل حكم فالأعيان بحال العلوق فيكون ملك الموصى، ينتقل بموته إلى ورثته ولا حق للموصى له فيه، وإن قلنا لا حكم للحمل فالولد للموصى له ولا يدخل في الوصية ويصير كأنه أوصى بالأم وولدها. 19647 - لنا: أن الموصي إذا مات فالجارية على حكم ملكه وما استحق من حكم ملك الميت اعتبر من الثلث ويبين ذلك؛ لأنه لو أوصى لرجل بثلث ماله فأثمر نخله استحق الموصى له ثلث الثمر لأنه حدث على حكم ملك الميت فتعلق به حق الورثة والموصى له كذلك هذا. 19648 - احتجوا: بأنها زيادة منفصلة حدثت بعد عقد الوصية فوجب أن لا تدخل في الوصية أصله إذا وهب لها. 19649 - قلنا: الخلاف في الولد والكسب وأخذ كل واحد منهما يحدث على ملك الميت ويعتبر من الثلث. 19650 - قالوا: وأصله إذا أوصى بعتق جارية فولدت قبل العتق أو أوصى ببيع جاريته من رجل بعينه فولدت.

19651 - قلنا: هذه دلالة لنا. 19652 - قلنا: لأن الولد في هاتين الحالتين يحدث على حكما لميت مثل مسألتنا. 19653 - إلا أن في هذه المسألة يملكها بالقبول ويستند ملكه إلى حن موت الموصي فيستحق الولد بحكم الوصية كما يملك المشتري في بيع الخيار ويستند ملكه إلى العقد فيستحق الولد بحكم البيع. 19654 - فأما في مسألة العتق بالبيع فنبيع كل واحد منهما عند الإيقاع ولا يستند إلى حال الموت فلذلك لا يدخل الولد فيه. 19655 - ولأن الوصية بالبيع وصية بالثمن ولهذا يلزم المشتري إتمام الثمن إذا لم يخرج منا لثلث والولد ليس بمتولد من الثمن فأما العتق فهو وصية للمعتق ولا يجوز أن يستحقها غيره. 19656 - قالوا: الموصى له إذا قبل الوصية ملكها من حين موت الموصي فيكون الولد حادثا في ملكه وما حدث في ملكه لا يدخل في العقد الواقع على الأمر. 19657 - أصله المبيعة إذا ولدت في ملك المشتري 19658 - قلنا: الموصى له تملك بالقبول من حين الموت إلا أن ذلك غير مانع أن يكون الولد حدث على ملك [الميت فيستحق ممن ملكه تعيينه من الثلث وأما ولد المبيعة في ملك المشتري فهو مثل مسألتنا إن ولدت قبل القبض فقد حدث الولد على حكم ملك]. البائع فيدخل في البيع ويقسم الثمن عليه كما لو ولدت لم يدخل الولد في البيع كما لو ولدت في مسألتنا بعد القبول وتنفيذ الوصية فيها. ***

مسألة 989 الإيصاء بجارية في جميع ماله فولدت بعد موت الموصي

مسألة 989 الإيصاء بجارية في جميع ماله فولدت بعد موت الموصي 19659 - قال أبو حنيفة [- رضي الله عنه -]: إذا أوصى له بجارية في جميع ماله فولدت بعد موت الموصي وقبل القبول ولدا فللموصى له مقدار ثلث مال الثلث من الأم فإن فضل منا لثلث شيء كان له من الولد. 19660 - وقال أبو يوسف ومحمد: يكون له مقدار الثلث منهما جميعا. 19661 - وقال الشافعي: للموصى له ثلث الأم وثلث الولد. 29662 - لنا: أن الأم هي الأصل في الوصية والولد دخل على طريق التبع ومن حكم الوصايا أن يقدم فيها الأقوى فالأقوى. 19663 - الدليل عليه: أن العتق يتقدم على غيره والحق المعتبر أقوى فكان بالتقديم أولى. 19664 - ولأن زيادة المال سبب نفع الموصى له بدلالة أنه لو أوصى له بما لا يخرج من الثلث لم يستحق منها إلا مقدار الثلث وإن زاد المال استحق جميع ما أوصى به. 19665 - وما يقوله مخالفنا أبو يوسف ومحمد يؤدي إلى تصير زيادة المال بالموصى له ألا ترى أنه لو لم يوص له بجارية هي مقدار الثلث فيستحق جميعها فإذا ولدت ولد قسم ثلث الأصل والزيادة تدفع إليه من الأم والولد فينقص حقه من رقبة الجارية الموصى له بها ويستقر بزيادة المال وهذا لا يصح. 19666 - والشافعي: بني على الأصل الذي قدمنا أن الولد لا يدخل في الوصية ولا يعتبر من الثلث.

مسألة 990 حكم إذا أوصى لرجل برقبة الجارية ولآخر بخدمتها

مسألة 990 حكم إذا أوصى لرجل برقبة الجارية ولآخر بخدمتها 19667 - قال أصحابنا: إذا أوصى لرجل برقبة الجارية ولآخر بخدمتها فنفقتها على صاحب الخدمة. 19668 - وقال أصحاب الشافعي: فطرتها على مالك الرقبة ومن مذهبه أن الفطرة تتبع النفقة فهذا يدل على أن نفقتها على صاحب الرقبة. 19669 - لنا: أن صاحب الخدمة منفرد باليد والتصرف فكانت النفقة عليه كالمالك. 19670 - ولا يلزم المستأجر لأن يده بإيجاب المال ولا يقال أنه منفرد باليد ولأنه منتفع بالعبد من غير إيجاب مالك الرقبة فلم يلزم صاحب القربة نفقته كالعبد المغصوب. 19671 - ولأنه يملك المنافع من غير أن يتعوض المالك عنها فلم يجب على المالك نفقته كالكاتب. 19672 - احتجوا: بأنه اجتمع مالك الرقبة ومالك المنفعة فكانت النفقة على مالك الرقبة كالعبد المستأجر. 19673 - قلنا: هناك الرقبة للمولى وهو الموجب للحق في منافعها والتعويض عنها فصار سلامة العوض له عنها كسلامتها له وفي مسألتنا لا حق لصاحب الرقبة في المنافع ولا يعوض عنها فلم تجب عليه نفقة كالمكاتب. 19674 - فإن قيل: لو أبرأ المؤجر من الأجرة لم تسقط عنه النفقة.

19675 - قلنا: الأجرة وجبت له فإذا أبرأ [فقد سلم له التركة فصار حصول التولية كسائر الأخوة ولأنه إذا أبرأ] فهو المختار لإسقاط حق نفسه وهذا لا يوجد في حق صاحب الرقبة ***

مسألة 991 حكم إذا قال الموصى ضع هذا المال فيمن شئت فوضعه ف نفسه

مسألة 991 حكم إذا قال الموصى ضع هذا المال فيمن شئت فوضعه ف نفسه 19676 - [قال أصحابنا] إذا قال الموصي: ضع هذا المال فيمن شئت أو حيث شئت جاز له أن يضعه في نفسه. 19677 - وقال الشافعي: لا يجوز. 19678 - وقالوا: وكذلك لو قال: ضعه من نفسك لم يجز أن يضعه في نفسه. 19679 - لنا: أنه إذا عزله فقد أذن له في أن يتولى لنفسه مالا يتعلق حقوقه بالفاعل فصار كقوله لعبده اعتق نفسك ولامرأته طلقي نفسك. 19680 - ولا يلزم إذا قال: بع من نفسك لأن حقوق هذا العقد تتعلق بالعاقد وإذا ثبت أنه إذا نص على هذا جاز فإذا قال ضعه فيمن شئت أو حيث شئت فعمومه يقتضي الوضع في نفسه وفي غيره. فإذا وضع في نفسه جاز كما لو وصى عليه. 19681 - احتجوا: بأنه تملك يملكه بالإذن فلا يجوز أن يكون قابلا له أصله إذا وكله بالبيع 19682 - قلنا: البيع تتعلق حقوقه بالعاقد فلم يجز أن يكون قابلا فتعلق الحقوق به بحكم عقده والصدقة لا تتعلق بها الحقوق فجاز أن يتولاها لنفسه ولغيره كالعتق والطلاق. 19683 - قالوا: لو قال أعط من شئت لم يجز أن يعطى نفسه. 19684 - قلنا: الإعطاء يقتضي معطا فلابد أن يكون غيره والجعل يقتضي محلا لوضعه ولا يقتضي أن يكون ذلك المحل غيره.

كتاب الوديعة

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب الوديعة

كتاب الوديعة

مسألة 992 حكم السفر بالوديعة

مسألة 992 حكم السفر بالوديعة 19685 - قال أبو حنيفة [- رضي الله عنه -]: يجوز للمودع السفر بالوديعة. 19686 - وقال الشافعي: لا يجوز له السفر بها. 19687 - لنا: أنه أمره بالحفظ وهو عام في السفر والحضر فإذا جاز له الإمساك في إحدى الحالتين كذلك الآخر. 19688 - ولأن الحضر إحدى حالتي المودع فإذا أودعه فيها جاز أن يحفظ في غيرها كما لو أودعه في السفر جاز له أن يحفظ في الحضر/، ولأنه مؤتمن في الحفظ كالوصي والأب. 19689 - والدليل على أن الموصى يملك السفر بالمال والإذن في السفر ما روى محمد في كتاب المضاربة عن عمر أنه أعطى مال اليتيم مضاربة فعمل به في دكان يأتي الحجاز فيقاسم عمر الربح وإذا جاز للإمام الإذن في السفر جاز الموصى ولأنه نقل الوديعة نقلا يأمن عليها في الغالب كما لو نقلها من محلة إلى محلة.

19690 - احتجوا: بما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (المسافر وماله لعلي فقلت الأمام ومعناه لعلي هلاك). 19691 - قلنا: هذا الخبر ليس له أصل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنما ذكره أهل اللغة عن بعض الأعراب فقد ندب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى السفر وقال: (سافرو تغنموا) وهو - عليه السلام - لا يأمرنا للغالب منه الهلاك. 19692 - قالوا: سافر بالوديعة بغير إذن صاحبها من غير ضرورة فلزمه ضمانها أصله إذا كان السفر مخوفا. 19693 - قلنا: لا نسلم أنه قبلها من غير إذن لأنه لما أطلق الإذن فعمومه يقتضي حفظها في كل حال والمعنى في السفر المخوف أنه لو أمسكها في مثله في الحضر لم يجز كذلك في السفر وإذا كان سفرا مأمونا لو أمسكها على ذلك الوجه في الحضر لم يضمن كذلك في السفر. 19694 - قالوا: في الحشر إذا خاف عليها نقلها من حرز إلى حرز دونه

فصار كما لو حفظ الوديعة في موضع لا تحفظ فيه. 19695 - قلنا: حرز الحضر أحفظ منه إلا أنه أطلق فاقتضى إطلاق الأمر حفظها بكل حال نقلها إلى ما دون الأحفظ نقلها في الحضر من الحرز إلى حرز دونه فأما إذا حفظها حيث لا تحفظ فهو كما لو سافر بها في الطريق لا يسافر بمثلها فيه. ***

مسألة 993 إيداع المودع الوديعة زوجته أو ولده

مسألة 993 إيداع المودع الوديعة زوجته أو ولده 19696 - قال أصحابنا: إذا استحفظ المودع الوديعة زوجته أو ولده الذي في عياله أو خادمه لم يضمن. 19697 - قال الشافعي: يضمن إلا أن يستحفظها استعانة بها من غير أن تغيب عن عينه. 19698 - لنا: أنها حصلت في يده بأمر مالكها فلم يضمنها بتسليمها إلى زوجته أصله العارية ولأنها أمانة في يده فإذا استحفظها زوجته لم يضمنا أصله الإجازة ولأنه مؤتمن فجاز أن يحفظ الأمانة بغيره كالوصي. 19699 - ولأنه لم يسلم الوديعة إلى من في عياله حصلت في أيديهم حكما لأن المودع إذا تركها من منزله وخرج ليعرفه صارت الدار وما فيها في أيديهما فإذا سلمها إليهم لم يضمن بالتسليم. 19700 - احتجوا: بأنه أودع الوديعة بغير إذن صاحبها من غير حاجة فلزمه

الضمان أصله إذا أودعه من أجنبي. 19701 - قلنا: تسليمها إلى عبده وزوجته ليس بإيداع وإنما هو استخدام واستحفاظ ألا ترى أن المودع سافر ويده يد مودعه ويدهم غير متميزة من يده ولا منفردة وحرزهم حرز واحد فهو كما لو وضعها في بيته ثم استحفظها لأهل البيت. 19702 - ولأن الأجنبي لا يقتضي الإيداع حصول العين في يده حكما فلم يجز تسليم الوديعة إليه نصا وليس كذلك الزوجة لأن الإيداع اقتضى كون الوديعة في يدها حكما فلم يضمن بالتسليم إليها استحفاظا وأمرا. ***

مسألة 994 حكم إذا أودع الوديعة فهلكت

مسألة 994 حكم إذا أودع الوديعة فهلكت 19703 - قال أبو حنيفة [- رضي الله عنه -]: إذا أودع الوديعة فهلكت ضمن المودع الأول ولم يضمن الثاني. 19704 - وقال أبو يوسف ومحمد: للمالك أن يضمن أيهما شاء. 19705 - وبه قال الشافعي. 19706 - لنا: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ليس على المودع غير المغل) ضمان ولأنه مودع لمؤتمن فإذا هلكت الوديعة في يده لم يضمنها كمودع الصبي. 19707 - والشريك والمضارب. 19708 - فإن قيل: المعنى في الأصل أنه قبض ماله لأن يقبضه فلم يلزمه الضمان وفي مسألتنا قبض ما ليس له أن يقبضه فلذلك لزمه الضمان. 19709 - قلنا: علة الأصل تبطل بمن اضطر إلى مال غيره فقد قبض ماله لأن يقبضه وعليه الضمان، وكذلك المشترى إذا قبض البيع فهو مضمون بالقبض وقد قبض

ماله قبضة وعلة الفرع تبطل بالصبي والعبد المحجوز إذا قبل الوديعة فتلفت لم يضمن أو قد قبضا ما ليس لهما أن يقبضاه. 19710 - ولأنه قبض واحد فلا يتعلق به ضمان على اثنين على كل واحد منهما في جميع المقبوض الغاضب. 19711 - فإن قيل: المودع الثاني بالقبض والأول برفع يده عنها وتركه حفظها وإن لم يكن هناك يد أخرى. 19712 - قلنا: رفع يده إنما يكون بانفراد الثاني باليد فيها ألا ترى أنه بالدفع إليه لا يضمن ولا يقبض الثاني لأن له قبضها والأول حاضر ولم يضمن واحد منهما هذا القبض لأن يد الأول باقية باستحفاظها نقلا من بين يديه وتحمل الحمال معه. 19713 - فعلم أن قولهم رفع يده عنها إلى غير مستحقها فهو قولنا أنا لضمان يتعلق بقبض الثاني فأما إذا تركها في الصحراء فلم يضمنها بإزالة يده وإنما يضمنها بتضييعها وتسليمها إلى المودع الثاني ليس بتضييع. 19714 - ولأن عمل الثاني رفع الأول بدلالة أن ما يلزمه الضمان يرجع به عليه وقد وجب بهذا العمل الضمان على الأول ولا يجب على الثاني كالأجير المشترك إذا دق أجيره الثوب فحرقه ولا يلزم المودع إذا استأجر من نقض له ثوب الوديعة، لأن الضمان وجب على الثاني على المودع يقتضي الأجير لا بتحريقه. 19715 - ولا يلزم قبض المشتري من الودع؛ لأن عمله لم يقع للمودع وإنما وقع قبضه لنفسه بدلالة أنه لا يرجع عليه بالضمان فإذا قبضها لم يقع للمودع وإنما وقع قبضه لنفسه بدلالة أنه لا يرجع عليه بالضمان فإذا قبضها عند الاختيار لم يضمن

كمودع المستأجر وعكسه إذا أخذها بغير أمر المودع. 19716 - ولأن مالا يضمن به مودع المستأجر لا يضمن مودع المودع أصله إذا أودعه إياها وهو معه ولم يفارقه. 19717 - احتجوا: بأن الثاني أخذ مال غيره ولم يجز له وأخذه وهو من أهل الضمان فوجب عليه الضمان أصله الغاصب والمشتري من الغاصب. 19718 - قلنا: لا نسلم أنه أخذ ما لم يجز له أخذه لأنه إذا سلم إليه ليحفظها وهو حاضر أو ليحملها معه لم يضمن فالأخذ حصل وله أن يأخذ وإنما حصل التعدي من المودع بالإعراض عنها بعد التسليم وهذا المعنى لا صنع فيه للمودع الثاني فأما الغاصب والمشترى منه فدليل. 19719 - لأنه تعلق به الضمان فوجب على كل واحد ولم يجب على اثنين على كل واحد منهما في جميع المضمون. 19720 - قالوا: أخذ الوديعة ممن لا يجوز له أخذها منه. 19721 - قلنا: الوصف غير مسلم على ما بينا وللمعنى فيه أن إمساك المودع لم يقع للصبي بدلالة أنه لا يرجع عليه الضمان وفي مسألتنا العمل وقع له وقد وجب الضمان به فلم يجب على غيره ***

مسألة 995 الإيداع لدى الصبي المال وإتلافه إياه

مسألة 995 الإيداع لدى الصبي المال وإتلافه إياه 19722 - قال أبو حنيفة: إذا أودع رجل صبيا مالا أو أقرضه إياه فأتلفه فلا ضمان عليه 19723 - وقال أبو يوسف: عليه الضمان وهو المشهور. 19734 - من قول الشافعي: ومن أصحابه من قال: فيها وجه آخر مثل قول أبي حنيفة. 19725 - لنا: أن المقرض أذن في الاستهلاك ومن أذن للصبي في استهلاك ماله ففعل لم يضمن فكذلك إذا كان الإذن في مضمون كلامه ولأن من عادة الصبي إتلاف الأموال فإذا مكنه من ماله مع علمه بعادته فكأنه رضى بإتلافه يبين هذا أن من قدم شعيرا إلى دابة أو لحما إلى هر كان ذلك رضا بإتلافه ومن وصى بإتلافه لم يجز له تضمين المتلف كما لو أذن ذلك صريحا. 19726 - ولا يلزم إذا أودع صبيا مأذونا لأن الولي لا يأذن للصبي إلا إذا علم أن عادته المثل ولا يلزم إذا أودع سكرانا مالا لا يعرف قيمته في ذلك. 19727 - ولا يلزم إذا أودعه عبدا فقتله؛ لأن الصبيان لم تجر عادتهم بقتل العبد

فلم يكن إيداعه رضا بالقتل ولا يقال له لو ألقى ماله في البرية فقد رضي بإتلافه مع هذا لو أتلفه متلف ضمن؛ لأنه ألقاه في الطريق رضي بإتلافه من ليس بمعنى والإباحة لمن ليس بمعنى لا يتعلق بها حكم كما لو قال أيحب واحد منا لناس إتلافه؛ لأن إتلاف الوديعة ضمان يختص بالأموال. فإذا وجد من الصبي الوديعة لم يضمنها للتضييع والدلالة عليها أنه لم يتلفها فلا يلزم القتل لأنه ضمن لا يختص بالأموال. 19728 - احتجوا: بأن من ضمن المال بالإتلاف قبل الإيداع ضمنه بعده أصله البالغ. 19729 - قلنا: البالغ يضمن بالتضييع بالإتلاف والصبي الوديعة بالتضييع فجاز أن يسقط عنه ضمانها بالإتلاف. 19730 - ولا يلزم العبد إذا قبله لأنا عللناه لسقوط الضمان بالإتلاف في الجملة ولا يعلل لأعيان المتلفات. 2/أ 19731 - قالوا: يضمنه الصبي قبل الإيداع فكذا يضمنه بعده أصله البعد إذا/قتله. 19732 - قلنا إيداع العبد ليس بتعريض من المولى لإتلافه فلم يسقط ضمان الإتلاف وإيداع الطعام والأموال للصبيان تعريض من مالكها بالاتلافها فأسقط ذلك ضمانها ولأن المال إذا أتلفه الصبي فقد ضيع الحفظ منه عند الإتلاف وذلك معنى لا يضمن به الصبي الوديعة فإذا أتلفها فهو من جنس الضمان كالأول، وأسباب الضمان عند أبي حنيفة إذا تكررت من جنس واحد لم يجب الثاني وأما القتل فقد ضيع الحفظ فيه حين قصد قتله وذلك لا يتعلق به الضمان لم يجز بغيره القتل وهو من غيره

ضمن الضمان الأول فجاز أن يثبت حكمه ولهذا قال: إن العين المغصوبة لو زادت فباعها الغاصب لم يضمن الزيادة ولو كانت جارية فقتلها ضمنها زائدة. 19733 - فإن قيل: الإيداع استحفاظ من طريق الصريح فلا يجوز أن يجعل رضا بالاستهلاك. 19734 - قلنا: هو استحفاظ باللفظ وإباحة في المعنى وقد يجب الرجوع إلى معنى الكلام ويسقط صريحه ألا ترى أنه لو قال لا تودع الوديعة جاز له أن يودعها إذا وقع الحريق فلم يعتبر صريح اللفظ واعتبر معناه. ***

مسألة 996 حكم إذا تعدى المودع في الوديعة ثم زال التعدي

مسألة 996 حكم إذا تعدى المودع في الوديعة ثم زال التعدي 19735 - قال أصحابنا: إذا تعدى المودع في الوديعة ثم أزال التعدي زال الضمان فعادت العين إلى الأمانة. 19736 - وقال الشافعي: لا يزول الضمان بإزالة التعدي فإن أذن له المالك في إمساكها بعد إزالة التعدي أو أبرأه من ضمانها زال الضمان في ظاهر المذهب. 19737 - ومن أصحابه من قال: لا يزول الضمان إلا بأن يأخذها من يده وإذا تعدى الوكيل هل ينعزل عن الوكالة بالبيع فيه وجهان. 19738 - لنا: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من أودع وديعة فهلكت فلا ضمان عليه). 19739 - فإن قيل: لا نسلم أنها هلكت وهي وديعة. 19740 - قلنا: لسنا نرجع تسميتها وديعة إلى حكم وإنما نرجع إلى اللغة والعرب تسميها وديعة مع وجود التعدي أو بعده ولأنه استعمال ضمنت به الوديعة فإذا زال ضمانها كما لو استعملها غير المودع فأخذها المودع. 19741 - ولأن كل يد لو عادت الوديعة إليها بعد استعمال الأجنبي زال الضمان إذا عادت إليها بعد استعمال المودع زال الضمان أصله وكيل المالك ولأن الوديعة

محفوظة بعينها لصاحبها في الحرز المأذون فيه من غير إيقاع فعل فيها ولا منع فأشبه إذا لم يتعدى. 19742 - ولأن أمر المالك بحفظ الوديعة عام في عموم الأوقات والتعدي لا يبطل الأمر وإذا زال التعدي فقد أمسك العين بيد قامت مقام يد المالك بأمره فصار كما لو ردها على وكيله بقبض ودائعه. 19743 - وهذا الدليل مبني على دعاوى ثلاث أحدها: أن يد المودع كمودعه، والثانية: أن أمره عام في عموم الأوقات الثالثة: أن التعدي لم يبطل أمره بالحفظ. 19744 - فأم االدليل على أن أمره قائم مقام يد المالك فهو أن العين لمنفعته فصار كوكيله وكوصي اليتيم ولأن العين لو هلكت في يده فلحقه ضمان رجع به على المودع عندنا وهو أحد القولين. 19745 - وأما الدليل على عموم الأمر فلأن قوله احفظها لا يختص بوقت دون وقت ولهذا ملك إمساكها على التأييد ولأن من تتعلق بقوله حكم يجب اعتبار عموم كلامه كصاحب الشريعة. 19746 - والدليل على أن التعدي لا يبطل الأمر: لو أن رجلا وكل رجلا يبيع عبده بألف فباعه بخمسمائة ثم باعه بألف جاز ولو كان التعدي يبطل الأمر انعزل عن الوكالة وكذلك لو أمره بعتق عبده ثم أعتقه أو باعه ثما عتقه جاز العتق وبرئ بذلك من الضمان.

19747 - فإن قالوا: بيعه بأجل فيما أمر يجب فلا يبطل الأمر. 19748 - قلنا: لا نسلم ذلك بل هو بيع موقوف على الإجازة ولأن البيع الموقوف فيما تناوله الأمر لا يبطل الأمر. أصله أو أمر صاحب الشريعة. 19749 - فإن قيل: لأن المكلف لا يملك الضمان لأموال المودع والمودع يملك فسخ الوديعة. 19750 - قلنا: لا يملك عندنا فسخ الوديعة بغير حضرة صاحبها كما لا يملك إبطال أمر الله تعالى ورده. 19751 - فإن قيل: لو جحد الوديعة أبطل الأمر بالإمساك وبمثله جحدا بأوامر الله تعالى لا يؤثر في إسقاطها عن المكلف. 19752 - قلنا: رد الأمر كفر وذلك يسقط الأوامر كلها عن المأمور عندنا حتى لا يلزمه شيء منها بعد السلامة كما يسقط الأمر بالجحود في مسألتنا. 19753 - احتجوا: بما روى الحسن عن سمرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (على اليد ما أخذت حتى ترد). 19754 - قلنا: هذا الخبر يقتضي رد العين وذلك لا يكون إلا مع قيامها والخلاف بيننا في وجوب رد القيمة ولأن الخبر يقتضي وجوب ردها وهو مضمون بالأخذ والوديعة لا تكون مضمونه عليه بالأخذ فوجب حمل الخبر على الأعيان المضمونة بالأخذ. 19755 - قالوا: وديعة تلفت ماله أو تلفت فيها ضمنها فوجب أن لا يزول ضمانها عنه بفعله. أصله إذا جحدها ثم اعترف بها. 19756 - قلنا: يقتضي إذا أحضر الوديعة بعد التعدي ومكن المالك منها فلم يقبضها وتبطل بالمودع إذا أذن للمودع في عتق عبد الوديعة فتعدى فيه ثم أعتقه. 19757 - ثم نقول بموجبها: لأن الضمان لا يسقط بفعل المودع لكن إمساكه بأمر صاحب الوديعة وأصلهم الجحود وهو غير مسلم في إحدى الروايتين فإذا قلنا بذلك سقط كلامهم في المسألة. 19758 - وإن سلمناه فالمعنى فيه أن الجحود الذي تعلق به الضمان هو أن يكون بمحضر من المالك أو وكيله ولو جحد بغير حضرتهما لم يضمن فإذا جحد بحضرة المالك فقد صرف الحفظ عن نفسه؛ لأن جحود العقود يقتضي فسخها ولهذا لو تجاحد

المتبايعان انفسخ البيع والمودع يملك عزل نفسه بمحضر صاحب الوديعة. 19759 - فأما إذا انعزل فلم تعد الوديعة إلا بعقد مستأنف وليس كذلك التعدي مع الاعتراف؛ لأنه لم يرد الأمر بالحفظ فلذلك زال الضمان بزوال سببه. 19760 - قالوا: وديعة ضمنت بسبب فجاز بقاء الضمان مع زوال السبب كما لو ضمنها ثم بدلها. 19761 - قلنا: الأصل غير مسلم؛ لأنه إذا منع الاعتراف فالضمان يجب بالتعدي مع بقاء الأمر فيزول بدلها للمالك أخذها أو لم يأخذها. 19762 - ولو سلمنا ذلك فلأن الضمان وجب بالمنع وذلك لا يزول إلا بالرد والتخلية وفي مسألتنا وجب الضمان بالركوب فإذا نزل عنها فقد زال المعنى الموجب للضمان فوجب أن يسقط الضمان. 19763 - قالوا: تضمن الوديعة بعدوان فوجب أن تبطل بالاستثمار. أصله إذا جحد الوديعة ثم اعترف بها. 19764 - قلنا: لا نسلم أن الاستثمار في الجحود بطل بضمان الوديعة ولا بالعقد وإنما ضمن برد الاستثمار حين زعم أنه يمسكها بنفسه وهذا لا يوجد في التعدي. 19765 - والمعنى في الجحود أن الضمان وجب بالمنع من المالك والمنع لا يزول بالاعتراف وإنما يزول بالتخلية وفي مسألتنا الضمان وجب بالمخالفة وقد زالت بترك التعدي فعادت العين إلى يد المودع كما كانت. 19766 - قالوا: ما مضى بإخراجه من الموضع المأذون فيه لم يبرأ برده إليه من غير إذن مجرد. أصله: إذا استأجر دابة إلى الكوفة فأخرجها إلى القادسية ثم رد فإذا أزال التعدي فقد عادت العين إلى يد تقوم مقام يد المالك فعاد إلى الكوفة. 19767 - قالوا: ولذلك قلتم في المستعير إذا تعدى ثم زال التعدي لم يبرأ من الضمان. 19768 - قلنا: يد المستأجر ويد المستعير غير قائمة مقام يد المالك لأن كل واحد منهما يمسك الشيء لمنفعة نفسه فإذا تعدى ثم أزال التعدي فلم يرد العين إلى يد تقوم مقام يد المالك ويد المودع. 19769 - وقد دللنا على أنها قائمة مقام يد المالك فكان بردها إلى وكيله.

19770 - ومن أصحابنا من قال: إذا أجره إلى الكوفة ذهابا فتجاوزها ثم رجع إليها برأ من الضمان. لأنه مستعمل للدابة بأمر مالكها فكأنه أجرها منه بعد التعدي. وأما إن أعره أو أجره ذهبا فتجاوز ثم ردها إلى الكوفة لم يبرأ لأنه ليس بمستعمل لها بأمر مالكها فلم يبرأ من الضمان. 19771 - قالوا: من ضمن شيء بإخراجه من الحرز على وجه العدوان لم يزل عنه الضمان برده إلى الحرز كالسارق إذا أخرج الشيء من حرزه ثم رده إليه. 19772 - قلنا: الضمان عندنا لا يزول برد الوديعة إلى الحرز ولكن بردها إلى يد تقوم مقام يد المالك بأمره وهذا لا يوجد في السارق إذا رد العين إلى بيت المالك. ***

مسألة 997 حكم إذا أودعه كيسا مسدودا فحله أو صندوقا مقفولا ففتحه

مسألة 997 حكم إذا أودعه كيسا مسدودا فحله أو صندوقا مقفولا ففتحه 19773 - [قال أصحابنا] إذا أودعه كيسا مسدودا فحله أو صندوقا مقفولا ففتح القفل لم يضمن الوديعة. 19774 - وقال/الشافعي: يضمنها 19775 - لنا: من ملك حفظ الأمانة مسدودة ملك حفظ الأمانة مسدودة ملك حفظها ظاهرة كالأب والوصي ولأنه بيده في المال وهي ثابتة مع السد وبعد الحل على وجه واحد فإذا لم يضمن في أحد الموضعين لم يضمن في الآخر ولأن الحل ليس بتضييع المال لأن من يتمكن من أخذ الكيس مفتوحا يتمكن من أخذه مسدودا والمودع إذا لم يضيع الحفظ لم يضمن كاليقين. 19776 - احتجوا: بأنه يملك الوديعة فصار كما لو نقب البيت وتركها فيه. 19777 - قلنا يبطل إذا أودعه دراهم فسدها في كيس ثم حله والمعنى في الأصل أنه ضيع الحفظ حتى مكن منها. 19778 - وفي مسألتنا حل الكيس ليس بتمكين من الوديعة؛ لأن من يقدر على ما في الكيس يقدر على أخذه بسده وإذا لم يضع لم يحفز ولم يضمن. ***

مسألة 998 حكم إذا قال المودع لا تخرج الوديعة من هذا البيت فأخرجها إلى بيت آخر في الدار

مسألة 998 حكم إذا قال المودع لا تخرج الوديعة من هذا البيت فأخرجها إلى بيت آخر في الدار 19779 - قال أصحابنا: إذا قال المودع احفظ الوديعة في هذا البيت ولا يخرجها منه فأخرجها إلى بيت آخر في تلك الدار فهلكت لم يضمن وهذا محمول على أن البيت الثاني كالأول في الحرز أو أحرز. 19780 - وقال الشافعي: يضمن. 19781 - لنا: أن الدار حرز واحد بدلالة أن من ثبت فيها فنقله إلى آخر لم يقع والحرز الواحد لا فائدة في تخصيص بعضه دون بعض وما لا فائدة فيه من الأمر سقط في الإيداع كما لو قال أنقلها بيمينك دون شمالك وضعها في يمين البيت دون يساره. 19782 - احتجوا: بأنه نقل الوديعة من حرزها الذي نهاه المودع عن إخراجها منه من غير ضرورة فوجب أن يلزمه ضمانها أصله إذا قال احفظها في هذه الدار ولا يخرجها إلى دار أخرى. 19783 - قلنا: الدار كل واحد حرز على حاله بدلالة أن من أخذ شيئا من إحدى الدارين إلى الأخرى وجب عليه القطع ومتى اختلف الحرز كان في التخصيص فائدة وهذا لا يوجد في الدار الوحدة وأما إن أخرجه من الدار وقد نهاه عن الإخراج ضمن.

19784 - ومن أصحاب الشافعي من قال في البيتين وجه آخر أنه لا يضمن إذا كان المنهي عنه [مثل المأجور] أو أحرز. 19785 - قالوا: وكذلك في الدارين. 19786 - لنا: أن الدارين تختلف في الحرز وتتفاوت وقد رضي المالك بأحدهما ونهى عن غيرها فصارت الأخرى كدار في بلد آخر. 19787 - احتجوا: بأن أعيان المواضع لا فائدة فيها وإنما الفائدة في الحفظ فإذا كانت الدار الثانية مثل الأولى وأحرز صارت كالبيتين من دار واحدة. 19788 - الجواب: أن الثانية وإن كانت أحرز فيجوز أن يعلم المالك أن الثانية يتمكن وقد أزمع اللصوص عليها دون الآخر فيخصها هذا المعنى وهذا لا يوجد في البيتين 19789 - لأن السارق إذا تمكن من بيت من دار مكن من جميعها. ***

مسألة 999 حكم إذا أخرج الوديعة لينفقها أو الثوب ليلبسه

مسألة 999 حكم إذا أخرج الوديعة لينفقها أو الثوب ليلبسه 19790 - قال أصحابنا: إذا أخرج الوديعة لينفقها أو الثوب ليلبسه فهلك فلا ضمان عليه. 19791 - وقال الشافعي: يضمن ذلك أما إذا نوى أن ينفقها ولم يتلفها لم يتلفها بإجماع. 19792 - وقال ابن شريح يضمنها. 19793 - لنا: أن النقل فعل مأذون فيه يكون ضامنا أصله إذا أخذها من المودع لينفقها ولأن النقل معنى لا يتعلق به الضمان فلم يبق إلا الإتلاف وكأنه نوى ذلك وهي في حرزه لم ينقلها فإذا نازع منازع في هذا. 19794 - دللنا: عليه بقوله - صلى الله عليه وسلم -: أن الله عفي لأمتي عما حدثت به نفسها ما لم يقولوا أو يعملوا. 19795 - احتجوا: بأنه لا يجوز إخراجها من الحرز على هذا الوجه فإذا فعل فقد أوقع فعلا في الوديعة- وجه التعدي لأن الفعل وإنما النية ممنوع منه وقد بينا أن مجرد النية لا يتعلق به الضمان. ***

مسألة 1000 حكم إذا أذن رب الوديعة للمودع في تسلمها إلى آخر واختلفا

مسألة 1000 حكم إذا أذن رب الوديعة للمودع في تسلمها إلى آخر واختلفا 19796 - قال أصحابنا: إذا أذن له صاحب الوديعة في تسليمها إلى فلان فالقول قول المودع أن يسلمها إليه. 19797 - وقال الشافعي: لا يقبل قوله. 19798 - لنا: أن رب المال أقام المال أقام المأمور بالقبض مقام نفسه فالقول قول المودع في التسليم إليه كما لو سلمها إلى المودع ولأنه ادعى التسلم إلى من يملك التسلم. 19799 - فإن قيل: ادعى التسليم إلى من يأتمنه في الحفظ فصار كما لو ادعى التسلم إلى أجنبي. 19800 - قلنا: الأجنبي لو صدقه صاحب الوديعة أنه سلم إليه لم يضمن كذلك إذا ادعى التسلم وله حق فيه لم يضمن ***

مسألة 1001 إذا كانت العين في يد رجل فادعاها رجلان

مسألة 1001 إذا كانت العين في يد رجل فادعاها رجلان 19801 - قال أصحابنا: إذا كانت العين في يدي رجل فادعاها رجلان كل واحد منهما يدعى أنه أودعه إياها فقال أودعني أحد كما ولا أعرفه بعينه استحلف لكل واحد منهما على الثبات. 19802 - وقال الشافعي: إن لم يدعيا عليه العلم بمالكها فلا يمين عليه وما الذي يضع بها فيه قولان: أحدهما تنزع من يده والآخر أنها تترك في يده إلى تبين بما يعمل قال وإن أدعا أنه يعرف لمن هي استحلف لها يمين واحدة لا يعلم لأيهما هي. 19803 - لنا: أن كل واحد منهما ادعى العين فأجاب بغير ما ادعى فلا يسقط اليمين على الدعوى كما لو ادعى كل واحد منهما الغصب فقال غصبتها من أحد وكما لو ادعى كل واحد منها دينا عليه فأقر به لأحدهما لزمه لكل واحد يمين على الثبات كذلك هذا ولأنه ضيع الحفظ في الوديعة حين جهل صاحبها فصار كالغاصب. 19804 - لنا: أن كل واحد منهما ادعى العين عليه فأجاب بغير ما ادعاه فلا يسقط اليمين على الدعوى كما لو ادعى كل واحد منهما الغصب فقال غصبتها من آخر وكما ادعى كل واحد منهما دينا عليه فأقر به لأحدهما لزمه لكل واحد يمين

على الثبات كذلك هذا ولأنه ضيع الحفظ في الوديعة حين جهل صاحبها فصار كالغاصب. 19805 - احتجوا: بأنه إذا أقر لأحدهما فلو استحلفنا كل واحد حلف على ما أقر له وهذا لا يصح. 19806 - قلنا:] بطل بالإقرار بالغصب والدين ولأنه أقر بغير يمين والاستحلاف يقع على المعين وهذا غير ما أقربه وقولهم لو استحلف لكل منهما لم تكن البداية بأحدهما أولى من الآخر ليس بصحيح لأن الثاني يبتدئ بأيهما شاء وإن أقرع بينهما تقدم خرجت قرعته أولا. ***

كتاب قسم الغنائم

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب قسم الغنائم

كتاب قسم الغنائم

مسألة 1002 الفيء كل مال وصل إلى المسلمين من المشركين

مسألة 1002 الفيء كل مال وصل إلى المسلمين من المشركين

19807 - قال أصحابنا: الفيء كل مال وصل إلينا من المشركين بغير قتال كالأراضي الذي أخلو بالخراج

والجزية

والعشر ويصرف جميع ذلك إلى مصالح المسلمين.

19808 - وقال الشافعي: أربعة أخماسه للنبي - صلى الله عليه وسلم - وخمسه يقسم كما يقسم خمس الغنيمة للنبي - صلى الله عليه وسلم - خمسه وما يصنع بنصيب النبي بعد وفاته فيه قولان أحدهما لمصالح المسلمين والآخر يصرف إلى المقاتلة.

19809 - والدليل على ما قلناه قوله تعالى: {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى} ثم قال {للفقراء المهاجرين} ثم قال: {والذين تبوء والدار والإيمان من قبلهم} يعني الأنصار ثم قال: {والذين جاءو من بعدهم}. 19810 - فهذا يدل أن حق جميع المسلمين في الفيء ولو قسم على ما قالوا لم يبق فيه فيء لمن بعد المهاجرين والأنصار وعلل في الآية فقال {كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم} ولو ملك النبي - صلى الله عليه وسلم - منه أربعة أخماسه وخمس خمسه جاز أن يملكه لمن يشاء فيصير دولة بين الأغنياء منكم وهذا خلاف القرآن. 19811 - ويدل عليه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (فيما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود فيكم) وهذا ينفي أن يكون له أربعة أخماسه. 19812 - فإن قيل المراد بهذا الغنيمة؛ لأنه قال ما أفاء الله عليكم من الغنيمة فهي فيء قال الله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء} فأما الفيء فإنه يضاف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة. 19813 - قلنا: الفيء عبارة عن الرجوع ومنه سمى الله تعالى وطئ الديار فيئا ويقال فاء الظل إذا رجع. 19814 - قال امرؤ القيس تيممت العين التي عند صارح .... يفيء عليها الظل عرمضها طامي 19815 - والغنيمة هي المأخوذة قهرا فأما الذي يرجع إلينا فهو ما وصل بغير فعلينا وذلك يكون في الغنيمة فصار اسم الفيء ما ذكرناه أخص فحمل الآية عليه أولى. 19816 - فإن قيل: هذا دليل عليكم لأنه قال مالي فيما أفاء الله عليكم إلا الخمس فهذا يدل أنه يخمس.

19817 - قلنا: قد قال الطحاوي في مختصره إن الفيء يقسم على ما يقسم عليه خمس الغنيمة فعلى هذه الرواية. قد قلنا: بظاهر الخبر ويدل عليه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (أخذ الجزية من مجوس هجر ونصارى نجران ويهود آيلة وأمر معاذ فأخذها من أهل اليمن ووضعها عمر بن الخطاب على أهل السواد والشام). ووضعت

في بيت المال ولم تخمس. 19818 - فمن قال أنها تخمس فقد خالف السنة وابتدع ما خالف الإجماع لأن أحدا لم يسبقه إلى هذا القول. 19819 - بل اتفق القفهاء على خلافه وذا ثبت بالسنة والإجماع أن الجزية لا تخمس والمعنى أنه مال وصل إلينا من المشركين بغير قتال وهذا/المعنى موجود في جميع أنواع الفيء. 19820 - ولأنه مأخوذ بظهر المسلمين فلا يستحق النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعة أخماسه كالغنيمة. 19821 - احتجوا بما روى ابن عيينه عن الزهري قال سمعت مالك بن أوس ابن الحدثان يقول: (سمعت عمر بن الخطاب والعباس

وعلي - رضي الله عنه - يختصمان إليه في أموال النبي - رضي الله عنه -، فقال عمر: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليها بخيل ولا ركاب فكانت لرسول الله خاصة دون المسلمين وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينفق منها نفقة سنة على أهله فما فضل جعله في الكراع والسلاح يتخذه في سبيل الله ثم توفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوليها أبو بكر الصديق وسألتماني أن أوليكما على أن تعملا فيها بمثل ما وليها خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم تختصمان تريدان أن أدفع إلى كل واحد منكما نصفا أتريدان مني قضاء غير ما قضيت بينكما أجلا والذي بإذنه تقوم السموات والأرض لا أقضي بينكما قضاء غير ذلك فإن عجزتما عنها فادفعاها إلى أكفيكماها). 19822 - قالوا: فقد قال عمر أنه كانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالصا والظاهر أن

الفيء كله له وحده وظاهر الآية أن الفيء كله مقسوم على خمسة فتجمع بينهما. 19823 - فنقول: معنى الخبر أربعة أخماس ماله خالصا ومعنى الآية خمسه مقسوم على خمسة فكان الجمع بينهما أولى من إسقاط أحدهما وأنتم استعملتم الآية وتركتم الخبر. 19824 - والجواب: أن قوله: {ما أفاء الله على رسوله} إنما أضافها إليه لأنها موقوفة على تصرفه وقوله كان له خالصا دون المسلمين أن له التصرف فيها. 19825 - تبين ذلك ما روى المدايني في كتاب الخلفا عن سعيد بن خالد بن الترجمان بإسناده أن فاطمة جاءت إلى أبي بكر تطلب إرثها من هذه القرى فقال لها: (والله ما خلق الله خلقا أحب إلى من أبيك ولا خلقا بعد أبيك أحب إلى منك ولأن تحتاج عائشة أيسر علي من أن تحتاجي والذي بعث أباك بالحق مالك هذه الأموال قط) وهذا بحضرة الصحابة. 19826 - فبان أن قول عمر أنها كانت للنبي - صلى الله عليه وسلم - خالصا أي موقوفة على رأيه وتصرفه وأنها تخالف الغنيمة التي تقسم فيتصرف فيها أهلها كيف شاؤا. 19827 - فعلى هذا قد حملنا الآية على ظاهرها وحملنا الخبر على وجه صحيح يقصد به الإجماع فكأن ذلك أولى من ترك اهر الآية والخبر جميعا. 19828 - قالوا: مال رجع من المشركين إلى المسلمين جعلت قسمته إلى الإمام فوجب أن يخمسه كالغنيمة. 19829 - قلنا: المعنى في الغنيمة أنها مملوكة بسببين مختلفين بمباشرة القائمين ويظهر المسلمين فاستحق أهل الخمس بهذه والقائمون بمعنى آخر.

19830 - والفيء مملوك بسبب واحد كانت جهته واحدة ولم يتبعض استحقاقه كمال الزكاة والعشر لما استحق بسبب واحد كان المستحق له فريق واحد لم يختلف مستحقه. 19831 - قالوا: الفيء مأخوذ بترعيب النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه قال (نصرت بالرعب وإن العرب تفزع مني على مسافة شهر). 19832 - قلنا: فيجب إذا كان من جملة القائمين أن يستحق الأربعة أخماس؛ لأن ذلك الرعب موجود فيه فلما لم ينفرد بأربعة أخماسها كذلك الفيء لأنه مأخوذ برعبه ورعب المسلمين. ***

مسألة 1003 القاتل لا يستحق سلب المقتول إلا أن شرط الإمام

مسألة 1003 القاتل لا يستحق سلب المقتول إلا أن شرط الإمام 19833 - قال أصحابنا: لا يستحق القاتل سلب المقتول إلا أن شرط الإمام ذلك. 19834 - وقال الشافعي: إذا قتل المسلم وهو ممن سهم كافرا ممتنعا أو لحقه والحرب قائمة فله سلبه شرط الإمام ذلك أو لم يشرط. وإن كان القاتل ممن لا يستحق السهم كالعبد والصبي والكافر ففيه قولان الصحيح أنه لا يستحق السلب والقول الآخر يستحق. فإن كان القاتل يحد بالجنس كابن أبي سلول لم يستحق السلب قولا واحدا. 19835 - فإن قيل: بعد تقضي الحرب لم يستحق ولذلك إن قتل من أثخنته الجراح أو قتل الصغير لم يستحق سلبه فإن قتل صبيا أو امراة في حال الحرب فإن كانا يقاتلان استحق سلبهما وإن كانا لا يقاتلان لم يستحق وإن ثخن رجلا وقتله آخر فالسلب للذي أثخنه لا لقاتله. 19836 - لنا: قوله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه} فأضاف الغنيمة إلى جماعة الغانمين وهذا يمنع انفراد الواحد بشيء منها. 19837 - وروى عبد الله بن شقيق عن رجل من تلقيني قال: (أتيت النبي

- صلى الله عليه وسلم - وهو بوادي القرى فقلت يا رسول الله لمن المغنم؟ فقال: لله سهم ولهؤلاء أربعة أسهم قلت فهل أحد أحق شيئا من المغنم من أحد؟ قال: لا حتى السهم يأخذه أحد من جنبه فليس بأحق من أخيه). 19838 - ويدل عليه قوله عليه [الصلاة] والسلام: (ردوا الخيط والمخيط فإنه عار ونار وشنار إلى يوم القيامة) 19839 - وروى معاذ بن جبل قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (ليس للمرء إلا ما طابت به نفس إمامه لا يتناوله). 19840 - فإن قيل: قد طابت نفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسلب وهو إمام الأئمة. 19841 - قلنا: إطلاق اسم الإمام لا يتناوله بل له اسم هو أشرف وأخص كما لا يطلق عليه اسم معلم وإن كان معلما في الحقيقة فإن الله تعالى: {هو الذي بعث في الأمين رسولا منهم يتلوا عليهم ءاياته ويزكيهم ويعلمهم الكتب والحكمة} 19842 - وجواب ثاني: وهو أن معناه أروي هذا الخبر محتجا به على أن الخيار في سلب إلى الإمام وما يقام الاحتجاج بقوله: (من قتل قتيلا فله سلبه). 19843 - لأنه قال لم يقل ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا في غزاة واحدة ثم جمعه بعد ذلك بقوله ليس للمرء إلا ما طابت به نفس إمامه فعلم أنه فهم من إطلاق الإمام غير النبي - صلى الله عليه وسلم -. 19844 - وقد روي أن معاذ قال: (إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في واحدة من سمعته

ثم سمعه [من] بعد يقول الخيار إلى الإمام إن شاء أعطى وإن شاء منع). 19845 - ويدل عليه حديث عبد الرحمن بن عوف أنه كان واقفا يوم بدر ومعه فتيان من الأنصار إذا أقبل أبو جهل بن هشام وقد أخذته سيوف بني مخزوم فابتدره معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء فضرباه ثم قالا للنبي - صلى الله عليه وسلم - إننا قتلنا أبا جهل فقال: أمسحتما سيفكما قالا لا، فنظر إلى السيفين فقال: كلاكما قتله، وأعطى سلبه معاذ بن عمرو بن الجموح) 19846 - ولو استحق السلب بالقتل لم يجز أن يخص به أحدهما. 19847 - فإن قيل: غنايم بدر كانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع فيها ما يشاء.

19848 - قلنا: هذا غير مسلم بل هي للمسلمين وقوله تعالى: {يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله} إنما أراد به تنفل المقاتلة التي تثبت شرط النبي - صلى الله عليه وسلم - وكما يرى من المصلحة وقد روي عن ابن عباس هذا بعينه فلما كان يوم بدر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من فعل كذا فله كذا) فذهب شأن الرجال وحبس السيوف تحت الرايات فلما كانت الغنيمة جاءت الشبان يطلبون نفلهم، فقال الشيوخ تستأثروا علينا فإنا كنا تحت الرايات لو انهزمتم كنا ردءا لكم فأنزل الله {يسئلونك عن الأنفال} إلى قوله: {كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون}. يقول أطيعون في هذا الأمر كما رأيتم عاقبة أمري. فهذا يدل على أن الآية نزلت بتنفيل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا في أصل الغنيمة وإذا ورد الأثر ما تقتضيه حقيقة اللفظ فحمل عليه أولى. ويدل عليه حديث عوف ابن مالك أن بدويا رافقهم في غزوة مؤتة وإن روميا كان يشتد على المسلمين ويغري بهم فتلطف له ذلك البدوي فقعد خلف صخرة فلما مر به عرقب فرسه وخر الرومي لقفاه وعلاه بالسيف فقتله وأقبل بفرسه بسرجه ولجامه وسيفه ومنطقته وسلاحه وذهب بالذهب والجوهر إلى خالد بن الوليد

فأخذ خالد سلبه ونفله لنفسه فقال عوف فقلت يا خالد ما هذا أما تعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بسلب المقتول للقاتل كله قال بلى ولكني استكثرته فقلت أما والله لأعرفنكما عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال عوف فلما قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبرته خبره فدعاه وأمره أن يدفع إلى البدوي بقية سلبه/فولى خالد ليفعل فقلت كيف رأيت يا خالد ألم أوف لك بما وعدتك فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال يا خالد لا تعطه وأقبل علي فقال: هل أنتم تاركوا أمرائي لكم صفوة وعليهم كدرة). 19849 - وهذا يدل أن الأمر بالدفع لم يكن على طريق الوجوب فلما ظن عوف أ، هـ أمر واجب نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالدا عن الدفع، ومنع البدوي منه. 19850 - فإن قيل: إنما منع النبي - صلى الله عليه وسلم - عقوبة لما قدم عليه من الاستخفاف بالأمير ومما رأيه وقد كانت العقوبة في الأموال. 19851 - بدليل ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من يجر شيئا من الغنيمة أحرق رحله). 19852 - وقال في الزكاة ومن منعها فأنا آخذ وشطر ماله وقال في السرقة غرامة مثلها. 19853 - قلنا: إنما كانت العقوبة في الأموال على الجناية المتعلقة بالأموال فأما على غيرها فلا. 19854 - ولأن عوف بن مالك استخف بالأمير كيف يعاق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[البدوي] بمنعه حقه من المسلمين بجناية غيره، فعلم أن هذا تأويل محتمل والخبر ظاهر في إبطال قولهم. 19855 - ولأنه جزء معين من الغنيمة فلا ينفرد به أحد الغانمين إلا بإذن الإمام أصله سائر أعيان الغنيمة.

19856 - ولأنه مال الخيول فلا يستحقه القاتل بقتله كغير السلب ولأنه قتل بحق فلا يستحق القاتل السلب أصله إذا قتله بعد تقضي الحرب. 19857 - ولا يقال: المعنى أنه لم يكف المسلمين ضرره أو لم يفد بنفسه في قتله. وفي مسألتنا بخلافه. 19858 - وذلك لأن القتل بعد تقضي الحرب دفع لضرر المقتول عن المسلمين فقد دفع شره عن المسلمين ولا يستحق السلب. 19859 - ولأن السلب وصل إلينا بظهر المسلمين ومعونتهم فلم ينفرد به بغير إذن المالك كسائر أجزاء الغنيمة. 19860 - ولأن تخصيص أحد الغانمين من أمثاله بشيء من مال المشركين لا يجوز إلا بإذن الإمام كسائر الأنفال. 19861 - احتجوا بحديث أبي قتادة قال: (خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - عام حنين قلما التقينا كانت للمسلمين جولة فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين فاستدرت له حتى أتيته من وراءه فضربته على حبل عاتقه ضربة فأقل علي فضمني ضمة فوجدت منها ريح الميت ثم أدركه الموت فأرسلني، ثم فلحقت عمر فقال ما بال الناس قال أمر الله ثم إن الناس رجعوا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه فقمت فقلت من يشهد لي ثم جلست، يقول وأقول ثلاث مرات، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: مالك يا أبا قتادة قال فاقتصصت عليه القصة فقال رجل من القوم صدق يا رسول الله وسلب ذلك القتيل عندي، فارضه مني فقال أبو بكر لها الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله وعن رسوله فيعطيك سلبه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاعطه إياه فأعطانيه) فبعت الدرع فابتعت به مخرقا في بني

سلمة فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام. 19862 - قالوا: قوله - عليه السلام -: (من قتل قتيلا له عليه بينة) ولم يفرق بين أن يكون الإمام شرط ذلك أو لم يشرط ولم يخص ذلك بهذه الغزوة دون غيرها. 19863 - ولأن هذا الشرط قال النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد انقضاء الحرب وجمع الغنيمة فدل على أن السلب استحق بالشرع لا بالشرط. 19864 - ولأن أبا بكر الصديق لما ذكر استحقاق أبي قتادة للسلب لم يذكر شرط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنما ذكر مخاطرته بقتله وقال لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه. 19865 - فلو كان على ما قال المخالف لقال لا يبطل شرط رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 19866 - الجواب: أن الاحتجاج إن كان بقوله - عليه السلام - من قتل قتيلا فله سلبه فلا دلالة له. لأنه يحتمل أن يكون - عليه السلام - قال ذلك شرعا ويحتمل أن يكون قاله شرطا وهو يملك الأمرين فليس حمل اللفظ على أحدهما أولى من الآخر وهذا كقوله: - صلى الله عليه وسلم -: (من ألقى سلاحه فهو آمن ومن تعلق بأستار الكعبة فهو آمن). 19867 - وكما روى عبادة بن الصامت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (نفل في البداءة الربع وفي الرجعة الثلث).

ولم يدل ذلك على بيان الشرع بل كان شرطا يختص بالحرب التي شرطها فيه خاصة. لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال بعد الحرب من [قتل قتيلا له عليه بينه فله سلبه] وهذا يدل أن أبا قتادة لم يستحق بالشرط فلم يصح لأن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] شرط ذلك في حال الحرب. 19868 - يدل عليه حديث أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوم هوازن: (من قتل مشركا فله سلبه، وقتل أبو طلحة يومئذ عشرين فأخذ أسلابهم فقال أبو قتادة يا رسول الله إني قتلت رجلا على جبل العانق فاجهضت عليه وذكر الخبر) 19869 - وهذا يدل على أن شرط النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قبل قتل أبي طلحة. 19870 - ولأن الفاء للتعقيب فلما قال أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال من قتل قتيلا فله سلبه فقتل أبو طلحة عشرين رجلا فدل أن القتل حصل بعد الشرط. 19871 - فأما قول أبي بكر لا تدع أسدا من أسد الله يقاتل عن الله ولم يعلل ذلك بشرط النبي - صلى الله عليه وسلم - فدل أن الشرط لا يستحق به وإنما يستحق بالقتل لأجل وجود الشرط فالشرط السلب والقتل العلة فلذلك [ذكر أبو بكر] مخاطرته بنفسه ولم يذكر الشرط. 19872 - احتجوا بما روى أنس بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال يوم حنين: (من

قتل كافرا فله سلبه فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا وأخذ أسلابهم. 19873 - والجواب: أن قوله - عليه السلام - من قتل قتيلا [فله سلبه] الشرط والشرع على ما قدمناه فلم يصح التعلق به. 19874 - ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك يوم حنين وقد تفرق المسلمون عنه والظاهر من هذه الحال تحريض المسلمين وتنفيلهم ليقدموا على القتال. ولأن الاستحقاق لا يتعلق بالقتل باتفاق فليس لهم أن يتركوا الظاهر ويعلقوا الحكم بقتل على صفات من قاتل على صفات. 19875 - وإن كان الظاهر لا يدل على ذلك الأولى أن يعلق الحكم بالقتل إذا شرط الإمام فتساوينا 19876 - قالوا: مال يؤخذ من الغنيمة لا يفتقر تقديره إلى اجتهاد الإمام فلا يقف استحقاقه على شرط كسائر الغازين والراجل وعكسه النفل. 19877 - قلنا: الوصف غير مسلم؛ لأن تقدير ما يستحقه القاتل يقف على اجتهاد الإمام فإن رأى جعل للقاتل السلب كله وإن رأى جعل له نصفه فإن عنوا إلى السلب مقدر في نفسه بطل بمال المقتول إذا شرط للقاتل فإن تقدير ذلك لا يقف على الاجتهاد واستحقاقه يقف على شرطه. 19878 - والمعنى في سهم الفارس والراجل إن كل واحد منهما لا يتعين في شيء من المغنم إلا بفعل الإمام كذلك لا يتعين حق القاتل في السلب إلا بشرط. 19879 - ولأن [سهم الراجل] والفارس لما لم يقف على إذن الإمام استحقاقه قاتلا أو لم يقاتلا غررا أو لم يغرروا فلما لم يستحق السلب بغير تغرير لم يستحق إلا بالشرط كالنفل. 19880 - فإن قيل: سبب استحقاق السهم وحضور الوقعة وذلك موجود وإن اختلف الحال وسبب السلب التغرير بنفسه. 19881 - قلنا: لا نسلم هذا وإنما سبب الاستحقاق القتل مع شرط الإمام.

19882 - فإن قيل: مغرر بنفسه أو غير مغرر يستحق. 19883 - قالوا ذو السهم غرر بنفسه بقتل كافر ممتنع حال القتال فاستحق سلبه كما لو شرط الإمام. 19884 - قلنا الأسباب التي تعلق بها استحقاق الغنم لا فرق فيها بين التغرير بالنفس وغير التغرير بدلالة سهم الفارس والراجل يستوي في استحقاقه المقاتل وغير المقاتل. 19885 - ولأن الاستحقاق إذا تعلق بالتغرير استوى فيه من له سهم ومن لا سهم له، لأن كل واحد منهما غرر بنفسه. والمعنى في شرط الإمام أنه يجوز أن يستحق به مال المقتول فلم يجز استحقاق سلبه به. 19886 - قالوا: الاستحقاق في الغنيمة بحسب العناء في الحرب بدلالة أن الفارس لما رأى غناء عن عناء الراجل استحق زيادة سهم ومن قتل رجلا مبارزا فعناه أعظم لأنه كفى المسلمين شره وفعل ما هو سبب هزيمتهم فلذلك استحق السلب. 19887 - قلنا: إذا غرر بنفسه بصعود جبل أو قلعة/حتى ظهر المسلمون وألقى نفسه في البحر حتى أحرق مركبهم أو حمل على الصف ففرق جمعه وقد حصل منه عناء لم يحصل من غيره ولم يستحق بذلك زيادة على سهمه كذلك القاتل. ولأن القتل لو استحق به لأنه غرر بنفسه جاز أن يستحق مال المقتول لهذا المعنى ولكان [إذا غرر بنفسه وأسره واسترقه الإمام يكون أولى برقبته] فلما لم ينفرد بالرقة. وإن غرر بنفسه في أخذهما ذلك لا يستحق السلب وإن غرر بنفسه من قتل المسلوب. ***

مسألة 1004 النفل قبل إحراز الغنائم

مسألة 1004 النفل قبل إحراز الغنائم 19888 - قال أصحابنا: يجوز للإمام أن ينفل قبل إحراز الغنايم ولا يجوز أن ينفل بعد إحرازها فإن قال: من أصاب شيئا فهو له فأصاب رجل جارية فهي له ولا خمس فيها وإذا قال من حفظ هذه المطمر فله نصف ما فيها جاز. 19889 - وقال الشافعي: إذا قال الإمام من أصاب شيئا فهو له فقد أخطأ ومن أصاب شيئا فهو لجماعة الغانمين وفيه الخمس. 19890 - لنا: ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوم بدر: (من أخذ شيئا فهو له). 19891 - ولا يقال إن الغنايم يوم بدر كانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنا قد دللنا على بطلان هذا القول. 19892 - فإن قيل: نسخ ذلك بقوله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن الله خمسه} وهذا يقتضي أن يكون أربعة أخماس الغنيمة للغانمين. 19893 - قلنا: هذه الآية نزلت في غنايم بدر والنفل كان فيها فيجمع بينهما فكأنة قال ما غنمتم سوى النفل فلله خمسه. 19894 - ويدل عليه ما روى سليمان بن مسعود عن مكحول عن زياد بن

جارية عن حبيب بن مسلمة: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفل في البداية الربع وفي رجعته الثلث) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (كان ينفل في الغزو الربع بعد الخمس وينفل إذا قيل ثلث بعد الخمس). 19895 - ولأنه تحريض على القتال فجاز أن شرط في مقابلته نفل كالسلب. 19896 - ولأنه ما جاز أن يستحق به السلب جاز أن يستحق به بقية مال المقتول أصله الإرث في حق المقتول المسلم. 19897 - ولأنه من جاز أن يستحق السلب إذا قتل المسلوب جاز أن يستحق المسلوب إذا لم يقتله كجماعة العسكر. 19898 - احتجوا: بقوله تعالى: {واعلموا أنتما غنمتم من شيء فأن لله خمسه} فأضاف الغنيمة إلى جماعتهم وانتزع منهم الخمس للأصناف. 19899 - قلنا: ما شرطه الإمام نفلًا فهو مضاف إلى المشروط له ولا نسلم إضافته إلى الجماعة ولا كونه غنيمة لهم فلا تتناوله الآية. 19900 - قالوا: روى أبو بكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الغنيمة لمن شهد الواقعة). 19901 - قلنا: هذا يقتضي ثبوت حق من حضر الواقعة في الغنيمة ولا يقتضي تساويهم بدلالة أنهم يتفاضلون باتفاق ومن نفل من جملة من حضر الواقعة وقد جعلنا النفل له. ولأن الغنيمة ما اشترك الجماعة في أخذه وما اختص الواحد بتحصيله وقد شرط له

فليس بغنيمة وإنما هو نفل فوجب أن يحمل على الاسم الذي هو أخص به. 19902 - قالوا: من استحق جزءًا من الغنيمة بغير شرط الإمام لم يسقط شرط الإمام أصله إذا اشترط لغير الغانمين. 19903 - قلنا: غير الغانمين لا ينفردون عنهم باستحقاق الأسلاب (فلم يستحقوا غير الأسلاب بالشرط والغانمين منهم من يستحق السلاب) فجاز أن يستحق غير الأسلاب أيضًا على الوجه الذي استحق له الأسلاب. 19904 - ولأن الشرط لغير الغانمين ضرر عليهم من غير نفع لهم ومتى شرط لبعضهم ففي شرطه منفعة لهم. لأنه شرط ذلك في مقابلة عنائهم وفعل نخفف به عنهم فلذلك جاز الشرط كما يجوز استحقاق السلب. * * *

مسألة 1005 فتح الأرض عنوة متروك فيه النظر للإمام في الأصلح للمسلمين

مسألة 1005 فتح الأرض عنوة متروك فيه النظر للإمام في الأصلح للمسلمين 19905 - قال أصحابنا: إذا فتح الإمام أرضًا عنوة نظر في الأصلح للمسلمين فإن كان الأصلح أن يقسمها قسمها بين الغانمين وإن رأى أن يقر أهلها على أملاكهم ويضع عليهم الخراج فعل ذلك. 19906 - وقال الشافعي: يقسمها ويخمسها ولا يجوز أن يقر أهلها عليها. لنا: ما روى عبد الله بن عمرو بن العاص قال: (لما فتح عمرو بن العاص أرض مصر جمع من كان معه من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستشارهم في قسمة أرضها بين من شهدها كما قسم بينهم غنايمهم وكما قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرض خيبر بين من شهدها أو يوقفها حتى يراجع في ذلك رأى أمير المؤمنين، فقال نفر فيهم الزبير بن العوام: والله ما ذاك إليك ولا إلى عمر إنما هي أرض فتح الله علينا

وأوجفنا عليها خيلنا ورجالنا وحوينا ما فيها فما قسمتها بأحق من قسمة أموالها، وقال نفر منهم: لا نقسمها حتى نراجع أمير المؤمنين فاتفق رأيهم على أن يكتبوا إلى عمر في ذلك ويخبروه في كتابهم إليه مقالتهم). 19907 - فكتب إليهم عمر (بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فقد وصل إلى ما كان من إجماعكم على أن تغتصبوا عطايا المسلمين من غزو العدو من أهل الكفر وإن قسمتها بينكم لم يكن لمن بعدكم من المسلمين مادة يقوون بها على عدوكم ولولا ما أحمل عليه في سبيل الله أضع عن المسلمين مؤمنهم وأخرى على ضعفائهم وأهل الديوان منهم لقسمتها بينكم فأوقفوا فيئًا على من بقي من المسلمين حتى يتعوض آخر عصابة بعدد من المؤمنين والسلام عليكم). 19908 - وافتتح عمر (رضي الله عنه) (أرض السواد فطلب قسمته

بلال وعمار وأناس من المسلمين فحاجهم بكتاب الله ولم يقسمها ووضع الخراج على الرقاب وعلى الأرضين). 19909 - فدل ذلك على جواز ترك القسمة وقد دل على صحة قول عمر حديث أبي هريرة قال: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: منعت العراق قفيزها ودرهمها، ومنعت الشام مدها ودينارها، ومنعت مصر إردبها ودينارها وعدتم كما بدأتم شهد بذلك لحم أبي هريرة دمة فذم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من منع هذه الحقوق في آخر الزمان وهي الخراج الذي وضعه عمر بن الخطاب).

19910 - فدل (ذلك على) تصويبه وإن ما فعله حكم الله تعالى الذي يذم من عدل عنه ويمدح من فعله وهذا إجماع ظاهر وأمر مشهور يعرفه عامة الناس ولا يشكل على أحد من أهل السير. 19911 - فإن قيل: قد خالف عمر على ذلك الزبير وعمار وبلال. 19912 - وقولهم: شهد له الكتاب بذلك. 19913 - قلنا: عمر احتج عليهم بالقرآن فلم يردوا حجته ولم يقابلوا دليله فالظاهر أنهم سلموا له. 19914 - لأن المجتهد إذا قال قولًا يدفع بحجة عنده أولى ذكر حجته ولم يسكت عنها. 19915 - فإن قيل: (قد قسم عمر بن الخطاب السواد وأصاب بخيله ربعه فأخذوه سنين ثم ارتجعه منهم وعوضهم عليه فأعطى جريرًا ثمانين دينارًا وطلب أن يحرر جوانبها فعوضها). 19916 - قلنا: نحن لا ننكر القسمة فإن قسمة عمر لم تقدح في قولنا وإن ترك القسمة قدح ذلك في قول مخالفنا فلا معنى للاحتجاج بهذه الرواية ولم ينقل أحد أنه قسم مصر ولا شيئًا منها فأما قسمة السواد وتعلق مخالفنا به فهو غلط عظيم لو تأملوه لعلموا أنه الحجة عليهم. 19917 - وذلك لأن أبا عبيدة بن مسعود الثقفي (لما قتل نفس الناطف فأصيب مع المسلمين بوقف عمر عن إغراء فارس وجبن المسلمون عنها فقال جرير أنا أسير إليها في بجيلة، فقال عمر سر ولكم ربع الغنيمة وكان ذلك على طريق النفل مع

حقوقهم وكانت بجيله ألف فلما تلاحق المسلمون وكبر العسكر لم يحمله عند الفتح ربع الخمس فأمضى لهم على طريق النفل). 19918 - قال أبو زيد عمر بن شيبة في كتاب الكوفة فأخذ بجيله ربع الخراج سنين ثم ارتجعه عمر وقال لولا أني قاسم مسئول لكنتم على ما قسمت فقد أخبر أبو زيد أنهم أخذوا ربع الخراج وهذا لا دليل فيه لهم. 19919 - لأن الخلاف في أخذ الأرضين ملكًا لم ينقل أحد من أهل السير أن ثلاثة أرباع الأرض وخراجها أخذه باقي العسكر بل جعل في الديوان فدل (ذلك على) جواز ترك القسمة. 19920 - ولأن عمر عندما ارتجعها ليجعلها على خلاف ما كانت عليه فلو كانت نحلته ملكًا وارتجعها ملكًا لم يكن للارتجاع معنى. 19921 - فإن قيل: عمر وضع الخراج أجرة للأرضين أو عيانًا فأما خراجًا على الأملاك فلا. 19922 - قلنا: هذا لا يصح لما روى عمر عن عمر بن ميمون قال: (رأيت عمر بن الخطاب قبل أن يصاب بأيام وقف على حذيفة وعثمان بن

حنيف فقال كيف فعلتما قال أن تكونا حملتها الأرض مالاً تطيق قالا لا. قال حذيفة لو أضعفت عليها لحملت، وقال عثمان قد حملتما أمرًا هي له مطيقة وما فيها كبير فضل). 19923 - فلو كانت الأرضين للمسلمين وقد باعها عمر أو أجرها لم يكن عليه خوف إن زاد من ذلك (على ما) تطيق فلما سأل عمر عن ذلك دل على أن الأرضين للكفار وإن عمر كره أن يحملهم ما لا يطيقون كما يكره أن يحملهم من الجزية ما لا طاقة لهم به. 19924 - وقد روي عن علي بن أبي طالب (ما يعضد فعل عمر، روى حبيب بن أبي ثابت عن ثعلبة بن زيد عن علي قال لولا أن يضرب بعضكم وجوه بعض لقسمت هذا السواد بينكم). 19925 - فدل هذا على أنه لم يقسم وإذا قسم مرة لم يقسم ثانية على أنه لم يؤاجر ولم يبع/ إذ لو كان كذلك لم تجز قسمته فبان بذلك أن السواد كان على صفة الأصلح فيه للمسلمين تركه على حاله. 19926 - ولأن الغنيمة تشتمل على عقار وغيره ثم كان في أحد النوعين ما يجوز ترك قسمته وهو الرقاب كذلك الأرضين مثله. 19927 - ولأنه مغنوم يمكن وضع الخراج عليه فجاز إقراره بالخراج على ما كان

عليه أصل الرقاب. 19928 - ولأن ما جاز لإمام فعله في الرقاب جاز له فعله في غير الرقاب أصله القسمة. 19929 - احتجوا: بقوله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه} فأضاف الغنيمة للغانمين وجعل خمسها للأصناف فالظاهر أن الخمس لا يجوز إسقاطه وأن ما سوى الخمس للغانمين كقوله {وورثه أبواه فلأمه الثلث} اقتضى أن الباقي للأب. 19930 - والجواب: أن هذه الآية (لا تقتضي) غنيمة ماضية. 19931 - قالوا: روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الغنيمة لمن حضر الوقعة) 19932 - قلنا: هذا خبر واحد والإجماع مقدم عليه. 19933 - ولأن الإسلام يفيد الإضافة وهي عندنا حق معلوم لهم ولجماعة المسلمين وفائدة التخصيص أنه يجوز أن ينفردوا بها ولا يجوز لغيرهم أن ينفرد بها. 19934 - قالوا: روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (قسم خيبر على ثمانية عشر سهمًا). 19935 - قلنا: القسمة لا دلالة فيها؛ لأنها جائزة عندنا وترك القسمة دلالة على مخالفنا لأنه لا يجوز ذلك على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (قسم خيبر ستة وثلاثين سهمًا ثمانية عشر سهمًا بين المسلمين وترك ثمانية عشر لمواليه ونفقات زوجاته) فجمع فيها بين القسمة وترك القسمة لتنبيه على جواز الأمرين. 19936 - فإن قيل: ما فعله بيان الآية فيدل على الوجوب. 19937 - قلنا: الآية لم تتناول المستقبل من الغنايم وإنما تناولت غنيمة بدر خاصة؛ لأنها بلفظ الماضي. 19938 - قالوا: مال مغنوم فلم يكن للإمام أن يقره على المغنومين أصله ما ينقل ويحول.

19939 - قلنا: الأصل غير مسلم؛ لأن الإمام إذا رأى أن يقرهم على أملاكهم ولم يستغلوا بعمارتها بأموالهم أقرهم على الأموال وإن كانت منقولة. 19940 - قالوا: مال أخذ من المشركين بغرض مباح لا يختص به بعضهم فوجب قسمته فائدته تعود إلى المسلمين فلم يجز إسقاط حق الغانمين غنيمة وأما أراضي السواد فقد ترك قسمتها مصلحة للمسلمين لاستحقاقهم بخراجها فجرى مجرى الرقاب. 19941 - قالوا: كل سبب يستحق به قسمة ما ينقل ويحول وجب أن يستحق به قسمة مالا ينقل ولا يحول كالميراث. 19942 - قلنا: الميراث لا يستحق القسمة وإنما يستحق بالاشتراك بالملك. 19943 - وفي مسألتنا أن أقرهم الإمام على غنايمهم حصلت الشركة فوجبت القسمة وإن رأى أن يقر الكفار على أرضهم لم تحصل الشركة فلم تجب القسمة وكذلك الميراث الحاكم ثبت به الشركة لم يستحق به القسمة كما لو كان الوارث واحدًا وهذا كما نقول جميعًا في الرقاب إن رأى الإمام أن يسترقهم قسمهم لثبوت الشركة فيهم وإن رأى أن يجعلهم أحرارًا لم تثبت الشركة ولم تجب الغنيمة. * * *

مسألة 1006 المفاداة بالأسرى لا بالمال

مسألة 1006 المفاداة بالأسرى لا بالمال 19444 - قال أبو حنيفة: لا تجوز المفاداة بالأسرى ولا بالمال ولا يجوز المن. 19945 - وقال الشافعي: إذا رأى الإمام المصلحة في المن والمفاداة جاز. 19946 - لنا: قوله تعالى: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} فأمر بقتلهم وأخذهم وجعل الغاية التي يتعلق بها عليهم التوبة وما قبل الغاية يخالف ما بعدها. 19947 - يدل عليه قوله تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله} قيل إن المراد حتى لا يكون كفر فتجب مقاتلتهم حتى توجد الغاية وهي زوال الكفر فإن قيل أمر الله تعالى بقتل من لم يقدر على أخذه ويأخذ من قدرنا على أخذه ولم يبين ما نصنع بالمأخوذين وذكر ذلك في آية المن والفداء. 19948 - قلنا: قد بين ما نصنعه بالمأخوذين فهو أنا لا نخليهم بعد الأخذ

حتى يتوبوا فمن زعم أن تخليتهم تجوز قبل التوبة فقد خالف النص ولأن الأسرى يجوز تبقيتهم في دارنا على التأييد فلم يجز ردهم إلى دار الحرب كالمسلمين وأهل الذمة. 19949 - قالوا الذمي إذا نقض عهده جاز رده إلى عهده قد استحق السكنى في دارنا بعوض فلم يجز إخراجه منها. 19950 - قلنا يبطل بالذمي إذا صار عينًا لأهل الحرب يدلهم على عورات المسلمين جاز إخراجه وإن كان يؤدي الجزية. 19951 - ولأن من وجب قتله بكفره فلم يفادي كالمرتد، وهذه العلة في الاستبراء إذا كان من عبدة الأوثان من العرب؛ لأنهم لا يسترقون ولا معونة لهم بما يختص فصار كرد السلاح إليهم. 19952 - ولأن السلاح لا يقاتل بنفسه والرجل يقاتل بنفسه فإن لم يجز رد السلاح فلأن لا يجوز رد الرجال أولى. 19953 - فإن قيل: السلاح لا يصلح إلا للقتال والرجل قد يقاتل وقد لا يقاتل. 19954 - قلنا: إنما يجوز رد الرجال إذا غلب على ظنه أنه لا يقاتل. فإن قيل فجوزوا رد الشيوخ والزمني الذين لا يقاتلون. 19955 - قلنا: أولئك قد يستعان برأيهم في الحرب وقد يقفون على عورات المسلمين ويجوزوا في دارهم فيدلوا لأهل الحرب عليها. 19956 - ولأن مفاداة الوثني إقرار له على كفره يعوض فلا يجوز كالجزية. 19957 - ولأن الرقاب مال مغنوم لا يجوز أن يمن على أهل الحرب به أصله سائر الأموال. 19958 - فإن قيل: الأموال لا يجوز إسقاط حق الغانمين عنها بالإتلاف فلم يجز أن يسقط حقهم عنها بالمن والأسرى سقط حق الغانمين عنهم بالقتل فجاز أن يسقط بالمن. 19959 - قلنا: النساء والصبيان لا يجوز إتلافهم كما لا يجوز إتلاف الأموال وإن جاز أن يمن عليهم ويردهم إلى أهل الحرب عندهم. 19960 - احتجوا: بقوله تعالى: {فإما منا بعد وإما فداء}.

19961 - قلنا: قال حتى تضع الحرب أوزارها فلا يخلو أن يكون المراد به جنس الحرب وذلك لا يكون إلى قيام الساعة. 19962 - فلم يبق إلا أن يكون المراد التعريف وتلك الحرب المغرقة وقد وضعت أوزارها فسقط الحكم بوجود الغاية وقد روي أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}. 19963 - وروي ذلك عن السدي وابن جريج وسورة براءة نزلت بعد سورة محمد فقد ذكر الله فيها السيف وذكر فيها قوله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله} إلى قوله {يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} فأمر بقتالهم وجعل غاية ذلك إلى إعطاء الجزية. 19964 - فإن قيل: روي عن ابن عباس أنه قال آية السيف نزلت يوم بدر وبالمسلمين قلة فلما كثر المسلمون واشتدت شوكتهم نزل المن والفداء. 19965 - قلنا: قوله تعالى: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين} هذا كان في سنة تسع وكيف يقال أنها نزلت في أمر بدر. 19966 - قالوا: روي إن الحجاج أخذ أسيرًا من الكفار فقتله فقال ابن عمر ما أمر الله بهذا قال الله تعالى: {فإما منا بعد وإما فداء}. 19967 - وهذا يدل على أن الآية عنده محكمة. قلنا من نقل النسخ عرف حقيقة الأمر ومن اعتقد أن الآية محكمة لم يعرف حدوث النسخ فلا يتعارض فعل المثبت والنافي. فإن قيل النسخ بين الآيتين فإذا تنافيا ويمكن الجمع بين الاثنين فيكون قوله اقتلوا المشركين إذا لم يغلب على الظن أن المصلحة في مفاداتهم والمن عليهم وقوله تعالى

{فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها} إذا غلب على الظن أن المصلحة في ذلك. 19968 - قلنا: هذا الاستعمال يصح إذا رجعنا في النسخ إلى مجرد التاريخ وإذا نقلنا أنها متوجهة لم تصح مقابلة الفعل بإمكان التخصيص. 19969 - ولأن تخصيص الجهاد في الأصل لم يكن واجبًا في جواب المن والمفاداة إسقاط الجهاد في هذا القتل فينبغي على الأصل وقد دلت الدلالة على وجوب الجهاد وورد الوعيد في تركه فكل شيء أدى إلى إسقاطه مطرح التخصيص وهذه الآية تقتضي إسقاط الجهاد بمن نفاديه أو نمن عليه فلم يصح تخصيص الآية لما ذكرنا. 19970 - قالوا: روي عن جبير بن مطعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في أو أساري بدر لو كان مطعم بن عدي حيًا وكلمني في هؤلاء لأطلقتهم له. 19971 - وهذا يدل أن الشرع يقتضي المن وروى أبو هريرة قال بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال الحنفي سيد أهل اليمامة فربطوه بسارية من سواري المسجد فخرج إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال ماذا عندك يا ثمامة فقال عندي يا محمد إن تقتل تقتل خادم وإن تنعم تنعم على شاكر وإن أردت المال سل ما شئت فلما كان في اليوم الثالث قال النبي - صلى الله عليه وسلم - أطلقوا ثمامة فأطلقوه ثم فاغتسل ثم دخل المسجد فقال أشهد أن لا إله إلا الله / وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وكتب إلى قومه فأتوه مسلمين. 19972 - 0 ومن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أبي عزة الجمحي يوم بدر وروى عمران بن

الحصين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فادى رجلًا برجلين وفادى النبي - صلى الله عليه وسلم - أهل بدر بالمال. 19973 - والجواب: أن المفاداة تجوز أن تكون في الوقت الذي كان يجوز رد المسلمين إليهم وقد صالح - عليه السلام - سهيل بن عمرو على أن من جاءه من قريش مسلمًا رده إليهم فرد النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا جندل بن سهيل بن عمرو ورد أبا بصير فقد جاء كل واحد منهما مسلمًا وإذا جاز رد المسلمين فرد الكافرين أجوز ثم نسخ الله ذلك فلا يجوز رد المسلمين إليهم وكذلك من أهل دار الإسلام لا يجوز رده وإذا احتملت الأخبار المروية ما ذكرنا سقط الاحتجاج بها إلا أن يثبت أنه - عليه السلام - فادى بعد النسخ. 19974 - يبين ذلك ما روى عمران بن الحصين (قال: أسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأسر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلًا) من بني عامر بن صعصعة فمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو موثق فقال على ما احتبس قال برجلين به حلفائك ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له الأسير إني مسلم فقال لو قلتها وأنت تملك أمرك

أفلحت كل الفلاح ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - فداه بالرجلين وقد فدى به وهو مسلم فدل أن الفداء كان في جواز رد المسلمين إليهم. 19975 - قال: مخالفنا يجوز مفاداة المسلم عندنا إذا كان قويًا في دينه لا يخاف عليه وكانت له عشيرة تدفع عنه. 19976 - قلنا: لو جاز لجاز أن يفادي بالمسلم إذا كان على هذه الصفة بالذمي وإلا فما الفرق بينهما. 19977 - ألا ترى أن الأسير إذا أسلم خرج أن يكون أسيرًا وصار كسائر المسلمين وكعبيدهم. 19978 - قالوا: يجوز للإمام أن يسترق الأسير إذا رأى ذلك مصلحة لا يجوز أن يقتله فإذا استرقه جاز أن يهرب فيلحق بدار الحرب فيعود حربيًا وكذلك إذا رأى رده مصلحه ليأخذ به جماعة من المسلمين وجب أن يجوز ذلك. 19979 - قلنا: إذا استرقه فقد جعله دينًا من أهل الدار وذلك يخرج به أن يكون محاربًا لأن المسلمين يحرسون دار الإسلام ولا يمكنوا عبيدهم من اللحاق بدار الحرب وجواز أن يلحق أمر نادر باد ولا يؤثر في الأمر الظاهر فإذا رده إلى دار الحرب فقد مكنه من اختياره وأعاده حربيًا على حالته الأولى وذلك معصية فلم يجز أن يعجل الضرر بالمسلمين لمصلحة ترجوها فيظنها يجوز أن تكون ويجوز أن لا تكون، فأما تخليص أسرى المسلمين (فهي عبادة) وأمر يستحق به الثواب فلا يجوز لنا أن نفعل المعصية لخلاصهم كما لا يجوز أن نرد المرتدين عليهم ليخلص المسلمين وقول مخالفنا أن المن يؤدي إلى استصلاح الكافر ورغبته في الإسلام وكفه عن الحرب ليس بصحيح؛ لأنه يجوز أن يعاود الحرب ويسري كما فعل أبو عزة حين من النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر فعاد إلى مكة وقال سحرت محمدًا فعاد لقتاله (يوم أحد) فإذا كان التجويز حاصلاً لم يجز إسقاط الحق عن رقبته المعنى يجوز لا دليل عليه.

مسألة 1007 مقدار هم الفارس من الغنيمة

مسألة 1007 مقدار هم الفارس من الغنيمة 19980 - قال أبو حنيفة (رضي الله عنه): للفارس سهمان من الغنيمة سهم له وسهم لفرسه. 19981 - وقال أبو يوسف ومحمد ثلاثة أسهم سهم له وسهمان لفرسه. 19982 - وبه قال الشافعي. 19983 - لنا: قال تعالى: {واعلموا إنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه} ظاهرها يقتضي تساوي الغانمين في الغنيمة. 19984 - لأنه تعالى أضافها إليهم على وجه واحد فأقام الدليل على استحقاق الفارس بزيادة سهم واحد فأثبتاه بالإجماع ونفى ما سواه على مقتضى الظاهر. 19885 - ويدل عليه ما روى ابن المبارك ومحمد بن الحسن عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمران أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسم للفارس سهمين وللراجل سهمًا وروى محمد بن الحسن عن مجمع بن يعقوب بن مجمع عن أبيه عن جده قال: شهدت خيبر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت سهام خيبر على ستة عشر سهمًا وكانت الخيل ثلاثمائة فرس وأعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - الفارس سهمًا وفرسه سهمًا.

19986 - وروى مكحول أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أسهم للفارس سهمين وروت كريمة بنت المقداد عن أبيها المقداد بن الأسود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أسهم له يوم بدر سهمًا ولفرسه سهمًا، ولأنه مملوك يستحق به جزء من المغنم فلا يزيد على سهم مالكه (كالعبد وإن قيل فلم تجز التسوية بينه وبين مالكه) كالعبد لم يصح هذا القلب؛ لأن المملوك دون منزلة من المالك وإذا لم تجز التسوية بينهما فأولى أن لا تجوز زيادة التابع على المتبوع فصار هذا القلب مبطلاً بقولهم. 19987 - ولأن عندنا يجوز أن يدفع إلى العبد من الخمس والأربعة الأخماس كان ذلك علة مبتدأه. 19988 - ولأنه حيوان يستحق به سهم من المغنم فلا يزاد على سهم واحد كالآدمي (ولأن الآدمي) يقاتل بنفسه والفرس لا يقاتل بنفسه وإنما يتبع غيره فإذا لم يستحق الآدمي أكثر من سهم فالفرس أولى ولأن التابع لا يزاد على المتبوع في الاستحقاق. 19989 - ألا ترى أن نفقة الخادم لما كانت تابعة لمنفعة الزوجة لم يجز أن يزاد عليها والصبي والعبد لما كان تابعًا لفرسه. 19990 - فإن قيل: عناء الفرس أكثر من عناء الفارس لأنه يحمل الفارس وآلته ويحصل عليه الكر والفر والنجاة والإدراك. 19991 - قلنا: هذه المعاني كلها لا تحصل بالفرس لولا الفارس فصار تابعًا فيها له. 19992 - فإن قيل: هذا المعنى الذي ذكرتموه لم يمنع من التسوية بين الفرس والفارس كذلك لا يمنع التفضيل.

19993 - قلنا: القياس الذي ذكرناه يمنع التسوية فإذا جازت التسوية بالإجماع عدلنا عن مقتضى القياس فلم يجز إثبات الزيادة على موجب القياس. 19994 - ولأن كل بهيمة لو نفق فيها قبل تقضي القتال لم يستحق به (سهمان لم يستحق به) وإن بقي كالبغل والبعير. 19995 - ولأنه تابع في الحرب فلم يجز أن يستحق به سهمان كالفرس إذا نفق قبل تقضي القتال. 19996 - احتجوا بما روى عبيد الله بن عمر العمري عن نافع عن بن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل للفارس ثلاثة أسهم سهم له وسهمان لفرسه. 19997 - قلنا: هذه رواية أبي أسامة وابن نمير عن عبد الله العمري. 19998 - وقد روى ابن المبارك عن عبيد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل للفارس (سهمًا ولفرسه) سهمًا قال علي بن المديني عن يحيي بن سعيد القطان قال سألت عبيد الله العمري عن حديثه للفارس سهمان فقال: عن نافع مرسل وقد اتفق يحيي بن سعيد وابن المبارك في رواية سهمين للفارس وهما أثبت من أبي أسامة ومن غيره.

19999 - وقال علي بن المديني سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول حدثني سليم بن حصين عن عبد الله بن عمر بن نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسم (في الأنفال) للفارس سهمين وللراجل سهمًا. 20000 - قال عبد الرحمن سالت سفيان عنه فقال قد سمعت منه ولكن خالفوني فيه فهذا يدل على أن سفيان اعتد بخلاف من خالفه في الرواية عن عبيد الله وإذا اختلف عنه سقط الاحتجاج به. 20001 - احتجوا: بحديث ابن عباس أنه قال قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهمًا. 20002 - والجواب أن حديث ابن عباس قد طعنوا على ابن أبي ليلى فيه وذكره الدارقطني برداءة الحفظ فكيف يحتجون به. 20003 - وروى كثير مولى بني مخزوم عن عطاء، عن ابن عباس وكثير هذا مجهول عند أصحاب الحديث لا يحتج به. 20004 - وقد روينا في قصة غنايم بدر ما يخالف هذا وهو حديث المقداد وإسناده أصح من هذا فتعارض الخبران ثم احتجاج مخالفنا بقسمة بدر لا يصح؛ لأن عندهم أن الغنايم بها كانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطي منها من شاء فكيف يحتج بزيادة السهم ونقصانه وهل هذا إلا غفلة منهم؟. 20005 - قالوا: روي أن الزبير كان يضرب من المغنم بأربعة أسهم سهمين له

وسهمين لفرسه لأنها من ذوي القربى. 20006 - قلنا: هذا الخبر رواه الزهري عن مالك وأصحاب الحديث يضعفونه عن مالك ولا يحتجون بروايته ورواه إسماعيل بن عياش عن هشام بن عروة وأصحاب الحديث منهم من لا يقبل إسماعيل بن عياش بوجه ومنهم من يقبلها عن الشاميين خاصة وهذا ما يرويه غير الشاميين ورواه أيضًا سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن عروة وهو ثقة إلا أنه خالفه من هو أجل منه وأضبط وهو سفيان بن عيينة فرواه مقطوعًا لا يحتج به على أصولهم. 20007 - واحتجوا: بحديث أبي رهم قال: شهدت أنا وأخي خيبر/. 20008 - ومعنا فرسان فقسم لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ستة أسهم للفرسين أربعة أسهم ولنا سهمين فبعنا نصيبنا ببكرتين وهذا يرويه إسحاق بن عبد الله بن فروة

وليس ممن يقبل حديثه وقد ذكر أصحاب الحديث في هذا الباب أحاديث لا يسوغ الاحتجاج بها وأمثالها ما قد حكينا وتكلمنا عليه وأخبارنا أولى من وجوه منها أن حديث مجمع بن يعقوب إمام مسجد التقوى يأم فيه أربعين سنة فروى عن أبيه عن جده وجده ممن جمع القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي خبره تاريخ؛ لأنه ذكر القسمة بخيبر وما رده مخالفنا رواه عن قسمة بدر وهي متقدمة أو أبهم الراوي التاريخ وخيبر مؤرخة متأخرة فالرجوع إليها أولى. 20009 - فإن قيل: قد روي أن الخيل يوم خبر كانت مائتين. 20010 - قلنا: المثبت أولى من المنافي. 20011 - والجواب: أن الأخبار لو تعارضت وتساوت والأصل أن لا تفضيل لظاهر القرآن وإن الفرس آلة لا يستحق به كما يستحق سائر الآلات التي هي الرماح والسيوف فإذا ورد وهو الأخبار فما يخالف من التفضيل منه المقدار المتفق عليه وأسقطنا الزيادة على ذلك لتعارض الإخبار فيها والثالثة أن (ليس بين الأخبار) تنافي بل يجب قبول جميعها وحملها على الصحة فيحمل ما روي من التفضيل منهم واحد على أنه بيان المستحق لا يجوز النقصان عنه وما روي من التفضيل سهمين أحدهما مستحق والآخر عن طريق النفل حثًا للناس على إيجاد المثل والقتال عليها. 20012 - ألا ترى أنه - عليه السلام - لا ينقص المستحق عن سهمه ويجوز أن يزيد على طريق النفل كما روي أنه أعطى سلمة بن الأكوع وكان راجلًا سهم للفارسين. 20013 - فإن قيل: لو كان ذلك من النفل ليتفضل بينه وبين المستحق. 20014 - قلنا: بيانه كذلك اقتصاره بالفارس على سهمين فإذا أعطاه أكثر من ذلك علم أنه نفل الزيادة وكيف وقد روى عبد الرحمن بن مهدي عن سليمان بن الحصين عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسم في الأنفال للفرس سهمين وللراجل سهمًا.

20015 - فهذا يدل على أن هذه القسمة كانت في النفل ذكر هذا الطحاوي بإسناده وجواب آخر أن الأخبار لما تعارضت في ذلك رجع أبو حنيفة إلى قسمة الأئمة فروى أبو حنيفة عن عبد الله بن داود عن المنذر بن أبي حمصة قال: بعثه عمر في جيش إلى مصر أو إلى الشام فأصابوا غنايم فقسم للفارس سهمين وللراجل سهمًا فرضي بذلك عمر وروى شعبة عن أبي إسحاق عن هانئ بن هانئ عن علي أنه قال: للفارس سهمان، وإلى هذا ذهب سعيد بن المسيب والحسن فكان ما قال به الأئمة من الأخبار أولى أن يعمل به قالوا مقدر زيد على مقدر على سبيل الرفق فوجب أن يكون بالضعف قياسًا على مدة المسح على الخفين. 20016 - قلنا: يبطل بالنصاب الثاني. في الزكوات بأن العتق بعد النصاب مقدر زيد عن طريق الرفق فلا يكون ضعفه في الإبل والبقر ولأن الوصف غير مسلم لأن سهم الراجل ليس هو الأصل بل سهم الفارس هو الأصل وسهم الراجل يقصر عنه؛ ولأن مدة المسح لا يجب استيقاؤها بل هو مخير إن شاء أتم ثلاثة أيام وإن شاء نقص منها فإن عللوا في مسألتنا الجواز. 20017 - قلنا: إذا زاده الإمام عهن طريق النفل ونقلب هذه العلة فتقول فجاز أن ينقص الزيادة على الضعف كمدة المسح قال مخالفنا مؤنه الراجل أكثر من مؤنه الفارس فوجب أن يكون سهمه أكثر. 20018 - قلنا: العبد قد يكون بمثل مؤنه الحر ولا يلحق سهمه بل ينقص عن مؤنه الرجل بل البغال والفيلة إذا حضرت الحرب مؤنتها أكثر من مؤنه الرجل والفرس فلا يستحق بها شيء بوجه فسقط اعتبار المؤنه بكثرتها. * * *

مسألة 1008 الفارس إذا دخل دار الحرب فنفق فرسه

مسألة 1008 الفارس إذا دخل دار الحرب فنفق فرسه 20019 - قال أصحابنا: إذا دخل دار الحرب فارسًا فنفق فرسه أو أخذه العدو فله سهم الفارس وإن باعه فيه روايتان. 20020 - أحدهما: أنه يستحق سهم الراجل. 20021 - وروى الحسن عن أبي حنيفة: أنه يستحق سهم الفارس ولو دخل راجلًا فابتاع فرسًا في دار الحرب فله سهم الراجل. 20022 - وقال الشافعي: المعتبر في استحقاق السهم حال تقضي الحرب فمن لا فرس معه في تلك الحال فله سهم راجل ومن كان معه فرس يمكنه القتال فله سهم فارس وإن دخل راجلًا. 20023 - لنا: ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل للفارس سهمين وللراجل سهمًا فلا يجوز أن يكون المراد بذلك فيما يغنم عنهم وقد أجمعوا أن المراد به بيان الحكم في المستقبل وكأنه قال للفارس فيما يغنم سهمان وهذا فارس عند الدخول فاستحق سهمين ومن دخل راجلًا فيجب أن يستحق سهمًا واحد يقتضيه الظاهر ولأن المقصود بالخيل ما يحصل بها من إرهاب العدو قال الله تعالى: {ومن رباط الخيل ترهبون به عدو

الله وعدوكم} والإرهاب يحصل بدخولهم ولأن العدو يستعمله وتلك الحال عدد الخيل والرجل (إذا حصل) المقصود من الخيل استحق السهم ولأنه دخل دار الحرب فارسًا قاصدًا للقتال فوجب أن يصرف له مع سهمه كما لو نفق فرسه إلى حين تقضي الحرب. 20024 - ولا يلزم من دخلها لغير القتال لأنا قلنا قاصدًا القتال ولا يلزم المستعير لأنه يصرف له. (سهم الفارس ولا يلزم إذا مات الفارس لأنا. قلنا: أنه يصرف له) سهمه سهم الفارس ومن مات لا يصرف له سهمه كذلك سهم الفرس ولا يلزم إذا باع الفرس؛ لأن سهمه لا يسقط في إحدى الروايتين وعلى الرواية الأخرى يستحق السهم وأسقطه بالبيع كما يسقط سهمه بالردة بعد استحقاقه. 20025 - ولأن فرسه نفق بعد دخوله دار الحرب فصار كما لو نفق بعد تقضي الحرب ولأنه دخل دار الشرك على منفعة يستحق بها سهم الفارس فوجب أن يستحق ذلك ما لم يسقط حقه عن الفرس وسهمه. 20026 - ولأن استحقاق الفارس إما أن يعتبر فيه الطرف الأول وهو حال دخولهم دارهم أو قتال عليه أو الطرف. الثاني وهو حال تقضي الحرب وبالتمكن من القتال عليه فلا يجوز اعتبار القتال لأن الرد يستحق سهم (ولم يقاتل على الفرس. 20027 - لأن من قاتل راجلًا بعد ربط فرسه يستحق سهم) الفارس باتفاق ولا يجوز اعتبار الطرف الآخر لأن الخيل يراد للإرهاب أو لمباشرة القتال وذلك يحصل قبل الطرف الآخر وقد تجوز اعتبار تمكن القتال عليه لأن المعير يتمكن من القتال على فرسه فلا يستحق سهم (الفارس فلم يبق إلا اعتبار الطرف الأول، وأما الفعل الآخر فلأنه دخلها راجلًا فلم يستحق سهم الفارس). كما لو ملك فرسًا بعد تقضي الحرب. 20028 - احتجوا: بقوله تعالى: {واعلموا إنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه} ظاهر الآية يقتضي تساوي الغانمين في الغنيمة. 20029 - والجواب أن الآية مشتركة الدليل لأنها تقتضي أن جميعهم إذا دخلوا فرسانًا فنفق فرس بعضهم ساواهم في أسهمهم وهذا خلاف قولهم. 20030 - قالوا: لو مات فرسه قبل انقضاء الحرب فوجب أن لا يستحق سهم

الفارس. (كما لو كانت الحرب في دار الإسلام. وربما قالوا إنه دخل في حالة انقضاء الحرب فوجب أن لا يستحق سهم الفارس). 20031 - قلنا: مقاصد الخيل توجد مع بقاء الحرب فأما مع انقضائها فقد استغنى عنه فاعتبار بقاء الخيل في حال استغناء الحرب وإسقاط حكمها في حال الحاجة إليها لا يصح ثم الأصل غير مسلم. 20032 - لأن عندنا إذا دخل العدو دارنا فمن خرج إليهم فارسًا فنفق فرسه استحق سهم الفارس ومن حضر العسكر فارسًا فرد فرسه وقاتل راجلًا استحق سهم الفارس ولا فرق بين دار الحرب في ذلك وبين دار الإسلام. 20033 - قالوا: الفرس يستحق به السهم كما يستحق بالعبد الرضخ ولو مات العبد سقط ما كان يستحق به كذلك موت الفرس. 20034 - قلنا: العبد هو المستحق وإنما انتقل المال منه إلى المولى فإذا فقد استحال أن يبتدي تمليكه بعد موته والفرس لا استحقاق له وإنما المستحق الفارس وهو من أهل الاستحقاق فلم يسقط حقه بموت الفرس. 20035 - قالوا: استحقاق الآدمي من استحقاق الفرس ثم لو مات الفارس قبل تقضي الحرب لم يستحق شيئًا كذلك إذا مات فرسه لم يستحق شيئًا. 20036 - قلنا: إذا مات الفارس فقد عدم المستحق حال الاستحقاق والموت يمنع انتقال الملك فلم يجب أن يسهم له وموت الفرس لا يمنع من انتقال الملك إلى الفارس. 20037 - ألا ترى أن سهم الراجل يثبت له وإذا كان المستحق باقيًا لم يبطل الاستحقاق بموت التابع له تبين ذلك أن الفارس إذا مات وبقي الفرس سقط سهم الفرس؛ لأن المستحق قد عدم فإذا بقي المستحق وبقي المستحق به لم يؤثر ذلك في استحقاقه. 20038 - فإن قيل: لو كان المعتبر بحال الدخول لوجب إذا دخل الصبي أو الذمي ثم بلغ الصبي وأسلم الذمي أن لا يستحقا السهم اعتبارًا بحال دخولهما. 20039 - قلنا: قد قال أصحابنا إن من جن بعد دخول دار الحرب أسهم له اعتبارًا بحال الدخول فإن بلغ قبل القتال يستحق السهم؛ لأنه دخل وليس هو من أهل / القتال

ولا من أهل السهم وإذا قاتل بعد كماله صار كما لو لحق في هذه الحال وكتجار العسكر وأما الراجل فقد دخل وهو من أهل القتال والسهم فاعتبر حال دخوله. * * *

مسألة 1009 لحوق المدد قبل إحراز الغنيمة

مسألة 1009 لحوق المدد قبل إحراز الغنيمة 20040 - قال أصحابنا: إذا لحق المدد قبل إخراج الغنيمة إلى دار الإسلام ولم يقسمها الإمام ولم يبعها شاركوا فيها. 20041 - وقال الشافعي: إن لحقوا في حال القتال فهم شركاء وإن لحقوا بعد تقضي الحرب وجمع الغنايم لم يشاركوهم وإن لحقوا بعد تقضي الحرب وقبل إحراز الغنيمة ففيه قولان: 20042 - لنا: ما روى أن ابني عامر قدما على النبي - صلى الله عليه وسلم - بخيبر بعد تقضي الحرب فأسهم لهما ولا يقال يحتمل أن يكونا ردًا لأن العادة أن الواحد والاثنين لا يقتصر عليهما في الرد ولأن الرد من كان حاضرًا ولا يقال فيه سهم بل كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من ابتداء الحرب. 20043 - ويدل عليه ما روى عبيد الله بن يزيد بن قسيط أن أبا بكر أمد المهاجرين

بأبي أمية وزياد بن لبيد وعكرمة بن أبي جهل مع خمسمائة نفر فلحقوا بعد ما فتحوا البحثر ثم أسهموا لهم من الغنيمة وروى زياد بن علاقة الشعبي أن عمر بن الخطاب كتب إلى سعد بن أبي وقاص إذا جاءك المدد قبل أن تقضي القتل فأشركهم في الغنيمة فإن قيل يحتمل أن يكون بطيب نفس العسكر. 20044 - قلنا: الأصل أن نفوسهم لم تطب فمن يدعي ذلك يحتاج إلى دليل ثم فقد روي ما يدل على صحة هذا روى عبد الرحمن بن أبي بكر عن الرحمن بن الحارث بن هشام أن أبا بكر أمر أن يسهم لعكرمة ولأصحابه.

20045 - فأبوا ذلك فراجعوا فيه أبا بكر فكتب إليهم أن أسهموا لهم وكذلك روي أن سعدًا راجع عمر في ذلك وكتب غليه يأمره أن يشرك المدد في الغنيمة. 20046 - فإن قيل: روى طارق بن شهاب أن أهل البصرة غزوا نهاوند فأمدهم أهل الكوفة فظهروا فأراد أهل البصرة أن لا يقسموا لأهل الكوفة فقال رجل من بني عطارد أيها الأجدع تريد أن تشاركنا في غنايمنا فقال حتى أني سببته فكتب في ذلك إلى عمر فكتب عمر أن الغنيمة لمن شهد الوقعة. 20047 - قلنا: مطالبة عمر بالقسمة تدل على أنه يرى ذلك وقول عمر إنما كان لأنهم حضروا بعد تقضي الحرب وبعد ما قارب الدار دار الإسلام فكان ما نقلنا من المشاركة حجة لنا وما نقلوه من منع الغنيمة لا حجة لهم فيه. 20048 - ولأن الغنيمة أحرزت إلى دار الإسلام بظهرهم وتركهم فاستحق السهم إذا كان قصدهم القتال كما لو لحقوا قبل تقضي الحرب. 20049 - ولا يلزم الأسير إذا لحق بهم من دار الحرب لأن قصده لم يكن القتال وإنما لحق بهم ليتحصن ويخلص نفسه من قهر الكفار ولأن كل حالة يجوز للعسكر الانتفاع بالطعام والعلف من الغنيمة إذا لحقهم مدد جاز أن يشركهم فيها كحال القتال. 20050 - ولأنه قاصد للحرب شاركهم في حيازة الغنيمة إلى دار الإسلام فوجب أن يشاركهم فيها كالرد. 20051 - ولأنه كل من جاز أن يستحق السهم إذا حضر الوقعة جاز أن يستحق وإن لم يحضرها كالرد وكما لو قسم الإمام العسكر طائفتين فدخلوا دار الحرب من طريقين فغنمت إحدى الطائفتين. 20052 - ولا يلزم الأسير لأنه يجوز أن يستحق عندنا وإن لم يحضر القتال إذا دخل مع العسكر فأسر ثم يلحق المسلمين بعد تقضي الحرب.

20053 - قيل: الحيازة استحق أسهم ولأن المسلمين إذا أحرزوا الأموال ثم لحقهم مدد فقاتلوا حتى غلبوا على البقعة استحقوا السهم من الأرضين فكل من استحق السهم في أرض الحرب استحق من المال المغنوم في تلك الكرة كسائر العسكر. 20054 - والدليل على استحقاقه منهما في الأرضين أنهم قاتلوا عليها فملكت بمعونتهم. 20055 - ولأنه دخل دار الحرب قتال. 20056 - قبل أن يتعين حق في الغنيمة فصار كما لو دخل في حال القتال ولا يلزم الأسير لأنه لم يدخل دار الحرب وإنما انتقل فيها من مكان إلى مكان. 20057 - ولا يلزم إذا دخل بعد القسمة؛ لأن حق الغانمين تعين بما يقسم في إبعاضها. 20058 - احتجوا: بما روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (الغنيمة لمن شهد الوقعة). 20059 - والجواب: أن هذا محفوظ عن عمر ولو ثبت فهو مشترك الدليل لأنه يقتضي أن المدد إذا لحق وقد غلبوا على الغنايم ثم عاد الكفار وقاتلهم المسلمون أن يستحق المدد؛ لأنهم حضروا الواقعة وهذا خلاف قولهم. 20060 - ولأن هذه اللام ليست لام لأن التمليك لا يثبت لغير معين وإنما يقتضي بثبوت الحق. 20061 - وعندنا من حضر الوقعة فحقه ثابت في الغنيمة وذلك لا ينفي ثبوت حق من لم يحضرها بدلالة الرد. 20062 - وأهل الخمس. 20063 - قالوا: روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث أبان بن سعيد على سرية قبل نجد فقدموا على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد فتح خيبر. قال أبان أن يسهم لهم فلم يسهم. 20064 - والجواب أن خيبر كانت لأهل الحديبية خاصة ولهذا ضرب النبي - صلى الله عليه وسلم -

خاصة لمن شهدها من أهل الحديبية. 20065 - (وروى أبو بردة عن أبي موسى قال: قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقسم لنا ولم يقسم لأحد لم يشهد الفتح غيرنا وإنما كان كذلك لأنهم كانوا من أهل الحديبية) وقد كان الله تعالى وعد أهل الحديبية فتح خيبر بقوله: {وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها} فإذا اختصت القسمة بأهل الحديبية جاز أن تكون لم قسم لأبان وأصحابه لأنهم لم يشهدوا الحديبية لا لما قال مخالفنا. 20066 - وجواب ثاني: وهو أن خيبر فتحت فصارت دار الإسلام وزالت يد الكفار عنها وعندنا إذا لحق المدد في هذا الحال لم يشاركوا وصار الخبر واردًا في موضع إجماع. 20067 - قالوا لحقوا الجيش بعد انقضاء الحرب فصار كما لو لاقوهم والعسكر في دار الإسلام. 20068 - قلنا: إذا كان القتال في ظاهر دار الإسلام فتقضي الحرب إنما يكون بانصراف أهل الحرب عن دارنا ومتى كان كذلك فقد أمن عودهم في الظاهر وصار كمن لحق العسكر بعد إخراج الغنيمة إلى دارنا. 20069 - وأما إذا انقضت الحرب في دار الحرب فلم يغلب على الدار فكرة العدو غير مأمونة لأن قتالهم عن أموالهم ونسبتهم أعظم وإذا لم يؤمن العود في الغائب فالمدد قد حضر في حال الحاجة إليه فصار كما لو حضر مع بقاء الحرب. 20070 - قالوا: لحقوا بعد انفصال القتال وصاروا كالأسرى إذا هربوا من أهل

الحرب فلحقوا العسكر. 20071 - قلنا: الأسرى لم يلحقوا قصدًا للجهاد والمقاتلة وإنما لحقوا لتخليص أنفسهم ولهذا لم يشركوا والمدد لحق للقتال في حال تدعو إليه الحاجة فصار كما لو لحقوا في حال القتال ولهذا المعنى. * * *

مسألة 1010 أهل سق العسكر إن قاتلوا

مسألة 1010 أهل سق العسكر إن قاتلوا 20072 - قال أصحابنا: أهل سوق العسكر إن قاتلوا استحقوا السهم وإن لم يقاتلوا فلا شيء لهم كذلك الأسرى والتجار إذا لحقوا بالعسكر ولم يكونوا دخلوا معهم دار الحرب. فإن قاتلوا استحقوا. 20073 - وهذا أحد قولي الشافعي وقال في القول الآخر يستحقون في الوجهين. 20074 - لنا: أن حال التاجر مخالفة لحال العسكر بدلالة أنه لم يقصد بدخوله الجهاد وإنما قصد التجارة فنقصت حاله في الجهاد بدلالة قوله - عليه السلام -: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لك امرئ ما نوى) وإذا نقصت حالة لم تساوي المجاهدين كالصبي والمرأة لما نقصت حالهما في الجهاد عن الرجال بدلالة أنهم لا يخرجون إلا عند الضرورة إن لم يجز أن يساووهم في الاستحقاق. 20075 - ولأن العبد والمرأة قد وجد منهما القصد إلى الجهاد واستحقاق الثواب بقصدهما إلا أن منزلتهما لما نقصت عن غيرهما لم يساوي فمن لم يقصد الجهاد لم يستحق الثواب بالحضور أولى أن تنقض منزلته. 20076 - ولأنه لم يحضر القتال ولا وجد منه القتال فصار كالمحتارين بموضع الحرب والتجارة. 20077 - ولأن التاجر والأسير إذا خرج ليتخلص لم يستحق الثواب بالحضور فلم يساوي العسكر في الغنيمة كالكافر. 20078 - احتجوا: بقوله - عليه السلام -: (الغنيمة لمن شهد الوقعة). 20079 - والجواب أن المريض شهدها مقاتلًا للكفار بدلالة أن أهل الحرب قد شهدوها ولا حق لهم فيها لأنهم لم يحضروا قتال الكفار/.

20080 - استحقوا وإذا كان هو المراد بالإجماع صار كالمنطوق به في الخبر. 20081 - قالوا كل من لا يستحق السهم الكامل فإذا قاتل استحقه إذا حضر ولم يقاتل كسائر العسكر. 20082 - قلنا: يبطل بالمحتارين ولأن سائر العسكر حصلت لهم فضيلة الجهاد قاتلوا أو لم يقاتلوا واستحقوا السهم والتاجر والأسير لم تحصل لهم فضيلة الجهاد قصدًا ولا فعلًا فلم يجز إن شاركوا في غنيمة المجاهدين كما لو لحق الأسير بعد الحرب. * * *

مسألة 1011 القسمة في دار الحرب

مسألة 1011 القسمة في دار الحرب 20083 - قال أصحابنا: لا ينبغي للإمام أن يقسم في دار الحرب حتى يخرج إلى دار الإسلام. 20084 - وقال الشافعي يقسمها هناك. 20085 - لنا: ما روى جبير بن مطعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: حين صدر يوم حنين وهو يريد الجعرانة سأله الناس حتى دنت ناقته من شجرة سلب بزاوية حتى نزعته من ظهره فقال عليه السلام: (ردوا علي ردائي أتخافون أن لا أقسم بينكم ما أفاء الله عليكم والذي نفسي بيده لو أفاء الله عليكم مثل سمر تهامة نعمًا لقسمته بينكم في البأس) فقال: (ثم لا تجدوني بخيلًا ولا جبانًا ولا كذابًا) فلما نزل قام في الناس فقال: (ردوا الخيط والمخيط فإن الغلول نار وعار وشنار على أهل يوم القيامة) ثم تناول بيده شيئًا من الأرض أو وبرة من بعيره وقال: (والذي نفسي بيده ما أفاء الله عليكم ولا مثل هذه إلى الخمس والخمس مردود عليكم) فأخر - عليه السلام - القسمة مع المطالبة وهو لا يؤخر الحق عن مستحقه مع المطالبة فدل أن القسمة لا تجوز في دار الحرب وإنما قسم في الجعرانة لأنها كانت يومئذ دار إسلام. 20086 - ولأنه - عليه السلام - فتح الطائف قبل ذلك وكانت مكة مفتوحة والجعرانه بينهما ومن توابعها. 20087 - وذكر محمد عن رافع بن خديج أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قسم غنايم بدر (بعد ما

رجع إلى المدينة مع أنه يحكم وتأخيره على من يستحقه لا يجوز. 20088 - روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قسم غنائم بدر) في شعب من شعاب بدر يقال له: الصفراء. 20089 - قلنا: يحتمل أن يكون قسمها معًا: فدل أنه قسمها بالمدينة قسمة تمليك في حال القتال. 20090 - فإن قيل روى عبد الله بن عمر قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بدر في ثلاثمائة وخمسة عشر حفاة عراة فدعا لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (اللهم إنهم حفاة فأحملهم، وعراة فألبسهم، وجياع فأشبعهم فانقلبوا حيث انقلبوا ومع كل واحد منهم الجمل والجملان. 20091 - وهذا يدل على أنهم انقلبوا بعد القسمة (ليحملوها ثم قسمها بالمدينة قسمة تمليك في حال القتال ليجمع بين الخيرين يبين ذلك أن العين المأخوذة من المحل كانت بالمدينة قبل خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى بدر ورافع يقول قسمها). 20092 - وعن علي قال أصبت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (شارفًا يوم بدر. 20093 - قلنا: يجوز أن يكون أصابوا هذا من الأنفال؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم -) قال: (من أخذ شيئًا فهو له) ولأنها مال ويجوز الانتفاع بالعلف والطعام فلا يجوز القسمة كحال الوقعة. 20094 - قالوا: المعنى في حال الوقعة أن الأسير إذا لحق يسهم له. 20095 - قلنا: إذا حضر حال القتال فقاتل استحق وإن لم يقاتل يستحق (وكذلك إذا لحق بدار الحرب فلم يقاتل لم يستحق وإن كثر الكفار عليهم فقاتل استحق). 20096 - ولأن الحيازة بدار الإسلام لم توجد فلا يجوز القسمة كحال الحرب. 20097 - فإن قيل: المعنى في حال الحرب بيانه لم يثبت للغانمين حق التمليك. 20098 - قلنا: لا نسلم ذلك لأن الأخذ (يثبت بالأخذ) ويستقر بالحيازة

ويهلك بالقسمة. 20099 - قالوا: والمعنى في حال القتال أن الإمام لو قسمه لم تصح قسمته وبعد تقضي الحرب لو قسم جازت قسمته. 20100 - قلنا: لا ينبغي أن يقسم في الحالتين فإن فعل جاز في الموضع المختلف فيه؛ لأن حكم الحاكم في موضع الخلاف ينعقد ولا ينعقد في موضع الاتفاق. 20101 - وهذا الاختلاف لا يمنع اعتبار أحدهما بالآخر في اعتبار القسمة كما قاس مخالفنا البيع الفاسد على البيع بالميتة. 20102 - وإن كان الحاكم لو حكم بوقوع الملك في أحد الموضعين نفذه وفي الموضع الآخر لا ينفذ. 20103 - ولان دار الحرب توهم والمملوك ما دام فغي حكم يد من ملك عليه لم يجز قسمته كالمبيع في يد البايع. 20104 - ولأن الغنيمة في دار الحرب تعرض الزيادة منها فلم يجز قسمتها كحال القتال ولأن القسمة في دار الحرب تضر بالمسلمين؛ لأنهم نصبوا بعد القسمة ما لا يمكن قسمته كالفرس الواحد أو السيف فتوضع في بيت المال. 20105 - ومتى أخر القسمة لم يسقط حق الغانمين عما يوجد فكان تأخير القسمة أولى. 20106 - ولأن القسمة تمنع من ثبوت حق المدد وذلك يوجب تأخر المدد عنهم في حالة لا يؤمن كبر العدو فيها فيضر ذلك بهم وفي تبقيه الغنيمة استلحاق المدد وذلك أنفع للغانمين فكان أولى. 20107 - فإن قيل المدد عندنا لا يستحق بعد تقضي الحرب. 20108 - قلنا ما لم يسقط تقسم حقهم ولا ينقطع، لأن الأمير لو قسم له جاز وبعد القسمة انقطع حقهم، لأنه لو أشركهم مع غيرهم لم يجز. 20109 - احتجوا: بما روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (قسم غنايم بدر ببدر) وقد أجبنا عنه. 20110 - واستدلال مخالفنا بقسمة بدر لا يصح لأنها كانت للنبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة

عندهم وله أن يتصرف فيها كيف شاء. 20111 - قالوا: روى أنه قسم غنايم حنين فيها، وقسم غنايم بني المصطلق في مكان الغنيمة. 20112 - وقال الأوزاعي ما قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غنيمة قط إلا في دار الحرب. 20113 - قلنا: هذه المواضع فتحت وصارت دار الإسلام فالقسمة فيها وفي المدينة سواء ولهذا - عليه السلام - قسم أراضي خيبر فيها فلو لم يضر دار إسلام لم يقسمها. 20114 - والكلام في قسمة الأموال في حالة لا تجوز قسمة الأرضين فيها. 20115 - فأما قول الأوزاعي فهو معارض لما روي عن مكحول أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقسم غنيمة قط في دار الحرب معناه أنه قسم في مواضع فتحت وغلبت على أرضها. 20116 - قالوا كل موضع يجوز فيه الاغتنام يجوز فيه الاقتسام كدار الإسلام. 20117 - قلنا: نقول بموجب العلة لأن المسلمين لو أخرجوا الغنيمة إلى دار الإسلام ثم أعادها الإمام على دار الحرب جاز أن تقسم هناك ولأن الشيء قد يهلك في محل لا يجوز أن يقسم فيه بدلالة أن البائع يتملك المبيع فيها ولو اقتسمها المتبايعان في يد البايع لا يصح. 20118 - ولأن المعنى في دار الإسلام أن الجند يستنصرون المدد عنهم (وفي دار

الحرب يستنصرون بانقطاع المدد عنهم) فلم تجز القسمة أو نقول: المعنى في دار الإسلام أنها منفعة يجوز قسمة أرضها فجاز قسمة الغنايم فيها ودار الحرب لا يجوز قسمة أرضها قبل الفتح فلم تجز قسمة الغنايم فيها. 20119 - قالوا: كل موضع صحت فيه القسمة لم يجز فيه القسمة كدار الإسلام. 20120 - قلنا: عن أردتم بالصحة جواز الفعل لم نسلم ذلك وإن أردتم بعد القسمة فلان ذلك موضع الاجتهاد وليس إذا نفذ الشيء في موضع الاجتهاد دل على أن فعله جائز. 20121 - قيل: حكمه بين ذلك أن الإمام لو نفل أهل راية مما يصيبون فأصابوا لهم شيئًا فقسموه لم تصح قسمته بينهم عندنا ولو قسم الحاكم يصح. 20122 - ولان المعنى في دار الإسلام أنها بقعة لا يصح الانتفاع بها بالعلف والطعام فجازت الغنيمة فيها فلما كانت دار الحرب لا يجوز الانتفاع (فيه بالعلف والطعام لم تجز القسمة فيها فقالوا: إنما جوز الانتفاع في) دار الحرب للضرورة وذلك لا يوجد في دار الإسلام. 20123 - قلنا: ولو كان كذلك لاحتسب به في قسم من يأكل لان الضرورة في التناول لا في الاحتساب. 20124 - قالوا: والطعام يجوز قسمته في دار الحرب لأنه إذا جاز أن ينتفع به فأولى أن يجوز قسمته ثم جواز الانتفاع لم يمنع من جواز قسمته فلان لا يمنع قسمة غيره أولى. 20125 - قلنا: غ، ما يجوز الانتفاع به عندنا على أصل الإباحة فإن أراد قسمته لم يجز كما أن الانتفاع بالحطب والحشيش جائز فلو قسم ذلك قبل الحيازة لم يجز فلم يجز. 20126 - قالوا: هذا يبطل إذا لم يجد الإمام محملًا للغنايم جازت القسمة مع جواز الانتفاع بالعلف. 20127 - قلنا نما يقسم الإمام حملها بينهم فإذا خرج استرجع وقسمها قسمة التمليك فلم يلزم ذلك على ما قلناه. * * *

مسألة 1012 من مات من الغانمين في دار الحرب

مسألة 1012 من مات من الغانمين في دار الحرب 20128 - قال أصحابنا: من مات من الغانمين في دار الحرب قبل القسمة سقط حقه. 20129 - وقال الشافعي: إذا مات بعد تقضي الحرب فحقه لورثته. 20130 - لنا: ما روى الحسن بن ذكوان أن علي بن أبي طالب قال من مات من الغانمين قبل إحراز الغنيمة بدار الإسلام لا تعطي له. 20131 - ولا يعتبر فيها حق لأحد فلم تتوارث كالمأخوذ على القيام. 20132 - احتجوا: بأنها تجوز قسم الغنايم فيها فمن مات انتقل حقه منه إلى ورثته كما لو مات في دار الإسلام. 20133 - والجواب: أن دار الإسلام لا يجوز الانتفاع بالعلف والطعام فلم يورث حق الميت. 20134 - قالوا لو مات بعد قسمة الغنايم ورث فإذا مات قبل القسمة وجب أن يورث كدار الإسلام. 20135 - قلنا: إذا قسمت ففد تعين حق الغانمين فيها فملكوا بالقسمة فيورث ما ملكوه وقبل القسمة لم يتعين له حق ولا حصل في بالحيازة في دار الإسلام كحال القتال وهذه المسألة مبنية على أن الغانمين لا يستقر حقهم بالأخذ حتى ينضم إليه بالحيازة والحقوق/ التي لم تستقر لا تورث كخيار القبول.

مسألة 1013 تقسيم الخمس

مسألة 1013 تقسيم الخمس 20136 - قال أصحابنا: الخمس ينقسم على ثلاثة أسهم لليتامى والمساكين وابن السبيل فمن كان من ذوي القربى بهذه الصفة دخل من جملة المستحقين. وكان أبو بكر الرازي يقول: كان لذوي القربى زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنصرة وبعده بالفقر. 20137 - وقال الشافعي: لهم خمس بخمس يستحقونه بالاسم يستوي فيه فقيرهم وغنيهم ويقسم بينهم للذكر مثل حظ الاثنين ويكون ذلك لبني هاشم وبني عبد المطلب فلا يستحقه بنو أمية ولا بن نوفل، ويستحقه من ينسب إلى هؤلاء بابن، فلا يستحق ولد البنات شيء منه. 20138 - لنا: قوله تعالى: {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول

ولذي القربى} ثم قال {كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم} فأمر القسمة على وجه لا يكون دولة بين الأغنياء. 20139 - ولو قلنا أنه يستحق بالاسم استحقه الغني فصار دولة بين الأغنياء. 20140 - فإن قيل منع الله إنما يضرب له من ضرب جمعية إلى الأغنياء وعندنا أكثره للفقراء وأقله للأغنياء فلا يخاف مما تقول الآية. 20141 - قلنا: هذا مذكور على وجه التعليل فنصرف تلك إلى الجملة وكل جزء منها كما لو قال ادفعه إلى بني فلان كي لا يصل إلى الكفار اقتضى ألا يجوز صرف الجملة ولا بعضها إلى الكفار. 20142 - وروى أبو يوسف عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن الخمس الذي كان يقسم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على خمسة أسهم لله وللرسول ولذي القربى واليتامى سهم وللمساكين سهم وابن السبيل سهم ثم قسم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي (على ثلاثة أسهم لليتامى والمساكين وابن السبيل. 20143 - وقال الرازي حدثني مصعب بن ثابت عن عروة بن الزبير أن أبا بكر وعمر وعليًا) جعلوا هذين السهمين على اليتامى والمساكين والعدة في سبيل الله. 20144 - وكان ابن عباس يقول دعانا عمر إلى أن ننكح منه أراملنا ونخدم منه عيالنا ونقضي منه غارمينا فأبينا عليه إلا أن يسلمه كله إلينا فأبى علينا.

20145 - وذكر أبو إسحاق الفزاري في سيره عن إسماعيل بن أمية عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن يزيد بن هرمز قال كتب بجدة إلى ابن عباس فسأله عن الخمس لمن هو فقال ابن عباس: ألف ما تريد أما الخمس فإنا كنا نرى أنه لنا وقد أبى علينا قومنا ذلك. 20146 - قال أبو إسحاق عن زائدة عن الأعمش عن المختار بن صيفي عن

يزيد من هرمز قال: كتب بجدة إلى ابن عباس وذكر الحديث وقال أما الخمس فيزعم أنه لنا ويزعم قومنا أنه ليس لنا. 20147 - قال أبو إسحاق الفزاري حدثنا سفيان الثوري عن قيس بن مسلم قال سألت الحسن بن محمد عن قول الله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأنا لله خمسه} قال مفتاح كلام الدنيا والآخرة ثم اختلفوا في هذين السهمين بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سهم الرسول وسهم ذي القربى قال قائل منهم: سهم الرسول للخليفة بعده، وقال قائل منهم: سهم ذي القربى لقرابة الخليفة فأجمع رأيهم أن جعلوا هذين السهمين للخيل والعدة في سبيل الله فكان ذلك في خلافة أبي بكر وعمر. 20148 - قال أبو إسحاق قال حصين حدثني محمد بن إسحاق قال سألت أبا جعفر: كيف كان علي يصنع بالخمس؟ فقال: سلك بها سبيلهما أو قال طريقهما. أنه كان يكره أن يدعى عليه خلافهما. وإذا قسم الأئمة الراشدون على خلاف قولهم لم يعتد بقولهم. 20149 - فإن قيل: قد نقلتم أن الخلفاء قسموا الخمس على ثلاثة أسهم فليس فيه إسقاط ذوي القربى فيجوز أن يكونوا أخذوا أحد الثلاثة. 20150 - قلنا: لو كان كذلك لأسقطوا سهمًا أجمعوا على إثباته أعني اليتامى والمساكين وابن السبيل فعلم أن الثلاثة لم يكن فيها ذوي القربى ويدل عليه أن أهل السيرة اتفقوا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نقل الخمس بهوازن ولم يدفع منه إلى هاشمي شيئاً ولو كان حقًا لهم لم يجز أن يسقط حقهم. 20151 - وقسم - صلى الله عليه وسلم - خيبر فلم يجعل للعباس شيئًا فيها هذه رواية ابن إسحاق

وقسم لفاطمة عليها السلام ولم يقسم لبنته زينب ولا أم كلثوم وقد كانت هذه القسمة في سنة سبع وماتت زينب في سنة ثمان وماتت أم كلثوم في سنة تسع ولو كان هذا الخبر للجماعة لم يجز أن يخص فاطمة ويمنع أختها وكذلك لم يقسم في خيبر للحصين بن الحارث بن المطلب ولا لأخت الطفيل بن الحارث وقد شهد معه بدرًا وسائر المشاهد وماتا في خلافة عثمان وأعطى - صلى الله عليه وسلم - من خيبر لبنات أخيها عبيدة بن الحارث وأعطى بنت الطفيل دونه وهذا أمر ظاهر في إبطال قولهم ثم لا شبهة لمن نظر في السيرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسو بينهم قط ولا أعطى الذكر منهم حظ الأنثيين فدل على بطلان قولهم. 20152 - يبين ذلك ما روى شعبة عن الحكم قال سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى يحدث عن علي أن فاطمة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - تشكو إليه ألماً في وقد بلغها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتاه سبي فأتت فاطمة تطلب خادمًا فلم يلقها ولقيتها عائشة فأخبرتها الحديث فلما جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرته بذلك فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد أخذنا مضاجعنا فقال: (مكانكما) وقعد بيننا وقال: (ألا أدلكما على خير مما سألتما تكبران الله أربعًا وثلاثين وتسبحانه ثلاثًا وثلاثين وتحمدانه ثلاثُا وثلاثين إذا أخذتما مضاجعكما فإنه خير لكما من خادم). 20153 - وروى حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن أبيه عن علي بن أبي

طالب أنه قال لفاطمة ذات يوم: قد جاء أباك بسعة ورقيق فأتيه فاستخدميه فذكرت ذلك له فقال (والله لا أعطيكما وأدع أهل الصفة تطوي بطونهم ولا أجد ما أنفق عليهم ولكن أبيعها وأنفق عليهم ولو كان لها في الخمس شيء لم يمنعها منه لأن أهل الصفة تطوي بطونهم ولأنه جزء من الخمس فلا يستحقه الأغنياء. 20154 - فإن قيل: عندكم لا حق لهم فكيف يصح الوصف. 20155 - قلنا: عندنا لهم جزء فيستحقونه بالفقر كما يستحقه سائر الفقراء. 20156 - فإن قالوا نقلب فكان ذلك سهمًا ثابتًا أبدًا. 20157 - قلنا: كذلك نقول لفقراء ذوي القربى سهم ثابت أبدًا لا يسقط وكما حرم على أغنياء غير بني هاشم حرم على أغنيائهم كالصدقات. 20158 - فإن قيل: عندنا لا تحرم الصدقات على الأغنياء، لأن العامل يأخذها مع الغني. 20159 - فلنا: من سوى هؤلاء من الأغنياء حرمت عليه الزكاة بإجماع كذلك يحرم عليهم الخمس. 20160 - ولأن بني هاشم يحرم عليهم ما أحل لغيرهم من الأموال وهي الزكاة مع الفقر فلأن عليهم ما حرم على غيرهم أولى. 20161 - ولأنهم فريق سهموا في الخمس فكان الفقر شرطًا في استحقاقهم كاليتامى والمساكين وابن السبيل ولأنهم عوضوا بالخمس عن الزكاة. 20162 - بدلالة ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (أليس في خمس الفيء ما يغني عن غسالة أيدي الناس). 20163 - وعن عطاء بن أبي رباح أنه قال: (إن الله حرم الصدقة على بني هاشم وعوضهم عنها بالخمس). 20164 - ومعلوم أن أغنياءهم كانوا لا يستحقون فتبين أن الخمس لمن حرمت

الصدقة عليه وهم الفقراء. 20165 - الغني تحل له الصدقة عندنا إذا كان عاملًا أو غارمًا. 20166 - قيل لهم يكفي الاستدلال أن الغني إذا لم توجد فيه هذه الصفات يجب أن لا يستحق الخمس الذي هو عوض كما لم يكن لهم حق في الصدقة التي هي العوض. 20167 - احتجوا: بقوله تعالى: {لله خمسه وللرسول ولذي القربى}. 20168 - قالوا: فأثبت لهم حقًا بلام التمليك ومتى أضيف المملوك إلى من يصح أن يملك أفلا ذلك الملك كقولنا هذه الدار لزيد. 20169 - قالوا: ثم عطف عليهم اليتامى والمساكين بواو العطف فالظاهر الاشتراك. 20170 - ولأنه علق الاستحقاق باسم القرابة فمن قال أنه لا يتعلق بالاسم وإنما يستحق بالفقر فقد خالف الظاهر. 20171 - والجواب: أن هذه الآية لا دلالة لمخالفنا فيها. 20172 - لأن الظاهر يدل على استحقاق ذوي القربى وليس فيها قربى/ النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا قربى المسلمين بل الظاهر أن المراد قربى الغانمين لأن الخطاب لهم، قال الله تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة}. وهذا خطاب للمسلمين ثم قال: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه} وهذا يتناول أمر الله بالقتال ثم قال: {ولذي القربى} معنى قرابة المخاطبين. 20173 - يدل ذلك على أن كل موضع ذكر الله قربى فيها فلما أراد قربى المسلمين ولم يرد قربى النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما بين الله تعالى أن الخمس إلى خلاف ما كان يصرف للرباع إليه في الجاهلية بأن يخص بذلك من شاء منهم فأخبر الله تعالى أن الخمس للمسلمين ولهذا قال عليه السلام: (مالي فيما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود فيكم). 20174 - وأما قوله أنه عطف على اليتامى والمساكين فالظاهر أنه يفيد الاشتراك وكذلك نقول أو ذوي القربى من المسلمين إذا كانوا من أهل الحاجة شاركوا اليتامى والمساكين.

20175 - وقربى النبي - عليه السلام - منهم. 20176 - وأما قولهم إنه على الاستحقاق بالاسم فليس بصحيح لأن ذلك خلاف الإجماع. 20177 - وكذلك من يستحق بالاسم وقد حرم النبي - عليه السلام - من بني عبد شمس وهو أخو هاشم لأبيه فسقط اعتبار القرب (باتفاق. 20178 - ولأن الاستحقاق) بمعنى آخر بين ذلك أن الله ذكر في الآيات اليتامى فلم يستحقوا بالاسم بل بالفقر كذلك ذوي القربى على أن الآية دلالة. لنا أنه تعالى قال: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه} والأموال المضافة إلى الله تعالى هي المرصدة للقرب المعدة لها. 20179 - فإن قيل لو كان كذلك لم يعطفوا قوله وللرسول ولذي القربى ولكان يقول: {فإن لله خمسه وللرسول}. 20180 - قلنا: قد تذكر الواو في اللغة والمراد إلغاؤها قال الله تعالى: {ولقد أتينا موسى وهارون الفرقان وضياء} والواو ملغاة ومعناه الفرقان ضياء. 20181 - قالوا: روى الزهري عن سعيد بن المسيب عن محمد بن جبير بن مطعم قال لما وضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سهم ذوي القربى في بني هاشم وبني المطلب وترك بني نوفل وبني عبد شمس انطلقت أنا وعثمان وعلي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله هؤلاء بنو هاشم لا ينكر فضلهم للموضع الذي وضع الله بها منهم فما بال إخواننا بني المطلب أعطيتهم وتركتنا وقرابتنا واحدة فقال - عليه السلام -: (أنا وبني المطلب لا نفترق في جاهلية ولا إسلام وإنما نحن وهم شيء واحد) وشبك بين أصابعه. 20182 - وقوله (لما وضع رسول الله) سهم ذوي القربى يدل على أن لهم سهمًا

وأخبر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قسمه على بني هاشم وبني المطلب فدل أنهم ينفردون وأخبر أن قسمه بالقرابة والتمس عثمان حقه وهو من ألسن الناس فلم يدفعه النبي - صلى الله عليه وسلم - باتفاق وإنما دفعه بأمر آخر ولو كان للفقراء لقال: لا حق لك فيه. 20183 - ولأن الاستحقاق لو كان بالفقر لم يمنع بنو نوفل وبني عبد شمس لأن الفقير فيهم موجود. 20184 - والجواب: أن هذا الخبر دليلنا لأن عثمان ظن أن الاستحقاق للقربى وهو أقرب من بني المطلب فلما علق - عليه السلام - الدفعة بين القرب دل على بطلان قولهم ولو استحقوا بالقربى لم يأخذ الأبعد وبين الأقرب فلهذا الخبر قال أبو بكر الرازي أنهم استحقوه في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالنصرة فلهذا قال: (إنا لم نفترق في جاهلية ولا إسلام) لأنهم خرجوا مع بني هاشم إلى الشعب. وهذا المعنى قد سقط بمعنى من حضره. فإن قيل: ليس يمتنع أن يثبت بالنصرة لم يثبت لأبنائهم لشرف الآباء. 20185 - قلنا: بقاء الحكم مع زوال العلة يحتاج إلى دليل، فر د الأئمة القسمة لهم يدل على أنه لم يثبت للأبناء. 20186 - فأما قولهم: أن الخبر دل على ثبوت السهم لهم والنبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاهم؛ لأن تدبير الخمس كان عليه فأعطاهم للمصلحة، وهذا معنى إضافة الخمس أنه وقف على تدبيره فلهذا قال: (مالي فيما أفاء الله عليكم إلا الخمس وهو مردود فيكم) فأضاف جميع الخمس إلى نفسه ثم أخبر أنه مردود في المسلمين فدل أنها إضافة التصرف والتدبير. 20187 - ولهذا قال الله تعالى في ابتداء الفيء: {وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} فبين أن له تدبير الفيء وكذلك نفل جميعه يوم هوازن ولم يدفع منه شيئًا إلى بني هاشم والنبي - عليه السلام - دفع إلى ذوي القربى على هذا الوجه فظن عثمان أنه قسم له سهمًا والأمر بخلاف ذلك لأنه لم ينقل قط أنه عمهم به ولا سوى بينهم فيه وقوله أن قسمته بين بني هاشم وبني المطلب يدل على أنهم ينفردون به غلط؛ لأنه

دفع جميعه في هوازن إلى أهل مكة دونهم ولو كان حقاً لهم لم يصرف عنهم. 20188 - فأما قولهم إن عثمان التمسه منه فلأنه ظن أنه استحق القربى فرد - عليه السلام - ذلك ويجوز أن يكون التمسه لقومه لا لنفسه. 20189 - وقولهم إن النبي - عليه السلام - دفعه بمشاركة بني المطلب لبني هاشم ولو كان يستحق بالفقر لقال أنت غني. 20190 - ولأن النبي - عليه السلام - ذكر المعنى المانع لاستحقاقه في ج=ميع الأحوال غنياً كان أو فقيراً وتعلق الحكم بأعم العلتين أولى. 20191 - ولأنه ذكر المعنى لم يدل على سقوط حق غيره وذكر معنى يعم جميع بني أمية. 20192 - وقولهم لو كان أعطى (بالفقر لم يمنع بني عبد شمس وبني نوفل ليس بصحيح لأنهم يستحقونه) بالفقر مع الفقر والنبي - عليه السلام - دفعه إلى بني هاشم للمصلحة لا بالفقر وعلق ذلك بمعنى لا يوجد في غيرهم. 20193 - قالوا: روى ابن أبي ليلى قال سمعت عليًا يقول: اجتمعت أنا والعباس وفاطمة وزيد بن حارثة عند الرسول - صلى الله عليه وسلم -. فقلت: يا رسول الله إن رأيت أن توليني حقنا من الخمس في كتاب الله وأقسمه حياتك كي لا ينازعني أحد بعدك قال: (افعل) فقسمته حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم ولاية أبي بكر حتى كانت آخر سنة توفى فيها عمر فاتاه مال كثير من الأهواز والسوس فأرسل إلي فقلت: بنا عنه العام غني وبالمسلمين الآن حاجة فاردده إليهم ثم لم يدعوني إليه أحد بعد عمر فلقيت العباس بعد ما خرجت من عندهم فقال: يا علي حرمتنا الغداة شيئاً لا يرد علينا أبداً وكان رجلًا داهيًا. فدل هذا الخبر على ثبوت السهم وعلى أنه لا يسقط بموت النبي - عليه السلام -. 20194 - لأن عليًا قال لا ينازعني فيه أحد بعدك ودل على الإجماع لأن أبا بكر وعمر ولياه ذلك. 20195 - قلنا: هذا الخبر لم يرويه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى غير عبيد الله بن

عبد الله الرازي وهو ممن لم يخرجه أحد في الصحيح ولا يعرف فكيف يثبت مثل هذا الحكم بروايته ولو كان هذا صحيحًا لنقل تولية النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي عن طريق الاستفاضة ولذكر من مفاخره ولاشتهر الأمر فيه لأنه يقسمه في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسمة ظاهرة على قومه فلما لم ينقله الأمر إلا من طريق لا يعرف لم يجز الرجوع إليه ولو ثبت احتمال أن يكون - عليه السلام - جعل إليه قسمة ما يقرره لهم في حال حياته وقد بينا أن تدبير الخمس كان إليه وكان يعطي مرة من يرى منهم فلا يعطي مرة فجعل ذلك المقرر لهم إليه يقسمه بينهم. 20196 - فأما قولهم أن تولية أبي بكر وعمر له ذلك إ^جماع ليس بصحيح. 20197 - لأن أبا بكر سوى بين الناس وجعل القرشي والهاشمي فيه سواء ولم يفرد لأحد حقًا به ولا فضله فيه هذا أمر مشهور منقول عن طريق الاستفاضة. 20198 - فأما عمر بن الخطاب ففضل في القسمة بين الناس، فجعل لعلي بن أبي طالب خمسة آلاف دينار ولسائر أهل بدر كذلك، وألحق الحسن والحسين بأهل بدر لمكانهما من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفرض للعباس اثني عشر ألفًا وفرض لأسامة بن زيد أربعة آلاف، فقد سوى أبو بكر بين الناس ولم يفضل أحدًا، وهذا يدل أنه كان لا يرى القرابة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سهمًا. وهذا عمر لما رأى التفضيل لم يفضل بالقرابة فلو استحق بالقرابة شيئًا لفضله عليهم. 20199 - ثم تحمل علي بن أبي طالب مما عملا به فلم يخالفهما كما قدمنا فكيف نتابع هذا الإجماع ولو كان ما قالوه صحيحًا لم يقل ابن عباس كنا نرى أنه لنا، وقد أبي ذلك قومنا فدل على أنه لم يرد له حقًا وهذا الخبر لو ثبت فهو من أدل الدليل عليه لأن عندهم هذا السهم يستحق بالاسم ويملكه بنو هاشم وبنو المطلب غنيهم وفقيرهم، وعلق على من زعموا بل عليهم فكيف يصرفه عنهم لحاجة المسلمين بغير

اختيارهم والعباس ينكر ذلك وهو منهم فدل أن هذا ليس تملكًا لهم وإنما يستحقونه بالحاجة. 20200 - ولهذا قال على تصرف إلى من هو أحوج منهم ثم كيف يقول علي: إني التمست من النبي - صلى الله عليه وسلم - الولاية حتى لا ينازعني أحد فيها ثم لا نقول ولا من أبي بكر وهو مستغني عن تولية أبي بكر بتولية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعلم أن هذا مناقضة، وقد ذكر أبو داود الخبر المشهور في قصة عبد المطلب بن ربيعة والفضل بن العباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ولي على الخمس محمية بن جزء وهو رجل من زبيد فهذا يدل على أن عليًا لم يتولاه وقد ذكروا في هذا الخبر أن عمر قال لعلي بالمسلمين صلة وأني أعوضكم عن حقكم فمات تلك السنة فلم يعوضهم وهذا لم يذكره أبو داود ولا ذكره من موضع معروف وهو لا أصل له لأن في الخبر أن المال كان من فتح الأهواز والسوس، وقد فتح عمر بعد ذلك سجستان وإلى بكران فكيف يموت تلك السنة قبل أن يعوضهم فعلم أن هذا خبر مضطرب لا حجة لهم فيه، وقد ذكر أبو داود بإسناد صحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أصاب شيئًا فانطلقت إليه فاطمة بنت الزبير فشكيا إليه فسألناه أن يأمر لهما بشيء من السبي فقال - عليه السلام -: سبقكن يتامى بدر). ولو كان لذي القربى سهم مقدر لم يمنعهن لأجل اليتامى قالوا كل من لا تحل له الصدقات المفروضات بحال كان له سهم من الخمس كالنبي - عليه السلام -. 20201 - قلنا: نقول بموجبه لأن الفقراء منهم لهم سهم من الخمس يستحقونه بشرط الحاجة وكذا النبي - عليه السلام - يستحق بالحاجة تصرف من الخمس في مصالحه وما زاد على قدر حاجته يصرف إلى المسلمين فلا فرق بين الأصل والفرع ولأن الصدقة إنما حرمت على فقرائهم فأما الأغنياء فهم في تحريم الصدقة كسائر المسلمين. 20202 - قالوا: صنف من أهل الخمس لهم سهم فوجب أن يكون لهم على التأييد كابن السبيل واليتامى.

20203 - قلنا: عندنا منهم له سهم فحقه متأبد لا يسقط والأغنياء لا حق لهم ولا يوصف حقهم بالتأييد ثم سائر أهل السهام دلالة لنا لأنهم يستحقون منهم لأجل الحاجة: (كذلك هو لا يستحقونه بشرط الحاجة). * * *

باب قسم الصدقات

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد باب قسم الصدقات

مسألة 1014 زكاة الأموال الظاهرة

مسألة 1014 زكاة الأموال الظاهرة 20204 - قال أصحابنا: زكاة الأموال الظاهرة إلى الإمام فإن أخرجها أربابها إلى الفقير لم يسقط الغرض في حق الإمام. 20205 - وهو قول الشافعي (رضي الله عنه): في القديم. 20206 - وقال في الجديد: إذا فرقها بنفسه على الفقراء جاز. 20207 - لنا: قوله تعالى: {خذ من أموالكم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} فأمره - صلى الله عليه وسلم - بالأخذ ويستحيل أن يؤمر بذلك وقد أمر بالدفع والأمر على الوجوب فإذا ثبت وجوب الدفع إليه، لم يسقط الوجوب بغير ذلك. 20208 - فإن قيل: أنه مأمور يأخذ صدقة المال الباطن، وإن كان لنا تفريقه. 20209 - قلنا: عندنا لا يجب عليه أخذه ولكنا إذا دفعناه كان له الأخذ وجاز أن لا يأخذ فلذلك يجوز لنا الدفع إليه ولا يجب عليه أن يفرقها بنفسه سقط حق العامل

المفروض له وهذا خلاف القرآن. 20210 - فإن قيل: العامل يستحق بعمله فإذا لم يعمل كالقاضي يستحق النفقة وإن اصطلحوا الخصوم ولم يرتفعوا إليه فلا يقال أنه يستحق بعمله فإذا لم يعمل لم يستحق. 20211 - قلنا: إن أبا بكر الصديق قاتل الناس على منع الزكاة وقال: (لو منعوني عناقًا وروى عقالًا كانوا يؤدونه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلهم عليه) وهذا بحضرة الصحابة من غير نكير، فدل أن حقه ثابت في المطالبة. 20212 - فإن قيل: إنما قاتلهم بالردة ومنع الزكاة. 20213 - قلنا: علق القتال بمنع الزكاة منه، ولم يقل لو منعها الفقراء. 20214 - قالوا: وجب تعليق الحكم بالعلة. 20215 - ولأن في العرب من يجحد الزكاة وإنما امتنع من دفعها إلى غير النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: قد كان يدعو لنا. 20216 - وقد قاتل الجميع فدل على ثبوت حق المطالبة للإمام. 20217 - ويدل عليه قوله - عليه السلام - لمعاذ (أعلمهم أن الله افترض عليهم حقًا في أموالهم يؤخذ من أغنيائهم ويرد على فقرائهم) فدل على أن هذا الحق ثبت فيه فلا بد في المطالبة والصرف. 20218 - ولأنه قول الإمام المطالبة وصرفه إلى المسلمين فلا يجوز لمن وجب عليه إخراجه بنفسه كأهل الذمة إذا دفعوا الجزية إلى الإمام. 20219 - ولأنه حق الله تعالى علقه بالمال الظاهر وكان استيفاؤه إلى الإمام

كالخراج والعشر. 20220 - ولأنه دفع الزكاة إلى من لا يثبت له حق المطالبة بها فلم يسقط ذلك حق الإمام كما لو دفعها إلى غني باجتهاد. 20221 - ولأن الإمام يلي على الفقراء، لان التصرف لا يصح من جماعتهم لكثرتهم فولي الإمام عليهم في حقوقهم فجميع المسلمين يلي الإمام عليهم في حقوقهم وإن كانوا أهل رشد لأنهم لا يقدرون على التصرف لكثرتهم وإذا ثبت له ولاية عليهم لم يجز قبضهم إلا بتولية في الدفع كالوصي العالي على اليتيم. 20222 - ولأنه مال للإمام أن يطالب به بحق المسلمين كالخراج والجزية. 20223 - احتجوا بقوله تعالى: {إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم}. 20224 - والجواب: أن هذه الآية وردت في صدقة النافلة التي إخفاؤها أولى من إظهارها فأما الفريضة فإظهارها أولى وهذه كالصلاة يستحب إظهار الفرض في الجماعات ويستحب إخفاء النوافل وفعلها في البيوت. 20225 - وقولهم: إن إخفاء الفرض أفضل غلط؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - طالب بالصدقات وبعث السعاة عليها. 20226 - ولا يجوز أن يدعو إلى ترك الفضيلة فعلم أن الإظهار أولى. 20227 - فإن قيل: الآية تقتضي جواز التفريق والفضيلة دلت الدلالة على إسقاط أحدهما وبقي الآخر. 20228 - قيل له: فأنتم حملتم اللفظ على العموم في الصدقة والفريضة والنافلة وخصصتم اعتبار الفضيلة. 20229 - ونحن حملنا الآية على النافلة ونفينا ظاهر الآية من غير تخصيص فتساوينا ووقف استدلالكم. 20230 - قالوا: مال يخرج على سبيل الطهر فوجب أن يكون لمن وجبت عليه أن يتولى تفرقته بنفسه كالكفارات.

20231 - قلنا: لا يمتنع أن يكون طهره دار ووقف على الإمام كالحدود والمعنى في الكفارات أن الإمام لا يملك المطالبة بها فلم يقف أداؤها عليه فلما ملك المطالبة بالزكاة وقف سقوط فرضها على قبضه. 20232 - قالوا: كل من كان له صرف زكاة المال الظاهر إليه كالإمام. 20233 - قلنا: المعنى في الإمام أنه له قبض الجزية وصرفها إلى مستحقها فملك قبض الزكاة. وغير المولى لا يملك قبض الجزية فلم يملك قبض الزكاة إلا بإذن الإمام وتوليته. 20234 - قالوا: حق يخرج باسم الزكاة (وغير المولى لا يملك) فكان لرب المال أن يتولى تفرقته بنفسه كزكاة المال الباطنة. 20235 - قلنا: المعنى في زكاة المال الباطني أنه يشق على أرباب الأموال فتبع المصدقين لأموالهم، فقاموا الإمام في التفرقة للمشقة ولهذا إذا طهر المال ونقل من بلد إلى بلد أخذ العامل زكاته وهذه المشقة غير موجودة في المال الظاهر فكان حق القبض إلى الإمام. 20236 - فإن قيل: لو كان صاحب المال يؤدي الزكاة بتوكيل الإمام جاز عزله. 20237 - قلنا: وكلهم عثمان بن عفان لمعنى. وهذه المشقة تلحقهم، فكيف يجوز أن يعزلوا مع بقاء المعنى الموجب للتوكيل في مصلحة المسلمين؟. 20238 - فإن قيل: كيف يجوز أن يفوض الإمام إخراج الزكاة إلى الفاسق؟ وصاحب المال قد يكون فاسقًا. 20239 - قلنا: الفاسق يمنع من توليته للتهمة وهو لا يتهم هاهنا. 20240 - لأنه إن دفعها إلى مستحقها سقط فرضه وإن لم يخرجها لم يسقط الفرض عنه. 20241 - قالوا: كل من وجب عليه حق وكان له دفعه إلى غيره ليصرفه إلى مستحقه كمن عليه دين. 20242 - قلنا: يبطل بأهل الذمة إذا دفعوا الجزية إلى المجاهدين لم يجز ولو دفعوها

إلى الإمام ودفعها إليهم جاز. 20243 - فإن قالوا: وصل الحق غلى مستحقه (جاز له دفعه بنفسه إلى مستحقه). 20244 - قلنا: يبطل بالجزية وتغريم اليتيم (إذا دفع الدين إلى اليتيم). 20245 - فإن قالوا: الإمام له رأي في الجزية يصرفها فيما يرى من المصلحة. 20246 - قلنا: وكذلك للإمام رأي في الفقر أنه يزيد واحد أو ينقصه آخر. 20247 - فإن قالوا: اليتيم ليس من أهل الرشد. 20248 - قلنا: والفقراء مولي عليهم لأنهم لكثرتهم لا يقدرون على التصرف في مصالحهم (فولي عليهم) كما يلي الإمام على جماعة المسلمين في حقوقهم؛ لأنهم لكثرتهم لا يقدرون على النظر فيها. * * *

مسألة 1015 دفع زكاة المال إلى صنف واحد

مسألة 1015 دفع زكاة المال إلى صنف واحد 20249 - قال أصحابنا: إذا دفع الرجل زكاة ماله إلى صنف واحد جاز والأصناف المذكورة في الآية جهة التصرف وإلى أيها دفع الزكاة جاز. 20250 - وقال الشافعي: الزكاة حق لجماعتهم فإذا أدى الرجل لم يكن له يد من استيفاء الأصناف فقسم صدقته على سبعة أصناف. 20251 - لأن العامل يستحق ما لم يعمل ويدفع كل قسم غلى ثلاثة من الأصناف فغن اقتصر على صنف واحد من نصيب الباقين وإن لم يوجد بعض الأصناف فسقط حكمه ووجب أن يقسم الصدقة على بقيتهم. 20252 - لنا: قوله تعالى: {وفي أموالهم حق للسائل والمحروم} والحق هو الزكاة وقد أضافه إلى صنفين فدل على انه يجوز دفع جميعه إليهما. 20253 - ويدل عليه قوله - عليه السلام -: (أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم واردها في فقرائكم) فأخبر انه مأمور بردها في صنف واحد فقال لمعاذ: أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم. 20254 - وهذا يدل على جواز الاقتصار على صنف واحد فإن قيل إنما قصد بها

أن يبين أنه لا حق لهم في الصدقات وإنما هي مردودة في المسلمين. 20255 - قلنا: بل المقصود منها بيان جهة الاستحقاق وجواز/ الصرف إلى هذا قليل. 20256 - وروى عطاء عن سعيد بن جبير عن علي وابن عباس قالا: (إذا أعطى الرجل صدقة صنفًا واحدًا من الأصناف الثمانية أجزأه). 20257 - وروي مثل ذلك عن عمر بن الخطاب وحذيفة وعن سعيد بن جبير وإبراهيم وعمر بن عبد العزيز وابن العالية. 20258 - وروى الثوري عن إبراهيم بن ميسرة عن طاووس عن معاذ بن جبل (أنه كان يأخذ من أهل اليمن العروض والزكاة ويجعلها في صنف واحد من الناس ولا يعرف له مخالف في السلف فصار ذلك إجماعًا). 20259 - لا يسع خلافه ذكر هذه الأخبار أبو بكر الرازي في أحكام القرآن. 20260 - ولأنها صدقة واجبة فجاز صرفها غلى صنف واحد كالكفارة. 20261 - ولأن من جاز صرف الزكاة عليه جاز صرفها إليه كالأصناف فإن المعنى في الكفارات وجوبها لا يعم فلم يعم تصرفها والزكاة تعم وجوبها فعم صرفها. 20262 - قلنا: صلاة الجنازة لا يعم وجوبها وصلاة الفرض يعم وجوبها وجهة أدائها واحدة ثم الزكاة يعم وجوبها فلا يجب تعميم الفقراء بها ولكنهم جهة كذلك الأصناف. 20263 - ولا يجب تعميمهم بها وإن كانوا جهة للأداء. 20264 - ولأن الإمام يجوز له صرف صدقة الواحد إلى صنف واحد كذلك يجوز لرب المال صرفه إلى من يصرفه الإمام إليه؛ لأنه قائم في التصرف مقامه.

20265 - ولأن من جاز للإمام صرف زكاة الواحد عليه جاز للواحد صرفها إليه أصله كأصناف. 20266 - فإن قيل: الإمام يملك الدفع إلى الجماعة فهو يخص صنفًا واحدًا لصدقة واحدة ثم يصرف إلى الصنف الآخر صدقة أخرى. 20267 - لأنه يملك القسمة وصاحب المال لا يملك القسمة وهذا كما يملك الإمام قسمة الغنيمة فتفرد الواحد يغير منها. 20268 - وإن كان الواحد لا يملك أن ينفرد بأحدهما. 20269 - قلنا: لو كان الإمام يدفع على القسمة لاعتبر فيه التعديل كما يعتبر في الغنيمة ولما لم يعتبر التعديل دل على أن ذلك ليس هو على وجه القسمة. 20270 - احتجوا بقوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء}. 20271 - قالوا: ومتى أضيف ما يملك إلى من يصح أن يملك كانت اللام لذلك كقوله هذه الدار لزيد وعمرو. 20272 - والجواب: أن اللام في اللغة لا تفيد أكثر من الاختصاص قال الله تعالى: {أن لهم النار} وقال {ولهم عذاب أليم} وقوله: {والطيبات للطيبين} وقد يكون الاختصاص ملكًا وقد يكون غير ملك وعندنا الاختصاص وهو أن في هذه الجهات يختص الصرف فيها ولا يجوز أن يتعداها إلى غيرها. 20273 - فإن قيل: ظاهر الإضافة الملك بدلالة قولنا هذه الدار لزيد. 20274 - قلنا: الإقرار محمول على العرف والكلام في مقتضى اللفظ في اللغة وقد بينا أن اللام في اللغة لا تفيد الملك فلا معنى للاستدلال بحكم الإقرار في الشرع وبين ذلك أن الآية لو أفادت ما قال مخالفاً لوجب تعميم كل صنف حين الصدقة. 20275 - لأن الإضافة إلى جميعهم فلما جاز أن يقتصر على بعض الصنف دون بعض دل على أن الأصناف كما بينا من ثبوت الإضافة لو اقتضت التمليك حتى

تجب التسوية بين الأصناف لوجب أن يستوي بين آحاد كل صنف. 20276 - فلما جاز أن يفضل بعض الفقراء على بعض كذلك يجوز أن يجعل بعض الأصناف (على بعض). 20277 - وأما قولهم: أن الإضافة إذا حصلت فيما يملك إلى من يصح أن يملك أفادت التمليك فهو الدليل عليهم. 20278 - لأن الإضافة حصلت إلى من لا يحصى وإلى من يوجد من الفقراء إلى قيام الساعة وهؤلاء لا يصح أن يملكوا الصدقة فقد حصلت الإضافة إلى من صح أن يملك فلم تكن للتمليك. 20279 - كقولنا سرج الدابة وقبض العبد. 20280 - قالوا: ذكر الله تعالى في الآية الفقراء والمساكين وكل واحد منهما يغني عنهما لأنه لو أوصى للفقراء جاز أن يعطي المساكين فلو كان الذكر ببيان جهة الصرف لاقتصر على أحدهما. 20281 - قلنا: الفقير اسم عام يتناول المسكين، والعرب تذكر العام فتؤكده بالخاص كقوله تعالى: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} وكقوله: {وملائكته ورسله وجبريل ومكائيل} فلما كان المسكين أشد فقرًا من الفقير ذكره بعده تأكيدًا له وتنبيهًا على الاهتمام به. 20282 - قالوا: قال الله تعالى: {فريضة من الله} والفريضة في اللغة: التقدير، وفي الشرع الإيجاب. 20283 - قلنا: عندنا أن الله تعالى فرض الصدقات وخص بها هذه الأصناف حتى لا يجوز تجاوزهم إلى غيرهم وقدر ذلك لهم حتى لا يسوغ تعديهم فلم يكن لمخالفنا فيه دلالة. 20284 - قالوا: روى زياد بن الحارث الصدائي قال: (أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

وبايعته فأتاه رجل وقال أعطني من الصدقة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله تعالى لم يرض بحكم نبي ولا غيره بالصدقات حتى حكم فيها هو فجزأها ثمانية أجزاء فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك). 20285 - فلما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - (أن الله تعالى جزأ جميع الصدقات أجزاء). 20286 - قلنا: كذلك نقول، والخلاف أن كل جزء منها يجب أن يقسم على تلك الأجزاء أم لا؟ فليس وجب صرف الصدقات إلى الأصناف ما يجب أن يصرف كل جزء منها إلى جميع ذلك كما أن الصدقات يجب أن يستغرق نصيبها الفقراء وأما قوله: (إن كنت منهم أعطيتك حقك). 20287 - فهذا يدل أن الواحد من الفقراء أحق وكذلك نقول: إن له حق في جواز الصرف إليه فأما الوجوب فلا يقوله أحد ألا ترى أن رب المال له أن يعدل تركاته عن آحاد الفقراء إلى غيرهم. 20288 - قالوا: مال مضاف إلى أصناف شرعًا فكانت إضافة استحقاق وتمليك لا محل كالخمس من الفيء والغنيمة. 20289 - قلنا: لا فرق بينهما لأن الخمس جهة صرف إلى الأصناف بمعنى: الآية لا يجوز أن يصرف إلى غيرهم ولو اقتصر الإمام على جنس منهم جاز كما لو اقتصر على عدد منهم جاز فلم يجز استغراق جميع الخمس فهو كاللام لا فرق بينهما. 20290 - قالوا: الفقراء صنف من أهل الصدقات فلا يجوز (دفع الزكاة إليه) الزكاة مع القدرة على غيره كالعاملين. 20291 - قلنا: العاملين يسقط حقهم مع القدرة عليهم. 20292 - ألا ترى أنهم إذا لم يعملوا أخر أرباب الأموال الصدقة إلى الإمام

ففرقها لم يستحقوا فلما جاز أن يسقط حقهم مع قيام الوجوب جاز أن يخصوا بها ولأن العامل يستحق جزءًا منها لقيامه مصالح المسلمين فلا يجوز أن يعود تصرفها. 20293 - قالوا: مال يجعل الأصناف بأوصاف بلفظ يوجب الجمع والتشريك فلا يجوز تخصيص بعضهم به كما لو أوصى بثلث ماله إلى الفقراء والفقهاء والقرابة كفقراء بني هاشم. 20294 - قلنا: لا يخلو أن يكون كل طائفة من هؤلاء تحصى (ولا تحصى). 20295 - فإن كانوا يحصون فالإضافة للتمليك فلا يجوز أن يخصص صنف منهم كما لا يجوز أن يخصص عدد منهم بل يجب استغراق جميعهم وإن كانوا لا يحصون فهو مسألتنا ويجوز أن يقتصر على كل صنف منهم. 20296 - كما يجوز أن تقتصر على عدد من كل صنف دون سائرهم كما لو قال أوصيت بثلث مالي لعبد لم يجز صرفه غلى غيره. 20297 - كذلك إذا قال لفقراء الفقهاء وهم لا يحصون لم يجز أن تعمم وجاز أن يقتصر على بعضهم كذلك إذا ذكر أصنافًا لم يجب أن يستغرقهم ويكون فائدة التخصيص في قوله: فقراء الفقهاء أنه لا يتعداهم ثم لا فرق عندنا بين الوصية والزكاة. 20298 - لأنه إذا قال وصيت بثلث مالي لفقراء الفقهاء وجب صرف جميع الثلث إليهم. كذلك عندنا يجب صرف جميع الصدقات إلى الأصناف والخلاف بيننا في صرف صدقة الواحد فأما جملة الصدقات فتصرف إليهم كالوصية.

مسألة 1016 تصرف الصدقة لأهل البلد

مسألة 1016 تصرف الصدقة لأهل البلد 20229 - قال أصحابنا: الأولى أن تصرف صدقة كل بلد لأهل بلده ولا تنقل عنها إلا أن يكون النقل إلى قوم هم (إليها أحوج) إليها أو ينقل الرجل الزكاة إلى ذوي أرحامه فإن نقل الزكاة لغير هذين الوجهين كره ذلك وأجزأه. 20300 - وهو أحد قولي الشافعي. 20301 - وقال في القول الآخر لا يجزيه وعليه الاعتماد. 20302 - لنا: قوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} وهذا عام في جميع الفقراء وقال {وفي أموالهم حق للسائل والمحروم}. 20303 - وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم واردها في فقرائكم) وهذا خطاب للمسلمين فكأنه قال وأردها في فقراء المسلمين وهو عام. 20304 - فإن قيل: نقل الصدقة مكروه عندكم فكيف يحمل عليه الظاهر؟ قلنا لا يكره النقل عندنا إلى من هو أحوج ولا إلى ذي الرحم فيستدل بالظاهر في جواز النقل في هذين الموضعين وهو خلاف قولهم. 20305 - فيدل عليه ما روى ابن طاووس أن معاذ قال لأهل اليمن: (أئتوني

الخميس واللبيس آخذه منكم في الصدقة مكان الذرة والشعير فإنه أيسر عليكم وأنفع لمن بالمدينة من المهاجرين والأنصار) فأخبر أن ينقل الصدقة إلى المدينة وإن كان في زمن أبي بكر فهو إجماع. 20306 - ولا يقال: أن هذا كان في الجزية؛ لأنه قال في الصدقة والجزية ليست بصدقة. 20307 - ولأن الجزية باليمن كانت دنانير قال (- عليه السلام -) لمعاذ: (خذ من كل حالم وحالمة دينارًا) فكيف يأخذ؟ / الذرة والشعير وقولهم إن جزية بني تغلب تسمى صدقة؛ لأن تسمية بني تغلب لا يعتبر بها. 20308 - وقد قال عمر: (هذه جزية قسموها ما شئتم). 20309 - فإن قيل: من أين أنهم أعطوه؟ ومن أين لنا أن نغل؟ حتى تثبت الحجة بترك الإنكار. 20310 - قلنا: روى ابن طاووس (أن معاذًا كان يأخذ عروضًا في الصدقة). 20311 - فدل انه أخذها فالظاهر أنه نقلها كما أخبر. 20312 - فإن قيل: النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يفرقها فيهم. فكيف ينقلها. 20313 - قلنا: فهم من النبي (- صلى الله عليه وسلم -) أن النقل يمنع منه إلا أن يكون غيرهم أحوج كما قال مخالفنا: أن النقل جائز إذا لم يوجد في البلد مستحق. 20314 - فإن قيل: روى أن معاذًا قال: (من انتقل بصدقته من خلاف

عشيرته) (إلى غير خلاف عشيرته فصدقته مردودة في خلاف عشيرته). 20315 - قلنا: هذا دليل عليكم لظاهره يقتضي كونه في عشيرته وإن كانوا في غير موضع ماله. 20316 - ويدل عليه ما روي أن عدي بن حاتم (نقل صدقة طيئ إلى قومها من بلاد طيئ وبلاد بني تميم إلى أبي بكر الصديق، فاستعان بها على قتال أهل الردة)، وهذا يدل من فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر على جواز النقل. 20317 - فإن قيل: يحتمل ألا يكون هناك مستحق. 20318 - قلنا: يبعد أن تكون طيئ وبنو تميم وهما قبيلتان عظيمتان لا يوجد فيهما مستحق للصدقة وحمل الفعل على ما يبعد في الظاهر كحمله على ما يستحيل. 20319 - ولأنها صدقة الغير فلم تختص بفقراء بقعة بعينها كالكفارات ولان الدفع صادف الفقير فصار كما لو دفعها إلى فقراء البلد الذي وجبت فيه. 20320 - ولأن من جاز الدفع إليه إذا كان في غيره كما لو لم يجد في بلده مستحقًا.

20321 - ولأنه يجوز صرفها في فقراء مكان وجوبها فجاز نقلها إلى غيرهم، كما لو نقل من نواحي المصر إلى المصر. 20322 - وهذا أصل مسلم لان المصدقين كانوا يحملون الزكاة غلى النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة فتأهل ذلك المخالف وقال: يجوز من سواد المصر ونواحيه إلى المصر. 20323 - احتجوا: بحديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث معاذًا غلى اليمن وقال: (أدعهم إلى شهادة لا إله إلا الله فغن أجابوك فأعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم). 20324 - والكتابة ترجع إلى مذكور مقدم وهم أهل اليمن، فدل على أن صدقتهم تجب وضعها فيهم، وهذا يمنع نقلها إلى غيرهم من غير إقليمهم. 20325 - والجواب: أن الخبر يقتضي أن صدقة أهل اليمن في فقراء أهل اليمن سواء كانوا باليمن أم بالمدينة. 20326 - وعند مخالفنا لا يجوز النقل إلى فقير يمني إذا كان قد خرج من إقليم اليمن وصار الخبر حجة عليهم من هذا الوجه ويدل ظاهر الخبر على جواز نقل الصدقة من بعض بلاد اليمن إلى نفسها. 20327 - وهذا خلاف قولهم، فالخبر مشترك الدليل وكل من جوز النقل إلى فقير من أهل اليمن قال أن تخصص الصدقة بأهل اليمن استحباب. 20328 - فإن قالوا: إن ظاهر الخبر أن النقل لا يجوز إلى إقليم آخر لأجنبي وكل من منع هذا، قال لا يجوز النقل من اليمن إلى غيره، فلم يكن ذلك. 20329 - قلنا: نحن لا نسقط واحدًا منهم، بل نحمله على ما يتناوله النص على الفضيلة وكالاستحباب وما تناوله العموم على الجواز، وذلك أولى من استعمال أحدهما وإسقاط الآخر. 20330 - قالوا: صدقة مأمور بتفرقها في أهل بلد فوجب أن لا يجزيه تفرقها في بلد آخر كما لو أوصى بثلث ماله في فقراء أهل بلده.

20331 - قلنا: هذا أصل غير مسلم. 20332 - قال أبو يوسف: يجوز صرفها إلى فقراء بلد آخر وليس عن أبي حنيفة خلاف ذلك. 20333 - قالوا: نقل الزكاة من بلد المال إلى غيره مع وجود المستحق فيه فوجب أن لا يحتسب بها عن فرضه كما لو نقل زكاة مال الظاهر ففرقها. 20334 - قلنا: سقط فرضه فيما بينه وبين الله تعالى، وإنما الإمام بني عليه، والتعليل للاحتساب الإمام. 20335 - ألا ترى أن الفرع زكاة مال الباطن فلا مدخل للإمام فيها. 20336 - فإن قالوا: أصله إذا نقلها فأعطاها فأعطاه أغنياء الغزاة. 20337 - قلنا: المعنى فيه أنه دفعها إلى غني يده ثابتة على ماله وليس كذلك إذا دفعها إلى فقير. 20338 - لأن الدفع صادف الفقير كأهل بلده. 20339 - قالوا: حقوق الله تعالى ضربان: 20340 - ضرب على الأبدان وضرب على الأموال فلما كان في الضرب الذي في الأبدان ما يختص بمكان دون مكان. 20341 - قلنا: حقوق الأبدان إذا تعلقت بمكان لم يجز فعلها في غيره للضرورة ولما كانت الزكاة إذا وجبت في موضع جاز أداؤها في غيره إذا لم يوجد في موضع وجوبها مستحق على أنها لا تختص بالمكان ولأن حقوق الآدميين إذا وجبت بسبب معصية (جاز أن) تختص بمكان وكذلك لو وجبت بإيجاب الله تعالى لقال: إذا وجبت بسبب معصية وهي الكفارات لذلك وجب بإيجاب الله تعالى. * * *

مسألة 1017 من هو المسكين

مسألة 1017 من هو المسكين 20342 - قال أصحابنا: المسكين الذي هو أسوأ حالًا من الفقير. 20343 - وقال الشافعي: المسكين الذي له شيء والفقير الذي لا شيء له. 20344 - لنا: أن هذا قول الأئمة أهل اللغة السفراء بيننا وبين العرب الذي ق 5 ولهم حجة. 20345 - قال يعقوب: في إصلاح المنطق ونقول: رجل فقير الذي له بلغة من العيش وهذا رجل مسكين الذي لا شيء له وقال في الألفاظ. 20346 - قال يونس: الفقير الذي له بعض ما يقيه والمسكين الذي لا شيء له. 20347 - قال أبو زيد: الفقير من الفقر فيه بقية من سبب لا لعمره ولا لعمر عياله وإذا جمع. 20348 - قال يونس وأبو زيد ويعقوب: وجب الرجوع إليه. 20349 - قال ابن دريد: المسكين الذي لا شيء له وربما جعل الناس المسكين

في غير موضعه فيجعلونه الفقير. 20350 - قال أبو عبيدة معمر بن المثني: ليس كذلك لأن الفقير له شيء وإن كان قليلًا والمسكين الذي لا شيء له. 20351 - وقد اتفق أبو عبيدة مع ابن دريد ويعقوب وهو قول ثعلب. 20352 - قال يونس: قلت لأعرابي أفقير أنت؟ قال: لا والله بل مسكين وأنشد قول الأعرابي. 20353 - أما الفقير الذي كانت حلوبته ... وفق العيال فلم يترك له سيد 20354 - وروى حمولته: فسماه فقيرًا وأخبر أن له حلوبة. 20355 - فإن قيل: قد خالفهم ابن الأنباري (في ذلك) يرويه وليس بالقوى الذي لا شيء له. 20356 - وحكي ذلك عن الأصمعي ثقة فيما يرويه وليس بالقوى فيما يستدل

عليه وبينه بالمعنى يضعف وبينه عندهم في القياس. 20357 - وحكي مذهبنا وقطع يونس ويعقوب وهو مذكور في منطق يعقوب فلا يعرف ما حكاه عن الأصمعي إلى كتاب (ولا قطع به عليه) كما قطع على يعقوب. 20358 - فلما قال: روي عن الأصمعي فيجوز أن يكون الحاكي عن الأصمعي لم يصدق في حكايته وكيف يقول الأصمعي خلاف قول يونس وهو يأخذ عن أصحابه وأتباعه؟ فلم يجز أن يقال قولًا هو بحكاية عن الأصمعي لا يعرف من رواها كابن الأنباري وهو أحد أصحاب الأصمعي، ولو قطع بالحكاية عنه. 20359 - قلنا: قوله بنفسه ثم حكي هذا القول أيًا عن أبي عبيدة وليس ممن يقابل بقوله قول من حكينا مذهبه. 20360 - قال المازني: قال أبو عبيدة: الحرف الرابع في كتاب سيبويه العين معنى ما يدل على ذلك أن الفقر في اللغة عدم. 20361 - {أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد} وقال: {إن يكن غنيًا أو فقيرًا أولى بهما} وقال تعالى ({لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء}) وفي الحماسة: 20362 - متى ما ير الناس الغني وجاره فقير يقول عاجزًا وجليد. 20363 - وليس الغنى والفقر من حيلة الفتى ... ولكن أحاظ قسمت وحدود. 20364 - فإذا كان الفقر زوال الغنى وكان اسم الفاعل من افتقر يفتقر فلا فرق بينه وبين فقر وكل مفارق الغنى فهو فقير وهذه أول رتبة الفقر ثم تتزايد به.

20365 - فلو كان الفقير أسوأ حالًا من المسكين كان المسكين غنيًا والصدقة لا تحل للأغنياء وقد حملت للمساكين فدل على أنها رتبة ثانية من الفقر يستحقها الفقراء إذ لا فاصل بين الفقر والغنى كما لا فاصل بين الصغير والكبير والجليل والرفيق والعظيم والحقير وقد يكون الشرط كان وما دل نحو عاقل غير منكر ثم يدل جمع الفرض وينتج واحدة. 20366 - وقالوا: السماع قال: نوع من ذلك وتقدم. 20367 - قالوا: بطل فلو كان فرق ذلك قالوا منه وإن كان فوق ذلك. 20368 - أليس حكي هذا أبو عبيدة عن العرب؟ كذلك فقير ومسكين أحدهما أزيد رتبته من الآخر وقد بينا أن الفقر هو مقابل الغنى فلابد أن تكون المسكنة رتبة زائدة على ما قدمنا. 20369 - قال ابن اليربوعي: متى أرى هو سبقني بحرف في العناد وإن قل لم نقر منه الفقر فوضع الظاهر فوضع الظاهر موضع الضمير والمراد (لم يرد) منه قلة المال كقوله تعالى: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} معناه تطمئن قلوبهم فوضع الظاهر موضع الضمير بغير لفظ ما تقدم من الظاهر إذا اتفق المعنى فأما إذا تغالب المعنى فلا سبيل إلى ذلك. 20370 - وقد اعترض ابن الأنباري/ على حكاية يونس عن الأعرابي قال: لا والله بل مسكين إلى حال أحسن من حال الفقير. 20371 - وأما قول الراعي: أما الفقير الذي كانت حلوبته فوصفه (بعد أدرهما فمن ابن يونس أنه وصفه بالفقر) حال ملكه لها بأبي بكر. 20372 - حدثت ابن يونس الغنوي في هذه المسألة ولم يحكي عنه الإجماع بهذه الحكاية ولا بهذا البيت وإنما أولى رحلي وللام يقل أفنيت استدلالًا بها فلما حملت أمره على انه قال عن بطن من حول وإلا حملت أمره على أنه قال ذلك حكاية عن العرب فلم ظننت أنك تستدرك على مثله مع أن أماميك الكسائي والفراء وثقاه وحملا عنه وذكراه في كتبهما بعد الرحلة إليه والإقامة عليه ثم يقول إلى هذا المنحور الذي صنفه غلط. 20373 - لأن يونس يضطر إلى قصة الأعرابي بمشافهة يعتقد بسببه يستدرك

بالاحتمال فيه فهو يعيد والفرزدق جلس وأبو عمرو بن العلاء وأبو عبيدة وسيبويه وأبو الحسن بلا مدته وسيبويه يعرض عليه سماعه من وإلى زيد له فأما اعتراضه على البيت فغلط وضد مذاهب الشعر لأن الراعي أن القوم ظلموا الأغنياء فافتقروا لظلمهم والنفس تستعظم ظلم الفقير وما يجب بهذا التأويل البعيد أن يجبه يونس بالاعتراض والرد ثم احتج بن الأنباري بما أحكيه في أثناء ما ذكر المخالفون من الفقهاء. 20374 - احتجوا بقوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} بدأ بالفقير والبداية تقع بالأهم فدل على أن الفقير أشدهم حالًا وأعظمهم حاجة. 20375 - والجواب: أن اسم الفقير يعم المسكين (وغيره وكل مسكين فقير وليس كل فقير مسكين) فبدأ تعالى بالفقير لأنه بدأ بالاسم العام (المسلوب الجمع) ثم ثنى بالمسكين وهو الذي احصر وجه التخصيص والتأكيد كقوله تعالى: {وملائكته ورسله وجبريل} وقوله: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} وقال تعالى: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل} ففي كل هذه المواضع قد دخل الثاني في عموم الأول. 20376 - ثم خصصنا الاسم لمعنى يخصه وعلى طريق التأكيد يذكره كذلك الفقير والمسكين مثله. 20377 - احتج ابن الأنباري بقوله تعالى: {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون

في البحر} فسماهم مساكين مع إخباره أنهم يملكون سفينة وسفن البحر تساوي مالًا عظيمًا فدل على أن المسكين من يملك بلغة إلا أنه لا يكفيه. 20378 - والجواب: أن المساكين قد تفاضلوا في المسكنة كما تفاضل الفقراء في الفقر فإذا كان الرجل يعتمل ماله إلا أن الغاية من عمله لا يبلغ قدر حاجته فهو مسكين ولا اعتبار بقيمته بمن إليه لأنها تجري مجرى الحاجة وقوله إنما المعتبر أو يملك ما أن خرج عن يده كانت بمنزلة من لو يفقد جارحه له في التمكن من التصرف. 20379 - ألا ترى أن ما قد بمنزلة مقطوع اليد لاستحالة الكتابة بها وأصحاب السفينة كانت لهم كالآلة وكانت حرفية لا تجري عليهم ما يفضل عن مبلغ حاجتهم وقتًا وقتًا فإن غصبوها كان فقد حولوا فهم مساكين تبع ملكها وتبع غصبها وإن كانت حالتهم مع غصبها أعظم وأشد ويجوز أن تكون هذه السفينة لجماعة من أهل البحر وهم عدد كبير يعمل بالبحر لبعضهم فيها ولبعضهم في غيرهم. 20380 - ولو قسم سهمًا على جماعتهم لم يبلغ ما نصيبه أحدهم مبلغًا يكفيه وقتًا واحدًا فهم مساكين في الحقيقة وإن كان ملكهم لها حاصلًا على اللام في قوله تعالى: {لمساكين} تفيد الاختصاص دون الملك كقوله تعالى: {لهم نار جهنم} فيجوز أن يكونوا اختصوا بالسفينة غير مالكين لها إما بأن يكون لهم مأوى وهم يستطعمون من ركبها وإما أن يكون شيئًا من عملها يركب لا إليهم إلا أن جدوى ذلك عليهما لا يفضل بين قدر حاجتهم فلا يبلغها. 20381 - فلو غصبها الملك في كلا الوجهين لأهلكهم ذلك بأن لا يجد ما يقوم لهم مقامها. 20382 - وجواب آخر أنها كانت لقوم مرضى جزءًا يعمل فيها غيرهم وأضاف العمل إليهم لأمرهم به فسماهم مساكين على طريق الترجمة وقد يترجم العرب مسكين وبائس ومنه بيت الكتاب.

فأصبحوا والنوى على نصر سهم .... وليس كل النوى يلقى المساكين 20383 - قال سيبويه بعد ذكر النصب على المدح والذم والسم على الأنهار والبحر ... على التعريف من كان هذا الرحم 20384 - والترحم يكون بالمسكين والبائس ونحوه ولا يكون لكل صفة ولا يكون بكل اسم ولكن رحموا بما يرحم به العرب، زعم الخليل أنه يقول: مررت به المسكين على البدل وفيه معنى الترحم وبدل كبدل مررت به أخيك. 20385 - قالوا: روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ليس المسكين الذي ترده (الشربة والشربتان و) اللقمة واللقمتان ولكن المسكين الذي لا يجد ما يعنيه)، وهذا نص في بيان ما تقوله فلو ثبت ما ورد ولم يدل على ما يعفه عن المسألة على أنه أحسن حالًا من الفقير؛ لأن الله تعالى قال: {للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربًا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم}. 20386 - فعلى قود قولهم يقتضي أن يكون للفقير ما يتعفف به. 20387 - قالوا: روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (كان يتعوذ من الفقر) وهو الفقر اللازم فكان يقول: (اللهم أحيني مسكينًا وأمتني مسكينًا واحشرني في زمرة المساكين). 20388 - قلنا: الفقر الذي استعاذ منه وهو الفقر إلى غيره والمسكنة التي سألها

هي التي لا افتقار معها غلى الغير وقد يفتقر إلى غيره من له شيء ويتعفف عن من لا شيء له يدل على ذلك لأنه مأخوذ من انتشار الفقار هي خرر الطهر الصلب ومأخوذ من فقرت الفاقرة إذا استأصله الحاجة، والمسكين مأخوذ من الخضوع والتضرع والسكون. 20389 - قلنا: هذا الاحتجاج لا يصح لأنه ليس يلزم في اسم الجنس من أن يكون مشتقًا كما يلزم في اسم الفاعل، وإن لزم ذلك فقد ادعيتم أن الفقير موصوف عن مفقور إلى فقير. 20390 - كما قيل: مجروح وجريح فلما أنكرتم أن الفقير مشتق من الفقر الذي هو عدم الغنى بمنزلة استحقاق طرف من الطرف فإن قلت إن الفقر مشتق بما ذكرته. 20391 - كما قيل: استحجر الطين استحجار وما سبق بمصدر اسم الحجر فلما لك اشتق يلزم الاشتقاق في اسم الجنس. 20392 - وقد كان يعقوب يقول في المنطق: (وقد قفرت البعير أفقره فقرًا) إذا أحرز به تحديدًا أو بوده ثم وضعت على موضع الحرز عليه، وفقر يكون أن له به وبرضة منه. 20393 - ومنه قيل: عمار الفاقر كما ينكران أن يكون الفقر إنما سمي فقرًا اسم هذا الفقر لما يلحق بعد سبق الغني من الملكة وأما قولهم في المسكين إنه مأخوذ من التضرع فما أنكروا أنه مأخوذ من انتفاء الحركة عند شبهها بالميت قال - عليه السلام - (لكن البائس سعد بن خولة) إن مات. 20394 - ومن صح غنه يقال له بائس صح إنه يقال له مسكين ومتى كان المسكين أخذ من السكون والسكون المطلق هو الموت وهذه طريقة الاشتقاق. 20395 - قولهم: والصحيح أنها غير معتمدة وإنها قل ما اقتضت بسالكها إلى ظفر والمعتمد مما قالت العلماء نقلًا عن العرب في المراد باللفظ. 20396 - قال ابن الأنباري: قال الله تعالى: {أو مسكينًا ذا متربة} معناه قد ألصق بالتراب من شدة الفقر فلما نعته بهذا النعت علمنا أن كل مسكين ليس على هذه الصفة.

20397 - ألا ترى أنك إذا قلت: اشتريت ثوبًا واعلم أن نعته هذا النعت لأنه لنفس كل ثوب له علم كذلك المسكين الأغلب أن له شيء فلما كان المسكين مخالفًا لسائر المساكين. 20398 - قلنا: هذا نبه على أن الصفة لا تكون إلا لدفع الإلباس وهذا غير لازم لأن صفات الله تعالى وصفات إبليس - لعنه الله - لا تقع لدفع الإلباس فغن قال أنها لله المدح وفي إبليس الذم. 20399 - قلنا: فما تقول في قوله تعالى: {ومناة الثالثة الأخرى} وقد قال: {أفرءيتم اللات والعزى} وقد علم أن مناة الثالثة تم وصفها بذلك وليس في هذه الصفة وقع الناس فكذلك قوله تعالى: {والنخل ذات الأكمام} لأنه ما من نخل وهو كذلك وهكذا قوله تعالى: {والحب ذو العصف والريحان} وقرأه ابن مسعود وتعجب أبي ثم يقول له الصفة هاهنا مخصصة؛ لأن المسكين يقع على الغير على طريق الرحم، فقد جاء مسكنة امرأة بغير زوج فكذلك وصفه الله تعالى المسكين بما وصف به. 20400 - قال الأزهري في كتابه عن ابن الأعرابي أنه أنشد لبعض العرب: هل لكم في أجر عظيم تؤجره معيب ... مسكينًا قليلًا عسكره عشر شياه سمعه وبصره 20401 - وقال ابن الأعرابي: عسكره جميع ماله فسماه مسكينًا وله عشر شياه فلا يجوز أن يكون مسكينًا على طريق الترحم لا من حيث الفقر. 20402 - وعلى أن عهدنا من له عشر شياه يجوز أن يكون مسكينًا إذا كان لا يفضل عن كفايته وقت واحد فإذا فضل ما في يده عن كفايته وقتًا واحد لم يكن مسكينًا وكان فقيرًا فلم يكن في هذا دليل. ومن العجب يحكى/. 20403 - عن ابن يونس وأبي زيد وابن دريد ما يحكى لنا عن رجل فقير فذكر لنابغة العرب روي عن الأعرابي وهو لم يلق ثعلبًا ينشد شعر الأعرابي لا يعرف مقابل بيت الراعي وهو في درجة جرير وفرزدق وقد أنشده لعبد الملك بن مروان.

مسألة 1018 القوي الذي له كسب يكفيه

مسألة 1018 القوي الذي له كسب يكفيه 20404 - قال أصحابنا: القوي الذي له كسب فيكفيه وليس له مقدار نصاب يكره له المسالة فغن تصدق عليه جاز. 20405 - وقال الشافعي: لا يجوز أن يدفع إليه من نصيب الفقراء. 20406 - لنا: قوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء} الفقير ضد الغني ومن يقدر على الاكتساب لا يوصف بالغنى فكان فقيرًا. 20407 - ويدل عليه قوله تعالى: {للسائل والمحروم} وقوله - عليه السلام -: (أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم واردها في فقرائكم) فجعل الناس صنفين صنفًا يؤخذ منه الزكاة وصنفًا يرد عليهم. 20408 - وقد ثبت أن القوي المكتسب لا يؤخذ منه فصار من الصنف الآخر الذي يدفع غليه ولأنه غير مالك لمقدار النصاب فهو كمن لا كسب له ولا يلزم الصبي إذا كان أبوه غنيًا والكبار ذوي القربى. 20409 - لأن الأصل والفرع يستويان في ذلك. 20410 - ولأن من جاز له أخذ الزكاة إذا كان ضعيفًا جاز له أخذها وإن كان قويًا أصله الغارم والمكاتب. 20411 - ولأن ما لا يمنع دفع الزكاة إلى المكاتب لعدم ملكه له. 20412 - ومثل ذلك لا يمنع في غير المكاتب. 20413 - ولأن تحريم الصدقة مع أحكام الغني فلم يجعل القدرة على الاكتساب فيه كوجود المال أصله وجوب الزكاة والحج ونفقة الموسرين.

20414 - فإن قيل: الحج يجب بملك الزاد والراحلة، والزكاة تجب بملك النصاب. 20415 - قلنا: وكذلك يحرم تملك المال عندنا فلا فرق بينهما. 20416 - لأن كل من جاز دفع الزكاة إليه إذا لم يكن من القرابة أصله الذي لا كسب له. 20417 - فإن سلموا الوصف وإلا دللنا عليه بما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (دفع من الخمس إلى ذوي القربى وكانوا أقوياء). 20418 - ولأنه جزء من الغنيمة فجاز دفعه إلى القوي كالأربعة أخماس. 20419 - احتجوا: بما روى سفيان بن عينية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عجان عن ابن الخيار أن رجلين أخبراه إنهما (أتيا النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقسم الصدقات فسألاه منها فنظر إليهما وصعد نظره ثم اطرق رأسه ثم نظر إلى الأرض (ثم قال): إن شئتما أعطيتكما ولاحظ فيها لغني ولا لذي قوة يكتسب) وروي لذي مرة سوى. 20420 - قلنا: لما قال: إن شئتما أعطيتكما. دل على جواز الدفع لولا ذلك لم يجز أن يدفع مالا يجوز دفعه بسببهما وإذا كان الدفع جائزًا علم أن قوله لا حق فيها لقوي يعني في طلبها وكذلك نقول: إن الطلب لا يجوز، ويجوز الأخذ من غير طلب. 20421 - فإن قيل: قوله لاحظ فيها لغني معناه لاحظ في أخذها. 20422 - وكذلك قوله: (لا ولذي قوة) لأن الكناية ترجع إلى المذكور وهو العطاء. 20423 - قلنا: لا يمكن الجمع بعد تخييرهما في الدفع وقوله لاحق فيها إلا على هذا الوجه فنحن نحمله على ذلك بهذا الدليل، ونعدل به عن الظاهر الذي. 20424 - قالوا: قادر على كفايته يومًا بيوم فصار كمن في ملكه نصابًا يكفيه ربحه.

20425 - قلنا: القادر على الكفاية لا يلحقه بالأغنياء في وجوب الحج ونفقة الموسرين. 20426 - كذلك في تحريم الصدقة والمعنى في مالك النصاب أنه غني بمقدار المال وفي مسألتنا بخلافه. 20427 - فإن قالوا: من عليه وقف عقار تكفيه غلته لا تحل له الصدقة وهو لا يملك النصاب. 20428 - قلنا: لا تحرم الصدقة عليه لأنه قادر على الكفاية من غير مال. 20429 - قالوا: من حرمت عليه المسألة حرمت عليه الصدقة أصله من له مال. 20430 - قلنا: عندنا يكره له المسألة ولا تحرم ولأن المسألة مفارقة للأجل بدلالة قوله عليه السلام لعمر: (ما جاءك من هذا المال من غير استشراف ولا مسألة فخذه فإنه مال الله يؤتيه من يشاء) فدل على مفارقة المسألة للأخذ والمعنى في مالك ما قدمناه. 20431 - قالوا: نوع قدره يسقط عن الأقارب نفقته أو يوجب عليه نفقة الأقارب فوجب أن تحرم الصدقة من سهم الفقراء أصله ملك النصاب. 20432 - قلنا: سقوط نفقته عن أقاربه لم يجب عليه نفقة الموسر والزكاة كذلك لا تمنع دفع سهم الفقير إليه. 20433 - ولأن الأقارب يلزم كفايته، فإذا كان مكتفيًا سقطت عنهم ودفع الزكاة لم يقدر بالكتابة بدلالة أنه يجوز أن يدفع إليه أضعاف كفايته فلهذا لم يمنع من الدفع إليه. 20434 - ولأن الوصف (لم يدفع إليه) ولم يسلم على إطلاقه لأن الولد الغني يلزمه نفقة أبويه وإن كانا يقدران على الكسب فأما قولهم أنه يجب عليه نفقة أقاربه قد قال أبو يوسف لا يجبر على نفقة الأقارب إلا من ملك مقدار النصاب. 20435 - وقال محمد: إذا كان يكسب أكثر من كفايته فوجب النفقة في الفاضل. وليس عن أبي حنيفة رواية. * * *

مسالة 1019 أخذ العامل من الزكاة

مسالة 1019 أخذ العامل من الزكاة 20436 - قال أصحابنا: ما يأخذه العامل من الزكاة يأخذه عوضًا عن عمله وليس بزكاة. 20437 - وقال الشافعي: إن أعطاهم الإمام رزقًا من بيت المال لم يجز أن يأخذوا زكاة وكذلك إن بدلهم أجرة معلومة على مدة وإن لم يفعل فما يأخذونه زكاة. 20438 - لنا: قوله - عليه السلام -: (إنه لا حق فيها لغني). 20439 - ولأنه يستحق لأجل عمله فما يأخذه عوضًا عن العمل وليس بزكاة كسائر العمال في مصالح المسلمين، ولأنه مال للنصاب يده ثابتة عليه فلم يجز له أخذ الصدقة لغير العامل. 20440 - ولأن ما يأخذه لو كان زكاة لم يجز عنها لأن الزكاة لا يجوز لرب المال دفعها عوضًا عن شيء كما لو ابتاع بها عبدًا يعتقه وبني له مسجدًا. 20441 - ولأن الشافعي قد قال: ينظر الإمام إلى ثمن الصدقة إن كانت مثل أجرته دفعها إليه وإن كانت أقل ثمنها له من بيت المال، وإن كانت أكثر اخذ الفضل ولو كان يأخذها زكاة لم يرتجع الفاضل منها على مقدار أجرته. 20442 - احتجوا: بقوله تعالى: {والعاملين عليها}. 20443 - والجواب: إنه لما علق الاستحقاق بعملهم نبه أن ذلك عوض وليس بصدقة ولهذا يتقدر بإجماع فلا تدفع إليهم الزيادة على أجرتهم.

20444 - قالوا: روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة) وذكر الغازي والعامل. 20445 - قلنا: أراد يها لا تحل لغني إلا أن يأخذها عوضًا ليبين بذلك الفرق بين الغني والهاشمي. 20446 - لأن الهاشمي لا يأخذها عوضًا عن عمله والغني يأخذها عوضًا على طريق العوض فبين الفرق حتى لا يشكل أخذ الأمرين بالآخر. 20447 - قالوا: صنف منصوص عليه كسائر الأصناف. 20448 - قلنا: سائر الأصناف يستحقون السهم بكل حال والعامل لا يستحق إلا بالعمل ولأن سائر الأصناف لا يقدر ما يأخذونه بغني من جهتهم والعامل بقدر ما يأخذه فإن كان عمله زائدًا أخذ الفضل وإن كان السهم زائدًا رد الفضل فدل على افتراق الأمرين. 20449 - قالوا: الهاشمي لا يكون بدلالة ما روي أن الفضل بن العباس والمطلب بن ربيعة سألا النبي - صلى الله عليه وسلم - (العمالة على الصدقات فقال: إن الصدقة أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد وآل محمد). 20450 - قالوا: فلولا أنهم يأخذون الصدقة لم تحرم عليهم. 20451 - قلنا: ما يأخذونه عوض بدلالة ما بينا ولو حكينا القياس جاز أن يكونوا أعمالًا ولكنه - عليه السلام - أكد التحريم عليهم ومنعهم منها على من فيه فأخرجها من فمه، وإن كان التحريم لا يثبت في حق الطفل ولكنه فعل ذلك على طريق التغليظ والتشديد. * * *

مسألة 1020 دفع الزكاة إلى أغنياء الغزاة

مسألة 1020 دفع الزكاة إلى أغنياء الغزاة 20452 - قال أصحابنا: لا يجوز دفع الزكاة إلى أغنياء الغزاة. 20453 - وقال الشافعي يجوز ذلك. 20454 - لنا: قوله - عليه السلام -: (أمرت أن اخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها في فقرائكم) وقال لمعاذ (أعلمهم أن الله فرض عليهم حقًا في أموالهم يؤخذ من أغنيائهم ويرد في فقرائهم). 20455 - ولأنه مالك لمقدار النصاب ويده ثابتة عليه لم يجز دفع الصدقة إليه كغير الغازي {ولأن ما يمنع دفع الزكاة إلى غير الغازي] يمنع دفع الزكاة إلى الغازي كالأبوة والبنوة. 20456 - احتجوا: بقوله تعالى: {وفي سبيل الله}. 20457 - قلنا: هذا يدل على جواز الدفع إلى الغازي الفقير شرط بدلالة خبرنا وكما ذكره على ابن السبيل وإن كان لا يجوز الدفع إليه مع الغني. 20457 - قلنا: هذا يدل على جواز الدفع إلى الغازي الفقير شرط بدلالة خبرنا وكما ذكره على ابن السبيل وإن كان لا يجوز الدفع إليه مع الغني. 20458 - قالوا: روى أبو سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: الغازي في سبيل الله، والعامل عليها، والغارم، ورجل اشتراها، ورجل له جار مسكين) فتصدق على المساكين وأهدى للغني. 20459 - قلنا: محمول على الغازي المنقطع عن ماله بدلالة خبرنا على أن خبرنا أشهر في النقل وأثبت وفيه بيان من يستحق الصدقة ومن تستحق عليه فكان أولى، ويجوز أن يجمل على الغني وكسبه الذي تحرم عليه المسألة إلا أن يكون غازيًا.

20460 - قالوا: الغازي يستحق الصدقة لحاجتنا إليه فجاز أن يأخذها مع الغني كالعامل. 20461 - قلنا: يبطل بقضاة المسلمين تجوز الصدقة إليهم إذا كانوا فقراء ولم يكن في بيت المال الفرس لا يجوز دفعها إليه مع الغني وإن احتجنا إليهم ثم العامل. 20462 - قد بينا أنه يأخذ عوضًا عن عمله/ ولا يأخذها زكاة والغازي لا يأخذ عوضًا. * * *

مسألة 1021 ملك النصاب أو مقدار النصاب زيادة

مسألة 1021 ملك النصاب أو مقدار النصاب زيادة 20463 - قال أصحابنا: من ملك نصابًا أو مقدار النصاب زيادة على مسكنه وخادمه وثياب بدنه وسلاحه لم تحل له الصدقة. 20464 - وقال الشافعي: إذا كان له مال يربح فيه ما يكفيه أو عقار يغل ما يكفيه لنفقته وعياله لم تحل له الصدقة وإن كان ذلك أقل من النصاب فإن كان له نصاب وهو لا يربح فيه ما يكفيه على الدوام دفع إليه من الصدقة زيادة في رأس ماله حتى يصير بحيث يكفيه ربحه ويدفع إلى صاحب العقار ما يبتاع به عقارًا حتى يبلغ عقاره ما يكفيه دخله ومن أصحابه (من اعتبر الكفاية كفاية نفسه ومنهم) من اعتبر كفاية العمر. 20465 - لنا: قوله - عليه السلام - (أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها في فقرائكم) فجعل الناس صنفين أحدهما يأخذ منه الزكاة والآخر ترد عليه فمن أثبت صنفًا ثالثًا يؤخذ منه الزكاة ويرد عليه فقد خالف الظاهر. 20466 - فإن قيل: العشر عند أبي حنيفة يؤخذ من الفقير ويرد عليه غير عشره قلنا ليس بصدقة عنده. 20467 - قالوا: ابن السبيل يدفع إليه ولا يجب عليه أيضًا حتى يعود إلى ماله ثم لو ثبت ما قالوه فيهما كان الظاهر يمنع منه فإذا ثبت لقيام الدلالة بقي نا سواه على ظاهره. 20468 - ويدل عليه قوله - عليه السلام -: (لا تحل الصدقة لغني) ومن له عشر لا يربح فيه ما يكفيه فهو غني بها ولأنه مالك لما تجب فيه الزكاة ويده ثابتة عليه فلم يجز أخذ الزكاة كما لو كان فيه كفاية. 20469 - ولأنه قادر على النصاب فلم يجز له أخذ الزكاة كما لو كان يكتسب فيه نفقة ولأن أخذ الزكاة يجوز للحاجة فلا يعتبر فيه (حاجة مستقلة وإنما تعتبر الحاجة

لحاضره أصله أكل الميتة ووجوب نفقة) ذوي الأرحام. 20470 - احتجوا: بحديث قبيصة بن المخارق أنه حمل حمالة فأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (يؤديها عنه من نعم الصدقة يا قبيصة إن المسألة حرمت إلا من ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يؤديها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة فأصابت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش أو سدادًا من عيش ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة حتى يعلم ثلاثة من ذوي الحجي من قومه أن به حاجة فحلت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش ثم يمسك) وما سوى ذلك من المسألة فهو مستحب. 20471 - قالوا: وهذا يدل على أن المسألة تحل بالحاجة وتحرم بإضافة القوام من العيش. 20472 - قلنا: هذا الخبر دليلنا لأن من له مال لا يكفيه سنين كثيرة فليس بمحتاج فتحرم عليه المسألة وهو واجد القوام من العيش الصائر الخبر فيه تحريم المسألة وإباحتها وليس إباحة الأخذ من تحريم المسألة في شيء وقد بينا ذلك. 20473 - قوله: لا يقدر على كفايته على الدوام فوجب أن يكون من الفقراء أصله إذا كان معه أقل من النصاب. 20474 - قلنا: عدلتم عن التعليل للحكم الذي هو جواز الأخذ حتى لا يقيس بالكافر وبذي القربى فعللتم الأسامي والأسامي بالأقيسة وإنما يرجع في الفقر والغنى إلى العادة ثم الأحكام المتعلقة بالقدرة يعتبر فيها الحال فإما أن يعتبر دوام الحاجة فلا يأكل الميتة. 20475 - والمعنى فيمن معه أقل من النصاب أن الزكاة لا يجوز أن تتعلق بما في يده على الانفراد فكان فقيرًا ومن معه نصاب تجب الزكاة عليه حال انفراده به فلم يكن فقيرًا وهذا ما قبل ما ذكروه من إثبات الفقر وإن كان الصحيح أن يقع التعلل للأحكام دون غيرها. 20476 - قالوا: يجوز أن يدفع إلى الفقير أكثر من النصاب دفعه فجاز دفعه إليه متفرقًا بمقدار النصاب. 20477 - قلنا: نقول بموجبه دفعه عندنا يجوز متفرقًا إذا دفع إليه النصاب فوهبه لغيره ثم دفع إليه الثاني ولأنه إذا دفعه جملة صادف الدفع الثاني الغني فلم يجز.

20478 - قاتلوا: ملك النصاب والحاجة معنيان مختلفان بجواز اجتماعهما فجاز سماع حكمهما وهما اخذ الصدقة منه ودفعها إليه. 20479 - قلنا: لا نسلم أن الحاجة وملك النصاب يجتمعان لأن الحاجة مرتفعة في مال لوجود الغنى والدين مقدران يدفع به الوقت وإنما توجد الحاجة في الثاني وأخذ الزكاة لا يوجد لحالة مستقبلة وإنما يجوز لحالة حاضرة كأكل الميتة. 20480 - فإن قيل: اليتيم يجوز للحاجة ثم من معه ماء وهو يخاف العطش في أني يجوز له التيمم قلنا اليتيم عندنا لا يقف على الحاجة. 20481 - لأنه يجوز قبل دخول الوقت ولا حاجة إليه. 20482 - قالوا: ثياب البدن ودار السكنى يجوز دفع الزكاة مع ملكها وإن كانت ب الحاجة إليها كذلك النصاب إذا كان محتاجًا إليه. 20483 - قلنا: ثياب البدن ودور السكنى ممنوع من بيعها فلم يعتد بها في الغني هذا المعنى والنصاب لم يمنع من إنفاقه على نفسه فلذلك اعتد به في الغنى. * * *

مسألة 1022 سهم المؤلفة قلوبهم

مسألة 1022 سهم المؤلفة قلوبهم 20484 - قال أصحابنا: سهم المؤلفة يسقط. 20485 - وقال الشافعي: في أحد قوليه لم يسقط ويجوز أن يصرف إلى وجوه الكفار ومن يطاع منهم ليتألف على الإسلام وليدفع ضرره عن المسلمين. 20486 - قالوا: فكيف تكون المؤلفة من المسلمين مثل مسلم حسن إسلامه له نظير من الكفار دفع إلى المسلم ليطع الكافر في مثل ذلك فيسلم وقد يسلم أفراد قبيلة فلا يحسن إسلامهم فيعطون لحسن إسلامهم. 20487 - لنا: أن عمر وعثمان وعليًا لم يعطوا المؤلفة. 20488 - وروي أن رجلًا جاء إلى عمر فسأله العطا فقال (إنا لا نعطي على الإسلام شيئًا) {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}. 20489 - ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاهم ليدفع ضررهم عن المسلمين وقد أعز الله الإسلام وأغنى أهله عن مصانعة الكفار. 20490 - لأنه كافر فلا يجوز دفع الزكاة إليه كسائر الأغنياء فأما المسلم فإن كان

فقيرًا فالدفع إليه جائز وإن كان غنيًا لم يجز دفع الزكاة مع الغني كسائر الأغنياء. 20491 - ولأن المسلم الضعيف الإسلام مقيم على معصية وذلك لا يبيح دفع الزكاة كسائر المعاصي. 20492 - والذي روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (دفع إلى المؤلفة فإنما فعل ذلك لأن حاجة الفقراء دعت إلى ذلك ألا ترى أنه إذا أكفاهم سقط القتال وفي ذلك منعة للفقراء وهذا المعنى قد زال. 20493 - قالوا: (أنه أعطى الزبرقان بن بدر وعدي بن حاتم بعد ما أسلما. 20494 - قلنا: يجوز أن يكون أعطاهما من الخمس والخلاف بيننا في الدفع من الزكاة. 20495 - قالوا: روي أن عدي بن حاتم قدم على أبي بكر الصديق بصدقة قومه فأعطاه أبو بكر منها ثلاثين بعيرًا وأمر أن يلحق خالد بن الوليد فلحق فيه في زهاء ألف فارس. 20496 - قلنا: دفع إليه من سهم العاملين لأنه مولى أخذها وحملها والكلام في الدفع إليهم من سهم الفقير. * * *

مسألة 1023 يدفع إلى ابن السبيل ما يبلغه إلى وطنه

مسألة 1023 يدفع إلى ابن السبيل ما يبلغه إلى وطنه 20497 - قال أصحابنا: ابن السبيل المسافر المنقطع عن ملكه يدفع إليه ما يبلغه إلى وطنه. 20498 - وقال الشافعي: ابن السبيل هو المسافر ومن أراد أن يمشي سفرًا إلى وطنه وليس له ما يبلغه. 20499 - وهذه المسألة لا يتصور فيها الخلاف. 20500 - لأن عندنا الدفع بالحاجة فمن كان مسافرًا ومن أراد أن يمشي السفر سواء في ذلك، وإنما نقول أن الاسم لا يتناول المقيم. 20501 - لأن السبيل الطريق رأسه لا بيته وركبه وتشاغل به فأما من عزم على السفر فحقيقة الاسم لا يتناوله فلم يحمل عليه. 20502 - ولأنه مقيم فلا يصرف إليه سهم ابن السبيل كمن لم يعزم على السفر. 20503 - احتجوا: بأنه مريد لسفره ليس بمعصية وهو من أهل الصدقة فجاز أن يدفع إليهم من سهم ابن السبيل، أصله المسافر. 20504 - قلنا: لا نسلم أن المسافر يستحق السهم لأنه يريد السفر. 20505 - فإن قيل: المسافر إذا نوى الإقامة خمسة عشر يومًا ثم عزم على السفر جاز أن يدفع إليه من السهم وإن كان مقيمًا. 20506 - قلنا: لا نسلم هذا بل يدفع إليه بالفقر فأما من سهم ابن السبيل فلا. 20507 - قالوا: المسافر إنما يأخذ لسفر مستقبل وهذا موجود في العازم على السفر. 20508 - قلنا: الأخذ مع الحاجة لا خلاف فيه وإنما الخلاف من أين نأخذ والمسافر عندنا يأخذ السهم لوجود السفر والحاجة فأما السفر مستقبل فلا والخلاف في هذه المسّألة لا يحصل إلا في عبارة مسألة.

مسألة 1024 دفع المرأة الزكاة إلى زوجها

مسألة 1024 دفع المرأة الزكاة إلى زوجها 20509 - قال أبو حنيفة: لا يجوز للمرأة دفع الزكاة إلى زوجها. 20510 - وقال أبو يوسف: ومحمد: يجوز. 20511 - وبه قال الشافعي. 20512 - لنا: أن الفريضة تمنع من دفع زكاة أحد الزوجين إلى الآخر بسبب يوجب التوارث من غير حجب كالأولاد، ولا يلزم ولد الولد لأنه عكس لنقله. 20513 - احتجوا بقوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء}. 20514 - قلنا: هذا مخصوص لما ذكرنا من القياس. 20515 - قالوا: روي أن زينب امرأة ابن مسعود قال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن زوجك وولدك أحق بصدقة عليهم. 20516 - قلنا: ذكر الطحاوي في هذه المسألة، وقال: ليس فيها أثر يدل على أحد القولين فالمراد بالصدقة / في هذا الخبر النافلة بدلالة ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للنساء: إنكن أكثر أهل النار تكثرن اللعن وتؤذين العشير فتصدقن وافعلن من الخير ما استطعتن فجاءت زينب فقالت يا رسول الله جمعت حليًا وأريد أن أتصدق بها وأن عبد الله خفيف ذات اليد وفي حجرة أيتام صغار فيجوز أن أعطيه من ذلك فقال: نعم لك أجران أجر النفقة وأجر القرابة.

20517 - فالنبي - صلى الله عليه وسلم - أمرهن بالصدقة كفارة اللعن وأذية العشير وأخبرت أنها تقصد الولد النافلة كذلك الزوج. 20518 - قلنا: يبطل وأصله لم يمنع دفع الصدقة إليه وفي مسألتنا بخلافه. 20519 - قالوا: من جاز لها دفع زكاتها إليه قبل التزويج جاز بعده. 20520 - أصله أن الزوج يجوز أن يدفع إلى امرأته قبل التزويج ولا يجوز الدفع إليها بعده والمعنى في ابن الزوج كما ذكرنا. 20521 - قالوا: لا يستفيد الزوج الغني من مالها بالتزويج فلا يمنع به من زكاتها 20522 - أصله أهله لا يستفيد الغني من مال مولاه ولأن نفقته لا تجب عليه ولا يجوز دفع زكاتها إليه ولأن الزوج إن لم يستفد بالنكاح الغنى من مالها فإنها تستفيد بالدفع إليه الزيادة في نفقتها لأن ماله إذا كثر وجب عليه نفقة اليسار 20523 - قالوا: الزوج مع الزوجة كالأجنبي لا يستحق النفقة من مالها. 20524 - قلنا: يبطل بالمكاتب مع المولى والهاشمي مع النبطي لا يستحق النفقة عليه ولا يجوز دفع زكاته إليه ولأن اعتبار النفقة فاسد لأن الابن الكبير لا تجب نفقته على أبيه ولا يجوز دفع زكاته إليه فالمرأة تستحق النفقة عندهم على وجه العوض كما يستحق الإنسان الدين على غريمه وذلك لا يمنع الزكاة وإنما المانع بالوصلة التي هي تمنع من شهادة كل واحد منهما للآخر وهذا المعنى موجود في حق الزوج كوجوده في حق المرأة. * * *

مسألة 1025 تحريم الصداقة على آل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

مسألة 1025 تحريم الصداقة على آل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - 20525 - قال أصحابنا: تحرم الصدقة على آل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم خمسة بطون وكذا العباس وعلي وجعفر وعقيل والحارث بن عبد المطلب وإن شئت قلت إنها تحرم على ولد عبد المطلب لا على ولد أبي. 20526 - وقال الشافعي: تحرم الصدقة على بني هاشم وبني المطلب. 20527 - لنا: ما روي عن عمرو بن ثابت عن يزيد بن حبان قال سألت زيد بن أرقم عن آل محمد الذين لا تحل لهم الصدقة فقال: آل (عباس وآل) عقيل وآل علي وآل جعفر وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سأله الفضل بن العباس وعبد المطلب بن ربيعة بن الحارث العمالة على الصدقة منعهما وقال: (إن الصدقة لا تحل لآل محمد) فدل ذلك أن بني الحارث وبني هاشم ومن سوى هؤلاء على الأصل، وقد روي عن عبد الله بن عباس أنه قال: ما اختصنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء دون الناس إلا ثلاث أمرنا أن نسبغ الوضوء وأن لا نأكل الصدقة وأن لا ننزي الحمير على الخيل فهذا يدل أن بني هاشم اختصوا بذلك من بين الناس ولأن ولد المطلب يجوز أن يعملوا على الصدقات

فلم يجز عملهم لبني أمية لأن قرابتهم وقرابة أمية فإذا لم تحرم إحدى القرابتين الصدقة كذلك الأخرى. 20528 - احتجوا: بما روى جبير بن مطعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد) 20529 - قلنا: لا يجوز أن يكون أراد عموم الأشياء لافتراقهم في قرب النسب وإنما المراد في نصرتهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - وتكفلهم بأمره كما تكفلت بنو هاشم وخبرنا معتبر في موضع الخلاف والرجوع إليه أولى. 20530 - قالوا: النبي - صلى الله عليه وسلم - قسم سهم ذوي القربى بين بني هاشم وبني المطلب وهو مستحق بالقرابة. 20531 - قلنا: قد بينا إنه مستحق وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعطيه إلى من يرى ولهذا صرفه عن جماعتهم في خيبر. 20532 - قالوا: ألحق من خمس عوض عن الصدقة ولهذا قال - عليه السلام - للفضل بن العباس وعبد المطلب بن ربيعة (أليس في خمس الخمس ما يغنيكم عن أوساخ الناس). 20533 - قلنا:؛ أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الخمس يغني بني هاشم وبني الحارث وليس فيه أن كل من أغناه الخمس حرمت عليه الصدقة ألا ترى أن بقية أهل الخمس يستحقون الصدقات ويستحقون حقًا من الخمس فلم يجز أن يستدل بثبوت الحق في الخمس على تحريم الصدقة. * * *

مسألة 1026 دفع الزكاة إلى الفقير ثم بان أنه غني

مسألة 1026 دفع الزكاة إلى الفقير ثم بان أنه غني 20534 - قال أبو حنيفة ومحمد - صلى الله عليه وسلم -: إذا دفع زكاته إلى فقير باجتهاد فبان أنه غني أو بان أنه أبوه أو ابنه أو أنه ذمي فلا إعادة. 20535 - عليه وهو أحد قولي الشافعي. 20536 - وقال في قول آخر: لا يجزيه. 20537 - لنا ما روى أن الأخنس بن يزيد السلمي دفع صدقته إلى رجل وأمره بأتي بها للمسجد فيتصدق بها فجاء إلى المسجد ليلًا ودفعها إلى معن بن يزيد فلما أصبح وجده أبوه فقال: ما إياك أردت فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له فقال: (لك يا معن ما أخذت ولك يا يزيد ما نويت. 20538 - فإن قيل: يحتمل أن تكون صدقة التطوع. 20539 - قلنا: لو اختلف الحكم لسأله النبي - عليه السلام - عنها فلما جازت مع اختلاف السبب دل على أن الحكم (فيهما واحد) لا يختلف. 20540 - ولأن الغني والفقير يعلم بالاجتهاد ولا يتوصل إلى حقيقته ومن انتقل من اجتهاد إلى مثله لا يفسخ الأول كالحاكم. 20541 - ولأنه دفع إليه وظاهره الفقر فإذا بان أنه غني جاز الدفع إليه كالغازي؛

ولأن الإمام لو دفع إليه لم يضمن إليه فإذا دفع المال لم يلزمه إعادة كالفقير. 20542 - ولأن من لا يضمن الإمام بالدفع إليه لا يلزم المالك الإعادة إذا دفع إليه كالغازي. 20543 - فإن قيل: إنما لا يعتد للمالك بالزكاة لأنه يقدر على أن يبرأ منها بقيت بأن يسلمها إلى الإمام فلذلك لا يسقط الفرض عنه بالاجتهاد. 20544 - قلنا: لو كان كذلك لم يصح الدفع بالاجتهاد وإن لم يبين أنه غني؛ لأنه يتوصل إلى أداء فرضه بيقين فلما جاز الدفع إلى الفقراء وهو لا يتحقق فقرهم مع قدرته على الدفع إلى الإمام دل على بطلان الكلام. 20545 - احتجوا: بقوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء}. 20546 - قلنا: هذا لا دلالة فيه لأنه جعل الصدقة حق له وكذلك نقول والكلام فيما سقط فيه فرضه. 20547 - ألا ترى أنا أجمعنا أنه إذا دفع كل منهم فقيرًا جاز لأنه لم يستحق دفع إلى فقير باجتهاد لم يمنع أن يجوز عندنا وإن بان أنه خلاف ذلك؛ ولأن المراد بالآية من كان فقيرًا عندنا بدلالة جواز الدفع إلى من هذه فئته بإجماع. 20548 - ولا يجوز أن يكون المراد من كان فقيرًا عند الله تعالى لأن هذا لا يقدر على التوصل إليه. 20549 - قالوا: وصله إلى غير مستحقه فوجب ألا يجزيه صلة دين الآدمي. 20550 - قلنا: يبطل بالإمام إذا دفع إلى الفقير فظهر أنه غني ومات مفلسًا قبل إن ترتجع منه. 20551 - فإن قيل: الجواز هناك تعلق بقبض الإمام لأنه قائم مقام المساكين. 20552 - قلنا: وجب على الإمام أن يدفع إلى الفقراء وقد دفع إلى غيرهم وجزاء ما وجبت عليه والمعنى في دين الآدمي أنه لا يجوز دفعه باجتهاد فلذلك سقط الفرض الخطأ. 20553 - قالوا: دفع الزكاة إلى غير مستحقها كما لو دفعها إلى عبده. 20554 - قلنا: ما يدفعه إلى عبده لم يخرج من ملكه فكأنه عزل الزكاة ولم يدفعها إلى أحد وفي مسألتنا قد أخرجها من ملكه إلى من أمر الدفع إليه فصار كما لو دفعها إلى الفقير.

كتاب النكاح

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب النكاح

مسألة 1027 حكم اشتراط الولي في النكاح

مسألة 1027 حكم اشتراط الولي في النكاح 20555 - قال أبو حنيفة: إذا زوجت الحرة البالغة العاقلة نفسها بغير إذن وليها

كفؤا صح عقدها. 20556 - وقال أبو يوسف ومحمد: لا يجوز لها ذلك إلا بإذن الأولياء.

20557 - وقال الشافعي: لا يجوز للمرأة أن تعقد عقد النكاح لنفسها ولا لغيرها، أذن الولي في ذلك أو لم يأذن. 20558 - لنا: قوله تعالى: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا}. فأضاف النكاح إليها، والمراد بالتراجع: العقد ابتداء. 20559 - وقال تعالى: {وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي}. والهبة هاهنا النكاح بالإجماع. وقد أضافه إليها. 20560 - وقال تعالى: {فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف}. وهذا يدل على جواز تصرفها في نفسها. 20561 - فإن قيل: إضافته النكاح إليها لا تدل على أن أنه ينعقد بفعلها، لأن الولي إذا أنكحها قيل: نكحت. 20562 - قلنا: إذ زوجها الولي أضيف العقد إليه، فإذا تزوجت أضيف العقد إليها، وظاهر الآية يفيد جواز الأمرين.

20563 - فإن قيل: إنما أضاف النكاح إليها ليس لأنها عاقدة، بل لأنها محل العقد كما يقال: طلع الزرع، وجرى الماء، ومات الرجل، وانقطع الحبل، ولكن لا مجال للعقد. 20564 - قلنا: هذه إضافة إلى من لم يوجد منه الفعل فيما أضيف إليه، فكانت إضافة محل، والمرأة يوجد منها هذا الفعل مشاهدة فإن أضيف إليها اقتضت الإضافة وجود فعلها، كسائر الأفعال المضافة إلى من يوجد الفعل منه. 20565 - فإن قيل: نحن نعلم أن النساء على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كن لا ينكحن أنفسهن، وعلى عهد الصحابة مثله، حتى قال أبو هريرة: كنا نقول/ إن الزانية هي التي تزوج نفسها. 20566 - فدل على أن المراد بالآية ما كانوا يفعلون من عقد الأولياء، وهذا المندوب إليه بالإجماع. 20567 - قلنا: وقد كان النساء يعقدن على أنفسهن، وقد عقدت الواهبة لنفسها على نفسها من غير حضور ولي. 20568 - وقد قال علي،

وعائشة، وابن عمر: عقد المرأة جائز. 20569 - وكيف يصح ما حكوه عن أبي هريرة؟ ويدل عليه قوله تعالى: {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف}، فدل على أن عقد النكاح إليها دون غيرها. 20570 - فإن قيل: نهي الولي عن العضل يدل على العقد إليه، ولولا ذلك لم ينهه عن الامتناع، لأنه إذا لم يمنع عقدت على نفسها عندكم، فلا يقدر على عضلها. 20571 - قلنا: الآية خطاب لجميع المسلمين لا يختص بالأولياء؛ لأن الظاهر أن الخطاب والعضل من تناوله أول الكلام، فإما أن يحمل على الأزواج، أو على المسلمين. 20572 - فأما تخصيصه بالولي فلا دليل في اللغة عليه. 20573 - فإن كان الخطاب للأزواج فهو منهي عن عضلها بأن يتركها حتى تقارب انقضاء عدتها ثم يراجعها وهو لا يريد إمساكها، وإن كان الخطاب لجميع المسلمين، فهو ممنوع من الاعتراض عليها ومنعها من التزويج، ومن قال لها: لا تنكحي حتى يزوجك الولي. فقد عضلها، ولأنه يقتضي النهي عما يقوله مخالفنا.

20574 - فإن قيل: كيف يعضلها، وهو لا يملك العقد عليها ولها سبيل إلى العقد بغيره؟ 20575 - قلنا: إذا كان يشير عليها ألا تعقد، ويظهر كراهة عقدها وهي تستحي منه. 20576 - قيل: منعها، كما أن من أشار على غيره بترك شيء وأمره بالإعراض عنه. 20577 - يقال: قد منعه منه، وكما لو كان لها وليان فامتنع أحدهما من نكاحها. 20578 - قيل: قد عضلها وإن كانت قد تتوصل إلى النكاح من جهة ولي آخر، فكذلك إذا كان لها واحد قد عضلها إذا امتنع، وإن وصلت إلى العقد بفعلها. 20579 - فإن قيل: العضل الامتناع فإذا نهي عن الامتناع أمر بالإقدام على العقد. 20580 - قلنا: قال الأصمعي: العضل هو المنع، فدل على أن معنى عضلها أنه منعها من الأزواج وليس معناه أنه امتنع، وكذلك نقول. 20581 - فإن قيل: الآية خرجت على سبب؛ روي أن معقل بن يسار المزني قال: نزلت في، زوجت أختي

من ابن عمها وطلقها فانقضت عدتها ثم جاء يخطبها، فرغبت عنه، فقلت: زوجتك أختي دون غيرك فطلقها فوالله لا أنكحتكها أبدًا. فأنزل الله تعالى هذه الآية، فأنكحتها وكفرت عن يميني.

20582 - قلنا: هذا لا يقدح فيما قلنا؛ لأنا قد بينا أن الخطاب انصرف إلى جميع الناس والولي دخل في العموم، فإذا أظهر كراهة العقد بالمرأة استحي منه في الغالب، وتكره الخلاف عليه، فتمتنع من العقد، فمنع من ذلك؛ لأن في توقفه عن العقد وإظهار الكراهة حملها على مشاقته، واحتمال الضرر بطاعته، وهذا لا يمنع أن يكون العقد إليها. 20583 - ثم الله تعالى قال: {فلا تعضلوهن أن ينكحن}. فأضاف العقد إليها، فقال مخالفنا: هذه إضافة محل، وصرف كلام الله عن ظاهره فما الذي يمنعنا أن نحمل كلام الله على حقيقته في صحة إضافة العقد إليها، ونحمل قوله: والله لا أنكحتكها أبدًا. على المجاز وهو أني أنهاها عن النكاح وأشير عليها بتركه وأصرفها عنه. 20584 - ويدل عليه ما رواه مالك بن عبد الله بن الفضل الهاشمي، عن نافع ابن جبير بن مطعم، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الأيم أحق بنفسها من

وليها، والبكر تستأمر في نفسها وإذنها صماتها)، وهذا حديث في الصحيح رواه الزهري عن مالك ولم يجز عقدها إلا أنه لم يكن أحق بنفسها منها. 20585 - فإن قيل: لفظة (أحق) تقتضي ثبوت الحق للاثنين، وهذا يدل على أن للولي حقًا وللمرأة حقًا، فحق المرأة أن تختار النكاح والأزواج وتأذن في العقد، وحق الولي أن يعقد. 20586 - قلنا: لفظة (أحق) تقتضي ثبوت الحق لمن أضيف إليه وقطعه عن غيره، قال الله تعالى: {وبعولتهن أحق بردهن}. ولا يحق في الرجعة لغير الأزواج، وقال - عليه السلام -: (من وجد عين ماله فهو أحق بها).

20587 - على أن لو سلمنا أن لفظة (أحق) تقتضي الاشتراك لم يجز حملها على ذلك في مسألتنا بالإجماع لأنهم يثبتون لها حقًا لا يشاركها الولي فيه وهو الاختيار، والمطالبة بالعقد، والإذن، ويثبتون للولي حقًا لا تشاركه فيه وهو العقد، فإذا بطل معنى الاشتراك لم يبق إلا ما قلنا. 20588 - فإن قيل: أثبت له الولاية في حال وصفها بأنها أحق وكونها لها ولي يقتضي أن يقف العقد عليه. 20589 - قلنا: قوله: (الأيم أحق) يقتضي جواز عقدها، فثبوت ولايته عليها معناه الاعتراض عليها في ترك الكفاءة ونقصان المهر، ويدل عليه: حديث ابن عباس لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ليس للولي مع الثيب أمر). 20590 - وروي أنه - عليه السلام - خطب أم سلمة، فقالت: ليس أحد من أوليائي

حاضرا. فقال - عليه السلام -: (ليس لك ولي إلا ويرضاني) فأمر ابنها فزوجها. 20591 - ولا يقال: إنه - عليه السلام - كان وليها؛ لأنه لو كان كذلك لكان يقول (أنا وليك). 20592 - ولا يقال: كان ابنها بالغًا فكان وليها؛ لأننا دللنا في مسألة وكالة الصبي أنه كان صغيرًا. 20593 - ولا يقال: إنه - عليه السلام - كان مخصوصًا في جواز الناكح بغير ولي، لأن حكمه وحكم غيره [في الشرع] سواء إلا ما خصه، لأنه لو كان كذلك لقال لها: (نكاحي لا يحتاج إلى ولي). 20594 - ويدل عليه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب ميمونة فرد أمرها إلى العباس فزوجها ولم يكن وليها. 20595 ويدل عليه: حديث عائشة أن امرأة جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إن أبي ونعم الأب هو زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته فهل لي في نفسي من أمر؟ قالت عائشة: فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمر إليها، قالت: أجزت ما فعل بي أبي، ولكني أردت أن أعلم النساء أن ليس للآباء من أمورهن شيء، ولم ينكر - عليه السلام - ذلك

عليها، فلو كان العقد إليها حتى لا يجوز أن يعقد غيره لم يجز أن يقرها على هذا القول. 20596 - ولأنها تملك التصرف في مالها بعوض وبغير عوض فملكت عقد النكاح كالرجل. 20597 - أو نقول: تملك التصرف في مالها بنفسها كالرجل. 20598 - ولا يلزم المكاتب لأنه لا مال له. 20599 - [ولا يلزم] الصبي والمأذون، لأنه لا يملك التصرف بنفسه، وإنما يملك بإذن الولي. 20600 - ولا يقال: إن الولاية تخالف الولاية في النكاح، لأنه قد يتصرف في أحدهما من لا يتصرف في الآخر، لأن التصرف يختلف في حق الغير فأما في حق الإنسان فلا يختلف، فمن يملك التصرف في مال نفسه يملك في نكاح نفسه، ومن لا يملك في حق نفسه أحد الأمرين لا يملك الآخر. 20601 - ولأن المرأة يقف العقد على إذنها فجاز أن تتولى عقدها كالرجل، لأن كل عقد وقف جوازه على إذن المرأة ملكت أن تعقد كالبيع.

20602 - ولأن إقرارها بالعقد ينفذ، ومن نفذ إقراره بالعقد جاز أن يعقد ذلك العقد كالرجل. ولأن كل عقد نفذ إقرار المرأة فيه جاز أن تعقده كالبيع. 20603 - فإن قيل: المعنى في الرجل أنه لما ملك العقد لم يثبت لغيره الاعتراض وإن ترك الكفاءة، ولما ثبت على المرأة الاعتراض إذا وضعت نفسها في غير كفء دل على أنها لا تملك العقد. 20604 - قلنا: لو زوجها أحد الأولياء من غير كفء لم ينعقد العقد عندهم، ولم يدل على أنه إذا زوجها من كفء لم ينعقد. 20605 - ولأن عقدها ينفذ إذا كان حقًا لها إذا اختارت كفؤًا وجب على الولي أن يزوجها، فإن طالبته ولم يعقد كان عاصيًا، وإذا كان من حقوقها جاز أن تستوفيه بنفسها ولا فرق بين أن تباشر استيفاءه ويستوفيه لها وليها فأما إذا عقدت بغير كفء فالعقد ليس بحق لها، بدلالة أن الولي لا يجب عليه، وإذا فعلت ما ليس بحق لها لم ينفذ عقدها، وأما الرجل فإنه يتزوج من تكافئه ومن لا تكافئه، وكذلك لم يثبت عليه الاعتراض [كما لا يثبت] عليها إذا عقدت

عقدا من سائر حقوقها. ولأن الولي إنما يعترض عليها للضرر يلحقه بتصرفها ليرفع بذلك الضرر عن نفسه. 20606 - وهذا لا يدل على ثبوت ولايته، ألا ترى أن الشفيع يبطل تصرف المشتري ويأخذ المبيع بالعقد الأول ليدفع الضرر عن نفسه، ولم يدل ذلك على ثبوت ولايته في العقد؟ ولهذا نقول: إن أحد الشريكين في العبد لو كاتب نصيبه ثبت لشريكه الفسخ، لأنه يضر به بهذا التصرف، ولو باع نصيبه من العبد لم يملك الشريك الاعتراض عليه بهذا التصرف. 20607 - فإن قيل: الضرر في الشفعة/ يزول بأخذ الدار، ولا يفتقر إلى 232/ أبطلان العقد من أصله، والضرر في النكاح لا يزول إلا ببطلان أصل العقد. 20608 - قلنا: الضرر على الأولياء، ينفيه العقد عليها بغير كفء، فإذا ثبت لهم الفسخ زال الشين. 20609 - فأما الشين الذي عليهم في انعقاد العقد هو موجود في اختيارها لغير

كفء وهذا المعنى لا يمكن دفع، كذلك الضرر الذي عليهم في انعقاد العقد. 20610 - فإن قيل: المعنى في المبيع أنه لا يفتقر إلى الشهادة فلا يفتقر إلى الولي، والنكاح يفتقر إلى الشهادة فافتقر إلى الولي. 20611 - قلنا: علة الأصل تبطل ببيع مال الصبي والمجنون، فإنه يفتقر إلى الولي ولا يفتقر إلى الشهادة، وعلة الفرع تبطل بالرجعة تفتقر إلى الشهادة عند مخالفنا ولا تفتقر إلى الولي. 20612 - ولأن للأب عليها في حال صغرها ولايتين: إحداهما في البضع والأخرى في المال، وإذا انتقل إليها بالبلوغ إحدى الولايتين فكذلك الأخرى. 20613 - فإن قيل: الولاية في المال لم يبق لها أثر بعد البلوغ، وليس كذلك

الولاية في النكاح لأن لها أثرًا بعد البلوغ. 20614 - قلنا: هذا غير مسلم، لأن ولايته في حال الصغر كانت في العقد وبعد البلوغ في الاعتراض. وليس هذا من أثر تلك الولاية، ألا ترى عند مخالفنا يثبت بعد البلوغ الاعتراض لمن لا تثبت له ولاية حال صغرها، وهو من سوى الأب والجد؟ ولأنه نوع عقد فجاز أن تملك المرأة عقده كالبيع والإجارة. 20615 - ولا يلزم الإمامة، لأنها تملك عقد الإمامة مع المسلمين إذا حضروا للإخبار والتعليل وقع لعقدها، وليس في علتنا أنها تعقد لنفسها أو لغيرها. 20616 - ولأنها تملك التصرف في بدل هذا العقد بكل وجه فملكت العقد كالبيع. 20617 - ولأنه عقد على البضع فجاز أن تعقده المرأة كالخلع. 20618 - فإن قيل: المعنى في الرجل أنه يملك حل هذا العقد فملك عقده، والمرأة لا تلمك حل النكاح فلم تملك عقده. 20619 - قلنا: الولي عندكم يملك عقد النكاح ولم يملك حله، والرجل يملك عقد الإجارة ولا يملك حلها بنفسه.

20620 - احتج المخالف بقوله تعالى: {وانكحوا الأيمى منكم}. فخاطب الرجال بإنكاح النساء، كما خاطب الولي بإنكاح الإماء فدل على أن العقد إلى الأولياء. 20621 - قلنا: الآية مشتركة الدليل؛ لأن قوله: {وانكحوا} عطفا على قوله: {وتوبوا إلى الله جميعًا أيه المؤمنون} وهذا خطاب للرجال والنساء، وإذا أمر النساء بإنكاح الأيامى كان خلاف قول مخالفنا فأما نحن فنقول: معنى قوله: {وانكحوا} أي مكنوا الأيامى من النكاح ولا تمنعوهن منه، فإنه يقال: أنكحها بمعنى خلا بينها وبين التزويج ولم يمنعها وقد كانوا في الجاهلية يحولون بينها وبين التزويج تكبرًا أو تعظمًا فأمر بترك ذلك. 20622 - احتجوا بما روى ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فإن مسها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا- أو قال اختلفوا- فالسلطان ولي من لا ولي له).

20623 - الجواب: أن هذا الخبر قال ابن جريج: لقيت الزهري فسألته عنه فقال: لا أعرفه. ومتى أنكر المروي عنه الخبر قدح ذلك في رواية من روى عنه، كشهود الأصل إذا أنكروا الشهادة لم تقبل شهادة شهود الفرع. 20624 - فإن قيل: حكم الخبر أخف من حكم الشهادة. 20625 - قلنا: قد استويا في اعتبار العدالة فكذلك في هذا الشرط؛ لأن هذا

أثر في الشهادة؛ لأن شهود الفرع ينقلون قوله كذلك المخبر عنه ينقل عنه قوله فليس قبول قوله من إنكاره عنه. 20626 - فإن قيل: إذا كان الراوي ثقة لم يمتنع أن يكون راوي الأصل أنسي ما رواه. 20627 - قلنا: لا نسلم ثقة سليمان بن موسى، وقد ذكره البخاري في الضعفاء وأسقطه لروايته لهذا الحديث بعينه، فكيف يسمع الزهري هذا الحديث، فلم ينقله أحد من ثقات أصحابه حتى يسمعه سليمان الشامي وينساه الزهري حتى لا يعرفه؟ مع إتقان الزهري وحفظه ولم يحسن الظن بالزهري وسليمان معروف بالتخليط في غير هذا الحديث. 20628 - وروي عن نافع، عن ابن عمر حديث الزمارة: أن ابن عمر رأي راعيًا يعزف الزمارة فوضع يديه على أذنيه وانصرف عن ذلك الطريق. 20629 - وروى هذا الحديث سليمان بن موسى، عن نافع، عن ابن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأي راعيًا معه زمارة فوضع يديه على أذنيه وانصرف من طريق آخر. 20630 - قال أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر: سمعت موسى بن هارون ابن عبد الله الحمال وهذا أحفظ أهل زمانه، وابن هارون بن عبد الله، ويحيى بن

معين، وأحمد بن حنبل طبقة واحدة، قال ابن المنذر: سمعت موسى بن هارون في ترك حديث سليمان بهذه العلة، يعني بحديث الزمارة، ويستعظم أن ينسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سمع منكرًا فعدل عن الطريق ولم يغيره، فكيف نسلم لهم ثقته مع ترك الأئمة له وكلامهم فيه وطعنهم فيه وظهور غلطه؟ 20631 - قال مخالفنا حكاية عن الدارقطني: إنه لم يرو عن بن جريج إنكار الزهري لحديث سليمان إلا ابن علية ولم يذكره ثقات العلماء من أصحاب ابن جريج، وهذا كلام يدل على فساده ببعض الاحتجاج بالخبر فإن ابن علية لم يشك فيه، ولا تكلم عليه محدث وهو المحتج بقوله الموثوق بروايته فإن كان الدراقطني يقف فيما يرويه؛ لأن غيره من أصحاب ابن جريج لم يرووه فيجب التوقف في خبر سليمان ابن موسى؛ لأن أصحاب الزهري والعلماء منهم لم يرووه عنهم فلم قبل خبره وهو رجل شامي ومن دفع طعنا على خبر بما يعود عليه في إبطال الخبر لشديد الغفلة. 20632 - قالوا: قال ابن المنذر: إنما كان في الخبر زيادة، قال ابن جرج: سألت الزهري عنها، فقال: لا أعرفها. 20633 - قلنا: لو كان كذلك لروى ابن جريج نفسه الخبر عن الزهري وأسقط سليمان، ولكن لا يخفى ذلك على البخاري حتى يسقط سليمان بروايته لهذا

الحديث. 20634 - قالوا: فقد روى هذا الخبر ابن عامر الغفاري عن زمعة بن صالح عن هشام بن عروة عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. 20635 - قلنا: زمعة بن صالح مكي معروف بقلة الضبط وتركه عبد الرحمن بن مهدي وسئل يحيى بن معين عنه فقال: ضعيف. 20636 - ثم الذي يدل على بطلان هذا الخبر أن مذهب عائشة جواز النكاح بغير ولي، وقد زوجت حفصة بنت أخيها عبد الرحمن- وكان غائبًا- المنذر بن الزبير، فلما قدم عبد الرحمن قال: أمثلي يفتات عليه في بناته، فقالت عائشة

للمنذر: (أجعل أمرها في يدها) فكيف يظن أن عائشة تسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل). فتزوج بنت أخيها بغير أمره؟ 20637 - وقد روي عن معمر، عن الزهري أنه قال: إذا تزوجت المرأة بغير إذن وليها كفؤًا فهو جائز. ولو كان سمع الحديث لمنع جواز النكاح، ولو ثبت الخبر كان مشترك الدليل، لا لأن لفظه يمنع النكاح بغير إذن الولي. 20638 - ودليله أن النكاح [بإذن الولي] جائز ودليل الخطاب عندهم

كالنطق، ومقتضاه جواز عقدها بإذنه وهو خلاف قولهم. 20639 - فإن قيل: إنما يحتاج بالدليل إذا لم يسقط النطق، وكل من جوز نكاحها بإذن الولي جوزه [بغير إذنه] فكان في اعتبار الولي إسقاطه. 20640 - قلنا: ليس كذلك؛ لأن من مذهب محمد بن الحسن وغيره من الفقهاء أن عقد المرأة بإذن وليها جائز، ولا يجوز بغير إذنه فالخبر حجة محمد دون غيره. 20641 - وجواب آخر: وهو أن قوله: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها) يقتضي امرأة لها ولي والولي في الإطلاق من ينفرد بالتصرف. والمرأة المختلف فيها ليس لها ولي في الإطلاق، بل هي ولية نفسها وإنما تثبت الولاية على المجنونة والأمة الصغيرة، وعندنا لا يصح نكاح هؤلاء بغير إذن الولي. 20642 - فإن قيل: المرأة التي لها ولي بالاتفاق يعترض عليها في الكفاءة. 20643 - قلنا: لا يتناوله إطلاق الاسم عندنا حتى تملك الانفراد بالعقد وإن تناوله الاسم على سبيل المجاز من حيث يجب له الاعتراض إذا أدخلت عليه شيئًا. 20644 - فإن قيل: الصغيرة لا يتناولها المرأة.

20645 - قلنا: المراهقة يصح أن تسمى بذلك. 20646 - قالوا: المجنونة لا يتناولها الخبر؛ لأن النكاح لا يضاف إليها. 20647 - قلنا: عقد المجنونة عندنا يقف على الإجازة فصح أن يضاف إليها. 20648 - قالوا: في الخبر: (فإن مسها فلها المهر) والأمة لا تستحق المهر. 20649 - قلنا: يضاف إليها وينتقل من جهتها إلى الولي، وهذه إضافة صحيحة كما قال - عليه السلام -: (من باع عبدًا وله مال فماله للبائع). 20650 - قالوا: روي في الخبر" (فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له)، والأمة لا تطالب بالعقد، وإن اشتجرت ومولاها لا يعقد عليها السلطان. 20651 - قلنا: قوله (السلطان ولي من لا ولي له) ليس المراد به أنه يتولى العقد/ 232/ ب لكن إذا تشاجر الأولياء، ولي السلطان في فسخ العقد الذي يجب فسخ وإمضاء العقد الذي ثبت عقده ويجب إمضاؤه. 20652 - فإن قيل: لو كان المراد بالخبر نكاح المجنونة والأمة الصغيرة لم يكن لتخصيص النكاح معنى؛ لأن النكاح في حقهن والبيع والإجارة لا يصح إلا بولي. 20653 - قلنا: خص النكاح لأنه الأهم فيما يتعلق بالنساء، وفيه تذكرة على غيره

وتخصيص النبي - صلى الله عليه وسلم - الشيء بالذكر قد يكون بالحاجة إلى ذكره؛ ولأن المصلحة في النص عليه دون غيره وترك غيره على الاجتهاد. 20654 احتجوا: بما روى [أبو بردة]، عن أبيه، عن أبي موسى الأشعري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا نكاح إلا بولي). 20655 - قلنا: هذا الخبر الصحيح فيه أبو بردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهم لا يقولون بالمراسيل. 20656 - رواه مرسلًا: شعبة، وسفيان، ورواه مسندًا:

إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، وشعبة وسفيان ثقة، وإسرائيل أثبت والرجوع إلى قولهما أولى، هذه طريقة أصحاب الحديث. 20657 - والجواب عن الخبر أن (لا) لفظة مشتركة ينبغي بها الكمال تارة والجواب أخرى. 20658 - وعندنا النكاح الكامل ما عقده الولي حتى سقط اعتراضه فيه لعدم الكفاءة ولقصور ولايته عن حضور العقد وخطاب الرجال، أو نحمله على الفضيلة بدليل قول - عليه السلام -: (الأيم أحق بنفسها من وليها) ولأن عائشة قالت: كان نكاح أهل الجاهلية أربعة أنواع. فنكاح الناس اليوم: يحضر الرجل إلى الرجل ابنته فيصدقها ثم ينكحها، ونكاح آخر: يقول الرجل لامرأته: إذا طهرت فأرسلي إلى فلان فاستبضعي منه. وذكرت الأنواع كلها فقالت: بعث الله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بالحق هدم نكاح أهل الجاهلية كله إلا نكاح أهل الإسلام اليوم. فذكرت أنواع النكاح وأخرت أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - هدمها إلا نكاح أهل الإسلام يخطب الرجل إلى الرجل ابنته. 20659 - فقوله - عليه السلام -: (لا نكاح إلا بولي). معناه: لا نكاح من أنكحة أهل

الجاهلية إلا هذا النكاح الواحد الذي وافق فعلهم شريعة الإسلام فنفى ما سواه من أنكحتهم وأثبته خاصة. 20660 - ولأن الخبر يقتضي ثبوت النكاح بولي والزوج ولي في عقود نفسه والمرأة وليه في عقود نفسها، يقال: امرأة ولي ورسول وعجوز، فالعقد إنما يصح عندنا بولي ومتى كان أو أحدهما ممن يولى عليه لم يجز عقده إلا هذا النكاح الواحد، الذي وافق فعلهم شريعة الإسلام، أنكحتهم، وأثبته خاصة؛ ولأن الخبر يقتضي ثبوت النكاح بولي [في عقود نفسه، والمرأة ولية في] عقود نفسها، يقال: أمرا فالعقد إنما يصح عندنا بولي، ومتى كانا أو أحدهما [ممن لا يولى عليه جاز عقده]. 20661 - فإن قيل: ولي فعيل بمعنى فاعل، فوجب أن يفرق بين الذكر والأنثى كقولهم: كريم وكريمة، وبخيل وبخيلة. 20662 - قلنا: فعيل إذا أريد به الجنس كانت الهاء مطروحة منه وإن اشتمل الجنس على المذكر والمؤنث؛ قال الله تعالى: {ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل}. وقوله تعالى: {ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع}. وقال: {وأطعموا البائس الفقير}. وقوله - عليه السلام -: (الزعيم غارم). وقوله تعالى:

{ويطعمون الطعام على حبه مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا}. وقال الفرزدق: أما الرجال فلم تنفع شفاعتهم .... وشفعت بنت منظور بن زبانا ليس الشفيع الذي يأتيك مؤتزرًا .... مثل الشفيع الذي يأتيك عريانا 20663 - فإن قيل: النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل الولي شرطًا فاقتضى الظاهر أن يكون غير العاقدين كقوله: (لا نكاح إلا بشهود). 20664 - قلنا: إنما لم يجز أن يكون العاقد شاهدًا ليس من حيث كانت الشهادة شرطًا لكن لأن الإنسان لا يكون شاهدًا في حقوق نفسه وقد يكون وليًا في حقوق نفسه. 20665 - يبين ذلك أن الولي لا يجوز أن يكون شاهدًا وقد جاز أن يكون عاقدًا بالإجماع، فدل على افتراق الشهادة والولاية.

20666 - قالوا: روى سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل). 20667 - قلنا: رواه عدي بن الفضل، عن عبد الله بن عثمان بن خيثم، عن سعيد بن جبير. وعدي بن الفضل ساقط الحديث. 20668 - قالوا: روى هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لابد في النكاح من أربعة: الولي، والزوج، والشاهدان). 20669 - قلنا: يرويه خالد بن الوضاح، عن أبي الحصيب عن هشام، وأبو الحصيب مجهول لا يعرف. 20670 - قالوا: روى عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا نكاح إلا بولي وشاهد عدل).

20671 - قلنا: رواه بكر بن بكار، عن عبد الله بن محرز، عن قتادة، عن الحسن، عن عمران بن حصين، عن عبد الله بن مسعود. 20672 - وبكر بن بكار ساقط الحديث رد شهادته العنبري وقذف في شعر معروف، وعبد الله بن محرز العامري، قال يحيى بن معين: ليس بثقة، وضعفه ابن المبارك. 20673 - قالوا: روى نافع عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا نكاح إلا بولي

وشاهدي عدل). 20674 - قلنا: يرويه ثابت بن زهير عن نافع، وثابت ساقط الحديث لا يحتج به لكثرة تخليطه فكيف يظن أن ابن عمر يسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل). ثم يزوج بنته بلا شهود. 20675 - قالوا: روى ابن سيرين عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها). 20676 - قلنا: هذا خبر معروف من قول أبي هريرة، وابن سيرين لم يسمع من أبي هريرة أكثر من ثلاثة ليس هذا منها. 20677 - هذه جملة أخبار ذكرها الدارقطني على عادته في نقل الفاسد والإمساك عن بيان ما يعمله فيه تدليسًا وتعصبًا.

20678 - وقد ذك ابن المنذر في كتابة جملة هذه الأخبار في اعتبار الشهادة (أبطل جميعها وحكم على كل واحد منها فلم أغفل المحتج علينا كلام ابن المنذر وقوله في هذه الأخبار؟ 20679 - وقد قال يحيى بن معين: لا يصح في النكاح بلا ولي حديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 20680 - وقال أصحاب الحديث: ليس فيها إلا حديث أبي بردة وقد تكلمنا عليه. 20681 - قالوا: روى عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، بطلان النكاح بغير ولي. 20682 - قلنا: روي عن الحكم قال: كان علي إذا رفعت إليه امرأة تزوجت بغير ولي ودخل بها أمضاه. 20683 - وبينا أن عائشة زوجت حفصة بنت أخيها عبد الرحمن. 20684 - وذكر الزبير بن بكار أن خولة بنت منظور بن زبان بن سيار الفزاري

كانت تحت محمد بن طلحة السجاد، وهي أم إبراهيم بن محمد بن طلحة، قتل محمد يوم الجمل وأختها تحت عبد الله بن الزبير، خطبها الحسن بن علي فزوجها إياه عبد الله بن الزبير فأولدها الحسن بن الحسن فقدم أبوها من البادية فأنكر تزويجها بغير أمره، فلم يبق أحد بالمدينة من قريش إلا اجتمع إيه. فقال له

الحسن: أمرها إليك. وهذه قصة مشهورة من أخبار قريش [كان يجب أن] لا تخفى على الشافعي فكيف يدعي الإجماع في هذا؟ 20685 - قالوا: عقد يفتقر إلى الشهود فافتقر إلى الولي، كنكاح الصغيرة والمجنونة. 20686 - قالوا: والوصف مؤثر في الأصل؛ لأن مالا يفتقر إلى الشهادة فيه ما يصح من الصغيرة، وهو عقد الوصية. 20687 - قلنا: لا تأثير للوصف في المجنونة. 20688 - ولأن افتقار العقد إلى شرط لا يدل على افتقاره إلى ولاية، بدلالة افتقار السلم إلى شروط لا يفتقر البيع إليها ولم يفتقر إلى ولاية، والمعنى في الأصل: أنها لا تملك عقد البيع فلم تملك عقد النكاح وفي مسألتنا لما ملكت عقد البيع بنفسها ملكت عقد النكاح. 20689 - أو نقول: إقرارها بالنكاح لا ينفذ فلم ينفذ عقدها. 20690 - أو نقول: تمام النكاح لا يقف على رضاها، ولما وقف تمام النكاح على

رضا البنت الحرة دل على أنها مالكة له. 20691 - أو نقول: إنما لا تملك التصرف في بدل العقد، وفي مسألتنا: تملك التصرف في بدل العقد بعوض وغير عوض. 20692 - قالوا: عقد تصير المرأة به فراشًا فلا تملكه المستفرشة، أصله: الأمة. 20693 - قلنا: الأمة المانع من ملكها لنكاحها المانع لها من ملك سائر العقود وهم الرق دون ما ذكروه، ألا ترى أن المستفرش الحر يملك العقد؟ ولو كان عبدًا لم يملكه، كذلك المستفرشة، والمعنى في الأمة أن تمام العقد لا يقف على قولها فلم تملكه والحرة بخلاف ذلك. 20694 - قالوا: كل من ملك فسخ عقد غيره ملك الولاية في انعقاده، كالموكل مع وكيله كما ملك فسخ العقد [الذي هو الوكالة كان له ولاية فيه، كذلك الولي يملك فسخ العقد إذا تركت الكفاءة] فكان له ولاية فيه. 20695 - قلنا: إن كانت قد تزوجت بنفسها من غير كفء فالعقد لا ينعقد عندكم فكيف تملك الفسخ، وإن زوجها الولي فليس لولي آخر الفسخ عندنا. 20696 - ولأنه يملك الاعتراض عليها في هذا العقد لنفي الضرر عن نفسه. 20697 - وهذا لا يدل على ثبوت ولايته فيه، [كما يعترض الشفيع على تصرف المشتري فيفسخه ولا ولاية له فيه]، ويعترض الورثة على تبرع المريض بالمحاباة ولا ولاية لهم في عقوده. 20698 - ولأن الموكل يعقد الوكالة لنفسه.

20699 - وعند مخالفنا تصرف الإنسان لنفسه. 20700 - لا يقال: إنه/ تصرف بولاية وإنما الولاية عندهم ما كان في حق الغير 233/ أفكيف يقال على أصلهم: إن للموكل ولاية في عقد الوكالة. 20701 - قالوا: النكاح من اثنين كنكاح المجنونة والأمة. 20702 - قلنا: هذه علة تخالف موضوع الشريعة؛ لأن العقود كلها لا يختلف فيها الأنثى والذكر بل يصح العقد بكل واحد منهما؛ والتعليل إذا أثبت حكمًا يخالف الأصول لم يعتد به. 20703 - ولأن نكاح الأمة والمجنونة يستوي فيه الذكر والأنثى فلا تأثير لكونها أنثى كذلك الحرة العاقلة تساوي الذكر في انعقاد العقد وجوازه. 20704 - قالوا: نقس على بنت خمس عشرة سنة. 20705 - قلنا: المعنى فيها أنه يختلف في وجوب العبادات عليها. 20706 - قالوا: عقد فاعتبر فيه عاقدان سوى المعقود عليه، كالبيع والإجارة. 20707 - قلنا: كذلك نقول؛ لأن المعقود عليه الاستباحة وهي غيرها، كما

أنها إذا أجرت نفسها كالمعقود عليه المنافع وهي غيرها. 20708 - ويبطل بشراء العبد لنفسه من مولاه ولأجنبي آخر وكل العبد ليشتري له نفسه من مولاه. 20709 - قالوا: ما كان شرطًا في نكاح الصغيرة كان شرطًا في نكاح الكبيرة كالشهادة. 20710 - قلنا: الولاية شرط في بيع مال الصغيرة وليست بشرط في بيع مال الكبيرة كذلك انعقاد النكاح مثله، ويبطل ذلك بالبكارة على أصلهم. 20711 - قالوا: زوائد العقد شرط فيه كالشهادة. 20712 - قلنا: لا نسلم أن الولاية من زوائد عقد النكاح؛ لأنها تعتبر عندنا في النكاح في المولى عليها كما تعتبر في العقد على مالها فإن كانت ممن لا يولى عليها لم تعتبر الولاية في نكاحها ولا في مالها، والمعنى في الشهادة أنها لما اعتبرت في إحدى شطري النكاح اعتبرت في الآخر وما لم تعتبر الولاية في جنبه الزوج إذا كان حرا عاقلا بالغا كذلك لا تعتبر في المرأة الموصوفة بهذه الصفة.

20713 - قالوا: المرأة تميل إلى النكاح وتحتاج إلى الأزواج ولا تتمكن من طلب الأصلح ولا تقف على مقاصد هذا العقد، فجعل إلى الأولياء كما جعل العقد على الصغيرة إلى الولي. 20714 - قلنا: النساء لا يعرفن الحظ في الأموال وكيفية التجارات [ثم جاز] لهن العقد على أموالهن، كذلك النكاح. 20715 - ولأن ثبوت الولاية إن كانت ليستدرك بها حظها فهي مالكة لنفسها وقد رضيت بإسقاط هذا الحظ، وإن كان الاستدراك حق الولي فله طريق في استدراك حقه بأن يفسخ عقدها إذا ألحقت به ضررًا فلم يجز أن يبطل عقدها كذلك. 20716 - قالوا: حق الولي إنما يثبت للشين الذي يلحقه بترك الكفاءة، فلو جوزنا عقدها وجعلنا له الفسخ ارتفع الشين في المستقبل ولم يكن استدراك الشين الحاصل بالعقد فلذلك لم ينعقد عقدها. 20717 - قالوا: ولهذا نقول في أحد القولين: إذا زوجها أحد الأولياء غير كفء لم ينعقد نكاحه.

20718 - قلنا: إن كان يمنع تصرفها لهذا المعنى فيجب إذا عقدت بإذنه أنه يجوز عقدها لزوال المعنى فيجب إذ عقدت بإذنه أنه يجوز عقدها لزوال المعنى الذي ذكروه. 20719 - ولأنا لو أبطلنا عقدها هذا لأن الشين يلحقهم به، ألا يصح اختيارها الأزواج ومطالبة الولية بالعقد لأنها تختار من ليس بكفء، وهذا مما يلحق الشين به في العادة؟ 20720 - وعلى أن الأصول موضوعة على أن العقد إذا كان حقًا للإنسان وفيه ضرر على غيره ثبت لذلك الغير حق الفسخ ولم يمنع حقه من الانعقاد، بدلالة: الشفيع، والورثة إذا عقد المريض عقد محاباة، وأحد الشريكين في العبد إذا كاتب نصيبه منه.

مسألة 1028 حكم عقد الفضولي

مسألة 1028 حكم عقد الفضولي 20721 - قال أصحابنا: إذا عقد النكاح لغيره من لا يملك العقد، وقف على إجازة الملاك، إن أجازه جاز وإن أبطله بطل. 20722 - وقال الشافعي: لا ينعقد ولا تلحقه إجازة. 20723 - لنا: ما روى الزهري، عن عروة بن الزبير، عن أم حبيبة، أن النجاشي زوجها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على صداق أربعة الآف درهم بذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقيل: ذكره شيخنا أبو بكر الرازي من طريق أبي داود.

20724 - قالوا: قال الشافعي: قبل النكاح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عمرو بن أمية الضمري وكان وكيل النبي - صلى الله عليه وسلم - وجهه إلى الحبشة في نكاحها. 20725 - قلنا: لو كان كذلك لم يحتج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى القبول، ولكان العقد لا يضاف إلى النجاشي، [لأنه قد قيل إن العاقد عليها كان خالد بن سعيد بن

العاص]، فقوله (زوجها نجاشي) أضاف العقد إليه؛ لأنه ناب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في القبول وإلا لم تكن الإضافة حقيقة وليس يمنع أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - أنفذ عمرو بن أمية الضمري فعقد قبل قوله. 20726 - ويدل عليه: ما روت عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت فتاة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالت: إن أبي ونعم الأب هو زوجني ابن أخيه ليرفع من خسيسته بي، قالت عائشة فجعل الأمر إليها، قالت: إني أجزت ما صنع أبي، ولكني أردت أن تعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيئًا. 20727 - وهذا يدل على وقوف العقد على الإجازة؛ لأن عقد مخالفنا نفذ العقد عليها ولم يقف وإن كانت ثيبًا لم ينعقد ولم تلحقه إجازة. 20728 - فإن قيل: النكاح الموقوف إذا خاصمت فيه بطل ولم تلحقه إجازة. 20729 - قلنا: لم ترد العقد، وإنما استعملت حكمه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 20730 - فإن قيل: كان زوجها غير كفء فوقف العقد على فسخها، والخلاف في الموقف على الإجازة، والدليل على ذلك: يرفع خسيسته بي. 20731 - قلنا: أخبرت أنه ابن أخيه. قال: كفاءة النسب حاصلة وعدم الكفاءة في الدين والمال لا يرتفع بها فلما قالت: (ليرفع خسيسته بي) دل على أنه معنى يزول بتزويجها وما ذلك إلا المحمول وهو غير معتبر في الكفاءة فعلم أن الإجازة كانت لأن

العقد لم ينفذ. 20732 - ولأن الحكم لو تعلق لعدم الكفاءة لم يقبل قولها فيه حتى تقيم البينة عليه. 20733 - ولأنه روي في الخبر أنه قال لها: (أجيزي) فقالت: (قد أجزت) فلو كان كما قالوا لقال: لها لا تفسخي ما صنع أبوك. 20734 - فإن قيل: يجوز ألا يساويها في النسب ويكون ابن أخيه من أمه. 20735 - قلنا: هذه كانت أنصارية لأنها خنساء بنت خدام وهم كانوا لا يزوجون الموالي، فابن أخيه لو كان من أمة لكان من العرب وليس لبعض العرب بعد قريش فضل يقف على انضمام الشطر الآخر إليه، وهو أضعف من جميعه فلأن يقف جميع العقد على معنى من جهة المالك ليتم به أولى. 20736 - ولا يمكن القول بموجبه في نكاح المرتد؛ لأن عندهم إن أسلم بان أن عقوده صحيحة وإن لم يسلم بان أنها باطلة، فأما أن يقف فلا. 20737 - ولا يقال بموجبه في تبرع المريض لأنه لا يقف على معنى من جهة المالك. 20738 - فإن قيل: شرط العقد ألا يقف على ما بعد المجلس.

20739 - قلنا: لا يقف لضعفه، وجملة العقد أقوى فوقف على ما بعد المجلس. 20740 - فإن قيل: الإيجاب ليس بواقف، بل هو صحيح حصل من جهة المالك له فتم. 20741 - قلنا: وكذلك العقد الموقوف صحيح عندنا حصل من جهة المالك له فتم؛ لأن كل واحد يملك أن يعقد لغيره وعقده صحيح لكن الاستحقاق لا يتعلق به فهو كالإيجاب الذي قد صح ممن يملكه ولم يتعلق به استحقاق معنى ينضم إليه القبول. 20742 - قالوا: شطر العقد يقف للضرورة؛ لأنه لا يمكن إيجاب العقود دفعة. 20743 - قلنا: ليس يمتنع أن يثبت النهي في العقد للضرورة ويثبت من غير ضرورة كالخيار الذي ثبت للضرورة فيمن يخالف العين لم يثبت في حق العالم بقيمة المعقود عليه. 20744 - ولأنه عقد لو عقده برضا المرأة صح، فإذا عقده بغير رضاها انعقد كالأب يزوج البكر البالغ. 20745 - فإن قيل: المعنى فيها أن عقده لم يتم عليها.

20746 - قلنا: لم نسلم ذلك، ولأنه عقد له مجيز حال وقوعه فجاز أن يقف على إجازة مجيزه. 20747 - أصله: الوصية بجميع المال. 20748 - فإن قيل: الوصية في حال وقوعها لا مجيز لها؛ لأن الورثة لا تملك الإجازة عند الوصية. 20749 - قلنا: [حال الوصية] حال الانعقاد ووقوع الوصية بعد الموت. 20750 - والدليل على هذا: أن قبول الوصية لا يصح إلا بعد الموت وفرق بين الانعقاد والوقوع، ألا ترى أن من قال لامرأته: إذا دخلت الدار فأنت طالق فقد انعقد اليمين في الحال، والوقوع يفق على وجود الشرط، وإذا كانت الوصية تقع بعد الموت فإنما يجيز في تلك الحال. 20751 - فإن قيل: عندنا أن الورثة يبتدئون التمليك. 20752 - قلنا: الدليل على صحة هذا الأصل قوله عليه الصلاة والسلام: (لا وصية لوارث إلا أن يجيزها الورثة). 20753 - وإن شئت قلت: عقد لم ينفذ بمعنى فجاز أن يقف على [من وقف] العقد من أجله، أصله: إذا أوصى بثلث ماله وعليه دين فأبرأ الغرماء

الميت من دينهم. 20754 - [فإن قيل]: يبطل بالشراء. 20755 - قلنا: يجب أن يقف عندنا إذا اشترى المحجور شيئًا وقف على الإجازة. 20756 - فإن قيل: إن كان معنى قولكم: إنه عقد له مجيزًا. أنها لو أذنت فيه صح بطلت العلة بنكاح المرتدة؛ لأن له مجيزا وهو أن تسلم ثم يعقد ومع ذلك لا يقف عقدها. 20757 - قلنا: الإجازة عبارة عن إمضاء العقد، وهي تملك هذا العقد عند وقوعه بأن تأذن فيه، والإسلام ليس برضا ولا إجازة، إنما المعقود عليه في المرتدة لا يجوز أن يملك. 20758 - فإن قيل: الوصية تصح بالمجهول وتتعلق بالخطر، والبيع بخلافهما. 20759 - قلنا: انتقضت علة الأصل بالطلاق والعتاق؛ لأنهما لا يقفان على الإجازة عندهم مع وجود العلة، وعلة الفرع تنتقض بإيجاب البيع/، لأن 233/ ب) الإيجاب والقبول كل واحد منهما يقف على الآخر على معنى ينضم إليهما، كشهادة الشاهدين، لما وقفت شهادة كل واحد منهما على شهادة الآخر ما جاز أن تقف شهادتهما على حكم الحاكم. 20760 - ولأنه عقد فيه عوض فجاز أن ينعقد غير منبرم من غير نقض، أصله:

البيع. 20761 - ولا يمكن القول بموجبه إذا زوجها غير كفء وكان بأحدهما عيب؛ لأنا قلنا: من غير نقض. 20762 - احتجوا: بحديث جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر). 20763 - قلنا: رواه عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر، وهو ضعيف أدركه مالك فلم يرو عنه، وضعفه سفيان بن عيينة، وقيل: إنه اختلط عليه ما سمعه فصار لا يضبط. 20764 - ولأن العاهر الزاني لا يجوز أن يوصف بذلك العقد، وإنما يوصف به متى وطئ ومتى تزوج ووطئ من غير إذن المولى فحكم الزنا في التحريم، ومفهوم هذا أنه إذا وطئ بعد إجازتهم وإنفاذهم العقد لا يكون عاهرًا. 20765 - احتجوا: بقوله - عليه السلام -: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكحت باطل). ولم يفرقوا بين إجازة الولي، وعدم إجازته. 20766 - قلنا: قد تكلمنا على إسناد هذا الحديث بما يمنع الاحتجاج به والرجوع إليه.

20767 - ولأنه أبطل العقد لاستبدادها به وترك الرجوع إلى إذنه، فمفهومه أنه إذا رضي به وأذن بعد انعقاده صح لزوال المعنى الموجب لبطلانه. 20768 - قالوا: معنى: جعل شرطًا في استباحة المرأة بعقد النكاح، فإذا تأخر عنه وجب أن يكون باطلا، أصله: الشهادة. 20769 - قلنا: يبطل إذا تزوج الحربي أختين أو خمس نسوة، فإن تعيين الأربعة شرط في استباحة المرأة لعقد النكاح ويتأخر ذلك عن العقد عندهم ولا يمنع صحة العقد، فلم يجز أن يتأخر عن الشطرين، ولما جاز يتأخر الرضا في إحدى شطري العقد جاز أن يتأخر عن الشطرين. 20770 - ولأن الشهادة شرط في العقد ليفارق الزنا الذي يقع سرًا فإذا أخرت لم يوجد مقصودها، والرضا اعتبر حتى لا يستحق عليها البضع بغير اختيارها فإذا تأخر الرضا عن العقد فقد يحصل المقصود به ولأن الشهادة إذا تأخرت فليست شهادة على العقد وإنما هي شهادة على الإقرار به، ومتى تأخر الرضا عن العقد فالرضا يحصل بالعقد كما يحصل لو قارنه الرضا. 20771 - ولأن الشهادة لا يجوز أن تتقدم [عن العقد]، فلم يجز أن تتأخر عنه فيما يحصل العقد عليه. 20772 - فإن قيل: الرضا الذي يتم به العقد لا يتقدم عليه، وإنما استصحب الرضا ما لم ينفرد عن العقد فيوجد مع العقد فيصح بذلك لا بما تقدم. 20773 - قلنا: إذا أذن في العقد فلم يخطر بباله العقد حتى عقد فلم يقارن العقد الرضا وإنما قارنه حكم الرضا، كذلك إذا تأخر عنه فلم يقارنه، ولكن أسند حكمه إلى حال العقد عندنا.

20774 - قالوا: نكاح لا تتعقبه استباحة، فوجب أن يكون باطلا، أصله: نكاح المرتدة والمعتدة والخامسة ونكاح المتعة. 20775 - قلنا: يبطل بمن تزوج بصغيرة فالعقد لا تتعقبه استباحة وهو صحيح؛ لأن الاستباحة توجد في الثاني. 20776 - فإن قيل: لو كان لا يستبيح وطء الصغيرة يستباح لمسها والنظر إليها. 20777 - قلنا: بنت يوم لا يستبيح لمسها والنظر إليها بالعقد؛ لأن الأجنبي يجوز له من ذلك ما يجوز للزوج. 20778 - ولأن الاستباحة حكم العقد، وقد يتأخر عن العقد أحكامه ولا يدل ذلك على امتناع انعقاده، ألا ترى أن البيع المشروط فيه الخيار لا يتعقبه شيء من أحكام البيع، وهو بيع منعقد. 20779 - فإن قالوا: هناك تثبت الأحكام بمضي المدة فالعقد وقف على الفسخ، وفي مسألتنا وقف على الإجازة. 20780 - قلنا: يبطل الاحتجاج بتأخر الاستباحة وتعلق الحكم بمعنى آخر وتبطل العلة بالكافر إذا تزوج خمسًا فإن الاستباحة لا تتعقب هذا العقد وتتأخر عنه،

ولا يمنع ذلك انعقاده وصحته عندهم. 20781 - فإن قيل: الاستباحة هناك حاصلة في أربع منهن. 20782 - قلنا: إذا لم يوجب العقد استباحة أربع من خمس لم يصح العقد؛ لأن الإباحة لم توجد في كل واحدة منهن. 20783 - فإن احترزوا فقالوا: عقد لا تتعقبه استباحة استمتاع في عين من الأعيان، فهذا ليس بالاحتراز [لأن الإباحة لا تحصل في واحد من الخمس. 20784 - فإن قالوا: قد استباح الأربعة منهن. 20785 - قلنا: ذلك ليس بعين]، والمعنى في الأصل: أن العقد لا يصح إلا بالتراضي فلم يصح من غير رضا، وفي مسألتنا يصح العقد إذا قارنه الرضا كذلك إذا تأخر عنه. 20786 - ولأن المواضع التي قاسوا عليها يستوي فيها الرضا قبل العقد وبعده. 20787 - قالوا: كل نكاح لا يملك المكلف إيقاع الطلاق فيه وجب ألا يصلح، أصله: مرتد. 20788 - قلنا: الطلاق موضوع لحل العقد ودفع الاستباحة، والنكاح الموقوف ليس في استباحة، فإذا أطلق ارتفع العقد ولم يعمل في الاستباحة فكذلك لم يحكم بوقوعه وإن ثبت بعض حكمه، وهذا كما يقول مخالفنا في عين المكاتب: إنه يؤثر في إسقاط مال الكتابة ولا يقع به العتق، وكذلك نقول نحن في عتق وارث المولى المكاتبة، والمعنى في الأصل ما ذكرناه.

20789 - قالوا: العقود تنقسم إلى: صحيح وفاسد، فإذا كن العقد ليس بصحيح كان فاسدًا. 20790 - قلنا: العقود الصحيحة تنقسم إلى لازم وغير لازم، وهذا عندنا عقد صحيح غير لازم. 20791 - قالوا: هذا العقد لا تتعلق به خصائص النكاح وأحكامه من الطلاق والظهار والإيلاء واللعان، ولو كان عقدا صحيحًا لتعقبت به الأحكام. 20792 - قلنا: البيع المشروط فيه الخيار للبائع لا تتعلق به أحكام البياعات، وهو منعقد، كذلك في مسألتنا. 20793 - قالوا: لو كان تحته أربع نسوة فتزوج خامسة لم يقف النكاح على طلاق إحدى الأربع، ولو جاز أن يقف النكاح لوقف ههنا.

20794 - قلنا: هذه دعوى لا دلالة عليها، ثم هي فاسدة لأن العقد إذا وقف على الرضا لم يدل ذلك على وقوفه على حدوث معنى يصح به العقد. 20795 - ألا ترى أن البيع يقف على إسقاط الخيار باتفاق ولو باع المسلم خمرا لم يقف العقد على أن يصير خلا، ول باع جلد ميتة لم يقف على دباغه؟ كذلك ها هنا يجوز أن يقف العقد على الرضا وإن لم يقف العقد على طلاق إحدى الأربع؛ لأن الخامسة لا يجوز العقد عليها كما لا يجوز العقد على الميتة والخمر. * * *

مسألة 1029 ولاية تزويج الصغار

مسألة 1029 ولاية تزويج الصغار 20796 - قال أصحابنا: يجوز للأخ والعم وسائر العصبات تزويج الصغار. 20797 - وقال الشافعي: لا يجوز أن يزوج الصغار إلا الأب والجد. 20798 - لنا: قوله تعالى: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء}. 20799 - وروى الزهري عن عروة قال: سألت عائشة عن تأويل هذه الآية، فقالت: يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها فيرغب في مالها وجمالها فيريد أن ينكحها بأدنى من صداقها فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن، وأمروا أن ينكحوا من سواهن من النساء. قالت عائشة: ثم إن الناس استفتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد نزول هذه الآية فيهن، فأنزل الله - عز وجل -: {ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن}

إلى قوله: {وترغبون أن تنكحوهن}، [قالت: فقوله: {وما يتلى عليكم في الكتاب} يعني الآية الأولى، وقوله في الآية الأخرى: {وترغبون أن تنكحوهن}] رغبة أحدكم عن يتيمته التي تكون في حجره، حتى تكون قليلة المال والجمال. 20800 - وروي عن ابن عباس في تأويل الآية نحو ذلك. 20801 - فلما منع الله تعالى الولي من تزويج اليتيمة، إلا أن يسقط لها في مهرها، دل ذلك على جواز عقده عليها، والولي الذي يزوج اليتيمة هو ابن العم. 20802 - ولما عاتب الله تعالى في الرغبة عن التيمية القليلة المال، دل على جواز تزويجه، لولا ذلك لم يعاتب في ترك التزويج. 20803 - فإن قيل: المراد بالآية الكبيرة؛ لأنه قال: {التي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن}. 20804 - قالوا: وإنما يصح أن يدفع إلى البالغة. 20805 - قلنا: يعني قوله: {التي لا تؤتونهن ما كتب لهن} أي: لا تزوجوهن خوفًا على خروج ما لهن من أيديكم، ولا تزوجوهن رغبة عنهن. 20806 - ويدل عليه: ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - زوج بنت حمزة، من ابن أم سلمة وقال له: أما كافأتك) وكانت صغيرة.

20807 - ولا يقال: إن وليها كان العباس؛ لأنه يجوز أن يكون زوجها برأيه واختياره، ويجوز أن يكون غائبًا غيبة انتقلت الولاية معها إلى ابن العم. 20808 - فإن قيل: يجوز أن يكون زوجها بولاية الإمامة. 20809 - قلنا: فعندكم لا يجوز للإمام ولا القاضي تزويج اليتيمة فالخبر دليل عليكم. 20810 - وقد روى عن عمر، وابن مسعود، وابن عمر، وزيد بن ثابت، وأم سلمة، وعائشة، وابن عباس جواز تزويج غير الأب والجد الصغيرة. 20811 - وذكر الطحاوي عن أبي داود يزيد الأزدي قال: كنت عند علي 234/ أبعد العصر إذ أتى برجل فقالوا: / وجدنا هذا في خربة مراد، ومعه جارية تخضب قميصها بدم، فقال له: ويحك ما هذا الذي صنعت، فقال: أصلح الله أمير المؤمنين كانت بنت عمي ويتيمة في حجري، وهي غنية بالمال، وأنا رجل قد كبرت وليس لي مال، فخشيت إن كبرت أن ترغب عني فتزوجتها. قال- وهي تبكي-: أتزوجتيه؟ فقائل من القوم يقول لها: قولي نعم، وقائل يقول لها: قولي لا، فقالت نعم تزوجته، فقال: خذ بيد امرأتك ولا يعرف لهؤلاء في الصحابة

مخالف. 20812 - ولأنه عصب له قول صحيح، فجاز أن يملك تزويج الصغيرة بالنسب كالجد. 20813 - ولأن العم يدلي بالجد، كأبي الجد، ولأنه له الاعتراض في الكفاءة بعد بلوغها فصار كالجد. 20814 - فإن قيل: المعنى في الجد أنه يلي في مالها، فولي في نكاحها مع صغرها، والعم لا يلي في مالها، فلم يل في نكاحها مع صغرها. 20815 - قلنا: علة الأصل تبطل بالأب، يلي في مال الثيب الصغيرة ولا يزوجها، وكذلك الحاكم والوصي، وعلة الفرع تبطل على أصلهم بالأب في البكر البالغ. 20816 - فإن قيل: المعنى في الأب والجد أن عقدهم عليها يلزم، فملكوا تزويجها حال صغرها والعم لا يلزم عقده عليها. 20817 - قلنا: عدم الالتزام فرع لنا على جواز النكاح ولا يصح أن يعارضوا فيه وهم لا يقولون به، ثم علة الفرع تبطل بالمولى إذا زوجها عبدًا، وإن ملك العقد عليها.

20818 - ولأنه عقد فيه عوض، فجاز أن يملكه على الحرة الصغيرة غير الأب والجد. 20819 - أصله: عقد البيع والإجازة. 20820 - ولأنها لا تملك التصرف في مالها، فملك النكاح عليها. 20821 - أصله: من لها أب. 20822 - ولأنه ولي من لا ينفذ تصرفه في نفسه وماله، فجاز أن يعقد لها النكاح كالأب. 20823 - ولا يلزم المكاتبة الصغيرة؛ لأن تصرفها في نفسها بالإجازة. 20824 - والدليل على أنه وليها: أنه ولي أختها الكبيرة، ويستحيل أن يلي بالنسب على إحدى الأختين دون الأخرى. 20825 - ولأن ولاية الأب في حال الصغر تثبت في المال والنفس، وجاز أن تنتقل ولايته في المال إلى من لا ولاية لها في نفسها وهو الوصي، فجاز أن تنتقل الولاية في النفس إلى من لا تثبت له ولاية في المال وهو العم. 20826 - والدليل على أن الحاكم يزوج الصغار: أنه أحد نوعي الولاية يملكه الحاكم على الصغيرة بولاية القضاء كولاية المال. 20827 - ولأنه يلي في مالها من غير تولية، كالأب. 20828 - ولا يقال: المعنى في الأب أن عقده يلزم؛ لأن عقد الحاكم يلزم في إحدى الروايتين. 20829 - احتجوا بما روي عن عبد الله بن عمر قال: زوجني خالي قدامة بن مظعون

ابنة أخيه عثمان بن مظعون فأتى المغيرة بن شعبة أمها فأرغبها في المال، فمالت إليه وزهدت في، فجاء قدامة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أنا عمها ووصي أبيها وزوجتها من عبد الله بن عمر، وقد عرفت فضله، وما نقموا منه إلا أنه لا مال له، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إنها يتيمة وإنها لا تنكح إلا بإذنها). 20830 - الجواب: أن هذه كانت بالغة. 20831 - والدليل عليه: قوله: (إنها لا تنكح إلا بإذنها) وهذا لا يقال فيمن لا إذن لها، والدليل: ما روي أن أمها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إن ابنتي تكره ذاك، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يفارقها، ونقل الحكم مع السبب فجعله علة فيه، فدل على أن التفريق كان لكراهيتها وهذا لا يكون إلا في البالغ. 20832 - وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إنها يتيمة واليتيمة أولى بأمرها) وهذا لا يكون إلا في البالغة. 20833 - وروي أن ابن عمر قال: فدخل المغيرة إلى أمها فأرغبها في المال، فخطب إليه، وخبط الجارية إلى هوى أمها، حتى ارتفع أمرهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال قدامة: يا رسول الله ابنة أخي وأوصى بها إلي فزوجتها ابن عمر، ولم [أقصر بالصلاح] والكفاءة، ولكنها امرأة وإنها إلى هوى أمها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

(هي يتيمة لا تنكح إلا بإذنها) فانتزعت مني بعد أن ملكتها، فتزوجها المغيرة بن شعبة. 20834 - فقوله: خطب الجارية إلى هوى أمها، يدل على أن لها رأيا. 20835 - وقوله قدامة: إنها امرأة وإنها إلى هوى أمها يدل على بلوغها؛ لأن الصغيرة لا يقال لها امرأة. 20836 - وقول ابن عمر: انتزعت مني بعد أن ملكتها. يدل على أن النكاح صح والتفريق للجواز. 20837 - وروى أنه قال: زوجنيها خالي قدامة بن مظعون ولم يشاورها في ذلك وهو عمها، فكلمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك فرد نكاحها، فأحبت أن ينكحها المغيرة. 20838 - وقوله: فأحبت أن يتزوجها المغيرة فزوجها، يدل على أنها كانت بحيث يجوز تزويجها، وإنما منع العقد لفقد إذنها. 20839 - وروي أن أم الجارية قالت للجارية: لا تجيزي. فكرهت الجارية النكاح فأعلمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك فرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نكاحها، فنكحها المغيرة بن شعبة. 20840 - ذكر كل هذه الألفاظ الدارقطني في طريق الخبر وإن كانت كثيرة لم يكن لمخالفنا فيها حجة. 20841 - وسماها (يتيمة) لقرب عهدها باليتم، ثم أجاز نكاحها من المغيرة ابن شبعة عقب المفارقة؛ لأنه ذكر ذلك بلفظ يفيد التعقيب. 20842 - قال مخالفنا: اليتيمة: الصغيرة شرعا ولغة، أما الشرع: فروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يتم بعد حلم).

20843 - وري أن [نجدة] كتب إلى ابن عباس - رضي الله عنه -: متى ينقطع عن الصبي اليتيم؟ فقال: إذا أونس منه الرشد. 20844 - وأما اللغة: فإنه لا يقال للكهل هذا يتيم وإن فقد أباه، فلم يحمل الخبرة على الكبيرة. 20845 - قلنا: فقد قال في الخبر: (إنها امرأة) وهذا لا يتناول، كما لا يقال للصبي: رجل. 20846 - وقد تسمى الكبيرة يتيمة لقرب عهدها باليتم، والدليل عليه: الشرع ذكر أبو داود: حديث أبي سلمة عن أبي هريرة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فهو إذنها، وإن أبت فلا جواز عليها). 20847 - وأما قوله - عليه السلام -: (لا يتم بعد حلم) فهو لا يعلمنا الأسماء وإنما يعلمنا الأحكام فبين أن أحكام اليتم ترفع بالحلم وهذا لا يدل على أنها اسمه. 20848 - وخبر ابن عباس دلالة عليهم؛ لأنه قال: ينقطع اليتم إذا أونس الرشد. فهذا يدل على أن اليتم يبقى بعد البلوغ. 20849 - فأما قولهم: إنهم لا يسمون الكهل يتيمًا. فكذلك، ولكنهم يسمون الصبي عقيب بلوغه يتيما، لا يمنع من ذلك أحد. 20850 - فإن قيل: النبي - صلى الله عليه وسلم - علق الحكم باليتم، وعندكم لا يتعلق به حكم. 20851 - قلنا: وقد روي أنه علق بالكراهة، ثم ذكر اليتم لا يدل على أن الحكم المذكور يختص به، كقوله تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا}.

20852 - وقال: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن}. 20853 - ثم قال: {ويسئلونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير}. 20854 - وفي هذه المواضع لا يختص الحكم بالمذكور في اليتم، بل اليتم وغيره فيه سواء، وإنما خص الله - عز وجل - اليتامى بالذكر لأن شفقة الأب تعني عن وصية تحفظ ولده، أما غير الأب فلا توجد فيه هذه الشفقة، فاحتاج إلى الوصية. 20855 - كذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر اليتيمة؛ لأن التي لها أب شفقته تغني عن الاستظهار، وولي اليتيمة لا يوجد فيه هذا المعنى، فبين أن تصرفها يجب أن يكون بإذنها وإن كانت ذات أب كذلك، وسماها يتيمة ليبين أن قرب عهدها باليتم لا يمنع أن يتعلق جواز النكاح بإذنها وقولها. 20856 - فإن قيل: لو ثبت أنها كبيرة لم يقدح في استدلالنا؛ لأن قوله - عليه السلام -: (إنها يتيمة) تعليل يقتضي أن يتعلق الحكم به في البالغ والصغيرة والواجب أن يتبع الحكم العلة دون صفة المرأة التي لم تذكر. 20857 - قلنا: قد روي ما ذكرتم، وروي أن أمها قالت: إنها تكره ذلك. فرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نكاحها [وهذا يقتضي أن الحكم تعلق بكراهتها. 20858 - وروي أنه زوجها ولم يشاورها، فكلمت النبي - صلى الله عليه وسلم - فرد نكاحها]. 20859 - وهذا يدل على أن علة التفريق لترك المشاورة والقصة قصة واحدة، فلو وجب لتعلق الحكم بالعلة التي ذكروها دون ما ذكرنا. 20860 - ثم قالوه: فاسد؛ لأن هذا الكلام لا يكون تعليلا للحكم؛ لأنه ينقض، ألا ترى أن اليتيمة بإجماع يزوجها جدها بغير إذنها، ومتى عللنا الحكم بكراهتها، وبأنها لم تشاور لم تنتقض العلة، والظاهر أن تعليل الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يرد عليه بالنقض.

20861 - قالوا: لا يلي في مالها بنفسه، ولا يلي تزويجها بغير إذنها كالأجنبي. 20862 - قلنا: الولاية في المال والنكاح تفترق، بدلالة: أن الوصي يلي في المال دون البضع، وكذلك الحاكم عندهم، والمرأة البالغة تلي في مال نفسها ولا تلي في نكاحها، وكالأب يلي على البكر البالغ عندهم ولا يلي في مالها، فلم تعتبر إحدى الولايتين بالأخرى. 20863 - والمعنى في الأجنبي: أنه لا يملك الاعتراض عليها بعد البلوغ [في الكفاءة فلم يملك التزويج قبله، والعشيرة يثبت لها الاعتراض عليها بعد البلوغ] فملكت التزويج قبله. 20864 - قالوا: لا ينبرم عقده عليها من غير نقض، فلو كان له ولاية لانبرم/ 234/ ب عقده كالأب والجد. 20865 - قلنا: عقد الانبرام لا يمنع الانعقاد. 20866 - ألا ترى أن المولى إذا زوج عبده أمته لم ينبرم عقده وإن كان صحيحًا؟

20867 - فإن قيل: هناك نقض. 20868 - قلنا: زوال الكفاءة معنى طارئ غير مؤثر في النكاح. 20869 - ولأنه عقد لا يبرم لأنه يلي في البضع، ولا ولاية في المال، والنكاح لا يخلو من المال، فثبت الخيار لتصرفه فيما لم يجعل له فيه ولاية. 20870 - ولأنه لا يمكن إبطال تصرفه في المهر إلا بإبطاله في البضع؛ لأن الولاية تترتب بحسب الشفقة على المولى عليه فشفقة الأب والجد كاملة، فنفذ تصرفهما في المال والبضع، ولم يثبت فيه خيار، وشفقة العم ليست كاملة. 20871 - ولأنه لا يؤمن منه الخيانة الباطنة، وتؤمن منه الخيانة الظاهرة فلذلك ولي في البضع دون المال؛ [لأن الخيانة منفي البضع في ترك الكفاءة، وذلك فيما يمكن استدراكه، والخيانة الباطنة هي في المال] وذلك مما لا يظهر، فتستدرك فلم ينفذ تصرفه في المال، وأثر ذلك في إثبات الخيار، [في النكاح الذي لا ينفك عن المال]. 20872 - [قالوا: خيار لها فلا يثبت في النكاح كخيار الثلاث. 20873 - قلنا: ثبوت الخيار] فرع على الانعقاد، وعندهم لا ينعقد ولا معنى للاستدراك بأصولنا. 20874 - ولأن خيار الثلاث [ثبت بالشرط] وهذا الخيار ثبت من طريق الحكم، وقد ثبت في العقود الخيار الحكمي، ولا يثبت بالشرط كعقد الصرف.

20875 - قالوا: لا يملك إجبارها على النكاح بعد البلوغ، فلم يملك تزويجها حال الصغر، أصله: الأجنبي. 20876 - قلنا: الوصف غير مسلم؛ لأنه يجبرها بعد البلوغ [إذا كانت مجنونة، وتنعكس العلة بالغلام: لا يملك الأب إجباره بعد البلوغ] ويملك تزويجه حال الصغر، ويبطل بولاية الأب في بيع المال لا يملك الاتجار فيه بعد البلوغ ويملك قبله. 20877 - والمعنى في الأجنبي: أنه لا يرثها ولا يقوم مقام من يرثها فلا يملك تزويجها، والعلم يرثها بنسب غير منقطع فملك تزويحها. 20878 - ولا يلزم الحاكم؛ لأنه يقوم مقام من يرثها. 20879 - قالوا: يجري بينهما القصاص، كالأجنبي. 20880 - قلنا: هذا المعنى لا يدل على انتفاء ولايته في حال الكبر، كذلك لا يدل على إبطال حال الصغر. * * *

مسألة 1030 إجبار البكر البالغة على النكاح

مسألة 1030 إجبار البكر البالغة على النكاح 20881 - قال أصحابنا: لا يجوز للولي إجبار المرأة البالغة على النكاح. 20882 - وقال الشافعي: يجوز للأب والجد تزويج البكر البالغة وإن كرهت.

20883 - لنا: ما روى عكرمة عن ابن عباس، أن رجلا زوج ابنته وهي بكر كارهة فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - (فخيرها) ذكره أبو داود. 20884 - فإن قيل: يجوز أن يكون زوجها غير كفء. 20885 - قلنا: إذا نقل الحكم مع السبب فالظاهر تعلقه به، وتعليقه بغيره يحتاج إلى دليل وقد نقل الحكم وهو التخيير، والسبب وهو الكراهة. ولم يذكر سببًا آخر. 20886 - وروى ثابت، عن أنس قال: جاءت جارية إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، إن أبوي زوجاني ولم يستأمراني، فهل لي من شيء، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (اتقي الله في أبويك). يرددها ثلاثًا.

20887 - وروى ابن أبي ذئب، عن نافع، عن ابن عمر، أن رجلا زوج ابنته بكرا فكرهت فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فرد نكاحها. 20888 - وروى عبد الرحمن بن السلماني، عن ابن عمر، قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينزع النساء من أزواجهن ثيبات وأبكارًا إذا كرهن ذلك بعد ما يزوجهن آباؤهن وإخوانهن)، ذكر هذه الأخبار الثلاثة أبو بكر الرازي بأسانيده. 20889 - وقد روي أن خنساء بنت خدام زوجها أبوها وهي بكر، رواه ابن المبارك، عن سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم عن [عبد الله بن يزيد بن وديعة] عن خنساء بنت خدام قالت: أنكحني أبي وأنا بكر، فشكوت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: (لا تنكحها وهي كارهة). 20890 - ولا يعارض هذا ما روى أنه زوجها وهي ثيب؛ لأنه يحتمل أن يكون زوجها وهي بكر. ثم زوجها وهي ثيب فتصح الروايتان.

20891 - وروى يحيى بن أبي كثير، عن [أبي سلمة]، عن أبي هريرة، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تنكح الثيب حتى تستأمر ولا البكر حتى تستأذن). قالوا: وكيف إذنها يا رسول الله؟ قال: (الصمت). 20892 - فإن قيل: إما أمر باستئذانها لتطيب القلوب، كما روى ابن عمر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أمروا النساء في بناتهن). 20893 - قلنا: ظاهر النهي عن التزويج بغير الاستئذان، لن يدل على كون الأمر شرطا، وكذلك أمر بالاستئذان لن يدل على وجوبه فحمله على الاستحباب عدول عن الظاهر، وليس إذا عدل في موضع بالإجماع وجب تركه في غيره. 20894 - على أن قوله: (أمروا النساء في بناتهن) محمول عندنا على المرأة التي لا ولي لبناتها سواها.

20895 - ولأنه يصح إقرارها بعقد النكاح على نفسها، فلا يصح عقد الغير عليها إلا برضاها كالثيب والغلام، يبين ذلك أنها لو قالت: زوجني أبي فلانًا بإذني فصدقها الزوج، وكذلك الأب كان القول قولها. 20896 - ولأنها تملك المطالبة بالأزواج، ولو امتنع الأب من تزويجها مع مطالبتها زوجها الحاكم، فلا يجوز تزويجها مع كراهتها كالثيب. 20897 - ولأن الرضا يعتبر من حق من لا يملك المطالبة، ألا ترى أن المكاتبة لا تملك مطالبة مولاها بالنكاح [ولا تملك] الامتناع من عقده فإذا ملكت البكر مطالبة وليها بالنكاح فلأن يعتبر رضاها أولى. 20898 - ولأن كل عقد لا يملك إجبار الثيب عليه لا يملك إجبار البكر، كالبيع والإجارة. 20899 - فإن قيل: المعنى في الثيب أنه يعتبر في جواز العقد عليها نطقها ولما لم يعتبر نطق البكر في العقد عليها لم يعتبر إذنها. 20900 - قلنا: الثيب [لا يقف] العقد على نطقها؛ لأنها لو كتبت جاز، والبكر قد يعتبر في نكاحها نطقها إذا زوجها غير الولي، فكان الرضا معتبرًا فيهما جميعًا إلا أنه يعتبر في البكر بالسكوت؛ لأن القول يتعذر للحياء في ذلك غير متعذر في الثيب. 20901 - فإن قيل: المعنى في الثيب أن الأب لا يقبض مهرها إلا بإذنها والبكر يقبض مهرها بغير إذنها. 20902 - قلنا: عندنا لا يملك الأب قبض مهر البكر بغير إذنها، بدلالة: لو نهته عن قبضه لم يجز أن يقبضه وإنما يقبض ما لم تنهه لأنها راضية بقبضه في العادة فيصير

مأذونًا من جهتها بالعرف. 20903 - ولأنه لا يملك تزويج أختها بغير إذنها فلا يملك تزويجها بغير إذنها كالأخ والعم. 20904 - [فإن قيل: ولاية العم أنقص لأنه لا يلي] في المال ولا يثبت عقده على الصغيرة. 20905 - قلنا: فالأب لا ولاية له في مال الكبير وإن كانت ولايته عندكم بحالها، وإنما لم يثبت عقده على الصغيرة لمعنى يعود إلى تصرفه في المال. 20906 - ولأن الأب له في حال الصغر ولايتان: إحداهما في المال، والأخرى في البضع، فإذا زالت إحدى الولايتين بالبلوغ زالت الأخرى. 20907 - ولأنه عقد بعوض فلا يملك إجبارها عليه، كالبيع. 20908 - ولأنه عقد يتناول المنافع، كالإجارة. 20909 - احتجوا بقوله تعالى: {وأنكحوا الأيامى منكم}. 20910 - الجواب: أن هذا أمر فيحمل على الوجوب، ولا يجب على الولي تزويجها إلا إذا طالبت بذلك ومتى طالبته صح عقده بالإجماع. 20911 - ولأن هذا خطاب لجميع الأولياء بتزويج الأبكار والثيبات، وقد أجمعوا أن المراد به في غير الأب والجد إذا زوجها بإذنها فكذلك المراد به في الثيب، فيكون هو المراد في الباقي. 20912 - ولأن اللفظ تناول الجميع على وجه واحد.

20913 - احتجوا: بحديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها). 20914 - قالوا: فقابل الأيم بالبكر، وفي مقابلة البكر للثيب جعل الثيب أحق بنفسها من وليها، فدليله أن ولي البكر أحق بنفسها. 20915 - ولأنه - عليه السلام - فرق بين البكر والثيب ولا فرق بينهما، إلا أن إحداهما [لا تجبر] والأخرى يجوز إجبارها ويكون استئذانها مستحقا لأنه لو كان لا يجوز لقال: إنهما أحق بأنفسهما. 20916 - الجواب: أن قوله: (الأيم) يتناول التي لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبًا وهي في النساء كالعزب في الرجال. 20917 - الدليل عليه: قوله - عليه السلام -: (إلا أبو أيم ينكحها عثمان). 20918 - وقوله: (لا تؤخر الأيم إذا أصيب لها كفؤًا) ولم يرد الثيب خاصة. 20919 - وأنشدوا فيه:

20920 - فإن تنكحي أنكح وأن تتأيمي .... مدى الدهر ما لم تنكحي أتأيم 20921 - وقد حكى هذا القول عن الكسائي، وأبي عبيدة، فعلى هذا قد أفاد الخبر أن البكر والثيب أحق بأنفسهما. 20922 - ثم بين حكمًا آخر تخالف فيه البكر الثيب، وهو صفة الإذن. 20923 - وأما قولهم: إنه قابل البكر بالثيب. فليس بصحيح؛ لأنا قد بينا أن الأيم اسم للأمرين، فذكر البكر هو بيان الحكم لبعض الأيامى وليس بمقابلة، كقوله تعالى: {يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر ياليتني كنت ترابا}، ولم يرد بذلك مقابلة الكافر بالمسلم ثم المرء اسم للجميع، ثم خص بعض المذكورين بحكم آخر. 20924 - فأما قولهم: إنه فرق بين البكر والثيب ولا فرق بينهما إلا الإجبار. فليس بصحيح؛ لأنه سوى بينهما في الحكم الأول وفرق بينهما في الحكم الثاني وهو صفة الإذن. 20925 - وقولهم: إن الإذن للاستحباب. ترك للظاهر/ ومن أثبت الفرق وحمل 235/ أالإذن على الوجوب أولى.

20926 - قالوا: فقد روى: (الثيب أحق بنفسها من وليها) فدليله أن ولي البكر أحق بها. 20927 - قلنا: قوله (الأيم) أعم، فالظاهر أن أصل الخبر عام؛ لأن الراوي يجوز أن ينقل الخاص بعد سماعه العام، ولا يجوز أن يسمع الخاص فينقل العام، ولا يجوز جعلهما خبرين لما في ذلك من إثبات خبر بالشك، لاسيما والراوي واحد. 20928 - ولأن الرجوع إلى دليل الخطاب في مقابلة ما رويناه من الأخبار الظاهرة لا يصح، بل الرجوع إلا الألفاظ التي قدمناها وترك دليل اللفظ [المختلف فيه] لأجلها. 20929 - ولأن لفظة (أحق) عندهم تقتضي الاشتراك، [فدليل اللفظ] يقتضي أن للبكر حقًا وعند مخالفنا لا حق للبكر في نفسها، وإنما لها حق في المطالبة بالعقد. 20930 - ولأن دليل الخطاب- إذا سلمنا أنه كالنطق- اقتضى عمومه أن ولي البكر أحق بها والدا كان أو غيره، ولا يمكن حمل ذلك على العموم إلا أن يكون معناه أحق بحفظها وضمها إليه، وتفارق في ذلك الثيب؛ لأن ولي الثيب ليس له ضمها

إلى نفسه بل لها أن تنفرد بنفسها وتكون حيث شاءت، وكان استعمال الدليل على عمومه أولى من تخصيصه. 20931 - احتجوا: بما روى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فهو إذنها، وإن أبت فلا جواز عليها). واليتيمة هي التي لا أب لها، فدليله أن من لها أب لا تستأمر. 20932 - الجواب: أن اليتم إذا أريد به فقد الأب تناول الصغيرة خاصة، والصغيرة لا تستأمر، والكبيرة التي لا تستأمر لا تسمى يتيمة، فلم يبق إلا أن يحمل الخبر على المرأة التي انفرد عنها الأزواج، وقد حكى ثعلب عن ابن الأعرابي أن تلك تسمى يتيمة. 20933 - ولو سلمنا ما قالوه: لم يصح اعتبار الدليل؛ لأن اليتيمة اسم وليس بصفة، ودليل الاسم لم نقل به، [ولو جاز اعتباره كان قوله - عليه السلام -: (تستأمر اليتيمة) يدل على أن الجد لا يجبر اليتيمة] وهذا دليل عليهم، ومتى دل نطق الخبر على إبطال قولهم، ودليله على صحته كان التعليق بالمنطوق المتفق على الاستدلال به أولى من التعليق بالدليل المختلف فيه.

20934 - قالوا: كل من لم يفتقر نكاحها إلى نطقها مع قدرتها عليه لم يفتقر إلى رضاها، ودليله: البكر الصغيرة، وعكسه: الثيب. 20935 - قلنا: [لا نسلم أن نكاح البكر لا يفتقر إلى نطقها؛ لأن أخاها لو زوجها في حياة الأب لم يجز إلا بنطقها، وقولهم]: إن نكاحها لا يفتقر إلى نطقها مع قدرتها عليه غير مسلم؛ لأن النطق يسقط عندنا في البكر لتعذره وحصول المشقة فيه، وهذا المعنى فهم بالشرع ودلت عليه العادة، وقد يسقط الشيء تارة لأنه لا يقدر عليه وتارة للمشقة وإن كان يقدر عليه. 20936 - بدلالة: المسافر إذا كان معه ماء وهو يخاف العطش، والمعنى في الصغيرة: أن رضاها [لا يعتبر في سائر العقود، كذلك لا يعتبر في نكاحها. 20937 - أو نقول: لم يعتبر رضاها في العقد على أمتها] فلم يعتبر في العقد على نفسها، ولما اعتبر رضا البالغة في العقد على أمتها كذلك في العقد على نفسها. 20938 - أو: لأنها لا تملك المطالبة بالعقد فلم يعتبر رضاها، ولما ملكت هذه المطالبة بالعقد لم يصح عليها بغير رضاها. 20939 - قالوا: باقية على بكارة الأصل، فوجب ألا يعتبر إذنها في تزويج الأب. 20940 - أصله: قبل البلوغ. 20941 - قالوا: باقية على بكارة الأصل؛ لأن الشافعي - رضي الله عنه - قال: إن البكارة قد تذهب ثم تعود، فإذا عادت لم يكن لها حكم الأبكار. 20942 - قلنا: الصغيرة لا يعتبر إذنها لصغرها، وهذه علة موجودة في الأصول،

بدليل سائر الولايات، فتعليل الأصل بما يؤثر في الولاية بإجماع أولى من تعليله بما لا تأثير له في الأصول. 20943 - ولأن تخصيص نكاح الأب لا معنى له؛ لأن من ولي الأب عليها ولي غيره عليها، ومتى سقطت ولاية الأب عنها سقطت ولاية غيره، والمعنى في الصغيرة ما قدمنا. 20944 - قالوا: ما لا يعتبر في نكاح الصغيرة لا يعتبر في نكاح البكر البالغة أصله: النطق. 20945 - قلنا: لا نسلم الأصل؛ لأن النطق عندنا معتبر في نكاح البكر إذا زوجها غير الولي. 20946 - ولأن النطق قد سقط فيما يعتبر فيه الرضا، بدلالة: سقوط حق الشفيع إذا سقط عن المطالبة، وسقوط الحق عن الرد بالعيب إذا عرض المشتري السلعة على البائع والإباحة لا يعتبر فيها النطق إذا قدم الرجل طعامه إلى غيره ورضاه معتبر. 20947 - قالوا: الولاية إذا لم تزل بالبلوغ على الإطلاق فإنه لا يزول شيء منها، أصله: المجنون إذا بلغ. 20948 - قلنا: إن كنتم تعنون بهذا جواز قبض الأب مهرها فما ذاك بالولاية وإنما هو بالوكالة، بدلالة: أن لها منعه من القبض، ولهذا يقبضه قبل البلوغ [مع الثيوبة

ولا يقضه بعد البلوغ] إذا وطئت بشبهة. 20949 - قالوا: ولاية متعلقة بنكاح صغيرة فوجب ألا تزول بالبلوغ، كالولاية في طلب الكفاءة. 20950 - قلنا: طلب الكفاءة ليس بولاية، وإنما يستوفي الولي بالمطالبة حق نفسه ليدفع عنها الشين، ألا ترى: أنها إذا كانت بالغة ثيبًا فرضيت بترك الكفاءة ثبت له المطالبة، ولو كان ذلك من حيث الولاية عليها سقط برضاها. * * *

مسألة 1031 تزويج الثيب الصغيرة

مسألة 1031 تزويج الثيب الصغيرة 20951 - قال أصحابنا: يجوز للولي أن يزوج الثيب الصغيرة. 20952 - وقال الشافعي: لا يجوز تزويجها حتى تبلغ. 20953 - لنا: قوله تعالى: {وأنكحوا الأيامى منكم}. (والأيم التي لا زوج لها). 20954 - فإن قيل: إطلاق الأيم والأرملة [التي لا زوج لها] يتناول الكبيرة. 20955 - قلنا: غير مسلم، بل يتناول الجميع، بدلالة قوله - عليه السلام -: (إلا أبو أيم ينكحها عثمان) ولم يقصد بذلك الكبار خاصة. 20956 - وقال الشاعر:

20957 - ومن أيم قد أنكحتها رماحنا .... وأخرى على عم وخال تلهف. 20958 - ولم يقصد تخصيص الكبار. 20959 - فإن قيل: قوله [وأنكحوا] أمر فيحمل على الوجوب، ولا يجب على الولي التزويج إلا بمطالبتها بعد بلوغها. 20960 - قلنا: إنما لا يجب عليه تزويج الكبيرة إلا بمطالبتها، فأما الصغيرة فإن كان الحظ لها في تزويجها كشرف الزوج أو لكثرة المهر، وجب عليها أن يعقد، ولم يسعه تفويت ذلك عليها. كما لا يسعه تفويت مصالحها، ويدل عليه: قوله - عليه السلام -: (لا نكاح إلا بولي) ولم يفصل. 20961 - فإن قيل: لا نسلم أن ههنا نكاحًا. 20962 - قلنا: الاسم ثبت باللغة، فإذا ثبت الاسم تبعه الحكم، ولأن من ملك الأب التصرف في مالها ملك في تزويجها كالبكر. 20963 - فإن قيل: الولاية في المال قد تنفرد عن التزويج. 20964 - قلنا: في حق الأب لا تنفرد؛ لأن كل أب يلي في المال، يلي في التزويج، وقد يلي الأب في نكاح البالغ عندهم وإن لم يل في مالها، فصارت ولاية النكاح أوسع. فثبوتها للأب الولي في المال أولى. 20965 - ولأنها أحد نوعي الولاية فجاز أن تثبت للأب على الثيب الصغيرة، كولاية المال.

20966 - ولأنه ليس لها قول في نفسها فملك الأب تزويجها بولايته كالبكر. 20967 - ولأن كل حال يملك الأب تزويج المجنونة ملك تزويج الصغيرة، أصله: حال البكارة. 20968 - ولأن الصغر حال لثبوت الولاية، فاستوى فيه البكر والثيب بحال الرق. 20969 - ولأنها لا تملك المطالبة بالعقد [فملك الأب أن] يعقد عليها بولايته كالبكر. 20970 - ولأنه عقد بعوض فجاز أن يملكه الأب على الثيب الصغيرة، كالبيع والإجارة. 20971 - [فإن أسقط ذكر الأب فعل] فجاز أن يملك على الحرة الصغيرة الثيبت حتى لا يقولوا بموجبه في الأمة؛ لأن للثيوبة معنى في المولى عليه لا يوجب انتقال الولاية إليه فلا يوجب زوال الولاية عنه، أصله: فوات الأعضاء. 20972 - ولا يلزم العتق؛ لأنه لا يسقط الولاية [عن الصغيرة] وإنما تنتقل من الولي إلى العصبة. 20973 - ولأن الأب يجوز له تزويج أمتها، فجاز له تزويجها، أصله: البكر. 20974 - فإن قيل: المعنى في البكر إنها لم تختبر المقصود بالعقد وهو الجماع فلذلك أجبرت، والثيب قد اختبرت المقصود بالعقد فلم يجز إجبارها. 20975 - قلنا: اختبارها لما لم يؤثر في جواز تصرفها لم يؤثر في انقطاع الولاية عنها، كما أنها لو اختبرت المال وعرفت التصرف فيه لم تزل الولاية عنها؛ لأن اختبارها لم يؤثر في جواز تصرفها.

20976 - فإن قيل: البكر لم يحدث فيها معنى لو حدث في الكبيرة أثر في الولاية، والثيب حدث فيها معنى لو حدث في الكبيرة أثر في صفة إذنها. 20977 - قلنا: صفة الإذن تختلف بالمشقة التي تلحق بإظهار نكاحها، فهو كالخرس المؤثر في صفة إذنها حال الكبر. 20978 - ولأن من جاز للأب تزويجها [إذا كانت بكرا جاز تزويجها] وإن كانت ثيبا، كالمجنونة والغلام. 20979 - فإن قيل: المجنونة ليس لزوال جنونها حال تنتظر، فحكم تزويجها حكم الأمة، والثيب لزوال صغرها وقت يترقب. 20980 - قلنا: يبطل بالبكر. 20981 - فإن قيل: المعنى في الغلام أنه لا يفوت عليه بالنكاح غرضا؛ لأنه يتخلص منه متى شاء، والثيب تسترق بالنكاح فلا تقدر على التخلص منه. 20982 - قلنا: الغلام وإن قدر أن يتخلص من العقد فما يقدر أن يتخلص من أحكامه. 20983 - وأما الثيب فهي تسترق بالنكاح كما تسترق البكر، فلم منع ذلك نكاح

الثيب الصغيرة ولم يمنع نكاح الثيب الكبيرة. 20984 - احتجوا: بما روى أبو داود بإسناده، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تنكح الثيب حتى تستأمر، ولا البكر حتى تستأذن). 20985 - قالوا: يا رسول الله وما إذنها؟ قال: (أن تسكت). 20986 - الجواب: أن المراد بالثيب الكبيرة، بدلالة: أنه جمع بينها وبين البكر في وجوب الاستئذان، وخالف بنيهما/ في صفة الإذن، والبكر التي تستأذن الكبيرة، 235/ ب كذلك الثيب. 20987 - ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يجوز أن يعلق الحكم بغاية وهو لا يتعلق بها حتى يتقدم عليها غاية أخرى، ومعلوم أن الصغيرة الثيب لا يتعلق جواز النكاح بإذنها حتى يتقدم عليها علة البلوغ، والبالغة يتعلق الحكم بإذنها فعلم أن المراد بالخبر البالغة دون الصغيرة. 20988 - قالوا: روي ابن عباس، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ليس للولي مع الثيب أمر). 20989 - قلنا: هذا محمول على الثيب الكبيرة؛ لأن الصغيرة له معها أمر في مالها بالإجماع، ويجوز أن يقال: المراد به أن الولي ليس له ضم الثيب إلى نفسه وحفظها وله ذلك في البكر، وهذا يتناول الكبيرة، فأما الصغيرة فله أن يضمها إلى نفسه بكرا كانت أو ثيبا. 20990 - ولأن قوله - عليه السلام -: (الأيم أحق بنفسها من وليها)، يتناول الكبيرة؛ لأنه أثبت لها حقا وجعلها أولى من الولي في ذلك الحق، وهذا لا يكون مع الصغيرة بالإجماع.

20991 - قالوا: الخبر يقتضي ثبوت الحق لها، وإن لم يجز تصرفها فيه [كما ثبت الملك لها وإن لم تتصرف فيه]. 20992 - قلنا: الولي حقه في التصرف، فقد أثبت لها ذلك الحكم وجعلها مقدمة فيه، ويستحيل أن تكون أحق بالتصرف في نفسها ولا يجوز تصرفها. 20993 - قالوا: حرة سليمة ذهبت بكارتها بالجماع، فوجب ألا تجبر على النكاح، كالثيب الكبيرة. 20994 - قلنا: قولكم (سليمة) احتراز من المجنونة، فليس له تأثير؛ لأن الولاية تثبت على الصغيرة والمجنونة على وجه واحد، فإذا جاز تزويج الثيب المجنونة، كذلك الصغيرة. 20995 - وقولهم: (ذهبت بكارتها بالجماع) لا تأثير له؛ لأن العذرة لو ذهبت بظفر ثم وطئها وهي ثيب لم يجز تزويجها، والمعنى في الكبيرة أن الولي لا يملك العقد على أمتها فلم يملك العقد عليها بغير إذنها ولما ملك في مسألتنا تزويج أمتها ملك تزويجها. 20996 - أو نقول: المعنى فيها أنها تملك التصرف في مالها [فلم يملك الأب إجبارها، ولما ملك هذا التصرف في مالها] ملك الأب تزويجها كالبكر.

20997 - قالوا: كل معنى يؤثر في الولاية حال الكبر يؤثر فيها حال الصغر، كالعتق، [ومعلوم أن الثيوبة تؤثر في حال الكبر، فتؤثر فيها حال الصغر كالعتق. 20998 - ولأنها تنقل إذنها من السكوت إلى النطق وتمنعه من قبض مهرها]. 20999 - قلنا: الثيبوبة ما أثرت في الولاية عندنا؛ لأن البالغة لا ولاية له عليها، وإنما تختلف بالثيوبة صفة إذنها وتوكيلها بقبض مهرها فيكون الإمساك في البكر توكيلا، ولا يكون في الثيب حتى توكله بقولها. 21000 - ثم العتق لا يؤثر في الولاية، وإنما يعتبر فيه صفة الولي فإن لم يكن للمعتقة عصبة فالمولى وليها، وإن كان لها عصبة، فالولاية عليها بحالها للعصبة، والكلام في هذه المسألة في زوال الولاية عن الثيب وليس الكلام في إسقاطها من ولي إلى ولي. 21001 - قالوا: لا يجوز له تزويجها بعد البلوغ بغير إذنها، فلم يجز له تزويجها قبله [بغير أمرها]، كالأجنبي. 21002 - قلنا: ينعكس بالغلام، فإن الأب لا يملك تزويجه [بعد البلوغ بغير أمره ويملك تزويجه] قبله، والمعنى في الأجنبي: أنه لا يملك تزويجها لو كانت بكرا،

[ولما ملك الأب تزويجها لو كانت بكرا] ملكه لو كانت ثيبا كمولى الأمة. 21003 - قالوا: حرة سليمة موطوءة في القبل، فوجب ألا يجوز لأبيها تزويجها بغير إذنها، أصله: إذا كانت بالغة. 21004 - قلنا: الوطء ليس له تأثير في زوال الولايات بدلالة الولاية في المال. 21005 - وقولهم: فلا يجوز لأبيها تزويجها بغير إذنها لا يصح لأن هذا لا يقال فيمن لها إذن، والمعني في البالغة ما قدمنا. 21006 - قالوا: المقصود بالنكاح الجماع، بدلالة: أنه لا يجوز نكاح من لا يجوز وطؤها، وإذا وجدت المرأة الزوج مجبوبا ثبت لها الخيار، فهذه لما وطئت فقد عرفت المقصود واختبرت الرجال، فوجب ألا تجبر عليه كالبالغة. 21007 - قلنا: إذا عرفت الجماع فهي إليه أحوج من البكر، ثم لا يمكن تزويجها بإذنها [فيجب أن يجوز تزويجها بغير إذنها]. 21008 - وإن قالوا: نريد (باختبار الرجال) زوال الحياء بطل بمن وطئت في

الموضع المكروه، فإن الأب يزوجها وإن اختبرت الرجال. 21009 - قالوا: هذه لا تشاور في الحال وترجى مشاورتها، فصارت كالنائمة. 21010 - قلنا: يبطل بالمجنونة إذا كانت تفيق في أوقات معلومة جاز تزويجها حال جنونها وإن كانت ترجى مشاورتها. 21011 - والمعنى في النائمة والمغمى عليها: أنهما من أهل الإذن، بدلالة أنه يجوز أن يعقد عليهما النكاح في الحال بأمرهما إذا كانتا قد أذنتا قبل النوم، وفي مسألتنا ليست من أهل الإذن، بدلالة: أنه لا يجوز أن ينعقد النكاح عليها بأمرها فجاز أن ينعقد عليها بغير إذنها. * * *

مسألة 1032 ولاية الفاسق

مسألة 1032 ولاية الفاسق 21012 - قال أصحابنا: الولي الفاسق إذا زوج ابنته جاز. 21013 - وقال الشافعي: لا يجوز. 21014 - لنا: قوله تعالى: {وأنكحوا الأيمى منكم والصالحين من عبادكم}. 21015 - وقوله: {فأنكحوهن بإذن أهله}، ولم يفصل بين العدل والفاسق. 21016 - ولأنه يملك قبول النكاح لنفسه بنفسه، فملك الإيجاب، كالعدل. 21017 - ولأن الإيجاب أحد شطري العقد، فجاز أن تملكه الفاسق، كالقبول. 21018 - فإن قيل: تصرفه في حق نفسه لا يجوز أن يعتبر بتصرفه في حق غيره، بدلالة: أن الفاسق ينفذ تصرفه [في مال نفسه] ولا ينفذ في حق غيره، وهو ولده.

21019 - قلنا: تصرفه في حق والده في المال لا ينفذ؛ لأن الخيانة فيه تخفي، فلا يؤمن أن يتم عليها ضرر، والخيانة في النكاح تظهر ولا تخفي، فيمتنع من إتمامها فلذلك افترقا. 21020 - ولأن الفاسق لا يتهم في حق ولده؛ لأن الفساق يبالغون في طلب الكفاءة وزيادة المهر مالا يبالغ العدول، فلم نسلم لهم التهمة. 21021 - ولأن الأب يملك التزويج بولاية خاصة، فاستوي فيه العدل والفاسق. ولا يلزم: الحاكم؛ لأنه يملك بولاية عامة ولأنه عصبة له قول صحيح، فملك التزويج كالعدول. 21022 - ولأنه يملك تزويج أمته، فملك تزويج بنته كالعدل. 21023 - فإن نازعوا في الوصف، دللنا عليه: بأنه عقد يتضمن المنافع، كالإجارة. 21024 - ولأنه عقد بعوض فملكه الفاسق في أمته، كالبيع. 21025 - وقد قال الشافعي: إن الفاسق لا يجوز أن يزوج بوكالة، فلا معنى لكلامنا معه في الوكالة، بل يدل على الوكالة فنقول: [إن الفاسق لا يمنع التصرف بالوكالة، كالبيع. 21026 - ولأن الرق يؤثر في التصرف مالا يؤثر فيه الفسق بدلالة أن العبد لا يملك تزويج نفسه] والفاسق يملك ذلك، فإذا جاز أن يكون العبد وكيلا فالفاسق أولى. 21027 - احتجوا: بما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا نكاح إلا بولي وشاهد عدل) والعدل صفة تتناول الولي والشاهدين.

21028 - الجواب أن قوله: (وشاهدي عدل) إضافة وليست بصفة فيتناول ذلك المضاف دون غيره. ولو كان ذلك بصفة لقال وشاهدين وهذا غلط فيما قاله بين ممن ظنه. 21029 - قالوا: روى ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل)،: (وأيما امرأة أنكحها ولي مسخوط عليه فنكاحها باطل). 21030 - قلنا: هذا الحديث ذكره الدارقطني، عن عدي بن الفضل، عن ابن خيثم، عن سعيد بن جبير وعدي بن الفضل، قال يحيى بن معين: ليس بثقة، وليس البستي ظهرت المناكير في حديثه فسقط الاحتجاج به. 21031 - وقال أئمة الحديث: لم ينقل ف يالشهادة خبر صحيح، فكيف يقبل ما فيه من الزيادة المنكرة. 21032 - قالوا: روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا نكاح إلا بشاهدين وولي مرشد). 21033 - قلنا: هذا الحديث لا يعرف ويحفظ منهم أن الدارقطني لم يذكره ومخالفنا يرجع إلى قول ابن المنذر ويحتج به، فلم لا يحكى ما قاله ابن المنذر في

جملة أخبار الولي والشهود ورده بجميعها، وحكايته أن أئمة الحديث ترك العمل بها، على أنه لو ثبت هذا الخبر لم يكن فيه دلالة لأن المرشد من فعل الإرشاد لغيره، وقد يفعل الإرشاد لغيره من ليس برشيد في نفسه، يبين صحة هذا ما روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للأخنس بن شريق حين بلغه أنه عاد وبنى زهرة من نفر قريش دون بلوغ بدر أرشدهم وما كان رشيدا فلم يصح الاحتجاج به. 21034 - فإن قيل: مرشد اسم مدح، ولا يتناول الفاسق. 21035 - قلنا: لا يمنع أن يمدح الإنسان برشاده لغيره، وإن ذم لنفسه؛ لأن الإنسان يمدح من وجه ويذم من وجه. 21036 - فإن قيل: مرشد معناه راشد، كما يقال في دعاء القنوت: (إن عذابك الجد بالكفار ملحق) معناه لاحق، وقيل: معناه من له رشد، كما يقال: رجل ملحم إذا كان له لحم، ومثمر إذا كان له ثمر.

21037 - قلنا: مرشد جاري على اسم الفاعل يقال: أرشد فهو مرشد، ورشد فهو راشد وكل فعل على وزن دحرج فاسم الفاعل منه على مفعل بكسر الحرف الثالث، فنقول: أرشد غيره فهو مرشد ورشد فهو راشد، وأما اسم الفاعل إذا كان 23/ أمعنى النسب مثل لابن، وتامر فإنما هو مقصور على السماع وليس يلزم لذلك/ أن يكون جاريا على فعل، ألا ترى أنه لا فعل من لابن وتامر، فأما ملحق فإن شئت كان على فعل من لحق فهو ملحق، ويكون المفعول محذوف، والمعنى: إن عذابك كان بالكفار ملحقا هوانا، أو ما جرى هذا المجرى. 21038 - قالوا: ولاية في حق الغير فوجب ألا تثبت للمسلم الفاسق، كولاية الفاسق الحاكم. 21039 - قلنا: لأن ولاية الحاكم أضعف بدليل أن الولي إذا تاب عادت ولايته، والحاكم إذا فسق ثم تاب لم تعد ولايته، فلم تعتبر أقوى الولايتين فأضعفهما. 21040 - ومن أصحابنا من قال: إن القاضي إذا فسق فهو على ولايته فإذا حكم نفذ حكمه إلا أن يخرجه الإمام من الولاية فعلى هذا الأصل غير مسلم، ولأن الفسق يخرج القاضي أن يكون قاضيا فيزول السبب الذي ثبت الولاية به، فلذلك زالت الولاية: والفسق لا يزال السبب الذي ولي الأب به وهو التعصيب مع صحة القول فلذلك لم تبطل ولايته.

21041 - فإن قيل: ولاية الأب ثابتة بالتعصيب والعدالة، فالفسق يزيل السبب. 21042 - قلنا: التعصيب هو السبب والعدالة عندهم شرط فزاله لا يرفع السبب ويجوز أن يقال: إن ولاية القاضي ولاية اختيار وتولية، يستحيل أن يختار الإمام الفاسق على العدول وولاية الأب ليست ولاية اختيار وتولية فالفسق لا يرفعها كولايته في حقوق نفسه. 21043 - قالوا: مسلم ليس من أهل الشهادة فلم يكن من أهل الولاية في النكاح كالعبد. 21044 - قلنا: الفاسق عندنا من أهل الشهادة ولو حكم الحاكم بشهادته نفذ حكمه ويبطل هذا على قولهم بالعبد [ليس من أهل الشهادة] وهو من أهل الولاية، والمعنى في العبد أنه ليس بعصبة والولاية من ذوي الأنساب تستحق بالتعصيب مع صحة القول وليس كذلك الفاسق؛ لأنه عصبة له قول صحيح كالعدل. 21045 - قالوا: إحدى الولايتين لم تثبت مع الفسق كالولاية في المال. 21046 - [قلنا: الفاسق ولايته] ثابتة حتى يمنعه القاضي من التصرف وكذلك الوصي الفاسق؛ ولأن المال تخفى الخيانة فيه فلا يؤمن الفاسق عليه، والنكاح تظهر الخيانة فيه فلا يخاف من الفاسق فيه؛ لأنه إن خان ظهر ذلك عليه؛ ولأن

فسق الأب لا يؤمن معه إتلاف المال؛ فلذلك يخرج القاضي الأب من التصرف والنكاح لا يخاف من الفاسق فيه؛ لأن الفساق يتشددون في الأنكحة وطلب الكفاءة والاستظهار في المهر أكثر من تشدد العدول فلم يتهم الفاسق في النكاح فلذلك لم يخرجه الحاكم. 21047 - فإن قيل: الفاسق لا يستقبح الفسق، فلا يؤمن من أن يزوجها بفاسق مثله. 21048 - قلنا: من لا يستقبح الفسق فهو كافر والفاسق يستقبح الفسق، وإنما يقدم عليه للشهوة ولا شهوة له في تزويجها بفاسق ولا غرض فالظاهر ألا يفعل ذلك. * * *

مسألة 1033 عضل الولي

مسألة 1033 عضل الولي 21049 - قال أبو حنيفة: إذا تزوجت المرأة بأقل من مهر مثله فللأولياء الاعتراض عليها. [وقال أبو يوسف: ليس لهم ذلك] ولا يتصور على مذهب الشافعي أن تزوج المرأة نفسها؛ لأنها إن فعلت ذلك فالنكاح عنده باطل، ويتصور الخلاف معه إذا طلبت من الولي أن يزوجها كفؤا بأقل من المهر فامتنع كان عاضلا عنده، ولم يكن عاضلا عندنا وإذا وكل الولي رجلا فزوجها، ولم يقدر لها المهر وقدرت هي المهر ونقصت.

21050 - لنا: قوله تعالى {فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف} والباء تصاحب البدل. فكأنه قال: بمعروف في المهر؛ ولأنه يلحقهم الشين بنقصان المهر كما يلحقهم الشين بترك الكفاءة. فإذا ثبت لهم الاعتراض في أحد الموضعين كذلك الآخر؛ ولأن الكفاءة يلحقهم بتركها شين ونقصان المهر يلحق به شين وضرر لأنه إذا طالت المدة لم يعلم أن ذلك نقصان. فاعتبر مهر نسائها لذلك فإذا ثبت الاعتراض فلأن يثبت للشين والضرر أولى ولأن من ثبت له الاعتراض في العوض ثبت له مقدار العوض كمولى الأمة. 21051 - احتجوا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (من استحل بدرهمين فقد استحل). 21052 - قلنا: هذا يقتضي وقوع الإباحة بالعقد وإن نقص فيه المهر، وذلك لا يدل على زوال الاعتراض، كما أنها إذا تزوجت من غير كفء فقد استحلت وإن ثبت للولي الاعتراض. 21053 - قالوا: كل من لم يملك الاعتراض في جنس المهر لم يملك الاعتراض في قدره، دليله الأباعد من العصبات والأجانب.

21054 - قلنا: الوصف غير مسلم؛ لأن من أصحابنا من قال: (إنها إذا تزوجت بجنس تعاب به كالنوى وقشور الرمان ثبت لهم الاعتراض فيه؛ لأن الشين يلحق به). والمعنى في الأباعد أنه ليس لهم الاعتراض في الكفاءة فليس لهم الاعتراض في قدر البدل والعصبة بخلافه. 21055 - قالوا: بدل مستفاد بعقد يملك إسقاطه بعد العقد فوجب أن يملك بحقيقته حال العقد، كما لو باعت سلعة من مالها. 21056 - قلنا: البدل ملك لها إلا أن حق الولي متعلق به، فإذا سمت البدل فقد استوفي الولي حقه وبقي الحق لها فجاز أن تسقطه كما أنها تسقط المهر بعد ثبوته وهو حق لها، ولو أرادت إسقاطه ابتداء لم يثبت لها ذلك؛ لتعلق حق الله تعالى به، فإذا أوفت حق الله بالتسمية جاز لها إسقاطه. والمعنى في ثمن [المبيع] أنه لا اعتراض لهم في البدل فلم يثبت لهم الاعتراض في المبدل. 21057 - قالوا: المهر لها دونه بدلالة أنها تملك إسقاطه. 21058 - قلنا: لا يمنع أن يكون لها ويتعلق به حق غيرها، كما أن المهر لها وتملك إسقاطه فلابد من ثبوته ابتداء لما في ثبوته من حق الله تعالى، فإذا ثبت في حقها جاز لها الإسقاط. 21059 - قالوا: لو تزوجت بقشور الرمان والزجاج المكسور لحقهم العار ولهم الاعتراض.

21060 - قلنا: إذا كان يلحق الشين بذلك يثبت لهم الخيار عندنا، ولو سلمنا كان الفرق بينهما ظاهر؛ لأن المقصود من العروض قيمتها لا أعيانها وإذا كانت القيمة مقصودة لا يعتبر الجنس [يبين ذلك أن حق الله تعالى يتعلق بالمهر ابتداء فلا تملك إسقاطه في العقد لحق الله تعالى] ولو سمت جنسا من هذه الأجناس جاز، ولم يتعلق حق الله تعالى به كذلك الولي يتعلق حقه بمقدار المهر ولا يتعلق حقه بجنسه. * * *

مسألة 1034 غيبة الولي الأقرب

مسألة 1034 غيبة الولي الأقرب 21061 - قال أصحابنا إلا زفر: إذا غاب الولي غيبة منقطعة زوجها الولي الذي هو أبعد منه، واختلف أصحابنا فمنهم من قال: سقطت ولاية الغائب. ومنهم من قال: لا تسقط. 21062 - وقال الشافعي: يزوجها السلطان.

21063 - لنا: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (السلطان ولي من لا ولي له) هذه لها ولي باتفاق فلا تثبت ولاية السلطان عليها ح ولأنه يتعذر الوصول إلى محل الولي وإذنه فكان لمن بعده أن يزوجها كما لو جن [ولأنه تعذر الوصول إلى حقها منه من غير معصية فصار كما لو جن] ولا يلزم إذا عضلها لأن العضل معصية من جهته فكان للقاضي أن يزيل الظلم بعقده، ولا يقال: المعنى في المجنون أن ولايته سقطت بدلالة انه لو عقد لم يصح عقده. وليس كذلك الغائب لأن ولايته باقية بدلالة أنه لو عقد صح عقده وذلك أن الغائب سقطت ولايته عندنا لتعذر تدبيره. لأنه إذا عقد زال المعنى الذي سقطت الولاية من أجله فجاز عقده والمجنون إذا عقد فلا يزول بعقده المعنى المؤثر في ولايته فلم يصد عقده؛ ولأن من جاز أن تنتقل إليه بموت الأب جاز أن تنتقل إليه بغيبته كالقاضي، ولأن لها عصبة حاضرًا له قول صحيح، فلم يجز للحاكم تزويجها من غير امتناع كما لو كان الأول حاضرًا ولأن الغيبة توجب انتقال الولاية إلى الحاكم إذا لم يكن هناك ولي فأوجبت انتقالها إلى الولي، أصله الجنون والموت. 21064 - احتجوا: بأنها ولاية تثبت مع الحضور، فوجب أن تثبت مع الغيبة المنقطعة كالولاية في المال.

21065 - قلنا: نقول بموجبه؛ لأن من أصحابنا من قال: إن ولاية الغائب ثابتة وشاركه الحاضرة فيها لأن الغائب قربت قرابته وبعد تدبيره والحاضر بعدت قرابته وقرب تدبيره، فلما قرب كل واحد منهما من وجه وبعد من وجه تساويا فأيهما زوج جاز. 21066 - والمعنى في ولاية المال أن الضرر لا يلحق بتأخر بيعه؛ لأن أكر الأموال تدخر ليزيد أثمانها وتأخير النكاح فيه ضرر لأن الكفء يتفق في وقت ولا يتفق في غيره، يبين الفرق بينهما أن الولاية في المال عندهم لا تنتقل إلى الحاكم وإن انتقلت ولاية النكاح كذلك عندنا لا يمتنع أن تنتقل ولاية النكاح وإن لم تنتقل ولاية المال. 21067 - قالوا: الغيبة معنى لا يسقط ولاية المال فوجب أن لا يسقط ولاية النكاح كالغيبة التي ليست منقطعة. 21068 - قلنا: نقول بموجبها؛ لأن ولايته لم تسقط وإنما شاركه في ولايته البعيد والمعنى في الغيبة القريبة: أنه لا ضرر على المرأة في تأخير العقد إلى أن يستأذن الولي لأن الخاطب ينتظر المدة القريبة، وعليها في المدة البعيدة/ ضرر لأن الولي يستأذن في سنة. 236/ ب والخاطب لا ينتظر هذه المدة في العادة فلذلك شاركه الولي الأبعد في أحد الموضوعين دون الآخر. 21069 - قالوا: ولاية الغائب باقية بدلالة أنه إذا وكله في تزويج وليته ثم غاب لم تفسخ وكالته، ولو زوج وليته في غيبته صح تزويجه، وإذا كانت ولايته باقية لم يكن من دونه ولي.

21070 - قلنا: قد بينا أن من أصحابنا من يقول ذلك إلا أن بقاء ولايته لا يمنع أن يشاركه من يساويه في الدرجة كذلك يساويه من بعد نسبه لقرب تدبيره إذا وكل واحد منهما حصل له قرب من وجه [وبعد من وجه]. 21071 - فأما على قول من قال: سقطت ولايته فنقول: إنما سقطت ولايته لما يلحق من ضرر بمراعاتها، فمتى كان قد وكل أو عقد مع الغيبة فقد زال الضرر وليس يمنع أن تسقط ولاية من وجه دون وجه كما أن الحاضر إذا باع وحابا لم يجز تصرفه، وإن باع من غير محاباة صح بيعه فسقطت ولايته فيما يضر بالمولى عليه وتثبت فيما لم يضر به، كذلك في مسألتنا. 21072 - قالوا: إذا غاب فقد منعها التزويج مع بقاء ولايته فصار كما لو كان حاضرا فعضلها. 21073 - قلنا: إذا عضلها فقد منع من حق عليه صار بمنعه ظالمًا فقام القاضي مقامه في إنفاذ ذلك كما يقوم مقام المنع من قضاء الدين إذا غاب، فلم يتوجه عليه حق مع غيبته حتى يقوم القاضي مقامه فيه. 21074 - يبين ذلك أنه إذا امتنع ألا يزوجها القاضي حتى يحضره ويأمره بالعقد فإذا امتنع بغير عذر عقد، والغائب لم يوجد فيه هذا المعنى فلا يجوز أن يعقد قبل أن يعلم منه. 21075 - الامتناع.

مسألة 1035 تزويج المسلم أمته الكافرة

مسألة 1035 تزويج المسلم أمته الكافرة 21076 - قال أصحابنا: يجوز للمسلم تزويج أمته الكافرة. وهو ظاهر قول الشافعي [لأنه قال: (ولا يكون المسلم وليا للكافر إلا على أمته]. ومن [أصحابه] من قال: (لا يجوز نكاحه لها). 21077 - لنا: أنه يملك بيع رقبتها بحق الملك، فملك الولاية في تزويجها كالمسلمة ولا يلزم المرتدة لأنه يلي عليها، إلا أن يكون هناك معنى يمنع النكاح ولأنه يملك رقبتها فجاز له تزويجها كالمسلمة؛ ولأنه عقد بعوض فملكه [المولى] في أمته الكافرة. كالبيع؛ ولأنها ولاية لا تتعلق بالنسب فلا يؤثر فيها اختلاف كولاية الحاكم. 21078 - احتجوا: بأنها كافرة فلا يجوز له تزويجها كابنته الكافرة.

21079 - قلنا: الولاية في ذوي الأنساب تستحق بالتعصب أو الميراث مع صحة القول وهذا لا يوجد مع اختلاف الدين، والولاية في المملوك تتعلق بالملك وهو موجود مع اختلاف الدين واتفاقه. * * *

مسألة 1036 تولي عقد النكاح عاقد واحد

مسألة 1036 تولي عقد النكاح عاقد واحد 21080 - قال أصحابنا: يجوز لابن العم تزويج بنت عمه من نفسه [وكذلك إذا وكلت المرأة رجلا يزوجها من نفسه] جاز. وإن وكل رجل رجلا يزوجه ووكلته امرأة يزوجها فزوجها منه جاز. 21081 - وقال الشافعي: لا ينعقد النكاح بالواحد إلا الجد يزوج بنت ابنه من ابن ابنه فيصبح في ظاهر المذهب. وفيه وجه آخر أنه لا يجوز. 21082 - ولو زوج بنت عمه من ابنه الصغير لم يجز، والإمام إذا زوج وليته من نفسه فيه ثلاثة أوجه: 21083 - أحدها: يوكل من يزوجها منه. 21084 - والثاني: يزوجها أحد أصحابه. 21085 - الثالث: يزوجها من نفسه. 21086 - لنا: قوله تعالى: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتمى فانكحوا ما طاب لكم} قالت عائشة رضي الله عنها: نزلت هذه الآية في [شأن] اليتيمة فتكون في حجر وليها. فيرغب في مالها وجمالها ولا يقسط لها في مهرها. فنهوا أن ينكحوهن أو يبلغوا بهن نسبتهن في الصداق ثم أنزل {ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى

عليكم في الكتب في يتامى النساء التي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن}. وهذا في اليتيمة تكون شريكة وليها في ماله فيرغب عن نكاحها ولا يزوجها خوفا على مالها وقد ندب الله تعالى الولي في الآية الأولى إلى نكاحها إذا أقسط لها، وعاتبه في الثانية على رغبته عنها؛ دل أن الولي يملك تزويج وليته من نفسه لولا ذلك لم يضف العقد إليه ولا عاتبه في الرغبة عنها. 21087 - فإن قيل: تحمل الآية الأولى على تزويج ابن العم إذا أوجب له العقد الحاكم. 21088 - قلنا: إضافة العقد إليه دون غيره تقتضي في إطلاقه انفراده، ويدل عليه ما روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعتق صفية بنت حيي بن أخطب وتزوجها وجعل عتقها صداقها، فأضاف العقد إليه وهو وليها بالولاء. 21089 - فإن قيل: يجوز أن تكون أوجبت هي العقد. فصح على أصلكم. 21090 - قلنا: لو كان كذلك لأضاف العقد إليها. 21091 - قالوا: نكاح النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يفتقر إلى ولي فلذلك جاز أن يعقد عليها. 21092 - قلنا: هذا غلط لأن أم سلمة لما اعتذرت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: ليس لي

ولي حاضر. لم يقل لها (نكاحي لا يفتقر إلى ولي). 21093 - قالوا: من أصحابنا من يقول: هذا للإمام خاصة لأنه موضع ضرورة. 21094 - قلنا: لا ضرورة فيه لأنه ينصب من يعقد، كما لا يجوز حكمه لنفسه بل ينصب من يحكم له، ولا يقال: يجوز حكمه لنفسه للضرورة. 21095 - ويدل عليه: ما روى أن امرأة جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: وهبت نفسي لك. فقال: (لا حاجة لي في النساء) فقام رجل فقال: زوجها مني يا رسول الله. فقال: (أزوجك منه؟) فقالت: نعم فقال: (زوجتك منه) فانفرد بالعقد ولم ينقل أن الرجل قبل. فدل على جواز انفراد الواحد بالعقد. 21096 - وروى أنه حمل إلى علي - عليه السلام - رجل ومعه جارية مخضبة بالدم. 21097 - فقالوا: وجدناهما في خربة مراد. فقال علي: ما شأنك، فقال: بنت عمي خفت أن تبلغ فترغب عني فتزوجتها. فقال علي: أشهدت؟ قال: نعم. فقال: خذ بيد امرأتك ولأنه يملك إيجاب العقد وقبوله شرعا [فدل أنه يجوز أن ينفرد بالعقد كالجد] إذا زوج بنت ابنه من ابن ابنه، والمولى إذا زوج عبده أمته والحاكم إذا زوج المجنونة مجنوا، ولا يلزم الوكيل بالبيع لأنه لا يملك الطرفين شرعا، ولأنه يملك قبول النكاح على الانفراد [ويملك إيجابه على الانفراد] فجاز أن ينفرد [بالعقد كالجد] [ولا يملك طرفي العقد فجاز أن يعقد لنفسه] كالأب إذا باع مال الصغير من نفسه، ولا يمكن القول بموجبه في الجد والمولى لأنه لا يعقد لنفسه ولا يلزم الوكيل بالبيع لأنه إذا

وكل بالإيجاب والقبول لم تصح الوكالة فلا يملك الإيجاب والقبول، ولأنه عقد فيه عوض فجاز أن يعقد الواحد لنفسه، [كالبيع أو عقد على المنافع فجاز أن يعقده الواحد لنفسه] كالإجارة. ولأن الوكيل في النكاح لا تتعلق حقوقه به وإنما هو سفير ومعبر، والواحد يصح أن يعبر عن اثنين إذا لم تتناف العبارة عنهما. 21098 - ولا يلزم الوكيل بالبيع؛ لأن الحقوق تتعلق به فتتنافى ولا يلزم الوكيل بالخصومة. 21099 - لأن عبارته عن المدعي والمدعى عليه تتنافى ولا يلزم الوكيل بالصلح في دم العمد والخلع والعتق على المال. 21100 - لأنه يجوز أن يتولى الإيجاب والقبول في إحدى الروايتين ولأن ابن العم يعقد بولاية شرعية، فجاز أن يعقد لنفسه من الطرفين كالأب إذا باع. 21101 - احتجوا بحديث ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (كل عقد لا يحضره أربعة فهو سفاح: الولي والخاطب والشاهدان). وذكر الدارقطني حديث هشام بن

عروة عن أبيه عن عائشة (لابد في النكاح من أربعة). 21102 - والجواب: أن خبر ابن عباس، قيل: إنه موقوف عليه وخبر عائشة رواه خالد بن [الوضاح] وهو ساقط الحديث، عن أبي الحصيب، قال الدارقطني: هو مجهول. وكيف يصح هذا الخبر وعروة تزوج بنت عبد الله بن [عمر] عند زمزم بغير شهود؟ ذكر ذلك ابن المنذر ثم إن المراد كل نكاح لم يحضره أربعة موصوفون، فإذا اجتمعت الصفات في واحد فقد حضر أربعة. 21103 - يدل عليه قله - عليه السلام -: (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما أبقت الفرائض فلأولى عصبة ذكر). 21104 - ثم جاز أن يستحق الواحد الفرض والتعصيب لاجتماع الصفتين فيه. وإن لم يوجد العدد. وإنما ذكر العدد لأن الغالب أن الولي غير الزوج، فخرج الكلام على الغالب كما قال - عليه السلام -: (البائعان بالخيار ما لم يتفرقا). ولم يمنع هذا بيع

الأب من نفسه إلا أن العادة [أن البائع] غير المبتاع فخرج الكلام في الافتراق على العادة. 21105 - وجواب خبره: وهو أنه مشترك الدليل؛ لأن دليله إذا حضر أربعة فأذن الولي للزوج أن يعقد جاز. 21106 - ودليل الخطاب عندهم حجة كما أن اللفظ أيضا حجة. 21107 - فإن قيل: ظاهر الخبر يقتضي أن النكاح يصح بحضور الأربعة ويبطل بعدمهم وعندكم إذا حضر الأربعة فقال الولي للزوج: زوجها. فحضور الأربعة ليس بشرط. 21108 - قلنا: إذا قال ولي الصغيرة لأحد الشاهدين: زوجها/، فالخبر يقتضي جواز هذا العقد، وحضور الأربعة شرط لأن الولي لو غاب لم يصح أن يزوجها الشاهد عندنا. 21109 - احتجوا بقوله - عليه السلام -: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل). 21110 - قالوا: ونكاح يقتضي ناكحًا ومنكوحًا، فالظاهر أن الولي غيرهما كما أن الشاهدين غيرهما. 21111 - قلنا: النكاح هو العقد، والعقد لا يعبر به عن المتعاقدين، ألا ترى أن البيع اسم للعقد لا للمتبايعين؟ 21112 - وكذلك الإجارة لا يعبر بها عن المتكاربين، فأما الشهود فعطفهم على الولي، والعطف غير المعطوف عليه، فلذلك كان الشاهد غير الولي وإذا سقط هذا لزمنا بعهده الخبر اعتبار الولي وهذا عندنا نكاح بولي.

21113 - قالوا: كل من لم يملك الإيجاب والقبول بنفسه في عقد معاوضة لم يصح أن يكون موجبا قابلا فيه كالوكيل بالبيع، وعكسه الأب والجد. 21114 - وربما قالوا: عقد يملك إيجابه بالإذن فوجب ألا يتولى طرفيه كبيع الوكيل. 21115 - قلنا: البيع لا ينفك عن عوض يسمى فيه، وغرض البائع في العوض مخالف غرض المشتري، فلم يصح أن يقوم الواحد الذي لا تنتفي التهمة عنه مقامها مع سائر العوضين. 21116 - كما لا يقوم الواحد مقام المدعي والمدعى عليه في الخصومة. 21117 - وأما النكاح فصحته لا تقف على تسمية وعوض فتنافي غرض الزوج والمرأة في العوض لا يمنع انعقاده. 21118 - ولهذا قالوا في رواية الأصول: إن الصلح والعتق من دم العمد والخلع لا يتولاه إلا الواحد؛ لأنه لابد فيه في العوض من التسمية. 21119 - أو نقول: البيع مختلف في تعلق الحقوق فيه بالعاقد فلو صح العقد بوكالة الواحد جاز أن يلزمه [حكم الحقوق كما أن] المشتري يضمن الثمن حين يسلمه، ويضمن له.

21120 - لأنه بائع وليس كذلك النكاح لأنه اتفق على حقوقه، أنها لا تتعلق بالعاقد وإنما هو سفير ومعبر، ولا تنافي في عبارته وسفارته؛ فلذلك جاز أن ينفرد بالعقد. 21121 - فإن ألزم على علة الأصل بيع الأب من نفسه. 21122 - قلنا: الحقوق بالعقد تتعلق به وبالصبي، ويقوم مقام الصبي بالولاية عليه، ولهذا لو بلغ قبل إيفاء الحقوق كان ذلك إليه لا إلى أبيه. 21123 - فإن لزم على هذا الكتابة والصلح، أنه لا يتولاها الواحد، وإن كانت الحقوق لا تتعلق به. 21124 - قلنا: روى ابن سماعة، عن محمد، أن هذه العقود يجوز أن يتولاها الواحد. وإن شئت قلت: المعنى في البيع أن العقد قد يضيف العقد إلى نفسه. 21125 - قالوا: من تصدى لركن من أركان النكاح لم يتصد لركن آخر، كما أن الولي لا يكون شاهدا. 21126 - قلنا: الأصل غير مسلم؛ لأن العاقد يجوز أن يكون شاهدًا لو حضرت البالغة فزوجها أبوها بإذنها، ومعه شاهد واحد جاز، ولو قال الولي لأحد الشاهدين زوجها بعقد جاز، وكان شاهدا وعاقدا. 21127 - لأن الإنسان لا يجوز أن يكون شاهدًا لنفسه ويجوز أن يكون عاقدا

لنفسه بدلالة الأب إذا اشترى مال الصغير والجد إذا زوج بنت ابنه من ابن ابنه. 21128 - ولأن الشهادة اعتبرت في النكاح ليخرج من السر إلى العلن وهذا لا يوجد إذا كان الزوج هو الشاهد، وأما الموجب فاعتبر ليعبر عن العقد وهذا يوجد من الزوج. 21129 - قالوا: الولي طلب ليحصل حق المنكوحة فإذا تزوجها فإنه يطلب حظ نفسه. 21130 - قلنا: ابن العم عندكم لا يزوجها إلا بعد بلوغها وعندنا لا يزوجها في هذه الحال إلا بإذنها فقد عرفت الحظ لنفسها فإن قصر في المهر لم ينفذ ذلك عليها. * * *

مسألة 1037 التغرير في النكاح

مسألة 1037 التغرير في النكاح 21131 - قال أصحابنا: إذا تزوجت رجلا على أنه حر فبان عبدا، فالنكاح جائز ولها الخيار، وكذلك إذا انتسبت إلى قبيلة فكان نسبه دونها، وإذا تزوج أمة على أنها حرة فالنكاح جائز والاختيار للزوج. 21132 - وقال الشافعي: إذا شرط في العقد أنه حر. فكان عبدا فالنكاح باطل في أحد قوليه، وكذلك إذا شرطت أنه طويل فكان قصيرا، أو أبيض فخرج أسود، أو أسود فخرج أبيض. 21133 - قالوا: وإن غرته فشرطت أنها حرة فكانت أمة أو اشترطت أن لها نسبا فإذا هي على غيره أو أنها بكرا فإذا هي ثيب فالنكاح باطل في أحد القولين. 21134 - لنا: أن المعقود عليه في النكاح هو الشخص، والصفات تابعة فإذا وجدت بخلاف الشرط لم يبطل العقد، كمن باع عبدا على أنه صحيح فكان معيبا، أو على أنه خباز فوجد على خلاف ذلك. 21135 - أو نقول: شرطت في المعقود عليه صفة، فبان أنه أفضل منها فلا يبطل العقد، كما لو باعه على أنه معيب فكان صحيحا؛ ولأنها صفة في المعقود عليه لو سكت عنها جاز العقد وإذا شرطت فبان خلافها لم يبطل العقد، كالبيع إذا شرط فيه صفة في المبيع. 21136 - ولأنه لو سمى في المهر صفة فكان بخلافها لم يبطل العقد، كذلك إذا سمي في المرأة.

21137 - لأن كل واحد منهما أحد العوضين ولأنه إذا شرط أنها ثيب فكانت بكرا، أو أنها نبطية فكانت قريشية. فقد وجدت صفة أفضل من المشروط فصار كمن باع عبدًا على أنه أعمى فكان صحيحًا. 21138 - احتجوا بأن الاعتماد في النكاح على الأسماء والصفات، ألا ترى أنه لو تزوج امرأة سميت له صح العقد؟ كما أن الاعتماد في البيع على الأعيان ثم ثبت أن اختلاف العين في البيع يبطله، كذلك اختلاف الصفات في النكاح. 21139 - قلنا: المعقود عليه في النكاح العين للمرأة الموصوفة المسماة. 21140 - فأما الاسم فلا، فهو والمبيع عندنا سواء، ثم الصفات في البيع معقود عليها بدلالة أنها إذا فقدت ثبت الخيار، ثم لو شرط صفة فبان بخلافها لم يبطل العقد. 21141 - قالوا: لو أذنت له أن يزوجها حرا فزوجها عبدًا لم يصح، كذلك إذا شرط الولي ذلك في العقد. 21142 - قلنا: إذا أذنت له في الحر فهي موكلة، فما لم يدخل تحت الإذن والتوكيل لم يصح العقد عليه. وفي مسألتنا الشخص هو المعقود عليه فاختلاف الصفات لا تؤثر.

21143 - قالوا: لو تزوجته مطلقا، فبان أنه عبد ثبت لها الخيار، فإذا شرطت الحرية وجب أن يكون للشرط مزية وما هي إلا بطلان النكاح. 21144 - قلنا: إذا أطلق البيع ثبت الخيار لعدم الصفات، وإذا شرطها لا مزية للشرط بل يثبت على الوجه الذي ثبت لو أطلق العقد. * * *

مسألة 1038 تولي المرأة عقد النكاح

مسألة 1038 تولي المرأة عقد النكاح 21145 - قال أصحابنا: يجوز للمرأة أن تعقد النكاح لنفسها، وتكون وكيلة للرجل فتعقد له وللولي. فتزوج وليته، وتزوج أمتها. 21146 - وقال الشافعي: النكاح مخصوص بالرجال لا تعقده المرأة لنفسها ولا لغيرها بوكالة. 21147 - لنا: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا نكاح إلا بشهود) ولأنه نوع عقد فجاز أن تكون المرأة وكيلة فيه كالبيع ولأن من جاز أن يكون وكيلا [في البيع جاز أن يكون وكيلا] في النكاح كالرجل ولأنه عقد بعوض فجاز أن تعقده المرأة كالبيع. 21148 - أو عقد يضمن المنافع كالإجارة ولأن كل عقد جاز أن يعقده الرجل جاز أن تعقده المرأة كسائر العقود ولا يلزم الإمامة لأن المرأة تعقد فتكون أحد أهل الاختيار وإنما لا ينعقد لها.

21149 - احتجوا: بحديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تنكح المرأة المرأة ولا تنكح المرأة نفسها). 21150 - قلنا: هذا حديث مضطرب؛ لأن هشام بن حسان رواه عن ابن سيرين وعن أبي هريرة، ولم يخرج في الصحيحين. 21151 - وروى هشام بن حسان بالإسناد، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا نكاح إلا بولي أو سلطان) فقيل: إن هذا أصل الحديث وإن الراوي تأول ما اقتضاه اللفظ عنده. 21152 - ولأنه محمول على نفي الكراهية؛ لأن النكاح يقع في مجموع الرجال، والمرأة يكره لها الحضور بمشهد الرجال لتعقد العقد، وقد كان - عليه السلام - يأمر بإعلان النكاح. وعقده في المجموع ويكره للمرأة حضورها لهذا المعنى. 21153 - قالوا: ففيه بأن الزانية هي التي تزوج نفسها. 21154 - قلنا: هذا من قول أبي هريرة وليس من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، الدليل عليه ما روى عبد السلام بن حرب عن هشام بن حسان، عن محمد، عن أبي هريرة

عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، الحديث. 21155 - وقال فيه أبو هريرة: وكنا نقول: التي تزوج نفسها هي الزانية. ولو كان أبو هريرة يحفظ هذا اللفظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقل كنا نقول، فدل على أنه قوله، وكيف يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الزانية التي تنكح نفسها بغير ولي)، وهذا العقد ليس بزنى، ولا له حكم الزنا باتفاق؟ فبطل أن يضاف هذا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. 21156 - قالوا: روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا نكاح إلا بولي). والولي اسم للذكر وقد نفي النكاح بعدمه. 21157 - قلنا: قد بينا أن الولي يتناول/ الذكر والأنثى. 21158 - قالوا: روي عن ابن عمر، وابن عباس، وعبد الله بن قيس، أبي هريرة أن المرأة لا تلي عقد النكاح. 21159 - قلنا: روي أن عائشة زوجت بنت أخيها عبد الرحمن، وذكر في الأصل أن امرأة زوجت بنتها برضاها فخاصمها أولياؤها إلى [علي بن أبي طالب] فأجاز النكاح.

21160 - وأن امرأة عبد الله بن مسعود زوجت بنتها من ابن المسيب ابن نجبة. 21161 - قالوا: كيف تزوج عائشة بنت أخيها عندكم، والولي إذا غاب غيبة غير منقطعة لم تنتقل ولايته، وإن كانت منقطعة انتقلت إلى الأقرب. 21162 - قلنا: يحتمل أن تكون بالغة زوجتها عائشة باختيارها. 21163 - قالوا: روي أن عائشة كانت تخاطب من رواء حجاب، ثم تقول: اعقدوا فإن النساء لا يعقدن. 21164 - قلنا: المرأة إذا عقدت لابد لها من البروز حتى يراها الشهود فكرهت عائشة ذلك. 21165 - قالوا: معنى لا يصح إلا من اثنين مفتقر إلى الشهود فافتقر تنفيذه إلى ذكر كالخصومة. 21166 - قلنا: النكاح عندنا يصح بالواحد، فالوصف غير مسلم والخصومة لا يفتقر فعلها إلى ذكر؛ لأن المرأة يجوز أن تقضي.

21167 - ولأن الخصومة تصح من الرجال والنساء ويتولى الحاكم فصلها، كذلك النكاح ينعقد بين الرجل والمرأة، ويتولى القاضي تنفيذه وفصل الخصومة فيه، فلا فرق بينهما. * * *

مسألة 1039 شهادة الفاسقين على النكاح

مسألة 1039 شهادة الفاسقين على النكاح 21168 - قال أصحابنا: ينعقد النكاح بشهادة فاسقين. 21169 - وقال الشافعي: لا ينعقد إلا بشهادة العدول. 21170 - لنا: أن الفاسق يملك قبول النكاح بنفسه، فجاز أن ينعقد بشهادته، كالعدل، وكالمحدود في القذف إذا تاب. 21171 - فإن قيل: القبول تصرف في حق نفسه والشهادة تقع في حق الغير.

21172 - [قلنا: الشهادة في سائر الحقوق تقع في حق الغير] ولا يمنع منه الفسق؛ ولأن الفسق في حق الغير يؤثر التهمة [فجاز بشهادته، والتهمة لا تلحقه في بطلان الأصل]. 21173 - [فإن قيل: المعنى] في العدل: أن النكاح يثبت بشهادته والفاسق لا يجوز أن يثبت بشهادته. 21174 - قلنا: ليس يمتنع أن ينعقد النكاح بحضور من لا تثبت بشهادته، كالعدل وابن المرأة، ومن ظاهره العدالة ولا تعرف عدالته في الباطن. 21175 - وعلة الفرع غير مسلمة؛ لأن الفاسق يجوز أن يثبت النكاح بشهادته، بدلالة: أنه إذا شهد فغلب على ظن القاضي أنه عدل فحكم بشهادته لم ينقضها. 21176 - ولأنه من أهل الشهادة، بدلالة: أن حاكما لو رد شهادته لفسقه ثم تاب فشهد بها لم يقبلها، وبمثله لو شهد العبد فردت شهادته ثم أعتق فشهد بها قبلها، وإنما لم يقبلها بعد التوبة. 21177 - لأنه حكم برد شهادته فلا ينقض حكمه، ومن كان من أهل الشهادة انعقد النكاح بشهادته كالمحدود في القذف إذا تاب؛ ولأنه من أهل شهادة اللعان إذا قذف زوجته فجاز أن ينعقد النكاح بشهادته. 21178 - أصله: العدل؛ ولأنها شهادة تختص بالنكاح فلا ينفيها الفسق، أصله: اللعان، يبين ذلك أن شرط الشهادة في الانعقاد من خصائص النكاح واللعان من خصائصه.

21179 - فإن قيل: عندنا يثبت اللعان البينونة، وتثبت في النكاح الفاسد. 21180 - قلنا: لابد من ثبوتها من شبهة النكاح. 21181 - [ولأن الشهادة شرط في انعقاد النكاح فلا ينفيه الفسق، أصله: القبول. 21182 - ولأن من ملك أمرًا شرط فيه الشهادة لم يشرط في الشهود ما لم يشترط فيه]، أصله: الحاكم. 21183 - ولا يلزم: المكاتب؛ لأنه لا يملك النكاح وإنما يعبر فيه عن المولى فلذلك جاز أن يعقد بإذن الولي، وإن لم يجز أن يشهد. 21184 - احتجوا بما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل). 21185 - قالوا: رواه عبد الله بن عمر، وابن مسعود، وعائشة. 21186 - الجواب: أن هذا الخبر لا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولو احتججنا بمثله على مخالفنا أكبر الشناعة، ونسبنا إليه قلة العلم بالحديث، ويكفي أن يكون هذا لم يذكر في الصحيحين، ولا ذكره أبو داود في كتابه خبر الشهادة أصلا، وذكر ابن خزيمة أن هذه الأخبار موضوعة وتكلم ابن المنذر على جميعها، وذكر أنه لا أصل لشيء

منها، وطعن يزيد بن هارون عليها طعنا مشهورًا ظاهرًا، فهؤلاء أئمة الحديث والرجوع إليهم في ذكر الأخبار وقبولها. 21187 - وقد ذكر الدراقطني في هذه الأخبار عن عبد الله بن محرز العامري عن قتادة عن الحسن، عن عمران بن حصين، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا نكاح إلى بولي وشهدي عدل)، وعبد الله بن محرز العامري قال يحيى ابن معين: ليس بثقة، وقال ابن المبارك: لو خيرت بين أن أدخل الجنة وبين أن ألقي عبد الله بن محرز لاخترت أن ألقاه ثم أدخل الجنة، فلما رأيته كان بعده أحب إلي منه، وقال البستي: كان من خيار عباد الله يكذب ولا يعلم. 21188 - ورواه ثابت بن زهير، عن نافع، عن ابن عمر، قال البستي: ثابت بن زهير لا يبالغ على حديثه [فلا يحتاج] وذكر روايته للمناكير. 21189 - ورواه محمد بن يزيد بن سنان الجزري كنيته [أبو عبد الله]، قال يحيى بن معين: ليس بشيء. 21190 - ورواه ابن جريج عن سليمان بن موسى، عن الزهري، وهذا هو حديث سليمان بن موسى المعروف وقد تكلمنا عليه فيما سلف.

21191 - والخبر إذا كانت هذه طرقه لم يجز أن يحتج به، على أنه قد عارضه، ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (لا نكاح إلا بشهود) وهو عام. فنستعمله على عمومه، ونستعمل الخاص على معنى الفضيلة؛ لأن الفضل أن يشهد من يقع التوثيق بشهادته، وهذا كنهيه - عليه السلام - عن بيع ما لم يقبض، ونهي عن بيع الطعام قبل القبض. 21192 - وكقوله تعالى: {يأيها الذين ءامنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدًا فجزاء}، إنا لا نخص عموم الآية بخصوص ما بعده بل نستعملها. 21193 - فإن قيل: نحمل المطلق على المقيد كما حملنا قوله: (في خمس من الإبل شاة) على قوله: (في خمس من الإبل سائمة). 21194 - قلنا: هناك إنما حملناه على المقيد لقيام الدلالة. 21195 - فإن قيل: لم يثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا نكاح إلا بشهود) وإنما روي

ذلك عن أبي سعيد الخدري. 21196 - قلنا: قد روى أبو حنيفة هذا الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يثبت عنده، [ولو ثبت هذا الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -] لاقتضى ظاهره اعتبار شهادة من يوصف بالعدالة من وجه [واحد] ولا يقتضي ذلك اعتبار كل عدالة، وعندنا لابد في شهادة النكاح من عدالة الإسلام، والمسلم عدل في دينه، وإن لم يكن عدلا في أفعاله. 21197 - والظاهر لا يقتضي أكثر من العدالة من وجه واحد، ألا ترى أن قوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} يقتضي وجوب القطع بسرقة واحدة لأن الاسم يتناوله بها، ولا يقتضي وجود كل ما تسمى سرقة. 21198 - فإن قيل: العدل ضد الفسق، فيستحيل أن يوصف بالأمرين فيكون عدلا فاسقا. 21199 - قلنا: بل عدل ضده جور، وعادل ضده جائز، فالمسلم يوصف بأنه عدل بمعنى أنه ترك الكفر الذي هو جور وعدول عن الحق، وفي الحماسة: 21200 - خليل عوجا بارك الله فيكما .... وإن لم تكن هند لأرضكما قصدا وقولا لها ليس الضلال أجارنا .... ولكننا جرنا لنلقاكم عمدا 21201 - فسمي العدول عن الطريق جورا. 21202 - ولأن قوله: (لا نكاح) يحتمل على نفي الفضيلة ونفي الجواز، وليس أحدهما بأولى من الآخر، فنحمله على المتيقن وهو نفي الفضيلة. 21203 - قالوا: ما افتقر ثبوته إلى الشهادة افتقر إلى العدالة، أصله: ثبوته عند

الحاكم. 21204 - قلنا: يبطل باللعان فإن ثبوته يفتقر إلى الشهادة، [ألا ترى: أن الله تعالى سماها شهادة، وهو أولى باسم الشهادة] من حضور العقد؛ لأن هناك لا نطلق [ومع ذلك يفتقر اللعان إلى العدالة. 21205 - ولأن الثبوت يفتقر إلى النطق بالشهادة] في حق الغير فافتقر إلى العدالة، وفي مسألتنا: لا نفتقر إلى النطق فلم نفتقر إلى العدالة. 21206 - ولا يلزم على معارضة الأصل اللعان؛ لأنها شهادة في حق نفسه. 21207 - أو نقول: المعنى في الثبوت أنه يفتقر إلى العدالة الباطنة، فافتقر إلى الظاهرة، وفي مسألتنا: شهادة لا تفتقر إلى العدالة الباطنة فلا تفتقر إلى الظاهرة. 21208 - وهذه المعارضة على قول من يقول من أصحابنا: إن العدالة الباطنة شرط عند أبي حنيفة فيما بعد عصره. 21209 - أو نقول: إن الثبوت نفوذ قول الإنسان على غيره فلا ينفذ إلا بقول من لا يتهم، والفاسق يتهم بالكذب. 21210 - فأما الانعقاد فليس فيه معنى [يؤثر فيه] التهمة وإنما شرطت الشهادة ليخرج العقد من قبيل السر إلى حيز العلانية، وهذا موجود فيمن كان من أهل الشهادة فإن اتهم في أقواله، ولهذا ينعقد النكاح عندهم بشهادة العدو، ولا يثبت

بشهادته. 21211 - قالوا: ما لا يثبت بشهادة العبدين لا يثبت بشهادة [الفاسقين] لثبوته عند الحاكم. 21212 - قلنا: قد ينعقد النكاح بشهادة من لا تثبت شهادته، بدلالة: العبدين، وأولاد أحد الزوجين، ومن ظاهره/ العدالة، والمعنى في الثبوت ما قدمنا. 21213 - قالوا: من لا يثبت النكاح بشهادته عند الإدلاء لا ينعقد بشهادته كالعبدين والصبيين والكافرين. 21214 - قلنا: هؤلاء لا يملكون قبول النكاح بأنفسهم فلا ينعقد بشهادتهم، والفاسق [يملك] القبول بنفسه فينعقد النكاح بشهادته. 21215 - أو نقول: إن هؤلاء ليسوا من أهل الشهادة، بدلالة: أنهم لو شهدوا فردت شهادتهم، ثم زال المانع فشهدوا بتلك الشهادة تقبل، والفاسق من أهل الشهادة، بدلالة: إذا شهد فردت شهادته ثم تاب فأعادها، لم تقبل.

21216 - قالوا: ما اختص من بين نوعه بشهادة، كانت العدالة من شرطها كالشهادة بالزنا. 21217 - قلنا: النكاح لا يختص من بين نوعه بشهادة، وإنما يختص بتحمل لا يفتقر إلى غيره، والمعنى في الشهادة بالزنا: [أنها] تفتقر إلى عدالة الباطن والنكاح بخلاف ذلك. 21218 - أو نقول: إن الزنا لما اختص من بين نوعه بشهادة اعتبر في شرائطها ما اعتبر في الشهادة بالنوع، وفي مسألتنا: اختص هذا العقد بين سائر العقود [بتحمل الشهود فلا يعتبر فيه ما لا يحتاج إليه في صفة التحمل في سائر العقود]. 21219 - قالوا: التحمل يحتاج إليه للتوثيق عند الأداء، والفاسق لا يتوثق بشهادته. 21220 - قلنا: الشهادة لو اعتبرت للتوثيق عند الأداء جاز تركها كما يجوز في سائر العقود. فلما لم يجز تركها دل على أنها إنما طلبت ليصير العقد في حيز العلانية

ويفارق السر. * * *

مسألة 1040 شهادة الذميين على قعد نكاح المسلم بالذمية

مسألة 1040 شهادة الذميين على قعد نكاح المسلم بالذمية 21221 - قال أبو حنيفة، وأبو يوسف: إذا تزوج مسلم ذمية بشهادة ذميين جاز. 21222 - وقال محمد: لا يجوز، وبه قال الشافعي. 21223 - والكلام مع الشافعي فرع على أصلنا: أن شهادة أهل الذمة مقبولة على الكفار. 21224 - فإذا ثبت هذا الأصل. 21225 - قلنا: هذه الشهادة يجوز أن يثبت بها النكاح إذا جحدت المرأة، فجاز أن ينعقد بها، كالمسلمين. 21226 - ولأن الثبوت أضعف والانعقاد أقوى، فإذا ثبت هذا العقد بهذه الشهادة فلأن ينعقد بها أولى. 21227 - ولأن الذي يجوز أن يكون وليا في هذا العقد، جاز أن يكون شاهدا فيه، كالمسلمات في حق المسلمين. 21228 - ولأنه يملك قبوله بنفسه، فجاز أن يكون شاهد فيه، كالمسلم في حق المسلم.

21229 - قالوا: إنما جاز أن يكون وليها لها؛ لأن المسلم لا ولاية له عليها، ولابد من ولي فولي الكافر عليها. 21230 - قلنا: العدالة عندكم شرط في الولاية والكافر ليس بعدل عندكم ولهذا لا تقبل شهادته، فكان يجب أن يزوجها الحاكم بولاية القضاء، كما يلي في مالها إن لم يكن لها ولي. 21231 - احتجوا بقوله - عليه السلام -: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل). 21232 - قلنا: قد بينا فيما سلف أن هذا غير ثبات عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولو ثبت اقتضى وجود ما يسمى عدالة، والكافر ليس بعدل من حيث الكفر وهو عدل في دينه إذا تمسك بما يعتقده وسدد في أفعاله وإذا تناوله الاسم من وجه واحد دخل تحت الخبر. 21233 - قالوا: شخصان لا يعقد بهما نكاح المسلمين، فلا ينعقد بهما نكاح مسلم وذمية، أصله العبدان والصبيان. 21234 - قلنا: المعنى في الصبيين والعبدين: أنهما لا يملكان قبول العقد، وليس كذلك الذمي؛ لأنه يملك قبول هذا العقد بنفسه. 21235 - أو المعنى فيهما: أنهما لا يملكان الولاية وليس كذلك الذمي؛ لأنه لا يجوز أن يكون وليا في العقد، فجاز أن يكون شاهدا فيه.

21236 - قالوا: نكاح لا ينعقد بشهادة العبدين، فلا ينعقد بشهادة الكافرين، أصله: نكاح المسلمين. 21237 - قلنا: نكاح المسلمين لا يجوز أن يكون الكافر وليا فيه، فلم يجز أن يكون شاهدا فيه، وفي مسألتنا بخلافه. 21238 - قالوا: سماع الكفار من المسلم لا حكم له في انعقاد النكاح ووجوده وعدمه سواء، يدل عليه: إذا حضروا نكاح المسلم، وإذا كان سماعه كلا سماع، فكأنهما سمعا الإيجاب ولم يسمعا القبول، فلم ينعقد النكاح. 21239 - قلنا: الزوج يملك عليها بالعقد الاستباحة، وتملك ذلك يقف على الشهادة، وسماعهم في حقها صحيح، فحصل للزوج شرط استباحته والملوك من جهة الزوج المهر، وتملك الأموال لا يقف على الشهادة فإذا صار سماعهم في حق المسلم كلا سماع لا يمنع ذلك من تملك ما هو من جهته، فلذلك صح النكاح. 21240 - فإن قيل: يجب إذا سمعوا كلامهما خاصة أن ينعقد النكاح. 21241 - قلنا: إنما يعتبر سماعها في حقهما للعقد، وذلك هو اجتماع الإيجاب والقبول فاعتبر اجتماع الأمرين. 21242 - فإن قيل: المرأة تستبيح كما يستبيحها. 21243 - قلنا: المعقود عليه من جهة الزوج المهر، وإنما استباحتها له بالعقد تابع

لاستباحته لها؛ لأنه لا ينفرد أحدهما عن الآخر، فأما أن يكون استباحته معقودا عليها فلا. * * *

مسألة 1041 شهادة الرجل والمرأتين على عقد النكاح

مسألة 1041 شهادة الرجل والمرأتين على عقد النكاح 21244 - قال أصحابنا: ينعقد النكاح بشهادة رجل وامرأتين. 21245 - وقال الشافعي: لا ينعقد إلا بشهادة الرجال. 21246 - ولا تقبل شهادة النساء عنده في الرجعة، والطلاق، والوصية، والوكالة، والصلح من دم العمد، والكتابة. 21247 - لنا: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا نكاح إلا بشهود)، ومتى اجتمع الرجل مع النساء غلب اسم التذكر، فقيل: هم شهود، ولا يقال: هذا خبر لا يعرف، لأن أبا حنيفة رواه. 21248 - قالوا: الخبر يقتضي من ينتفي النكاح بعدمه، والرجل والمرأتان لا ينتفي النكاح بعدمهم؛ لأنه ينعقد بحضور شاهدين. 21249 - قلنا: الخبر لا يقتضي الرجل والمرأتين خاصة، بل يدل على الرجل، والرجل والنساء، ومتى عدم الجميع انتفى العقد. 21250 - ولأنها شهادة يثبت بها الدم، فجاز أن ينعقد بها النكاح، كشهادة

الرجلين. 21251 - [ولأن ما جاز إثباته بالشهادة على الشهادة جاز إثباته بشهادة الرجل والنساء] كالأموال. 21252 - ولأن شهادة النساء قائمة مقام شهادة الرجال فهم كشهود الفرع. 21253 - فإن قيل: شهادة [شهود الفرع كاملة، وشهادة النساء بينة ضعيفة فلا مدخل لها في النكاح]. 21254 - [قلنا: شهادة شهود] الفرع ليس بقوية، ولهذا لا يجوز لشاهد الفرع إذا ولي القضاء أن يحكم بما شهد به، ويجوز لشاهد الأصل أن يحكم بما شهد به. 21255 - ولأنه معنى لا يسقط بالشبهة، فاستوى فيه شهادة النساء والرجال كالمال. 21256 - ومعنى قولنا: (إنه لا يسقط بالشبهة) أن القاضي لا يلقن المقر الرجوع، وإذا رجع الشهود وحدوا بعد الحكم لم يسقط. 21257 - قالوا: الأموال يثبت إتلافها بالشهادة من النساء فكذلك إثباتها، والبضع

لا يثبت إتلافه بشهادة النساء [كذلك إثباته. 21258 - قلنا: لا فرق بينهما؛ لأن إتلاف البضع إذا وجب المال يثبت بشهادة النساء] كالوطء بشبهة، وإذا أوجب الحد لم يثبت بشهادتهم [كما أن إتلاف المال إذا أوجب الحد لم يثبت بشهادتين]، وإن أوجب الغرم ثبت بشهادتين لأنه نوع عقد فجاز إثباته بشهادة الرجال والنساء كسائر العقود. 21259 - ولأنه عقد يثبت بدله بشهادة الرجال والنساء فيثبت نفس العقد بشهادتهم كالبيع؛ ولأنها شهادة يثبت بها آجال الديون، فثبت بها النكاح، كشهادة الرجال. 21260 - فإن قيل: المعنى في الشهادة من الرجال أنها تقبل في القصاص والحدود، وشهادة النساء بخلاف ذلك. 21261 - قلنا: لأن الحدود والقصاص تؤثر الشبهة فيها، وفي شهادة النساء شبهة، والنكاح لا تؤثر الشبهة فيه فهو كالأموال. 21262 - فإن قيل: النكاح مفارق لغيره من العقود، بدلالة: أنه لا يثبت بالنكول

عندكم ولا بالشاهد واليمين عندنا، وكذلك يفارقها في شهادة النساء. 21263 - قلنا: إنما افترقنا في النكول؛ لأنه في معنى البدل، والأبضاع لا تستباح بالبدل، والملوك بالعقد يستباح بالبدل فكذلك يثبت بالنكول. 21264 - فإن قيل: المعنى في الأموال أنها تستباح بالإباحة فلذلك تثبت بشهادة الرجال والنساء، والأبضاع لا تستباح بالإباحة [فلم تثبت بشهادة النساء عندنا. 21265 - قلنا: بضع الأمة لا يستباح بالإباحة] ويجوز أن يثبت ملكه بشهادة النساء، والوكالة، والوصية تستباح بالإباحة ولا تثبت بشهادة النساء عندهم. 21266 - احتجوا بقوله - عليه السلام -: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل). 21267 - قلنا: قد بينا أن هذا لا يصح [عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فالاحتجاج به لا يصح]. 21268 - ولأن ظاهره يقتضي انعقاد النكاح بشهادة رجل وامرأة لأنهما يسميان شاهدين، فدل الخبر على أن للنساء في النكاح مدخلا، أو نحمله على نفي الفضيلة؛ لأنه لا يستحب للنساء حضور العقود التي يحضرها الرجال في الغالب. 21269 - قالوا: النكاح ليس المقصود منه المال، فلا يثبت بشهادة النساء على الانفراد، فوجب [ألا يثبت] بشهادة النساء على الانفراد، فوجب [ألا يثبت] بشهادة رجل وامرأتين، أصله: القصاص.

21270 - قلنا: إذا كان مالا يقصد بالمال وهو الرضاع والولادة، يثبت بشهادة النساء منفردات، فثبوت النكاح الذي ليس فيه معنى المال، بشهادة الرجل والنساء أولى. 21271 - والمعنى في القصاص: أنه يسقط بالشبهة، وفي شهادة النساء شبهة، بدلالة قوله تعالى: {أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى}، والنكاح لا يسقط بالشبهة فلذلك بشهادتين. 21272 - فإن قيل: فافتراقهما من هذا الوجه لم يمنع أن يتساويا في امتناع الحكم بالنكول وعرض اليمين. 21273 - قلنا: القصاص عندنا يستحلف فيه، ويستوفي فيما دون النفس/ فلم يسلم لهم هذه التسوية. 21274 - ثم ليس إذا استوى النكاح والقصاص في امتناع القضاء بالنكول ما وجب تساويهما فيما بيناه من الشهادة. 21275 - ألا ترى أن الزنا، وسائر الحدود تتساوى في أن شهادة النساء لا تقبل فيها ولا تثبت بالشاهد واليمين، ثم اختلف حكمها في ثبوتها، فثبت الزنا بشهادة أربعة وسائر الحدود وتثبت بشهادة شاهدين.

21276 - [قالوا: مالا يستباح بالإباحة لا يثبت بشهادة النساء، كالحدود]. 21277 - قلنا: بضع الأمة لا يستباح بالإباحة، ويثبت تملكه في البيع والهبة بشهادة النساء كما أن بضع الحرة لا يستباح إلا بتقديم سبب يقتضي الإباحة، وذلك السبب يجوز أن يثبت بشهادة النساء. * * *

مسألة 1042 تزويج من زالت بكارتها بغير نكاح

مسألة 1042 تزويج من زالت بكارتها بغير نكاح 21278 - قال أبو حنيفة: إذا زالت البكارة بالوثبة، والحيضة، وطول التعنيس، أو بالزنا زوجت كما زوجت الأبكار. 21279 - وقال أبو يوسف ومحمد: إن زالت بالزنا زوجت كما تزوج الثيب، وإن زالت بغير وطء. فكما قال أبو حنيفة. 21280 - وقال الشافعي: إذا زنت زوجت كما تزوج التي وطئت بنكاح. واختلف أصحابه في زوال البكارة بغير وطء، فقال ابن أبي هريرة: هو كالوطء. 21281 - وقال المروزي مثل قولنا.

21282 - والكلام يبتدأ في زوال البكار بغير جماع. 21283 - والدليل عليه قوله - عليه السلام -: (البكر تستأمر في نفسها)، فقيل: إنها تستحي، فقال: (إذنها صمتها وسكوتها إقرارها). 21284 - فالاستدلال بالخبر من وجهين: 21285 - أحدهما: أن زوال العذرة بغير وطء لا يسلبها اسم البكر، إذ البكر اسم لمن إذا وطئت كان الواطئ الأول من طرقها. 21286 - ولهذا يقال لأول ولد يولد للرجل: بكر، وأول النهار: بكرة؛ لأنه أول ساعات النهار. 21287 - ويقال لأول ما يدرك من الثمار باكورة: ومعلوم أن ذهاب الجلدة التي على العذرة لا يمنع أن يكون أول من أتاها أول مصيب لها وكانت بكرا ولهذا وصف الله تعالى الأبكار في الجنة فقال: {لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان} ولم يصفهن ببقاء العذرة. 21288 - فإن قيل: لو ابتاع جارية على أنها بكر فوجد عذرتها قد زالت بالحيض كان له ردها. 21289 - قلنا: لأنه قد ابتاعها بصفة تكون معها علامة، فدل على فقد الوطء وهي العذرة، فإن لم تكن احتملت المنازعة في ذلك زال البكارة بالوطء وغيره، فردها لفقد العلامة، حتى قال بعض أصحابنا: إن اعترف المشتري أن البكارة زالت بغير الوطء لم يردها.

21290 - وجواب آخر: وهو أنه إذا اشتراها بكرًا فقد شرط العذرة في العادة، وهو يردها لفقد ذلك الجزء لا لزوال البكارة. 21291 - الوجه الثاني من الاستدلال قولهم: إنها تستحي. فقال: (سكوتها إقرارها) فجعل العلة في ذلك وجود الحياء وهذا موجود فيمن زالت عذرتها بالحيض فإن الحياء لا يرتفع عنها كما لا يرتفع عن العذراء لا يرتفع عنها، والحكم يتعلق بالعلة التي وجدت. 21292 - فإن قيل: البكر إذا عجزت وتزوجت عدة أزواج كلهم مات عنها، فإذنها سكوتها وإن كانت لا تستحي في العادة، إذا خاصمت في مهرها مرة بعد أخرى. 21293 - قلنا: قد أجرى الله العادة [ببقية الحياء ما دامت البكارة، كما أجرى الله تعالى العادة] بإكمال العقل عند البلوغ. 21294 - وقد يتأخر البلوغ فيوجد العقل لكنه في العادة لا يكمل قبله، كذلك [قد ينقص الحياء] لعلو السن، إلا أنه لا يفقد لزوال البكارة فسقط هذا. 21295 - وأما إذا زالت العذرة بالزنا، فالدليل على أن الحياء موجود متى استأذنها الولي لأنه يتصور أنه يزوجها ليعفها، والحكم يتعلق بالعلة. 21296 - فإن قيل: الزانية لا تستحي في العادة لأنها تتقبح. 21297 - قلنا: لا يكون ذلك مع أبيها الذي يستأذنها، وإنما يكون مع الأجانب لا

سيما إذا فرضنا الكلام فيمن ندر ذلك منها ولم يتكرر. 21298 - ولأن بكارتها زالت بفعل في غير ملك لا يوجب مهرا ولا عدة فصار كزوالها بالوثبة والحيضة. 21299 - قالوا: لا تأثير لهذا الوصف لأن مجنونا لو أكرها على الزنا وجب لها المهر، ومع ذلك تزوج كما تزوج البكر. 21300 - قلنا: لا رواية في هذه المسألة، ومن أصحابنا من قال: تعليل المسألة أن تكون في حكيم الثيب. 21301 - ولأن بكارتها بمعنى غير مستحق ولا جعل في حكم المستحق فهو كزوالها بالوثبة. 21302 - ولأنه معنى سببها لا يتعلق به مهر ولا عدة كالجراحة. 21303 - احتجوا بقوله - عليه السلام -: (البكر تستأمر في نفسها وإذنها صمتها والثيب تعرب عن نفسها). 21304 - قالوا: وهذه ثيب. 21305 - قلنا: الزنا لا يزيل اسم البكارة عنها، بدلالة قوله - عليه السلام -: (البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام) فسمى - عليه السلام - من كان حدها الجلد بكرًا، فدل على أن الزنا

لا يزيل اسم البكارة. 21306 - ولا يقال: إنه سماها بكرا قبل أن تزني؛ لأنها بالزنا الثاني تجلد، فدل على أن الاسم لم يزل. 21307 - وجواب ثان: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علق الحكم بمعنى وهو الحياء. 21308 - والاسم المذكور وهو البكارة، والثيوبة هو الاسم المعلل، فوجب اعتبار المعنى دون اسم محل المعنى، كقوله - عليه السلام -: (البر بالبر مثلا بمثل كيلا بكيل). 21309 - لأن المعنى الكيل، والبر هو المعلل، فثبت الربا في غير البر لوجود المعنى فيه، ويوجد البر ولا يجري التحريم فيه إذا كانت بحيث لا تكال كالخبز. 21310 - فدل على بطلان الاسم مع وجود المعنى الذي تعلق به الحكم. 21311 - قالوا: وطئت في قبلها، فوجب أن يكون إذنها النطق مع القدرة عليه، كما لو وطئت بنكاح، أو ملك يمين، أو نكاح فاسد، أو شبهة.

21312 - قلنا: الوطء في هذه المواضع لا يضرها معه وقوف العقد على نطقها. 21313 - ألا ترى أن النسب لم يندب إلى سيرة فلذلك اعتبر النطق، والزانية لو وقف نكاحها على نطقها أضر ذلك بها؛ لأنه يعلم بذلك أنها زنت. وقد ندب الولي إلى سترها فلا يجوز أن يضر بها بالتماس نطقها. 21314 - أو نقول: الوطء في النكاح والشبهة تعلق به مهر وعدة [والزنا وطء في غير ملك فلم يتعلق به مهر ولا عدة] والمعنى في الوطء بملك اليمين أنه وطء في ملك، وفي مسألتنا في غير ملك ولا ما جرى مجرى الملك. 21315 - فإن قيل: قال محمد في الجامع إذا أوصى لأبكار بني فلان. لم تستحق المزني بها الوصية. 21316 - قلنا: قال أبو الحسن: هذا الجواب على قول أبي يوسف ومحمد خاصة على الاستحقاق في الوصية يستحق بالاسم، وفي مسألتنا يتعلق الحكم بالمعنى المستنبط من الاسم فلذلك استويا. * * *

مسألة 1043 تزويج الولي الأبعد مع وجود الولي الأقرب

مسألة 1043 تزويج الولي الأبعد مع وجود الولي الأقرب 21317 - قال أصحابنا: إذا اجتمع في المجنونة أخوان أحدهما لأب وأم والآخر لأب فالأخ لأب وأم أولى بتزويجها. 21318 - وهو قول الشافعي في الجديد. 21319 - وقال في القديم: هما في الولاية سواء، ويحل العقد عليها والصلاة عليها إذا ماتت. 21320 - لنا: أن أحدهما لا تعصيب له مع الآخر كالأخ وابن الأخ ولأن أحدهما ينسب إلى الأبوين والآخر إلى أحدهما فصار كالأخ لأب وأم والأخ لأم؛ ولأنه معنى يتعلق بالتعصيب والأخ للأب والأم فيه أولى من الأخ للأب كالإرث والولاء. 21321 - قالوا: اعتبار الولاية بالإرث لا يصح لأن الإرث يثبت للصغير والمجنون ولا ولاية لهما.

21322 - قلنا: الولاية معتبرة بالإرث إلا أنا نعتبر في الوارث صفة، كما أنها تتعلق بالأبوة وتعتبر فيها صفات مخصوصة. 21232 - احتجوا بأنهما استويا في قربة الأب ولكل واحد منهما ولاية في النكاح إذا انفرد فوجب أن يستويا فيها، أصله إذا كان من أب وأم. 21324 - قلنا: تساويهما في قرابة الأب لا يمنع أن يكون أحدهما أولى بالولاء [كذلك لا يمنع أن يتقدم في ولاية النكاح] ولأنهما إذا كانا لأب وأم فقد تساويا في التعصيب وصحة القول فتساويا في الولاية. 21325 - وفي مسألتنا لم يتساويا في التعصيب فلم يتساويا في الولاية. 21326 - قالوا: تساويا في الإدلاء بالأب، وانفرد أحدهما بالانتساب إلى الأم ولا مدخل لها في ولاية النكاح. 21327 - قلنا: هذا غير مسلم؛ لأن الأم تلي في النكاح على رواية الأصول ثم لو سلمنا ذلك لم يصح لأنه لا يمنع أن تستفاد الولاية من الأب ويترجح أحدهما بالأم كما أنه أولى بالولاية وهو مستفاد بالانتساب إلى الأب. 21328 - فأما الانتساب إلى الأم فلا يثبت فيه ولا لمن يساويهما للأم، وكذلك التعصيب مستفاد بالأب، وتترجح الصبة بالانتساب إلى [الأم] ولا مدخل لها في

التعصيب. 21329 - فإن قيل: إنما يترجح الأخ لأم؛ لأن المرأة تستحق الولاء كالرجل. 21330 - قلنا: تستحق ما باشرت أو باشرة من أعتقت، فأما إن استحق الولاء من غير هذه الجهة فلا، والأخ هنا يترجح بالأم في الولاء المنتقل من غيرها ولا مدخل لها في الولاء المنتقل. 21331 - قالوا: إنما يترجح الأخ في الإرث بالأم لأنها ترث بالسهم. 21332 - قلنا: إنما يترجح/ تعصيب الأخ بها، ولا يترجح إرثه، ثم يرث بقوة التعصيب ولا مدخل للأم في التعصيب. * * *

مسألة 1044 ولاية الابن على أمه

مسألة 1044 ولاية الابن على أمه 21333 - قال أبو حنيفة: يجوز للابن تزويج أمه المجنونة وإن لم يكن من قبيلتها. 21334 - وقال الشافعي: لا يملك تزويجها إلا أن يكون من قبيلتها. 21335 - لنا: أنه عصبة له قول صحيح كالأب وكالابن من القبيلة، ولأن تعصيبه أقوى من تعصيب الأب؛ لأن الأب معه دونهم فأما ملك الأب تزويجها إذا انفرد فمن هو أقوى تعصيبا أولى. 21336 - ولأن كل حجم ثبت للابن إذا كان من قبيلتها ثبت له وإن كان من غير قبيلتها كالإرث والصلاة عليها واستيفاء القصاص إذا قتلت. 21337 - احتجوا: بأنه ليس لابنها لأبيه تزويجها بحال فلا يملك ابنه تزويجها، أصله الأجنبي. 21338 - قلنا: المولى المعتق يزوج المعتقة وأبوه لا يملك تزويجها بحال، والمعنى في

الأجنبي أنه ليس بعصبة منها فلم يملك تزويجها بالولاية الخاصة، والابن عصبتها وله قول صحيح فملك تزويجها. 21339 - قالوا: الابن لا يخلو أن يكون أصلا في ولاية النكاح أو فرعا، ولا يجوز أن يكون أصلًا؛ لأن أباها قد ثبت له عليها الولاية ومن كان أصلا لم يكن مسبوقا عليها. 21340 - ولأنه لا يملك الولاية في مالها، ولو كان أصلا لملك الولاية في المال، ولو كان فرعا لم يخل أن يكون فرعا لأبيه أو لها فلا يجوز أن يكون فرعًا لأبيه. 21341 - لأنه لا يملك الولاية عليها ولا يجوز أن يكون فرعا لها لأن النساء لا مدخل لهن في الولاية. 21342 - قلنا: الابن فرع في الولاية هو فرع لها لأبيه، ولها الولاية على نفسها عندنا لو كانت عاقلة، ثم هذا يبطل بالتعصيب؛ لأنه عصبتها، ولا يجوز أن يكون أصلا في التعصيب [لأن النساء لا مدخل لهن في التعصيب، ثم ثبت التعصيب باتفاق بانتسابه إليها، واستحقاقه ميراثها] لأن تعصيب أبيها سابق. 21343 - ولا يكون فرعا عليها في التعصيب؛ لأن ميراثها بقدر فرض مقدار ولم يكن أصلا في التعصيب ولا فرعًا، كذلك الولاية. 21344 - قالوا: الابن يلحقه الشين [بتزويجها، فلو جعلناه وليا عضلها. 21345 - قلنا: يبطل إذا كان من قبيلتها].

مسألة 1045 كفاءة من له أب واحد في الإسلام لمن له أبوان أو آباء

مسألة 1045 كفاءة من له أب واحد في الإسلام لمن له أبوان أو آباء 21346 - قال أصحابنا: من له أب واحد في الإسلام لا يكون كفؤًا لمن له أبوان أو آباء. 21347 - وقال الشافعي: يكون كفؤًا. 21348 - لنا: أن من أسلم بنفسه يقال له: مسلماني، ويقال لابنه: ابن المسلماني يعير به لتأخيره الإسلام. والمرجع في الكفاءة إلى العادة بدلالة نقصان المال وقصور النسب. 21349 - ولا يقال: إن هذا لا يجوز أن يقال لمن أسلم لأنا لا نجوز ذلك إلا أنه لا يخرج أن يكون معتقًا، كما أن الإنسان لا يجوز أن يعير بنقصان المال ولا بقصور النسب، إذا كان كامل الدين إلا أنهم لما اعتادوا ذلك منع الكفاءة.

21350 - احتجوا: بأن النبي زوج عثمان وقد أسلم بنفسه. 21351 - قلنا: في ذلك الوقت لم يتقادم عهد الإسلام ولم يكونوا يعيبون بذلك، ولما تقادم عهد الإسلام عابوا من تخلف عنه وعيروه بالتأخير، ثم لا حجة فيه لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلا الأولى ولم يعتد بما لا يجوز الاعتداد به في الشرع، كما أن الولي المندوب إلى تزويج الفقير إذا كان صالحا ولا يمنع هذا ن اعتبار الفقر وعدم الكفاءة. * * *

مسألة 1406 رضا بعض الأولياء بترك الكفاءة

مسألة 1406 رضا بعض الأولياء بترك الكفاءة 21352 - قال أبو حنيفة: إذا زوجها أحد الأولياء من غير كفء لم يكن للباقين الاعتراض. 21353 - واختلف أصحاب الشافعي: فمنهم من قال: لا يجوز عقده، ومنهم من قال: يصح عقده ولبقية الأولياء الاعتراض. 21354 - والدليل على جواز العقد: أن كل واحد من الأولياء في النكاح قد جعل كالمفرد بالولاية بدلالة جواز عقده بغير رضا الباقين، فصار كمن ليس لها إلا ولي واحد زوجها برضاها من غير كفء. 21355 - ولأنه عقد على وجه ندب إليه بدلالة أن المرأة والولي مندوبان إلى التزويج بالفقير الذي لا نسب له إذا كان من أهل الصلاح، ومتى عقد الولي عقدًا يندب إليه رضاها صح عقده، كما لو زوجها من غير كفء. 21356 - ولأن العقد وقع برضا المالك المعقود عليه فما يلحق غيره من الضرر لا يوجب فسخ العقد، كمن باع شقصًا لغير الشريك.

21357 - وأما الدليل على أنه لا اعتراض للباقين: فلأن العقد صح برضا من له ولاية فيه فلم يثبت فيه الاعتراض، كمن ليس لها ولي واحد. 21358 - وكما لو زجها الأب من غير كفء، لم يكن للعم والإخوة الاعتراض. 21359 - ولأن حقهم في الكفاءة لا يتبعض لاستحالة أن يثبت بعض [الشيء] دون بعض والحق إذا ثبت لجماعة وهو مما لا يتبعض فأسقط أحدهم حقه سقط حق الباقين، كالعفو من دم العمد؛ ولأنا بينا أن كل واحد كالمنفرد بالولاية بدلالة أنه يعقد بغير إذن الباقين والمنفرد بالولاية إذا عقد برضا المرأة لم يثبت الاعتراض عليه. 21360 - ولأن الحق ثابت لجميع المسلمين في قتل أهل الحرب وأخذ أموالهم وسبيهم، ثم إذا أسقط أحدهم هذا الحق بالأمان سقط حق بقيتهم لأنه مما لا يتبعض كذلك في مسألتنا. 21361 - احتجوا: في فساد العقد بأن الولي إذا عقد على وجه يضر بالمولى عليه لم ينعقد عقده. كما لو باع ما لها بأقل من قيمته. 21362 - قلنا: إذا رضيت المرأة العقد فقد اختارت الضرر فوازنه أن يبيع ما لها بنقصان بإذنها وهي بالغة، وأما الصغيرة إذا زوجها فلا ضرر عليها. 21363 - لأن حق الاعتراض يثبت لها بعد البلوغ فإن كان الزوج دخل بها

أخذت البدل والمبدل [وسلمت له المبدل] وإن كان لم يدخل بها عاد إليها المبدل، وسلمت لها النفقة. 21364 - وليس كذلك البيع بنقصان لأنا لو جوزنا العقد انتفى الملك إلى المشتري وفاتها المقصود منه بتصرفها ونقل الملك فيه، فإن فسخت العقد عادت العين إلى مالكها ولم يسلم لها منفعة أخرى فلذلك لم يصح العقد. 21365 - احتجوا: في الفصل الآخر بأن الحق لجماعة المسلمين ولا يملك بعضهم إسقاط حق بعض كالدين المشترك إذا أبرأ منه أحدهم والشفعة إذا سلمها أحد الشفعاء. 21366 - قالوا: يبطل بأمان الواحد من المسلمين، وبعفو أحد الشركاء في أخذ القصاص فأما الدين فمما يتبعض فإن أسقط أحدهم حقه لا يسقط حق باقيهم والحق في مسألتنا غير متبعض. 21367 - وكذلك الشفعة حق يتبعض بدليل أن الشركاء إذا اجتمعوا قسم العين بينهم بالحصص؛ فلذلك لم يسقط حقهم بإسقاط حق بعضهم.

21368 - قالوا: لو رضيت بغير كفء لم يسقط حق الأولياء بها ورضا الولي لا يكون آكد من رضاها. 21369 - قلنا: لا يتصور على مذهبهم رضاها، إلا أن يوكل الولي رجلا فيأذن له في تزويجها. 21370 - فالجواب: أن حقها من غير جنس حقهم؛ لأن حقهم نفي الشين عن أنفسهم وحق المرأة حصول مقاصد العقد لها، والحقان مختلفان يسقط أحدهما بإسقاط الآخر. 21371 - فأما الأولياء فحقهم جنس واحد فصار كالدم المشترك وكحق المسلمين في قتل أهل الحرب وسبيهم. * * *

مسألة 1047 النقص أو الزيادة عن مهر المثل

مسألة 1047 النقص أو الزيادة عن مهر المثل 21372 - قال أبو حنيفة: إذا زوج الأب ابنته الصغيرة بأقل من مهر مثلها أو ابنه الصغير بأكثر من مهر ابنته جاز ذلك. 21373 - وقال الشافعي: العقد جائز والتسمية لا تصح، فيجب للصغيرة مهر مثلها ويسقط ما زاد لامرأة الصغيرة. 21374 - لنا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - زوج فاطمة عليا على أربعمائة درهم وروى خمسمائة. وهي أشرف العرب والصفات الموجبة لزيادة المهر مجتمعة لها من الفضل والدين، ومثلها يعلم أن مهرها أكثر من هذا. 21375 - وقد تزوج عمر بنتها أم كلثوم بأربعين ألفًا وإنها أشرف منها،

وكذلك تزوج - عليه السلام - عائشة بأربعمائة وأبوها سيد قبيلته وعالم قريش وكثير المال. 21376 - وصفات عائشة كاملة في الجمال والفضل والدين، ولولا أن الأب يجوز له أن ينقص من المهر لم يسع النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعقد مع التغابن في المهر. 21377 - ولا يقال: إن المهر يختلف بعادة أهل الأزمان؛ لأن أم حبيبة تزوجت النبي - صلى الله عليه وسلم - بأربعمائة دينار وفاطمة أفضل منها وأشرف. 21378 - ولأن عمر ندب الناس إلى ترك المغالاة في المهر بقوله: لا تغلوا في صدقات النساء. وأمرهم أن يقتدوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلو كان - عليه السلام - تزوج بمهر المثل لم يكن لذكر ما نراه في الأنكحة فائدة. 21379 - ولأن النكاح يقصد به معنى غير المهر أكثر من قصد المهر، وهو عين الزوج والمرأة وصفاتها والأب غير متهم على ولده، فالظاهر أنه يحصل لها من الصفات في الزوج التي هي المقصودة العقد أكثر مما يوفيها من المهر، فجاز ذلك عليها. 21380 - ولأنه سمي في نكاح بنته الصغيرة ما يجوز أن يكون مهرًا، فصحت التسمية كما لو سمي/ مقدار مهر المثل؛ ولأن له تزويجها في حال الصغر باتفاق، فإذا أنقص عن مهرها صحت التسمية، أصله المولى إذا زوج أمته. 21381 - ولأنه نقصان لا يمنع صحة العقد فلا يمنع صحة تسمية، أصله النقصان اليسير. 21382 - احتجوا: بأنها محاباة في عوض بغير إذن مستحقة، لا يتغابن الناس بمثلها فوجب ألا يصح أصله إذا باع مالها أو أخذه أو زوج أمتها.

21383 - وربما قالوا: تصرف بولاية ومعارضة في حق المولى عليه. 21384 - قلنا: التصرف في المال لا يطلب به إلا العوض فإذا فوتها ذلك فلم يحصل لها في مقابلة ما فوتها شيء فلم يصح. 21385 - وليس كذلك النكاح؛ لأن المقصود منه المهر ومعنى هو أهم منه، والأب غير متهم عليها. 21386 - ألا ترى أن الأب في العادة يختار حظ ولده على حظ نفسه؟ فالظاهر أنه عوضها من الأهم المقصود من ما يوفي على ما نقصها ولذلك نفذ نقصانه. 21387 - فإن قيل: إن صح ما قلتم لوجب إذا تزوج المريض امرأة بأكثر من مهر مثلها؛ أن تجوز التسمية؛ لأن الظاهر أنه يعوض عن ذلك العوض الزيادة وهو غير متهم في حق نفسه. 21388 - قلنا: تصرف الأب في حق ولده أنفذ من تصرف المريض عندنا؛ لأن محاباة الأب اليسيرة تجوز بالإجماع، ومحاباة المريض في حق وارثه لا تجوز قليلها وكثيرها ولأن المريض يتصرف في حق نفسه، فهو متهم لحق ورثته، والأب لا يتهم في ملك الولد؛ لأن الإنسان يهب ماله ويتصدق به [ولا يفعل] ذلك في حق ولده. 21389 - فإن قيل: لو كان المهر غير مقصود بالعقد لوجب إذا زوجها بغير مهر أن

يثبت أقل المهر الذي لا يخلو العقد منه. 21390 - قلنا: المهر مقصود، وهناك مقصود آخر هو أهم منه وأولى، فأما أن نقول: المهر غير مقصود فلا. 21391 - قالوا: يبطل ما تقولونه بتصرف الأخ والعم. 21392 - قلنا: ولايتهما أنقص من ولاية الأب والجد بالاتفاق ألا ترى أن عندنا لا يلتزم عقدهما على الصغيرة. 21393 - وعند مخالفنا: لا يملك تزويجها، فلما نقصت ولايته باتفاق لم ينفذ من تصرفه ما ينفذ من تصرف الأب. 21394 - ولأن شفقته أنقص بدلالة أنه لا يلي في المال فلذلك تلحقه تهمة في المحاباة فلم ينفذ. * * *

مسألة 1048 تزويج المرأة نفسها بأقل من مهر مثلها

مسألة 1048 تزويج المرأة نفسها بأقل من مهر مثلها 21395 - قال أبو حنيفة: إذا أنقصت المرأة من مهر مثلها فللأولياء الاعتراض عليها حتى يبلغ لها الزوج مهرها أو يفرقوا. 21396 - وقال الشافعي: لا اعتراض لهم. 21397 - ويتصور الخلاف إذا أذن الولي لأجنبي في تزويجها فأذنت له أن يزوجها بأقل من مهرها، وإذا حضر من يخطبها وبذل أقل من مهر مثلها لم يلزم الولي تزويجها عند أبي حنيفة وعنده يلزمه.

21398 - لنا: قوله تعالى: {فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن

بالمعروف} والباء تتبع العوض فكأنه قال بالمعروف في المهر. وليس من المعروف أن تزوج الشريفة بالمهر اليسير. 21399 - ويدل عليه قوله - عليه السلام -: (أدوا العلائق). قيل: يا رسول الله ما العلائق؟ قال: (ما تراضى علي الأهلون في المهر) فدل على تعلق حقهم به. 21400 - ولا يجوز حمل الأهل على الزوجات؛ لأنه عام ولأن الأولياء يلحقهم الشين بنقصان المهر ويعيرون به وكذلك إذا أنقصوا المهر كتموه فإذا كثر المهر أظهروه وما يلحق به الشين فللأولياء الاعتراض فيه كوضع نفسها في غير كفء ولا يقال: إنهم يثبتون بذلك السماحة والكرم. 21401 - لأنه لو كان كذلك لأظهروا المهور القليلة لأن ما يدل على الكرم يفتخر به ولا يكتم، ولأن في ذلك ضررًا على النساء اللاتي من قبيلتها. 21402 - ولأن العهد إذا تقادم لم يعلم أنها نقصت من مهرها فيعتبر نساء عشيرتها وما أضر بالعشيرة ثبت للولي الاعتراض فيه كعدم الكفاءة. 21402 - فإن قيل: مهر المثل إنما يعتبر بمن لم ينقص عن مهرها كما يعتبر في قيم المتلفات.

21404 - قلنا: هذا إنما يتميز في الحال، وأما إذا بعد العهد لم يتميز ووقع الاعتبار به. 21405 - قالوا: فيجب أن يثبت الاعتراض من النساء لأن الضرر يدخل عليهن. 21406 - قلنا: الضرر وإن لحق النساء، فالرجال يخاصمون فيه، كما أن الضرر بترك الكفاءة يلحق نساء القبيلة ورجالها [ويختص الرجال بالمنع منه]. 21407 - لأن من ثبت له الاعتراض كالولي في مبدل النكاح جاز أن يثبت له الاعتراض في بدله كالمولى في تزويج أمته. 21408 - ولأن من ثبت له الاعتراض في مبدل النكاح فقد ثبت له الاعتراض في بدله، كورثة المريض لما ثبت لهم الاعتراض متى وهب العين ثبت لهم الاعتراض إذا نقص من عوضها. 21409 - ولا يلزم الوكيل بالبيع أنه يثبت له الاعتراض إذا نقص في العوض لأن عموم إذنه في البيع يتناول القليل من الثمن، فقد أسقط حقه من الاعتراض بإذن وارثه أن يسقط حقه من الاعتراض في العوض، ويقول للوكيل: وكلتك أن تملكه كيف شئت. 21410 - ووازنه في مسألتنا أن يقول الولي: زوجها بأي مهر شئت؛ ولأن المهر أحد المسميين في النكاح فثبت للولي الاعتراض فيه، أصله البضع. 21411 - احتجوا بقوله تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم}. 21412 - وهذا لا دلالة فيه لأنه إذا فرضتم طلقها قبل الدخول، فليس لها عندنا إلا نصف ما سمى؛ لأن مهر المثل يعتبر مع بقاء العقد.

21413 - ألا ترى أن الولي يطالب بإكمال المهر أو الفرقة وإذا حصلت الفرقة لم يبق له حق. 21414 - قالوا: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (التمس ولو خاتمًا من حديد). 21415 - قلنا: فقدانها التسمية ليعجل لها وفاء ما في المسمى دون المعجل. 21416 - ولأن هذا في امرأة بعينها، فيجوز أن يكون لا ولي لها فيعتبر رضاها خاصة ولهذا ردت أمرها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. 21417 - قالوا: روى أبو سعيد الخدري، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (المهر جائز قليله وكثيره). 21418 - قلنا: هو جائز عندنا، وإن ثبت للولي الاعتراض، كما يجوز بغير كفء وإن ثبت للولي الاعتراض. 21419 - قالوا: من لا يعترض عليها في هبة المهر لا يعترض عليها في المحاباة كالأجنبي. 21420 - قلنا: المهر حق لها وحق الولي يتعلق به، كما أن حق الله يتعلق به، فلو ترك المهر ابتداء [فقد ترك] حق الله تعالى ولم يعتبر رضاها، ثم إذا سمت المهر

ووهبته جازت الهبة، ولم يثبت حق الله في الثاني. 21421 - كذلك حق الولي عندنا ثبت متى نقصت في المهر ابتداء، فإذا سمت مقدار مهرها ثم وهبته لم يثبت للولي حق في الهبة. 21422 - ولأن الأجنبي لا يعترض في المعوض، فلم يعترض في العوض والولي ثبت له الاعتراض في أحد الوجهين فثبت له في الآخر. 21423 - قالوا: بدل في معوضه كالبيع والإجارة. 21424 - قلنا: هناك لا يثبت له الاعتراض في مبدله فلم يثبت في بدله، وفي مسألتنا بخلافه. 21425 - قالوا: لا يثبت لهم الاعتراض في نفس المهر إذا تزوجت بالزجاج وقشور الرمان والنوى، وإن لحقهم شين، وكذلك في مقدار المهر. 21426 - قلنا: هذا الفصل لا رواية فيه وكان شيخنا أبو عبد الله يقول: يثبت لهم الاعتراض وإن سلمنا ذلك.

21427 - قلنا: إن العوض في الآخران قدرهما دون جنسهما بدلالة أن التجار يحصلون أموالهم في كل جنس والقدر حاصل في هذه الأنواع الدنيئة، يبين ذلك أن حق الله تعالى بالمهر ثم إذا تزوجت بهذه الأنواع سقط حقه. 21428 - كذلك حق الولي لما تعلق بالمهر سقط إذا استوفي القدر من هذه الأنواع. * * *

مسألة 1049 الألفاظ التي ينعقد بها النكاح

مسألة 1049 الألفاظ التي ينعقد بها النكاح 21429 - وقال أصحابنا: ينعقد النكاح بلفظ الهبة، والصدقة، والتمليك. 21430 - وقال ابن سماعة عن محمد: كل لفظ يصح أن يملك به رقبة الأمة [فهو نكاح للحرة]. 21431 - وكان شيوخنا ببلخ يقولون: لا ينعقد بلفظ البيع، وليس بصحيح لأن الرواية بخلافه. 21432 - وحكى عن أبي الحسن: أنه ينعقد بلفظ الإجارة، وكان أبو بكر الرازي يمنع ذلك.

21433 - وقال الشافعي: لا ينعقد إلا بلفظ النكاح، والتزويج. 21434 - لنا: قوله تعالى: {وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك} [فأخبر الله تعالى أنه أباح للنبي قبول النكاح الموجب بلفظ الهبة] وسمى قبوله استنكاحًا بقوله: {إن أراد النبي أن يستنكحها} وما أبيح للنبي - صلى الله عليه وسلم - فنحن فيه كهو، إلا أن تدل دلالة التخصيص. 21435 - ولأن تسميته استنكاحًا يدل على أن نكاح فيدخل في عموم قوله: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء}. 21436 - ولا يقال: إنها وهبت نفسها فأوجبت بلفظ النكاح أنه لا يجوز

إسقاط السبب المقبول، وتعليق الحكم بسبب لم ينقل، كيف، وهذه المرأة سميت بالموهبة، فدل على أنها عقدت بلفظ الهبة. 21437 - فإن قيل: قوله تعالى: {خالصة لك من دون المؤمنين} يدل على أنه - عليه السلام - يختص بهذا العقد دون غيره من أمته. 21438 - قلنا: قال الزجاج: (خالصة) حال من الهاء في يستنكحها،/ وخالصة منصوب على الحال معناه: ينكحها في حال خلوصها له ومعنى الحال أن المصدرين منها ومن العامل فيها يحدثان معًا في زمان واحد كقولك: قام زيد ضاحكًا أي وقع منه القيام والضحك في زمان واحد، والكاف في قوله: (لك) انصراف من الغيبة إلى الخطاب، [فهو يدل على الهاء في له] مثل الكاف في

{إياك نعبد} وقد قيل: في معنى الخلوص جواز النكاح له من غير بدل في الحال وفي الثاني، وذلك لا يجوز لغيره، فعلى هذا العامل في الحال: منها. 21439 - على قولهم: العامل فيها وهبت فنفصل عندهم بين العامل والمعمول بفواصل. 21440 - فلا يصح أن يفرق بين العامل وما عمل فيه إلا بدليل؛ لأنه توسع في الكلام، وقد دل على أن الخصوص خلو العقد من بدل قوله تعالى: {إنا أحللنا لك أزواجك التي ءاتيت أجورهن} فسر ذلك بقوله: {وامرأة مؤمنة إن وهبت}. ثم قال: {قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم} يعني من وجوب البدل في كل حال. 21441 - ويدل على ذلك من السنة: ما روي هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: (أنها كانت تعير النساء اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت: ألا تستحي أن تعرض نفسها بغير صداق؟) فأنزل الله الآيات، يبين ذلك قوله تعالى: {لكيلا يكون عليك حرج} أي ضيق والذي يضيق عليه التماس المهر. فأما إبدال العبارة بغيرها فلا يضيق فيه.

21442 - ولأن الآية خرجت مخرج الامتنان، والمنة إنما تكون في إسقاط العوض عنه؛ لأنه قد لا يقدر عليه، ولا يكون في توسعة العبارة التي يقدر عليها. 21443 - وكيف يكون الخلوص في اللفظ، وذلك أمر صح من الواهبة، ومنه - عليه السلام - أو ما ساواه غيره فيه لا يوصف أنه خلص له، فأما سقوط البدل فمعنى قد خلص له فيصح أن يوصف به. 21444 - فإن قيل: من زوج عبده من أمته ولم يثبت في العقد مهر فقد ساواه - عليه السلام - فيه غيره. 21445 - قلنا: هناك المهر يجب بالعقد ثم يصير دينا للمولى على عبده فيسقط. 21446 - فإن قيل: هذه العبارة لا فائدة فيها. 21447 - قلنا: بل فيها معنى صحيح؛ لأنه لو ظهر عليها دين كان المهر في رقبته لغرمائها. 21448 - فإن قيل: سقوط البدل ليس بمذكور، والموهوبة مذكورة والظاهر أن

الكناية ترجع إلى مذكور متقدم. 21449 - قلنا: السر في الآية كناية وقوله (خالصة) هذه تاء تأنيث التي وتصير في السكت فأما أن تكون بها كناية فلا، وقد قلنا: إن ردها إلى عامل [متقدم يفصل بينه وبينها بفواصل مع إمكان ردها إلى عامل] معها لا يصح. 21450 - فإن قيل: قوله: (خالصة) يرجع إلى أمرين: سقوط البدل، وإلى العقد بلفظ الهبة. 21451 - قلنا: قد بينا أن ذلك فيما تقدم إليه اتساع لا يسار إليه إلا بدليل، وأن الحمل على الأمرين يصح فيما له لفظ عموم، فأما ما ليس له لفظ عموم فلا يصح ذلك فيه إذا اكتفي بأحدهما لم يجز حمله على الآخر. 21452 - وقد قيل: في قوله (خالصة لك) أن معنى الخلوص ألا يجوز لأحد أن يتزوجها بعد.

21453 - فإن قيل: إنما يحرم نكاحها إذا مات عنها وهذه كان يجوز أن يطلقها فتحل لغيره. 21454 - قلنا: هذا غلط، بل زوجاته - عليه السلام - لا يحل أن يتزوجهن غيره وإن طلقهن، وإن صح ما قالوا: جاز أن يكون الله تعالى قد علم من حال هذه ألا يطلقها. 21455 - فإن قيل: هذه الفائدة مستفادة من قوله تعالى: {ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدًا}. 21456 - قلنا: لا نعلم أن تلك الآية تقدمت على هذه، بل يجوز أن يكون نزولها على قصد تلاوتها فتكون هذه متقدمة والفائدة فيها وتلك تكرار لها أو تكون تلك أفادت تحريم النساء بعده وهذه أفادت تحريمهن على العموم، فتختص بفائدة لا توجد في تلك، لأنا لو علمنا تقدم تلك الآية كانت الحال مؤكدة وهذا غير ممتنع لقوله تعالى: {ثم وليتم مدبرين}، وقوله {قائما بالقسط} ولم يقم تعالى قط إلا بالقسط وكذا الحال المؤكدة.

21457 - فإذا جازت أن ترد مؤكدة [لما أفادته في نفسها، جاز أن ترد مؤكدة] لما أفاد غيرها. 21458 - ولأنه لا يمتنع أن يذكر الخلوص هنا لغاية وهو أن هذه لما سميت موهوبة لم يؤمن أن يظن مفارقتها للزوجات، ولا تدخل في قوله تعالى: {ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدًا} فذكر الخلوص فيها لتزول هذه الشبه. 21459 - وطريقة أخرى: وهو أن المصدر قد جاء على فاعله مثل العافية والعاقبة وقوله تعالى: {فأهلكوا بالطاغية}، أي بطغيانهم. 21460 - وقد ينوب المصدر مناب فعل الأمر، قال الله تعالى: {فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب} فالمصدر ناب مناب اضربوا والمصدر يضاف إلى المفعول به ومثله {فسحقًا لأصحاب السعير}، فخالصة مصدر ناب مناب الفعل الذي نصبه ذلك المفعول به، ومعنى الخلوص أنه لا يجوز لمؤمن أن يجمع بين أزيد من أربع نسوة، ويجوز للرسول - صلى الله عليه وسلم - ذلك لعموم قوله تعالى: {وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك} والتقدير: يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك أخلص لك ذلك لكيلا يكون عليك حرج؛ مفعول له وإما من أحللنا وإما من خالصة. 21461 - والتأنيث في المصدر إنما هو كتأنيث الشريفة والفريضة، كما أن تأنيث

العاقبة إنما هو كتأنيث العمة، فعلى هذا التأويل ليس في اللفظ انصراف من الخطاب إلى الغيبة؛ لأن التقدير {إنا أحللنا لك أزواجك} أخلص ذلك لك والانصراف توسع ومن تأول اللفظ من غير اللفظ على الوسع أولى. 21462 - يدل عليه: ما روى سعيد بن منصور قال: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن، قال: حدثني أبو حازم، عن سهل بن سعد، أن امرأة جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: يا رسول الله جئت لأهب نفسي لك فنظر إليها فصعد النظر وصوبه ثم طأطأ رأسه، فقام رجل من أصحابه، فقال يا رسول الله: إن لم يكن لك فيها حاجة فزوجنيها، وذكر الحديث إلى أن قال: (اذهب فقد ملكتها بما معك من القرآن). 21463 - وهذا يدل على انعقاد النكاح بغير لفظ النكاح والتزويج. 21464 - فإن قيل: روى مالك بن سفيان عن عيينة وحماد بن زيد وعبد العزيز

ابن محمد الدراوردي، عن سهل بن سعد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال فيه: (زوجتكها بما معك من القرآن). 21465 - قلنا: خبرنا رواه يعقوب بن عبد الرحمن، وزائدة، وعبد العزيز بن أبي حازم، وليس بين الخبرين تناف؛ لأن الزبير بن بكار حكى أن الموهوبات كن أربعًا فيجوز أن يكون كل واحد في اللفظين في واحدة.

21466 - وإن ثبت أنه في قصة واحدة فأصل الخبر ملكتها؛ لأن الراوي يسمع العام المبهم فينقل الخاص المفسر، ولا يجوز أن يسمع الخاص المفسر. فينقل العام المبهم. 21467 - ويجوز أنه - عليه السلام - تكلم باللفظين، فقال: زوجتكها وملكتكها لأن ملكتكها زوجتكها، فدل بذلك أن كل واحد من اللفظين على حالها كالأخرى في الفائدة كما تقول آجرتك أكريتك، وهبت لك أعطيتك، ومن جهة النظر: أن لفظ الهبة لفظ يتعلق به التمليك من غير توقف، فجاز أن ينعقد به النكاح كلفظ النكاح. 21468 - فإن قيل: التمليك لا يتعلق بلفظ الهبة حتى ينضم إليها القبض. 21469 - قلنا: القبض من شروط العقد، وشرط العقد متى وجد، فالتمليك يقع بالعقد، كالتقابض في الصرف، والشهادة في النكاح. 21470 - ولا يلزم: الإجازة؛ لأن التمليك فيها قد يقف على التوقيت.

21471 - ولا يلزم: الوصية؛ لأنه انعقد بها النكاح فقال: أوصيت بها لك في الحال انعقد بها النكاح، وإنما لا يتعلق بمطلقها؛ لأنها تفيد تمليكًا يتعلق بالموت والنكاح لا يتعلق بشروط. 21472 - ولا يلزم: القرض؛ لأن من أصحابنا من قال ينعقد النكاح به؛ لأنه يفيد تمليك العين بمثلها فكأنه شرط في النكاح عوضًا فاسدًا. 21473 - لأن ذلك يجوز بالإجماع] ولا يجوز أن يكون المراد به الجمع. 21474 - فإن قيل: النكاح لا يملك به. 21475 - قلنا: يملك به الاستباحة ولهذا يأخذ الزوج العوض على الطلاق. 21476 - فإن قيل: المعنى في لفظ النكاح أنه لا ينعقد به غير النكاح، فلذلك انعقد النكاح به، وهذه الألفاظ لما انعقد بها غير النكاح لم ينعقد بها النكاح. 21477 - قلنا: علة الأصل غير مسلمة؛ لأن الرجعة عندنا تصح بلفظ النكاح. 21478 - وعلة الفرح تبطل بنكاح النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن لفظة الهبة ينعقد بها غير النكاح، وينعقد له - عليه السلام - النكاح به.

21479 - [ولا يلزم إذا] قال: أشركتك في بنتي لأنه يجوز أن يقال: ينعقد به النكاح، كما لا ينعقد إذا زوج بعضها؛ لأن ذلك لا يتبعض فيصير كطلاق بعضها. 21480 - ولو قلنا: لا ينعقد به النكاح فقد سوينا بين لفظة الشركة والنكاح، وجعلناه كقوله: زوجتك بعضها. 21481 - ولأنه عقد تمليك يصح مطلقًا من غير ذكر مدة، فجاز أن ينعقد بلفظ التمليك، كالبيع. 21482 - ولا يلزم المرأة/ التحليل؛ لأنه لا يفيد التمليك. 21483 - ولا يلزم: الإقالة؛ لأنها وضعت لرفع العقد ولم توضع للتمليك، [وكان الشيخ أبو عبد الله يقول: ينعقد بها النكاح؛ لأنها تفيد التمليك ورفع العقد]، فيصح أحد المعنيين، ويلغو الآخر. 21484 - قالوا: البيع لا يتضمن أحكامًا تختص بالنكاح، من الرجعة والطلاق

والإيلاء والظهار، فلهذا انعقد بلفظ التمليك والنكاح ينعقد نكاحًا نخصه من الطلاق والرجعة والإيلاء والظهار ولذلك انعقد بلفظ التمليك. 21485 - قلنا: يبطل بنكاح النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه ينعقد بلفظ الهبة وهي لا تتضمن هذه الأحكام في موضوعها. 21486 - ولأنه لا يمنع أن يفيد لفظ العقد أحكامًا فتنتقل إلى عقد آخر يختص بخلاف تلك الأحكام فينعقد به ويستفاد به الأحكام في موضوعها. 21487 - ألا ترى أن البيع والهبة لا يقيدان الإيلاء والرجعة والعدة، ويعبر بهما عن الطلاق فيقع الطلاق بهما، وكذلك العتاق، ويستفاد بها أحكام لا يوجبها البيع والهبة في موضوعه. 21488 - ولأنه عقد يبطله التوقيت، فجاز أن ينعقد بلفظ التمليك، كالبيع. 21489 - ولأنه نوع عقد فلا يختص بلفظ، أصله: سائر العقود. 21490 - ولأنه عقد على منافع البضع، فجاز بالصريح والكناية كالخلع. 21491 - ولأن رفع هذا العقد لا يختص بلفظين، كذلك انعقاده كالبيع. 21492 - ولأن عقد يستباح به وطء حرة، أصله: التزويج. 21493 - ولأن كل من جاز وطؤها [إذا عقد عليها بلفظ التزويج جاز أن يستباح وطؤها إذا عقد عليها] بلفظ التمليك، أصله: الأمة.

21494 - ولأن بضع الحرة يزول الملك عنه بلفظ الحرية، فجاز أن يملك استباحته بلفظ التمليك والبيع، أصله: بضع الأمة. 21495 - ولأنه لفظ ينعقد به نكاح النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاز أن ينعقد به نكاح الغير، أصله: لفظ التزويج والإنكاح، فإن نازعوا في الوصف دللنا عليه بالآية، وبما روى من عدد الموهوبات. 21496 - فإن قيل: كان النبي [- صلى الله عليه وسلم -] يتزوج بغير مهر [ولا شهود]، وبذلك يعقد بلفظ الهبة. 21497 - قلنا: هل يجوز للنبي أن يتزوج بغير مهر ولا شهود، ثم لا يتزوج بلفظ الهبة عندكم. 21498 - ولأن الدلالة دلت على تخصيصه بهذين الحكمين، ولم تقم دلالة على تخصيصه بلفظ فصار في ذلك وغيره سواء. 21499 - يبين ذلك: أنه خص بسقوط المهر وترك الشهادة توسعة عليه وتخفيفًا عنه، وليس في لفظ العقد توسعة ولا تخفيف. 21500 - فإن قيل: لما جاز للنبي [- صلى الله عليه وسلم -] أن يتزوج بغير عدد جاز أن يتزوج بالهبة.

21501 - قلنا: مخالفته لغير في العدد لا يوجب اختلافهما في لفظ العقد؛ لأن الحر قد خالف العبد في العقود، ولم يختلفا في اللفظ الذي ينعقد به العقد. 21502 - فإن قيل: لما جاز للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتزوج بغير عدد كما جاز لغيره أن يتسرى بغير عدد، جاز أن يملك استباحة الحرائر باللفظ الذي يملك به استباحة الإماء وهو التمليك والهبة. 21503 - قلنا: النبي - صلى الله عليه وسلم - كان له أن يتزوج عددًا محصورًا إلا أنه يزيد علينا، ولهذا قال الله تعالى: {لا يحل لك النساء من بعد} [سورة الأحزاب من آية 52]، وإنما قالت عائشة: لم يقبض النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أحل له أن يتزوج ما شاء. 21504 - فإذا الحالة التي عقد بلفظ الهبة كان نكاحه مخصصًا بعدد، وخالف في ذلك الوطء بملك اليمين، كما اختلف حكم غيره فيه. 21505 - ولأن لفظ التمليك يجوز أن تملك به الرقبة على التأبيد ويملك بمقتضاها منافع البضع على التأييد، فكل لفظ يجوز أن يملك به شيئان على التأييد يجوز أن يملك به كل واحد منهما على الانفراد، أصله: لفظ البيع في الأعيان المختلفة. 21506 - ولا يلزم العقد: على المنافع في الإجارة بلفظ البيع؛ لأن المنافع لا تملك منفردة عن الرقبة على التأييد، والبيع يقتضي ملكًا مؤبدًا والمنافع في النكاح تملك مؤبدة كما تملك الرقبة في البيع فلذلك جاز أن ينعقد بلفظ الهبة والبيع.

21507 - احتجوا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (اتقوا الله في النساء فإنهن عوان استحللتم فروجهن بكلمة الله). 21508 - قالوا: وكلمة الله كتابه، والمذكور في القرآن النكاح والتزويج. 21509 - قلنا: وفي القرآن لفظ الهبة، بقوله تعالى: {وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي}. 21510 - وفيه النكاح بلفظ التراجع، لقوله {فلا جناح عليهما أن يتراجعا}. 21511 - ثم المراد بكلمة الله حكمه، كقوله تعالى: {وكذلك حقت كلمت ربك على الذين كفروا} والمراد بها وعيده، وقال: {ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزامًا}. 21512 - قالوا: لفظ ينعقد به غير النكاح، فلم ينعقد به، كالإجارة. 21513 - قلنا: ليس إذا كان اللفظ موضوعًا لعقد لم ينعقد به غيره، ألا ترى أن لفظ البيع يقع به الطلاق والعتاق وإن وضع لغير ذلك؟ 21514 - ولأن النكاح إذا انعقد بلفظ لا ينعقد به غيره، فانعقاده بحالة مدخل في انعقاد العقود أولى. 21515 - وأصلهم: الإجارة وهو غير مسلم؛ لأن من أصحابنا من حكى عن أبي الحسن أن النكاح ينعقد بها لأن الله تعالى سمى البدل فيها أجرًا. 21516 - ولو سلمنا فالمعنى أن التوقيت شرط في صحتها وهو يبطل النكاح، والتأبيد من شرائط النكاح وهو يفسد الإجارة، فلما شرط في كل واحد منهما ما يفسد

الآخر وأفسد أحدهما ما يصح الآخر، لم ينعقد أحدهما باللفظ الموضوع للآخر. 21517 - قالوا: الهبة لفظ وضع لعقد من شرطه القبض، فوجب ألا ينعقد به النكاح، كالرهن. 21518 - قلنا: الهبة قد تفتقر [إلى القبض وقد لا تفتقر] وهي هبة ما في الذمة، والمعنى في الرهن أنه في موضوعه لا يفيد التمليك والهبة لفظ يفيد التمليك على التأبيد. 21519 - فإن قيل: لفظ النكاح لا يفيد التمليك وإنما معناه الاجتماع. 21520 - قلنا: هذا اشتقاقه في اللغة، فأما في الشريعة فإنه موضوع للتمليك، والتعليل يقع على مقتضى الشرع. 21521 - قالوا: لو وطئت الزوجة بشبهة لم يستحق الزوج المهر، فدل على أنه لم يملك، إذ لو ملك المنفعة استحق بدلها.

21522 - قلنا: يملك بالعقد الاستباحة فما يستوفيه يملكه، وما استوفاه غيره لم يملكه هو، وإنما استوفي من ملك المرأة فيستحق عوضه. 21523 - أو نقول: إن الرهن لا ينعقد به نكاح النبي - صلى الله عليه وسلم -[فلا ينعقد به نكاح غيره، ولفظ الهبة ينعقد به نكاح النبي - صلى الله عليه وسلم -] فانعقد به نكاح غيره. 21524 - ولأن الرهن لا ينعقد به عقد يستباح به بضع أمة، فجاز ألا ينعقد عقد استباح به بضع حرة. 21525 - قالوا: لفظ لا يقتضي عوضًا بحال فلا ينعقد به النكاح، كلفظ الإباحة والتحليل. 21526 - قلنا: هذا لا يمنع انعقاد نكاح النبي - صلى الله عليه وسلم - به، فإن لم ينعقد نكاحه بلفظ التحليل والإباحة لم ينعقد نكاح غيره به. 21527 - والمعنى فيه: أن هذا اللفظ لم يوضع للتمليك في صريحه فلم ينعقد به النكاح، [ولما كان لفظ الهبة وضع للتمليك المؤبد جاز أن ينعقد به النكاح] كما انعقد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

21528 - قالوا: الهبة عقد موضوع لإسقاط ما في الذمة، فلم ينعقد به النكاح، كالبراءة. 21529 - قلنا: يجوز أن يقع التمليك بلفظ يعبر به عن إسقاط الحق، كما أن البيع يقع به الملك ويسقط به الحق إذا باع العبد من نفسه، وإذا أوقع به الطلاق. 21530 - والمعنى في لفظ البراءة: أنها لا تفيد التمليك، وليس كذلك الهبة؛ لأنها تفيد التمليك المؤبد. 21531 - قالوا: نكاح لغير النبي - صلى الله عليه وسلم - بغير لفظ الإنكاح والتزويج، فوجب ألا يقر، أصله: لفظ الإباحة والإحلال. 21532 - قلنا: المعنى في الأصل أن نكاح النبي - صلى الله عليه وسلم - لا ينعقد بذلك اللفظ فلم ينعقد به نكاح غيره؛ لأن حكمه - صلى الله عليه وسلم - وحكم غيره في الألفاظ التي ينعقد بها العقود لا يختلف. 21533 - قالوا: لفظ الهبة كناية في النكاح، فلم ينعقد به، كقوله: آجرتكها حياتك وأوصيت لك بها حياتك.

21534 - قلنا: العقود كلها تنعقد باللفظ الموضوع لها، وباللفظ الذي لم يوضع لها فكذلك النكاح لا يمنع أن ينعقد بلفظ موضوع له وبلفظ لم يوضع له إذا كان فيه معناه. 21535 - ولأنه لما انعقد نكاح النبي [- صلى الله عليه وسلم -] بلفظ كناية كذلك ينعقد نكاح غيره بكناية، والكلام على لفظ الإجارة والوصية ما قدمناه. 21536 - قالوا: الهبة عقد يعرى عن العوض، والنكاح لا يعرى عن عوض بحال، فلم يجز أن يعقد عقد لا يعرى عن عوض بلفظ يعرى عن عوض، كما لم تنعقد الهبة بلفظ البيع. 21537 - قلنا: الهبة لا يقتضي إطلاقها العوض، فإذا عقد به النكاح فكأنه عقد بلفظ النكاح وشرط نفي العوض. 21538 - ألا ترى: أن مقتضى اللفظ كالصريح به، فإذا كان النكاح ينعقد مع التصريح بإسقاط العوض جاز أن ينعقد بلفظ يعرى عن العوض، ولهذا ينعقد بلفظ الهبة إذا شرط فيها العوض، فأما إذا عقد الهبة بلفظ البيع فهو ضد مسألتنا لأنه يعقد مالا يقتضي العوض بلفظ مقتضاه العوض فيعقد عندنا هبة بعوض غير مسمى فتكون فاسدة. 21539 - قالوا: الهبة عقد لا يلزم بنفسه والنكاح لازم بنفسه فلم يجز أن ينعقد العقد اللازم بلفظ غير لازم بنفسه، كما لا ينعقد النكاح بلفظ بيع فيه شرط الخيار.

21540 - قلنا: هذا الاختلاف لم يمنع أن نكاح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلفظ الهبة ينعقد إن لم يلزم بنفسه. 21541 - ثم لفظ الهبة إنما لا يتعلق الاستحقاق به لما فيه من معنى التبرع، فإذا عقد به عقد النكاح الذي لا يتبرع به تعلق اللزوم بالعقد فلم يقف على القبض. 21542 - ولأن الهبة إذا عقد بها النكاح كان نكاحًا ولم يكن هبة فانعقد بها العقد وتعلق به الاستحقاق، كما تعلق به إذا عقد بلفظ النكاح. 21543 - فإن قيل: لو وهب بعوض فقد عقد البيع بلفظ الهبة، ثم لم يمنع ذلك أن يعتبر فيه القبض الذي شرط فيه الهبة. 21544 - قلنا: إذا وهب عبده لنفسه صارت الهبة عتاقًا وزال الملك بلفظ ولم يعتبر فيها القبض. 21545 - فأما الهبة على عوض فلا يحتاج تصحيحها أن نجعلها بيعا لأنها تصح هبة بعوض، فلذلك اعتبرنا فيها شرط الهبة، ولو جعلناها [بيعًا] لم يحتج إلى إبطال حكمها؛ لأن عقد البيع قد ينعقد غير موجب للملك بشرط الخيار فلذلك لم يتعلق الاستحقاق بعقد الهبة بعوض. 21546 - وأما النكاح إذا عقد بلفظ الهبة فلا يمكن تبقية العقد هبة، ولابد أن نجعله نكاحًا ولا يمكن عقد النكاح غير موجب للملك كما يمكن في البيع، فلذلك حكمنا بمعنى الهبة من العقد وجعلناه نكاحًا من كل وجه.

21547 - قالوا: النكاح لا يصح إلا بشهادة، ومتى عقدوا بغير شهود ثم أقروا بحضرة الشهود أنهم كانوا عقدوا لم يصح، فالنكاح بلفظ الهبة يفضي إلى هذا؛ لأن الولي إذا قال: وهبت بنتي منك بحضرة الشهود احتمل أن يكون وهب رقبتها واحتمل أن يكون زوجها، فإذا قال بعد ذلك: أردت التزويج، فإنما شهدوا على الإقرار بالعقد فلا يصح. 21548 - قلنا: إذا قال: وهبتها منك بمهر مائة لم يحتمل إلا النكاح ولا ينعقد عندهم، وأما إذا أطلق ذلك وهو يريد النكاح فقد انعقد العقد بمشهد من الشهود إلا أنهم لا يعلمون ما شهدوا به، وليس من شرط الانعقاد إلا حضور الشهود، فأما علمهم بما شهدوا به فلا يعتبر، لأن العلم إنما يراد للأداء، والانعقاد لا يقف على الأداء باتفاق، وهذا كما لو حضر العجم النكاح بالعربية صح، وإن كانوا لا يعلمون ما شهدوا عليه إلا ببيان وتفسير. 21549 - قالوا: الملك يرفع النكاح ويبطله، بدلالة: أن من ملك زوجته فسد نكاحها، فلا يجوز أن يعقد النكاح بما يرفعه كما لا ينعقد بلفظ الطلاق. 21550 - قلنا: الهبة لا تنفي النكاح، وإنما ينفيه حكم من أحكامها وهو الملك وذلك لا يوجد في الهبة إذا عقد بها النكاح فلا ينعقد بما ينافيه.

21551 - ثم هذا يبطل بمسألة وهو أن لفظ البيع يقع به الملك ويزول به الملك إذا باع عبده من نفسه، لم يجز أن يقال: كيف يقع الملك بما يرفع الملك؟ كذلك في مسألتنا. 21552 - وعلى أن لفظ التزويج ينعقد به النكاح وتقع به الفرقة؛ لأنه لو قال لامرأته: تزوجي ينوي الطلاق وقع. * * *

مسألة 1050 انعقاد النكاح باللغة العربية وغيرها من اللغات

مسألة 1050 انعقاد النكاح باللغة العربية وغيرها من اللغات 21553 - قال أصحابنا: ينعقد النكاح بلفظ العربية، والفارسية، وسائر اللغات. 21554 - وقال الشافعي: لا يجوز بغير العربية لمن يحسنها، ومن لا يحسن العربية، ففيه وجهان، أحدهما: ينعقد بغيرها، والآخر: لا ينعقد. 21555 - لنا: أنه عقد ينعقد بلفظ العربية فانعقد بغيرها مع القدرة، كالبيع وسائر العقود. 21556 - ولأنها لغة يثبت بالإقرار بها الحد والقصاص، فينعقد بها النكاح، كالعربية.

21557 - ولأن النكاح إن اعتبر بما لا يؤثر فيه الشبهة صح بكل لغة، كالبيع وسائر العقود، وإن اعتبر بما لا يؤثر به الشبهة ثبت بكل لغة كالحد والقصاص. 21558 - ولأن رفع هذا العقد يصح بغير العربية مع القدرة، فانعقد العقد بها، كالبيع. 21559 - احتجوا بقوله - عليه السلام -: (استحللتم فروجهن بكلمة الله). 21560 - وقد بينا الجواب عن هذا الخبر، وأن المراد به الحكم الذي يرتفع به الإباحة. 21561 - قالوا: لفظ النكاح والتزويج تعبير؛ لأن الله تعالى قال: {فانكحوا}، وقال: {زوجنكها}، وإذا لم يأت بأحد اللفظين لم يجز. 21562 - قلنا: قد أتى بها إذا ذكرها بالفارسية، كما أنه أتى بالبيع إذا عبر عنه بها. * * *

مسألة 1051 نكاح الأخت في عدة أختها المطلقة

مسألة 1051 نكاح الأخت في عدة أختها المطلقة 21536 - قال أصحابنا: إذا طلق الرجل زوجته لم يجز أن يتزوج أختها، ولا أربعًا سواها حتى تنقضي عدتها، والطلاق البائن والرجعي في ذلك سواء. 21564 - وقال الشافعي: إن كان الطلاق بائنًا جاز له تزويج أختها، وأربعًا سواها. 21565 - لنا: قوله تعالى: {وأن تجمعوا بين الأختين}، ولا يخلو أن يكون المراد به الجمع المشاهد أو الجمع في النكاح، أو في أحكام النكاح، [ولا يجوز أن يكون المراد به الجمع مشاهدة؛ لأن ذلك يجوز بالإجماع]، ولا يجوز أن يكون المراد الجمع في النكاح؛ لأن الآية دلت على تحريم الجمع بين وطء الأختين بملك اليمين، فلم يبق إلا أن يكون المراد به الجمع في أحكام النكاح. وذلك موجود في حال العدة.

21566 - فإن قيل: قوله تعالى: {حرمت عليكم أمهاتكم} المرادبه تحريم النكاح، فكذلك قوله تعالى: {وأن تجمعوا بين الأختين}. 21567 - قلنا: قوله: {حرمت عليكم أمهاتكم} يتضم تحريم الوطء والاستباحة بالنكاح وملك اليمين، ويدل عليه: ما روي عن علي بن أبي طالب وابن مسعود. مثل قولنا. 21568 - وعن سليمان بن يسار أن خالد بن عقبة كان تحته أربع نسوة، فطلق إحداهن، ثم تزوج أخرى فاستشار مروان في ذلك أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم متوافرون وفرق بينهما. 21569 - ولا يقال: يحتمل أن يكون الطلاق رجعيًا؛ لأنه لو كان كذلك لم يخف على مروان حتى يفتقر إلى الاستشارة. 21570 - فإن قيل: زيد بن ثابت المخالف. 21571 - قلنا: روى أبو يوسف في الأمالي عن ابن عباس مثل قولنا، وذكر أن

زيدا رجع من قوله إلى قول بقية الصحابة. 21572 - وذكر الطحاوي بإسناده عن سليمان بن يسار/ أن مروان في قصة خالد ابن عقبة أرسل إلى زيد بن ثابت فسأله عن ذلك فقال: ما ينبغي له ذلك، أنه إن مات اعتدت منه خمس نسوة، وهذا يدل على موافقة الصحابة. 21573 - وروي أن ابن سيرين سئل عن ذلك فقال: وما يمنعه، فقال عبيدة السلماني: أن يجمع ماءه في رحم أختين، فقال ابن سيرين: استر على هذا، فدل على أن الاجتهاد لا يسوغ فيه؛ لأنه لو ساغ فيه لم يسأل الستر إذا رجع قول من الاجتهاد إلى مثله. 21574 - ويدل عليه: ما روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يجمع ماءه في رحم أختين) ومتى تزوج أختها مع بقائها في العدة فقد جمع ماءه في رحمهما. 21575 - ولا يقال: يجوز النكاح ويمتنع الوطء؛ لأن هذا القول لم ينقله أحد، فلم يجز إثبات ما يخالف الإجماع.

21576 - ولا يلزم: إذا قال الزوج: قد أخبرتني أن عدتها قد انقضت؛ لأنها غير معتدة في حقه، ولهذا لو كان الطلاق رجعيًا جاز أن يتزوج أختها عند مخالفنا، ولا يمتنع أن تثبت العدة في حقها دون كما لو قالت: قد انقضت عدتي، ثم قالت: كذبت في إقراري بقيت العدة في حقها دونه. 21578 - فإن قيل: يجب عليه نفقتها ويثبت نسب ولدها. 21579 - قلنا: تجب النفقة لها، لأنه لا يتصدق عليها، وهو متصدق في حق نفسه، وأما النسب فإنه متى ثبت نسب ولدها منه بطل نكاح أختها. 21580 - فإن قيل: المعنى في المطلقة الرجعية أن الزوجية باقية، بدلالة: وقوع الطلاق، ووجوب الميراث، وصحة الإيلاء، والظهار. 21581 - قلنا: إن كان أصل العلة إذا قال: لها أنت بائن لم نسلم هذا الفرق، وإن جعلنا الأصل المطلقة الرجعية قلنا: إن زعمت أن جميع أحكام الزوجية باقية لم يصح ذلك؛ لأن البينونة تقع بمضي المدة وعند مخالفنا وطؤها محرم، وإن وطئها بطل إحصانه، وإذا آلى منها كان ابتداء مدة الإيلاء عقيب الرجعة، ولو كان زوجة

كان ابتداء المدة عقيب اليمين. 21582 - وإن زعموا أن بعض أحكام الزوجية ثابت، فكذلك نقول في المبتوتة أن السكنى لها وثبوت النسب ومنعها من التصرف في نفسها من أحكام النكاح، ويقع عليها صريح الطلاق عندنا وترث إذا كان طلاقها في المرض. 21583 - ولأنه تحريم من طريق الجمع فاستوى فيه حال النكاح والعدة، كالجمع بين الزوجين. 21584 - أو نقول: تحريم تعلق بالجمع حال هذا النكاح، فجاز ثبوت حكمه مع بقاء العدة، كالجمع بين الزوجين. 21585 - ولأن كل جمع حرم حال العدة من طلاق رجعي حرم حال العدة من طلاق بائن، دليله: الجمع بين الزوجتين. 21586 - ولأن حرمة الجمع الثابتة والنكاح تبعًا لبقاء العدة. 21587 - أصله: حبسه المرأة. 21588 - فإن قيل: لا نسلم أن المنع من الزوجين تحريم جمع، وإنما منعت المرأة أن تتزوج زوجًا آخر لأن الأول ملك بضعها فلم يجز أن نملك على ملك العين. 21589 - قلنا: لو كان كذلك لجاز أن تتزوجهما معًا، ثم هذا التحريم تحريم جمع علته ما ذكروه، كما أن تحريم الأختين تحريم جمع علته أنه يؤدي إلى قطيعة الرحم.

21590 - فإن قيل: الجمع بين الزوجين منع منه صيانة للأنساب، لذلك استوى فيه حال النكاح والعدة لتساوي الحالين في وجوب حفظ النسب، والجمع بين الأختين يمنع منه حتى لا يؤدي الجمع إلى قطيعة الرحم، وهذا لا يوجد بعد البينونة. 21591 - قلنا: ما دامت العدة باقية فالتنافس باق؛ لأن السكنى والنفقة ثابتة عندنا وثبوت النسب، وهذا هو المعنى الموجب لقطع الرحم. 21592 - فإن قيل: المنع من الجمع، متى أبان واحدة وتزوج أخرى فما جمع وإن فرق. 21593 - قلنا: بل جمع في استحقاق النسب وفي السكنى، ويكفي في وجه التحريم وجه واحد، بدلالة: تحريم الجمع في الوطء بملك اليمين. 21594 - فإن قيل: النكاح ثابت لكل واحد من الزوجين على الآخر، فلما ثبت النكاح في الحيثيتين حرم الجمع على كل واحد منهما فإذا أبانها فالعدة واجبة عليها فخلفت العدة النكاح، فبقى تحريم الجمع بحاله، والزوج لا يلزمه عدة وقد زال النكاح فلم يخلفه غيره، فلذلك جاز أن يجمع. 21595 - قلنا: النكاح ثابت للزوج على المرأة وليس ثابتًا لها عليه، كما تثبت الإجارة للمستأجر على المؤجر، ولهذا يجب عليه البذل دونها، ثم ثبت تحريم الجمع بين الجهتين.

21596 - فكذلك العدة ثابتة عليها فخلفت النكاح في كل واحد منهما فبقى تحريم الجمع على ما كان عليه. 21597 - ولأنه مستلحق لنسب ولدها فصار كحال بقاء النكاح. 21598 - احتجوا بقوله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء}. 21599 - قلنا: لا يجوز أن يكون المراد به الاستطابة التي هي المشهورة؛ لأن ذلك ليس بسبب الإباحة باتفاق. 21600 - بقى أن يكون معناها: ما قال ابن عباس في تأويلها {فانكحوا ما طاب} أي ما حل وقد اختلفنا في التحليل فلم نسلم لهم دخول ما اختلفنا فيه في الآية. 21601 - فإن قيل: قوله {فانكحوا} أمر فأدنى أحواله أن يفيد الإباحة، وقد عرفنا التحليل بالأمر فلو حملنا قوله {ما طاب} على الحل كان حملا على التكرار، ولصار تقدير اللفظ الحل لكم ما حل. 21602 - قلنا: الإباحة وإن استفيدت بالأمر فكأنه تعالى بين أن الإباحة غير مطلقة وأنها تختص بعدد محصور فصرح بالإباحة ليبين العدد المباح. 21603 - قالوا: قال الله تعالى: {والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم}.

21604 - قلنا: شرط في الإباحة شرطًا مجملًا، وهو قوله: {محصنين} فصارت الإباحة مجملة لإجمال شرطها. 21605 - قالوا: قال الله تعالى: {وأحل لكم ما وراء ذلكم}. 21606 - قلنا: هذا عطف على قوله: {وأن تجمعوا بين الأختين}، والمراد به: الجمع في أحكام النكاح، وعندنا أن هذا جمع في أحكام النكاح وهو السكنى واستحقاق النسب والتوارث. 21607 - قالوا: جمع حرام على الزوج بعقد النكاح فوجب أن يرتفع بالبينونة، كما لو كانت غير مدخول بها. 21608 - قلنا: الوصف غير مسلم؛ لأن تحريم الجمع لم يثبت عندنا بعقد النكاح، بدلالة أنه لو وطئ امرأة بشبهة لم يجز تزوج أختها ولا أربع سواها وإن لم يكن هناك نكاح. 21609 - وإنما حرم عليه حبس أختين أو أكثر من أربع نسوة بحكم النكاح، يبين ذلك أنه ممنوع من تزويج أختين معًا ومن العقد على خمس نسوة معًا، فلو كان الجمع حرم بالعقد كان العقد هو المحرم لنفسه وهذا لا يصح. 21610 - والمعنى في غير المدخول بها أن تحريم الجمع زال في حقها وحلت للأزواج، فزال تحريم الجمع في حق الزوج، وفي مسألتنا لم يزل تحريم الجمع في حقها فجاز أن يبقى تحريم الجمع في حق الزوج.

21611 - قالوا: بائن جاز مطلقًا أن يعقد على أختها بعد انقضاء عدتها، فإذا عقد عليها في العدة صح العقد كما لو قال: أخبرتني أن عدتها قد انقضت. 21612 - قلنا: هناك يجوز له العقد [على أختها وإن كان الطلاق رجعيًا كذلك يجوز إن كان بائنًا، وفي مسألتنا لا يجوز أن يتزوج في العدة] إذا تقدم الطلاق الرجعي كذلك البائن. 21613 - قالوا: بينونة تمنع أن يلحقها طلاقه، فوجب أن يرتفع تحريم الجمع الذي حرم بعقد النكاح، كما لو ماتت. 21614 - قلنا: لا نسلم أن البينونة تمنع طلاقه؛ لأن صريح الطلاق يقع عليها عندنا وتقع الكنايات التي كان يملكها بشرط. 21615 - فإن فرضوا: في المطلقة ثلاثًا. 21616 - لم نسلم أن البينونة منعت الطلاق وإنما تمنع استباحة ما ملك منه، والمعنى في المتوفاة: أن النكاح زال وأحكامه، وفي مسألتنا أحكام النكاح بحالها، بدلالة: السكنى، وثبوت النسب، وحبسها عن الأزواج لحقه. 21617 - قالوا: إنها أجنبية منه بدلالة أنها لا تحل له إلا بنكاح فوجب ألا تحرم

أختها لأجلها، أصله: سائر الأجنبيات. 21618 - قلنا: لا نسلم أنها أجنبية بدلالة حبسها عليه، ووجوب نفقتها عندنا، وسكناها على المذهبين وثبوت نسب ولدها. 21619 - والمعنى في سائر الأجنبيات: أنهن لما يحبسن عن الأزواج بحقه لم يحبسن عن تزويج أخواتهن، ولما حبست هذه عن الأزواج لحقه منع من تزويج أختها كالمطلقة الرجعية. 21620 - قالوا: هذه أبعد من الأجنبية؛ لأن الأجنبية تحل له بالعقد والمطلقة ثلاثًا لا تحل له إلا بعد زوج، فإذا جاز له أن يتزوج أخت الأجنبية فهذه أولى. 21621 - قلنا: كيف تكون هذه أبعد من الأجنبية، وعلق النكاح قائمة مع هذه ومنتفية في حق الأجنبية، وعلق النكاح/ هي التحريم كنفس النكاح بدلالة منعها من 242/ أالأزواج. 21622 - فأما جواز تزويج الأجنبية وامتناع تزويج هذه فما هو لبعدها، لكن لأنه يستوفي ما ملك من طلاقها فلا يجوز أن يعقد عليها حتى يستوفي في حكم الطلاق، والأجنبية لم تستوف طلاقها فجاز أن يعقد عليها. 21623 - فإن قيل: إن العدة وثبوت النسب ووجوب السكنى من أحكام النكاح

وكذا العدة والنسب من أحكام الوطء، بدلالة: أنه يثبت في الموطوءة بشبهة، وبدلالة أن السكنى في حال النكاح تجوز البراءة منها ولا تجوز البراءة من السكنى في حال العدة. 21624 - قلنا: المعتدة من النكاح محبوسة ممنوعة من الخروج وهذا من الأحكام المختصة بالنكاح، فأما الموطوءة بشبهة فتجب عليها العدة لكن لا تمنع من الخروج، وليس إذا وجبت العدة على الموطوءة بشبهة وقلت في المطلقة لم يكن من أحكام النكاح، [ألا ترى: أن النفقة تجب لذوي الأرحام والمملوك، وتجب للزوجة ولا يمنع وجوبها في غير الزوجة أن تكون من أحكام النكاح]. 21625 - وأما قولهم: إن السكنى لا تصح البراءة منها فلأنها في حال النكاح من حقوقها فجاز أن تسقطها، وفي حال العدة تعلق بها حق الله تعالى فجاز أن تسقط في حقها ولم يجز أن تسقط في حق الله تعالى. 21626 - قالوا: لو طلقها قبل الدخول لم تجب [العدة فدل أنها من أحكام الوطء. 21627 - قلنا: لو طلقها بعد الخلوة وجبت العدة عندنا وإن لم يدخل بها وليس] يمتنع أن تكون من أحكام النكاح، ومن شرطها الوطء.

21628 - قالوا: إذا كان المولى يطأ أمته فباعها أو أعتقها وجب عليها الاستبراء منه ولم يمنعه ذلك من وطء أختها، كذلك وجوب العدة على الأخت منه لا يمنع من تزويج أختها. 21629 - قلنا: هناك لا يجب الاستبراء منه، وإنما يجب بحدوث الملك في رقبتها واستباحتها، بدلالة: أن المولى لو لم يطأها وجب الاستبراء وإذا لم يجب هذا الاستبراء لحقه لم يمنع وطئ أختها، كما أن وجوب العدة على المرأة من غيره لا يمنع من تزويج أختها. 21630 - قالوا: إذا طلق الرجل أربع نسوة لم يجز أن يتزوج عندكم. 21631 - فنقول: حر رشيد لا زوج له غير متلبس بحرمة عبارة فوجب أن يكون له النكاح كالذي لم يتزوج. 21632 - قلنا: يبطل بالموت ولأنه رشيد في ماله والمعنى فيمن لم يتزوج الذي ليس في حبسه عدد فجاز أن يتزوج، وهذا في حبسه أربع فل يجز أن يتزوج خامسة كما لو ارتدت زوجاته. 21633 - قالوا: روى أن فيروز الديلمي أسلم وتحته أختان فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يفارق إحداهما فلو كانت العدة تمنع تزويج الأخت وجب أن يفارقها.

21634 - قلنا: العدة لم تمنع بقاء نكاح الأخت، وليس إذا منعت العدة ابتداء نكاح الأخت منعت البقاء. كما أن العدة تمنع ابتداء التزويج، ولو تزوجها فوطئت بشبهة وجبت العدة ولم يمنع ذلك بقاء نكاحها. * * *

مسألة 1052 شرط الخيار في النكاح

مسألة 1052 شرط الخيار في النكاح 21635 - قال أصحابنا: إذا شرط الخيار في النكاح صح النكاح، وبطل الشرط. 21636 - وقال الشافعي: يبطل النكاح. 21637 - لنا: أنه نكاح منعقد فلا يبطله الشرط، كما لو تزوجها على أن الطلاق بيدها. 21638 - ولأنه عقد لا يفسخ بالإقالة فلم يبطله شرط الخيار، كالخلع والعتق بعوض والصلح من الدم العمد. 21639 - ولأنه شرط في العقد شرطًا لا يملك إيجابه بعده فلم يبطل العقد، كما لو تزوجها على أنها مالكة للطلاق، ولا يمنع الخير في الصرف والسلام؛ لأن شرطه يملك إيجابه بعد العقد. 21640 - ولأنه عقد لا يجوب توقيت النكاح، فلا يمنع انعقاده في الحال.

21641 - أولا يوجب ملك أحد الزوجين رقبة الآخر، فلا يبطل العقد، كما لو شرط أن يهدى لها هدية. 21642 - والدليل على أن الخيار لا يوقف العقد أنه يصح في البيع وهو لا يحتمل التوقيت، والدليل على أنه لا يمنع الانعقاد في الحال أنه يصح في البيع وعقده لا يتعلق بشرط. 21643 - ولا يلزم إذا قال: تزوجتك شهرًا؛ لأنه وقت النكاح. 21644 - ولا يلزم إذا قال: تزوجتك رأس الشهر وقت ليس بمنعقد لأنه لا ينعقد في الحال. 21645 - ولا يلزم إذا قال المولى لعبده تزوج حرة على رقبتك؛ لأن ذلك يقتضي ملك أحد الزوجين. 21646 - وهذه المسألة مبنية على أن النكاح المكره ينعقد عندنا، وتأثير الإكراه أبلغ من تأثير الخيار، ألا ترى أن الإكراه يمنع صحة البيع والخيار لا يمنع منه؟ فإذا كان الإكراه عندنا لا يمنع صحة النكاح فالخيار أولى. 21647 - احتجوا: بأن الخيار لا يبقى الإباحة في وقت يقتضي إطلاق العقد ثبوتها، فصار كما لو تزوجها شهرًا. 21648 - قلنا: هناك وقت العقد فلم يصح، وههنا لم يوقت العقد وإنما شرط نفس الاستباحة فصار كما لو تزوجها على أن يطلقها.

21649 - قالوا: معاوضة تحتمل الفسخ فإذا قابلها بشرط لا يصح فيها أبطلها، كما لو شرط الخيار في الصرف والسلم. 21650 - قلنا: المعنى في الصرف والسلم أنه يجوز إثبات حق الفسخ فيها من غير سبب فوجب الفسخ وهو المقابلة، فإذا شرط الخيار صح ومنع تمام القبض في المجلس فبطل العقد. 21651 - وفي مسألتنا: العقد لا يحتمل الفسخ بغير سبب يوجب ذلك فإذا شرط الخيار لم يتعلق بشرطه حكم وصار وجوده وعدمه سواء. 21652 - قالوا: العقد الذي يحتمل شرط الخيار إذا شرط فيه خيار [لا يحتمله] أبطله، وهو [البيع] بشرط الخيار أربعة أيام، فالعقد الذي لا يحتمل الخيار إذا شرط فيه خيار لا يحتمل أولى أن يبطل. 21653 - قلنا: البيع إذا شرط فيه خيار أربعة أيام لأحد المتعاقدين لا يقتضيها العقد وذلك يبطل البيع كما لو شرط أن يهب له هبة. 21654 - وفي مسألتنا إذا شرط فيه خيار لا يقبله النكاح فقد شرط منفعة لأحد الزوجين لا يقتضيها العقد فلا يبطل ذلك العقد كما لو شرط أن يهدي لها هدية أو يكون ملك الطلاق والظهار لها.

مسألة 1053 الجمع بين الأختين من الإماء

مسألة 1053 الجمع بين الأختين من الإماء 21655 - قال أصحابنا: إذا تزوجت أخت أم ولده أو كانت تحته أمة يطؤها فتزوج أختها، صح النكاح ولم يجز له أن يطأ واحدة منهما حتى تحرم الأولى بضرب من ضروب التحريم أو أن يعتقها، أو يبيعها، أو يزوجها، أو يكاتبها. 21656 - وقال الشافعي: يحل له وطئ التي تزوجها ويحرم عليه وطئ الأولى. 21657 - لنا: أنه سبب يستباح به الوطء، فإذا طرأ في أخت الموطوءة لم يجز وطؤها مع بقاء الأولى على حالها، أصله: إذا اشترى أخت أمته. 21658 - قالوا: إذا ملكها فقد تساويا فقدمت التي وطئها أولا وفي مسألتنا: حكم النكاح أقوى من ملك اليمين؛ لأنه يتعلق به من الحقوق مالا يتعلق بملك اليمين،

فلذلك كانت الزوجية أولى بالإباحة. 21659 - قلنا: قوة سببها لا يدل على اختصاصها بالإباحة؛ لأن الحرة تحرم بأسباب لا تحرم بها الأمة، وهي الظهار والطلاق الرجعي الذي لا يزيل الملك عندهم، وإذا كانت تدخل في التحريم لم تختص بالإباحة. 21660 - ولأنه لو وطئ الزوجة قبل أن تحرم الأمة على نفسه إننا نلحق نسب ولد أختين، وذلك لا يجوز، كما لو وطئها بملك اليمين. 21661 - [ولأنه بالوطء يجمع ماءه في رحم أختين وذلك لا يجوز كما لو وطئها بملك اليمين]. 21662 - ولأنه لو ملك أختين فوطئهما لم يجز له وطء واحدة منهما مع بقاء الأخرى على حالها؛ لأن كل واحدة منهما يلزمه نسب ولدها وهذا المعنى موجود في الأمة الموطوءة وأختها المزوجة. 21663 - احتجوا: بأنه جمع لا يمنع صحة النكاح فوجب ألا يمنع استباحة الاستمتاع، أصله: إذا تزوج أجنبية بعد أجنبية. 21664 - قلنا: هناك يجوز أن يستديم وطئها، فجاز أن يبتدء به، وفي مسألتنا: لا يجوز أن يستديم وطؤها فلا يجوز أن يجمع بينهما في حكم الوطء. * * *

مسألة 1054 حرمة المصاهرة بالزنا

مسألة 1054 حرمة المصاهرة بالزنا 21665 - قال أصحابنا: الزنا يتعلق به تحريم المصاهرة فإذا زنا بامرأة حرمت عليه أمها وبنتها، وإذا زنا بأم امرأته أو بنتها وقعت الفرقة بينه وبين امرأته. 21666 - وقال الشافعي: الزنا لا يتعلق به التحريم. 21667 - لنا: قوله تعالى: {وبائبكم التي في حجوركم من نسائكم التي دخلتم بهن}، ولم يفصل بين أن يدخل بها في النكاح أو قبله. 216688 - وقال تعالى: {ولا تنكحوا ما نكح ءاباؤكم من النساء}، والنكاح حقيقة في الوطء لأنه مأخوذ من الاجتماع والتداخل ولهذا قالت العرب: (أنكحنا الفرى). فسرى يضربونه للأمر يجتمعون عليه كالاجتماع المعتبر من الوحش مع الأتان.

21669 - وقال الشاعر: ومن أيم قد أنكحتها رماحنا .... وأخرى على عم وخال تلهف 21670 - يقولون: (تناكح الشيئان) إذا تداخلا. 21671 - وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لعن الله ناكح البهيمة) وإنما سمى العقد نكاحًا لأنه يتوصل به إلى النكاح، كما يسمى الشيء على اسم المجاورة. 21672 - ومن أصحابنا من قال: إن الاسم يتناول الأمرين يقولون: نكح إذا عقد ويقولون: نكح إذا وطئ، فيحمل عليها. 21673 - فإن قيل: النكاح في الشرع/ اسم للعقد، بدلالة أنه لم يذكر في القرآن 242/ ب إلا في العقد، قال الله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء}، وقال: {فانكحوهن بإذن أهلهن}، وقال - عليه السلام -: (لانكاح إلا بولي). 21674 - قلنا: من ادعى استعمال الاسم اللغوي بالشرح احتاج إلى ذلك ثم في هذه المواضع إنما حمل الاسم على العقد بدلالة أنه لما ذكر العدد في قوله: {فانكحوا ما طاب لكم} على أن المراد به العقد لأن الوطء لا يدخله حصر بعدد، وقوله: {فانكحوهن بإذن أهلهن}. 21675 - وحمل على العقد لأن إذن الأهل لا يعتبر في الوطء، على أن النكاح قد ورد في القرآن عبارة عن الوطء قال تعالى: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح}، وقال: {حتى تنكح زوجًا غيره}، والمراد بذلك الوطء لأن العقد مستفاد بذكر

الزوج. 21676 - وكذلك قوله تعالى: {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة}، أريد به على قول بعض المفسرين الوطء. وقال تعالى: {أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح}. 21677 - والشيء لا يضاف إلى نفسه وثبت أنه أضيف إلى الوطء، وإذا ثبت اسم النكاح يتناول الوطء صار تقدير الآية: (ولا تطأوا ما وطئ آباؤكم)، وهذا عام في الوطء بنكاح وغيره. يبين ذلك أنه قال: {إنه كان فاحشة ومقتًا وساء سبيلا} وهذا التغليظ لا يستعمل في العقد الفاسد، وإنما يقال في الوطء، ويدل عليه: ما روى أبو هانئ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الله لا ينظر إلى رجل ينظر إلى فرج امرأة وابنتها) ولم يفصل بين النظر في العقد وغيره. 21678 - ولأنه وطئ مقصود في موطوءة، فوجب أن يعلق به تحريم المصاهرة، كالوطء بنكاح. 21679 - ولا يلزم الصغيرة والمسنة؛ لأن وطأهما ليس بمقصود. 21680 - ولا يلزم وطئ الرجل؛ لأنا قلنا: في موطوءة. 21681 - ولأنه وطئ من يستباح وطؤها بسببي الإباحة، أعني النكاح والملك، فصار كوطء أمته المزوجة ووطء جارية ابنه. 21682 - ولا يلزم: وطئ الصغيرة والميتة؛ لأنه لا يستباح بواحد من السببين.

21683 - ولا يقال: المعنى في الوطء أنه صادف الملك [فتعلق به التحريم]، [وهذا الوطء لم يصادف الملك]؛ لأن علة الأصل تبطل بوطء جارية الابن وعلة الفرع تبطل بالوطء بشبهة. 21684 - فإن قيل: المعنى في الأصل أن الوطء يتعلق به تحريم مؤقت، فجاز أن يتعلق به تحريم مؤبد. 21685 - قلنا: ثبوت التحريم المؤقت لا يدل على ثبوت التحريم المؤبد؛ لأن ثبوت أخف الحكمين لا يدل على ثبوت أعظمهما، ثم لا نسلم أن الزنا لا يوجب تحريمًا مؤقتًا؛ [لأن الزانية] لا يحل وطؤها حتى تضع حملها أو تستبرئ بحيضة. 21686 - ويبطل بوطء المولى؛ لأنه لا يثبت تحريمًا مؤقتًا، ويثبت تحريمًا مؤبدًا، وكذلك الرضاع يوجب تحريمًا مؤبدًا لا يتعلق به تحريم مؤقت. 21687 - فإن قيل: على المولى يجب تحريمًا مؤقتًا وهو الاستبراء. 21688 - قلنا: يجب لحدوث ملك المشتري في الرقبة وحصول الاستباحة سواء كان هناك وطئ من البائع [أو لم يكن]. 21689 - ولأنه وطئ تعلق به كفارة في شهر رمضان فتعلق به التحريم، كوطء المولى، والوطء بشبهة. 21690 - فإن قيل: المعنى في الأصل أنه يتعلق به العدة، وثبوت النسب، والمهر.

21691 - قلنا: إذا وطئ المولى أمته المزوجة، لم يجب بوطئه عدة ولا مهر ولا يثبت فيه نسب، وإن ثبت به التحريم. 21692 - واعتبار المهر لا يصح؛ لأن عند الشافعي إذا أكرهت المرأة على الزنا لم يثبت بوطئها التحريم بالمصاهرة، ويجب به المهر؛ لأن النكاح عقد يفسده الوطء باتفاق [إذا وطئ أم امرأته أو ابنتها بملك أو شبهة. 21693 - وكل عقد يبطله الوطء] يستوي فيه الزنا والوطء بشبهة، أصله: الإحرام [والصيام]. 21694 - ولأن المقصود من النكاح الوطء، وهذا لا ينعقد فيمن لا يحل وطؤها. والغرض في الأحكام أقوى من السبب فإن كان العقد هو السبب الذي يتعلق به التحريم فلأن يتعلق بالغرض المقصود من الوطء أولى. 21695 - فإن قيل: الوطء لا يمنع من تزويج أختها، والعقد يمنع ذلك. 21696 - قلنا: لأن العقد [يستدام والوطء لا يستدام]، فنظرة العقد إذا زال لم يمنع بعد زواله؛ لأنه تعلق به تحريم مؤبد فلا يعتبر في وقوع التحريم تقدم العقد عليه كالرضاع. 21697 - احتجوا: بما روى نافع عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (الحرام لا يحرم الحلال).

21698 - قلنا: هذا الخبر ذكره الدارقطني، عن إسحاق بن محمد الفروي، [عن نافع، عن ابن عمر، وإسحاق بن محمد الفروي] ذكره أبو عبد الرحمن النسائي في كتابه في الضعفاء، وعبد الله بن عمر العمري ضعفه مخالفنا في روايته أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (ضرب للفارس سهمين). 21699 - ولو ثبت هذا الخبر كان متروك الظاهر [لعلمنا أن] الحرام أبدًا يحرم الحلال كالوطء بنكاح فاسد، ووطء المتعة، ووطء الرجل جارية ابنه التي تزوجها، والنجاسة إذا اختلطت بالماء. 21700 - وإذا سقط اعتبار العموم، حمل على ما روي عن عطاء أنه قال:

(إنما أراد به الرجل يزني بالمرأة ثم يتزوجها فقال: لا يحرم بالوطء الزنا العقد الحلال. 21701 - ولأنه - عليه السلام - إن صح هذا الخبر عنه فإنما منع أن يكون التحريم للعقد تحريم الوطء وعندنا ليس الحرام هو المحرم وإنما المحرم معنى آخر يوجد في الوطء المباح والمحظور وهو كونه وطئًا مقصودًا فعلى هذا قد قلنا بالظاهر. 21702 - وذكر الدارقطني: أيضًا حديث عثمان بن عبد الرحمن، عن الزهري عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الحرام لا يفسد الحلال) وهذا عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي ليس بشيء. ولو ثبت كان الجواب عنه كالأول. وذكر أيضًا حديث عثمان الوقاصي، عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الرجل يتبع المرأة حرامًا ثم ينكح ابنتها أو يتبع البنت

ثم ينكح أمها فقال: (لا يحرم الحرام الحلال). 21703 - وذكر هذا الإسناد أيضًا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن رجل زنا بامرأة فأراد أن يتزوجها أو ابنتها فقال: (لا يحرم الحرام الحلال إنما يحرم ما كان بنكاح). 21704 - وعجب للدارقطني في استحلاله إيراد مثل هذه الأخبار وهو أعلم الناس بها وإمساكه عن بيان طرقها وطعنه في كتابه على أئمة المسلمين إذا روى عنهم ما يخالف، وقد عدد أصحاب الحديث ما أنكروه على الوقاصي فذكروا فيه رواية عن الزهري، عن عروة عن عائشة هذا الحديث مع أخبار موضوعة حكوها عنه، وكيف تكون هذه الأخبار عند الزهري ولم يروها عنه ثقات أصحابه، ثم الخبر الأول ذكر فيه الأتباع وذلك عبارة عن المراودة والتماس الفجور، ولا يعبر به عن موافقة الفعل، ومجرد الإتباع لا يتعلق به تحريم عندنا. فأما الخبر الآخر الذي أسقطوا الوقاصي بروايته مع أخبار ذكروها له، فلا يحل تأويلها ولا يسوغ البناء على مثله، وقد تكلف بعض أصحابنا وتأوله فقال: قوله: (لا يحرم الحلال) يعني أن المعنى الموجب للتحريم ليس هو الزنا وكذلك نقول؛ لأن العلة لو كانت الزنا لم يحرم الوطء الذي ليس بزنا وقوله: (إنما يحرم ما كان بنكاح) معناه ما كان بوطء؛ لأن النكاح اسم للوطء. فبين أن مجرد الوطء فيها هو المحرم لا ما ينضم إليه من الصفة في التحليل والتحريم، ولا يجوز أن يكون المراد بالنكاح العقد ولا الوطء بالعقد؛ لأن قوله: (إنما نهى إلى سواه) ولا خلاف أن الوطء بغير نكاح محرم. فكيف يقول - عليه السلام -: (إنما يحرم ما كان بنكاح) والتحريم لا يختص بذلك بإجماع. 21705 - احتجوا بقوله تعالى: {وهو الذي خلق من الماء بشرًا فجعله نسبًا وصهرًا}.

21706 - قالوا: والزنا لا يكون سببًا فيما يمن الله تعالى به على عباده. 21707 - قلنا: فقد من الله تعالى به على عباده بالنسب ولا خلاف أنه يثبت بالزنا لأن نسب ولدنا الزنا من أمة ومن أتها وكذلك الزنا يثبت تحريم المصاهرة بإجماع؛ لأن من زنا بامرأة ومن أتاها وكذلك الزنا يثبت تحريم المصاهرة بإجماع؛ لأن من زنا بامرأة فأولدها بنتا فتزوجت الزاني حرم على الزوج بنتها من الزنا، وإذا جاز أن يثبت تحريم المصاهرة بسبب الزنا من جهة المرأة، فكذلك من وجهة الواطئ. 21708 - ولأن الامتنان إنما هو بخلقه سبحانه من الماء بشرًا، ووصف ذلك البشر أن يكن منه النسب والصهر، فلا يمنع الامتنان أن يكون الصهر بسبب محظور كما أنه يكون بوطء في متعة، ونكاح فاسد، ووطء الأمة المجوسية، والأمة المزوجة. 21709 - قالوا: وطئ في غير ملك ولا شبهة ملك، فوجب ألا يتعلق به تحريم المصاهرة، أصله: وطئ الصغيرة التي لا تشتهي والميتة. 21710 - [قلنا: يبطل بمن وطئ زوجته في الموضع المكروه وهو وطئ في غير ملك ولا شبهة ملك، ويتعلق به التحريم باتفاق. والمعنى في وطء الصغيرة والميتة] أنه وطئ غير مقصود؛ بدلالة أن فرج الصغيرة التي لا تشتهى ليس بمحل للوطء، ولهذا يجوز للأجنبي النظر إليها، ولو وطئها في فرجها بملك لم يحرم عليه أمها وبنتها، وكذلك الميتة ليست بمحل وطء، وإنما يفعل فيه الإيلاج على طريقة المجانة

والسخافة؛ فهو كالإيلاج في الطين، وكاستدخال المرأة/ ذكر الميت أو الذكر 243/ أالمقطوع، فلا يتعلق به حل [ولا تحريم، وليس كذلك في مسألتنا؛ لأنه وطئ مقصود في موطوءة]. 21711 - [قالوا: قولكم]: وطئ مقصود لا معنى له؛ لأن وطئ العجوز الشوهاء ليس بمقصود والتحريم يتعلق به. 21712 - قلنا: ذلك مقصود؛ لأن الشوهاء يقصدها أمثالها فلما كان مقصودًا [طلبًا للوطء واللذة تعلق به التحريم في حق من لا يقصده]. 21713 - قالوا: وطئ لا يتعلق به تحريم مؤقت فلا يتعلق به تحريم مؤبد، كوطء الصغيرة، وكاللمس بغير شهوة. 21714 - قلنا: يبطل بوطء المولى، لا يتعلق به تحريم مؤقت ويتعلق به تحريم مؤبد. 21715 - فإن قالوا: يتعلق بوطء المولى الاستبراء. 21716 - قلنا: ذاك لا يتعلق بوطئه، وإنما يطب لحدوث ملك المشتري في الرقبة والاستباحة، بدلالة أنه لو اشترى بكرًا وجب عليه استبراؤها على أنهم إن قالوا: إن الاستبراء تحريم مؤقت لم نسلم الوصف؛ لأن الزنا يتعلق به تحريم مؤقت عندنا؛ لأن الزانية لا توطأ بالنكاح حتى تستبرأ أو تضع حملها ثم لا يمتنع أن يتعلق بالفعل تحريم

مؤبد ولا يتعلق به تحريم مؤقت، كالعقد على المرأة تحرم أمها، ولا يوجب نفس العقد عدة، والرضاع يتعلق به تحريم مؤبد ولا يتعلق به تحريم مؤقت، والمعنى في اللمس بغير شهوة: أنه استمتاع غير مقصود فلم يتعلق به التحريم كالنظرة. 21717 - قالوا: كل حكم تعلق بالنكاح لم يتعلق بمحض الزنا في الجنس كوجوب المهر، وأما التحريم فهو حق الله تعالى يتعلق بالوطء، فيتعلق بالحلال والحرام كوجوب الغسل وفساد العبادات. 21718 - قالوا: التحريم يتعلق بالوطء والعقد، ثم العقد الحرام لا يتعلق به التحريم كذلك الوطء الحرام. 21719 - قلنا: العقد إذا لم يتمحض تحريمه والوطء إذا دخلته شبهة فلم يتمحض تحريمه؛ تعلق به التحريم، كذلك إذا لم تدخله شبهة تعلق به التحريم. 21720 - قالوا: تحريم نكاح يتعلق بالوطء الصحيح، فوجب ألا يتعلق بالزنا الصريح، أصله: تحريم العدة. 21721 - قلنا: إذا رفت إليه غير امرأته وهي عالمة ففعلها عندكم زنا، ويتعلق الجلد، فإن أوجبت العدة، فقد بطل قولك: إن التحريم بالعدة لا يتعلق بالزنا الصريح، وإن لم توجب العدة؛ فلا يخلو إما أن يثبت التحريم من الحيثيتين، أو من حيثية الزوج خاصة. 21722 - فإن قلت: ثبت التحريم من الحيثيتين فقد أوجبت التحريم بصريح الزنا؛

فقد بطل كلامك، ولا يجوز أن توجبه من جهة الزوج خاصة؛ لأن هذا محال أن يتعلق به الوطء تحريم من أحد جانبيه، وإذا لم يثبت التحريم فلا معنى لقولك: وجب ألا يتعلق بالزنا الصريح، وإن ثبت به وهو لا يتعلق عندك بوطء الرجل وليس بصريح الزنا، والمعنى في تحريم العدة: أنه حق الزوج، فلو وجبت عليها لوجب المهر لها في مقابلته، وقد ثبتت العقوبة المنافية للمهر، وفي مسألتنا التحريم حق الله تعالى فيتعلق بالوطء المباح والمحظور كما ذكرنا. وربما قالوا: وطئ لا يتعلق به ثبوت النسب، وهذا يبطل بوطء الزوجة في الموضع المكروه، ويقولون لا يتعلق به مهر ويبطل بوطء المولى؛ ولأن هذه الأحكام انتفت عن الزنا على طريق التغليظ وسقوط [التحريم ليس بتغليظ عندنا عليه، فيجب أن يثبت التحريم أيضًا على طريق التغليظ]. 21723 - قالوا: لو حبلت الزانية فارتضع بلبنها صبية لا تحرم على الزاني. 21724 - قلنا: لا نسلم. * * *

مسألة 1055 المباشرة فيما دون الفرج يتعلق بها التحريم

مسألة 1055 المباشرة فيما دون الفرج يتعلق بها التحريم 21725 - قال أصحابنا: إذا لمس امرأة بشهوة، أو قبلها، أو نظر إلى فرجها بشهوة، حرمت عليه أمها وبنتها. 21726 - وقال الشافعي: في اختلاف ابن أبي ليلى: إذا لمس الرجل الجارية؛ حرمت على أبيه ابنه، ولا يحرم عليهم النظر، ولم ينص على خلاف ذلك. 21727 - وقال أصحابه: له قول آخر: إن المباشرة دون الجماع لا يتعلق بها التحريم.

21727 - لنا: ما روى ابن شجاع، عن يحيى بن آدم، عن جرير الضبي، عن حجاج بن أرطأة، عن أبي هانئ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من نظر إلى فرج امرأة، لم تحل له أمها وبنتها). 21729 - وروى عبد الله بن مسعود، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (لا ينظر الله إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وبنتها) فلولا أن النظر إلى الفرج يحرم لجاز أن يزيل ملكه عن الأم ثم ينظر إلى فرج البنت. 21730 - فإن قيل: روي موقوفًا عن ابن مسعود. 21731 - قلنا: لا يمتنع أن يرويه ويفتي به. 21732 - قالوا: رواه ليث عن حماد عن علقمة عن عبد الله، قال الدارقطني: ليث وعلقمة ضعيفان. 21733 - قلنا: يجب أن يبين وجه الضعف لتنظر فيه، ويدل عليه إجماع الصحابة. 21734 - روي عن عمر أنه جرد جارية وجلى بها فاستوهبها منه ابنه، فقال له: إنها لا تحل لك. 21735 - وعن ابن عمر أنه قال: أيما رجل جرد جارية فنظر إليها؛ فإنها لا تحل لابنه.

وهذه المسألة باتفاق بين السلف والفقهاء في التحريم بالقبلة، فلم يجد المخالف لنفسه قائلاً سبقه بهذا القول؛ لأنا قد بينا قول الصحابة. وذكر الطحاوي عن عامر بن ربيعة له سماع من النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل قولنا وكذلك عن مسروق، وإبراهيم، والقاسم، ومجاهد، وهو قول أبي حنيفة، وأبي يوسف وزفر، ومحمد بن الحسن، والحسن بن زياد، وقال مالك: القبلة واللمس والنظر إلى المحاسن كلها متلذذًا بها تحرم عليه بنتها. 21736 - وقال الثوري: يحرم اللمس والنظر إلى الفرج خاصة.

21737 - وقال الأوزاعي: المباشرة تحرم، وكذلك قال الليث، والخلاف في هذه المسألة على الإجماع لا يعتد به ولا يلتفت إليه؛ ولأنه استمتاع لا يبيحه إلا النكاح أو ملك اليمين فيؤثر في إيجاب كفارة الإحرام فيتعلق به التحريم كالوطء، ولا يلزم النظر إلى محاسنها؛ لأنه لا يؤثر في إيجاب كفارة الإحرام. 21738 - فإن قيل: لا تأثير لقولكم في الكفارة؛ لأن النظر إلى الفرج لا يوجب الكفارة ويتعلق به التحريم. 21739 - قلنا: الاستمتاع المؤثر في الكفارة يحرم عندنا، وما يؤثر في الكفارة ينقسم، فمنه ما يحرم، ومنه ما لا يحرم، فالتخصيص له فائدة صحيحة. 21740 - فإن قيل: المعنى في الوطء أنه يوجب الغسل [واللمس بخلافه. 21741 - قلنا: العقد يتعلق به التحريم، وليس له تأثير في إيجاب الغسل]. 21742 - وقولهم: إن ما دون الوطء لا يعتبر بالوطء، بدلالة أنه يفسد العبادات لا يصح؛ لأن اللمس عندهم يفسد الاعتكاف كما يفسده الوطء وإن اختلفا في التحريم؛ ولأنه إن خالف الوطء في إفساد الحج ساواه في إيجاب الكفارة؛ ولأن الوطء فيما دون الفرج وطء مقصود كالوطء في الفرج والموضع المكروه، ولأن النظر أحد نوعي الاستمتاع؛ فكان فيه ما يتعلق به التحريم، أصله: المباشرة.

21743 - احتجوا بقوله تعالى: {وربائبكم التي في حجوركم من نسائكم التي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم}. ووجه الدلالة من الآية: هو أن اللمس والنظر ليسا في معنى الدخول، ولهذا لا يتعلق بهما فساد الصوم والإحرام، ووجوب الاغتسال، فلا يلحقان بالوطء. 21744 - قلنا: قوله: {دخلتم} لا يتعدى بنفسه وإنما يتعدى بالباء، فحقيقته تقتضي أن يدخل بالمرأة مكانًا وهذا غير مراد، فالآية مجاز. 21745 - قالوا: لو اجتمع أن الوطء مراد بها. 21746 - قلنا: عندنا المراد بها الوطء وغيره فإن تعلقوا بالظاهر لم يصح فإن اعتبروا الجماعة لم نسلم أن اللفظ يخص الوطء فلم يتناول الاستمتاع. 21747 - قالوا: استمتاع لا يوجب الغسل فلا يوجب تحريم المصاهرة، أصله: إذا نظر إلى وجهها بشهوة. 21748 - قلنا: قد يوجب تحريم ما لا يتعلق به الغسل كالعقد والرضاع، والمعنى في النظر إلى غير الفرج أنه استمتاع من غير مباشرة فقصد لنفسه، ألا ترى أن الفرج لا ينظر إليه بجسمه وإنما ينظر إليه للجماع فجرى مجرى الإيلاج في التحريم؟ أو نقول: إن النظر إلى الوجه يستباح من غير ضرورة ولا ملك؛ لأنه يجوز لمن أراد التزويج. 21749 - والشاهد: والنظر إلى الفرج لا يستباح إلا بملك أو ضرورة ولذلك تعلق به التحريم. * * *

مسألة 1056 نكاح الحر للأمة المسلمة

مسألة 1056 نكاح الحر للأمة المسلمة 21750 - قال أصحابنا: يجوز تزويج الأمة مع وجود المال الذي تتزوج به الحرة. 21751 - وقال الشافعي: لا يجوز تزويج الأمة إلا بشرطين: عدم الطول، وخوف العنت وهو الزنا، وإذا قدر على تزويج الكافرة؛ فالصحيح أنه لا يجوز تزويج الأمة. وقال المروزي: يجوز. 21752 - لنا: قوله تعالى: {ولأمة مؤمنة خير من مشركة} وهذا يدل على أن القادر على نكاح الحرة الكافرة يتزوج الأمة خير له منها. 21753 - فإن قيل: المشركة اسم للوثنية.

21754 - قلنا: لا يقال في الناكحين أحدهما خير لكم من الآخر، ويجوز لكل واحد منهما، فإذا لم يجز أحدهما؛ لم يقع التفضيل بينهما، ولأنه غير مالك لفراش حرة، ولا لما هو في حكم الفراش؛ فجاز أن يتزوج أمة، أصله: الفقير. أو نقول: ليس في حبسه حرة؛ فجاز له تزويج أمة كالفقير، ولا يلزم المرتد؛ لأنه لا يجوز له التزويج مع الفقير، فقد استوى الأصل والفرع، وإن شئت احترزت فقلت: ليس في حبسه حرة، فإذا جاز له التزويج، جاز له تزويج الأمة، ولا يلزم من تحته أربع حرائر؛ لأنا قلنا: فإذا له التزويج، ولا يقال: لا تأثير لقولكم: ليس في حبسه حرة ولا يملك 243/ ب فراش حرة./ 21755 - قلنا: التعليل لجواز تزويج الأمة، ومن جمع بين حرة وأمة في عقد، ففي حال عقده يجوز تزويجه للأمة إذا كان وكل من يزوجه بها، وإذا كان كذلك فإنما لا يجوز أن يجمعها في العقد مع الحرة؛ لأن من شرط نكاحها ألا يجوز أن يجمعها في العقد مع حرة، وليس التعليل لأحوال النكاح للأمة. 21756 - قالوا: المعنى في العاجز: أنه يخاف العنت. وليس كذلك القادر؛ لأنه لا يخاف العنت. 21757 - قلنا: علة الأصل تبطل بمن تحته حرة، وهو لا يتحصن بها إلا مع الأمة وتدعوه نفسه إن لم يتزوجها إلى الزنا بها، وعلة الفرع تبطل بمن معه ثمن أمة وهو لا يبلغ طول الحرة، فإنه يجوز له تزويج أمة، وإن كان تعذر أن يبتاع أمة فيتحصن بها ويأمن العنت، ولأن كل امرأة جاز لها أن يتزوجها لم يقف جواز نكاحها على عدم ما

يتوصل به إلى غيرها. أصله: الحرة. 21758 - ولا يقال: المعنى في الحرة أنه يجوز أن يجمعها مع غيرها فجاز أن يتزوجها مع القدرة على نكاح غيرها، والأمة لا يجوز أن يجمعها مع الحرة، فلم يجز أن يتزوجها مع القدرة على نكاحها؛ وذلك لأن منع الجمع لا يدل على اعتبار العجز. 21759 - الدليل عليه: أنه لا يجوز أن يجمع امرأة إلى أختها. ويجوز أن يتزوجها مع القدرة على ما يتزوج به أختها، ولأن من جاز له أن يتزوج أمة إذا لم يقدر على نكاح حرة؛ جاز له وإن قدر على نكاحها كالعبد. بدلالة إذا قال له المولى: تزوج حرة أو أمة جاز له أن يتزوج أمة وهو قادر على نكاح حرة، ولأن الحرة أوسع نكاحًا من العبد؛ بدلالة أنه يجمع أربعة ولا يقف نكاحه على إذن غيره. فإذا جاز للعبد مع ضيق حكمه في النكاح أن يتزوج الأمة مع القدرة على نكاح الحرة؛ فالحر أولى. 21760 - ولأنه سبب يتوصل به إلى استباحة وطئ أمة؛ فجاز مع القدرة على ما يتوصل به إلى استباحة بضع حرة كشراء الأمة. ولأن كل نكاح يحرم بسبب نكاح آخر فوجود ما يتوصل به إلى أحدهما لا يكن سببًا لتحريم الآخر كالأختين؛ لأن التنافي بين الأختين آكد. ألا ترى أنه لا يجوز جمعهما بحال والحرة والأمة يجوز الجمع بينهما إذا تقدمت الأمة، فإذا كان وجود ما يتوصل به إلى إحدى الأختين لا يحرم نكاح أختها ففي مسألتنا أولى. 21761 - احتجوا بقوله تعالى: {ومن لم يستطع منك طولا أن ينكح

المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وءاتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشى العنت منكم} فأباح الله تعالى نكاح الأمة بشرطين: [عدم الطول وهو المال وخشية العنت وهو الزنا؛ فلم يجز النكاح مع فقد الشرطين. 21762 - قلنا: قد بينا من أصولنا أن الحكم متى تعلق بشرطين] لم يدل على نفي ما عداه، وإنما ثبت حكم المذكور خاصة، ثم بينا نظائر ذلك في القرآن في قوله تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق} وقوله: {إن أردن تحصنًا} وقوله: {ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما ءاته الله}. ثم لو التزمنا ذلك الشرط على قولهم لم يكن في الآية دلالة؛ وذلك لأن قوله: {فمن ما ملكت أيمانكم} تقديره: فلتنكحوا مما ملكت أيمانكم. والأمر أقل أحواله أن يحمل على الندب، وعندنا لا يندب إلى نكاح الأمة إلا إذا خاف العنت وعدم الطول، وروي عن أبي يسف أنه حمل الآية على من عنده حرة فقال: النكاح الوطء. فكأنه قال: (ومن لم يستطع وطئ الحرة المؤمنة فلينكح الأمة). ولا يجوز حمله على وجود المال؛ لأن بوجوده لا يستطيع الوطء، وعندنا: من عنده حرة لا يتزوج أمة. 21763 - فإن قيل: الطول الغني، قال الله تعالى: {وأولوا الطول منهم} وعن ابن عباس أن المراد بها الغنى. 21764 - قلنا: الطول القدرة، قال الله تعالى: {ذي الطول لا إله إلا هو} يعني ذا القدرة. فإن كان المراد بالطول الغنى؛ احتملت الآية الغنى عن الأمة بالحرة،

وإن كان المراد بها القدرة؛ فهو لا يقدر على وطئ الحرة إلا إذا كانت عنده، ويحتمل القدرة على صرف نفسه عن شهوة الأمة. 21765 - وقد روي عن عطاء، وجابر بن زيد، وإبراهيم. قالوا: إذا هوى الأمة وخاف أن يزني بها؛ جاز أن يتزوجها وإن كان موسرًا. فهذا يدل على أن الطول عندهم القدرة على صرف نفسه عن الأمة للحرة. 21766 - فإن قيل: النكاح في القرآن لم يرد إلا في العقد، ويدل على ذلك قوله تعالى في سياق الآية: {فانكحوهن بإذن أهلهن}. 21767 - قلنا: قد بينا أنه ورد في العقد الوطء وأنه حقيقة فيهما. 21768 - وجواب آخر: وهو أن الآية مشتركة الدلالة على قول من اعتبر دليل الشرط لأنه قال: {ومن لم يستطع منكم طولًا أن ينكح المحصنات المؤمنات} فجوز نكاح الأمة لمن لم يستطع نكاح الحرة المؤمنة؛ فدل على أن من قدر على نكاح الحرة المؤمنة، يدل على أنه إذا قدر على نكاح الحرة الكافرة جاز أن

يتزوج أمة وعلى الصحيح من مذهبهم أنه لا يجوز. وإنما قال المروزي: يجوز ذلك، وضعفوا قوله. 21769 - فإن قيل: من لا يقدر على الطول إلى النكاح الحرة المؤمنة لم يقدر على الكفارة فثبوت إحداهما بثبوت الأخرى. 21770 - قلنا: غلط؛ لأن الكفارة مدينون ينقصون المهر، فيجوز أن يعجز عن مهر مؤمنة ولا يعجز عن مهر كافرة، ولأنه قال: {ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات} واسم الجمع حقيقة في الثلاثة مجاز في الاثنين، وهذا يدل على أن من قدر على تزويج واحدة يجوز أن يتزوج أمة وهذا خلاف قولهم. 21771 - فإن قيل: فعلى أي شيء يحملونها؟ 21772 - قلنا: قد بينا ما نحملها عليه من طريق اعتبار الشرط، ويجوز أن نحملها [على] أن الله تعالى طيب قلب المؤمن إذا لم يقدر على أعلى النكاحين أن يقتصر على أدناهما وترضى نفسه في ذلك، وإن كان لو رضى بالأدنى مع القدرة جاز. لقوله تعالى: {لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما ءاته}. فطيب قلب من ضاق رزقه بالإنفاق من ماله المتأكد وتدبيره. وإن كان يجوز له

فعل ذلك مع سعة الرزق. 21773 - قالوا: روي عن ابن عباس، وجابر بن عبد الله. مثل قولنا. 21774 - قلنا: روي عن علي، وأبي جعفر، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وسعيد بن المسيب، وإبراهيم والحسن، والزهري: أنه ينكح الأمة وإن كان موسرًا، ذكره شيخنا أبو بكر في أحكام القرآن. 21775 - قالوا: وجود العين الكاملة عنده إذا منع من الانتقال إلى العين الناقصة؛ وجب أن يمنع وجود عوضها. أصله: وجوب الانتقال من الماء إلى التراب. 21776 - قلنا: إنما لا يجوز التيمم لمن يقدر على الماء؛ لأنه مأمور باستعمال الماء؛ فهو بالتيمم تارك لما أمر به [فلم يجز. وفي مسألتنا لم يمتنع من تزويج الأمة، لأنه بترك تزويجها] يفعل ما أمر به من نكاح الحرة. وإنما منع منه، حتى لا يجمعها إلى من هي أكمل منها في النكاح. والقادر على المهر ليس بجامع، ولأن القدرة على الماء بعد التيمم يبطل حكم التيمم؛ فلم يجز الانتقال إليه مع القدرة المؤثرة في حال البقاء، والقدرة على الطول لا تؤثر في نكاح الأمة؛ فلذلك لم يمنع العقد عليها ابتداء. 21777 - قالوا: كل امرأتين إذا عقد عليهما بطل النكاح في إحداهما دون

الأخرى، فإذا أفرد التي بطل النكاح فيها بالعقد وجب أن يبطل، أصله: إذا تزوج مجوسية ومسلمة. 21778 - قلنا: يبطل بمن لا مال له إذا بذلت له حرة أن يتزوجها. فلو تزوجها وأمة في عقد واحد؛ بطل نكاح الأمة، وإذا أفردها جاز نكاحها، ولأن المجوسية منع منها لمعنى في نفسها لا للجمع. فنكاحها حال الاجتماع والانفراد سواء. 21779 - والأمة لم يمنع من نكاحها لمعنى في نفسها، وإنما منع لأجل الجمع، بدلالة أنه لا يجوز للعاجز جمعها. فمن حصل بنكاحها الجمع منع منه. وإن لم يحصل الجمع لم يمنع منه ما وجب. 21780 - قالوا: لو كان المنع الجمع وجب إذا جمع بينهما أن يبطل نكاحهما كالأختين. 21781 - قلنا: الأختان تساويا في العقد، ولأنه ممنوع من تزويج كل واحدة على الأخرى، فإذا جمعهما وجد معنى المنع فيهما، فبطل نكاحهما. والحرة والأمة لم يتساويا، لأنه يجوز أن يدخل الحرة على الأمة. فإذا جمعهما فقد نكح كل واحدة على الأخرى؛ فبطل نكاح الأمة؛ لأنها منكوحة على الحرة، ولا يبطل نكاح الحرة إذا كانت منكوحة على أمة. 21782 - وقد التزم بعضهم هربًا من النقض الذي ذكرناه. فقال: يجوز للفقير أن يتزوج حرة وأمة معًا، وهذا قول يخالف الإجماع. ولو رضي أصحابه قبوله فيه جعلناه طريقًا في المسألة.

21783 - قالوا: حر مستغن/ عن نكاح أمة فصار كما لو كانت تحته حرة. 21784 - قلنا: إذا هوى الأمة وخاف إن لم يتزوجها أن يزني بها؛ فليس يعني نكاحها، ولا يجوز له نكاحها، ولأن من كانت تحته حرة لا يجوز له أن يتزوج أمة وإن لم يستغن عن نكاحها، مثل أن تكون الحرة صغيرة ولا يمكن وطؤها لذاتها أو غائبة فلا معنى لهذا الوصف، وقد التزم بعضهم هذا وقال: يجوز أن يتزوج أمة إذا كانت تحته صغيرة أو غائبة إلا أنه خالف النص في قوله: (ولا تنكح الأمة على الحرة) وقد خالف الإجماع أيضًا. والمعنى فيمن تحته حرة: أنه يجمع إليها من هو أنقص في النكاح، بدلالة أن عدة الأمة وطلاقها أو مسها أنقص من الحرة فمنع من ذلك، ولهذا استوى عنده الحر والعبد. ومتى أرد الأمة فلم يوجد هذا المعنى. 21785 - قالوا: حر مستغن عن استرقاق ولده كمن تحته حرة. 21786 - قلنا: لا نسلم؛ لأنه إذا هوى الأمة وخاف أن تدعوه نفسه إليها بالزنا فليس [يغني] عن [رق] الولد، وتبطل العلة [بالفقير] إذا وجد أمة عميقًا أو آيسة جاز له أن يتزوج الولد، وقد استغنى بالعقيم عن استرقاق ولده، ويبطل بالفقير إذا بذلك [الحرة] نفسها له بمهر مؤجل فقد استغنى عن استرقاق ولده. ويجوز له عندهم التزويج بأمة. 21787 - قالوا: غالب الأصول بأن القدرة على ما يتوصل به إلى عين الشيء كالقدرة عليه بالدلالة القادرة على ثمن الرقبة وثمن الماء، وبمن عليه ديون من المال الناقص

إذا كانت له عروض كالقدر على ما عليه في وجوب جنسه. 21788 - قلنا: القادر على تزويج الحرة لا يمنع من تزويج الأمة بإجماع، إذا كان الرجل فقيرًا فبذلك الحرة نفسها بهر يسير لا يجد به الطول، أو بمهر مؤجل، فوجود البدل كالقدرة على المبدل ههنا. 21789 - وفي الأصول ما اختلف فيها حكم وجود نفس الشيء ووجود بدله. بدلالة، أن وجود الأخت في ملكه يمنع تزويج أختها ووجود الطول إليها لا يمنع، ووجود الأم يمنع تزويج بنتها والطول لا يمنع، ووجود بنت مخاض عندهم يمنع ابن لبون ووجود عوضها لا يمنع. 21790 - قالوا: اتفقنا على أن من عنده حرة لا يتزوج أمة، فلا يخلو أن يكون المنع لأن الحرة في حبسه، أو الجمع بينهما، أو لأنه أمنت العنت. ولا يجوز أن تكون للجمع؛ لأنه يجوز الجمع بينهما إذا تقدمت الأمة، فلم يبق إلا أن يكون المانع له أمن العنت. 21791 - قلنا: لا يجوز لأنه يجمع إلى الحرة من هو أنقص في النكاح منها. وهذا لا يوجد إذا تقدمت الأمة؛ لأنه لم يجمعها إليها، وإنما جمع الحرة إليها. وقد حكى عن أبي الحسن الكرخي أنه قال: إذا كانت تحته حرة فقد ثبت لولده حق الحرية فمنع

من تزويج الأمة حتى لا يسقط حق الحرية الثابت لولده. 21792 - فإن قالوا: يبطل بمن عنده أم ولد يجوز أن يتزوج أمة وإن ثبت لأولاده حق الحرية. 21793 - قلنا: لم يثبت ذلك؛ لأنه يجوز أن يتزوجها في الحال ثم يقطع فراشها. 21794 - قالوا: فعلى هذا يجب أن يجوز تزويجهما معًا. 21795 - قلنا: هناك يملك أن يفرد كل واحدة فإذا جمع فالإيجاب فاسد في الأمة فلا يصح، ولأن الجمع في عقدة واحدة يقتضي رق الولد وحريته، وذلك يتنافى. ومتى جمع العقد بين متناف؛ وجب إسقاط التنافي عنده. والأمة أضعف حالة في النكاح فيبطل عقدها. وفارق هذا الجمع بين الأختين؛ لأن حالهما تساوت فأبطل عقد كل واحدة منهما بعقد الأخرى. * * *

مسألة 1057 العدد المباح الجمع بينهن من الإماء بطريق النكاح

مسألة 1057 العدد المباح الجمع بينهن من الإماء بطريق النكاح 21796 - قال أصحابنا: يجوز تزويج أربع من الإماء. 21797 - وقال الشافعي: لا يجوز أن يتزوج أكثر من واحدة، فإن تزوج اثنتين في عقد بطل نكاحهما، وإن تزوج إحداهما بعد الأخرى بطل نكاح الثانية. 21798 - لنا: قوله تعالى: {فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات} ولم يفصل، ولأن من جاز له أن يتزوج أمة جاز له أن يتزوج اثنتين كالعبد. 21799 - فإن قيل: من للتبعيض. 21800 - قلنا: صحيح وقد اقتضت الآية تزويج بعض الإماء والأربع بعض الإماء.

21801 - ولأنه نوع يجوز للحر العقد عليهن؛ فجاز الجمع بينهن كالحرائر. ولأنه من جاز له تزويج أمة، جاز له تزويج أمتين كالعبد، ولأن العبد أضيق في الجمع من الحر؛ لأنه لا يجمع بين أربعة، فإذا جاز للعبد الجمع بين أمتين؛ فالحر أولى؛ لأنه ليس في حبسه حرة. فجاز أن يتزوج بأمة. أصله: المولى. ولأن كل امرأتين يجوز للعبد الجمع بينهما جاز للحر الجمع بينهما كالحرتين. 21802 - احتجوا بقوله تعالى: {ذلك لمن خشى العنت منكم} ومتى كانت تحية أمة لم يخش العنت. 21803 - قلنا: إذا كان تحته أمة وهوى أخرى وخاف على نفسه؛ فهو يخاف العنت، ولأن الآية مشتركة الدليل؛ لأنها تقتضي أنه إذا خاف العنت جاز أن يتزوج أربعة في عقده. 21804 - قالوا: روى النيسابوري في الزيادات عن ابن عباس أنه قال: لا يزوج العبد من الإماء إلا واحدة. 21805 - قلنا: لم يثبت ذلك عن ابن عباس. 21806 - قالوا: كل نكاح منع منه نكاح الحرة منع منه نكاح الأمة، أصله: الزوجة الثانية في حق العبد لما منعت نكاح حرة منعت نكاح أمة. 21807 - قلنا: الزوجة الثانية في حق العبد استوفي بها العدد فلم يجز أن ينكح

حرة. وفي مسألتنا لم يستوف العدد المعنى، ولهذا يجوز أن يتزوج حرة، فجاز أن يتزوج بأمة إذا لم يجمعها إلى حرة. 21808 - قالوا: حر مستغن عن استرقاق ولده كما لو كانت تحته حرة. 21809 - قلنا: إذا كان عنده أمة فقد ثبت لولده حكم الرق فتزوج بأخرى لا يحصل به من استرقاق الولد إلا ما حصل بالأولى؛ وليس كذلك إذا كان تحته حرة؛ لأن الولد استحق الحرية، فلم يجز أن يتزوج أمة، فيسقط حق الحرية الثابت لولده. * * *

مسألة 1058 جمع العبد بين الحرة والأمة

مسألة 1058 جمع العبد بين الحرة والأمة 21810 - قال أصحابنا: لا يجوز للعبد أن يتزوج أمة وتحته حرة. 21811 - وقال الشافعي: يجوز له ذلك. 21812 - لنا: قوله - عليه السلام -: (لا تنكح الأمة على الحرة) وهو عام. وروي عن علي أنه قال: (لا تنكح الأمة على الحرة). وقال علي: (وتنكح الحرة على الأمة، وللحرة الثلثان من القسم وللأمة الثلث) ذكره محمد في الأصل. ولأنه يجمع إلى الحرة من لا تساويها في أحكامها الأمة، أصله: الحر، ولأن الحر أوسع في النكاح من العبد، وإذا لم يجز هذا الجمع للحر فالعبد

أولى ولأنه جمع منع منه فلا يجوز للعبد، أصله: الجمع بين الأختين وبين المرأة وعمتها. 21813 - احتجوا بقوله تعالى: {ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات}. إلى قوله: {ذلك لمن خشى العنت منكم} فخص الأحرار بذلك. فدليله: أن غير الأحرار يجوز لهم التزويج وإن لم يخشوا العنت. 21814 - قلنا: الآية عامة في الأحرار والعبيد فتناولها لأحد الفريقين كتناولها للآخر. 21815 - قالوا: كيف تتناول الأحرار، وقد قال: {فمن ما ملكت أيمانكم}؟ 21816 - قلنا: المراد به أصل الجنس كقوله تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم} وكيف يجوز أن نقول: نطق ظاهر بدليل خبر خطاب، والنطق متفق على اعتباره والدليل مختلف فيه.

21817 - قالوا: عبد تحته امرأة واحدة فجاز أن يأتيها بثانية، أصله: إذا كان تحته أمة. 21818 - قلنا: إذا كانت تحته أمة فلم يجمع إليها من ينقص عنها في النكاح، وفي مسألتنا بخلافه. 21819 - قالوا: من جاز له أن ينكح امرأة من غير جنسه جاز له أن ينكح عليها امرأة من جنسه، كالحر. 21820 - وربما قالوا: ضم إلى امرأته من هو في مثل حال الزوج، فوجب أن يصح كالحر، إذا تزوج الحرة. 21821 - قلنا: هناك أشركتها مع من هي مثلها في الأحكام أو أنقص منها، وها هنا ضمها إلى من هي أكمل منها في النكاح؛ فلم يجز كالحر. * * *

مسألة 1059 الجمع بين الحرة والأمة في عقد واحد

مسألة 1059 الجمع بين الحرة والأمة في عقد واحد 21822 - قال أصحابنا: إذا جمع في عقد النكاح بين حرة وأمة؛ صح نكاح الحرة، ويبطل نكاح الأمة، وهو أحد قولي الشافعي، وقال في القول الآخر: يبطل نكاحهما. 21823 - لنا: أن الجمع بينهما جائز في النكاح إذا تقدمت الأمة، وكل امرأتين جاز أن يجتمع نكاحهما إذا جمعهما في العقد لم يفسد نكاحهما كالحرتين. ولأنه جامع بين حرة وأمة في عقد واحد، فلم يبطل نكاحهما كالعبد. 21824 - ولأن نكاح الأمة إذا استقر لم يمنع صحة نكاح الحرة، وهو في حال العقد غير مستقر، فلأن لا ينتفي نكاحها أولى. 21825 - ولأن الجامع بين امرأتين في عقد واحد يتزوج كل واحدة منهما على

الأخرى ولهذا إذا جمع بين أختين بطل نكاحهما، ومن جمع حرة إلى أمة صح نكاحها ومن جمع أمة إلى حرة بطل نكاحهما، فكذلك حال الاجتماع. 21826 - احتجوا: بأن العقد جمع بين الحلال والحرام، فصار كمن باع حرًا وعبدًا/ صفقة واحدة. 21827 - قلنا: البيع يبطله الشرط وجهالة الثمن، فإذا جمع بينهما فيه فقد شرط أحدهما في الآخر، فيبطل مع العبد؛ لأنه شرط في بيعه ما لم يدخل في العقد بحال والنكاح لا تبطله الشروط، يبين ذلك: أنه لو أفرد الحر والعبد صح بيع العبد ويبطل بيع الحر. فإذا جمع والحر لا يدخل في البيع فسد بيع العبد بالشرط لا بالجمع، وفي مسألتنا: لو أفرد كل واحد منهما صح نكاح الحرة بكل حال متقدمة ومتأخرة، وبطل نكاح الأمة إن تأخرت؛ لأنها جمعت إلى حرة وهذا موجود عند الاجتماع. * * *

مسألة 1060 نكاح المسلم للأمة الكتابية

مسألة 1060 نكاح المسلم للأمة الكتابية 21828 - قال أصحابنا: يجوز للمسلم تزويج الأمة الكتابية. 21829 - وقال الشافعي: لا يجوز ذلك. 21830 - وهل يتزوجها الكافر؟ فيه وجهان. 21831 - لنا: قوله تعالى: {وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين} ولم يفصل.

21832 - فإن قيل: قوله (غير مسافحين) أي ليس بنكاح من قولك: سفحت الشيء إذا قصرته. 21833 - قالوا: وهذا عندنا هنا ليس بعقد فهو سفاح. 21834 - قلنا: قال الله تعالى: {محصنين غير مسافحين} ومعنى {محصنين} أي متزوجين، وهذا العقد يسمى نكاحًا في اللغة فيخرج من أن يكون سفاحًا ويصبح التعليق بالآية. 21835 - قالوا: قال الله تعالى: {فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن فريضة} والأمة لا يجوز أن تؤتى مهرها. 21836 - قلنا: المأذونة يجوز قبضها لمهرها، ثم المراد بالآية الإيجاب لا القبض، ألا ترى أنه قال في الآية الأخرى {من فتياتكم المؤمنات} إلى قوله: {فانكحوهن بإذن أهلهن}؟ 21837 - ولأنه يجوز وطؤها بملك اليمين، فجاز بعقد النكاح، كالأمة المسلمة. 21838 - ولا يلزم أمة نفسه؛ لأنه يجوز للمسلم وطؤها بالنكاح، ولم نقل جاز وطؤها بالنكاح للواطئ لها بالملك. 21839 - فإن قيل: الوطء بملك اليمين أوسع؛ لأنه لا يختص بعدد، والنكاح أضيق فلم يجز أن يعتبر أحدهما بالآخر.

21840 - قلنا: ملك اليمين يتسع من الوجه الذي ذكروه، والنكاح يتسع من وجه آخر، بدلالة: أن العبد لا يستبيح الوطء بملك اليمين ويستبيحه بالنكاح؛ لأن الاختلاف من هذا الوجه لم يوجب جواز اختلافهما في الإباحة، ألا ترى أن الوثنية لما لم يجز وطؤها بأحد السببين لم يجز بالآخر؟ ولأنه يحل أكل ذبيحتها فجاز للمسلم أن يتزوجها، كالمسلمة. 21841 - ولا يلزم زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه كان يجوز للمسلم تزويجهن وهو النبي - صلى الله عليه وسلم - وليس الكلام في أعيان الأزواج. 21842 - فإن قيل: إن الرق لا تأثير له في الذبيح وله تأثير في النكاح. 21843 - قلنا: يبطل بالأمة المسلمة. 21844 - ولأنه دين يجوز للمسلم تزويج الحرائر من أهله، فجاز له تزويج الأمة من أهله، كدين الإسلام. 21845 - ولأنها كتابية، فجاز أن يتزوجها المسلم كالكافرة. 21846 - فإن قيل: المعنى في المسلمة: وأنه لم يعتورها نقصان، وهذه قد اعتورها نقصان، وكل واحد له تأثير في النكاح.

21847 - قلنا: علة الأصل تبطل بالحرة الوثنية، وعلة الفرع تبطل بالأمة المجنونة. 21848 - احتجوا بقوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن}. 21849 - قلنا: اسم المشركة في الشرع لا يتناول الكتابية، قال الله تعالى: {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين}، [وقال الله تعالى: {ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم}] والعطف غير المعطوف عليه. 21850 - وقولهم: إن قول النصارى: المسيح ابن الله. من أعظم الشرك، ليس بصحيح، لأنا لا نمنع أن يكونوا مشركين، إلا أن هذا هو الاسم اللغوي، فإذا فرق الشرع بينهما؛ وجب حمل لفظه على الاسم الأصلي، يبين ذلك: قوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} فجعل الغاية الإيمان، والأمة الكتابية يجوز نكاحها إذا أعتقت ولم تؤمن، فعلم أن المراد بها الوثنية التي غاية امتناع نكاحها الإيمان. 21851 - قالوا: قال الله تعالى: {والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} والمراد ها هنا بالمحصنات الحرائر. 21852 - قلنا: بل المراد العفائف؛ لأن الاسم يتناول ذلك. 21853 - قالوا: قال الله تعالى: {فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم

المؤمنات}. 21854 - قلنا: قد بينا أن تقدير الآية: فلينكح ما ملكت أيمانكم. والأمر أقل أحواله الندب، وإنما يندب إلى نكاح المسلمة دون الكافرة، يبين ذلك: أن شرط في نكاح الأمة عدم الطول إلى الحرة المؤمنة، وإن كان عدم طول الكافرة عند مخالفنا في حكمها، كذلك أباح نكاح الأمة المؤمنة وإن كانت الكافرة في حكمها. 21855 - قالوا: روي عن عمر، وابن مسعود مثل قولنا. 21856 - قلنا: هذا لا يعرف ولم يضيفوه إلى موضع يحتج به، ولو ثبت فقد روي عن علي وعثمان رضي الله عنهما أنهما قالا: (ما حرم الله من الحرائر شيئًا إلا حرم من الإماء مثله؛ إلا الرجل يجمعهن)؛ فدل على تساوي الإماء والحرائر في التحريم إلا في موضوع العدد. 21857 - قالوا: اعتورها نقصان كل واحد منهما يمنع النكاح، فلم يجز تزويجها، أصله: الوثنية. 21858 - قلنا: يبطل بالأمة المجنونة، فإن الرق نقص يمنع النكاح؛ لأن الجنون نقص يمنع النكاح، والمجنون لو عقد على نفسه لم يجز عقده. 21859 - فإن قالوا: الجنون لا يمنع العقد لكنه يمنع عقدا بصفة وهو الذي باشره

المجنون. 21860 - قلنا: كذلك الرق لا يمنع النكاح وإنما يمنع صفة فيه، وهي زيادة العدد، وإلا فالعبد يتزوج كالحر. 21861 - وقولهم: إن الحرة الوثنية اعتورها نقصان الكفر وعدم الكتاب؛ فالنصرانية اعتورها نقصان القول بالتثليث وتكذيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكل واحد منهما يؤثر في النكاح كالآخر. 21862 - فإن قالوا: كل واحد منهما نقص كفر. 21863 - قلنا: كذلك عدم الكتاب نوع الكفر، والمعنى في الوثنية: أنه لا يجوز وطؤها بملك اليمين ولا تؤكل ذبيحتها، والأمة الكتابية بخلاف ذلك. 21864 - قالوا: أمة كافرة فلا يحل للمسلم تزويجها، كالمجوسية. 21865 - قلنا: قولكم لا تأثير له في الأصل؛ لأن المجوسية لا يجوز تزويجها وإن كانت حرة. 21866 - فإن قيل: اتفق الحكم مع اختلاف العلة. 21867 - قلنا: بل وجود الحكم مع فقد العلة ووجودها، فعلم أنه متعلق بغيرها، ولو أثرت؛ كان من علق الحكم بكونها مجوسية أولى ممن علقه بكونها أمة كافرة،

[لأن تعليق الحكم بوصف أولي من تعليقه بوصفين. 21868 - والتعليل بعلة تعم الحرة والأمة] أولى من تعليله بعلة تخص، والمعنى في المجوسية ما قدمنا. 21869 - قالوا: هذا العقد يؤدي إلى استرقاق الكافر للمسلم، فلا يصح كبيع العبد المسلم من الكافر. 21870 - قلنا: عندكم لو كانت أمة لمسلم لم يجز أن يتزوجها، وإن لم يسترق الولد كافرًا. 21871 - وكذلك لو تزوج أمة قد أيست لم يجز، وإن لم يؤد العقد إلى ما ذكروه، والأصل غير ما ذكروه؛ لأن بيع المسلم من الكافر جائز ويجبر على بيعه. * * *

مسألة 1061 نكاح الزاني ابنته من الزنا

مسألة 1061 نكاح الزاني ابنته من الزنا 21872 - قال أصحابنا: لا يجوز للزاني أن يتزوج ابنته من الزنا. 21873 - وقال الشافعي: يجوز أن يتزوجها. 21874 - وزعم أصحابه: أن بنت الملاعنة يجوز أن يتزوجها على أحد الوجهين. 21875 - ومن أصحابه من قال: بنته من الزنا تحرم عليه، [لأنه وطئ أمها، كما

لا تحرم عليه] بناتها من غيره. 21876 - وهذا ليس الصحيح؛ وإنما تحرم لأنها جزء منه، ولهذا تحرم على آبائه وأولاده وعلى أخيه، ولو ملكها عتقت عليه، والكلام في هذه المسألة تقدم في بنته من الملاعنة؛ لأنه قول اضطرهم إليه النظر، وارتكبوا منه أمرًا منكرًا، وذلك لأنها ولدت على فراشه فحرمت عليه تحريمًا مؤبدًا قبل اللعان، والتحريم المؤبد لا يزول بعد ثبوته. 21877 - فإن قيل: إنما حرمت لثبوت [نسبها]، فإذا لاعنها بطل النسب، فثبت أنها لم تكن محرمة. 21878 - قلنا: حكم النسب لم يبطل فيها، بدلالة أن غير الملاعنة لو ادعى نسبها لم يثبت، ولو ادعاه الملاعن ثبت لمجرد قوله؛ فدل أن اللعان لم يبين به أن النسب لم يكن وإنما قطع اللعان الأحكام الثابتة من الميراث والنفقة والانتساب. 21879 - فأما التحريم، فهو حق الله تعالى لا حق للزوج فيه فلا يرتفع. 21880 - فأما الكلام في ولد الزنا، فالدليل على التحريم قوله تعالى: {حرمت أمهاتكم}. وهذه ابنته في اللغة، الدليل عليه قول سعد بن أبي وقاص لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ابن وليدة زمعة: (هو ابن أخي عهد إلي فيه أخي) وإنما كان من الزنا. 21881 - ولأن العرب كانت تستلحق بالنكاح والزنا، وكانوا يستنجبون الأولاد إذا لم تنجب ولدًا لرجل أمر امرأته أن تمكن من نفسها رجلًا يعرف بنجابة الولد ليلحق به ولد نجيب.

21882 - وقالت عائشة: كان نكاح أهل الجاهلية أربعة أنكحة، وذكرت/ منه 245/ أالجماعة يجتمعون على امرأة واحدة، فإذا جاءت بولد ألحقته بمن شاءت منهم، وإن كان الاسم يتناولها في اللغة. 21883 - وإنما الشريعة أسقطت الأحكام الثابتة بينهما على جهة الصلة، فبقي الاسم بحالة فدخلت في الآية. 21884 - وقولهم: إنها لا تدخل في قوله تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم} ولا في الوصية لولده؛ ليس بصحيح؛ لأن الكافرة والمملوكة لا تدخل في هذه الآية، وإن كان الاسم يتناولها باتفاق. 21885 - ولأنها مخلوقة من مائة في الظاهر، فوجب أن يحرم عليه نكاحها، كولد أمته، [وكما لو] وجد على فراشه امرأة فوطئها فولدت. 21886 - فإن قيل: لا نسلم أنها مخلوقة من مائه في الظاهر يجوز أن يكون وطئها غيره أو استدخلت الماء. 21887 - قلنا: إذا وطئها عقيب براءة ورحمها بالولادة وحيضها، وجاءت بولد فيما تأتي به النساء فالظاهر أنه منه. ألا ترى أن بهذا الظاهر إن ولدت أمته من مائه، والظاهر جواز أن يكون وطئها غيره لا يمنع منه، والأحكام يكفي في ثبوتها الظاهر؟. 21888 - ومن أصحابنا من قال: فرض الكلام في رجل معه امرأة في سفينة في البحر، ليس فيها غيرهما وطئها عقيب ولادتها، ولم يزال في البحر حتى ولدت. 21889 - فإن قيل: المعنى في الأصل: أن أحكام الولادة ثابتة بينهما، بدلالة التوارث، والنسب، ووجوب النفقة، وثبوت الولاية، وهذه الأحكام كلها لا تثبت

عندنا في الموطوءة على فراشه، وهو يظنها امرأته، ولا في ولد أمته، إذا لم يعترف بنسبه، وإنما تصح هذه المعاوضة إذا قسنا [على] الثابتة النسب، وإذا قسنا على هذا الأصل لم تصح المعاوضة؛ لأن هذه الأحكام يجوز كلها أن تنتفي مع بقاء التحريم، ألا ترى أن ولد الزنا ينتفي نسبه والتحريم بحاله على ما قدمنا، وأمته الكافرة والمملوكة لا توارث بينه وبينها، والمملوكة لا تجب نفقتها عليه ولا يلي عليها، والتحريم ثابت بينه وبينها، فلما أسقطت الشريعة في ولد الزنا الأحكام التي تثبت على طريقة الصلة بقى التحريم الثابت لحق الله تعالى؟ كما أن في غير ولد الزنا تسقط هذه الأحكام والتحريم بحاله، ولأنها في حكم الجزء منه، فلم يجز له وطئها كبنت أمته التي وطؤها. 21890 - فإن قيل: لا نسلم أنها جزء منه. 21891 - قلنا: إذا اعترف أنها بنته من الزنا، ولم يحرم عليه عندكم نكاحها مع اعترافه بأنها جزء منه. 21892 - ولأنه أحد الزانيين، فثبت التحريم بينه وبين المولود من الزنا، كالمرأة إذا ولدت ابنًا كان محرمًا عليها. 21893 - فإن قيل: لما كانت [أحكام الولادة كلها ثابتة بينهما؛ ثبت التحريم. 21894 - قلنا: قد بينا أن هذه الأحكام]، تنتفي مع بقاء التحريم؛ لأنه لا خلاف بيننا أن من ارتضع من امرأة حرم على زوجها؛ لأن الزوج سبب في نزول اللبن الذي غذي به فكونه سببًا في حدوثه وخلقه أولى أن يتعلق به التحريم. 21895 - احتجوا: بقوله تعالى: {وأحل لكم ما وراء ذلكم}.

21896 - قلنا: هو بعد قوله: {حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم}، وقد بينا أن هذه ابنته في اللغة. 21897 - وقد استعمل ذلك في الشرع أيضًا، بدلالة قوله - عليه السلام - في امرأة هلال بن أمية: (إن جاءت به على صفة كذا فهو لشريك ابن سحماء). 21898 - ولا يقال: يجوز أن يكون وطئها بشبهة؛ لأن هذه الآية نزلت لما قذفها هلال به، فقالت: إلا أن يجلد هلال بن أمية، وتبطل شهادته في المسلمين. 21899 - قالوا: حكم ثبت بينه وبين البنت الثابتة النسب منه؛ فوجب أن لا يثبت بينه وبين المحمول به من الزنا بسبب فعله، أصله: الميراث والنفقة. 21900 - قلنا: نقول بموجب العلة؛ لأن التحريم لا يثبت عندنا بينهما بسبب فعله، وإنما ثبت؛ لأنها مخلوقة من مائة، وهذا فعل الله تعالى. 21901 - فإن أسقطوا هذا الوصف انتقضت العلة بمن زنى بأمه فولدت بنتا، والمعنى في الميراث والنفقة: أنه لا يثبت بينه وبين ابنته الكافرة المملوكة، جاز أن يثبت بينه وبين بنته من الزنا. 21902 - قالوا: تحريم النكاح حكم يتعلق بالولادة، فوجب أن لا يتعلق بماء الزاني، أصله: النفقة والولاية، والميراث، ورد الشهادة، وذوي القصاص، وثبوت النسب. 21903 - قالوا: ونريد بالولاية التولد من الفاعل.

21904 - قلنا: التحريم لا يتعلق بماء الزاني متولد الولد من الماء الذي سببه الزنا. فإن أرادوا هذا انتقضت العلة بتحريم الولد على الزانية؛ لأنه حكم يتعلق بالتولد ويتعلق بتولد ولدها من ماء الزاني. 21905 - وما ذكروه من ذوي القصاص لا نسلمه؛ لأنه يعتق عندنا عليه، وإذا قتله لا يقتص منه ولا تقبل شهادة أحدهما للآخر. 21906 - وأما النفقة والولاية: فأحكام الميراث سقط في بنته المملوكة مع ثبوت التحريم، والنسب سقط في ولد الملاعنة مع ثبوت التحريم. 21907 - قالوا: الولادة يتعلق بها التحريم للولد على الوالد وعلى ولده، فلما لم يثبت التحريم في مسألتنا على ولد الزاني وأخته، لم يثبت التحريم في حقه. 21908 - قلنا: هذا غير مسلم، وكل من يحرم عليه الولد الثابت النسب يحرم عليه هذا الولد. 21909 - قالوا: لو أرضعت الزانية بلبنها بنتًا؛ لم تحرم على الزاني. 21910 - قلنا: هذا غير مسلم. 21911 - قالوا: يجوز للزاني دفع زكاته إليها. 21912 - قلنا: لا نسلم ذلك، ولا يجوز دفع زكاته إلى ولده من الزنا. * * *

مسألة 1062 إعفاف الابن أباه

مسألة 1062 إعفاف الابن أباه 21913 - قال أصحابنا: لا يجب على الابن إعفاف أبيه. 21914 - وقال الشافعي في الدعوى: يجب عليه إذا احتاج أبوه إلى الوطء أن يزوج أو يشتري له جارية. 21915 - قالوا: وله قول آخر أنه لا يلزمه. 21916 - لنا: أن ما لا نخاف التلف لفقد جنسه، لا يجب عليه لأبيه كشراء الطبيب. 21917 - ولأن الأب لا يلزمه ذلك لابنه؛ فلا يجب على الابن لأبيه، أصله: ما ذكرنا. 21918 - ولا يقال: إن الابن يلزمه لأبيه مالا يلزم الأب له، ولهذا لا يقتص منه. 21919 - ولأن حرمة الأب آكد من حرمة الابن؛ وذلك لأن تأكد الحرمة جعل الولد كأعضاء الأب، حتى لا يقتص منه، فكذلك حرمته في حق ابنه؛ فجعل كالابن، فلا يجب عليه مالا يجب على نفسه لنفسه. 21920 - ولأن الإعفاف كما لم يلزم الابن لنفسه لم يلزمه لأبيه، كالتمكين من المال، وعكسه: الطعام، والكسوة. ولأنه أحد الوالدين، فلا يجب على الابن إعفافه، كالأم.

21921 - احتجوا بقوله تعالى: {وصاحبهما في الدنيا معروفا}. وبقوله: {فلا تقل لهما أف}. 21922 - قلنا: نطقه لا دلالة فيه، ومفهومه أنه لا يدخل عليهما ضرر، وترك التزويج ليس هو إدخال ضرر من جهة الابن، وإنما هو بعقد ما يتوصل به إلى ذلك، يبين ذلك: أنه ذكر الوالدين، ثم لا يجب عليه إعفاف أمة بتزويجها؛ فعلم أن المراد به ما ذكرنا. 21923 - قالوا: لأنه مما يحتاج إليه الأب حاجة شديدة ويلحقه ضرر بفقده، فصار كقوته وكسوته. 21924 - قلنا: يبطل بفقد الطيب لمن ألف ذلك ويلحقه ضرر بفقده، وبفقد الملابس الفاخرة، والأطعمة اللذيذة، والمعنى في الأصل: أنه يلزمه لنفسه فجاز أن يلزمه لأبيه، والنكاح لا يلزمه لنفسه إن احتاج إليه، كذلك لا يلزمه لأبيه.

مسألة 1063 نكاح الأب جارية ابنه

مسألة 1063 نكاح الأب جارية ابنه 21925 - قال أصحابنا: يجوز للأب أن يتزوج جارية ابنه. 21926 - وقال الشافعي: لا يجوز. 21927 - لنا: قوله تعالى: {والصالحين من عبادكم وإمائكم}، ولم يفصل. 21928 - وقوله: {فانكحوهن بإذن أهلهن}. 21929 - ولأنه لا ملك في رقبتها، ولا هي موقوفة على ملكه، كجارية الأجنبي. 21930 - ولا يلزم: الجارية المشتركة؛ لأن له فيها ملكًا. 21931 - ولا يلزم: جارية المكاتب؛ لأنها موقوفة على ملك المولى. 21932 - ولأنه عقد يتناول المنفعة؛ فجاز أن يعقده الأب مع الابن ولأنه سبب يتوصل به إلى الوطء؛ فجاز أن يعقده لأب في جارية الابن، كالشراء. 21933 - ولأن كل حزين يجوز لأحدهما أن يتزوج جارية الآخر، يجوز للآخر أن يتزوج جاريته، كالأخوين. 21934 - ولأن شبهة الأب لو منعت التزويج منعت الابن الوطء كشبهة المولى في مال المكاتب.

21935 - فإن قيل: المكاتب إنما لا يطأ لضعف ملكه، والوطء بالملك لا يستباح إلا بملك قوي. 21936 - قلنا: شبهة كل واحد من الشريكين تمنع الآخر من الوطء، وإن قوي الملك. 21937 - احتجوا: بقوله (أنت ومالك لأبيك). 21938 - قلنا: هذا متروك الظاهر باتفاق، فإذا سقط ظاهره حمل على جواز أخذه ما يحتاج إليه من ماله. 21939 - قالوا: جارية له فيه شبهة ملك تسقط الحد، فوجب أن تمنع التزويج كجارية مكاتبه. 21940 - قلنا: جارية المكاتب موقوفة على ملك المولى، بدلالة: أن الملك فيها غير مستقر فإما أن يستقر للمولى بالعجز، أو للمكاتب بالعتق، فصار حق أحدهما كحق الآخر، فلم يجز لأحدهما تزويجها، كالجارية بين الشريكين، وفي مسألتنا ملك الابن فيها مستقر، وشبهة الأب جواز التصرف عند الحاجة، وذلك لا يمنع التزويج كشبهة الابن في مال الأب، وكشبهة العبد في مال مولاه. 21941 - قالوا: لو وطئها ثبت نسب ولدها بالاستيلاد، [فصار كالجارية المشتركة.

21942 - قلنا: النسب والاستيلاد] إنما ثبت لأن الأب ثبت له حق في مقدار حاجته من مال ولده، وبه إلى ثبوت النسب حاجة متى وطئها بغير نكاح، فأما الجارية المشتركة؛ فلو تزوجها لاجتمع ملك اليمين مع النكاح/، وهما لا يجتمعان، وفي 245/ ب مسألتنا: الأب لا يملك الجارية، ولا هي موقوفة على ملكه، فصار كجارية الغنى. 21943 - قالوا: عندنا يجب عليه أن يعقد، فيصير الأب قادرًا على تزوج حرة، فلا يجوز أن يتزوج أمة. 21944 - قلنا: الابن مخير: إن شاء زوجه حرة، وإن شاء ملكه أمة عندكم، فلا يكون قادرًا على تزويج حرة، ولو كان كذلك؛ فقد بينا أن هذا المعنى لا يمنع من تزويج الأمة. * * *

مسألة 1064 سقوط المهر بقتل الزوجة نفسها

مسألة 1064 سقوط المهر بقتل الزوجة نفسها 21945 - قال أصحابنا: إذا قتلت الحرة نفسها قبل الدخول لم يسقط مهرها. 21946 - وقال أصحاب الشافعي: فيه وجهان، أحدهما: أنه يسقط المهر. 21947 - قالوا: ولو قتل المولى أمته سقط مهرها، كقول أبي حنيفة، وإن قتلت الأمة نفسها سقط مهرها. 21948 - لنا: أنها فرقة حصلت بموتها فلا يسقط ما وجب لها من مهرها، كما لو ماتت حتف أنفها، والدليل على أن القتل موت: أنه موت بسبب، وذلك لا يخرجه أن يكون موتًا، ألا ترى أنه لو قال: إذا مت فأنت حر، فقتل عتق؛ لأن القتل موت بصفة؟ 21949 - ولا يلزم المولى إذا قتل أمته؛ لأنا قلنا: فلا يسقط ما وجب لها من المهر، وهناك لم يجب لها المهر، وإنما وجب للمولى. 21950 - ولأن قتلها نفسها لا يتعلق به حكم من أحكام القتل في أحكام الدنيا، فجرى ذلك مجرى الموت. 21951 - ولا يلزم: إذا قتلت الأمة نفسها؛ لأن ذلك يسقط مهرها في إحدى الروايتين.

21952 - ولا يلزم: إذا قتلت مولاها؛ لأن حكم القتل يتعلق بقتله، وهو الكفارة. 21953 - ولأن قتل الإنسان نفسه لا يسقط حقوقه الثابتة له على الناس، أصله: سائر الديون. 21954 - ولا يلزم: المولى إذا قتل أمته؛ لأن قتل الإنسان غيره يجوز أن يسقط حقوقه، بدلالة: ميراثه من المقتول؛ لأن المستحق للبدل إذا منع المبدل قبل التسليم؛ قام مقام قوله: أبرأت [من البدل، ومعلوم أنها تمنع نفسها في آخر أجزاء حياتها وهي مريضة في تلك الحال] فلا يصح إبراؤها لوارثها. 21955 - ولهذا نقول: إن المولى إذا قتل أمته سقط مهرها؛ لأن منعه لها كإبرائه من المهر، وإبراؤه للزوج صحيح. 21956 - فإن قيل: فيجب إذا كان زوجها عبدًا أن يصح إبراؤها له؛ لأنه غير وارث. 21957 - قلنا: الحالة التي تصير مانعة أضيق من أن يتصور فيها لفظ البراءة، فإذا لم تتم البراءة لم يسقط المهر. 21958 - احتجوا: بأنها فرقة وقعت من جهة الزوج قبل الدخول بها، فوجب أن يسقط مهرها قياسًا على ردتها، وإذا أرضعت الزوجة قبل الدخول زوجة لزوجها صغيرة. 21959 - قلنا: في كل واحد من هذين الموضعين استحقت نصفها على زوجها على قبل الدخول، بدلالة: أنه عاد إلى ملكها وجاز تصرفها فيه، فلذلك سقط بدله، وفي مسألتنا لم تستحق بالبضع ولم يعد إليها، وإنما جنت على نفسها، وجناية الإنسان على نفسه لا يتعلق بها حكم من أحكام الدنيا، فصارت كالموت. * * *

مسألة 1065 إجبار السيد عبده على النكاح

مسألة 1065 إجبار السيد عبده على النكاح 21960 - قال أصحابنا: يجوز للمولى إجبار عبده على النكاح، وروي عن أبي حنيفة. 21961 - قال أصحابنا في غير الأصول: إنه لا يملك ذلك. 21962 - وبه قال الشافعي واختلف أصحابه في العبد الصغير، فمنهم من جوز إنكاحه، ومنهم من منع ذلك. 21963 - لنا: قوله تعالى: {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم}، فلم يشترط فيه الإذن. 21964 - فإن قيل: ذكر الأيامى لا يجوز تزويجهن إلا بإذنهن.

21965 - قلنا: الظاهر يقتضي أن نكاحهن لا يقف على الإذن، إلا إذا انصرفنا عن الظاهر بدلالة. 21966 - ولأنه معنى لا يملكه العبد من نفسه وهو ما يملك، فملكه المولى عليه كإجارته وبيعه؛ لأنه يملك بيع رقبته بحق ملكه فيملك تزويجه كالأمة. 21967 - ولأن كل عقد يملكه من مملوكته ومن عبده، أصله: الإجارة. 21968 - ولأن النكاح من مصالح الدين والدنيا ومصالح العبد لا يفتقر المولى إلى إذن العبد فيها، كالحجامة والفصد وشرب الدواء. 21969 - احتجوا: بأن عاقل مكلف؛ فلا يجوز تزويجه بغير إذنه، كالحر. 21970 - قلنا: التكليف والعقل موجودان في الأمة، ويجوز إجبارها على النكاح. 21971 - ولأن الحر لما ملك تزويج نفسه تولي حكمه في النكاح، وفي مسألتنا: العبد لا يملك التزويج فجاز أن يملك عليه. 21972 - ولا يلزم: المكاتب؛ لأنه يملك تزويج أمته. 21973 - قالوا: من ملك الطلاق لم يجز تزويجه بغير إذنه، كالحر. 21974 - قلنا: ملكه الطلاق لما لم يدل على ملكه للعقد لم يدل على أنه لا يجبر عليه، والمعنى في الحر: أنه لا يولى عليه في عقد الإجارة، فلم يول عليه في عقد النكاح والعبد بخلافه. 21975 - قالوا: [إذا كان يملك الطلاق] فلا فائدة في تزويجه مع كراهيته؛

لأنه يطلقها في الحال. 21976 - قلنا: بل فيه فائدة صحيحة، وهي أن المولى مندوب إلى أن يعف مملوكه من الزنا فإذا زوجه فقد فعل ما ندب إليه، وإذا طلقها العبد لم يفت غرض المولى فيما قصد من الفرقة على أنه تزوج أمته مع كراهتها، وإن لم يؤمن أن ترتد قبل الدخول فتقع الفرقة. 21977 - فإن قالوا: إنها لا تملك ذلك. 21978 - قلنا: معنى قولكم: لا تملك أنه محظور عليها، فكذلك نقول: إن العبد إذا زوجه مولاه فمحظور عليه أن يطلقها. 21979 - قالوا: المولى بالنكاح يملك عقدة الاستباحة بمهر يكتبه في ذمته، كما لو ابتاع له شيئًا. 21980 - قلنا: إذا ابتاع له شيئًا بإذنه لم يصح؛ لأن الثمن يلزم المولى بالعقد، ثم يصير له على عبده دينًا، والمولى لا يثبت له على عبده دين. 21981 - قالوا: فإذا لم يجز بإذنه، لم يخبر بغير إذنه، وليس كذلك النكاح؛ لأن يجوز أن يعقده على عبد بإذنه واكتسابه له فجاز أن يعقد بغير إذنه، على أن المولى يعقد لعبده النكاح بمهر يكتبه في رقبته وهي ماله، فكأنه عقد بمال نفسه. 21982 - قالوا: المولى لا يعقد على أمته النكاح بالولاية، وإنما يعقد على ملك نفسه، وهو لا يملك من عبده ما يملكه من أمته، فلا يجوز عقده عليه. 21983 - قلنا: هو يعقد على ما يملك في الوجهين، فيعقد [على الأمة على منافع يملكها بعوض يخلصه لنفسه]، ويعقد في عبده على مهر يثبت في رقبته، وهو يملكها فحصل بذلك المال لاستباحة العبد العقد في المعقود عليه، ملكه في الوجهين، وإن حصل للعبد استباحة لا يملكها.

مسألة 1066 إجبار السيد أم ولده على النكاح

مسألة 1066 إجبار السيد أم ولده على النكاح 21984 - قال أصحابنا: يجوز للمولى إجبار أم ولده على النكاح. 21985 - وقال الشافعي: لا يجوز. 21986 - لنا: قوله تعالى: {والصالحين من عبادكم وإمائكم}، وهذه أمته. 21987 - ولأنه يملك وطئها بحق الملك، كالمدبرة. 21988 - ولأنه عقد يتضمن المنافع فملك أن يجبر أم ولده عليه، أصله: الإجارة. 21989 - ولأنه يملك بدل بضعها كالأمة القن. 21990 - [ولأن من ملك إجباره على الإجارة ملك إجباره على النكاح، كالأمة القن]. 21991 - احتجوا: بأنها يثبت لها حق الحرية، كالمكاتبة. 21992 - قلنا: المكاتبة لا يملك إجبارها على الإجارة فلم يملك إجبارها على النكاح، ولما ملك إجبار أم ولده على الإجارة كذلك النكاح.

21993 - ولأن المكاتبة خرجت عن يده بالعقد، فصارت كالأجنبية، ولهذا لا يستحق بدل بضعها، وفي مسألتنا بخلافه. * * *

مسألة 1067 مسألة العزل

مسألة 1067 مسألة العزل 21994 - قال أبو حنيفة، ومحمد: لا يجوز أن يعزل عن الزوجة الأمة إلا بإذن مولاها. 21995 - وقال أبو يوسف: بإذنها. 21996 - وقال الشافعي: له أن يعزل عنها بغير إذن أحد. 21997 - لنا: أنها زوجة، فلا يجوز أن يعزل عنها إلا بإذن، كالحرة. 21998 - ولأن المولى له حق في أولادها لأنه يملكهم، كما أن الحرة لها حق في أولادها [من الحضانة، فإذا لم يجز إسقاط حق الحرة عن الولد إلا بإذنها] كذلك حق المولى. 21999 - احتجوا: بأنها أمة فجاز العزل عنه بغير إذن، كأمته. 22000 - قلنا: أمته لا حق له في ولدها؛ لأنه لا يثبت لها فيه حضانة، فالحق

للمولى خاصة. 22001 - وأما الزوجة الأمة؛ فلمولاها في أولادها حق؛ فلم يجز إسقاطه إلا برضاه. * * *

مسألة 1068 طلب العبد النكاح

مسألة 1068 طلب العبد النكاح 22002 - قال أصحابنا: إذا طلب العبد النكاح لم يجب على المولى تزويجه. 22003 - وقال الشافعي: يجب عليه. 22004 - لنا: أنه ملكه فلا يجب تزويجه كأمته. 22005 - فإن قيل: المولى يملك وطئ أمته، فلذلك لا يلزمه تزويجها. 22006 - قلنا: يبطل بالأمة المجوسية وأخته من الرضاعة. 22007 - ولأنه عقد يتضمن المنافع؛ فلا يجوز للمولى أن يعقد لعبده، كالإجارة. 22008 - ولأن في النكاح ضررًا على المولى؛ لأن قيمته تنقص، وتستحق رقبته بالمهر والنفقة، وما يضر بالمولى لا يلزمه لعبده كعتقه وتدبيره. 22009 - احتجوا: بأنه محجور عليه، فإذا طلب التزويج وجب تزويجه، كالمدبر. 22010 - قلنا: السفيه عندنا غير محجور عليه [فإذا طلب التزويج] فلا نسلم الوصف في الأصل، فلو سلمنا انتقض بالصغير. 22011 - ولأن السفيه له حاجة في النكاح ومنفعة والضرر يلحق بماله، وأما العبد له منفعة في النكاح والضرر يلحق بمال المولى فلذلك لم يلزمه.

مسألة 1069 تزويج السيد ابنته من مكاتبه أو ابنه من مكاتبته

مسألة 1069 تزويج السيد ابنته من مكاتبه أو ابنه من مكاتبته 22012 - قال أصحابنا: إذا زوج ابنته من مكاتبه، ثم مات المولى، لم يفسد النكاح، وكذلك لو تزوج الابن مكاتبة أبيه. 22013 - وقال الشافعي: يبطل النكاح في أحد قوليه. 22014 - لنا: أن كل حالة يبقى دينها عليه جاز أن يبقى النكاح بينها وبينه. أصله: حال حياة الأب. 22015 - ولأن الأب زوجها بمن ثبت له حق الحرية من جهته، فإذا مات لم يبطل نكاحها، كما لو زوجها بمدبره. 22016 - ولأنه عقد يتضمن المنافع، فإذا عقد الأب مع مكاتبه في حق ابنته ثم مات لم يبطل، أصله: الإجارة. 22017 - ولأنه مكاتب أبيها بعد موته، بدلالة: أنه يعتق عنه ويستحق ولاءه، 246/ أكما كان مكاتبه/ في حال حياته، فإذا لم يعقد النكاح في إحدى الحالتين كذلك الأخرى. 22018 - والمسألة مبنية على أن رقبة المكاتب لا تنقل إلى الورثة؛ لأن الموت سبب

لنقل الملك فلا ينتقل الملك في حياة المكاتب، أصله: البيع. 22019 - ولأنه نقل ملك بالموت، فلا يثبت في المكاتب، كالوصية. 22020 - ولأنه يثبت له حق الحرية، فلا ينتقل الملك فيه بالموت، كأم الولد. 22021 - فإن قيل: الموت آكد في حل الأملاك من البيع. 22022 - قلنا: هو كذلك، إلا أن السبب المتأكد ينقل ما يحتمل النقل، فما لا يحتمل النقل بالسبب المتأكد وغيره سواء في امتناع الانتقال، بدلالة: أم الولد، والحر. 22023 - فإن قيل: البيع تمليك مبتدأ، فكذلك ينتقل في المكاتب، والميراث يخلف الوارث فيه الميت، فلا ينتقل إليه بذلك ابتداء، ولهذا يرد على بائعه بالعيب، إذا قام الوارث مقام المورث فيه ملكه كما كان الميت يملكه. 22024 - قلنا: إنما يقم الوارث مقام الميت فيما يحتمل انتقال الملك، فأما مالا يحتمل النقل فلا يقوم فيه مقامه، كم لا يقوم مقامه في منافع بضع امرأته. 22025 - وقد قال أصحابنا [رحمهم الله]: إن الرد بالعيب نقص، وليس تمليكًا مبتدأ، وإنما يعود على حكم الملك الأول، إلا أن ذلك لا يكون فيما يحتمل نقل الملك حتى لو اشترى عبدًا فكاتبه، ثم اطلع على العيب لم يرده؛ لأنه صار بحيث لا يحتمل النقل، وإن لم يكن الرد تمليكًا حادثًا وإنما هو رد بحكم الملك السابق. 22026 - فإن قيل: ينعقد عتقها، فدل على أنها تملكه. 22027 - قلنا: عتقها براءة من الكتابة فيعتق عن الميت سقوط الدين، ولهذا لو أعتقه أحد الورثة لم يعتق؛ لأنه لا يملك إسقاط الدين، ويدل عليه: أنها لا تملك إعتاقه عن نفسها، وهي من أهل العتق عن نفسها، فلو ملكته لجاز عتقه عنها إذا كانت من أهل ذلك.

22028 - فإن قيل: لو كان لرجل ثلاثة أعبد وله ثلاثة بنات فزوج كل عبد بنتًا، ثم أوصى بعتق أحد عبيده بغير عينه فسدت الأنكحة، وكل واحدة من البنات لا تملك عتق زوجها عن نفسها. 22029 - قلت: هذه المسألة لا رواية فيها، وإنما قالوا: فيمن له بنت واحدة، وله ثلاثة أعبد فزوجها من أحدهم، ثم أوصى بعتق أحدهم بغير عينه ومات بطل النكاح؛ لأنها تملك إعتاق عبدين عن نفسها، وبعتق الوصية في الثالث، ومتى ملكت إعتاق زوجها عن نفسها [فقد ملكته فبطل نكاحها، ولو كان أوصى أن يعتق زوج بنته، وله ثلاثة؛ لم يبطل النكاح؛ لأنها لا تملك إعتاق زوجها عن نفسها]. 22030 - فأما مسألة الالتزام: فإن قلنا: لا تفسد النكاح؛ سقط السؤال، وإن قلنا: يفسد النكاح؛ فكل واحدة تملك أن تبتدئ وتعتق زوجها عن نفسها، وتصرف الوصية إلى الآخرين، فلذلك فسد النكاح، يبين الفرق بينهما: أن الموت سبب لنقل الملك، والوصية لم تتعين، فلما تعين سبب نقل الملك فيه، وليس هناك مانع معين انتقل، وفي مسألتنا: وجد سبب النقل وهو الموت، ونفس السبب المانع من النقل وهو الكتابة فلم ينتقل، كما لو أوصى بعتق الزوج بعينه. 22031 - فإن قيل: هذا يؤدي إلى أن يكون المكاتب مملوكًا لا مالك له. 22032 - قلنا: كذلك نقول، وهو غير ممتنع عندنا، كالبيع المشروط فيه الخيار للمشتري والتركة إذا كان على الميت دين مستغرق. 22033 - وإذا ثبت أن الملك لا ينتقل، قلنا: ثبت لها حق الملك، وحق الملك يمنع ابتداء النكاح ولا يمنع البقاء، كالمكاتب إذا اشترى زوجته لم يفسد نكاحها، ولو أراد أن يتزوج أمته لم يجز، وكذلك لو اشترى المكاتب زوجة مولاه لم يفسد نكاحها، ولو تزوج أمة مكاتبه لم يصح، والعدة حق من حقوق النكاح، فيمنع ابتداء النكاح ولا يمنع

البقاء. 22034 - احتجوا: بأن كل من منع من ابتداء النكاح لأجل الرق منع البقاء عليه، أصله: العبد القن إذا زوجها عبده ثم مات. 22035 - قلنا: المعنى فيه: أنه لا يبقى دينها عليه فلم يبق النكاح بينهما، ولما جاز في مسألتنا أن يبقى دينها عليه، لم يبطل النكاح بينهما. 22036 - ولأن العبد القن تملك إعتاقه عن نفسها فلم يبق النكاح بينها وبينه، وفي مسألتنا بخلافه. * * *

مسألة 1070 إسلام الحربي وتحته أختان أو أكثر من أربع

مسألة 1070 إسلام الحربي وتحته أختان أو أكثر من أربع 22037 - قال أبو حنيفة، وأبو يوسف: إذا تزوج الحربي بعد نزول الأحكام والفرائض أختين أو خمس نسوة، فإن كان تزوجهن في عقود متفرقة ثم أسلموا؛ فنكاح الأخت الأولى صحيح، ونكاح الثانية باطل، وإن تزوجهما في عقدة واحدة، فنكاحهما باطل، وكذلك إذا تزوج خمسًا في عقد؛ فنكاح [الأربع جائز صحيح؛ ونكاح الخامسة التي تزوجها آخرًا باطل، وإن كان تزوجهن في عقدة واحدة؛ فنكاح الجميع] باطل. 22038 - وقال محمد: يختار بعد الإسلام أربعة منهن، ويختار إحدى الأختين في الوجهين جميعًا. 22039 - وبه قال الشافعي، إلا أن الشافعي شرط في جواز الاختيار أن يسلمن قبل انقضاء عدتهن.

22040 - وذكر بعض أصحابه: أن الحربية إذا أسلمت وقد تزوجت بزوجين، ففيها وجهان: أحدهما: أنها تخير في أحدهما، والآخر: لا تخير. ولم ينص الشافعي على هذه المسألة. 22041 - لنا: ما روى عن عبد الله بن بريدة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا بعث جيشًا أوصى أميرهم، إلى أن قال: (ادعم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن أجابوا فأعلمهم أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين). 22042 - ومعلوم أن على المسلمين إذا تزوجوا أختين أن يفارقوهما، وإن تزوجوا إحداهما بعد الأخرى أن يفارقوا الثانية ويمسكوا الأولى، فكذلك من أسلم من الكفار بظاهر الخبر. 22043 - ولأن تحريم الجمع بين الأختين يستوي فيه الابتداء والبقاء، بدلالة: أنه لا يحل أن يبتدئ العقد عليها، ولو عقد على صغيرتين أجنبيتين فأرضعتهما امرأة واحدة حرمتا، والتحريم إذا استوى فيه الابتداء والبقاء، لم يجز فيه بعد الإسلام التخيير، كنكاح ذوات المحارم. 22044 - ولأن كل عقد للكافر لا يقر عليه المسلم، فإذا عقد عليه الكافر ثم أسلم فإنه يجعل كالمعقود عليه في حالة الإسلام، أصله: نكاح ذوات المحارم. 22045 - ولا يلزم: إذا تزوج الكافر معتدة؛ لأنها إن كانت تعتد من مسلم؛

فالنكاح باطل ولا يقر عليه بعد الإسلام، وإن كانت معتدة من كافرة؛ فالعدة غير واجبة عند أبي حنيفة. فلم يتزوجها في عدة. 22046 - ولا يلزم: إذا تزوج الكافر بغير شهود؛ لأن هذا النكاح يقر عليه المسلم عندنا إذا حكم به حاكم. 22047 - ولا يلزم: إذا تبايعا الخمس، ثم أسلما بعد القبض، أن هذا العقد يقر عليه المسلم؛ لأنه لا ينتقض بعد الإسلام والتقابض، ونحن قلنا: كل عقد لا يقر عليه المسلم بعد إسلامه. 22048 - فإن قيل: المعنى في نكاح ذوات المحارم أنه لا يجوز أن يبتدئ به بعد الإسلام فلم يجز أن يخير فيه، وكل واحدة من الأختين يجوز أن يبتدأ نكاحها بعد الإسلام فيجوز أن يخير فيها. 22049 - قلنا: لا يجوز في نكاح الإسلام أن يخير في إحدى الأختين إذا تزوجها بغير عينها، فإذا تزوجها [حل الشرك] فهي بعد الإسلام هكذا مبقاه. 22050 - وقولهم: (إن كل واحدة يجوز أن يبتدئ نكاحها [حال الشرك] فيجوز البقاء)؛ يبطل بالكافرة إذا تزوجت بزوجين على الصحيح من مذهبهم، ولا يجوز أن يبتدئها بعد الإسلام معينة، وهو يبقى على نكاحها، وهي غير معينة بعينها بالاختيار. 22051 - وعلى هذا الوجه لا يجوز أن يبتدئ في الإسلام؛ لأن هذا العقد يعترض

عليه، لأخذ الزيادة في المعقود عليه، فيعترض على جميعه، كما لو باع درهمًا بدرهمين ثم أسلم قبل التقابض. 22052 - ولأنه تحريم جمع فلا يخير فيه بعد الإسلام كما لو تزوجت بزوجين. 22053 - فإن قيل: لا نسلم أنه تحريم جمع وإنما منعت أن تعقد على ملك الزوج الأول. 22054 - قلنا: إذا تزوجت بزوجين في عقدة لم يجز؛ فدل على أن المانع ما ذكرنا، وهذا الأصل قد دل عليه إجماع الأمة، إذا كان هذا القول لم يحل الخلاف فيه عند أحد من الفقهاء. 22055 - فإن قيل: المعنى فيه: أنا لو أثبتنا للمرأة الخيار؛ جعلنا لها أن تختار الفرقة من غير نقض. 22056 - قلنا: فهلا ثبت الخيار للزوجين؟ 22057 - فإن قيل: لو خيرنا الزوجين جعلنا لأحدهما إسقاط حق الآخر. 22058 - قلنا: إذا تزوج امرأة، ثم تزوج أخرى، فجعلنا لها الخيار، لم يكن في اختيار أحدهما إسقاط حق الآخر؛ لأنه تعين حق الآخر في الأخرى. 22059 - ولأن التحريم حصل بالجمع بين الخمسة، وقد حصل الجمع، فكل واحد [يوجب أن يفسد نكاح الجمع، وأما إذا تزوج أربعة، ثم الخامسة؛ فالجمع] حصل بالخامسة، فوجب أن يختص التحريم بها، والتحريم إذا تعين فلا معنى للتخيير في الفصل الأول، فمنع التحريم فيهن على وجه واحد، ولا معنى للخيار، يبين ذلك: أن التحريم يقع في جنسين إذا عدم التعيين، والأول جنس واحد.

22060 - فإن قيل: التحريم حصل بالخامسة لاجتماعهن، فيختص الفساد بها. 22061 - قلنا: بل التحريم بالخمس وبكل واحدة من الخمس، ولأن التحريم لو حصل بالخمس فكل واحدة هي الخامسة، إذا لم تتعين. 22062 - فإن قيل: بالاختيار يزول الجمع. 22063 - قلنا: إذا لم يمنع الاختيار لم يزل إلا بالتفريق 22064 - وأما الكلام إذا تزوج/ بأربعة ثم بالخامسة، أو إحدى الأختين ثم تزوج الأخرى، فإن الأربع الأول تزوجهن على وجه [لو عقد عليه بعد الإسلام صح، والخامسة تزوجها على وجه] لا يقر المسلم عليه، فلا يخير بينهن، كما لو تزوج بأجنبية، ثم تزوج بأخته، وكالكافرة إذا تزوجت زوجًا، ثم تزوجت آخر، لم يخير فيها بعد الإسلام. 22065 - احتجوا: بما روى ابن عمر أن غيلان بن سلمة الثقفي، أسلم على عشر نسوة، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أمسك منهم أربعًا وفارق سائرهن). 22066 - قلنا: هذا الخبر ذكر أهل العلم بالحديث، أن معمرًا غلط في حديثين كانا عنده في قصة غيلان بن سلمة أحدهما هذه القصة.

22067 - والأخرى في حديثه عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، أن غيلان بن سلمة طلق نساءه، وقسم ماله، فبلغ ذلك عمر، فأمره أن يراجع نساءه. فغلط معمر، فجعل هذا الإسناد من الحديث الأول، وإنما إسناد الحديث الأول رواه مالك عن الزهري أنه قال: بلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل من ثقيف أسلم، وعنده أكثر من أربع نسوة: (أمسك [منهن أربعًا] وفارق سائرهن). 22068 - وروى عقيل، عن الزهري أنه قال: بلغني عن عثمان بن محمد بن أبي سويد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لغيلان بن سلمة الثقفي حين أسلم وتحته عشر نسوة: (اختر منهن أربعًا وفارق سائرهن). 22069 - فكيف يظن أن الزهري مع علمه بالأسانيد وجلالها في قلبه وتمسكه بها يكون عنده حديث غيلان عن سالم، عن أبيه، فيدعه وقت حاجته، ويتعلق ببلاغ بلغه فيه عن عثمان بن محمد عن أبي سويد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فثبت أن أصل الحديث الإرسال. 22070 - ولهذا لم يذكره أبو داود في الباب، فلا يجوز لهم الاحتجاج به.

22071 - وقد روي في هذا الباب حديث ابن أبي ليلى، عن حميضة ابن الشمردل، عن الحارث بن قيس، قال: أسلمت وعندي ثماني نسوة، فأمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أختار منهن أربعًا. 22072 - وابن أبي ليلى، قد نسبه الدارقطني في كتابه إلى قلة الضبط وحميضة مجهول وروى فيه حديث الضحاك بن فيروز الديلمي، عن أبيه قال:

أسلمت وعندي أختان فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألته فقال: (طلق أيهما شئت). 22073 - وهذا الحديث مصري قال الطحاوي: لا يجوز أن يثبت بهذا الإسناد حكم عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو أعلم بأهل بلده، وحديثهم. ولو ثبتت هذه الأخبار احتمل أن تكون هذه الأشياء وقعت قبل نزول الفرائض والأحكام وثبوت تحريم الجمع، فوقع العقد عليهن جائزًا، ثم طرأ التحريم بنزول الأحكام، فثبت الخيار، كمن تزوج أربعًا وطلق أحداهن، يبين ذلك ما روي في الخبر أنه تزوجهن في الجاهلية، وذلك لا يقال إلا بعد ظهور دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - وانتشارها. 22074 - فإن قيل: [هذا التأويل لا يصح عندكم لأنكم قلتم: في الجامع الكبير]: لا نعلم أنه كان في شرعنا تزويج أختان أو عشرة نسوة. 22075 - قلنا: هذا كان مباحًا في شريعة من قبلنا، وقد تزوج داود - عليه السلام - بمائة وتزوج سليمان - عليه السلام - بأكثر من ذلك، وهذا الحكم كان باقيًا حتى نزل التحريم، يبين ذلك قوله تعالى: {وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف} فدل على ثبوت الإباحة قبل هذا التحريم.

22076 - فإن قيل: هذا التأويل لا يصح عندكم؛ لأنكم قلتم في الجامع الكبير لو تزوج الحربي أربعًا ثم سبى وسبين معه، فسد نكاحهن، ولم يجوزوا أن يختار منهن اثنتين، وإن كان العقد وقع في حال الإباحة. 22077 - [قلنا: الحربي عقد في حالة حرم فيها على العبد الجمع بين أربعة، فصارت الإباحة] في حقه مشروطة بالحرية، فلهذا إذا سبى لم يجز له الاختيار، وفي تأويلنا كانت الإباحة مطلقة، ثم طرأ التحريم، فلذلك خير. 22078 - فإن قيل: فالإباحة مشروط يعقد الفسخ. 22079 - قلنا: الأحكام الثابتة في الشرائع وإن جاز أن يرد عليها الفسخ، فليست مشروطة في ثبوتها بعقد الفسخ، بل هي مطلقة الثبوت حتى يرد الفسخ عليها. 22080 - وجواب آخر: وهو أن قوله: (اختر منهن أربعًا) يحتمل بالنكاح الأول، ويحتمل بنكاح جديد، وإذا احتمل الأمرين سقط الاحتجاج به. 22081 - والظاهر أنه أراد العقد المجدد؛ لأنه قال في خبر غيلان: (اختر منهن أربعًا وفارق سائرهن) فهذا يدل على أنه أراد الفرقة التي تسقط بها أحكام النكاح الأول، فلم يبق الاختيار إلا بتجديد العقد عليهن، وتكون فائدة التخصيص فيه؛ لئلا يظن ظان أن العقد الفاسد لما وقع عليهن في حال الشرك حرمهن على التأبيد، كما لو تزوج أمًا وبنتًا ودخل بهما، وكما قال بعض الناس: إن من تزوج معتدة حرمت عليه تحريمًا مؤبدًا. 22082 - قالوا: فقد روي أنه قال: (أمسك منهن أربعًا) وهذا يقتضي بالنكاح [الأول] كما قال الله تعالى: {أمسك عليك زوجك}.

22083 - وقال لنوفل بن معاوية وقد أسلم، وتحته خمس: (فارق منهن واحدة). 22084 - قلنا: قوله تعالى {أمسك} يحتمل بنكاح جديد. 22085 - وقوله: (فارق منهن واحدة) يعني لا يجوز أن ينكحها ويجوز نكاح البواقي، وإذا احتمل ذلك. 22086 - وقوله: في خبر غيلان (وفارق سائرهن) لا يحتمل قضي به على المحتمل. 22087 - قالوا: قوله (أمسك) علقه باختياره، ولو كان المراد العقد، وقف على رضاهن. 22088 - قلنا: إليه الاختيار وتمامه موقوف على شرائط لم تذكر، كما قال لفاطمة: (انكحي أسامة بن زيد). 22089 - وإن كان النكاح يقف على اختياره وعقده وحضور الشهود، وهذا كما يقول الرجل: تزوج من شئت، واعقد على من أحببت. 22090 - قالوا: قوله: (اختر منهن من شئت) أمر والأمر على الوجوب، وعندنا

يجب أن يختار حتى لو توقف حبسناه، وعندك: عن شاء خير، وإن شاء تركهن جميعًا. 22091 - قلنا: أما على الطريقة الأولى، فالاختيار واجب، كمن طلق إحدى امرأتيه، وأما على الطريقة الثانية، فعنده إذا أراد إمساك أربعة منهن، وجب عليه أن يعقد، وإن لم يرد لم يجب، كما أن عندهم من طلق سائرهن لم يجب عليه الاختيار، وإن اختار البقاء على النكاح وجب الاختيار، فقد تساويا في إيجاب الاختيار، ووجوب شرط لم (يوجد) في الخبر. 22092 - قالوا: هذا الاختيار يصح عندكم إذا تزوجهن في عقد واحد، فأما إذا تفرق نكاحهن؛ فنكاح الأوائل صحيح، ونكاح الخامسة باطل ولا يخير، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يستفصل ذلك؛ فدل على تساوي الأمرين. 22093 - قلنا: لم يستفصل ذلك، كما لم يستفصل بين إسلامهن قبل العدة أو بعدها، وعندكم أن إسلامهن إذا تأخر حتى انقضت العدة وقعت الفرقة، ولم يجز له أن يتخير بعقد جديد، فلولا أن المراد باختيار العقد لشرط العدة إلى حين الإسلام. 22094 - قالوا: روى الشافعي بإسناده عن عوف بن الحارث عن نوفل بن معاوية الديلي قال: أسلمت وعندي خمس نسوة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أمسك أربعًا وفارق الأخرى)، فعمدت إلى أقدمهن صحبة عجوز عاقر معي منذ سنين

ففارقتها. 22095 - قلنا: النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره بمفارقة واحدة، فاختياره لمفارقة الأولى لم يعلم به النبي - صلى الله عليه وسلم - فيقره عليه. 22096 - قالوا: كل امرأة جاز أن يبتدئ نكاحها ولم يكن بينهما نكاح؛ جاز أن يستديم نكاحها بعقد مطلق في الشرك كالأولى والثانية. 22097 - قلنا: ينتقض بمن أسلم وتحته أمة وهو موسر، فأعسر، ثم أسلمت، يجوز عندهم أن يبتدئ نكاحها، ولا يجوز أن يبقى عليه، كذلك إذا أسلم وتحته حرة وأمة وهو موسر [ثم أسلمت الحرة وماتت، ثم أسلمت]، الأمة يجوز أن يبتدئ نكاحها؛ ولا يجوز أن يبقى عليه، ولأنه يجوز أن يبتدئ نكاحها، ولا يجوز أن يستدام كالحرة إذا كانت تحت زوجين؛ جاز أن تبتدئ نكاح أحدهما، والمعنى في الأولى والثانية: أنه عقد على وجه لو عقده المسلم أقر عليه بعد الإسلام، وفي مسألتنا: عقد عليه على وجه لم نقف عليه بحال، فإذا وجب الاعتراض عليه بعد الإسلام، ولم يقر عليه. 22098 - قالوا: لو عقد على معتدة أو بغير شهود، أو تبايعوا الربا والخمر، أو تقابضوا؛ لم يعترض إذا أقروا، كذلك إذا تزوج بأكثر من أربع. 22099 - قلنا: أما نكاح المعتدة، فلو كنت المعتدة من مسلم لم يقروا، وإن كانت من كافر؛ فليس هناك عندة، وأما ترك الشهادة فيقر المسلم عليه، فأولى أن يقر الكافر بعد إسلامه عليه، وحكم المسألتين مختلف لاتفاق المسلمين على تحريم الجمع واختلافهم في جواز ترك الشهادة.

22100 - فإن قيل: المسلم لا يقر على نكاح بغير شهود، ولا بحكم حاكم، وقد أقررتم الذي أسلم بغير حكم. 22101 - قلنا: اتفقنا أنه لا يعترض في/ هذا العقد، وإن عقد على أكثر من أربعة يعترض؛ فدل من المذهبين على اختلافهما، وأما الربا المقبوض والخمر المقبوض؛ فلا يعترض على عقدهما بعد الإسلام. 22102 - قلنا: لما لم يجب الاعتراض؛ لم يحمل على حكم الإسلام، ولما وجب الاعتراض في مسألتنا؛ حكم على حكم الإسلام. * * *

مسألة 1071 اختلاف الدار بين الزوجين

مسألة 1071 اختلاف الدار بين الزوجين 22103 - قال أصحابنا: إذا هاجر أحد الزوجين إلى دار الإسلام مسلمًا أو ذميًا، والآخر في دار الحرب على [دينه]، وقعت الفرقة باختلاف الدارين. 22104 - وقال الشافعي: إن كان دخل بها؛ لم تقع الفرقة حتى تحيض ثلاث حيض. 22105 - لنا: قوله تعالى: {يأيها الذين ءامنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن}. 22106 - فوجه الدلالة منها: قوله: {وءاتوهم ما أنفقوا}، فأمر برد المهر، ولو كان النكاح بحاله لم يجب رد المهر، ثم قال: {ولا جناح عليكم أن تنكحوهن} فأباح نكاحها مطلقًا، وعندهم لا يجوز نكاحها حتى تنقضي العدة قبل الإسلام الآخر، ثم قال: {ولا تمسكوا بعصم الكوافر}، ولو منعنا تزويجها لأجل النكاح الأول، كنا

قد تمسكنا بعصمة الكافرة. 22107 - فإن قيل: أمر الله تعالى برد المهر؛ لأن الزوج إذا جاء كافرًا لم يجز ردها إليه، فإذا منع من تسلمها؛ وجب رد مهرها، فإذا أسلم أمكن تسليمها، فلم يجب رد المهر. 22108 - قلنا: بل أوجب تعالى رد المهر في جميع الأحوال، فمن يدعي تخصيصه يحتاج إلى دليل، وقولهم: (إذا أسلم أمكن ردها) موضع الخلاف؛ لأن عندنا زال النكاح فلا يجوز ردها بالنكاح الأول. 22109 - فإن قيل: قوله تعالى: {ولا جناح عليكم أن تنكحوهن}، المراد بعد انقضاء عدتهن، كما قال تعالى: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا}، معناه بعد انقضاء العدة. 22110 - قلنا: ظاهر الآية يقتضي إباحة التزويج بكل حال، قامت الدلالة هناك على اعتبار العدة، وبقيت الإباحة ها هنا على ظاهرها. 22111 - قالوا: قوله تعالى: {ولا تمسكوا بعصم الكوافر}، خطاب للرجال، أي: لا تمسكوا بعصم النساء المرتدات؛ لأن كوافر جمع كافرة. 22112 - قلنا: فواعل جمع يصلح للرجال والنساء، يبين ذلك: أن الصفات تنقسم على قسمين، أحدهما: يستعمل استعمال الأسماء، والآخر: لا يستعمل استعمال الأسماء، والذي يستعمل استعمال الأسماء يذكر من غير أن يذكر قبله الموصوف، كقوله: عبد فلان، ألا ترى أنك لا تقول: هذا رجل عبد فلان؟ فأفعل إذا كان اسمًا؛ يكسر على أفاعل نحو: أحمد وأحامد، وأفكل وأفاكل، وإن

كان وصفًا كسر على نحو: أحمر وحمر. 22113 - فقولهم: (كافر) وإن كان صفة في الأصل، فقد استعمله القرآن استعمال الأسماء، قال الله تعالى: {هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن}. 22114 - ولم يقل: منكم رجل كافر، فلذلك كان يكسر تكسير الأسماء ولا خلاف أن خالدًا في الأسماء يكسر خوالد، فكذلك {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} من قال: إن هذا بكسر الكاف فقد صدق، ولكن إذا كسرت وهي صفة لا يستعمل استعمال الأسماء. 22115 - قلنا: والأمر على ما قلناه؛ فالمذكر والمؤنث في فاعل اسم كسر على فواعل. 22116 - قال جرير. أخالد قد علقتك بعد هند .... فبلتني الخوالد والهنودا 22117 - وقد قيل: إنه قدر في الكلام فرقة كافرة جمعت على كوافر، كقوله: خارجة وخوارج. 22118 - ولو كان المراد بها ما قالوا: حملناه على من هاجر، وترك في دار الحرب أربع نسوة؛ أنه يجوز له النكاح، ولا يمنع تمسكًا بعصم النساء الكوافر. 22119 - ولأنهما اختلفا بأنفسهما في دارين كل واحد منهما من أهلها، فوقعت الفرقة، كما لو سبى أحد الزوجين.

22120 - أو نقول: اختلفا بأنفسهما في دارين اختلف حكهما لأجله، ونعني بذلك: أن النصراني إذا هاجر ذميًا، وترك امرأته هناك نصرانية؛ لم يرث أحدهما من الآخر لاختلاف الدارين. 22121 - ولا يلزم: إذا خرج أحد الزوجين من دار حرب إلى دار حرب أخرى تخالفها مثل: الرومي ينتقل إلى الترك؛ لأن الفرقة تقع عندنا. 22122 - ولا يلزم: إذا دخل الحربي إلينا تاجرًا، ودخل المسلم إليهم تاجرًا؛ لأن كل واحد منهما لم يصر من أهل الدار التي انتقل إليها، ألا ترى أن المستأمن التاجر على حكم دار حرب، بدلالة أنه لا يترك في دارنا سنة، ولا يقام عليه الحدود، والمسلم إذا دخل إليهم تاجرًا، فهو على حكم أهل دار الإسلام، وليس هو من أهل دار الحرب. 22123 - فإن قيل: قد اختلف حكمهما، بدلالة أن المستأمن محظور الدم والمال، ولو دخل عسكر على دار الحرب فقتلوه فظنوه كافرًا، لم يجب بقتله شيء. 22124 - قلنا: هذا الحكم لم يتحدد له لأجل الدار؛ لأن الحربي يحظر دمه وماله بالأمان، [ولو حصل] له ذلك في دار الحرب استفاد الحظر، والمسلم إذا قتل يقوم دمه، فلم نسلم ذلك. 22125 - فأما بطلان التوارث مع اتفاق الدين وزوال الموانع: فهو حكم موجب عن اختلاف الدار فصح وصفنا أنهما اختلفا بأنفسهما في دارين اختلف حكمهما لأجله. 22126 - فإن قيل: المعنى في المسبية حدوث الرق في رقبتها. 22127 - قلنا: لو سبيت الأمة وقعت الفرقة بينها وبين زوجها، على أصح الوجهين عندهم، وإن لم يحدث الرق، [وإنما انتقل كما ينتقل بالبيع ولأن

حدوث الرق] تعلق حق بالقربة، وذلك لا يؤثر في الأنكحة، كوجوب القصاص. 22128 - ولأن بضع المرأة مملوك للزوج. ومعلوم أن إحراز العبد نفسه بدارنا مراغمًا للمولى، كإحراز غيره له في زوال ملك المالك عنه، وكذلك إحراز المرأة نفسها بدارنا، كإحراز غيرها لها في زوال الملك عنها، ألا ترى أن الرق والاستباحة كل واحد منهما معنى يملكه الإنسان من غيره؟. وقد دل على أن إحراز العبد نفسه يزيل الملك عنه، أن عبيد الطائف، خرجوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فطلب المسلمون قسمتهم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (هم عتقاء الله). 22129 - فإن قيل: لو أحرز المولى نفسه بدارنا لم يعتق عبده، ثم قلتم: إن الزوج إذا أحرز نفسه بدارنا، وقعت الفرقة بينه وبين امرأته. 22130 - قلنا: إنما استوى إحراز الرجل والمرأة؛ لأن الأسباب التي تقع بها الفرق حكم يستوي فيه الرجل والمرأة، كالردة، وملك كل واحد منهما الآخر، والأسباب التي يقع العتق بها تخص العبد، ولا تتعلق بمعنى يفعله المولى في نفسه فلذلك لم يكن إحرازه لنفسه عند العدة. 22131 - ولأن اختلاف الدارين [يوجب قطع التوارث فأثر في الفرقة كاختلاف الدارين] إذا ارتد أحدهما، ولا يلزم الرق ولا يمنع التوارث، ولا يقطع توارثًا كان. 22132 - ولا يلزم القتل؛ لأنه لا يقطع التوارث، ألا ترى أن المقتول يرث من القاتل إذا جرحه ومات الجارح قبله؟ ويدل عليه: أن المملوك إذا سبي وقعت الفرقة بينه

وبين امرأته، كالحر؛ لأن كل حكم تعلق بسبي الحر يتعلق [بسبي] الملوك، أصله: وقوع الملك، وإذا ثبت أن سبي الملوك يوقع الفرقة بطل قولهم: إن المؤثر في الفرقة حدوث الملك. 22133 - فإن قيل: حدوث الرق هو المؤثر، فإذا سبي الملوك فقد وجد سبب حدوث الرق، فتعلق به الفرقة وإن تقدمه الرق، كالحدث [بعد الحدث]، والزنا بعد الزنا، والدلالة على الحكم بعد الدلالة. 22134 - قلنا: أما الحدث الثاني فلا يوجب حكمًا عندنا، وأما الزنا الثاني فتعلق به حد كما تعلق بالأول ويتداخلان والرق ولا يحدث ها هنا، وأما الدليل: فتعلق الحكم به كما تعلق بالأول، حتى لو تعين طريق الدليل الأول من جهة الشرع بقي الحكم متعلقًا بالثاني. 22135 - فإن قيل: سبي الملوك قد أحدث الرق؛ لأن رقه في دار الحرب غير سبي رق، بدلالة: أن الملوك إذا غلب على مالكه ملكه، فإذا سبي حدث رق سبي. 22136 - قلنا: هذا غلط، وذلك الرق بحاله، إلا أن يتأكد ملك المسلم كما يتأكد لو باعه من مسلم، وإن كان البيع [لا يوجد] حدوث الرق. 22137 - احتجوا: بما روي: (أن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] لما نزل مر ظهران حمل إليه العباس أبا سفيان فأسلم، وامرأته بمكة كافرة، فأقره النبي - صلى الله عليه وسلم - على النكاح). 22138 - قلنا: مر الظهران من توابع مكة ولم تكن فتحت، فلم يصر هذا الموضع دار إسلام؛ فلم تختلف به الدار. وليس إذا نزل عسكر المسلمين في مكان صار في حكم دار الإسلام حتى تجرى فيه الأحكام، ويكون بحيث لو أرادوا أن يقيموا فيه ويستوطنوا أمكنهم ذلك، ولا يعلم مر ظهران أن كان بهذه الصفة. 22139 - فإن قيل: فإن قلتم: إن المرأة إذا خرجت إلى عسكر [المسلمين

وهو في دار الحرب، وقعت الفرقة بينها وبين زوجها. 22140 - قلنا: هذا محمول على ما بينا أن العسكر] حصل في مكان لو أراد استيطانه واتخاذ دارًا أمكنه ذلك. 22141 - قالوا: النبي [- صلى الله عليه وسلم -] خروج إلى مكة معتمرًا، فصدوه في الحديبية، وكانت خزاعة حلفاءه، ودارهم مر ظهران وكانت بنو بكر حلفاء قريش بمكة؛ فدل أن حكم هذه المواضع مخالف فيه. 22142 - قلنا: دار خزاعة كانت متصلة بمر ظهران، ومر ظهران متصل بعمل مكة، ولهذا خرج أبو سفيان/ إلى الأرك، والأرك بمر ظهران، ولو كانت الدار لخزاعة، لم يقدم أبو سفيان عليها. 22143 - ومن أصحابنا من قال: إنما لم تقع الفرقة بالإسلام من أبي سفيان؛ لأن إسلامه لم يصح يومئذ، وإنما كان منافقًا، بدلالة: ما روى أنه قال للعباس من الغد: إن ابن أخيك قد أصبح في ملك عظيم، فقال له العباس: ليس هذا بملك، ولكن نبوة، فقال له: أو ذاك؟. وهذا ليس من قول مسلم، فلذلك لم يفرق بينه وبينها. 22144 - قالوا: روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما دخل مكة أمن الناس جميعًا إلا سبعة نفر:

صفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل، ففر صفوان إلى الطائف وعكرمة إلى الساحل، وأسلمت زوجتاهما، ولم يفرق النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما. 22145 - قالوا: وكذلك حكيم بن حزام، أسلم قبل إسلام امرأته، وأقرهما النبي - صلى الله عليه وسلم - على النكاح. 22146 - والجواب: أن الواقدي ذكر أن صفوان بن أمية هرب إلى السفينة، فأتبعه عمير بن وهب، ورده منها، والشعب مرفأ السفن لأهل مكة، ومنها ركب المسلمون في الهجرة إلى الحبشة، ومنها أخذت قريش السقيفة التي سقف بها الكعبة، وهذا الموضع من مواضع مكة وفي حكمها؛ فلم يختلف به وبزوجته دار. وأما عكرمة بن أبي جهل: فإن زوجته أم حكيم بنت الحارث قالت: لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يوم الفتح إن عكرمة هرب منك، فلو أمنته، فأخذت له الأمان وخرجت خلفه، فأدركته وقد ركب السفينة فأومأت إليه، فهذا لا يعلم أن الموضع الذي صار إليه دار كفر؛ لأنه لما ركب قال لهم صاحب السفينة: أخلصوا، قال: كيف

نخلص، قال: قولوا: لا إله إلا الله، قال عكرمة: فعلى هذا فارقت محمدًا، فدل على أن هذا الموضع دار إسلام. أما حكيم بن حزام: فقال الواقدي: لما دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة يوم الفتح، لم يبرح حكيم بن حزام من مكة حتى أسلم، وشهد معه حنينًا. وأما سهيل بن عمرو: فقال الواقدي: اختبا بمكة، حتى استأمن له ابنه عبد الله وقد كان شهد بدرًا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستظهره لهم فسقط احتجاجهم. 22147 - قالوا: روي عن ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رد بنته على أبي العاص ابن الربيع بالنكاح الأول، فدل على أن اختلاف الدار لا يوجب الفرقة. 22148 - قلنا: روي عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ردها عليه بنكاح جديد. وهذه الرواية أولى؛ لأن الراوي عرف أمرًا جازمًا

خفي على ابن عباس. 22149 - على أنه لو لم يرد هذا؛ لم يكن لهم في قصة زينب حجة؛ لأن الزهري قال: ردها قبل نزول [آية] الفرائض، وقال الشعبي: ردها قبل التسمية وهذا صحيح؛ لأن نقض الهدنة في بعض النساء كان لما هاجرت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، فجاء أخواها في طلبها، فنزلت الآية. 22150 - وقد كان رد زينب على [أبي العاص] قبل ذلك بشهور،

هكذا ذكر أهل السيرة، فلم يكن لهم في الخبر حجة لو سلم من التعارض. 22151 - قالوا: اختلاف دين بعد الإصابة، فوجب إذا اجتمع إسلامهما في مدة العدة أن يجتمعا على النكاح، أصله: إذا أسلمت وهما في دار الحرب، فخرج الزوج إلى دار الإسلام. 22152 - قلنا: إذا أسلمت في دار الحرب، فلم يغلب على حقه ويحرزه [بدار] أخرى؛ فلذلك لم يزل ملكه بالتبديل، وفي مسألتنا غلبت على حقه، وأحرزته في دار أخرى؛ فزال ملكه عنهم، كما لو غلبت على أمواله. 22153 - ولأنها إذا أسلمت في دار الحرب، وخرج الزوج إلينا بأمان؛ فقد خرج إلى دارها؛ لأنها بالإسلام صارت في حكم أهل دارنا؛ فلم تختلف بهما الدار فعلًا وحكمًا. 22154 - وقولهم: (إنها في حكم أهل الحرب، بدلالة أن قاتلها لا يلزمه قصاص ولا دية) لا يصح؛ وذلك لأنها في حكم أهل دار الإسلام، بدلالة أن ما في يدها من أموالها لا يغنم، ورقبتها لا تغنم؛ فقد صارت بهذا في حكم أهل دارنا، وبقى لها أحكام من أهل دار الحرب؛ لأنها لم تحرز دمها بدارنا، وبقاء حكم من الأحكام لا يمنع من تجدد أحكام دار الإسلام بها من الوجه الذي ذكرناه. 22155 - قالوا: اختلاف دين بعد الإصابة فإذا لم يقر على النكاح فيه على التأبيد أو إذا حرم الوطء؛ وجب أن تجب العدة، أصله: إذا كانا في دار الحرب. 22156 - قلنا: إن علتهم بوجوب العدة؛ فالأصل غير مسلم؛ لأنها إذا هاجرت حاملًا فلا عدة عليها عند [أبي حنيفة]، حيث قال في إحدى الروايتين: يجوز أن تتزوج، وعلى الرواية الأخرى: يمنع التزويج؛ لأن حملها ثابت النسب لا للعدة. 22157 - فإن قالوا: وجب أن يقف الفسخ على انقضاء العدة؛ لم نسلم الأصل؛ لأنها إذا أسلمت في دار الحرب وقعت الفرقة [على مضي] ثلاث حيض، والعدة

تجب من بعد ذلك. 22158 - ولأن الفرقة هناك لم تتعجل؛ لأنها لم تصر غالبة على بعض ناقلة له إلى دار أخرى هي من أهلها؛ فلذلك لم تتعجل الفرقة وفي مسألتنا بخلافه. 22159 - قالوا: اختلاف الدارين بين الزوجين [لا يوقع] الفرقة، أصله: المسلم إذا دخل دار الحرب تاجرًا، والحربي إذا دخل إلينا بأمان. 22160 - قلنا: اختلاف الدارين عندنا [لا يوقع] الفرقة حتى يكون بصفة مخصوصة، وقد بينا ذلك. فإذا علقوا نفي الفرقة بمجرد الاختلاف، قلنا بموجب العلة، والمعنى في الأصل الذي قاسوا عليه: أن الاختلاف لم يحصل فعلًا ولا حكمًا؛ لأن المستأمن على حكم دار الحرب، والتاجر منها إذا دخل إليهم على حكم دار الإسلام، فلما لم يختلفا بأنفسهما وأحكامهما لم تقع الفرقة. * * *

مسألة 1072 إسلام امرأة الذمي قبله

مسألة 1072 إسلام امرأة الذمي قبله 22161 - قال أصحابنا: إذا أسلمت امرأة الذمي لم تقع الفرقة حتى يعرض الحاكم الإسلام على زوجها، فإن أسلم؛ فهما على النكاح، وإن أبي فرق؛ الحاكم بينهما، وإن أسلمت الحربية لم تقع الفرقة حتى تحيض ثلاث حيضات، والزوج على دينه فإذا [حاضت بانت منه]. 22162 - قال الطحاوي: ويجب عليها العدة بعد ذلك. 22163 - وقال الشافعي: إن أسلمت [قبل] الدخول بانت منه في الحال، وإن كان بعد الدخول وقف على انقضاء العدة، ومن أسلم زوجها قبل انقضاء عدتها فهمًا على النكاح، وإن لم يسلم حتى تنقضي عدتها وقعت الفرقة بينهما. 22164 - لنا: ما روى أبو إسحاق الشيباني،

عن السفاح، عن داود بن كردوس قال: جاء رجل من بني تغلب نصراني تحته امرأة نصرانية فأسلمت، فرفعت إلى عمر بن الخطاب، فقال له عمر: أسلم وإلا فرقت بينكما، فقال له: لم أدع هذا إلا استحياء من العرب أن يقولوا: إنه أسلم على بضع امرأة لفعلت، قال: ففرق عمر بينهما. 22165 - وروى قتادة، عن سعيد بن المسيب، أن عليًا - عليه السلام - قال: (هو أحق بنكاحها ما دامت في دار هجرتها). 22166 - وروى عكرمة، عن ابن عباس في اليهودية والنصرانية تكون تحت النصراني أو اليهودي فتسلم، قال: (يفرق بينهما). ولم ينقل عن أحد منهم اعتبار العدة، وتفريق عمر وعرضه الإسلام بحضرة الصحابة من غير نكير. 22167 - ولأن الفرقة لا تجوز أن تقع بالإسلام؛ لأنه مؤثر في تصحيح العقود والأنكحة، لا في إبطالها، ولا يجوز أن يقع بكفر الكافر؛ لأن هذا الكفر صح معه ابتداء العقد، فأولى أن يصح معه البقاء، ثم لم يجز تبقيتهما على النكاح؛ فيجب أن تقف الفرقة على أمر حادث.

22168 - فإن قيل: يؤثر في فسخ العقود، بدلالة النصرانيين إذا تبايعا الخمر ثم أسلما. 22169 - قلنا: الفسخ يتناول ذلك العقد لتعذر التسليم لا للإسلام، ولهذا لو أسلما بعد القبض لم ينفسخ. 22170 - ولأن التحريم الطارئ على النكاح، حكم يستوي فيه الدخول بها وغير المدخول بها كالرضاع. 22171 - ولأنه إسلام طارئ على النكاح، فلا يتعجل البينونة، كما لو كان بعد الدخول، ولأن الإسلام أوجب حرمة، فإذا لم يتعجل البينونة لم تقع إلا بمعنى حادث كالظهار وطرآن العدة. 22172 - احتجوا: بأنه اختلاف دين يمنع من ابتداء النكاح أو تحريم الوطء؛ فوجب أن يوجب الفرقة من غير حكم حاكم، أصله: [إذا أسلمت] الحربية في دار الحرب. 22173 - قلنا: لا فرق عندنا بين الدارين؛ لأن في دار الإسلام تفريق الحاكم لإباء الزوج عن الإسلام، فإذا كانا في دار الحرب؛ فإقامة الزوج في دارهم [إباء] الإسلام أمكن الحاكم التفريق فيفرق، وفي دار الحرب لا يمكنه التفريق، فوقعت الفرقة على حدوث معنى يؤثر في الفرق، وأقرب ذلك مضي هذه العدة، فإذا مضت وقعت الفرقة، كما يقع التفريق في دار الإسلام. 22174 - وروى عن محمد أن العدة تجب بعدها. 22175 - وعند مخالفنا الفرقة عند انقضاء العدة تقع بالإسلام، وتبين بالحيض،

كما تبين به المطلقة الرجعية. 22176 - فإن قيل: بأي دليل قلتم إن الحيض يقوم مقام التفريق؟ 22177 - قلنا: لأن العامل أحد قائلين؛ إما من قال: تقع الفرقة بالإسلام؛ وإما من قال: بعرض الحاكم، وكل من قال: إنها لا تقع بنفي الإسلام وقفها على عرض [الحاكم] إذا أممكن، وعلى الحيض إذا لم يمكن، وقد دللن على أن الفرقة تقع بالإسلام، بدليل إجماع الصحابة، فثبت هذا بالإجماع. 22178 - ثم يقال لهم: بأي دليل تركتم ما فعل عمر من عرض الإسلام بمشهد من الصحابة وإشهار ذلك، وروى أنه كتب إلى أبي موسى في دهقانة نهر الملك لما أسلمت أن تعرض الإسلام على زوجها. 22179 - فإن قيل: لو أسلمت الذمية فهرب زوجها، فلم [يعرف] له مكان، فقد تعذر عرض الإسلام عليه، ثم لو توقعوا الفرقة بمضي الحيض. 22180 - قلنا: إن لم يقم الحيض مقام التفريق لتعذر العرض خاصة، لكن مقام الزوج كافرًا في دار الحرب يدل على امتناعه عن الإسلام، فحصل بمقامه الإباء ووجب اعتبار معنى حادث تقع به الفرقة، وهربه في دار الإسلام ليس يدل على الإباء، فإن لحق بدار الحرب؛ دل على الإباء لكن الفرقة تقع باختلاف الدارين. 22181 - قالوا: العدة لا تقع بمضيها فرقة وإنما تقع بالطلاق، وانقضاء العدة شرط في البينونة. 22182 - قلنا: التطليقة الواحدة توجب نقصانًا في العدد، والبينونة تقع بانقضاء العدة، فتقدم التطليقة شرط. 22183 - قالوا: فالعدة عندكم لا تجب في دار الحرب.

22184 - قلنا: تجب عندنا على المسلم لحق الله تعالى وإنما لا تجب عليها إذا هاجرت. 22185 - قالوا: تبديل دين بعد الإصابة، فإذا لم يقرا على النكاح تعجلت البينونة، أصله: إذا ارتد أحدهما. 22186 - قلنا: الطارئ هناك الكفر وله تأثير في إبطال الأنكحة فإذا لم يصح معه ابتداء النكاح وقعت به الفرقة. 22187 - قالوا: كما لو حدث بعد الدخول وقفت البينونة على انقضاء العدة، وإذا كان قبل الدخول وقفت البينونة على الحال كالطلاق. 22188 - قلنا: البينونة عندنا في دار الحرب لا تقف على انقضاء العدة، وإنما تقع بمضي الحيض ثم تستأنف العدة من بعد ذلك. 22189 - ولأن الطلاق ينافي النكاح، فالتفريق يقع به والإسلام الطارئ لا ينافي النكاح، فلا يجوز أن تقع الفرقة به. * * *

مسألة 1073 ارتد أحد الزوجين

مسألة 1073 ارتد أحد الزوجين 22190 - قال أصحابنا: إذا ارتد أحد الزوجين وقعت الفرقة بينهما في الحال. 22191 - وقال الشافعي: إذا أسلم المرتد قبل انقضاء العدة؛ فهما على النكاح، وإن بقي على ردته حتى مضت العدة؛ وقعت الفرقة بالردة، [فإن كانت الردة] قبل الدخول؛ بانت في الحال. 22192 - لنا: قوله تعالى: {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله}، والنكاح من عمله، فوجب أن يبطل في الحال. 22193 - ولأنه ارتداد من أحد الزوجين، فوجبت البينونة في الحال، كما لو كان قبل الدخول. 22194 - فإن قيل: الفرق يختلف فيها ما قبل الدخول وبعده، بدلالة الطلاق. 22195 - قلنا: وقد يستويان، بدلالة: الطلاق الثلاث والخلع. 22196 - على أن حكم الأمرين يفترق في الطلاق، فأما الفرق الحكمية: فلا

يختلف فيها ما قبل الدخول وبعده، بدلالة الرضاع. وإذا ملك أحد الزوجين الآخر، وإذا وطئ أم امرأته بشبهة. 22197 - ولأنها عقوبة تتعلق بالردة، [فوجب أن تتعجل ولا تتأجل كوجوب القتل. 22198 - ولأنه زوال ملك تعلق بالردة] على طريق التغليظ، فلم يتأجل كزوال ملكه عن ذمته. 22198 - ولأنه زوال ملك تعلق بالردة] على طريق التغليظ، فلم يتأجل كزوال ملكه عن ذمته. فلا يلزم: عتق أمهات الأولاد؛ لأنه لا يتأجل عندنا وإنما يتعلق بموته أو حكم الحاكم بلحاقه والتأجيل بالتأخر إلى مدة معلومة. ولا يلزم: زوال ملكه عن أمواله على قول أبي حنيفة؛ لأن الردة عنده سبب لزوال الملك في الحال والزوال موقوف على فعله، كالبيع المشروط فيه الخيار. 22199 - ولا يجوز بمثله أن يوجد سبب الفرقة ويقف الزوال على اختياره، بدلالة أنه لو طلق على أنه بالخيار، لم يثبت الخيار. 22200 - ولأن الردة معنى طرأ على النكاح يتعلق به تحريم الوطء، وحكم الفرقة يوجب تعجيل البينونة كملك الزوجة زوجها والرضاع. 22201 - ولا يلزم: إسلام أحد الزوجين؛ لأن الطارئ هو الإسلام، وحكم الفرقة لا يتعلق عندنا. 22202 - ولأنها ردة تؤثر في الفرقة، فتعجل البينونة، كما لو كانت بعد الخلوة. 22203 - ولأن كل معنى أوجب البينونة في التي خلى بها أوجب البينونة في التي وطئها، أصله: الخلع، والرضاع. 22204 - ولأنه سبب حادث في النكاح يمنع ابتداءه ودوامه؛ فتقع الفرقة في الحال، كملك أحد الزوجين والرضاع. 22205 - ولأن البينونة لا تخلو إما أن تتعجل، أو تتعلق بمضي الحيض، ولا يجوز أن تتعلق بمضي الحيض.

22206 - ولأنه لو وطئها وجب المهر، فلولا أن البينونة وقعت لم يجب المهر بالوطء، فلم يبق إلا أن تكون البينونة متعلقة بالردة، وقد وجدت فيجب أن تتعجل البينونة. 22207 - فإن قيل: عندنا تقع البينونة بدوام الردة إلى أن تمضي ثلاث حيض. 22208 - قلنا: لو كان كذلك لوجب أن يبقى الملك ببقاء المدة، فكان لا يجب المهر. 22209 - ألا ترى أنه لو قال: (إن دخلت الدار فمكثت فيها شهرًا فأنت طالق ثلاثًا) فلم يزل الملك حتى يقع الدخول وتمضي المدة، فلما قالوا: يجب المهر بالوطء؛ دل على بطلان هذا القول. 22210 - فإن قيل: الفرقة تقع باستمرار الردة إلى ثلاث حيض، فإذا وجد ذلك وقعت الفرقة بالردة كما قلتم: إن قال: أنت طالق قبل موت فلان بشهر، ثم مات فلا بعد شهر، وقعت الفرقة مستندة إلى الوقت السابق. 22211 - قلنا: هناك علق الطلاق بزمان موصوف أنه قبل الموت بشهر، والموت أمر كائن لا محالة إلا أن وقته مجهول، فإذا مات؛ استحق الشهر الذي قبله الوصف الذي علق الطلاق به، فوقعت الفرقة من ذلك الوقت، فأما استمرار الردة ثلاث حيض فليس بأمر كائن لا محالة، وإنما هو فعل يجوز أن يوجد ويجوز أن لا يوجد، [وإذا] تعلق الطلاق بفعل يمكن فعله ويمكن ألا يفعل؛ لم يجز أن يقع إلا بعد وجوده، كقوله: أنت طالق قبل قدوم فلا بشهر. 22212 - احتجوا: بأنها ردة طارئة على النكاح بعد الإصابة؛ فوجب أن لا ترفع البينونة في الحال، كما لو ارتدا معًا. 22213 - قلنا: هناك لم يختلف بهما دين، والفرقة متى وقعت لأجل الدين تعلقت بالاختلاف فيه، بدلالة المسلمين والكافرين الأصليين لم يختلفا في الدين لم تقع

بينهما فرقة لأجل الدين، وفي مسألتنا: لما طرأ اختلاف دين يؤثر في الفرقة عجلها؛ كما لو كان قبل الدخول. 22214 - فإن قيل: إذا تزوج المسلم بيهودية ثم تنصرا وقعت الفرقة، ولم يوجد اختلاف الدين. 22215 - قلنا: المسلم إذا تنصر فقد ارتد، فلم يحصل له ملة؛ لأن المرتد لا ملة له؛ واليهودية إذا تنصرت أقرت، فقد اختلفا في الدين من هذا الوجه، ولهذا المعنى وقعت البينونة، وقد قال في المجرد: الفرقة لا تقع بينهما. فسقط هذا السؤال. 22216 - قالوا: اختلاف دين بعد الإصابة، فوجب ألا تقع البينونة في الحال، أصله: إذا أسلمت الحربية في دار الحرب. 22217 - قلنا: قولكم: اختلاف دين لا تأثير له في الفروع على أصلكم؛ لأنهما لو ارتدا معًا أو ارتد أحدهما كانا سواء في الأصل، فليس المؤثر اختلاف الدين، بدلالة أن المسلمة لو رجعت إلى دين الزوج، وقعت الفرقة فعلم أن المؤثر ليس هو الاختلاف. 22218 - ولأن الطارئ هنا كالإسلام، ولا تأثير له في إبطال الأنكحة وكفر الآخر صح معه ابتداء العقد، فأولى ألا ينفي البقاء، وإنما المعنى فيه: أنه لو أسلم أحدهما في موضع تعذر على القاضي فيه عرض الإسلام على الذي لم يسلم [فوقعت الفرقة] بمضي الحيضة، فأما في مسألتنا: فالردة سبب حادث يتعلق بالفرقة يمنع ابتداء النكاح ودوامه. فإن قيل: لو خرج الزوجان بأمان فأسلم أحدهما؛ وقعت الفرقة على مضي الحيض، ولم يتعذر على القاضي العرض. 22219 - قلنا: هو متعذر، ولأن نعطيهم الأمان على أن نبقيهم على حكم دارهم.

مسألة 1074 ارتداد الزوجين معا

مسألة 1074 ارتداد الزوجين معًا 22220 - قال أصحابنا: إذا ارتد الزوجان معًا؛ لم تقع الفرقة بينهما استحسانًا. 22221 - وقال زفر: تقع الفرقة، وبه قال الشافعي. 22222 - لنا: أن العرب ارتدت بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقاتلهم أبو بكر [- رضي الله عنه -] وبعث إليهم بالجنود حتى أسلموا، ولم يفرق بينهم وبين أزواجهم، ولو كانت الردة توجب الفرقة بكل حال لفرق بينهم. 22223 - فإن قيل: من أين لكم أنهم ارتدوا معًا، والعادة أن ردة أحد الزوجين تسبق الآخر. 22224 - قلنا: لما طرأت الردة ولم يثبت سبق أحدهما الآخر، فوقوع ذلك معًا،

كالغرقى. 22225 - فإن قيل: إنهم أسلموا قبل انقضاء العدة. 22226 - قلنا: من أين لكم/ هذا، ومن أين لكم أن كلهن مدخول بهن، وقد 248/ امتدت المدة وطالت المحاربة، والعدة تنقضي في مثل ذلك؟ 22227 - فإن قيل: الأصل النكاح، فلما جاز أن تكون العدة قد انقضت، وجاز ألا تكون انقضت لم ينفسخ النكاح بالشك. 22228 - قلنا: العادة في مثل انتقال القبائل [من دين إلى دين أنه لا يضبط مقدم كفر أحدهما على الآخر، فكذلك لم يفصل، وليس العادة] أن النساء لم يضبطن حيضهن حتى يحكم بأصل النكاح، بل كان يجب أن يبين أن من انقضت عدتها؛ فقد بانت من زوجها. 22229 - ولأنهما لم يختلفا في دين، ولم تقع الفرقة بينهما لأجل الدين كالمجوسين والمسلمين. ولا يلزم إذا تزوج اليهودية ثم تنصر؛ لأن الحسن ذكر هذه المسألة في المجرد، وقال: لا تقع الفرقة بينهما. 22230 - فإن قيل: المعنى في الأصل أنه يجوز ابتداء النكاح فجاز البقاء، وفي مسألتنا: لا يجوز الابتداء فلم يجز البقاء. 22231 - قلنا: علة الأصل تبطل بمن أسلم وتحته حرة وأمة، فأسلمت الأمة، ثم أعتقت، ثم أسلمت الحرة، يجوز أن يبتدئ نكاح المعتقة، ولا يجوز أن يبقى عليه عندهم. وعلة الفرع تبطل بالمعتدة، لا يجوز أن يبتدئ العقد عليها، ويجوز أن يبقى على نكاحها. 22232 - ولأنه تبديل دين؛ فلا يعجل البينونة، فلا تقع به الفرقة، أصله: إسلام الكافرين، وهذا تعليل الردة بعد الدخول. 22233 - احتجوا: بأنها ردة طارئة على النكاح، فوجب أن يتعلق بها وقوع

الفرقة، أصله: إذا ارتدا معًا. 22234 - قلنا: عندكم الردة يتعلق بها حكم الفرقة، حتى يضم إليها عدم العدة، أو استمرار الردة إلى حين انقضاء العدة، فإن أسلم المرتد قبل مضيها لم يقع بذلك الفرقة، فإن أردتم هذا، فعندنا ردتهما جميعًا تتعلق بها الفرقة، وإن أقاما على الردة لأن الرجل يقتل بحكم الردة، فتقع الفرقة. 22235 - والمعنى في ردة أحدهما: أنهما اختلفا في الدين على وجه يمنع الابتداء والدوام، فأثر ذلك في الفرقة. وفي مسألتنا: لم يختلفا في الدين، والفرقة لأجل الدين تقع بالاختلاف فيه على ما بينا. 22236 - ولا يلزم: المسلم إذا تزوج بيهودية، ثم تنصر، لأنا بينا رواية (المجرد) أن الفرقة لا تقع. 22237 - ومن أصحابنا من أجاب عنه بأن معنى الاختلاف حاصل؛ لأن المسلم انتقل إلى دين لا يقر عليه ويمنع المناكحة، واليهودية انتقلت إلى دين تقر عليه ولا يمنع النكاح. 22238 - قالا: كل حكم تعلق بردة الزوج لم يمنع انضمام ردة الزوجة إليه من تعلقه بها، أصله: استباحة دمه وماله. 22239 - قلنا: الفرقة عندنا لا تتعلق بردة في أحد الزوجين خالف بها إسلام الآخر. 22240 - ولأن الزوج إذا ارتد وجب لها نصف المهر والنفقة، وإذا ارتدت لم يجب لها نفقة عندهم ولا مهر، فهذا حكم يتعلق بردة أحد الزوجين، ولا يتعلق بردتهما. 22241 - ولأنه يختلف حكم الدين إذا تجدد لأحد الزوجين، وحكمه إذا تجدد لأحدهما، بدلالة أن إسلام أحدهما أو هجرته توجب الفرقة عندهم بعد مضي الحيض، ولم يوجد ذلك منهما لم تقع الفرقة.

22242 - قالوا: كل معنى وجد في الزوج أوجب الفرقة، إذا وجد فيهما أوجب الفرقة، كالموت والرضاع. 22243 - قلنا: الردة الموجودة في الزوج لا توجب الفرقة عندنا، وإنما توجب مخالفة دينه بالردة لإسلامها، وهذا المعنى لا يوجد في ردتهما، وتنقض العلة بالإسلام، فإنه إذا وجد في زوج الذمية والمجوسية أوجب الفرقة، وإذا وجد فيهما لم يوجبها. 22244 - قالوا: هناك الموجب للفرقة اختلاف الدين. 22245 - قلنا: كذلك نقول في ردة الزوج. * * *

مسألة 1075 الفرق المتعلقة بالدين

مسألة 1075 الفرق المتعلقة بالدين 22246 - قال أبو حنيفة - رضي الله عنه -: إذا أسلمت المرأة وأبي الزوج الإسلام وفرق القاضي بينهما كان ذلك طلاقًا. وإن ارتد الزوج وقعت الفرقة، ولا يكون طلاقًا. وإن أسلم الزوج وأبت الزوجة الإسلام؛ لم يكن طلاقًا. 22247 - وقال أبو يوسف: الإباء والردة كلاهما ليس بطلاق. 22248 - وقال محمد: كلاهما طلاق. 22249 - وقال الشافعي: الفرق المتعلقة بالدين كلها فسوخ وليست بطلاق. 22250 - فالخلاف معه في إباء الزوج عن الإسلام. والدليل على أنه طلاق: أنها فرقة تتعلق بسبب [من جهة الزوج طرأ على النكاح مختص به، فصار كقوله: (أنت طالق). 22251 - ولا يلزم إباء المرأة؛ لأن الفرقة تعلقت] بسبب من جهتها. 22252 - ولا يلزم: ردة الزوج؛ لأن الفرقة تعلقت بسبب من جهة الزوج، غير مختص بالنكاح؛ لأن الأحكام تتعلق بالردة سواء كان نكاحًا أو لا، وعرض الإسلام على الإنسان لإسلام غيره لا يكون إلا في النكاح. 22253 - ولأن الفرقة على ضربين: فرقة تقع لأجل الدين، وفرقة لغيره، فإذا كان

ما في أحد النوعين ما هو طلاق، كذلك في النوع الآخر. 22254 - ولأنا قد دللنا على أن الفرقة قد لا تقع إلا بتفريق القاضي، وكل فرقة يوقعها القاضي بسبب من جهة الزوج لا على طريق الفسخ لأصل النكاح فإنها طلاق، كفرقة العنة على أصلنا، وفرقة الإيلاء على أصلهم. 22255 - ولا يلزم الفسخ بخيار البلوغ، وعدم الكفاءة؛ لأن التفريق هناك فسخ لأصل النكاح. 22256 - احتجوا: بأنها فرقة موجبها اختلاف الدين، فوجب أن تكون فسخًا، كما لو أسلم هو. 22257 - قلنا: إذا أسلم الزوج فسبب الفرقة من جهة الزوجة، وهي لا تملك الطلاق، وفي مسألتنا الفرقة جاءت بسبب من جهة الزوج طرأ على النكاح مختص به. 22258 - قالوا: إذا أسلمت فالفرقة جاءت بسبب منها أيضًا وهو الإسلام. 22259 - قلنا: غلط؛ لأن الإسلام يصحح العقود ولا يبطلها، وإنما تقع الفرقة لإباء الزوج الإسلام. 22260 - قالوا: كل فرقة لو جعلت بسبب من جهة الزوجة كانت فسخًا، كالرضاع وملك أحد الزوجين الآخر. 22261 - قلنا: هذه الأسباب غير مختصة بالنكاح، وإذا وقعت الفرقة بها لم تكن طلاقًا؛ لأن الطلاق مختص بالنكاح، والفرقة في مسألتنا تتعلق بسبب مختص بالنكاح طارئ عليه؛ فلذلك كانت طلاقًا.

مسألة 1076 انتقال الذمي من دين إلى دين

مسألة 1076 انتقال الذمي من دين إلى دين 22262 - قال أصحابنا: إذا انتقل الذمي من دين إلى دين، لم يعترض عليه، وأقر على الدين الثاني. 22263 - [وهو أحد قولي الشافعي وقال في كتاب (الجزية): لا يقر على الدين الثاني]. 22264 - وما الذي يصنع به؟ قالوا: يجبر على الإسلام ولا يقبل منه غيره في أحد القولين، وفي قول آخر: يقبل منه الإسلام أو العود إلى الدين الأول، فإن امتناع من ذلك؛ يرد إلى مأمنه في دار الحرب ولا يقبل، ومنهم من قال: إن فيها قولا آخر أنه يقتل كما يقتل المرتد. 22265 - لنا: أنه إذا انتقل من كفر إلى كفر؛ فلا يعترض عليه مع [الذمة]، كما لو انتقل النصراني من فرقة إلى فرقة. 22266 - فإن قيل: النصرانية ملة واحدة؛ لأنهم يؤمنون بنبي واحد، وكتاب واحد يختلفون في تأويله، كالمسلمين، واليهود، والنصارى اختلفت

مللهم. 22267 - قلنا: هم في حكم ملة واحدة أيضًا، بدلالة: اجتماعهم على اعتقاد واحد يقرون عليه. 22268 - ولأن الكفر ملة واحدة، بدلالة قوله تعالى: {لكم دينكم ولي دين}. 22269 - وقال النبي [- صلى الله عليه وسلم -]: (نحن خير، وجميع الناس خير). 22270 - ولا يقال: إن قوله: {لكم دينكم} أي أديانكم، فعبر بالجماعة عن الواحد؛ لأن هذا غير الظاهر. 22271 - ولأنه يجمعهم اعتقاد واحد يقرون عليه وهو مخالفة النبي [- صلى الله عليه وسلم -]، فصاروا كالمسلمين. 22272 - فإن قيل: لما جاز أن يتزوج بعضهم دون بعض؛ دل على أنهم ملل مختلفة. 22273 - قلنا: هم فيما بيننا وبينهم ملل مختلفة، بدلالة ما ذكرت، وهم فيما بينهم ملة واحدة، فإذا ثبت أنهم ملة واحدة؛ لم يعترض عليهم في التنقل لغيرها، كما لا يعترض على اليهود إذا انتقلوا من ملة إلى ملة. 22274 - لأنه لا يخلو إما أن نجبره على الإسلام، أو العود إلى الدين الأول، أو على ترك الثاني [ولا يجوز أن يجبر على الثاني] ولا يجوز أن نجبره على الإسلام؛ لأن الذمي لا يجبر على الإسلام، ومن كان من أهل دارنا لا يجبر على الإسلام قبل اعتقاده، ولا يلزمه العود إلى الدين الأول؛ لأنه كفر، ولا يسوغ لنا أن نجبر الناس على الكفر.

22275 - ولأن النصراني إذا تهود فقد اعتقد التوحيد، ولا يجوز أن نلزمه ترك الاعتقاد الثاني؛ لأن ترك الاعتقاد من غير أن يعتقد شيئًا كفر؛ فلا يلزمه إياه، فإذا بطلت هذه الوجوه؛ لم يبق إلا أن لا يعترض عليه. 22276 - ولأنه انتقل إلا دين لو كان عليه ابتداء لم يعترض عليه؛ فلم يجز الاعتراض عليه. 22277 - احتجوا بقوله تعالى: {ومن يتبع غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه}. 22278 - قلنا: هذا يدل على أن الله تعالى لا يقبل دينًا غير دين الإسلام وكذلك نقول، وليس إذا لم يقبله الله تعالى لم يقر عليه؛ لأن الدين الذي انتقل عنه لا يقبله الله منه، وقد كان مقرًا عليه. 22279 - احتجوا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (من بدل دينه فاقتلوه). 22280 - قلنا: ذكره - عليه السلام - زجرًا عن تبديل الدين وتركه، ولا يزجر على ترك الكفر ومفارقته، وإما يزجر على ترك الإسلام؛ فدل على أن المراد بالخبر تبديل الإسلام دون الكفر.

22281 - قالوا: انتقل إلى دين باطل اعترف ببطلانه، وجب أن لا يقر عليه، أصله: المسلم إذا ارتد. 22282 - قلنا: المسلم لا يقر على ترك دينه سواء انتقل/ إلى دين باطل، أو لم ينتقل، فعلم أن الحكم يتعلق بتركه دين الحق، لا باعتقاد دين باطل. 22283 - ولأن المعنى في المسلم أنه ترك دين الحق، وهذا المعنى لا يوجد في النصراني إذا تهود، فتبطل هذه العلة باليهودي إذا تنصر ثم عاد إلى اليهودية؛ فإنه يقر على ذلك في أحد القولين، وإن انتقل إلى دين باطل اعترف ببطلانه. 22284 - قالوا: عابد الوثن إذا كان عربيًا، فانتقل إلى اليهودية بعد ظهور دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقر على ذلك، وإن كان لم يفارق دين الحق. 22285 - قلنا: هذا غير مسلم، بل يقر عليه ويصير كعرب أهل الكتاب. * * *

مسألة 1077 اختلاف الدين بين الكتابيين

مسألة 1077 اختلاف الدين بين الكتابيين 22286 - قال أصحابنا: إذا تهود النصراني أو تمجس، وتهودت المرأة وزوجها نصراني؛ لم يعترض لها في النكاح. 22287 - وقال الشافعي في أحد قوليه: هو كارتداد المسلم. 22288 - لنا: ما بينا أنه لا يعترض عليهم في الانتقال، ومن استحدث دينًا لا يعترض عليه فيه لم تقع الفرقة بينه وبين زوجته الكتابية، كاليهودي إذا أسلم، وكالنصراني إذا انتقل من فرقة [إلى فرقة]. 22289 - ولأن هذا [الدين]، لا ينافي ابتداء النكاح منهما، فلم يناف البقاء عليه، أصله: إذا أسلم زوج النصرانية. 22290 - والشافعي بني على أصله أن هذا الدين لا يقر عليه، فصار كالمسلم إذا ارتد. * * *

مسألة 1078 نكاح الولد المتولد بين مجوسي وكتابية

مسألة 1078 نكاح الولد المتولد بين مجوسي وكتابية 22291 - قال أصحابنا: الولد المتولد بين المجوسي والكتابية تجوز أنكحته، وتؤكل ذبيحته. 22292 - وقال الشافعي: هو على دين الأب؛ لا تؤكل ذبيحته، وإن كانت أنثى لم يجز للمسلم تزويجها. 22293 - لنا: أن أحد أبويه يحل أكل ذبيحته ومناكحته، فالولد في حكمه، كما لو كان الأب مسلمًا، أو كما لو كانت الأمة مجوسية والأب كتابيًا. 22294 - ولأن أحد الأبوين [يؤمن بكتاب من كتب الله تعالى، فالولد تابع له في الدين كالمسلم، ولأن لأحد الأبوين] حكم الإسلام، بدلالة أن الكتابي في حكم المسلمين في الذبائح والمناكحة؛ فصار كأحد الأبوين إذا كان مسلمًا [مجنونًا] والآخر مجوسيًا.

22295 - احتجوا بقوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن}. 22296 - قلنا: أجمعنا أن المراد بذلك الوثنيات والمجوسيات، وقد اختلفنا في هذه فزعم مخالفنا أنها في حكم الأب، وخالفناه في ذلك؛ فلم يصح التعلق بالآية إلا بعد إثبات دينها. 22297 - قالوا: كافرة تنسب إلى كافر لا حكم لذبيحته، فصارت كولد المجوسية. 22298 - قلنا: ينتقض إذا كانت أمها مسلمة وأبوها مجوسيًا، والمعنى في الأصل: أنه لا يثبت لأحد أبويه حكم الإسلام، وفي مسألتنا بخلافه. 22299 - قالوا: اجتمع في هذا الولد حكم الحظر والإباحة، فوجب أن يغلب الحظر؛ كالمتولد بين الحمار الأهلي والوحشي. 22300 - قلنا: ينتقض إذا كان أحد أبويها قد أسلم. 22301 - قالوا: إذا كان أحدهما مسلمًا جاز مناكحتها، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (الإسلام يعلو ولا يعلى). 22302 - قلنا: هذا غلط؛ لأن من مذهبكم أن القياس إذا دخل عليه النقض بطل،

وإن كان في موضع النقض مستثنى بنص؛ لأن الاطراد عندكم من شرط القياس. 22303 - فإن قلتم: هذا النص داخل على العلة لولا الخبر، فقد صرتم إلى التخصيص فهو خلاف مذهبكم. 22304 - فإن جعلتم هذا المعنى، وقلتم: اجتمع الحظر والإباحة، ولم يعل أحدهما الآخر لم نسلمه؛ لأن عندنا أن حكم الكتابي يعلو المجوسي، كما يعلو المسلم الكتابي، وينتقض هذا المعنى بالمجوسي والمسلم إذا اشتركا في الذبائح، فإنه لا يؤكل لاجتماع الحظر والإباحة، وغن كان الإسلام يعلو. * * *

مسألة 1079 إتيان الزوجة في الموضع المحرم

مسألة 1079 إتيان الزوجة في الموضع المحرم 22305 - قال أصحابنا: لا يجوز إتيان النساء في أدبارهن. وهو المشهور من قول الشافعي. 22306 - وحكى محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، أنه قال: ما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تحريمه ولا في تحليله شيء، والقياس أنه حلال. قال الربيع: كذب والذي لا إله إلا هو. 22307 - لنا: قوله تعالى: {ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في

المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن}، فأمر باعتزال الحائض، ونهى عن قربها حتى تطهر، فلو كان يجوز الوطئ في غير الفرج، لم يحرم قربها بكل حال. 22308 - فإن قيل: المحيض مكان الحيض، كقولهم: مقيل ومبين، وإنما أمر باعتزال مكان الحيض. 22309 - قلنا: وقد يعبر به عن حال الحيض، فيقتضي ذلك النهي عن قربها في تلك الحال وهو عام، ويدل عليه: ما روى حماد به سلمة، عن حكيم بن أبي تميمة عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من أتى خادمًا أو امرأة في دبرها، أو يحل هذا، فقد كفر بما أنزل على محمد). 22310 - قال الطحاوي: وهذا خبر صحيح في هذا الباب. وقد روي فيه أخبار لا تصح. 22311 - ولأن الله تعالى حرم وطئ الحائض، وعلله بالأذى وهذا موجود في هذا

الموضع. 22312 - احتجوا بقوله تعالى: {أتأتون الذكران من العالمين (165) وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم}؛ فدل على أن الله تعالى قد أباح من الزوجة ما حرمه من الغلام. 22313 - قلنا: لو كان كذلك لقال: (وتذرون أزواجكم)، فلما قال: {ما خلق لكم ربكم من أزواجكم}؛ دل على أن المباح منها معنى مخصوص، وليست الإباحة على [العموم]، وإنما قال: {وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم}؛ لأن المباح من المرأة يقصد به من اللذة ما يقصد بوطء الذكر. 22314 - احتجوا بقوله: تعالى: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}. 22315 - قلنا: الحرث هو المكان الذي قصد بإتيانه وإيقاع الفعل فيه الولد، وذلك لا يكون إلا في الفرج. 22316 - فإن قيل: روى زيد بن أسلم عن ابن عمر، أن رجلًا أتى امرأة في دبرها، فوجد في نفسه من ذلك وجدا شديدًا، فأنزل الله تعالى {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}. 22317 - قلنا: زيد بن أسلم لم يعرف له سماع من عبد الله عمر؛ فالحديث مقطوع.

22318 - وقد روي في سبب نزول هذه الآية حديث سفيان، عن محمد بن النكدر، عن جابر أن اليهود قالوا: من أتى امرأة في فرجها من دبرها، خرج ابنها أحول، فأنزل الله [تعالى]: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}، وهذا خبر متصل روي في سبب نزول الآية مخالف للخبر المقطوع، فالرجوع إليه أولى. 22319 - قالوا: روى مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن أبي الحباب سعيد بن يسار أنه سأل ابن عمر عنه، فقال: لا بأس به. 22320 - قلنا: قد روى الليث بن سعد، بن الحارث بن يعقوب عن سعيد بن يسار أبي الحباب، قال: قلت لابن عمر، ما تقول في الجواري؟ أنحمض

لهن؟ قال: وما التحميض؟ فذكرت الذي قال، قال: وهل يفعل ذلك أحد من المسلمين، وإذا تضاد الخبران عن سقطا. 22321 - وقد روي عن علي، وابن مسعود، وابن عباس، وأبي الدرداء: خلافه، قال علي وقد سئل عن ذلك: {أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين}. 22322 - قالوا: قد ملكها بالعقد فجاز له وطؤها. 22323 - قلنا: إنما ملك استباحها في الفرج، وما دونه، ولم يملك غير ذلك، ولهذا نقول إن الوطئ في الدبر في النكاح الفاسد لا يلزمه مهر، ولا يثبت به إحصان ولا يبيحها للزوج الأول. 22324 - وقال الشافعي: يستقر به المهر، وتجب به العدة، وإن أكره امرأة عليه، وجب عليه المهر، فأجراه مجرى الوطئ في الفرج في جميع الأحكام إلا في حكمين: الإحسان، والإباحة للزوج الأول. * * *

مسألة 1080 نكاح الشغار

مسألة 1080 نكاح الشغار 22325 - قال أصحابنا: إذا زوج الرجل أخته على أن يزوجه الرجل أخته، أو ابنته أو أمته، على أن يكون مهر كل واحدة منهما بضع الأخرى، فالعقدان جائزان، وما سمياه من المهر باطل، ولكل واحدة منهما مهر المثل. 22326 - وقال الشافعي: العقدان باطلان. 22327 - ولو قال: زوجتك أختي على أن تزوجني أختك، ولم يزد على هذا جاز النكاحان بلا خلاف. 22328 - ولو قال: زوجتك أختي بمائة على أن تزوجني أختك بمائة صح النكاحان

وبطلت التسمية، ولكل واحدة منهما مهر مثلها. 22329 - ولو قال: زوجتك بنتي على أن تزوجني، ولم يزد على هذا؛ فنكاح الموجب باطل، ونكاح بنت الموجب له جائز. 22330 - لنا: قوله - عليه السلام -: (لا نكاح إلا بشهود). 22331 - ولأنه نكاح مؤبد؛ فلا يبطله الشرط، أصله: إذا قال: زوجني ابنتك على أن أزوجك بنتي، وإذا شرط ألا يتسرى عليها، أو لا يخرجها من بلدها، أو على أن لا يطأها. 22332 - ولا يلزم إذا زوجها من اثنين؛ لأن النكاح لا يتأبد، ألا ترى أن مقتضاه أن يشتركا في البضع، والمشتركان في المنفعة يتساويان عندنا، فيكون لكل واحد منهما يوم ينقطع فيه حق الآخر، فعلى هذا لا يتأبد النكاح. 22333 - ولأن النكاح لم يفسد ها هنا بالشرط ولكنه فسد بجهالة الزوج؛ لأن كل واحد من الزوجين يجوز أن يملك البضع، ولا يصح أن يجتمع ملكهما، وليس أحدهما أولى من الآخر، فبطل العقد بجهالة الزوج لا بشرط الشركة. 22334 - فإن قيل: فكذلك نقول في مسألتنا: إن النكاح بطل بالتشريك بين الزوجين وغيره في البضع. 22335 - قلنا: العقد لا يصح عندكم حتى يبطل التشريك، وإن بطل بشرط التشريك، وقد دللنا على أن العقد لا يبطل بالشرط. 22336 - فإن قيل: يبطل إذا زوجها على أن لا يشهد. 22337 - قلنا: هناك يبطل العقد إذا ترك الشهادة، ولا يبطل بالشرط، بدلالة أنه

لو شرط/ أن لا يشهد وحضر الشهود صح العقد، ولو أطلق العقد ولم يشهد لم يصح لعدم الشهادة. 22338 - فإن قيل: يبطل إذا قال: زوجتك بنتي على أن بضعها لفلان. 22339 - قلنا: لا نعرف الرواية في هذه المسألة؛ فيجوز أن يقال: النكاح صحيح؛ لأنه ملكه البضع، ثم شرط عليه قطع الملك، فكأنه قال: زوجتك على أن تطلقها، ويجوز أن يقال: النكاح فاسد، إلا أن الفساد ليس بالشرط، لكن بالتشريك، وذلك أنه ملك البضع اثنين كل واحد منهما يصح أن يملك، ولا يجوز اجتماع ملكهما وليس أحدهما أولى من الآخر. 22340 - وفي مسألتنا: ملك الزوج البضع ثم ملكه المرأة الأخرى شريكها، كما لو. 22341 - قال: زوجتك، وهذا الخيار لما اشترك مع الزوج من لا يملك الاستباحة؛ لم يفسد العقد عندنا، ولأنه سمي في النكاح مالا يجوز أن يكون مهرًا بحال، فكأن وجود هذه التسمية وعدمها سواء. 22342 - أصله: إذا تزوجها على خمر أو خنزير أو على نكاح امرأة أخرى. ولا يمكنهم أن يقولوا بموجب هذه العلة؛ لأن وجود التسمية لا يكون عندهم بعدمها، إذ وجودها يفسد العقد عندهم، وعدمها يصح معه العقد. 22343 - ولا يلزم المولى إذا أذن لعبده أن يتزوج حرة على رقبته؛ لأنه سمى في العقد ما يصح أن يكون مهرًا، بدلالة أنه لو تزوج أمة على رقبته جاز، على أن الحاكم

ذكر في المنتقى أن النكاح صحيح ومهرها قيمة العبد. 22344 - ولأن البضع أحد البدلين في عقد النكاح، فاشتراطه لغير العاقد لا يبطل العقد كالمهر، ولأنه عقد على البضع، فإذا شرطه لغير العاقد لم يبطل كالخلع. 22345 - احتجوا: بما روى مالك، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن نكاح الشغار، [والشغار]: أن يزوج الرجل بنته من الرجل على أن يزوجه الرجل الآخر بنته ليس بينهما صداق. 22346 - وروى عبد الرزاق، عن معمر، عن ثابت، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا شغار في الإسلام)، والشغار أن يبدل الرجل أخته بأخته. 22347 - وروى جابر بن عبد الله: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ([نهى عن الغار). 22348 - وروى عمران بن الحصين: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -] قال: (لا جلب، ولا جنب، ولا شغار في الإسلام).

22349 - والجواب: أن الشغار هو بدل إحدى المرأتين بالأخرى، ليكون نكاح كل واحدة صداق الأخرى؛ فلا يصح على هذا الوجه، بل يعقد كل واحد من العقدين بمهر صحيح، ويبطل ما سمياه من الشغار. 22350 - فإن قيل: النهي يفيد الفساد. 22351 - قلنا: صحيح، وقد أفسدنا ما تناوله النهي، وهو النهي الفاسد، يبين ذلك: أنا حملنا النهي على هذا كان عامًا فيمن أطلق العقد، فقال: زوجتك ابنتي على أن تزوجني بنتك وسكت، وفيمن قال: على أن مهر كل واحدة بضع الأخرى وكلا الأمرين شغار، وعند مخالفنا: يفسد إذا صرح بأن البضع بدل، ولا يفسد الآخر وعندنا يفسد الشرط في العقدين ويجب المثل، فكان ما قلناه أشبه بالظاهر وأقرب إلى العموم. 22352 - فإن قيل: قد روي [أنه - عليه السلام -] (نهى عن نكاح الشغار) وهذا يدل على أن النهي يتناول العقد. 22353 - قلنا: الأخبار المعروفة التي رويت نهي فيها عن الشغار، وذلك يتناول العوض. 22354 - فإن ثبت أنه نهي عن النكاح؛ فهو محمول على كراهة العقد، بدلالة أنا إذا حملناه على الكراهة كان عامًا في كل شغار، وإذا حمل على الفساد؛ خصوه ببعض ما يتناوله الاسم؛ فصار كل واحد منهما تاركًا للظاهر من وجه، ومستعملًا له من وجه. 22355 - قالوا: ملك الرجل البضع ثم جعله مهرًا لبنته، وهذا اشتراك بينهما فيه،

فصار كما لو زوجها من رجلين. 22356 - قلنا: هذا غلط؛ وذلك لأنه ملك الزوج البضع، وجعل مهر ابنته منفعة وصلت إلى أبيها بالتزويج، فكأنه قال: زوجتك بنتي على أن تهب لي هبة، أو تعفو لي عن دم العمد، فأما أن يكون ملك بنته البضع فلا، فلم نسلم ما قالوه، ولأنه ملك الزوج البضع، ثم أشرك معه المرأة على قولهم، وهي ممن لا يملك استباحة البضع والتشريك ممن لا يصح مشاركته لا يتعلق به حكم، ولهذا قال أصحابنا: إذا أوصى ثلثه لحي وميت استحق الحي جميع الثلث؛ لأن الميت لا تقع به مزاحمة في الثلث؛ وليس كذلك إذا زوجها لزوجين؛ لأن كل واحد منهما يصح أن يملك البضع فلو انعقد العقد تضايقا فيه. 22357 - فإن قيل: هذا يبطل إذا قال: زوجتكها وهذا المجنون. 22358 - قلنا: المجنون يملك منفعة البضع بعقد وليه، فهو ممن تقع المزاحمة به، ويصح منه المشاركة، إلا أن هذه الطريقة صحيحة على أصلنا، فأما المخالف، فقال: إذا أوصى لحي وميت بالثلث، فالحي له نصف الثلث وزادوا على هذا، فقالوا: إذا أوصى لزيد والمرياح فلزيد نصف الثلث. 22359 - والجواب المعتمد: أنا لو سلمنا التشريك الذي ادعاه مخالفنا لم يصح ما قاله؛ وذلك لأنه ملك بضع بنته زوجها استباحة، ثم جعل مهر البنت للزوج، فملكها البضع تمليك الأموال، إذا كانت المرأة لا تملك البضع استباحة ومتى ملك البضع اثنين ملك استباحة وملك غير استباحة، لم يناف ملكهما، وبدلالة أن المولى يزوج أمته ويبيعها، فيملك الزوج بضعها استباحة، ويملك المشتري مالًا ولا تقع بينهما مشاركة ولا مزاحمة، فدل على فساد هذه الطريقة وهي اعتمادهم في المسألة. 22360 - قالوا: ملك الزوج بضعها بالتزويج، ثم ارتجعه فجعله ملكًا لبنته صداقًا، وهذا يفسد النكاح، كما لو قال: زوجتك بنتي على أن يكون بضعها لفلان، وبعتك

هذه الدار على أن يكون ملكها لفلان. 22361 - قالوا: وهذا معنى قول الشافعي: إن هذا العقد فيه تسوية. 22362 - قلنا: قد بينا أن المرأة لا تملك البضع استباحة، وإنما ملكها إياه مالًا، وهذا لا ينفي تمليك الاستباحة، بدلالة أن من زوج أمته ثم باعها. فأما إذا قال: زوجتكها على أن بضعها لفلان قد بينا أنا لا نعرف الرواية فيه، فلو سلمناه كان المعنى فيه: أن فلانًا يملك البضع استباحة كما ملكه الزوج؛ فلم يصح أن يجتمع ملكهما عليه، وكذلك إذا قال: بعتك عبدي على أن يكون ملكه لفلان لم يصح؛ لأن ملك كل واحد منهما للعبد مثل ملك الآخر له، ويستحيل أن يملك كل واحد منهما جميع العبد، فلما شرط ذلك بطل العقد. 22363 - قالوا: جعل المعقود عليه معقودًا به، فوجب ألا يصح، كمن قال: زوجت بنتي من عبدك على أن رقبته مهرها؛ فوجب ألا يصح. 22364 - قلنا: هذا الوصف غير مسلم في أحد الروايتين؛ لأنه قال: يصح العقد، ويكون المهر قيمته، فعلى هذه الرواية يسقط القياس، وعلى الرواية الأخرى المانع ليس هو ما ذكروه، ولكن المانع أن العقد لو صح لاقترن ملك المرأة رقبة الزوج ملكه لبعضها، ولو طرأ ملكها للرقبة على النكاح أبطله، فإذا قارن انعقاد العقد منه من انعقاده، وهذا المعنى لو أذن المولى لعبده في التزويج، ولم يقل على رقبتك، فزوجها على رقبته، صح النكاح؛ لأنها لا تلك رقبته بالعقد، وكذلك لو زوج عبده أمته على رقبته صح النكاح، لأن الرقبة يملكها مولاها وإن كان المعقود به. 22365 - قالوا: جعل البضع معقودًا عليه ومعقودًا به؛ فبطل أن يكون معقودًا به؛ فوجب أن يبطل أن يكون معقودًا عليه.

22366 - قلنا: البضع يصح أن يعقد عليه ولا يصح أن يعقد به، فيصح العقد عليه، ويبطل العقد به، وهذا كما لو تزوجها على طلاق امرأة أخرى، جعله طلاقًا ومهرًا، ويصح أن يكون طلاقًا. ولا يصح أن يكون مهرًا، وعلى هذا لو تزوجها على عتق أبيها والعفو عن دم العمد يقع ذلك؛ ولم يصح جعله صداقًا، وصح كونه معقودًا عليه وإن بطل كونه معقودًا به.

مسألة 1081 مسألة خيار العيب

مسألة 1081 مسألة خيار العيب 22367 - قال أبو حنيفة، وأبو يوسف: لا يفسخ النكاح بعيب أحد الزوجين، إلا أن يكون الزوج مجبوبًا، أو عنينًا، فيثبت الخيار للمرأة، ويفرق الحاكم ويكون طلاقًا لا فسخًا. 22368 - وقال الشافعي: يفسخ النكاح بعيوب الزوج: الجب والعنة والجذام والبرص والجنون، ويفسخ في المرأة: بالجنون والجذام والبرص، والقرن، والرتق. 22369 - فإن كان الفسخ بذلك قبل الدخول فلا مهر لها، وإن كان بعد الدخول فعلى الزوج مهر المثل دون المسمى. 22370 - وهل يرجع به على زوجته؟ فيه قولان، أحدهما: يرجع/ عليه، والآخر: لا يرجع عليه. 22371 - وإذا حدثت العيوب بعد العقد، فإن حدثت به، فلها الخيار قولًا واحدًا، وإن حدثت بالمرأة، فهل يثبت للزوج الخيار، فيه قولان:

22372 - لنا: قوله تعالى: {فانكحوهن بإذن أهلهن وءاتوهن أجورهن}، ولم يفصل أن يظهر بها عيب أو لا يظهر. 22373 - ولأنه عقد على البضع؛ فلا يفسخ بالعيب كالخلع. 22344 - ولأنه عقد لا يفسخ بما سوى العيوب الخمس؛ فلا يفسخ بها، أصله: الخلع وعكسه: البيع. 22375 - ولا يقال: إن حكم العيوب مختلف في الفسخ، بدلالة أن المهر ينفسخ ببعض العيوب دون بعض؛ لأن عندنا المهر يرد بكل عيب مستدرك بالرد به فائدة وتستوي كل العيوب التي يوجد فيها هذا المعنى، ولا يستدرك بالرد به فائدة لا يكون حقًا للعاقد، فكذلك لا يرد به. 22376 - ولأن وجوب النقض بالمعقود عليه لا يكون أكثر من فوات المعقود عليه، ولو فات المعقود عليه في النكاح بالموت لم يؤثر ذلك في سقوط البدل، ففوات بعضه أولى لا يؤثر فيه، يشهد لذلك: البيع قبل القبض لما لم ينفسخ العقد بملكه؛ كان لفوات أجزائه تأثير في الفسخ. 22377 - ولا يلزم إذا وجدنا عنينًا أو مجبوبًا؛ لأنه لا يثبت لها حق الفسخ، وإنما يثبت لها حق المطالبة بالطلاق، ولا يسقط شيء من البدل. 22378 - ولأن النقص بالعوض ليس بأكثر من فواته، ولو فقدت يد أحد الزوجين

لم يثبت الخيار، فإذا وجد بيده برص أولى أن يثبت الخيار. 22379 - فإن قيل: هذا يبطل بمن باع عبدًا على أنه مقطوع اليد، فوجده أبرص اليد، فلو كانت اليد مقطوعة لم يثبت الخيار، وإذا كانت برصاء يثبت الخيار، فصار نقص اليد بالبرص أكبر من قطعها في باب الخيار. 22380 - قلنا: من أصحابنا من التزام هذا، وقال: لا خيار له إذا كانت برصاء، كما لا خيار له إذا كانت قطعاء، فعلى هذا يسقط السؤال. 22381 - ومن أصحابنا من قال: البرص عيب، والقطع عيب برئ البائع من أحد العيبين دون الآخر، فإذا وجد القطع الذي برئ منه فلا خيار، لإسقاط المشتري صفة منه، فإذا وجد البرص فلم يسقط المشتري حقه منه، فثبت الخيار. 22382 - فإن قيل: [لا تعافه] الأنفس، فلم يمنع من الاجتماع، والبرص تعافه الأنفس فيمنع من الاجتماع. 22383 - قلنا: القروح السائلة والبخر تعافه الأنفس، ومع ذلك لا يثبت به الخيار عند المخالف. 22384 - ولأن كل نقص بالزوج إذا لم يمنع الوطء، ولا تفوت به الكفاءة لم يوجب الفسخ، كسائر العيوب؛ لأن المعقود عليه من جهة الزوج المهر، وقد سلم لها بالعيب فرقبته عيب بغير المعقود عليه؛ فلا يثبت الفسخ. 22385 - احتجوا بما روى: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج امرأة من بني بياضة، فوجد بكشحها بياضًا، فردها، وقال: (دلستم علي).

22386 - قلنا: قد روي البخاري هذا الحديث عن ابن عمر، وذكر فيه فرأي بكشحها بياضًا، فخلى سبيلها، وهذا يفيد الطلاق. 22387 - وروى الحديث كعب بن عجرة، وقال تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة من بني غفار، فلما دخل عليها رأي بكشحها بياضًا، فقال: (البسي ثيابك والحقي بأهلك). 22388 - وهذا يفيد الطلاق أيضًا، وإذا اختلفت الألفاظ، وجب التوقف فيه، ولو ثبت ما قالوه فلم يكن فيه دلالة؛ لأنه يحتمل ردها بالطلاق، ويحتمل ردها بالفسخ، وإذا احتمل بالوجهين وجب حمله على الرد بالطلاق ليوافق الخبر الآخر الذي قال فيه: (الحقي بأهلك). 22389 - قالوا: إن ذكر العيب والرد؛ فالظاهر أن المراد بالرد الفسخ، كما لو ذكر العيب في المبيع والرد حمل على الفسخ. 22390 - قلنا: الرد في المبيع ليس له إلا جهة واحدة، وهو الفسخ فيحمل

عليه، وفي مسألتنا للرد وجهان: الفسخ والطلاق، فليس حمله على أحدهما أولى من حمله على الآخر. 22391 - قالوا: لما ذكر وجود العيب في ذكر الرد؛ فالظاهر أن الرد يتعلق بوجود العيب؛ لأن الحكم إذا نقل مع سببه فالظاهر أنه متعلق به. 22392 - قلنا: الطلاق يتعلق بالعيب؛ لأنه لولا كراهة ما رأي عن عيبها لم يطلقها، وهذا كما روي عنه: أنه عليه الصلاة والسلام تزوج امرأة فلما دخل عليها، قالت: أعوذ بالله منك، فقال: (لقد عذت بمعاذ، الحقي بأهلك) فطلقها لأجل استعاذتها، وإن لم توجب ذلك، وهذا كما يقال: شاجرته فطلقها، وشاقته فطلقها، وإن لم يوجب هذا الطلاق، يبين ذلك: ما روي أنه - عليه السلام - ساق معها مهرها، ولو كانت الفرقة فسخًا لم يجب لها المهر. 22393 - ولأن في خبرهم ردها على أهلها وهذا من كنايات الطلاق، ولو أراد الفسخ لقال: ردها على نفسها. 22394 - فإن قال: إيقاع الفرقة بلفظ الكناية مكروه، فكيف يوقعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ 22395 - قلنا: إنما يكره حال الاختيار، فأما عند الحاجة إلى الفرقة؛ فلا يكره كما يكره، كالخلع عند الشقاق. 22396 - فإن قيل: الرد صريح في الفسخ كناية في الطلاق، وحمل اللفظ على الصريح الأول. 22397 - قلنا: الفسخ لا يصح عند مخالفنا باختيار الزوج حتى يفسخ الحاكم الطلاق مع اختيار الزوج، فحمل الرد على الطلاق أولى لأنه نقل فرد تفرد به النبي

- صلى الله عليه وسلم - ولم يوقعه الحاكم، وذلك لا يكون إلا الطلاق. 22398 - قالوا: قد روي في الخبر أنه رد نكاحها. 22399 - قنا: هذا اللفظ لا يعرف، ولو ثبت كان من ألفاظ الطلاق أيضًا، وهو الذي يملكه الزوج، وإنما رد النكاح الذي هو الفسخ؛ فلا ينفرد به، ولا يملكه إلا أن يرفعها الحاكم. 22400 - قالوا: عيب يمنع من معظم المقصود من الاستمتاع، فوجب أن يستحق به خيار الفرقة كالجب والعنة. 22401 - قلنا: يبطل بالبخر؛ فإنه يمنع معظم المقصود من الاستمتاع ولا يثبت الخيار، والمعنى في الجب والعنة: أن المرأة لها حق في الوطء، فإذا تعذر عليها من جهة المجبوب لم تتوصل إلى تحصيل حقها منه إلا بطلب الفرقة، فلذلك ثبت لها اختيار الطلاق، وليس كذلك الزوج؛ لأنه متى تعذر عليه الاستمتاع لقرنها أو رتقها لم يتعذر عليه الوصول إلى حقه من الوطء من جهة غيرها، فلم يكن له المطالبة بالتفريق، بين الفرق بينهما: أنه إذا آلى منها، لما تعذر عليها الوصول إلى حقها؛ ثبت لها الطلاق، ولو حلفت هي ألا تمكنه من نفسها وامتنعت عليه، لم يكن له حق في المطالبة بالفرقة [لأنه يقدر] على تحصيل حقه من الاستمتاع من غيرها. 22402 - وجواب آخر: وهو أن الجب والعنة لا يستقر معهما المهر استقرارًا صحيحًا، بدلالة: أنه يجوز أن يرافعها إلى حاكم لا يرى استقرار المهر بالخلوة، فيسقط نصف مهرها بالمطالبة بالطلاق، يثبت لها للنقص الذي حصل بالمهر، ألا ترى أن ما ثبت بالإجماع أقوى مما يثبت بالاختلاف، والنقص بالمهر يؤثر باتفاق، ولا طريق إلى استدراك هذا الحق ليكمل مهرها إلا بالتفريق.

22403 - ولا يقال: إن كمال المهر يجب عندكم بالخلوة؛ لأنه وإن كان كذلك، فلم يكمل المهر، لجواز أن يحكم الحاكم بسقوط نصفه، فينفذ حكمه. 22404 - فإن قيل: لو أبرأت من مهرها، ثم طلقت على العنة كان لها الخيار، وإن لم يكن لها حق في إكمال المهر. 22405 - [قلنا: من مذهب زفر: أنها] إذا أبرأت ثم طلقها؛ رجع عليها بنصف المهر، فلها حق في استقرار المهر بعد البراءة، حتى لا يحكم الحاكم للزواج بالرجوع عليها. 22406 - قالوا: عيب في أحد الزوجين يمنع من الوطء، لم يرض به صاحبه، فوجب أن يثبت له الخيار، كالجب والعنة. 22407 - قلنا: هذا فرض الكلام في الرتق؛ فالعلة تنقض بالمريضة التي لا يمكن وطؤها. 22408 - فإن قيل: المرض يزول فيمكن الوطء. 22409 - قلنا: فكذلك الرتق يزول بشق الموضع حتى قال الشافعي: إن تعالجت لإزالته جاز، فإن سقط الخيار، وإن أراد الزوج إزالته فامتنعت؛ فلها ذلك؛ لأنه جراحة، وفرق بين إزالة الرتق وإزالة البكارة. 22410 - فإن قالوا: نفرض الكلام في القرن. 22411 - قلنا: القرن لحم نبت في الفرج، فهو من جنس الرتق، والعقل يتصور جميع ذلك، والمعنى في الأصل/ ما قدمنا. 22412 - فإن قيل: ما ذكرتموه في الجب والعنة، ليس بصحيح؛ لأن المبيع لو ظهر به عيب يفسخ به العقد عند بعض الفقهاء، ولا يفسخ عندكم، ويثبت الخيار عندكم، وإن كان البدل لا يستقر. 22413 - قلنا: أما المشتري فلا حق له في استقرار الثمن عليه، ولا يجوز أن يثبت

له الخيار. 22414 - وأما البائع: فالنقص حاصل فيما هو من جهته، وقد بينا أن هذا المعنى لا يثبت الخيار، وإن لم يستقر العوض، كما لا يثبت للمرأة الخيار إذا كان بها عيب وإن لم يستقر العوض. 22415 - فإن قيل: فيجب إذا وطئها، ثم جب أن لا يثبت الخيار [لأن البدل استقر بالوطء]. 22416 - [قلنا: كذلك نقول: لا يثبت الخيار] بالجب بعد الوطء، كما لا يثبت بالعنة بعد الوطء. 22417 - [فإن قيل: فيجب إذا امتنع الزوج من الوطء، وهو صحيح قادر على الوطء تثبت لها المطالبة بالوطء]. 22418 - قلنا: كذلك نقول: إن القادر على وطئ زوجاته وإمائه إذا تزوج امرأة فلم يطأها أجلناه سنة، فإن وطئها في السنة وإلا فرقنا بينهما، ومن كان قادرًا على وطء بعض نسائه، فليس بعنين، وهذه المسألة منصوصة في الكتاب. 22419 - فإن قيل: إنما ثبت الخيار عندكم لأنها لا تأمن أن يطلقها، ويرفعها إلى الحاكم، ثم يوجب لها نصف المهر، فكيف يثبت الخيار على ثبوت نصف الصداق؛

فيفرقون بينهما، وهذه الفرقة تسقط جميع الصداق؟ 22420 - قلنا: هذا غلط؛ لأن القاضي يفرق بينهما، وهذه الفرقة طلاق عندنا، ويقضي عليه بجميع المهر للخلوة؛ فيسلم لها البدل ويسقط ما تخافه من النقص فيه؟. 22421 - قالوا: معاوضة لازمة يلحقها الفسخ، فجاز أن تفسخ بالعيب، كالبيع. 22422 - قلنا: النكاح لازم من جهة المرأة، غير لازم من جهة الزوج، فالوصف غير مسلم. 22423 - وقولهم: (يلحقها الفسخ) غير مسلم؛ لأن الفسخ عندنا لا يدخل الأنكحة، وإنما يدخلها الفرق، فتارة طلاق، وتارة غير طلاق. 22424 - فإن أرادوا بالفسخ الفرقة. 22425 - قلنا بموجب العلة في التفريق بالجب والعنة، والتفريق بعدم الكفاءة، والمعنى في البيع؛ لأنه لما دخله الفسخ، لم يختص الفسخ بعيوب معدودة [فلو] دخل النكاح الفسخ بالعيب لم تنحصر العيوب. 22426 - قالوا: عقد على منفعة، كالإجارة. 22427 - قلنا: هناك العقد على منفعة، فالعيب فيها عيب بنفس المعقود عليه. وفي مسألتنا المعقود عليه الاستباحة، فهذه العيوب كلها بغير المعقود عليه، ولأن الإجارة لما فسخت بالعيوب الخمسة فسخت فيما سواها، ولما لم ينفسخ النكاح بما سوى الخمسة لم يفسخ بها. 22428 - قالوا: عقد على منفعة، فينفسخ بجنون المعقود عليه، كالإجارة إذا جن العبد. 22429 - قلنا: إذا جن العبد لم يكن استيفاء منفعة لم ينفسخ العقد،

وإنما ينفسخ إذا تعذر بالجنون استيفاء يفسخ العقد، وإنما ينفسخ إذا تعذر بالجنون استيفاء المنفعة، والجنون في المرأة لا يمنع استيفاء الاستباحة، ولم يؤثر ذلك في المعقود عليه، وينعكس فتقول: وجب أن يستوي الجنون والبرص كالإجارة. 22430 - قالوا: الصداق يجب رده بالعيب، وكل عوض جاز رده بالعيب جاز رد ما في مقابلته إذا لم يرض به، أصله: الثمن، والمثمن. 22431 - قلنا: لا يمتنع أن يختلف في العقد حكم البدلين. بدلالة: أن بدل الخلع والصلح من دم العمد والكتابة، يرد بالعيب، وما في مقابلته لا يرد بالعيب. ولأن العيب إذا وجد بالبدن لم يفسخ به العقد، ولأن العيب بالبدن عيب بالمعقود عليه، وقد بينا أن العيب بالمرأة موجود بتعين المعقود عليه. 22432 - قالوا: والجنون والجذام والبرص يمنع الاستمتاع؛ لأن النفس تنفر منها، وتعدي الزوج والولد. 22433 - قلنا: أما نفور النفس: فموجود في البخر والقروح السائلة إذا كانت بالبدن، وأما العدوى: فقد أخبر فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخلاف ذلك، فقال: (لا عدوى ولا صفرة ولا طيرة). وقيل له: في الإبل إذا وردت على الجراب أنها تجرب، فقال: (ومن أعدى الأول). 22434 - والمشاهدة تبطل ذلك؛ لأن ولد الأبرص قد يكون سليمًا، وولد السليم قد يكون أبرص وما روي عنه - عليه السلام - (فر من المجذوم كفرارك من الأسد)؛

يجوز أن يكون مجذومًا معينًا أمرًا باجتنابه لكفره، أو المعنى غير الجذام وما روي أن رجلًا قد مد يده وكان مجذومًا وما قبض - عليه السلام - يده عنه، ثم قال: (قد بايعتك)؛ فيحتمل أن يكون جذامًا مقيمًا، فاستقذره - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن ذلك لخوف العدوى. * * *

مسألة 1082 مسألة: خيار العتق

مسألة 1082 مسألة: خيار العتق 22435 - قال أصحابنا: إذا أعتقت الأمة وهي تحت زوج؛ فلها الخيار حرًا كان الزوج أو عبدًا. 22436 - وقال الشافعي: إن كان عبدًا؛ فلها الخيار، وإن كان حرًا؛ فلا خيار لها، فإن أعتقت تحت عبد فأعتق قبل التخيير، هل تخير؟ فيه قولان. 22437 - لنا: ما روي شعبة عن الحكم وعن إبراهيم عن

الأسود عن عائشة، قالت: كان زوج بريرة حرًا، وإنها خيرت فاختارت نفسها. 22438 - [روى سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: (كان زوج بريرة حرًا)] ورى الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: (كان زوج بريرة حرًا، فلما أعتقت خيرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -). 22439 - فإن قيل: هذا معارض بما روى عن هشام، عن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: (كان زوج بريرة عبدًا، ولو كان حرًا لما خيرها). 22440 - قلنا: هذا خبر مضطرب؛ لأن هشام بن عروة، روى عن عبد الرحمن ابن القاسم، عن أبيه: أن زوج بريرة كان عبدًا. فلما روي الخبر مرة عن أبيه،

ومرة عن عبد الرحمن بن القاسم؛ فإن الرجوع إلى رواية الكوفيين عن الأسود من غير تعارض أولى. 22441 - وروى سماك بن حرب، عن عبد الرحمن بن القاسم، وسماك لا تقابل رواياته رواية الحكم، ومنصور، والأعمش. 22442 - فإن قيل: خبرنا رواه القاسم، وهشام، وعمرة بنت عبد الرحمن، ورواية الثلاث أولى من رواية الواحد. 22443 - [قلنا]: هذا يقال عند تساوي الخبرين، وخبر من روى الحرية أولى من خبر من روى الرق، كشهادة اثنين بالرق وجماعة بالحرية، أن الحكم بالحرية أولى، وإن اجتمع على الرق عشرة. 22444 - فإن قيل: لسنا نسلم هذا في الشهادة. 22445 - قلنا: إذا كان الرق معلومًا بالشهادة فبالحرية أولى بإجماع، وإنما يقول

مخالفنا إذا جهل الأمر، فالرق أولى، ومغيث معلوم أنه كان عبدًا أسود فحاله غير مجهول، فالخبر بحريته كالشهادة بحريته. 22446 - فإن قيل: هشام بن عروة ابن أختها [أسماء]، والقاسم بن أخيها [محمد] وعمرة بنت أخيها عبد الرحمن، وكل هؤلاء يرونها بغير حجاب، فروايتهم أولى من رواية الأسود الذي لقيها دون حجاب. 22447 - قلنا: رواية الأهل لم يقل أحد بتقديمها على رواية غيرهم. ولأن حجة الصحابة حديث أسامة، وابن عباس، على حديث أبي بكر وعمر. 22448 - قالوا: القاسم بن محمد، وعروة بن الزبير من الفقهاء السبعة فروايتهم أتقن. 22449 - قلنا: هذا كلام من لا يعرف منزلة الأسود في علمه ودينه وسفره في طلب العلم ومناظرته لعلي بن أبي طالب، وأن عبد الله بن عباس استفتاه ورجع إلى قوله، والراوي عنه إبراهيم النخعي ومنزلته في العلم والدين أظهر من أن يدل عليها. 22450 - على أن الترجيح يستعمل في الخبرين المتضامنين، ونحن نجمع بينهما، فنقول: كان عبدًا في الأصل، وحرًا عند إعتاقها، أو نقول: كانت عائشة ظنت أنه

عبد؛ لأنه لم يثبت عنها عتقه، وأخبرت على الظاهر، ثم علمت عتقه فقالت: كان حرًا. 22451 - فإن قيل: فنحن نقول: إنها قالت: كان حرًا؛ لأنها لم تعلم استرقاقه، والأصل الحرية، ثم علمت برقه. 22452 - قلنا: هذا لا يصح في المجهول الحال، فأما مغيث: فالحال في رقه أظهر من أن يخفى، فقد كان أسود. 22453 - فإن قيل: ما روى في خبركم: أنه كان حرًا، قول الأسود، وليس من قول عائشة، بدلالة: أن ابن المنذر روى عن إبراهيم أن الأسود قال: كان زوج بريرة حرًا. 22454 - قلنا: إذا أخبر الأسود بما رواه لم يدل ذلك على أنه من قوله؛ لأن الإنسان يروي، ويفتي ويخبر بما روى. 22455 - فإن قيل: إذا تعارضت الأخبار عن عائشة، فقد روي عن ابن عباس: إن زوج بريرة كان عبدًا، ولم تتعارض الرواية عنه. 22456 - قلنا: لا يعارض هذا ما رويناه؛ لأن من نقل الحرية الطارئة، أولى ممن نقل الرق الذي هو الأصل. 22457 - وطريقة أخرى من الاستدلال بالخبر، وهي ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لبريرة: (ملكت بضعك فاختاري). فجعل العلة في ثبوت الخيار ملكها لبضعها، وهذا يفيد ثبوت الخيار لمعنى فيها، وعند مخالفنا: أن الخيار ثبت لمعنى في الزوج؛ فالخيار يفيد ضد مذهبه، ولا يحتاج على هذه الطريقة إلى/ إثبات حرية الزوج؛ لأنا إذا سلمنا أنه عبد؛ فقد علل - عليه السلام - ثبوت الخيار بمعنى فيها، وهذا خلاف قولهم.

22458 - قالوا: هذه اللفظة لا تعرف. 22459 - قلنا: رواها شيخنا أبو بكر الرازي بإسناده. 22460 - قالوا: لا نسلم أنها ملكت نفسها إذا كانت تحت العبد. 22461 - قلنا: لم رد النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: (ملكت بضعك فاختاري) يعني بالاختيار، وإنما أراد أن الملك في البضع بالحرية انتقل إليها. 22462 - فإن قيل: قوله: (ملكت بضعك فاختاري) بيان لبعض العلة، وتمامها ملكت بضعك تحت العبد، فوكل بعض العلة إلى الاجتهاد، وذلك [غير] ممتنع كما يجوز أن يكل جميعها إلى الاجتهاد، وهذا كما يقولون في قوله - عليه السلام - في دم الاستحاضة: (أنه دم عرق). والمراد به دم عرق خارج. 22463 - قلنا: الظاهر أنه إذا ذكر التعليل فقد علق الحكم به، ومتى كان المذكور بعض العلة؛ فالحكم لا يتعلق به، وذلك غير الظاهر. 22464 - وأما قوله - عليه السلام -: (إنه دم عرق)، فإنما علمناه، بدليل الإجماع أن الطهارة لا تتعلق بالدم إلا بعد خروجه، فضممنا ذلك إلى كونه دم عرق [بالإجماع. 22465 - ولأن الحكم لا يجوز أن يتعلق بمجرد كونه دم عرق] وفي مسألتنا يمكن أن تعلق الحكم بالعلة المذكورة؛ فلا يجوز ضم وصف آخر إليها. 22466 - فإن قيل: المعتقة ما ملكت بضعها، وإنما ملكت الخيار الذي تملك به بضعها ولا نسلم هذا تحت الحر. 22467 - قلنا: غلط، هي مالكة لبضعها بالتخيير وإنما نملك أن تخير لترفع ملك الزوج عن الاستباحة وملك البضع غير هذا، ألا ترى أن المولى كان مالكًا لبضعها والزوج يملك الاستباحة، وهي تملك بالعتق ما كان المولى يملكه؟ ولأنها ملكت نفسها

قلنا: نريد بذلك أنها أولى بالتصرف في نفسها من غيرها. ولا يلزم، كالأمة إذا تزوجت بغير إذن المولى ثم أعتقها أنه يجوز. ولا خيار لها؛ لأن العقد بالناس إنما يتم بعد الحرية فقد ملكت نفسها بعد تمام العقد عليها ولا يلزم على هذا إذا زوج أمته ولا مال له غيرها بمهر هو ضعف قيمتها، ثم أعتقها في مرضه ومات أنه لا خيار لها وذلك لأن هذه عندنا لها الخيار وإنما تعذر استيفاء الخيار لها اختارت نفسها قبل الدخول قط المهر وإذا قط لم يخرج رقبتها من الثلث، فوجبت السعاية، وإذا وجبت السعاية بطل خيارها. 22468 - ففي إيقاع الفرقة بالخيار إسقاط الخيار، فتعذر كالاستيفاء والتعليل لثبوت الخيار لا لاستيفائه. 22469 - يبين ذلك: أنه لو ظهر للميت مال ثبت الخيار، ولا يجوز أن يتجدد الخيار بظهور المال، فعلم أنه ثبت بالعتق ثم تعذر كالاستيفاء، فلما أمكن الاستيفاء خيرت، ولا يلزم الحرة إذا أقرت برق وهي تحت زوج أعتقت لا خيار لها؛ لأنا قلنا بعد تمام العقد عليها، وها هنا أي عقدت على نفسها، ولأنا قلنا: ملكت نفسها بالحرية وهنا القبض في حق جميع الناس، وهذه لا تصدق على الرق في حق الزوج فلم تملك نفسها بالحرية في حقه. 22470 - فإن قيل: المعنى في الأصل: أن الزوج لم يساورها في الكمال، فيثبت لها الخيار ومن أعتقت تحت حر فقد ساواها في الكمال، [فلم يثبت إذا أعتقت الخيار. 22471 - قلنا]: عدم المساواة حال البقاء في الكمال لا يثبت الخيار، بدلالة الفقيرة تحت الفقير لا خيار لها، كذلك الفاسقة إذا أعتقت تحت الفسق؛ لأن زوال المساواة حصل في حال البقاء؛ لأن سبب الخيار طارئ، فاستوى فيه رق الزوج وحريته، أصله: إذا قال لها: اختاري. 22472 - ولأن بالحرية يملك عليها زيادة معنى لم يملكه بالعقد وهو المراجعة في الطهر الثالث، فكان لها حق التفريق، حتى لا يملك عليها ما لم يكن مالكه من قبله، أصله: إذا كانت تحت عبد.

22473 - ولأنها معتقة تحت زوج كما لو كان عبدًا. 22474 - احتجوا: بما روي أن زوج بريرة كان عبدًا، فخيرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 22475 - قالوا: والحكم إذا نقل مع السبب؛ فهو كنقل العلة كقولهم: زنا ماعز فرجمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 22476 - قلنا: إذا روي أنه كان حرًا يوم أعتقت فخيرها؛ بطل أن يكون الرق علة؛ لأنه لو كان كذلك لم يجز أن ينتقل الحكم مع عدمه، وقد بينا أن الجمع بين الخبرين يقتضي أنه كان عبدًا في الأصل، وحرًا عند التخيير، ويحتمل أن يكون عبدًا يوم العتق وحرًا التخيير، فيكون أيضًا جمعًا بين الخبرين ودلالة على مخالفنا. 22477 - فإن قيل: [في خبرنا أنه كان حرًا عند التخيير]، ويحتمل قوله حرًا على حرية الأصل، وقوله: كان عبدًا على الرق الطارئ. 22478 - قلنا: في خبرنا أنه كان حرًا عند التخيير، ويستحيل أن يطرأ الرق على الحرية في الإسلام، كيف، وقد روي سليمان التيمي، عن إبراهيم، عن الأسود عن عائشة قالت: كان زوج بريرة مملوكًا لآل أبي أحمد. 22479 - فهذا يدل على أنها أخبرت عن حرية تعلق بها الولاء، وهذه حرية

طارئة، وليست حرية الصل. 22480 - ولأنا نعلق الحكم بعتقها، ويعلقونه بعتقها ورقه، فكل منا رجع إلى السبب المنقول، لأنا علقنا الحكم بسبب المتجدد وهو العتق، وعلقوه به وبسبب لم يتجدد وهو رق الزوج، والحكم إذا نقل مع السبب؛ فالمتجدد هو العلة، كقولهم: زنا ماعز فرجمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، [فتعلق الحكم بالزنا المتجدد دون ما لم يتجدد من صفات ماعز، وكذلك: سها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] فسجد. يتعلق الحكم بالمتجدد وهو السهو ولا يتعلق بكون الساهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 22481 - احتجوا: بحديث عروة، عن عائشة: أن بريرة أعتقت وكان زوجها عبدًا، فخيرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولو كان حرًا لم يخيرها. 22482 - قلنا: إذا روي عن عائشة أنه كان عبدًا فخيرها علم أنها ظهرت عن ظن منها أنه عبد، ثم بان لها خلاف ذلك. 22484 - وقولها: (ولو كان حرًا لم يخيرها) لا يجوز أن يكون توفيقًا؛ لأنه لو كان كذلك لم يتعين روايتها، فعلم أن هذا قالته ظنًا حين اعتقدت أنه عبد، وأن الحكم نقل مع السبب، فلما بان لها خلاف ذلك انتقلت إليه.

22485 - احتجوا: بما روى عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لبريرة: (إن شئت أقمت تحت هذا العبد، وإن شئت فارقته). 22486 - قلنا: يجوز أن يكون سماه عبدًا لقرب عهده بالرق، كما روي: أنه أمر بلالًا أن ينادي أنا العبد، فأقام الدليل على ذلك خبرنا. 22487 - قالوا: روى القاسم بن محمد، عن عائشة أنها أرادت أن تعتق مملوكين لها فأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تبدأ بالرجل دون المرأة. 22488 - ولا فائدة في تقديم عتق الرجل إلا الاحتياط للنكاح، حتى لا يتقدم عتقها فتختار. 22489 - قلنا: لو كان التقدم لذلك، كان يأمرها أن تعتقهما معًا؛ لأن الخيار لا يثبت على قولكم، فعلم أنه أمر بذلك لفضيلة الرجل على المرأة، فقدمه في العتق لفضله. 22490 - قالوا: روى مثل قولنا: عن عائشة، وصفية، وابن عمر، وابن عباس. 22491 - قلنا: إنما يرجعون إلى من روى الخبر، فيجعلون ما رواه مذهبه، وهذا ليس بصحيح. 22492 - وقد روي عن ابن عباس: أن الأمة إذا أعتقت ولها زوج فاختارت نفسها فلا مهر لها، أن تذهب بنفسها وماله ولم يفصل بين الزوج الحر والعبد.

22493 - وقد قال بقولنا: الشعبي، وطاووس، والنخعي، قال: طاووس: لها الخيار ولو أعتقت تحت قرشي، وهؤلاء لن ينقرض عصر الصحابة حتى أفتوا بخلافهم معتد به، فيما روى عن بعض الصحابة، ولم يعلم انتشاره. 22494 - قالوا: [الأصل بقاء النكاح]، فمن زعم أنه يفرق بينهما احتاج إلى دليل. 22495 - قلنا: الأصل أن منافعها لم تملك عليها، [وإنما ملكت على المولى]، فمن زعم أنها تملك عليها احتاج إلى دليل. 22496 - قالوا: حصل لها تحت حر معنى لو قارن ابتداء النكاح لم يثبت به الخيار، فكذلك في إثباته، كالعمى والقطع، [وعكسه الجب والعنة]. 22497 - قلنا: الخيار لا يثبت عندنا؛ لأنا حصلت تحت عبد، وإنما ثبت لها لأنها لم ترض بتملك بضعها، وعدم الرضا ولو قارن العقد ثبت الخيار لأجله عندنا، ويبطل هذا بإسلام الحربي وتحت عشرة، فإن الإسلام لو قارن عقده عليهن لم يثبت الخيار، ولو طرأ ذلك على النكاح لثبت الخيار. 22498 - والمعنى في العمى والقطع: أنه نقص لو حصل في أحد الزوجين مع كمال الآخر، لم يثبت الخيار، كذلك إذا تساويا فيه، والحرية/ إذا حصلت منها مع نقص الزوج بالرق، لم يثبت الخيار، كذلك مع كماله. 22499 - قالوا: معنى ساوت به الزوج في الكمال فلم يثبت به لها الخيار، كما لو أسلمت كتابية تحت مسلم، وكما لو بلغت وزوجها بالغ، أو فاقت من الجنون وزوجها عاقل. 22500 - قلنا: اعتبار المساواة في حال البقاء لا معنى له، وإنما يجب اعتبار

المساواة في ابتداء النكاح. 22501 - ولأن الخيار عندنا ثبت لمعنى فيها، وهو تمام العقد عليها وهو معنى مؤثر في الاختيار في جميع العقود، وينعقد لأكثرها عندهم. 22502 - ولأنا اتفقنا على أن النقص بالبدل يثبت الخيار في العقود، وهذه لم نسلم لها بعقد النكاح عوض، وعدم البدل أولى في إثبات الخيار من نقصه ولأن الذمية إذا أسلمت تحت المسلم لا يثبت لها الخيار، ليس لتساويهما في الكمال، بدلالة: أنها لو أسلمت تحت ذمي، لم يثبت لها الخيار، فكذلك تحت المسلم، والأمة إذا أعتقت تحت عبد يثبت لها الخيار كذلك. 22503 - وأما المجنونة إذا أفاقت فالبدل سلم لها بالعقل سلامة كاملة ولم يطرأ عليها ما يغير أملاكها، وفي مسألتنا لم تملك بدل بضعها بالعقد، وقد بينا أن لنقص البدل تأثيرًا، فلعدمه أولى. 22504 - وأما البلوغ: فلو بلغت تحت صغير لم يثبت لها خيار، كذلك تحت بالغ، وفي مسألتنا لو بلغت تحت عبد ثبت الخيار فكذلك تحت حر. 22505 - قالوا: معاوضة لازمة، فوجب ألا يثبت فيها خيار الفسخ بعد لزومها من غير عيب، كالبيع. 22506 - قلنا: قد ثبت الخيار في البيع بالعيب، وثبت بغيره، إذا اشترى عبدًا خبازًا فوجده غير خباز لفوات الشرط، فما قاله لا يصح، وفي مسألتنا ثبت الخيار لعدم سلامة البدل لها بالعقد، ونقص البدل يثبت الخيار في البيع بعده ففي مسألتنا أولى. 22507 - أو نقول: إن الخيار يثبت لها؛ لأنها لم ترض بالتمليك بمنافعها، وهذا المعنى له مدخل في إثبات الخيار في الابتداء. 22508 - ولا يلزم: الصغيرة إذا زوجت؛ لأن لذلك مدخلًا في إثبات الخيار في

الابتداء، إذا زوجها غير الأب والجد. 22509 - قالوا: ثبوت الخيار لأجل المتعاقدين إنما ثبت له لمعنى في غيره، فأما المعنى في نفسه فلا يثبت له الخيار. 22510 - قلنا: لم ثبت الخيار لمعنى فيها، لكن لأنه ملك عليها بالعقد معنى ازداد ملكه بحريتها فلها أن تختار حتى تدفع تلك الزيادة، ألا ترى أنه كان يملك عليها تطليقتين، فإذا أعتقت ملك عليها الثالثة، وكان لا يملك عليها الرجعة في القرء الثالث، وبعد العتق يملك، فثبت الخيار حتى لا يملك عليها ما لم يكن مستحقًا من قبل. 22511 - ولأنا بينا أن الخيار يثبت لها لعدم سلامة البدل بالعقد، وهذا ليس هو المعنى فيها. * * *

مسألة 1083 عتق الأمة تحت العبد وهي في عدتها من طلاق رجعي

مسألة 1083 عتق الأمة تحت العبد وهي في عدتها من طلاق رجعي 22512 - قال أصحابنا: إذا أعتقت الأمة تحت العبد وهي معتدة من طلاق رجعي فاختارت المقام مع زوجها صح اختيارها، ولم يثبت لها اختيار بعد الرجعة. 22513 - وقال الشافعي: لا يصح خيارها، فإذا راجعها ثبت لها الخيار. 22514 - لنا: أنها اختارت مع بقاء ملكه عليها، فصار كما لو [اختارت قبل الطلاق. 22515 - ولأنه يملك إزالة حكم المدة من غير اختيارها، فصح اختيارها] كما لو أعتقت تحت مولى، فاختارت المقام معه [مع مدة الإيلاء. 22516 - قالوا: جارية في العدة فلم يصح اختيارها المقام معه]، أصله: إذا قال لها: أنت بائن. 22517 - قلنا: المعنى فيه أنه طلقها بلفظ أفاد القطع، فصارت كالمطلقة ثلاثًا، وفي مسألتنا: وقع لفظًا لا يتضمن القطع، كما لو علق طلاقها بشرط. 22518 - قالوا: هي جارية إلى بينونة باختيارها المقام ضد صفاتها.

22519 - قلنا: يبطل إذا قال لها: إذا هل الهلال فأنت طالق ثلاثًا، ثم أعتقت. ولأن جريانها إلى البينونة لا يمنع بقاء ملكه عليها، فصح أن تتخير بقاء ذلك الملك وإن جاز أن لا يستدركه الزوج، كما تختار قبل الطلاق، وإن جاز أن لا يطلقها. * * *

مسألة 1084 نكاح التحليل

مسألة 1084 نكاح التحليل 22520 - قال أصحابنا: إذا قال الرجل: تزوجتك على أني إذا وطئتك فأنت طالق، وإذا أحللتك فأنت طالق، صح النكاح ويقع الطلاق إذا وجد الشرط. 22521 - وقال الشافعي: النكاح باطل. 22522 - وحكوا عنه أنه إذا قال: تزوجتك على أني إذا وطئتك فلا نكاح بيننا، أن النكاح يصح ويبطل الشرط، وهذا غلط؛ لأن عند أبي حنيفة قوله: لا نكاح بيني وبينك من ألفاظ الطلاق، فهو كقوله: على أني إذا وطئتك فأنت طالق. 22523 - وحكوا عنه: أنه إذا قال: تزوجتك إلى أن أطأك أو إلى أن أحللك، فالنكاح جائز. 22524 - وهذا غلط؛ لأن الغاية توقيت، والنكاح المؤقت لا يصح عندنا. 22525 - لنا: أنه نكاح غير مؤقت، فلم يبطله الشرط، أصله: إذا قال: تزوجتك

على أن أطلقك متى شئت، أو على أن لا أطأك. 22526 - احتجوا: بما روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (لعن الله المحلل والمحلل له). 22527 - قلنا: هذا نهي كراهة بدلالة أنه عم المحلل، وهذا عام فيمن شرط التحليل ومن اعتقد التحليل، وكل من اعتقد العموم حمل النهي على الكراهة ولم يحمله على التحريم، وذلك ترك للظاهر، ونحن نحمله على من وقت العقد، وذلك زيادة في الظاهر فتساوينا. 22528 - قالوا: نكاح شرط فيه انقطاعه قبل غايته، فوجب ألا يصح، كما لو قال: تزوجتك إلى أن أطأك. 22529 - قلنا: المعنى هناك أنه وقت العقد، وتوقيت النكاح يبطله، وفي مسألتنا لم يوقته، وإنما شرط انقطاعه بسبب يفيد الانقطاع، فصار كقوله: تزوجتك على أنك طالق متى طلقتك. 22530 - قالوا: فهذا أيضًا نكاح مؤقت؛ لأنه لا فرق بين أن يقول: تزوجتك إلى

أن أطأك وبين أن يقول: على أني إذا وطئتك فأنت طالق. 22531 - قلنا: هذا غلط؛ لأنه إذا ذكر الغاية فلم يعقد على ما بعدها، وإذا لم يذكر فالعقد يتناول الجميع، ثم شرط قطع ما يتناوله العقد بالطلاق. * * *

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب الصداق

مسألة 1085 تقدير أقل المهر

مسألة 1085 تقدير أقل المهر 22532 - قال أصحابنا: أقل المهر، مقدر بعشرة دراهم. 22533 - وقال الشافعي: ليس بمقدر، فما جاز أن يكون بدلا في البيع أو أجرة جاز أن يكون مهرًا.

22534 - لنا: قوله تعالى: {وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم} فشرط في الإباحة أن يبتغيها بالأموال وهذا لا يطلق على التقليل، ولا على العشرة [لولا قيام] الدليل. 22535 - فإن قيل: قد قال محمد: [إن من أقر لرجل بمال] وقال: هو ردهم، صدق فظاهر الآية يقتضي جواز العقد بثلاثة دراهم، لأنها أموال. 22536 - قلنا: الإطلاق لا يتناول ذلك في العادة، والإقرار لا يحمل على الإطلاق، وإنما يحمل على المتيقن. 22537 - ويدل عليه أيضًا [قوله تعالى]: {فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن فريضة} والفرض [يعبر به عن الواجب، وعن العقد]، فإن حملنا هذا على الواجب، كان تكرارًا، لأن الوجوب مستفاد بالأمر، فلم يبق إلا أن يحمل على التقدير، فكأنه قال: فأتوهم أجورهن مقدرة

وهذا ضد قول من قال: إن التقدير لا يدخل المهر. ويدل عليه حديث حرام بن عثمان عن ابنى جابر عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [لا تنكح النساء] إلا

من الأكفاء، ولا مهر أقل من عشرة دراهم رواه عمرو بن دينار، عن جابر إلا أن هذا الحديث غير معتمد على طريق أصحاب الحديث، لأن حرام بن عثمان ضعيف، وحديث عمر وبن دينار رواه مبشر بن عبيد عن الحجاج بن أرطاة ومبشر ضعيف عنده. والمعتمد من الأثر: ما روى الشعبي

والضحاك عن علي - رضي الله عنه - قال: (أقل ما يكون المهر عشرة دراهم) وهذا المقدار لا يدل على القياس عليه، فإذ قاله الصحابي حمل على التوقيف. 22538 - فإن قيل: روي عن علي - رضي الله عنه - أنه قال: لا مهر أقل من خمسة دراهم قلنا: نحمل هذا أيضًا على التوقيف، فكأنه روى الأمرين عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فالزايد أولى، أو نقول: إن الخبر دل أنه لا مهر أقل من خمسة دراهم، ولأن كل واحد من الخبرين قد دل على التقدير، وهو خلاف قولهم. ولأنها استباحة يقف استيفاؤها على مال، فوجب أن يكون أقل ذلك المال مقدرًا أصله: القطع في السرقة. وإن شئت

قلت: كل جارحة لا تستباح إلا بمال كان ذلك/ المال مقدرًا. كالمال الذي يقطع به السارق. 22539 - فإن قيل: لا نسلم أن استباحة البضع تقف على المال، لأنه يجوز عندنا بتعليم القرآن. ويجوز على الأصليين بخدمة العبد. 22540 - قلنا: فالمانع عندكم مال، وعندنا لابد أن تكون المنفعة بتسليمها تسليم مال. 22541 - فإن قيل: القطع ليس بمباح، وإنما هو واجب. 22542 - قلنا ليس نريد [ما ظنوه]، وإنما نريد جواز الإقدام. 22543 - قالوا: يبطل بشرى الأمة. 22544 - قلنا: هناك المال في مقابلة الملك، والبضع يستباح بحكم الملك، لا بالمال. 22545 - فإن قيل: استباحة البضع لا تقف على المال عندنا؛ لأنه لو تزوجها على أنه لا مهر لها، ثبتت الاستباحة، فإن ماتت لم تستحق المهر.

22546 - قلنا: استيفاء المنفعة يقف على المال باتفاق، ونحن اعتبرنا الاستيفاء، لا الملك. 22547 - فإن قيل: القطع لا يتعلق بكل مال، فلم يتعلق بكل مقدار، والمهر يجوز أن يكون بكل مال، فجاز أن يكون بكل مقدار. 22548 - قلنا: عندكم القطع يتعلق بسرقة كل الأموال حتى إن القطع وضع لصيانة الأموال، فاعتبر المال المقصود بالأخذ، وفي مسألتنا المقصود الملك، فكل الأموال في الملك سواء، ولأن القطع يسقط بالشبهة، وفي بعض الأموال شبهة، والمهر لا يسقط بالشبهة فيتعلق بكل مال. 22549 - فإن قيل: المعنى في القطع أن المستباح يتقدر بالمال بتقدر الاستباحة وفي النكاح لا يقدر، كذلك المال لا يتقدر. 22550 - قلنا: الفرق بينهما في العضو الذي يقطع أن ذلك مقدر، لا يتجاوزه القطع إلى غيره، والاستباحة التي يعاوض عليها مقدرة، لأن العوض عن استباحة الفرج، دون غيره. 22551 - فإن قيل: القطع يجوز أن يستوفي في مقابلة العشرة، [ويجوز استيفاء عضوين في قطع الطريق] [وكذلك يجوز أن يستباح في النكاح]

[بضعان] بعشرة. 22552 - قلنا: [لا نكاح في قطع الطريق عضوان بعشرة في اثنين]، كذلك [لا يستباح في النكاح عضوان من امرأتين بعشرة]، ولأن الأقل من هذا [القدر] لا يجوز أن يكون مهرًا للصغيرة إذا زوجها أبوها، فلم يجز أن يكون مهرًا للكبير. أصله: الخمر والخنزير. 22553 - ولأنه نكاح سمى فيه أقل من عشرة دراهم، فلم يكن المسمى مهرًا بنفسه. أصله: الأب إذا زوج الصغيرة، ومهرها أكثر من ذلك. 22554 - ولأن ما لا يتقدر به النصاب في السرقة، لا يجوز أن يكون مهرًا. أصله: ما لا قيمة له. ولأنه أحد التسميتين في النكاح، فجاز أن يدخله التقدير. أصله: عدد المنكوحات. 22555 - فإن عكسوا فقالوا: فوجب أن لا يتقدر بعشرة لم يصح، لأنهم لا يحتاجون إلى قولهم في عقد النكاح، ولو قال: في عقد صح. ولأننا دللنا على التقدير والكلام في تعيين التقدير مسألة أخرى، فلا معنى للعكس فيها. 22556 - ولأن النكاح يجب اعتبار المهر فيه لحق الله تعالى، وجب أن يتقدر، كالشهادة. والدليل على أن ثبوت المهر ابتداء حق الله تعالى أنهما لو تراضيا على

إسقاطه وجب، ولو كان حقًا لهما لم يجب مع التراضي بسقوطه فإن قيل: لو كان كذلك لم يجز أن تهبه بعد التسمي قلنا: حق الله في ثبوته ابتداء، وهبتها لا تسقط ثبوته في الابتداء. 22557 - قالوا: البيع لا يصح إلا ببدل، ولو اصطلحا على إسقاطه ابتداء لم يصح، وليس بحق الله تعالى. 22558 - قلنا: الملوك بالبيع يصح أن يملك بغير عوض، والمملوك بالنكاح لا يصح أن يستبيحه المسلم منفردًا إلا بعوض، ولأن البيع إذا اتفقا على إسقاط العوض لم يصح، فعلم أن إسقاط العوض ليس لحق الله تعالى، لكن لفساد العوض، والنكاح يصح مع شرط إسقاط العوض ولا يسقط العوض، فدل على أنه لم يسقط، ليس لأجل العبد؛ لكن لحق الله تعالى، وإذا ثبت أن في المهر حقًا لله تعالى وجب أن يدخله التقدير، كنصاب الزكاة، والقطع. 22559 - احتجوا: بقوله تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم}. 22560 - قالوا: ظاهره يقتضي أنه إذا تزوجها على خمسة، ثم طلقها وجب لها نصفها وعندكم [يجب جميعها]. 22561 - قلنا: قال {إلا أن يعفون أو يعفوا الذي بيده عقدة النكاح وأن تعفوا أقرب للتقوى} وذلك لا يقال في القليل، وإنما يقال في الكثير في العادة، ولأنه

ذكر في الفريضة التي قدرها الزوج، وذكر في الآية الأخرى ما دل على أنها تختص به في نفسها؛ لأنه قال {فأتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة} والذي يقف على تراخيهما بعد الفريضة، هو الزيادة، لأن النقصان يتعلق باختيار المرأة، ولا يقف على تراضيهما، فدل على أن الذي يقف على تراضي الزوجين، هو ما بعد الفريضة المقدرة بالشرع. 22562 - قالوا: روى ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أدوا العلائق قيل: يا رسول الله، وما العلائق؟ قال: ما تراضى عليه الأهلون. 22563 - قلنا: إطلاق العلائق لا يتناول الشيء اليسير، وإنما يتناول الكثير في العادة، وكذلك تراضي الأهل في العادة لا يقع باليسير فوجب حمل اللفظ على المعتاد. 22564 - قالوا: روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من استحل بدرهمين فقد استحل معناه: فقد استحل بدرهمين. 22565 - قلنا: هذا يفيد وقوع الاستحلال، وإن سمي في العقد درهمين. وكذلك نقول: إن الحل قد وقع، إلا أنه يجب لها تمام عشرة دراهم، والخبر لا ينافي إيجاب الزيادة، وقوله: معناه استحل بدرهمين خطأ؛ لأن الحل لا يقع بدرهمين، ولا بعشرة، وإنما يقع بالعقد وإن لم يذكر عوضًا [وإن ذكر

عوضًا] فاسدًا فكيف يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - استحل بدرهمين، والحل لا يقع بالعوض، وإنما أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الدرهمين- وإن لم يكونا مهرًا- فالحل واقع ليبين الفرق بين النكاح، وبين العقود التي تقف صحتها على صحة عوضها. 22566 - قالوا: روى العبدي عن أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا جناح على امرئ [أن يصدق امرأة قليلًا، أو كثيرًا] إذا أشهد، وتراضوا. 22567 - قالوا: [روى بغير] إسناد أنه قال: في المهر جائز قليله وكثيره. 22568 - قلنا: هذا الخبر رواه إسماعيل بن عياد عن برد عن أبي هارون

العبدي عن أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يضر أحدكم بقليل من المال تزوج، أو بكثيره إذا أشهد، [ورواه شريك، عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال. ليس على الرجل جناح، أن يتزوج بماله بقليل، أو بكثير، إذا أشهد] وإسماعيل بن عياش، وشريك قد طعن الدارقطني عليهما جميعًا في كتابه، خالفنا يرجع إلى قوله في الجرح والتعديل، وذكر ابن المنذر. وابن خزيمة أنه: لا يصح في الشهادة حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم يرجعون إلى كل واحد من هؤلاء؛ ولأنا نقول به: أنه لا يضره بقليل أو بكثير تزوج، إذ العقد يصح في كلا الوجهين. 22569 - قالوا: روى قتادة،

عن أنس قال: تزوج عبد الرحمن بن عوف امرأة من الأنصار، على وزن نواة من الذهب، قومت بثلاثة دراهم. 22570 - قلنا: هذا كلام من لا يعرف الأخبار، لأن نواة الذهب، وزن خمسة دراهم، وقد ذكر ذلك أبو داود، وهو أمر مشهور، فكيف يقوم ذلك بثلاثة

دراهم؟ 22571 - قالوا: روى [أبو الزبير]، عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من أعطى في نكاح ملء كفه في دقيق، أو سويق، أو طعام، فقد استحل وفي لفظ آخر: كانت به حلالًا وفي لفظ آخر كان لها صداقًا. 22572 - قلنا: وقوع الحل مجمع عليه، وإن سمى ما لا يصلح أن يكون مهرًا، كما يقع الحل وإن سمي مهرًا فاسدًا، على أن النكاح كان يجوز في ابتداء الإسلام بغير بدل وببدل ليس بمال، إلى أن حرم الله تعالى الشغار، فنسخ ذلك،

ووجب اعتبار البدل في الأنكحة بقدر عندنا فيحتمل أن يكون هذا قبل النسخ. 22573 - قالوا: روى سهل بن سعد الساعدي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للرجل الذي خطب الواهية: التمس شيئًا، فالتمس، فلم يجد شيئًا فقال: ولو خاتمًا من حديد. 22574 - قلنا: صحة العقد لا تقف على تعجيل شيء للمرأة، وإنما العادة أن الزوج يقدر لها شيئًا، على وجه يطيب النفس، ولهذا امتنع - صلى الله عليه وسلم - من تسليم فاطمة إلى علي حتى أعطاها درعه، والنبي - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يلتمس ما يتعجل لها على هذا الوجه، وذلك يجوز أن يكون كثيرًا وقليلًا، ويحتمل أن يكون هذا في الحال التي كان يجوز أن يكون النكاح بغير مهر، وفي تلك الحال، كان لا يتقدر. 22575 - ومن أصحابنا من قال: إن هذا لعقد عقده النبي - صلى الله عليه وسلم - / كما كان يجوز أن يعقد لنفسه بغير مهر، كذلك يجوز أن يعقد لغيره، لأنه تولى العقد في الوجهين. 22576 - قالوا: روى عامر بن أبي ربيعة أن امرأة من بني فزارة

جيء بها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد تزوجت رجلًا على نعلين، [فقال لها] رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أرضيت من نفسك ومالك بنعلين؟ [قالت: نعم، قال]: فأجازه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 22577 - قلنا هذا الخبر رواه شعبة، عن عاسم بن عبيد الله وعاصم ليس بثبت عندهم ولا دلالة في الخبر؛ لأن فيه أنه أجاز العقد. 22578 - وعندنا يجوز وإن سمى ما لا يصح أن يكون مهرًا كما يصح بغير مهر، يبين ذلك أنه قال لها: أرضيت من نفسك، وما لك بنعلين؟ وليس هاهنا، إلا ما وجب لها العقد، فهذا الخبر دليلنا، لأنها إذا تزوجت على نعلين، وجبتها لها، وتمام عشرة دراهم، فإذا رضيت بالنعلين بعد العقد على ذلك سقط تمام العشرة برضاها، كما يسقط جميع المهر بإسقاطها بعد ثبوته. والذي يدل على صحة هذا التأويل، ما روى الشعبي قال: تزوج رجل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على شرط قال: فجعل لها النبي - صلى الله عليه وسلم - مهرها: أو قال: مهر مثلها. فهذا يدل على أن النكاح،

يصح مع تسمية إلى القليل، وأن ذلك لا يمنع من وجوب المهر. 22579 - قالوا: كل ما صح أن يكون ثمنًا لشيء، صح أن يكون مهرًا كالعشرة. 22580 - قلنا: حكم البدل في النكاح أقوى، بدلالة أنه يثبت من غير تسمية، فلقوته جاز أن يتقدر، ولضعف البدل في البيع [لم يتقدر]، ولأن المملوك في البيع، يجوز أن يملك بغير بدل، فجاز أن يملك ببدل [غير مقدر] والمملوك في النكاح لا يجوز أن يملك بغير بدل فكذلك لا يجوز أن يكون غير مقدر. 22581 - فإن قيل: إن أردتم أن البضع لا يملك في النكاح بغير بدل، فكذلك المبيع في البيع لا يملك بغير بدل، وإن أردتم على الإطلاق لم نسلم، فإن البضع يملك بالهبة. 22582 - قلنا: الذي نريد به أن البضع منفردًا عن الرقبة لا يملك بغير عوض، ولأن البدل في البيع لا يتعلق به حق الله تعالى، فلم يتقدر. والبدل في النكاح يتعلق به حق الله تعالى فلذلك يقدر. 22583 - أو تقول إن البيع لا يتقد أحد المسميين، وفي النكاح جاز أن يتقدر الآخر. 22584 - وقد عبروا عن هذا القياس بعبارات فقالوا: بدل يستفاد بعقد وربما قالوا: عقد معاوضة أو عقد على منفعة كالإجارة، والكلام على القياس الأول كلام على هذا ويدخل على قولهم: بدل يستفاد بعقد الحرية لأنها معتادة. 22585 - قالوا: نوع عقد، لا يتقدر أكثر عوضه، فوجب أن لا يتقدر أقله. أصله: البيع، والإجارة، والخلع، والكتابة.

22586 - قلنا: ما يدخله التقدير تارة يتقدر أكثره، ولا يتقدر أقله كالتعزيز، وتارة يتقدر أقله، ولا يتقدر أكثره كالنصاب [في السرقة]، وتارة يتقدر أقله وأكثره كالجلد في الزنا، فلا يمنع أن لا يتقدر أكثر المهر وإن تقدر أقله، والمعنى ذكره من التقدير ما قدمناه. 22587 - قالوا: عقد على البضع، فلا يتقدر فيه البدل، كالخلع. 22588 - قلنا: البضع يجوز أن ينتقل إلى المالك بغير عوض، فجاز أن ينتقل عليها بعوض غير مقدر، ولا يجوز أن يملك الزوج البضع [بغير بدل]، فلم يجز أن يملكه ببدل غير مقدر. 22589 - قالوا: إذا سمى لها ما دون العشرة، لم يسقط إلى مهر المثل عندكم. ولو كانت تسميته فاسدة، سقطت إلى مهر المثل. وتحريره: أنها تسمية لا تسقط إلى مهر المثل، فوجب أن يلزم نفسها كالعشرة. 22590 - قلنا: إذا رضيت بما دون العشرة فقد أبرأته مما زاد على العشرة، ومما زاد على التسمية، والبراءة مما زاد على العشرة جائزة، وما دونها لا يجوز، فلذلك لم يسقط إلى مهر المثل. وتفارق هذه التسمية الفاسدة، لأنه لا يجوز أن يكون عوضا، ولا يصح التصرف فيها، فلم يثبت شيء منها، فلذلك سقطت إلى مهر

المثل، ومتى سمي ما دون العشرة، فقد سمى ما يجوز أن يكون عوضًا، ويصح التصرف فيه، فثبت التسمية، وثبوت مال صحيح في النكاح يستدعي ثبوت باقيه، كمن طلق نصف تطليقه. 22591 - يبين ذلك: أن الأب لو زوج ابنته الصغير، على مهر فاسد سقط إلى مهر المثل. ولو زوجها على أقل من مهر المثل [ثبت المسمى، وضم المهر مثلها]، كذلك هنا انضم إلى تمام العشرة، لأنها أسقطت الزيادة على العشرة، فسقطت بإسقاطها. 22592 - قالوا: ما جاز أن يجب لها بالطلاق قبل الدخول، جاز أن يكون مهرًا كالعشرة. 22593 - قلنا: ما يجب عند زوال العقد لا يتقدر به ما يجب مع بقاء العقد كالمتعة، ونقابل هذا فنقول: ما تردد بين التصنيف والكمال، يقدر كالحدود. أو نقول: إذا طلقها قبل الدخول، ولم يكن سمى لها مهرًا وجبت المتعة، وهي مقدرة باتفاق، فلما قامت المتعة مقام المهر، وهي مقدرة، كذلك المهر في نفسه مقدر. * * *

مسألة 1086 تعليم القرآن هل يكون مهرا

مسألة 1086 تعليم القرآن هل يكون مهرًا 22594 - قال أصحابنا: تعليم القرآن لا يكون مهرًا، ولا يصح المعاوضة عليه.

22595 - وقال الشافعي: يجوز إذا أصدقها سورة بعينها، أو آيات بعينها. 22596 - وكذلك إن أصدقها تعليم الشعر إذا لم يكن هجاء، ولا فحشا. 22597 - لنا: ما روى هشام، عن محمد، عن أبي يوسف بإسناده، عن عمير بن أبي عرفجة العدوي في قصة الموهوبة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لذلك الرجل زوجتكها بما معك من القرآن، وهذا لك ولا يحل لأحد بعدك، وروى عن ابن

مسعود - رضي الله عنه -[في قصة الموهوبة]. أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (فإذا رزقك الله مالا فعوضها)؛ فهذا يدل أنه جعل التعليم تطييبًا لنفسها، ولم يجعله مهرًا. أو بقى في ذمته، فأمره أن يدفعه إليها إذا وجد. ولأن تعليم القرآن من شرطه أن يكون قربة لفاعله، بدلالة أن الكافر لا يمكن من تلقين القرآن، فلا يجوز أن يكون مهرًا، كالأذان. 22598 - ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بتبليغه والدعاء إليه، فلم يكن مهرًا، كالشهادتين. ولأن تعليم القرآن من شرطه الطهارة، كالصلاة، ولا يقال: إن الصلاة لا ينتفع غير فاعلها بها، لأنه ينتفع إذا كان إمامًا فتحصل له فضيلة الجماعة، ولأن التعليم يقف على فعل المعلم فتحصل، وفعل المتعلم لا يقدر عليه المعلم، فلم يجز أن يعقد على ما لا يقدر عليه، ولأن التعليم دعاء إلى قربة فصار كالأمر بالمعروف.

22599 - احتجوا: بما روى سهل بن سعد الساعدي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لخاطب الموهوبة: (زوجتكها بما معك من القرآن)، وروى (على ما معك من القرآن)، وروى (على أن تعلمها عشرين آية من سورة البقرة)، (وروى علمها ما يقرأ من القرآن). 22600 - والجواب: أن هذا الخبر رواه مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد، وذكر فيه هل معك من القرآن شيء، قال: نعم سورة كذا، [وسورة كذا] فقال، رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (زوجتكها بما معك من القرآن). ورواه سفيان عن أبي حازم وذكر فيه (على ما معك من القرآن) ورواه يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي

حازم، وذكر فيه ملكها بما معك من القرآن فهذا يدل على قلة الضبط فيه، ولأنه قال: بما معك من القرآن). وما معه لا يجوز أن يكون مهرًا، وإنما يصح أن يكون مهرًا إذا شرط تعليمها سورة بعينها، ولم يذكر ذلك فيما رواه الأئمة كمالك، وابن عيينة. 22601 - ولو ذكر ذلك لم يصح أن يكون مهرًا، حتى يعلم أنها لا تحسن ذلك القرآن، ولم يسألها - صلى الله عليه وسلم - هل تحسن ما معه أم لا، فلم يبق إلا أن يكون زوجه إياها [لفضيلة القرآن]، وهذا كما روى أنس بن ملك أن أبا طلحة تزوج أم سلمة

على إسلامه، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (فحسبه إسلامه لا يكون صداقا، وإنما تزوجته بفضيلة الإسلام). على أنا روينا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خصه بذلك دون غيره، وهذا يسقط الاستدلال، وروينا عن ابن مسعود ما دل على أن المهر في ذمته، فعلى هذا إنما ذكر تعليمها لتطيب نفسها بما يجعله لها. 22602 - ومن أصحابنا من قال: هذه وهبت نفسها، وقالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: (ور في رأيك). 22603 - فكما يجوز له أن يقبل نكاحها بغير مهر، جاز أن يوجبه لغيره بما ليس بمهر/، [ويحتمل أن هذا كان في الحالة] التي كان يجوز النكاح فيها بغير مهر، وبما ليس بمال، وقد نسخ ذلك، وهذا أمر لا شبهة فيه، لأنهم كانوا يتزوجون الشغار،

ولا مال فيه. وتزوج أبو طلحة على إسلامه، وإذا احتمل هذا سقط الاستدلال. 22604 - فإن قيل: كيف يحمل الخبر على الحالة التي كانوا يتزوجون بغير مهر، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: (التمس). 22605 - قلنا: في تلك الحال لم يكن المهر شرطا، ولكنه كان جائزًا، لأنهم كانوا يتزوجون بمهر، وبغير مهر، فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - منه أولى الأمرين. قالوا: منفعة يصح أن يبذلها لغيره على وج التبرع، فصح أن يبذلها بعوض، كالخياطة والبناء. 22606 - قلنا: يبطل بعيادة المريض وبالعفو عن دم العمد يجوز أن يتبرع به، ولا يجوز أن يكون مهرًا. 22607 - قالوا: قال الشافعي: تعليم القرآن قربة وطاعة، فإذا جاز أخذ الأجرة على تعليم ما ليس بقربة فالقربة أولى. 22608 - وهذا كلام من لا يعرف مذهب مخالفه، لأن عندنا لا يجوز أخذ العوض [على تعليم] شيء قربة كان أو غيرها. * * *

مسألة 1087 منافع الحر هل تكون مهرا أم لا؟

مسألة 1087 منافع الحر هل تكون مهرًا أم لا؟ 22609 - قال أصحابنا: لا يجوز أن تكون منافع الحر مهرًا. 22610 - قال الشافعي: يجوز ذلك. 22611 - وذكر ابن سماعة عن محمد: أنه لو تزوجها على رعي غنمها يجوز. ولو تزوجها على أن يخدمها لم يجز. وهذه رواية غير المشهورة، جوز فيها أن تكون منافع الحر مهرًا، ومنع خدمته لها خاصة. 22612 - لنا: قوله تعالى {وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا

بأموالكم} فشرط في الإباحة أن تبتغي بالأموال، ونافع الحر لا يطلق عليها اسم المال، ألا ترى: أنه يقال للقوي الفقير: أنه قادر على المال، ومتمكن منه. 22613 - فإن قيل: الآية تقتضي جواز الابتغاء بالمال، ولا يبتغى غيره إلا من حيث دليل الخطاب. 22614 - قلنا: ذكر الله المحرمات في الآية، ثم ذكر الإباحة بشرط، فما سوى المشروط داخل تحريم التحريم. 22615 - فإن قيل: الإباحة حاصلة، وإن لم يبتغيها بالمال باتفاق. 22616 - قلنا: [ظاهر الإباحة] لا توجد وما ليس بمال لا يكون مهرًا قام الدليل على [حصول إلا باحة به]، وبقى حكم المهر على الظاهر، ولأن منفعة الحر ليست بمال لا يستحق تسليمها بتسليم ما هو مال، كمنفعة البضع. 22617 - فإن قيل: لا تأثير لقولكم ولا يستحق تسليمها بتسليم مال، لأنه لو زوجه بنته على أن يزوجه أمته لم يصح، وإن استحق بتسليم المنفعة تسليم مال. 22618 - قلنا: تزويج الأمة لا يستحق به تسليم رقبتها، فلا يكون منافع بضعها

مهرًا، لأنه لا يستحق تسليمها بتسليم مال. 22619 - فإن قيل: لو تزوجها على أن يخيط بعده [ثوبها]، جاز، وإن لم تستحق تسليم رقبته. 22620 - قلنا: لا رواية في هذا، فظاهر المذهب أنه لا يجوز، [ولأنها متولدة من رقبة الحر كولده]، ولا يلزم أم الولد أن ولدها لا يكون مهرًا لها، ومنافعها تكون مهرًا، لأن ولدها يكون مهرًا إذا حكم حاكم بتملكه، ولأن ما لا يكون رقبته مهرًا لا تكون منافعه مهرًا كالخنزير. 22621 - فإن قيل: يبطل بالوقف، فإن رقبته [لا تكون] مهرًا، ومنافعه تكون مهرًا. 22622 - قلنا: أعيان الوقف، يجوز أن تكون مهرًا، إذا انقضت الأبنية، جاز أن يجعل ذلك مهرًا. 22623 - فإن قيل: المعنى في الخنزير أنه لا يصح أخذ العوض عنه، وليس كذلك منافع الحر، لأنه يجوز العوض عنها. 22624 - قلنا: علة الأصل غير مسلمة، لأن الخنزير يجوز لأهل الذمة أخذ العوض عنه، وعلة الفرع تبطل بمنافع البضع والطلاق، والمعوض من دم العمد يجوز المعاوضة على ذلك، ولا يصح أن تكون مهرًا. 22625 - [ولأن منافع الحر لا يتعلق حقوق الغرماء بها فلم يجز أن تكون مهرًا]، كرقبته، ولا يلزم منافع العبد، لأن الغرماء يتعلق بها، ألا ترى: أن

مريضًا لو أجر عبدًا له في مرضه وحابى، كان للغرماء فسخ حق الإجارة. 22626 - احتجوا بقوله تعالى: {إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج}. 22627 - قلنا: عقد على منافع تحصل له، وهذا لا يجوز أن يكون مهرًا باتفاق، فيسقط التعلق به. 22628 - فإن قيل: إنما أضاف الإجارة إلى نفسه، كما يضيف الوكيل إلى نفسه. 22629 - قلنا: ظاهر اللفظ أنها إضافة استحقاق، ولأنه استأجره لرعي غنمه فكيف تكون المنافع لها. 22630 - فإن قيل: فالآية قد دلت على أن منافع الحر يجوز النكاح بها، وأن يكون المولى فسخ أحد الأمرين فيفي الآخر. 22631 - قلنا: إذا جاز العقد بعوض، لا يحصل لها، دل أنه ليس من شرطه العوض [في شريعتهم] وإذا لم يكن العوض شرطًا، لم يعتبر صفات العوض فأما في شريعتنا فالعوض واجب، فلذلك جاز اعتبار صفاته، ولأنه قال: (على أن تأجرني) وهذا يفيد أنه عقد على منافعه إجارة، ومتى استأجر منافع الحر جاز أن يجعل عوضها مهرًا عندنا، فالآية وردت في موضع اتفاق. 22632 - قالوا: منفعة يجوز إجارتها، فجاز ن تجعل صداقًا كمنفعة العبد.

22633 - قلنا: منفعة العبد يجوز استحقاقها بسبب البيع، وما جاز استحقاقها بسبب النكاح، ولأن منفعة العبد يتعلق حق الغرماء بها فجاز أن تكون مهرًا، ومنفعة الحر لا يتعلق حق الغرماء بها فلم تكن مهرًا. 22634 - قالوا: عقد يجوز على منفعة العبد فجاز على منفعة الحر قياسًا على عقد الإجارة. 22635 - قلنا: عقد الإجارة يجوز أن يعوض على المنفعة نوعها، وهو أن يستأجر دارًا بمنافع دكان، فجاز أن يكون عوضها منفعة حر، وعقد النكاح لا يجوز أن يعوض عنها نوعها، فلم يجز أن يتعوض عنها منفعة الحر، أو نقول: المعنى في الإجارة أنه يجوز أن يملك المعقود عليه فيها بغير عوض، فجاز أن يملك بعوض ليس بمال، والمملوك في النكاح لا يملك إلا بعوض، فجاز أن لا يتعوض عنه إلا ما هو مال، أو يستحق بتسليمه تسليم مال. * * *

مسألة 1088 إذا هلك الصداق المسمى في يد الزوج أو رده بعيب وجبت قيمته

مسألة 1088 إذا هلك الصداق المسمى في يد الزوج أو رده بعيب وجبت قيمته 22636 - قال أصحابنا: إذا هلك العبد المسمى في يد الزوج أو رده بعيب وجب عليه قيمته. 22637 - وهذا أحد قولي الشافعي. 22638 - وقال: في الجديد يرجع بمهر المثل. 22639 - لنا: أن التسمية صحت في نكاح صحيح فلا يرجع إلى مهر المثل. أصله: إذا كان باقيًا. 22640 - ولأن الرجوع إلى مهر المثل، لا يجب مع بقاء العين في يدها، فلا يجب بعد ردها. أصله، إذا تزوجها على عبد في ذمته، فسلمه إليها، فوجدت به عيبًا. ولأن السبب الموجب لتسليم العين لا ينفسخ بهلاكها، وهو عقد النكاح، فإذا هلكت ولم يتلف من هلكت في يده لا يرجع بقيمته، كالمغصوب، ولا يلزم

إذا أعتق عبده على جارية فهلكت، لأن العبد أتلف على المولى بدخوله في العقد، وقبوله رق نفسه، وهو مال. 22641 - فإن قيل: لا نسلم أن السبب الموجب للتسليم، لم ينفسخ في الأصل، ولا في الفرع، لأن المهر سبب تسليمه التسمية لا عقد النكاح بدلالة أن التسمية عقد منفرد عن المهر، وهذا يصح أن يوجد بعده و [معه]، وفسادها لا يوجب فساده، فهو كالرهن في البيع، فإذا هلك الرهن، فسدت التسمية الموجبة لتسليمه، وإن كان العقد لم يفسد. وأما الغصب فإنما هو: إمساك العين على وجه التعدي. فهلاك العين يبطل الغصب، ويسقط وجوب التسليم، وينقل الحكم إلى القيمة. 22642 - قلنا: السبب الموجب لتسليم المهر هو عقد النكاح [بدلالة أنه بدل عن البضع، فالمعقود عليه عقد النكاح] فتسليمه يجب به، كما يجب تسليم الثمن بعقد البيع فكيف يتصور أن البدل والمبدل كل واحد منهما يعقد عليه عقد منفرد، حتى يستحقا بعقدين، وإنما يجب المهر بالعقد إن سماه، وإن لم [يسمه]، وجب مهر المثل. 22643 - والتسمية بعد العقد تقدير منها لما وجب بالعقد، عين معينة، فأما أن يكون عقد آخر فلا. وأما الغصب: فهو نقل العين، فإذا هلكت استقر ما تعلق بتلك اليد في الضمان. 22644 - قلا يقال: زال السبب، كما [لا يقال: في هلاك المبيع بعد القبض، إن البيع انفسخ فعلم أن الوصف صحيح في الأصل والفرع، ولأن وجوب مهر

المثل]- لا يخلو أن يكون وجوبه بالعقد، أو بتعذر تسليم المهر، فلا يجوز أن يكون وجب بالعقد، لأن التسمية في العقد صحيحة، فلا يجب به مهر المثل، ولا يجوز أن يجب بتعذر تسليم المهر، لأن هلاك المهر لم يوجب رد البضع على المرأة، حتى يلزمه قيمته، وإن تعذر رده. 22645 - ألا ترى أنه لو وجب بتعذر رد البضع لكان إذا طلقها قبل الدخول لم يلزمه شيء، لأنه فعل المستحق فلما لم يسقط عنه البدل دل على أنه لا وجه لإيجاب قيمة البضع. 22646 - احتجوا: بأنه عوض معين، تلف قبل تسليمه إليها وتعذر/ الرجوع بالعوض، فوجب الرجوع إلى قيمته. أصله: إذا اشترى عبدًا بثوب، وقبض العبد، ولم يسلم الثوب حتى تلفا جميعًا. 22647 - قلنا: هناك وجب رد ما في مقابلة العوض، فلما تعذر رده وجب الرجوع إلى قيمته. وفي مسألتنا لم يجب رد العوض الذي هو البضع، فلم يجب الرجوع إلى قيمته. نبين الفرق بينهما أنه لو كان العوض في البيع باقيًا فرده سقط عنه الضمان ولو رد البضع بالطلاق قبل الدخول لم يسقط عنه الضمان، ولو كان مهر المثل وجب بتعذر رده البعض لسقط برده. 22648 - قالوا: تعذر على الزوج تسليم ما عينه صداقًا في نكاح صحيح، فوجب الرجوع إلى مهر المثل. أصله: إذا أصدقها عبدًا فظهر حرًا. 22649 - قلنا: هناك التسمية لم تصح، ومتى لم تصح التسمية وجب مهر

المثل بالعقد، وفي مسألتنا صحت التسمية، فلم يجب مهر المثل بالعقد، ولم يجب رد البضع بهلاك العوض حتى يرجع إلى قيمته عند تعذر رده. * * *

مسألة 1089 إذا تزوجها على عبد مطلق صحت التسمية

مسألة 1089 إذا تزوجها على عبد مطلق صحت التسمية 22650 - قال أصحابنا إذا تزوجها على عبد مطلق صحت التسمية، ووجب لها عبد وسط. 22651 - وقال الشافعي: التسمية باطلة ولها مهر مثلها. 22652 - لنا: قوله - عليه السلام -: (أدوا العلائق. قيل: يا رسول الله وما العلائق، قال: ما تراضى عليه الأهلون. ولم يفصل). 22653 - ولأن الحيوان المطلق لو لم يجز ثبوته في هذا العقد لم ينعقد من غير تسمية بدل. أصله: البيع. 22654 - ولأن المهر في النكاح يتعلق به حق الله تعالى على قدمنا، والحيوان إذا ثبت في الذمة لحق الله تعالى ثبت مطلقًا. أصله: الزكوات. 22655 - ولأن النكاح سبب يثبت به الحيوان في الذمة، فجاز أن يثبت مطلقًا

كالقتل. ولا يلزم البيع، والسلم والإجارة، لأن هذه العقود لا يثبت بها الحيوان في الذمة عندنا. ولأن ذلك بدل عما ليس بمال، [فإذا ثبت الحيوان في الذمة، [جاز أن يثبت مطلقًا، كالديات]. 22656 - فإن قيل: المعنى في الدية إنما] تجب بالفعل، وفي مسألتنا وجب المهر بالعقد. 22657 - قلنا: الزكاة لا تجب بالفعل، وثبت مع جهالة الصفة، ولأن) الدية) يثبت فيها الحيوان مجهولًا، وإن وجبت بالعقد عندنا، كمن صالح من دم العمد على الدية، و [لأن ما جاز] أن يثبت في الذمة حكمًا بدلًا عما ليس بمال جاز أن يثبت قصدًا كالديات. 22658 - احتجوا: بأنها تسمية مجهولة، فلا تثبت في النكاح كالدار، والثوب. 22659 - وربما قالوا: ما لا يصح أن يثبت بدلًا في [البيع، لم يصح أن يثبت بدلًا في] النكاح، كالثوب، والدار. 22660 - قلنا: الثوب مجهول الجنس، والصفة، ومهر المثل مجهول القدر معلوم الصفة، فكان الرجوع إلى مهر المثل أعدل، والقاضي إنما يحكم بالأعدل.

22661 - وفي مسألتنا الجنس معلوم، وإنما تجهل الصفة، وهذه الجهالة دون جهالة مهر المثل، ألا ترى: أن القاضي لا يحتاج إلى أكثر من اعتبار أعلى العبيد، وأدونها، فيوجب الوسط، وفي مهر المثل يحتاج إلى اعتبار مهر نسائها، فإذا تحصلت اعتبر الوسط، فلو انتقلنا عن المسمى المذكور المجهول، انتقلنا إلى ما هو أكثر جهالة منه، وهذا لا يصح. وأما الدار فلا يصح ثبوتها في الذمة، فلذلك لم يجز العقد عليها غير معينة، لا لجهالة صفتها. 22662 - قالوا: عقد معاوضة، فلا ثبت فيه الحيوان مطلقًا، كالسلم، والبيع. 22663 - قلنا: هناك لم يثبت الحيوان المجهول، فلم تنتقل إلى جهالة هي أعظم منها، لأنا نبطل العقد فلم يكن بنا حاجة إلى الجهالة. وفي مسألتنا لو أبطلنا التسمية انتقلنا إلى جهالة أعظم منها، وهي جهالة مهر المثل فلذلك افترقنا. ولأن المعنى في البيع أن القيمة لا تثبت بدلا في صحيحه، فلذلك لم يثبت الحيوان المطلق، ولما جاز أن تثبت قيمة المعقود عليه بدلًا في نكاح صحيح جاز أن يثبت الحيوان المطلق. * * *

مسألة 1090 حكم نماء الصداق المنفصل في يد الزوج

مسألة 1090 حكم نماء الصداق المنفصل في يد الزوج 22664 - قال أصحابنا: إذا تزوجها على جارية فولدت، أو شجر فأثمر في يده، ثم طلقها قبل الدخول، كانت الزيادة مهرًا، وانقسمت بينهما. 22665 - وقال الشافعي: إن حدث الحبل بعد العقد لم ينقسم قولا واحدًا. وإن كان عند العقد، ففيه قولان. 22666 - لنا: أن هذا الولد يجب تسليمه بعقد النكاح، بدلالة أنها لو امتنعت من تسليم نفسها وجب عليه تسليمه [وما وجب تسليمه] بالنكاح فهو مهر، والمهر ينقسم بالطلاق. 22667 - ولا يلزم إذا تزوجها على خدمة عبد، لأن الواجب تسليم الخدمة، إلا أنه لا يتمكن من تسليمها إلا بتسليم العبد، فلم يجب تسليم العبد بالعقد، وإنما يجب بوجوب تسليم المنافع التي [لا تستوفى] إلا بتسليمه ولأن وجوب التسليم حق مستقر في الرقبة فيسرى إلى الولد كالمال والاستيلاد. ولا يقال المعنى في الاستيلاد

[أنه بني] على التغليب لأن الملك يسرى إلى الولد لم يبن على التغليب، ولأنه ولد حدث قبل تمام الملك في الأم فكان تابعًا لها في، وحكم الملك، كما لو حدث في المبيعة في المجلس أو في مدة الخيار. 22668 - احتجوا: بقوله تعالى: {وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم}. 22669 - قلنا: يحتمل أن يكون (فالمهر نصف ما فرضتم)، ويحتمل: (فلكم نصف ما فرضتم)، [فإن كان المراد به فالمهر نصف ما فرضتم]، اقتضى أن يكون الولد كله للزوج، وإن كان المراد به [فلكم نصف ما فرضتم] اقتضى أن يكون الولد كله للزوجة، فسقط التعلق به. 22670 - قالوا: إنما حصل في ملكها، فوجب أن لا يتصف بالطلاق. أصله: الكسب، إذا ولدت- بعد الطلاق. 22671 - قلنا: إذا ولدت بعد القبض فقد حدث الولد بعد تمام الملك في الأيام [فلم يتعلق به حق التمليك]، وقبل القبض حدث، وتمام الملك في الأم]،

فصار كالولد الحادث في مدة الخيار، وأما الكسب فلأن الحقوق المتعلقة بالرقاب لا تسري إلى الاكتساب، فلم يكن الكسب مهرًا فلم ينقسم، والحقوق المستقرة تسري إلى الأولاد فصار الولد مهرًا [فانقسم بالطلاق]. * * *

مسألة 1091 إذا تزوجت المرأة بغير مهر أو على أن لا مهر لها

مسألة 1091 إذا تزوجت المرأة بغير مهر أو على أن لا مهر لها 22672 - قال أصحابنا: إذا تزوجت المرأة بغير مهر، (أو على أن لا مهر لها) ثم مات أحدهما فلها مهر مثلها. 22673 - وقال الشافعي: المفوضة

بفتح الواو على ضربين: مفوضة المهر، وهي التي تتزوج على ما يتفقان عليه، أو على خمر فلها مهر مثلها إن مات عنها، ومفوضة البضع، وهي البالغة الرشيدة يزوجها الولي باختيارها بغير مهر مسمى، أو يقول على أن لا مهر لها، أو يزوج البكر غير الأب والجد برضاها، فإن مات الزوج فعليها العدة، ولا مهر لها في أحد القولين، والقول الآخر مثل قولنا. 22674 - فأما الصغيرة، والمجنونة، والبكر إذا أكرهها أبوها، [فلا تكون] مفوضة، ولها مهر مثلها. والأمة إذا فوضها مولاها فلا مهر لها. وإن تزوجها على أن لا مهر لها في الحال، ولا في الثاني ففيه وجهان أحدهما: أنها مفوضة، والآخر: النكاح باطل. 22675 - والكلام في هذه المسألة في فصلين أحدهما في نفس المسألة، والآخر في أن المهر يجب في المفوضة بالعقد، وعند مخالفنا بالدخول.

22676 - أما الملك في نفس المسألة فالدليل عليه: ما روى سفيان عن منصور، عن إبراهيم، علقمة، عن عبد الله أنه أتى في امرأة مات عنها زوجها، ولم يكن فرض لها شيئًا، ولم يدخل بها، فسألوه مهرها، فقال عبد الله: أقول برأيي، فإن يكون خطأ فمن نفسي [وإن يكن] صوابًا فمن الله: لها صداق مثلها، وعليها العدة، ولها الميراث، فقام [معقل بن سنان] الأشجعي،

فقال: قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تزويج بنت واشق الأشجعية، مثل ما قضيت، ففرح بذلك، ورواه حماد بن سلمة، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن علقمة، عن ابن مسعود ورواه [الجراح بن الجراح] ومعقل بن سنان.

22677 - قالوا: هذا خبر ضعيف، لأنه روى فقام ناس من بني أشجع، وروى معقل بن سنان، وروى بن سنان. 22678 - قلنا: هذا لا يوجب ضعف الخبر، لأن معقل بن سنان، وأبو الجراح من أشجع، فأحد الرواة ذكر أسماءهم والراوي الأخر [سكت عن ذلك]، وخلافهم في معقل بن سنان، أو معقل بن يسار تصحيف من أحد الرواة، والصحيح [ابن سنان]، ولا خلاف أن نسب أبيه كشهرته وذلك لا يقدح إذا كان معروفًا، وهذا مشهور في الصحابة يقال: إنه صاحب راية أشجع، وقتل يوم الحرة. 22679 - فإن قيل: فهو مجهول. 22680 - قلنا: قد بينا خلاف ذلك، ولأن ابن مسعود عدله وقبل روايته، وتعديل ابن مسعود حجة. 22681 - فإن قيل: روى أن عليا لما بلغه هذا الخبر قال: لا نقبل شهادة الأعراب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 22682 - قلنا: فهذه طريقة لا نقول بها نحن ولا أنتم، وقد قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - شهادة الأعراب على رؤية الهلال، وإنما كان علي يشدد في الرواية ولا/ يقبل حتى

يستحلف رواية، فلا تلزمنا هذه الطريقة. 22683 - فإن قيل: إن كان الاستدلال بقول ابن مسعود فقد خالفه في ذلك علي، وابن عباس، وابن عمر، وإن كان الاستدلال بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيحتمل أن تكون مفوضة المهر، أو في صغيرة فوضها أبوها، أو بكرًا أجبرها أبوها، أو غير رشيدة. 22684 - قلنا: أما الصغيرة فلا يحتملها الخبر، لأنه قال: (قضى بذلك في امرأة منا) ولا يجوز أن يحمل على تفويض الولي، ولا على تفويض المهر، لأن ابن مسعود قضى في امرأة تزوجت ولم يفرض لها مهرًا، فقال معقل: (قضى فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

بمثل ذلك) فدل أن إحدى القضيتين كالأخرى ولم يستفصل النبي - عليه السلام - التفويض، ولو كان الحكم يختلف لفصل. 22685 - فإن قيل: الراوي كان أعرابيًا لا يعرف الأحكام، فلا تقبل روايته في الأمر المحتمل، وهذا معنى قول علي: كيف نقبل شهادة الأعراب، 22686 - قلنا: قبل خبره ابن مسعود، وهو عالم بالأحكام، فدل على أن الاحتمال زال عنده، على أن المزني حكى عن الشافعي أنه قال: وقد روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في تزويج بنت واشق أنها نكحت بغير مهر فمات زوجها فقضى بمهر نسائها، والميراث فلا حجة في قول أحد دون النبي - عليه السلام - فلم يعترض على الخبر بالاحتمال، وإنما اعترضه باختلاف اسم الراوي. 22687 - فإن قيل: الواقدي: وقع هذا الحديث في المدينة، فما عرفه أحد من أهل العلم بها. 22688 - قلنا: هذا حديث كوفي رواه معقل بن سنان بالكوفة، فلا يضره أن لا

يعرفه أحد من أهل المدينة، ولأنها زوجة تستحق مهر المثل بالدخول، فتستحقه بالموت كالتي تزوجها على خمر، أو على مهرها ما يتفق عليه، ولا يلزم المنكوحة نكاحًا فاسدًا، لأنا قلنا: زوجة. 22689 - فإن قيل: (وجوب المهر بالدخول أوسع من وجوبه بالموت) بدلالة أن في النكاح الفاسد يجب المهر بالدخول، ولا يجب بالموت. 22690 - قلنا: حكم الموت والدخول في النكاح الصحيح سواء، بدلالة التي سمى لها مهرًا، والتي فوضت مهرها، وإنما يختلفان في الفاسد، لأن البدل يجب فيه بالاستيفاء، والموت ليس باستيفاء المعقود عليه، ولأن البدل في الموت في الزواج أجرى مجرى الدخول بدلالة وجوب العدة بكل واحد منهما، ثم لو دخل بها

في مسألتنا لم يعد البضع إليها بالموت بغير بدل، كذلك إذا مات عنها. ولا يلزم الذمية، لأن الموت لا يوجب العدة عليها، وكذلك الدخول فلا يوجب كل منهما مهرًا أيضًا. 22691 - [ولا يلزم إذا زوج المولى أمته من عبده، لأن البضع لا يعود إليها، وإنما يعود إلى المولى. ولأن المهر واجب لها عندنا ثم يسقط لأنه دين المولى على عبده، ولأنه نكاح صحيح بين مسلمين، فإذا وقعت الفرقة بالموت، لم يعد البضع إليها بغير عوض. أصله: المفوضة المهر. 22692 - ولا يلزم الأمة إذا زوجها مولاها عبده، لأن البضع لا يعود إليها، ولا يلزم إذا ارتدت قبل الدخول، أو قبلت ابن زوجها. 22693 - لأنا قلنا: فإذا وقت الفرقة بالموت، ولا يلزم نكاح النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن التعليل للأحكام الثابتة في الحال، ولأنها تستحق بدلًا عن بضعها إذا طلقها قبل الدخول، وهي المتعة، فاستحقت البدل عنه إذا مات قبل الدخول. أصله: التي سمى لها مهرًا، ومفوضة المهر، ولأنها تستحق الميراث بوفاة زوجها فاستقر لها بوفاته مهرًا. 22694 - أصله: مفوضة المهر، ولا يلزم إذا زوج المولى أمته عبده ثم أعتقها، لأنا عللنا التسوية بين التفويض، وفي مسألة الإلزام بألا فرق بين أن نفوض بضعها، أو

مهرها، في أنها لا تستحق شيئًا. 22695 - والدليل على وجوب المهر بالعقد قوله تعالى: {إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم} [فجوز للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتزوج بغير مهر، وقال {قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم}؛ فأخبر تعالى أنه فرق بيننا وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - في الفرض فظاهره يقتضي مفارقتنا له [في حال العقد] وفي حال الدخول، ومن زعم أنا لا نفارقه في إحدى الحالتين فقد خالف الظاهر، ولأن لها أن تخاصم الزوج، وتطالبه بفرض المهر، وللحاكم أن يفرض المهر إذا طلبت، والحاكم لا يملك إيجاب حق لم يجب، وإنما يقرر ما وجب لها فلما ملك الحاكم فرض المهر دل على أنه كان واجبًا. 22696 - ولا يقال: إن النفقة لا تجب عندكم إلا بحكم الحاكم، فهو يبتدئ إيجابها، ولم تكن واجبة قبل حكمه. 22697 - قلنا: تجب النفقة عندنا للمرأة بتسليم نفسها في منزل الزوج، وإن لم يحكم الحاكم، إلا أنها تسقط بمضي الزمان، فحكمه يحتاج إليه لتقدير حتى لا تسقط، فأما لإيجابها فلا. 22698 - ولا يقال: إن الحاكم يحكم بالشفعة، فيملك الشفيع الشقص

بحكمه، وإن لم يكن مالكًا، وذلك لأن في الشفعة يقضي القاضي للشفيع بالأخذ، وقد كان حق الأخذ ثابتًا له، فإذا قضى له ملك الأخذ فينتقل الشقص إليه فيأخذه، فأما الحكم فلا. 22699 - ولأن المرأة تملك أن تحبس نفسها، وتمتنع حتى يفرض، أو يفرض لها الحاكم، أو يعطيها المفروض، ولو لم يجب البدل، لم تملك حق الحبس. 22700 - فإن قيل: إنها تحبس نفسها ليفرض لها. 22701 - قلنا: لو ملك عليها المعقود عليه بغير عوض، لم يثبت لها [حق الحبس]، كما لا يثبت للراهن. 22702 - ولأن كل مزوجة استحقت مهر المثل بعد الدخول كان ذلك واجبًا بنفس العقد، كالتي تزوجها مفوضة المهر. 22703 - ولا يلزم المهر بالنكاح الفاسد، لأنا قلنا كل زوجة، ولأن كل ما يثبت للمرأة حبس نفسها حتى تستوفيه، كان واجبًا بنفس العقد، كالمسمى، وكمهر المثل في المفوضة لمهرها، ولأنه عقد خلا عن تسمية صحيحة فوجب مهر

المثل بالعقد. أصله: إذا تزوجها على خمر، أو على ما يتقرر بينهما. 22704 - ولأن الدخول استيفاء للمعقود عليه بالعقد الصحيح، وذلك لا يوجب بدلا كسائر العقد، وإذا بطل لم يجب بالاستيفاء، وقد اتفقنا على وجوبه عند الدخول، فلم يبق إلا أن يجب بالعقد. 22705 - ولا يلزم الوطء في النكاح الفاسد، لأنه ليس بتصرف فيما ملكه، وإنما هو تصرف في ملك الغير، وتصرف الإنسان في ملك غيره يجوز أن يوجب البدل. 22706 - فإن قيل: الأجرة لا تملك عندكم بنفس عقد الإجارة، وإنما تملك باستيفاء المنفعة، وذلك استيفاء لما ملكه بعقد صحيح. 22707 - قلنا: المنافع عندنا [لا تملك] بالعقد، وإنما تملك عند حدوثها، فكل جزء حدث من المنفعة ملكه المستأجر، ويملك عليه البدل عنه في مقابلة ملكه، سواء استوفاه، أو لم يستوفه، ولكن تلف تحت يده. 22708 - ولأنه ملك الاستمتاع بها في عقد لو حصل الدخول، لم يخل عن المهر، فوجب أن يكون البدل الواجب فيه عند الدخول مستحقًا بنفس العقد. أصله: الصغيرة إذا زوجت بغير بدل، والكبيرة إذا زوجت بمهر فاسد، أو مهر صحيح. 22709 - فإن قيل: المعنى في الصغيرة أنها لا تملك إسقاط حقوقها، ولا يملك الولي إسقاطها، والكبيرة تملك.

22710 - قلنا: لو صح هذا لوجب أن [لا تملك] المطالبة بالمهر، ولا يجب لها بالدخول لأنها تملك إسقاط حقوقها. 22711 - قالوا: لو ثبت مهر المثل بالعقد، تنصف بالطلاق قبل الدخول، كالمسمى. 22712 - قلنا: الطلاق رفع العقد، وليس إذا سقط البدل بارتفاع العقد دل على أنه لم يكن وابجًا كما لو سقط الثمن بالإقالة، ولأن المستحق ومهر المثل كل واحد منهما يسقط بالطلاق، لأن العقد ارتفع قبل القبض وما أجرى مجراه وذلك يسقط بالبدل، وإنما تجب المتعة في الموضعين، إلا أن في أحدهما تتقدر بنصف المسمى وفي الآخر لا تتقدر. 22713 - وإنما افترقا لأن إيجاب نصف ما ثبت بتراضيهما أولى من إيجاب [متعة من طريق الحكم، فإذا لم يسمه، فالواجب بالعقد مهر المثل حكما، فلم يكن إيجاب نصفه أولى من إيجاب المتعة] [التي تثبت من طريق الحكم]. 22714 - [نبين ذلك: أن للموجب في النكاح حالتين حال العقد وحال الطلاق ففي الموضع] الذي يثبت المهر بالتراضي لم تثبت المتعة حكمًا/، وفي الموضع الذي يثبت البدل حكمًا، تثبت المتعة أيضًا حكما. 22715 - فإن قيل: قد قلتم فيمن تزوج على إبل سائمة وسلمها إليها،

فحال الحول في يدها ووجبت الزكاة عليها، ثم طلقها قبل الدخول، سقط نصف الزكاة، ووجب نصفها. ولو كان جميع المهر سقط بالطلاق، ووجب نصفه متعة لسقطت الزكاة جميعها عنها. 22716 - قلنا: الطلاق يوجب سقوط جميع المهر، إلا أن سقوط النصف منه ليس بمستقر، لأن السبب الموجب لعوده قائم، فيصير من طريق الحكم كأنه لم يسقط، ونظير هذا ما قال أصحابنا في ملك الوكيل إنه غير مستقر، لأن السبب الموجب لانتقاله إلى الموكل قائم، فكأنه لم يملك: حتى لم يعتق عليه ذو رحم إذا ابتاعه بوكالة. 22717 - وكذلك فيمن تحته أمة، فتزوج حرة على رقبتها، فأجاز مولاها، صارت ملكًا للحرة من جهة الزوج، و [لا تقع] الفرقة بينه، وبينها بملكه لها، لأنه غير مستقر إذ السبب الموجب لانتقاله موجود معه. 22718 - قالوا: لو وجب مهر المثل بالعقد، لم يصح أن يفرض لها أكثر منه. 22719 - قلنا: إذا فرض أكثر منه فقد زادها فيما وجب بالعقد، فهو كما لو سمى لها مهرًا، فزاد فيه على أصلنا.

22720 - قالوا: امرأة فوضت بضعها باختيارها، فوجب أن لا يجب لها بالعقد مهر، كالذمية. 22721 - قلنا: الأصل غير مسلم، لأن أبا حنيفة قال في الذمية إذا تزوجت بغير مهر، وفي دينهم أن النكاح لا يفتقر إلى مهر لم يجب المهر وإن كان من دينهم [أن المهر] لا يخلو من العقد، ثبت المهر لها. 22722 - ولأن أصحابنا قالوا: نكاح الذمية يجب فيه المهر بالعقد ثم يسقط. 22723 - فعلى هذا الأصل غير مسلم، ولأنا بينا أن ثبوت المهر في النكاح لحق الله وأهل الذمة لا يخاطبون بحقوق الله تعالى في أحكام الدنيا، والمسلمون يخاطبون بذلك، فلم يجز اعتبار أحدهما بالآخر. 22724 - قالوا: كل ما لم يجب بالطلاق قبل الدخول نصفه، لم يجب بالعقد كله كالمهر الفاسد والزيادة على مهر مثلها. 22725 - قلنا: الطلاق قبل الدخول، عود المعقود عليه، إلى ملك العاقد،

والموت تلف المعقود عليه على حكم ملك العاقد، فصار الطلاق كفسخ البيع، والموت كتلف المبيع قبل القبض، فلا يستدل بسقوط البدل في أحد الموضعين على سقوطه في الآخر. 22726 - ولا يقال: إن الموت قبل الدخول، كتلف المبيع قبل القبض، [وذلك لأن المبيع قبل القبض] يتلف على حكم ملك البائع، والبضع قبل الدخول تلف على حكم ملك الزوج، فهو بتلف المبيع بعد القبض أشبه، وينتقض بالصغيرة إذا زوجها الولي بغير مهر، [كان لها] مهر المثل، ولا ينتصف بالطلاق [قبل الدخول]، ويجب بالعقد. 22727 - فإن قالوا ينتصف خالفوا القرآن في قوله {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء] ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن} والمعنى في البدل الفاسد أنه لا يستقر بالدخول، فلم يستقر بالموت، ومهر المثل يستقر بالدخول بالزوجة، فكان وجوبه بالعقد أولى كمن تزوج بمهر فاسد، والمعنى في الزيادة على مهر المثل، أن المرأة لا تملك المطالبة بفرضه، ولا تحبس نفسها لأجله، فلم يكن واجبًا بالعقد. ومقدار مهر المثل لما ملكت المطالبة بفرضه وحبس [نفسها به]، دل على أن وجوبه بالعقد. فإذا ثبت بما ذكرنا أن مهر المثل، وجب بالعقد، استقر بالموت كالمستحق. 22728 - احتجوا: بأنها فرقة، وردت على تفويض صحيح، قبل فرض، ومسيس، فوجب أن لا يجب لها شيء من المهر. أصله إذا طلقها قبل الدخول.

22729 - قلنا: قولكم: بعد تفويض صحيح. لا نسلمه، لأن لمرأة لا تملك إسقاط المهر عندنا بشرط فاسد، فكيف نسلم لهم صحة التفويض، فإن كانوا يريدون التفويض الصحيح لإسقاط لحقها، وهي من أهل الإسقاط، بطل بالمسلمة إذا تزوجت بخمر، فقد فوضت نفسها حين رضيت بما ليس بمال للمسلمين، وهي باسم التفويض أولى، لأنها لما سمت ما ليس بمال فقد رضيت بترك المال، والساكتة عن التسمية لم ترض بإسقاط المهر. 22730 - وقولهم: قبل فرض ومسيس، لا معنى له لأن المسيس يحتاج إليه في فرقة الطلاق [فأما فرقة] الموت، فلا يعتبر فيها المسيس، والطلاق قبل الدخول دليلنا، لأن الفرقة لما حصلت قبل الفرض، والمسيس، وجب لها بدل مسمى، أو بدل حكمي، [وهو المتعة]، كذلك الموت يجب به إما بدل تراضيا عليه، أو بدل من طريق الحكم. 22731 - ولأن الطلاق قبل الدخول ليس بسبب لوجوب العدة، فلم يستقر به المهر والموت سبب لوجود العدة، فصار كالدخول فلم يخل من مهر. 22732 - قالوا: لو طلقها قبل الدخول، لم تستحق شيئًا من المهر، فوجب أن لا تستحقه إذا مات عنها، كالذمية. 22733 - وربما قالوا: فرقة لا يجب بها المهر للمفوضة المشركة، فكذلك المؤمنة، كما لو طلقها قبل الفرض، والدخول. 22734 - قلنا: قد بينا أن الذمية غير مسلمة على الإطلاق، وإنما تتعلق ذلك بما يعتقدونه في دينهم، فإن اعتقدوا أن المهر واجب فهي والمسلمة سواء. 22735 - ولأن الذمية غير مخاطبة بحقوق الله تعالى، فجاز أن يسقط المهر بإسقاطها، والمسلمة مخاطبة بحقوق الله تعالى، فلم يسقط المهر بإسقاطه كما لا

تسقط السكنى في حال عدتها بإسقاطها. 22736 - قالوا: لو وجب المهر بموت الزوج وجب بموتها، فلما قال أبو حنيفة: إذا مات الزوجان لم يجب المهر، دل على أنه لا يجب بموت الزوج. 22737 - قلنا: إذا ماتا، فالمهر واجب. 22738 - وإنما قال أبو حنيفة: إذا ماتا وتقادم موتهما فتعذر معرفة قدر المهر وجنسه لم يقض القاضي بشيء لجهالة ما يقضى به، وإن كان واجبًا في نفسه. * * *

مسألة 1092 إذا لم يسم مهرا ثم فرض لها مهرا فالواجب لها المتعة إذا طلقت قبل الدخول

مسألة 1092 إذا لم يسم مهرًا ثم فرض لها مهرًا فالواجب لها المتعة إذا طلقت قبل الدخول 22739 - قال أصحابنا: إذا تزوج امرأة، ولم يسم لها مهرًا، ثم فرض لها مهرًا، ثم طلقها قبل الدخول فلها المتعة. 22740 - وعن أبي يوسف: أن لها نصف الفرض. 22741 - وبه قال الشافعي. 22742 - لنا: أن عقد النكاح خلا عن تسمية فوجب أن يثبت لها بالطلاق قبل الدخول المتعة. 22743 - أصله: إذا لم يفرض لها، ولأنها تسمية حصلت بعد تمام العقد، فوجب أن لا يتبعض بالطلاق قبل الدخول. أصله: إذا سمى لها مهرًا حال العقد، ثم زاده بعد العقد، ثم طلقها قبل الدخول.

22744 - ولأنه بدل لم يسم في [مقابلة] ملك البضع، فلا ينقسم بالطلاق قبل الدخول. 22745 - أصله: الزيادة على المسمى، ولأن هذا العقد أوجب المتعة إن طلقها قبل الدخول. والعقد إذا أوجب المتعة لم يتعين حكمها بفرض بعد العقد، كما لو طلقها ثم فرض. 22746 - والدليل على أن وجوب المتعة يتعلق بالعقد أن الطلاق قبل الدخول [تارة يوجب المتعة]، وتارة يوجب نصف المفروض. 22747 - [ثم نصف المفروض] يجب بحكم العقد، كذلك المتعة، ولأنه لا يخلو إما أن تجب بالعقد، أو بالفرقة، ولا يجوز إيجابها بالفرقة، لأن الفرقة إذا وجب بها بدل المسمى، وجب على المرأة وهو الجعل في الخلع، فإذا وجب غير مسمى لم يجز أن يجب عليه. 22748 - احتجوا بقوله تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم

لهن فريضة فنصف ما فرضتم} ولم يفصل بين فريضة حال العقد، أو بعده. 22479 - قلنا: قوله: {وإن طلقتموهن}. 22750 - قالوا: وجب بحكم الشرط أن كل امرأة يجوز أن تستحق إذا طلقت قبل الدخول نصف الفريضة. 22751 - قلنا: وكذلك نقول: إن هذه تستحق نصف المهر إذا سمى في العقد، وليس في اللفظ ما يقتضي استحقاقها لنصف الفريضة في حال طلاق، ولأن الشرط لا يفيد ذلك. ألا ترى أنه إذا قال: إن دخل زيد فله درهم، اقتضى اللفظ الاستحقاق بالدخول مرة واحدة، ولا يستحق بالدخول الثاني شيئًا، فعلم أن اللفظ في مسألتنا لا يفيد العموم في كل طلاق. 22752 - وجواب آخر وهو أن قوله {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} خطاب للأزواج في أول حال [ملكوا الطلاق، وذلك عقيب النكاح، والغرض هناك لا يكون إلا في حال] العقد، فلم يجز حمل الآية على فرض بعد ذلك. 22753 - وأجاب أصحابنا عن الآية فقالوا: الفرض يعبر به عن الإيجاب، وذلك لا يكون إلا فيما سمى [حال العقد] فأما التسمية بعده فهي عندنا تقرير لما وجب بالعقد وليس بإيجاب فلا يتناولها اللفظ. 22754 - قالوا: مهر وجب قبل الطلاق، فوجب أن ينتصف بالطلاق قبل الدخول،- كالمسمى في العقد. 22755 - قلنا: أبو يوسف/ قد سلم لنا أنه إذا سمي لها مهرًا، أو فرض القاضي

مهرًا، سقط بالطلاق، ولم يتبعض فهذه العلل تنتقض بهذه المسألة إذا تكلمنا مع أب يوسف، ولا يعرف مذهب الشافعي. 22756 - ولأن الأصل غير مسلم على ما قدمنا، لأن عندنا جميع المستحق يسقط بالطلاق، ويجب نصفه على طريق المتعة ثم التسمية حال العقد، أقوى ما سمى بعده بدلالة أن الزيادة في المهر تثبت عندنا، من وجه، [دون وجه، لأنها تسقط بالطلاق قبل الدخول، وعندهم يسقط حكمها بكل وجه] على الأصلين، فلم يجز اعتبار أحدهما بالآخر. * * *

مسألة 1093 إذا تزوجها على مهر فاسد ثم طلقها قبل الدخول

مسألة 1093 إذا تزوجها على مهر فاسد ثم طلقها قبل الدخول 22757 - قال أصحابنا: إذا تزوجها على خمر أو خنزير، ثم طلقه قبل الدخول فلها المتعة. 22758 - وقال الشافعي: نصف مهر مثلها. 22759 - لنا: قوله تعالى {وللمطلقات متاع بالمعروف}. ظاهره أن كل مطلقة لها المتعة، إلا ما منع منه مانع، ويدل عليه قوله تعالى: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن}، والخمر ليست فريضة المسلمة فيجب لها المتعة. 22760 - ولأنه نكاح خلا من تسمية تثبت لها فوجب لها المتعة، كالتي لم يسم لها شيئًا، ولأن مهر المثل يثبت في النكاح من طريق الحكم فلا يتبعض كالمتعة. 22761 - ولا يلزم إذا تزوج بأقل من عشرة لأن تمام العشرة يثبت حكمًا ويتبعض عندنا، لأن عندنا تسمية ما دون العشرة تسمية لها، فهي ثابتة بالتسمية،

لا من طريق الحكم، ولأن كل نكاح إذا اتصل بالدخول وجب مهر المثل، فإذا طلقها قبل الدخول، وجبت المتعة. 22762 - أصله: إذا تزوجها، وسكت عن التسمية. 22763 - احتجوا: بأنه مهر يستقر بالوطء، فوجب أن يتنصف بالطلاق قبل الدخول كالمسمى. 22764 - قلنا: المسمى بدل ثابت بتراضيهما، ومهر المثل ثبت من غير (تراض)، وما ثبت بالتراضي آكد، فلا يقال: البعض آكد البدلين، ببعض أضعفهما، ولأن نصف المسمى ثبت عندنا على طريق المتعة، فلما اجتمع مع المتعة الحكمية، كان إثبات المتعة التي تراضيا أولى من الحكمية. 22765 - وفي مسألتنا نصف مهر المثل لم يتراضيا عليه، [والمتعة كذلك] تجب بالطلاق قبل الدخول، فإذا لم يوجد ما هو أولى منها كان ثبوتها أولى. * * *

مسألة 1094 إذا نكح نسوة بمهر صحت التسمية

مسألة 1094 إذا نكح نسوة بمهر صحت التسمية 22766 - قال أصحابنا: إذا تزوج امرأتين بألف صحت التسمية، وكان لكل واحدة حصتها من الألف. 22767 - وقال الشافعي: لكل واحدة مهر مثلها. 22768 - لنا: أنه لو أفرد كل واحدة بالتسمية صح، فإذا سمى لهما بدلًا واحدًا صح، كما لو اشترى عبدين بألف، ولأنه عقد يتناول المنافع، فجاز أن يعقد على شيئين ببدل واحد كالإجارة. 22769 - احتجوا: بأن المستحق لأحد البدلين غير المستحق للآخر، فصار كما لو اشترى عبدين من رجلين بألف لكل واحد منهما عبد واحد. 22770 - قلنا: هذا يصح عندنا ويكون كل واحد من العبدين مبيعًا بحصته. 22771 - قالوا: النكاح إذا جمع بعقد واحد، لم يكن بعضه شرطًا في بعض، فكأنه تزوج كل واحدة على الانفراد بحصتها من الألف. 22772 - قلنا: يجوز هذا، لأن جهالته أقل من جهالة مهر المثل. وذلك يسامح به في النكاح، فلم يسلم لهم أصلًا يقيسون عليه.

مسألة 1095 إذا تزوجها على موصوف وأعطاها قيمته فهل تجبر على القبول؟

مسألة 1095 إذا تزوجها على موصوف وأعطاها قيمته فهل تجبر على القبول؟ 22773 - قال أصحابنا: إذا تزوجها على عبد موصوف فأعطاها قيمته أجبرت على قبولها. 22774 - وقال الشافعي: لا تجبر. 22775 - لنا: أنه سمى الحيوان مهرًا، فإذا أحضر الدراهم لزمها قيمته كالمطلق. 22776 - فإن قالوا: إذا أطلق لم تصح التسمية، فإذا وصفت صحت لم نسلم ذلك، لأن عندنا التسمية في الوجهين حكمها واحد، ولأن كل موضع يثبت الحيوان في الذمة لم يستقر ثبوته بدلالة الدية. 22777 - فإن قيل: عندنا الدية على أحد القولين في الإبل، ولا يجوز أخذ بدلها مع القدرة، وعلى القول الآخر يخير بينها وبين غيرها.

22778 - قلنا: وكذلك المهر يخير بينه وبين غيره، فالخيار إلى الزوج كما أن الخيار للقاتل هناك، وعلى الطريق الآخر الحكم يسلم، لأنا قلنا: لا يستقر، والحيوان في الذمة غير مستقر، بدلالة أن من مات من العاقلة سقط عنه. 22779 - احتجوا: بأن العقد قد ثبت ملكه بالعقد، بدليل أنه لو أحضره أجبرت على قبوله، فلم تجبر على قيمته كالمكيل، والموزون. 22780 - قلنا: ليس إذا لزمها قبوله، دل على أن الزوج يجبر عليه، ألا ترى أن مهر المثل إذا وجب فأحضر الدنانير أجبرت على قبولها، ولو لم يحضرها وأحضر الدراهم جاز. 22781 - ولأن المكيل يثبت في الذمة ثبوتا صحيحًا، بدلالة أنه لو استهلكه يجب عليه مثله، فلم يجز أن يعدل عنه بعد وجوبه عليه، والحيوان لا يثبت في الذمة ثبوتًا صحيحًا، بدلالة أن مستهلكه لا يلزمه مثله، فلذلك لم يجبر على تسليمه. * * *

مسألة 1096 المهر لا يرد بالعيب اليسير

مسألة 1096 المهر لا يرد بالعيب اليسير 22782 - قال أصحابنا إلا زفر: لا يرد المهر بالعيب اليسير إلا أن يكون له مثل. 22783 - وقال زفر: يرد بالعيب اليسير. 22784 - وبه قال الشافعي. 22785 - لنا: أنه أحد عوضي النكاح، فلا يرد بالعيب اليسير. 22786 - أصله: البضع، ولأن من حكم المتعاقدين أن يتساويا في العقد، فإذا كانت المرأة لا ترد بجميع العيوب، مع إمكان ارتفاع العقد باتفاق كذلك العوض وهذه المسألة مبنية على أصلنا: أن المهر إذا رد بالعيب رجعت يقيمته، ولم ترجع بمهر مثلها. 22787 - وقد يجوز أن يكون الغبن مع العيب اليسير أنفع لها من قيمتها، فلم يتيقن استدراك الحق بالفسخ فلم يجز رده، وليس كذلك العيب الكثير، لأنها تتيقن أن قيمته صحيحا أنفع منه، فاستدركت بالرد حقًا فلذلك جاز الرد.

22788 - فإن قيل: تقويم المقومين يحمل على الصحة، ولا يحمل على الغلط، ولهذا يجب القطع بتقويمهم، وهو يسقط بالشبهة. 22789 - قلنا: لسنا نحمل أمرهم على الغلط، لكن قيمة النقص اليسير يدخل في التقويم فلا يتيقن استدرك الحق بالرد. 22790 - احتجوا: بأن ما جاز رده بالعيب الفاحش جاز بالعيب اليسير [كالمبيع. 22791 - قلنا: نقول بموجبه لأن المهر يرد بالعيب اليسير] متى كان مكيلا، أو موزونًا، لأنها ترجع بمثله صحيحًا، فيتيقن استدراك الحق بالرد. 22792 - هذا إن عللوا للجواز، وإن عللوا للوجوب انتقضت العلة بعيوب المرأة، [ولأن المعنى في المبيع] أن أحد بدليه يرد بكل عيب، فكذلك الآخر. ولما لم يرد النكاح بكل عيب بالبضع كذلك بدله. * * *

مسألة 1097 نكاح المعتدة من طلاق بائن في العدة

مسألة 1097 نكاح المعتدة من طلاق بائن في العدة 22793 - قال أبو حنيفة وأبو يوسف: إذا أبان امرأته، [ثم تزوجها] في العدة، وطلقها قبل أن يدخل بها، (فلها مهر كامل) وعليها عدة مستقبلة. 22794 - وقال محمد: تمام العدة الأولى ونصف المهر. 22795 - وبه قال الشافعي. 22796 - لنا: أن الفرقة بالطلاق أحد نوعي الفرقة فجاز أن يستحق بها كمال المهر، مع عدم المسيس. 22797 - أصله: الفرقة بالموت، ولأنها معتدة منه عقيب الطلاق، فوجب أن يجب بها كمال المهر، كما لو دخل بها، ولا يلزم إذا وطئت المرأة بشبهة ثم طلقها زوجها قبل الدخول، لأنها معتدة من غيره. 22798 - ونحن قلنا: معتدة منه.

22799 - ولا يلزم إذا وطئها بنكاح فاسد، ثم تزوجها فطلقها قبل الدخول، لأنها تستحق كمال المهر قبل مسألتنا، ولا الطلاق وقع عليها وزوجها مشغول بما يثبت نسبه منه، فصار كما لو وطئها في النكاح الثاني. 22800 - ولأن حكم الدخول ثابت في النكاح الثاني، بدلالة أنه لو جاءت بولد بعده لأقل من ستة أشهر يثبت نسبة منه، فلولا أن حكم الأول ثابت في العقد الثاني لم يثبت النسب، وحكم الدخول كنفس الدخول في كمال المهر بدلالة من تزوج بامرأة فجاءت بولد لستة أشهر ثبت نسبه منه، ووجب كمال المهر، لأنا حكمنا بالدخول حين حكمنا بثبوت النسب. 22801 - فإن قيل: النسب يثبت بالعقد الأول بدلالة أنها إن جاءت به لأقل من ستة أشهر، لم يثبت]. 22802 - قلنا: العقد الأول زال، وارتفعت أحكامه، فلا يجوز أن يثبت النسب به مع ارتفاعه، ولا يقال لو لم يتقدم العقد الأول لم يثبت النسب، لأنه سبب في ثبوت النسب، وإن كانت العلة الحكم [بالدخول في العقد الثاني، لم يثبت النسب]، ولأن البعض محبوس عليه في مدة العدة بدلالة أنها ممنوعة من الأزواج لحقه، فإذا عقد عليه دخل في ضمانه بمجرد العقد كمن ابتاع عبدًا وقبضه وقايل البائع، ثم ابتاعه منه. 22803 - فإن قيل: العبد تحت يده الحرة لا تثبت اليد عليها. 22804 - قلنا: حبس البضع عليه ومنعها من التصرف فيه كثبوت اليد على العبد في البيع/.

22805 - احتجوا: بقوله تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم}. 22806 - قلنا: الشرط يقتضي أن المرأة إذا طلقت قبل المسيس مرة فلها نصف المهر، ولا يقتضي ذلك تكرار الحكم فلم يجز التعلق به، ولأن هذه مطلقة بعد المسيس، لأنه لم يفصل بين مسيس في هذا العقد، أو في عقد قبله. 22807 - قالوا: طلاق في نكاح عرى عن إصابة، فلم يجب له إكمال المهر كالنكاح الأول. 22808 - قلنا: المعنى فيه أنها لا تعتد منه عقيب الطلاق، وفي مسألتنا هي معتدة منه عقيب الطلاق في عدة أوجبها حكم الوطء فلذلك كمل مهرها. 22809 - قالوا: بينونة لو كانت في نكاح لم يتقدمه نكاح لم يجب كمال المهر فكذلك، وإن تقدمه نكاح. 22810 - أصله: إذا طلقها قبل الدخول، ثم نكحها، ثم طلقها، وإذا نكحها بعد انقضاء عدتها. 22811 - قلنا: هناك حكم الدخول ليس بثابت في هذا العقد، فلم يجب كمال المهر، وهاهنا حكم الدخول ثابت. 22812 - قالوا: كل امرأة تردد عليها نكاحان كان لكل واحد منهما حكم نفسه، بدلالة افتقاره إلى ولي وشهود ومهر مجدد فلم يجز أن يبني هذا النكاح على حكم غيره. 22813 - قلنا: عندنا أحد النكاحين غير مبني على حكم الآخر، وإنما النسب يلحقه في العقد الثاني بحكم العقد الأول، وهذا يوجب [ثبوت حكم] أحد العقدين في الآخر.

مسألة 1098 للأب قبض صداق ابنته البكر ما لم تنهه

مسألة 1098 للأب قبض صداق ابنته البكر ما لم تنهه 22814 - قال أصحابنا: إذا زوج الأب بنته البكر جاز له قبض مهرها، وإن لم [تأذن له] ما لم تنهه. 22815 - وقال الشافعي: لا يجوز. 22816 - لنا: أنه لا يعتبر في نفوذ عقده عليها نطقها مع قدرتها، فجاز له قبض مهرها بغير إذنها كالصغيرة، ولأنه مختلف في جواز نكاحها بغير إذنها، فجاز

أن يقبض مهرها كالحكم في حق الصغيرة إذا كان أبوها زوجها ومات، لأنها تستحي في العادة من المطالبة بمهرها فيمنعها ذلك من القبض ومن تعجز عن قبض مهرها فليس لها قبضة كالصغيرة والمجنونة. 22817 - احتجوا: بأنها رشيدة، فلم يكن لأبيها قبض مهرها بغير إذنها كالثيب. 22818 - قلنا: الثيب عكس علينا، لأنه يعتبر نطقها في النكاح فلا تستحي من المطالبة، فلا تعجز عن القبض. 22819 - قالوا: عوض ملكته بعقد معاوضة كالثمن. 22820 - قلنا: هناك يعتبر في جواز العقد نطقها، فلم يل عليها في القبض، وفي مسألتنا بخلافه. 22821 - قالوا: لو ولى قبض مهرها [لم تملك] منعه من القبض كالصغيرة.

22822 - قلنا: الأب لا يقبضه عندنا بولاية، لكن بوكالة ثبتت من طريق الحكم، ولو كانت الوكالة بالنطق ملكت عزله عنها فكذلك من طريق الحكم. * * *

مسألة 1099 عقدة النكاح بيد الزوج

مسألة 1099 عقدة النكاح بيد الزوج 22823 - قال أصحابنا: الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج؛ فقوله تعالى: {إلا أن يعفون} يعني النساء يسقطن ما وجب لهن من نصف المهر، أو يعفوا الزوج إذا كان سلم المهر إليها لا يرجع بشيء منه. 22824 - وهو قول الشافعي الجديد. 22825 - وقال في القديم: الذي بيده عقده النكاح الولي، فتقدير الآية {إلا أن يعفون} يعني النساء {أو يعفوا الذي بيده عقدة النكاح} يعني ولي الصغيرة. 22826 - لنا: قوله تعالى: {إلا أن يعفون أو يعفو أو يعفوا الذي بيده عقدة النكاح} والزوج في يده العقدة إن شاء حلها وإن شاء أمسكها، والولي قبل العقد ليس بيده عقدة، لأنه لم يعقد شيء والعقد اسم لما انعقد، دون ما ينعقد في

الثاني، وبعد الانعقاد قد خرج الأمر من يده، فلا يملك شيئًا منه، فحمل الاسم على الزوج أولى. 22827 - ولا يصح أن يقال: عفا إذا لم يطالبها بنصف المهر، ولا يقال للأب إذا أسقط مال ابنته عفا، لأن العفو يكون في مال الإنسان لا في مال غيره، ولأنا إذا حملناه على الزوج، فقد حملنا اللفظ على العموم في كل وجه، وإذا حملوه على الولي خصوه في بعض الأولياء في الأب والجد خاصة، وفي بعض النساء وهي البكر الصغيرة، ومن حمل اللفظة على عمومها [كان أولى]. 22828 - ولأنه تعالى قال: {وأن تعفوا أقرب للتقوى} وهذا خطاب للزوج باتفاق، والتفاضل يقع بين أمرين، فدل أنه ذكر عفو المرأة، ثم عفو الزوج، ثم قال للزوج: [{وأن تعفوا أقرب للتقوى}، [وهذا خطاب للزوج]. 22829 - ولأنه لا يقال للولي المسقط لمال وليته أن ما فعله أقرب للتقوى، ويدل عليه ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه،

عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الذي بيده عقدة النكاح الزوج) وهو قول علي بن أبي طالب وجبير بن مطعم. 22830 - وقد روى عن ابن عباس: أنه الولي ولم ينقل عنه تفصيل بين بكر وثيب [وقيل إنه روى عنه خلاف ذلك]: ولأن المهر مال لها فلا يملك الولي إسقاطه كسائر أموالها ولأنه بدل في معاوضة كالثمن في البيع، ولأنه لا يملك

إسقاطه إذا كانت ثيبا فلا يملك إذا كانت بكرًا كالأجنبي وعكسه المولى. 22831 - ولأن خروج البضع من ملك الزوج لا قيمة له، فلا يجوز أن يبذلك مالها في مقابلة ما لا يقوم، كما لا يبذل في مقابلة الخمر، والخنزير، ولأنه لا يملك الخلع عليه بعد القبض فلا يملك إسقاطه قبله كالأجنبي وكثمن المبيع والأجرة في الإجارة. 22832 - احتجوا: بقوله تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} وهذا خطاب للزوج بلفظ المواجهة ثم قال: {إلا أن يعفون} وهذا يتناول النساء بلفظ الكناية، ثم قال: {أو يعفوا الذي بيده عقدة النكاح} وهذا خطاب بكناية، فلو كان المراد به الزوج لكان بلفظ المواجهة. 22833 - قلنا: قد يبتدأ الخطاب بالمواجهة، [ويعطف عليه بالكناية، والخطاب لواحد، وقد يبتدأ بالكناية، ويعطف عليه بالمواجهة] وهو كذلك قال تعالى: {حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة} وقال تعالى: {الحمد لله رب العالمين} ثم قال: {إياك نعبد وإياك نستعين} فافتتح بالكناية وتلاها بالمواجهة، وهذا كثير في الكلام العربي، وهذا ظاهر في هذه الآية لأنه افتتح بالمواجهة وعطف عليه عفو النساء بالكناية، فلما ذكر الزوج ذكره بلفظ الكناية الذي تقدم عليه ولم يذكره بالمواجهة مع الفصل بينهما. 22834 - قالوا: قوله تعالى: {إلا أن يعفون} يعني به عفو المرأة عن نصف

مهرها، فإذا حملنا قوله: {أو يعفوا الذي بيده عقدة النكاح} على الزوج عطفنا عفوه على عفو مخالفه، وإذا حملناه على عفو الولي حملناه على ما يوافقه. 22835 - قلنا: العطف يجب أن يكون من جنس المعطوف عليه، وعفو الزوج من استرجاع نصف ما سلمه إليها كعفوها عن نصف المهر الذي لم تقبضه منه، فقد عطفنا الشيء على نظيره، وهذا الذي يلزمنا بحكم العطف. 22836 - قالوا: ابتدأ الله بعفو المرأة بقوله {إلا أن يعفون} وختم بعفو الزوج بقوله: {وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا} فإذا حملنا قوله: {أو يعفوا الذي بيده عقدة النكاح} على الزوج. 22837 - قلنا: حملنا اللفظ على التكرار، وإذا حملناه على الولي حملناه على فائدة محددة. 22838 - قلنا: إذا حملتموه على الولي لم يصح التفضيل في عفو الزوج، وإنما يصح التفضيل على قولنا، لأنه بين عفوها، وعفو الزوج، ثم أخبر تعالى أن عفو الزوج أولى. 22839 - قالوا: الزوج يجب عليه تسليم نصف المهر إليها فكيف يعفو. 22840 - قلنا: خرج الكلام على المعتاد، لأنهم كانوا يتزوجون، يقدمون المهر [فعفو الزوج أن لا يرجع عليها بشيء]. 22841 - قالوا: نصف صداق استقر بالطلاق، فكان للولي العفو عنه كمولى الأمة. 22842 - قلنا: الوصف غير مسلم في الأصل، لأن المهر لم يستقر للأمة لكن لمولاها، والوصف الآخر غير مؤثر، لأن الأمة لا فرق بين أن تكون بكرًا، أو ثيبًا. والمعنى في المولى، أنه يملك إسقاط المهر [بعض القبض، فيملك قبله]، ويملك

[إسقاطه إذا كانت ثيبًا، فملك إذا كانت بكرًا. ويملك إسقاط الأجرة إذا أجرها فملك إسقاط مهرها] إذا زوجها والولي بخلاف ذلك. 22843 - قالوا: في إسقاط الأب لنصف مهرها منفعة لها، لأنه يعلم أنه سمح غير متشدد، فيرغب الناس فيها. 22844 - قلنا: يبطل هذا بالأجرة في الإجارة، والثمن في البيع، وبما يعد قبض المهر. 22845 - قالوا: الأب والجد يملكان نقصان مالها لمصلحتها، ألا ترى: أنهما يقطعان الثياب ويجعلان الدنانير حليًا، وذلك نقص فيها. 22846 - قلنا: هذا يفعل لأنها لا تنتفع بالثياب إلا بعد قطعها، فهو وإن نقص العين كتمكينها من اللبس الذي ينقص القيمة، وهذه ضرورة [لا توجد] في إسقاط المهر. * * *

مسألة 1100 إذا وهبت الصداق قبل القبض أو بعده

مسألة 1100 إذا وهبت الصداق قبل القبض أو بعده 22847 - قال أصحابنا: إذا وهبت صداقها لزوجها قبل قبضه ثم طلقها قبل الدخول لم يرجع عليها بشيء. وإن قبضت ثم وهبت: فإن كان المهر ثمنًا رجع عليها. وإن كانت عروضًا فوهبتها وهي بحالها لم يرجع عليها بشيء، وإن تغيرت بزيادة أو نقصان رجع عليها. 22848 - وقال الشافعي: إذا وهبت لم ترجع في أحد القولين، سواء ما بعد القبض، وقبله. وفي القول/ الآخر: تضمن له نصفه في الوجهين. وإذا كان المهر دينًا في ذمته فأبرأته منه، ففيه وجهان. 22849 - لنا: أن الذي يستحقه الزوج بالطلاق قبل الدخول يرجع إليه من جهتها، بسبب لا يوجب الضمان، فلم يجز له الرجوع عليها بشيء، كما لو تزوجها على عين فقبضتها ثم ردتها إليه بغير هبة ثم طلقها. وإن شئت قلت: أنا لو ضمناها لضمناها لهبتها والهبة لا توجب الضمان على الواهب فيما وهب، لأجل هبته. أصله: إذا استحقت العين الموهوبة وقد تملكت في يد الموهوب له فضمن لم يرجع على الواهب.

22850 - ولا يلزم إذا وهبت لأجنبي فوهب الأجنبي له، لأن المستحق لم يعد إليه من جهة الزوجة. 22851 - ولا يلزم إذا قبضت المهر، وهو ثمن ثم وهبت؛ لأن العين لا يستحق عليها ردها عندنا، إذ الدرهم، لا يتعين بالفسخ، ولا يلزم إذا زادت العين لأن حق الفسخ يسقط بالزيادة، ويستحق الزوج نصف قيمتها، فلم يعد المستحق إليه، ولا يلزم إذا نقصت العين، لأنه [لا يتعين] أن يستحق نصف العين الناقصة، بل له المطالبة بنصف القيمة، فلم يعد إليه المستحق، ولأن الصداق لم يدخل في ضمانها، فلم يلزمها ضمانه بالطلاق لو لم تقبض ولم تهب. 22852 - ولا يلزم إذا وهبت لأجنبي، لأن قبضه يقوم مقام قبضها، فكأنها قبضت، فيدخل في ضمانها بقبضه. 22853 - ولا يلزم إذا كان المهر عبدًا فأعتقته قبل القبض، لأنها استهلكته بالعتق، وأزالت يد الزوج عنه فضمنت الاستهلاك وإزالة اليد.

22854 - ولا يلزم إذا ابتاعت به شيئًا، لأنه دخل في ضمانها حين أخذت العوض عنه، ولأنها تبرعت على زوجها بمهرها فلم يرجع عليها إذا طلقها. 22855 - أصله: إذا تزوجها على أن لا مهر لها، ولأن ما سقط من ذمة الزوج من المهر، بسبب لا يوجب الضمان، لا يجوز أن يرجع به عليها بعد الطلاق. 22856 - أصله: النصف الساقط بالطلاق، ولأن العقد هو الموجب لسلامة المهر لها، إن انضم إليه دخول وعود نصفه إلى الزوج بغير عوض إذا طلقها قبل الدخول، فإذا وهبت فقد حصل له المستحق، وزيادة على الوجه الذي يستحقه، مع قيام سببه فيقع عن مستحقه كالدين المؤجل إذا عجل. 22857 - فإن قيل: المستحق عوده بسبب الطلاق، فإذا عاد بسبب الهبة، فهو عود بسبب آخر، واختلاف جهات الملك باختلاف الأعيان المملوكة، ولهذا لو كان عليه دين مؤجل فوهب الذي عليه الدين لغريمه مثله، لم يسقط الدين عنه بالهبة. كذلك في مسألتنا. 22858 - قلنا: اختلاف جهات الملك ليس هو المعتبر فيما بين الزوج وبينها، وإنما يعتبر بينه وبين بائعه فأما حقه معها فهو عود النصف إليه من جهتها بغير بدل، وقد عاد ذلك فلا معتبر باختلاف الجهات، وليس كذلك الدين المؤجل إذا وهب من عليه الدين مثله، لأن المستحق في الدين أن يحصل لصاحبه قبض مضمون، وذلك لا يوجد

في الهبة فلذلك لم يسقط الدين. 22859 - احتجوا: بأن الصداق عاد إليه بعقد مستأنف، فوجب أن لا يمنع من رجوعه بنصفه إذا طلقها، كما لو وهبت الصداق لأجنبي فوهبته له. 22860 - قلنا: هناك لم يعد إليه من جهتها بغير بدل، فلم يوجد المستحق. وفي مسألتنا بخلافه. ولأن هناك قبض الأجنبي بأمرها فصار ذلك كقبضها، فدخل في ضمانها، كما لو قبضت بنفسها، وهذا المعنى لا يوجد إذا وهبت قبل القبض. 22861 - قالوا: عاد إليه الصداق بغير الوجه الذي يعود إليه به حين الطلاق، فصار كما لو اشتراه منها ثم طلقها. 22862 - قلنا: هناك لم يعد إليه [على الوجه المستحق، لما بينا أن المستحق أن يعود إليه من جهتها بغير عوض، وها هنا عاد إليه] بعوض. 22863 - قالوا: الصداق يرجع إلى الزوج قبل ثبوت حقه بالطلاق، فوجب أن لا يسقط حقه من الرجوع بالنصف. 22864 - أصله: إذا كان الصداق ثمنًا. 22865 - قلنا: إن كان الصداق ثمنًا ولم يقبضه حتى وهبته له فهي مسألة الخلاف، لا فرق بين الأثمان وغيرها قبل القبض، وإن كان الأصل إذا قبضت، ثم وهبت فقد دخلت في ضمانها بالقبض، فجاز أن يثبت الرجوع لوجود القبض المضمون. وقبل القبض لم يدخل في ضمانها، ولا سلم لها شيء منه، فلا يجوز أن يرجع عليها. 22866 - ولا يلزم إذا قبضت العين، ثم وهبتها لأنا عللنا جواز الضمان لأجل القبض، وهبتها.

مسألة 1101 إذا سلمت المرأة نفسها فوطئها الزوج، فهل لها أن تمتنع

مسألة 1101 إذا سلمت المرأة نفسها فوطئها الزوج، فهل لها أن تمتنع 22867 - قال أبو حنيفة: إذا أسلمت نفسها فوطئها الزوج فلها أن تمتنع منه حتى يعطيها مهرها. 22868 - وقال أبو يوسف ومحمد ليس لها الامتناع. 22869 - وبه قال الشافعي. 22870 - لنا: أنه وطء مستباح بعقد النكاح فكان لها منع الزوج منه حتى تستوفي المهر قياسًا على الوطء الأول، ولأنه وطء يفتقر إلى تمكينها، فكان لها [حق الحبس منه بالمهر، كالوطء الأول، ولأن وطء حالة لو مات الزوج استحقت كمال المهر، فكان لها منع نفسها به]. كما بعد الخلوة.

22871 - فإن قيل: المعنى في الوطء الأول أن المهر [لم يستقر]، وفي مسألتنا وجد الوطء الذي يستقر به البدل برضاها. 22872 - قلنا: إذا كان أصل علتنا الخلوة، لم نسلم أن المهر [لم يستقر]، ثم هو فاسد لأن استقرار المهر مؤكد، فإذا جاز أن تحبس نفسها بمهر لم يتأكد، فلأن تحبس بما تأكد أولى. 22873 - ولأن المهر في مقابلة كل استمتاع يوجد في النكاح، بدليل أنه لو كان في مقابلة الوطء الأول لم يجب عليها تسليم الثاني، لأنها وفت ما في مقابلة البدل، ولو كان يوجد وطء الحرة فيما بعد الوطء الأول بغير بدل وكان إذا وطئها مكرهة لا يجوز لها منع الوطء الثاني، لأنه لا بدل في مقابلته، فلم يبق إلا أن يكون المهر في مقابلة كل وطء يوجد في العقد، والوطء الثاني مقابلة جزء من المهر، فكان لها أن تمنع نفسها حتى تستوفي بدله، كالوطء الأول، وكمن باع عبدين فسلم أحدهما فله حبس الآخر يبين ذلك أن العقد إذا تناول المنافع كان العوض في مقابلة جميعها. أصله: الإجارة. 22874 - احتجوا: بأنه وجد التسليم الذي استقر به البدل برضاها، فلم يثبت لها حق الحبس. أصله: البائع إذا سلم المبيع. 22875 - قلنا: لا يمتنع أن يستقر البدل بالتسليم، وإن عاد حق الحبس كما

لو أفلس المشتري على أصلهم، ولأن استقرار البدل بالوطء وإن كان المراد به وجوبه أو ثبوت المطالبة به فقد كان ذلك قبل الوطء. وإن أرادوا به أن الفرقة إذا حصلت، لم يسقط شيء منه، لأن الفرقة تبين بها أنه ليس هناك معقود عليه سواه، فلا معنى لذكر الاستقرار. ولأن المعنى في المبيع إذا سلم إليه لا يقف على تسليم ثان منها، فلم يجز لها الحبس. ولما وجب عليها التسليم في النكاح بعد الوطء الأول دل على أن حق الحبس لم يسقط. 22876 - أو نقول: إن التصرف في المبيع بعد التسليم لا يقف على تسليمها، وليس كذلك في مسألتنا، لأن التصرف في الوطء يقف على تمكينها فيثبت لها في حق الحبس، كما باع عبدين فسلم أحدهما، لما وقف التصرف في الآخر على تمكين البائع، جاز له حبسه. 22877 - قالوا: وجد التسليم الذي يتعلق به جواز التصرف، فسقط حق الحبس، كالمؤجر إذا سلم الدار المستأجرة. 22878 - قلنا: يبطل إذا خلت بين نفسها وبينه، ثم منعته من الوطء فلها ذلك، وإن وجد التسليم الذي يبيح التصرف. 22879 - ثم إن قاسوا على الإجارة التي أطلق العقد فيها، فالأجرة عندنا لا تجب بالعقد، فلا يثبت الحبس قبل التسليم وبعده لعدم استحقاق الأجرة، وإن قاسوا على من أجر وشرط تعجيل الأجرة، [وتسلم الدار قبل تعجيل الأجرة]، فقد اختلف أصحابنا المتأخرون في ذلك. 22880 - فمنهم من قال: للمؤجر أن يرجع الدار ويحبسها، كما لها في النكاح بعد العقد فلما لم تمنعه من وطئها، فعلى هذا لا فرق بينهما. 22881 - ومن أصحابنا من قال: ليس للمؤجر حق الحبس وذلك لأنه لو سلم الدار

فلم يسكنها المستأجر لم يثبت له حق استرجاعها ليحبسها، كذلك بعد السكنى، وفي النكاح لو سلمت المرأة نفسها إليه جاز لها أن تمنع قبل الوطء، كذلك بعده. 22882 - وفرق آخر: وهو أن تسليم الدار كتسليم جميع المعقود عليه بدلالة أن المستأجر يجوز أن يؤجرها، وبدلالة أن المنافع تحدث تحت يده، ولا يفتقر في تسليمها إلى تمكين المؤجر، فلم يثبت له المنع. 22883 - وفي مسألتنا المنافع تصير مسلمة، بدلالة أنها إذا وطئت، وكان البدل لها يفتقر الاستيفاء إلى تمكينها، فلذلك يثبت لها حق الفسخ. فرق آخر: وهو أن إطلاق الإجارة لا يقتضي تعجيل الأجرة عندنا، ثم لو شرط التعجيل، أو عجل من غير شرط تعين مقتضى العقد، حتى لا يثبت له استرجاع بما عجل، كذلك المنافع يثبت حق الحبس فيها إذا كانت الأجرة معجلة، فإن سلم الدار بغير مقتضى العقد، لم يثبت استرجاعها، [كما لا يثبت] في الأجرة إذا عجلت. * * *

مسألة 1102 الزيادة في المهر بعد التسمية

مسألة 1102 الزيادة في المهر بعد التسمية 22884 - قال أصحابنا: إذا زادها في المهر بعد التسمية جازت الزيادة، ولزمت. 22885 - وقال الشافعي: هي هبة مبتدأة، فإن قبضها صحت/، وإن لم يقبضها لم يلزم. 22886 - لنا: قوله تعالى: {ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة}) ولا يخلو: إما أن يكون المراد بذلك النقصان، أو الزيادة، أو الهبة، [فلا يجوز أن يكون المراد به [الحط، لأنه ذلك يقف عليها، ولا يفتقر إلى التراضي]، ولا يجوز أن يكون المراد به الهبة المبتدأه، لأن ذلك لا تعلق له بالفريضة، فلم يبق إلا أن يكون المراد به الزيادة. 22887 - ولأن العقد في ملكها، بدلالة أنهما يملكان الخلع، فجاز إثبات الزيادة كحال العقد، وكالزيادة في الثمن في المجلس، ولأنه يعتبر لصفة المهر، فتعلق به

الاستحقاق، كالحط ولأنه مال جعلاه في مقابلة البضع بعد النكاح، فيتعلق به الاستحقاق، كما لو تزوجها بغير تسمية، ثم سمى لها مهرًا. 22888 - فإن قيل: المعنى [في هذا] أنه ينقسم بالطلاق. 22889 - قلنا: لم نسلم ذلك، لأن عندنا يسقط المهر، وتجب المتعة، ولأنه عقد فيه عوض، جازت الزيادة في عوضه بعد انعقاده، كالزيادة في الثمن حال المجلس، ولأن كل حالة جازت الزيادة في الثمن جازت الزيادة في المهر، كحال العقد. 22890 - احتجوا: بأن هذه الزيادة لو لحقت العقد لتنصف بالطلاق قبل لدخول، كالمسمى في العقد. 22891 - قلنا: عندنا أن جميع المسمى يسقط، ويجب نصفه على طريق المتعة، فلا نسلم الأصل، ولأن المعنى فيما سمى في العقد أنه ملك [في مقابلة ملك البضع بتراضيما، فلذلك انقسم بالطلاق، والزيادة لم تملك في مقابلة]

ملك البضع فلم تنقسم. 22892 - قالوا: البضع في ملك الزوج، [فلم يجز] [أن يبذل عوضًا عن ملكه]. 22893 - قلنا: يبطل إذا تزوجها بغير مهر، ثم فرض لها مهرًا وبالعوض [عن البيع بعد عقدها ولأن عندنا الزيادة تلحق العقد وتصير كالموجودة في تلك الحال] فلا يكون عوضًا عما هو على ملكه. * * *

مسألة 1103 مقدار المهر إذا حدث وطء في النكاح الفاسد

مسألة 1103 مقدار المهر إذا حدث وطء في النكاح الفاسد 22894 - قال أصحابنا: إذا وطئها بنكاح فاسد، فلها الأقل من المسمى ومن مهر مثلها. 22895 - وقال زفر: يجب مهر المثل [إذا كان هناك تسمية، يصح أن تكون مهرًا]. 22896 - وبه قال الشافعي. 22897 - لنا: أن كل عقد لو لم يكن فيه مسمى، وجب بحكمه مهر المثل. وإذا كان هناك تسمية يصح أن تكون مهرًا لم تجز الزيادة عليها، كالنكاح الصحيح. 22898 - فإن قيل: مهر المثل يجب بالوطء، ولا يجب بالعقد. 22899 - قلنا: وجوبه بحكم العقد. ألا ترى أنه لولا العقد وجب الحد، دون المهر. وعندهم لولا العقد، لكان الوطء بتمكينها لا يوجب البدل، ولأن المنافع عندنا لا قيمة لها إلا بعقد، أو شبهة وقد بيناها بالمسمى، فما زاد عليه تراضيًا بإسقاطه، فلم يجب كما لو تراضيا بإسقاط جميع القيمة. 22900 - احتجوا: بأن ما وجب تقويمه بالعقد الصحيح، والفاسد وجب في

الفاسد قيمة كاملة كالأعيان. 22901 - قلنا: الأعيان متقومة بنفسها فلم يتعين تقويمها، والمنافع غير مقومة بنفسها، وإنما تتقوم بالعقد فوجب اعتبار المقدار الذي قوماه دون ما زاد عليه. * * *

مسألة 1104 إذا تزوج ذمي ذمية على خمر أو خنزير ثم أسلما

مسألة 1104 إذا تزوج ذمي ذمية على خمر أو خنزير ثم أسلما 22902 - قال أبو حنيفة: إذا تزوج ذمي ذمية على خمر أو خنزير، ثم أسلما فإن كانا بأعيانهما فليس لها إلا ذلك، وإن كانا بغير أعيانهما، [فلها قيمة الخمر]، [ومهر المثل] في الخنزير. 22903 - وقال أبو يوسف: لها مهر المثل في جميع الأحوال. 22904 - وبه قال الشافعي. 22905 - والكلام مع الشافعي يتفرع على أن الخمر والخنزير مال لأهل الذمة، يصح تصرفهم فيهما، فإن التسمية فيه صحت، فوجبت المطالبة بها، والكلام في هذا قد تقدم في الغصب، فإذا ثبت هذا الأصل فقد ملكته المرأة بعينه، والسبب الموجب بتسليمه إليها لا ينفسخ بالإسلام، ولم يكن لها غير العين، كما لو غصبها ذلك ثم أسلما. 22906 - ولا يلزم المبيع، لأن العقد ينفسخ بالإسلام قبل التقابض، ويسقط التسليم، لفسخ السبب الموجب له، وهذا لا يلزم إذا كان المهر في الذمة، فإن

في تسليمها تمليكها بما في الذمة، والإسلام يمنع من تمليك الخمر، وتملكها، وإذا تعذر تسليم المهر بعد صحة التسمية، وجب الرجوع إلى قيمته كما لو هلك المهر. 22907 - وقد دللنا على هذا الأصل والمسألة مبنية على هذين الأصلين، وقد كان القياس أن يجب قيمة الخنزير أيضًا [لما ذكرنا]. وإنما استحسن لأن قبل الإسلام كانت تجبر على أخذ قيمته على أصلنا فيمن تزوجت على حيوان بغير عينه، والإسلام قد أوجب بغير التسمية. 22908 - فلو أوجبنا القيمة بقيت التسمية على ما كانت عليه قبل الإسلام، فلذلك وجب مهر المثل. 22909 - وعلى أصل الشافعي التسمية لم تصح، فوجب مهر المثل بالعقد، كالمسلم إذا تزوج على خمر. * * *

مسألة 1105 الخلوة الصحيحة توجب المهر كاملا

مسألة 1105 الخلوة الصحيحة توجب المهر كاملًا 22910 - قال أصحابنا: إذا خلا الرجل بزوجته خلوة صحيحة، ثم طلقها فلها كمال المهر. 22911 - وهو قول الشافعي في القديم. 22912 - وقال في قول آخر: لها نصف المهر، ولو أنها استدخلت الماء فحبلت، أو جامعها فيما دون الفرج، فسبق الماء فحبلت، ففيه وجهان. 22913 - لنا: قوله تعالى: {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وءاتيتم إحداهن قنطارًا فلا تأخذوا منه شيئًا} إلى قوله {وكيف تأخذونه وقد أفضى

بعضكم} فظاهر الآية أن الزوج إذا دفع المهر لم يجز أن يأخذ منه شيئًا في جميع الأحوال، إلا ما منع منه مانع. 22914 - فإن قيل: لم يذكر الطلاق، وإنما ذكر الاستبدال، ومن أراد الاستبدال لم يجز أن يأخذ شيئًا من المهر. 22915 - قلنا: الاستبدال لا يكون إلا بمفارقة، فأما مع بقائها فهو جمع، وليس باستبدال. ولأنه علل منع الأخذ بالإفضاء، ولم يرد به الفرقة، لعلل ببقاء النكاح ثم قال: {وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم}. 22916 - قال الفراء: الإفضاء الخلوة ومنه أفضيت إلى فلان سرى. 22917 - [فإن قيل: روى عن ابن عباس أنه قال: المراد بالإفضاء الجماع، وهو أعرف بمعنى القرآن [من الفراء] وقال الزجاج: الغشيان.

22918 - وقال القتبي: في غريب القرآن: هو الجماع. 22919 - قالوا وإنما الفراء يفسر القرآن بمذاهب أهل الكوفة. 22920 - قلنا: أما ابن عباس فالذي روى عطاء عنه، أنه قال: إذا فوض إلى الرجل فطلق قبل أن يمس، فليس لها إلا المتاع وهذا يدل أنه يجب لها المتعة إذا فوض إليه، وهذا يحتمل الخلوة، ويحتمل أن المهر فوض إليه، فإن أراد الخلوة، دل على أن التفويض عند الخلوة، لخلاف ما حكوا، وقد قال أبو الحسن بن كيسان: الإفضاء بلوغ الشيء، وانتهاؤه إليه. 22921 - قال الفراء وقد أفضى أن يخلو بها، وإن لم يجامعها يدل

على صحة هذا قول علقمة الحفل: بيت. 22922 - وأنت امرؤ أفضت إليك أمانتي وقبلك ربتني، فصغت، ربوب. 22923 - وقول الزجاج: إنه الغشيان. يريد حقيقة هذه اللفظة في اللغة، بل لا يجهل أحد من أصاغر أهلها، أن حقيقة أفضيت إلى الشيء وأفضي وصلت إليه ولكنه جعل ذلك كناية عن الجماع عنده، كما جعل الرفث، وإن كان حقيقته الكلام. 22924 - ثم قال الزجاج: وقال بعضهم إذا خلا فقد أفضى، غشي أو لم يغش. فأبان عن غرضه بحكاية خلاف مذهبه، وتركه الاعتراض عليه على عادته في كتابه، ولو كان خلافا في حقيقة اللغة لرده، كما يرد ما خالف قوله، مما هو من علمه من أول كتابه إلى آخره، فقد بان بهذا أن ما قاله الفراء هو اللغة] ولو كان غير ذلك [لذكر سوى هذه، وأن غيره دون اللغة. 22925 - فإن قيل: لو أراد الخلوة لقال: وقد أفضى بعضكم] إلى بعض [.] كا يقال خلا بعضكم ببعض [.

22926 - قلنا: ولو كان المراد الوطء لقال: وقد أفضى بعضكم ببعضكم، لأنه يقال: دخل بها، ولا يقال: دخل إليها فسقط هذا، وبان أن الأدوات تتبع الألفاظ ولا تتبع المعاني. 22927 - قالوا: عندكم الإفضاء كناية عن الخلوة، والعرب تكنى عن المستقبح، والخلوة غير مستقبحة، فلا يكنى عنها. 22928 - قلنا: الإفضاء عندنا ليس بكناية، وإنما هو حقيقة في الخلوة، فقد عبر عنها بإحدى الحقيقتين، ولأن العرب تكنى عن الحسن، والقبيح جميعا، ويدل عليه ما روى أبو الأسود، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من كشف خمار امرأة، ونظر إليها، وجب لها الصداق، دخل بها، أو لم يدخل) وكشف الخمار لا يكون إلا في خلوة، فقد عبر بذلك عنها. 22929 - فإن قيل: معناه وجب لها أن تتسلم المهر.

22930 - قلنا: المهر يجب تسليمه قبل تسليم المرأة نفسها، ثم ظاهر الخبر أن الوجوب صفة للمهر، فهم يجعلونه صفة للتسليم. 22931 - قالوا: كشف الخمار كناية عندكم على الخلوة، وعندنا على] الوطء. 22932 - قلنا: كشف الخمار [لا يعبر به عن الوطء كناية، والعادة أنه لا يكون إلا في الخلوة، فيجوز أن يذكر، لأنه الأغلب في الحال، ويدل عليه ما روى عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب أنهما قالا: (إذا أغلق بابا، وأرخى سترا، وجب المهر)، وعن ابن عمر، ومعاذ وزيد بن ثابت مثله، وعن

زرارة بن أبي قال: قضى الخلفاء الراشدون، والمهديون إذا أغلق الباب، وأرخى الستر، أن لها المهر كاملا، وعليها العدة. 22933 - فإن قيل: هذا يقتضي وجوب المهر، فكذلك نقول: إنه يجب تسليمه كما سلمت نفسها. 22934 - قلنا: قوله: وعليها العدة يفيد الطلاق، وقد بينا أن الخبر لا يجوز أن يحمل على وجوب التسليم. 22935 - فإن قيل: روى عن ابن عباس، وابن مسعود، فيمن خلا بامرأته، ثم طلقها أن عليه نصف المهر.

22936 - قلنا: يحتمل أن يكون قالا ذلك في الخلوة الفاسدة، حتى لا يحتمل قولهما، على ما يخالف الإجماع الظاهر، ولأن التسليم المستخق بالعقد وجد، فوجب أن يستقر البدل. 22937 - أصله: التخلية في العقار. 22938 - ولا يلزم الخلوة الفاسدة، لأن التسليم المستحق بالعقد، هو التسليم الذي يمكن معه القبض، من غير مانع. 22939 - فإن قيل: التسليم المستحق بالعقد هو الوطء. 22940 - قلنا: ذلك هو التسليم، وليس بتسليم. 22941 - فإن قيل: العقار لا يستقر البدل فيه بالتخلية، حتى يصير بحيث لو اختلف المشتري وغيره فيه كان القول قول المشتري. وهذا لا يوجد في النكاح، لأن البضع لا يحصل تحت يده بالتخلية، بدلالة أن زوجا آخر لو ادعى العقد لم ترجح دعوى صاحب الخلوة. 22942 - قلنا: اليد تثبت عليها بالتسليم، كما تثبت عليها بالإجارة، إذا 257/أسلمت نفسها/، ولو كانت مما لا قول لها في نفسها مثل المجنونة، والصغيرة، لرجح قول الذي هو في يده عندنا. 22943 - وقد قالوا: لو تنازع رجلان في امرأة، وأقاما البينة، والمرأة في يد أحدهما، كان أولى بها ولو لم يكن لأحدهما يد بها تهاترت البينتان.

22944 - ولأنه عقد على استباحة المنافع، فجاز أن يستقر البدل فيه بالتخلية. أصله: الإجارة. 22945 - أو نقول: فجاز أن يقوم التمكين من استيفاء المنفعة مقام الاستيفاء في استقرار البدل، وهذا الوصف صحيح في الأصل، والفرع، لأن كل واحد من العقدين أباح استيفاء المنافع بعد حظرها، ولأن التخلية] التي اقتضاها العقد، قد وجدت، فوجب أن يستقر البدل. 22946 - أصله: التخلية [في الإجارة، ولا يلزم إذا استأجر دابة إلى الكوفة، فسلمها ببغداد، أنه لا يستحق الأجرة، لأن التخلية] في الإجارة [التي اقتضاها العقد هي التخلية في أماكن المسير المعقود عليها، ولهذا لو ساقها المؤجر مع المستأجر إلى الكوفة، فلم يركبها استحق الأجرة. 22947 - قالوا: العضو في النكاح في باب الاستقرار، يخالف البيع، والإجارة. بدلالة أنه يستقر بالوطء الأول دون غيره، والكل معقود عليه، ويستقر بالموت،

ويستقر نصفه بالطلاق، وفي كل ذلك هو مخالف للأجر، والثمن. 22948 - قلنا: هذا دلالة لنا لأن المهر إذا كان يستقر بأسباب لا يستقر بها الأجر، والثمن، فأولى أن يستقر بالتخلية التي يستقر بها الأجر والثمن. 22949 - فإن قيل: المنافع مقدرة بالزمان، فيتعين حق المستأجر في المدة، فإذا تلفت المنافع تحت يده، استحق عليها البدل، وفي النكاح لا تتقدر المنافع بالمدة، فلا يستقر البدل بالتخلية. 22950 - قلنا: النكاح] لا يتقدر بالمنافع [وإن لم يتقدر بالمدة، فحق الزوج متعين في جميع العمر، والبدل على قولهم: يستقر بوطء واحد، فقد حصلت التخلية فيما يستقر به البدل، فصار كالتخلية في مدة الإجارة. 22951 - فإن قيل: البدل في الإجارة يستقر، لأن المنافع تتلف تحت يد المستأجر) فتستقر الأجرة بهلاكها، وهذا لا يوجد في النكاح. 22952 - قلنا: فوات المنافع تحت يده في أحد العقدين كهي في الآخر. 22953 - وقد بينا أن يده تثبت على منافع بعضها، كما ثبتت في الإجارة، ولأن الوطء استهلاك المعقود عليه واستقرار البدل لا يقف على استهلاك المعقود عليه أصل: عتق العبد المبيع وأكل الطعام. 22954 - احتجوا: بقوله تعالى:} وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم {. 22955 - قالوا: وهذا طلاق قبل المسيس. 22956 - قلنا: اللمس لا يعبر به عن الوطء، وقد امتنعت اللغة] وكلام

العرب [فلم يوجد ذلك في شيء من كلامهم، وإنما يزعم مخالفنا أنه كناية عن الوطء، ونحن نقول: إنه كناية عن الخلوة، لأن الإنسان لا ينس امرأته في العادة] إلا في خلوة [وإن لم يكن التعلق بحقيقته، فليس ما يقوله مخالفنا أولى مما نقوله. 22957 - فإن قيل: أليس قلتم في قوله تعالى:} أو لامستم النساء {إنه الجماع. 22958 - قلنا: اللمس قد يستعمل في الجماع كناية، وإنما أنكرنا أن يستعمل اسم اللمس فيه، لأن ذلك لا يوجد في اللغة. 22959 - فإن قيل: قد قال الله تعالى في قصة مريم:} ولم يمسسني بشر {. 22960 - قلنا: كانت مترهبة، فأخبرت أنها لم يقرب أحد منها، لتنفي بذلك ما زاد عليه، والعجب من مخالفينا عليا يقولون في هذه المسألة إن الإفضاء الجماع، لان ابن عباس أعلم بمعاني القرآن من الفراء. وشواهد اللغة مع الفراء، ثم لا يقولون ها هنا: إن عمر بن الخطاب، وعليا، ومعاذا، وزيد بن ثابت، وابن عمر، أعلم بمعاني القرآن، وقد أوجبوا المهر بالخلوة، فدل على أنهم لم يحملوا اللمس على الجماع، ولم يقابل قولهم بقوله أحد من أهل اللغة، ولا يشاهد منها. 22961 - قالوا: طلاق قبل الإصابة، فوجب أن يعود إليها نصف المهر، كما لو كان قبل الخلوة. 22962 - قلنا: الإصابة هي هلاك المعقود عليه، واستقرار البدل لا يقف على ذلك في المعقود عليه بدلالة عتق العبد وأكل الطعام، وينتقض إذا استدخلت الماء، فعلقت، ثم طلقها، وماتت عندهم، ففي استقرار المهر وجهان، والعدة واجبة، لا يختلف المذهب فيه، والبينونة] لا تقع [بالطلاق، فإذا حصل الموت

لم يسقط شيء من المهر، فهذا طلاق قبل المسيس، ولم يعد نصف المهر إليه. 22963 - والمعنى في الأصل أنه لم يوجد التسليم المستحق عليها، ولا استوفى الزوج المعقود عليه فلم يستقر البدل. 22964 - وفي مسألتنا وجد التسليم المستحق بالعقد، فاستقر البدل، كما لو سلمت نفسها فوطئها. 22965 - ولا يلزم على هذا الأصل إذا أكرهها على الوطء، لأن التسليم لم يوجد، لكن الزوج استوفى المعقود عليه، فنظيره: المشترى إذا أعتق العبد، قبل القبض، أو قبض المبيع بغير إذن البائع. 22966 - ولا يلزم إذا خلا بها، وهي حائض، أو محرمة، لأنه لم يوجد التسليم المستحق بالعقد، فإن على المستحق عليها أن تسلم نفسها تسليما، لا يوجد في العقد أزيد منه، ولهذا نقول: إن خلوة المجبوب صحيحة، لأنه لا يوجد في عقد أزيد من هذا التسليم. 22967 - فإن قيل: لو تزوجها، وهو صحيح، ثم جب فخلا بها استقر المهر عندكم وليس هذا التسليم] المستحق بالعقد. 22968 - قلنا: [المستحق عليها بالعقد تسليم لا يوجد في العقد أزيد منه، فإذا طرأ الجب، فقد وجد التسليم بالصفة المستحقة، فاستقر لها البدل. 22969 - قالوا: خلوة لم تتضمن إصابة، فوجب أن لا يستقر بها المهر، ولا يجب بها العدة إذا خلا بها وهو محرم، أو صائم.

22970 - قلنا: الخلوة هي التسليم، والإصابة استيفاء المسلم، واستقرار البدل لا يعتبر فيه بعد التسليم الاستيفاء. 22971 - أصله: البائع إذا سلم المبيع فكان هذا الموضع مخالفا للأصول، والمعنى في خلوة المحرم، والصائم أن التسليم وجد، وهناك مانع يرجى بعده تسليم لا مانع معه، فلم يستقر به البدل، كما لو سلم البايع المبيع، وهناك مانع من التسليم، ومتى وجدت الخلوة مع ارتفاع الموانع، فقد وجد التسليم الذي لا يوجد في هذا العقد أزيد منه، فاستقر البدل ولا يلزم خلوة المجبوب، لأنه وجد التسليم الذي لا يوجد في هذا العقد أزيد منه، وكان هو التسليم المستحق عليها. 22972 - فإن قيل: خلوة العنين عندكم، يستقر بها البدل، ويجوز أن تزول العنة، فيوجد تسليم أزيد من هذا التسليم. 22973 - قلنا: إن العنين غير مصدق على العنة، وإذا لم يعلم المانع، استقر البدل. 22974 - قالوا: لو كانت الخلوة كالإصابة، استقر بها المهر في النكاح الفاسد، لأن كل فعل استقر به المهر في النكاح الصحيح،] استقر في النكاح الفاسد. 22975 - قلنا: قد يستقر المهر في النكاح الصحيح [بما لا يستقر في النكاح الفاسد. 22976 - والدليل عليه الموت ولأن الخلوة يستقر بها المهر بوجود التسليم الموجب بالعقد، والنكاح الفاسد لا يوجب التسليم، فلا يوجد في الخلوة المعنى الذي استقر به البدل في النكاح الصحيح، فلذلك افترقا. يبين ذلك أن الخلوة في

النكاح الصحيح، يستحق بها المنفعة، وفي الفاسد لا يستحق، ثم ل يجز اعتبار أحدهما بالآخر. 22977 - قالوا: لو كانت الخلوة كالإصابة استقر المهر، وإن كان هناك مانع كالوطء. 22978 - قلنا: المانع إنما يؤثر في التسليم، لأنه لا يمكن الوطء فإذا أوجدته، فلا اعتبار بالمانع. يبين ذلك أن المؤجر لو سلم، وهناك مانع لا يستحق البدل، ولم يستقر، فإن سلم المستأجر مع وجود المانع، استقر، ثم لم يجب، أحدهما بالآخر، كذلك في مسألتنا. 22979 - قالوا: للوطء أحكام تخصه، يجب به الحد والغسل، والمهر بالنكاح الفاسد، ويثبت به الإحصان ويخرج به أحكام العنة، والإيلاء، وتفسد به العبادة وتجب به الكفارة، والعدة، ويستقر به المهر، ويقع به الإباحة للزوج الأول، فلما لم يتعلق بالخلوة شيء من هذا، فلذلك لم يستقر المهر، ووجوب العدة وتجويزه أنه حكم من أحكام الوطء، فوجب أن يتعلق بالخلوة. أصله: ما ذكرنا. 22980 - قلنا: لسنا نقيم الخلوة مقام الوطء حتى يلزمنا هذا الكلام ولأن الخلوة موجبة لاستقرار المهر بنفسها فوجب فإذا وجد الوطء استقر المهر، لأنه وجد

بوجوده، مقصود التسليم الذي يحصل بالخلوة، وفي المواضع التي عددوها، الحكم يتعلق بالوطء، فلا تقوم الخلوة مقامه، يبين ذلك أن الموت على قول هذا القول، يقوم مقام الوطء في استقرار المهر، وإن كان لا يقوم مقامه في الإحصان، والإباحة للزوج الأول. وسائر ما عددوه من المسائل.

مسألة 1106 المدخول بها لا متعة لها

مسألة 1106 المدخول بها لا متعة لها 22981 - قال أصحابنا: إذا طلق المدخول بها، فلا متعة لها. 22982 - وهو قول الشافعي في القديم. 22983 - وقال في الجديد: لكل مطلقة متعة/ إلا التي طلقها قبل الدخول وقد سمى لها مهرا. 22984 - لنا: أنها استحقت كمال المهر، فلا يجب لها متعة كالمتوفي عنها زوجها، وكما لو وقعت الفرقة على وجه الفسخ، ولأنها مدخول بها فلا يجب لها المتعة، كما لو أسلمت وامتنع زوجها من الإسلام، وكما لو ارتدت تحت مسلم،

ولأن وجوب المهر ينفي وجوب المتعة كالمنكوحة نكاحا فاسدا. 22985 -] ولأنها استحقت جزءا [من مهرها فلم تستحق المتعة كالمطلقة قبل الدخول وقد سمى لها مهرا، ولأن المطلقة قبل الدخول تستحق نصف المهر، ولا يجب لها متعة فالمستحقة جميعه أولى. 22986 - ولأن المتعة بدل عن البضع، بدلالة أنه لا يخلو أن يجب كذلك، أو يجب في مقابلة الطلاق. ولا يجوز أن يكون وجوبها عن الطلاق، لأن الزوج هو الموقع للطلاق فلا يستحق البدل في مقابله عليه، ولأن البدل في الطلاق يستحق على المرأة بالشرط، ولا يستحق من غير شرط، وإنما ثبت أنها بدل عن البضع،] والبدلان لا يجتمعان [عن مبدل واحد في العقد، كالمسمى، ومهر المثل،] ولأن المسمى يجب بالتراضي، والمتعة تجب من طريق الحكم، فلا يجتمعان في الوجوب كالمسمى، ومهر المثل [. 22987 - احتجوا: بقوله تعالى:} أمتعكن وأسرحكن {، وكن مدخولات بهن. 22988 - قلنا: هذا إخبار عن فعله - صلى الله عليه وسلم -، وذلك لا يدل على الوجوب. وعندنا يستحب أن تمتع المطلقة، ولأن المتعة عندهم تجب عند الطلاق، والآية

تقتضي متعة بتقديم الطلاق، وذلك استحباب باتفاق. 22989 - قالوا: قال الله تعالى:} وللمطلقات متاع بالمعروف {وهو عام في كل مطلقة. 22990 -] قلنا: المراد بهذا المتاع المتعة بدلالة أنه عطفه على قوله:} والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول {] والمراد بهذا المتاع [النفقة بدلالة أنه قدره بالحول ثم عطف عليه قوله} وللمطلقات متاع {يعني النفقة للمتوفى عنها زوجها، وقوله: (ولا وصية لوارث فنفى نفقة المطلقة، ولأن قوله:} وللمطلقات متاع {يقتضي متاعا واحدا، والمطلقة التي تستحق متاعا واحدا هي التي طلقها قبل الدخول والتسمية، فأما المدخول بها فتستحق عندهم المهر والمتاع، ولأن قوله:} وللمطلقات {يقتضي التعريف، والمعرفة هي التي ذكرها في قوله:} لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة {. 22991 - ولأن دليل هذه الآية يقتضي أن المطلقة بعد المسيس لا متعة لها. وعندهم الدليل يخص به العموم.

22992 - قالوا: روى عن عمر مثل قولنا، وعن ابن عمر أنه قال: (لكل مطلقة المتعة إلا التي طلقها قبل الدخول، وقد فرض لها مهرا). 22993 - قلنا: ذكر الطحاوي عن أبي يوسف قال: (وإذا طلق الرجل امرأته، وقد دخل بها، وأوفاها المهر فليس عليه شيء غير ذلك يؤخذ منه لها، فإن متعها من قبل نفسه، فذلك فضل أحدثه، وإن ترك لم يكن عليه واجب. وكذلك بلغنا عن ابن عباس). 22994 - قالوا: طلاق لم يسقط به شيء من المهر، فجاز أن يجب به المتعة، كما لو طلقها قبل الفرض والمسيس. 22995 - قلنا: الوصف غير مسلم في الأصل، لأنه إذا طلقها قبل الفرض، والمسيس فقد سقط مهرها بالطلاق، لأن الواجب لها بالعقد مهر المثل قد سقط بالطلاق، وقامت المتعة مقامه، كما يسقط المسمى، ويقوم نصفه مقامه.

22996 - والمعنى في الأصل: أنها مسلمة لم تستحق بدلا عن بضعها، فوجب لها المتعة. وفي مسألتنا استحقت كمال المهر فلم يجب لها بذل آخر. 22997 - قالوا: المهر الذي استحق لها بالدخول في مقابلة الدخول، وقد نالها ابتذال بالعقد، فوجب أن يكون لها المتعة في مقابلة ذلك الابتذال. 22998 - قلنا: إنما حصل ها بدل في مقابلة الابتذال حتى لا يتزوج الرجل المرأة، فإن لم تصلح له طلقها، ولم يعطها شيئا فتقييدها بالعقد، فجعل لها نصف المسمى إن كان سمى لها، أو المتعة إن لم يكن سمى لها. 22999 - قالوا: لو كانت المتعة بدلا عن البضع وجب مع بقاء العقد، واعتبرت بحال المرأة، كالمهر. 23000 - قلنا: إنما لا تجب مع بقاء العقد، لأن المهر واجب قبل الفرقة، فلا يجب بدلان، فإذا ارتفع العقد خلفت المتعة المهر. 23001 - وأما قولهم: إن المتعة تعتبر بالزوج، فقد ذكر أبو الحسن أنها تعتبر بحالها.

مسألة 1107 وقوع الفرقة بين الزوجين بالإباء عن الإسلام

مسألة 1107 وقوع الفرقة بين الزوجين بالإباء عن الإسلام 23002 - قال أصحابنا: إذا أسلم الكافر وتحته مجوسية ولها أخت مسلمة فتزوجها لم يصح التزويج. 23003 - وقال الشافعي: إن أسلمت المجوسية قبل مضي ثلاث حيض، لم يصح التزويج، وإن لم تسلم حتى انقضى ثلاث حيض صح التزويج. 23004 - وهذه المسألة مبنية على أصلنا: أن الفرقة لا تقع بينهما بإسلام الزوج، وإنما تقع بينهما إذا عرض القاضي الإسلام عليها، فأبت وفرق بينهما، وإذا كانت الفرقة لم تقع بينهما، فالنكاح بحاله فإذا تزوج أختها صار جامعا بين الأختين، وهذا لا يجوز. 23005 - ولو قلنا: إن الفرق قد وقعت فهي معتدة، وتزويج الأخت في عدة الأخت لا يجوز عندنا. 23006 - وأما الشافعي فبنى على أصله: أن الفرقة لم تقع، فإن انقضت الحيض وما أسلمت وقعت الفرقة بالإسلام، والعدة عنده لا تمنع عنده من نكاح الأخت، إلا أن هذا لا يصح: لأن هذه الفرقة يرتفع حكمها في مدة العدة بإسلامها، ومتى أمكن رفع حكم الفرقة في مدة العدة، لم يجز تزوج الأخت كالمطلقة الرجعية.

مسألة 1108 مقدار المتعة الواجبة

مسألة 1108 مقدار المتعة الواجبة 23007 - قال أصحابنا: المتعة لا تزاد على نصف مهر المثل. 23008 - وقال الشافعي: المتعة واجبة بحسب حال الزوج بالغة ما بلغت. 23009 - لنا: أن ما قاله يؤدي إلى أن يجب للمطلقة قبل الدخول أكثر مما يجب لها لو دخل بها، وهذا لا يصح كالتي سمى لها. 23010 - فإن قيل: إذا سمى لها لم تجز الزيادة على نصف المسمى، كما لا يجوز النقصان منه. 23011 - وفي مسألتنا يجوز النقصان من نصف مهر المثل، فلذلك تجوز الزيادة عليه. 23012 - قلنا: إنما جاز النقصان تخفيفا عن الزوج، وإيجاب الزيادة تغليظ، فلم يجز من حيث جاز التخفيف، بل يجوز التغليظ، ألا ترى أن أرش اليد الشلاء ينقص

عن أرش اليد الصحيحة، فلا يجوز أن يزاد، ولو ترك حصاة من الجمر وجب القطع وإن نقص من الدم جاز وإن زاد لم يجز. 23013 - لأن الطعام وجب على وجه التخفيف، فجاز إذا نقصت قيمته عن الدم ولم تجز الزيادة. ولأنها مطلقة قبل الدخول، فلم يجز أن يجب لها كمال، المهر كالتي سمى لها مهرا. 23014 - أو نقول: مطلقة قبل التسمية فلا يجب لها أكثر من مهر المثل كالتي دخل بها. وعلى قولهم يتزوج الموسر الفقيرة التي مهر مثلها عشرة، والمتعة عنده بحال الزوج، فيكون متعتها مائة، أو أكثر. 23015 - احتجوا: بقوله تعالى:} على الموسع قدره وعلى المقتر قدره {، وقال تعالى:} وسرحوهن سراحا {فأوجب المتعة، وأنتم توجبون نصف المهر. 23016 - قلنا: نحن نوجب المتعة، إلا أنها مقدرة عندنا بنصف مهر المثل، وليست بنصف المهر، كما أنا نوجب في العينين الدية بدلا عنهما وعن النفس، ويوجب الشافعي في جنين الأمة عشر قيمة الأم، وذلك بدل الجنين، إلا أنه يتقدر بهذا المقدار حاله، لا يمنع ذلك باعتبار حالهما، كما أن الله

تعالى أوجب النفقة بحسب حاله إن اعتبر فيها قدر كفايتها.

مسائل القسم

مسائل القسم [1109 - 1112] مسألة 1109 ما تستحقه الزوجة الجديدة والقديمة في القسم 23017 - قال أصحابنا: إذا تزوج الرجل امرأة وعنده غيرها لم يفضل الجديدة في القسم، بل يسوي بينهما، وبين اللواتي عنده. 23018 - وقال الشافعي: إن كانت الجديدة بكرا فضلها بسبعة أيام، وإن كانت ثيبا خيرها بثلاث، فإن شاءت أقام عندها] سبعا وعند كل واحدة سبعا، ولم يخصها بزيادة، وإن شاءت أقام عندها [ثلاثة أيام يفضلها بها ثم يسوي بينهن فيما بعد. 23019 - لنا: قوله تعالى:} ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل {، فلا يخلو أن يكون النهي عن ميل القلب، أو

ميل الفعل، ولا يجوز أن يكون المراد ميل القلب. لأن الإنسان لا يستطيع التسوية في المحبة، فلم يبق إلا أن يكون الميل بالفعل، وهذا موجود في التفضيل. وروى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من كان له امرأتان، فمال إلى إحداهما دون الأخرى، جاء يوم القيامة وشقه مائل). يعني: أنه علامة على خزيه، كما قال تعالى:} يعرف المجرمون بسيماهم {. 23020 - فإن قيل: المراد به الميل بما لا تقتضيه الشريعة بدلالة أن تفضيل الحرة على الأمة لما كان مقتضى الشريعة لم ينه عنه. 23021 - قلنا: الظاهر اقتضى النهي عن كل ميل، إلا ما أباحه الشرع، فعلى مخالفنا أن يستدل على أن هذا الميل مباح، حتى لا يخرجه من الظاهر. 23022 - وروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسوي بين نسائه في القسم ويقول: (اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني بما تملك، ولا أملك)، ولأنه لا يجوز

التفضيل بينهن حال البقاء، فلا يجوز في الابتداء. 23023 - أصله: إذا تزوجهما معا وهما بكران، ولأنه لا يجوز تفضيلهما بما زاد على السبع، فلا يجوز بها كإحدى البكرين، ولأن البكر] لا تفضل [في جوزا النكاح على الأخرى، فلم تفضل علييها في القسم كالبكرين ولا يلزم الحرة، والأمة، لأن لنكاح الحرة مزية في الجواز على نكاح الأمة، والحرة يبتدأ بها ويثنى، والأمة صح أن يبتدأ بها، ولا يصح أن يثنى بعد الحرة/. 23024 - احتجوا: بما روى في حديث أم سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها: ليس بك هوان على أهلك، إن شئت سبعت لك، وسبعت لهن، وإن شئت ثلثت لك، ودرت. 23025 - قلنا: هذا دليل لأنه أخبر أنه إذا سبع لها سبع لهن من غير تفضيل يكون. قال وإن شئت ثلثت لك ودرت يعني بالثلاث لأنه لما بين أنه إذا أقام عندها سبعا دار بمثلها كان ذلك بالثلاث، ولو كانت تستحق ثلاثة أيام تنفرد بها كان إذا أقام عندها سبعة أيام يفضي لهن أربعة أيام، وما يستحقه بزيادة المقام عندها لا يسقط. ألا ترى أنها إذا كانت آخر الدور فأقام عندها يوما للدور الأول، ثم افتتح بها الدور الثاني

فأقام عندها زاد على الباقيات يوما. فلو أقام عندها يومين بعد اليوم من الدور الأول أقام عندهن يومين فلم يسقط حقها من اليوم الذي لها من الدور الأول بزيادة المقام عندها. 23026 - وقد روى حماد بن سلمة عن ثابت البناني قال: (حديث ابن أم سلمة عن أبيه، عن أم سلمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها بعد بنائه بها: (إن شئت سبعت لك، وسبعت لهن)، وهذا يقتضي التسوية، وقد ذكر الدارقطني عن عبد اله ابن أبي بكر، عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن] عن أبيه [، عن أم سلمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن شئت أقمت معك ثلاثا خاصا لك، وإن شئت سبعت لك، وسبعت لنسائي، وهذا حديث منقطع، والحديث المتصل حديث

حماد ولم يذكر فيه أكثر من السبع. 23027 - فأما هذا الحديث فقد نقله الناس، وبينوا أنه منقطع، ولم ينقل فيه أحد خالصة لك ولا يعرف ذلك إلا من جهة الدارقطني، ويحتمل أن يكون معناه: أقمت ثلاثا خالصا لك، لا أدخل على غيرك فيها نهارا، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في أيام القسمة، يدخل في أطراف النهار على بقية نسائه، والذي يبين ذلك: أنه لو أراد بالخلوص الإفراد، لم يسقط ذلك في السبعة. 23028 - فإن قيل: فأي فائدة على قولكم للفرق بين الثلاثة أيام، والسبعة. 23029 - قلنا: خيرها في ذلك، لأنه متى أقام عندها ثلاثا، قرب عوده إليها، لأنه دور بثلاث ثلاث، وإن أقام عندها سبعا بعد عوده إليها فطال استمتاعها به ابتداء، ولها في كل واحد من الأمرين غرض صحيح. 23030 - قالوا: روى أنس بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (للبكر سبع، وللثيب ثلاث). 23031 - قالوا: والإضافة تفيد الملك. 23032 - قلنا: الصحيح من هذا الخبر أن أنسا قال: من السنة للبكر سبع وللثيب ثلاث. ولا دلالة فيه، لأنه يقتضي أن لها هذا العدد، وليس فيه أنه ليس لصواحبها مثله، وتكون الفائدة في ذكره جواز المقام عندها هذه المدة، وإن بعد عن نسائه أكثر من عادته. 23033 - قالوا: استمتاعه بالبكر أوفر، فكان قسمها أكثر كالحرة والأمة، لأن استمتاعه بالأمة قل، لأنه يخاف أن يطأها، فتحمل فيتشرف ولده، ولأن التسوية فيها

ليست مستحقة. 23034 - قلنا: استمتاعه بالشابة الجميلة التي يهواها، أوفر من استمتاعه بالعجوز التي يكرهها، ولا يجوز أن يفضلها في القسم. 23035 - قالوا: الجديدة تحتاج إلى طول المقام عندها لتأنس به، وتزول وحشتها. 23036 - قلنا: فقد جعلنا لها ذلك والكلام في القضاء، وليس إذا أقام ليؤنسها، ثم قضى للباقيات سقط العوض في تأنيسها. 23037 - قالوا: قد اختصت بمزية، وهي البداءة لها وسط الدور، كذلك تستحق مزية الاختصاص. 23038 - قلنا: عندنا لا ينقطع الدور بها، وإن تزوجها في أول الدور فله أن يبتدئ بها كما له أن يبتدئ بغيرها، وإن تزوجها في وسط الدور مضى على القسم حتى يفرغ من الدور، ثم يقطع الدور بها. 23039 - قالوا: من مذهب أبي حنيفة ترك القياس، لقول الصحابي. 23040 - قلنا ترك القياس في هذه المسألة.] لقول أنس، ولأنه تعيين لغير حقه يكون مقدما. والخلاف في القضاء تعيين ذلك في غيره [.

مسألة 1110 حكم القضاء إذا سافر بإحدى نسائه بغير قرعه

مسألة 1110 حكم القضاء إذا سافر بإحدى نسائه بغير قرعه 23041 - قال أصحابنا: إذا سافر بإحدى نسلئه بغير قرعة لم يقض للباقيات. 23042 - قال الشافعي: يقضى. 23043 - لنا: أن الزوج لا يلزمه أن يسافر بواحدة منهن، فإذا أخرجها فقد تبرع بإخراجها، والزوج متى تبرع على إحدى نسائه لم يلزمه التسوية بين غيرها وبينها، كما لو وهب لها هبة، ولأنه لو وجب أن يقسم لهن إذا لم يقرع، وجب أن يقسم لهن، وإن أقرع، كحال الإقامة. 23044 - احتجوا: بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (كان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه)، ولو كان القضاء لا يجب، لم يكن للقرعة فائدة. 23045 - قلنا: فائدتها تطيب قلوب النساء حتى لا يظن أنه يميل إلى واحدة دون أخرى. 23046 - قالوا: انفرد بالكون معها بغير حق، فوجب أن يقضي، كما لو كان في الحضر. 23047 - قلنا: في حالة الحضر لو أقام بقرعة قضى،] فإذا أقام بغير قرعة [قضى، ولما لم يجب القضاء في مسألتنا إذا انفرد بها قرعة، كذلك إذا كان بغير قرعة،

ولأنه لو قضى لهن لتحصيل التسوية زالت التسوية بذلك، لأنه يكون معهن، ولا يصيبهن مشقة السفر، وهي استمتعت به، وأصابتها مشقة السفر، وفي ذلك ترك التسوية.

مسألة 1111 بعث الحكمين

مسألة 1111 بعث الحكمين 23048 - قال أصحابنا: إذا تشاق الزوجان بعث القاضي حكمين، ينظران بينهما، وليس للحكمين أن يطلقاها، إلا أن يجعل الزوج ذلك إليهما. 23049 - وهو أحد قولي الشافعي. 23050 - وقال في القول الآخر: ما يفعلانه حكم، فإن رأيا الصلاح بعوض أو غيره جاز، وإن رأيا الخلع جاز، وإن رأى الذي من جهة الزوج الطلاق طلق، ولا يحتاج في الطلاق إلى الذي من جهة المرأة. 23051 - لنا: قوله تعالى:} إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما {فجعل إليهما الإصلاح دون غيره، فلو كان إليهما التفريق لذكره. 23052 - ولأنه تعالى سماهما حكمين، والحكم لا يملك الطلاق، فأكثر أحوال الحكم أن يكون مثله. 23053 - ولأنه لو كان حكمهما يلزم أن يقتصر على واحد، ولم يحتج إلى اثنين كسائر الأحكام. ولأن الطلاق لا يملكه إلا الزوج، ومن فوض الزوج إليه ذلك، كغير حال الشقاق.

23054 - ولا يلزم فرقة العنة، لأن القاضي يوقعها بلفظ التفريق، ويقع طلاقا من طريق الحكم، فأما أن يوقعها بلفظ الطلاق فلا. 23055 - احتجوا: بما روى أن الشقاق، وقع بين عقيل بن أبي طالب، وزوجته، فحكم عثمان بينهما ابن عباس، ومعاوية، فقال ابن عباس: أنا أرى أن أفرق، وقال معاوية: ما أرى أن أفرق بين اثنين من قريش. 23056 - قالوا: فهذا يدل أن للحكم الفرقة. 23057 - قلنا: روى أن الشقاق وقع بين اثنين، فقال علي: ابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها، وقال للحكمين: عليكما إن رأيتما إصلاحا،] أن تصلحا [، وإن رأيتما الفرقة أن تفرقا، فقالت المرأة: رضيت بما في كتاب الله تعالى،] فقال الرجل: أما الفرقة فلا [فقال على للزوج: لا حتى ترضى بما رضيت به. فهذا يدل على أنا

نريد ضمان أن الحكم يتصرف بوكالة، وأن ذلك يقف على رضى الزوجين. 23058 - قالوا: المقام مع الشقاق يؤدي إلى الضرر، فجاز أن يثبت التفريق للحكم، كما يثبت للحاكم في إعسار الزوج، وفي العنة. 23059 - قلنا: لو كان هذا من طريق الحكم، والولاية كان الواجب أن يشهدا عند القاضي بالشقاق ليفرق بينهما كما يفرق في العنة ولأن التفريق في العنة يستحق بغير رضى الزوج، لأن الحاكم لا يقدر على توفيتها حقها إلا بالتفريق. 23060 - وفي مسألتنا يقدر على منع الشقاق بينهما، ويلزمه إيفاء الحق، وترك الأضرار فلا يجوز أن يفرق، كما لا يفرق إذا كان الزوج موسرا ممتنعا من الإنفاق، لأنه يقدر أن يوفيها حقها منه، كذلك هذا.

مسألة 1112 حكم نثار العرس

مسألة 1112 حكم نثار العرس 23061 - قال أصحابنا: لا بأس بنثار العرس، ولا يكره أخذه. 23062 - وقال الشافعي: تركه أحب إلي. 23063 - لنا: ما روي عبد الله بن قرط قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أحب الأيام إلى الله يوم النحر، ثم يوم الفطر، ثم يوم النفر)، فقدمت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] بدنات خمس، أو ست [فطفقن يزدلفن إليه، فلما وجبت جنوبها، قال كلمة خفية لم أسمعها، فقلت للذي كان إلى جنبي، ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: قال: من شاء اقتطع.

23064 - ومعلوم أن هذه إباحة، وكل واحد لا يعلم مقدار ما أبيح له، وهذا معنى النثار وروى أنه - صلى الله عليه وسلم - في هدى عطب دون محله بنحره ويصبغ، نعله بيديه، ويضرب بها صفحته، ويخلي بينه، وبين الناس. وهذا في حكم الأول. 23065 - فإن قيل: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - مشغولا بالمناسك فلم يتمكن من التفريق،] فوكل ذلك إليهم 23066 - قلنا: وصاحب الوليمة مشغول بها، ولا يتمكن من التفريق [على الناس أيضا، ولأنه لو كان كذلك لا يباح طعام الوليمة، لأن صاحب الوليمة لا يقدر على تفريقه بينهم، وإن كان كل واحد يجوز له أن يأكل بنفسه. 23067 - وروى حماد بن يزيد، عن أيوب، عن الحسن، عن أبي

هريرة قال: شهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد دعى إلى وليمة رجل من الأنصار، فأجاب، وكان خاطبهم، فلما فرغ من خطبته قال: (دففوا على رأس صاحبكم، فضرب بالدف على رأسه، ثم أتوا بنهب فانتهب عليه، ونظرت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] يزحم الناس [وبحثوا ذلك النهب، فقلت: يا رسول الله، أو ما نهيتنا عن النهبة، قال: نهيتكم عن نهبة العساكر، وروى معاذ بن جبل في هذه القصة، وقال: فنثر الرجل فاكهة، وسكرا، فكف الناس أيديهم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ألا تنتهبون، قالوا: يا رسول الله ألم تنهنا عن النهب، فقال: إنما نهيتكم عن نهبة العساكر، فأما العرسات فلا. 23068 - ولأن النثار إباحة/فجاز تناوله كالطعام إذا قدم إلى الأضياف. 23069 - احتج الشافعي: بأن النثار يأخذه من لا يؤمر أن يأخذه، وربما أخذ الإنسان منه أكثر مما يختاره المالك. 23070 - قلنا: يبطل بإباحة الطعام. 23071 - قالوا: في أخذه ترك للمروءة.

23072 - قلنا: هذا غير مسلم، بل هو سنة، كأكل طعام الوليمة.

كتاب الخلع

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب الخلع

مسألة 1113 الخلع طلاق

مسألة 1113 الخلع طلاق 23073 - قال أصحابنا: الخلع طلاق. 23074 - وهو قول عمر بن الخطاب، وإحدى الروايتين عن عثمان. 23075 - وقال ابن عباس: ليس بطلاق.

23076 - وهي رواية عن عثمان. وقال الشافعي في أحد قوليه: هو صريح في الفسخ، والقول الثاني: كناية في الطلاق، إن نوى به الطلاق كان، وإن لم ينو] لم يكن شيئا [. 23077 - لنا: أنها فرقة، تعلقت بسبب من جهة الزوج، طارئة على النكاح مختصة به فكانت طلاقا، كقوله أنت طالق. 23078 - قالوا: الإيلاء والجب لا يختص بالنكاح، وفرقة كل واحد منهما طلاق. 23079 - قلنا: فهذا ليس بنقض بل هو وجود الحكم مع فقد العلة، وهو غلط، لأن الإيلاء يختص بالنكاح، وإنما اليمين لا يختص بالنكاح، وليس كل يمين إيلاء. فأما الجب فلا يختص بالنكاح، والفرقة عندنا سببها عدم استقرار المهر، وهذا سبب من جهة الزوج، وهو ترك الوطء وهو طارئ على النكاح ويختص به. 23080 - فإن قيل: المعنى في الطلاق في الأصل وهو الفرقة، يمنع بصريح الطلاق، أو بنيته، وفي مسألتنا يقع من غير صريح، ولا نية. 23081 - قلنا: علة الأصل غير مسلمة، لأن الطلاق قد يقع بغير صريح،] ولا نية [إذا وجدت دلالة الحال، ولأن النية يحتاج إليها لإزالة الاحتمال،

وبذلها العوض يزيل الاحتمال، لأنه لا يصح أن تدفع مالها ولا تملك في مقابلته شيئًا، ولأنها فرقة بمال فكانت طلاقًا، كقوله: أنت طالق بألف، ولأن الخلع لفظ لو نوى به الطلاق كان طلاقًا، وإذا وقعت به الفرقة كان طلاقًا. 23082 - أصله: سائر الكنايات. والدليل على الوصف، أنه لفظ يصلح للطلاق، لأنه مأخوذ من الانخلاع فإذا نوى به الطلاق، كان طلاقًا، [كقوله: أنت حرام، وبائن، ولأنها فرقة لا يملكها إلا الزوج، فكانت

طلاقًا]، كسائر أنواع الطلاق، ولا يقال: إنه يصح بهما. لأن المرأة لا يصح الخلع بها، وإنما يحتاج إلى قبولها ليستحق عليها العوض، ويدل على أن النكاح لا يدخله الفسخ، لأن الفسخ رفع العقد، حتى يصير كأن لم يكن، ولابد أن يبقى شيء من أحكام النكاح بعد زواله، وهو التحريم. 23083 - فإن قيل: البيع لا ترتفع أحكامه، بدلالة أنه إذا فسخ وجبت النفقة. 23084 - قلنا: قد يتصور المبيع فيما لا منفعة فيه، فلا يقع العقد بغير أثر ناف، ولا يوجد في النكاح ارتفاع العقد من غير تحريم، ولا يلزم على هذا الردة، وملك أحد الزوجين الآخر، والرضاع. 23085 - لأن هذه الفرق عندنا ليست بطلاق، ولا فسخ، ونحن أبطلنا قول مخالفنا: أن الخلع فسخ، ولأنه لو دخله الفسخ لكان اللفظ الموضوع لرفعه فسخًا، وهو الطلاق. كما أن البيع لما صح فسخه [كان اللفظ الموضوع لرفعه فسخًا، [وهو الإقالة]، ولأنه لو كان فسخًا]، لم يقع على البدل المعقود عليه، كالإقالة، ولأنه لو لحقه الفسخ، فسخ بخيار الشرط والتحالف كالبيع.

23086 - احتجوا: بقوله تعالى: {الطلاق مرتان} ثم قال: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله} ثم قال {فإن طلقها} ولو كان الخلع طلاقًا، تضمنت الآية أربع تطليقات. 23087 - قلنا: ذكر الله تعالى الطلاق بغير عوض، ثم ذكر العوض فيه بقوله - عز وجل -: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} وهذا بيان الحكم للتطليقتين، فكأنه تعالى بين حكمها بعوض، وبغير عوض، ثم ذكر التطليقة الثالثة. 23088 - وجواب آخر: وهو أنه تعالى ذكر إيقاع التطليقتين، ثم قال: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به}. فأخبر عن جواز المفاداة بعد التطليقتين، ولم يخبر عن وجودها، ثم ذكر التطليقة الثالثة، فلا تفيد الآية أكثر من ثلاث تطليقات. 23089 - قالوا: الفرقة تتنوع نوعين، نوع طلاق، وفسخ، فإذا كان الطلاق يتنوع بعوض، وبغير عوض، كذلك [فسخ النكاح] يتنوع بعوض، وبغير عوض. 23090 - قلنا: قد بينا أن النكاح لا يدخله الفسخ عندنا، فلا نسلم هذا التقسيم. 23091 - فإن قالوا: الفرق ضربان: وفرقة هي الطلاق، وفرق ليس بطلاق. 23092 - قلنا: الذي يملك الزوج منها هو الطلاق، والعوض إنما يأخذه عما

يملك، فأما مالًا يملكه منها فلا يصح أخذ العوض عنه، فلم يجز أن يقال: إذا كان في الطلاق ما هو بعوض وجب أن يكون فيما ليس بطلاق فرقة بعوض. 23093 - قالوا: معاوضة يلحقها لما دخله الفسخ ووقع فسخه باللفظ الموضوع لفسخ وهو الإقالة، فلو كان النكاح يلحقه الفسخ، وقع فسخه باللفظ الموضوع لرفعه، وهو الطلاق، لأن البيع لما دخله الفسخ عاد العوض إلى المشتري، فلو كان الخلع فسخًا، لم يصح إلا بالعوض الذي وقع به العقد. 23094 - قالوا: نوع فرقة لا تختص بوقت [دون وقت، فوجب أن يكون فسخًا، كالرضاع. 23095 - قلنا: الطلاق مثل الدخول لا يختص بوقت]، وهو طلاق، ولأن الطلاق منع منه حال الحيض حتى لا تطول العدة عليها، فإذا خاف أن لا يقيما حدود الله، لم يعتبر ما في الطلاق من تطويل العدة، والطلاق عقيب الجماع منع منه لأجل الندم، ومتى تشاقا أمن الندم، فلم يمنع من الطلاق. والمعنى في الرضاع أن سبب الفرقة لا يختص بـ النكاح بل هو طارئ عليه. 23096 - قالوا: نوع فرقة لا يثبت فيها حقه بوجه، فلم يكن طلاقًا كخيار المعتقة، وردة المرأة. 23097 - قلنا: كنايات الطلاق لا يثبت فيها رجعة عندنا، لأنها بوائن

والخلع مثله، ولأنه إذا ملك عليها العوض، ملكت العوض، فلم تثبت الرجعة. ألا ترى أن صريح الطلاق مقتضاه الرجعة، فإذا وقع بعوض، لم تثبت الرجعة، لأنه ملك عليها العوض، ولم يثبت حقه في العوض، كذلك الخلع. 23098 - قالوا: فرقة تعرت عن صريح الطلاق ونيته، فوجب أن يكون فسخًا، ولا يكون طلاقًا. أصله: إذا اشترى الزوج زوجته. 23099 - قلنا: الخلع من ألفاظ الطلاق، لأن فيه معناه، كما أن في الثاني معنى الطلاق، إلا أنه ليس بصريح، ووقوع الطلاق لا يقف على صريح اللفظ بدلالة الكنايات، فاعتبار النية لا معنى له، لأن النية يحتاج إليها البدل على جواز الاحتمال، وشرط العوض يزيل ذلك، لأنه لا يستحق العوض إلا بعد زوال ملكه عنها، فقام ذلك مقام النية، والمعنى في شرى الزوجة، [أن الفرقة بسبب لا يختص النكاح، فلم يكن طلاقًا. 23100 - وفي مسألتنا الفرقة لا تتعلق بسبب طارئ على النكاح، [بل بسبب] مختص به من جهة الزوج. * * *

مسألة 1114 المختلعة هل يلحقها صريح الطلاق في العدة؟

مسألة 1114 المختلعة هل يلحقها صريح الطلاق في العدة؟ 23101 - قال أصحابنا: المختلعة يلحقها الطلاق ما دامت في عدتها. 23102 - وهو قول ابن مسعود، وأبي الدرداء، وعمران بن الحصين. 23102 - وقال الشافعي: لا يلحقها الطلاق. وروى مثله ابن عباس، وابن

الزبير. 23104 - لنا: قوله تعالى: {الطلاق مرتان} ثم قال: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} ثم قال: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره} وهذا يقتضي جواز الطلاق بعد الخلع. 23105 - فإن قيل: ذكر الله تعالى أن للمطلقة اثنتين أن تفتدي نفسها، وهذا يقتضي جواز الخلع دون وقوعه، ثم ذكر إيقاع الطلقة الثالثة. 23106 - قلنا: الظاهر يقتضي أن كل من طلق اثنتين، يجوز له طلاق الثالثة، وإن كان قد أخذ الفداء. وعندكم أن من أخذ الفداء لا يجوز أن يطلق الثالثة، وهو خلاف الظاهر. 23107 - ويدل عليه قوله تعالى: {إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} [فلم يفصل] وروى أبو يوسف في الإملاء، ومحمد في الكيسانيات عن

النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: المختلعة يلحقه الطلاق ما دامت في العدة. 23108 - فإن قيل: نحمله على من قالت لزوجها: اخلعني، ولم تذكر عوضًا، فخالعها ينوي الطلاق. 23109 - قلنا: اللفظ عام فيمن اختلعت بعوض، أو بغير عوض، ولأنها معتدة في حق الزوج من طلاق لم يستوف عدده، فجاز أن يلحقها الطلاق من جهته. أصله: إذا قال لها أنت بائن، وأصله: المطلقة الرجعية. 23110 - فإن قيل: المعنى فيه أنه يلحقها الطلاق بالكناية، والمعنى في ذلك أنه يلحقها الطلاق بعوض. 23111 - قلنا: هذا غير مسلم إذا كان الأصل قوله: أنت بائن. وإن كانت هذه المعاوضة في المطلقة الرجعية لم نسلم أن المختلعة لا يقع الطلاق عليها بلفظ الكناية، لأن الكنايات التي علقها بشرط، إذا وجد الشرط بعد الخلع وقعت، ويقع بالكنايات التي لا تفيد البينونة. وإنما لا تقع البوائن المتبدأة، لأن لفظها يفيد التحريم والبينونة. وهذا معنى حاصل بالخلع، فلم يمكن إعمال اللفظ فسقط، وصريح الطلاق يفيد زوال العدد، وذلك في ملكه، فلهذا جاز أن يقع، وأما العوض،

فلأنها لا تملك به نفسها، فلم يستحق عليها. 23112 - فإن قيل: كيف نسلم أنها معتدة من طلاق، والخلع عندنا ليس بطلاق. 23113 - قلنا: هذا الدليل يختص بمن طلقها بعوض، ولأنها معتدة في حق الزوج فجاز أن يملك إيقاع ما بقى من طلاقها. أصله: ما ذكرنا، ولا يلزم إذا ارتد، لأنه يملك ذلك إذا أسلم. وإذا قال: قد أخبرتني أن عدتها قد انقضت، لأنها غير معتدة في حقه، ولأنه لا يجوز أن يستبيحها استباحة مختصة بها بحكم العقد الأول، كالمطلقة بغير عوض. يبين ذلك: أنه يجوز له أن يتزوجها دون سائر الناس، كما يجوز في الرجعية أن يراجعها/ دون سائر الناس، ولأن الطلاق معنى يؤثر في إزالة الملك إذا وقع على الوجه الأدنى جاز أن يملكه بفعله إلى الوجه الأعلى. 23114 - أصله: إذا باع بشرط الخيار ثم أبت المبيع، ولأنها محبوسة عليه بحكم نكاح صحيح، فجاز أن يوقع ما بقى من طلاقها. أصله: المطلقة الرجعية. 23115 - فإن قيل: المعنى فيها أنه يلحقها ظهاره، وإيلاؤه والمختلعة بخلاف ذلك. 23116 - قلنا: مخالفة المختلعة للزوجة في امتناع الطهار، والإيلاء، كمخالفة الرجعية الزوجية عندهم في تحريم الوطء، ووجوب المهر بوطئها، وإن

كان الإيلاء والظهار فيها يقف ولا يصح حتى يراجعها، ثم لم يمتنع أن يتساويا مع هذا الاختلاف في وقوع الطلاق، كذلك المختلعة. 23117 - احتجوا: بقوله تعالى: {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} ظاهرة يقتضي أن التسريح يملكه من يملك الإمساك. 23118 - قلنا: ذكر [الله تعالى] صريح الطلاق، وأخبر أن الزوج مخير بعده بين الإمساك والطلاق بقوله: {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} والخلاف فيمن أوقع طلاقًا بعوض، ولم يتعرض لذلك، وليس في الظاهر ما يقتضي التسريح إلا من يملك الإمساك. 23119 - قالوا: لا يملك إيقاع الطلاق بالكنايات الظاهرة، فلا يملك بالصريح، كما بعد العدة. 23120 - قلنا: الوصف غير مسلم، لأن الطلاق يقع عليها بقوله: اعتدى واستبرئي رحمك. فهذه كناية ظاهرة، والمعنى في منقضية العدة أنه لا يقع عليها الطلاق، وإن كان المقدم بغير عوض، ولما وقع الطلاق في مسألتنا إذا كان المتقدم بغير عوض، كذلك إذا كان بعوض، أو نقول: المعنى فيها أنه لا يستبيحها [إلا بما يستبيحها] به سائر الأجانب، فصار في طلاقها كالأجانب، ولما كان في مسألتنا يختص بإعادتها على وجه يخالف فيها سائر الناس، جاز أن يفارق الناس في حكم طلاقها. 23121 - قالوا: لا يلحقها طلاق بعوض، فلا يلحقها بغير عوض، كالأجنبية.

223122 - قلنا: الرجعية يملكها الزوج بغير عوض، فلا يملكها بعوض، كما يملك الشفيع إسقاط الشفعة بغير عوض، ولا يملك بعضو، ويملك في الخيار إسقاطه بغير عوض، ولا يملك بعوض. 23123 - ولأن العوض إنما يستحق على المرأة إذا ملكت في مقابلته شيئًا، ولا تملك بعد الخلع شيئًا بالبدل فلم يصح، فأما الطلاق المبتدأ فليس من حكمه أن تستفيد به المرأة شيئًا، فجاز أن يقع، والمعنى في المنقضية العدة ما بيناه. 23124 - قالوا: لو طلق طلاق الإيقاع فقال: نسائي طوالق، لم يقع عليها شيء. 23125 - قلنا: لأنها ليست من نسائه في الطلاق، فلا يقع عليها إلا بالتعيين، أو النية، كما لو قال: عبيدي أحرار لم يعتق المكاتبون، إلا أن ينويهم، أو يعينهم، لأن إطلاق العبيد لا يتناولهم. 23126 - قالوا: [المختلعة لا يصح] منها ظهاره، ولا إيلاؤه ولا لعانه بغير ولد ولا تعتد عدة الوفاة، ولا يتوارثان، وهذه الأحكام المختصة بالزوجية حبسها عليه ووجوب السكنى والنفقة عليها وثبوت نسب ولدها بحكم النكاح. 23127 - فإن قيل: هذا أحكام الوطء بدلالة أنها تثبت في الموطؤة بشبهة. 23128 - قلنا: إنما يوجب الوطء مثل أحكام النكاح فلا، والدليل عليه أن

النسب يثبت في النكاح عندنا بمجرد العقد، وعندهم بإمكان الوطء مع العقد وهذا لا يثبت به نسب في غير النكاح. 23129 - فإن قيل: لو طلقها قبل الدخول لم تثبت هذه الأحكام، فدل على أنها من أحكام الوطء. 23130 - قلنا: النسب يثبت عندنا بحكم العقد وجد الوطء، أو لم يوجد. والعدة تجب بالخلوة وإن لم يوجد الوطء، وعلى أنه لا يمتنع أن يكون من أحكام النكاح ومن شرط ثبوتها الوطء، كالرجعة بعد التطليقة، على أن الظهار إنما يصح، لأنه تحريم ضعيف، وتحريم الطلاق أقوى منه، فلا يبنى أضعف التحريمين على آكدهما، والإيلاء لا يصح، لأنه يثبت بمنع حقها من الوطء، ولا حق للمطلقة المبتوتة في الوطء، واللعان وضع لقطع الفراش وقد انقطع بالخلع. 23131 - وأما التوارث فيثبت للمبتوتة إذا خلعها أجنبي من زوجها في مرضه، ويجب عليها عدة الوفاة، ولأن التوارث وعدة الوفاة يثبتان إذا اتصل (الموت بالزوجية الكاملة) والطلاق يكتفي منه ببعض علق الزوجية. يبين ذلك: أنه يملك منها البضع والطلاق، ثم يبقى ملكه في البضع مع نقصان ملك الطلاق إذا

طلقها واحدة، أو اثنتين، كذلك يجوز أن يبقى ملكه في الإيقاع مع نقصان ملكه في البضع. 23132 - قالوا: امرأة لا تحل له إلا بنكاح جديد، فوجب أن لا يلحقها طلاق كالمنقضية العدة. 23133 - قلنا: المنقضية العدة قد ساوى الزوج فيها الأجانب، لأن السبب الذي يستبيحها به بمثله يستبيح الأجنبي، والمعتدة الزوج فيها (يفارق) الأجنبي، بدلالة أنه يختص بجواز العقد عليها، فجاز أن يفارق (الأجانب) في طلاقها. 23134 - قالوا: طلاق يقع قبل الخلع، فلا يقع بعده، كالطلاق بالكنايات. 23135 - قلنا: ينتقض إذا خالعها ثم تزوجها، ثم طلقها. ولأن الكنايات لفظها يقتضي التحريم، وهي محرمة بالفرقة، فلا يتعين كتحريم المحرمة. وإذا تعذر إعمال اللفظ لم يجز إيقاع معناه من نقصان العدد، وليس كذلك صريح الطلاق، لأنه يتضمن نقصان العدد الذي يملك، فأمكن إعماله فلذلك وقع. 2313 - فإن قيل: فقد قلتم: إن الكناية إذا كان طلقها بشرط قبل الخلع فوجد الشرط بعد الخلع وقعت. 23137 - قلنا: يجوز أن يقع بحكم اليمين. أما لو أراد أن يبتدئ إيقاعه لم يقع، كما لو علق الطلاق بشرط فوجد الشرط. * * *

مسألة 1115 إذا خالع امرأته بشرط الرجوع

مسألة 1115 إذا خالع امرأته بشرط الرجوع 23138 - قال أصحابنا: إذا خلع امرأته بعوض على أن له الرجوع، صح الخلع، وبطل الشرط. 23139 - وقال الشافعي: تثبت الرجعة، ويسقط المال. 23140 - لنا: أنه نفى موضع الخلع بعد إيقاعه، فصار كما لو خلعها على أن لا تقع الفرقة، ولأن الخلع يوجب البينونة، فشرط الرجعة فيه باطل، كالطلاق الثلاث. 23141 - فإن قيل: الطلاق الثلاث يبطل فيه المال، والشرط، ويبقى مقتضاه، كذلك الخلع يبطل فيه المال، والشرط، ويبقى مقتضاه. 23142 - قلنا: معنى الخلع عندنا البينونة، وإن لم يذكر العوض فيه، كالطلاق الثلاث. ولأنه معنى لا يلحقه الفسخ، فإذا نفى موجبه، لم يتعلق بالنفي حكم، كما لو عفا من دم العمد على أن له القصاص متى شاء.

23143 - احتجوا: بأنه شرط المال، والرجعة، فلا يجوز اجتماعهما فسقط، وبقى الرجعة التي يقتضيها الطلاق، يبين ذلك أن الطلاق يقتضي الرجعة، والشرط يقتضي الرجعة، والمال يقتضيه الشرط، ولا يقتضيه الطلاق، فكان إثبات ما ثبت بالطلاق، والشرط أولى. 23144 - قلنا: هذا غير مسلم، لأن الخلع يقتضي البينونة عندنا، فإذا أسقط المال، والرجعة ثبتت البينونة في مقتضى (الخلع). 23145 - فإن قيل: يفرض الكلام إذا طلقها بمال، وشرط الرجعة. 23146 - قلنا: لا نسلم أنهما إذا لم يجتمعا، وجب إسقاطهما، بل تنتقض الرجعة، لأن الطلاق لا ينفسخ، والبينونة من أحكامه فتأكدت بتأكده، والمال يجوز أن يسقط، ويفسخ فكان إسقاط المال أولى. * * *

مسألة 1116 إذا خالعها على ما في بطن أمتها أو بطون غنمها صحت التسمية

مسألة 1116 إذا خالعها على ما في بطن أمتها أو بطون غنمها صحت التسمية 23147 - قال أصحابنا: إذا خالعها على ما في بطن أمتها صحت التسمية، فإن ولدت كان الولد له، وكذلك لو خلعها على ما في بطون (غنمها). 23148 - وقال الشافعي: التسمية فاسدة، ولها مهر مثلها. 23149 - لنا: أن الحمل مستحق بالوصية، فجاز أن يستحق بالخلع كالعبد الآبق. ولا يلزم إذا خلعها على ما يثمره نخلها العام القابل، لأن الطحاوي ذكر في الخلاف ما بيناه عن أبي حنيفة: أن ذلك جائز، وقد أنكرها أبو بكر

الرازي، ولا يمكن ردها بغير حجة، وعلى أنا احترزنا أموال عين. 23150 - احتجوا: بأنه لا يجوز أن يكون مهرًا، فلم يكن عوضًا في الخلع، كالحشرات. 23151 - قلنا: المعنى في الحشرات أنه لا يجوز استحقاقها بالوصية، والحمل بخلاف ذلك. 23152 - فإن قيل: تميلك الزوج للمرأة بضعها بالخلع، كتمليكها إياه بالنكاح، فيجب أن يؤثر تغيير البدل في أحدهما كالآخر. 23153 - قلنا: الزوج لا يملك بضعها، وإنما يسقط حقه عنه فيعود إليها بإسقاطه، والمرأة تملكه، وإسقاط الحقوق يتسامح فيها مالا يتسامح في التمليكات، ولهذا يجوز إسقاط الحق (عن البضع) بعوض وبغير عوض، ولا يجوز تمليك البضع إلا بعوض. 23154 - قالوا: عقد معاوضة فلا يجوز أن يكون الحمل عوضًا فيه، كالبيع، والنكاح. 23155 - قلنا: البيع والنكاح لا يتعلق كل واحد منهما بشرط، فلم يجز أن يستحق به الحمل، ولما جاز أن يتعلق الخلع بالشرط، جاز أن يستحق به الحمل. * * *

مسألة 1117 الخلع على الخمر والخنزير

مسألة 1117 الخلع على الخمر والخنزير 23156 - قال أصحابنا: إذا اختلعت المرأة على خمر، أو على خنزير فلا شيء عليها. 23157 - وقال الشافعي: عليها مهر مثلها. 23158 - لنا: أن خروج البضع من ملك الزوج غير متقوم، فإذا سمت ما لا قيمة له، فقد رضى بترك العوض، فكأنه أطلق الخلع، ولم يذكر عوضًا، ولأن تسمية الخمر في العقد على البضع، كالسكوت عن التسمية. 23159 - أصله: النكاح ولا يلزم على العلة الأولى ما إذا خالعها على خل فإذا هو خمر، لأنه لم يرض بتسمية مالا قيمة له،

ولا يصير ذلك كالسكوت عن/ العوض. والدليل على أن خروج البضع من ملك الزوج غير مقوم: أن مريضا لو طلق امرأته ولا مال له، لم يضمن لورثته شيئًا، ولا لغرمائه. ولو كان أتلف متقومًا ضمن لهم، كما لو وهب ماله، أو أعتق عبده. 23160 - فإن قيل: إنما لا يضمن، لأن البضع لا ينتقل إليهم لو لم يطلقها، فيصير [بمنزلة ما] لو أعتق أم ولده، لم يضمن شيئًا، وإن كانت متقومة. 23161 - قلنا: العبد إنما يضمن، لأنه مقوم في خروجه [من ملك] لا لما قالوه، ألا ترى أن من قال لعبده: أنت حر رأس الشهر، ثم مرض وأعتقه، ثم مات بعد مضي شهر، كان العتق من الثلث، فإن كان لو لم يعتق، لم ينتقل إلى الورثة، ولأن المرأة لو ارتدت بعد الدخول، لم تضمن لزوجها المهر، وإن كانت قد أتلفت عليه البضع، ولو كان مقومًا ضمنت له بإتلافه كسائر المقومات. وكذلك لو قتلت نفسها، لم تضمن قيمة بضعها للزوج، وإن كان قد تلف البضع بفعلها. فإن قيل كل شيء إذا خرج من ملك المرأة كان له قيمة كسائر المملوكات.

23162 - قلنا: خروج البضع من ملكها غير متقوم، وإنما يتقوم بالدخول في ملك الزوج، وقد يتقوم الشيء لدخوله في الملك، ولا يتقوم خروجه بدلالة دم العمد، لو عفى عن القاتل لم يكن من الثلث، ويتقوم في دخوله في ملك القاتل، بدلالة أنه إذا أعطى عبدًا عوضًا، لم يعتبر من الثلث. ويدل على أن خروج البضع من ملك الزوج لا يتقوم أن الأب لا يملك أن يخلع ابنته الصغيرة بما لها، ولو تقوم لصح أن يبذل العوض عنه، كما يجوز أن يزوج ابنته بعوض من ماله. 23163 - فإن قيل: إنما لا يجوز لأن بقاء البدل على ملكها انفع لها من عود البضع إليها. 23164 - قلنا: إذا خلعها على شيء يسير، ومهر مثلها مال عظيم، عاد البضع إليها، وتوصلت إلى تحصيل المهر من زوج آخر، وذلك أنفع لها، ومع ذلك لا يجوز. 23165 - احتجوا: بأنه خالعها على عوض فاسد، فوجب أن يرجع عليها ببدل البضع، [كما لو خالعها] على عصير، فوجده خمرًا. 23166 - والجواب: أن هناك لم يرض بخروج البضع] من ملكه إلا بعوض مقوم، ورجع بحكم الغرور، [وفي مسألتنا رضي بما لا قيمة له، فصار ذلك كالسكوت عن العوض في مقابلة العوض، فلا يرجع بشيء، 23167 - ولهذا قلنا: في النكاح يرجع عليها بمهر مثلها، (و) يصير تسمية

الخمر، كالسكوت عن التسمية. ولهذا نقول في البيع بالخمر: إن الواجب قيمة المبيع، كما لو باع ولم يسم شيئًا. * * *

مسألة 1118 الخلع على ما في البيت من متاع

مسألة 1118 الخلع على ما في البيت من متاع 23168 - قال أصحابنا: إذا خالعها على ما في هذا البيت من متاع، فلم يكن فيه شيء، فله المهر الذي أعطاها. 23169 - وقال الشافعي: مهر مثلها. 23170 - لنا: أنه وجب عليها المهر حكمًا [فكان عليه رد مهرها 23171 - قالوا: لو ارتدت قبله قبضت مهرها]. 23172 - احتجوا: بأن فسخ الخلع لا يصح، فصار البضع مستهلكا، فوجب عليها قيمته. 23173 - الجواب: أنه يبطل به إذا ارتدت، ولأنا لو (أوجبنا) قيمة المسمى بالاستهلاك، لسقط الضمان لما بينا أن خروج البضع غير مقوم. * * *

مسألة 1119 خلع المرأة في مرض موتها

مسألة 1119 خلع المرأة في مرض موتها 23174 - قال أصحابنا: إذا اختلعت المرأة في مرض موتها فما بذلت فمن الثلث. 23175 - وقال الشافعي: إن بذلت مقدار مهر المثل، فهو من رأس المال، والزيادة عليه من الثلث. 23176 - لنا: ما قدمنا أن خروج البضع من ملك الزوج لا قيمة له، ومتى بذلت المال في مقابلة ما لا يتقوم، كانت متبرعة به، والتبرع في المرض من الثلث. ولأن كل مالا يجوز للأب أن يبذل مالها فيه في حال صغرها إذا بذلته في مرضها، كان من الثلث كالهبات. 23177 - احتجوا: بأنه مال استفيد بأدائه البضع، فكان ذلك مقدار مهر المثل من رأس المال. 23178 - أصله: إذا تزوج المريض. 23179 - الجواب: أن التزويج يملك الأب بذل مال الصغير في مقابلته، فكان من رأس المال كأثمان البياعات، وبدل الخلع لا يملك الأب بذل مالها، كالهبات. * * *

مسألة 1120 ما يسقط بالخلع والمباراة من حقوق النكاح

مسألة 1120 ما يسقط بالخلع والمباراة من حقوق النكاح 23180 - قال أبو حنيفة: إذا اختلعت من زوجها تباريا وجب للزوج ما سمى في الخلع، ويسقط كل حق وجب بالنكاح. وإن كان لم يدفع مهرها، فلا شيء لها عليه. فإن كان دفع المهر والخلع قبل الدخول لم يرجع عليها بنصفه. 23181 - وقال محمد: حقوق النكاح كلها باقية، (لا يسقط) منها إلا ما سمى. 23182 - وبه قال الشافعي. 23183 - لنا: أن المقصود بالخلع إسقاط المنازعة في حقوق النكاح، بدلالة أنهما لو اتفقا عليها لم يحتاجا إلى الخلع، وإنما دخلا فيه للشقاق، فاقتضى لفظهما وقصدهما إسقاط الحقوق فوجب أن تسقط إذا كانا يملكان إسقاطها. يدل على ذلك حال

المتخاصمين إذا ادعى كل واحد منهما على الآخر حقوقًا، ثم اصطلحا على مال وتباريا سقط كل حق ادعاه أحدهما على الآخر، لأن الغرض بالصلح إزالة الخصومة، كذلك في مسألتنا، ولأن التباري تفاعل من البراءة، وهذا يقتضي إسقاط كل حق تعلق بما تنازعا فيه، فوجب أن يسقط جميع ذلك، كما لو سميت تلك الحقوق، ولا يلزم الديون الواجبة بغير النكاح، لأنها تسقط عند أبي حنيفة على ما رواه ابن رستم. وليس في الأصول خلافه. 23184 - ومن أصحابنا من فرق بينهما، وقال تلك الحقوق لم تتعلق للشقاق فيه، فلم يدخل في حكم العقد، لأن كل حق وجب لأحد الزوجين على الآخر بعقد النكاح، يسقط بالخلع كالاستباحة، والقسم، ولا يلزم تحريم الجمع، لأن ذلك الحق لم يجب لأحدهما على الآخر. 23185 - احتجوا: بأن الخلع طلاق فصار كالطلاق على مال.

23186 - الجواب: أن الطلاق ليس [في لفظه] ما يفيد الإسقاط، وليس كذلك المبارأة والمخالعة، لأن لفظهما، وقصدهما يقتضي الإسقاط. 23187 - قالوا: لو قال لها: خالعتك، ونوى الطلاق لم تسقط حقوقه، وإذا وجد اللفظ منهما لم تسقط حقوقهما. 23188 - قلنا: نحن جعلنا اللفظ مع قصدهما إلى التخلص من سبب الشقاق دلالة على الإسقاط، فإذا وجد لفظ خاص، فلم يوجد قصدها، ولا قصد الزوج، لأنه قصد التحصل على الفرقة برضاها وقبولها. 23189 - قالوا: ما لم يسمها لا تسقط كالديون. 23190 - قلنا: لا نسلم ذلك، ولو سلمنا فالفرق بينهما ما بينا. 23191 - قالوا: نقيس على النفقة إذا لم يشترط سقوطها. 23192 - قلنا: البراءة تسقط الحقوق الواجبة التي وجد سببها، والنفقة لم تجب، ولم يوجد سبب وجودها. 23193 - قالوا: لو كان دفع المهر إليها، ثم خالعها على غير جنس المهر لم يرجع عليها بنصف ما أعطاها إياه عندكم، وإن كان المهر حقا لم يجب. 23194 - قلنا: وجد سببه لأن عقد النكاح سبب في وجوب نصف المهر بالفرقة قبل التسليم. 23195 - فإن قيل: فكذلك النكاح سبب في وجوب النفقة. 23196 - قلنا: لو كانت النفقة تجب بوجود العقد لأوجب العقد مالين، والعقد الواحد لا يوجب بدلين أحدهما محظور، ولو جاز ذلك لقيل إن الميراث يتعلق بالعقد وإنما نصف المهر بالعقد يوجب سلامة البدل: فإذا لم يسلم المبدل فسقوطه يعيد البدل إلى الحاقد قبل التسليم، فكان ذلك من مقتضى العقد فصح أن يقال وجد سببه.

مسألة 1121 الخلع على أن لا نفقة عليه في عدتها

مسألة 1121 الخلع على أن لا نفقة عليه في عدتها 23197 - قال أصحابنا: إذا خلع امرأته على أن لا نفقة عليه في عدته صح الخلع، وسقطت النفقة. 23198 - وقال الشافعي: لها النفقة إن كانت حاملًا، ويرجع عليها بمهر المثل. 23199 - وكان أبو بكر الرازي يقول: الخلع يقع على مثل ما يستحقه في ذمتها، ثم يصير قصاصًا بما يجب لها عليه لو كان غيره. 23200 - ومن أصحابنا من يقول: يقع الخلع على سقوط النفقة. 23201 - لنا: أنه خالعها وشرط مالا يثبت سببه بالخلع، فصار كما شرط في الخلع أن لا يرجع عليها بما أعطاها من المهر، لأن مقصودها بالخلع قطع المنازعة في الحقوق المتعلقة بالعقد، فلو لم يجز شرط إسقاط النفقة بقيت المنازعة، فبطل مقصود العقد، وعلى طريقة أبي بكر الرازي أن النفقة من جنس الأثمان، وهي لا تتعين، وإنما يقع على مثل المسمى في ذمة العاقد، فيثبت له في ذمتها مثل نفقتها، ويصير ذلك قصاصًا بما يجب عليه في العدة. وجهالة مقدارها لا يمنع من صحة تسميتها، كما لو تزوجها مفوضة ودخل بها، ثم خلعها على مهرها، وإن كان العقد وقع على مهر مثلها، وهو مجهول، كذلك جهالة النفقة. 23202 - ولا يلزم إذا خالعها على السكنى، لأنها حق الله تعالى في ملك العقد،

فلا يجوز إسقاطها. فإن خالعها على أجرة السكنى جاز مثل مسألتنا. 23202 - ولا يلزم على ما يجب لها عليه إذا قتل عبدها أو استهلك مالها، لنا اعتبرنا في الطريقة الأولى ما يوجب سببه عقد النكاح، لأنه لا يوجد في تقل العمد، وعلى الطريقة الثانية إن جهالة النفقة لا تمنع من ثبوتها في وقتها بالخلع، لجهالة مهر المثل. 23204 - ومعلوم أن النفقة محصورة وقد تتفاوت مدة العدة، كتفاوت مهر المثل، فإذا جاز في العقد إحدى الجهالتين جازت الأخرى، وجهالة ما يجب لها عليه باستهلاك مالها جهالة كثيرة، فلا يصح ثبوتها في بدل الخلع، والنكاح. 23205 - احتجوا: بأنه براءة/ مما لا يجب، فوجب أن لا يصح. أصله: إذا أبرأته من غير خلع، وكما لو خلعها على ما يجب عليه إذا قتل عبدها، أو استهلك مالها. 23206 - قلنا: إذا أطلق البراءة فليست من توابع العقد، وإذا شرطها في الخلع فقد تبعت عقدًا سومح فيه، لأجل الشقاق لا يسامح في غيره، ألا ترى أنه يجوز في حال الحيض، وعقيب الجماع كل ذلك ليزول الشقاق، كذلك يسامح في جواز شرط إسقاط النفقة، وإن لم يجز على الانفراد، أما قيمة ما يستهلك من مالها، فلا يجوز لوجهين: 23207 - أحدهما: أن جهالة ذلك كثيرة لا تنحصر. 23208 - والثاني: أن ضرورة الشقاق إنما هي في علق النكاح، فاضطر إليه، وما سوى ذلك لا تعلق له بالنكاح، فلم تدخل فيه الضرورة فيجب الخلع.

مسألة 1122 لا يستحلف الزوجان إذا اختلفا في بدل الخلع

مسألة 1122 لا يستحلف الزوجان إذا اختلفا في بدل الخلع 23209 - قال أصحابنا: إذا اختلفا في بدل الخلع لم يتحالفا، وكان القول قول المرأة مع يمينها. 23210 - وقال الشافعي: يتحالفان، ويقضى بمهر المثل. 23211 - لنا: أن يمين الزوج لا يحتاج إليها في فسخ العقد ولا في إسقاط (ما ادعته المرأة)، لأنه يملك إسقاط ذلك بقوله فلا يستحلف، كما لو اعترف له بحق، وادعى حقًا آخر، لم يستحلف، ولا يلزم البيع، لأن اليمين يحتاج إليها في فسخ العقد. ولا يلزم النكاح: لأن الزوج اعترف لها بالمهر، وهي لا تملك إسقاط المهر بقولها، لأنه لابد في النكاح من بدل، فاستحلف كل واحد منهما لإسقاط التسمية التي ادعاها الآخر، ليمكن القضاء بموجب العقد من مهر المثل. 23212 - احتجوا: بأنهما اختلفا في مقدار العوض المستحق بالعقد مع عدم البينة، فوجب التحالف، كاختلاف المتبايعين في الثمن. 23213 - قلنا: هناك يحتاج إلى فسخ العقد لعدم الثمن، فلابد من التحالف، لإسقاط الثمن. وفي مسألتنا العقد لا ينفسخ، وما اعترفت به المرأة يسقط بمجرد

قوله، فلا يحتاج إلى يمينه، لإسقاط ذلك، ولا يقال: قد أبيتم التحالف في النكاح، وإن لم نفسخ العقد. 23214 - قلنا: لأن التحالف في النكاح لإسقاط المسمى. فإن أسقطا بقى موجب العقد من مهر المثل، فلو ثبت التحالف في الخلع سقط البدل، لأن العقد لا يوجب البدل من غير تسمية عندنا، فلا يمكن القضاء بشيء لما بينا أن خروج البضع من ملك الزوج غير مقوم، فلا يجوز القضاء بمهر المثل. * * *

مسألة 1123 إذا خالفت الزوجة زوجها فيما جعل إليها من الطلاق

مسألة 1123 إذا خالفت الزوجة زوجها فيما جعل إليها من الطلاق 23215 - قال أبو حنيفة: إذا قال الزوج لامرأته: طلقي نفسك واحدة، فطلقت نفسها ثلاثًا، [لم يقع عليها شيء]، قال: يقع واحدة. 23216 - وبه قال الشافعي. 23217 - لنا: أنها خالفت الزوج لفظًا ومعنى؛ بدلالة أن الثلاث غير الواحدة من طريق اللفظ، ومن طريق المعنى، الواحدة لا تزيل الملك ولا توجب التحريم، والثلاث توجب التحريم وتزيل الملك، وهي تتصرف فيما جعل إليها، فإذا خالفت الزوج لم ينفذ تصرفها [كما لو قال]: طلقي نفسك ثلاثًا [فقالت: طلقت نفسي إن دخلت لدار. 23218 - ولا يلزم إذا قال طلقي نفسك ثلاثًا فطلقت نفسها واحدة، لأن الأمر]، لا يقتضي اجتماعها، بل هو عام في تجميع التطليقات وتفريقها.

فإذا طلقت واحدة فقد أوقعت ما جعل إليها، فيقع. 23219 - ولا يلزم إذا قالت له المرأة: طلقني واحدة بألف، فطلقها ثلاثًا، لأن الزوج لا يملك الطلاق بخلعها وتمليكها، وإنما يؤثر قولها في إيجاب البدل عليها، وهي إنها التزمت العوض لتملك نفسها، إيقاع الثلاث أبلغ في ملكها نفسها، فوجب أن يستحق البدل عليها، ولأنه أمرها بإيقاع طلقة ممكنة، فإذا أوقعت ما جعله إليها غير متميز، [فقد أوقعت] ما لم يملكها إياه، كمن أمر رجلا أن يزوجه امرأة، فزوجه امرأتين، وكما لو قال: بع عبدًا من عبيدي، فباع عبدين، وليس كذلك إذا قالت: طلقت نفسي، وصاحبتي، لأنها أوقعت ما يحصل إليها مهرًا عن غيره، ثم أوقعت ما لم يجعل إليها، فصار كما لو زوجه امرأة، ثم أخرى. 23220 - ولهذا نقول: إنها لو قالت طلقت صاحبتي، ونفسي. لم يقع، لأنها (تشاغلت) بغير ما فوض إليها فخرج الأمر من يدها. 23221 - احتجوا: بأنها أوقعت ما جعل إليها، وما لم يجعل، فصار كما قالت طلقت نفسي واحدة، واحدة، أو طلقت نفسي، وصاحبتي. 23222 - قلنا: يبطل بما إذا قال: زوجني امرأة. فزوجه امرأتين. 23223 - فإن قيل: جهالة المنكوحة يمنع النكاح، وجهالة التطليقتين لا يمنع الوقوع.

23224 - قلنا: الجهالة لا تمنع الطلاق إذا أوقعه الزوج، فأما الملكة للطلاق المعين إذا أوقعته غير معين، فقد فعلت غير [ما ملكت] ولا يمنع مما فوض إليها. * * *

مسألة 1124 إذا قالت لزوجها طلقني ثلاثا على ألف فطلقها واحدة

مسألة 1124 إذا قالت لزوجها طلقني ثلاثًا على ألف فطلقها واحدة 23225 - قال أبو حنيفة: إذا قالت لزوجها: طلقني ثلاثًا على ألف، فطلقها واحدة، فلا شيء له. 23226 - وقال الشافعي: يستحق ثلث الألف. 23227 - لنا: أن (علي) فيها معنى الشرط، لها غرض صحيح في إيقاع الثلاث شرطًا [حتى تبين منه أعظم البينونة، والطلاق يتعلق بالشرط، فصار إيقاع الطلاق شرطًا] في استحقاق العوض، فلم يوجد الشرط، وليس هذا كقوله: طلقني ثلاثًا بألف، لأن الباء فيها معنى العوض، وليس فيها شرط، والطلاق بلا شرط شرط بعضه في بعض حكمًا، فاعتبرت كل طلقة على حيالها، بما جعل لها من العوض. 23228 - ولا يلزم إذا قالت: طلقني، وصاحبتي على ألف، لأنه لا غرض لها

في طلاق صاحبتها بعد بينونتها، فعلم أنها أرادت العوض لا الشرط. 23229 - احتجوا: بأنها جعلت الألف في مقابلة التطليقات، وانقسمت كقولها: طلقني ثلاثًا بألف. 23230 - قلنا: (وقد بينا) الفرق بينهما. * * *

مسألة 1125 إذا خالعها على رضاع ابنه مدة معينة فمات قبل الرضاع

مسألة 1125 إذا خالعها على رضاع ابنه مدة معينة فمات قبل الرضاع 23231 - قال أصحابنا: إذا خالعها على رضاع ابنه منها سنة، فمات الصبي قبل أن ترضعه، رجع عليها بقيمة الرضاع. 23232 - وقال الشافعي: بمهر مثلها. 23233 - لنا: أن التسمية قد صحت، لأن الرضاع تصح المعاوضة عنه، وقد تعذر التسليم فيه، فصار كما لو خالعها على عبد فمات، [أو تزوجها على عبد فمات]، وقد بنيا هذه المسألة. * * *

مسألة 1126 تعليق الطلاق والعتاق بالملك

مسألة 1126 تعليق الطلاق والعتاق بالملك 23234 - قال أصحابنا: إذا علق عقد الطلاق، والعتاق، فأضافهما إلى الملك، فقال: إن تزوجت فلانة فهي طالق، أو كلما تزوجت امرأة فهي طالق صح العقد، وإذا وجد الشرط في ملك وقع الطلاق. 23235 - وهو قول: ابن عمر، وابن مسعود [رضي الله عنهما]. 23236 - وقال الشافعي: [لا يصح تعليق الطلاق، والعتاق بالملك]. 23237 - لنا: أن الطلاق صح تعلقه بالشرط فصح أن يضاف إلى الملك كالمهر. وهذا الأصل قد دل عليه القرآن، وهو قوله تعالى: {ومنهم من عهد الله لئن ءاتنا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين} إلى قوله {فلما ءاتهم من فضله بخلوا به}. 23238 - وقد دل عليه الإجماع، ولن الطلاق يصح في المجهول، ويتعلق بالخطر، فجاز إضافته إلى الملك كالوصية والنذر.

23239 - فإن قيل: المعنى في الوصية، والنذر أن كل واحد منهما يصح أن يعقد مطلقًا، وإن لم يضف إلى الملك، وليس كذلك الطلاق، والعتاق، لأن كل واحد منهما لا يصح إطلاق العقد عليه قبل الملك فلم يصح وإن أضيف إلى الملك. 23240 - قلنا: القدر الذي قسنا عليه، هو نذر صدقة والعتق، وذلك لا يصح إطلاق العقد عليه قبل ملكه، وإنما يصح إذا أضيف إلى الملك، وأما الذي يصح إطلاق العقد عليه فهو قدر ما في الذمة، ولم نقس على هذا. فأما الوصية: فلا تصح إلا في ملك، أو مضافة إلى ملك إلا أن الإضافة تكون تارة: بالصريح، وتارة من طريق الحكم. [فإذا قال: أوصيت لفلان بثلث مالي والوصية تمليك] يتعلق بالموت، فقد أضاف الوصية إلى تملكه عند موته، فإذا قال: أوصيت بألف. فكأنه قال: ملكته بموتي ألفا، فيتناول ذلك ما يملكه عند الموت حكمًا، ولهذا لو علق الوصية بعين على ملك غيره، لم يصح حتى يضيفها إلى ملكه. 23241 - فإن قيل: المعنى في الوصية أنها تنفذ من غير ملك، فجاز أن تنعقد في غير ملك، والطلاق لا ينفذ في غير ملك، [ولا ينعقد في غير ملك، فلا ينعقد إلا في ملك. 23242 - قلنا: علة الفرع تبطل بالنذر، فإنه لا ينفذ في غير ملك، وهو علة الأصل بالعتق، لأنه ينفذ عندهم في ملك، وهو في غير ملك]، وهو العبد المشترك، ولا ينعقد عندهم إلا في ملك. على أنه لا فرق عندنا بين الوصية، والعتق، والطلاق، لأن الطلاق ينعقد في غير ملك وينعقد في الملك، وفي حكم الملك، وهي المختلعة، والوصية تنعقد في غير ملك وتنعقد في حكم الملك، لأن

التركة على حكم ملك الميت حتى تنفذ الوصايا، ويقسم الميراث. 23243 - فإن قيل: المعنى في النذر، أنه ينعقد على الذمة، فلذلك لم يفتقر إلى الملك، والطلاق لا ينعقد على الذمة. 23244 - قلنا: الطلاق والعتاق، يصح أن ينعقد على الذمة، وكان يجب أن يصح العقد عليه في غير ملك على فرض هذا القول. 23245 - فإن قيل: النذر يراد للإيجاب لا للنفوذ، بدلالة أن الشرط إذا وجد لا ينفذ، وإنما يفتقر إلى تنفيذ، والإيجاب يصح ممن لا يصح منه التنفيذ، بدلالة الحائض توجب الصلاة فتجب، ولا يصح فعلها منها، وأما الطلاق فعقد إنما يراد للنفوذ، بدلالة أن الشرط إذا وجد نفذ، فلم يحتج إلى تنفيذ. 23246 - قلنا: والوصية تراد للتنفيذ، بدلالة أن الموت إذا وجد نفذت، وملك الموصى له الثلث، (وإن كان يعقد) في غير ملك، ولأنه أضاف الطلاق إلى وقت يملك إيقاع الطلاق فيه في الظاهر، وهو ممن له قول صحيح، فوجب أن ينعقد طلاقه، كما لو قال لزوجته، أنت طالق رأس الشهر، ولأنه إذا قال: أنت طالق رأس الشهر جاز أن يكون ممن يقع طلاقه ويجوز أن لا

يكون ممن ينعقد طلاقه، ومع ذلك ينعقد يمينه، فإذا أضاف/ الطلاق إلى التزويج وملكه متحقق في ذلك الوقت، أولى أن ينعقد. 23247 - ولأن الطلاق ينعقد، فإذا أضافه إلى الملك فهو كالمرسل في الملك، كما لو قال لامرأته الحائض: أنت طالق للسنة. يبين ذلك أن الزوج يملك من امرأته نوعي الطلاق بدعي، وسني، فالبدعي يملكه في عموم أوقات النكاح، والسني يملكه في وقت [دون وقت]، فهو قبل وقت السنة، كما قيل وقت النكاح السنة في جنس الطلاق. 23248 - فإن قيل: طلاق السنة إنما هو طلاق يتعلق بزمان، فهو كمن قال: أنت طالق رأس الشهر أن ذلك على وجود الوقت، ولو أراد أن يرفع ذلك الطلاق في الحال، لم يصح، وإن كان مالكًا للطلاق. 23249 - قلنا: الطلاق المعلق برأس الشهر، هو الذي يملك في الحال، وإنما أصله: طلاق السنة، وليس كذلك، بل هو طلاق البدعة، وهما نوعان مختلفان

بدلالة إباحة أحدهما، وحظر الآخر. 23250 - احتجوا بقوله تعالى: {يأيها الذين ءامنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها}. 23251 - وثم للتراخي اقتضى ذلك تأجيل الطلاق عن النكاح. 23252 - [والجواب: أنه لا دلالة في الآية، لأنها تدل على وقوع الطلاق بعد النكاح]، ولا يبقى غير ذلك. 23253 - فإن قيل: إذا من حروف الشرط، والحكم المتعلق بالشرط، يدل على نفي ما عداه. 23254 - قلنا: هذا غلط، لأن الحكم المتعلق بالشرط في قوله تعالى: {فما لكم عليهن من عدة تعتدونها} الآية بعد الفاء، وجواب الشرط ما جاء بعد الفاء، وقوله: {طلقتموهن} تمام الشرط، فلا يكون متعلقًا به حتى يعتبر به دليله. 23255 - ولأن الآية دلالة لنا، لأنها تقتضي وقوع الطلاق إذا تقدمه نكاح، والطلاق إنما يكون عند وجود الشرط، وما قبل ذلك هو عائد على الطلاق، فليس بمطلق. 23256 - والدليل على اعتبار حال الإضافة أنه إذا قال لزوجته: إذا بنتي مني انقضت عدتك، فأنت طالق لم يقع بهذا القول شيء، فقوله مطلق عند الشرط وليس بمطلق عند العقد [وإلا] لوقوع عليها الطلاق. 23257 - فإن قيل: لو قال لامرأته: إذا جاء غد فأنت طالق. ثم قال لعبده:

إن طلقت امرأتي فأنت حر، فجاء غد، لم عتق عبده، وطلقت امرأته في الغد باليمين، فدل على أنه مطلق عند العقد لا عند الشرط. 23258 - قلنا: هو مطلق عند وجود الصفة، لا عند اليمين [لأن اليمين مخصوصة عندنا بما يمكن الامتناع منه، لأن الناس يمنعون أنفسهم بما يمكنهم الامتناع منه، ومالا يمكنهم الامتناع منه، يمنعون باليمين]، ولهذا لو حلف لا يركب، وهو راكب، فنزل في الحال لم يحنث، وإن وجد جزء من الركوب، لأن ما لا يمكن الاحتراز منه مختص من اليمين. 23259 - احتجوا: بما روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: لا طلاق قبل نكاح. 23260 - قلنا: ذكر علي بن المديني في كتاب الضعفاء: أنه لم يصح في هذا خبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

23261 - وقد رواه (ابن أبي شيبة) عن وكيع عن ابن أبي (ذئب) عن عطاء، ومحمد بن المنكدر، عن جابر يرفعه. 23262 - قال ابن أبي شيبة: هكذا رواه وكيع [وليس له أصل. ورواه إبراهيم بن الوليد، عن ابن أبي شيبة]، عن وكيع، سفيان، عن محمد بن المنكدر، عمن سمع النبي - صلى الله عليه وسلم -[يقول: لا طلاق إلا بعد نكاح] [وروى ابن جريج،

ومحمد بن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -] قال: (لا طلاق إلا فيما يملكون، ولا نذر في معصية).، وروى ابن جريج عن عمرو بن شعيب، عن طاووس، عن معاذ، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا طلاق قبل نكاح، ولا نذر فيما لا يملك. 23263 - وطاووس لم يسمع من في معاذ، وروى الرمادي قال: حدثنا معلي بن منصور قال: حدثنا أبو بكر بن عياش عن حرام بن عثمان، عن ابن جابر، عن أبيه قال: قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا طلاق قبل نكاح. 23264 - قال ابن المديني: حديث حرام قال يعقوب بن أبي شيبة: في حديث

علي، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا طلاق قبل نكاح. رواه طاووس [واختلف عنه فيه، فرواه عثمان بن أبي شيبة، عن ابن طاووس] عن أبيه عن علي - رضي الله عنه - وطاووس لم يسمع من علي شيئًا، ورواه ابن جريح عن عمرو بن شعيب عن طاووس عن معاذ، ولم يسمع ابن جريج هذا الحديث عن عمرو بن شعيب، ولا سمع من معاذ، ورواه علي بن المنكدر، عن طاووس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يذكر فيه عليًا، ولا معاذا، واختلف عن ابن المنكدر، فقال: الثوري، عن ابن المنكدر، عمن سمع طاووسًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ورواه ابن ذئب والفضل الرقاشي، فقالا: عن أبي المنكدر، عن طاووس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يذكروا فيه عليا ولا معاذا قال ابن أبي شيبة: والحديث حديث سفيان الذي قدمناه. قال: وروى (جوبير) عن الضحاك، عن النزال بن سبرة، عن علي، وجوبير

ضعيف الحديث. قال: ورواه ليث بن أبي سليم، عن عبد الملك بن ميسرة، عن النزال بن سبرة، عن علي، وليث بن أبي سليم، ضعيف ورواه الحسن عن علي، ولم يسمع الحسن من علي شيئًا قال: يحيى بن سعيد القطان: حديث جوبير بحديث الضحاك، عن النزال بن سبره عن علي قال: لا طلاق إلا بعد نكاح. قال الطحاوي: طالبناهم بتصحيح ما رووا من ذلك، فلم يأتوا بشيء [مما ثبت] من جهة الأسانيد ولو ثبت الخبر، اقتضى نفي الطلاق قبل النكاح. وعندنا إنما عقد الطلاق قبل النكاح،

ولم يطلق قبله، وإنما طلق بعده، ولم ينف - صلى الله عليه وسلم - العقد، وإنما نفى الطلاق. 23265 - يبين ذلك أنه كما نفى الطلاق قبل النكاح نفى النذر قبل الملك، فقال في الخبر: ولا نذر فيما لا يملك ولم يرد به عقد النذر، وإنما أراد به انعقاد النذر، ولزوم إخراجه، فعلم أن المراد في الطلاق والعتاق، الوقوع دون العقد. 23266 - ولا يقال: إن اللفظ يحتمل العقد المرقوع، بدلالة أنه يصح أن يقترن ذلك باللفظ، فتقول: لا طلاق معقود، ولا واقع، وإذا احتمل اللفظ الأمرين حمل النفي على الأمين. وذلك لأنه إذا قيس الشيء بمعنى ظاهر حمل على المعنيين بدلالة، ثم لا يدل على أنه يحمل على ذلك بإطلاق اللفظ. 23267 - ألا ترى: أن الله تعالى سمى بيع الأحرار أنفسهم بيعًا، بقوله تعالى: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم}. 23268 - ثم لم يجز حمل البيع في الإطلاق على ذلك. ويعنون الاستثناء بالعدد في الطلاق والإقرار سقوط بعضه، وإن كان اللفظ لا يصح لذلك إذا لم يقترن به استثناء. 23269 - فإن قيل روى عبد الله بن عمر: عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن رجل قال: يوم أتزوج فلانة فهي طالق، فقال: طلق مالا يملك. 23270 - قلنا: هذا الخبر ذكره الدارقطني، عن أبي خالد الواسطي عن أبي

هاشم (الرماني)، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر، وأبو خالد الواسطي، (عمر القرشي) قال أحمد: هو كذاب، وقد طعن الدارقطني عليه في كتابه في غير هذا الموضع حين روى عنه خبر الرعاف، فلما روى عنه خبرًا وافق مذهبه أمسك عن ذكره على عادته في التدليس لمثل ذلك. 23271 - قالوا: كيف يجوز حمل الخبر على طلاق الأجنبية، وهذا أمر لا يشكل على أحد. 23272 - قلنا: إنما صار لا يشكل لاستقرار الشرع وبيان الأحكام، فأما قبل ذلك فكان مشكلا. يبين ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - (لا صلاة إلا بطهور) ولا يشكل الآن على أحد أن الصلاة بغير طهارة لا تصح، لكن عندنا بيان النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مشكلا إلى أن بينه.

23273 - وقد قال الزهري: إن الجاهلية كانت إذا خطب الرجل امرأة فيمنع منها قال: هي طالق ثلاثًا إنه ينوي بذلك تحريمها، فبين النبي - صلى الله عليه وسلم - بطلان هذا الاعتقاد بهذا الخبر على أن هذا الخبر فيه بيان لحكم يجوز أن يشكل، وهو الرجل إذا تزوج اليوم امرأة، ثم قال لها: أنت طالق أمس. لم يقع طلاقه عليها، لأنه طلاق قبل النكاح، وهذا حكم مفهوم بهذا الخبر، وهو مما يشكل لولاه. 23274 - قالوا: هذا الخبر خرج على سبب، وهو أن ابن عمر خطب امرأة فأغلوا في مهرها، فقال: إن نكحتها فهي طالق. فسئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فقال: لا طلاق قبل النكاح. 23275 - قلنا: هذا لا يعرف، ولا خرج الخبر على هذا السبب، ولم يذكر هذه القصة معتمد، ولا غير معتمد، ولم ينقلها الدارقطني مع جمعه كل محتطب، فكيف يسوغ الكلام على هذا، ودعواه، 23276 - ثم يجوز أن يكون القوم ظنوا أن هذا تحريم العقد، فأخبر - صلى الله عليه وسلم - أن الطلاق لم يقع، ليس أن العقد لا يحرم بهذا القول/، وإنما ينعقد بالطلاق. 23277 - قالوا: لا يملك الطلاق المباشر، فلا يملك تعليق الطلاق بصفة، كالصبي، والمجنون.

23278 - وربما قالوا: لا يملك الطلاق المعجل فلا يملك المؤجل. 23279 - قلنا: يبطل بالمرتد، لا يملك الطلاق عقيب الردة منجرًا، لأنه يقف عندهم، ولو قال: إن أسلمت، فأنت طالق انعقدت يمينه. 23280 - فإن قيل: لا فرق بينهما، لأن طلاقه واقف عليه، فإن أسلم بينا أنه وقع، وإن لم [تسلم] بينا أنه لم ينعقد. 23281 - قلنا: إذا وقع وقف فهو لا يملك المنجز، فإذا عقد انعقد، وإن أسلم وقع، وإن لم يسلم لم يبين أنه لم ينعقد، لكن الشرط الذي علق به الطلاق [لم يوجد]، فلم يقع الطلاق لفقد الشرط، ويبطل بالعقد إذا كانت عنده أمة لا يملك منها التطليقة الثالثة، ولو قال لها: إن أعتقت، فأنت طالق ثلاثًا. صح عقده وينعكس بالزوجة الحائض لا يملك أن يباشر منها طلاق السنة، ولو علق على طلاق السنة فقال: إذا طهرت فأنت طالق. صح، ووقع وينعكس بالنذر فإنه لو أوجب في ملك الغير لم يلزم، لو أضاف النذر إلى ملكه انعقد ولا يقال: لما لم يملك المنجز منه لم يملك المؤجل. 23282 - وقولهم إنما لم يصح نذره منجزًا، لأنه نذر المعصية، وهذا لا يوجد في المطلق غلط، لأنا بينا الفرق بين الموضعين، فذكروا علة الفرق، وهذا لا يمنع افتراق الأمرين، ثم المعنى في الصبي، والمجنون، أنهما لا يملكان الإيقاع في الملك، فلا يملكان التعليق، ولما كان المالك المكلف يملك مباشرة الإيقاع في ملكه ملك أن يضيف إلى الملك.

23283 - قالوا: عقد طلاقا بصفة في غير ملك، فصار كما لو قال لأجنبية: إن دخلت الدار، فأنت طالق. 23284 - قلنا: المعنى فيه أنه لم يعقد اليمين في ملك، ولا أضافه إلى ملك، وفرق بينهما. ألا ترى: أنه لو أطلق النذر في ملك صح، ولو أضافه إلى الملك، وهو غير مالك، صح ولو نذر في غير ملك، ولم يضف إلى ملك لم يصح، ثم لا يعتبر أحد الأمرين بالآخر، كذلك هذا. 23285 - قالوا: كل طلاق نافاه الجنون والصغر نافاه عدم الملك، كالمباشر. 23285 - قالوا: كل طلاق نافاه الجنون والصغر نافاه عدم الملك، كالمباشر. 23286 - قلنا: عدم الملك ينافي الطلاق عندنا، وإنما لا ينفي عقده إذا أضيف إلى الملك، كما أن الصغر والجنون ينفي النذر، وينفي [عدم الملك]، ولا ينفي عدم الملك عند النذر. 23287 - قالوا: أحد شرطي الطلاق [لم ينعقد في غير الملك، فلم ينعقد إذا أضيف إلى الملكز 23288 - قلنا]: (وليس) إذا لم بنفذ الشيء في] غير الملك] لم ينعقد إذا أضافه إلى الملك، كما أن النذر لا ينفذ فيما لا يملك، وينعقد فيه مضافًا، وكما أن الحيض ينفي وقوع طلاق السنة، ولا ينفي العقد عليه إذا أضافه إلى وقت السنة. 23289 - قالوا: لا يملك الطلاق بعوض، ولا يملكه بغير عوض كالصبي،

والمجنون. 23290 - قلنا: نقول بموجبه، لأنه لا يملك الطلاق بعوض، ولا بغير عوض، وإنما يملك العقد على الطلاق بعوض، وبغير عوض، لأنه لو قال لأجنبية: إن تزوجتك فأعطيتيني ألفًا، فأنت طالق. صح العقد، ولا فرق بينهما. 23291 - قالوا: الطلاق ينفي النكاح، فلو أضيف إلى النكاح انعقد العقد مع وجود ما ينافيه، وربما قالوا: ينعقد غير موجب للإباحة. 23292 - قلنا: لا ينعقد عندنا ما ينافيه، لأن النكاح يقع ثم يتعقبه الطلاق، فهو كشري ذي الرحم، لأن العتق [يتعقب الملك. 23293 - ولا يقال إن العقد انعقد مع وجود ما ينافيه وقولهم في النكاح] ينعقد غير موجب للإباحة غلط، بل هو موجب للإباحة وإن زالت بالطلاق كمن قال للمطلقة الرجعية: إن راجعتك فأنت طالق اثنتين. فراجعها صحت الرجعة، وإن كانت البينونة تعقبها، ثم لم يجز أن يقال: كيف تصح الرجعة موجبة للإباحة. 23294 - قالوا: الطلاق حل عقد، فلا يضاف إلى العقد، كالإقالة [لا يصح تعليقها بشرط مع وجوب الملك]. 23295 - قلنا: الإقالة لم تصح، كذلك إذا عقد الإقالة قبل الملك. وفي مسألتنا يجوز تعليق الطلاق بشرط في الملك، فجاز أن يضيفه إلى الملك. * * *

مسألة 1127 إذا علق الطلاق على صفة ثم بانت منه ثم تزوجها قبل وجود الصفة

مسألة 1127 إذا علق الطلاق على صفة ثم بانت منه ثم تزوجها قبل وجود الصفة 23296 - قال أصحابنا: إذا قال الرجل لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق ثم أبانها، ثم تزوجها فدخلت الدار، يقع عليها الطلاق. 23297 - وقال الشافعي: لا يقع وهذا مبني على أصلنا: أن عدم الملك لا يمنع عقد اليمين، والابتداء أضعف، والبقاء أقوى، فإذا لم ينف عدم الملك ابتداء اليمين، فلأن لا يمنع بقاء أولى. 23298 - ولأن اليمين (عندنا) في الملك، والشرط وجد في الملك، فوجب أن يقع الطلاق الذي عقد عليه اليمين. أصله: إذا لم يطلقها فيما بين اليمين والشرط. 23299 - ولا يلزم إذا طلقها ثلاثًا، ثم تزوجها بعد زوج، ثم دخلت الدار، لأنا قلنا: فوجب أن يقع الطلاق الذي عقد عليه اليمين، وهناك بطل الطلاق الذي عقد عليه اليمين، لأنه عقد على ما كان استفاده [بالنكاح وقد استوفى ذلك، ولأنه عقد اليمين في الملك ووجد الشرط في الملك فزال] ملكه عن الإيقاع، وفي خلال

ذلك [لا يمنع وقوع الطلاق، كما لو جن في ذلك]. 23300 - احتجوا: بأن البينونة وجدت بعد اليمين فصار كما لو طلقها ثلاثًا ثم تزوجها. 23301 - قلنا: هناك استوفى الطلاق المعقود عليه، فبطل العقد والمعقود عليه، وفي مسألتنا بحاله، فجاز أن يبقى العقد بحاله. * * *

كتاب الطلاق

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب الطلاق

مسألة 1128 إيقاع التطليقات ثلاثا بكلمة واحدة

مسألة 1128 إيقاع التطليقات ثلاثًا بكلمة واحدة 23302 - قال أصحابنا: إيقاع التطليقات الثلاث بكلمة واحدة بدعة.

23303 - وقال الشافعي - رضي الله عنه -: هو مباح 23304 - فالذي يدل على قولنا قوله تعالى: (الطلق مرتان)، فلا يخلو: إما أن يكون خبرًا، أو أمرًا، ولا يجوز أن يكون خبرًا، لأنه لو كان خبرًا ما كان يوجد خبره بخلاف مخبره، فلم يبق إلا أن يكون أمرًا فكأنه قال: طلقوا مرتين، والأمر بالتفرق يمنع الجمع. 23305 - فإن قيل: يمكن حمله على الجمع، ويكون معناه الطلاق الرجعي مرتان، قيل له: الطلاق الرجعي يكون مرة واحدة، ويكون مرتين، فلا يجوز أن يخص بالثنتين، الدليل عليه قوله تعالى: (نؤتها أجرها مرتين). 23306 - قلنا: ليس ههنا تفسير جملة، وإنما قوله: الطلاق على قول من جعله: خبر مبتدأ. وقوله: مرتان الخبر وليس فيه عندنا بيان زمان، وإنما فيه الأمر بالتفريق خاصة. 23307 - فإن قيل: مرتان إذا ذكرت عقيب فعل اقتضت التفريق بقوله صريحة مرتين فإذا ذكرت عقيب اسم أفادت التضعيف كقوله: (تؤتها أجرها مرتين)، وقوله (يضعف لها العذاب ضعفين).

23308 - قلنا: الطلاق مصدر للفعل، والمفعول، فإذا هو عقيب الفعل، ولأنا بينا أن المراد به الأمر، والأمر لا يكون إلا أمرًا بفعل، فعلى هذا: يجب أن يفيد التفريق، لأنه عقيب الفعل. 23309 - فإن قيل: الآية تدل على التفريق فمن أين يجب التفريق في طهرين. 23310 - قلنا: إذا ثبت وجوب التفريق، ثبت أنه في طهرين، لأن أحدًا لا يفصل بينهما، ويدل عليه قوله تعالى: (فطلقوهن لعدتهن) والأمر بالطلاق لا يفيد أكثر من مرة واحدة، بدلالة أن من قال لرجل: طلق امرأتي، لم يجز [أن يطلقها] أكثر من مرة واحدة، [ولأن العدة] ذات عدد، والطلاق ذو عدد، فالأعداد إذا قوبلت بأعداد مثلها، فإنها تكون مقسومة عليها، كما لو قال: تصدق بهذه الدراهم في ثلاثة أيام اقتضى قسمته عليها. يبين ذلك قوله تعالى: (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا). يعني يبدوا له [في مراجعتها فدل على أن الطلاق الذي يتضمنه الأمر هو الذي يمكن] استدراكه بالرجعة. 23311 - ويدل عليه ما روي أن ابن عمر طلق امرأته في حال حيضها، فقال - صلى الله عليه وسلم -[ما هكذا أمرك ربك يا ابن عمر:، وإنما أمرك أن تستقبل الطهر استقبالًا تطلقها لكل قرء تطليقة] [وروى أن ابن عمر قال

للنبي - صلى الله عليه وسلم -] أرأيت لو طلقتها ثلاثًا لا كانت تحل لي، فقال لا وتكون معصية فلا يخلو: أن [يكون في جميع الثلاث أو لإيقاعها في حال الحيض ولا يجوز أن يكون] المراد بالمعصية حال الحيض لأنه قد بين أن إيقاع الواحدة في حال الحيض لا يجوز، وهذا بيان للمنع من الثلاث، فلم يجز حمل اللفظ على التكرار، فوجب أن يحمل على جميع الثلاث. 23312 - ويدل عليه حديث عبادة بن الصامت [- رضي الله عنه -]: أن بعض آبائه طلق امرأته ألفًا، فذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: بانت بالثلاث في معصية، وتسع مائة وسبع وتسعون فيما لا يملك. فأخبر أن الثلاث معصية. 23313 - ويدل عليه إجماع الصحابة. روى أنس بن مالك: أن عمر بن الخطاب [- رضي الله عنه -] كان لا يؤتى برجل طلق امرأته ثلاثًا إلا أوجعه ضربًا، وأجاز ذلك عليه

وروى إنكار الطلاق الثلاث مع رفعه عن علي وعبد الله بن مسعود عمران بن الحصين وأبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -. 23314 - وروى الأعشى عن مالك بن الحارث قال: كنت جالسًا عند ابن عباس فقال له رجل: (يا ابن) عباس (إن ابن عمر) طلق امرأته ثلاثًا، فما ترى، قال إنه عصى الله، فأندمه وأطاع الشيطان فلم يجعل له مخرجًا. 23315 - وعن ابن عمر أنه قال لرجل [طلق امرأته ثلاثًا] قد حرمت عليك حتى تنكح زوجًا غيرك، وعصيت الله فيما أمرك به من الطلاق وروى ابن عون

عن الحسن: أنهم كانوا لينكرون على الرجل أن يطلق امرأته ثلاثًا في مجلس. ذكر ذلك الشيخ أبو الحسن - رضي الله عنه - في جامعه بأسانيده، فهؤلاء علماء الصحابة، ومعلموا الأمم السنن، وهم القدوة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 23316 - فإن قيل: روي أن: عبد الرحمن بن عوف: طلق امرأته تماضر بنت الأصبغ الكلبية ثلاث تطليقات في مرضه 23317 - قلنا: يجوز أن يكون طلقها ثلاثة أطهار كلها في المرض. 23318 - وقد روى ليث عن ابن شهاب، عن طلحة بن عبيد الله: أن عثمان بن عفان ورث تماضر وكان عبد الرحمن طلقها تطليقة وهي آخر تطليقاتها

الثلاث في مرضه. 23319 - قالوا: روى (أن ابن عمر) وحفص بن المغيرة: طلق فاطمة بنت قيس ثلاثًا في كلمة واحدة. 23320 - قلنا: فعله على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[لا يقدح في الإجماع، لأن فعله في تلك الحال ليس بحجة، إلا أن يعلم به - صلى الله عليه وسلم -]، فيقره عليه. 23321 - ولأنه روى عن فاطمة أنها قالت: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعثة، وخرج زوجي معه فكتب إلى ببعثه تطليقاتي الثلاث، وهذا يدل على أنه فرق الطلاق. 23322 - قالوا: روى أن الحسن بن علي - رضي الله عنه - قالت له امرأته عائشة

الخثعمية لما قتل علي - رضي الله عنه -: لتهنئك الخلافة يا أمير المؤمنين. فقال لها الحسن: أو يقتل أمير المؤمنين وتشمتين اذهبي: فأنت طالق ثلاثًا. 23323 - قلنا: هذه قصة لم ينقلها الفقهاء، ولا دلالة فيها، لأن الإجماع حصل قبل ذلك، وخلاف الحسن لا يعتد به على عمر، وعلي، وابن مسعود، ومتى انعقد الإجماع فهو حجة على الحسن ومن بعده. 23324 - ولأنه تحريم البضع بقول الزوج من غير حاجة، فوجب أن يتعلق به الكراهة، كالظهار، ولا يلزم الطلاق قبل الدخول، لأن التحريم لا يحصل بقول الزوج، ولكن بعدم العدة ولا يلزم التطليقة الثالثة، لأن التحريم لا يتعلق بها، وأنما يتعلق بها وبما تقدم عليه من طلاق. ولا يلزم الخلع، لأنا قلنا: من غير حاجة [والخلع لا يجوز إلا عند الشقاق وذلك حاجة]. 23325 - قالوا: التحريم في الظهار لا يقع بقول الزوج على المذهبين، لأن عندنا يحرم بإمساكها عقيب الظهار وعندكم تحرم لكن يقال له: إن أردت الوطء فكفر. 23326 - قلنا: هذا غلط، لأن التحريم يقع بالظهار وإمساكها عندكم يوجب الكفارة. فأما أن يتعلق به التحريم فلا، وعلى قولنا: التحريم يتعلق بالظهار، وما

يزيل التحريم لا ينحصر وجوبه عندنا. 23327 - قالوا: المعنى في الظهار: أنه منكر من القول وزور. 23328 - قلنا: ليس [كذلك ماسكًا ولا يزال له ملكه فجاز مجتمعًا ومتفرقًا فأعلنا قوله وانتم لتقولون منكرًا من القول وزورًا ليس] هو علة لتحريم الظهار، وإنما هو تنبيه على الكذب في تشبيهها بالأم والعلة في المنع إنما هو ما يتعلق بها من التحريم، ولهذا لو شبهها بظهر الأجنبية كان كذبًا وزورًا، ولا يوجد فيه التحريم، والحظر الذي يوجد في الظهار. 23329 - وقولهم: إن الطلاق إزالة الملك فجاز مجتمعًا، ومتفرقًا ليس بصحيح لأنه قد يجوز التفريق فيما لا يجوز جمعه كضرب الحدود، ورمي الجمار وألفاظ اللعان، ولأنه إيقاع طلاق لا يأمن معه الندم، لمعنى يعود إلى فعله، فصار كالطلاق عقيب الجماع [يبين ذلك: أن الإنسان في العادة يطلق، ثم تتبع نفسه المرأة، كما أنه إذا طلق عقيب الجماع] وظهر الحمل ندم. 23330 - ولا يلزم طلاق غير المدخول بها لأن الندم غير مأمون، إلا أنه لا يعود

إلى فعله، وإنما يعود إلى عدم العلة ولا يلزم إيقاع الثالثة، لأنه جرب نفسه في مدة العدة، فلو ندم لم يطلق، ولا يلزم الخلع، لأنه يكون عند الشقاق، فيؤمن معه الندم. 23331 - فإن قيل: المعنى في الطلاق عقيب الجماع، فعدتها وضع الحمل إن تحمل، وإن كانت لم تحمل، فعدتها بالإقراء. 23332 - قلنا: لو كان كذلك لم يجز طلاق المراهقة لأنها لا تدري بماذا تعتد، لأنها تعتد بالشهور ما لم تحض، فإن حاضت اعتدت بالحيض، فلما لم يكره طلاقها دل على بطلان هذا التعليل. 23333 - ولأنه استعجل الطلاق عن وقت أبيح إيقاعه فيه فجاز أن يتعلق به الكراهة، كما لو طلقها في الحيض، وعقيب الجماع ولأنه معنى ذو عدد موقع يختلف بالرق والحرية، فجاز أن تتعلق الكراهة بجميعه، ولأنه كالحد. 23334 - ولأنه معنى ذو عدد اعتبر فيه السنة من حيث الوقت، فاعتبرت في التفريق كرمي الجمار، ولأنه معنى ذو عدد جعل سببًا في البينونة فلا يجوز الجمع

فيه كاللعان. 23335 - احتجوا: بقوله تعالى: (فطلقوهن لعدتهن). 23336 - والجواب: أنا قد بينا أن هذه الآية دليلنا، لأن قوله تعالى: (فطلقوهن لعدتهن) أمر، والأمر لا يتضمن العدد، ولأن المراد به الطلاق الرجعي، بدلالة قوله تعالى: (وأحصوا العدة) ولا حكم يتعلق بالزوج من العدة إلا الرجعة، فلا يجوز أن يكون لأجل النفقة، لأن ذلك من حقوقها، والمرجع فيه إلى قولها، ولأنه تعالى قال: (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا). أي يبدوا له فيراجعها. 23337 - يبين ذلك أن الصحابة رضي الله عنهم فهموا من الآية ما ذكرنا، فروى أن المطلب بن حنطب سأل عمر - رضي الله عنه - عن التطليقات الثلاث، فتلا قوله تعالى (فطلقوهن لعدتهن) ثم قال: ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرًا لهم وأشد تثبيتًا وقال علي - رضي الله عنه -: لو طلق الناس كما أمر الله تعالى ما تبعت نفس رجل امرأة طلقها أبدًا.

23338 - احتجوا: بقوله تعالى: (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن). 23339 - قلنا: هذا يقتضي ملابسة الطلاق، ولا يقتضي ملابسة العدد، ولا التكرار. 23340 - قالوا: روى أن ابن عمر طلق امرأته في حال الحيض، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن يراجعها، فإذا طهرت طلقها طاهرًا من غير جماع، أو حاملًا قد استبان حملها فبين السنة في الوقت، ولم يبين السنة في العدد. 23341 - قلنا: قد بين ذلك بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (ما هكذا أمرك ربك يا ابن عمر، إنما أمرك أن تستقبل الطهر استقبالًا، فتطلقها لكل قرء تطليقة). 23342 - قالوا: روى أن عويمرًا العجلاني لما فرغ من اللعان قال كذبت عليها إن أمسكتها، فهي طالق ثلاثًا ولم ينكر - صلى الله عليه وسلم - عليه إيقاع الثلاث دفعة. 23343 - قلنا: البينونة هاهنا مستحقة، وإنما يكره [جميع التطليقات في الموضع

الذي يقطع به الرجعة، ومتى كانت البينونة مستحقة لم يكره] عندنا، ويجوز أن يكون هذا في وقت لم تثبت (سنة الطلاق) بدلالة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسأل عن طهرها، ولو كان السنة في الطلاق تثبت لسأل عن ذلك لينكر الطلاق إن كان في حال الحيض، ولأنه اعتقد بقاء النكاح وأوقع الطلاق. 23344 - وعندهم قد وقع التحريم المؤبد قبل هذا الطلاق ولا يجوز أن يترك إنكار ذلك، ليعلم أنه أنكره ولم ينقل كذلك أنه أنكر إيقاع الثلاث. 23345 - فإن قيل: قد نقل إنكاره كذلك لأنه قال لا سبيل لك عليها. 23346 - قلنا: هذا ليس بإنكار، لأنه يحتمل لا سبيل لك عليها لأنك طلقتها. 33374 - وقد قيل: يجوز أن يكون قوله: كذبت عليها إن أمسكتها فهي طالق ثلاثًا. أي: محرمة باللعان كتحريم الثلاث فلذلك لم ينكر عليه إيقاع الثلاث، ولا اعتقاد بقاء النكاح. 23348 - قالوا: طلاق في طهر لم يجامعها فيه كالواحدة، وربما قالوا: طلاق صادف عدة من غير ريبة كالواحدة. 23349 - [قلنا: قولكم صادق عدة لا نسلمه لأن العدة عندنا الحيض. 23350 - وقولكم: من غير ريبة] يحترزون به عن الطلاق عقيب الجماع،

وهناك المانع من الطلاق خوف الندم، وهذا موجود في الثلاث. 23351 - والمعنى في الواحدة أن الإيقاع يؤمن معه الندم [من غير أضرار معتبرة، وليس كذلك الثلاث، لأنه لا يأمن معه الندم] في الغالب فصار كالطلاق عقيب الجماع. 23352 - فإن قيل: علة الأصل، تبطل بإيقاع تطليقتين. 23353 - قلنا: قد لا يأمن معها الندم إذا كانت المطلقة أمة، ونحن اعتبرنا لا أمن من الندم بكل حال. 23354 - قالوا: إزالة ملك يملك تفريقه فملك جمعه كعتق العبيد. 23355 - قلنا: قد يجوز التفريق فيما لا يجوز الجمع فيه بدلالة رمي الجمار وتفريق الجلد في الحد، وتفريق كلمات اللعان، ولأن عتق العبد [لم يمنع] منه منعًا يعود إلى الزمان، فلم يمنع منه منعًا يعود إلى الجمع، ولما منع من الطلاق منعًا يختص بالزمان، جاز أن يمنع منه منعًا يعود إلى الجمع. 23356 - قالوا: كل طلاق يجوز تفريقه جاز جمعه كطلاق أربعة نسوة. 23357 - قلنا: جمع طلاق النساء وتفرقه سواء، لأنه يقتضي حال الجمع ما يقتضي حال التفريق، وليس كذلك طلاق المرأة الواحدة، لأنه يختلف حكمه بالجمع والتفريق، فجاز أن تختلف الإباحة فيه، ولأن حيض إحدى النساء لا يمنع طلاق الأخرى، ولما كان حيض المرأة يمنع طلاقها، جاز أن يكون طلاقها يؤثر في المنع من طلاقها. 23358 - قالوا: ذو عدد يملكه الزوج بعقد النكاح يجوز تفريقه، فوجب أن

يجوز جمعه، كعدد (الإرضاع). 23359 - قلنا: الوصف لا يوجد في الأصل لأن عدد الأبضاع لا يملك بالعقد، وإنما/ يملك أن يستبيحه بعقد الشرع، ثم نقلب فنقول: فجاز أن يمنع جمعه كعدد الأبضاع إذا جمع بين حرة وأمة وأختين، ولأن ملك الأبضاع لا يختص بوقت دون وقت، فاستوى في الجائز منه الجمع والتفريق. ولما اختص الطلاق بوقت دون وقت جاز أن يختلف حكم اجتماعه وافتراقه في الإيقاع. 23360 - قالوا: كل من جاز له أن يطلق [واحدة، جاز له أن يطلق] ثلاثًا، كما لو أمسكها بشهوة ثم قال لها: أنت طالق. 23361 - قلنا: ينتقض بمن طلق امرأته تطليقتين، وهي في الطهر الثالث [يملك أن يطلقها] [واحدة ولا يملك أن يطلقها] ثلاثًا، والعبد عندهم، وزوج الأمة عندنا يملك أن يطلق واحدة. ولا يملك أن يطلق ثلاثًا ولأن الكلام معهم في إيقاع ثلاث تطليقات بلفظة واحدة، فإن عللوا لإيقاعها متفرقة في طهر واحد قلنا بموجبه إذا خالعها، ثم تزوجها ثم خالعها، ثم تزوجها، ثم تزوجها وخالعها، والمعنى في الأصل الذي قاسوا عليها: أنه يوجد بعد الطلاق ما يدل على تبقية النكاح، وهو الاستمتاع المقصود، فرفع حكم ذلك الطلاق، كما لو قال بعد الطلاق: راجعتك، وليس كذلك موضع الخلاف، لأنه لم يوجد بعد التطليقة الأولى ما يدل على تبقية النكاح، فلم يجز أن يضم إليها [في الطهر] تطليقة أخرى.

مسألة 1129 إذا قال الرجل لامرأته إذا طلقتك فأنت طالقة قبله ثلاثا

مسألة 1129 إذا قال الرجل لامرأته إذا طلقتك فأنت طالقة قبله ثلاثًا 23362 - قال أصحابنا: إذا قال الرجل لامرأته إذا طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثًا، ثم طلقها، وقع الطلاق عليها، ووقع الشرط تمام الثلاث عليها في الحال. 23363 - وقال بعض أصحاب الشافعي على قياس مذهبه: لا تطلق هذه المرأة أبدًا. 23364 - لنا: قوله تعالى (الطلق مرتان)، وقوله تعالى: (لا جناح عليكم إن طلقتم ما لم تمسوهن) وقال - صلى الله عليه وسلم -: كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه والصبي وقال: الطلاق لمن أخذ بالساق.

23365 - ولأنه يصح ظهاره فصح طلاقه كسائر الأزواج، ولأنها يمين فلا يمنع وقوع الطلاق عليها، [ولأنه طلاق من مكلف، فلا يمنع وقوعه عليها، كما لو قال: إن دخلت الدار فأنت طالق] ولأنه طلاق من مكلف في زوجه فوجب أن يقع عليها الطلاق الذي [جعله جزاء]. 23366 - أصله، إذا لم يحلف، ولأنه تصح مخالعته فيصح طلاقه. أصله: قبل اليمين، يستبيحها بالنكاح، فجاز أن ترتفع الاستباحة بالطلاق كما قبل اليمين. 23367 - احتجوا: بأنه إذا طلقها كان في إيقاع الطلاق إسقاطه، لأن الطلاق الثلاث يقع عليها قبل ذلك، فبطل هذا الطلاق. ومتى كان في إيقاعه إسقاطه لم يقع، إذا لم تقع الثلاث لعدم شرطها، فلا تطلق أبدًا. 23368 - قلنا: إذ أوقع تطليقة لم يقع الطلاق قبلها وإنما تقع تمام الثلاث عقيب هذه التطليقه. 23369 - ولأن قوله: إذا طلقتك شرط، فإذا وجد صار كالمتكلم بالجزاء في تلك الحال، فكأنه قال لها بعد الطلاق: أنت طالق قبل أن أطلقك. فيقع في الحال، ولا يقع فيما تقدم، لأنه لا يملك ذلك. 23370 - ألا ترى: أن من قال لامرأة وقد تزوجها أول من أمس: أنت طالق أمس وقع عليها الطلاق حال [ما تكلم] به، ولو كان [قد وطئها] اليوم، لم يجب عليها مهرًا آخر، ثم تبتدئ اليوم ولا تبتدئ من أمس. يبين هذا: أن صحة هذا الطلاق رفع الاستباحة، والزوج يملك رفع الاستباحة فيما يستقبل، ولا يملك رفعها في الماضي، [لأن استباحة الماضي] قد عدمت، فلا يصح رفعها، فإذا

ثبت هذا لم يكن في إيقاع الطلاق إسقاطه لأن الطلاق الواقع باليمين لا يتقدم عليه وإنما يقع بعده. 23371 - فإن قيل: أليس عندكم يقع الطلاق في زمان متقدم [إذا قال لامرأته] أنت طالق قبل رمضان بشهر، وقبل موت فلان بشهر وقبل قدومه بشهر، [فكيف يصح قولكم إن الاستباحة الماضية لا يجوز رفعها. 23372 - قلنا: أما إذا قال قبل قدوم فلان بشهر] فإنما يقع بعد قدومه 23373 - قوله: قبل رمضان بشهر، الطلاق لا يقع في زمان متقدم، ولكن هذا رجل طلق امرأته [في أول شعبان]، وهو زمان متأخر عن اليمين. وأما قوله: قبل موت فلان بشهر فقد علق الطلاق بوجود زمان يوصف أنه قبل موته بشهر، وهذا الزمان بعد اليمين فكيف يلزم على مسألتنا، ووزان مسألتنا أن يقول لها عند موته: أنت طالق منذ شهر. فيقع في الحال. 23374 - فإن قيل: أليس لا يقع الطلاق [حتى يوجد الموت. قلنا: الموت ليس بشرط الطلاق] لكن هو الذي يحصل حقه الشهر المعلق به الطلاق، لأن ذلك الشهر مجهول، وإنما يتعين بالموت فإذا وجد الموت استحق الشهر الصفة، فوقع الطلاق من أوله، ولما كان رمضان معلوم الوقت لم ينتظر فأوقعنا الطلاق في أول رمضان.

مسألة 1130 الفراق والسراح كنايتانا

مسألة 1130 الفراق والسراح كنايتان 23375 - قال أصحابنا: الفراق، والسراح كنايتان لا يقع الطلاق بهما إلا بنية أو بدلالة حال 23376 - وقال الشافعي في الجديد: هما صريحا الطلاق لا يفتقران إلى نية. 23377 - لنا: أن الصريح: ما اختص في الاستعمال والعرف بما حصل صريحًا له لا يستعمل فيه وفي غيره على وجه واحد، كإطلاق أنه يختص بالزوجات. تقول: طلقت زوجتي، وأطلقت أسيري. 23378 - والسراح: يستعمل في الزوجة، وغيرها على وجه واحد. يقول:

سرحت أبلي، وزوجتي، وفارقت زوجتي، وفارقت صديقي، وفارقت بلدي، فصار كقوله: بِنتِ وحَرمتِ لما استعمل في الزوجة، وغيرها على وجه واحد، لم يكن صريحًا. 23379 - فإن قيل: يقال: فلان طلق الدنيا. فيستعمل لفظ الطلاق على وجه غير الزوجية، كما يستعمل فيها. 23380 - قلنا: هذا غلط، لأنه إذا قال: طلقت فهم من ظاهره طلاق للنساء، ولا يفهم طلاق الدنيا إلا بتقيد، فإذا قال: فارقت، أو سرحت. لم يختص ذلك بالنساء حتى يضيفه إليهن، كما لا يفهم غير النساء حتى يضيفه فيقول: سرحت إبلي. 23381 - ولأنه لفظ إيقاع يصح إرادة الثلاث به، فوجب أن لا يكون صريحًا في الطلاق، كقوله: أنت بائن. 23382 - ولا يلزم قوله: طلقي نفسك، لأنها ليس بإيقاع، وإنما هو أمر. 23383 - ولا يلزم قوله: أنت طالق، أو مطلقة، لأنه ليس بصريح عندنا،

ولأن هذا إخبار عن الصفة التي يؤول إليها أمر المطلقة، لأنه إذا طلقها سرحها، وفارقها، فكان من كنايات الطلاق، كقوله: تقنعي، واستتري، لأنه لفظ لا يقع به الطلاق من المكره بغير نية، فلم يكن صريحًا كقوله: أنت بائن. 23384 - احتجوا: بقوله تعالى: (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان). 23385 - قالوا: روى أنس بن مالك قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقيل له: ذكر الله تعالى (الطلاق مرتان) فأين الثالثة، قال: (أو تسريح بإحسان). 23386 - والجواب: أن هذا يدل أن التسريح طلاق وكذلك نقول، إلا أنا نشترط فيه النية، كما يشترطون فيه عدم الإكراه، ووجود القصد لا التلفظ به. 23387 - قالوا: قال الله تعالى: (فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا) [يعني به الطلاق فدل أن السراح طلاق بغير نية. 23388 - قلنا: عندنا يقع الطلاق بالنية أو بدلالة القول، فلما قال (أمتعكن

وأسرحكن)]. لم يحتج إلى النية، لأن ذكر المتعة يصير دلالة حال، فيغنى ع ن النية. 23389 - فإن قيل: لما ذكر الله تعالى: الفرقة بلفظ الطلاق، والفراق بلفظ التصريح والمفارقة بقوله (أو تسريح بإحسان) وقوله (وأسرحكن) وقوله: (فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف). دل إلى أن الجميع صريح. 23390 - قلنا: ليس المراد بهذا إيقاع الفرقة بهذه الألفاظ، وإنما هو ذكر المفارقة والتسريح، وإن وقع ذلك بلفظ الطلاق، كما يقول الرجل: فارق امرأتك. ليس معناه قل لها: فارقتك بل طلقها، يبين ذلك: أنه قال (الطلاق مرتان) ثم قال (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسن) ثم قال (فإن طلقها) ولو كان التسريح إيقاعًا لكان في الآية أربع تطليقات، فعلم أن المراد بالإمساك المراجعة [والمراد بالتسريح ترك المراجعة] حتى تنقضي) العدة. 23391 - قالوا: لفظ ورد به القرآن، والمقصود منه الفرقة بين الأزواج، فكان صريحًا فيها. أصله: لفظ الطلاق. 23392 - قلنا: لا نسلم [أن القرآن]، ورد بهذا اللفظ [في] إيقاع الفرقة به، وإنما ورد بألفاظ الطلاق، [أو ترك] المراجعة، ولو سلمنا ذلك فالقرآن يرد بالصريح، والحقيقة، والمجاز، لأنه بلغة العرب، والتفاضل في

الفصاحة إنما يكون بالعدول عن الحقائق، فلم يستدل بورود القرآن على أنه صريح، أو كناية. 23393 - والمعنى في الطلاق أنه يختص بالزوجات في الاستعمال، وليس كذلك السراح، والفراق لأنه يستعمل فيهن وفي غيرهن على وجه واحد. 23394 - قالوا: إزالة ملك بنى على التغليب، فوجب أن لا يقف صريحه على لفظة واحدة، كالعتق. 23395 - قلنا: هذا تحجر على أهل اللغة وإلزامهم أن يسوى بين مشكلات المعاني في الاتساع، والوضع. وإذا وضعوا لبعضها/ أسماء وضعوا للباقي مثلها، ونحن نعلم أن الخمر كثرت أسمائها، ولم يضعوا للخل إلا اسمًا واحدًا، ولم يجز أن يحجر عليهم. 23396 - فإن قيل: لسنا نتكلم في اللغة لكن في الحكم، وهو افتقار هذا اللفظ على النقل، ووقوفه على غير النية. 23397 - قلنا: اعتبار النية، وسقوطها حكم من الأحكام، إلا أنكم جعلتموها تابع للتسمية، والتسمية لا يجوز القياس فيها. ولأن العتق: إزالة ملك عن الرق، والأسباب التي يملك بها الرق كثيرة، فجاز أن يكون إزالته لا تخصيص بصريح واحد، وأما الطلاق: فهو إزالة ملك عن الاستباحة وذلك لا يملك إلا بسبب واحد، وهو النكاح، فجاز أن يختص إزالة الملك فيه بصريح واحد.

23398 - قالوا: هذه اللفظة لا تفتقر إلى النية حال الغضب فلم تفتقر إلى النية في حال الرضى، كقوله: أنت طالق. 23399 - قلنا: الوصف غير مسلم، لأنها تفتقر في حال الغضب [إلى النية ليقع الطلاق فيما بينه وبين الله تعالى. وفي حال الرضى يفتقر إلى النية ودلالة غير النية والغضب] دلالة فلا يفتقر مع وجودها إلى النية، كما لو وجد في حال الرضى مع مذاكرة الطلاق، أو بدل العوض، لم يحتج عندنا مع ذلك إلى النية. 23400 - قالوا: الكناية لا تختص بلفظ واحد، كذلك الصريح. 23401 - قلنا: الكناية: عدول عن الوضع، وتوسع فلا تختص. والصريح هو: اللفظ المستعمل في موضوعه وذلك متخصص فلا يعتبر أحدهما بالآخر، ولهذا عندهم الصريح ثلاث ألفاظ والكناية لا يحصرها عدد 23402 - [قالوا: النكاح لا يقف صريحًا على لفظ واحد. كذلك الطلاق. 23403 - [قلنا: يفتقر الحجر] على أهل اللغة. وقد قال الشافعي إن الصلح يختص بلفظ واحد، وفسخه ورفضه لا يقف على لفظ واحد. 23404 - قالوا: اعتبار الاستعمال في الصريح لا يصح، لأن الواجب اعتبار استعمال القرآن. 23405 - قلنا: قد ثبت أن الصريح ما ثبت في الاستعمال، ولم يثبت أن القرآن اختص حتى يعتبر استعماله. على أنا قلنا: إن هذا اللفظ لا يستعمل في القرآن. (والطلاق) إنما يستعمل في المفارقة بترك المراجعة، أو بانضمام قرينة إليه [وهي تقع للمتعة].

مسألة 1131 اعتبار دلالة الحال في وقوع الطلاق بالكنايات

مسألة 1131 اعتبار دلالة الحال في وقوع الطلاق بالكنايات 23406 - [قال أصحابنا]: ألفاظ الكنايات إذا انضمت إليها دلالة الحال في ذكر الطلاق، أو الغضب وفي الألفاظ التي لا تصلح للسبب لم تفتقر إلى النية. 23407 - وقال الشافعي: دلال الحال لا تؤثر ولا يقع الطلاق بها إلا بالنية 23408 - لنا: أن دلالة الحال تؤثر في حكم الكلام بدلالة أن اللفظة الواحدة تحمل على المدح تارة وعلى الذم أخرى، لما يقارنها من دلالة الحال، ألا ترى: أنك تقول للمستحق المدح: يا فاضل، فتمدحه بذلك، فإن كانت الحال للذم قلت: يا فاضل. وأنت تريد وصفه بضد ذلك، والصفة واحدة، وقد استعملت في الشيء، ونقيضه لانضمام دلالة الحال إليه. 23409 - ولأن الكلام إذا خرج جوابًا لسؤال فالظاهر أنه محمول على مقتضى

السؤال، بدلالة قوله تعالى: (فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم). 23410 - وتقديره وجدنا ما وعدنا ربنا حقًا. فإذا قالت له: طلقني فقال: أنت بائن [فالظاهر أنه أجابها إلى ما سألت، وقال لها: أنت بائن] بالطلاق. 23411 - فإن قيل: هذا يبطل إذا قالت له: طلقني، فقال: لا سبيل لي عليك. أو قال لها: أخرجي أو اذهبي، أنه لا يحمل على الطلاق إلا بنية ولا يجعل جوابًا. 23412 - قلنا: قوله: لا سبيل لي عليك: يحتمل لا سبيل لي بالطلاق، وقوله: اذهبي، واخرجي يحتمل الأبعاد، وقد يقصد الزوج إبعادها إذا طلبت الطلاق، فلذلك لم نحمله على الطلاق وقوله: أنت بائن في جواب مسألة الطلاق، ولا يحتمل إلا البينونة بما سألت، فنكمله على ذلك، ولأن الكلام ظاهر لمعنى يعود إلى صيغته، ولفظه، والمعنى يعود إلى دلالة الحال، فإذا جاز أن يقع الطلاق بوجود أحد الظاهرين من غير نية، جاز أن يقع لأجل الظاهر الآخر. 23413 - ولأن دلالة الحال تؤثر في حكم الأفعال، ويستباح بها الدماء ألا ترى: أن من قصد رجلًا بالسيف والحال يدل على اللعب، والمزح، لم يجز له قتله، [فإن دلت الحال على الجد جاز له قتله]، ولو هجم رجل على دار غيره، وظاهره الصلاح لم) يجز له أن يقتله. ولو كان داعرًا جاز له. أن يقتله، فيدفعه عن حريمه فإذا أثرت دلالة الحال في الأفعال وأباحت القتل، فلأن تؤثر في ألفاظ الطلاق أولى.

23414 - احتجوا: بما روى: أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته البتة فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له طلقت امرأتي البتة- فقال: ما أردت بها، فقال: والله ما أردت إلا واحدة فردها عليه. 23415 - قالوا: فرجع إلى نيته ولم يسأله عن دلالة الحال. 23416 - قلنا: إنما [لم يعتبر نيته، لأنه] قال: [إنى طلقت]، وإنما اعتبر نيته في العدد، ومن نوى الطلاق، لم تعتبر دلالة الحال [مع نيته]، فلم يكن في الخبر دلالة. 23417 - قالوا كناية لم تقترن بها نية الطلاق، فلم تكون طلاقًا، كما لو عرت عن دلالة الحال. 23418 - [قلنا: إذا تعرت عن النية، والدلالة، واللفظ يحتمل، لم يجز حمله على أحد] محتمليه بغير دلالة، فإذا قارن اللفظ دلالة الحال كان الظاهر من جهتي الاحتمال ما دل الحال عليه، فصار ذلك لمقارنة النية.

23419 - فإن قيل: هذا يبطل بمن قالت امرأته: قد تزوجت عليّ. فقال: كل امرأة لي طالق فإن المخاطبة تطلق مع نسائه، ودلالة الحال لا تقتضي ذلك، لأن ظاهر الفعل أنه يرضيها بطلاق نسائه، فكان يجب أن لا تدخل في الطلاق، ثم طلقت باتفاقنا فدل على بطلان اعتبار دلالة الحال. 23420 - قلنا: [هذا غلط، لأنا أجمعنا أن اللفظ المحتمل للطلاق وغيره يحمل على الطلاق، بدلالة تصرفه عن أحد محمليه إلى الآخر، واتفقنا على أن النية دلالة ودللنا على أن دلالة الحال] تؤثر فيجب أن يتشاغل بإبطال دلالة الحال، فتبين أنها لا تؤثر في تعيين أحد الاحتمالين، وإنما فيها نقول لمخالفنا: إنك لم تعتبر دلالة الحال في مسألة بعينها، أو مسأئل، فليس باعتراض، لأن دلالة الحال إن صح اعتبارها فقط غلط مخالفه في تركها في مسألة الإلزام، وليس ذلك بعذر له في أن يقتدى به في الخطأ، وإن لم يصح فيجب أن يبين الوجه الذي يطلب على أن قوله: كل امرأة لي طالق عموم، وظاهر العموم الاستغراق [فلا ينزل ظاهر اللفظ بدلالة الحال. 23421 - وفي مسألتنا ليس للفظ ظاهر، بل احتماله للجهتين على وجه واحد، فيجوز أن يقوي أحد جهتي الاحتمال بدلالة الحال. 23422 - فإن قيل: قد قلتم فيمن قال لامرأته، وقد عزمت على الخروج: إن خرجت فأنت طالق. أن يمينه على ذلك الخروج الذي تأهبت له، فإن خرجت في وقت آخر لم يحنث. 23423 - وقلتم: إذا قال لرجل: تغدى عندي. قال: إن تغديت عندك فامرأتي طالق، يمينه على الغداء عنده. 23424 - قلنا: لأنه لا عموم لهذا اللفظ، ألا ترى أن قوله: إن خرجت يقتضي

خروجًا واحدًا يقع به الحنث وقوله: إن تغديت يقتضي غداء واحدًا يقع به الحنث فيخصص ذلك الواحد المنكر بدلالة الحال. 23425 - قال مخالفنا: قد أجمعنا على أن اللفظ الخارج على سبب يعتبر عموم اللفظ ولا يختص بالسبب. 23426 - قلنا: لأن المراد باللفظ البيان. فإذا دلت الدلالة على اللفظ بالعموم صار هذا اللفظ الاستغراق، ويصرف اللفظ عن ظاهره بدلالة الحال. 23427 - قالوا: كناية عريت عن نية، فصار كقوله: اعتدى، واستبرئي رحمك. 23428 - قلنا: هذا الأصل غير مسلم. لأنه إذا قال: اعتدي، لم يصدق في حال الغضب ولا عند ذكر الطلاق، وكذلك إذا قال لها: استبرئي رحمك. 23429 - قالوا: مالا يكون طلاقًا حال الرضى لا يكون طلاقًا حال (الغضب)، وذكر الطلاق، كقوله: أنت واحدة. 23430 - قلنا: لا نسلم الأصل لأنه إذا قال: أنت واحدة. في حال ذكر الطلاق كانت طالقًا، لأنه يعتبر كقوله: أنت طالق واحدة. 23431 - قالوا: كناية لا يقع بها طلاق، بذكرها في حال الغضب، وذكر الطلاق كقوله: الحقي بأهلك. 23432 - قلنا: قوله الحقي بأهلك يحتمل الطلاق، والإبعاد، والإنسان يبعد المرأة إذا غضب وإذا طالبته بالطلاق، فلم يجز على الطلاق، وليس

كذلك اختاري وأمرك بيدك، لأنه لا يصلح للسب ولا للإبعاد فلا نحمله في حال الغضب وذكر الطلاق إلا على الطلاق. 23433 - قالوا: قال الشافعي: الكلام إذا خرج على سبب تعلق الحكم به، وعمل بمقتضاه، ولم يراع حكم السبب بدلالة من قال: أنت الفاضلة التي يعين من يطلقك. ثم قال لها: أنت طالق. 23434 - قلنا: هنا ذكر الصريح الذي لاحتمال فيه، فدلالة الحال لا تعمل فيه كما لا تعمل في النية، وليس كذلك ألفاظ/ الكنايات، لأنها محتملة فجاز أن تعمل فيها الدلالة، كما تعمل فيها النية.

مسألة 1132 ما يقع بكنايات الطلاق

مسألة 1132 ما يقع بكنايات الطلاق 23435 - قال أصحابنا: كنايات الطلاق إذا نوى بها الطلاق كانت بوائن، إلا قوله: اعتدي، واستبرئي رحمك، وأنت واحدة. 23436 - وقال الشافعي: الكنايات كلها طلاق رجعي، إلا أن يريد بها ثلاثًا. 23437 - لنا: أن البينونة تفيد القطع. ومنه قوله - عليه السلام -: (ما أبين من حي، فهو ميت) فإذا اقتضى اللفظ القطع ووقع به وجب أن يقع مقتضاه، كقوله: أنت طالق ثلاثًا. 23438 - فإن قيل: قوله: أنت طالق يفيد طلاقها عن حبسه، وذلك لا يكون إلا بالبينونة، ثم يقع به الطلاق الرجعي. وقوله: اعتدى يفيد وجوب العدة، ويقع

الطلاق به قبل الدخول، وإن لم يكن هناك عدة 23439 - قلنا: قوله: أنت طالق مقتضاه في الشرع، منقول عن مقتضى اللغة باتفاق. ومقتضى قوله: أنت بائن غير منقول، أن الشرع لم يؤثر في إباحته، فينقله عن مقتضاه. وأما قوله: اعتدي فهو مدلول الطلاق، فمعناه اعتدي، لأني طلقتك، فقدم المدة التي ذكرها لا يمنع وقوع الطلاق. 23440 - ولأنها إحدى نوعي البينونة، فجاز أن يقع بمقتضي قوله: أنت بائن في المدخول بها، كالثلاث، ولأن البينونة من غير عدد في ملك الزوج بدلالة أنه يأخذ العوض عنها، وما كان في ملكه يجوز أن يقع بمجرد قوله كالثلاثة. 23441 - ولأن هذا الفظ إيقاع الطلاق بلفظ الكنايات دلالة على أن مقتضاه البينونة، ولا يلزم أنت واحدة واعتدي، أنه لا يكره إيقاع الطلاق به عندنا. 23442 - ولأنه طلاق يوجب تحريم الوطء، فيوجب البينونة كالثلاث ولأنه طلاق لو حصل بعد الخلوة [لم تثبت]، كالطلاق بعوض، والطلاق الثلاث،

23443 - ولأنه إذا قال: أنت طالق بائن فقد وصف الطلاق بصفة يصح أن يوصف بها. لأن التطليقة تصير بائنة بانقضاء العدة، وبأخذ العوض عنها، فلم يجز أن يقع الطلاق، ويلغي الصفة، كمالو قال: أنت طالق رأس الشهر، أو إذا دخلت الدار ولأن له أن (يقطع) ملكه عنها بالواحدة معجلًا بالجعل ومؤجلًا بغير جعل، فملك أن يقع ملكه معجلًا من غير جعل بالمعنى الذي يقطعه به بالجعل، كالثالث. 23444 - فإن قيل: المعنى في الثلاث، أنها توقع البينونة، وإن كانت بلفظ الصريح [كذلك إذا كانت بلفظ الكناية. والواحدة لو كانت بلفظ الصريح] لم بينها، كذلك بلفظ الكناية. 23445 - قلنا: ليس إذا لم تبن الواحدة بالصريح، لم تبن بمعنى ينضم إليها، بدلالة أنها تبينها إذا انضم إلى اللفظ العوض، فإذا انضم إلى قوله: أنت طالق صفة البينونة قامت مقام ذكر العوض في: إيقاع الثلاث. 23446 - احتجوا: بقوله تعالى: (الطلق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسن). 23447 - قلنا: الآية تقتضي ثبوت الرجعة في إيقاع الطلاق للمطلق، ومتى قال: أنت طالق بائنة، أو بتة، فقد زال الإطلاق فاللفظ لا يتناوله. 23448 - احتجوا بحديث ركانة: أنه طلق امرأته البتة، وجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: طلقت زوجتي البتة، والله ما أردت إلا واحدة، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: والله ما أردت إلا واحدة؟ فقال: والله ما أردت إلا واحدة. فردها عليه. 23449 - الجواب: أن هذا الخبر رواه الشافعي قال: أخبرني عمي محمد بن

علي بن شافع عن عبد الله بن علي بن السائب، عن نافع بن عجير بن عبد يزيد أن ركانة طلق امرأته سهيمة البتة. وهذا حديث مقطوع لأن نافع بن عجير لم يدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا رواه عن ركانة، ومثل هذا لو احتج به علي الشافعي لم يقبله، ومن وصل هذا الخبر روى فيه عن عبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة عن أبيه، عن جده، ولم يذكر في الخبر أنه ردها عليه، وإنما فيه لما حلف أنه لم يرد إلا واحدة قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فهو على ما أردت، والمتصل لا حجة فيه، والمنقطع لا يصح على أصله 23450 - ولأن قوله: (ردها عليه). يحتمل بنكاح جديد، بدلالة أنه أضاف الرد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والرد، الذي هو الرجعة، يضاف إلى الزوج. فلما أضاف ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان الظاهر أنه ردها بنكاح آخر.

23451 - فإن قالوا: هذا يقتضي إضمار العقد، ومن استعمل اللفظ بغير إضمار أولى. 23452 - قلنا: وما يقولونه ينفي إضمار الرجعة لأن فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، ليس برجعة، فالمعنى الذي وقع به الرد غير مذكور بالاتفاق. 23453 - قالوا: الرد صريح في الرجعة. قال الله تعالى: (وبعولتهن أحق بردهن) وهو كناية في العقد. وحمل اللفظ على الصريح أولى. 23454 - قلنا: الرد كناية فيهما جميعًا، وليس إذا ذكر الله تعالى الرد في الرجعة ما يدل أنه صريح، لأنه تعالى يذكر الصحيح والكناية. 23455 - ولأنه لم يرد الرجعة بهذا اللفظ [وإنما أراد ردها بالرجعة] كما يقال: رد فلان إلى مودتك يعني افعل ما يقع به الرد، وليس معناه [أنه يأتي] بلفظ الرد. 23456 - قالوا: الرد يحتاج إلى حضور الولي، والشهود. 23457 - قلنا: النبي - صلى الله عليه وسلم - كان الولي، وقد أضيف الرد إليه، والشهود يحتاج إلى حضورهم في الرجعة عندهم. ولم ينقل حضورهم، ولا نقل تلفظ ركانة بالرجعة. 23458 - قالوا: روى أن المطلب بن حنطب قال: طلقت زوجتي البتة، فقال له عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أمسك عليك زوجك فإن الواحدة [لا تبت]. 23459 - قلنا: روى عن علي وزيد أنهما قالا في البتة: طلاقًا ثلاثًا. 23460 - وعن ابن مسعود وابن عباس أنهما قالا في مدة الإيلاء إذا انقضت وقعت

واحدة بائنة. وعن أبي موسى الأشعري أنه قال فيمن قال لامرأته: ما فوق نطاقك محرم أنها بأئنة. وذكر الطحاوي حديث سفيان عن عمرو بن دينار عن المطلب بن حنطب عن عمر - رضي الله عنه - في البتة: واحدة فقد اختلفت الرواية عن عمر - رضي الله عنه -، واتفقت عن غيره. 23461 - قالوا: طلاق مجرد عن عوض صادف عدة قبل استيفاء العدد، فوجب أن يكون رجعيًا كما لو وقع بالصريح وربما قالوا: طلاق في غير مدخول بها. 23462 - قلنا: العوض إنما يجعل الطلاق بائنًا، لأنها لا تعطى العوض إلا في مقابلة ملكها لنفسها، وصريح البينونة بإزالة الملك دل على ذلك. 23463 - وقولهم: من غير عدد لا معنى له. لان العدد يوقع البينونة العظمى، وزوال الملك لا بدلالة انقضاء العدة، والمعنى في الطلاق أنه أبيح إيقاع الفرقة به فلم يفد البينونة لنفسه، فلما منع من إيقاع الطلاق بلفظ الكناية دل على أنها تزيل الملك، أو نقول: إن الطلاق مقتضاه إزالة اليد، وذلك لا ينافي الأملاك، فلم يزل به الملك، والبتة تفيد القطع، وذلك لا يجتمع مع الملك، فوقع في كل واحد من اللفظ من مقتضاه. 23464 - قالوا: تبطل بقوله: أنت واحدة. فإن مقتضاه الانفراد عن النكاح،

وهذا معنى البينونة. وزوال الملك، وقد قلتم: إنه يقع رجعيًا. 23465 - قلنا: هذه اللفظة تحتمل أنت واحدة: بمعنى مفردة عن الأزواج وتحتمل: أنت طالق واحدة، فيوقع المتيقن من الأمرين. 23466 - قالوا: الصريح الأصل، والكناية فرع عليه، ولهذا لا يقع الطلاق بها إلا بقرينة، فإذا كان الصريح يقع به الرجعى، فالكناية أولى. 23467 - قلنا: الكناية من غير نية أضعف من الصريح، فإذا انضمت النية إليها صارت أقوى من الصريح، لأن البينونة في لفظها، وليست هي لفظ الصريح، والنية إنما يحتاج إليها لتمييز اللفظ فيحمل على الطلاق دون غيره، وإذا تميز لم يحتج في الوقوع إلى النية. يبين ذلك: أن قوله: أنت طالق يفتقر عند مخالفينا إلى النية ليقع به الثلاث. 23468 - ثم لا يدل ذلك على أنه إذا وقع به الثلاث كان كمطلق طلاق الذي لا يحتاج إلى النية، ثم قولهم: الصريح هو الأصل، والكناية فرع لا نسلمه، لأن قوله: أنت بائن كناية عن قوله: أنت طالق بائن، وليس بكناية عن أنت طالق، فعلى هذا: الكناية لا تكون أقوى مما هي كناية عنه. 23469 - قالوا: لو صرح بنفي الرجعة، فقال: أنت طالق على أن لا رجعة لي عليك ثبتت الرجعة. فإذا لم يصرح بنفيها أولى أن تثبت. 23470 - قلنا: هذه المسألة ليست منصوصة، وكان أبو بكر الرازي يقول: إن كان جعل نفي الرجعة صفة للطلاق، فهو بائن مثل مسألتنا، وإن أراد به نفي موجب/ الطلاق لم يكن بائنا. لأنه لا يصح النفي.

23471 - ومن أصحابنا من قال: إذا قال أنت طالق على أن لا رجعة لي عليك. [فهو بائن، لأنه جعل نفي الرجعة شرطًا في الطلاق الموقع، وإن قال: أنت طالق ولا رجعة لي عليك] فهذا إنما أتى بسقوط الرجعة ولم يجعل بينها شرطًا فلا يتعلق بقوله حكم. 23472 - قالوا: كل طلاق لو وقع بصريح اللفظ كان رجعيًا، فكذلك الكناية تقع مع النية كقوله: اعتدي، واستبرئي رحمك، وأنت واحدة 23473 - قلنا: أصل هذه العلة قد دخل في جملة وصفها، وأصل العلة يجب أن يكون في غير وصفها، العنى في قوله: اعتدي واستبرئي رحمك: أنه ليس في لفظه [ما يختص بإزالة النكاح لأنه تكون العدة في الطلاق الرجعي والبائن، وفي مسألتنا لفظه] اقتضى زوال النكاح لأن البينونة لا تجتمع معه. وقوله: أنت واحدة يحتمل أن يكون صفة لصريح الطلاق، ومقتضاه أنت طالق [واحدة فلم] يختص اللفظ بإزالة الملك، فلذلك كان رجعيًا. 23474 - قالوا: كل من وقع طلاقه عليها لم يكن بائنًا، كالزوجة. 23475 - قلنا البينونة إذا كانت توجد مع بقاء ملكه في التطليقات لم يمتنع أن يقع طلاقه فيزيل ملكه عما بقي، إنما البينونة التي تمنع التصرف هي التي لا تبقى معها ملك في الطلاق، فلا يصح التصرف في الطلاق بعدها. 23476 - قالوا: إن الله تعالى حرم المطلقة ثلاثًا إلا بعد أن تزوج، فلو قال لها: أنت طالق واحدة لا تحلين لي إلا بعد زوج بطل شرطه، كذلك إذا قال: أنت

طالق بائن بطل شرطه. 23477 - قلنا: المطلقة الواحدة، البينونة من صفاتها، بدلالة أنها تكون بائنة بشرط العوض وانقضاء العدة، فإذا وصفها بصفة يجوز أن تنصف بها تعلق بوصفه حكم، وليس كذلك التحريم إلا بعد زوج، لأن المطلقة الواحدة لا توصف بهذه الصفة بوجه، فإذا وصفها بما تتصف به لم يتعلق بوصفه حكم. 23478 - قالوا: طلاق المدخول بها يقتضي الرجعة، كما يقتضي العتق الولاء، ثم ثبت أنه لو أعتقه بشرط أن لا ولاء له سقط الشرط، كذلك هنا يسقط شرط البينونة. 23479 - قلنا: لا نسلم أن الرجعة توجب الطلاق البائن، وإنما توجب الطلاق المطلق، وخلافنا في الطلاق الموصوف بالبينونة. ثم العتق لو حصل ببدل لم ينف الولاء عنه، كذلك الشرك لأنه نفي، وليس كذلك الرجعة، لأنها تنتفي بشرط العوض، فجاز أن تنتفي بوصف الطلاق بصفة البينونة، لأن صريح الصفة أدل من شرط العوض. 23480 - قالوا: كل تحريم تعلق بالثلاث لم يتعلق بالواحدة، كتحريم نكاحها إلا بعد زوج. 23481 - قلنا: يبطل بتحريم الوطء على أصلهم، فإنه يتعلق بالواحدة وبالثلاث جميعًا، والمعنى في تحريم العقد أنه لا يثبت مع شرط البينونة وتحريم الرجعة بخلاف ذلك.

مسألة 1133 إذا قال أنت بائن ونوى تطليقتين

مسألة 1133 إذا قال أنت بائن ونوى تطليقتين 23482 - قال أصحابنا [إلا زفر]: إذا قال: أنت بائن، ونوى تطليقتين، كانت تطليقة واحدة. 23483 - وقال الشافعي: يكون كما نوى. 23484 - لنا: أن بائن وصف لها بالبينونة، والوصف لا يتضمن العدد كقوله: أنت قائمة، أو آكلة. فإذا نوى واحدة فقد نوى أدنى البينونتين، فإذا نوى الثلاث، فقد نوى أعلى البينونتين، فيقع ذلك، فإذا نوى اثنتين، فلم ينو البينونة الكبرى، فلم يبق إلا البينونة الصغرى وهي لا تستتبع أكثر من طلقة، فوقع ذلك دون مالا تفتقر البينونة الصغرى إليه، فصار كمن قال: لله علي صلاة ينوي الصوم لم يلزمه، لأن الصلاة [لا تتضمن] الصوم، ولا هو من توابعها. 23485 - فإن قيل: الموقع لم ينو البينونة، [وإنما نوى عددًا واعتداده، فوقوع البينونة لا معنى له.

23486 - قلنا: قد أوقع البينونة]، ونوى عددًا، واللفظ لا يقتضي العدد، فنحن نوقع البينونة التي أوقعها، ونتبعها ما تفتقر إليه تلك البينونة من العدد. 23487 - فإن قيل: العدد يقع أولًا ثم تتبعه البينونة، فأما أن تقع البينونة ويتبعها العدد فلا، لأن البينونة من أحكام العدد. 23488 - قلنا: لسنا نقول: إن البينونة تسبق العدد ولكنا نقول: إنه إذا أوقع بينونة، فإذا أراد الثلاث، والبينونة العليا تفتقر إليها أضمرنا العدد في اللفظ، فكأنه قال: أنت بائن بالثلاث. وإن لم ينو الثلاث أضمرنا ما تفتقر إليه البينونة الصغرى، فكأنه قال: أنت بائن واحدة والثانية لا يفتقر إليها (فوقع البينونة) في الحرة، فلم يضمرها، فإن لزم على هذا إذا طلق واحدة، ثم قال لها: أنت بائن ينوى اثنتين 23489 - قلنا: البينونة الكبرى فيما تقع باثنتين وبواحدة التي تقدمت والبتة لا تتعلق بما تقدم من الطلاق، فلو علقناها باثنتين، يقع بهما بينونة كبرى، فلم يبق إلا أن تضمر ما تفتقر إليه البينونة الصغرى. 23490 - ويدل عليه أن مالا يقع به الطلاق لفظ البينونة بإجماع لا يقع وإن نوى، كالظهار. ولا يلزم الثلاث لأن عليًا وزيدًا قالا تقع بإطلاق قوله: أنت بائن، ولأن التطليقة الثانية لا يحتاج إليها في تحريم العقد، ولا في تحريم البضع فلم يقع بقوله: أنت بائن، إن نواها كالظهار. 23491 - احتجوا: بأن كل من ملك إيقاع الطلقتين بصريح اللفظ ملك إيقاعها دفعه بالكناية مع النية. 23492 - الجواب: أنه إن أردتم أنه ملك إيقاع تطليقتين بالصريح الذي هو لفظة

واحدة، لم نسلم ذلك، لأنه لو قال: أنت طالق. ينوي اثنتين (كانت واحدة) وإن أردتم أنه يملك بلفظي صريح مثل قوله: أنت طالق، وأنت طالق، فكذلك يملك عندنا بلفظي كناية مثل أن يقول: استبرئي رحمك، واعتدي. وأصلهما العبد، وهو غير مسلم إذا كانت تحته حرة، وإنما نسلم ذلك إذا كانت تحته أمة، والمعنى فيه أنها أعلى البينونتين فيها، فوقع ذلك من حيث البينونة، وفي الحرة ليس ذلك البينونة العظمى، ولو وقع لوقع بمجرد النية واللفظ لا يتضمنه، فلم يصح. 23493 - قالوا: كل عدد وقع بصريح اللفظ دفعة صح بالكناية على حرة، كالثلاث. 23191 - قلنا: المعنى في الثلاث: أنه نوع بينونة في الحرة [فوقعت من حيث] توقع البينونة، وهذا لا يوجد في الثانية. 23495 - قالوا: إذا جاز أن يقع بهذا اللفظ الثلاث مما لا بيان في ضمنها، لأنهما بعضها فجاز أن يقعا بها. 23496 - قلنا: يبطل إذا قال: أنت طالق ثلاثًا لو أراد به اثنتين لم يصح، ويقع به الثلاث. ولأننا بينا أن الثلاث يقع فيها المعنى، وهو افتقار البينونة [الكبرى إليها والواحدة تقع وإضمار البينونة] الصغرى إليها وهذا لا يوجد اثنتين.

مسألة 1134 إذا نوى الثلاث بالكنايات الرجعية

مسألة 1134 إذا نوى الثلاث بالكنايات الرجعية 23497 - قال أصحابنا: إذا قال لامرأته: اعتدي، واستبرئي رحمك، وأنت واحدة (ينوي بها الثلاث) فإنه تقع واحدة. 23498 - وقال الشافعي: تقع ثلاثًا في قوله اعتدي واستبرئي. 23499 - قالوا: والصحيح من مذهبه في قوله: أنت واحدة، أنها تكون واحدة. ومنهم من قال: تكون ثلاثًا. 23500 - لنا: أنها كناية يقع بها الطلاق الرجعي أو لفظ يقع به الطلاق الرجعي فلا يقع به الثلاث، وإن نواها، كقوله أنت (واحدة) والدليل على هذا الأصل: أن واحدة تفسير لقوله: أنت طالق، لأنه يصلح أن يقول ذلك ولا يصلح أن يقول [أنت بائن] واحدة [وإذا أراد به الطلاق، أضمرناه فيه] فكأنه قال: أنت

طالق واحدة ينوي ثلاثًا فتكون واحدة ولأن قوله: أنت واحدة صريح في عدد، فلا يقع به عدد آخر، كما لو قال: أنت طالق ثلاثًا ينوي واحدة. 23501 - فإن قيل: يحتمل أن يكون قوله: أنت واحدة: أي منفردة عن النكاح. 23502 - قلنا: هو صريح في عدد الطلاق. وعندهم: أن الصريح في النوع لا يجوز أن يكون كناية في بابه ونوعه. 23503 - احتجوا: بأنها كناية لا تنبئ عن عدد فجاز أن يقع به الثلاث، كقوله: أنت بائن. 23504 - الجواب: أن المعنى فيه أن اللفظ صريح في البينونة، والثلاث البينونة الكبرى، فإذا نوى ما يصلح له من اللفظ وقع، واللفظ في مسألتنا لا يفيد البينونة، فلا تقع مطلقة باتفاق، فلم يجز أن يحمل عليه بالنية كقوله: أنت واحدة.

مسألة 1135 وقوع العتق بصريح الطلاق وكنايته

مسألة 1135 وقوع العتق بصريح الطلاق وكنايته 23505 - قال أصحابنا: إذا قال لأمته أنت طالق، أو بائن، أو حرام ينوي بذلك العتق لم تعتق. 23506 - وقال الشافعي: تعتق. 23507 - لنا: أن الطلاق يفيد إزالة اليد والتخلية تقول: أطلقت أسيري، وأطلقت إبلي، وزوال اليد لا ينافي ملك اليمين، لأن المكاتب قد زالت يد المولى عنه بعقد الكتابة، وإن لم يزل الملك، وإذا لم ينف ذلك ملك اليمين لا تقع به الحرية، كما لو قال لأمته زوجتك ينوي به العتق، أو قال: وهبتك، أو قال: أجرتك وليس هذا كما لو قال لزوجته: أنت حرة ينوي به الطلاق أنها تطلق لأن الحرية تقتضي إسقاط الحقوق يقال أرض حرة إذا لم يكن عليها خراج وإسقاط الحقوق لا يجتمع مع الزوجية، فلما تنافيا جاز أن يقع به الطلاق. 23508 - فإن قيل: العتق لا يقع من حيث (ما يتضمن) اللفظ من إزالة اليد، لكن الطلاق يزيل الملك فتقع الحرية. كذلك.

23509 - قلنا: الطلاق/ لا يزيل الملك إلا بعدد أو عدم العدة، وكل واحد من هذين لا يوجد في العتاق وإنما يوجد اللفظ من غير عدد ولا انقضاء عدة، وذلك لا يزيل الملك باتفاق ولأن صريح الطلاق في الموضع الذي [هو صريح فيه لا يتضمن زوال الملك، فلأن لا يزيل الملك في الموضع الذي] هو كناية أولى. 23510 - ولأن لفظ الطلاق في الزوجات لا يزيل الملك إلا بعدد، أو عدم عدة، وكل واحد من هذين المعنيين لا يوجد في العتاق، لأن الأمة لا عدة عليها، ولا يملك المولى منها عدد الطلاق ومتى لم يتصور المعنى الذي به يزول الملك في موضعه، لم يزل به الملك في الموضع المنقول إليه. 23511 - ولأن الطلاق صريح مختص بالنكاح، فلا يقع به العتاق كالإيلاء، ولأن لفظ وضع لإزالة الملك عن المنافع، فلا يزول به الملك عن الأعيان، كلفظ الإجارة إذا عقد به البيع. 23512 - ولم يلزمنا لفظ العارية إذا حصل في الدراهم كان (قرضًا)؛ لأن لفظ العارية لا يزيل الملك عن العين، وإنما يزول باللفظ والقبض. 23513 - ولأنه لفظ يختص بتحريم البضع فلا يقع به العتاق كالظهار، فإن نازعوا فيه دللنا عليه في الموضع الذي هو صريح لا يزيل الملك، ففي الموضع الذي هو كناية أولى، ولأنه كان طلاقًا في الجاهلية، فنقل بالشرع إلى غير

الطلاق فلا يقع به العتق كالإيلاء، ولأن ملك اليمين لا يستدرك الحق فيه بالرجعة. 23514 - ولأن مالا يصح أن يملك بلفظ النكاح لا يزول الملك فيه بالطلاق كالأعيان، وعكسه ملك البضع. ولأن مالا يصح أن يكون بلفظ النكاح لا يزول الملك في بالطلاق كالأعيان، وعسكه البضع. 23515 - احتجوا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى. 23516 - والجواب: أن هذا الخبر متروك الظاهر لأنه يقتضي أن العمل لا يكون عملًا إلا بالنية، ونحن نعلم أن الأعمال كلها توجد مع فقدها، فاحتمل أن يكون المراد به جواز العمل، واحتمل ثواب العمل، وليس أحدهما بأولى من الآخر. 23517 - فإن قيل: لو كان المراد به الجواز اقتضى أن يقع العتق، [وإن كان المراد به الثواب] اقتضى الوقوع ليستحق به الثواب، لأنه قربة. 23518 - قلنا: عندنا إذا قال لأمته: أنت طالق ينوي به العتاق استحق الثواب، وإن لم يقع معه العتاق لأنه قصد القربة به. 23519 - قالوا: ما صح استعماله [في الطلاق صح] استعماله في العتق، كقوله: لا ملك لي عليك. 23520 - قلنا: يصح أن يقال: ما صح (جاز استعماله في كذا) إلا أن يبين وجود معنى كل واحد من الأمرين فيه، وقد بينا أن الطلاق يزيل الملك في الطلاق، وذلك لا يجتمع مع النكاح، ويجتمع مع ملك اليمين بدلالة المكاتب، فلم يصح استعماله في إزالة ما لا ينافيه، وصح استعماله في إزالة ما ينافيه.

23521 - فأما قوله: لا ملك لي عليك فيصح استعماله في الأمرين، لأن ملك النكاح لا يبقى مع زوال الملك، فلما وجد معناه في إزالة الأمرين، صح أن يستعمل فيهما. 23522 - وقد ادعوا أنا لا نسلم: لا سلطان [لي عليك] ولا سبيل لي عليك، وكل واحد من الأمرين لا يبقى ملك اليمين أيضًا غير مسلم، لأن ذلك لا ينافي ملك اليمين إذا كان المولى لا سلطان له على مكاتبه، ولا سبيل له عليه. 23523 - قالوا: كل لفظ (كان) كناية في الطلاق، كان كناية في العتاق أصله: لا ملك لي عليك. 23524 - قلنا: لا يصح أن يكون اللفظة كناية في الشيء حتى يتضمن معناه، فيجب أن يتلو على أن معنى العتاق يوجد في كنايات الطلاق حتى يصح الجمع، وقد بينا خلاف ذلك. 23525 - ولأن قوله: أنت حرام. يقتضى التحريم المطلق، وذلك لا يجتمع مع النكاح، ويجتمع مع ملك اليمين في أخته من الرضاع. 23526 - فأما قوله: لا ملك لي عليك، يقتضي إزالة الملك، وذلك ينافي كل واحد من الأمرين فيصح أن يكون كناية فيه. 23527 - [قالوا: كل ملك صح] استعمال الإعتاق في إزالته، صح استعمال الطلاق في إزالته، كالزوجة. 23528 - قلنا: ملك الزوجة يستدرك الحق فيه (بالرجعة) بعد الطلاق بخلاف ملك الرقبة فإنه لا يسد الحق فيه بعد العتاق، فلم يجز أن يزول الملك عنه

بلفظ الطلاق. 23529 - قالوا: لفظ وضع لإزالة ملك بني على التغليب، فوجب أن يكون كناية في مثله. أصله: استعمال الحرية في موضع الطلاق. 23530 - قلنا: قد بينا أنه لا يصح أن يقال: إن اللفظ كناية في شيء، حتى يتبين أن فيه معناه، ومعنى الطلاق موجود في الحرية لأنها تفيد إسقاط الحقوق، وذلك لا يجتمع في النكاح، ومعنى العتق لا يوجد في الطلاق، لأن لفظه يقتضي إزالة اليد وذلك موجود في المكاتب، ووضعه التحريم إما في الحال، وإما في الثاني، وذلك لا ينافي ملك اليمين، بدلالة أخته من الرضاع، فلم يصح هذا الكلام. 23531 - فإن قيل: في الطلاق معنى الحرية، وهو زوال جنس الرق. 23532 - قلنا: قد يوجد ذلك في المكاتب، مع بقاء الرق فيه فكيف يكون إطلاق الجنس قربة. 23533 - ولأن لفظ الحرية وضع لإزالة الملك عن الأعيان، وهي أعلى الأملاك، فإذا عبر به عن الطلاق فقد عبر به عن إزالة الملك عن المنافع، وهي أدنى الأملاك وما وضع لإزالة الملك عن الأعلى، يصلح أن يزيل الملك عن الأدنى إذا كان في ملكه، فأما الطلاق، فقد وضع لإزالة الملك عن المنافع، وهي أدنى الملكين، وما وضع لإزالة الملك عن أدنى الامرين لا يزول به عن أعلاهما، كلفظ الإجارة، والعارية إذا عقد بهما البيع. ولا يلزم الإجارة بلفظ البيع، لأن من أصحابنا الخراسانيين من قال: ينعقد، ومن بالعراق يقولون: لا ينعقد. 23534 - وقد احترزنا عنه بقولنا: إذا كان ملكه والمنافع ليست مملوكة، فكذلك لا يزيل الملك عنها بالبيع. وفرق آخر على أصولنا: أن استباحة البضع

يجوز أن يملك بلفظ التمليك عندنا الذي يملك به رقبة الأمة، فلذلك زال الملك عنه بلفظ الحرية، وملك رقبة الأمة (لا يملك) بلفظ النكاح مبدلًا ولا يزل الملك فيه بلفظ الطلاق.

مسألة 1136 إضافة الطلاق إلى الرجل

مسألة 1136 إضافة الطلاق إلى الرجل 23535 - قال أصحابنا: إذا قال لآمرأته: أنا منك طالق، أو قال لها: أمرك بيدك فقالت: طلقتك، أو أنت طالق، لم يقع بذلك بشيء. 23536 - وقال الشافعي: يقع بذلك الطلاق (إذا نوى الطلاق). 23537 - لنا: أن الطلاق لا يصح إضافته إلى الرجل لفظًا، ولا معنى. أما اللفظ فلأنه يقال: امرأة طالق، ولا يقال رجل طالق، ولا مطلق. 23538 - وأما المعنى: فلأن الطلاق عبارة عن إزالة اليد. والمرأة تحت يد الزوج فتوصف أنها مطلقة منه، وليس لها يد عليه فلا يوصف أنه مطلق منها، كما لا يقال والأمير: إنه مطلق من حبس أسيره، [وإذا لم تصح الإضافة لم يقع الطلاق بلفظ لا يقتضيه، وإن انضمت إليه نية. وليس كذلك قوله: أنا منك بائن، أو حرام عليك، لأن هذه إضافة صحيحة في المعنى، لأن البينونة عبارة عن القطع، وحبل الزوجية متصل بينهما، فكل واحد منهما يوصف أنه انقطع من الآخر، والاستباحة موجودة فيهما، فيوصف كل واحد منهما أنه محرم على الآخر. فإذا صحت الإضافة، جاز أن يراد بها الطلاق.

23539 - فإن قيل: الزوج يصح أن يوصف بالطلاق، لأنه محرم عليه بعقد النكاح العقد على أختها وأربع سواها، فإذا طلقها زال [ملك] ذلك عنه، فيوصف بالإطلاق من هذا الوجه. 23540 - قلنا: زوال النكاح إطلاق للزوج في التزويج، إلا أن ذلك ليس بإطلاق منها، والطلاق الذي يقع عليها هو أن يتخصص بها، ولا يد للمرأة في منع الزوج من تزويج أختها، والمرأة مطلقة من الزوج، لأن يده عليها، واليد تمنعها من الأزواج، فيصح أن يضاف إليها الإطلاق منه، يبين ذلك أن من حبس إنسانًا بغير حق ثم أطلقه فقد سقط المأثم عن الحابس. 23541 - ولا يقال: مطلق بمعنى زوال المأثم لأنه لا يد للمحبوس عليه كذلك الزوج لا يوصف بالطلاق منها لزوال الحظر عنه، ولأنه أضاف الطلاق إلى من لا يصح أن يوصف به بحال، فصار كما لو قال الأجنبي: أنا منك طالق. 23542 - فإن قيل: الأجنبي لو أضاف إليه لفظ البينونة، لم يقع به الطلاق، كذلك لفظ الصريح، والزوج لو أضاف إليه لفظ البينونة وقع به الطلاق كذلك الصريح. 23543 - قلنا: الإضافة إلى الأجنبي بلفظ البينونة، والصريح لا يصح، فلا يقع بكل واحد منهما الطلاق والإضافة إلى الزوجة صحيحة بلفظ البينونة والتحريم،

فوقع به الطلاق وهي غير صحيحة بلفظ الطلاق، فلم يقع به شيء ولأن كل من لو أضيف إليه صريح الطلاق من غير نية لم يقع، فإذا أضيف إليه مع النية/ لم يصح كالأجنبي، وعكسه: الزوجة. 23544 - فإن قيل: الطلاق يستعمل في المرأة، فالإضافة إليها لا تحتاج إلى النية، والإضافة إلى الزوج غير مستعملة في العادة فلذلك احتاجت إلى النية. 23545 - قلنا: هذه معارضة في الوصف، والمعارضة إنما تقع في الأصل ولأن اللفظ غير المستعمل هو المانع من وقوع الطلاق به مع النية لأن البينونة تؤثر في اللفظ غير المستعمل إذا كان فيه احتمال. 23546 - فأما أن تؤثر فيما لا يستعمل فلا. ألا ترى أنه لو قال: أحمد الله ينوي الطلاق لم يقع لأنه غير مستعمل فيه، وإن جاز أن يحمده على توفيقه لمفارقتها، ولأن الزوج له عليها حق) بالنكاح يملك استيفاءه، وإسقاطه فإذا أضاف لفظ الإسقاط إلى نفسه لم يتعلق به حكم، كما لو قال صاحب الدين لغريمه: أنا بريء من الدين. 23547 - ولأن الطلاق لفظ وضع لإزالة الملك عن البضع، كما أن الحرية لفظ وضع لإزالة الملك عن الرقبة، والرق وإذا كان إضافة لفظ الحرية إلى المولى إذا

[قال لأمته] أنا منك حر لا تقع به الحرية كذلك لفظ الطلاق إذا أضافه إلى الزوج وهذا أصل سلمه المروزي ومنعه ابن أبي هريرة وهو منع، لأن المولى موصوف بالحرية قبل الإيقاع على وجه واحد فلا تجدد له هذه الصفة حكمًا لم يكن. ولا يقال للعبد على مولاه حق النفقة، فهو بالعتق حر من ذلك الحق، لأن سقوط هذا الحق عن المولى لا يقتضي الحرية بدلالة المكاتب. 23548 - فإن قيل: الحرية إزالة الرق، وليس في جهة المولى رق يزيل لفظ الحرية، والطلاق إزالة النكاح، والنكاح ثابت في جهة الزوج والمرأة فجاز أن يضيف إزالته إلى نفسه. 23549 - قلنا: في جهة الزوج ملك المملوك يثبت في جهتها، كما أن الرق معنى مملوك للمولى فالمالك هو المولى، والرق فيه المملوك العبد، ثم لم يصح إضافة الحرية إلى المالك للرق، كذلك لا يصح إضافة الطلاق إلى المالك في النكاح.

23550 - ولأنه وصف نفسه بما لا يجوز أن يوصف به، فلا يقع به طلاق، كما لو قال: أنا معتد منك أو مستبريء. وهذا الأصل قد اضطربوا فيه فحكوا عن أبي على الطبري أنه لا يقع على المرأة بقوله: أنت معتدة، ولا على الرجل وهذا ليس بصحيح، لأن قوله: أنت معتدة يحتمل لأني طلقتك فهو كقوله: أنت محرمة أو بائنة. 23551 - وقال غيره: يقع إذا قال أنا معتد ويكون معناه: أنا معتد بطلاقك، وهذا لا يصح، لأن أصل ذلك العدة التي هي الاستبراء. 23552 - احتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم -: إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى وقد بينا الجواب عن هذا الخبر. 23553 - قالوا: روى عن عمر، وابن مسعود فيمن قال لامرأته: أمرك بيدك فقالت: أنت طالق ثلاثًا. قال: تقع عليها واحدة، وهو أحق بها. 23554 - قلنا: روي عن ابن عباس أنه قال في هذه القصة أخطأت نواها. لأنها ما قالت قد طلقت نفسي فصارت مسألة خلاف. 23555 - فإن قيل: ليس في قول ابن عباس تصريح بخلافهما.

23556 - قلنا: إن كان الطلاق عنده واقعًا لم تخطئ نواها. 23557 - قالوا: كل لفظ صح استعماله فيه بالطلاق مضافًا إلى الزوجة صح استعماله فيه بالإضافة إلى الزوج كقوله: أنا منك بائن، أو حرام. 23558 - وربما قالوا: أحد الزوجين وقع الطلاق مضافًا بإضافته إليه كالمرأة. 23559 - وربما قالوا: كل من صح استعمال البينونة والحرام في الطلاق بالإضافة إليه كالزوجة. 23560 - قلنا: اعتبار إحدى الإضافتين بالأخرى لا يصح، إلا أن يبين أن معناها موجود فيها على وجه واحد، وقد بينا: أن البينونة والتحريم يضاف إلى كل واحد منهما. والطلاق لا يضاف إلى الزوج لفظًا ولا معنى، فكذلك تعلقت الفرقة بالإضافة الصحيحة، ولم تتعلق بالإضافة التي لا تصح. 23561 - يبين ذلك: أن الإضافة بلفظ البينونة لما استوت فيهما، أستوي شرطهما، فاعتبرت النية في جهة الزوج والمرأة، فلو كانت الإضافة بالطلاق كذلك استوى شرط الإضافتين، فلما كان الطلاق يقع عليها بغير نية وقع متى أضيف إليه الطلاق بغير نية أولى، فدل على خلاف الحكم الإضافتين. 23562 - فإن قيل قولكم: إن الطلاق تختص به المرأة. إن أردتم به حكمًا لم نسلم، لأن حكمه يصح فيها، وإن أردتم استعمالًا في العادة، فهو مسلم، إلا أن ينتقض بلفظ البينونة، والبت والتحريم، فإنه يستعمل في [جهتها، ولا يستعمل في] جهته في العادة، ومع ذلك يقع به الطلاق. 23563 - قلنا: لفظ التحريم والبينونة يستعمل في الرجال، لأنه يقال حرم عليها، كما يقال: حرمت عليه، وبان منها، كما بانت منه. 23564 - ولا يقال: هو طالق منها، وهي طالق منه فثبت ما قلنا.

مسألة 1137 إذا قال لامرأته أنت طالق ينوي ثلاثا

مسألة 1137 إذا قال لامرأته أنت طالق ينوي ثلاثًا 23565 - قال أصحابنا: إذا قال لامرأته أنت طالق ينوي ثلاثًا، [لم يقع إلا واحدة، 23566 - وقال الشافعي: يقع ثلاثًا]. 23567 - لنا: قوله تعالى: (الطلق مرتان فإمساك بمعروف). ولم يفصل بين أن ينوي الثلاث، أو لم ينو، 23568 - وروي أن ابن عمر طلق امرأته في الحيض، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يراجعها، [ثم ليطلقها طاهرًا، أو حاملًا]، ولم يستحلفه أنه لم يرد ثلاثًا، ولو احتمل اللفظ ذلك استحلفه، كما استحلف ركانة في البتة بالله ما أردت إلا واحدة. 23569 - ولأن قوله: أنت طالق، يقتضي طلقة واحدة، بدلالة إجماعهم على أنه إذا لم ينو شيئًا كانت واحدة. 23570 - وزعم الشافعي: أن اللفظ مشترك في تناول الواحدة والثلاث، ولابد لمدعي ذلك من دلالة إما شرعية، وإما لغوية. فأما نحن فقد حملنا اللفظ على ما اتفقنا على تناوله.

23571 - ولأن قوله أنت طالق صريح، والنية لا تسلط على الصريح، فتصرفه من وجه إلى وجه، وإذا سقطت النية، فكأنه أطلق اللفظ ولأنه صريح في الإيقاع، [فإذا نوى به العدد لم يقع كمن قال]: أنت علي كظهر أمي، ونوى ظهارين. 23572 - ولا يلزم إذا قال: أنت الطلاق، لأن هذا ليس بصريح في الإيقاع عندنا. 23573 - ولا يلزم إذا قال: طلقي نفسك، لأنه أمر، وليس بصريح إيقاع ولأن ما لا يقع بإطلاق قوله: أنت طالق، لا يقع به، وبالنية، كالواحدة البائنة ولأن البينونة أقرب إلى صريح الطلاق من الثلاث، لأن الواحدة تصير بائنة بمضي المدة، ولا تصير ثلاثًا أبدًا، فإذا لم تعمل نيته في إيقاع البينونة بهذا اللفظ فلأن لا تقع الثلاث أولى ولأن الثلاث أحد نوعي البينونة، فلا يقع بقوله: أنت طالق وإن نوى كالواحدة البائنة.

23574 - احتجوا بأن قوله: أنت طالق اسم فاعل يقال: طلقت وهي طالق، كما يقال: حاضت فهي حائض، وحملت فهي حامل، وخرج فهو خارج، وضرب فهو ضارب، واسم الفاعل يتضمن العدد، فدل ذلك على أنه يحسن أن يفسره بما شاء من المصادر. فنقول: أنت طالق تطليقة واحدة، وتطليقتين، وثلاث تطليقات، كما يقول: أنت ضارب ضربة، وضربتين، وثلاث ضربات. وما يقال من العدد الذي لا يحصى. ولو كان الاسم لا يحتمل العدد، لم يحسن أن يفسر به. 23575 - قلنا: إذا سلمنا أن طالق اسم فاعل على اختلاف فيه، لم نسلم أنه يتضمن العدد، فإذا قال: أنت طالق مرتين فهذا ظرف زمان فإذا العدد بالمعنى لأن التقدير أنت طالق في زمانين، والفعل الواحد لا يكون في زمانين، فثبت أن التطليقتين من طريق المعنى. فإذا قال: تطليقتين، فهذا مصدر وليس بعدد. 23576 - فإذا قال: ثنتين، احتمل أن يكون ظرف زمان، واحتمل أن يكون صفة المصدر، ويكون تقديره: أنت طالق [تطليقتين ثنتين، فإن قال: ثلاثًا، احتمل أن يكون ظرف زمان، واحتمل أن يكون صفة المصدر فتقديره أنت طالق] ثلاثًا. 23577 - قالوا: لما حسن التفسير بالثلاث في قوله: أنت طالق ثلاثًا. دل على أنه يتضمن العدد.

23578 - قلنا: هذا غلط، لأن قوله (ثلاثًا) ليس بتفسير وإنما هو صفة للمصدر أو ظرف زمان، فكأنه قال: أنت طالق في ثلاثة أزمان وهذا يدل على أن ذلك التفسير إنما يكون بعدد مبهم تقدم. تقول: عندي عشرون، فيحتمل الدراهم، والدنانير، فتقول: درهما يتبين به ذلك المبهم. 23579 - وقوله: أنت طالق ليس بمبهم، وإنما هو كلام مفهوم، فلا معنى للتفسير، ويدل عليه ما قالوا: إن التفسير لا يكون إلا في نكرة ولا يدخل فيه الألف واللام تقول: عشرون رجلًا، ولا تقول عشرون الرجل. 23580 - فلما صح أن تقول: أنت طالق ثلاثًا، وأنت طالق الثلاث، علم أنه ليس بتفسير. 23581 - ويدل عليه أنهم قالوا: التفسير تدخل عليه من، ويكون المعنى في دخولها/ كالمعنى مع عدمها تقول: عشرون درهمًا وعشرون من الدراهم يا حبذا جبل الريان [من جبل]. 23582 - فكأنه قال: يا حبذا جبل الريان جبلًا ومعلوم أنه لو قال: أنت طالق من الثلاث لم يفد ذلك ما يفيده قوله: أنت طالق ثلاثًا. فعلم أن ذلك ليس بتفسير. 23583 - قالوا: لو قال لامرأته: أنت طالق ثلاثًا، وقعت ثلاث تطليقات، ولا يجوز أن يقع بقوله: أنت طالق، لأنه لا يجوز أن يقع عليها الطلاق بلفظ بعد لفظ. ألا ترى: أنه لو قال لها: أنت طالق وطالق، وقعت الأولى ولم تقع الثانية. 23584 - قلنا: إذا قال: أنت طالق ثلاثًا وقع بهذه الجملة الثلاث وليس إذا دل

اللفظ على الثلاث بانضمام لفظ آخر إليه يدل على أنه يتضمنه. 23585 - ألا ترى: أن قولنا: عشرة إلا واحدًا يفيد تسعة لانضمام الاستثناء إليه. 23586 - ولا يدل ذلك على أن اللفظ يتضمنه قبل القرينة. فأما غير المدخول بها، فإنما وقع عليها الثلاث بقوله: أنت طالق ثلاثًا، لأنها جملة واحدة تنعقد لفائدة بجميعها، فلا يتعلق ببعضها، فإذا كان ذلك وقع الوقوع على تمام الكلام، ولم يقع ببعضه دون بعض وليس كذلك قوله أنت طالق، وطالق لأنهما جملتان كل واحدة منهما مفيدة، فتقع الأولى قبل الثانية. 23587 - ولهذا قال أصحابنا: فيمن أراد أن يقول: أنت طالق ثلاثًا، فلما قال: طالق مات قبل ذكر الثلاث لم يقع عليها شيء لأن الوقوع يكون عند تمام الجملة. 23588 - قالوا: كل لفظ لو أضافه إلى الزوجة ملكت إيقاع الثلاث بها، [وجب أن يملك هو إيقاع الثلاث بها] كقوله: أنت بائن، وأبيني نفسك. 23589 - قلنا: هذا يبطل بلفظ الخيار، لأنه إذا قال لها: اختاري ينوي ثلاثًا ملكت إيقاع الثلاث بهذا اللفظ عندهم، ولو أوقع الزوج عليها بقولها: اخترت لم يقع ولأنه إذا (فوض) إليها فقد أمرها، والأمر يحتمل العدد فإذا أوقع

فقد وصف والوصف لا يتضمن العدد على ما بينا، والمعنى في قوله: أنت بائن. أنه إيقاع بينونة وهي على ضربين، فإن نوى الثلاث فقد أراد أحد النوعين، فيحمل على ذلك، فأما أن يقع من حيث العدد فلا. 23590 - ولأن قوله: أنت باين كناية، والكنايات تتسلط النية عليها فتصرفها من وجه إلى وجه، لأن أصل وقوعها يقف على النية، فكذلك كيفية الوقوع وأما الصريح، فلا تسلط النية عليه لأن ابتداء وقوعه لا يقف عليها، فلا يتصرف بها من وجه إلى وجه. 23591 - قالوا: كل لفظة صح استعمالها في المطلقة الواحدة، صح استعمالها في الثلاث، كقوله: [أنت خلية وأنت بائن. 23592 - قلنا: الخلية، والبائن لا يصح استعمالهما في الثلاث] عندنا وإنما نستعملها في البينونة العظمى، فتتبع البينونة العدد الذي يفتقر إليه، ويصير ذلك مضمرًا في الإيقاع فكأنه قال: بائن بالثلاث. 23593 - [وقوله: أنت طالق، لا يتضمن بينونة، حتى يصح أن يحصل على الثلاث]. 23594 - قالوا: لو اقترن به ذكر الثلاث وقع به ثلاث تطليقات، فإذا اقترن به نية الثلاث وجب أن يقع به ثلاث تطليقات، كما لو قال: أنت بائن. 23595 - قلنا: لا نسلم أن الثلاث إذا اقترن بها طالق، وقعت الثلاث، كقوله:

أنت طالق، وإنما يقع بجملة الكلام ولأنه ليس إذا أفاد اللفظ معنى بانضمام غيره إليه، أفاده بانضمام النية إليه. 23596 - ألا ترى: أنه لو قال: عشرة إلا واحدًا أفادت تسعة، ولو قال: عشرة ينوي تسعة لم يثبت الاستثناء بنيته، والمعنى في قوله: أنت بائن ما قدمنا. 23597 - قالوا: [لو قال]: أنت طالق للسنة. ونوى به الثلاث وقعت، فلو كان قوله: أنت طالق لا يحتمل إلا تطليقة واحدة، كان قوله: للسنة راجعًا إليها، فكأنه تقع واحدة في وقت السنة. 23598 - قلنا: إذا قال للسنة فهذه الأيام كناية عن أوقات السنة وهي ذات عدد متى أضاف الطلاق وينوي ذو عدد إلى] أوقات ذات عدد، فكأنه أضافه إلى الثلاث، وقال: أنت طالق [ثلاثًا. 23599 - قالوا: لو قال لها: أنت طالق] وأشار بأصابعه الثلاث وقعت ثلاث تطليقات، واقترن النية إليه بقوله: أنت طالق أقوى من الإشارة 23600 - قلنا: هذا غير مسلم، لأن من قال: أنت طالق وأشار بأصابعه لم يقع لا واحدة، وإنما يقع الثلاث، إذا أشار وقال أنت طالق هكذا، يقوله إشارة إلى ماله عدد، كقوله أنت طالق ثلاثًا. 23601 - قالوا: لو قال لها: أنت طالق طلاقًا ونوى الثلاث كان ثلاثًا، وقوله طلاقًا مصدر، والمصدر لا يغير معنى الكلام، وإنما يؤكده فلولا أن قوله أنت طالق يتضمن الثلاث لم يفد المصدر ذلك. وكذلك: أنت طالق الطلاق.

23602 - قلنا: قوله: أنت طالق الطلاق بمنزلة قوله: أنت طالق كل الطلاق، لأن الألف واللام تجري مجرى الكل فقد أراد بالكلام بعض ما وضع له وأما قوله: أنت طالق طلاقًا فقد روي بشر عن أبي يوسف عن أبي حنيفة أنه لا يقع به إلا واحدة، وفرق بيه وبين الطلاق، لأن تنكيره يقصره على أن يكون مؤكدًا، ليس فيه زيادة على ما تتضمنه. 23603 - وذكر محمد في الأصل والجامع الكبير أنه يكون ثلاثًا، وسوى بينه وبين قوله: الطلاق وطلاقًا لأنه لا فرق بين قوله: أنت طالق الثلاث وأنت طالق ثلاثًا فكأنه قال: أنت طالق طلاقًا ثلاثًا، ثم حذف الصفة وأرادها، وقد جاء حذف الصفة وإرادتها في القرآن قال تعالى: (يوصيكم الله في أولدكم) فأراد غير المملوك، فحذف الصفة وأرادها، وقال (وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما

السدس) أي [له أخ أو أخت] من أم وقد جاء حذف الموصوف وتبقية الصفة، قال الله تعالى (ومن أهل المدينة مردوا على النفاق) أي: منافقون مردوا وكقوله: (ومنا دون ذلك) أي: ومنا فريق دون ذلك. 23604 - والذي قاله الشافعي: في هذه المسألة لا وجه له، لأنه جوز حذف الموصوف والصفة، والذي جاء حذف أحدهما، وهو اتساع فإذا حذفا قبح ذلك، واستعمل فيما لم يرد [عن العرب] والحذف اتساع فلا يجوز القياس عليه، وإذا لم يصح حذفهما لم يجز أن يريد بقوله: أنت طالق الثلاث، ويصير كمن قال: أنت طالق طلاقًا ثلاثًا.

مسألة 1138 وقوع الطلاق بالكتابة

مسألة 1138 وقوع الطلاق بالكتابة 23605 - قال أصحابنا: إذا كتب بطلاق امرأته، ونوى بذلك الطلاق وقع. 23606 - وهو قال الشافعي: في المزني. وقال في كتاب الرجعة: لا يكون طلاقًا. 23607 - لنا: أن الكتابة تقوم مقام الكاتب بدلالة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مأمورًا بدعاء جميع الناس إلى الإسلام، ثم كتب إلى كسرى وقيصر فقام ذلك مقام

دعائهما إلى الإسلام بالكلام. 23608 - ولأن الكتابة حروف منظومة تدل على معنى مفهوم كالكلام ولأنها تقوم في بيان المعنى مقام الكلام، والطلاق يقع بما يقوم مقام الغير، كالكتابة. 23609 - ولأن الكتابة تتعلق بها الأحكام، بدلالة كتاب القاضي إلى القاضي تثبت به الديون والحقوق، فصار كالقول الذي يثبت به الدين. 23610 - احتجوا: بأنه فعل، فلا يقع به الطلاق مع المقدرة على القول كالضرب. 23611 - قلنا: قولكم مع القدرة لا تأثير له في الأصل، لأن الضرب لا يقع به الطلاق مع القدرة والعجز، والمعنى فيه أنه لا يدل على الطلاق فلم يقع به، وليس كذلك الكتابة، لأنها تدل على الطلاق كالكلام. 23612 - قالوا: عقد النكاح لا ينعقد بالكتابة، فكذلك قطعه كالبيع. 23613 - قلنا: عندنا ينعقد البيع، والنكاح بالكتابة ويثبت به الطلاق، والإقالة. قالوا: الكتابة بصريح الطلاق لا يقع به شيء بغير نية، فلو وقع به الطلاق، لم تفتقر إلى النية كالكلام. 23614 - قلنا: إذا كتب على وجه لا احتمال فيه وقع الطلاق عندنا بغير نية، كمن كتب مخاطبًا لها، فقال: أما بعد يا فلانة إذا وصل كتابي إليك فأنت طالق، فإن لم يكتب على طريقة المخاطبة، لكنه كتب فلانة طالق، فإنما يحتاج إلى النية، لأنه يحتمل أن يكون أوقع بهذا اللفظ، ويحتمل أن يكون قصد إلى تجويد الخط، فلم

يحمل على الطلاق، إلا بالنية كما لا يحمل اللفظ المحتمل. فأما اللفظ الصريح فلا احتمال فيه، لعرف الاستعمال، فلم يفتقر إلى النية، ولا عرف في الكتابة. قالوا: لو كتب كتابة لا تستبين، ونوى الطلاق لم يقع. 23615 - قلنا: الكتابة [التي لا تستبين كالكلام الذي لا يستبين فلا يقع به شيء والكتابة المستبينة كالكلام المفهوم فيقع به الطلاق. 23616 - قالوا: الكتابة] فعل كالإشارة،. 23617 - قلنا: الإشارة إذا فهم بها المعنى، وقع بها الطلاق، باتفاق كالإشارة من الأخرس فأما إشارة الصحيح فلا عرف يدل على معناها، فلم يقع بها الطلاق.

مسألة 1139 النية في الاختيار للزوج

مسألة 1139 النية في الاختيار للزوج 23618 - قال أصحابنا: إذا قال لزوجته: اختاري ينوي الطلاق فقالت: اخترت نفسي وقع الطلاق، وإن لم ينو الطلاق. 23619 - وقال الشافعي: إن نوت المرأة باختيارها نفسها لفرقته وقع، وإن لم ينو لم يقع شيء. 23620 - لنا: أن الصحابة اختلفوا في رجل خير امرأته فاختارت/ نفسها، فمنهم من قال: طلاق بائن ومنهم من قال: ثلاثًا ولم ينقل عن أحد منه اعتبار النية. 23621 - ولأنه علق الطلاق بفعلها، ولا تعتبر نيتها، كما لو قال: إن دخلت الدار فأنت طالق فدخلت ولأنه خيرها بين البقاء على النكاح، وبين الطلاق، فلو اختارت تبقية النكاح لاختارت الزوج، أو أمسكت، فلما اختارت نفسها دل ذلك على اختيار الفرقة، فلا يحتاج إلى النية.

23622 - ولأن كلامها خرج على وجه الجواب، فالظاهر أنها اختارت نفسها بما يفوض إليها من الطلاق، فكأنها تكلمت بذلك، فلو قالت: اخترت نفسي بالطلاق، لم تعتبر النية. كذلك هذا. 23623 - احتجوا بأن الاختيار كناية، فيعتبر فيها النية كسائر الكنايات. 23624 - قلنا: النية معتبرة عندنا وإنما الخلاف في اعتبار نية المرأة، وسائر الكنايات لا تفتقر إلى أن تبين. 23625 - قالوا: قولها (اخترت) محتمل لأنها لو قالت: اخترت زوجي أو النكاح، أو تقوى الله لم تقع الفرقة، كذلك إذا كان هذا اللفظ محتملًا له. 23626 - قلنا: إذا قالت: اخترت نفسي فلا احتمال فيه، لأن ذلك ليس باختيار للزوج، ولا لتقوى الله، ولا لتبقية النكاح، وإنما هو اختيار لما عقدت عليه، فهو كالبايع إذا اختار المبيع دل ذلك على الفسخ.

مسألة 1140 الواقع باختيار المرأة لنفسها

مسألة 1140 الواقع باختيار المرأة لنفسها 23627 - قال أصحابنا: إذا قال لامرأته اختاري، فاختارت نفسها فهي تطليقة بائنة. 23628 - وقال الشافعي: رجعية. 23629 - لنا: أنه اختيار طارئ على النكاح فإذا تم كان مقتضاه البينونة، كخيار المعتقة، ولأنه خيار في رفع العقد، فإذا تم بالاختيار زال العقد، كالبائع إذا اختار المبيع في بيع الخيار. 23630 - ولأنه خيرها بين تبقية النكاح وإزالته، فإذا اختارت ثم لم ينفها، بقى النكاح وهذا ضد الاختيار، وهذه مبنية على أصلنا: أن ألفاظ الكنايات بوائن إلا

ثلاث ألفاظ، وهذا من جملة الكنايات. وعندهم: الكنايات كلها يقع بها الطلاق رجعي، وهذا من الكنايات. 23631 - ويقولون: إنه طلاق مجرد صادف عدة من غير عدد، فصار كقوله: أنت طالق. 23632 - قلنا: المعنى فيه أن لفظة الطلاق لا تفيد إزالة الملك، والاختيار يفيد إزالة النكاح، لأنه خيرها بين تبقية النكاح وإزالته، فاختارت الإزالة باختيار نفسها.

مسألة 1141 إذا قال اختاري ينوي ثلاثا

مسألة 1141 إذا قال اختاري ينوي ثلاثًا 23633 - قال أصحابنا: إذا قال لامرأته: اختاري- ينوي ثلاثًا- فاختارت كانت واحدة. 23634 - وقال الشافعي: ثلاثًا. 23635 - لنا: أنه اختيار طارئ على النكاح فلا يقع به العدد كخيار المعتقة، ولأنها فرقة تثبت باختيار المرأة كتفريق القاضي بالعنة. 23636 - احتجوا بأنه لفظ يجوز أن يقع به واحدة فجاز أن يقع به الثلاث. أصله: قوله: أنت بائن. 23637 - قلنا: (أنت بائن) من ألفاظ الكنايات وهو يتضمن البينونة فإذا نوى به الثلاث فقد نوى نوع بينونة فعملت نيته، وأما الاختيار فليس من ألفاظ الطلاق بدلالة أن الزوج لا يملك إيقاع الطلاق به، وإنما يقع مقدار ما يقتضي الاختيار إليه دون ما سواه، كما أن فسخ البيع بالخيار يثبت به رفع العقد دون ما زاد عليه.

مسألة 1142 التخيير في الطلاق والعتاق يتوقف بالمجلس

مسألة 1142 التخيير في الطلاق والعتاق يتوقف بالمجلس 23638 - قال أصحابنا: إذا خيرها فلها أن تختار في مجلسها قبل أن تتشاغل عن الاختيار بعمل آخر. 23639 - وهو ظاهر مذهب الشافعي. 23640 - وقال المروزي: إذا قال له اختاري أو طلقي نفسك إن شئت أو أمرك بيدك فهو على الفور وإن طلقت نفسها في أول أحوال الإمكان وقع وإلا لم يقع. 23641 - وقالوا: في خيار المعتقة ثلاثة أقوال: أحدها على الفور والآخر لها الخيار ما لم يمسها والثالث لها الخيار ثلاثة أيام. 23642 - لنا: ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أراد أن يخير نساءه قال لعائشة. رضي الله عنها: إني جاعل إليك أمرًا فلا تعجلي حتى تستشيري أباك، ولو كان على الفور بطلت

الاستشارة. ويدل عليه ما روي عن عمر وعلي وعثمان وابن مسعود وابن عمرو وجابر وآخرين في المخيرة أن لها الخيار ما دامت في مجلسها ولا مخالف لهم. 23643 - ولأنه جعل إليها الفرقة، فلم يكن التفريق على الفور، كما لو قال طلقي نفسك ولأن التخيير وضع للارتياء والنظر في أصلح الأمرين فلو كان على الفور لم يمكن الارتياء وفي ذلك إبطال المقصود بالتخيير ولأنه خيار طارئ على النكاح فلا يكون على الفور كخيار المعتقة.

23644 - وقد دل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إن وطئك زوجك فلا خيار لك) فلو أن الخيار ملكه في المجلس لم يقف بطلانه على التمكين من الوطء ولأنها اختارت نفسها في مجلس التخيير من غير أن يوجد منها عمل ليس من عمل الاختيار، فصارت كما لو اختارت على الفور. 23645 - ولا يقال إن السكوت يدل على الإعراض كالعمل، لأن السكوت فكر فيما جعل إليها وأرتياء، وهذا من عمل الاختيار فصار كاستدعاء الشهود ولأنه خيار يملك فكان على المجلس كخيار القبول وقد دل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: (المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا). 23646 - احتجوا: بأنه تمليك مطلق تأخر قبوله عن أول حال للإمكان فوجب أن لا يصح قبوله. أصله: إذا قامت من مجلسها ثم قبلت. 23647 - قلنا: إذا قامت فقد دل قيامها على الإعراض فأبطل ذلك الاختيار، والسكوت لا يدل على الإعراض لأنه ارتياء وفكر فلذلك لم يبطل الاختيار.

مسألة 1143 الرجوع عن التفويض

مسألة 1143 الرجوع عن التفويض 23648 - قال أصحابنا: إذا قال لها اختاري أو طلقي نفسك أو أنت طالق، إن شئت، ثم رجع عن ذلك لم يصح رجوعه [ولم يخرج الأمر من يدها. 23649 - وقال الشافعي: يصح رجوعه]. 23650 - لنا: أنه خيار طارئ على النكاح فلا يملك إبطاله، كخيار المعتقة وامرأة العنين. ولأنه علق الطلاق بفعلها وهو الاختيار فلم يملك عزلها عنه، كمالو علقه بدخول الدار ولأن الطلاق (إذا تم) باختيارها لا يلحقه الفسخ فإذا ملكه فقد وجد شطره فوجب أن يتأكد بحسب تأكد الجملة. ألا ترى أن البيع لما جاز أن يفسخ بعد تمامه جاز الرجوع عن إيجابه وضعف شطره بحسب ضعف جملته. 23651 - فإن قيل: لو ردت المرأة التخيير بطل، فإن كان [جعله لها لا يمكنها

إبطاله]. 23652 - قلنا: لا يبطل بردها لكنها تشاغلت عن الاختيار والرد ومن شرط اختيارها أن لا يوجد منها إعراض عنه. 23653 - احتجوا: بأنه ملكها الطلاق والتمليكات يجوز الرجوع عنها قبل تمامها. 23654 - قلنا: التخيير بالطلاق المعلق بالصفة أشبه بالتمليك بدلالة أنه يملك توقيته وتعليقه بزمان يستقبل ولا يجوز ذلك في التمليكات فإذا تم حكم المعلق بصفة لم يملك إبطاله ولأن سائر التمليكات يجوز فسخها بعد تمامها، فيجوز إبطال إيجابها، والطلاق لا يصح إبطاله بعد وقوعه كذلك لا يصح الرجوع عن إيجابه. 23655 - قالوا: فوض إليها الطلاق فصار كما لو فوضه إلى أجنبي. 23656 - قلنا: إن فوضه إلى أجنبي على وجه التمليك لم يصح الرجوع عنه كما لو ملك المرأة. وإذا فوضه إلى أجنبي على وجه التوكيل جاز أن يرجع عنه ولا يتصور مثله في المرأة لأنها لا تكون وكيلة في حقوق نفسها وإنما تكون مملكة.

23657 - قالوا: لما بطل هذا التفويض بجنون الزوج كذلك يبطل برجوعه. 23658 - قلنا: لا نسلم هذا لأن لها أن تختار نفسها بعد جنونه كما تختار في صحته.

مسألة 1144 إذا قال أنت علي حرام ولا نية له في الطلاق

مسألة 1144 إذا قال أنت علي حرام ولا نية له في الطلاق 23659 - قال أصحابنا: إذا قال لامرأته: أنت علي حرام ولا نية له إذا أراد التحريم ولم ينو الطلاق فهي يمين فإن قربها كَفَّرَ. 23660 - وقال الشافعي: إذا قال ذلك لزوجته وجاريته فعليه كفارة يمين بنفس [اللفظ] وليس بيمين. 23661 - لنا: قوله تعالى: (يأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزوجك) إلى قوله (قد فرض الله لكم تحلة أيمنكم) روى يحيى بن سعيد القطان عن الخزاز قال: حدثني بن أبي مليكة عن ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يشرب من شراب عند سودة من العسل فدخل على عائشة رضي الله عنها فقالت: إني أجد منك

ريحا فقال: أراه من شراب شربته عند سودة، والله لا أشربه، فنزلت هذه الآية وروت عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - / دخل عليها فقالت: إني أجد منك رائحة (المغافير) (فقال: إني أكلت عسلًا عند زينب ولن أعود إليه، فنزلت الآية فذكرت عائشة رضي الله عنها [في خبرها] أنه لم يحلف. فإن كان أصل الخبر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حلف فقد سمى الله - عز وجل - ذلك تحريمًا فإذا قال: حرمتها فقد جاء بمعنى اليمين، وإن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - حرم العسل ولم يحلف فقد جعل الله تعالى في ذلك كفارة يمين وكل من أوجب في تحريم العسل الكفارة أوجبها بالحنث وقال: (قد فرض الله لكم تحلة إيمنكم) فدل أن الحرام يمين. 23662 - فإن قيل: قد روى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حرم مارية فأنزل الله تعالى الآية.

23663 - قالوا: فقد تعارض السببان فسقطا. 23664 - قلنا: ليس في ذلك تعارض لأنه لا يمتنع أن يكون عليه السلام حرم العسل وحرم مارية فأنزل الله تعالى الآية على السببين جميعًا فدلت الآية على أن من حرم جاريته فهو حالف لقوله تعالى: (قد فرض الله لكم تحلة أيمنكم) ودلت الآية أيضًا على أن تحريم العسل يمين يتعلق بها الكفارة. وعند مخالفنا تحريم العسل ليس بيمين، ولا يتعلق به كفارة يمين. 23665 - فإن قيل: قوله تعالى: (تبتغي مرضان أزوجك) يدل أنه حرم مارية لأن تحريم العسل لا حق للزوجات فيه. 23666 - قلنا: إنما حرم العسل لأنهن قلن له: (إنا نجد منك رائحة المغافير) وهو كريه الريح ينزل في العسل ويقال: يعقد عليه (النحل: فحرم ذلك لآجل كراهتهن لريحه. 23667 - فإن قيل: قوله تعالى (وإذ أسر النبي) يدل أنه تحريم الجارية لأن تحريم العسل لا يسره. 23558 - قلنا: لا يمتنع أن يسر ذلك ويخبر به بعض الزوجات دون بعض. 23669 - فإن قيل: قد أوجب الله تعالى الكفارة بنفس اللفظ وأنتم توجبونها بالحنث. 23670 - قلنا: لما قال الله (تحلة أيمنكم) وتحلة اليمين لا تجب إلا بعد الحنث اكتفاء بما تقرر في الأصول ولم يذكر الحنث. 23671 - (ولا يقال): إن التقدير إنكم تخرجون من التحريم بما تخرجون به من اليمين لأن الظاهر أن هناك يمينا موجودة، لأنه قال (قد فرض الله لكم تحلة إيمنكم) وتحلة اليمين إنما تكون بعد وجود اليمين.

23672 - يبين ذلك أن الأمر لو كان على ما يقوله الشافعي لقال: قد فرض الله عليكم تحلة أيمانكم لأن الكفارة وجبت باللفظ وليس بمخير فيها. 23673 - وعلى قولنا: هو حالف فقد خير بين البقاء على اليمين وبين الخروج منها بالحنث والتكفير، فيصح أن يقول: (قد فرض الله لكم تحلة أيمنكم) لأنه لم تجب عليه الكفارة بعد، وإنما هو مخير بين التزامها وبين تركها. 23674 - ويدل عليه ما روى قتادة عن سعيد بن جبير وعكرمه عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (جعل الحرام يمينا) وهذا قصر. 23675 - ويدل عليه ما ورى جوبير عن الضحاك أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهم وابن مسعود وابن عباس وعائشة رضي الله عنها قالوا: في الحرام يمين يعنون بذلك إذا حرم امرأته على نفسه.

23676 - وروى كذلك عن ابن عمر وقد روي عن علي وزيد أنهما قالا: ثلاث تطليقات وهذا محمول على من نوى الطلاق وذلك لا يعارض قول الآخرين، لأنهم أجابوا في إطلاق التحريم من غير [نية]. 23677 - فإن قيل: يحمل ذلك على إيجاب كفارة اليمين. 23678 - قلنا: إن جعلوه يمينا فحمله على الكفارة بغير يمين ترك للظاهر، لأن ما يتعلق به كفارة اليمين فهو يمين. 23679 - أصله: إذا ذكر اسم الله تعالى. 23680 - ولا يلزم إذا قال: على (نذر) لأنه يمين عندنا. 23681 - ولأن التحريم يقتضي الامتناع من الشيء لحق الله تعالى، فإذا حرمها فقد منع نفسه منها لحق الله تعالى وليست محرمة، وهذا معنى أن اليمين كنفس اليمين

بدلالة قوله: على يمين، ولأن كل لفظ لا يتعلق بانفراده كفارة يمين في غير الزوجات لا يتعلق به كفارة يمين فيهن. أصله: والله لا أكلمك. 23682 - احتجوا: بما روي عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حرم مارية فأنزل الله تعالى الآية، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - من حرم حلالًا أن يعتق رقبة أو يطعم عشرة مساكين، فأوجب الكفارة باللفظ لا بالحنث. 23683 - قلنا: معناه يعتق رقبة إذا حنث. الدليل عليه: أن ابن عباس راوي الخبر وقد صح عنه أنه قال: في الحرام يمين. واليمين لا تجب الكفارة فيها إلا بالحنث فدل على أن المراد بالخبر الأمر بالعتق عند الحنث لولا ذلك لم يخالف ما رواه. 23684 - ولأن قوله: أوجب على كل من حرم حلالًا يقتضي النساء وغيرهم. وكل من قال: إن حكم الحرام يثبت في غير النساء قال: إن كفارة اليمين لا تجب فيه باللفظ (وإنما بالحنث) [فاعتبار العموم يقتضي شرط الحنث]. 23685 - فإن قيل: هذا ترك للظاهر. 23686 - قلنا: أضمرنا الحنث واستعملنا العموم وعلقتم الكفارة بنفس التحريم من

غير إضمار وخصصتم العموم، فحملتموه على تحريم النساء خاصة فكل منا ترك الظاهر [أو استعمل ظاهرًا] وأنتم المستدلون فوقف الاستدلال بالخبر. 23687 - احتجوا: بما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - آلى من نسائه شهرًا وحرم جاريته فوفى بالإيلاء وكفر الحرام ففرق بين الإيلاء والحرام. 23688 - قلنا: إنما فرق بينهما لأن الإيلاء لا يكون إلا في الزوجات والتحريم يكون في كل شيء. 23689 - قالوا: كناية في الطلاق فوجب أن لا ينعقد بها يمين، كقوله: أنت بائن وسائر الكنايات. 23690 - قلنا: لا يمتنع أن يكون كناية في الطلاق وينعقد به غيره كما أنه كناية في الطلاق، ويجوز أن ينعقد به الظهار ولأنه كناية في الطلاق وصريح في اليمين عندنا لا يحمل عليها بغير نية وهذا غير ممتنع كما أن لفظ الحرية صريح في العتق وكناية في الطلاق والمعنى في سائر الكنايات أن كفارة اليمين لا يتعلق بها فلم تكن يمينًا. ولما وجب بحكم هذا اللفظ كفارة اليمين في الزوجات كان يمينًا.

23691 - فإن قيل: وجوب كفارة اليمين لا يدل على ثبوت اليمين كما أن وجوب كفارة الظهار بالجماع في رمضان لا يدل على وجوب الظهار. 23692 - قلنا: معنى الظهار هو التحريم الواقع باللفظ وهذا المعنى لا يوجد في جماع الصائم. ومعنى اليمين هو الامتناع من فعل المحلوف عليه لحق الله تعالى، وتحريم الزوجة يقتضي الامتناع عن وطئها لحق الله تعالى من غير تحريم، فتساويا في معناها، فاستدل بوجوب الكفارة على انعقاد اليمين. 23693 - فإن قيل: كيف يكون اللفظ كناية في أمرين في الطلاق واليمين. 23694 - قلنا: هي كناية في الطلاق والظهار على أنا بينا أنه كناية في الطلاق صريح في اليمين، وهذا غير ممتنع. 23695 - قالوا: لفظ تعرى عن اسم الله تعالى وصفته، فوجب أن لا ينعقد فيه اليمين بالله كسائر الألفاظ. 23696 - قلنا: يبطل إذا قال: أنا منه مؤلي، لأن التحريم المطلق يقتضي الامتناع بالله تعالى، وقد جاء بمعنى اليمين فصار كمن صرح باليمين، لأنه إذا جاز أن يكون من آلى بمعنى الطلاق مطلقًا، ومن جاء بمعنى الظهار مظاهرًا لم يمتنع أن يكون من جاء بمعنى الحلف حالفًا، لأن هذا اللفظ لما تعلق به عندهم كفارة اليمين وإن لم يذكر الاسم والصفة جاز أن يكون يمينًا عندنا وإن لم يذكر الاسم والصفة.

مسألة 1145 إذا حرم زوجته كان موليا وإن حرم أمته أو طعامه أو متاعه كان حالفا

مسألة 1145 إذا حرم زوجته كان موليا وإن حرم أمته أو طعامه أو متاعه كان حالفًا 23697 - قال أصحابنا: إذا حرم زوجته على نفسه كان موليًا وإن حرم أمته أو طعامه أو متاعه كان حالفًا. 23698 - وقال الشافعي: إن حرم زوجته فعليه كفارة يمين، وإن حرم أمته ففيها قولان وإن حرم ما سوى النساء فليس بشيء. 23699 - لنا: قوله تعالى: (يأيها النبي لم تحرم) إلى قوله: (قد فرض الله لكم تحلة إيمنكم) وهو عام في كل تحريم ولأنا بينا أن الآية خرجت على سبب وهو تحريم العسل. 23700 - وعند مخالفنا تحريم (العسل) لا يتعلق به كفارة. 23701 - ويدل عليه حديث ابن عباس - رضي الله عنه - أن الله تعالى لما أنزل الآية أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - كل من حرم حلالًا أن يكفر، ولم يفرق بين أن يكون من الزوجة أو غيرها، ولأنه تحريم متاع فوجب أن تتعلق الكفارة بمقتضى التحريم للآية، ولأن ما تتعلق به كفارة اليمين في الزوجات تعلق به في غير الزوجات كقوله: والله. 23702 - احتجوا: بما قاله الشافعي: إن البضع فرج وغير البضع ليس بفرج. وفسروا هذا الكلام فقالوا: معناه أن الفرج يجوز أن يكون محرمًا، مع بقاء الملك

فلذلك أوجبت إضافة التحريم إليه الكفارة. 230703 - قلنا: سائر الأعيان أيضًا يجوز أن تكون محرمة مع بقاء الملك. 23704 - ألا ترى أن العين المرهونة والمبيع في يد البائع محرم على مالكه لا يجوز الانتفاع به مع بقاء الملك. 23705 - قالوا: جعل الله تعالى للتحريم بالامتناع لفظًا مخصوصًا يتعلق ذلك به، فإذا عدل عنه إلى غيره عوقب بإيجاب الكفارة عليه، وسائر الأعيان لم يجعل لتحريمها لفظًا مخصوصًا، فإذا حرمها فلم يعدل عن لفظ وضعه الله لتحريمها فلم يعاقب بالكفارة. 23706 - قلنا: يبطل ببضع الأمة لم يجعل الله لفظًا ليخصه في التحريم ومع ذلك أوجبوا بتحريمه الكفارة. ثم لا فرق بين تحريم الأبضاع وغيرها؛ لأن اللفظ الموضوع لتحريم البضع هو الذي يزيل الملك، فيقع التحريم بزوال الملك، وهذا موجود في سائر الأعيان، لأنها يزول الملك فيها.

مسألة 1146 لا يقع الطلاق بقوله كلي واشربي

مسألة 1146 لا يقع الطلاق بقوله كلي واشربي 23070 - قال أصحابنا: إذا قال لامرأته كلي واشربي ونوى الطلاق لم يقع. 23708 - وقال الشافعي: يقع. 23709 - لنا: أن الطلاق يقع بصريح لفظ الطلاق أو بلفظ يفيد التحريم أو بلفظ يفيد معنى الطلاق كلفظ البينونة أو بلفظ (ما يؤول) إليه حال المطلقة كقوله: تقتنعي واستبرئي واعتدي والحقي بأهلك وما أشبه ذلك، وهذا لا يوجد في قوله: كلي واشربي، فلا يقع به الطلاق كقوله: الحمد لله مستحق الحمد. 23710 - قالوا: قال الشافعي: هذا اللفظ يحتمل الطلاق، لأنه يقول: كلي للطلاق كما يقول: تجرعي غصصه. 23711 - قلنا: الطلاق لا يوصف بأنه مأكول أو مشروب، وقوله: تجرعي مجاز لا يقاس عليه.

مسألة 1147 تعليق الحلف بالطلاق بالصفة

مسألة 1147 تعليق الحلف بالطلاق بالصفة 23712 - قال أصحابنا: إذا قال لامرأته: إن حلفت بطلاقك فعبدي حر، ثم قال لها إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق [وإذا جاء المطر فأنت طالق وإذا قدم الحاج فأنت طالق وإذا ولدت فأنت طالق] فقد حلف وحنث وعتق عبده. 23713 - وقال أصحاب الشافعي: (لا يجب) في جميع هذه المواضع شيء وإنما يحنث إذا امتنع بيمينه من فعل أوجبه عليه، أو قصد تصديق نفسه أو براءتها. 23714 - والأصل في هذا: أن الحلف عند العرب هو القسم الذي يقتضي تعظيم المقسم به، وإنما ألحق أهل الشريعة بذلك الشرط والجزاء الذي تعلق به الإيقاع، ووجب إلحاقه به، لأن القسم جملة غير مستقلة إما من مبتدأ أو خبر. تقول: لعمر الله: تقدير الكلام لعمرو الله قسمي، أو كل من فعل وفاعل كقوله: بالله تقديره: أحلف بالله وكل واحد من هاتين الجملتين غير مستقلة حتى ينضم إليها غيرها وإما من جملة من مبتدأ وخبر كقولك: والله إنك لكريم أو من فعل وفاعل كقولك: والله لتضربن، وكذا الحلف بدخول الدار كذلك،

لأن ما دخل حرف الشرط فيه غير تام فإن قلت: إن دخلت الدار بطلت منه الفائدة وصار هذا الجزء من الجملة [غير مفيد] ولا يفيد ما لم ينضم إليه جملة أخرى إما من مبتدأ أو خبر كقولك: إن دخلت الدار أعطيتك درهمًا أو أكرمتك. 23715 - ولا يكون الشرط إلا من جملة من فعل وفاعل. فأما القسم: فتارة يكون جملة من فعل وفاعل، وتارة يكون من مبتدأ وخبر. فأما إذا كان المعنى الموجب لإيجاب هذه الجملة فالقسم ما ذكرته، وهو موجود في هذه المواضع أيضًا، تخصيصًا منها كقوله: إذا شئت فأنت طالق. 23716 - لأنهم قالوا: في الموضع لذلك طلق للسنة. ولم يقولوا: حلف إذا قال: إذا حضت، لأنهم سموا هذا طلاق البدعة، وهي مواضع حيضها. والإجماع أيضًا، لأن مخالفنا قال: ليست بأيمان فيها. وسوى هذه المواضع أيمان لوجود المعنى الذي ذكرنا فيها. 23717 - احتجوا: بأنه إيقاع طلاق بصفة ليس فيه منع من فعل، ولا حنث عليه ولا تصديق، فوجب أن لا يكون حالفًا بالطلاق. 23718 - أصله: إذا قال لها إذا حضت فأنت طالق وإذا طهرت فأنت طالق [وأنت طالق] إن شئت. 23719 - الجواب: أنا قدمنا أن الشرط والجزاء ليس بيمين، وإنما ألحق باليمين اللغوية بمعنى هو موجود في الجميع، فاعتبار الحنث على الفعل والامتناع منه لم يدل عليه دلالة شرعية ولا لغوية، فلم يصح اعتباره. ثم إذا قال لها: إن قدم الحاج فأنت

طالق، وإن جاء المطر فأنت طالق فقد خرج مخرج اليمين بدلالة أنه يجوز أن يكون يعتقد أن المطر لا يأتي، وأن الحاج لا يقدمون ثم حقق الخبر عن ذلك باليمين.

مسألة 1148 إذا أضاف الطلاق أو علقه إلى مطلق الوقت

مسألة 1148 إذا أضاف الطلاق أو علقه إلى مطلق الوقت 23720 - قال أبو حنيفة: إذا قال: متى لم أطلقك فأنت طالق لم يقع عليها الطلاق [إلا في آخر أجزاء حياته. وإن قال: إذا لم أطلقك فأنت طالق فهو مثل أن لا يقع عليها الطلاق] في الحال. 23721 - وقال أبو يوسف ومحمد: هو مثل متى. 23722 - وبه قال الشافعي. 23723 - لنا: أن متى شرط هي عليه في الأزمان، ومثلها أنى في الأماكن، وأنى تقع على الأماكن والأزمنة، وإذا ظرف زمان إلا أنها أيضًا هي

للشرط من طريق المعنى. وتفارقه فوجه المضاهاة: أنه يجب بحصول الأول حصول الثاني فصار قوله إذا جاء الحاج أعطيتك درهمًا. بمنزلة قوله: متى قدم زيد أعطيتك درهمًا. 23724 - وجه المفارقة: [أن الشرط] لا يتيقن حصوله وإذا تيقن حصولها ففارقت (متى) بذلك وضعف فيها معنى الجزاء ولذلك لم يجز بها إلا في الشعر. قال أبو علي إلا أن الشريعة قد أجرتها في أيمان الطلاق مجرى صريح الشرط بدليل أن قوله: إذا دخلت الدار فأنت طالق بمنزلة قوله: إن دخلت الدار فأنت طالق لأنه لا يتيقن حصول الشرط في الموضعين جميعًا. 23725 - قال: وقد وجدت في كتاب سيبويه ما يشهد لهذا وهو إنشاده يعني إبله: إذا رأتني سقطت أبصارها الشطرة الثانية دأب

بكار شايحت أبكارها. 23726 - يقول: قد دعوتها أن انحر وأولادها الصغار (فهي غير مستبشرة برؤيته. 23727 - ويبين مفارقة (إذا) (لمتى) أن (إذا) لوقت معين (ومتى) ليست لوقت معين (ومتى) يصح فيها العموم والشمول وإذا لا يصح فيها ذلك. 23728 - ألا ترى أن (متى) تكون استفهامًا لصحة العموم فيها (وإذا) لا تكون استفهامًا، لأنه لا يصح فيها العموم، فشابهت أن في أنها شرط يمتنع فيها الاستفهام وفارقت (متى) (وأين) في ذلك. 23729 - ألا ترى أن من قال: متى دخلت الدار فأنت طالق. فتكرر الدخول تكرر الطلاق فلما شابهت (إذا) (أن) ألحقها أبو حنيفة بها لكثرة الشبه، ولو تساوى شبهها (بإن) (ومتى) احتمل أن يتعجل الطلاق واحتمل أن يتأخر فلم يعجله بالشك فقضى بتأخيره. 23730 - احتجوا: بأن (إذا) لوقت مستقبل (وإذا) اسم لوقت ماض فإذا قال إذا لم أطلقك فأنت طالق [معناه: أي وقت لم أطلقك فأنت طالق] فإذا مضى وقت يمكنه أن يطلقها فيه فلم يطلقها فقد وجدت الصفة فوجب أن يقع الطلاق كما إذا قال: أي وقت لم أطلقك أو متى لم أطلقك.

23731 - قلنا: هذا وجه شبهها بمتى وقد بينا مشابهتها (إن) ومفارقتها (متى)، ومتى تجاذبها الشبهان لم يصح لهم كلام، حتى يبطلوا شبهها بإن ويلحقوها بمتى من كل الوجوه. 23732 - قالوا: (إذا) تفارق (إن). ألا ترى أنه متى قال: أنت طالق إذا قامت القيامة كفَّر، فدل على اختلافهما ولم يجز الشرط بينهما. 23733 - قلنا: هذه المفارقة لأن الشرط لا يتيقن حصوله في (إن) [وإذا يتيقن حصولها] وهي بهذا تفارق (متى) لأنه لا يتيقن حصولهما، وكما دل على مفارقتها (إن) فكذلك دل على مفارقتها (متى). 23734 - قالوا: لو قال لامرأته: أنت طالق إذا شئت لم يختص بالمجلس ويجوز لها أن تشاء الطلاق بعد قيامها كما لو قال: أنت طالق متى شئت. ولو قال لها: أنت طالق [إن شئت] اختص بالمجلس. 23735 - قلنا: قد بينا أن (إذا) أشبهت (متى) (وإن). وفي مسألتنا قد ملكها الطلاق، وإذا محتملة، فلم يخرج من يدها بالشك، كما أن في مسألتنا لما احتملت وقوع الطلاق في الحال وفي آخر العمر لم يعجل الطلاق بالشك.

مسألة 1149 إذا قال لامرأته أنت طالق إلى شهر

مسألة 1149 إذا قال لامرأته أنت طالق إلى شهر 23736 - روى الحسن عن أبي حنيفة في من قال لامرأته: أنت طالق إلى شهر وقع الطلاق في الحال. 23737 - وقال محمد: لا يقع إلا بعد شهر. 23738 - وبه قال الشافعي. 23739 - لنا: أن قوله (إلى شهر) تأجيل والتأجيل إنما يصح دخوله في الحقوق الثابتة لتأخر المطالبة، ولابد من إثبات الطلاق حتى يصح دخول التأجيل فيه، والطلاق إذا وقع لم يدخله التأجيل بلغو ذلك التأجيل ولأنا [لو لم] نوقع الطلاق في الحال صار كأنه قال: أنت طالق إذا مضى شهر وإلا لا تكون بمعنى إذ الحال. 23740 - احتجوا: بأنا لو أوقعنا الطلاق ألغينا التأجيل وتصحيحه أولى من إلغائه. 23741 - قلنا: إنما يصح الكلام إذا كان له معنى، فإذا لم يكن له معنى، لم نحمله مالا يحتمله وإلا لثبتت له فائدة.

23742 - قالوا: يحتمل الغاية والشرط فإن حملناه على/ الغاية فكأنه قال: أنت طالق في مدة شهر دون ما بعده ويحتمل الشرط كما يقال: آتيك إلى شهر. بمعنى (بعد مضيه). 23743 - قلنا: لا يعرف هذا اللفظ في اللغة ولا يصح أن تقول آتيك إلى شهر بمعنى بعد شهر. وقد وافقنا أبو يوسف ومحمد أنه لو قال: إن دخلت الدار فأنت طالق أنها إذا دخلت وقع الطلاق في الحال والطلاق المعلق بالشرط كالموقع بعد الشرط، وإذا كان لا يتأجل بعد دخول الدار فلذلك لا يتأجل في الحال.

مسألة 1150 تصرفات المكره

مسألة 1150 تصرفات المكره 23744 - قال أصحابنا: طلاق المكره وعتاقه ويمينه ونكاحه ونذره يصح. 23745 - وقال الشافعي: لا يصح. 23746 - لنا: قوله تعالى (الطلق مرتان) فأثبت الرجعة عقيب التطليقتين ولم يفصل وقال: (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا). 23747 - فإن قيل: القصد من الآية الأولى بيان الطلاق الرجعي ومن الثانية بيان التحريم بالثانية إلا بعد زوج. 23748 - قلنا: المعتبر العموم دون مقاصد المتكلم بالكلام وما خرج عليه.

23749 - فإن قيل: إطلاق الطلاق يقتضي ما حصل مع الطوع ألا ترى: أن من طلق جاز للشهود أن يشهدوا عليه أنه طلق طائعًا. 23750 - قلنا: (ما ذاك) للإطلاق لكن لأنهم لم يعاينوا إكراهه فيصح أن يشهدوا تبعته عند الإيقاع ويدل عليه ما روى صفوان بن عمران الطائي أن رجلًا كان مع امرأته فأخذت السكين فجلست على صدره [ووضعت السكين على صدره]، فقالت: طلقني ثلاثًا البتة أو لأذبحنك فناشدها فأبت عليه فطلقها ثلاثًا فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: لا قيلولة في الطلاق ذكر محمد هذا الخبر في الأصل. 23751 - فإن قيل: لا يقال: قيلولة وإنما يقال. إقالة والقيلولة من القايلة. 23752 - قلنا: قال أبو الفتوح بن جنى في شرح

التصريف: ويقال: أقلت الرجل في البيع [إقالة وقِلت من القائلة قيلولة، وحدثني أبو علي أن أبا زيد قال: يقال قلته في البيع] وأقلت وأقلته جميعًا قال: ومعناه: أنك رددت عليه ما أخذت منه ورد عليك ما أخذ منك وهذا بناء يختص بمصادر المعتل نحو كينونة. وصيرورة وبينونة فتقول على هذا: في البيع قيلولة كما تقول: صار صيرورة وطار طيرورة وبان بينونة. 23753 - فإن قيل: يجوز أن يكون اعترف بالطلاق وادعى الإكراه. 23754 - قلنا: لا يجوز أن يعلق الحكم بغير السبب المنقول، ولأنه لو كان كذلك لم (نقبل قوله) فدل على أن المانع تعذر الفسخ. ويدل عليه ما روى عن حذيفة بن اليمان [أنه قال] ما منعني أن أشهد بدرًا إلا أني خرجت أنا وأبي فأخذنا كفار

قريش، فقالوا: إنكم تريدون محمدًا فقلنا: لا نريد إلا المدينة (فأخذوا منا عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (وميثاقه لتنصرفن إلى المدينة ... ولا تقاتلا معه فأتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرناه فقال: انصرفا فيا لهم بعهدهم ونستعين بالله عليهم فصح العهد مع الإكراه وأقر بالوفاء به وهذا يدل [على أن اليمين ينعقد بالإكراه والخلاف في الجميع واحد. 23755 - ويدل] عليه ما روى عطاء بن أبي رباح عن أبي روح عن أبي ماهل عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة. 23756 - ولا يخلو الطلاق المكره أن يجعل في طلاق الجد أو الهزل وأيهما كان وقع. 23757 - فإن قيل: فعل المكره نوع ليس بهزل ولا جد لأن الجاد من قصد اللفظ والفرقة والهازل من قصد اللفظ دون الفرقة، والمكره الذي قصد الدفع فهو نوع ثالث كفعل المجنون والصبي. 23758 - قلنا: الجاد هو غير اللاعب والهازل هو اللاعب وليس بين النفي

والإثبات قسم زايد. فأما فعل المجنون فلا يدخل في التقسيم لأن الجد والهزل يكون في ذوي المقصود، ويدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: (الطلاق لمن أخذ بالساق) يعني لمن أصابه وبيده النكاح ولم يفصل، ولأن الإكراه معنى يدل على فقد الاختيار، مع صحة القول فلا يمنع وقوع الطلاق كالهزل. 23759 - فإن قيل: الهازل قصد اللفظ ولم يقصد الوقع والمكره لم يقصد اللفظ فهو كالنائم. 23760 - قلنا: المكره قاصد إلى اللفظ ليدفع عن نفسه أعظم الضررين بأيسرهما. ألا ترى أنه لو قيل له لم طلقت؟ لقال: اخترت الطلاق على ذهاب نفسي، ولأنه معنى ينفي الرضا بزوال الملك فلم يمتنع وقوع الطلاق مع صحة القول كشرط الخيار. 23761 - ولأنه معنى من جهة الأجنبي يزيل الاختيار، فلم يمنع وقوع الطلاق كالغضب ولأنه لو عين التي أكره على طلاقها طلقت وكل من وقع طلاقه على إحدى نسائه وقع على سائر نسائه كغير المكره ولأنه أرسل الطلاق على زوجته [وهو أهل الطلاق فوجب أن يقع منه كالهازل]. 23762 - ولا يلزم الحاكي للطلاق لأنه لم يطلق زوجته. ولا يلزم المجنون لأنه ليس بمخاطب، ولأنه معنى يختص برفع الملك عن البضع فلا ينفيه الإكراه

كالرضاع. ولا يلزم الردة، لأنها قد تزيل الملك وقد لا تزيل إذا ارتد الزوجان معًا ولأنها لا تختص بإزالة [الملك عن] البضع بل تزيل الملك عن سائر المملوكات. 23763 - فإن قيل: المعنى في الرضاع أنه فعل والإكراه لا يؤثر في الأفعال، والطلاق قول والإكراه يؤثر في الأقوال كالبيوع ولأن المجنون لو أعتق أمته لم تعتق ولو استولدها ثبت الاستيلاد، وكان الفرق بينهما أن أحدهما قول والآخر فعل. 23764 - قلنا: والإكراه قد يؤثر في الأفعال بدلالة المكره على شرب الخمر لا يجب عليه الحد وكذلك المكره على الزنا عندهم. والأقوال قد لا يؤثر فيها الإكراه لأنه إذا أكره الحربي على الإيمان صح إيمانه. ولأن المجنون إنما اختلفت أقواله وأفعاله لأن الجنون لا يقع في الأفعال ويقع في الأقوال، والإكراه يؤثر فيما يؤثر فيه عدم الاختيار كالبيع يؤثر فيه فقد الاختيار والطلاق لا يؤثر فيه ذلك. 23765 - ويدل عليه أن المكره مكلف، بدلالة أنه يجوز عليه أن يقتل ويزني وإن أكره على ذلك ومباح له أن يظهر كلمة الكفر، وواجب عليه أن يشرب الخمر ويأكل الميتة، فلما خوطب بالحظر والإباحة والإيجاب دل على أنه مكلف،

والمكلف إذا خاطب زوجته بالطلاق وقع طلاقه كالغضبان. 23766 - احتجوا: بما روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. 23767 - والجواب: أن ظاهر الخبر متروك المعنى ولا يمكن اعتبار عمومه، وذلك لأن الظاهر رفع الفعل المسمى، والخطأ الذي وقع عليه الإكراه، ونحن نعلم أن هذه الأفعال موجودة غير مرتفعة فعلم أن المرفوع غير الفعل، فليس لهم أن يحملوه على رفع الفعل المضمر ولأن حكم الخطأ (لا يرتفع) بالإجماع بدلالة وجوب الدية وضمان الأموال فلم يبق إلا أن يحمل على المأثم. 23768 - فإن قيل: روى هذا الخبر بألفاظ منها (عفي لأمتي) [ومنها تجاوز] ومنها (رفع) فيحمل رفع على معنى اللفظين. 23769 - قلنا: [هذا يحقق ما قلنا: أن العفو] والتجاوز يستعمل في رفع المأثم –وهو فيه أظهر- كلفظ الرفع، فالواجب حمل لفظ الرفع عليه. 23770 - فإن قيل: الخبر يقتضي رفع المكره عليه وعندنا الطلاق لا يقع فقد قلنا بالخبر. 23771 - قلنا: الطلاق بعض ما دخل تحت العموم والخبر يقتضي رفع كل فعل

خطأ ومكره عليه وقد أجمعنا أن ذلك لا يرتفع- وإن اختلفنا في الطلاق، وإذا انتفى الظاهر في مواضع الاتفاق لم يقدح في كلامنا ما ينفرد مخالفنا به في موضع الخلاف. 23772 - فإن قيل: الذي استكره عليه هو وقوع الطلاق فيجب أن يكون مرفوعًا. 23773 - قلنا: هذا غلط إنما يكره على اللفظ والحكم لا يصح الإكراه عليه لأنه ليس من فعله فلم يبق إلا أن يكون المرفوع اللفظ وذلك غير مرتفع باتفاق فعلم أن الذي رفع بالإكراه هو المؤاخذة والمأثم. 23774 - فإن قيل: الطلاق لا مأثم فيه فكيف ينتفي عنه المأثم بالإكراه، ولا مأثم فيه مع عدم الإكراه. 23775 - قلنا: هذا غلط لأن الطلاق فيه مأثم إذا وقع في حال الحيض وعقيب الجماع أو جمع في لفظ واحد وهذا المأثم يرتفع بالإكراه. ثم هذا غلط؛ لأنا إذا بينا بالدلالة التي قدمناها أن معنى الخبر رفع مأثم الخطأ وذلك لا يوجد في الطلاق وتناول الخبر ما يأثم بفعله فينتفي (عنه المأثم/) بالإكراه وخرج الطلاق من اللفظ وعلمنا أنه يتناوله. 23776 - احتجوا: بما روت عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا طلاق في إغلاق. 23777 - قالوا: قال أبو عبيد وابن قتيبة الإغلاق: الإكراه.

23778 - والجواب: عن هذا الخبر ذكره البخاري في تاريخه فقال: قال أحمد بن حنبل حدثنا سعد بن إبراهيم وهو أبو إسماعيل الزهري قال: حدثني أبي عن محمد ابن إسحاق قال: حدثني ثور بن يزيد الكلاعي عن محمد بن عبيد بن أبي صالح المكي قال: حججت مع عدي بن عدي

الكندي فبعثني إلى صفية بنت شيبة بنت عثمان حاجب الكعبة لأسألها عن أشياء سمعتها عن عائشة رضي الله عنها [عن النبي - صلى الله عليه وسلم -] [فكان فيما حدثني أنها] [سمعت عائشة رضي الله عنها] تقول سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: لا طلاق ولا عتاق في إغلاق. 23779 - وكذلك رواه الدارقطني ثم رواه عن محمد من طريق قزعة ابن سويد قال: حدثنا زكريا بن إسحاق ومحمد بن عثمان عن صفية

بنت شيبة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا طلاق ولا عتاق في إغلاق وقزعة عندهم واهي الرواية وكل واحد من الحديثين لم يخرجه البخاري ولا مسلم وقولهم أنا ابا عبيد وابن قتيبة فسرا الحديث وقالا: الإغلاق: الإكراه. 23780 - ولم يذكر أبو عبيد هذا الحديث [وإنما ذكره [القتبي ولم يبين من أين قال ذلك، وليس هو حجة عن أهل العربية. 23781 - وقد ذكر] ابن دريد، وهو الحجة، غَلَقَ الرجل يغلق: إذا ساء خلقه، ويقال غلق الرهن يغلق: إذا ذهب بالدين. 23782 - وليس يستعمل غلق في اللغة إلا في أحد هذين الوجهين. وقال القتبي: غلق إذا غضب وهو قريب مما قال ابن دريد، وقد استعمل غلق في الخبر استعارة من غلقان: الرهن وجاء ذلك في أشعارهم:-

وفارقتك برهن لا فكاك له .... يوم الوداع فأمسى الرهن قد غلقا. 23783 - وقال ابن أبي ربيعة: وكم من قتيل لا يباء به دم .... ومن غلق رهنًا إذا ضمه منى. 23784 - نقول: من ذلك غلق غلاقًا فهو غلق. والخبر الثابت (لا طلاق ولا عتاق في غلاق: أي لا يطلق الرجل المحب للمرأة ولا يعتق المولى المحب، لأن نفسه تتبعها ولا يقدر عليها، وهذا معنى قوله (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا) فإن صح اللفظ الآخر وهو لا طلاق في إغلاق فهو من هذا أيضًا، لأنه يريد أن غيره أدخله في هذا، فتقول: أغلقه غيره إغلاقًا فهو مغلق، والعرب تجعل العاشق مرة فاعلًا ومرة مفعولًا. 23785 - قال الشاعر تامت فؤادك لن تنجزك ما وعدت .... إحدى نساء بني ذهل بن شيبانا.

23786 - وكذلك يقال متيم ومشغوف ومستهام ومستطار وهذه أسماء المفعول به قال الله تعالى: (قد شغفها حبًا) فجعلها وهي العاشقة مفعولًا بها وجعله وهو المعشوق فاعلًا فعلى هذا يحتمل الإغلاق وإن ثبتت الرواية كأنه قال: في حال الإغلاق من يحبه إياه يوضح هذا قول بشر بن أبي خازم: فإن يكن للعقليات شطت .... بهن وبالرهينات الديار. 23787 - فسمى القلوب رهينة فهذا معنى غلق وأغلق. 23788 - فأما حمله على الإكراه فلا وجه له في اللغة فلا يجوز التشاغل به وإن حملنا اللفظ على الغضب –كما قال ابن قتيبة- وهو قريب من تغير الخلق الذي اله ابن دريد فكأنه عليه السلام نهى عن الطلاق في حال الغضب، لأن الإنسان يندم عند سكون غضبه في العادة.

23789 - وقد حمل أصحابنا الخبر على الجنون وقالوا: المجنون المغلق عليه في الحقيقة، لأن إطلاقه لا يقع بوجه. فأما المكره فيقع طلاقه في حال الإكراه على سائر نسائه، وعلى المرأة التي أكره على طلاقها، إن اختار ذلك. إلا أن الذي تقتضيه العلة على ما قدمنا. 23790 - قالوا: روي عن عمر وعلي وابن عباس وابن الزبير أن طلاق المكره لا يقع، ولا مخالف لهم. 23791 - قلنا: روى عمرو بن شرحبيل أن امرأة كانت مبغضة لزوجها فراودته على الطلاق فأبى، فلما رأته نائمًا قامت إلى سيفه فوضعته على بطنه ثم حركته برجلها، فلما استيقظ قالت له: والله لأنحرنك أو تطلقني، فطلقها ثلاثًا فرمت بالسيف، فأتى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فاستغاث به، فشتمها وقال: ويحك ما حملك على صنعك فقالت: بغضي إياه، فأمضى طلاقه.

23792 - وروى عن –علي كرم الله وجهه- أنه قال: كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه والصبي. وقد أوقع طلاق المكره ابن المسيب وعمر بن عبد العزيز. 23793 - والشعبي والنخعي وأبو قلابة والزهري. 23794 - قالوا: لفظ محمول عليه بغير حق فلم يقع به الطلاق كالإقرار بالطلاق.

23795 - قلنا: حكم الإقرار يخالف الإيقاع، بدلالة أن من أكره حتى أقر بالرضاع لم يثبت التحريم ولو أكرهت المرأة على الرضاع تعلق به التحريم فلم يعتبر أحدهما بالآخر. والمعنى في الإقرار أنه إخبار عن أمر ماض والخبر يحتمل الصدق والكذب، فإذا أقر طائعًا فالظاهر الصدق، لأن العاقل لا يكذب إلا في المنفعة أو لدفع مضرة، ولم يوجد منها. والظاهر أنه صادق، فإذا كان هناك إكراه فالظاهر أنه أقر ليدفع عن نفسه الضرب، فزال ذلك الظاهر حمل قوله على الصدق، فلم يقع الطلاق. 23796 - فإن قيل: لم سويتم بين الإكراه على النكاح وعلى الإقرار بالنكاح. 23797 - قلنا: بل فرقنا بينهما كالطلاق. وإن اكره على النكاح انعقد، وإن أكره على الإقرار بالنكاح لم يثبت. 23798 - قالوا: إذا أكره على الإجارة أو على الإقرار بالإجارة صح عندكم فاستويا. 23799 - قلنا: ما استويا، فإنه إذا أكره انعقدت الإجارة، وثبت خيار الفسخ. فإن أجازها جازت، وإن فسخها انفسخت فإذا أقر بها لم يحكم بها. 23800 - فإن قيل: عند أبي حنيفة - رضي الله عنه - إذا قلا لمن لا يولد لمثله: هذا ابني عتق، وإن كان كاذبًا فيبطل أن يقال: إن الإقرار يحمل على الصدق والكذب والصدق الظاهر. 23801 - قلنا: الإقرار بالنسب إيقاع قربة عندنا، فكأنه قال: هذا ابني وهو حر معتق لمعنى الإيقاع لا لمعنى الإخبار. 23802 - قالوا: معنى يسقط الإقرار بالطلاق فَيُسقط الحكم بإيقاع الطلاق كالصغر والجنون. 23803 - قلنا: يبطل بالهزل لو قارب الإيقاع لم يؤثر فيه ولو قارب الإقرار منع الوقوع بينه وبين الله تعالى، ولأن الصبي والمجنون لو قصد إيقاع الطلاق لم يقع، لأنهما ليسا من أهله، والمكره من أهل الطلاق بدلالة أنه لو قصد الطلاق وقع. ولو

طلق امرأة أخرى فكذلك لم يمنع الإكراه من وقوع طلاقه، كما لا يمنع هزله وقوع الطلاق. 23804 - قالوا: كل لفظ يقع التحريم والفرقة به إذا كان مختارًا لم يقع إذا كان مكرهًا، ككلمة الكفر. 23805 - قلنا: كلمة الكفر لا تقع الفرقة بها، وإنما تقع باعتماد الكفر، بدلالة أنه لو نوى الكفر ولم يتكلم به وقعت الفرقة. ولو نوى أنه يكفر إلى عشر سنين كفر في الحال. ولو نوى الطلاق لم يقع. 23806 - فعلمت: أن الكفر يعتبر فيه الاعتقاد، والإكراه يمنع الحكم بالاعتقاد في الظاهر، فلم تقع الفرقة. والطلاق يعتبر فيه إرسال اللفظ في زوجته مع التكليف، وهذا المعنى موجود في طلاق المكره. 23807 - فإن قيل: حكم الكفر أيضًا قد يتعلق بمجرد اللفظ بدلالة أن الهازل بالكفر كافر لوجود اللفظ دون الاعتقاد. 23808 - قلنا: هناك لا يكفر باللفظ لكن باستخفافه بالإسلام. 23809 - قالوا: قول يزول به الملك، فوجب أن يمنع الإكراه نفوذه كالبيع. 23810 - قلنا: لا فرق بين الطلاق والبيع عندنا في أن الإكراه لا يمنع انعقاد كل واحد منهما وقوعه، إلا أن البيع يثبت فيه الفسخ لعدم الرضا، والإكراه ينفي الرضا، كما ينفيه الخيار، فيفسخ بعد وقوعه. ولو لم يحل الفسخ فأجازه جاز، والطلاق يقع ولا يلحقه الفسخ بعد وقوعه وإن عدم الرضا كما لا ينفسخ بشرط الخيار. 23811 - قالوا: علم ظاهر يدل على فقد الإرادة مع كونه معذورًا فيه، كالصبي والمجنون.

23812 - قلنا: قولكم علم يدل على عدم الإرادة لا معنى له، لأن الصبي والمجنون لو أرادا الطلاق لم يتعلق بإرادتهما حكم/ وقولكم: مع كونه معذورًا تحترزون به عن السكران والعلة تنقضي به لأن السكران غير معذور في الشرب وهو معذور في السكر، لأنه من فعل الله تعالى. 23813 - والمعنى في الصبي والمجنون أن أقوالهما لا يتعلق بها حكم لفقد الخطاب ولهذا لو قصدا الطلاق لم يقع والمكره يتعلق بأقواله حكم بدلالة أنه لو طلق لا يقصد دفع ما هُدد به وقع طلاقه (لعدم الرضا) بزوال الملك لا يمنع الطلاق.

مسألة 1151 طلاق السكران

مسألة 1151 طلاق السكران 23814 - قال أصحابنا: يقع طلاق السكران. 23815 - وقال أبو الحسن، والطحاوي لا يقع طلاقه. 23816 - وهو أحد قولي الشافعي. 23817 - لنا: أن السكران مكلف بدلالة قوله تعالى: (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكرى) والنهي لا يتناول إلا المكلف. 23818 - وروى أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - استشار أصحابه في حد الشرب فقال علي - رضي الله عنه -: إذا شرب سكر، فإذا سكر هذى فإذا هذى: افترى،

وحد المفتري ثمانون. 23819 - فدل على أن السكران مكلف يجب عليه الحد، ولأن مخالفنا لا يخلوا إما أن يقول لا يجب الحد بقذفه، ولا القصاص في قتله، أو يقول يجب ذلك، فإن أوجب فهو مكلف، وإن لم يوجب ذلك كان فاسدًا، لأن كل إنسان يسكر ثم يقتل، فلا يلزمه شيء، فيؤدي إلى إبطال حرمة الدماء والأعراض وهذا لا يصح، لأن الله تعالى أوجب القصاص صيانة للناس، فإذا ثبت تكليفه. 23820 - قلنا: طلاق من مكلف في ملكه، فصار كغير السكران. 23821 - ويدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: (كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه والصبي).

23822 - ولأن السكر معنى يتعلق به الحد، فلا يمنع وقوع الطلاق كالزنا. 23823 - ولأن لا نعلم السكر إلا بقوله، والسكر فسق، والفاسق لا يقبل خبره، ولأن السكر معصية، والمعاصي يستحق بها التغليظ. 23824 - فلو قلنا: إن طلاقه لم يقع لجعلنا المعصية سببًا للتخفيف، وهذا لا يجوز. 23825 - فإن قيل: لو كسر رجل جاز أن يصلي قاعدًا، وإن كان سبب ذلك معصية. 23826 - قلنا: كسر الرجل لا يلتذ به والسكر يلتذ به ويعتقده من كمال المسرة فلذلك عوقب ببقية التكاليف وكسر الرجل لا يلتذ به حتى يتيقن التكليف معه. 23827 - احتج أبو الحسن: أن زوال العقل بشرب الشراب كزواله بشرب البنج فإن لم يقع الطلاق في أحد الموضعين كذلك الآخر. 23828 - والجواب: أن شرب البنج في العادة لا يقع على وجه المعصية، وإنما يقع

على وجه التداوي، ثم يفضي (إلى زوال العقل، فلم يعاقب ببقية التكليف. 23829 - وإذا زال التكليف، لم يقع الطلاق، وليس كذلك شرب النبيذ– لأنه يقع في الغالب على وجه المعصية، فعوقب ببقاء التكليف في حقه، فوقع طلاقه. 23830 - فإن قيل: إذا شرب البنج على وجه المعصية، ينبغي أن يقع طلاقه. 23831 - قلنا: الغالب من أمر الناس، أنهم يشربون البنج لغير المعصية، والحكم يتعلق بالغالب، ولأن العادة أن الأنسان يشرب البنج ويتظاهر زوال العقل، وهو يعقل، فلذلك لم يحكم بطلاقه، وفي العادة أن الإنسان يشرب الشراب، ويظهر السكر، وعقله ثابت، فعوقب بإيقاع الطلاق للتهمة. 23832 - قالوا: زائل العقل، فلم يقع طلاقه كالمجنون. 23833 - قلنا: المعنى فيه زوال التكليف، وسقوط الحد عنه والقصاص والسكران بخلاف ذلك. 23834 - فإن قيل: لو ارتد لم يحكم بردته. 23835 - قلنا: إذا أسلم حكمنا بإسلامه، فإذا ارتد لم يحكم بردته استحسانًا، لأن الردة تتعلق بالاعتقاد والسكران في الطلاق يعتقد والطلاق يتعلق بالقول دون الاعتقاد.

23836 - فإن قيل: لو أقر بالحد لم يلزمه. 23837 - قلنا: لأن الإقرار بالحد من شرطه أن يثبت على المقر عليه، ولهذا سقط برجوعه، والسكران في العادة لا يثبت على ما يقوله.

مسألة 1152 الطلاق بالحساب

مسألة 1152 الطلاق بالحساب 23838 - قال أصحابنا: إذا قال لامرأته، أنت طالق واحدة في اثنتين وقعت واحدة، وإن أراد الضرب والحساب. 23839 - وقال الشافعي: إن قال: أردت به واحدة مقرونة باثنتين، فهي ثلاث، وإن قال: أردت الحساب، وهو من أهل الحساب، فهي اثنان وإن لم يكن له بينة، والمنصوص أنها طلقة واحدة. 23840 - وقال الماروزي: طلقتان وإن لم يكن من أهل الحساب، وإن قال أردت موجبها عند الحساب ففيها وجهان. 23841 - لنا: أن الضرب يصح فيما له: مساحة، فأما ما ليس له مساحة فحقيقة الضرب لا توجد فيه، وإنما معناه ثنتين ضوعفت مرة، فصارت أربعًا، فإذا قال: أنت طالق كذا في كذا، فلفظ الإيقاع وجد المضروب [ولم يوجد المضروب به] فيه فلم يقع، ولأن ما دخل عليه حرف في الطلاق أما أن يجعل شرطًا أو ظرفًا، كقوله: أنت طالق في دخولك الدار أن يكون مشروطًا، والثاني يقول: أنت طالق في الدار. فيكون ذكر الدار ظرفًا وقد بطل في مسألتنا أن يكون شرطًا، فلم يبق إلا أن

يكون) ظرفًا. 23842 - احتجوا: بأن قوله: ثنتين في ثنتين عبارة عن أربعة في عادة الحساب، فمعنى ذلك لغة كأنه قال: أربعة في أخرى. 23843 - قلنا: إن قلتم إن هذا الذي ادعيتموه لغة لم يصح، لأن العرب لا تعرف ذلك، وإن قلتم: إنه في عادة الحساب فمعنى ذلك في عادتهم ثنتين ضوعفت مرة واحدة لضعفين لم ينضم إليه إيقاع، فلا يقع به شيء. 23844 - قالوا: قوله: أنت طالق إيقاع، وقوله اثنتين في ثنتين، تفسير، فيصير كقوله: أنت طالق هكذا، وأشار بأصابعه. 23845 - قلنا: إذا أشار فكأنه قال: أنت طالق هذا العدد. فإذا قال: ثنتين في ثنتين فإنما جاء بحرف الظرف، وذلك ليس بتفسير، ولا معه لفظة إيقاع فلم يقع به شيء.

مسألة 1153 [إضافة الطلاق إلى الجزء المعين الذي لا يعبر به عن جميع البدن]

مسألة 1153 [إضافة الطلاق إلى الجزء المعين الذي لا يعبر به عن جميع البدن] 23846 - قال أصحابنا: إذا قال يدك طالق، أو شعرك طالق، لم يقع الطلاق. 23847 - وقال الشافعي: إذا أوقع الطلاق على جزء يتصل به اتصال خلقة، وقع الطلاق. 23848 - واختلف أصحابه، فمنهم من قال: يقع الطلاق على العضو، ثم يسري. 23849 - ومنهم من قال: يقع ابتداء على جميعها. 23850 - لنا: قوله تعالى: (يأيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) فأمر بطلاق النساء ولم يأمر بطلاق اليد، فلم تطلق المرأة فلا يقع طلاقه ولأن الطلاق طريقة للأقوال، أو فيما أقيم مقامها، فإذا أضافه إلى جزء معين، لم يجز أن [يعتلق به، ثم يسري إلى البدن، كالبيع. أو نقول: فإذا أضافه إلى جزء معين لم يجز أن] يقع على الجملة كالمبيع، وإنما تغير الحكم لاختلاف مذهبهم حتى يتناول الحكم الطريقين. ولا يلزم إذا كان له قصاص في يد فعفي عنه. 23851 - لأنه يسري إلى الجملة ولا يتعلق بالجملة. ولا يلزم إذا قال: رأسك طالق، أو رقبتك طالق أو فرجك طالق، لأن الطلاق يصح بذلك كما يقع البيع بالإضافة. 23852 - فإن قيل: البيع لا يجب تكميله، ولا يسري بما يقع عليه إلى غيره،

وليس كذلك الطلاق، لأنه يجب تكميله. ألا ترى أن أحد الشريكين في العبد إذا أعتق نصيب شريكه، لم يعتق، وإن كان العتق يسري، لأن الوقوع لم يصح، فلم يسر، كذلك في مسألتنا. 23853 - قلنا: اختلفا في الوقوع، فإذا لم نسلم لهم صحة الوقوع، لم تصح السراية، ولأنه تصرف تختص صحته بالملك، فوجب أن لا يصح إضافته إلى طرف بعينه كالبيع. أو نقول إذا أضيف على الطرف لم يقع على الجملة كالبيع. 23854 - ولأن الطلاق لو أضافه إلى جزء معين، لم ينعقد على الجملة، فإذا أضاف رفع العقد إلى جزء معين، لم يصح كالإقالة، ولأن ما لا يصلح إضافة الوصية إليه لا يصح إضافة الطلاق إليه، كما لو قال: ريقك طالق ودمك طالق، وحملك طالق، ولا يلزم الرأس لأنه يصح إضافة الوصية إليه. 23855 - فإن قيل: المعنى فيه أنه ليس متصل بها، وإنما هو مودع فيها، ولهذا ينفصل منها بغير قطع. 23856 - قلنا: اتصال الدم بها، كاتصال الصفراء بالكبد، والظفر، واتصال الدم يقف على الجراحة كما أن اتصال الظفر يقف على ذلك، والدم أخص في التركيب من الظفر لأن النفس تفوت بفقده، ولا تفوت بفقد الظفر ولأن الطلاق معنى يختص بالنكاح. 23857 - قالوا: إطلاق قوله تعالى: (الطلق مرتان) يقتضي عدم التقيد بالنساء.

23858 - والجواب: أنهم أجمعوا أن المراد به طلاق النساء، ولهذا لم تطلق المرأة. يبين ذلك أنه قال: (الطلق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسن) أمر بإمساك المطلقة، أو تسريحها، ثم قال: (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) يعني المرأة، فدل على أن المراد بالآية طلاق النساء، أو طلاق المرأة ومن طلق عضوا منها لم يطلقها. 23859 - قالوا: أشار بالطلاق إلى ما اتصل بها اتصال خلقة، فوجب أن يكون في باب الوقوع، كالإشارة إلى الجملة. 23860 - أصله: إذا قال رأسك طالق. 23861 - قلنا: الأصل غير مسلم، لأنه متى أشار بالطلاق إلى الرأس/ المتصل بها، والفرج الذي هو العضو لم يقع الطلاق، وإنما يقع الطلاق، إذا ذكر الرأس، وهو يريد الجملة، إذا طلق، وذلك ليس إشارة إلى المتصل بها، فالأصل غير مسلم، وينتقض بالحمل، لأنه جزء من الأم، يعتق بعتقها ويدخل في بيعها، وهو متصل لا ينفصل إلا بالقطع، فكذلك الدم المتصل بها اتصال خلقة لو أضاف الطلاق إليه لم يقع. 23862 - قالوا: طلق جزءًا استباحه بعقد النكاح، وهو من أصل الطلاق، فوجب أن يقع الطلاق عليها، كالجزء الشائع. 23863 - قلنا: الجزء الشائع لا يمكن استباحته لجهالته، ولا تصلح الإشارة إليه حتى يستمتع به، ولأن الأصل غير مؤثر، لأنه أوقع الطلاق على ما استباح قبل النكاح، وهو الظفر، وأهداب العين، فوقع عندهم.

23864 - فإن قيل: إنما يستباح قبل النكاح النظر، فأما الاستمتاع، والنظر بشهوة، فإنما أباحه النكاح. 23865 - قلنا: الظفر وأهداب العين لا يستمتع بها، ولا ينظر إلى الظفر بشهوة، والمعنى في الجزء الشائع، أنه يصح إضافة الوصية إليه والبيع، فصح إضافة الطلاق إليه، والجزء المعين بخلاف ذلك، ولأن زوال الملك يجوز أن يختص) بجزء شائع، ويحرم الجمع. فإن جعلوا أصل هذه العلة الوجه والرأس فقد بينا الكلام عليه. 23866 - وقد فرق أصحابنا بين الظفر والرأس فقالوا: الرأس يعبر به عن جميع البدن، يقال عند فلان كذا رأسًا من الرقيق، ويعبر بالرقبة عن الجميع. قال الله تعالى (فتحرير رقبة) وقال تعالى (فك رقبة)، وقال (وفي الرقاب). والوجه يعبر به عن الجملة قال الله تعالى: (ويبقى وجه ربك) أي ذاته. وتقول: جاءني وجه العشيرة. والفرج يعبر به عن الجملة يقولون: فلان قال: ملكت كذا فرجًا، وليس كذلك الأنملة، وطرف الظفر، والشعرة الواحدة، لأنه لا يعبر بها عن الجملة. 23867 - فإن قالوا: قد ذكر الله تعالى اليد، وأراد بها الجملة قال الله تعالى: (ذلك بما قدمت يداك)، وقال: (تبت يدا أبي لهب وتب) وقال الله

تعالى: (لهم قدم صدق عند ربهم)، ويقال: تساوت الأقدام، وأعلا الله كعبك، وحيا الله هذه اللحية، ولفلان الوبر يعني: الجمال، ولفلان الشعر: يعني الغنم. 23868 - قلنا: هذا الكلام تكلف من مخالفنا، لأنه قد ثبت بالدليل الذي ذكرناه أن الرأس الذي والرقبة يعبر به عن جميع البدن، [ولا خلاف أن طرف الظفر لا يعبر به عن جميع البدن]، فقد صح لنا الفرق في موضع الخلاف، واعتبار اليد دون البدن، لأن الاسم الذي يتناولها لا معنى للتشاغل به، وعندهم أن الحكم لا يتعلق بما يعبر به عن اليد دون غيره. 23869 - فإن قيل: نحن لا نسلم أن الرأس يعبر به عن جميع البدن، ومعنى قوله كذا وكذا رأس أي رأس. 23870 - قلنا: الرأس في الحقيقة اسم العضو، وقد صار في العرف الذي ذكرناه اسمًا لجميع البدن، فلم يثبت مثل هذا العرف فيما ذكروا، ولو ثبت لسوينا بينهما، والمجاز لا يقاس عليه، لأنه لو فعل ذلك صار حقيقة، ولابد أن يكون أبو حنيفة عرف عادة في الاستعمال، لم يعرفها في هذه الأعضاء، فعلق الحكم بها، والعرف يأخذ الثاني عن الأول، فلم يلزم الأول إتباع الثاني فيه إلا أن يثبت بغير العرف. 23871 - فإن قيل: إذا كان الرأس في الحقيقة اسمًا للعضو وبالعرف لجميع البدن فالواجب أن لا يحمل على أحدهما بغير نية. 23872 - قلنا: إنما حمله أبو حنيفة على ذلك لعرف شاهده بحاضر الاسم، ولا

شبهة لمعرفته بالحال. على أن أصحابنا تكلموا على ما أورده فقالوا: قوله (تبت يدا أبي لهب وتب). ليس المراد به الجارية ولا الجملة، وإنما المراد العمل معناه: خسر عمله ثم قال (وتب) ولو كان المراد بالأول الجملة لكان مكررًا. 23873 - وقوله: (بل يداه مبسوطتان) المراد به: القدرة وقوله (فبما كسبت أيديكم) المراد به الجارحة، لأن الكسب يقع بها غالبًا. وقوله عليه الصلاة والسلام: على اليد ما أخذت حتى ترد أي على ذي اليد بحذف المضاف. وقوله تعالى: (لهم قدم صدق) المراد به عمل يتقدمون به. وفي قوله: (أعلا الله كعبه) معناه: عمله. وقولهم: لفلان الوبر [ولفلان الشعر] يدل على أن الشعر والوبر يعبر به عن الإبل والغنم وليس في ذلك دلالة على أنه يعبر عن الآدمي. 23874 - وقولهم: حيا الله لحيتك المراد به نفس اللحية لا الجملة وإنما أضاف اللحية إليها لأن الجمال والتمييز يقع بها، وجملة هذا أن يتناول الرأس الجملة مجازًا. فإن ادعى مخالفنا أن غير ذلك يعبر به عن) الجملة على طريق المجاز عرفا فلم يثبت هذا العرف عند أبي حنيفة - رضي الله عنه - ولو ثبت قال به. والاستعمال في المجاز لا يثبت بالقياس. 23875 - فإن قيل: إذا أطلق الرأس يتناول الجملة فإذا أضيف يتناول العضو.

نقول: هذا رأس فلان. 23876 - قلنا: وقد يضاف ما يراد به الجملة كما يقول: ذاتك ونفسك.

مسألة 1154 لا يستحلف في النكاح

مسألة 1154 لا يستحلف في النكاح 23877 - قال أبو حنيفة: لا يستحلف في النكاح. 23878 - [وقال أبو يوسف ومحمد: يستحلف فيه]. 23879 - وبه قال الشافعي. 23880 - لنا: أن حبسه لا يجوز أن يستوفى بالنكول فلا يستحلف فيه حد الزنا، ولا يلزم بالقصاص. لأن حبسه ليستوفى النكاح، فإذا لم يستحلف في أحدهما، لم يستحلف في الآخر، لأن كل واحد منهما أخذ ما يستوفى به منفعة البضع، ولأن بذله لا يصح، بدلالة أن استيفاءه مع البذل كاستيفائه من غير بذل في الحكم المتعلق به نصًا، كحد الزنا. 23881 - فإن قيل: لا نسلم أن بذله لا يصح، لأنها إذا تزوجته فقد بذلت نفسها، وإذا وطئها في النكاح فقد استوفى المنافع بالبذل، وحكم هذا الاستيفاء مخالف للاستيفاء من غير بذل. 23882 - قلنا: وطء الزوج ليس هو استيفاء بالبذل، لكن بحق الملك، وكذلك المرأة إذا تزوجت، فلم تبذل المنافع، وإنما بذلت العقد.

23883 - احتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (البينة على المدعي واليمين على المدعي عليه. 23884 - والجواب: أن هذا عموم مخصوص بما ذكرنا. 23885 - قالوا: ما جاز أن يثبت بالإقرار جاز أن يستحلف فيه كالمال. 23886 - قلنا: يبطل بالزنا.

مسألة 1155 المطلقة في مرض الموت ترث وهي في العدة

مسألة 1155 المطلقة في مرض الموت ترث وهي في العدة 23887 - قال أصحابنا: إذا أبان المريض امرأته فمات وهي في العدة، ورثت منه. 23888 - وقال الشافعي: -في أحد قوليه- لا ترث. 23889 - لنا: إجماع الصحابة رضي الله عنهم. وروى المغيرة عن إبراهيم، كتب عمر

إلى شريح فقال: كان فيما جاءني به عوف البارقي من عبد الله بن عمر) - رضي الله عنه - في الذي يطلق امرأته وهو مريض ترث ما كانت في العدة. 23890 - وروى الشعبي أن أم البنين ابنة عيينة بن حصن، كانت تحت عثمان بن عفان، فلما حضر طلقها، [فجاءت إلى علي بن أبي طالب بعد ما قتل، وأخبرته بذلك فقال: تركها حتى أشرف على الموت فارقها] فورثها. 23891 - وروى هشام بن عروة، عن أبيه،

عن عائشة رضي الله عنها) قالت: إذا طلق الرجل امرأته في مرضه، فانقضت العدة، فلا ميراث بينهما. وروى سفين بن حبيب عن رجل من قريش عن أبي بن كعب قال: إذا طلقها، وهو مريض، ثم مات ورثت منه. 23892 - وعن ابن عباس، وعروة بن الزبير مثله، وروى أن عبد الرحمن بن عوف طلق امرأته تماضر بنت الأصبغ الكلبية فدخل عليه عثمان يعوده، فأشهده على طلاقها، فقال له عثمان - رضي الله عنه -: أما أنك لو مت في مرضك، ورثتها منك، فقال: أما إني لم أطلقها فرارًا من كتاب الله، قال: ذلك ما تقوله، فمات في مرضه ذلك، فورثها عثمان، فأصابها ربع الثمن ثمانون ألفًا، وهذا بحضرة الصحابة من

غير نكير. 23893 - فإن قيل: عبد الله بن الزبير مخالف، لأنه قال: ورث عثمان تماضر ولو كنت أنا لم أروثها، وروى أنه قال: وأما أنا فلا أورث مبتوتة. 23894 - قلنا: ابن الزبير قال هذا بعد معاوية، في إمارته، والإجماع سبق قوله، فكيف يعتد بقوله على الإجماع، ولم يكن ابن الزبير ممن يجتهد مع عمر، وعثمان، وعلي، وعائشة رضي الله عنها، وإنما قال هذا بعد مضي عصرهم، فالإجماع سبق، على أن قوله: ورثها عثمان، ولو كنت أنا لم أورثها يجوز أن يكون معناه: استدراك من هذا الحكم، ما لو كنت أنا لم يقع لي، وقوله: أما أنا فلا أورث مبتوتة يجوز أن يكون معناه أستدرك أن رأيي أن لا أورث مبتوتة، إلا أن عثمان ورثها، فتبين أن القياس عنده يخالف قول عثمان، وهذا ليس بمخالفة منه، بل يجوز أن يكون عدولًا عن القياس بقول الصحابة رضي الله عنهم. 23895 - فإن قيل: عبد الرحمن مخالف (، لأنه طلقها لإسقاط ميراثها. 23896 - قلنا: قد روينا أنه لم يقصد بطلاقها إسقاط ميراثها، لأنه قال ما أطلقها فرارًا من كتاب الله. ولا اعتقد أنه يموت من ذلك المرض حتى يكون/

طلاقها، لإسقاط ميراثها. 23897 - قالوا: روي أن عبد الرحمن قال: والله لا أورث تماضر (بنت الأصبغ) وهذا يدل أن طلاقها كان لقطع الميراث عنها. 23898 - قلنا: لأنها سألته الطلاق، فاعتقد أن طلاقها مع مسألتها يسقط إرثها، وبذلك نقول، لأنه أخر تطليقاتها، فيجوز أن يكون ظنه أن العدة تنقضي قبل ذلك. 23899 - فإن قيل: لابد أن يكون في المسألة خلاف، لأن عثمان ورثها، وقد سألت الطلاق. وعندكم أنها لا ترث فإن كان إمساك الصحابة عن الإنكار إجماعًا فقد أجمعوا على ثبوت الميراث في موضع لا إرث فيه، فكيف يجتمعون على ضلال، وإن كان في المسألة خلاف، ولم ينكر. 23900 - قلنا: أما مسألتها الطلاق، فلم يطلقها بمسألتها، لأنه روى أنه قال: من سألتني الطلاق طلقتها، فأرسلت إليه تماضر تسأله الطلاق، فقال إذا حضت فأذنيني، فلما حاضت قال: إذا طهرت فأذنيني، فلما طهرت طلقها. 23901 - ولو كان الطلاق بمسألتها لقال حين سألت: إذا طهرت من حيضك فأنت طالق فأما قولهم أنه ورثها بعد انقضاء عدتها فقد روي هذا وروى أبو عوانه عن عمر

وابن أبي سلمة عن أبيه قال، طلق عبد الرحمن إحدى نسائه ثم قال: فلم (يلبث) إلا يسيرًا حتى مات وهي في العدة فورثها عثمان. 23902 - فيحتمل أن يكون من قال ورثها قبل انقضاء عدتها يعني قسم له قبل انقضاء عدتها. وليس من شرط الميراث بقاء العدة إلى حين القسمة، وإنما المعتبر بقاؤها إلى حين الموت. 23903 - فإن قيل: إنما لم يذكروا الآية لأنه موضع اجتهاد مذهبهم، حتى لا يعترضوا على الحاكم. 23904 - قلنا: لم تجر عادتهم على أنهم يمسكون عن ذكر مذهبهم، ومن عرف السيرة وما جرى عليه أمر الاختلاف علم أن العادة خلاف هذا. 23905 - فإن قيل: روي أنها صالحت عن حقها على ثمانين ألفًا، ولو كانت تستحق الإرث، لما احتاجت إلى الصلح. 23906 - قلنا: الورثة إذا أحبوا إخراج بعضهم من التركة، صالحوه عن حقه عن مال لتسلم لهم التركة، على أنها لو لم تستحق شيئًا لم يجز أن تصالح على مال يدفع إليها، ولأنه حق مال يجوز أن تستحقه المطلقة الرجعية، فجاز أن تستحقه المبتوتة كالسكنى. 23907 - فإن قيل: المعنى في السكنى أنها تستحق إن طلقها في الصحة كذلك إذا طلقها في المرض. والميراث لاتستحقه المطلقة في حال الصحة، كذلك إذا

طلقها في حال المرض. 23908 - قلنا: السكنى حق ثابت لها في حال الصحة والمرض. والطلاق في حال المرض لم يسقط هذا الحق، ولأنها وارثة فلا يملك إخراجها من الإرث بقوله. 23909 - أصله: سائر الورثة، ولأن الميراث يستحق تارة بنسب، وتارة بسبب، فإذا كان الوارث بالنسب لا يملك إخراجه من الميراث بقوله، كذلك الوارث بالسبب، ولا يلزم إذا طلقها في الصحة، لأنه يملك إسقاط حق ورثته عن ماله بقوله في الصحة، مثل أن يهب جميعه، ويسلمه. 23910 - ولا يلزم إذا نفي نسب الولد، لأنه لا يبطل بقوله، ولكن بقوله وحكم الحاكم، ولأنه لا يسقط عن الإرث، ولكن تبين أنه لم يكن وارثًا، ولا يلزم إذا كان له أخ، لأنه لم يخرج الأخ من الميراث، ولكن تبين أنه لم يكن وارثًا. 23911 - ولأن الأخ لا يخرج من الإرث بالإقرار بالابن، لجواز أن يصير الابن قاتلًا، ومرتدًا، ولأن تصرف المريض فيما يلحقه من التهمة حال المرض كتصرفه بعد الموت، والدليل عليه عتقه، وهبته، ومعلوم أنه لو أسقط حقها بعد موته لم يسقط، كذلك إذا أسقطه حال المرض. 23912 - ولأنه طلقها في حال يلحقها منه التهمة، فإذا دام المرض إلى حين موته مع بقاء عدتها ورثت ما لم يسقط حقها، كما لو قال لها: أنت طالق، أنت بائن.

23913 - ولا يلزم إذا سألته الطلاق، لأنها أسقطت حقها، ولأنها معتدة من نكاح صحيح، فجاز أنت ترث بوفاة الزوج، كالمطلقة الرجعية وهذه المسألة مبنية على أن حق الورثة متعلق بمال المريض حال مرضه، وقد دللنا عليه في كتاب الإقرار بامتناع تبرعه في ماله والحق إذا تعلق بملك المريض، وليس ببدل غير البضع، لم يملك إسقاطه بقوله. 23914 - أصله: الرهن، والسكنى. 23915 - فإن قيل: لو تعلق بحقهم بالمال، لم يملك المريض، وطء الجارية، والإنفاق على نفسه، ولا البيع، ولم تجب الزكاة عليه. 23961 - قلنا: المأذونة يتعلق بها الدين، ويملك مولاها الوطء، فأما الإنفاق فإنه يملك للحاجة، كما ينفق مال الصبي، ومال الغير، ولأن حق الورثة في معنى المال، والبيع هنا يسقط هذا المعنى، وأما وجوب الزكاة فلأنها تجب في الدين بعد الحول، وقد كان ملكًا بغير حلول الحول. 23917 - احتجوا: بقوله تعالى: (ولهن الربع مما تركتم) فأثبت الربع للزوجات. 23918 - قلنا: هذا يعدل على ثبوت الربع للزوجة، ولا ينفي ثبوته لغيرها، وتعلق

الحكم بالاسم لا يدل على نفي ما عداه. 23919 - فإن قيل: إذا طلق أربع زوجات، وتزوج أربعًا، فالظاهر يقتضي ثبوت الميراث للأواخر، وعندكم لا يرثن. 23920 - قلنا: إذا تزوجهن في عدة الأوائل فنكاحهن باطل، ولا نسلم أنهن زوجات، ولأن قوله تعالى: (ولهن الربع) تقدير للزوجات الربع، وهذه مبنية بالزوجية، والعرب تبعض بأدنى ملابسة ألا ترى إلى قولهم: إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرة .... سهيل أذاعت غزلها في القرائب 23921 - والمعتدة لها ملابسة بالزوج فيجوز أن تضاف إلى الزوجية، فتستحق الميراث بالعموم. 23922 - وقد قال أصحابنا: إن النساء اللاتي كن صويحبات الربع لا تستحققن الميراث بعد زوال الزوجية، وهذه كانت زوجة. 23923 - فإن قيل: معناه التي كانت زوجة إلى حين الموت. 23924 - قلنا: أضمرتم ما ذكرناه وزيادة واللفظ إذا استعمل بالإضمار لم يجز الزيادة عليه. 23925 - قالوا: فرقة تقطع إرثه منها، فوجب أن تقطع إرثها منه، كما لو أبانها في حال الصحة. 23926 - قلنا: تبطل بموت الزوج. فإنه موجب فرقة تقطع إرثه منها، ولا تقطع إرثها منه، ولأن الزوج لما اكتسب سبب الفرقة، جاز أن يسقط إرثه

وإن لم يسقط إرثها، كما لو جرحها. فلو مات بعد الجراحة ورثت، وإن ماتت لم يرثها. ثم الأصل غير مسلم، لأن الفرقة تحصل في حال الصحة فيتعلق بها الإرث إذا ارتد الزوج في صحته، ورثت منه. 23927 - والمعنى في حال المرض أنه لا يملك إسقاط حقها عن جميع ماله بالهبة، والصداقة فلم يملك ذلك بالطلاق. 23928 - فإن قيل: إنه يملك في المرض إسقاط حقها عن جميع ماله بأن يقر للأجنبي. 23929 - قلنا: إقراره يبين أنه لم يكن حقها تعلق به، فأما أن يسقط به حقها فلا. 23930 - قالوا: إرث ينقطع بالفرقة في حال الصحة، فيسقط الإرث في حال المرض قياسًا عليه. 23931 - قلنا: أما إرثه منها فلأنه رضي بالإسقاط حين اكتسب البينونة بفعله، وهي لم ترض بإسقاط حقها فلا يسقط، وصار نظير مسألتنا أن ترتد حال مرضها، فيرث منها، ولا ترث منه لَمِا اكتسِب بسبب الفرقة. 23932 - فإن قيل: الميراث لا يسقط بالرضى، بدلالة غير الزوجية، لو رضي بإسقاط حقه من الإرث لم يقسط.

23933 - قلنا: لأن السبب الذي به يرث لا يصح إبطاله بالرضى، وسقط الإرث مع بقاء سببه لا يصح، والزوجية يصح رفعها، فكذلك اختلف الميراث بالرضا وغيره. وصار (نظير مسألتنا أن يقر أحد الوارثين بجميع ماله في مرضه، فيصدقه الوارث الآخر. 23934 - قالوا: كل فرقة قطعت الميراث حال الصحة قطعته حال المرض، كما لو لاعنها، أو طلقها بمسألتها. 23935 - قلنا: أما المعلق فغير مسلم، لأن عند أبي حنيفة وأبي يوسف إذا لاعن حال المرض ترث، سواء قذفها حال الصحة، أو حال المرض وقال محمد: إن حصل القذف في المرض ورثت، وإن كان حال الصحة لم ترث. فأما إذا طلقها بمسألتها فقد رضيت بإسقاط حقها، وحق الوارث يجوز أن يسقط عن مال المريض بفعله، وإن كان لا يسقط بفعل المريض: كما لو أقر أن عنده حق فصدقه، أو أقر لوارثه بجميع ماله فصدقه. 23936 - قالوا: خصائص النكاح ارتفعت بينهما من الإيلاء والظهار، واللعان، وعدة الوفاء، فكذلك الميراث. وتحريره أنه حكم يختص بالنكاح، فوجب أن ينقطع بالبينونة حال المرض. 23937 - قلنا: خصائص النكاح لم تزل، لأن العلة واحدة والسكنى، والنفقة، والمختلعة يلحقها طلاق عندنا لأن المختلعة يلحقها الطلاق.

23938 - قالوا: كيف يتصور هذا في المختلعة، وهي لا ترث باتفاق عندنا للبينونة، وعندكم، لأنها سألت الطلاق. 23939 - قلنا: إذا قبل الخلع أجنبي، وأعطى العوض فإنها ترث عندنا. 23940 - فإن قيل: العدة ليست من خصائص النكاح، لأنها تثبت/ بالنكاح وغيره. 23941 - قالوا: الميراث مستحق يثبت لزوجته أولًا. 23942 - قلنا: وقسم آخر عندنا، وهو بقاء العدة عند الموت من طلاق يلحقه عند التهمة. 23943 - فإن قيل: الأسباب التي يتوارث بها يلزم بقاؤها إلى حين الموت. 23944 - قلنا: ملك الأسباب يتصور بقاؤها بعد الوفاة، فإذا زالت قبل الوفاة لم يستحق بها، وهذا السب لا يتصور بقاؤه بعد الوفاة، وإنما تبقى غايته وهي العدة، فيرث معها، فجاز أن يكون بقاؤها إلى حين الموت، ويستحق فيه الإرث، كما يستحق ببقاء تلك الأسباب. 23945 - قالوا: عندكم إذا وطئها ابن زوجها في مرضها ورث منها، فتقول: بانت منه في حال مرضها، فلم ترث منه، كما لو أعتقت تحت عبد فاختارت فأعتق. 23946 - قلنا: هناك لا تهمة تلحقها في الاختيار، لأن الفرقة، ليست ظاهرة والشرع جعل لها استدراك حقها به، فلم تحمل الفرقة على قصد إسقاط حقه به، وفي مسألتنا هي متهمة أن تكون قصدت الفرقة ليسقط حقه من إرثها فلم يسقط.

23947 - ولأن من أصحابنا من سلك في هذه المسألة طريقة أخرى، وقال: الطلاق الثلاث، والبائن منهي منه عندنا. فمتى فعل أيا منها لم يسقط إرثه كالردة. فعلى هذا اختيار نفسها ليس بفعل منهي عنه، بل يمنع من سقوط إرثه. 23948 - فإن قيل: الزوج ملك في حال مرضه أن يتزوج ثلاثًا سواها فينقل حقها من الربع إلى ربع الربع، كذلك يملك إسقاط حقها من الجميع. 23949 - قلنا: يملك أن يزاحم الورثة، عن بعض حقهم، وإن لم يكن يملك إسقاط حقهم. ألا ترى أنه لو أوصى بالثلث جاز، وإن نقص حق الورثة بالوصية، فلو وصى بجميعها لم يجز إسقاط حقهم. 23950 - قالوا: لو ثبت حقها، لأجل الفرار، لم يسقط بانقضاء العدة. 23951 - قلنا: سقط، فلو طلقها طلاقًا رجعيًا لم يسقط حقها عن الميراث باتفاق، وإن انضم إلى ذلك انقضاء العدة سقط حقها، ولأن عدتها إذا انقضت حلت للأزواج، فلو ورثت من الأول استحقت ميراثًا آخر، والمرأة لا تستحق (ميراث زوجين) في حالة واحدة.

مسألة 1156 إذا انقضت عدة المبتوتة لم ترث

مسألة 1156 إذا انقضت عدة المبتوتة لم ترث 23952 - قال أصحابنا: إذا انقضت عدة المبتوتة، لم ترث. 23953 - وقا الشافعي: [في أحد] قوليه-: ترث ما لم تتزوج، وهو قول مالك. 23954 - لنا: أنه ليس بينهما نكاح، ولا حكم من أحكام النكاح، فوجب أن لا ترث منه بالزوجية كسائر الزوجات. 23955 - ولأنه يجوز له تزويج أختها وأربع سواها، كما لو تزوجت، ولأنها حلت للأزواج، فلم ترث بالزوجية، كالأجنبية. 23956 - احتجوا: بأن حقها ثابت ولم يوجد منها ما يدل على إسقاط حقها كما لو لم تنقض عدتها. 23957 - الجواب: أنه إذا لم تنقض العدة فحقوق النكاح باقية، فجاز أن ترثه، ومتى انقضت، فلم يبق نكاح، ولا حق من حقوقه، فلم ترث بالنكاح.

مسألة 1157 إذا انقضت عدة المبتوتة وتزوجت لم ترث

مسألة 1157 إذا انقضت عدة المبتوتة وتزوجت لم ترث 23958 - قال أصحابنا: إذا انقضت عدة المبتوتة وتزوجت، لم ترث. 23959 - وقال الشافعي: في قول آخر (ترث) -وإن تزوجت-. 23960 - لنا: أنه (وجد) من حقها ما يدل على الإعراض عن الزوج الأول، فوجب أن لا (ترث) منه، كما لو سألته الطلاق فطلقها. 23961 - ولأنه ليس بينهما نكاح، ولا (حكم) من أحكامه، فلم (ترث) بالزوجية كالأجنبية. 23962 - ولأنا لو قلنا بأنها (ترث)، وإن تزوجت، أدى ذلك أن ترث امرأة واجدة من أزواج كثيرة في حالة واحدة، وهذا مستقبح. 23963 - احتجوا: بأن حقها ثابت، وتزوجها حق مباح، فلا يسقط حقها. 23964 - والجواب: أنه سقط سؤال الطلاق.

مسألة 1158 ما يهدم الزواج الثاني من الطلاق وما لا يهدم

مسألة 1158 ما يهدم الزواج الثاني من الطلاق وما لا يهدم 23965 - قال أبو حنيفة وأبو يوسف: الزواج الثاني يهدم ما دون الثلاث، فإذا عادت إلى الأول، عادت بثلاث تطليقات. 23966 - وقال محمد: تعود بما بقي من طلاقها. 23967 - وبه قال الشافعي. 23968 - لنا: قوله تعالى: (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك). دلالة ظاهره يقتضي أن كل زوج يملك الرجعية. ويدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام: كل طلاق جائز إلا طلاق الصبي والمعتوه، وقال: الطلاق لم أخذ بالساق، وقال طلاق الأمة تطليقتان، وعدتها حيضتان، ظاهره يقتضي أنه إذا طلق الأمة، ثم تزوجها بعد زوج، ملك تطليقتين، ولأنه

وطئها زوج ثان، فوجب أن يرفع الحكم المتعلق بالطلاق. أصله: إذا كان الطلاق ثلاثًا. 23969 - ولا يقال: إن الوطء لا يرفع حكم الطلاق، بدلالة أنه لو ارتفع عادت زوجته، وإنما يعمل في إباحة العقد، وما دون الثلاث لا يحرم العقد، ولا يعمل فيه وطء الزوج الثاني، وذلك لأن زوال الملك والتحريم ليس هو من أحكام الطلاق، وإنما يتعلق بانقضاء العدة، أو باستيفائها. 23970 - وقولهم: (كان يجب أن تعود زوجته ليس بصحيح، لأن الوطء يؤثر في الطلاق الثلاث، ثم لا يجب أن تعود زوجته، بل نأمره أن يلحقها بالأجنبيات حتى يجوز تزويجها، فيملك منها كمال الطلاق. 23971 - وفي مسألتنا يؤثر في الطلاق، حتى يلحقها بالأجنبي، فيملك منها إذا تزوجها ثلاث تطليقات. وقولهم: إن وطء الزوج يعمل في الإباحة خاصة ليس بصحيح، لأنه يلحقها بالأجنبيات، وهذا يقتضي أمرًا زائدًا على الإباحة. 23972 - ألا ترى أنه يملك منها ثلاث تطليقات، وهذه يملك منها دون ذلك، ولو عمل في الإباحة خاصة، لم يجز أن يملك منها الثلاث. 23973 - ولأن كل وطء جاز أن يؤثر في كمال العدد، جاز أن يوجب الحد الناقص في العبد، ولأنها فارقت الأجنبيات بالطلاق، بدلالة أنه يجوز أن يتزوجها والأجنبية إذا تزوجها يملك منها ثلاث تطليقات، وهذه يملك منها دون ذلك

فوجب أن يلحقها وطء الزوج الثاني بالأجنبيات كالمطلقة ثلاثًا. 23974 - ولأن التطليقة الواحدة تكمل بانضمامها) إلى غيرها، فأثر وطء الزوج الثاني في حكمها كالثالثة: ولأن حكم المتعلق بالثلاث أغلظ من حكم ما دونها، فإذا كان لوطء الزوج الثاني تأثير في أغلظ الأمرين، فأولى أن يؤثر فيما دونه. 23975 - ولأن وطء الزوج الثاني إما أن يؤثر في العدد دون التحريم، أو في التحريم دون العدد، أو فيهما، ولا يجوز أن يؤثر في العدد خاصة، لأنه لو كان كذلك، لنفى التحريم ولا يجوز أن يؤثر في التحريم خاصة، لأنه لو كان كذلك في العدد ثبت أنه يؤثر فيهما، فالعدد موجود في مسألتنا، فوجب أن يؤثر الوطء فيهما، فإذا ارتفع حكم العدد فيهما ملك العقد ما كان يملك لو تزوجها ابتداء. 23976 - فإن قيل: وطؤه يؤثر في تحريم العقد، وذلك يتعلق بمجموع الآية، فإذا ارتفع التحريم ملك بالعقد عليها ثلاث تطليقات، كالنكاح المبتدأ. 23977 - قلنا: لو كان كذلك لوجب أن يرتفع حكم التطليقة الثالثة، التي بوجودها حرم العقد فلو ارتفع حكم جميع الطلاق، دل على أنه يؤثر في التحريم العدد. 23978 - احتجوا: بقوله تعالى: (الطلق مرتان)، ثم قال: (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره) ظاهره يقتضي أنه إذا تزوجها بعد زوج يملك تطليقتين فإن كان قد طلقها قبل ذلك تطليقتين يملك تطليقة.

23979 - قلنا: قوله تعالى: (فإن طلقها) الفاء للتعقيب يقتضي أنه إذا طلقها عقيب التطليقتين تحرم عليه، ومتى تزوجت بزوج آخر، وعادت إلى الأول فطلقها فلم توجد التطليقة الثالثة عقيب التطليقتين، والآية لا تتضمن ذلك. 23980 - قالوا: لابد لكم من تخصيص أول الآية، لأن الزوج الذي يملك التطليقتين هو الذي تزوجها ابتداء، لو تزوجها بعد زوج، ونحن نستدل بآخر الآية من غير تخصيص، لأن كل من طلق تطليقتين لم يملك أن يطلق الثالثة إلا بعد زوج. 23981 - فإن قيل: أول الآية دلالة لكم لأنه يقتضي الإباحة وآخرها دليلنا، لأنه يقتضي الحظر. 23982 - قلنا: الترجيح يصح إذا تساوى الاستدلال، وقد بينا أنه لا يصح تعلقهم بآخر الآية، لأنها تقتضي ارتفاع الثلاث عقيب التطليقتين، وهذا يتناول ما يحلله وطء الزوج. 23983 - قالوا: روى مثل قولنا عن عمر، وأبي هريرة وأبي ابن كعب، وعمران،

وعلي، ومعاذ، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمر، ولا مخالف لهم. 23984 - قلنا: هذه مسألة خلاف مشهورة بين الصحابة. وروى شعبة، عن حماد عن سعيد قال: سألت ابن عمر، وابن عباس عن الزوج الثاني فقالا: لا يهدم النكاح الطلاق.

23985 - وقولهم: إن هذا يحتمل أن يكون في المطلقة ثلاثًا. 23986 - قلنا: لا يصح، لأن ذلك ذكر في الخبر أن عمران بن الحصين سئل عن ذلك فقال: هي على ما بقي. وسئل ابن عباس وابن عمر فقالا: هي على الثلاث، والطلاق لا يتناول كيفية إذا نصوا على موضع الطلاق لأن وطء الزوج الثاني لا يحتاج إليه في إباحته للزوج الأول، فلا يرتفع حكم الطلاق. أصله: وطء المولى، ووطء الزوج الثالث. 23987 - قلنا: الوطء غير مسلم، لأن وطء الزوج الثاني، وإن لم يحتج إليه/ في الإباحة، في مستقبل النكاح، احتيج إليه في الإباحة في إيجاز النكاح، لأنه إذا تزوجها قبل زوج، وطلقها بعد الطلاق حرمت عليه، وإن عادت بعد زوج وطلقها ذلك الزوج لا بعد طلاق لم تحرم، فإذا وطء الزوج يحتاج إليه في الإباحة عندنا. 23988 - ثم لا يمنع أن يكون الشيء لا يحتاج إليه في إثبات الحق، وإذا وجد تعلق بوجوده الحكم المتعلق، [به كما لو شهد الشهود] بشهادة، حتى لو رجع الشهود وجب عليهم الضمان، والزيادة على ضمان السرقة، لا يحتاج إليه في وجوب القطع، وإذا وجد تعلق الحكم به، وكذلك عتق الأمة، لا يحتاج إليه في تحريمها على المطلق، لأنها تبين باثنتين، فإذا اعتقت تعلق التحريم بها ولم تبن إلا بالثلاث، فكذلك على أصلهم حرمة الزوج والمعنى في وطء المولى، لأنه لا يؤثر في الثالثة، فلم يؤثر فيما دونها. ولما كان وطء الزوج يؤثر في الثلاث، جاز أن يؤثر في حكم ما دونها، والمعنى في وطء الزوج الثالث أنه تكرار للسبب في رفع

التحريم سبب إذا تكرر، فلم يؤثر في الثاني، ولم يدل على أن الأول لا يؤثر. 23989 - ألا ترى أن الحدث الثاني لا يؤثر في إيجاب الوضوء، وإن كان الحدث الأول يؤثر في ذلك. 23990 - قالوا: مطلقة لم يستوف عدد طلاقها، فوجب أن تعود إلى زوجها بما بقي من طلاقها. 23991 - أصله: إذا عادت إليه قبل أن يطأها الزوج الثاني. 23992 - قلنا: قولكم مطلقة لم يستوف عدد طلاقها يدل على ضعف حكم الطلاق. وقولكم: وجب أن تعود بما بقي يقتضي تغليظ الحكم، وهذا ضد الوصف. والمعنى فيه إذا عادت قبل زوج أن سبب الإباحة لم يوجد، وليس كذلك في مسألتنا؛ لأن سبب الإباحة قد وجد فصار كما لو كانت مطلقة ثلاثًا. 23993 - قالوا: وطء الزوج لا يخلو إما أن يرتفع الطلاق أو يرتفع التحريم، أو يصح العقد. ولا يجوز أن يرفع الطلاق، لأنه إذا ثبت لم يلحقه الفسخ، ولا يجوز أن يرفع التحريم، لأنه لو كان كذلك حل له وطؤها، فلم يبق إلا أن يؤثر في إباحة العقد، وهو مباح متى كان الطلاق أقل من ثلاث، فصار وجوده وعدمه سواء. 23994 - قلنا: قولكم أن الوطء لا يرفع الطلاق، لأنه لا يلحقه الفسخ صحيح إلا أن حكمه يرتفع حتى يملك في العقد الثاني مثله، بدلالة المطلقة ثلاثًا فما دون الثلاث يزول حكمه، كما زال حكم الثلاث. 23995 - وقولهم: لو ارتفع التحريم حلت للزوج غط، لأنها بالطلاق الثلاث أسوأ حالًا من الأجنبيات، فالوطء يرفع التي فارقت الأجنبيات، فيصير في حكمين، فيجوز العقد ولا يجوز وطؤها، ولم تكن إباحة تمليكها موجبة إباحة وطئها، فلما حل الوطء والعقد دل على أن الوطء أثر في رفع التحريم، وإزالة حكم الطلاق.

مسألة 1159 الاشتباه في محل الطلاق

مسألة 1159 الاشتباه في محل الطلاق 23996 - قال أصحابنا: إذا طلق إحدى امرأتيه بعينها، ثم اشتبهت عليه، فالبيان إليه. فإن وطأ إحداهما فالمطلقة الأخرى، وإن طلق إحداهما بغير عينها، فوطأ تعين الطلاق في الأخرى. 23997 - وقال الشافعي: لا يتعين، وإن كان الطلاق في غير معين ففيه وجهان. قال المروزي: تعين. 23998 - [وقال ابن أبي هريرة: لا يتعين] 23999 - لنا: أنه يملك تفريق الملك بقوله، فيملك ذلك بفعله. أصله: إذا باع بشرط الخيار ثم وطئ، ولأنه يملك وطء إحداهما دون الأخرى أولى، فالظاهر أنه وطأ من ملك وطئها، دون من لا يملك وطئها، وهذا لا يكون إلا بالتعيين فيها بقوله، فيملكه بفعله. أصله: إذا باع قفيزًا من صبرة، ثم أكلها إلا قفيزًا تعين المبيع في القفيز، ولا يلزم إذا أعتق إحدى أمتيه، ثم وطأ

إحداهما، لأن الملك تعين بالفعل عندنا إذا علقت منه. 24000 - احتجوا: بأن إحداهما مطلقة فلا يملك بقاءها بالوطء. أصله: إذا طلق إحداهما بعينها، ثم نسيها. 24001 - الجواب: أن الخلاف في المسألتين واحد. 24002 - قالوا: المملوك في النكاح لا يملك [بالفعل ابتداء]، فتقرير الملك لا يقع بالفعل. 24003 - قلنا: المملوك بالنكاح يملك بالفعل في الشراء، كما أن المملوك في البيع يملك بالفعل، فلا فرق بينهما. 24004 - قالوا: لو كان الوطء بيانًا لكان إذا وطئها يتعين الطلاق فيهما. 24005 - قلنا: الوطء لا يتصور فيهما معًا، وإنما يقع في إحداهما بعد الأخرى، فيتعين الطلاق في الثانية، ولا يبقى بعد ذلك طلاق يتعلق بالوطء. 24006 - فإن قيل: قد قال أبو حنيفة إذا أعتق إحدى أمتيه، ثم وطأ إحداهما لم يتعين العتق بالوطء. 24007 - قلنا: الفرق أن الطلاق موجبه التحريم، وذلك ينفي النكاح، فلما وطأ إحداهما، دل أنه لم يطأ من لا يملك وطئها، وأما العتق فيوجب تحريم الوطء، فإذا وطأ إحداهما، تعين التحريم في الأخرى، وتحريم الوطء لا ينفي ملك اليمين، كأخيه من الرضاع.

مسألة 1160 لا يحال بين الزوج ومنكوحته في الطلاق المبهم

مسألة 1160 لا يحال بين الزوج ومنكوحته في الطلاق المبهم 24008 - قال أصحابنا: إذا طلق إحدى امرأتيه بغير عينها، أو بعينها واختلطت لزمه البيان في المعين، والتعيين في [غير] المعين ولا يحال بينه وبينهما. 24009 - وقال الشافعي: يحال بينه وبينهما. 24010 - لنا: أن الملك يزول في غير معين وهو يملك التعيين، فلا يحال بينه وبين الجميع، كمن باع قفيزًا من صبرة، ولأنه إذا طلق إحداهما بعينها فالمطلقة معتدة والزوج لا يحال بينه وبين المعتدة، لأن الواجب كونها في منزله إلى أن تنقضي عدتها، وإن كان تعين بالحيلولة معه من وطئها، فلذلك نقول: وأما إن كان إحداهما تعين عينها فله أن يتخير في البيان، فلا معنى للحيلولة بين المشتري ومتاعه على وجه الخيار. 24011 - احتجوا: بأن إحداهما أجنبية محرمة عليه. 24012 - والجواب: أنه يبطل به إذا باع قفيزًا من صبرة، فإنه يحرم عليه، ولا يحال بينه وبين البائع.

مسألة 1161 حكم الإرث إذا مات الزوج ولم يبين الطلاق في إحدى امرأتيه

مسألة 1161 حكم الإرث إذا مات الزوج ولم يبين الطلاق في إحدى امرأتيه 24013 - قال أصحابنا: إذا طلق إحدى امرأتيه: ثم مات قبل أن يبين، قسم ميراث امرأة بينهما. 24014 - وقال الشافعي: يوقف حتى يصطلحا. 24015 - لنا: أنهما يتساويا في سبب الاستحقاق، لأن حجة كل واحدة منهما كحجة الأخرى، فوجب أن يتساويا في الإرث، كما لو أقامت كل واحدة من النساء البينة بالزوجية، ولأن الحاكم نصب لفصل الأحكام، ولم ينصب لإيقافها، ولأن التنازع في الحق لا يجوز أن يقف على اصطلاح المتخاصمين، فلا يفصل بغير الصلح، كسائر الأحكام. 24016 - قالوا: إحداهما أجنبية فلا يجوز أن يقسم الميراث بينهما. 24017 - قلنا: إنما لا يستحق الميراث الأجنبية إذا تعينت، فأما مع الأشكال يجوز أن تستحق، كما يجوز أن تأخذ بالصلح. 24018 - قالوا: لو لم يطلق واحدة منهما كان الربع بينهما، فإذا قسم بعد الطلاق بينهما، صار وجود الطلاق وعدمه سواء. 24019 - قلنا: الطلاق لا يجوز أن يؤثر في مقدار السهم لأنه لا يخلف المرأة الواحدة وما زاد عليهما، وإنما يؤثر في حرمان المطلقة، فإذا تعينت لم يؤثر في إسقاط حق من لا تتعين.

مسألة 1162 إذا طلق إحدى امرأتيه بغير عينها فماتت إحداهما

مسألة 1162 إذا طلق إحدى امرأتيه بغير عينها فماتت إحداهما 24020 - قال أصحابنا: إذا طلق إحدى امرأتيه بغير عينها، فماتت إحداهما بطل الطلاق في الميتة. 24021 - وقال الشافعي: له أن يعين الطلاق في الميتة. 24022 - لنا: أنه مخير في التعيين، ولم يبق من يصح إيقاع الطلاق عليه إلا الباقية، ومن خير بين أمرين ففات أحدهما تعين الآخر، ولأن الميتة لا يصح أن يبتدئ فيها الطلاق، فلا يصح أن يعين فيها الطلاق كالأجنبية، ولأنها ماتت غير مطلقة، بدلالة أنه يجوز أن يقول بعد موتها: ما أردتها بالطلاق، وإن لم تكن مطلقة قبل الموت لم يثبت فيها حكم الطلاق بعد الموت، كما لا يثبت الطلاق المبتدأ. 24023 - قالوا: لو كان يملك البيان فيها فلا يسقط ذلك بموتها عليها. 24024 - قلنا: كان يملك البيان، لأنه يملك ابتداء الإيقاع فيها، فلما ماتت صارت بحيث لا يملك الإيقاع عليها، فلم يملك البيان. 24025 - فإن قيل: إذا طلق إحداهما بعينها ونسبها لم يتعين الطلاق فيها بالموت. 24026 - قلنا: لأن هناك ليس له اختيار الطلاق، وإنما يخير عن المطلقة عند الإيقاع، ولا يتعين التخيير بالموت. وفي مسألتنا تخيير الطلاق، كما يتخير الإيقاع، وقد كان الاختيار في الميت، فيتعين الطلاق في الباقي.

مسألة 1163 ما يختلف به عدد الطلاق

مسألة 1163 ما يختلف به عدد الطلاق 24027 - قال أصحابنا: عدد الطلاق معتبر بالنساء، فإذا تزوج الحر الأمة ملك منها تطليقتين، وإن تزوج العبد الحرة، ملك منها ثلاث تطليقات. 24028 - وقال الشافعي: الطلاق معتبر بالرجل، وطلاق الحر ثلاث تطليقات حرة كانت زوجته حرة أم أمة، وإن كان عبدًا فطلاقه تطليقان أمة كانت تحته أم حرة. 24029 - لنا: ما روى مظاهر بن أسلم، عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (طلاق الأمة تطليقتان، وعدتها حيضتان). 24030 - فإن قيل: قال أبو داود: مظاهر منكر الحديث/. 24031 - قلنا: طعن أصحاب الحديث لا يلزمنا حتى يبينوا جهة الطعن، وقد روى هذا الحديث عطية العوفي،

عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. 24032 - وقولهم إن عطية ضعيف، والكلام عليه كالأول. ولأن أحمد بن حنبل قال: إذا اتفق ضعيفان على رواية خبر جاز العمل به. 24033 - فإن قيل: روى عن القاسم بن محمد أنه سئل عن هذه المسألة فأجاب بقولكم، فقيل له: بلغك في هذا شيء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا. 24034 - قلنا: هذه طريقة لا تقدح عندكم، لجواز أن يروى وينسى، ولهذا قلتم بخبر سليمان بن موسى عن الزهري في قوله عليه الصلاة والسلام: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل)، مع إنكار الزهري الخبر. ويجوز أن

يكون القاسم سئل عن طلاق العبد للحرة، فأجاب بقولنا، وقال: لم يبلغني فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء. ولأن الطلاق معنى يختص بالنكاح، والنكاح يختلف بالرق، والحرية فجاز أن يؤثر فيه رق المرأة. 24035 - أصله: القسم. ولا يلزم عدد المنكوحات، لأن ذلك نفس النكاح. 24036 - ولا يقال: إنه معنى يختص به؛ لأن رق المرأة يؤثر فيه، فعندهم لا يتزوج الحر أكثر من أمة واحدة، وعندنا لا يتزوجها بعد حرة. 24037 - فإن قيل: المتغلب على القسم حق النساء، لأنه وقع للعدل بينهن فللملك أثر فيه رقهن. 24038 - قلنا: لا يمتنع أن يكون القسم لحقهن، وإن اعتبر بغيرهن، كما أن المغلب على العدة أنها وضعت لصيانة ماء الزوج، ويبقى حقه ببقائها، ويسقط بانقضائها، وإن كانت معتبرة بالنساء. 24039 - قالوا: القسم له عدد محصور، وإنما هو بحسب التراضي إن شاءوا يومًا ويومًا وإن شاءوا شهرًا وشهرًا، والطلاق معدود محصور فهو كعدد المنكوحات. 24040 - قلنا: القسم محصور، بمعنى أن للحرة ضعف قسم الأمة، لأنه لا زيارة للحرة على الضعف، ولا تنقص الأمة من النصف، فهو محصور من هذا الوجه، وقد أثر الرق فيه. ولأنه معنى ذو عدد يختص بالنساء يؤثر فيه الرق، فجاز أن يؤثر فيه رق المرأة، كالعدة.

24041 - ولا يلزم عدد المنكوحات، لأنه لا يختص بالنساء، وإنما ثبت للرجال، والطلاق بخصهن فيقال: امرأة مطلقة ومعتدة، ولا يوصف الرجل بذلك، وأما النكاح فيوصفان به جميعًا، فيقال: تناكحا، ونكحت المرأة، كما يقال: نكح الرجل، ولأنه معنى مؤثر في زوال الملك، يختلف بالرق، والحرية، فأثر فيه رق المرأة كالعدة. 24042 - فإن قيل: الملك يزول بالطلاق، إلا أن زواله مؤجل بانقضاء العدة. 24043 - قلنا: العدة تؤثر في الرق، وإن كانت العلة الطلاق. 24044 - فإن قيل: العدة عبادة، فيعتبر بها، كما تعتبر صلاة المسافر وصلاة الإقامة بالمقيم، وصلاة المرض بالمريض، ولا تجب الجمعة على العبد، فأما الطلاق فهو حق للزوج خالص، فاعتبر به في كماله ونقصانه. 24045 - قلنا: قولكم إن العدة عبادة عليهما فليس يمنع أن تجمع العبادة على الإنسان، ويعتبر صفاتها بالمحدود. وقولهم: إن الطلاق حق للزوج، فاعتبر به [في كماله] ونقصانه، ليس بصحيح، لأنه حق له ثم اعتبر بصفاتها حتى منع من إيقاعه حال حيضها، وجاز إيقاعه حال طهرها، كذلك لا يمتنع أن يعتبر عدده بها. 24046 - فإن قيل: المرأة هي الفاعلة للعدة، وتعتبر بها، والطلاق فعل الزوج، فاعتبر به. 24047 - قلنا: العدة هي مضي الزمان، وذلك من فعل الله تعالى، فلا نسلم أنها هي الفاعلة لها، ولأن الفاعل للحد هو القاضي، أو الجلاد، ولا يعتبر عدده بواحد منهما، ولأن الطلاق هو الموجب للعدة، وأولى الأشياء أن يعتبر الموجب بالموجب، فمن أثر رقه في أحدهما أثر في الآخر.

24048 - ولأن زوج الأمة، لو ملك التطليقات الثلاث ملك جهتي الإيقاع فيها، الجمع، والتفريق في الأطهار، كزوج الحرة، فلما لم يملك التفريق ثبت أنه لا يملك الجمع، كالعبد من الأمة. 24049 - فإن قيل: هذا يبطل بمن تزوج امرأة، ولم يدخل بها: يملك جميع طلاقها، ولا يملك تفريقه. 24050 - قلنا: يملك وطأها بعد العقد، ثم تفريق الإيقاع. 24051 - فإن قالوا: كذلك زوج الأمة يملك التفريق إذا أعتقت. 24052 - قلنا: هو لا يملك العتق، فكيف يقال: إنه يملك التفريق، بمعنى أنه يفعل الوطء ثم يفرق. ولأن ما ثبت جملة في الأحرار والعبيد ضربان: أحدهما: يستويان فيه، كأعداد الصلوات، والآخر: يتفاضلان فيه (كالحد في الحدود)، وعدد المنكوحات، ووجدنا مع ما وقع فيه التفاضل اقتضى ما يملكه العبد النصف مما يملكه. بدلالة عدد المنكوحات. ووجدنا غاية ما يملكه اثنا عشر تطليقة، فإن تزوج أربع حرائر، فالواجب أن يملك العبد النصف من ذلك، وهذا يصح، لأنه يتزوج حرتين فيملك من كل واحدة ثلاث تطليقات، وعلى قولهم غاية ما يملك أربع تطليقات، وهذا خلاف الأصول. 24053 - فإن قيل: غاية ما يملك الحر من امرأتين ست تطليقات، والعبد يملك في أمتين نصفها ثلاث تطليقات من كل واحدة تطليقة ونصف، إلا أن الطلقة لا تتبعض، فوجب كما لها قلنا: هذا غلط، لأن الحر والعبد، إنما يختلفان في أكثر ما يملك، ألا ترى

أن كل واحد يتزوج امرأة واحدة، ويتزوج اثنتين وإنما يختلفان في الأكثر، فملك الحر أربعة وغاية ما يملكه العبد نصفها. فالواجب في مسألتنا أن يعتبر غاية ما يملكه الحر، فلا يصح. 24054 - ويدل عليه أن الحر لا يملك من الأمة أكثر من تطليقتين، لأن الطلاق معنى ذو عدد يؤثر في البينونة، فتسبق بينونة الأمة فيه بينونة الحرة كالعدة، ويدل على أن العبد يملك من الحرة ثلاث تطليقات لأن التطليقة الثالثة معنى يملكه الحر من امرأته الحرة، فوجب أن يملكه العبد من امرأته الحرة، كالظهار والإيلاء. 24055 - احتجوا: بقوله تعالى: (الطلق مرتان) إلى قوله تعالى: (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) وظاهر الآية أن الأمة إذا كانت تحت حر يملك منها التطليقة الثالثة. 24056 - قلنا: وكذلك ظاهرها يقتضي أن الحرة إذا كانت تحت عبد فطلقها تطليقتين يملك إيقاع الثالثة، وهذا خلاف قولكم، وصارت الآية مشتركة الدليل، ولأن الآية لا تدل على واحد من المذهبين لأنها تناولت الحرة تحت الحر، بدلالة أنه قال تعالى (والمطلقت يتربصن بأنفسهن ثلثة قروء)، ثم وصف الطلاق بقوله - عز وجل - (الطلاق مرتان)، ثم قال تعالى: (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) وهذا يقتضي جواز المفاداة على العموم، وعندهم أن الأمة لا تملك المفاداة إلا بدين ثم قال سبحانه: (فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا) فأضاف التراجع إليهما، والمراد به ابتداء العقد، وهذا لا يصح إلا في الحرين، فأما العبد والأمة فيقف تراجعهما على إذن المولى. 24057 - قالوا: روى أنه عليه الصلاة والسلام قال: الطلاق بالرجال والعدة

بالنساء. 24058 - قلنا: هذا حديث لا نعرفه، ولا نقل عن كتاب من كتب الحديث، [وإنما ذكره القتبي في رسالته، وقد ذكر هناك أخبارًا أنكرها أصحاب الحديث]، والعجب من مخالفينا يطعنون في خبر مظاهر بن أسلم وهو خبر ذكره أبو داود، وإن كان اعترضه فلم يضمن كتابه إلا الصحيح، وما يقاربه ثم يقولون على خبر لم ينقله أحد أنه أصل. ولو ثبت مع بُعْد ثبوته احتمل أن يكون معنى الطلاق بالرجل: أن وقوع الطلاق بفعل الرجل فلا يقع بفعل النساء كما كانت الجاهلية تصنع، إذا كرهت المرأة الرجل غيرت البيت، فكان ذلك طلاقًا منها، ويحتمل الطلاق بالرجل لبيان أن طلاق الصبي لا يقع، والعدة بالنساء لبيان أن الصغيرة لا عدة عليها. ويحتمل أن الطلاق بالرجل بمعنى أن الاختلاف إذا وقع في الطلاق كان القول قول الزوج، والعدة بالنساء، بمعنى أن الرجوع في انقضاء العدة إلى قول المرأة. 24059 - قالوا: روى الشافعي بإسناده أن ماكتبًا لأم سلمة طلق امرأته تطليقتين، فأراد أن يراجعها فأمرته أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يأتي عثمان - رضي الله عنه - فيسأله، فذهب إليه فوجده آخذًا بيد زيد بن ثابت فسألهما، فابتدراه وقالا: حرمت عليك. وروى بإسناده عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: إذا طلق العبد امرأته ثنتين، حرمت

عليه حتى تنكح زوجًا غيره حرة كانت أو أمة/، ولا يعرف لهم مخالف. 24060 - قلنا: ذكر الطحاوي بإسناده عن قتادة، عن سعيد بن المسيب عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: السنة بالنساء في الطلاق، والعدة)، وذكر عن ابن شهاب عن سالم عن عبد الله بن عمر أنه قال: أيهما] رق نقص الطلاق برقه، والعدة بعد ذلك على النساء، وإذا كان الخلاف ظاهرًا لم يكن دعوى الإجماع. 24061 - قالوا: عدد محصور للزوج رفعه بعد ملكه بعوض، فوجب أن يكون اعتبار كماله ونقصانه بالرجال، كعدد الزوجات. 24062 - وقولهم: (محصور احتراز من [القسم، للزوج رفعه بعد ملكه بعوض، واحتراز من] حد القذف إذا قذفته ملك الحد عليها فكماله، ونقصاانه لا يكون بالزوج، وإنما قالوا: حق خالص للزوج يختلف بالرق والحرية، فوجب أن يختلف برق الزوج، وحريته كعدد المنكوحات.

24063 - قلنا: قولكم للزوج رفعه بعد ملكه لا يصح في الطلاق، لأن الزوجة ترفعه، وإيقاع الشيء تحقيقه ولا يقال: المرأة تتوصل إلى رفعه، وإنما المراد التوصل إلى رفع حكمه بعد وقوعه، ثم عدد المنكوحات عندهم يختلف برق المرأة، كما يختلف برق الزوج، لأن الحر يتزوج أربع حرائر، ولا يتزوج أكثر من أمة واحدة. 24064 - فالمعنى في عدد المنكوحات أن أحكام النكاح من النفقة، والاستباحة معتبر بالزوج، فكان عدده معتبرًا به، وأحكام الطلاق، والعدة تعتبر بالنساء، فكان عدده معتبرًا بهن. ولأن النكاح لما اعتبر بالرجال، كان غاية ما يملكه الزوج ضعف ما يملكه العبد، وكذلك يجب أن يكون غاية ما يملكه الحر من الطلاق ضعف ما يملكه العبد، وهو لا يكون إلا على قولنا. 24065 - قالوا: عدد محصور تقع به البينونة، فوجب أن يكون اعتبار كماله ونقصانه بمن يضاف إليه، كالعدة. 24066 - قلنا: البينونة [لا تقع] بالعدة عندكم، وإنما يقولون إنها تقع بالطلاق عند مضي العدة، ولأن الطلاق قد صار إلى المرأة إذا ملكها الطلاق، يقال: طلقت نفسها، كما يقال: طلق الزوج ونعكس فنقول: فوجب أن يعتبر كماله ونقصانه بالمعتدة، ولأن رق المرأة لما أثر في العدة منع من الرجعة في الحيضة الثالثة، وكذلك التطليقة الثالثة يمنعها الرق، فوجب أن يكون المانع منها رق المرأة أيضًا. 24067 - قالوا: الطلاق ملك الزوج، فوجب أن يكون تحصل الملك. ثم كماله معتبر بالمرأة، لأنه ملك رجعة الحرة في ثلاثة أقراء، ولا يملك رجعة الأمة إلا في قرئين. 24068 - قلنا: يبطل بحكم القذف، لأن المالك له إما أن يكون لله تعالى، أو

الإمام أو المقذوف، ثم لا يعتبر كماله بمالكه. 24069 - قالوا: أصل الطلاق إليه، وهو المتصرف فيه بدلالة: أن الحر العاقل يجوز طلاقه، والمجنون والصبي لا يقع طلاقهما، فإذا كان أصله به كان اعتبار كماله ونقصانه به. 24070 - قلنا: أصل الحد إلى القاضي، أو إلى المقذوف يطالب به أو يسقطه عندهم، ثم عدده لا يعتبر بواحد منها، وكذلك الرجعة أصلها إلى الزوج: يملك التصرف فيها، ويملك إسقاطها، وكمالها معتبر بالزوجة دونه. 24071 - قالوا: كل أمر ذي عدد يدخله النقص والكمال؛ فإن كان النقص لفاعله كان تأثيره بالتنصيف، كالعدة، وإن كان التأثير لنقص المفعول به كان تأثيره الإسقاط، كالحد إذا كان المقذوف عبدًا. فلما كان النقص في الطلاق التنصيف دون الإسقاط [كان اعتبار عدده به كحد الزنا]. 24072 - قالوا: الرق يمنع من إيقاع التطليقة الثالثة ومواقعة الطلاق تعتبر في جهة الزوج، بدلالة امتناع طلاق الصبي، والمجنون. 24073 - قلنا: الرق يمنع ملك التطليقة الثالثة، والجنون، والصغر لا يمنعان بذلك الطلاق، وإنما يمنع تصرف الزوج فيما ملك من الطلاق، كما يمنع من التصرف في سائر أملاكه، فعلى هذا لا توجد العلة. أصله أن الرق يمنع التطليقة الثالثة، ويمنع الرجعة في الحيضة الثالثة ثم الحيضة التي يمنعها الرق تعتبر [بالنساء لا بالرجال، كذلك التطليقة الثالثة، تمنع الرجعة في الحيضة الثالثة، ثم الحيضة

التي يمنعها الرق تعتبر] بالمرأة. وأولى الأشياء أن يعتبر أحد هذين المعنيين بالآخر؛ لأن الرجعة في الحيضة الثالثة توجب امتداد الملك عليها، لأنها تمكنه أن يراجعها ثلاث مرات كذلك ما يكفي التطليقة الثالثة فوجب امتداد الملك عليها. فإذا كان ما يؤدي إلى الملك بالطلاق وجب أن يعتبر بها. 24074 - قالوا: الطلاق من فروع النكاح فإذا كان نفس النكاح يعتبر بالرجال، فكذلك فروعه. 24075 - قلنا: إن عنيت بفرعه أنه لا يوجد إلا فيه بطل بالرجعة والقسم، ولأن النكاح يقع به الملك للزوج، فاعتبر به. كذلك الطلاق يقع الملك به للحرة، ويجب البدل عليها، كما يجب البدل على الزوج بالنكاح، فوجب أن يعتبر الطلاق بها. 24076 - قالوا: عدد النكاح في المنكوحة الواحدة يختلف بالرق، والحرية، ثم أعداد النكاح في المنكوحات يعتبر بالرجال، فكذلك أعداد النكاح في المنكوحة الواحدة وجب أن يعتبر بالرجال أيضًا. 24077 - قلنا: أعداد النكاح في المنكوحة الواحدة لو اعتبر بالرجال صار العبد على القلب من الحر، لأن الحر يملك أربع نسوة، فملك عليهن أثنا عشر عقدًا، كأن يطلق كل واحدة ثم يتزوجها مرتين، فإذا اعتبر النكاح بالرجل ملك العبد امرأتين، فإذا طلقهما جاز أن يتزوجهما مرة أخرى، فيملك عليهما ثلث ما يملكه الحر، فالرق يؤثر في التنصيف، فأما في الثلث فلا. 24078 - ولأن الزوج يملك من المنكوحة أنكحة لا نهاية لها، لأنها ترتد ثم تسلم فيتزوجها إلى غير غاية، فدل على أن عدد الطلاق غير معتبر بعدد الأنكحة

فكيف يعتبر ذلك والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان له أن يتزوج تسعة ولا يملك من كل واحدة أكثر من ثلاث تطليقات.

كتاب الرجعة

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب الرجعة

مسألة 1164 الطلاق الرجعي لا يوجب تحريم الوطء

مسألة 1164 الطلاق الرجعي لا يوجب تحريم الوطء 24079 - قال أصحابنا: الطلاق الرجعي لا يوجب تحريم الوطء. 24080 - وقال الشافعي: هي محرمة تحريم البينونة حتى يرتجعها. 24081 - لنا: قوله تعالى: (نساؤكم حرث لكم) وهذه من نسائه، بدلالة أنه إذا قال: نسائي طوالق طلقت، فوجب أن يحل له إتيانها بظاهر الآية، ولأنه طلاق لا يزيل الملك فلا يوجب التحريم، كالطلاق المعلق بالشرط، وطلاق الصبي. 24082 - فإن قيل: المعنى فيه أن الفرقة لم تقع. 24083 - قلنا: الطلاق لا يوقع فرقة، وإنما هو سبب فيها، كالطلاق المضاف إلى الشرط عندنا. 24084 - فإن قيل المعنى فيه أن الطلاق لا يقع انتقضت علة الأصل للظاهر وأن

التحريم حاصل ولم يقع لأنه طلاق لا يبينها، فلم يثبت التحريم بموجبه. أصله: طلاق المكره، ولأن الزوج يملك ردها إلى الحالة الأولى بقوله من غير رضاها، ولو حرمها الطلاق لم يملك ذلك، كالمختلعة. 24085 - ولا يلزم ابن العم إذا أبان ابنة عمه، ثم تزوجها، وهي صغيرة، لأنا قلنا: يملك ردها، وبعد البينونة ليس بزوج، ولأن هذا ليس برد، وإنما هو استئناف عقد آخر. 24086 - ولأنه يصح ظهاره منها، ولو حرمها الطلاق، لم يثبت الظهار كالمختلعة. ولأن تحريم الظهار أضعف فلا يجوز أن يدخل أضعف التحريمين على آكدهما. 24087 - ولأنه يصح إيلاؤه منها، والإيلاء يثبت بمنع حقها من الوطء، فلو كانت محرمة بالطلاق لم يثبت الإيلاء منها، كالمختلعة، وطلاق المكره. 24088 - ولأنه طالق لا يمنع أن يلحقها الطلاق بعموم ألفاظه فلا يوجب التحريم كطلاق المكره. ولأنه طلاق لو حصل حال الصحة لم يمنعها حقها من الإرث، فلم يحرم بمقتضاه الوطء، كطلاق المكره. 24089 - احتجوا: بقوله تعالى: (وبعولتهن أحق بردهن) وجميع أحكام النكاح بحالها، والرد لابد أن يكون زوال شيء حتى يرد، وما ذاك إلا الإباحة. 24090 - الجواب: أن الآية دلالة لنا، لأنه تعالى قال (وبعولتهن) فسماه بعلًا، وهذا من أسامي الأعيان، فيقتضي أن يكون فعله، فلو حرمها الطلاق لم يكن فعله. فأما الرد: فلأن قبل الطلاق كانت لا تبين بمضي المدة، فصارت تبين بمضيها، فيردها إلى الحالة الأولى، حتى لا يؤثر مضي المدة فيها. 24091 - قالوا: طلقة واحدة، فوجب أن يقع بها تحريم الوطء. أصله: إذا قال

لها أنت بائن. 24092 - قلنا: الطلقة في قوله: أنت بائن لا توجب التحريم، وإنما تتضمن عندنا زوال الملك، فوقع التحريم بذلك، وهذا لا يوجد في صريح الطلاق. والمعنى فيه أن لفظ البينونة يوجد في الإيقاع، فصار كالبينونة الواقعة من طريق الحكم، وصريح الطلاق لم يوجد في لفظ بينونة، ولا وقعت حكمًا، فلم يثبت تحريم الطلاق. 24093 - قالوا: معتدة، فوجب أن يحرم/ وطؤها، كالمعتدة التي قال لها: أنت بائن. 24094 - قلنا: يبطل بمن اشترى زوجته وهي معتدة، بدلالة أنه لا يحل له تزويجها، وليست محرمة بالطلاق. 24095 - قالوا: الطلاق ضد النكاح، فإذا ثبتت الإباحة بالنكاح، زالت بالطلاق. 24096 - قلنا: الإباحة في النكاح تحصل بالملك بضد ذلك الطلاق الذي يزيل الملك، فأما الطلاق الذي لا يزيل الملك فلا يضاف إليه ما حصل من الإباحة. 24097 - قالوا: لا يجوز أن يسافر بها كالمطلقة ثلاثًا. 24098 - قلنا: إنما لا يسافر بها، لأنه ممنوع من إخراجها من منزله في حالة العدة، فأولى أن يمنع إخراجها من البلد، ولو كانت معتدة لا تمنع من الخروج، ولا يمنع من السفر بها كالزوجة والأمة، والمعنى في المطلقة ثلاثًا أن الطلاق أزال الملك، فأوجب التحريم، ولما لم يزل الملك في مسألتنا لم يثبت التحريم بمقتضى الطلاق. 24099 - قالوا: جارية إلى البينونة، فكان وطؤها محرمًا كالتي أسلمت في دار

الحرب، وزوجها كافر. 24100 - قلنا: تلك الجارية إلى الفرقة عندنا، لأن الزوجة بحالها. 24101 - فإن قالوا في الوصف: جارية إلى الفرقة انتقض بمن قال لزوجته: أنت طالق رأس الشهر، ولأن هناك اختلف الدين على وجه لا يجوز معه بقاء النكاح فحرمت. كذلك في مسألتنا الدين لا يختلف، فلم يجز الوطء بالطلاق مع بقاء الملك.

مسألة 1165 ما تصح به الرجعة

مسألة 1165 ما تصح به الرجعة 24102 - قال أصحابنا: تصح الرجعة بالفعل إذا وطئها الزوج، أو باشرها بشهوة، أو نظر إلى فرجها بشهوة. 24103 - وقال الشافعي: لا تصح الرجعة إلا بالقول مع القدرة عليه، كأن يقول: راجعتك، أو ارتجعتك، أو رددتك، فإن قال أمسكتك، ففيه وجهان، وإن كان عاجزًا عن القول كالأخرس، فتثبت الرجعة بالإشارة. فإذا أسلم الحربي وتحته أكثر من أربع نسوة، فأسلمن معه، فله أن يختار أربعًا منهن بالقول، فإن وطء أربعة منهن نص الشافعي: أن الوطء ليس باختياره، وفيها وجه آخر: أنه اختيار، وإذا طلق إحدى امرأتيه ثم وطئ إحداهما: ففيه وجهان. 24104 - لنا: قوله تعالى (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) والمراد به الفعل تقول: رددت الوديعة، والمراد به الفعل.

24105 - فإن قيل: ذكر الله تعالى أن للزوج الرد، ولم يبين المعنى الذي يقع بقوله: رددتك، ولهذا اتفقنا أن هذا اللفظ صريح في الرجعة. 24106 - قلنا: إذا كان الرد هو الفعل اقتضى أن حق الزوج هو الفعل، وعنده حقيقة القول الذي يقع به الرد. فأما قوله: رددتك، فيقع به الرجعة بتضمن معناها، لا لأنه يراد بالآية. 24107 - فإن قيل: الرد إذا أضيف إلى صفة المعين اقتضى أن يكون بالقول. تقول: رددتك فلانًا إلى المودة وقد يكون بالفعل، وهو أن يفعل ما يستصلحه به ويتصل به. ويدل عليه قوله تعالى: (فأمسكوهن بمعروف) فأثبت الرجعة بالإمساك، وحقيقة ذلك بالفعل دون القول، وظاهر الأمر أنه إذا أمسكها بشهوة فقد فعل المأمور به من الرجعة، وذكر أبو داود أن عمران بن الحصين سئل عن رجل طلق امرأته ولم يشهد، ثم واقعها ولم يشهد، فقال: طلقها لغير السنة وراجعها كذلك. 24108 - وذكر أبو الحسن عن ابن مسعود أنه سئل عن رجل طلق امرأته، ثم وقع عليها فقال صار مراجعًا لها، ولا يعرف لهما مخالف، ولأنها مدة علق بها حكم التربص، وثبت ابتداؤها بقول الزوج، فجاز أن يملك الزوج إبطالها بفعله كمدة الإيلاء.

24109 - فإن قيل: لا تأثير لقولكم ثبت ابتداؤها بقول الزوج، لأنه فرق بين أن يطلقها، أو يجعل أمرها إليها فتطلق نفسها، أو إلى أجنبي فيطلقها. 24110 - قلنا: هذا كله ثبت بقول الزوج، لأن الموقع للطلاق تعبيره عنه فكأنه طلق بنفسه. فإن قيل: نعكس فنقول: فلا يملك إبطال المدة بقوله وفعله. 24111 - قلنا: لا يحتاجون إلى قوله ثبت ابتداؤها بقول الزوج لأن مدة الإيلاء يجتمع في إبطالها القول، والفعل، لأن المريض الذي يستضر بالوطء يمنعها بالقول، فإن تحمل المشقة وأبطلها بطلت. 24112 - فإن قيل: المعنى في مدة الإيلاء أنه لا يجوز إبطالها بالقول، فجاز بالفعل. 24113 - قلنا: هذا كلام يصح إذا كان اجتماع القول والفعل يتنافى، وإذا صح أحدهما بطل الآخر، فإما إذا كانا لا يتنافيان فلا، بدلالة أن مدة الإيلاء تبطل بالأمرين، فدل على انتفاء الآخر. فإن قيل: مدة الإيلاء إنما ثبتت لترك حقها من الوطء، فإذا وطئها، فقد أوفاها حقها.

24114 - قلنا: وهذه المدة تثبت لإعراضه عنها، فإذا وطئها فقد عدل عن الإعراض، لأنها تثبت الاستراء، والوطء بها في الاستبراء، فلما فعله دل على أنه قطع حكم الاستبراء. 24115 - ولأنه معنى طارئ على النكاح يقتضي البينونة والوفاء، لسبق البينونة فيه العدة، ولأنه مدة علق بها التربص، فجعل للزوج سبيلًا إلى إبطالها، فكان له إبطالها بفعله كمدة العنة. 24116 - ولأن الطلاق يثبت الخيار في مدة معلومة من الرد إلى الحالة الأولى بالفعل، كمن باع بشرط الخيار. 24117 - ولا يلزم إذا أعتق إحدى أمتية. ولا يلزم إذا جنت أمته أنه بالخيار بين الدفع والفداء، ولو وطئها لم يكن مختارًا، لأن هذا الخيار ليس هو في مدة معلومة، ولا يلزم إذا أسلمت امرأة الحربي، لأنه يجب عليه إبطال المدة، ولأن هناك تبطل المدة بالفعل إذا اعتقد الإسلام. 24118 - فإن قيل: لو قطع يد المبيعة بطل خياره، ولو قطع يد المطلقة لم يبطل خياره، ولو باع البيعة بطل الخيار، ولو خلع المطلقة صح الخلع، فاستحق العرض، فدل على أن مدة الخيار تبطل به العدة. 24119 - قلنا: أما قطع اليد فلأنه تصرف في المبيع. ألا ترى أن البيع يقع على سائر الأعضاء، والتصرف فيما وقع عليه العقد إبطال للخيار. وأما النكاح فينعقد على البضع دون الأعضاء، فإذا وطئها، فقد تصرف في المعقود عليه، [فلا تبطل العدة، فأما إذا باع المبيع من غير المشتري، فقد تصرف في المعقود عليه] فكان

فسخًا، فإذا خالعها فقد أكد المعنى الموجب للعدة وقدره، فلا يوجب بطلانها كما لو أخذ البائع زيادة عوض في المتاع. 24120 - احتجوا: بقوله تعالى: (فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم) فأمر بالرجعة بما يصح الإشهاد عليه، والوطء لا يشهد عليه. 24121 - قلنا: قوله تعالى: (وأشهدوا) لا يقتضي المقارنة، فيراجعها بالوطء، ثم يشهد أنه وطئها. 24122 - قالوا: هذا إشهاد على الإقرار بالرجعة، والله أمر بالرجعة. 24123 - قلنا: بل أمر بالإشهاد، ولم يبين المعنى الذي يشهد عليه، فإن قيل: فأي فائدة في الإشهاد بعد الرجعة. 24124 - قلنا: الفائدة أنه لو لم يشهد حتى انقضت العدة، ثم ادعى الرجعة لم يقبل قوله، ويرجع إلى قولها، فيشهد مع بقاء العدة حتى يصدق في الرجعة. 24125 - قالوا: قال الله تعالى: (وأولت الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) ظاهره يقتضي أن المعتدة إذا وطئها ثم وضعت حملها بعد الوطء انقضت عدتها. 24126 - الجواب: أن المراد بالآية (وأولت الأحمال) المعتدات [إذا قاربن] أجلهن ونحن لا نسلم أنها بعد الوطء معتدة، فلا تتناولها الآية. 24127 - قالوا: جارية إلى بينونة، فلم يصح إمساكها بالوطء. أصله: إذا أسلم أحد الزوجين في دار الحرب.

24128 - قلنا: يملك الزوج إعادتها بفعله، كما لو اعتقد الإسلام. ولأن الفرقة في إسلام أحدهما تقع لأجل اختلاف الدين، والوطء لا يدل على زوال المعنى الموجب للفرقة به بإمساكها، وليس كذلك في مسألتنا، لأن البينونة تقع بإعراض الزوج عن نكاحها، وهذا المعنى يزول بالوطء، فلذلك منع من وقوعه البينونة عليها. 24129 - قالوا: فعل من قادر عليه بالقول، فلا تصح به الرجعة، كما لو قبلها بشهوة، أو سافر بها. 24130 - قلنا: لا تأثير لقولكم من قادر في الأصل، لأن الرجعة كما تقع من القادر تقع أيضًا من العاجز. والمعنى في القبلة بغير شهوة، والمسافر بهن لا تختص بالنكاح، فلما لم يختص ذلك بالنكاح لم يستدل به على تبقيته. وليس كذلك الوطء، لأن استباحته في الحرة تختص بالنكاح، لأن الإنسان يقبل أمته، وابنته بغير شهوة، ويسافر بهن، فلما لم يختص ذلك بالنكاح لم يستدل به، والتقبيل بشهوة من خصائص النكاح، فجاز أن يستدل به على قصد تبقية النكاح، فوقعت به الرجعة. 24131 - قالوا: حكم من أحكام النكاح ينفرد به الزوج، فوجب أن لا يصح بغير القول مع القدرة عليه كالطلاق، والظهار. 24132 - قلنا: الأصل غير مسلم، لأن الطلاق والظهار يصحان عندنا بالكتابة ممن يقدر على القول. 24133 - قالوا: استباحة بضع مقصودة في عينه، فوجب أن [لا] يصح بالقول مع القدرة/ عليه كالنكاح. 24134 - قلنا: هذا على أصلكم أن الطلاق الرجعي يوجب التحريم والرجعة استباحة. ونحن لا نسلم هذا، ولأن النكاح يصح عندنا بغير القول من القادر إذا تزوج بالكتابة، وينتقض بمن سبا جارية ليطأها بالتكفير في الظهار.

24135 - فإن قيل: الكفارة لا يقصد بها الاستباحة، وإنما يقصد إسقاط الواجب عن ذمته. 24136 - قلنا: هذا لا يمنع أن يستباح البضع منها، والمعنى في النكاح أن الاستباحة لما شرط فيه القول، اعتبر قولهما، ولما لم يعتبر قولهما في الرجعة دل على أن قول الزوج أيضًا ليس بشرط. 24137 - قالوا: الرجعة إنما تراد لإصلاح الخلل الداخل في النكاح، ونفس النكاح لا يقع بالفعل، كذلك إزالة ما دخله. 24138 - قلنا: ابتداء البيع لا يصح بالفعل، وإزالة الخلل الحاصل فيه إذا باع بشرط الخيار يصح بالفعل، ولأن العلم الحاصل يزول بقصده إلى تبقية النكاح، والوطء تصرف في المعقود عليه، فيدل على قصده إلى تبقية العقد، كالوطء في البيع المشروط فيه الخيار. 24139 - قالوا: الإباحة لو وقعت بالوطء كان الجزء الأول محرمًا، ثم يباح ذلك بالعدة، وهذا لا يصح. 24140 - قلنا: الوطء عندنا مباح، وإنما تنقطع العدة حتى لا تقع البينونة، فالجزء الأول يقع العدة، ويحل بعده الوطء، ولا عدة، كمن باع بشرط الخيار ثم وطئ بالجزء الأول يوجد والبيع قائم لينفسخ فيه البيع، وتحصل فيه الوطء ولا بيع، ولو سلمنا أن الوطء محرم لانقطعت العدة في الجزء الأول وزال التحريم بزوال العدة، فلم يكن الوطء أباح الوطء، وإنما أباحه انقطاع العدة الحاصل بالجزء الأول من الوطء.

مسألة 1166 وطء المرأة في حال الطلاق الرجعي

مسألة 1166 وطء المرأة في حال الطلاق الرجعي 24141 - قال أصحابنا: إذا طلق امرأته طلاقًا رجعيًا، ثم وطئها، فلا مهر عليه. 24142 - وقال الشافعي: إن وطئها، ولم يراجعها بعد الوطء حتى انقضت عدتها، فعليه مهر المثل. وإن راجعها بعد الوطء لم يسقط المهر. نص عليه. وقال: إذا أسلم أحد الزوجين وجب عليها العدة، ووجب عليه المهر، فإن اجتمعا على الإسلام في العدة سقط المهر فيهما، [واختلف أصحابه: فقال أبو سعيد الاصطخري:] فيهما قولان، وقال غيره: يسقط المهر قولًا واحدًا وفرق بين المسألتين. 24143 - وهذه المسألة مبينة عندنا على أن الطلاق الرجعي لا يحرم الوطء، وإنما الوطء رجعة، ووطء الزوجة لا يوجب المهر، ولأنه يصير مراجعًا بالجزء الأول من اللمس، فيحصل الوطء، ولا عدة، فيوجب المهر. 24144 - ولو سلمنا أن الطلاق يوجب التحريم فإنه تحريم لا يفتقر رفعه إلى تراضيهما، فصار كتحريم الحيض، والإحرام فإذا وطئها لم يجب مهر، ولأنه طلاق لا يمنع الإرث بحال، فصار كالطلاق المعلق بشرط، ولأن الظهار يصح فيها، فلم يوجب بوطئها مهر لغير المطلقة.

24145 - ولأن الطلاق الرجعي لا يزيل الملك، فلو وجب المهر بوطئها وجب عليه في ملك واحد مهران، وهذا لا يصح. 24146 - احتجوا: أنه لو لم يراجعها بانت منه بالطلاق، فصار الوطء بعد البينونة، فيجب به مهر. 24147 - قلنا: هذا غلط، لأن الطلاق لم يبنها عند وقوعه، وإنما أوجب بينونة بمضي العدة، وإذا وطئ تبين أنه كان بعده وطء قبله، كمن قال لها: إذا مضى شهر رمضان فأنت طالق ثلاثًا بانقضاء العدة. 24148 - قالوا: معتدة فوجب بوطئها مهر، كالبينونة. 24149 - قلنا: يبطل إذا طلق زوجته، ثم وطئها فلا مهر عليه مع وجود الوطء في العدة، ويبطل بمن تزوج أمة فطلقها طلاقًا رجعيًا، ثم اشتراها فراجعها. 24150 - والمعنى في البينونة أن تحريمها لا يرتفع من غير عقد، فجاز أن يتعلق بوطئها مهر كالأجنبية وهذه ترفع العارض من غير عقد، كتحريم الحيض والإحرام، ووطء الزوجة المعتدة.

مسألة 1167 حكم الإشهاد على الرجعة

مسألة 1167 حكم الإشهاد على الرجعة 24151 - قال أصحابنا: الإشهاد على الرجعة مستحب، وتركه لا يمنع صحة الرجعة. 24152 - وهو قول الشافعي: في الأم والقديم، وقال في الإملاء: إن الإشهاد شرط، وإن لم يشهد لم تصح الرجعة. 24153 - لنا: قوله تعالى: (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك)، وقال (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسن) ولم يشرط الشهادة، وقال - صلى الله عليه وسلم - في قصة ابن عمر: (مرة فليراجعها)، ولم يقل: يشهد. 24154 - قالوا: ذكر الله تعالى النكاح في القرآن، ولم يذكر الإشهاد، وهو شرط، وذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لفاطمة: أنكحي أسامة ولم يشرط الشهادة. 24155 - قلنا: الظاهر يقتضي صحة النكاح بغير شهود. ولو قالوا: إنه يملك بقوله الطلاق والرجعة لولا أن الله تعالى ذكر في الآية الأخرى الإشهاد.

24156 - قلنا: لما ذكره في موضع لم يكن واجبًا. ويدل عليه ما قدمنا عن عمران بين حصين أنه سئل عمن طلق امرأته، ولم يشهد [ثم وقع عليها، ولم يشهد على رجعتها] فقال: طلق لغير السنة وراجع لغير السنة. وعن ابن مسعود فيمن طلق امرأته ثم وقع عليها كانت رجعية، ولا يعرف لهما مخالف. 24157 - ولأنه حق للزوج ينفرد به فلا يفتقر إلى الإشهاد كالطلاق. 24158 - ولا يلزم ابن العم إذا أبان ابنة عمه الصغيرة، ثم تزوجها، لأنه حال ما يعقد ليس بزوج. ونحن قلنا: ينفرد به الزوج، ولأن الرجعة لا تتعلق بها، فلم يفتقر إلى الإشهاد كالظهار، ولأنها لا تفتقر إلى قول كالظهار والإيلاء. 24159 - ولأن الرجعة رد إلى حالة سابقة، فلم تفتقر إلى شهادة كفسخ البيع. 24160 - ولا يلزم تزويج المبتوتة، لأن التزويج قد يكون ردًا، وقد يكون مبتدأ، والرجعة لا تقع إلا على وجه الرد، ولأنه معنى لا مدخل للولي فيه بوجه، فلا يقف على الإشهاد فيه كالبيع. 24161 - فإن قيل: النكاح لا يقف على الولي عندكم. 24162 - قلنا: للولي فيه مدخل يستحب أن يعقده ويعترض فيه بعدم الكفاءة ولنقصان البدل، ولأنه تصرف لا يقف على إذن المولى إذا كان الزوج عبدًا، فلا يفتقر إلى الإشهاد كالطلاق، والظهار. 24163 - احتجوا: بقوله تعالى: (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا) (الآية). 24164 - والجواب: أن الواو لا تقتضي المقارنة، فظاهر الآية يقتض جواز

الإشهاد بعد الإمساك، وكل من حمل الإشهاد على ما بعد الرجعة جعله استحبابًا. 24165 - فإن قيل: الأمر على الوجوب، وكل من أوجب الإشهاد قال: يجب أن يقارن. 24166 - قلنا: الآية مشتركة الدليل، لأنه ليس في اللفظ مقارنة، وإن اعتبر الوجوب سقطت المقارنة، وإن تركنا المقارنة للظاهر سقط الوجوب، لأن الإشهاد لا يجب بالرجعة. 24167 - فإن قيل: أمر الله بالإشهاد، ولم يبين كيفية ما يقع الإشهاد عليه. ولأن الله تعالى أمر بالإشهاد على الفرقة والرجعة، وقد ثبت أن الإشهاد على المفارقة، والرجعة استحباب فيستحيل أن يحمل على الوجوب، لأن اللفظ الواحد لا يحمل على المفارقة المذكورة في الآية، فله تركها حتى تنقضي عدتها. 24168 - قلنا: ذكر المفارقة مضافة إلى الزوج، وهذا لا يكون إلا بالطلاق، فأما الفرقة الحاصلة بانقضاء العدة حكمًا فإضافتها إليه مجازًا، فثبت أن الفرقة هي الطلاق، والإشهاد إليها أقرب فتناولها أقرب. 24169 - قالوا: استباحة فرج مقصود، فوجب أن يفتقر إلى شاهدين. أصله: عقد النكاح. 24170 - قلنا: الوصف عندنا مسلم، لأن الطلاق لا يحرمها، والبضع مباح، ولا يقال: إنه يستبيحه بالرجعة، لأنه يبطل بالتكفير بالظهار فإنه استباحة بضع مقصودة. 24171 - فإن قيل: التكفير يستباح به البضع، والمقصود به إسقاط الغرض، ولهذا يجوز بعد الطلاق. 24172 - قلنا: النقص يتبع كمن يكفر عن الزوجة. فلم يقصد به الاستباحة وغيرها.

24173 - قلنا: إذا طلقها ثم حلف بمراجعتها، فالمقصود من الرجعة الاستباحة، والبر في اليمين، وإذا طلقها حال الحيض ثم راجعها، والمقصود بالاستباحة، أن لا يزول الملك بطلاق محرم، والمعنى في النكاح أنه للولي فيه مدخل شرط فيه الشهادة، أو نقول: يعتبر فيه الرضا من غير التفسيخ. 24174 - فإن قالوا: يبطل بابن عم الصغيرة إذا زوجها. 24175 - قلنا: النكاح في الجملة يعتبر فيه الرضا، وههنا أيضًا الرضا معتبر، ولكن تأخر إلى حين القدرة عليه، ولهذا إذا بلغت كان لها الخيار. 24176 - قالوا: تزوج المولى أمته لا يقف على رضاها، ويفتقر إلى الشهادة. 24177 - قلنا: تزويج المولى أمته يفتقر إلى رضى غير المستبيح، وهو المولى. 24178 - قالوا: الشهادة اعتبرت في النكاح، ليثبت بها عند التجاحد احتياطًا للبضع، وهذا المعنى موجود في الرجعة. 24179 - قلنا: هذا غير مسلم، لأن النكاح ينعقد عندنا بشهادة من لا تثبت بشهادته كالفاسقين وابني الزوج منها وعلى الأصلين بمن ظاهره العدالة، ولم تعلم عدالته في الباطن، وإنما اعتبرت الشهادة، ليخرج العقد من عين الزنا الذي فعل سرًا إلى حين النكاح الذي يعلم، وهذا المعنى غير موجود في الرجعة.

مسألة 1168 أقل ما تصدق فيه المرأة المعتدة إذا أخبرت بانقضاء عدتها

مسألة 1168 أقل ما تصدق فيه المرأة المعتدة إذا أخبرت بانقضاء عدتها 24180 - قال أبو حنيفة - رضي الله عنه -: أقل ما تصدق فيه المرأة المعتدة إذا أخبرت بانقضاء العدة شهران. 24181 - وقال الشافعي: اثنان وثلاثون يومًا ولحظتان وهذه/ المسألة مبنية على أصول: 24182 - أحدها: أن أقل حيض عندنا ثلاثة أيام، وعندهم يوم وليلة. 24183 - والثاني: أن انقضاء العدة بمضي الحيض، وعندهم بالأطهار. 24184 - والثالث: أن لا يجعل حيضها أقل الحيض، وذلك لأنها أمينة فيما تخبر به من انقضاء العدة، والأمين لا يقبل قوله إذا كذبه الظاهر، كالوصي إذا قال: أنفقت مال الصبي عليه في يوم واحد، وإذا كان كذلك لم يجعل حيضها أقل الحيض ليسقط حق الزوج، ولا أكثر الحيض، لأن ذلك نادر. 24185 - ولأنه إسقاط حقها فاعتبر الوسط ليوفي الحقين، فجعلنا حيضها خمسة أيام، فإذا كان كذلك حمل الأمر على أنه طلقها أول الطهر، فاعتبر طهر خمسة عشر يومًا، وطهر خمسة عشر يومًا، وحيض خمسة أيام، فذلك شهران.

24186 - وروى الحسن عن أبي حنيفة انه اعتبر حيضة عشرة أيام، وطهرا خمسة عشر يومًا، لأنه اعتبر أقل الطهر، واعتبر أكثر الحيض حتى يوفي الحقين، وحمل الأمر على أنه طلقها في آخر الطهر، لأنه لا ضرورة به إلى إيقاع الطلاق في أول الطهر، فابتدئ بعشرة أيام حيضًا وخمسة عشر طهرًا وعشرة حيضًا فذلك ستون يومًا، فأما الشافعي فالعدة تنقضي بالأطهار فيحمل الأمر على أنه طلقها في آخر الطهر، فيكون الطهر بعد الطلاق، ويوم وليلة حيضًا، وخمسة عشرة يومًا طهرًا، ويوم وليلة حيضًا، وخمسة عشر يومًا طهرًا ولحظة يسرع فيها في الحيض، فتنقضي باثنين وثلاثون يومًا.

مسألة 1169 الوطء بنكاح فاسد لا يبيح المرأة لزوجها الأول

مسألة 1169 الوطء بنكاح فاسد لا يبيح المرأة لزوجها الأول 24178 - قال أصحابنا: الوطء بنكاح فاسد لا يبيح المرأة لزوجها الأول. 24188 - وقال الشافعي في -أحد قوليه-: يبيحها. 24189 - لنا: قوله تعالى (حتى تنكح زوجًا غيره) فعلق الإباحة بوجود زوج، وهذا ليس بزوج، فلا يقع بوطئه إباحة، ولأنه وطء لم يوجبه عقد النكاح، فلا يبيحها للزوج الأول كوطء المملوك، والوطء بشبهه. 24190 - ولأنه وطء في غير ملك -كالزنا-، ولأنه وطء لا يستقر به المسمى، كالوطء فيما دون الفرج. 24191 - قالوا: وطئت، فالمهر، والعدة ثبت به السبب بوطء الزوج. 24192 - قلنا: يبطل الوطء بشبهة، والمعنى في وطء الزوج أنه موجب النكاح، وهذا لا يوجد في مسألتنا. 24193 - قالوا: مفارقة التحريم بالوطء لا يمنع وقوع الإباحة، كالوطء في حال الحيض، والمحرمة، لأن الملك بالنكاح فارقه، فلذلك وقعت الإباحة. 24194 - قالوا: روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لعن الله المحلل) فسماه محللًا -

وإن كان عقده فاسدًا. 24195 - قلنا: النكاح بشرط التحليل صحيح عندنا، وإن نهى عنه والمنهي عنه لا يوجب الفساد.

كتاب الإيلاء

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب الإيلاء

مسألة 1170 الرجل إذا آلى من امرأته ولم يفيء إليها في مدة أربعة أشهر

مسألة 1170 الرجل إذا آلى من امرأته ولم يفيء إليها في مدة أربعة أشهر 24196 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا آلى من امرأته ولم يفء إليها في الأربعة أشهر بانت منه بمضيها. 24197 - وقال الشافعي [رحمه الله]: (إذا طالبت المرأة بعد المدة التي وقفه الحاكم في قوله الجديد وفي قوله القديم: يحبسه الحاكم حتى

يطلق. 24198 - لنا: قوله تعالى: (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر). 24199 - ووجه الاستدلال من الآية أن الفيء في المدة مراد بالإجماع، لأن عند مخالفنا إن وطئها فيها سقط الإيلاء وإذا انقضى أنه مراد، ثم زعم مخالفنا أن الفيء بعد المدة مراد أيضًا لم نسلم ذلك بغير دليل، ونثبت حكم الفيء في المدة خاصة، وقد جعله الله تعالى عقيب ذكر التربص، وهذا إنما يكون مع بقاء المدة دون مضيها.

24200 - وفي قراءة ابن مسعود، فإن فاءوا فهن، وهذه التلاوة حكمها ثابت، فدل أن الفيء المذكور في المدة. 24201 - فإن قيل: (هذه زيادة في حكم القرآن بخبر الواحد ولا يجوز عندكم). 24202 - قلنا: (هذه القراءة قد نقلت إلى زمن أبي حنيفة نقل استفاضة)، ولأن ظاهر الآية عند مخالفنا يقتضي الفيء في المدة وبعدها، بدلالة أنه يصح الفيء

فيها، فهذه القراءة تخصيص للظاهر، وذلك يجوز بخبر الواحد. 24204 - فإن قيل: الآية تقتضي الفيء بعد المدة، فإن وطئ، فقد عجل ما لم يكن مستحقًا عليه، كمن عجل بالدين المؤجل لازم بالعقد، ولولا ذلك لبطل البيع؛ لأنه لو قال: بعتك بألف لا يلزمني إلا بعد شهر لم يصح البيع. 24205 - فإذا كان الثمن لازمًا فمتى عجل فقد أسقط الأجل؛ فصار الثمن هو الموجب بالعقد، كذلك في مسألتنا. 24206 - قلنا: (إنهما يختلفان في أن مضي المدة يفوت الفيء؛ لأنه يحصل عزيمة الطلاق، ومضي المدة في الأجل لا يفوت الثمن معه. 24207 - قوله: الفاء للتعقيب، فيجب أن يكون عقيب الحكم الذي قبله، كقوله تعالى: (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا).

24207 - قلنا: قال الله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر) والمراد بالإحصار قبل إتمامها، فلم تفد الفاء هاهنا التعقيب، وكذلك قوله تعالى: (والولدت يرضعن أولدهن حولين كاملين) إلى قوله: (فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور)، وذلك يفيد قبل مضي المدة وبعدها، ونظائر هذا في القرآن كثير، فأما الآية التي ذكروها فلم تثبت الحكم الذي ذكروه بالفاء، لكن جعل طلاق الزوج الثاني شرطًا في الإباحة، فلا يجوز أن يتقدم الرجل الشرط، يبين ذلك أن الله تعالى ملك المولى التربص؛ فصار بمنزلة قولك المال إن أنفقه ليسعد به، وإن أمسكه شقي به. 24208 - والإنفاق يكون مع بقاء الملك لا بعد زواله، كذلك الفيء في مسألتنا في حال تملك التربص لا بعد زواله، فإذا ثبت بها قدمنا أن الفيء في المدة، فإذا مضت

فات الفيء؛ فتعين عليه عزيمة الطلاق، فوقع بمضيها؛ لأن من جعل له أحد أمرين، فإذا فات أحدهما تعين الآخر، ويدل عليه أن الله تعالى جعل للمؤلي أحد أمرين: إما الفيء، أو عزيمة الطلاق، فالظاهر أنه ليس هناك حكم آخر، فمن زعم أن الحكم يقف على مطالبة المرأة بعد المدة، حتى إن تركت المطالبة لم يقع شيء، وأن الحاكم يطلق إن امتنع الزوج عن الفيء، أو يحبسه، فقد زاد في حكم الآية بغير دليل. 24209 - ويدل عليه ما روي عن ابن عباس أنه قال: عزيمة الطلاق انقضاء أربعة

أشهر لا فيء فيها؛ فإما أن يكون هذا الاسم لغة أو شرعًا؛ فإن كان لغة فهو حجة منها، وإن كان شرعًا فإنما الشرع يؤخذ من صاحب الشرع، وإذا ثبت أن مضي الأشهر من غير عزيمة الطلاق استحال إن ثبت الفيء بعدها؛ لأن وجود عزيمة الطلاق يتبع بقاء حكم الفيء، إذالم يجعل الله تعالى له الأمرين، وإنما جعل له أحدهما. 24211 - ويدل عليه قوله تعالى: (وإن عزموا الطلق)، والعزم فعل القلب، فالظاهر أن عزيمة الطلاق هو فعل من جهة الزوج؛ فوصف أنه من أفعال القلوب، وعندهم هو إيقاع الطلاق، والإيقاع ليس بعزيمة. 24212 - احتجوا: من الآية أن الله تعالى جعل للمؤلي الأجل، فيما عليه من إبقاء الحق، والأجل إذا كان لمن عليه الحق كان استحقاق إيفاء الحق، وتوجه المطالبة عليه بعد انقضائه كآجال الديون. 24213 - قالوا: وهذا دليل الشافعي. 24214 - قلنا: لم يجعل الله تعالى للمؤلي الأجل، وإنما جعل له التربص في مدة

تنتهي بمضيها؛ فمن زعم أن هناك تربصًا بعد مضيها لوقف فيه فهو مخالف للظاهر. فأما الأجل فإنه يدخل لتأخر الحق الواجب، فإذا ذهب الأجل بقي الوجوب بمقتضى العقد، ونظيره في مسألتنا مدة الخيار المضروبة (للارتياء)، فإذا فات تم العقد، ولم يثبت بعدها تخيير. 24214 - قالوا: قال ابن سريج قوله تعالى: (وإن عزموا الطلق فإن الله سميع عليم) يدل على أن الطلاق يقع بلفظ مسموع. 24215 - قلنا: الله تعالى موصوف في الأزل بأنه سميع، وإن لم تكن

المسموعات، فوصفه بأنه مستمع في حال الإيلاء لا يدل على معنى يستمع. 24217 - وقد قيل في التفسير: إن ذلك راجع إلى أول الكلام معناه، والله سميع بما يحكم به من الإيلاء عليم بما قصده بقلبه من الإصرار على فعل غيره، وإنما يعزم على فعل نفسه، فدل على أنه هناك طلاقًا بفعل الزوج، فوصف بالعزم عليه. 24218 - قلنا: روينا عن ابن عباس أن العزم انقضاء المدة قبل وطئها، وهذا ينفي أن يكون المراد به القصد [العزم] / الذي يقولونه. 24219 - قالوا، قال الله تعالى: (فإن فاءو فإن الله غفور رحيم)، وهذا يدل على أن الفيء بعد المدة إنما يأثم بترك الوطء بعدها. 24220 - قلنا: هذا غلط؛ لأنه بنفس الإيلاء قصد إلى الإصرار؛ فيحتاج إلى الغفران فيقع ذلك بالوطء في المدة.

24221 - قالوا: خير الله تعالى بين الفيء وبين عزيمة الطلاق، والتخيير متى دخل بين شيئيين، فالحالة التي تكون وقتًا لأحدهما تكون وقتًا للآخر، ألا ترى أن الله تعالى لما ذكر التخيير في كفارة اليمين بين الأشياء الثلاثة، كانت الحالة التي تكون وقتًا لأحدهما هي وقت للآخر، وهذا لا يكون إلا على قولنا أن الفيء بعد المدة، وكذلك الطلاق. 24222 - قلنا: ليس في الآية تخيير، وإنما فيها حكم متعلق بشرط فوات حكم آخر، وهذا يقتضي أن يكون أحد الأمرين بعد الآخر. 24223 - فلو سلمنا ما قالوا لم يكن فيه دليل، لأن الله تعالى لم يذكر الطلاق، وإنما ذكر العزم عليه وقد بينا أن ترك الوطء في المدة على ما قال ابن عباس، فوقت الفيء عندنا هو المدة، وعزيمة الطلاق تكون فيها. 24224 - فقد قلنا: إنما ألزمونا والدليل على أن الفيء في المدة من طريق النظر

بأنها مدة التربص ثبت ابتداؤها بقول الزوج، فما يبطلها [ويكون فيها كمدة العدة، ولأنها مدة يفضي انقضاؤها إلى انقطاع الملك فما يبطلها] وجب أن يقع فيها كمدة الخيار. 24225 - وإذا ثبت أن الفيء في المدة ثبت أن الفرقة تقع بانقضائها، لأن أحدًا لا يفصل بين الأمرين. 24226 - ولأن الله تعالى جعل له الأمرين: إما الفيء، أو عزيمة الطلاق، فإذا فات أحدهما تعين الآخر. 24227 - والدليل في نفس المسالة أن مدة التربص ثبت ابتداؤها بقول الزوج، فوجب أن تقع البينونة بانقضاء العدة، كمدة العدة ولا يلزم مدة العنة لأن ابتداءها لم يثبت بقول الزوج، وإنما ثبت بقول القاضي، ولأنها مدة ورد بها القرآن بلفظ التربص، فجاز وقوع البينونة بانقضائها كمدة العدة، ولا يلزم مدة العنة، لأن القرآن لم يرد بها. ولا يلزم عدة الوفاء؛ لأن الأصل جملة العدة، والحكم جواز

حكم البينونة، وفي جملة العدة ما يجوز أن تقع البينونة بمضيها عندنا، فوجب أن يكون في الفرع مثله. 24227 - قالوا: نقلب فنقول فلا يقع بمضيها طلاق. 24228 - قلنا: (لا يحتاجون إلى قولنا: ثبت ابتداؤها بقول الزوج، ويكفي أن نقول مدة التربص)، وكذلك لا نحتاج إلى قولنا ورد بها الشرع بلفظ التربص، ورود القرآن، ولأن عندنا وقوع الطلاق عند انقضائها بالإيلاء، كما يقع إذا قال (أنت طالق بمضي أربعة أشهر، فعلى هذا نقول بموجب القلب. 24229 - فإن قيل: المعنى في مدة العدة أن الطلاق يقدم عليها، فوقعت البينونة بمضيها) لأن من حكم التطليقة أن بيَّنها عند عدم العدة بدلالة المطلقة قبل الدخول،

فإذا انقضت صارت كالمطلقة قبل الدخول، وليس كذلك مدة الإيلاء، لأنه لم يتقدمها طلاق. 24231 - ولأن الطلاق لا يقع بانقضائها إذا كانت أكثر من أربعة أشهر، كذلك إذا كانت أربعة، لأن المدة المضروبة للطلاق يقع بمضيها، فلا يتقدم ولا يتأخر. 24232 - قلنا: علة الأصل تبطل بالمطلقة ثلاثًا، لأنه يتقدم العدة طلاق، ولا تقع البينونة بانقضائها، وعكسها، وتبطل بإسلام أحد الزوجين، فإن الطلاق لا يتقدم مدة العدة، فتقع البينونة بانقضائها. 24233 - [وقولهم في مسألتنا: لا يقع الطلاق بمضي العدة إذا كانت أكثر من أربعة أشهر ليس بصحيح، لأن المدة المضروبة بالشرع هي، الأربعة أشهر، والبينونة تقع

بانقضائها]، ولا معتبر بما سمي من المدة إذا صح الإيلاء فكأنه قال: (أنت طالق بمضي أربعة أشهر لا أقربك فيها)، وإن زاد على هذه المدة في اليمين، ولأن الفرقة على ضربين، فرقة هي طلاق، وفرقة ليست بطلاق، فإذا جاز أن يقع الطلاق منه وقع أيضًا من طريق الحكم كالعتاق. 24234 - ولا يلزم العفو من دم العمد؛ لأن الملك يزول فيه حكمًا إذا ملك الولد قصاصًا على والده. ولأن الإيلاء كان طلاقًا في الجاهلية، فجاز أن يقع

التحريم بلفظه كالظهار، أو نقول: إن كان طلاقًا معجلًا فيتعين بالشرع، ولا يتأجل، فإذا مضى الأجل عاد إلى ما كان عليه. 24235 - احتجوا: بما روى سفيان بن عيينة عن يحيى بن شعيب عن سليمان بن يسار قال: (أدركت بضعة عشر نفسًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كلهم يقولون: يوقف المؤلي). 24236 - وروى سهل بن أبي صالح قال: (أدركت بضعة عشر رجلًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يقولون يتربص المؤلي أربعة أشهر ثم يوقف).

24236 - قلنا: الاحتجاج بقول بعض الصحابة في هذه المسألة غلط للاختلاف الظاهر فيها. 24237 - وقد روى معمر عن عطاء الخراساني عن أم سلمة عن عثمان ابن عفان وزيد بن ثابت أنهما كانا يقولان: (إذا آلى الرجل من امرأته، ولم يفئ حتى مضى أربعة أشهر، فهي تطليقة بائنة) وزيد أحد من لقيه سليمان بن يسار.

24239 - وروى عن علي - رضي الله عنه - القولان جميعًا، وروى أبو عبيدة عن مسروق عن عبد الله، قالا: (إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة، وهي أحق بنفسها). 24240 - وقال مقسم: (سمعت ابن عباس يقول عزيمة الطلاق انقضاء أربعة أشهر، والفيء الجماع، ولم تختلف الرواية عن ابن مسعود وابن عباس. 24241 - واختلفت الرواية عن ابن عمر، وروى

مالك عن نافع عن ابن عمر أنه يوقف. 24242 - وروى الأعمش عن حبيب عن سعيد بن جبير، وزعم أنهما كانا يقولان: (إذا آلى الرجل من امرأته، ولم يقربها حتى مضت أربعة أشهر، فهي تطليقة بائنة. 24243 - وقد قال أهل العلم بالحديث: إن سليمان بن يسار لم يلق من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - العدد المذكور، وإنما لقى زيدًا، وابن عباس، وابن عمر وأبا هريرة

وعائشة وميمونة، فإن كان بلغه عن العدد المذكور، فهو مرسل. 24244 - قال مخالفنا: قال الشافعي في القديم: وقد روي عن ابن مسعود، وابن عباس مثل قولهم، فلا يصح عنهما، والعجب لهذا الكلام، وقد رواه الطحاوي بأسانيد صحاح عن الجماعة الذين ذكرناهم. 24245 - ثم قال الشافعي: لو ثبت هذا، فابن عباس يقول: (الإيلاء على التأبيد)، وهم لا يقولون به، فكأنه ظن أنا إذا احتججنا بقول ابن عباس في مسألة يجب أن نأخذ بقوله في غيرها، وإلا لم يصح الرجوع إلى قوله، وهاتان مسألتان، فإذا خالفنا ابن عباس في إحداهما لم يمنع الرجوع إلى قوله في الأخرى. 24246 - قالوا: (مدة مقدرة بالشرع لم يتقدمها فرقة، فلم يتعقبها بينونة كمدة العدة).

24246 - قلنا: ينتقض بمن قال والله لا أقربك. 24247 - ثم قال: إن لم أطئك أربعة أشهر فأنت طالق ثلاثًا، فهذه الأربعة أشهر مقدرة بالشرع من حيث الإيلاء لم يتقدمها فرقة، وتعقبها البينونة، وينتقض بإسلام أحد الزوجين. 24248 - فإن قالوا: لم تتقدر المدة بالشرع، وإنما تقدرت بالاجتهاد. 24249 - قلنا: وكذلك مدة العدة لم تتقدر بالشرع الذي هو القرآن وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وإنما قدرت بقول عمر، وهو اجتهاد، وربما عبروا عن هذه العلة، فقالوا: مدة ضربت لإزالة الضرر بعقد الوطء، فوجب أن لا يتعقبها البينونة.

24252 - وهذه العبارة يدخل عليها النقض الأول، ولا نسلم في الفرع أنها لإزالة الضرر بعقد الوطء، لأنه لو وطئها ثم حلف ثبتت المدة، وإن لم يعقد الوطء، ولأنه لا فرق بين المدتين في المعنى، ولأن مدة الإيلاء يبطلها الوطء، فإذا مضت المدة فات الوطء، فثبت لها الخيار، ولم تعتبر قدرته على الوطء بعد ذلك؛ ولأن الخيار في مدة العدة ثبت لعجزه عن الوطء، فإذا مضت المدة لم يتحقق العجز إلا بالحكم، فلذلك لم تستحق الفرقة إلا بالحاكم، وفي الإيلاء تقع الفرقة بفوات الفيء، فإذا فات بمضي المدة لم يبق معنى ينتظر التفريق لأجله، فوقعت الفرقة، ولأن ابتداء المدة في العنة يقف على الحاكم، فالفرقة يجوز أن تقف عليه، ومدة الإيلاء لا يقف ابتداؤها على الحاكم، فلم يقف التفريق على اتفاقه. 24253 - قالوا: يمين بالله تعالى، فلا يفضي إلى طلاق بقوله: والله لا أقربك شهرًا) /.

24254 - قلنا: قولكم يمين الله لا تأثير له في الأصل؛ لأن اليمين سواء كانت بالله أو بغيره لا تفضي إلى الطلاق إذا كانت المدة شهرًا. والمعنى فيه أنه يصل إلى وطئها في مدة الإيلاء من غير شيء يلزمه. 24255 - قالوا: وفي مسألتنا لا يتوصل إلى وطئها في مدة الإيلاء إلا بشيء يلزمه من أحكام اليمين. 24256 - قالوا: قول لا يقع به، ولا يتعقبه طلاق معجل، فكذلك المؤجل كقوله: والله لا أقربك ثلاثة أشهر. 24257 - قلنا: الوصف غير مسلم، لأنه إذا قال: والله لا أقربك، ينوي الطلاق وقع الطلاقه به؛ ولأنه لا يمتنع أن لا يقع باللفظ طلاق معجل، ويقع في الثاني كقوله: اختاري، إذا انضم إليه الاختيار. 24258 - والمعنى في الأصل: أنه يصل إلى وطئها في مدة التربص من غير شيء يلزمه، وفي مسألتنا بخلافه. يبين الفرق بينها أن اليمين إذا كانت على ثلاثة أشهر لم يوقف عند مخالفنا بمضيها، فإذا كانت أكثر من أربعة أشهر يوقف، فكذلك على أصله يختلفان أيضًا. 24259 - قالوا: حلف على ترك وطئها، ولم يحنث، فلم يقع به طلاق، أصله إذا قال: إن وطئتك، فلله علىَّ أن أصلي ركعتين.

24260 - قلنا: هذه المسألة قال محمد في الأصل: يكون مؤليًا في قول أبي يوسف الأول، وهو قول محمد، وفي قول أبي يوسف الآخر: ليس هو بمؤل، ولم يذكر قول أبي حنيفة. 24261 - فإذا قلنا: بقول محمد لم نسلم هذا الأصل. 24262 - قالوا: هذا اللفظ ليس بصريح في الطلاق، ولا كناية بدلالة أنه لا يقع به الطلاق مع وجود النية، وفقدها، فلم يجز أن يقع به الطلاق في الثاني. 24263 - قلنا: هذا غير مسلم؛ لأنه لو قال: والله لا أقربك، ونوى به الطلاق

المعجل كان طلاقًا مؤجلًا عندنا بالشرع لأنه كان طلاقًا في الجاهلية لم تغيره الشريعة عن معناه، وإنما غير به التأجيل؛ فإذا مضت المدة عاد إلى معناه، فوقع الطلاق به. 24264 - فإن قيل: لا يخلو أن يكون طلاقًا عاجلًا أو آجلًا، وبطل أن يكون عاجلًا بالاتفاق ولا يجوز أن يكون مؤجلًا؛ لأنه لو كان كذلك لم يصدق الأجل المضروب، فلما قلتم إنه لو قال: (والله لا أقربك سنة) وقع الطلاق بمضي أربعة أشهر، ودل على أنه ليس بمؤجل عندنا بالشريعة، فلا معنى لاعتبار تأجيل الحالف إذا ذكر مدة يصح معها الإيلاء.

مسألة 1171 تحديد مدة أربعة أشهر في الإيلاء

مسألة 1171 تحديد مدة أربعة أشهر في الإيلاء 24265 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا حلف لا يطؤها أربعة أشهر فصاعدًا، فهو مؤل. 24266 - وقال الشافعي [رحمه الله]: لا يصح الإيلاء حتى يحلف على أكثر من أربعة أشهر. مدة يمكن أن يوقفه القاضي فيها. 24267 - فإن قال: لا أقربك أربعة أشهر، فليس بمؤلي. 24268 - لنا: قوله تعالى: (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر). فذكر تعالى مدة أربعة أشهر ولم يزد عليها، فمن قال إن الحكم معلق بزيادة على الأربعة، فهو تارك [لظاهر النص. فإن قيل: ذكر الله تعالى المؤلي المطلق لإيلائه]، وهو من حلف لا يقربها، وذلك يقتضي التأبيد وجعل التربص أربعة أشهر. 24269 - قلنا: هو الحالف على ترك الوطء مطلقًا، أو مقيدًا بمدة، فظاهر الآية يقتضي أنه إذا حلف على يوم، أو أربعة أشهر، أو ما زاد، فهو مؤل إلا ما خصه دليل،

ولأنها مدة ورد القرآن بها بلفظ التربص، ولا يجوز الزيادة عليها كمدة العدة، ولأنه تارك لوطئها أربعة أشهر بيمين، فكان مؤليًا كما لو أطلق الحلف، ولأنها مدة مضروبة لإزالة الضرر عنها؛ فلا تجوز الزيادة على ما ورد به الشرع، كمدة العنة. 24270 - ولأنه لا يتوصل إلى وطئها في مدة الأربعة الأشهر إلا بحيث يلزمه شيء كمن أطلق اليمين، وهذه المسألة مبنية على أن البينونة تقع بمضي المدة، فلا معنى لاعتبار الزيادة عليها، وإنما المعتبر بقاء اليمين حين وقوع الفرقة، وللشافعي بناءً على أصله أن مدة الفيء [بعد الأربعة الأشهر فلابد من بقاء اليمين إلى مدة الفيء كما لابد من بقائها في مدة الأربعة الأشهر لأنها مدة الفيء].

24271 - وهذا لا يصح؛ لأنه عقد على خمسة أشهر؛ فلو لم يطالبه بالفيء حتى مضت سنة ثبت حكم الطلاق عندهم، وإن نقضت اليمين، كذلك إذا عقد على أربعة أشهر، فمضت جاز أن يثبت حكم المطالبة، وإن لم يكن يمين. 24272 - قالوا: الطلاق وقع طلاقًا. 24273 - قلنا: المدة عندنا هي الموجبة لوقوع الطلاق، فصار كقوله: (إن دخلت الدار فأنت طالق). فإنه يحنث بدخول الدار ويقع الطلاق بعد الدخول، ولا يمين حينئذ كذلك في مسألتنا.

مسألة 1172 الحلف بألفاظ الطلاق أو العتاق ونحوهما

مسألة 1172 الحلف بألفاظ الطلاق أو العتاق ونحوهما 24274 - قال أصحابنا: إذا حلف أن لا يطأها بالله، أو بالطلاق، أو بالعتاق، أو بصدقة المال، أو بحج، كان مؤليًا. 24275 - وهو قول للشافعي في قوله الجديد. 24276 - وقال في القديم: لا يكون مؤليًا إلا أن يحلف بالله تعالى.

24277 - لنا: قوله تعالى: (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر)، [والإيلاء هو الحلف] ولم يفصل بين اليمين بالله، أو بغيره، ولأنه لا يتوصل إلى وطئها في مدة الإيلاء إلا بمعنى يلزمه، فصار كالحلف بالله، ولأنه إذا حلف على ترك الوطء بالله تعالى لم يتوصل إلى وطئها إلا بوجوب العتق، أو إطعام، أو صدقة، أو صوم. 24278 - فإذا صرح بإيجاب ذلك على نفسه إن وطئها، فهو أكد ما في مضمون كلامه. 24279 - احتجوا: بأن الطلاق يمين بالله دون غيره. 24280 - الجواب: أن اليمين ما كان بالله، وبغيره، وبدلالة أن من قال لامرأته: إن وطئتك فعبدي حر قال أهل الشرع: قد حلف بعتق عبده، وألفاظ الشرع مأخوذة من الشارع. 24281 - فإن قيل: روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من كان حالفًا، فليحلف بالله)،

فدل ذلك على أن الحلف بغير الله ليس بيمين. 24282 - قلنا: هذا هو الدليل عليكم؛ لأنه لما نهى عن الحلف بغير الله تعالى، دل على أن يكون حالفًا به؛ لأن النهي إنما يكون عما يتصور وجوده، لا أنه ممنوع منه. 24283 - وقوله: (للذين يؤلون من نسائهم) خبر لا يدل على إباحة [المخبر به]، ولا [على حظره]. 24284 - فإن قيل: قال الله تعالى: (فإن فاءو فإن الله غفور رحيم)؛ فدل ذلك على أن الحلف بالله تعالى، لأنه إذا أبانها، ثم فاء وجبت الكفارة عليه، ولم يلزمه شيء سواها من الأيمان بالحنث. 24285 - قلنا: إذا آلى بالله تعالى، ثم فاء وجبت الكفارة عليه عندنا، كما يلزمه الحنث في غيرهما مما حلف عليه، وذكر الغفران لا ينفي وجوب الكفارة لو حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها، ندب إلى الحنث، ووجبت الكفارة عليه عندنا. 24286 - قالوا: إذا حلف بغير الله توصل إلى وطئها من غير شيء، لأنه يبيع عبده، ويخالع زوجته. 24287 - قلنا: فإذا قال: إن وطئتك، فعليَّ عتق رقبة، فليس بمؤل عندكم، وإن كان لا يتوصل إلى وطئها إلا بالحنث، ثم هذا ليس بصحيح؛ لأنه لا يقدر على الوطء في الموضع الذي ذكروه إلا بالحنث، أو ضرر يلحقه بخلع زوجته، وبيع عبده، وهذا كالضرر الذي يلحقه بوجوب الكفارة.

مسألة 1173 إذا حنث في يمين الإيلاء في المدة يجب عليه الكفارة

مسألة 1173 إذا حنث في يمين الإيلاء في المدة يجب عليه الكفارة 24288 - قال أصحابنا: إذا آلى من امرأته، ثم [طلقها ثم] فاء إليها في المدة بالجماع حنث في يمينه، ووجبت الكفارة. 24289 - وهو قول الشافعي في الجديد، وقال في القديم: لا كفارة عليه. 24290 - لنا: قوله تعالى: (ذلك كفرة إيمنكم إذا حلفتم)، والمراد به حنثتم، وهو عام. 24291 - ويدل عليه قوله [- صلى الله عليه وسلم -]: (من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليأت الذي هو خير] وروي وليكفر عن يمينه، ولأنه تارك لوطئها بيمين بالله تعالى، فإذا وطئها مع بقاء اليمين وجبت الكفارة، كما لو حلف على وطء أمته، ولأن كل مدة لو حلف فيها على ترك الكلام، ثم كلمها وجبت الكفارة،

فإذا حلف على ترك الوطء فوطئها، وجبت الكفارة. أصله ما دون أربعة أشهر، ولأن كل يمين عقدها على أربعة أشهر وحنث لزمته إذا عقدها على أكثر من ذلك، ثم إذا حنث لزمته الكفارة كاليمين على ترك الكلام، ولأن كل مدة لو حلف بها على ترك وطء أمته لزمته الكفارة بوطئها، كذلك إذا حلف على ترك وطء زوجته، فوطئها. أصله الأربعة الأشهر، ولأن ما تعلقت به الكفارة في غير الزوجات تعلقت به في الزوجات، أصله ترك الكلام. 24292 - احتجوا: بقوله تعالى: (فإن فاءو فإن الله غفور رحيم)، ولم يذكر الكفارة. 24293 - الجواب: أن الغفران لا ينفي وجوب الكفارة، وإنما سكت عن بيانها، لأنه ذكرها في آية أخرى. 24294 - قالوا: وري عنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليأت الذي هو خير فإن ذلك كفارتها). 24295 - قنا: روي وليكفر عن يمينه، وهذا زائد فهو أولى، ولأنه جعل اختيار خير الأمرين ككفارة اليمين، والكلام في كفارة الحنث، ولم يتعرض/

لذلك. 24296 - قالوا: هو مأمور بوطئها، فإذا فعل المأمور به لم يجز أن تلزمه الكفارة. 24297 - قلنا: هذا مجرد دعوى، ويبطل بمن حلف لا يكلم أباه فإنه مأمور بكلامه، وتجب عليه الكفارة. 24298 - قالوا: الإيلاء يوجب الفيء، أو عزيمة الطلاق، فإذا اختار عزيمة الطلاق، فقد وفي باليمين ولم يحنث، فإذا أفاء فقد فعلا المحلوف عليه، ولا يقال إن من لم يحنث إذا لم تلزمه الكفارة لم تلزم الحانث، ولأن من وفى باليمين لا تلزمه الكفارة إذا كانت على أربعة أشهر. كذلك إذا كانت على أكثر منها.

مسألة 1174 الطلاق يقع بمضي المدة

مسألة 1174 الطلاق يقع بمضي المدة 24299 - قال أصحابنا: إذا مضت المدة وقع الطلاق. 24300 - وقال الشافعي [رحمه الله]: يطالب بالفيء، فإن دافع ذلك قال في الجديد يطلق الحاكم عليه. 24301 - وقال في القديم: فيه قولان. 24302 - وهذه المسألة لا فائدة فيها، لأن الفرقة تقع فيها عندنا بمضي المدة، فلا معنى لإيقاع الفرقة بعد ذلك، ولكنا نتكلم على التسليم، فنقول: قال الله تعالى: (وإن عزموا الطلق)، فعلق ذلك بقول الزوج دون القاضي، ولأن الإيلاء يتعلق به حكمان: الفيء والطلاق، ومعلوم أن الفيء إذا كان بالقول لم يقم القاضي مقامه فيه، كذلك الطلاق، ولأنه تارك لوطئها بيمين، فصار كما لو حلف على أربعة أشهر.

24303 - قالوا: حق تدخله النيابة مستحقة بتعين، فإذا امتنع من هو عليه في الإيفاء كان للسلطان الاستيفاء كالدين. 24304 - قلنا: عندنا لا يقوم القاضي مقامه في إيفاء الديون، وإنما يحسبه حتى يوفيه، ولأن الدين يجوز أن يستوفيه صاحب الحق إذا وجب حبس حقه، فجاز أن يوفيه الحاكم، والفرقة في مسألتنا لا تجوز أن تقع بفعل المرأة، فلا يقوم الحاكم مقامه في إيفائها. 24305 - قالوا: مدة يرفعها الوطء تتعلق بها الفرقة، فكان للقاضي أن يوقع ذلك. أصله العنة. 24303 - قلنا: مدة العنة ابتداؤها يتعلق بها الفرقة، فجاز أن تكون الفرقة المتعلقة بانقضائها إلى القاضي، ولما كانت هذه المدة ابتداؤها يتعلق بسبب من جهة الزوج، كانت الفرقة تبطل به أيضًا.

مسألة 1175 مدة إيلاء الامة

مسألة 1175 مدة إيلاء الامة 24307 - قال أصحابنا: مدة إيلاء الأمة شهران. 24308 - وقال الشافعي: كإيلاء الحرة. 24309 - لنا: أنها مدة ورد بها القرآن بلفظ التربص؛ فوجب أن يؤثر فيها الرق كمدة العدة، ولأنها مدة للتربص ثبت ابتداؤها بقول الزوج كمدة العدة. 24310 - فإن قيل: مدة العدة تختلف بالرق والحرية. 24311 - قلنا: هي وإن اختلفت فقد أثر الرق في نقصان كل ما يتعين منها، ومدة الإيلاء لا يمكن تبعيضها، فأثر في نقصانها. 24312 - فإن قيل: مقصود العدة براءة الرحم، وذلك يوجد في حيضة واحدة والمقصود بمدة الإيلاء إزالة الضرر بترك الوطء، وهما يتساويان في ذلك. 24313 - قلنا: إذا كان الاستبراء يتم بحيضة واحدة جاز اعتبار ما زاد عليها لمعنى مقصود، ثم إن اختلفت الأمة والحرة فيه جاز أن يختلفا في مسألتنا. 24314 - وقولهم إن مدة الإيلاء لنفي الضرر بترك الوطء صحيح لأن حق الحرة في

الوطء أوفى من حق الأمة لأن قسمها أكبر، فالمدة التي وضعت لإيتاء الحق الأوفى يزيد على المدة التي وضعت لإيتاء الحق الأنقص ولأنها مدة [تعين فيها] حقها من الوطء، ولا يقف تقديرها على الحاكم فكان [لها] تأثير في نقصانها كمدة القسم. 24315 - احتجوا: بقوله تعالى: (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر) ولم يفصل. 24316 - الجواب: أن الآية خاصة في الأحرار؛ لأن الله تعالى ذكر عزيمة النكاح ثم قال: (والمطلقت يتربصن بأنفسهن ثلثة قروء). 24317 - قالوا: إن الآية خاصة في الأحرار. 24318 - قالوا: مدة [معينة بالشرع] فوجب أن لا يختلف برق الزوجة وحريتها كمدة العنة وهي مدة لإزالة الضرر عن الزوجة بفقدها الوطء كمدة العنة. 24319 - قلنا: مدة العنة ضربت لاختبار حال الزوج حتى [يظهر سبب] عجزه [أكان] خلقة أم حدث به معنى يرجى زواله. واختبار حال الزوج لا يختلف برق الزوجة وحريتها. فأما مدة الإيلاء ففرضها لاختبار حال الزوج ليوفيها حقها بالفيء. ومدة استمتاع الحرة أطول من استمتاع الأمة، فلذلك اختلفت المدة بحسب اختلافهما في مدة الاستمتاع.

مسألة 1176 حكم الطلاق الواقع في الإيلاء

مسألة 1176 حكم الطلاق الواقع في الإيلاء 24320 - قال أصحابنا: الطلاق الواقع في الإيلاء بائن. 24321 - وقال الشافعي: طلاق رجعي. 24322 - لنا: أنها مدة ورد بها القرآن بلفظ ... 24323 - فإن قيل: إيقاع البينونة ليتم الغرض من الفرقة بإزالة الضرر عنها ... فالفرقة المتعلقة بها بيونة كفرقة العنة. 24324 - فإن قالوا: هناك الفرقة فسخ لم نسلم ذلك، لأنها عندنا طلاق، ولأن هذه المدة ضربت لتخلص المرأة من ضرر الزوج، وتتوصل إلى زوج يوفيها حقها، فلو جعلنا الفرقة رجعية، لراجعها، وعاد الضرر، واحتاج القاضي إلى ضرب مدة أخرى. 24325 - فإن قيل: إذا كان زوج الصغيرة ابن عمها، وآلى منها، ووقعت الفرقة بمضي المدة جاز أن يتزوجها، فلا يمكن من تزويجها حتى لا يستديم ضررها، فلا يؤدي إلى ما قالوه. 24326 - وهذه المسألة مبنية على أصلنا: أن الفرقة تقع حكمًا، والفرقة الحكمية بائنة كفرقة الرضاع.

24327 - احتجوا: بقوله تعالى: (وبعولتهن أحق بردهن). 24328 - الجواب: أن الله تعالى قال: (الطلق مرتان)، ثم قال: (وبعولتهن أحق بردهن) والطلاق المذكور هو الذي يملك الزوج إيقاعه، فأما الطلاق الذي يقع بالإيلاء، فلا يتكرر، فلم تتناوله الآية. 24329 - قالوا: طلاق مجرد صادف عدة من غير عدد، فصار كالطلاق المبتدأ. 24330 - قلنا: الطلاق المبتدأ لم يوضع لإزالة الضرر، فإثبات الرجعة يثبت مقصوده كالتفريق بالعنة، والاعتبار بالنفقة على قولهم.

مسألة 1177 إذا آلى ثم طلق أو طلق ثم آلى

مسألة 1177 إذا آلى ثم طلق أو طلق ثم آلى 24331 - قال أصحابنا: إذا طلق امرأته طلاقًا رجعيًا، ثم آلى منها فمدة الإيلاء من حين الإيلاء، وإن آلى منها ثم طلقها طلاقًا رجعيًا فالمدة يحتسب بها كما كانت لو لم تطلق. 24332 - وقال الشافعي: إذا كانت مطلقة، فالمدة من حين تراجعها [ولا تحتسب بالمدة مع القدرة، وإن طلقها بعد الإيلاء لم تعتد بالمدة حتى تراجعها]، ويبدأ بالمدة من حين الرجعة. 24333 - لنا: قوله تعالى: (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر)، والمطلقة الرجعية من نسائه بدلالة أنه لو قال: نسائي طوالق طلقت. فظاهر الآية يقتضي اعتبار أربعة أشهر من حين الإيلاء، فمن زعم أنها من حين الرجعة أوجب زيادة على ذلك،

وهذا خلاف الظاهر، ولأن الطلاق يلحقها بلفظ الكناية، فإذا آلى منها كانت المدة عقيب اليمين ثم يثبت في الثاني، كما لو آلى من المبتوتة؛ ولأنا دللنا على أن وطئها مباح، فلها حق في الوطء، فتحتسب بالمدة كما تحتسب في الزوجة. وأما إذا طلقها بعد الإيلاء؛ فهو طلاق لا يزيل الملك، فلا يعتبر حكم المدة كالطلاق المعلق بالشرط. 24334 - احتجوا: بأنها معتدة كالمبتوتة. 24335 - والجواب: أن هناك لما لم تثبت المدة عقيب اليمين المُطلِّقَةِ لم تثبت في الثاني، وفي مسألتنا بخلاف ذلك، وبنوا على أصلهم أن وطئها محرم، فلا تعتد بالمدة مع تحريم الوطء. 24336 - قالوا: إذا طلق طلاقًا رجعيًا، فقد فعل ما يقع بمضي مدة الإيلاء حتى كأن المدة قد انقضت.

مسألة 1178 حكم من قال إن قربتك فلله علي صلاة

مسألة 1178 حكم من قال إن قربتك فلله علي صلاة 24338 - قال محمد إذا قال: إن قربتك فلله علي صلاة فهو مولي. 24339 - وقال أبو يوسف في قوله الآخر: ليس بمؤل. 24340 - وقال الشافعي [رحمه الله]، يكون مؤليًا. 24341 - لأبي يوسف: أن الصلاة ليست من أحكام اليمين، ولا يعتبر في وجوبها المال، فلا يتعلق بإيجابها إيلاء، كما لو قال: إن قربتك فعلي أن أصلي على جنازة، أو أتوضأ. وهذا الأصل لا شبهة فيه، لأن صلاة الجنازة لا تجب بالإيجاب؛ إذ هي من فروض الكفايات، فمتى فعلها وقعت عما وجب عليه، ولم تقع عن النذر. ولأنه منع نفسه من قربها إلا بوجوب قربة ليس لها مدخل في

الكفارة ولا للكفارة فيها مدخل كما لو قال: إن قربتك فعلي أن أعود مريضًا، أو أصلي على جنازة. ولا يلزم العتق، والصوم، والصدقة، لأن لذلك مدخلًا في الكفارة. ولا يلزم الحج، لأن الكفارة فيه مدخلًا. 24342 - احتجوا: بان ما وجب بالنذر جاز أن يصير به مؤليًا كالحج، والصوم والصدقة. 24343 - والجواب: أن الفرق بينهما أن الحج يعتبر في وجوبه المال، والصوم والصدقة من موجب اليمين. 24344 - فإن قيل: الصلاة قد يعتبر فيها المال بدلالة أنها لا تصح إلا بطهارة، وإنما يبتاع بالمال، وستر العورة لا يتوصل إليه إلا بالمال. 24345 - قلنا: هذا لا يعتبر في وجوب الصلاة، وإنما يعتبر في أدائها مع القدرة عليه. ولا يعتبر مع العجز. وأما الحج فيعتبر المال في وجوبه، والقول للكفارة فيه مدخل.

مسألة 1179 احتساب المدة فيهما إذا آلى فخرجت من المصر أو نشزت أو مرضت

مسألة 1179 احتساب المدة فيهما إذا آلى فخرجت من المصر أو نشزت أو مرضت 24346 - قال أصحابنا: إذا آلى منها، فخرجت من المصر أو نشزت أو مرضت احتسب عليها بالمدة في النشوز والغيبة التي تصل إليها في المدة. وفي المرض الذي لا يستطاع معه الجماع يفيء إليها بلسانه. 24347 - وقال الشافعي: لا يحتسب عليه بالمدة. 24348 - لنا: أن الناشزة يمكنه ردها بالحاكم، والغائبة يمكنه أن يجتمع معها في [مدة الإيلاء]، فصار كما لو كانت بحضرته؛ ولأنه لا يخلو إما أن يتمكن من وطئها، أو يتعذر وطؤها، فإن كان من حين الممكن اعتد بالمدة، وإن كان من

حين المتعذر ففيه القول، ولا يسقط حكم المدة كالمريض. 24349 - احتجوا: بأنها مدة ضربت لإيفاء حقها من الوطء كمدة العنة، ومعلوم أنها لا تحتسب عليه في تلك المدة بزمان النشوز والغيبة فكذلك هذا. 24350 - قلنا: هذا مدة العنة. 24351 - قد قالوا: يحتسب [عليه بمدة غيبتها إذا خرجت بإذنه، فإن خرجت وهو لا يقدر على منعها كخروجها لحجة الإسلام لم يحتسب] بذلك من المدة. وأما المرض فروي عن أبي يوسف أنه قال: إن كان شهرًا لم يحتسب به، وإن كان أقل احتسب به وروي عنهم أنه المرض إذا كان في جميع المدة أجل سنة أخرى، وإن صح في السنة يومًا واحدًا احتسب بها على أن الفرق بين مدة العنة والإيلاء [أن مدة العنة] لا يبطلها إلا الوطء، فإذا وجد هناك مانع من الوطء لم يعلم أن العجز منه، فلم يكتف بالمدة. ومدة الإيلاء تبطل بالوطء مع القدرة، وبالقول مع العجز، فهذه

الأعذار إن كان يعجز معها فيجب أن يفيء بالقول الذي يقدر عليه، فإذا لم يفعل صار كالممتنع من الوطء مع القدرة.

مسألة 1180 حكم من قال لامرأتين له والله لا أقربكما

مسألة 1180 حكم من قال لامرأتين له والله لا أقربكما 24352 - قال أصحابنا إذا قال لامرأتين له: والله لا أقربكما كان مؤليًا استحسانًا. 24353 - وقال زفر: لا يكون مؤليًا حتى يطأ إحديهما. 24354 - وبه قال الشافعي [رحمه الله]. 24355 - لنا: أنه لا يتوصل إلى واحدة منهما إلا بحنث يلزمه، أو يعتبر إيلاء في صاحبتها. ويعتبر الإيلاء من أحكام/ اليمين، ومن لا يتوصل إلى الوطء إلا بلزوم حكم من أحكام الإيمان كان مؤليًا كما لو قال: إن قربتك فعلي عتق أو صوم أو صدقة.

24356 - قالوا: لا يحنث بوطء إحداهما، فلم يكن مؤليًا منها، كما لو قال لزوجته وأمته: والله لا أقربكما، أو لزوجته أو أجنبية. 24357 - قلنا: هناك إذا وطئ زوجته لم يحنث، ولم يتعين الإيلاء في الأخرى، ومن يتوصل إلى وطئها من غير أن يلزمه حكم من أحكام اليمين لم يكن مؤليًا منها.

مسألة 1181 إذا آلى المريض من امرأته ودام المرض

مسألة 1181 إذا آلى المريض من امرأته ودام المرض 24358 - قال أصحابنا: إذا آلى المريض من امرأته، ودام المرض انقضت المدة؛ فإن كان فاء إليها بقوله سقط الإيلاء، ولم يقع عليها بهذا الإيلاء طلاق أبدًا، وإن مضت المدة ولم يفيء إليها طلقت. 24359 - وقال الشافعي: إذا مضت وهو مريض قيل له: تفيء بلسانك؟ فتقول: إذا قدرت على الوطء وطئتك. فمتى قدر على الوطء قيل له: إما أن تفيء بالوطء أو تطلق. 24360 - لنا: أنه وجد منه الفيء المانع من الطلاق؛ فصار كما لو فاء بالوطء، ولأن الفيء بالقول أقيم مقام الفيء بالوطء عند العجز، فوجب أن يقوم مقامه في الحكم المختص به كالمقيم، ولأن الطلاق لا يتعين عليه عقيب المدة، فلا يلزمه في الثاني كما لو وطئها. 24361 - قالوا: كان عليه الوطء، وقد عجز عنه؛ فتأخر إلى حين القدرة، فإذا امتنع منه مع القدرة كلف الطلاق.

24362 - قلنا: المريض فاء إليها بالقول، فسقط حكم الإيلاء، فإذا قدر على الوطء، فهو ممتنع من وطئها بيمين نهي غير إيلاء، فلا يكلف الطلاق كالحالف على أقل من أربعة أشهر.

مسألة 1182 حكم من قال لامرأته: إن قربتك فلله علي عتق هذا العبد عن ظهاري

مسألة 1182 حكم من قال لامرأته: إن قربتك فلله علي عتق هذا العبد عن ظهاري 24363 - قال أصحابنا: إذا قال لامرأته: إن قربتك فلله عليَّ عتق هذا العبد عن ظهاري، فليس بمؤل. 24364 - وقال الشافعي [رحمه الله]: يكون مؤليًا، فإن قربها فهو بالخيار: إن شاء عتق العبد عن ظهاره، وإن شاء كفر كفارة يمين. 24365 - لنا: أنه أوجب على نفسه تعيين ما وجب عليه غير معين، فصار كما لو قال: إن قربتك فلله علي صوم يوم الخميس، عن اليوم الذي نذر صومه، أو فلله علي أن أتصدق بهذا المال عن زكاتي، أو كفارة يميني. 24366 - فإن قيل: في عتق عبد بعينه فضيلة لم تجب بالظهار؛ لأن زيادة القيمة فضيلة. 24367 - قلنا: وكذلك إذا نذر صومًا مطلقًا، ثم قال: لله عليَّ أن أصوم يوم عرفة، ففي تعيين صوم يوم عرفة فضيلة، على أنه لو عين بالإيجاب في عبد بعينه، وهو أقل العبيد قيمة كان مؤليًا عندهم وإن لم يكن في تعينه زيادة فضيلة. 24368 - قال: قيل للعبد حق في العتق، وليس للزمان الذي يتعين فيه الصوم

منفعة في الصوم، فلذلك صح الإيجاب في العتق. 24369 - قلنا: عند الشافعي لا يتعين الإيجاب، لأن الحالف مخير عنده، إن شاء أعتق العبد، وإن شاء كفر عن يمينه؛ فعلى هذا لا حق للعبد أن يتعين بهذا التعيين، لأن الله تعالى أوجب العتق غير معين، فإذا عين الإيجاب بالنذر لا يتعين إيجاب، كما لو قال: لله عليَّ أن أقضي صوم رمضان في هذا الشهر، وإذا لم تتعين العين بهذا الإيجاب، فهو يتوصل إلى وطئها من غير شيء يلزمه، فلم يكن مؤليًا. 24370 - قالوا: حلف على ترك وطئها يمين تبقى بعد أربعة أشهر زمانًا يمكن مطالبته، فوجب أن يكون مؤليًا كما لو قال: لله عليَّ عتق عبدي. 24371 - قلنا: لا نسلم أنه حالف، لأن عندنا هذا الإيجاب لايلزمه به حق، فهو كقوله: عليَّ صوم رمضان وصلاة الظهر، فلا يكون بذلك حالفًا. 24372 - قالوا: الدليل على أنه يلزمه: أنه يملك عتق هذا العبد عن ظهاره، فصح إيجابه، كما لو أطلق الإيجاب، ولم يقل: عن ظهاري. 24373 - قلنا: يبطل إذا قال: لله عليَّ صيام شوال عن قضاء رمضان، فأصوم هذه الأيام الثلاثين عن كفارة الماضي، وعن نذري، وهو يملك ذلك، ولا يصير بتعيينها حالفًا.

مسألة 1183 إيلاء المجبوب

مسألة 1183 إيلاء المجبوب 24374 - قال أصحابنا: إذ حلف المجبوب لا يقرب امرأته [أو] لا يجامعها كان مؤليا، وفيؤه القول، وكذلك إذا كانت المرأة رتقاء. 24375 - وهو قول الشافعي في الأم، وقال في الإملاء: لا ينعقد يمينه، ولا يكون مؤليًا. 24376 - لنا: أنه زوج يصح طلاقه، فصح إيلاؤه كغير المجبوب، ولأن العجز عن الوطء لا يمنع صحة الإيلاء، كما لو آلى منها، وبينهما مدة لا يصل إليها في مدة الإيلاء. 24377 - فإن قيل: هناك يقدر على وطئها في الجملة. 24378 - قلنا: التعيين هو الوطء في المدة، وما بعدها، بدلالة: أنه ينعقد عليه اليمين، فلا يعتبر بالقدرة في غير مدة اليمين.

24379 - احتجوا: بأنه حلف على ما لا يصح وجوده، فصار كما لو حلف ليشربن الماء الذي في الكوز ولا ماء فيه. 24380 - قلنا: هناك ليس في عقده معقود عليه، ألا ترى أن الله تعالى لو خلق ماء في الكوز لم يكن هو المعقود عليه، وعدم المعقود عليه يمنع الانعقاد، وفي مسألتنا يتصور أن الله تعالى يخلق له ذكرًا، فيكون هو المجامع لها، فيتوهم وجود المعقود عليه، فينعقد يمينه. 24381 - قالوا: حكم الإيلاء ثبت، لأنه منعها حقها من الوطء، وفقده ليس من وطئها، فلم يضر بها باليمين. 24382 - قلنا: المجبوب يقذف بالماء ويحبلها، ولها حق في ذلك، فإذا حلف لا يقربها فقد منع ذلك، فأضر بها. 24383 - قالوا: فلو آلى منها، وقذف بالماء في فرجها لم يكن فيئًا، فدل على أن هذا ليس بحق لها. 24384 - قلنا: لو قذف الماء، وحملت وولدت ثبت النسب، وكان ذلك فيئًا عندنا، وبطل حكم الإيلاء به.

كتاب الظهار

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب الظهار

مسألة 1184 ظهار الذمي

مسألة 1184 ظهار الذمي 24385 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: لا يصح ظهار الذمي. 24386 - وقال الشافعي [رحمه الله]: يصح ظهاره. 24387 - لنا: أنه لا يصح طلاقه، ولا إيلاؤه. والذي يصح منه الطلاق يصح منه الظهار.

24388 - قلنا: إنما لا يصح طلاقه؛ لأنه لا يصح ظهاره، وعلة الفرع تبطل؛ لأنه إزالة ملك، والكافر في إزالة الملك كالمسلم، والظهار تحريم بالقول يفضي إلى الكفارة، فلا يصح من الذمي. 24389 - أصله: قوله: أنت عليَّ حرام، ولأنه عقد إذا صح كان سببًا في وجوب الكفارة، فلا يصح من الذمي كالإحرام، ولأنه سبب في وجوب كفارة مرتبة من أنواع ثلاثة، فإذا وجد من الذمي؛ لم يتعلق به حكم، كالفطر في رمضان، ولا يلزم القتل؛ لأنه سبب في وجوب كفارة من نوعين، والدليل على أن كفارة الظهار لا تلزم منه: أنها عبادة لا تصح منه وأنها عبادة من شرطها النية، أو عبادة تقارنها؛ فلا تصح من الذمي كالصلاة والصوم، ولا

يلزم الإيمان، لأنه اعتقاد ونية. 24390 - ولا يقال: من شرطها النية، ولا تقارنها النية، ولأن العتق والإطعام معنى يقع به التكفير، فلا يصح منه كالصوم، فلا يصح من الذمي ككفارة رمضان، ولأن التكفير موضوع للتغطية، فلا يجتمع مع الكفر كالقربة. 24391 - فإن قيل: لا يمتنع أن تكون الكفارة عبادة في حق المسلمين عقوبة في حق أهل الذمة؛ لأنها لا تجب إلا عن معصية متقدمة [كما أن الحدود وكفارات المسلمين عقوبة للكفار، ولا تجب إلا عن معصية متقدمة]. 24392 - قلنا: الحدود ليست عبادات على المحدود، وإنما هي عبادة على الإمام، ولهذا فإن الفاعل الملابس للحد مندوب إلى ستر نفسه، والاقتصار على التوبة. فأما في حق المحدود والمسلم: فتارة تكون عقوبة ليس فيها تكفير وهو المحدود والمصر، وتارة تكفيرًا في حق المحدود الثابت، والكافر لا تصح منه التوبة، والحد عقوبة في حقه لا تكفير فيها، كما هي في حق المسلم الذي لم يتب.

وإما أن تختلف العبادة، فتكون في حق المسلم عبادة، وفي حق الكافر عقوبة، ولو جاز ذلك لجاز إيجاب الزكوات وصدقة الفطر على الكافر عقوبة وإن كانت في حق المسلم عبادة وقربة. 24393 - فإن قيل: قد قلتم إن الظاهر إذا ارتد وأعتق عن ظهاره جاز عتقه مع الكفر، وإن كان التفكير لا يصح منه. 24394 - قلنا: كان شيخنا أبو عبد الله يقول: إنما قالوا إذا أسلم جاز عتقه، وهذا يقتضي وقوع العتق، فأما عن الكفارة فلا. 24395 - وقال غيره من أصحابنا: يجوز العتق إذا أسلم. وقبل إسلامه تصرف موقوف، وإذا أسلم بعد العتق، حال عقد الفعل عن الكفارة هو مسلم من أهل التكفير، فلا يلزم ذلك على الطريقين. 24396 - فإن قيل: الكافر على الطريقين، وإن لم يكن من أهل التكفير، فيجوز أن يسلم، فيصير من أهله. 24397 - قلنا: المعتبر بحكمه في الحال/ ألا ترى أن الصبي يجوز أن يصير من أهل التكفير ثم لا يصح ظهاره، لأنه ليس من أهل التكفير في الحال؟ وإذ ثبت له أنه لا يصح منه التكفير لا يصح منه الظهار كالصبي، ولأن الكفارة موجبة للظهار،

فمن لا يصح منه الموجب لم يصح منه الظهار الموجب، كما أن من لا يصح منه الطلاق لا يصح منه النكاح. 24398 - ولا يلزم الإيلاء أنه يصح من الذمي، وإن كانت الكفارة لا تصح منه، وذلك لأن الكفارة ليست من موجب الإيلاء. ألا ترى أنها تجب بالحنث، وذلك لأنها لا تزيل الإيلاء، وإنما موجب الإيلاء الطلاق، وذلك يصح من الذمي؟. 24399 - فإن قيل: كذلك الظهار، لا يوجب الكفارة، وإنما يجب بالعود. 24400 - قلنا: الظهار هو الموجب، والعود شرط لا يحل الظهار، ولا يخرجه من أن يكون مظاهرًا. 24401 - ويدل على أن [ظهار المجبوب لها يصح منه؛ لأنه شبه] امرأته بمن يعتقد عدم إباحتها بعقد يقر عليه، فصار كالمسلم إذا قال لامرأته: أنت علي كظهر

جاريتي. 24402 - ولا يقال: المعتبر بما في شريعتنا دون اعتقادهم، لأنه لو كان كذلك لم يجز إقرارهم على مناكحتهم. 24403 - احتجوا: بقوله تعالى: (والذين يظهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة) ولم يفصل بين المسلم والكافر. 24404 - الجواب: أنه تعالى ابتدأ الآية الأولى بخطاب المسلمين، فقال تعالى: (والذين يظهرون من نسائهم ثم يعودون)، وقال جل اسمه: (ذلكم توعظون به). وهذا خطاب المواجهة، فالظاهر أنه انصرف إلى من خوطب بالمواجهة في الآية الأولى، وهم المسلمون، ولأن الكافر لا يوعظ على الظهار، وإنما يوعظ على الكفر، فدل ذلك على أن الوعظ للمسلمين، ثم قال تعالى: (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين)، والكافر لا يخاطب بالصيام فعلمنا أن الخطاب لمن يصح منه الصوم، وهو المسلم، والقرائن متى انضمت إلى اللفظ العام صار خاصًا، ومنعت من دعوى العموم فيه. 24405 - ثم قال: (فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا)، فخاطب بالإطعام من لا يستطيع الصوم، ولو تناولته الآية تناولت من لا يكفر بالإطعام إلا

بعد العجز عن الصوم. 24407 - فإن قيل: ليس إذا لم يلزمه الصوم –لأنه لا يصح منه- لم يدخل في الآية، كما أن العبد لا يخاطب بالعتق، وإن دخل فيها. 24408 - قلنا: الآية لم تتناول العبد عندنا، وإنما ثبت ظهاره بدليل آخر. 24409 - فإن قيل: قال الله تعالى: (ذلك لتؤمنوا بالله)، ولا يقال للمؤمن ذلك لتؤمن، فدل أن الآية تناولت الكفار. 24410 - قلنا: لو كان كما قالوا لكانت الآية خاصة في الكفار دون المسلمين، وهذا لا يقوله أحد. وإنما المراد بقوله: (ذلك لتؤمنوا بالله) أي لتستديموا الإيمان في المستقبل كقوله تعالى: (يأيها الذين ءامنوا ءامنوا بالله). 24411 - فإن قيل: الكافر يصح منه الصوم إذا قدم الإيمان، كما يصح من المحدث الصلاة إذا توضأ. 24412 - قلنا: لو كان كذلك لكان يجوز الإطعام مع القدرة على الصوم، وهذا خلاف الآية.

24413 - قالوا: من صح طلاقه صح ظهاره، كالمسلم. 24414 - قلنا: نجعل المعلول علة؛ فنقول: من صح ظهاره يصح طلاقه، ومتى صار المعلول علة فسدت العلة؛ لأن الحكم والعلة لا يجوز أن يجلب كل واحد منهما الآخر. 24415 - قال مخالفنا: ليس هذا يقدح في العلل؛ لأن علل الشرع أمارات، فيجوز أن يصير كل واحد من الأمرين أمارة على الآخر، كما أن من علمنا من حاله أنه إذا وهب [لابنه شيئًا وهب] لابنته مثله؛ فمتى علمناه واهبًا لابنه دل ذلك على أنه وهب لابنته. 24416 - قلنا: هذا خطاب لا يقوله من يعرف موضوع العلل. ألا ترى أنا نعلم أولًا الحكم في الأصل، ثم نعلم العلة في الفرع ثانيًا ثم نعلم الحكم، فما سبق علمنا به في الأصل يتأخر في الفرع، فكيف يكون كل واحد من الأمرين علة الآخر ويسبق علمنا بأحد الأمرين من حيث كان حكمًا، ويتأخر علمنا من حيث كان فرعًا، وهذا تناقض ظاهر. 24417 - فإن قيل: إذا جعلنا الطلاق علة تعدت، وإذا جعلتم الظهار علة وقعت، والعلة الواقعة ليست علة عندكم.

24418 - قلنا: بل يتعدى علتنا وتصير دلالة على إبطال قولهم فيمن قال لامرأته: إذا طلقتك فأنت طالق قبل ذلك ثلاثًا فعندهم لا يقع طلاقه، ويصح ظهاره. 24419 - فإذا قلنا: من صح ظهاره صح طلاقه، ومن يصح ظهاره استفدنا به حكم هذه المسألة. 24420 - قالوا: لو كان ظهاره لا يصح [ما صح طلاقه]. 24421 - قلنا: لنا أن من صح ظهاره صح طلاقه، ومن لا يصح ظهاره هل يصح طلاقه أم لا، عكس علينا، ولا يلزمنا. 24422 - فإن قيل: الطلاق يجوز إن جلب الظهار، ولا يجوز إن جلب الظهار والطلاق، ألا ترى أن الظهار والطلاق كل واحد منهما كان طلاقًا في الجاهلية، فغير الظهار بالشرع، وترك الطلاق بحاله، فهو أسبق، فكيف نحكم بصحته ممن يصح منه الظهار، فتتأخر العلة عن حكمها. 24423 - قلنا: هذا غير ممتنع في العلل الشرعية، وإنما يمتنع في العقلية. ثم هو غلط؛ إذ لا يمتنع أن يكون في شريعتنا قبل أن يتغير حكم الظهار، كأن يقع الطلاق بلفظ الظهار، فلما تغير حكم الظهار في الشرع، وجعل تحريم لم

يف أن يكون علة لوقوع الطلاق كما كان قبل أن يتغير حكمه، والمعنى في المسلم أنه يصح صومه، فيصح ظهاره الموجب للصوم، والكافر لا يصح منه الصوم فلا يصح منه الظهار الموجب للصوم. 24424 - قالوا: تحريم يختص بقول الزوج، فوجب أن يستوي فيه المسلم والذمي قياسًا على الطلاق. 24425 - قلنا: الوصف غير مسلم؛ لأن الطلاق لا يختص بقول الزوج، بل يقع بالقول والكتابة، وبقول الوكيل، وإيقاع القاضي للفرقة في العنين عندنا، وفي الإيلاء على أحد قولهم. 24426 - فإن قيل: تحريم يختص بقول الزوج، وما أقيم مقامه انتقض بالردة؛ فإنها توجب تحريمًا يختص بقول الزوج، أو بما يقوم مقامه، وهو الاعتقاد، ولا يصح من الكافر. والمعنى في الطلاق أنه موضوع لإزالة الملك وإسقاط الحكم، والمسلم والذمي يتساويان في ذلك، والظهار تحريم ثبت لحق الله تعالى، وذلك لا يثبت بقول الكافر، كما لا تحرم عليه المحظورات بالإحرام والأكل في الصوم. 24427 - قالوا: حكم من أحكام النكاح فيستوي فيه المسلم والكافر كالطلاق. 24428 - قلنا: لا نسلم أن الكافر والمسلم يتساويان في الإيلاء، لأن المسلم إذا حلف لا يقربها بالحج وبالصلاة كان موليًا، والكافر لا يصير موليًا بذلك، لأن

مقتضى الإيلاء وقوع الطلاق، وهما يتساويان فيه، ومقتضى الظهار تحريم يتعلق بقوله، وهذا لا يصح من الكافر، كما لا يحرم عليه محظورات الإحرام بالإحرام. 24429 - قالوا: الأحكام المختصة بالنكاح خمسة: الظهار، والإيلاء، والطلاق، وعدة الوفاة، والتوارث، ثم ثبت أن المسلم والمشرك في جميع ذلك سواء؛ كذلك في الظهار. 24430 - قلنا: من الأحكام المختصة بالنكاح: وقوع الفرقة بكلمة الكفر، ووقوع التحريم بالرضاع، وفساد النكاح به، والكافر لا يساوي المسلم في ذلك، لأنهما لا يتساويان في الظهار باتفاق؛ لأن التحريم لا يرتفع بالصوم في حق الكافر، ويرتفع في حق المسلم، ويجوز للكافر أن يطعم مع قدرته على الصوم، ولا يجوز ذلك للمسلم. فأما الطلاق والإيلاء: فقد تكلمنا عليهما، وأما الميراث: فموضوع لنقل الملك، والكافر يساوي المسلم في ذلك، والظهار: تحريم يفضي إلى الكفارة، والكافر يخالف المسلم في ذلك. 24431 - وأما عدة الوفاة: فلا نسلم لهم مساواة الكافرة للمسلمة فيها، لأن العدة لا تجب على الكافرة عند أبي حنيفة إذا كان زوجها كافرًا، وهي مخالفة للمسلمة في العدة.

مسألة 1185 الظهار من أربعة نسوة بكلمة واحدة

مسألة 1185 الظهار من أربعة نسوة بكلمة واحدة 24432 - قال أصحابنا: إذا ظاهر من أربعة نسوة بكلمة واحدة فعليه لكل واحدة كفارة. وهو قول الشافعي [رحمه الله] في الجديد. وقال في القديم: عليه كفارة واحدة. 24433 - لنا: قوله تعالى: (والذين يظهرون من نسائهم ثم يعودون) والمراد بالآية الظهار، ظهار كل واحدة بجميع الحكم، بدلالة أن من أفرد امرأته بالظهار لزمته الكفارة، فكأن الله تعالى خاطب كل زوج ظاهر من امرأته بالكفارة عند العود، فإذا ظاهر من جميع نسائه لزمته لكل واحدة منهن ما يلزمه عند الانفراد؛ ولأن الكفارة يتعلق وجوبها بالعود، وعودة كل واحدة عود في الأخرى، فإذا اختلف المعنى الموجب للكفارة وجب لكل عود كفارة. ولأنه/ معنى يتعلق به الكفارة العظمى، فاستوى فيه الجميع، والتفريق كالقتل،

ولا يلزم اليمين، لأنه لا يتعلق بها الكفارة العظمى، ولأن كفارة الظهار لرفع التحريم، وتحريم كل واحدة غير تحريم الأخرى، فوجب أن يتعلق بكل تحريم كفارة، كما لو ظاهر بألفاظ مختلفة، ولأنه سبب تحريم البضع، فاستوى في حكمه الجمع والتفريق، أصله: الطلاق، ولأن الكفارة لزوال التحريم كوطء الزوج الثاني الموضوع لرفع التحريم. ومعلوم أنهن لو حرمن بالطلاق الثلاث احتاجوا مع التحريم في كل واحدة منهن إلى ما يرفع التحريم، سواء جمع طلاقهن بكلمة واحدة، أو فرق، وكذلك هذا، ولأنه لا تعلق لظهار إحداهن بظهار الأخرى [ولهذا لا يلزم العود في إحداهن دون الأخرى، وإذا لم يتعلق ظهار الواحدة بظهار الأخرى] صار كأنه أفردها بالظهار. 24434 - احتجوا: بما روى سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب سئل عن رجل له ثلاث نسوة، فقال لهن: أنتن عليَّ كظهر أمي، فقال: يجب به كفارة واحدة. 24435 - الجواب: أنا لا نعلم انتشار هذا القول، حتى يكون إجماعًا، وتقليد الصحابي لا يلزم عندنا إذا خالف قوله ظاهر القرآن، وقد بينا أن الآية تقتضي

إيجاب الكفارة بظهار المرأة الواحدة. 24436 - قالوا: الحكم تجب بمخالفته كفارة، فوجب أن تجزي كفارة واحدة. أصله: إذا قال: والله لا أطأكن. 24437 - قلنا: الكفارة في اليمين تجب بحرمة الاسم، والاسم واحد، فلا يجب بالمخالفة فيه إلا كفارة واحدة، وفي مسألتنا الكفارة تجب بالعود، والعود مختلف، أو تجب لرفع التحريم، وتحريم كل واحدة منهن غير تحريم الأخرى. 24438 - قالوا: الحدود كفارات، ولو قذف جماعة بكلمة واحدة؛ وجب عند أبي حنيفة حد واحد، وهو قول الشافعي [في القديم] كذلك هذا، إذا قتل جماعة بفعل واحد، وجب لكل واحد كفارة، ولأن الحد يسقط بالشبهة، فاجتماع أسبابه تصير شبهة في التداخل، والكفارة لا تسقط بالشبهة، فاجتماع أسبابها لا تصير شبهة في التداخل.

مسألة 1186 ظهار السكران

مسألة 1186 ظهار السكران 24439 - قال أصحابنا: ظهار السكران واقع. 24440 - وقال الشافعي في أحد قوليه: لا يصح ظهاره. وهذه مبنية على وقوع طلاقه، وقد بينا ودللنا على أنه مكلف يصح ظهاره كغير السكران، ومن خالف يقول: إنه زائل العقل كالمبنج.

مسألة 1187 حكم إضافة الظهار إلى عضو ليس من البدن

مسألة 1187 حكم إضافة الظهار إلى عضو ليس من البدن 24441 - قال أصحابنا: إذا أضاف الظهار إلى عضو لا يعبر به عن البدن لم يصح. 24442 - وقال الشافعي: لا يصح. وهذه مبنية على إضافة الطلاق إلى اليد، وقد بينا ذلك، وفرقنا بينه وبين الرأس، وإذا ثبت في الطلاق ثبت في الظهار، لأن أحدًا لم يفصل بينهما، ولأن الظهار معنى يفضي إلى الكفارة، فإذا أضافها إلى عضو معين لم يسر إلى الجميع كاليمين، ومخالفنا يقول: أضاف الظهار إلى عضو يتصل بها اتصال خلقة كالرأس.

مسألة 1188 حكم إضافة الظهار إلى الملك

مسألة 1188 حكم إضافة الظهار إلى الملك 24443 - قال أصحابنا: إذا أضاف الظهار إلى الملك، فقال: إن تزوجتك، فأنت عليَّ كظهر أمي؛ صح. 24444 - وقال الشافعي: لا يصح. وهذه مبنية على الطلاق إذا أضافه إلى الملك. 24445 - فنقول: إن الظهار [ينفي تحريم الجميع فجاز أن يتعلق بالملك؛ لأنه كالطلاق، والشافعي يقول: الحكم بلفظ] المنجز فلا يملك المؤجل كالصبي والمجنون.

مسألة 1189 حكم إضافة الظهار إلى أعضاء البدن

مسألة 1189 حكم إضافة الظهار إلى أعضاء البدن 24446 - قال أصحابنا: إذا قال لامرأته: أنت علي كوجه أمي أو يدها أو صدرها لم يكن مظاهرًا حتى يشببها بعضو لا يجوز له النظر إليه منها. 24447 - وقال الشافعي: يكون مظاهرًا بجميع أعضائها. 24448 - لنا: أنه شبهها بما يجوز له استباحته بوجه، وهو النظر واللمس، فصار كما لو قال: أنت عليَّ كظهر أجنبية، أو بما جاز استباحته بدون أن يتزوجها، لم يكن مظاهرًا، لأن وجه الأم يجوز استباحته بالنظر واللمس لغير شهوة، ولا يجوز للشهوة، فصار كظهر الأجنبية التي تستباح في حال دون حال، فلا يتأبد التحريم فيه، فلا يكون به مظاهرًا. 24449 - احتجوا: بأنه شبهها بعضو من أمه فصار كظهرها. 24450 - قلنا: المعنى فيه: أنه لا يجوز استباحته بحال، فيغلظ التحريم فيه، ولما جاز استباحة الوجه فيختلف بضعف التحريم فيه.

24451 - قالوا: ليس المعتبر استباحة النظر، إنما المعتبر الاستمتاع والتلذذ، ووجه الأم لا يجوز التلذذ به ولا الاستمتاع. 24452 - قلنا: اعتبرنا النظر واللمس، واعتبرتم النظر للشهوة، فعلقتم الحكم بما علقناه وزيادة، والحكم إذا استقل بوصف واحد لم يجز ضم غيره إليه، ولأن ما يجوز استباحته لغير الشهوة ولا يجوز لشهوة لم يكمل فيه التحريم، والتشبيه بما لا يكمل تحريمه ليس بظاهر كتشبيهها بالأجنبية.

مسألة 1190 حكم التشبيه بظهر غير الأم

مسألة 1190 حكم التشبيه بظهر غير الأم 24453 - قال أصحابنا: إذا شبه امرأته بظهر من لا تحل له على التأبيد كان مظاهرًا [سواء كانت] أمًّا أو أختًّا أو حرمت لسبب كالرضاع والمصاهرة. 24454 - وقال الشافعي: إذا شبهها بالأم والجدة، فهو ظهار، وإن شبهها بالبنت والأخت ففيه قولان، فإن شبهها بمن كانت حلالًا ثم حرمت كالمرضعة وأم امرأته لم يكن مظاهرًا قولًا واحدًا. 24455 - لنا: قوله تعالى: (وإنهم ليقولون منكرًا من القول وزورًا)، وهذا موجود. إذا قال: أنت عليَّ كظهر أمي أو أختي، ولأنه شبهها بمن لا تحل له على التأبيد كالأم. 24456 - ولا يلزم إذا قال: أنت عليَّ كظهر فلانة: امرأة قد زنى بها، لأن تلك قد تحل له بحال إذا عقد عليها الحكم بالتشبيه بالأم. 24457 - والجواب أنه على ذلك يكون منكرًا من القول وزورًا [يحكم الحاكم بجواز العقد ولا يلزم كلامه فيحتجون بقوله وتطلق منه].

مسألة 1191 عتق المكاتب في الكفارة

مسألة 1191 عتق المكاتب في الكفارة 24458 - [قال أبو حنيفة: يجزئ عتق المكاتب في كفارة الظهار إذا كان لم يؤد شيئًا من بدل الكتابة: وقال الشافعي: لا يجزئ]. 24459 - هذا لنا أن هذا عبد، والدليل على كمال رق المكاتب أن الكتابة لو أوجبت نقص الرق لم يرتفع النقصان أبدًا كالاستيلاد ولأن تعليق العتق بالملك لا يوجب نقص الرق، كقوله: إذا أديت إلى ألفًا فأنت حر. 24460 - قالوا: لا تأثير لقولكم كاملة الأعضاء. 24461 - وعندنا: لا يجوز مقطوع اليد. 24462 - قلنا: لا تأثير لأن نقصان الأعضاء ينقسم: فيه ما يمنع التكفير، وهذا قوله، مخالفًا العلة في تحريم التفاضل في السراية، فلو صح التزامه في مسألتنا لزمه مثله.

24463 - قيل: لا تأثير لقولكم: مطعوم، والتحريم يتعلق بالأيمان. فإن أجاب بأن ما ليس بمطعوم قد يتعلق التحريم به إذا كان يمتاز، وقد لا يتعلق به، فهذا ما هاهنا مثله، ولا نجد بين الموضعين فضلًا. وهذه المسألة مبنية على أصله، وهو أن عتق المولى العبد القن هو مقصود البذل في الكفارة. يفسخ الكتابة. والدليل على صحة قولنا: أنه إتلاف للمعقود عليه بقيام العاقد بفسخ العقد كالبائع إذا أتلف المبيع قبل القبض، ولأنه عتق قبل حصول المعقود بالعقد، فانفسخ العقد، كما لو كان الخيار للبائع، فأعتق العبد، ولأنه لو علق عتقه بشرط جاز، وهو أن نقول: إذا جاء غدًا فأنت حر، ولا يقال، [فلو كان حرًا لم يصح تعليق بشرط كما لو قال: إذا جاء غد فقد أبرأتك] أو عتق الوارث عبدًا لم يره. ولا يجوز تعليقه بشرط، لأنا لا نعرف هذا، والظاهر أنه لا يتعلق بشرط، ولأن الكتابة عتق معلق بشرط، فإذا باشر العتق كان إعتاقًا، ولم يكن تعجيلًا لما اقتضاه الشرط. أصله: إذا قال له: أنت حر إن دخلت الدار، ثم أعتقه قبل دخوله. 24464 - فإن قيل: العتق المعلق بالشرط لا يصلح تعجله، وعتق المكاتب يصح تعجله، بدلالة إذا أبرأه من المال. 24465 - قلنا: كل واحد من العقدين لا يصح تعجيله عندنا، فإذا أبرأه لم يعجل العتق، لأن ملكيته الحرية متعلقة ببراءة ذمته من مال الكتابة، فإذا أبرأه وجد الشرط الذي تعلقت الحرية ابتداء به، وأما إذا باشر عتقه سقط المال بالعتق، فحال

إيقاعه لم تتبرأ ذمته، فلم يكن ذلك تعجيلًا لما اقتضته الكتابة. 24466 - فإن قيل: لو كان فسخًا لم تعتق أولاده ولم يبيحوا لعانه كما لو كان شيخًا تبرأ منهما. 24467 - قلنا: عقد الكتابة أثبت لكل واحد من المولى والعبد حقًا، فإذا أعتق المولى، فقد أسقط حق نفسه من المال، وأراد إسقاط حق مكاتبه من الأولاد والأكساب، وهو يملك إسقاط حق نفسه، ولا يملك إسقاط حق غيره، فيبقى حق المكاتب بحاله، وهذا كما لو ولدت المبيعة في يد البائع فقيل الإبراء يفسخ العقد فيها، ويسلم الولد للمشتري بحصته؛ لم ينفسخ العقد فيه، وليس هذا كما لو تقاسما؛ لأن كل واحد منهما رضي بإسقاط حقه؛ فلم يجز أن تبقى الكتابة مع إسقاطه لها. 24468 - فإن قيل: [قد] قلتم إن المولى إذا مات فأعتق الوارث المكاتب، كان ذلك براءة؛ فهلا قلتم في الموروث مثله؟. 24469 - قلنا: لأن الكتابة تمنع إسقاط الملك، والوارث لا يملك الرقبة، وإنما يملك البدل، فحملنا عتقه على إسقاط ما يصح إسقاطه، والمولى/ مالك للرقبة؛ فأمكن حمل عتقه على حقيقته، فلم يجز أن يصرف إلى غير حقيقته. 24470 - فإن قالوا: كذلك نقول: إن الموروث لا يملك المكاتب. 24471 - قلنا: لا نتكلم في هذه المسألة إلا بتسليم هذا الأصل لو سلم بالدليل، وإلا فالكلام لغو. والدليل على أن عقد الكتابة لا يزيل ملك المولى قوله [- صلى الله عليه وسلم -]: المكاتب عبد ما بقي عليه درهم، ولا يخلو إما أن يكون عبدًا للمولى أو عبدًا لا مالك له، لا يجوز أن يكون لا مالك له، لأنه لو كان كذلك لم يستحق المولى الولاء

بوقوع الحرية، لأنها وقعت في غيره ملكه، فلم يبق إلا أن يكون عبدًا لمولاه، ولأنه عتق معلق بشرط؛ فلا يوجب زوال الملك قبل وجود الشرط، كقوله: إن دخلت الدار فأنت حر، أو عتق معلق بأداء مال، فصار كقوله: إذا أديت إلى ألفًا، فأنت حر، ولأن الملك لو زال بالكتابة لم يستحق المولى الولاء إذا اعتق. 24472 - احتجوا: بأن بينهما عقدًا يمنع من رجوع أرش الجناية عليه؛ فوجب أن يمنع الإجزاء في الكفارة. كما لو أدى بعض نجومه. وربما قالوا: ممنوع من بيعه بعقد الكتابة، فوجب أن لا يملك إعتاقه من كفارته كما لو أدى بعض نجومه. 24473 - قلنا: لا نسلم أنه أعتقه، وهو ممنوع من بيعه، أو هو على منعه لا يرجع أرشه عليه، لأن الكتابة تنفسخ عندنا بالعتق، فيقع عليه، وهو عبد قن، والمعنى فيه: أنه إذا أدى بعض النجوم أن العوض سلم له عن الرقبة، وليس كذلك في مسألتنا، لأنه عتق في رقبة كاملة الرق، والأعضاء لم يسلم له عنها عوض يبين ذلك أنه لو قال لعبد: إذا أديت لي ألفًا، فأنت حر، ثم أعتقه عن كفارته جاز، فإن أدى بعض الألف، ثم أعتقه لم يجز عنها، وإنما كان كذلك في المسألتين، لأنه يتهم بتحصيل العوض، ثم بالعتق من الكفارة. 24474 - فإن قيل: علة الأصل [تبطل بمن باع]، وشرط لنفسه الخيار وقبض الثمن، ثم أعتق، جاز عتقه عن الكفارة، لا نسلم وإن حصل له العوض.

24475 - قلنا: هذا لأن العوض لا يسلم له، بل يجب رده، وفي مسألتنا نسلم له أخذه من المكاتب. 24476 - فإن قيل: العتق عندنا لا يقع بمقتضى الكتابة، بل ينفسخ، فكيف يحصل له العوض؟. 24477 - قلنا: إذا أخذ مال الكتابة لأحدهما، ثم أعتقه عن الكتابة، فقد حصل العوض، ثم استوفى العوض؛ فلحقته التهمة من هذا الوجة، فمنع الجواز. 24478 - قالوا: تصرف لا يعقد في المكاتب إذا أدى المال أو نفس المال، ولا يتعد وإن لم يؤد كالبيع والهبة. 24479 - قلنا: التصرف نافذ في الوجهين، وإنما جهة التصرف تختلف، فيجوز في أحد الوجهين عن فرضه، ولا يجزى في الوجه الآخر. كما لو أعتقه بعوض أو بغيره جاز عتقه في أحد الوجهين عن فرضه، وإن لم يجز في الآخر. 24480 - قالوا: كل من لو أعتقه بعد أداء بعض الكتابة لم يجز، فكذلك قبله كالوارث. 24481 - قلنا: الوارث لا يثبت له الولاء بالإعتاق، فلم يجز عن كفارته والموروث يثبت له الولاء بإعتاقه في رق كامل من غير عوض، فلذلك جاز عن كفارته. 24482 - قالوا: عتق مستحق به سبب غير الكفارة، فلا يصرف إلى الكفارة. أصله: عتق أم الولد. 24483 - وربما قالوا: عتق مستحق بسبب سابق، فلا يجوز صرفه إلى الكفارة. 24484 - قلنا: يبطل إذا علق عتق عبد بشرط، ثم أعتقه عن كفارته قبل وجود الشرط- والمعنى في أم الولد: أن رقها ناقص، بدلالة أنها لا تعود إلى حال المملوك القن بحال، وهي في ملك مولاها، وليس كذلك المكاتب، لأن رقه ليس بناقص، بدلالة

أنه لو لم يؤد بدل الكتابة عاد إلى حال المملوك القن، كما كان قبل الكتابة. 24485 - فإن قيل: العتق المعلق بالصفة إذا عجله فليس هو المستحق بالصفة التي لم توجد، وليس كذلك في الكتابة؛ لأن عتق المكاتب هو الذي أوجدته الكتابة، بدلالة أن أولاده يعتقون بعتقه [ويستحق فاضل الكتابة. 24486 - قلنا: إنما يعتق أولاده لأن عتقهم متعلق بعتقه]، وكذلك سلامة الاكتساب، فأما ما ذكروه فلا. ألا ترى أن المولى لو كاتب أم ولده، أو استولد مكاتبته، ثم مات عتقت لا بموجب الكتابة، وسلم لها، فاضل اكتتابها، لأن الولد متعلق بعتقها لا بما ذكروه؟. 24487 - فإن قيل: كيف يكون عتق المولى فسخًا، وهو لا يملك الفسخ. 24488 - قلنا: لا يملك ذلك لحق المكاتب، فإذا أعتق فقد وفى المكاتب حقه، وزاد إسقاط العوض؛ فصح الفسخ، وهذا كما نقول جميعًا: إنه يملك العتق، ولا يملك البيع، وإن كان في الموضعين أزال الملك، إلا انه لما وفي المكاتب حقه بالعتق نفذ، ولم ينفد البيع، لأنه إسقاط حقه. 24489 - قالوا: ملك المولى في مكاتبه ناقص، بدلالة أن تصرفه فيه لا ينفذ إلا بالعتق. 24490 - قلنا: ليس لنقصان الملك، لكن لأنه علق بالرق حقًا منع التصرف كالعبد الموهوب. 24491 - قالوا: المولى مع مكاتبه كالأجنبي، بدلالة أن تصرفه فيه لا يجوز. 24492 - قلنا: والمكاتب ممنوع من التزوج لحق المولى كالعبد القن. فأما منع التصرف، فلما بيناه من تعليق الحق برقبته، كما يتعلق بالرهن.

مسألة 1192 حكم عتق رقبة ذي رحم

مسألة 1192 حكم عتق رقبة ذي رحم 24493 - قال أصحابنا: إذا اشترى ذا رحم منه ينوي أن يعتقه كفارة اليمين جاز عنها استحسانًا، والقياس يمنع ذلك. وبه قال زفر خلافًا للشافعي. 24494 - لنا: أن السبب الموجب للحرية من جهته، فقد وجد مقارنًا لنية الكفارة، فصار كقوله لعبده: أنت حر. 24495 - ولا يقال: إن سبب الحرية هو السبب، والملك شرط، لأن

السبب الذي من جهته هو التمليك، والسبب فعل الله تعالى، وليس هو من جهته، ولأن العتق على ضربين: [عتق يقع من طريق الحكم و] عتق يعق بالإيقاع [وما يقع بالإيقاع]، فيه ما يجزي عن الكفارة، كذلك ما يقع حكمًا يجب أن يكون فيه ما يجزي عن الكفارة، ولأنه ذو رحم محرم، فجاز عتقه، ولأنه عتق معلق لسبب من جهته لم يتقدم على نية الكفارة، فصار كقوله: إذا جاء غد، فأنت حر عن كفارة خطيئتي، ولأنها رقبة تجزي عن كفارة غيره، فجاز أن تجزي عن كفارته، كسائر العبيد. لا يلزم من استولد جارية غيره أنها تجزي عن كفارة غيره ولا تجزي عنه لأنها تجزي إذا قال لمولاها: اعتقها عن كفارتي على ألف، فأعتقها، ولأن كل رقبة تجزي عن كفارته إذا لم يكن بينه وبينه رحم تجزي، وإن كان بينهما رحم كالأخ، وعكسه المقطوع اليدين. 24496 - احتج المخالف: بقوله تعالى: (فتحرير رقبة). 24497 - قالوا: والتحرير فعل يتعدى: حرره يحرره، وهذا عتق عليه، ولم يحرره، وهذا عتق. 24498 - والجواب: أنه إذا اشتراه بشرط الخيار، فأعتقه بإعتاقه عندنا، فهو محرر، وظاهر الآية يقتضي جوازه. وعندهم لا يجوز. ولأنه دلالة عليهم من هذا الوجه، لأن العتق الواقع بالسبب تجويز شرعي، وإعتاق بدلالة قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يجزي والد والده إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه)، أي فيعتق عليه، فسمى ذلك إعتاقًا، لأنه فعل سبب الإعتاق، وهو الشراء، وهذا كقولك: أطعمته

فأشبعته، وسقيته فأرويته، وضربته فأوجعته. معناه أنه سبب ذلك، وإن لم يستأنف فعلًا. ويخالف ذلك دعوته وكسوته، وإذا كان هذا العتق يسمى في الشرع إعتاقًا، دخل تحت الآية. 24499 - فإن قيل: الآية تضمنت الإيقاع، وهي حقيقة، فإذا حملوها على الوقوع جاز، فلا يحمل اللفظ عليهما. 24500 - قلنا: المجاز ما عدل إليه عن الحقيقة، وأهل اللغة لم تستعمل الوقوع من غير إيقاع، ولا نعرفه إيقاعًا، وإنما هو اسم اقتصر الشريعة مبتدأ. 24501 - ولا يقال إنه مجاز، وإنما يقال: إنه شرعي. 24502 - قالوا: عتق يقع عقيب معنى سبب سابق، فوجب أن لا يعدل به عن سببه في محله بنية التكفير، كما لو قال: إن دخلت الدار فأنت حر، فدخل الدار ينوي به عن كفارته. 24503 - قلنا: لم يعدل عندنا بالعتق عن سببه أنه يقع بالسبب عن الكفارة، وهذا كالطلاق للعتق الذي ينتج عن الكفارة، فإن قارنته النية، فلم يعدل به، لكن تعلق به الجواز لانضمام نية الكفارة، فلم يجز عنها. وسبب الحرية من جهته وجد نية الكفارة مقترنة به، فلهذا جاز عنها. 24504 - قالوا: عتق يقع عقيب تلك الحرية لسبب، فوجب أن لا يجزي عن الكفارة. أصله: إذا ورث.

24505 - قلنا: المعنى فيه أن سبب الحرية ليس بصنيع له؛ فلم يجز عن الكفارة، وفي مسألتنا وجد سبب الحرية من جهته مقترنًا بنية الكفارة، فجاز أن يكون فيه ما يجزي/ عن الكفارة كالإيقاع يبين الفرق بينهما أن من اشترى نصف أبيه ضمن لشريكه. ولو ورثه لم يضمن. 24506 - قالوا: سبب يقع به التكفير؛ فلا يصح وضعه في والده كالإطعام. 24507 - قلنا: الرق يتلف على ملك المعتق، فأما أن يضعه في المعتق فلا، ولهذا المعنى يجوز وضع العتق في عبده، ولو وضع الإطعام فيه لم يصح. 24508 - فإن قيل: إنهما أجازا صرف العتق إلى عبده، لأنه يعتق، فيكمل العتق، وقد خرج من أن يكون عبده، وفي مسألتنا يقع العتق، ولا تزول الأبوة، فيكون مصروفًا إلى نية [عتق أبيه]. 24509 - قلنا: ليس المعتبر بكمال التصرف، بل المعتبر بابتداء التصرف، ألا ترى أنه لو تصدق على غني، فلم يتم القبض حتى افتقر لا يجزي عن الكفارة، ثم المعنى في الإطعام أن التمليك معتبر فيه، وملك الأب قد أجرى مجرى ملكه، فكأنه لم يخرج الإطعام عن ملكه إخراجًا صحيحًا؛ فلم يجز. فأما العتق، فالمستحق إتلافه على ملكه، ولهذا يستحق الولاء، وهذا المعنى موجود في أبيه والأجنبي على وجه واحد. 24510 - قالوا: اجتمع أمران: السبب الموجب للعتق والتكفير، ولا يجوز أن يقع عنهما، وكان وقوعه عن السبب أولى؛ لأن سببه مقدم، ولأنه لا يفتقر إلى أبيه، ولأنه

لا يقف على فعله. 24511 - قلنا: العتق الذي اقتضاه السبب هو الذي يقع عن الكفارة، لأنه لا يفتقر إلى إيقاع، فكيف نسلم أنه لا يقع عنهما؟ وما المانع من ذلك؟ والمقصود بالعتق القربة، وعتق الأب أدخل في القربة، فهو أولى بالجواز. 24512 - قالوا: لم يقع في عتق أبيه كماله في الطعام. 24513 - قلنا: يبطل بعتق أخيه وعمه، فإن لم يقع في ذلك الخلاف، ويجزي عن الكفارة بإجماع. 24514 - قالوا: عتق مستحق بسبب سابق للنية، فلا يجوز صرفه إلى الكفارة. أصله: عتق أم الولد، وإذا قال: إذا فعلت أنا كذا. فأنت حر. 24515 - قلنا: استحقاق العتق غير مسلم؛ لأنه إن قال بثبوت الاستحقاق قبل الملك لم يصح، لأنه لا يجب على الإنسان عتق أبيه، وإن قال: أنت حر، يستحق بعد الملك، لأن العتق يتعقب الملك، فليس هنا من حالة لسبق الملك فيها، حتى يقال: يستحق عليه العتق فيها، والمعنى في أم الولد أنها لا تجزي عن [كفارة غيره فلم تجز] عن كفارته. أو نقول: رقها ناقص بدلالة نقصان التصرف فيها على وجه لا يرتفع. والمعنى في العتق المعلق بالشرط أن سبب العتق من جهته لم يقارنه نية الكفارة، والسبب هو اليمين، بدلالة أن لفظ الحرية وجد فيها، ونية الكفارة لم تقارن ذلك السبب في مسألتنا، وسبب الحرية هو الملك، بدلالة أن الضمان يجب على المشتري لبعض النصيب.

24516 - فإن قيل: رق الأب ناقص كأم الولد. 24517 - قلنا: هذا النقصان إن قلتم أنه قبل ملك الأب لم يصح؛ لأن الرق لو نقص في ملك البائع منع الفعل إلى المشتري، ولا يجوز أن ينقص بعد ملكه، لأن نقصان الملك لا ينشأ بعد حصول الملك، فليس بعد سبب الكفارة تمليك، كما لو قال لعبد غيره: إن ملكتك فأنت حر، ثم اشترى له ينوي به كفارة اليمين قال: هناك السبب الموجب للحرية من جهة اليمين، لأن لفظ الحرية واحد فيها، وذلك السبب لم يقترن بنية الكفارة، وفي مسألتنا سبب الحرية من جهته هو الملك، وقد اقترن به نية الكفارة. 24518 - فإن قيل: لو كان الملك إعتاقًا كان يجب إذا أكرهه على ابتياع أبيه، فابتاعه يضمن كما لو أكرهه على إعتاقه، إلا أن الضمان لا يجب. ولأن العتق وجب عن أمر وجب عليه، فهو كالمظاهر إذا أكرهه مكره على عتق رقبة عن ظهاره لم يضمن.

مسألة 1193 حكم عتق الرقبة المشتركة

مسألة 1193 حكم عتق الرقبة المشتركة 24519 - قال أبو حنيفة: إذا أعتق أحد الشريكين نصيبه من العبد عن كفارته، ثم ملك النصف الآخر بالضمان، فأعتقه على كفارته لم يجزئ. 24520 - وقال الشافعي: إذا أعتق نصيبه، ونوى عند الإيقاع أن يكون نصيبه الموقع، وما سرى عن كفارته أجزأه، وهذه مبنية على تبعيض الحرية، فلما أعتق نصيبه عتق، ونقص نصيب شريكه لاستحقاق الحرية ومنع التصرف فيه بالبيع والتمليك، وذلك النقص لم ينصرف إلى الكفارة؛ لأنه في غير ملكه، فلم يجز عتقه عن الكفارة مع نقصانه. وليس هذا كما لو كان العبد كله له، فأعتق نصفه، ثم أعتق الباقي؛ لأن عتق النصف أوجب نقصانًا في الباقي، وينصرف ذلك النقص إلى الكفارة؛ لأنه على ملكه، فأعتق فكأنه عتق ابتداء نصفه، وبقى نصفه حرًا، ثم أعتق الباقي. 24521 - وأما الشافعي: فعنده أن العتق لا يتبعض حال النسيان، فعتق البعض

عتق للجميع، فيجزي الاعتبار يعتق نصيب المعتق، ولا ينقص الباقي؛ لأنه لا يستحق الحرية عنده، ويجوز تصرفه فيه بالبيع، فإذا ملكه فأعتقه جاز.

مسألة 1194 حكم عتق نصف رقبة

مسألة 1194 حكم عتق نصف رقبة 24522 - قال أصحابنا: إذا أعتق نصف رقبتين لم يجزه عن الكفارة. 24523 - واختلف أصحاب الشافعي، فمنهم من قال مثل قولنا. ومنهم من قال: يجزيه إن كان نصف الرقبة حرًا، ولا يجزيه إن بقى رقيقًا، وهل يجوز نصفا شاة [في الزكاة عن شاة؟ فيه وجهان، ويجوز نصفا شاة] عن الأضحية. 24524 - لنا: قوله تعالى: (فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا)، ومن أعتق نصف رقبتين لم يعتق رقبة، ولأنه لم يعتبر العتق في شخص واحد، فصار كمن أعتق نصفي مكاتبين، ولأنه أحد ما يقع به التكفير، فإذا صرف ما شرع صرفه إلى شخصين لم يجز، كمن دفع طعام مسكين إلى فقيرين. 24525 - احتجوا: بأنه أحد ما يقع به التكفير فجاز فيه التفريق كالإطعام. 24526 - قلنا: الإطعام شرع تفريقه في أشخاص، وما عتق رقبة واحدة، فهو كالقدر الذي يدفعه إلى مسكين واحد، فلا يجوز تفريقه على أشخاص.

مسألة 1195 العتق غير المباشر للكفارة

مسألة 1195 العتق غير المباشر للكفارة 24527 - قال أبو حنيفة ومحمد: إذا قال المكفر لرجل: أعتق عبدك عن كفارتي، وقع العتق على المأمور والولاء له، ولا يجزى الآخر عن الكفارة. 24528 - وقال أبو يوسف: يقع العتق عن الأمر بالقيمة. 24529 - وقال الشافعي: يقع العتق عن الأمر بغير عوض. واختلف أصحابه متى يقع الملك؟ فمنهم من قال: يقع الملك بمجرد الاستدعاء، ويقع العتق بالإعتاق بعد حصول الملك، ومنهم من قال: يقع الملك بالشروع، في لفظ الإعتاق والآخر بإكمال الإعتاق. 24530 - وقال المروزي: يقع العتق والملك معًا بلفظ واحد. 24531 - وقال الإسفراييني: الأشبه بقول الشافعي أن الملك يقع عقيب فراغه

من لفظ العتق، ثم يتعقب العتق الملك، فيكون قوله بعتقه عنك تصرف المعتق، لكنه يتضمن التمليك، فالملك يقع بتضمينه ومقتضاه، والعتق بنفس اللفظ. 24532 - لنا: أن العتق لا يقع إلا بعد التمليك بغير عتق منه، فهذا رجل استوهب وأمر بالعتق قبل القبض، [والمستوهب إذا أعتق قبل القبض لم ينفذ عتقه، كذلك إذا أمر بالعتق] لم يقع العتق عنه، وليس كذلك إذا قال: اعتقه عني بألف، لأنه مشتري، والمشتري إذا أعتق قبل القبض جاز، فكذلك إذا أمره بالعتق قبل القبض يقع، ولهذا لو كان العبد في يد الآخر، فقال: اعتقه عني جاز، لأن التمليك موجود مع العوض. 24533 - احتجوا: [أن العتق قبض، بدلالة أن المشتري إذا أعتق العبد صار قابضًا، فقام العتق مقام القبض والإعتاق]. 24534 - الجواب: أنه إنما يكون العتق قبضًا إذا صادف الملك، والعتق هنا لم يصادف ملك المستوهب، فلم يصر قبضًا، كما أن من عليه الدين لا يعتبر قابضًا للدين من نفسه بفعله. 24535 - فإن قيل: من أصلكم أن البيع فاسد لا يملك إلا بالقبض، فلو قال: اعتق عبدك عني على رطل خمر فأعتقه، وقع العتق عن الأمر، كذلك الهبة. 24536 - قلنا: هذه المسألة مذكورة في كتاب الإكراه، ومن أصحابنا من قال: إنها على هذا إطلاق أيضًا، وأن العتق يقع عن أمر على قول أبو يوسف خاصة، ومن أصحابنا من قال: إن العتق على مال، وإن كان فاسدًا، فالعتق عن الأمر لا يقف

على القبض، وهذا عتق على مال، فلذلك وقع قبل القبض، وإن كان فاسدًا. 24537 - قالوا: العتق يقع به التكفير كالإطعام، فلو قال: أطعم عني عشرة مساكين، ولم يذكر العوض؛ وقع ذلك عن الآمر كذلك العتق. 24538 - قلنا: إذا أمره بالإطعام؛ فقد استوهب الطعام أو اقترضه، وأذن له في دفع ذلك إلى المساكين مقام قبضه، ومتى وجدت الهبة والقبض صح التمليك، فيجزي عن الكفارة. 24539 - فإن قيل: إذا قال أعتق عني بألف، وقال: أعتقه عنك، قام القول مقام قوله: ملكتك، ومقام الإعتاق، كذلك يقوم مقام التمليك والقبض. 24540 - قلنا: إذا التمس الآمر العتق على مال لم يفتقر ذلك إلى القبول عندنا، لأنه إذا قال: أعتق عبدك عني بألف فقال: قد أعتقته، أو قال: قد فعلت، اكتفي بذلك. ولا يفتقر إلى قبول حتى يكون العتق قام مقام ذلك، والقبض بفعله، فلا يقوم إعتاقه مقامه.

مسألة 1196 حكم التكفير في الأجناس المختلفة

مسألة 1196 حكم التكفير في الأجناس المختلفة 24541 - قال أصحابنا: إذا كان عليه كفارات من أجناس؛ لم يجزه/ التكفير إلا بنية معينة. وإن كانت من جنس واحد جازت بنية التكفير استحسانًا. 24542 - وقال الشافعي: إذا نوى الكفارة فيهما جاز، وسقط عنه إحدى الكفارات. 24543 - لنا: أنهما عبادتان اختلف جنسهما، فإذا وجبت النية لهما وجب التعيين، كالصوم والصلاة والنذر والزكاة. 24544 - فإن قيل: لا تأثير لقولكم من جنسين، لأن الصلاة وإن كان جنسها واحدًا، ففيه التعيين معتبر، لأن الجنس الواحد قد يسقط فيه التعيين، كقضاء أيام رمضان لوصف مؤثر من هذا الوجه، ولأن إحدى العبادتين لها بدل واحد، والأخرى لها بدلان، فاستحق فيها نية التعيين كهذه النية وجزاء الصيد، ولأن التكفير مقصود والجهة مقصودة، فإذا وجب أن يعين أحدهما للتميز من غيره وجب الآخر.

24545 - احتجوا: بقوله تعالى: (فتحرير رقبة). 24546 - قلنا: الظاهر يقتضي جواز التحريم عن القتل بنفس الفعل، وهذا لا يكون إلا فيمن عليه كفارة، فأما من عليه كفارات؛ فيحتاج إلى التحرير ثم التعيين، وهذا لا يدل الظاهر عليه، [وقوله - صلى الله عليه وسلم -]: (الأعمال بالنيات) مشترك الدليل، لأنه لم ينو كفارة الظهار، ولم يقع عتقه عنها، ولم ينوها. 24547 - قالوا: كفارة واجبة، فلا يفتقر جوازها إلى التعيين ليبينها. أصله: إذا كانت عليه كفارة واحدة، أو كان عليه كفارات من جنس واحد. 24548 - قلنا: المعتبر السبب الذي يحتاج إلى التمييز، فإذا كانت الكفارة واحدة فقد تميزت، وإذا نوى الكفارة فقد ميزها عن غيرها، فتعينت. وإذا كان عليه كفارتان من ظهار وقتل فنوى التكفير لم تتميز إحداهما عن الأخرى، فلم تجز، كما لو أعتق لا ينوي التكفير لم يجزه ذلك عن الكفارة، لأن إطلاق العتق لا يتميز عن الفاعل، وأما إذا كانت من جنس واحد، فلأن حكم الجنس في نية التمييز يخالف الجنسين، بدلالة أن قضاء أيام من رمضان لا يجب فيها نية التعيين، وقضاء رمضان وصوم النية يفتقر إلى تعيين النية لاختلاف جنسها. 24549 - فإن قيل: الصلاة لا يختلف فيها الجنس والجنسان في اعتبار تعيين النية. 24550 - قلنا: هذا دليل عليكم؛ لأن تعيين النية إذا وجب في الظهرين وهما

جنس واحد، فوجوبه في مسألتنا في الجنسين أولى. 24551 - قالوا: كفارات تجزي نية الكفارة الثانية منهما بتعيينه، فلا تحتاج إلى التمييز عن غيرها في الكفارات، وإنما تحتاج أن تتميز من غير الكفارات فإذا نوى الكفارة تميزت، فأما الأول: فيحتاج إلى التمييز من الثانية، فلم يكن تمييزها منها بالنية. 24552 - فإن قيل: هذا موجود في الكفارتين من جنس واحد. 24553 - قلنا: الموجب غير مختلف كقضاء أيام رمضان؛ فلا يحتاج إلى التمييز. 24554 - فإن قيل: إذا كان عليه صلاة ظهر، فصلى الظهر؛ فلابد من التعيين، وإن اتفق الموجب. 24555 - قلنا: لا يحتاج إلى أكثر من صلاة الظهر، فسقط بها إحدى الصلاتين، ثم سقط الأخرى، اللهم إلا أن يكون الترتيب بينهما واجبًا، فلابد من تقديم الأولى بالنية لأصل الترتيب. 24556 - قالوا: عبادة من شرطها النية فكانت نيتها عند انفرادها، وعند اجتماعها مع غيرها سواء. أصله: الصلاتان. 24557 - قلنا: إذا انفردت؛ فقد تعينت؛ وإذا اجتمعت مع غيرها، فقد أشبهت. ونية التمييز معتبرة فيما يشتبه غير متعذرة فيما لا يشتبه، فلم يجز اعتبار أحد الموضعين بالآخر.

مسألة 1197 عتق العبد الأعور

مسألة 1197 عتق العبد الأعور 24558 - قال أصحابنا: يجزئ في الكفارة عتق مقطوع إحدى اليدين وإحدى الرجلين من خلاف. 24559 - وقال الشافعي: لا يجوز مقطوع الإبهام، ولا مقطوع أنملة من إبهام، ولا يجوز مقطوع أنملة واحدة من السبابة والوسطى، [ولا يجوز مقطوع المفصلين عنهما، ويجوز مقطوع الخنصر والبنصر] ولا يجوز مقطوع الوسطى والسبابة أو الإبهام. 24560 - لنا: قوله تعالى: (فتحرير رقبة) ولم يفصل، ولأن منفعة الجنس باقية، فصارت كالمقطوع الخنصر. ولا يلزم مقطوع الإبهامين، لأن منفعة الجنس تبطل. ولا يلزم مقطوع اليد والرجل من جانب واحد، لأنه لا يقدر على البطش، ولأنه قادر على المشي والتصرف والكسب، كالمقطوع الخنصر والأعور. 24561 - فإن قيل: ذاك لا يضر بالعمل ضررًا بينًا.

24562 - قلنا: المعتبر فيها منفعة الجنس دون إمكان العمل، بدلالة أنه يجوز عتق من لا عمل له ولا تصرف، وعتق الناقص العمل. 24563 - احتجوا: بأنه نقص يضر بالعمل ضررًا بينًا؛ فصار كالمقطوع اليدين، أو اليد والرجل من جانب واحد. 24564 - والجواب: أن هناك عدمت منفعة الجنس، فصار عدمها كعدم الحياة، وفي مسألتنا منفعة الجنس باقية، وإذا حدث بها نقص كان كما لو قطع إصبع واحدة أو أنملة من السبابة.

مسألة 1198 عتق العبد المحتاج للخدمة

مسألة 1198 عتق العبد المحتاج للخدمة 24565 - قال أصحابنا: إذا كان له عبد يحتاج لخدمته لزمه عتقه في الكفارة، ولم يجز الصيام. 24566 - وقال الشافعي: إن كان زمنًا أو مريضًا، أو لم تجر له عادة بخدمة نفسه، جاز له الصوم. 24567 - لنا: قوله تعالى: (فمن لم يجد فصيام شهرين)، فأمر بالانتقال إلى الصوم بشرط أن لا يجد رقبة، وهذا واجد. 24658 - فإن قيل: الحاجة إذا استغرقت الشيء فليس بواجد له، بدلالة قوله تعالى: (فلم تجدوا ماء فتيمموا)، ثم ثبت أن من معه ما يحتاج إليه فليس بواجد للماء. 24569 - قلنا: ظاهر الآية يمنع من جواز التيمم مع وجود الماء، وإن احتاج لولا قيام الدلالة، ولأنه واجد لما يقع به التكفير فلا يجوز الانتقال عنه إلى الصوم.

24570 - أصله: إذا كان عبدًا لا يحتاج إليه أو لا تستغرقه الحاجة، بأن تكون قيمته ألفًا وهو مقدر أن يشتري بقيمته عبدين يستخدم أحدهما، ويكفر بالآخر، ولا يلزم إذا كان معه طعام في كفارة اليمين وهو يحتاج إليه. ولأنه لا يجوز أن ينتقل إلى الصوم حتى يطعمه أهله، ولأنه مالك رقبة يجوز عتقها عن الكفارة؛ فلم يجز له الصوم مع وجودها في ملكه إذا كان غير محتاج إليها، وإذا كان له عبد، وهو ممن جرت عادته باستخدام جمع. 24571 - احتجوا: بأنه مال استغرقته حاجته؛ فلم يجز صرفه إلى الكفارة. أصله: سكنه. 24572 - الجواب: أن السكن لو لم يستغرقه لم يلزمه صرفه إلى الكفارة؛ لأنه لو كان له أكثر من دار يقدر على بيعها وابتياع مسكن ببعض منها لم يلزمه بيعها للعتق بفضلها، كذلك لا يلزمه بجميعها، والعبد إذا لم تستغرقه الحاجة لم يجز الصوم مع وجوده، كذلك إذا استغرقته الحاجة. 24573 - قالوا: ما لا يفضل عن كفايته [على الدوام لم يعتبر صرفه إلى الكفارة. أصله: سكنه. 24574 - قلنا: اعتبار الفضل عن كفايته] في المسكن لا تأثير له؛ لأن قيمة المسكن لو زادت على كفايته لم يعتق بها. 24575 - فإن قالوا: إذا فضل المسكن عن كفايته وجب عليه التكفير بالعتق لم يصح، لأن عند الشافعي من له بضاعة عظيمة ربحها لم يفضل عن كفايته يجوز له

الصوم، [ولا يلزمه العتق من بضاعته، ونحن نعلم أن بيع فضل المنزل أحق في التكفير من بضاعته]، لأن في الثاني يجوز أن يحتاج ويجوز أن لا يحتاج. 24576 - قالوا: البدل يجوز الانتقال إلى بلده لعدمه، فجاز الانتقال إلى بلده للحاجة إليه كالماء في الطهارة. 24577 - قلنا: لو خاف العطش في الثاني جاز الانتقال عنه، فإذا عطش في الحال مثله، وفي الرقبة إذا كان المكفر صحيحًا لا يحتاج إلى خدمة عبده، وخاف الضرر والزمانة لم يجز له الانتقال إلى الصوم، كذلك إذا وجدت الحاجة في الحال. وإنما كان كذلك. لأن خدمة العبد ليست حاجة ظاهرة، ألا ترى أن أكثر الناس لا يحتاجون إلى العبيد، وإنما يخدمون أنفسهم ويستخدمون الأحرار، فصارت الحاجة إلى خدمة العبد كالحاجة إلى النفقة. من ذلك المتعة وإطعام الطعام. ومعلوم أن من معه ثمن رقبة فاضلًا عن نفقته ونفقة عياله بقدر نفقة الاقتصاد. إلا أنه إذا كان ممن اعتاد الزيادة على نفقة الاقتصاد وجب عليه الإعتاق، وإن كان محتاجًا إلى ما في يده على عادته. كذلك إذا كان ممن يعتاد خدمة العبيد يجب عليه عتق العبد، لأنه يفضل عن حاجة الاقتصاد. 24578 - فإن قيل: فقولوا في فاضل المسكن والكسوة مثله. 24579 - قلنا: ذلك لا يقع التكفير به، والعبد نفس يقع التكفير به، وقد فرقت الأصول بين الأمرين بدلالة أن الواجد للماء إذا عرض عليه الماء بالثمن الكثير

لم يلزمه فرضه، وجاز له الانتقال إلى القيمة، ولو كان معه ما يقدر أن يبيعه بثمن كثير لم يجز له التيمم والانتفاع بثمن الماء لأنه واجد لنفسه ما فرض عليه. كذلك الرقبة التي يحتاج إليها والكسوة كذا هذا. 24580 - فإن قيل: قد قلتم أن من معه ثمن الرقبة وهو محتاج إليه لم يجز له الصوم، وإن كان لا يقدر على نفس ما يكفر به. 24581 - قلنا: هذا لا يلزمنا، لأنا لم نقل أن كل من وجد ما لا يقع به التكفير، ويتوصل به إلى التكفير لا يلزمه،/ وإنما قلنا وجود نفس ما يكفر به يفارق وجود ما يتوصل به إليه، وهذا لا يمنع اتفاقهما، ألا ترى أن من له مسكن وكسوة لا يلزمه بيعه ليحج به، ولو لم يكن له مسكن ومعه دراهم وهو محتاج إلى مسكن لم يجز له ترك الحج في مسألتنا.

مسألة 1199 حكم التتابع في كفارة الظهار

مسألة 1199 حكم التتابع في كفارة الظهار 24582 - قال أصحابنا: إذا أفطر في خلال الصوم المتتابع لمرض أو سفر، استأنف. 24583 - وقال الشافعي: في قوله الجديد مثله. 24584 - وقال في القديم: إذا أفطر لمرض لم يستأنف. وإن أفطر لسفر فعلى قوله القديم يبني المريض، وفي المسافر قولان. والحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفًا على أنفسهما كالمريضة. وإن أفطرتا خوفًا على الولد اختلف أصحابه على طريقين، فمنهم من قال على قولين [ومنهم من قال يستأنف قولًا واحدًا، وإذا أكره حتى أكل بنفسه فهل يفطر؟ فيه] قولان، على القول الذي يقول يفطر قال:

يستأنف. 24585 - لنا: قوله (فصيام شهرين متتابعين) ولم يأت بالشهرين على هذه الصفة، ولأنه ترك صوم التكفير في خلال الشهرين على وجه يخلو الزمان منه عادة؛ فصار كما لو أفطر من غير عذر، وكما لو تخللها يوم النحر. 24586 - ولا يلزم أيام الحيض؛ لأن الشهر لا يخلو من أيام الحيض في العادة. 24587 - فإن قيل: هناك ترك التتابع بتفريط منه، وفي مسألتنا بغير تفريط منه. 24587 - قلنا: لو اجتهد الأسير فبدأ بالصوم في ذي القعدة وعنده أنه شوال، لقطع التتابع يوم الفطر، وإن لم يوجد منه تفريط، وكذلك إذا أكره فأفطر على القول الذي يقول يفطر، ولأنه تخلل الصوم لا يمكن أن لا يتخلل الشهر في العادة، فإذا منع الصوم [من التكفير من البناء؛ كيوم] النحر. 24589 - احتجوا: بأنه فرق صوم الشهرين بما لا يثبت فيه التفريط، فلم يمنع البناء، أصله: الفطر بالحيض.

24590 - الجواب: إنه إذا بنى النية بالليل فقد فرق الصوم بما لا ينسب معه إلى التفريط. ولا يجوز البناء. والمعنى في الحيض: أن صوم الشهرين لا يخلو منه في العادة، فإذا كانت من ذوات الحيض، فصار كزمان الليل والمرض، يجوز الصوم من الحيض بأن النية من الليل. 24591 - فإن قيل: يجوز أن يخلو الصوم من الحيض، بأن تحبل أو تيأس من الحيض. 24592 - قلنا: إذا كانت من ذوات وطء حاصل منه الصوم من غير حيض، وجواز أن تحمل لا يجوز أن لا يوجد ذلك، والمعتبر بصفة المتعبد في حال وجود الأداء دون ما بعدها. 24593 - قالوا: لم يضر، إذا كلفناه الاستئناف بعد القطع لم يأمن مثل ذلك في القضاء. 24594 - قلنا: بأنه الغالب؛ لأن العادة أن الإنسان لا يكثر المرض عليه كل شهرين على الدوام، على أنه لا يأمن المرض، ويأمن الفطر؛ لأن المريض قد يتحمل المشقة ولا يفطر، ويبطل هذا بترك النية باللسان والصوم.

مسألة 1200 اعتبار الكفارة بين الأداء أو الوجوب

مسألة 1200 اعتبار الكفارة بين الأداء أو الوجوب 24595 - قال أصحابنا: المعتبر في الكفارات بحال الأداء، وإن كان موسرًا عند الوجوب معسرًا عند الأداء فكفارته العتق. 24596 - وقال الشافعي في كتاب الظهار: المعتبر حال الأداء، وقال في كتاب الأيمان: المعتبر حال الوجوب فإذا كان موسرًا ثم أعسر؛ فكفارته العتق، وهو في ذمته حتى يعتق، فإن كان وقت الوجوب معسرًا ثم أيسر؛ فهو مخير: إن شاء صام، وإن شاء أعتق. 24597 - وخرج أصحابه قولًا ثالثًا، فقالوا: يعتبر أحد الحالين.

24598 - لنا: قوله تعالى: (فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير (3) فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين)، فإيجاب الله تعالى الصوم لمن لا يجد الرقبة، وهذا واجد، فلا يجوز له الصوم، كمن كان واجدًا من قبل الوجوب من وجد رقبة، فهذه رقبة يجوز [عتقها عن] الكفارة؛ فلم يجز الصوم مع وجودها. أصله: إذا وجدها حال الوجوب، ولأنها عبادة لها بدل، فاعتبر في جواز الانتقال بصفة المكلف حال الأداء، كالوضوء والعدة [بالشهور] مع العدة بالحيض. 24599 - احتجوا: بأن ما وجب باسم الكفارة فالمعتبر فيه حال الوجوب كالحدود. 24600 - الجواب: إن إطلاق اسم الكفارة لا يتناول الحدود، بدلالة أنه إذا قيل: على فلان كفارة لم يفهم منه الحد. 24601 - فإن قالوا: النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الحدود كفارات لأهلها). 24602 - قلنا: فالعلة على هذا تبطل بالصلاة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما)، والمعتبر في صفة الصلاة بحال الأداء؛ لأن المريض عند

الوجوب إذا صح قضى قائمًا. والصحيح عند الوجوب يقضي إذا مرض قاعدًا، ولذلك ينتقض بالطهارة، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الكفارات؟ فقال: (إسباغ الوضوء على المعسرات، ونقل الأقدام إلى الجمعات)، ثم المعتبر في الطهارات لم يعتبر فيها بحال الانتقاص؛ بدلالة أن من وجب عليه الحد فارتد ولحق الدار ثم أسلم لم يستوف الحد منه، ولو لحق سقط الحد، وهذا اعتبار بحال الاستفتاء، ولأن الحدين ليس أحدهما بدلًا عن الآخر، فلذلك اعتبر بحال الوجوب، والكفارات لها بدل فيعتبر بحال الأداء كالعدة. يبين ذلك أن العدتين إذا لم يكن أحدهما بدلًا عن الآخر اعتبر بحال الوجوب كالمبتوتة إذا كانت تعتد بالشهور، فرأت الدم. أو تقول لها اعتبرنا في الحدود بحال الوجوب متى كان الطارئ لتغليظ الحد كالعبد إذا أعتق، والسكران إذا حد فلم يغلظ الحد؛ لأن الحدود تسقط بالشبه، فأما إذ كان الطارئ مما وجب تحقيقها فإنا نعتبر بحال الاستيفاء، بدلالة ما ذكرنا في المرتد إذا لحق [بدار الحرب]، ومن وجب عليه الحد فحد في إحدى الروايتين. 24603 - قالوا: حكم يختلف باليسار والإعسار، فاعتبر بحال الوجوب لعلة ضمان العتق لنصيبه من العبد والحج وحمل العاقلة الدية. 24604 - قلنا: يبطل بالطهارة، فإن من وجد الماء بثمن مثله، فإن كان له مال؛ لزمه ابتياعه للوضوء، وإن لم يكن له مال جاز التيمم. ويعتد ذلك بحال الأداء دون الوجوب. والمعنى فيما ذكرناه: أنها أحكام تجب على الموسر دون المعسر، فاعتبر بصفة حال الوجوب، والكفارة تجب على الموسر والمعسر، وإنما يختلف أداؤها؛ فكان المعتبر بحال الأداء، كالوضوء والتيمم والعدة بالشهور والحيض. 24605 - قالوا: إذا كان موسرًا حال الوجوب، ثبت المال في ذمته، فلا يسقط باعتباره كالحج. 24606 - قلنا: الثابت في ذمته كفارة دون المال، وإنما المال شرط في أدائها بصفة، فاعتبر كمال الأداء كابتياع المال على ما قدمنا.

مسألة 1201 حكم العتق بعد الشروع في الصوم

مسألة 1201 حكم العتق بعد الشروع في الصوم 24607 - قال أصحابنا: إذا شرع في الصوم ثم وجد الرقبة وجب عليه العتق ولم يجزه الصوم. 24608 - وقال الشافعي: إن شاء مضى [على صومه]، وإن شاء أعتق، والعتق أفضل. 24609 - لنا: أنه قدر على البدل قبل إسقاط الفرض عنه بالبدل، فصار كما لو وجد الرقبة قبل الدخول في الصوم. وهذه المسألة لا يتكلم فيها إلا بعد تسليم هذا الأصل؛ إذ المعتبر في الكفارات بحال الأداء، ولأن كل معنى منع صحة صوم اليوم الأول منع صوم يوم الثاني. أصله ترك النية من الليل. ولأنه بملك رقبة يجوز عتقها

في كفارة، فوجب عتقها فيها. أصله: إذا وجدها في الابتداء، ولأن الله تعالى جعل كفارة الظهار على الترتيب، فلو قلنا: إنه يخير بين الصوم والعتق لكانت على التخيير، وهذا لا يصح. 24610 - واحتجوا: بقوله تعالى: (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين). 24611 - الجواب: أن نطق الآية لا دلالة فيه؛ لأنها تقتضي جواز الدخول في الصوم إذا عدم الرقبة. فإذا وجدها من بعد فلم يخير لها ولا له، فوقف على الدليل. ومفهومها: أنه لما لم يجعل الصوم بدلًا يجوز عند العجز غيره كانت القدرة مانعة من جوازه. 24612 - قالوا: قدر على المبدل بعد الدخول في الصوم، فصار كمن وجد الهدى في خلال صوم السبعة في التمتع. 24613 - قلنا: صوم السبعة ليس بدلًا عن الهدى عندنا، وإنما البدل عنه صوم الثلاثة، وقد بينَّا ذلك في المناسك.

24614 - فإن قالوا: قدر على المبدل في خلال بدله. 24615 - قلنا: إن قلتم بدل لم نسلم ذلك، وإن قلتم مبدل في الجملة، فوجود مبدل في خلال ما ليس ببدل عنه لا تأثير له. والمعنى في صوم السبعة: أن وجود الهدى لا يمنع الشروع فيه، فلم يمنع المضي. وفي مسألتنا وجود العتق يمنع الشروع في الصوم فمنع المضي؛ لأن المقصود بصوم المتعة التحلل عندنا، وقد حصل ذلك بصوم الثلاثة، فوجود [الهدي] بعد حصول المقصود بالبدل كوجود الرقبة في مسألتنا بعد الفراغ من صوم الشهرين. 24616 - قالوا: وجود الرقبة بعد التبلس بالصوم، كما لو جدها بعد الفراغ. 24617 - قلنا: تلك الرقبة لا يجوز عتقها عن الكفارة؛ فلم يجز عتقها. وفي مسألتنا هذه: الرقبة يجوز عقتها عن الكفارة فوجب عتقها عنها.

مسألة 202 مقدار الإطعام في الكفارة

مسألة 202 مقدار الإطعام في الكفارة 24618 - قال أصحابنا: الإطعام/ في الكفارة يتقدر بنصف صاع [بر] أو صاع شعير أو تمر. 24619 - وقال الشافعي: [من مد بر كل نوع]. 24620 - لنا: حديث سليمان بن يسار، عن سلمة بن صخر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره لما ظاهر من امرأته، قال: (أتملك رقبة) فقال: لا، فقال: (صم شهرين متتابعين) قال: فكيف؟ وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام؟ قال (فأطعم وسقًا من تمر ستين مسكينًا)، قلت والذي بعثك بالحق لقد بتنا وحشين، ما لنا طعام [قال]: (فانطلق إلى صدقة بني زريق فلتدفعها إليك، فأطعم ستين مسكنيًا وسقًا من تمر، وكل أنت وعيالك منها (ذكره أبو داود. وذكر قصة أوس بن

الصامت، إلى أن قال: (فليطعم ستين مسكينًا)، قالت خولة: ما عندي شيء يتصدق به، قال: (فأتى ساعته بفرق من تمر) قلت: يا رسول الله وأنا أعينه بفرق آخر. قال: (أحسنت، اذهبي فأطعمي عنه ستين مسكينًا، وارجعي إلى ابن عمك) قال: والفرق ستون صاعًا. وروى أبو داود هذا الخبر من طريق أبي إسحاق، قال [فيه]: والفرق مكيل يتسع ثلاثين صاعًا. وروي من طريق ثالث: والفرق زنبيل يأخذ خمسة عشر صاعًا، فإن كان الفرق ستين صاعًا فهو قولنا، وإن كان ثلاثين، فقد قالت: وأنا أعينه بفرق آخر، أما الخبر الذي ذكر خمسة عشر صاعًا قال أبو داود: هو مرسل ضعيف. 24621 - وإذا اختلفوا في مقدار الفرق، وجب الرجوع إلى خبر سلمة بن صخر،

وذكر فيه الوسق من غير احتمال. وقد ذكر أبو الحسن الخبر عن معمر، عن ابن يوسف بن عبد الله بن سلام، عن خولة قالت: قال: (فليطعم وسقًا من تمر ستين مسكينًا)، قلت: يا رسول الله ما عنده، قال: (فأنا أعينه بفرق من تمر)، قلت: وأنا سأعينه بفرق آخر. قال: (أحسنت وأصبت). 24622 - فإن قيل: يجوز أن يكون - صلى الله عليه وسلم - أمر سلمة بن صخر بإخراج وسق، بعضه كان واجبًا وبعضه تطوعًا. 24623 - قلنا: كيف يأمره بإخراج التطوع مع فقره وحاجته، ثم ظاهر الأمر الوجوب ولأن مالا تتقدر به الفطرة، لا يتقدر به طعام مسكين. والكفارة دون المد، ولأنها صدقة مقدرة للمسكين، فكانت نصف صاع من بر، كالطعام في كفارة الأذى.

24624 - فإن قيل: المعنى في كفارة الأذى أن عدد المساكين ضعف أيام الصوم؛ فجاز أن يزيد مقدار الطعام على سائر الكفارات، وفي مسألتنا عدد المساكين بعدد أيام الصوم، فلذلك لم يزد الطعام على عدد الأيام. 24625 - قلنا: الإطعام في كفارة اليمين مقدر بما تتقدر به كفارة الظهار، وإن كان عدد المساكين في كفارة اليمين أضعاف عدد الصيام، ولأن المد مقدار لا يكفى في قوت يوم غالبًا، فلا يقدر به الإطعام فيما دونه، يبين ذلك قوله تعالى في كفارة اليمين: (من أوسط ما تطعمون أهليكم) وليس الوسط من طعام الأهل رطلًا ونصفًا. 24626 - احتجوا: بقوله تعالى: (فإطعام ستين مسكينًا) وظاهر الآية يقتضي إذا أطعم ما يتناوله الاسم جاز. 24627 - الجواب: أن الله تعالى ذكر في كفارة اليمين: (من أوسط ما تطعمون أهليكم) والمد ليس من أوسط الطعام، ولأنا أجمعنا على أن المراد به قدر مخصوص، وجنس مخصوص، وما اجتمع عليه كالمنطوق به. 24628 - قالوا: وري عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه أمر المجامع في رمضان وقد أتى بفرق من تمر فيه خمسة عشر صاعًا، فقال: خذها وأطعم عنك ستين مسكينًا. 24629 - قلنا: هذا الخبر ذكره الدارقطني عن الحجاج، عن إبراهيم بن

غافر عن سعيد بن المسيب وعن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة والحجاج بن وطأة طعن عليه الدارقطني في هذا الكتاب وسكت عن ذكره حين روى عنه هذا الخبر على طريقته في المماثلة التي لا تضر سواه. وقد ذكر أبو داود هذا الخبر بعينه عن سفيان، عن ابن مسعود عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، وذكر فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتي بفرق من تمر وقال: (تصدق به) ولم يذكر عدد المساكين، فكيف يعدل عن هذا الطريق الصحيح إلى خبر لا يساويه ولا يقبل مخالفنا مثله وقد أجاب أصحابنا عنه تبرعًا.

24630 - وقالوا: لا يجب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التكفير عن الفطر في رمضان، وإنما يتبرع بالقدر الذي وجده وترك الباقي في ذمته كما أنه لما شكا الفقر جوز له أكله تبقية بلا طعام في ذمته. 24631 - قالوا: لو كان ذلك بعض الواجب أقره بصرفه إلى بعض المساكين حتى لا يدفع إلى كل مسكين مالا يجزي. 24632 - قلنا: الفقراء بالمدينة كانوا محصورين، فإذا تصدق على ستين مسكينًا بخمسة عشر صاعًا أعاد عليهم إذا وجد مقدار الواجب. 24633 - قالوا: روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى الأعرابي فرقًا من تمر، فقال: (تصدق به) فالظاهر أنه جميع الواجب. 24634 - قلنا: النبي - صلى الله عليه وسلم - قال هل تستطيع أن تطعم ستين مسكينًا. 24635 - قال: لا، ولا مقدار ما يدفع إلى كل مسكين كان قد استغرق في كفارة الظهار، فبينه - صلى الله عليه وسلم -، فلما دفع إليه ما حضره وأمره أن يتصدق به علم أنه بعض الواجب وأنه يتصدق على عدد مخصوص دون غيره. 24636 - قالوا: طعام يجوز إخراجه في الكفارة فلا يتقدر بالصاع. أصله: الحنطة.

24637 - قلنا: اختلاف أجناس المال يقتضي اختلاف مقدار الواجب بدلالة الزكاة، لأن التسوية بين المقادير مع اختلاف الأجناس مخالف للأصول، ولأن المقصود من الطعام كفاية، ومعلوم أن ذلك لا يقع بالحنطة والشعير على وجه واحد فلم تجز التسوية بينهما، ولأن التقدير بالصاع له نظير متفق عليه وهو صدقة الفطر، والتقدير بالمد ليس له نظير متفق عليه، فكان إثبات الصاع أولى. 24638 - قالوا: الواجب سد جوعة في مقابلة صوم يوم، ورطل وثلث يكفى سد جوعة. 24639 - قلنا: الواجب قوت يوم وذلك يكون بأكلتين في الغالب، فإن مكنهم بأن يستوفوا جاز قليلًا كان ما يأكلونه أو كثيرًا، وإن لم يمكنهم فرطل وثلث لا يكفي في أكلتين، فاعتبرنا ما يكفي سد الجوعة في دفعتين، ثم في كفارة اليمين جعل إطعام عشرة مساكين في مقابلة صوم ثلاثة أيام، وكل ثلاثة مساكين في ثلاث في مقابلة جوعة. 24640 - وقد قال مخالفنا: لكل مسكين في كفارة –طحن وخبزه- منه رطلان، وذلك يكفي في قوت يوم. 24641 - قلنا: هذا يحتاج إلى مؤنة لطحنه وخبزه وذلك المؤنة من غير الكفارة فيكون بعض الرطلين من الكفارة وبعضها من غيرها فلا يجزئ.

مسألة 1203 إطعام مسكين واحد ستين يوما

مسألة 1203 إطعام مسكين واحد ستين يومًا 24642 - قال أصحابنا: إذا أطعم في الكفارة مسكينًا واحدًا ستين يومًا أجزأه. 24643 - وقال الشافعي: عشرة لا يجوز حتى يستوفي عدد المساكين. 24644 - لنا: قوله تعالى: (فكفرته إطعام عشرة مسكين من أوسط ما تطعمون أهليكم). 24645 - ووجه الدلالة من الآية: أن المصدر قد يراد به المفعول به، قال سيبويه وقد يجيء غير مخالف يعني المصدر والمفعول به، تقول: رويت ريًّا، وأصابه ريه، وطعمت طعمة، وأصاب طعمة، ونهل نهلًا وأصاب نهلة، كما قالوا: الحلب، وهم يريدون اللبن، ويقولون: حلب حلبًا يريدون الفعل الذي هو مصدر، وقد يجيء المصدر على المفعول، وذلك لبن حلب إنما يراد محلوب، وكقولهم: الخلق إنما يريدون المخلوق، ويقولون: الدرهم ضرب الأمير، إنما يريدون مضروب الأمير، هذا

كلام سيبويه فقوله: إطعام إنما يريد المفعول به؛ لأن المصدر وإن كان بلفظه بدلالة وصفه بقوله: (من أوسط ما تطعمون أهليكم) ذو فعل لا يضاف إلى ما هو بعضه، ولا تقول أكلته أفضل قديد، وما تطعمون إنما هو المطعوم؛ فدل على أن الموصوف هو المطعوم، ولأنه حق خرج من المال فما جاز دفعه إلى اثنين جاز دفعه إلى واحد كالزكاة، ولأنه مسكين لم يستوف قوت يومه من كفارة فجاز الصرف منها إليه، كسائر المساكين. 24646 - فإن قيل: المعنى في غيره من صرف المساكين أنه لم يستوف قوت يومه من هذه الكفارة، وليس كذلك في مسألتنا لأنه استوفى قوت يومه منها، فلم يجز صرفها إليه كاليوم الأول. 24647 - قلنا: علة الأصل تبطل بالمسكين الذمي، وعلة الفرع لا تصح، لأن المسكين تجد له في كل يوم خلة، فسد خلته في اليوم الثاني كسد خلة غيره ولأن الدفع/ عندكما أن المدفوع معتبر، ثم جاز أن يتكرر المدفوع في غير واحد

إلى المساكين بأن يدفع إلى مسكين ثم يبتاع ما دفع إليه أو يستوهبه فيدفعه إلى آخر، لذلك يجوز أن يتكرر الدفع في أعيان إلى مسكين واحد، ولأن ما جاز أن يتكرر الدفع في غير واحد جاز أن يتكرر على مسكين واحد. أصله: الزكاة والدفع في كفارتين. 24648 - فإن قيل: المعنى فيه أنه يجوز تكراره في عام واحد، فجاز في أيام. 24649 - قلنا: لا يمنع أن يجوز التكرار في وقتين، ولا يجوز في وقت واحد كما يجوز الوقوف بعرفة في وقتين، بحجتين ولا يجوز في وقت واحد، ولأنه أحد بدلي كفارة الظهار؛ فجاز أن يستحق تفريقه في ستين يومًا كالصيام. 24650 - احتجوا: بقوله تعالى: (فإطعام ستين مسكينًا). 24651 - قالوا: وإطعام فعل يتعدد، فيجب أن يتكرر الفعل إلى العدد، فإذا أعطى مسكينًا واحدًا ولم يوجد العدد فلا يجزيه. 24652 - قلنا: قد بينا أن المصدر يحتمل أن يكون مفعولًا، وإطعام يتعدى إلى مفعولين كما يتعدى فعله، تقول: أطعمت زيدًا خبزًا، فقوله: فإطعام ستين مسكينًا يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون المصدر قد عدى إلى مفعول واحد وحذف المفعول

الثاني، فيكون المسكين منتصبًا على التفسير، والوجه الثاني: أن يكون مسكينًا أحد المفعولين، وستين في المفعول الثاني والمفسر محذوف، والتفسير فإطعام طعمة ستين مسكينًا، ويتنوع حذف المفسر لدلالة ضربت عليه، ففي كلا الوجهين حذف، وفي الوجه الأول حذف أحد المفعولين، وفي الوجه الثاني حذف المفسر من أحد المفعولين. 24653 - فقال أبو حنيفة: يجوز الأمران. 24654 - قال مخالفونا: إذا احتمل كان أولى؛ لأن الله تعالى قال: [في كفارة اليمين فكفارته إطعام، فسماه كفارة وإذا حملتموه على المفعول لم يكن كفارة. 24655 - قلنا: قد بينا أن آية كفارة اليمين لا تحتمل إلا ما ذكرناه؛ لأنه وصف الإطعام بقوله: (من أوسط ما تطعمون أهليكم) فلا معنى للترجيح، واللفظ لا يحتمل إلا وجهًا واحدًا، على أنهم إذا حملوا الإطعام على المصدر فالإطعام فعله، وذلك ليس بكفارة، كما أنا نحمله على الطعام وليس بكفارة. 24656 - قالوا: أجمعنا على أن وجوب إخراج الكفارة استفيد من هذه الآية، فإذا حملناها على التقدير لم يفد وجوب الإخراج. 24657 - قالوا: إذا قدرنا الآية بما ذكرنا، أفادت تقدير المدفوع، وتقدير المدفوع إليه. وعلى قولكم، أفادت تقدير المدفوع خاصة. 24658 - قلنا: وأفادت وجوب تكرار الدفع عندنا، وهذه فائدة أخرى غير تقدير المدفوع.

24659 - قالوا: الآية خرجت على سبب وهو قصة أوس بن الصامت، وقد قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - (أطعم ستين مسكينًا) فصار هذا هو المراد بالآية. 24660 - قلنا: قد أفادت عندنا جواز الأمرين، وفسر النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يتعجل به الإباحة التي قصدها. 24661 - احتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم - في قصة المظاهر: (أطعم ستين مسكينًا). 24662 - قلنا: كل واحد منهما سأل عما يعمل به الإباحة، فلو أمره بدفع الإطعام في ستين يومًا تأخرت، فذكر له عدد المساكين ليتعجل بالإباحة في المال. 24663 - قالوا: مسكين استوفى قوت يومه من كفارة فإذا أعطى منها لم يجز، كما لو أعطاه ثانيًا في اليوم الأول. 24664 - قلنا: المعنى في اليوم الأول استوفى قوت يومه منها؛ فلم يجز أن يدفع إليه، وفي اليوم الثاني لم يستوف قوته منها، فجاز الدفع إليه كما يجوز الدفع إلى غيره. 24665 - قالوا: عارضتم ما نقلناه وزيادة، لأنا قلنا: استوفى قوت يوم، فقلتم: استوفى قوت يومه. 24666 - قلنا: هذا غلط؛ لأنا اعتبرنا يومًا معروفًا، واعتبرتم يومًا منكرًا، والمنكر

أعم، وقد عارضنا بأقل من أوصافكم فقولنا أولى. 24667 - قالوا: هذا الاعتبار الذي ذكرتموه يبطل بما لو سرق منه الطعام في اليوم الأول، لا يجوز الدفع إليه، ولم يستوف قوت يومه. ويبطل بما لو بقي الطعام عنده إلى اليوم الثاني وجاز الدفع إليه من كفارة أخرى، لأنه غير ما أخذ من الكفارة الأولى. 24668 - قلنا: هذا غلط لأن الله تعالى ذكر الكفارة بلفظ الإطعام وذلك يفيد التمليك، وقال: (من أوسط ما تطعمون أهليكم) والأصل تطعمون مرة ومرتين وثلاثًا. 24669 - قالوا: سقط من الإطعام أن يكون مرتين، والتمليك يقوم مقام ذلك عندنا، ولو أطعم المسكين في يوم فجاع لم يجز أن يطعمه ثانيًا كذلك إذا سرق ما أعطاه، ولو أعطمه بعد ما أكل أكلتين من كفارة جاز لذلك إذا ملكه من كفارة أخرى، فأما إذا بقي الطعام عنده إلى اليوم الثاني، هو أن يبقي الشبع إلى اليوم الثاني، فلا يمنع ذلك من إطعامه منها. 24670 - قالوا: ذو عدد موصوف لا يجوز الأخذ بغير الصفة؛ فلا يجوز

الإخلال بالعدد كالشهود. 24671 - قلنا: لا نسلم أنه ذو عدد من المساكين، وإنما هو عدد من الأفعال، وذلك يجوز الإخلال به. لا نسلم أنه لا يجوز الإخلال بالصفة؛ لأنه لو دفعها إلى الفقير بدل المسكين أو ابن السبيل والمكاتبين جاز وينتقض برمي جمار لأنه ذو عدد موصوف، لا يجوز الإخلال بالصفة عند مخالفنا؛ لأن الرمي بغير الحجارة لا يجوز، فيرمي بحجر واحد مرة بعد مرة، والمعنى في الشهود أن المقصود غالب الظن بقول اثنين، فإذا أخبره واحد فالظن الثاني هو الأول فلا يستفيد به معنى، وليس كذلك الإطعام؛ لأن المقصود سد الخلة، فما يدفعه في اليوم الثاني يحصل به سد خلة لم توجد في اليوم الأول. 24672 - قالوا: قدر الله تعالى المدفوع إليه نصًا بقوله سبحانه: (فإطعام ستين مسكينًا) وأبو حنيفة قدر اجتهادًا فقال: صاع، فجوز الإخلال بالتقدير المنصوص عليه، ولم يجز الإخلال بالتقدير المجتهد فيه.

24673 - قلنا: نسلم أن الله تعالى قدر العدد على ما ذكرتم، ولا نسلم أن تقدير الصاع اجتهاد بل بالنص، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للمظاهر: أطعم ستين مسكينًا وسقا من تمر. 24674 - قالوا: صدقة أمر بصرفها إلى عدد من المساكين؛ فلا يجوز صرفها إلى واحد، كالوصية. 24675 - قلنا: هذا غير مسلم؛ لأنه قال في الجامع: إذا أوصى بثلثه للمساكين، جاز صرفه على مسكين واحد عند محمد، ولا يجوز في قول أبي يوسف أقل من اثنين، وليس عن أبي حنيفة رواية، ولو سلمنا لم يدل؛ لأن الوصية يعتبر فيها لفظ الموصي، ولو أمر الله تعالى غيره يعتبر فيها المقصود، بدلالة أن الموصي للمساكين لا يجوز له العدول عنه إلى غيرهم، والإطعام في الكفارة يجوز صرفه إلى غير المساكين. 24676 - ولو قال: أعتق عبدي لأنه أسود؛ لم يجز أن يعتق غيره من غيره، ولو قال الله تعالى: أعتقوا أفريقيًا لأنه أسود عتق كل أسود. 24677 - قالوا: إذا دفع الكسوة إلى مسكين واحد في عشرة أيام جاز عندكم، ومعلوم أنه لا يتجدد في اليوم الثاني حاجة إلى الكسوة.

24678 - قلنا: إذا كسي المسكين في اليوم الثاني لم يجز ذلك عن الكسوة، احتجنا إلى أن يجوز عن الإطعام؛ لأن من أصلنا أن الكسوة إذا لم تجز عن نفسها جازت عن الإطعام؛ لأن من أصلنا، أن من أعطى خمسة أثواب قيمتها إطعام عشرة مساكين لم يجز عن الكسوة، وجازت عن الإطعام، فإن كان في مسألتنا تجوز الكسوة بدلًا عن غيرها، فجوازها عن نفسها أولى.

مسألة 1204 حكم صرف الكفارة إلى أهل الذمة

مسألة 1204 حكم صرف الكفارة إلى أهل الذمة 24679 - قال أبو حنيفة ومحمد: يجوز صرف الكفارات إلى أهل الذمة. 24680 - وقال الشافعي: لا يجوز. 24681 - لنا: قوله تعالى: (إطعام عشرة مسكين)، وقوله: (فإطعام ستين مسكينا)، وهو عام، وقوله - عز وجل -: (لا ينهكم الله عن الذين لم يقتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من ديركم أن تبروهم)، وقال عليه الصلاة والسلام: (تصدقوا على أهل الأديان) ولأنها صدقة ليس للإمام حق في أخذها؛ إذ هي صدقة تتعلق بسبب من جهته، فجاز صرفها إلى أهل الذمة كالنافلة، ولا

يلزم زكاة المال الباطن؛ لأن حق أخذها إلى الإمام وإنما أصحاب المال وكلاء، ولأن من كان صدقة النفل قربة في حقه لم يجز دفع الواجب إليه بحال كالمسلم. ولا يلزم الوالدين والوالد؛ لأن الدفع يجوز إليهم باجتهاد، ولا يلزم الحربي والعبد والمكاتب؛ لأن صدقة النفل لا تصح عليهم. 24682 - احتجوا: بقوله تعالى: (لا/ تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله). 24683 - الجواب: أن المراد بهذه الآية أهل الحرب بدلالة الآية الأخرى، وهو قوله تعالى: (لا ينهكم الله عن الذين لم يقتلوكم في الدين). 24684 - قالوا: كافر لا يجوز دفع الكفارة إليه كالحربي يستعين بما نعطيه على حربنا. 24685 - قلنا: هذا لا يوجد في الذمي. 24686 - قالوا: مال يجب دفعه إلى الفقير بالشرع، فلا يجوز دفعه إلى الإمام وهو قائم مقام المسلمين؛ فدل أنها حق لهم، والكفارة لا حق للإمام فيها وهي كالنافلة.

مسألة 1205 حكم إخراج القيمة في الكفارة

مسألة 1205 حكم إخراج القيمة في الكفارة 24687 - قال أصحابنا: يجوز إخراج القيمة في الكفارات. 24688 - وقال الشافعي: لا يجوز، وهذا فرع على جواز أخذ القيمة في الزكاة، لأن المقصود بكل واحد منهما سد خلة المسكين ودفع حاجته، وهذا المعنى موجود في القيمة، ولأنه حق يخرج من المال سببه الجناية فجاز دفع القيمة فيه كالدية، ولأنه مال لم يجب بعقد معاوضة فجاز إخراج القيمة فيه كقيمة المتلفات. 24689 - قالوا: أخذها يقع به التكفير كالعتق. 24690 - قلنا: العتق كثير مال فلا يمكن تقويمه، والكسوة والإطعام كل واحد منهما مال لم يجب بعقد معاوضة، فجازت القيمة فيه.

مسألة 1206 حكم دفع الكفارات إلى المكاتب

مسألة 1206 حكم دفع الكفارات إلى المكاتب 24691 - قال أصحابنا: يجوز دفع الكفارات إلى المكاتب. 24692 - وقال الشافعي: لا يجوز. 24693 - لنا: قوله تعالى: (فإطعام ستين مسكينا) ولم يفصل، ولأنها صدقة واجبة فجاز دفعها إلى المكاتب كالزكاة. 24694 - قالوا: الزكاة ليست حق المكاتب بل حق الفقراء، والكفارة حق الفقراء، وغيرهم، ولأن من جاز دفع الزكاة إليه جاز دفع الكفارة إليه كالحر. ولا يلزم العامل؛ لأن ما يدفع إليه ليس من الزكاة، وإنما هو عوض. ولا يلزم ابن السبيل؛ لأن دفع الكفارة إليه يجوز، ولأنه يتخلص بما يدفع إليه من إسر الرق، فصار كما يدفع إلى الأسير في دار الحرب، ولأن الحر يحصل له سد الخلة، والمكاتب يستفيد ذلك والتخليص من الرق. فإذا جاز الدفع إلى الحر فالمكاتب أولى.

24695 - قالوا: بأنه مكاتب فلا يجوز دفع الكفارة إليه كمكاتبه. 24696 - قلنا: مكاتبه لا يجوز دفع زكاة ماله إليه، فكذلك كفارته، ولو كاتب غيره يجوز دفع زكاته إليه، كذلك كفارته. 24697 - قالوا: المكاتب لا يخلوا إما أن يكون في يده مال أو لا يكون؛ فإن كان في يده مال فهو غني. وإن لم يكن فهو يقدر على الغنى بأن يعجز نفسه، فلذلك لم يجز دفع الكفارة إليه. 24698 - قالوا: وليس كذلك الزكاة؛ لأنها تدفع إلى الغني العامل، وابن السبيل، والغارم لإصلاح ذات البين. 24699 - قلنا: إن كان في يده مال فهو لا يملكه ولا يكون غنيًّا به. 24700 - وإن لم يكن فهو لا يقدر أن يعجز نفسه عندنا إلا أن يعجز [نفسه برضا سيده]،ولأن قدرته على أن يستغني لا يمنعه من أخذ الصدقة، بدلالة أنه من وهب لفقير مالًا فهو يقدر على قبوله ليستغنى به. ويجوز له أخذ الصدقة قبل القبول.

مسألة 1207 حكم دفع الكفارة بالتمكين أو التمليك

مسألة 1207 حكم دفع الكفارة بالتمكين أو التمليك 24701 - قال أصحابنا: يجوز في الكفارات التمكين، وهو أن يغديهم ويعشيهم، ويجوز التمليك. 24702 - وقال الشافعي: لا يجوز إلا التمليك. 24703 - لنا: قوله تعالى: (فإطعام ستين مسكينا) وقال - عز وجل -: (فكفرته إطعام عشرة مسكين)، وحقيقته الإطعام عن التمكين، يقال: فلان يطعم الأحلاق ويطعم الطعام. يبين ذلك قوله تعالى: (من أوسط ما تطعمون أهليكم)، وطعام الأهل يكون بالتمكين في الغالب. 24704 - فإن قيل: قد أجمعنا على جواز التمليك، فدل أن الآية تناولته، وهو مجاز يحمل على الحقيقة لا على جواز التمليك، فدل أن اللفظ الواحد لا يحمل على الأمرين.

24705 - قلنا: الآية ما تناولت عندنا التمليك، وإنما ثبت جواز التمليك بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - وجواز التمكين بالآية. 24706 - فإن قيل: إذا حملنا الآية على التمليك نفينا عمومها في الصغير والكبير؛ لأن تمليك كل واحد منهما جائز، وإذا حملناها على التمكين خصصناها في الكبير؛ لأن تمكن الصغير لا يجوز. 24707 - قلنا: الآية لم تتناول الصغير؛ لأنه تعالى ذكر المساكين، والمسكين من سكنت نفسه إلى الفقير، وهذا لا يوجد في الصغير، ولأنه قال: (من أوسط ما تطعمون أهليكم) وما يأكله الصبي ليس هو أوسط ما يأكله الأهل. ولو سلمنا التخصيص كان حفظ الحقيقة أولى من حفظ العموم؛ لأنه عمومات فكان حفظ الحقيقة وتخصيص العموم أولى من إسقاط الحقيقة واستعمال العموم، ويدل عليه ما روي عن ابن مسعود وابن عمر وابن عباس قالوا: في تفسير الآية الوسط الخبر والتمر أو الخبز والزيت والأقصى الخبز واللحم. هذا إنما يعتبر في التمكين. أصله: إذا ثبت أن يطعم المساكين، ولأن النذور محمولة على أصولنا في الفروض، فلما جاز التمكين في النذور دل على أنه يجوز في الواجب. ولأن المقصود بالإطعام سد الخلة، وهذا المعنى موجود في التمكين. ولا يلزم الزكاة؛ لأن أبا يوسف قال: يجزئ فيها التمكين ولأن المعتبر كفارة المسكين في اليوم. وإذا ملكه جاز أن يكتفي بما أعطاه، وجاز أن لا يكتفي. فإذا مكنه تيقنًا بحصول الكفارة فهو أولى بالجواز.

24708 - احتجوا: بأن النبي - صلى الله عليه وسلم -: دفع إلى المكفر الثمن فقال: (تصدق بهذا). 24709 - والجواب: أن هذا يدل على جواز الصدقة، وقد روي أنه قال لسلمة بن صخر: (أطعم) وهذا يفيد التمكين فأفادنا - صلى الله عليه وسلم - جواز الأمرين، ولأنه قال: (تصدق). ولأن المكفر كان فقيرًا، والتمكين يحتاج أن يهيأ الطعام فيلزمه مؤنة، والتمليك لا يحتاج إلى ذلك فأمره بأيسر الأمرين لفقره. 34710 - قالوا: صدقة وجبت بالشرع، فلا يجوز فيها التمكين كالزكاة. 24711 - قلنا: روى عن أبي يوسف أنه قال يجزى التمكين فيها. وقال محمد: لا تجوز. فعلى قول أبي يوسف لا نعلم الأصل، وعلى قول محمد أوجب الله تعالى الزكاة بلفظ الإيتاء، فقال: (وءاتوا الزكوة) بلفظ الصدقة. وذلك يفيد التمليك فأوجب الكفارة بفظ الإطعام وذلك يفيد التمكين. 24712 - قالوا: ما يقع به التمكين لا يجزئ فيه التمكين كالكسوة. 24713 - قلنا: التمكين في الكسوة لا يحصل للفقير عن الكسوة وإنما يحصل له الانتفاع بها فهو في معنى العارية فلا يجزئ وليس كذلك الإطعام لأن

الطعام يسلم للفقير بالأكل فيصير كالتمليك الذي يحصل به للعين. يبين ذلك أنه لو أوصى له بثوب ثم أوصى لآخر بلبسه يجوز، لأنه لا يكون رجوعًا عن الوصية للأول، ولو أوصى له بالطعام، وأوصى لآخر بأكله كان ذلك رجوعًا. يبين ذلك أن إطعام الزوجة مستحق، وكسوتها، فلو مكنها من الطعام جاز عن المستحق، ولو مكنها من الكسوة لم يجز عن المستحق، وهذا يبين الفرق بين الموضعين. 24714 - وقولهم: الزوجة الصغيرة سقط حقها. 24715 - قالوا: ما يدفع إلى مسكين مقدار فإذا مكنهم لم يحصل المقدر لهم. 24716 - قلنا: التقدير شرط ليتحقق حصول الكفاية، فإذا مكنهم من أكلتين فقد تيقنا الكفاية، فسقط التقدير. 24717 - قالوا: المساواة بين المساكين فيما يأخذونه واجبة: فإذا لم يمكنهم لم يتيقن. 24718 - قلنا: المساواة غير معتبرة بدلالة أنه لو أعطى بعضهم طعامًا جيدًا وبعضهم رديئًا أو كسي بعضهم أفخر الثياب وبعضهم أدناها جاز. وإنما يعتبر تساويهم

في الكفارة في التمكين. 24719 - قالوا: إذا مكنهم فقد خص جهة من الانتفاع دون غيرها، لأنهم لا يقدرون على البيع والإطعام. 24720 - قلنا: المستحق عندنا من هذا القدر النفع، وما زاد عليه مستحق، إن فعله جاز، وإن لم يفعله لم يؤثر في الجواز.

مسألة 1208 حكم الكفارة خمسة بالإطعام وخمسة بالكسا

مسألة 1208 حكم الكفارة خمسة بالإطعام وخمسة بالكسا 24721 - قال أصحابنا: إذا أطعم خمسة وكسا خمسة جاز ويكمل أحد الأمرين بقيمة الآخر. 24722 - وقال الشافعي: يجب عليه أن يكمل الكسوة والإطعام وهذه مبنية على أصل وهو عندهم أن إخراج القيمة يجوز في الكفارات وقد نوى بالفعل التكفير فوجب أن يحمل على الوجه الذي يصح به، وهو القيمة، لأن كل واحد منهما يقصد به غير ما يقصد به الآخر، فجاز أن يكون أحدهما بدلًا عن الأخر وليس هذا كإخراج الحنطة عن التمر لأن المقصود بهما معنى واحد، ولا يجوز أحدهما بقيمة الآخر، كما لا يجوز إخراج الحنطة الجيدة بقيمة الحنطة الوسط. 24723 - قالوا: الله أمر بإطعام عشرة مساكين، وهذا قد أطعم خمسة. 24724 - قلنا: الكسوة قائمة مقام الطعام، فقد أخرج كالإطعام، وقامت الكسوة مقام الطعام. 24725 - قالوا: النص يتناول الأمرين فلا يجزئ أحدهما عن الآخر، كما لا يجزي في صدقة الفطر البر بقيمة التمر. 24726 - [قلنا: من أصحابنا من يجوز قيمة الحنطة بقيمة التمر] فعلى هذا

سقط الالتزام، ومنهم من منع ذلك. وقال المقصود منها واحد، فصارا كالشيء الواحد فلا يجزي بعضه عن بعض بالقيمة. 24727 - وفي مسألتنا المقصود بالكسوة ستر العورة، وبالإطعام سد الجوعة/ وهما مختلفان فجاز أحدهما بقيمة الآخر.

مسألة 1209 دفع الكفارات إلى المكاتب

مسألة 1209 دفع الكفارات إلى المكاتب 24728 - قال أصحابنا: يجوز دفع الكفارات إلى المكاتب. 24729 - وقال الشافعي: لا يجوز. 24730 - لنا: قوله تعالى: (فإطعام ستين مسكينا). ولم يفصل، ولأنه يجوز صرف الزكاة إليه [فجاز صرف الكفارة إليه] ولأن الحر يحصل له سد الخلة والمكاتب لا يحصل له هذا المعنى، والتخلص من الرق فكان أولى. 24731 - فإن قيل: الزكاة يجب دفعها إلى الصبي بدلالة العامل والغازي. 24732 - قلنا: لم يسلم ذلك؛ لأن العامل يأخذها على طريق المعاوضة والغازي والصبي لا يجوز دفعها إليه [فإن قتله الكفار لا يجوز أن تدفع إلى ورثته]. 24733 - جميع الزكاة عينها الفقراء، ولأن المكاتب يتخلص بالصدقة من أسر الرق، فصار كالمسلم الأسير في دار الحرب. 24734 - احتجوا: بأن المكاتب لا يخلو إما أن يكون في يده مال أو لا يكون. فإن كان فقد غني بما في يده، وإن لم يكن فقدر أن يعجز نفسه فيصير غنيًا بغنى مولاه. 24735 - قلنا: إذا كان في يده مال فهو لا يملكه بل هو موقوف على مولاه وعليه. وجواز الاستيفاء يتعلق به فهو كالغارم، وقدرته على تعجيز نفسه لا نسلمها، لأن المكاتب إذا قدر على الاكتساب لم يجز أن يعجز إلا برضى المولى، فإذا أدى أخذ

الزكاة وجاز أن يعجز فيملكها المولى وهو غني. 24736 - قلنا: يبطل بالفقير إذا كان وارثه غنيًا يجوز دفع الزكاة إليه، وإن جاز أن يموت فيرثه الغير.

كتاب اللعان

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب اللعان

مسألة 1210 موجب قذف الزوج

مسألة 1210 موجب قذف الزوج 24737 - قال أصحابنا: موجب قذف الزوج اللعان. 24738 - وقال الشافعي: موجب قذفه الحد وإنما يسقط ذلك عن نفسه بالأيمان. 24739 - لنا: قوله تعالى: (والذين يرمون أزجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم) فذكر الله تعالى لعان الزوج وحكمه، وهو اللعان؛ فالظاهر أنه جمع الحكم المتعلق بقذفه. ومن زعم أن حكم القذف من الخلة فهو مدع لخلاف الظاهر. 24740 - فإن قيل: (فشهدة أحدهم أربع شهدت) تقديره: فشهادة القاذف

أربع، فيفيد ذلك بيان عدد الشهادة. 24741 - قلنا: الفاء تعلق ما بعدها بما قبلها، وهذا يقتضي أن اللعان حكم القذوف المذكور، على أنا أجمعنا أن اللعان واجب، فلابد أن يكون تقدير الآية فعليهم أن يشهدوا. لقوله تعالى: (فتحرير رقبة). يدل عليه ما روي أن عويمر العجلاني قذف امرأته. فلاعن النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما وفرق ولم يذكر الحد، ولو كان واجبًا لذكره. ولا يقال: إنه لم يبين ذلك، لأن الآية دلت عليه، وقد بينه في قصة هلال بن أمية؛ لأن الناس قد اختلفوا في تناول الآية

للأزواج. وفي أن قصة هلال هل يستحد بأنه اللعان أم لا، فكيف يظن أنه - صلى الله عليه وسلم - يقتصر على ذلك في البيان مع إشكاله. ولأنه قذف لا يستوفى به الحد مع مطالبة المقذوف؛ فلم يتعلق به الحد. أصله: قذف من ليس بمحصن ولأن الحد لو وجب بقذفه لم يملك إسقاطه بقول القاذف الأجنبي، ولأن اللعان تأكيد للقذف وتكرار له، وذلك لا يسقط حكم القذف كمن قذف أجنبيًا ثم كرر قذفه. 24742 - فإن قيل: لا يسقط الحد بقوله، وإنما يسقط بيمينه، كما تسقط

الدعوى عنه بيمينه وإنما تأخرت الخصومة لأن الدعوى لا توجب إلا اليمين. وإذا حلف لا يسقط بيمينه ما وجب عليه، وإنما فعل الواجب. وعندهم الواجب هاهنا الحد، ويسقط عن نفسه بلعانه. ولأن كل قول من الإنسان أوجب حقًا عليه لآدمي لم يسقط ذلك الحق عنه بقوله. أصله: الإقرار بقذف الأجنبي. ولا يلزم المرتد لأن ردته توجب القتل ويسقط بإسلامه، لأنا قلنا يوجب حقًا لآدمي، والقتل لحق الله تعالى، ولأن القتل لا يسقط عنه بقوله، وإنما يسقط عنه باعتقاده الإسلام. 24743 - احتجوا: بقوله تعالى: (والذي يرمون المحصنت ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم) ولم يفصل. 24744 - قلنا: الآية لا تتناول قذف الزوجة، بدلالة أنه إذا عجز عن الشهود لم يجلد، ولأن الله تعالى جعل آية اللعان متأخرة، وهي خاصة، والخاص إذا تأخر عن العام، أوجب نسخ بعضه. 24745 - فإن قيل: قد أجمعنا أن الآية تناولت قذف الزوج [قبل] نزول آية اللعان، فكيف يقال إنها لا تتناول الزوج؟.

24746 - قلنا: إنما جوابنا عما يقتضيه بعد استقرار حكم اللعان. فأما قوله: فكانت متناولة للزوج وكان يحد بالعجز عن إقامة الشهادة، فلم تغير هذا الحكم وصار لا يحد. وإن عجز عن البينة خرجت الآية أن تكون له متناولة. 24747 - قالوا: روي أن هلال بن أمية لما قذف أمرأته قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إيتني بأربعة يشهدون وإلا فحد في ظهرك)، فدل على أن قذفه يجب به الحد. 24748 - قلنا: هذا كان قبل نزول آية اللعان، لأنها نزلت في قصته بالطلاق في موجب قذف الزوج بعد ثبوت اللعان. 24749 - قالوا: روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعويمر (لاعن أربع مرات، إنها الموجبة، ولعقاب الدنيا أيسر من عذاب الآخرة)، فندبه إلى ترك اللعان. فدل أنه حقه، وعندكم أنه حق عليه. 24750 - قلنا: إنما ندبه إلى ترك اللعان بتكذيب نفسه، إن كان كاذبًا. ولهذا قال: (ولعذاب الدنيا أيسر) وكذلك نقول أنه يجب عليه أن لا يلاعن إن كان كاذبًا. 24751 - قالوا: قذف مسلمة عفيفة فوجب أن يلزمه الحد. أصله: إذا قذف

أجنبية. 24752 - قلنا: قذف الأجنبية متهم فيه، وقذفه لزوجته لا يتهم فيه؛ لأن الزوج يضطر لهذا المعنى لما يلحقه من شين. وعند مخالفنا: الزوج مضطر إلى قذف زوجته. وليس بمضطر إلى قذف الأجنبية، فلم يجز اعتبار أحدهما بالآخر. والمعنى في قذف الأجنبية: أنه لما وجب الحد لم يملك إسقاطه عن نفسه بقوله. فلو كان قذف الزوجة يجب به الحد لم يسقط بلعانه. 24753 - قالوا: قذف من زوج، فيجب به الحد، أصله: إذا كان عبدًا أو كافرًا. 24754 - قلنا: المعنى أنه ليس من أهل الشهادة على المسلمين، فيتعلق بقذفه المحصنة الحد للزوج المسلم، والزوج الحر من تقبل الشهادة منه على المسلمين، فتعلق بقذفه اللعان.

24755 - قالوا: نقيس على المحدود في القذف إذا تاب. 24756 - قلنا: المعنى: أنه يختلف في جواز قبول شهادته على المسلمين. 24757 - قالوا: كل من لو قذفها أجنبي وجب عليه الحد، إذا قذفها زوجها وجب عليه الحد. أصله: ما ذكر. 24758 - قلنا: هذه العلة لا أصل لها؛ لأن قولهم، فإذا قذفها الزوج قد دخل فيه الزوج الكافر والزوج العبد، فلا يصح أن يكون الأصل داخلًا في الفرع، ولأن قذف الأجنبي لم يصادف ملكه. 24759 - وقذف الزوج صادف ملكه وما يوجب العقوبة، يختلف أن يصادف ملكه أو غير ملكه، بدلالة من قتل عبد نفسه أو عبد غيره. 24760 - قالوا: الشين يلحقها بقذف الزوج أكثر مما يلحقها بقذف الأجنبي؛ [لأن من عادة الزوج أن يتستر على زوجته، فإذا حكاه فقد لحقها شين]، يوجب الحد، فقذف الزوج مع زيادة الستر فيه أولى. 24761 - قلنا: هذا هو الدليل عليكم؛ لأن الزوج إذا كان من عادته الستر لم تلحقه تهمة، والأجنبي تلحقه التهمة، فكيف يكون الزوج بإيجاب الحد أولى،

ولأن الزوج لا يستوفى منه الحد، والأجنبي يستوفي منه الحد، فلو كان الأمر على ما قالوا، كان الزوج باستيفاء الحد أولى. 24762 - قالوا: لو كذب نفسه وجب عليه، فلولا أنه وجب القذف، لم يجب باللعان. 24763 - قالوا: إذا أكذب نفسه فقد اعترف بوجوب الحد، وإذا لم يكذب فلم يعترف. يبين الفرق بينهما، أنه إذا كذب استوفى الحد، فلا يدل ذلك على انه مستوفى منه قبل الإكذاب.

مسألة 1211 امتناع الزوج من اللعان

مسألة 1211 امتناع الزوج من اللعان 24764 - قال أصحابنا: إذا امتنع الزوج من اللعان حبس حتى يلاعن، أو يقر بالكذب. 24765 - وقال الشافعي: إذا امتنع الزوج من اللعان؛ حد حد القذف. وإن امتنعت المرأة حدت حد الزنا. 24766 - وأما الكلام في حبس الزوج -وهو فرع على المسألة المتقدمة- أن الواجب بقذف الزوج اللعان. فإذا امتنع منه فقد منع حقًا يقدر على إيقاعه فيحبس حتى يوفيه كالمديون. وعلى أصلهم الواجب بقذفه الحد. وأما الكلام في المرأة فإن لعان الزوج عندنا يوجب عليها اللعان. فإذا امتنعت من حق لزمها إيقاعه حبست. 24767 - وعندهم لعان/ يحقق عليها الزنا، فيجب الحد لو سقط بلعانها. فإذا لم تلاعن حدت. والدليل على ما قلناه قوله تعالى: (والذين يرمون أزوجهم) فذكر

لعان الزوج ولعانها. فظاهره يقتضي أن ذلك جميع الحكم. ولأن اللعان قول القاذف فلا يحقق الزنا على المقذوف، وإن كره بقذف الأجنبي. ولأن الحد لو وجب عليها بلعانه لم يسقط بقولها. أصله: البينة. ولأن الزوج لو شهد عليها بالزنا مع غيره بعد قذفه لها لم يتحقق الزنا، فإذا شهده وحده أولى، ولأن للزوج حقًا عليها في الظاهر بقذفه، لأنها محصنة عفيفة، وإنما يتخلص باللعان من جنايته، فلا يتحقق بذكره دعوى المدعي بيمينه من غير نكول. 24768 - احتجوا: بقوله تعالى: (ويدرؤا عنها العذاب) الآية فذكر عذابًا معرفًا يرجع إلى الحد تقدم ذكره بقوله: (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين). 24769 - الجواب: أن العذاب المعرف لو رجع إلى الحد الذي ظنوه لقال ويدرأ عنهما عذابهما، لأن التعريف إذا رجع إلى ما تقدم صار المتقدم كالمذكور. ونحن نعلم أن حد الزانيين لا يجوز أن يجب عليهما، فبطل أن يرجع العذاب إلى المعرف

المذكور فلم يبق إلا أن يرجع إلى تعريف الجنس. فكأنه قال ويدرأ عنها جنس العذاب والجنس يتأدى دلالته إلى بقيته على حد يتباعد ولم لم يشهد لزمها الجنس وهو من جنس العذاب. 24770 - فإن قيل: العذاب قد يعرف في الشرع بالحد، بدلالة قوله تعالى: (فعليهن نصف ما على المحصنت من العذاب). 24771 - قلنا: هذا ليس بمذكور في هذه القصة فكيف يدعى وجوب رجوع التعريف إليه. 24772 - فإن قيل: ويدرأ عنها اللعان المقتضى عذابًا قد وجد، وهذا هو الحد على قولنا. 24773 - فأما الجنس فلم يجب بلعان الزوج، وإنما يجب عندكم بامتناعها من اللعان فكيف يدرؤه باللعان. 24774 - قلنا: فوجوب الحد أثر العذاب وإنما استيفاؤه هو العذاب. فتقدير الآية عندكم ويدرأ عنها ما يصير عذابًا، وهو أن قوله: (والذين يرمون) فعل وقد يذكر الفعل في القرآن والمراد به المصدر. قال الله تعالى: (ولا يحسبن الذين

يبخلون بما ءاتهم الله من فضله هو خيرا لهم). 24775 - وهو يرجع إلى المصدر الذي هو البخل. فلم يجد للبخل ذكرًا. فعلم أنه أراد بقوله (يبخلون) البخل، كذلك هاهنا. قوله المراد به الرمي (ويدرؤا عنها العذاب) يرجع إلى الرمي المذكور، وذلك عذاب لأن شهادتها، والله تعالى يعتبر على الشيء وجه الفحش معناه كقوله: (فاجتنبوا الرجس من الأوثن) والدليل على أن الرمي سمي عذابًا ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في المخبل السعدي وكان شاعرًا يهجو الناس ما هو إلا عذاب يصبه الله على من يشاء من عباده، وقد أجرت العرب اسم مجرى الجراح بالسلام. فقالوا: (والقول تنفذ مالا تنفذ الآية). وقد جاء في الأثر أن الشيطان قال لامرأة أيوب عليه السلام حين ابتلي: لو قال هذه الكلمات لزال ما به وذكر في بعضها كفرًا فذكرت ذلك له فقال: (أني مسنى الشيطن بنصب وعذاب). 24776 - فسمى ذلك الكلام عذابًا فعلى هذا الوجه تتناول الآية، وهو يرد العذاب إلى المذكور، وقد تقدم وهو الرمي.

24777 - فإن قيل: هذا مجاز لأنكم حملتم الفعل على المصدر. 24778 - قلنا: صحيح لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أدأوا الحدود بالشبهات) فإذا عرض دليل الحد بوجه يوجب سقوطه صار شبهة فيدرأ به استعمالها، على أن القتل حد الله. 24779 - قالوا: حجة يسقط بها موجب القذف عن القاذف، فيتحقق بها الزنا على المقذوف، أصله إذا أقام البينة. 24780 - قلنا: قولكم حجة لا تصح، لأن القاذف يجبر على اللعان ولو كان حجة له وقف على اختياره ولم يحصر عليه، كما لا يجبر على إقامة البينة. وقولهم يسقط بها موجب القذف لا نسلم أن موجب القذف الحد فسقط باللعان. ولأن اللعان إذا سقط سقط على غيره لأن ما يسقط الحد يستدعى لسقوطه الحد ولا يستدعى إيجابه. 24781 - والمعنى في البينة أن الحد لما وجب بها لم يملك بلعانه الحد، ولم يسقط بلعانها إنما يتحقق الزنا على الأجنبية فلذلك تحقق على الزوجة. واللعان لا يحقق الزنا على الأجنبية كذلك لا يحققه على الزوجة.

24782 - قالوا: اللعان حقها فلا يجوز أن تحبس إذا امتنعت. 24783 - قلنا: اللعان عندنا حق لله، ولهذا تجبر عليه، ولو كان حقها لم يجبر ولأن ما يحبسها للامتناع لكن يحقق عليها التهم، وقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حبس رجلًا في تهمة. 24784 - قالوا: كل متحالفين في البيع [لا يحبس من يمتنع منهما]. 24785 - قلنا: اللعان عندنا شهادة مؤكدة باليمين. فكيف نسلم أنهما تحالفا. ولو سلمناها لمعنى في البيع أن المنازعة فيما يصح بدله. فلذلك لزم بالنكول والحد لا يصح بدله فلم يزل بالنكول.

مسألة 1212 كون القاذف عبدا أو كافرا أو محدودا في القذف

مسألة 1212 كون القاذف عبدًا أو كافرًا أو محدودًا في القذف 24786 - قال أصحابنا: العبد والكافر والمحدود في القذف إذا قذفوا زوجاتهم لم يجب اللعان، وكذلك المرأة والأمة والكافرة والمحدودة. فالذي نعتبره في الزوج أن يكون من أهل الشهادة على المسلمين وفي المرأة أن تكون من أهل الشهادة، وممن يحد قاذفها. 24787 - وقال الشافعي: كل زوج يصح طلاقه يصح لعانه. 24788 - لنا: قوله تعالى: (والذين يرمون المحصنت) الآية. 24789 - ظاهره أن الزوج الكافر والعبد إذا قذف زوجته المحصنة ولم يقم بينة أن يجب عليه الحد. 24790 - فإن قيل: آية اللعان متأخرة عنها وهي خاصة.

24791 - قلنا: (فشهدة أحدهم) ومن لم تتناوله الآية الثانية فهو داخل في عموم الأولى. ولأن الواجب بقذف الزوج كان الحد لظاهر الآية، ثم أقيم اللعان مقام الجلد في الأزواج، كما في قصة هلال بن أمية. ومعلوم أن الكافرة والمملوكة لم يدخل قذفهما في الآية الأولى. فلا يثبت اللعان فيهما. ويدل عليه حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أربعة لا لعان بينهم ملاعنة اليهودية والنصرانية تحت المسلم، والمملوكة تحت الحر، والحرة تحت المملوك) وهذا نص. 24792 - فإن قيل: قال الشافعي. هذا خبر رواه ضعيف عن مجهول: الضعيف عمرو، والمجهول جده، لا نعلم هل هو جده محمد بن عبد الله أو عبد الله بن عمرو. 24793 - قلنا: أما طعن الشافعي على عمرو بن شعيب فعجب مع رجوعه إلى خبره في زكاة مال اليتيم واعتماده عليه. 24794 - قالوا: فإن الدارقطني روى هذا الخبر عن عمرو بن شعيب عن ابن

عبد الله الزهري وعن ابن عطاء الخراساني وكل واحد منهما ضعيف. 24795 - قلنا: رواه أبو بكر الرازي ثابت لإسناده عن معاوية بن صالح أبي مؤنة عن عمرو، وقد قال أحمد إن الخبر إذا اجتمع عليه ضعيفان احتج به. 24796 - فأما روايته عن جده فقد قيل إنه لا يروي عن جده محمد، وإنما

يرويه عن جده عبد الله خاصة وأكثر أحواله أن يكون مرسلًا. 24797 - قالوا: نحمله على المسلم إذا كانت تحته نصرانية فقذفها لم يلزمه الحد بقذفها ولا يلاعن لنفي الحد. 24798 - قالنا: عند كثير يلاعنها لنفي التقرير، والنبي - صلى الله عليه وسلم - نفى اللعان معنى. 24799 - قالوا: أربعة لا لعان بينهم يعني لا لعان غيرهم، حتى لا يظن أن [للرق تأثيرًا] في نقصان عدد اللعان. 24800 - قلنا: هذا غاية التلبيس أن تذكر النفي وتريد به الإثبات. ثم هذه الفائدة إن كانت للعان العبد مابقي فائدة لذكر اليهودية والنصرانية، ولأنه ليس من أهل الشهادة فلا يثبت اللعان بينه وبين زوجته كالصبي والمجنون. 24801 - فإن قيل: الصبي الذي يعقل يلاعن. 24802 - قلنا: بتعيينه على من لا يعقل. ولا يلزم الفاسق لأنه من أهل الشهادة.

بدلالة أنه لو شهد فردت شهادته ثم تاب فأداها لم تقبل. ولو لم يكن من أهلها فسكت كالكافر إذا ردت شهادته ثم أسلم فشهد بها. ولا يلزم الأعمى، لأنه من

أهل الشهادة، وإن لم يتبين المشهود عليه. ولو أنه عالم بشهادته جاز ولا يلزم المحدود في القذف إذا تاب لأنه من أهل الشهادة. ولو كان غير عالم بشهادته ثم ردت، ورفع إلى القاضي لم يفسخ حكمه. ولأن الأجنبي لو قذفها لم يحد فإذا قذفها الزوج لم يلاعن كالصغيرة والمجنونة. ولأنها غير محصنة فلم يجب على قاذفها ما يجب عى قاذف/ المحصنة. 24803 - أصله إذا قذف أجنبي. ولأن الرق نقص يؤثر في الولاية فيمنع وجوب اللعان كالصغير والمجنون. ولأن لفظ الشهادة تختص بالحاكم فلا يصح من العبد كالشهادة بالحقوق. 24804 - احتجوا: بقوله تعالى: (والذي يرمون أزجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم). 24805 - قلنا: استثناء الزوج من الشهداء يدل على أنه منهم، لأن المستثنى من جنس المستثنى منه والكافر والعبد ليسا من أهل الشهادة فلم تتناولهما الآية. ولأنه قال: (والخمسة أن لعنت الله عليه إن كان من الكذبين). والكافر لا وجه في استحقاقه اللعنة لكذبه في القذف، وإنما يختص بهذا المسلم فثبت أن الآية لم تتناول الكافر، لأنه تعالى قال: (والذين يرمون المحصنت). ثم قال: (والذين يرمون

أزوجهم). فخصهم من جملة العموم الأول. وهذا يقتضي أن يكون الإحصان شرطًا في الزوجات كما هو شرط في الأجنبيات. 24806 - قالوا: اللعان معنى يسقط موجب القذف، فاستوى فيه الحر والعبد كإقامة البينة بالزنا. 24807 - قلنا: اللعان عندنا موجب بالقذف، فإما أن يسقط به الموجب فلا. ولأن البينة إذا قامت فالزوج مشهود له وصفات المشهود له غير معتبرة في الشهادة. وإذا لاعن فهو الشاهد فوجب أن تعتبر صفاته كما تعتبر صفة الشاهد بالزنا، ثم نقلب. فنقول فشرط صحة القذف فيه الإسلام والحرية. أصله إقامة البينة. 24808 - قالوا: كل زوج صح طلاقه أو صح قذفه أو صحت يمينه صح لعانه. أصله الحر المسلم. 24809 - قلنا: اللعان لا يجوز اعتباره بالطلاق، بدلالة أن المختلة عندنا يلحقها الطلاق، ولا يلحقها اللعان، والصغيرة والمجنونة يلحقهما الطلاق دون اللعان. والمعنى في الحر المسلم أنه من أهل الشهادة على المسلمين. والعبد والكافر بخلافه. 24810 - قالوا: اللعان ثبت لضرورة حاجة الزوج إلى نفي النسب، فهذا المعنى موجود في العبد والكافر. 24811 - قلنا: اللعان حق المرأة تنفي به شين القذف عنها، ولهذا ثبت

بمطالبتها. فإن لم يكن لها ولد ثم يقذف الزوج يلاعن، ولا يقدر على نفي النسب فعلم أن اللعان وضع لما ذكرنا. 24812 - قالوا: تحالف في عقد فاستوى فيه العبد والحر كالتحالف في البيع. 24813 - قلنا: اللعان عندنا شهادة وليس تحالفًا، ولأن التحالف لا يختص بلفظ الشهادة واللعان لفظ يختص بالحاكم فلم يصح من العبد والكافر.

مسألة 1213 اللعان شهادة أو يمين

مسألة 1213 اللعان شهادة أو يمين 24814 - قال أصحابنا: اللعان شهادة أقيمت مقام [حلفهما بالله أكدت] باليمين. 24815 - وقال الشافعي: اللعان يمين. 24816 - لنا: قوله تعالى: (ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم). وقال: (ويدرؤا عنها العذاب أن تشهد) ولا يقال: فلما قال (فشهدة أحدهم أربع شهدت بالله) دل على أنه يمين لأن الشهادة لا تقف على ذكر الله. واليمين يكون بلفظ الشهادة. قال الله تعالى: (قالوا نشهد إنك لرسول الله). 24817 - قلنا: الشهادة وبدء الكلام مؤكدة باليمين قال الله تعالى: (فيقسمان بالله لشهدتنا أحق من شهدتهما) فإذا أكد اللعان باسم الله تعالى فقد بدل ما كانت الشهادة عليه،

وذلك لا يخرجه من أن يكون شهادة. ولأنه لفظ شهادة يختص بالحاكم كسائر الشهادات. ولأن حكم القذف يسقط به كالشهادة بزنا المقذوف. ولأن الحد لا يستوفي بالقذف الصحيح مع وجود البينة ولا يختص بلفظ الشهادة كسائر الشهادات وهذا الوصف على قول الشافعي. 24818 - ومن أصحابه من التزمه فقال: يصح اللعان بقوله أحلف وأقسم. وهذا مخالف للقرآن لأن الله تعالى قال: (فشهدة أحدهم) وقال: (ويدرؤا عنها العذاب أن تشهد) ومخالف للسنة لفضل النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه لاعن بين هلال بن أمية وبين امرأته بلفظ الشهادة ولو كان مخيرًا بين الألفاظ لبين ذلك لأنه لا يؤخر البيان عن وقت الحاجة. 24819 - احتجوا: بأن اللعان لو كان شهادة لم يصح من الأعمى والفاسق.

24820 - قلنا: الأعمى من أهل الشهادة، وتقبل شهادته عندنا في النسب والنكاح. وإنما لا تقبل فيما لا يتميز فيه المشهود عليه. وهذا المعنى لا يحتاج إليه في اللعان وأما الفاسق فهو من أهل الشهادة، بدلالة أن الفاسق لو شهد فردت شهادته ثم تاب فأداها تقبل وإن لم تكن الأولى شهادته قبلت الثانية. كذلك الكافر إذا شهد ثم أسلم فأعادها. ولو شهد الفاسق بالزنا لم يجب عليهم الحد، ولو لم يكن قوله شهادة حدوا كالعبيد ولو حكم حاكم بشهادة فاسق وهو لا يعلم بحاله ثم علم لم يفسخ عندنا حكمه. 24821 - فإن قيل: اللعان يجوز مع حكم الحاكم بفسقه فلو كان ذلك شهادة لم يجز مع العلم. 24822 - قلنا: الشهادة على غيره لا تقبل للتهمة وهاهنا غير متهم. فلذلك صحت شهادته مع العلم بفسقه. 24823 - قالوا: لو كان اللعان شهادة لم يصح من المرأة لأن شهادة النساء في الحدود لا تقبل.

24824 - قلنا: عندنا موجب القذف اللعان دون الحد، وأيضًا يصح هذا على أصلكم أن الحد يجب عليها بلعانه ويسقط بلعانها. ثم هذا لا يصح. لأن شهادة النساء لا تقبل في إيجاب الحدود وتقبل في إسقاطها. ألا ترى أن أربعة من الشهود لو شهدوا على امرأة بالزنا وشهد النساء أنها بكر درئ الحد عنها. 24825 - قالوا: لو كان اللعان شهادة كان على النساء من النصف على الرجال. وقد تساوى العدد عندنا في شهادة النساء والرجال، لأن شهادة المرأة الواحدة عندنا تقبل في الولادة، وكذلك شهادة الرجل الواحد. 24826 - ولأن العدد يكون على الضعف فيما يعتبر فيه العدد. واللعان لا عدد فيه. لا يصح من الرجل الواحد ولا يصح لامرأتين، فتلاعن غير المقذوفة. 24827 - فإن قيل: يجب أن يلاعن المرأة عشرة شهادات. 24828 - قلنا: الشهادة من المرأة الواحدة لا تخالف شهادة الرجل الواحد. وإنما يختلف عند الأشخاص فيها وقدمنا أن ذلك غير معتبر في اللعان. 24829 - احتجوا: بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما لاعن بين هلال بن أمية وبين امرأته، قال إن جاءت به أصيهب أريسح حمش الساقين فهو لهلال وإن جاءت به أورق جعدا جماليا خدلج الساقين سابع الأليتين فهو للذي رميت به فجاءت به على الصفة المكروهة، فقال - صلى الله عليه وسلم - لولا ما منعنا من الأيمان لكان لي ولها شأن. 24830 - قلنا: روي لما ما مضى من الشهادة وروي لولا ما مضى من كتاب

الله وإذا تعارض ذلك سقط التعرض به أو نقول إنها شهادة مؤكدة باليمين، فلذلك ذكر كل واحد من الأمرين. 24831 - قالوا: روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهلال بن أمية: (قم فاحلف). 24832 - قلنا: هذا اللفظ لا يعرف ولا يوجد فلو ثبت ما قالوه فلأن اللعان شهادة مؤكدة باليمين، والشهادة باليمين لا زجر فيها واليمين فيها معنى الزجر، فعبر بذلك ليقع الزجر دون غيره. 24833 - قالوا: لو كان شهادة لم يصح أن يشهد الزوج لنفسه. 24834 - قلنا: ولو كان يمينًا لم يجز أن يحلف ويستحق باليمين في القسامة ولكان عندكم. 24835 - قالوا: لو كان شهادة، لاعتبر فيه العدد. 24836 - قلنا: من الشهادات مالًا يعتبر فيه العدد كالشهادة بالولادة وبرؤية الهلال. ولأن العدد لا يمكن اعتباره؛ ألا ترى أنه عنى غير الزوج لا يلاعن، فجعل تكرار الشهادة فيه لعدد الشهود. وإذا ثبت أن اللعان شهادة والعبد والكافر ليسا من أهل الشهادة على المسلمين لم يتعلق اللعان بقذفهم.

مسألة 1214 حد القذف حق الله أم الآدمي

مسألة 1214 حد القذف حق الله أم الآدمي 24837 - قال أصحابنا: حد القذف حق لله تعالى والمطالبة له حق الآدمي. 24838 - وقال الشافعي: هو حق للآدمي يصح أن يبرأ منه ويعفو. 24839 - لنا: قوله تعالى: (فاجلدوهم ثمنين جلدة ولا تقبلوا لهم شهدة أبدا) فخاطب بالجلد من يتوقف عن قبول الشهادة، وهو الإمام، ولو كان حقًا للآدمي لم يقف استيفاؤه على الإمام. 24840 - فإن قيل: عندنا أنه لا حق للآدمي، لأن الاستيفاء إلى الإمام؛ فهذا هو الدليل، لأن حق الآدمي استيفاؤه إليه، وحقوق الله تعالى حق على الإمام. 24841 - قلنا: إنما كان الاستيفاء للإمام لأنه يختار سوطًا بي السوطين لا يكون جديدًا فيقتل، ولا خلقًا فلا يؤلم، ويفرق الضرب على الأعضاء. 24842 - قالوا: وكذلك نقول في القصاص/ إن الاستيفاء إلى الإمام ويخير الأولياء. 24843 - قلنا: لو قال: اضربني بهذا السوط وفرق الضرب لم يجز، وإن كان السوط

قدمه يعتبر .. قد يفرق، ورضي القاذف بفعل المقذوف وتشديده في الاستيفاء. 24844 - قالوا: اليمين للمدعي ولا يستوفيها إلا الحاكم. 24845 - قلنا: عندنا أن حكم حكمًا فيستحلف ويتعلق باليمين حكم ولأنها عقوبة يستوفيها الإمام فكانت حقًا لله تعالى كحد الزنا. 24846 - ولأنها عقوبة سميت حدًا في الشرع كحد الزنا، ولأنها عقوبة شرط فيه الإحصان وتنقص بالرق أو شرع تفرقها على الأعضاء كحد الزنا وشرب الخمر ولأنها عقوبة لا يجوز إسقاطها بعوض فكانت حقًا لله تعالى كالحد. ولأنها لو كانت حقًا للآدمي لسقط بالإذن في سببه كالإيلاء والمال والقصاص فلما لم تسقط بالإذن في سببه دل على أنه من حقوق الله تعالى. 24847 - فإن قالوا: يسقط بالإذن في القذف.

24848 - قلنا: أسباب الحقوق إذا أذن فيها الآدمي لم يسقط الحد كالزنا بالمطاوعة. 24849 - فإن قيل: القصاص يسقط بالإذن. 24850 - قلنا: لأن المقطوع قد يكون له عوض صحيح في الإذن، فلما جاز أن يقع الجرح متاحًا بالإذن، فأسقط العود فإذا ثبت أنه حق الله تعالى لم يصح العفو عنه ولأنه لا يصح العفو عن بعضه مع كونه مما يتبعض فلا يصح العفو عن جملته كالحد، ولأن كل عقوبة يجوز العفو عنها بغير عوض يجوز بعوض كالقصاص لم يصح العفو بعوض، فدل على أنه لا يصح له. 24851 - احتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (ألا إن حرمة أموالكم كحرمة أعراضكم). 24852 - قالوا: والمال من حقوق الآدميين كذلك العوض. 24853 - قلنا: هل العوض لحرمة الله تعالى أو الاجتماع في جهة واحدة؟. 24854 - قالوا: روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم كان إذا خرج من منزله قال اللهم إني قد تصدقت بعرضي على

عبادك) ولو كان لم يجب بهذا العرض حق من حقوق الله تعالى لم تصح الصدقة. 24855 - قلنا: أبو ضمضم لا يقذفه الناس بالزنا وإنما كان يتصدق بذكره بما دون القذف وذلك من حقوق الآدميين، ولأن القذف والمطالبة مما يجب به من حقوق الآدمي فيجوز [له] أن يتصدق بما يجب [له] من المطالبة. 24856 - قالوا: حق يجب استيفاؤه على مطالبة آدمي به فكان حقًا للآدمي كالديون. 24857 - قلنا: ينكسر هذا بحد السرقة فإن استيفاءه يقف على مطالبة بالمال والحق لله تعالى وهذا مسلم على مذهب الشافعي وإنما قال يجب القطع باعتراف السارق وإن لم يحضر المسروق منه، وهو غلط لأنه يجوز أن يكون المسروق منه يذكر شبهة تسقط القطع فلا يجوز إيجابه مع الشبهة ولأن حد القذف يقف على شرائط المقذوف، وتلك الشرائط لا تثبت إلا على خصم، منها: الحرية والإسلام والعقل فلم يكن بد من مطالبة الآدمي لتثبت الشرائط كما أن القطع يقف على مطالبة الآدمي بالمال لأنه شرط في القطع، ولا يصح ثبوته إلا بخصم. والمعنى في الأصل

أنه يجوز استيفاء بعضه دون بعض. ولما كان الحد لا يصح استيفاء بعضه مع إمكان إسقاط بعضه دل على أنه ليس لحق الآدمي، أو نقول المعنى في المال أن استيفاءه بعد ثبوته لا يقف على الإمام فكان حقًا للمستوفي والحد يقف استيفاؤه على الإمام فكان حقًا له. 24858 - قالوا: حق يجوز للحاكم أن يحكم فيه بعلمه كالأموال. 24859 - قلنا: سائر الحدود لا يقضي فيها بعلمه لأنه المطالب لها، فإذا قضى بعلمه فكأنه قضى لنفسه وهذا الحد يطالب به الآدمي، فإذا قضى بعلمه والقضاء وقع لغيره فيجوز القضاء. 24860 - قالوا: الشهود يشهدون بالزنا وهم الخصوم، فإذا جاز أن يكون الشاهد خصمًا جاز أن يكون القاضي خصمًا ويقضي بعلمه، كما تحوز شهادة الخصم. 24861 - قلنا: المعنى في قولنا: إن الشهود خصوم أن شهادتهم لا تفتقر إلى مدع فأما أن يكونوا خصومًا في الحقيقة فلا، وإنما الخصم هو الله تعالى والحاكم قائم مقامه فلا يقضي بعلمه فيما يثبت له استيفاؤه. 24862 - قالوا: وجوب حد القذف يعتبر فيه صفات المقذوف من الحرية

والإحصان، فدل على أنه من حقوقه. 24863 - قلنا: ويعتبر فيها صفات القاذف من العقل والبلوغ، وإن لم يكن من حقوقه، وحد الزنا يعتبر فيه صفات الزاني من الإحصان وعدمه وهو من حقوق الله تعالى، وكذلك يعتبر في حال السارق وحال المسروق. 24864 - قالوا: عقوبة لا يصح الرجوع عنها بعد الاعتراف بها كالقصاص وكحد الزنا والسرقة، ومنها ما يصح الرجوع عنها كالذي أقر بإتلاف ستارة الكعبة أو آلة المسجد، ومن أقر بأن عليه زكاة فلا يمنع أن يكون حد القذف لا يصح الرجوع فيه وإن كان من حقوق الله تعالى. 24865 - قالوا: هذه حقوق الآدميين. 24866 - قلنا: هذا يتقرب به إلى الله تعالى، ويتم القربة فيه غير أنه يتعلق به حق آدمي فدل أنه لحق الله تعالى والمعنى في القصاص أنه يجوز إسقاطه بعوض، فكان حقًا للآدمي ولما كان حد القذف عقوبة لا يصح العفو عنها بعوض دل على أنها من حقوق الله تعالى. 24867 - قالوا: ما وجب لإلحاق الشين بالغير كان من حقوقه كأرش الشجة. 24868 - قلنا: إذا زنى بمكرهة حد، لإلحاق الشين بها والحق لله تعالى، وإذا سرق مال غريه قطع [اليد] لإلحاق الشين بماله والحق لله تعالى.

24869 - قالوا: لو كان حقًا لله تعالى لم يسقط بموت المقذوف. 24870 - قلنا: لم يسقط عندنا وإنما سقطت المطالبة فتعذر الاستيفاء لعدم المطالب، وإذا ثبت أنه حق لله تعالى لم يصح العفو عنه.

مسألة 1215 حد القذف لا يورث

مسألة 1215 حد القذف لا يورث 24871 - قال أصحابنا: حد القذف لا يورث. 24872 - وقال الشافعي: يورث واختلف أصحابه فيمن يرثه. قال بعضهم: جميع الورثة. وقال بعضهم: العصبات، وقال بعضهم: من حصل بالقذف طعن في نسبه. واختلفوا إذا عفى بعضهم، فقال بعضهم لكل واحد أن يستوفي جميع الحد، ومنهم من قال: يستوفي الباقون مقدار حقهم، ومنهم من قال: يسقط جميع الحد بعفو الواحد كالقصاص. 24873 - [وهذه المسألة] مبنية على أن الحد حق الله تعالى، وهو حق باق فلا يورث حقوقه، ولأنه حد لا يورث كحد الزنا ولأنها عقوبة تجب لمعنى [يجب به] القدح في النسب كالزنا، ولأنه لو ورث جاز أن يستوفى بعد موته بغير إذن الإمام كالأموال، ولأنه لو انتقل إلى الورثة وهو ما يتبعض جاز لبعضهم أن يستوفي نصيبه خاصة مع إسقاط الباقين لحقوقهم كالأموال ولأنه حق ليس فيه معنى

المال والوثيقة كالشرط، ولأن الشين ينتقل إلى الورثة إذا حصل به عناء أو كان [مما] يدلي إلى ذلك، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: (إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة) ولأنه أحد موجب القذف فلا يؤثر كاللعان. 24874 - قالوا: نازعوا في الأصل. 24875 - قلنا: إنه سبب في الفرقة فلا يورث كالاختيار ولأنه لفظ شهادة يختص بالحاكم فورث بالشهادة كالديون. 24876 - احتجوا: بقوله تعالى: (ولكم نصف ما ترك أزوجكم). 24877 - قلنا: الحد ليس بمتروك عندنا. ولأنه تعالى ذكر الميراث فيما يتبعض وينقسم بين الورثة، وهذا لا يوجد في الحد. 24878 - احتجوا: بأنها عقوبة لا تتجزأ لإلحاق الشيء بالغير فيورث كالقصاص في الشجاج. 24879 - قلنا: يبطل بمن أكره على الزنا. والمعنى في الأصل أنه حق لا يزول إلى

المال. 24880 - قالوا: حق لا يصح الرجوع عنه بعد الاعتراف به فصار كمن قذف ميتًا. 24881 - قلنا: يبطل بالمضاربة والشركة لأن هناك ثبت الحق للوارث. 24882 - قالوا: هو حق ثبت ابتداء للميت فجاز أن يورث عنه. 24883 - قلنا: لا نسلم .... 24884 - فإن قيل: لو قذفهم لم يجب الحد إذا لم يكونوا محصنين. 24885 - قلنا: لأن القذف لم يصح، وإذا قذف الميت فقد قدح في نسبهم بقذف صحيح. 24886 - قالوا: وقذف أمه بزنا بعد ولادته يثبت الحد، وإن لم يقدح في نسبه. ولو قذف أباه أنه زنا الغرامة لم يقدح في نسبه.

24887 - قلنا: غلط من يقدح القذف في نسبه بزيادة يلحقه الشين بقذفه كما يلحقه بقذف نفسه.

مسألة 1216 قذف الأخرس

مسألة 1216 قذف الأخرس 24888 - قال أصحابنا: لا يصح قذف الأخرس ولا لعانه. فإن قذفها وهو صحيح ثم خرس لم يلاعن. 24889 - وقال الشافعي: يصح قذفه ولعانه. والدليل على أن قذفه لا يصح أن الإشارة قائمة مقام الصريح كالكناية ولأن أكثر أحوال الإشارة أنه يدل على الوطء الحرام من غير شبهة ولو نطق بهذا لم يكن قاذفًا/ كذلك إذا دلت عليه الإشارة أشار ثم قال لم أرد القذف بالزنا قبل منه، ولو كانت الإشارة محتملة فيصدق فيما يرى بها ولأنه قذف بغير نطق كالصحيح إذا أشار. 24890 - فإن قيل: لو أقر بقتل العمد اقتص منه، وإن كان يثبت بالكتابة. 24891 - قلنا: كان أبو بكر الرازي يقول إذا أقر بالقصاص لم يقتص منه

ويحمل ما قال في الجامع الصغير (ويقتص من الأخرس) على أن القتل ثبت منه فعل هذا الرسول لهم، ومنه أصحابنا من يسلك ذلك وقال: القصاص يجوز أن يقر بصريح اللفظ وما أجري مجرى الصريح لأن من قال ضربته بحديدة وأنا قاصد موته فالإشارة كاللفظ القائم مقام الصريح. 24892 - فإن قيل: إذا يجب بالقذف ولا احتمال فيه. 24893 - قلنا: لو كتب الصحيح لم يكن قذفًا ولولا الاحتمال قبل من الصحيح، ولأن القذف بالكتابة فرع على القذف بغيرها، فإذا دللنا على أنه قذفه لا يصح واللعان من حكم القذف الصحيح، والدليل على أن لعانه لا يصح أنه لا يوجد منه لفظ الشهادة فصار كالصحيح إذا قال أعلم ولأن الإشارة قائمة مقام الكلام فصار كقوله أعلم. ولأن شهادة الأخرس لا تصح عندنا، ومن ليس من أهل الشهادة لا يصح لعانه كالصبي. والدليل على أن شهادة الأخرس لا تصح قوله تعالى: (ممن ترضون من الشهداء) والأخرس ليس بمرضى، ولأن الإشارة محتملة فلا يصح الشهادة بها كاللفظ المحتمل وإذا ثبت هذا قلنا لفظ شهادة تختص بالحاكم

كالشهادة بالديون. 24894 - احتجوا: بقوله تعالى: (والذين يرمون أزوجهم). 24895 - قلنا: المراد به الرمي بصريح الزنا. وعندنا أنه لم يرمها بذلك، لأنه قال فشهادة أحدهم، والأخرس لا توجد منه الشهادة. 24896 - قالوا: كل زوج صح طلاقه صح قذفه أو صح لعانه كالناطق، وربما قالوا: زوج صح يمينه. 24897 - قلنا: الناطق يصح طلاقه لأن لعانه يصح فيجعل المعلول علة ولأن الطلاق يصح بالصريح وغير الصريح، والقذف لا يصح بغير الصريح فلم يعتبر أحدهما بالآخر ولأن المعنى في الناطق أنه وجد منه صريح القذف، والأخرس لم يوجد منه صريح القذف فصار كالناطق إذا قذف بالكتابة. 24898 - قالوا: به ضرورة إلى نفي نسب ولد وليس منه كالناطق. وربما قالوا إنه مأمور بأن ينفي عن نفسه نسبًأ ليس منه ويستحيل أن يؤمر بالنفي ولا يصح نفيه. 24899 - قلنا: الظاهر من حال المرأة العفة، وأنه كاذب عليها، وكيف نقول إنه مضطر إلى قذفها. وقولهم إنه مأمور بنفي النسب فإنه يؤمر بذلك إذا وجد منه النفي، فأما إذا عجز عن السبب لم يؤمر، ألا ترى أن الله تعالى نهى عن كتمان الشهادة، ومن لا تقبل شهادته نحو أن لا يشهد ولا يمنع من الكتمان لأنه لا فائدة في إظهاره.

24900 - قالوا: إشارة قائمة مقام النطق بدلالة البيع والنكاح والطلاق. 24901 - قلنا: هذه العقود ثبتت بالصريح والكناية، والإشارة تجري مجرى الكناية فقامت مقام النطق بدلالة البيع والنكاح، فلم يصح بالإشارة القائمة مقام الصريح.

مسألة 1217 إذا رمى زوجته بالزنا قبل التزويج

مسألة 1217 إذا رمى زوجته بالزنا قبل التزويج 24902 - قال أصحابنا: إذا رمى زوجته بالزنا قبل التزويج وجب عليه اللعان. 24903 - وقال الشافعي: وجب الحد واختلف أصحابه إذا قذفها بزنا قبل النكاح فزعم أنها ولدت في النكاح وأراد نفي الولد فقال: أبو هريرة يلاعنها وقال المروزي لا يلاعنها ويحد. 24904 - لنا: قوله تعالى: (والذين يرمون أزوجهم)، ولم يفصل ولا يقال إنه زنا وليست زوجته لأن الرمي اسم مشتق من فعل فيستحيل أن يكون راميًا قبل فعله، وهو إذا رمي في حال النكاح فكيف يقال إنه رماها قبل التزويج، ويدل عليه أن عويمر العجلاني قذف امرأته فلاعن النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما ولم يسئل عن الحال التي رماها بالزنا فيها فلو اختلف الحكم لفعل، ولأن كل زوج من أهل الشهادة إذا حقق

الزنا بالبينة حد فإذا لم يحققه لاعن. أصله إذا قذفها بزنا في الحال [ولأنه ألحق الشين بها في حال الزوجية، فصار كما لو قذفها في الحال] ولأن القذف الصحيح إذا وجد اعتبر حال ظهوره دون حال الإضافة. بدلالة أن ابن عشرين سنة إذا قال لابن خمسين سنة زنيت قبل ثلاثين سنة ولو اعتبر بحالة الإضافة استحال أن يكون قاذفًا قبل أن يخلق، ولا يلزم على هذا إذا قال: زنيت وأنت صغيرة، لأن هذا ليس بقذف صحيح لأن الصغيرة لا يكون منها الزنا فلا يجب الحد لهذا المعنى لأنا اعتبرنا حال الإضافة. 24905 - احتجوا: بقوله تعالى: (والذين يرمون المحصنت). 24906 - قلنا: آية اللعان متأخرة عن هذه الآية وهي خاصة فيقضى بها على العموم على أصل مخالفنا وعلى أصلنا إذا تأخر الخاص عن العام وجب نسخ بعضه فيقضى بالناسخ على المنسوخ. 24907 - قالوا: آية اللعان نزلت على سبب وهو قذف هلال بن أمية وذلك كان منها في حال الزوجية. 24908 - قلنا: المعتبر بعموم اللفظ دون خصوص السبب. 24909 - قالوا: ذاك إذا تجرد، فأما إذا عارضه عموم خرج على غير سبب وجب أن يقضى بما خرج على سبب على هذه. 24910 - قلنا: القضاء بالخاص على العام. وإنما أوجب عندكم لأنه أقوى في

تناول الحكم وبيانه. وهذا المعنى موجود وإن خرج على سبب. 24911 - قالوا: قذفها بزنا إضافة إلى حالة لا يلحقه الولد فوجب أن لا يكون له اللعان، كما لو قذف أجنبية ثم تزوجها. 24912 - قلنا: لو قذف من لا يكون منها ولد ولا ماسها أو رتقاء لاعن، فيبطل هذا الاعتبار. والمعنى في قذف الأجنبية أن قذفه لم يصادف الفراش، وفي مسألتنا صادف قذفه الفراش وهو من أهل اللعان. 24913 - قالوا: غير محتاج إلى اللعان، لأنه لا معرة عليه في ذلك الزنا، فصار كقاذف الأجنبية. 24914 - قلنا: اللعان حق المرأة، ولهذا تجب بمطالبتها فكيف يعتبر في ثبوته حال الزوج؟ ولأن الزوج يلحقه شين بزنا امرأته قبل أن يتزوجها وبعد أن يتزوجها فالحكم في الحالتين واحد، لأن قاذف الأجنبية لو كانت به حاجة إلى قذفها، مثل أن يكون ولدها وارثًا معه أو يحجبه لم يجب اللعان. 24915 - قالوا: من قذف شخصا بزنا مضافًا إلى حاله فالمعتبر بما يتعلق بذلك القذف على القاذف بحال إضافة الزنا لإيجاب ذكر الإضافة، بدليل أنه لو قال لمعتقته: زنيت وأنت أمه، ولمسلمة: زنيت وأنت نصرانية، ولبالغة: زنيت وأنت طفلة وجب الحد. 24916 - قلنا: إذا قذف المعتقة والمسلمة فعليه الحد في المسألتين لأنه قذف قذفًا صحيحًا، إذ الأمة والنصرانية قد يزنيان فوجب الحد اعتبارًا بحال القذف لا بحال الإضافة وأما إذا قال: زنيت وأنت صغيرة فالقذف لم يصح، لأن الصغيرة لا يكون منها الزنا، فلم يجب الحد لأن القذف لا يصح لما ذكره.

مسألة 1218 إذا أبان امرأته ثم قذفها بالزنا

مسألة 1218 إذا أبان امرأته ثم قذفها بالزنا 24917 - قال أصحابنا: إذا أبان امرأته ثم قذفها بالزنا حد. 24918 - وقال الشافعي: إن قذفها بزنا في حال النكاح، وهناك ولد تلاعنا ونفى الولد. 24919 - لنا: قوله تعالى: (والذين يرمون المحصنت ثم لم يأتوا) الآية ولم يفصل، ولأنه قذفها وليس بينهما نكاح فصارت كالأجنبية. ولأنه لو قذفها بغير ولد لم يلاعنها، كذلك إذا قذفها بإنكار ولد كأم ولده. ولأن اللعان سبب بقطع الفراش فلا يثبت بعد انقضاء العدة كالطلاق، ولأن اللعان وضع لقطع الفراش ونفي النسب على طريق التبع، بدلالة أن اللعان ثبت ولا ولد، وقد انقطع الفراش فلا معنى لإثبات اللعان. 24920 - احتجوا: بأنه قذف به حاجة إليه، فوجب أن يكون له تحقيقه باللعان، كما لو كانت زوجة. 24921 - قلنا: اللعان حق لها بدلالة ثبوته بمطالبتها، فلا معنى لاعتبار حاجة القاذف إليه، ولأنه إذا سكت عن النفي ثم بان أنه ليس منه فهو محتاج إلى القذف، كي ينتفى الولد. والمعنى في قاذف الزوجة أن قذفه [قد] صادف الفراش وهو من أهل الشهادة فكان موجبه اللعان. 24922 - قالوا: ولد يلحقه بغير رضاه فكان له سبيل إلى نفيه. أصله ولد الزوجة.

24923 - قلنا: مالا يلحقه القسم إذا لزمه بفعله لم ينفسخ. وإذا لزمه حكمًا بغير رضاه يجوز أنه لا ينفسخ كعتق ذوي الأرحام. ومعلوم أن النسب لو ثبت باعترافه لم يصح نفيه. وكذلك يجوز إذا لزمه حكمًا أن لا يصح نفيه، وتبطل هذه العلة إذا قذف زوجته فصدقته أو أقام [عليها] بينة بالزنا/ فإن قالوا: يلاعنها مع ذلك لم يصح لأنه يستحيل أن تقول أشهد أنه من الكاذبين فيما رماني به من الزنا، وهي تقر أنه صادق على أصلهم، وكذا الزوجة. والمعنى أنه لو قذفها بغير ولد لم يثبت اللعان. كذلك إذا قذفها بولد.

مسألة 1219 إذا قذف المرأة بالزنا ثم أبانها

مسألة 1219 إذا قذف المرأة بالزنا ثم أبانها 24924 - قال أصحابنا: إذا قذف امرأته بالزنا ثم أبانها سقط اللعان ولا حد. 24925 - وقال الشافعي: يلاعن سواء كان هناك ولد أو لم يكن. 24926 - لنا: أنه سبب للفرقة فلا يثبت حكمه بعد البينونة بانقضاء العدة لا التخيير. ولو خيرها ثم أبانها سقط حكم تخييرها ولأنها فرقة تختص بحضرة الحاكم فلا يثبت مع وجود وجه البينونة كفرقة العنة ولأنها أجنبية فيه بينه وبينها لعان كما لو قذفها قبل النكاح. 24927 - احتجوا: بقوله تعالى: (والذين يرمون أزوجهم). 24928 - قلنا: الآية بعد وجوب اللعان، وتلا ذلك الاستيفاء فقال: (فشهدة أحدهم) يعني أحد الزوجين وبعد الطلاق لأن لا زوجية فلم يوجد الشرط

بالاستيفاء. 24929 - قالوا: كل بينة سقط بها موجب القذف لا يعتبر حكمها بالبينونة كالشهادة. 24930 - قلنا: الشهادة تسقط بموجب القذف بكل حال، زوجة كانت المقذوفة أو أجنبية. فإذا أبانها صارت أجنبية فلم يغير حكم البينة، والكفارة لا تؤثر في حكم قذف الأجنبية، فإذا صادف أجنبية بالفرقة سقط حكم اللعان، وهذا جار على أصلنا أن الطارئ على الحدود يسقطها كالموجود في الابتداء، واللعان يوجب القذف وهو في حكم الحد. 24931 - قالوا: به ضرورة إلى نفي ولد ليس منه. 24932 - قلنا: اللعان ثبت هنا بغير ولد عنده، فلا معنى لاعتبار الضرورة في نسب الولد، ولأن القاضي هو الذي يقضي باللعان، فلو كان ثبت لضرورة الزوج وجب أن تثبت هذه الضرورة عند الحاكم. 24933 - قالوا: قذف صادف الزوجية فصار كما لو نفى النكاح. 24934 - قلنا: إذا نفى النكاح فالفراش باق وأسباب القذف يجوز إن ثبت مع بقاء الفراش ومتى بانت زال الفراش، فلا يثبت سبب الفرقة بعد زواله. 24935 - قالوا: هذا يؤدي إلى أن يقذف محصنة فيسقط حكم قذفها، ولا يجب به حد ولا اللعان. 24936 - قلنا: هذه مناقضة لأن عندهم أن اللعان يجب بقذفه لأنه يضطر

إلى قذفها حتى لا يلحقه ولد ليس منه، ولأنها أدخلت عليه المعرة فكيف يقال هاهنا إن اللعان من حقوق المرأة؟ فأما على قولنا فاللعان وضع لتتخلص من زوج يقذفها، وتتوصل إلى زوج لا يقذفها، وهذا المعنى قد حصل بالبينونة.

مسألة 1220 قذف المرأة المتزوج بها زواجا فاسدا

مسألة 1220 قذف المرأة المتزوج بها زواجًا فاسدًا 24937 - قال أصحابنا: إذا تزوج امرأة نكاحها فاسدًا ثم قذفها ثم لاعنها لم تحرم باللعان تحريمًا مؤبدًا. 24938 - وقال الشافعي: إن لم يكن نسب فلا لعان، وإن كان هناك نسب تلاعنا. وفيه وجهان. 24939 - لنا: أن الأصل وجوب الحد بقذف المحصنة، أو التعزير بقذف المحصنة خص من ذلك الزوج باللعان؛ فمن ليس بزوج على ما كان عليه ولأن اللعان موضوع لقطع الفراش فلا يثبت والنكاح الفاسد كالطلاق، ولأنه من خصائص النكاح كالطلاق والإيلاء والظهار، ولأنه تفريق يختص سببه بحضرة الحاكم كالفرقة

بالعنة ولأنه قذف لم يصادف الزوجية كقذف الأجنبية ولأن من أصلنا أن الموطوءة بنكاح فاسد لو قذفها أجنبي لم يحد واللعان أحد موجبي القذف كالحد. 24940 - احتجوا: بأنه فراش يتحقق به نسب ليس له نفيه بغير لعان، فوجب أن يكون له نفيه باللعان كالنكاح الصحيح. 24941 - قلنا: ولد أم الولد، فإن قالوا هناك يجوز نفيه عندنا بغير اللعان بأن يدعي فيه الاسترقاق ويحلف. 24942 - قلنا: النقض بالوطء بعد الاستبراء؛ فإن كان يدعي الاستبراء كاذبًا فكذلك في مسألتنا يجحد الولد فلا يثبت النسب، والمعنى في النكاح الصحيح، أن القذف لو كان بغير ولد ثبت اللعان، وكذا إذا كان بولد، وفي مسألتنا بخلافه. 24943 - قالوا: النسب في النكاح الصحيح أقوى من الفاسد، بدلالة أن الصحيح يثبت النسب بأنه كان للوطء ومضي مدة الحمل. وفي الفاسد لا يثبت إلا بالوطء، فإذا انتفى اللعان بالنسب الأقوى فالأضعف أولى. 24944 - قلنا: النسب ثبت في الصحيح والفاسد بالفراش لأن الفراش في الصحيح ثبت بالعقد وفي الفاسد بالوطء، ثم النسب في الفاسد أقوى عندنا، لأنه لا ينفى بحال، فلا نسلم ما ذكروه. 24945 - قالوا: به ضرورة إلى نفي ولد ليس منه. 24946 - قلنا: يبطل إذا سكت عن نفيه وهو لا يعلم أنه ليس منه ثم بان له،

والحاكم هو الذي يلاعن، وهذه الضرورة لا يعلمها.

مسألة 1221 قذفها بالوطء في الموضع المكروه

مسألة 1221 قذفها بالوطء في الموضع المكروه 24947 - قال أبو حنيفة: إذا قذفها بالوطء في الموضع المكروه لم يلاعنها. 24948 - قال الشافعي: يلاعنها. 24949 - لنا: أنه وطء لا يؤدي إلى اختلاط النسب، فالقذف به لا يوجب اللعان كما لو وطئ فيما دون الفرج. وهذه المسألة مبنية على أن هذا الوطء يتعلق به حد ولأنه يجب على الأجنبي إذا قذفها به الحد، كذلك اللعان. 24950 - احتجوا: بقوله تعالى: (والذين يرمون أزوجهم) 24951 - قلنا: أجمعنا على أن المراد به الرمي بالزنا فصار كالمذكور، ونحن لا نسلم أن هذا زنا. 24952 - قالوا: فرج تبتغي اللذة بالوطء فيه غالبًا كالفرج. 24953 - قلنا: المعنى هناك أن النسب يختلط بالوطء فيه فلا يوجد في غيره. 24954 - قالوا: أدخلت عليه المعرة فكان له قطع فراشها كالوطء في الفرج. 24955 - قلنا: قد بينا أن اللعان في الظاهر ثبت لحقها ولنفي الشين عنها ولهذا يقف على مطالبتها، فلم يصح ما قالوه. ولأن الشين الذي لحقها بالقذف متحقق والشين الذي أدخلته عليه فيه بدعواه لا يعلم فكيف تعلق الحكم بشين لم يثبت، ولا تعلق بشين ثابت معلوم.

مسألة 1222 إذا نفى حمل امرأته زاعما أن الحمل من الزنا

مسألة 1222 إذا نفى حمل امرأته زاعمًا أن الحمل من الزنا 24956 - قال أبو حنيفة: إذا نفى حمل امرأته لم يجب حد ولا لعان. وإن قذفها بالزنا وزعم أن الحمل من الزنا لاعن ولم ينتف نسب الولد. 24957 - وقال الشافعي: إذا قال هذا الحمل ليس مني لاعن ونفى القاضي. 24958 - لنا: أنه يحتمل أن يكون حملًا، ويحتمل أن يكون ريحًا. وإن علق القذف بنفي الحمل فكأنه قال إن كنت حاملًا من زنا، والقذف لا يصح تعليقه بالشرط ولأن الأحكام التي ينفرد بها الحمل لم تقف على ولادته حتى يثبت الدليل عليها باستحقاقه للميراث والوصية، فلو ثبت نفي النسب فيه تعلق بشرط، ونفي النسب لا يجوز تعليقه بالشروط ولأنه لا يملكه بالتمليك فلا ينفى نسبه باللعان، كما لو ولدته ميتًا ولأن العفو لا يصح عليه فلا ينتفي نسبه. دليله ما ذكرنا. 24959 - احتجوا: بما روي أن هلال بن أمية قذف أمرأته فلاعن النبي - صلى الله عليه وسلم - بينه وبينها ونفى حملها. 24960 - قلنا: لا دلالة في هذا الخبر لأنه قذف امرأته بصريح الزنا وذكر الحمل روى ذلك ابن مسعود، وابن عباس، وغيرهما وقال: الرجل يجد مع امرأته

رجلًا. فإن قتل قتلتموه وإن أبدى ذلك جلدتموه، وإن سكت أمسك على غيظ وروي أنه ابتلي بذلك فقذف امرأته بشريك بن سمحاء، وعندنا إنه إذا صرح بالقذف وذكر الحمل لاعنهما فأما احتجاجهم بنفي الولد فلا حجة فيه لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثبت وجوده بالوحي ولهذا قال إن جاءت به على صفة كذا فهو لهلال، وإن كان على صفة كذا فهو لشريك والمانع من نفي حسب الحمل أنا لا نتيقن وجوده وإذا علم بالوحي وجوده ثبت اللعان عليه. 24961 - وجواب آخر وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: إن جاءت به على صفة كذا فهو لهلال يدل على أنه لم ينتف نسبه، لأن النسب لو انتفى لم يعتد بوجود سببه. 24962 - قالوا: حالة يصلح استلحاق الولد فيها فيصح نفيه أصله. بعد الوضع. 24963 - قلنا: إذا استلحق الحمل وقف ثبوت نسبه على الولادة. فأما إن ثبت في الحال فلا. والتزام النسب يتعلق بالشرط، والقذف لا يتعلق بشرط. والمعنى فيما بعد الولادة أن الأحكام المختصة به يجوز أن تثبت له. 24964 - وقبل الولادة لا تثبت الأحكام المختصة قبل البيع والنكاح. كذا نفي النسب. 24965 - قالوا: كأن حاله أن يتعلق بالشروط. 24966 - قالوا: أحكام الحمل ما ثبت بالظاهر، بدلالة قوله تعالى: (وإن كن أولت حمل) وقال: (وأولت الأحمال أجلهن) وفرض في الدية الحوامل ويجوز

رد الحامل بالعيب لأجل الحمل. 24967 - قلنا: هذه الأحكام كلها يجوز أن تثبت بالظاهر، والقذف يسقط حكمه بالشبه فلا يجوز أن يثبت بالظاهر، لأن هذه الأحكام لا تختص بالحمل، وإنما تتعلق بحيوان موصوف بالحمل. 24968 - وأما الأحكام التي ينفرد بها الحمل فلا يثبت مثل الميراث والوصية والبيع والنكاح ونفي النسب حكم تنفرد به وهو معتبر بما ينفرد/ به دون غيره.

مسألة 1223 اللعان لا يختص بمكان ولا زمان

مسألة 1223 اللعان لا يختص بمكان ولا زمان 24969 - قال أصحابنا: اللعان لا يختص بزمان ولا مكان. 24970 - وقال الشافعي: يغلظ اللعان بالمكان والوقت وحضور جماعة. فأما المكان فإن كان بمكة فبين الركن والمقام، وإن كان بالمدينة فعلى منبر النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقال في موضع آخر عند المنبر، وأما الوقت فبعد العصر، وأما العدد فيحضر جماعة من الناس. 24971 - قال أصحابنا: هذا كله ليس بشرط، وإنما هو استحباب، فعلى هذا يسقط الخلاف لأن أصحابنا نفوا الوجوب. 24972 - [واحتجوا: بقوله] تعالى (فشهدة أحدهم) ولم يفصل ولأن اللعان إما أن يكون شهادة أو يمينًا، وأيهما كان لم يختص بزمان ولا مكان، ولأن اللعان ثبت بالفرقة كالطلاق والتخيير ولأنها فرقة يختص سببها بحضرة الحاكم كفرقة العنة. وأما إذا قالوا: إنه استحباب لم يمنع ذلك متى غلب على ظن القاضي إذا حلف يتعظم هذه الحرمة، وإن كان كاذبًا امتنع من اللعان. 24973 - قالوا احتجاجهم بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا عن على المنبر يدل على جواز اللعان في هذا الموضع ولا يدل على اختصاصه به. وقولهم أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (من حلف على يمين فاجرة على منبري هذا ولو على شوك إذخر فليتبوأ مقعده من النار) فيدل على

تعظيم اليمين الكاذبة في هذا الموضع ولا يدل أنه شرط. وقولهم أن الله تعالى قال في الحد: (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) واللعان أقيم مقام الحد لا يصح لأن الحد اعتبر فيه حضور طائفة من المؤمنين لا تقادح منهم وهم الشهود، فيعتبر في اللعان من يصح به أيضًا وهم الزوجان. وقولهم إنا نتيقن كذب أحدهما، لذلك غلط ويبطل بالمتداعيين في البيع إذا تحالفا.

مسألة 1224 لعان الحاكم وتفريقه

مسألة 1224 لعان الحاكم وتفريقه 24974 - قال أصحابنا: إن بدأ الحاكم بلعان المرأة وفرق وقعت الفرقة. 24975 - وقال الشافعي: لا يعتد بلعانها، ويأمرها الحاكم أن تعيد اللعان فإن حكم بجواز ذلك فسخ حكمه. والخلاف في هذه المسألة لا يتصور، لأن عندنا تقع الفرقة بتفريق الحاكم وعنده بلعان الزوج فإذا لاعن بعدها وفرق وقعت الفرقة بإجماع. وإن كان يقول إنني أفسخ حكمه في إيقاع الفرقة لم يصح. وإن قال إني أفسخ حكمه في إسقاط اللعان فهو غلط؛ لأنه حكم في موضع يسوغ فيه الاجتهاد، ولأن اللعان إن كانت شهادة لم يرتب، وإن كان يمينًا فالاجتهاد يسوغ في تقديم يمين كل واحد من المتداعيين على الآخر. فيقول هذا الحاكم إنما أعتذر من الشافعي لأني أثبت لعانهما وأسقطت الذي ثبت، والشافعي يقضي بلعان الزوجة في الميتة والمجنونة وترك التي تثبت في الشيء اليسير من الترك. فأما قولهم إنه حكم بخلاف القرآن لأن الله تعالى قال: (ويدرؤا عنها العذاب) فهذا يدل على وجوب عذاب يسقط بلعانها، وذلك لا يكون إلا بعد لعانه فليس بالصحيح لأن العذاب قد بينا أنه بما يحلقها من الشين بقذفه لها، وقولهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بدأ بالزوج في اللعان فقد دل ذلك على أنه أولى والكلام أنه إذا ترك الأولى هل يعتد باللعان أولًا؟ وقولهم إنه حكم بخلاف الإجماع غلط، لأن أبا حنيفة إذا شرع الاجتهاد لمن فعل هذا فقد قال به، وإن جعل غيره أولى منه. 24976 - قالوا: إن كان شهادة لم يصح قبل الدعوى وإن كان يمينًا لم يصح قبل

الاستخلاف. 24977 - قلنا: شهادة عندنا وقد تقدمت الدعوى بالقذف وحصل الاستشهاد بطلب اللعان.

مسألة 1225 وقوع الفرقة في اللعان

مسألة 1225 وقوع الفرقة في اللعان 24978 - قال أصحابنا: الفرقة في اللعان بلعانها. 24979 - وقال الشافعي: تقع الفرقة بلعان الزوج. 24980 - لنا: قوله تعالى: (والذين يرمون أزوجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهدة أحدهم) أحد الزوجين ثم قال: (ويدرؤا عنها العذاب) يعني عن الزوجة وهذا خلاف قولهم ويدل عليه ما روى مالك عن نافع عن ابن عمر أن رجلًا

لاعن امرأته في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وانتفى من ولدها ففرق - صلى الله عليه وسلم - بينهما وألحق الولد بالمرأة وفي السنن من حديث عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرق بين هلال بن أمية وبين امرأته بعد ما تلاعنا وبأن الولد لها ولا يدعى للأب وظاهر الخبر يقتضي أن التفرقة وقعت بفعله وأن النسب ينفى بفعله. وعند مخالفنا أن الفرقة تقدمت ونسب الولد ينفى عن الأب بلعانه. 24981 - فإن قيل: معناه أنه مضى الفرقة. 24982 - قلنا: هذا مجاز وحقيقة اللفظ تقتضي انه ابتدأ بالتفريق، وأولى ذلك أن يفرق المفرق. 24983 - فإن قيل: معناه فرق بينهما في المكان، لأنهما كانا في بيت واحد فلما وقعت الفرقة نقلها. 24984 - قلنا: المكان لم يجر له ذكر، وإنما جرى ذكر الزوجة، والتفريق ينصرف إليها. يبين ذلك أنه ذكر تفريقه وألزم الولد لها ونفاه عن أبيه، والتفريق الذي ينتفي معه الولد هو تفريق النكاح، ويدل عليه حديث سهل بن سعد الساعدي قال: لاعن

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين عويمر العجلاني وبين امرأته فلما التقيا قال كذبت عليها إن أمسكتها، هي طلاق ثلاثًا قال سهل: ففارقها قبل أن يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك. 24985 - وذكر أبو داود هذا الخبر عن أبي شهاب عن سهل بن سعد قال: فطلقها ثلاث تطليقات عند النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان ما صنع عند النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة فمضت السنة بعد في الملاعنين يفرق بينهما فلا يجتمعان أبدًا وجه الدلالة من هذا الخبر أن عويمرًا ظن أن النكاح باق ما وقع الطلاق ولم ينكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك، وقول الراوي: يفارقها قبل أن يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بفراقها، فدل أن الفرقة وقعت بالطلاق وإن لم يطلق أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالفرقة، وقوله تأييده النبي - صلى الله عليه وسلم - يقتضي إسناد النبي - صلى الله عليه وسلم - الطلاق وذلك لا يكون إلا في طلاق واقع، وقوله فمضت السنة بعد في المتلاعنين أن يفرق بينهما فدل على أن الفرقة تقع بالتفريق لا باللعان. 24986 - [فإن قيل] روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا سبيل لك عليها ونحن نعلم أنه لا يجوز أن يبين له أنه لا سبيل له لأجل الطلاق لأن هذا إنكار منه - صلى الله عليه وسلم - لإيقاع

الطلاق. 24987 - قلنا: هذه اللفظة لم ينقلها أبو داود ولا الدارقطني. ولو ثبت كانت ردًا لقوله كذبت عليها إن أمسكتها بما أخبر عليه الصلاة والسلام أن أمساكها لا يجوز، كاذبًا كان أو صادقًا. 24988 - وقد قيل: لا سبيل لك عليها في مطالبتها بالمهر، لأنه روى أنه قال: مالي فقال - صلى الله عليه وسلم -: (إن كنت صادقًا فبما استحللت من فرجها، وإن كنت كاذبًا فأولى) فعلى هذا قوله: لا سبيل لك يعني في مطالبتها بالمهر وقد قيل إن عويمرًا لم يطلقها لكن علق طلاقها بشرط وهو الإمساك، وقد أمسكها عقيب اليمين فوقع الطلاق، فبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الفرقة وقعت بالحنث، وأن البقاء على النكاح وهو الإمساك لا يجوز، وهذا معنى لم يعرفه عويمر ولأنها فرقة يختص سببها بحضرة الحاكم، فوجب أن لا تقع الفرقة بغير تفريق. أصله فرقة العنة. 24989 - فإن قيل: المعنى في فرقة العنة أنها تختلف فيها فوقعت على الحاكم. 24990 - قلنا: علة الأصل تبطل بالفرقة التي تقع فأريد ذلك، وحيث إنها مختلف فيها ولا تقف على الحاكم. ولأن هذه الفرقة إن اتفق عليها فقد اختلف في المعنى الذي تقع به، فصار اختلافهم في المعنى تقع الفرقة به، وترك اختلافهم في نفس الفرقة.

24991 - قالوا: المعنى في فرقة العنة أنها تفتقر إلى المطالبة فكانت أبقاها، وهذه الفرقة لا تحتاج إلى مطالبة فكانت تنفيذًا. 24992 - قلنا: فرقة اللعان وإن لم يطالب بها فإن المطالبة واقعة بسببها، وإنما فارقت فرقة العنة لأن الفرقة من العنة من حقوق الآدمي، فاعتبر مطالبته، والفرقة ها هنا من حقوق الله تعالى وشأنها من حقوق الآدميين، فتعتبر المطالبة بالسبب دون المسبب، كما تعتبر المطالبة في السرقة بالمال الذي هو حق الآدمي، ولا تعبر المطالبة بالقطع الذي هو حق لله تعالى. وحد القذف لما كان حقًا لآدمي متعلقًا بنفس الحد اعتبرت المطالبة بنفس الحد. 24993 - قالوا: المعنى في العنة أن كون إقرارهما على بعد سببها، ولما لم يجز الإقرار/ على النكاح بعد اللعن وقعت الفرقة من غير إيقاع. 24994 - قلنا: يبطل إذا أسلمت امرأة الكافر فإنهما لا يقران على النكاح، ولا تقع الفرقة إلا بمعنى حادث عندنا وهو تفريق الحاكم. وعندهم مضي الحيض. 24995 - فإن قالوا: يجوز الإقرار على النكاح إذا لم يسلم. 24996 - قلنا: وكذلك هناك يقر على النكاح إذا أكذب نفسه أو زنت المرأة، ولأنه لفظ شهادة يختص بالحاكم والحكم المتعلق به يختص بالحاكم. أصله سائر الشهادات، ولأن اللعان قول من قبل الزوج لو حصل بغير حضرة الحاكم لم تقع الفرقة، فإذا حصل بحضرة القاضي لم تقع الفرقة أيضًا كسائر الأقوال ولأنا دللنا على أن البينونة تمنع فلو وقعت بلعان الزوج سقط لعان المرأة، فلما صح لعانها دل على أن الفرقة لم تقع. 24997 - احتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (المتلاعنان لا يجتمعان أبدًا). 24998 - قلنا: هذا دليل عليكم لأن النهي عن الاجتماع يقتضي وجود الاجتماع؛ إذ النهي لا يصح عما لا يتصور وجوده، ولأن الخبر يقتضي أن لعانها إذا حصل لم

يجتمعا، فدليله قولهم أن يجتمعا بعد لعان أحدهما، فيصير دلالة لنا دون ما قالوا: المتلاعنان حقيقة حال التشاغل باللعان فأما إذا فرغا منه يقال كانا متلاعنين، فدل على أن الفرقة تقع حال لعانهما، وهذا على قولنا المتلاعنان المتشاغلان، فإذا لاعن أحدهما فالاسم لا يوجد وتقع الفرقة عندكم في حال تناولها الاسم مجازًا فبطل اعتبار الحقيقة. 24999 - قالوا: روي أن عويمرًا لما لاعن أربع مرات أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - من وضع يده على فيه فقال: إنها الموجبة فدل أنها الموجبة للفرقة. 25000 - قلنا: بل هي موجبة للعان المرأة وعند مخالفنا للحد عليها تبين ذلك أنها لما لاعنت قال لها في الخامسة إنها موجبة. وعندهم أن الفرقة لا تقع بلعانها فكل من حملوا عليه اللفظ في لعانها فهو جوابنا في لعان الزوج. 25001 - قالوا: فرقة تجردت عن عرض لا تنفرد بها الزوجة فوجب أن ينفرد بها الزوج كالطلاق. 25002 - قلنا: يبطل بفرقة العنة وفرقة الإعسار على قولهم. ثم عندهم لا ينفرد الزوج بهذه الفرقة، وإنما تقع عقيب لعانه من طريق الحكم. وإنما يقال: انفرد بها إذا وقعت على فعله، والمعنى في الطلاق أن سببه لا يختص بالحاكم فلم يقف التفريق عليه واللعان يختص بحضرة الحاكم، فالفرقة الموجبة تقف عليه كفرقة العنة. 25003 - قالوا: معنى يمنع إقرارهما على النكاح فوجب أن تقع به الفرقة دون حكم الحاكم. أصله الطلاق والردة والرضاع وملك أحد الزوجين قيل: لإقرار المرأة.

25004 - فإن قالوا: يجوز الإقرار إذا أسلم. 25005 - قلنا: وكذلك نقول هاهنا إنه يجوز إذا أكذب نفسه، والمعنى في جميع ما ذكروه أن الفرقة لو وقعت به بحضرة الحاكم وقعت به بغير حضرته، ولما لم تقع الفرقة في اللعان إذا حصل بغير حضور الحاكم كذلك إذا حصل بحضرته. 25006 - قالوا: قول يمنع إقرار أحد الزوجين على الزوجية فوجب أن يكون حكم الحاكم تنفيذًا لا إيقاعًا كالشهادة على الطلاق والإقرار. 25007 - قلنا: لا نسلم أنه يمنع الإقرار على ما بينا ولا يمنع أن نمنع الإقرار، ويقف زوال النكاح على حكم، كما أن المشتري لا يقر على الشركة بحق الشفيع، ولا ينقل النكاح وزوال ذلك الملك يقف على معنى يحدث، وكذلك ولد النصراني إذا أسلم. 25008 - قالوا: يدل على أن لعان المرأة لا مدخل له في نفي النسب أن الزوج يدعي التفريق يحققه باللعان، والمرأة تدعي ثبوت النسب وتلاعن على ضد ما يلاعن الزوج عليه، فإذا كانت يمينها على ثبوت النسب لم يكن سببًا في نفيه. 25009 - قلنا: لعانها ليس سببًا لقطع الفراش، ومن أحكام قطعه نفي النسب الثابت به. ولأن كل واحد من المتابعين إذا اختلفا يختلف على إثبات العقد بصفة ينفيها الآخر ثم يفسخ البيع بتحالفهما كذلك هاهنا يلاعن على إثبات ما ينفيه ثم ينفسخ العقد وتنتفي أحكامه. 25010 - قالوا: المعتبر في النفي بقول الزوج، بدلالة أنه لو اعترف ونفته ثبت. ولو نفاه وادعته انتفى. ولو عاد فأقر به بعد نفيه ثبت. 25011 - قلنا: نفي الزوج لا ينفي النسب به لأنها تنفيه عن غيرها ولا يثبت باعترافها، لأنها تلزم غيرها حقًا وإن اجتمعا على النفي لم يؤثر، لأن ثبوت النسب حق للولد فلا يقبل قولها عليه.

مسألة 1226 هل الفرقة في اللعان فسخ أم طلاق

مسألة 1226 هل الفرقة في اللعان فسخ أم طلاق 25012 - قال أبو حنيفة ومحمد: فرقة اللعان طلاق. 25013 - وقال الشافعي: فسخ. 25014 - لنا: أنها فرقة تتعلق من جهة الزوج بطارئ على النكاح يختص به، فكان طلاقًا لقوله أنت طالق. 25015 - فإن قيل: لا يسلم أنها تتعلق بسبب من جهة الزوج، بل تتعلق بسبب من جهة الزوجين والحاكم. 25016 - قلنا: الفرقة تتلعق باللعان الموجب بالقذف، وهو سبب من جهة الزوج وأيضًا لعان المرأة لا يمنع كون السبب من جهته كما لو قال: إن دخلت الدار فأنت طالق فالسبب من جهته وإن اعتبر انضمام معنى آخر هو فعلها. 25017 - فإن قالوا: لا نسلم أنه يختص بالنكاح في الأصل ولا في الفرع فيثبت

اللعان عندنا في غير النكاح إذا كانت موطوءة بشبهة وفي الأصل يقع به العتق إذا نوى. 25018 - قلنا: التعليل يغير النكاح يختص بالنكاح لأنه لا يتم إلا بين الزوجين، ولأن اللعان لا يصح إلا في النكاح، والشبهة باليمين هي شبهة النكاح فالاختصاص من هذا الوجه. 25019 - فأما وقوع العتق به فذلك لا يمنع أن يختص بالنكاح وإنما يعتبر به عندهم بعد العقد، فأما أن يقع الطلاق من غير نكاح فلا. 25020 - فإن قيل: فالمعنى في الطلاق أنه يقف على إيقاع الزوج أو من يقوم مقامه. 25021 - قلنا: وكذلك فرقة اللعان تقف على الحاكم وهو قائم مقامه، ولو واقعها الزوج فطلقها [...] عندنا 25022 - قالوا: المعنى في الطلاق أنه عزيمة ترتفع بإضافة الزوج. 25023 - قلنا: فرقة اللعان لا عود فيها، فلا تقبل الإضافة ولا ترتفع بالعقد، لأن المعنى الموجب للتحريم فيها زوال الملك، وذلك يرتفع بالعقد. ولا يلزم العود في

العدة في الردة. 25024 - قلنا: لا يختص بالنكاح فإن الأحكام تتعلق بالردة في النكاح وغيره، ولا يلزم خيار البلوغ لأن ذلك لا يختص بالنكاح بل تثبت في الإجارة، كما إذا أجر الولي الصغير ثم بلغ، ولأنها فرقة تشترك الزوجات في سببها، ولا توجب تحريمًا مؤبدًا كالخلع. وإذا ثبت بيان أن التحريم لا يتأبد ثبت أنها طلاق. 25025 - احتجوا: بما روى ابن عباس في قصة هلال بن أمية إلى أن قال: وفرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهما وقضى أن لا يدعى ولدها لأب ولا يرمى ولدها فمن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد. 25026 - وقضى أن لا يثبت لها نفقة ولا سكنى، من أجل أنهما مفترقان من غير

طلاق ولا هي متوفى عنها زوجها. 25027 - قلنا: هذا الخبر على هذا الوجه ذكره أبو داود وقوله من أجل أنهما مفترقان بغير طلاق ليس من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأن سقوط النفقة والسكنة لا يعلل بأن الفرقة بغير طلاق. 25028 - فإن قيل: قول ابن عباس مقدم على القياس. 25029 - قلنا: لا نعلم أيضًا أن التعليل من قوله ويجوز أن يكون من قول عكرمة وقول الصحابي يقدم على القياس إذا لم يعرف له مخالف وقد اختلف السلف في فرقة اللعان هل توجب تحريمًا مؤبدًا أم لا؟ 25030 - قالوا: فرقة توجب تحريم عقد النكاح، ولا يزول بإصابة الزوج، فوجب أن لا يكون طلاقًا قياسًا على الرضاع. 25031 - قلنا: إصابة الزوج تؤثر في الفرقة متى استوفى بها عدد الطلاق. وهذه الفرقة طلاق بائن، ولا يرتفع التحريم بالإصابة، وإنما يرتفع بزوال ما أوجب التحريم ففي الطلاق وقع التحريم بزوال الملك فيحل الملك فلابد من زوال حكمها حتى يزول التحريم والمعنى في تحريم النكاح أنه لا يختص بالرضاع

25032 - قالوا: فرقة لا يقف وقوعها على إيقاع الزوج ولا ينوب عنه، فوجب أن لا يكون طلاقًا. أصله فرقة الطلاق والردة. 25033 - قلنا: الفرقة لا تقف على إيقاعه، لكنها تقف على سبب من جهتها، ولكن تختص النكاح، فهو كتخييره لامرأته.

مسألة 1227 إذا قال كل واحد من الزوجين ثلاث ألفاظ وفرق القاضي

مسألة 1227 إذا قال كل واحد من الزوجين ثلاث ألفاظ وفرق القاضي 25034 - قال أصحابنا: إذا قال كل واحد من الزوجين ثلاث ألفاظ للعان وفرق القاضي وقعت الفرقة. 25035 - وقال الشافعي: لا تقع. 25036 - لنا: أن المجتهد في هذه المسألة لا يخالف حكمه نصًا من الإجماع، لأن الله تعالى ذكر اللعان ولم ينص على موضع الفرقة. 25037 - ولهذا اختلف فيها؛ فمنهم من قال: تقع بلعان الزوج ومنهم من قال بلعانها أما مخالفة الإجماع فلا! 25038 - لنا: ما قال أبو حنيفة من وقوع الفرقة بحكمه ولم ينعقد إجماع في مخالفته. ومن اجتهد ولم يخالف نصًا ولا إجماعًا لم ينقض حكمه لأن المقصود من تكرار الواحد اللعان أن يستعظم الحرمة فيرجع إن كان كاذبًا، وهذا موجود في ثلاث مرات، ولأن ألفاظ/ الشهادة قد اعتبر تكرارها أربع مرات يجوز أن يجتهد فيها، فيلحق اللعان بعددها. ونقول قد يقام الأكثر في الأصول مقام الجميع بدلالة أن أكثر الركعة

تقوم في حق المدرك مقام جميعها وأكثر أركان الحج إذا فعلها لم يفسد حجه وقد وجد تكرار الأكثر، ولا معنى لقولهم إن أكثر أعضاء الطهارة لا يقوم مقام جميعها لأنا لم ندع أن هذا في الأصول، ولكن قلنا نحكم بما له نظير من الأصول حيث تحقق المعنى الذي قام به الأكثر مقام الكل، ولم يوجد هذا في أعضاء الطهارة. 25039 - احتجوا: بأن الله تعالى قال: (فشهدة أحدهم أربع شهدت بالله) (والخمسة أن لعنت الله عليه) فأخرجه من حكم القذف بهذا العدد فمن زعم أنه خرج منه بأقل منه فقد خالف النص. 25040 - قلنا: هذا الحاكم يقول أنا لا أخرجه من حكم القذف بإثبات العدد بل أفرق ثم أتمم العدد، فأخرجته من حكم القذف بكون الزوج ينفرد باللعان، فيخرج من حكم القذف بلعانه خاصة، والله تعالى أسقط حكم القذف بلعانهما فلم يسغ لك هذه المخالفة ولم يسغ لي. 25041 - قالوا: لاعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الزوجين بالتحليف عشر مرات. 25042 - قلنا: هذا الحاكم يقول أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل أحد الجائزين، وذلك لا يمنع من الآخر.

25043 - قالوا: إنما يسوغ الاجتهاد إذ فعل القاضي ما اختلف فيه وقد أجمعنا أنه لا يجوز أن يفرق. 25044 - قلنا: أبو حنيفة لا يقول هذا، بل يقول لا يجوز له هذا في اجتهادي ولأن أبا حنيفة إذا نفذ حكمه فقال: لا ينبغي أن يفعل ذلك فكأنه قال بجواز الأمرين، وأحدهما أولى من الآخر. 25045 - قالوا: معنى ذو عدد يتخلص به الزوج من قذفه، فإذا حكم الحاكم بدون ذلك العدد لم ينفذ حكمه فيه كما لو أقام عليها ثلاثة من الشهود 25046 - قلنا: نقلب فلا يتقدر العود فيه بمجيئه، أصله الكتابة. ولأن المقصود من كل عدد الشهود ما يحصل من غالب الظن لهم. 25047 - قلنا: ذلك لا يقوم مقام الجميع، والمقصود بالعدد في اللعان استعظام الزوج لتكراره، وهذا يوجد في أكثره.

مسألة 1228 لو قذف زوجته بأجنبي سماه

مسألة 1228 لو قذف زوجته بأجنبي سماه 25048 - قال أصحابنا: إذا قذف زوجته بأجنبي لاعنها وحدها، وحد للأجنبي إن طلب الحد. 25049 - وقال الشافعي: في أحد قوليه يجب عليه حد واحد لهما ويسقط بلعانها، وفي القول الآخر يجب حد واحد، ويسقط باللعان إذا ذكر الأجنبي في لعانها. 25050 - وإن أغفل ذكر الأجنبي في اللعان، ثم ذكره قال في الأم: يستأنف اللعان له وإلا أقيم عليه الحد. 25051 - وقال في الإملاء وأحكام القرآن سقط حقه تبعًا لحقها. 25052 - لنا: قوله تعالى: (والذين يرمون المحصنت) وقد أجمعوا أن قذف المحصنين مراد فكأنه قال: (والذين يرمون المحصنت) بالمحصنين: فاجلدوهم ولم يفصل. 25053 - فإن قيل: المراد بالآية المحصن والمحصنة الذي يجب الحد بقذفهما. 25054 - قلنا: الآية نزلت وقذف الزوجة يجب به الحد، ثم نسخ فيها ذلك باللعان فبقى الأجنبي على الظاهر ولأن اللعان إذا كان حدًا فهو من غير الجلد والحد، وأن المختلفين لا يتداخلان وإن كان من غير جنس الحد فأولى أن لا يسقط

باستئنافه، ولأن عندكم إذا قذف جماعة لم تتداخل الحدود وإن كان من جنس واحد فأولى أن لا يتداخل. ولأنه قذف أجنبيًا فلم يسقط حكم قذفه باللعان كما لو أفرده ولأنه قذف لم يصادف الفراش كما لو انفرد ولا يقال للأجنبي إذا أفرد فلا حاجة له في قذفه وها هنا به حاجة إلى ذكره ليدخل عليه الشين كما دخل عليه في شبه الولد كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 25055 - قلنا: هو غير مصدق على الأجنبي حتى يقابله في إلحاق الشين وشبه الولد لا يتعلق به حكم، وإنما ذكره عليه الصلاة والسلام لأنه علمه بالوحي، وذلك لا يوجد في غيره. 25056 - احتجوا: بقوله تعالى: (والذين يرمون أزوجهم) ولم يفصل بين أن سمى الزاني أو سكت عنه. 25057 - قلنا: بين حكم الزوجة وسكت عن حكم الأجنبية لأنه بين بالآية الأخرى. 25058 - قالوا: هلال بن أمية قذف زوجته بشريك بن السمحاء ولاعن النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما ولم يبين حد المقذوف. 25059 - قلنا: [لأنه لو كان يجبره بالترهيب لفرض عندنا. 25060 - قالوا: يجب بفرض التعزير. 25061 - قلنا]: لم ينقل أنه حضر أو طلب فلم يلزم عليه السلام ذلك. 25062 - قالوا: كان يجب أن يبين له ما يستحق من التعزير، كما أنه قال في قصة

العسيب: (واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها ومعلوم أنه أمر بالستر في الحدود ولا يجوز أن يبحث عنها فعلم أنه أراد أن يبين لها حكم قذفها. 25063 - قلنا: النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا ادعى عنده الزنا وجب عليه أن ينظر في الدعوى لأنه هو الخصم وإذا حضر الشهود أحضر المشهود عليه وإنما المسمى حين لا يدفع إليه عليه أن يأتمر بالشيء بعد الترافع إلى الولي. 25064 - قالوا: حكم يجب صدوره في أحد طرفي الزنا، فوجب أن يسقط في القذفة الأخرى، مثل الشهادة. 25065 - قلنا: لا نسلم أن اللعان يوجب صدقه، وإنما يوجب قذفه، ثم المعنى في الشهادة أن البينة لا تلحقها تهمة في حق الأجنبي فأسقطت القذف في حق الزوج ولا يتهم في حق زوجته فأسقط لعانه وقذفها ومتهم في حق الأجنبي فلم يسقط باللعان، كما لا يسقط إذا انفرد 25066 - قالوا: به حاجة إلى قذفه حتى يدخل عليه الشين وتلحق الشبهة به إن ولدت، فصار كقذفه لامرأته. 25067 - قلنا: لا حاجة إلى قذف امرأته ولا إلى قذف الأجنبي وإنما لم يجب الحد بقذفها ليس للحاجة، وإنما لأنه لا يتهم بالقذف؛ إذ يلحقه الشين، وأن سبب العقوبة إذا صادف ملك الإنسان منع منها. فأما لما قالوا فلا، ولأنا بينا أن الأجنبي لا يلحقه شين ولا يتعلق بالشبه حكم، فيسقط هذا الكلام.

مسألة 1229 تحريم اللعان بائن أم مؤبد

مسألة 1229 تحريم اللعان بائن أم مؤبد 25068 - فقال أبو حنيفة ومحمد: تحريم اللعان لا يتأبد فإذا أكذب الملاعن نفسه جاز أن يتزوجها وكذلك إذا حُد من القذف بحضرة القاضي فلا يوجب تحريمًا مؤبدًا. 25069 - [وقال الشافعي: تحريم مؤبد] 25070 - أصله: فرقة العنة، ولأنها فرقة تتعلق بسبب يشترك فيه الزوجان فأشبه الخلع، ولأنها فرقة لدفع ضرر كفرقة الإيلاء، ولأنها فرقة وقعت بين الزوجين بالقول فوجب أن لا تقع به حرمة مؤبدة كالطلاق والردة. ويلزم حرمة المصاهرة، لأنها لا تكون بين الزوجين وإنما تكون بين الزوج وأم المرأة وبنتها. ولا يلزم عليه إذا أقر برضاع لأن التحريم لا يتعلق بالقول، وإنما يتعلق بالفعل الذي حكاه بالقول، لأن التحريم في إرضاع لم يعلم إلا بالقول لم يتأبد، لأنهم لو تصادقا أنهما كذبا أو غلطا جاز أن يتزوجها. 25071 - فإن قيل: المعنى في الطلاق أن من نوعه ما لا يجب بالعقد، وكذلك إذا أبرم العقد لم يتأبد وليس كذلك اللعان لأنه ليس منه إلا ما يقطع النكاح ونحوه من العقد فلذلك يتأبد التحريم.

25072 - قلنا: الطلاق إذا استوفى الثلاث أوجب تحريم العقد، وإنما من نوعه ما لا يكمل فلا يحرمه، كذلك اللعان إذا كمل حرم العقد فإن لم يكمل لم تجب الفرقة فلا يتصور أن يحرم العقد. 25073 - قالوا: المعنى في الفرقة بالعنة والإيلاء والردة أنه ليس من نوع هذه الفرقة ما يحرم العقد فكيف يوصف بتأبيد التحريم، ولما كان اللعان يقطع العقد [ويحرم ابتداء النكاح حرمه على التأبيد. 25074 - قلنا: يبطل بالردة فإنها تقطع العقد] وتحرم الابتداء ولا يتأبد التحريم فكذلك الآخر. 25075 - قالوا: النسب حق يُقر به على نفسه، فلزمه باعترافه وليس كذلك التحريم لأنه حق عليه فلم يكن إسقاطه بقوله. 25076 - قلنا: لا يسقط بقوله عندنا وإنما يسقط من طريق الحكم إذا جعلنا شهادته قذفًا. ولأن النسب لا يثبت لأنه حق اعترف به على نفسه لكن تكذيبه لنفسه أسقط حكم لعانه، فعاد النسب، بدلالة أن من أقر بنسب ولد لا يعرف نسبه لم يثبته إلا بالتصديق، وإن اعترف بحق على نفسه، فلو كان كذلك هاهنا وقف على التصديق. 25077 - احتجوا: بما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للعجلاني: (لا سبيل لك عليها). وهذا عام في جميع الأحوال.

25078 - قلنا: لأنه طلقها ثلاثًا له عليها حتى تتزوج ويطلقها وتنقضي عدتها. والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال للعجلاني: (كذبت عليها) فبين النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يمنع الإمساك الذي ذكره عويمر، وهذا كما يقال: لا سبيل لك على ذات زوج/ ولا سبيل لك على مال زيد، وعلى المجوسية. 25079 - وروي عن سهل بن سعد الساعدي أنه قال: مضت السنة من المتلاعنين أن لا يجتمعا أبدًا. 25080 - قلنا: المتلاعنان في الحقيقة المتشاغلان باللعان. فأما بعد نقضي الفعل فيتناول المتلاعنين مجازًا فيما يصح أن ينفي أحكامه كالمتبايعين والمؤاجرين. والذي يبين أنه لم يبق له حكم أن حكم اللعان إذا بقي لم يجلد اللاعن، ثبت النسب أم لم يثبت. وجلد الزوج على أن الحكم زال ومتى تقضي الفعل ولم يبق هناك حكم لم يتناولهما اسم المتلاعنين لهما حقيقة ولا مجازًا. يبين ذلك أن راوي هذا اللفظ سعيد ابن جبير وقال: إنه إذا أكذب نفسه جاز أن يتزوجها وكذلك قال الزهري وهو راوي الخبر وما رواه عن عمر، وعلي، وابن مسعود فلفظه هذا الخبر والكلام عليه ما قدمنا.

25081 - قالوا: نوع فرقة ليس منها إلا ما يقطع العقد بعد الدخول. 25082 - قلنا: يقطع إذا انضم إليها معنى الحيض، وكذلك اللعان عندنا لا يقطع حتى ينضم إليه حكم الحاكم. والمعنى في الرضاع أنه لا يختص النكاح بل يجوز أن يتقدمه. ولما كانت هذه الفرقة تختص بالنكاح ولا تتقدم عليه صارت كفرقة الطلاق والخلع والعنة والإيلاء. 25083 - قالوا: تحريم عقد لا يرتفع بغير تكذيب ولا يرتفع بهما تحريم المصاهرة. 25084 - قلنا: الوصف غير مسلم لأن التحريم عندنا يرتفع من غير تكذيب، وجلد، إذا حدت في قذف أو زنت. والمعنى في المصاهرة أنه معنى يحصل في غيرها فيسري من حكم الحرمة المؤبدة أن لا يختص، ويوجد معنى في غيرها بتحريمها لوطء الأم، أو يوجد فيها الحرمة فيسري منها إلى أمها وبنتها كالرضاع ولما كانت هذه الحرمة تختصها ولا يسري منها علم أنها غير مؤبدة كحرمة الطلاق. 25085 - قالوا: التحريم في النكاح على أربعة أضرب أحدها: يرتفع من غير عقد كتحريم الطلاق الرجعي، والآخر: يرتفع بعقد كتحريم الخلع، والثالث: يرتفع بالزوج وإصابته كالطلاق الثلاث، وتحريم مؤبد كتحريم الرضاع فلما كان التحريم في مسألتنا لا يرتفع بالوجوه الثلاث فهذا لا يصح لأن من خص مواضع الإجماع وزعم أن الحاكم

لا ينفذ لها فقد غلط في الاستدلال، بل الحكم يجوز أن يتجاوز موضع الإجماع بقيام الدلالة. ولأن الخلق إنما أوجب الحرمة لزوال الملك، والعقد يفيد الملك فأزال الحرمة كذلك في مسألتنا: الحرمة حصلت باللسان، فإذا أكذب نفسه وحد صارت شهادته قذفًا فزال حكم اللعان وزال التحريم. 25086 - قالوا: محرم عليه بفرقة اللعان فلا يجوز أن يتزوجها كما قبل الإكذاب. 25087 - قلنا: المعنى هناك أن حكم اللعان تخلله بدلالة أن شهادته لم تصر قذفًا ولم يتغير حالها، وفي مسألتنا صارت شهادته قذفًا فسقط حكم اللعان، وجاز أن يتزوجها.

مسألة 1230 إذا قذف امرأته بالزنا وصدقته قبل اللعان

مسألة 1230 إذا قذف امرأته بالزنا وصدقته قبل اللعان 25088 - قال أصحابنا: إذا قذف امرأته بالزنا فصدقته قبل اللعان أو بعد الشروع قبل تمامه لم يتلاعنا. 25089 - وقال الشافعي: إن كان هناك ولد لاعن لنفيه، وإن لم يكن هناك ولد لم يتلاعنا، إلا أن ترجع عن إقرارها. فمن [أصحابه] من قال: يلاعن لقطع الفراش وليس بشيء؛ لأن اللعان لا يخلو أن يكون ليخلص نفسه من موجب قذفه أو ليحقق عليها الزنا على قولهم. فإن كان ليخلص عنه موجب القذف فقد تخلص حقيقة باعترافها ولا معنى للعان. ولأنه معنى يمنع ثبوت اللعان إذا كان القذف بولد أصله إذا قذفها وأقام البينة بالزنا. ولأنه قول يرد على القاضي بلفظ الشهادة ويسقط حكم القذف فلا يثبت مع إقرارها كالشهادة. 25090 - احتجوا: بالآية. 25091 - قلنا: لا دلالة فيها، لأنه قال: (ويدرؤا عنها العذاب أن تشهد) وهذا

لا يكون مع اعترافها بالزنا فعلم أن الآية لم تتناول من ثبت الزنا منها. 25092 - قالوا: به ضرورة إلى نفي الولد منها. 25093 - قلنا: يبطل إذا اعترفت ثم أقرت بالزنا. 25094 - قالوا: قال الشافعي هذا القول يقتضي نفي نسب ولد العفيفة وثبوت نسب ولد الزانية، كما يقطع باللعان فراش العفيفة ولا يقطع به فراش الزانية.

مسألة 1231 إذا ماتت قبل إكمال اللعان

مسألة 1231 إذا ماتت قبل إكمال اللعان 25095 - قال أصحابنا: إذا ماتت قبل إكمال اللعان سقط اللعان. 25096 - وقال الشافعي: إذا كان القذف بولد لاعن الزوج على نفيه. 25097 - لنا: أن اللعان أحد موجبي القذف كالحد وقد ثبت من أصولنا أن الحد يسقط بموت المقذوف كذلك اللعان. ولأن الفراش انقطع بالموت ولا يثبت اللعان مع فقد الفراش كقذف الأجنبية. ولأن اللعان لا يصح منها فلا يصح من الزوج [كالصغير]. ولأنه سبب في الفرقة [فلا يثبت] بعد الموت ولأن كل موضع لو جعل القذف بغير ولد لم يلاعن إذا حصل بولد كقاذف أم الولد، ولأنها فرقة وقعت بموت أحد الزوجين فسقط معها اللعان كموت الزوج. 25098 - احتجوا: بأن به ضرورة إلى نفي نسب الولد كحال حياتها. 25099 - قلنا: إن قلت به ضرورة إلى نفي ولد ليس هو منه انتقض إذا اعترف به ثم بان أنه ليس منه. وإن قذف بولد ليس منه لم نسلم لأنها وضعت على فراشه. فالظاهر أنه منه ولا يصدق على رميها. والمعنى في حال الحياة أن اللعان لم يتعذر منها فجاز أن يثبت في حق زوجها، وهاهنا تعذر اللعان منها فصارت كالصغيرة.

مسألة 1232 إذا مات الولد فنفاه الأب ثم مات

مسألة 1232 إذا مات الولد فنفاه الأب ثم مات 25100 - قال أصحابنا: إذا مات الولد فنفاه الأب ثم مات لم ينف نسبه باللعان. 25101 - وقال الشافعي: يلاعن وينفيه. 25102 - لنا: أن نفي النسب حكم على الولد، والميت لا يجوز الحكم له ولا عليه، إلا إذا كان بحضور من قام مقامه. ولأنا حكمنا بميراثه لابنه فلم يجز أن ينتفي نسبه باللعان، كما لو أقر به ثم نفاه. ولأن ثبوت التوارث بين الأب والابن يمنع من نفي النسب، كما لو مات الأب فورثه الابن. 25103 - احتجوا: بأن النفي إنما يحتاج إليه حتى لا ينسب إليه، ولا تلزمه نفقته بعد الموت وكفنه، فجاز أن ينفيه. 25104 - قلنا: نسبه الموت إليه لا تضره لأنه لا يلحق به أولاده، وأما الحي يلحقه أولاده فهو ينفيه حتى يسقط ذلك عن نفسه. وأما الكفن فقد وجب عليه فلا يمكن إسقاط ما وجب بلعانه. فأما النفقة فإنها تسقط باللعان ما يستجد منها، فيمنع نفي النسب وجوبه فأما أن يسقط ما وجب فلا. 25105 - فإذا ثبت هذا قلنا: إذا ولدت ولدين فنفاهما فمات أحدهما لم يلاعن، لأن الميت لا ينتفي نسبه إلا وهو حمل واحد، فإذا تعذر نفي بعضه تعذر نفي جميعه.

مسألة 1233 إذا نفى نسب الولد باللعان فمات الولد واعترف به

مسألة 1233 إذا نفى نسب الولد باللعان فمات الولد واعترف به 25106 - قال أصحابنا: إذا نفي نسب الولد باللعان فمات الولد أو اعترف به ولا ولد لم يثبت نسبه منه. وإن كان ولد الملاعنة ابنًا فترك ولدًا صلح اعترافه، وإن كانت بنتًا فتركت ولدًا لم يقبل اعترافه. 25107 - وقال الشافعي: يصح اعترافه وإن لم يدع ولدًا. 25108 - لنا: أن النسب إثبات حق للولد والولد الميت لا تثبت له الحقوق المبتدأة كما لا يصح تمليكه والوصية له. ولأنه لا فائدة في الاعتراف به إذا لم يقرك بثبوت النسب. كذلك ثبوت الولد يؤثر في منع ثبوت النسب لأن موت أحد المتناسبين. ولأنه إذا مات ولا ولد له، وترك مالا فالملاعن متهم في دعواه، لأنه يتضمن استحقاق ماله وما اتهم فيه المقر لم يقبل إقراره. ولا يلزم إذا ترك ولدًا أن يتهم في مقاسمة الولد الميراث، ولأن إقراره يتضمن إثبات حق عليه بولد الولد، وفي مقابلته حق له، وهو حق الميراث فلم يتهم. ولا يلزم إذا مات ولم يترك مالًا ويحتاج إلى كفن، لأنا نمنع ثبوت النسب إذا ترك مالًا بدليل التهمة ويمنعه هاهنا وثبوت النسب إذا ترك مالًا ويمنعه هاهنا بدليل آخر. 25109 - احتجوا: بأنه نسب أقر به بعد نفيه فصار كما لو ترك ولدًا. 25110 - قلنا: إذا ترك ولدًا فالنسب في الحي ابتداء ثم يتبع الميت من طريق الحكم

فلا يكون ذلك إثبات حق مبتدأ للميت. 25111 - قالوا: الميت أصل والولد فرع فكيف يثبت الأصل لأنه الفرع يثبته. 25112 - قلنا: الميت هو الأصل إلا أنه لا يثبت له الحقوق، والحي تثبت له الحقوق ثم يسري/ إلى من لا يصح أن يبتدئ بالحق، ولهذا نقول: الذي ثبت على صاحب الأصل ثم ثبت على كفيله لأنه غلب صاحب الأصل على الكفيل وثبت الدين على صاحب الأصل من طريق الحكم. 25113 - قالوا: لو صح الاعتراف بنسبه إذا ترك ولدًا هذا صح وإن لم يترك كما لو كان حيًا. 25114 - قلنا: إذا كان حيًا فهو ممن تثبت له الحقوق المبتدأة، فجاز أن يثبت نسبه بعد نفيه، والميت لا تثبت له الحقوق، ولا يبتدأ بإثبات النسب.

مسألة 1234 إذا قال لرجل يا زانية

مسألة 1234 إذا قال لرجل يا زانية 25115 - قال أصحابنا: إذا قال لرجل يا زانية لم يكن قاذفًا. 25116 - [وقال الشافعي: يكون قاذفًا]. 25117 - لنا: أن التأنيث يدخل في اسم المذكر للمبالغة في العلم بالشيء كقوله: علامة وحسابه ونسابه فصار كأنه قال: أنت أعلم الناس بالزنا. 25118 - فإن قيل: يحتمل أن يكون المراد به أن نفسه زانية وذاته زانية. 25119 - قلنا: أقمتم الصفة مقام الموصوف، وهذا ترك الظاهر، وجعلتم لفظ المؤنث خطابًا للمذكر، وهذا مجاز وتأولتم لإيجاب الحد والتأويل يجب أن يكون في إسقاطه. ولأن هذا اللفظ لما احتمل أن يكون قاذفًا أو غلطًا في الكلام ويحتمل أن يكون أراد ما ذكرنا فلم يجز إيجاب الحد مع الشك. 25120 - احتجوا: بأن قوله (يا زانية) يحتمل أن يراد به المبالغة في الفعل كقولهم [حفظة للمبالغة في الحفظ]. 25121 - قلنا: هذا اسم للمبالغة كقوله [علامة، ونسابة] ولأن الإنسان يقذف ويلحق فلا يخرجه من أن يكون قاذفًا. 25122 - قلنا: إذا كان لا يعتبر المعنى [فإن العرفي واعتبر المعنى اللغوي]

والاحتمال فيه موجود. 25123 - قالوا: القذف ثبت حكمه للمعرة التي يدخلها على المقذوف، وهذا موجود هاهنا. 25124 - قلنا: إذا قذف بالكناية والتعريض فالشين موجود ولا يجب الحد.

مسألة 1235 وإن قال: زنأت في الجبل

مسألة 1235 وإن قال: زنأت في الجبل 25125 - قال أبو حنيفة [رحمهم الله]: إذا قال زنأت في الجبل كان قاذفًا. 25126 - [وقال محمد] لا يكون قاذفًا وبه قال الشافعي. 25127 - قالوا: وإذا قال: زنأت ولم يذكر الجبل ففيه وجهان. 25128 - لنا: أن العرب تهمز ما ليس بمهموز وتلين الهمزة وإذا كان كذلك صار قاذفًا، ولأن أبا حنيفة - رضي الله عنه - عرف من عادة العامة أنها تترك هذا الفظ وتُعرُّ به المرأة فجعل ذلك لغة لها تقذف به كما تقذف بالعجمية، ولا يقال: إنكم اعتبرتم في المسألة الأولى مقتضى اللغة، وعدلتم عنها في هذه، لأن أبا حنيفة يقول في العربي الذي يعرف أن اللفظ يراد به الارتقاء أنه ليس بقاذف، وإنما يقول ذلك في العامي الذي لا يعرف هذا المعنى، فلم يبق للنكاح وجه يحمل عليه إلا القذف. 25129 - احتجوا: بأن هذا اللفظ في العربية صريح في الارتقاء فوجب أن يحمل عليه.

25130 - قلنا: إن كان القاذف ممن يعرف العربية فليس بقاذف، وإنما كلامنا في العوام الذين عرف من عادتهم أنهم لا يفرقون بين الهمزة وغيرها.

مسألة 1236 إذا قذف الرجل امرأته بالزنا فقالت: بل أنت زان

مسألة 1236 إذا قذف الرجل امرأته بالزنا فقالت: بل أنت زان 25131 - قال أصحابنا: إذا قذف الرجل امرأته بالزنا فقالت بل أنت زان، وجب عليه بقذفها باللعان، ووجب عليها بقذفه الحد، فإن طلب الزوج الحد حدت وسقط اللعان، وإن طلب اللعان لاعن القاضي بينهما ولم يسقط الحد، وإن طالبا معًا بدأ القاضي بالحد، وأسقط اللعان. 25132 - وقال الشافعي: تحد المرأة ويلاعن الزوج. وهذه فرع على أصلنا أن المحدود من القذف لا يلاعن، وقد دللنا على ذلك فإن بدا القاضي أن لا يحدها منه تعزر باللعان. لأنها ليست من أهله. فإن بدأت فطالبت باللعان لاعن القاضي بينهما، وإن طالب بحدها حدت، لأن الملاعنة يجب عليها الحد، وإن طلب كل واحد حقه واجتمع بدأ القاضي بحدها، لأنه إذا فعل ذلك سقط أحد موجبي القذف. ولأن يقضي على أحد الموجبين أولى من أن يأتي بهما، كما أنه إذا أمكنه أن يقضي على أحد حدين فهو أولى من استيفائهما. 25133 - احتجوا: بقوله تعالى: (والذين يرمون أزوجهم). 25134 - قلنا: هذه الآية دلت على وجوب اللعان، وعندنا أنه وجب بالقذف ثم تعذر له استيفاء الحد. 25135 - فإن قيل: سقوطه يحتاج إلى دليل.

25136 - قلنا: الدليل عليه قوله تعالى: (فشهدة أحدهم) والمحدود في القذف ليس من أهل الشهادة بالاتفاق. 25137 - قالوا: ألحق الشين بقذفها ولا يسقط موجب القذف بإقامة الحد عليها. 25138 - قلنا: لم يسقط بالحد لكن تعذر اللعان من طريق الحكم حتى خرج قولها من أن يكون من الشهادة.

مسألة 1237 قذف الرجل الجماعة بكلمة واحدة

مسألة 1237 قذف الرجل الجماعة بكلمة واحدة 25139 - قال أصحابنا: إذا قذف الرجل الجماعة بكلمة واحدة أو بألفاظ متفرقة فعليه حد واحد. 25140 - وقال الشافعي [رحمه الله] في القديم: إن قذف بكلمة واحدة فحد واحد وإن كان بكلمات فلكل واحد حد. 25141 - وقال في الجديد: يحد لكل واحد حد كامل سواء قذف بكلمة واحدة، أو بكلمات. وإن رمى رجلًا بامرأته هل يجب حد واحد، فيه وجهان. 25142 - [واختلفوا إذا قذفت امرأة زوجها فالعقد على قول الخصوم، فمنهم من قال: يجب به واحد لأنه تحقق واحد، ومنهم من قال: كل واحد حد كامل]. 25143 - ذكر لنا: قوله تعالى (والذين يرمون المحصنت ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمنين جلدة) والخطاب بالإيجاب إذا تناول جماعة دخل على كل واحد منهم جميع الحكم المذكور، كقوله تعالى: (وأقيموا الصلاة) فاقتضى ظاهر الآية إن كان واحدًا قذف المحصنات لزمه حد واحد ولا يقال: إنه ذكر الجماعة لأنه لما ذكر ثمانين جلدة علم أنه أراد كل واحد من القاذفين على حاله ولأنه حد من جنس واحد فجاز أن يتداخل كحد الزنا، ولأن عقوبة تتبعض فجاز أن تتداخل كحد الشرب ولأنها عقوبة شرط لها الإحصان كالرجم، ولأن حد القذف شرع صيانة للأعراض

كما أن حد السرقة إذا تداخلت فالحد لها واحد كذلك حد القذف. 25144 - احتجوا: بأنه حقوق مقصودة لآدميين، فإذا ترادفت لم تتداخل، كما لو قطع يد واحد ورجل آخر. 25145 - قلنا: قولكم لآدميين لا نسلم، لأن عندنا أن حد القذف من حقوق الله تعالى وللآدمي حق المطالبة. والمعنى في الأصل أنها من حكم الأجناس المختلفة، بدلالة أن يحل واحد من الحقين محل الآخر فصار كالحدود المختلفة. وفي مسألتنا هو جنس واحد والحدود من جنس واحد يجوز أن تتداخل، كحد الزنا. ونظيره في القصاص إذا قتل ثم قتل أو قطع يمين رجلين تداخل القصاص. ولا يلزم التعزير؛ لأنه يتداخل؛ فإذا رأى الأمام أن يقتصر على تعزير واحد جاز، ولأن قطع اليد والرجل لو وجبت الآدمي واحد لم يتداخل، كذلك إذا وجب لآدميين. وفي مسألتنا لو ترادف القذف لواحد تداخل، فكذا إذا ترادف لاثنين. 25146 - قالوا: لو أقام البينة على المقذوفين حد كل واحد منهم، فإذا عجز عن البينة [وجب عليه] في مقابلة كل واحد حد. 25147 - قلنا: ما وجب على الجماعة لا يجوز أن يتداخل كحدود الزنا والسرقة وما وجب على الواحد يجوز أن يتداخل إن كان من جنس واحد، فلم يجب اعتبار أحدهما بالآخر.

مسألة 1238 حكم ما إذا شهد الزوج على زوجته بالزنا مع ثلاثة

مسألة 1238 حكم ما إذا شهد الزوج على زوجته بالزنا مع ثلاثة 25148 - قال أصحابنا: إذا شهد الزوج على زوجته بالزنا مع ثلاثة قبلت شهادته. 25149 - وقال الشافعي: لا تقبل. 25150 - لنا: قوله تعالى: (والذين يرمون المحصنت) الآية ولم يفصل بين شهادة أربعة أجانب وشهادة ثلاث وزوج المقذوفة فالظاهر يقتضي الجمع ولأن شهادته مقبولة عليها في غير حد الزنا. 25151 - فتقبل شهادته عليها فيه ولأنه حد في محل زان بشهادة عدد، أحدهم الزوج. أصله حد السرقة والشرب؛ ولأن الزوج يستر على امرأته في العادة، والشين الذي يلحقه بزناها، فإذا شهد لم تلحقه تهمة فتقبل شهادته. ولأن الشافعي قال: إذا لاعن الزوج وجب عليها حد الزنا بقوله وحده. ثم قال: إذا شهد مع ثلاثة لم تقبل شهادته. 25152 - احتجوا: بما روى قتادة عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال:

أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم زوجها قال [يحد الزوج والثلاثة]. 25153 - قالوا: ذكر هذا أبو الوليد النيسابوري فأخرجه عن كتاب المحلى. 25154 - قلنا: لا نعرف إسناده فنتكلم عليه ولا حجة فيه لأنا لا نعلم انتشاره، ولا يلزمنا تقليد الصحابي مع مخالفة ظاهر الآية. 25155 - قالوا: بينة في حد زنا لم يكمل إلا بشهادة زوج المزني بها فلم تقبل، كما لو قذفها ثم شهد. 25156 - قلنا: إذا قذفها لزمه حكم القذف فنسقطه شهادته. وهذا المعنى لا يوجد إذا شهد ابتداء/. يبين ذلك أن الأجنبي لو قذف ثم شهد لم تقبل شهادته ولو بدأ الشهادة قبلت. 25157 - قالوا: الزوج تجر شهادته إلى نفسه نفعًا، لأنه يسقط إحصانها، ولا يحد إن قذفها وتنتفي التهمة عن نفسه إن نفى ولدها، ويدفع إلى نفسه ضررًا لأنه يدفع الحد عن نفسه فلم تقبل شهادته.

25158 - قلنا: موجود في الأجنبي أنه إذا شهد فإنه يسقط إحصان المشهود عليه ولا يجب عليه بقذف حد ويسقط الحد عن نفسه ومع ذلك شهادته مقبولة. 25159 - قالوا: الشافعي بنى هذه المسألة على أصل وقالوا: إنه عدو لها لأنها حرمته على نفسها وأدخلت غيره في فراشه وعرضته للعان. 25160 - قلنا: شهادة العدو على عدوه مقبولة، ويسقط ما ذكروه بشهادة الرجل على أمه وبنته وأخته بالزنا، وشهادته مقبولة عليهم.

مسألة 1239 إذا ولد للرجل ولد فلم يعترف به أو لم يفعل ما يدل على الاعتراف

مسألة 1239 إذا ولد للرجل ولد فلم يعترف به أو لم يفعل ما يدل على الاعتراف 25161 - قال أبو حنيفة: إذا ولد للرجل ولد فلم يعترف به أو لم يفعل ما يدل على الاعتراف أو تمضي المدة التي تقبل في مثلها [البينة] وسماع الولادة وقال: لا ينفي إلا في مدة النفاس. 25162 - وقال الشافعي في أحد قوليه: على الفور، وفي قوله الآخر ثلاثة أيام وإن نفى النسب لا يجوز حتى يغلب على ظنه إنه ليس منه بالعلامات التي يستدل بها وهذا المعنى لا يميز على الفور ولا رميت بقول وإعداد ما يحتاج إليه من الولادة فجاز نفي النسب فيها. 25163 - أصله: حال الولادة ولأنه لم يعترف به ولا مضى زمان يوجد فيه ما يدل على الاعتراف فجاز له النفي في حال الولادة وأما التقدير بثلاثة أيام فلا يصح لأنه خيار

ثبت من طريق الحكم، ولا يتقدر بثلاثة أيام لها كخيار العنة وخيار المعتقة وخيار المخيرة. 25164 - احتجوا: بأنه لا خيار لزوج في ضرر يتحقق، فإذا لم يكن على التأبيد كان على الفور كخيار الرد بالعيب. وهذا يجيء على أصلهم. فأما عندنا فخيار العيب على التأبيد.

مسألة 1240 قذف الملاعنة

مسألة 1240 قذف الملاعنة 25165 - قال أبو حنيفة: إذا لاعنت المرأة بولد ثم قذفها قاذف لم يحد. 25166 - وقال أبو يوسف: يحد وبه قال الشافعي. 25167 - لنا: أنها تشبه الزانية، لأن لها ولدًا غير ثابت النسب من الوطء، فصارت كالموطوءة بشبهة ولأن اللعان لفظ شهادة. 25168 - فمنع وجوب الحد عن القاذف فأثر ذلك في سقوط حد قاذفها، كما لو أقام الزوج البينة. ولا يلزم إذا لم يكن لها ولد، لأنا عللنا للتأثير في الجملة لا للأحوال. 25169 - احتجوا: بما روى يزيد بن هارون عن عبادة بن

منصور عن عكرمة عن عبد الله بن عباس وذكر قصة هلال بن أمية إلى أن قال: ففرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهما وقضى أن لا يدعى ولدها لأب ولا يرمى ولدها ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد. 25170 - قلنا: عبادة بن منصور ليس بحجة، وكان قاضي البصرة. 25171 - قالوا: رواه عن عكرمة وسمعه من إبراهيم بن يحيى عن داود بن الهيثم. 25172 - قلنا: دلسه عن عكرمة. قال يحيى بن معين عبادة بن منصور ليس بشيء. 25173 - قالوا: قذف تعارض فيه لعانه ولعانها كما لو كان بغير ولدها. 25174 - قلنا: هناك لها شبهة بالزانية فمنع ذلك وجوب الحد على قاذفها.

مسألة 1241 إن أقر بالولد ثم نفاه

مسألة 1241 إن أقر بالولد ثم نفاه 25175 - قال أصحابنا: إذا أقر الزوج بالولد ثم نفاه لاعن. 25176 - وقال الشافعي: يحد. 25177 - لنا: أن اعترافه بالولد يقتضي وصفها بالعفة ويفيد الآخر مقتضى الوصف بالزنا فصار كمن قال: يا عفيفة ثم قال يا زانية. 25178 - ولأنه زوج قذفها ولم يكذب نفسه فصار كالمبتدئ بقذفها. 25179 - احتجوا: بأنه كذب نفسه في قذفه بالاعتراف الأول فصار كما لو أقر به بعد نفيه. 25180 - قلنا: الاعتراف بتكذيب من طريق الحكم؛ فإن تقدمه نفي النسب تعلق به حكم كان تقدم عليه لم يصح أن يكون تكذيبًا. ألا ترى أنه لو صرح بالتكذيب فقال هذه عفيفة وإذا قذفتها فأنا كاذب، ثم قذفها لم يحكم بكذبه، ولم يجز إيجاب الحد عليه بتقدم هذا القول كذلك هاهنا [والله تعالى أعلم].

مسألة 1242 إذا ولدت ولدين في بطن واحد

مسألة 1242 إذا ولدت ولدين في بطن واحد 25181 - قال أصحابنا: إذا جاءت بولدين في بطن واحد فنفى الأول وأقر بالثاني حد، وإن أقر بالأول ونفي الثاني لاعن وثبت نسبهما. 25182 - وقال الشافعي: يحد. 25183 - لنا: أنه إذا اعترف بالأول ثم نفى الآخر فقد وصفها بالزنا، فكأنه قال: هي عفيفة ثم قال هي زانية، وإذا نفى الأول فقد قذفها، فإذا اعترف بالثاني فقد وصفها بالعفة، فكان ذلك تكذيبًا لنفسه. والنسب ثابت في الوجهين لأنه حمل واحد، فإذا ثبت بعضه باعترافه ثبت جميعه. 25184 - احتجوا: بأنه أكذب نفسه بالاعتراف بالولد الأول، فصار كما لو أكذب نفسه بالاعتراف الثاني. 25185 - قلنا: قد بينا الجواب عن هذا، وهو أن الكذب بعد القذف يتعلق به الحد. والتكذيب الثاني بجب به الحد، كما لو قال: متى قدمت هذه فأنا كاذب في قذفي لها.

مسألة 1243 ثبوت الولد بالفراش

مسألة 1243 ثبوت الولد بالفراش 25186 - قال أصحابنا: الأمة لا تصير فراشًا بالوطء، فإذا أتت بولد لم يثبت نسبه حتى يعترف به المولى. 25187 - وقال الشافعي: إذا أقر بوطئها، فجاءت بولد لمدة حمل يجوز أن يكون منه ثبت نسبه وإن لم يعترف به، وإن نفاه لم يقبل نفيه إلا أن يدعي أنه استبرأها بعد وطئها بحضة هذا هو المشهور. 25188 - ومن أصحابه من قال: إن له قولًا آخر هو أن نسبه لا ينتفي إلا باللعان. 25189 - لنا: أنه وطء لا يوجب نوعه ما يسمى عدة بحال فلا تصير الموطوءة فراشًا كوطء الزاني ووطء الصبي. ولأن الموطوءة بالرق لو كانت فراشًا لأوجب من ذلك فراشها مع وجود الوطء ما يسمى عدة. 25190 - أصله: الزوجة، فلما لم يجب به عدة دل على أنه لا فراش لها. 25191 - فإن قيل: يجب بزوال فراشها الاستبراء وهو عدة.

25192 - قلنا: ذلك لا يسمى عدة في الشرع ولأنه لو كان اعتبر عدة اعتبر فيه العدد؛ ولأن الاستبراء يجب في الملك الثاني، والعدة تجب قبل تجدد الملك الثاني. 25193 - قالوا: لو أراد أن يتزوجها لم يجز حتى يستبريها. 25194 - قلنا: فهذا لا يجب بزوال السبب الذي صارت به فراشًا، وإنما يجب عندكم قبل نزول السبب. 25195 - قالوا: عقد النكاح يثبت الفراش ثم لا يجب بزواله عدة. 25196 - قلنا: لا يوجد مع الوطء ويتعلق به عدة، وقد توجد العدة ولا وطء إذا مات. 25197 - قالوا: امرأة الزاني فراش، وبزوال هذا الفراش مع وجود الوطء، فلا يوجب عليه عدة إذا أسلم الزوج ثم زال الفراش ولأنه وطء في مملوكة فلا تصير به فراشًا كالمقبوضة في بيع فاسد؛ ولأن السبب الذي صدرها الوطء عنه لا يصير به الوطء فراشًا كالأب إذا وطئ جارية ابنه وكالرجل إذا أخذ جاريته وعليه النكاح. 25198 - ولا يلزم الوطء في النكاح الفاسد لأنها لا تصير بالوطء فراشًا، وإنما تصير به وبالشبهة المتقدمة عليه. وإن شئت ذكرت دليل العكس فقلتُ: لو صارت فراشًا بالوطء، لصارت فراشًا بالسبب الذي أباح الوطء بالنكاح. 25199 - فإن قيل: النكاح لما ثبت به تحريم المصاهرة لا تصير به فراشًا. وعلة الفرع لا تصح؛ لأن ملك اليمين إذا لم تصر به فراشًا فالتصرف الموجب به في حكمه فلا تصير به فراشًا ولأنه وطء لا يوجب مالًا على الواطء للموطوءة فلا تصير به فراشًا كوطء الزاني ولأن الأمة لا يثبت لها على مولاها حق بسبب وطئها.

25200 - أصله العنة وحضانة الولد والقسم. ولا يلزم أم الولد لأنه بسبب وطئها نالت حق الحرية فجاز أن يثبت لها بسببه الفراش ولأنه تصرف فيما ملكه بالعقد، فكل حكم لا يجوز أن يستفاد بالعقد لم يجب أن يستفاد بذلك التصرف. 25201 - أصله: ثبوت النسب بالخلوة بها وبالقبلة وبالاستخدام. ولا يلزم جواز التصرف ودخول المبيع في ضمان المشتري؛ لأن التصرف مستفاد بالعقد بالثمن وفي العقار ويستفاد بالعقد ضمان الثمن أيضًا. 25202 - ولأن المولى له حق في ولد أمته وعن الملك. ولا يبطل ذلك الحق بغير عوض إلا بإبطاله وقوله. أصله إذا لم يطأها. 25203 - ولا تلزم أم ولد لأنها تبطل حقه بقولها وحق اعترافه بنسب ولدها. 25204 - ولا يلزم ذلك ولد المغرور، لأن حق المولى بطل فيه بعوض مسلم له وهو القيمة. ولأنه ليس له عليها فراش يجب بزوال العدة ولا ثبت نسب ولدها منه ما لم تدعه وإن اعترف بالوطء بولد الجارية المشتراة. 25205 - احتجوا: بحديث عائشة أن سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة اختصما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في ولد وليدة زمعة، فقال سعد هو ابن أخي

عتبة يشير إلى ما كانوا عليه في الجاهلية. وقال عبد ابن زمعة: هو أخي ولد على فراش أبي. يشير إلى ما/ استقر عليه الحكم في الإسلام فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعبد ابن زمعة إبطالًا لحكم الجاهلية كذا في كتب الحديث. 25206 - قلنا: يدل على فراش سابق في حال حياة الأب، وذلك لا يكون عندنا إلا بدعواه لولدها، حتى تصير أم ولد. والخبر إذا ذكر فيه حكم تعلق اسم، واختلف في ذلك الاسم لم يصح، حتى يثبت المدعي وجود الاسم الذي يدعيه. 25207 - ولا يقال: إن الحكم في الخبر يتعلق بالسبب المنزل فلم ينقل دعواه. 25208 - لأنه نقل عنه أن لها فراش ولد عليه، والنبي - صلى الله عليه وسلم - علق بهذا فلزم مخالفنا أن يثبت أن الأمة التي يعترف المولى بولدها فراش. 25209 - ولأن زمعة لم يترك وارثا غيره لأن سودة كانت مسلمة عند موته، ومتى اعترف الوارث بالنسب وليس للميت وارث غيره ثبت النسب في إحدى الروايتين. فعلى هذا إنما يثبت نسبه لدعوى عبد لا يوجد الوطء من أبيه. 25210 - وجواب آخر: وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم به ملكًا لعبد. الدليل عليه قوله

هو لك يا عبد. وهذه العبارة في إطلاقها تقبل الملك، ولو أراد ثبوت النسب لقال: هو أخوك فلما قال: هو لك علم أنه قضى به مملوكًا له، ولم يقضي به أخًا. 25211 - يبين صحة هذا الجواب أنه قال: (واحتجبي منه يا سودة فإنه ليس بأخ لك) ولو قضى به أخًا لأخيها لقضى به أخًا لها، فلما حكم أنه ليس بأخٍ لها، وأمرها أن تحتجب عنه دل على أنه قضى بملكه فلم يفصل بعض نسبه. 25212 - فإن قيل: كيف يجوز أن يقضي عبدًا وقد اعترف عبد بأنه أخوه وعتق عليه. 25213 - قلنا: الولد متنازع فيه وإنما ينفذ عتق المقر بعد ثبوت الملك له، فقضى - صلى الله عليه وسلم - بالملك فيصح وقوع الحرية باعترافه. 25214 - فإن قيل: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (الولد للفراش) تعليل لثبوت النسب لا للملك. 25215 - قلنا: هو تعليل لنفي نسبه من بني عتبة حين ظن أن نسبه ثبت ولا فراش لها. 25216 - قالوا: قوله واحتجبي عنه إنما قاله بعد ضرب الحجاب، فلولا أنه جرى بسبب يبيح النظر لم يقل: واحتجبي. 25217 - قلنا: جرى بسبب وهو دعوى أخيها وثبوت أحكام النسب من حقه، فبين عليه الصلاة والسلام أن ذلك إن ثبت له فلم يثبت الأحكام في حقها، لولا هذا لم يكن للأمر بالاحتجاب معنى. 25218 - قالوا: هذا محال لأنه لا يجوز أن يمنع من النظر المباح مع ما فيه من صلة الرحم، وقد علل الحجاب بغير هذا فلم يكن للأمر بالاحتجاب معنى.

25219 - قالوا: رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - للولد شبهًا فاحتاط في الأمر بالإيجاب. 25220 - قلنا: الولد الثابت النسب لا حكم للشبه فيه، وإنما يتعلق الحكم بالفراش. وعند مخالفنا يعتبر الشبه من الواطئين إذا كان كل واحد منهما وطئ على وجه ثبت بوطئه النسب. 25221 - احتجوا: بما روي عن عمر أنه قال: (ما بال رجال يطئون ولائدهم ثم يرسلونهن يدعوهن يخرجن لا تأتيني وليدة يعترف سيدها أنه قد ألم بها إلا وألحقت به ولدها فأرسلوهن بعد أن أمسكوهن). 25222 - قلنا: ذكر محمد في الأصل عن زيد بن ثابت مثل قولنا فصارت مسألة خلاف. 25223 - قالوا: روي عن زيد أنه نفى ولد جارية له وكان يعزل عنها، فلولا أنه اعتقدها فراشًا ما اعتد بالوطء. 25224 - قلنا: نحن لم نستدل بهذا الخبر، وإنما ذكر محمد عنه مثل مذهبنا، بما يفيد أن النسب لا يثبت بالوطء وأما اعتداده بالعزل فصحيح، لأنه يستحب له أن يعترف به إذا وطئها ثم حصنها فهذا الاعتداد لعدوله عن الاستحباب. وقد روي: (أن

جارية لعمر أتت بولد كان يطؤها فنفاه وقال: اللهم لا يلحق بآل الخطاب من ليس منهم). 25225 - قالوا: كل وطء ثبت به تحريم المصاهرة، [يجب أن يثبت به النسب]. 25226 - قلنا: حكم ثبت بيها وبين غيرها ولأن نفس ما ثبت بينهما من الأحكام ببعضها ببعض أولى من اعتبارها بحكم ثبت بينه وبين غيرها. وتثبت هذه العلة بالقبلة على أحد القولين، وبالرضاع على القولين جميعًا. وقولهم: إن الرضاع لا تحرم به أمها، ولا تحرم به أختها تحريم جمع لا يصح، لأن تحريم المصاهرة يتعلق به، بدلالة أنه لا يجوز للمرضعة أن تتزوج المرضع، ولا يتزوج أمهاتها وبناتها، ولا يجوز للمرضعة أن تتزوج بزوج المرضعة ولا بأولادها، ولا يجوز الجمع بين هذه المرضعة وأخواتها وليس إذا لم يتعلق به من وجه خرج من أن يتعلق به تحريم المصاهرة. ألا ترى أن أصل عقد النكاح أصل عليهم، ويتعلق به تحريم الأمهات دون البنات بالاتفاق. 25227 - قالوا: إن تحريم المصاهرة يتعلق به، والمعنى في عقد النكاح أنه يوجب المهر لها على زوجها، فجاز أن تصير به فراشًا. 25228 - ونقول: المعنى أن وطء الأمة لم يؤثر في إيجاب المال على المولي فلم تصر به فراشًا. ونقول: المعنى فيه أن زواله يجوز أن يوجب العدة إذا مات عنها، ولما لم يجز أن يتعلق بزوال إباحة الوطء في الأمة عدة لم يجز أن تصير بالوطء فراشًا. 25229 - قالوا: سبب ثبت به تحريم الجمع، فصارت الأمة به فراشًا لعقد النكاح. 25230 - قلنا: يبطل بالنسب فإنه ثبت به تحريم الجمع ولا تصير به فراشًا. والقبلة واللمس بها تحريم الجمع ولا تصير به فراشًا، ونقلب فنقول: سبب يثبت به تحريم الجمع فلا تصير به الأمة فراشًا لمولاها. أصله عقدة النكاح. 25231 - قالوا: الوطء أبلغ في إثبات التحريم من العقد، لأنه يحرم الأمهات والبنات في الجمع، وعندنا النكاح يحرم الأمهات دون البنات، فإذا صارت بالنكاح فراشًا فلأن تصير بالوطء فارشًا أولى.

25232 - قلنا: ثبوت التحريم لا يستدل به على ثبوت الفراش بدلالة أنه لو تزوج ثبت التحريم ولا يثبت الفراش. وكذا الصبي إذا تزوج وينتفي نسب الولد باللعان ولا يرتفع التحريم، فلا يجوز أن يستدل بثبوت أقوى الحكمين على وجود أضعفها، ولأن طريقه أولى. وإنما يصح إذا ثبت لمخالفنا أن العقد صادف به فراشًا لأن التحريم يتعلق به، وإذا لم تصح هذه العلة لم يجز أن يقال إن الوطء دخل في التحريم فهو بإثبات هذا الحكم أولى. 25233 - ولأن العقد ثبت به حق لها وهو المهر فجاز أن يثبت به حق عليها، وهو الفراش. كذلك الوطء في النكاح الفاسد لما أثبت لها عليه المهر أثبت لها الفراش. فلما لم يثبت في الأمة على مولاها حق بوطئها لم يجز أن يثبت به الفراش الذي هو من حقوقها. 25234 - ولأن عقد النكاح يخالف الوطء في أحكام كثيرة، بدلالة استيفاء الظهار والإيلاء والطلاق واللعان به واستيفاء ذلك بالوطء، ويتساويان في التحريم، فلو وجب أن يتساويا في إثبات الفراش لم يفترقا في التحريم، ولم يجب أن يختلفا فيه لاختلاف بقية الأحكام.

مسألة 1244 إذا تزوج امرأة وطلقها بحضرة القاضي فجاءت بولد لستة أشهر

مسألة 1244 إذا تزوج امرأة وطلقها بحضرة القاضي فجاءت بولد لستة أشهر 25235 - قال أصحابنا: إذا تزوج امرأة بحضرة القاضي وطلقها بحضرته فجائته بولد لستة أشهر ثبت نسبه منه، وكذلك لو تزوجها وبينهما مسافة لا يصل إليها في مدة الحمل يثبت النسب ويعتبر هو عن الزوج والمرأة والفراش المعروف وقد انشد أبو علي الفارسي. باتت تعانقه وبات فراشها .... خلق العياد في الدماء 25236 - فقيل: هذا في رجل هوى امرأة فقتل زوجها، ومعلوم أنه لم يرد بالفراش هاهنا المعروف لأن ذلك ليس بعلم النسب مع وجوده في الزاني، ولا يجوز أن يكون المراد به المرأة؛ لأنه لافرق بين الفراش والعاهر، والمرأة يثبت منها الولد مع القهر فلم يبق إلا الزوج، فكأنه قال: الولد للزوج. 25237 - ولا يقال: إن معناه لذي الفراش، فحذف المضاف وأقام مقامه المضاف إليه؛ لأن ذا الفراش من أبيح له الاستفراش فهو الزوج وإن أردته من فعل الاستفراش لم يصح؛ لأن الزاني يفعل ذلك ولا يثبت له نسب، ولأنه - صلى الله عليه وسلم - نفى النسب عن العاهر فالظهار أنه أثبت للفراش ما نفاه، فكأنه قال: (ولد العاهر)، يثبت لصاحب الفراش، وينتفي عن العاهر ولأنه أحد الزوجين فجاز أن يلحقه الولد

من الزنا كالزوج، ولأن النسب لا يخلو أن يثبت بالفراش الصحيح أو بإمكان الوطء ولا يجوز أن يتعلق بإمكان الوطء؛ لأن ذلك موجود في الزاني وفي الأمة إذا ملكها ولم يطأها، فلم يبق إلا أن يتعلق بالفراش الصحيح وهو موجود هاهنا. 25238 - ولأن كل ولد أقر به ثبت نسبه منه، وإن لم يقر كما لو كان بينهما مسافة قريبة فلم يصل إليها حتى ولدت، ولأن ماءه وماء الزاني لا يستحق له، والماء المستحق إذا اختلط بما لا يستحق له كان الجميع لصاحب المستحق، كماء السيل والمطر إذا اختلط بماء لرجل. 25239 - ولأن رحم/ المرأة في حكم المملوك للزوج، بدلالة أنه يملك استباحته، ويمنع من العقد عليه بما حدث فيه من النماء المتولد، وليس له مستحق كما يحدث، وهو المستحق لأصله، كالأرض المملوكة إذا نبت فيها شجر، ولا يعرف مستحقها. 25240 - قالوا: لا نسلم أنه مملوك، بدلالة أنها لو وطئت بشبهة كان المهر لها دونه. 25241 - قلنا: لم نقل أنه مملوك، لكنا قلنا أنه في حكم المملوك في جواز الاستباحة، وقد يكون الشيء في حكم المملوك في باب الاستباحة، وإذا أتلفه متلف لم يستحق بدله كالطعام الذي أبيح له. 25242 - قالوا: لا نسلم أن ما يحدث في الأرض يملكه صاحبها؛ لأنه إذا نبت فيها ما حرث من بذر غيره كان لصاحب البذر دون صاحب الأرض. 25243 - قلنا: نحن إنما حدث ولا مستحق لأصله، وأما ولد الزاني فليس له مستحق، فهو كالشجرة التي نبتت لا يعرف مالك أصلها. 25244 - احتجوا: بأنها أتت بولد لا يمكن أن يكون منه، فوجب أن لا يلحق به. أصله وامرأة الصغير. 25245 - قلنا: هذا غلط؛ لأنها إذا تزوجت بحضرة القاضي فطلقها بحضرته

جاز أن تكون استدخلت الماء قبل التزويج، وفي حال العقد وصل إلى رحمها من العقد والطلاق. 25246 - وعند الشافعي أن المرأة إذا استدخلت الماء جازت أن تعلق منه. 25247 - وعلى قولنا يجوز أن يكون وطؤها قبل العقد، ولم يصل المني إلى رحمها إلا بعد العقد، فكيف نسلم أن الولد لا يجوز أن يكون منه. وإن عينوه في الشرقية والغربية جاز أن يكون الماء يصل إليها في جوفه إذا أقطر فاستدخلته، ولا يصح الوصف على أصلهم. 25248 - والمعنى في الصبي أنه لا يجوز أن يكون والدًا فلم يجز أن يكون له ولد، والبالغ يجوز أن يكون له ولد، فصح أن ينسب إليه الولد، كما لو كان بينهما مسافة قريبة ولم يجتمع معها. يبين الفرق يبنهما أن من لا يجوز أن يكون مالكًا لا ينسب إليه الملك، ومن يجوز أن يكون مالكًا يصح أن تنسب إليه الأملاك. 25249 - قالوا: قد أجرى الله تعالى العادة أن لا يخلق الولد في أقل من ستة أشهر، كما أجرى الله العادة أن لا يخلق ولد الإنسان من ماء غيره، وكما لو ولدت لأقل من ستة أشهر لم يثبت منه، كذلك إذا كان من ماء غيره. 25250 - قلنا: إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر فقد حدث ولا فراش له، وزانه الأرض إذا نبت فيها زرع ثم اشتراها لم يستحقه، ولو نبت بعد الشراء استحقه؛ لأنه حدث على ملكه. 25251 - وقولهم: إن ولد الإنسان لا يخلق من ماء غيره موضع الخلاف. وعندنا أن المخلوق على الفراش سواء من ماء صاحب الفراش أو من ماء غيره فإن نسبه يثبت منه، إلا أن ينفيه عن نفسه. 25252 - قالوا: ولد الملاعنة يجوز أن يكون من مائه، ويجوز أن يكون من ماء غيره ثم انتفى نسبه باللعان، فالولد الذي يعلم أنه ليس من مائه أولى. 25253 - قلنا: إذا لاعنها قطع الفراش فانتفى النسب الثابت، وفي مسألتنا الفراش بحاله فالولد الحادث عليه لا ينتفي، ما لم يوجد النسب المؤثر في قطع الفراش. 25254 - قالوا: نحن اعتبرنا الزواج وإمكان الوطء، وأنتم اعتبرتم الزواج دون

إمكان الوطء ومتى لم يمكن الوطء قطعنا أن الولد ليس منه. 25255 - قلنا: إمكان الوطء مع الفراش غير معتبر، بدلالة أن من تزوج امرأة فجاءت بولد لتمام ستة أشهر ثبت نسبه. ولو اعتبرنا إمكان الوطء وجب أن لا يثبت؛ لأنها جاءت به بعد الإمكان لأقل من ستة أشهر فلما لم يثبت النسب سقط اعتبار الوطء. 25256 - فإن قالوا: لا يثبت حتى تأتي به لأكثر من ستة أشهر بمقدار ما يطؤها. 25257 - قلنا: خالفوا الإجماع لأنه روى أن امرأة تزوجت وجاءت بولد لستة أشهر فهم عثمان برجمها، فقال ابن عباس: أما أنها لو خاصمتكم لخصمتكم، فترك عثمان رجمها فدل من اتفاقهم أن نسب الولد ثبت لستة أشهر من غير زيادة.

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب العدة

كتاب العدة

كتاب العدة

مسألة 1245 الأقراء المذكورة في القرآن

مسألة 1245 الأقراء المذكورة في القرآن 25258 - قال أصحابنا: الأقراء المذكورة في القرآن هي الحيض. 25259 - وقال الشافعي: الأطهار. ويتعين الخلاف إذا طلقها في الطهر انقضت عدتها عندنا بالخروج من الحيضة الثالثة.

25260 - وقال الشافعي: بالشروع فيها تنقضي. 25261 - لنا: قوله تعالى: (والمطلقت يتربصن بأنفسهن ثلثة قروء)، فذكر جمعًا مفسرًا لعدد؛ فظاهره يقتضي استغراق العدد كقوله (رأيت ثلاث رجال). 25262 - ومعلوم أن الله تعالى أمر بإيقاع الطلاق في الطهر، فإذا كانت الإقراء الأطهار واعتدت بطهرين وبعض الثالث، وإذا كانت بالحيض استغرقت الثلاث؛ فكان حمل الاسم على الحيض التي يستغرق فيها العدد أولى. 25263 - ولا يقال إنا نستغرق ثلاثة أطهار إذا طلقها في حال الحيض، لأن هذا الطلاق ليس هو المأمور به، ولأنا نعتبر ثلاث حيض كاملة إذا وقع الطلاق في الحيض والطهر. وعندهم نستكمل الاقراء إذا طلقها في الحيض دون الطهر، والاعتبار الذي يستكمل فيه العدد بكل حال أولى. 25264 - فإن قيل: لا يمتنع أن يذكر اسم الجمع، ويراد به أكثر من ثلاثة، كقوله تعالى: (الحج أشهر). 25265 - قلنا: الظاهر تُرك هناك لدليل لبث الكفار لثلاث خلون، وإن كان يوم الثالث. 25266 - قلنا: هذا الاستعمال لا تعرفه العرب. 25267 - قالوا: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أيام منى ثلاثة أيام)، والمراد بها يومان وبعض الثالث، وبين أن يقيم ثلاثة أيام ويبقى الرابع بقوله: أيام منى ثلاثة أيام، يقتضي التي ثبت فيها المقام لمن لم يتعجل). 25268 - ولأن الله تعالى أمر المطلقة أن تتربص بالإقراء، ونهاها أن تكتم حيضها

بقوله: (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن)، والأمر بالشيء إذا تعقب النهي فالظاهر أنه يتناول مقتضى الأمر، فلما كان قوله: (ولا يحل لهن أن يكتمن) يتناول كتمان الحيض، علم أن الأمر بالتربص يتناول الحيض. 25269 - [ولأن الحيض] يتناوله اسم القرء بكل حال والأطهار في بعض الأحوال، ولا سيما فيما إذا تخللت الحيض؛ فلما انتفى الاسم عن الطهر في حال، دل على أنه مجاز، وليس بحقيقة. 25270 - ولأن ما سمي باسم لم يجازوه إلى غيره، فالاسم مجاز فيه كتسمية إيجاب الرق بدونه. 25271 - ولأن أهل اللغة قالوا: إن اسم القرء يصلح للحيض والطهر. قال ذلك يعقوب في كتاب الأضداد، وقال: (أو أنها الأطهار في لغة أهل الحجاز، والحيض في لغة أهل العراق [وهي لغة تميم]، وقد نزل القرآن باللغتين، وأجمعوا أن الأقراء المذكورة في الآية لم يرد بها الأمرين، وإنما المراد بها إما الحيض أو الأطهار، فحملها على الحيض أولى. 25272 - لأنه - صلى الله عليه وسلم - تكلم بذلك؛ فقال لفاطمة بنت أبي حبيش: (إذا أتاك قرءك، فدعي الصلاة). 25273 - وفي حديث أم سلمة أنه [- عليه السلام -] قال: (المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها)؛ فكان حمل ما اختلف فيه على لغته - صلى الله عليه وسلم - أولى. 25274 - فإن قيل: قد روي في حديث بن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إنما أمرك أن تطلقها في كل قرء تطليقة).

25275 - قلنا: الذي يروى أنه قال: (إنما أمرك أن تطلقها لكل قرء تطليقة)، وهذه اللام تذكر، ويراد بها الماضي كقوله: (صوموا لرؤيته)، ويراد بها الاستقبال كقوله: (ومن أراد الأخرة وسعى لها سعيها). 25276 - ولأن أهل اللغة تكلموا في اشتقاق القرء، فمنهم من قال: إنه مأخوذ من الجمع يقول: قريت الماء في الحوض، أي جمعته، وكذلك القرآن سمى قرآنا لجمعه. قال الشاعر: ذارعي (عيطل) أدماء بكر .... (هجان) اللون لم تقرأ جنينا 25277 - ويقولون: ما قرأت الناقة، أي ما اشتمل رحمها على ولد. 25278 - وقالوا: أنه مأخوذ من الوقت، وأنشدوا: كرهت (العَقْرَ عَقْرَ) بني سليل .... إذا هبت لقارئها الرياح 25279 - وقد قيل: هو اسم الانتقال من شيء إلى شيء، وأنشدوا: 25280 - إذا ما الثريا وقد أقرا .... هـ حسن السما كان منها أفولا 25281 - فإن إخذ من الجمع فهو الحيض؛ لأنه ذو أجزاء صح اجتماعه، وهذا لا يوجد في الطهر. 25282 - فإن قيل: الحيض يجتمع في أيام الطهر، ثم ينفصل في أيام الحيض. 25283 - قلنا: هذا دعوى لا دلالة عليها، ولأن هذا يقتضي أن يكون الاسم تناول الطهر لأجل الدم واجتماعه، فيكون كل واحد من الطهر أخذ من الوقت فيكون وقتًا لما يحدث فيه، والحادث هو الحيض، والطهر الأصل، فكان حمل الاسم على الدم الحادث أولى، وإن كان الاسم أخذ من الانتقال تناول الحيض والطهر على وجه واحد/، واقتضى تساويهما. 25284 - وقد ثبت باتفاقنا أن أحد الأمرين يترجح على الآخر؛ فما أدى إلى تساويهما ساقط.

25285 - فإن قيل: قد عبروا بالقرء عن الطهر، قال الأعشى: أفي كل يوم أنت جاشم غزوة .... تشد لأقصاها بزيم عزائكا مورثة مجدًا وفي الذكر رفعة .... لما ضاع فيها من قروء نسائك 25286 - قلنا لهم: المجاز يعبر في موضع الخلاف شيئًا لاتفاقنا عى تسميتهم لكل واحد من الطهر والحيض قرء، فتكلف الاجتماع بمجرد التسمية لا معنى له، كما لا نحتج نحن بما جاء في ذلك أنه الحيض، أنشد ثعلب: 25287 - يا رب مولى حاسد مباغض على ذي ضغن .... وصب فارض له قروء كقروء الحائض. فشبه هيجان عداوته بهيجان الحيض، على أن الأعشى إنما أراد الوقت، وذلك أن العرب كانت لا تمتنع من الوطء في حال الحيض والطهر، وإنما كانت تمتنع من ذلك اليهود، فعلم أنه أراد بالقرء وقت الجماع، أو فعل الطهر الذي لا يجامع فيه يشبهها بالحيض التي يمنع من الجماع، فمعنى هذا إن صح من دين العرب تجنب الوطء في حال الوطء، ويدل عليه أنهم يقولون لمن تحيض: هذه من ذوات الأقراء، ولمن لا تحيض: هذه ليست من ذوات الأقراء، فدل أن الاسم للحيض. 25288 - فإن قيل: إنما قالوا ذلك؛ لأن القرء وهو الطهر من الحيض. 25289 - قلنا: فهذا دليلنا على أن الاسم تناول الطهر للمجاورة، وهذه طريقة المجاز. 25290 - ويدل عليه حديث عائشة رضي الله عنها وابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان). 25291 - فإن قيل: حديث عائشة رواه مظاهر بن أسلم.

25292 - قال أبو داود: مظاهر منكر الحديث. 25293 - قلنا: مجرد طعن أصحاب الحديث لا يعتد به حتى تبين جهة صحيحة للطعن، فقد بينا أن من مذهب أحمد بن حنبل أن الحديث إذا وري من طرق ضعيفة صح الاحتجاج به. 25294 - فإن قيل: من مذهب عائشة أن الأقراء الأطهار، وهو مذهب القاسم بن محمد، وهو الراوي عنها؛ فكيف يرويان هذا الحديث ويخالفانه؟ فدل ذلك على ضعفه. 25295 - قلنا: يجوز أن يكونا حملا الخبر على أن العدة تشتمل على حيضتين، ولابد فيها من الطهر، والأقراء هي التي تنقضي بها العدة، لم يعدلا عن ظاهر لفظ القرء عندهما بالاحتمال. 25296 - ولأن الله تعالى جعل الأطهار بدلًا عن الأقراء في الآيسة والصغيرة، ومن حكم البدل أن يخالف الأصل في جنسه وصفته، فلو كانت الأقراء الأطهار لاستوى جنس البدل والمبدل، وهذا لا يضر. 25297 - ولأن المقصود بالعدة في ذوات الأقراء، العلم ببراءة الرحم، وهذا المعنى يوجد في الحيض؛ لأنها لا تجتمع مع الحبل في العادة. 25298 - ولأن انفصال جزء من الحيض معتبر في انقضاء العدة، وما اعتبر في انقضاء العدة انفصاله اعتبر انفصاله. أصله زمان الحمل. 25299 - ولأن العدة تشتمل على حيض وطهر، فإذا جاز أن تنقضي العدة بالطهر

في الآيسة والصغير جاز أن تنقضي العدة، وليس عند مخالفنا موضع يقف انقضاء العدة على الحيض يحال. 25300 - ولأن الطهر معنى يجتمع مع الحمل، فلم يجز أن تنقضي به العدة وبراءة الرحم، فوجب أن يكون في الحامل بالحيض كاستبراء الأمة، وقد دل على هذا الاصل قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة). 25301 - وهذا مذهب الشافعي نص عليه في مواضع من كتبه. 25302 - وقال في أم الولد: لا تحل للأزواج حتى تطهر من الحيضة. قالوا: المقصود من الاستبراء إباحة الوطء، فلو قلنا: إنه يقع بالطهر الذي يعقبه الحيض. فلم يحل الوطء. 25303 - ولذلك قلنا: إنه يقع بالحيض ليعقبه الطهر. وأما العدة فالمقصود من انقضائها تحريم الوطء؛ فإذا جعلناها بالأطهار يعقبها الحيض المؤثر في تحريم الوطء. 25304 - قلنا: الاستبراء لو وقع بالطهر لاستفاد بمضيه إباحة القبلة واللمس، وإن لم يستبح الوطء. وقولهم المقصود من انقضاء العدة تحريم الوطء. ليس بصحيح، بل المقصود منها العلم ببراءة الرحم، بدلالة أن المطلقة ثلاثًا، والتي وطئ أمها بشبهة تعتد، وإن كان تحريم وطئها لا يتعلق بانقضاء العدة ثم إنه لا فرق بينهما. ثم إن العدة تطلب ليباح العقد؛ فيجد الوطء بعده، فهي كالاستبراء الذي يتعقبه آثار الوطء. 25305 - احتجوا: بقوله تعالى: (يأيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن). 25306 - قالوا: معناه في زمان عدتهم، كقوله تعالى: (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة) معناه في يوم القيامة. 25307 - والعدة مصدر عد، يعد، عدة، كقولهم: وزن، يزن، وزنة، ووعد، يعد، عدة، والمصدر فعل لا يصح إيقاع الطلاق فيه، فدل على أن المراد به زمان العدة والعرب تعبر في الحقوق عنه، فتقول: (آتيك النجم)، فيصير تقديره: فتطلقوهن في

زمان عدتهن، وقد أجمعوا أن الطلاق يحرم في الحيض، فعلم أن الأطهار زمان العدة. 25308 - قلنا: زمان الطهر والحيض كلاهما عندنا عدة، فإنما الخلاف فيما تنقضي به العدة، أما أن نقول إن المرأة عقيب الطلاق ليست في عدة فلا. 25309 - ولأن الطهر لا يكون زمان العدة حتى لا يقع الطلاق فيه، فكيف يجوز أن تقدر الآية بما قالوا، وإنما هي مقدرة. بما روى من قراءة ابن عمر (فطلقوهن لقبل عدتهن) كأنه قال: (لقبل زمان عدتهن)، وقد أبيح له طلاقها في آخر الطهر، فيكون العدة ما يليه من الحيض، كما يطلقها في أول الطهر، ويكون العدة لما يليه من الطهر، فدل ذلك على أن كلا الأمرين زمان العدة. 25310 - احتج الشافعي بقوله: (ثلثة قروء)، وهاء التأنيث تدخل في الجمع المذكر من الواحد إلى العشرة، فدل على أن الأقراء هي الأطهار المذكورة، وليست الحيض المؤنثة، وهذا غلط، لأن الحيض مؤنث جمع لمسماه اسم آخر مذكر، وهو القرء، فإذا جمع الاسم المذكر جمع التذكير، كما أن المرأة اسم مؤنث لمسماه اسم آخر، وهو الشخص، فإذا جمعنا المؤنث قلنا: ثلاث نساء، وإن جمعنا المذكر، قلنا: ثلاثة أشخاص.

25311 - قالوا، ورى في الحديث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: (فإذا طهرت ثم حاضت ثم طهرت، فليطقها إن شاء، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء). 25312 - قلنا قوله: (فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء) فقوله (فتلك) إشارة إلى غير الحائض، فكأنه قال: فليطلقها الحيضة الماضية بتلك العدة، فإن قيل: كيف تسمى الحيضة قبل الطلاق عدة؟ 25313 - قلنا: كيف يسمى الطهر الذي وقع فيه الطلاق عدة، والعدة ما يعقب الطلاق، لأنا بينا أن العدة مشتملة على الأطهار والحيض، فالطهر هو الذي أبيح الطلاق فيه، والحيض هو الذي تنقضي به العدة، فلذلك قال في الطهر (فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها)، ولم يقل: فتلك العدة على الأطهار. 25314 - قالوا: قال الله تعالى: (والمطلقت يتربصن بأنفسهن ثلثة قروء) والقرء يقع على الطهر والحيض، فالظاهر أنها تعتد بثلاثة منهما، إلا أن الإجماع حصل على أن المراد أحدهما، فحمله على الطهر أولى، لأنه يتعقب الطلاق، وهي معتدة عقيبة. 25315 - ولأن الاسم إذا تناول أحد شيئين حمل على أولهما، ولأن زمان الطهر أكثر وزمان الحيض أقل، والأكثر متبوع والأقل تبع، فحمل الاسم على المتبوع أولى. 25316 - قلنا: قولكم إن الاسم إذا تناول أمرين حمل على أولهما صحيح، متى كان الاسم يتناولهما على وجه واحد، فأما إذا كان حقيقة في أحدهما مجاز في الآخر، ومطلقًا في أحدهما مقيدًا في الآخر، فالواجب حمله على المطلق والحقيقة وإن تأخر، ونحن لا نسلم تناول الاسم للأمرين على وجه واحد. 25317 - ولأن الحيض قد يتعقب الطلاق كما قد يتعقبه الطهر، وهو إذا طلقها في آخر الطهر فعلى قولهم يجب حمله على الحيض هاهنا.

25318 - وقولهم إن الطهر يتعقب الطلاق المباح، فقد يتعقب الطلاق المباح الحيض إذا طلقها في آخر أجزاء الطهر. 25319 - وقولهم: زمان الطهر أكثر، فهو المتبوع، لا يصح، لأن مقصود العدة يوجد بالحيض، والمقصود هو المتبوع وغير المقصود تبع/. 25320 - قالوا: يمنع من إيقاع الطلاق فيه؛ لأنه يفضي إلى تطويل العدة عليها أيضًا. 25321 - قلنا: هذا غير مسلم؛ لأنه ممنوع من إيقاع الطلاق في الحيضة الثانية والثالثة. وإن لم يؤد ذلك إلى تطويل العدة كان الأمر على ما قالوا، وجاز أن يطلقها في آخر أجزاء الحيض، لأن ذلك سيؤدي إلى تطويل العدة. 25322 - قالوا: إيقاع الطلاق في زمان مباح مستند على العدة، فوجب أن تكون معتدة عقيبه. 25323 - قلنا: فيجب إذا طلقها في الحيض أن تكون لا تختص بالعدة لأنه يتعقب فرقة مباحة، وكذلك إذا طلقها في آخر أجزاء الطهر، ولأنا قد بينا أن الطهر عندنا عدة فقد قلنا بموجب هذا الكلام، والخلاف فيما يقتضي به. 25324 - قالوا: الحيضة التي طلقها فيها لا يعتد بها، وتكمل من الحيضة الرابعة، ونقول بموجبه، لأن عندنا ما لا يعتد به هو الحيض الذي طلق فيه، فلا يعتد بجميعه كما لا يعتد ببعضه، ويبطل بالصوم، فإنه لا يعتد بصوم بعض اليوم ويعتد بجميعه. 25325 - قال دم يؤثر في الصلاة والصوم، فلا تنقضي به العدة، كدم النفاس والحيضة التي طلقها فيها.

25326 - قلنا: دم النفاس لا يحصل به براءة الرحم، لأن النفاس عندنا من الولد الأول، فيجمع النفاس مع الحمل في الغالب، والحيض بخلافه. فأما الحيضة التي طلقها فيها فلا تنقض بها العدة، كما لا تنقضي بالطهر الذي طلقها فيه. 25327 - فإن قالوا: لا يحتسب بها، لم نسلم على ما قدمنا، لأن تلك الحيضة لا يعتد بأولها، لأنه إذا قدم الطلاق قد يعتد بآخرها، لأن الحيضة لا تتبعض، فإذا ثبت لأولها حكم ثبت لبقيتها. 25328 - قالوا: طلقها في زمان مباح يتقيد بما يعده من العدة، كالآيسة والصغيرة. 25329 - قلنا: عدة الآيسة لا تشتمل على أمرين، والمقصود منها ليس هو براءة الرحم، لأنه قد سلمنا براءة رحمها، فلذلك اعتدت بالطهر. 25330 - وفي مسألتنا زمان عدتها يتشتمل على أمرين مختلفين، والمقصود منها براءة الرحم، وهذا يوجد في الحيض دون الطهر. 25331 - احتج ابن سريج بأنه منع من إيقاع الطلاق في الحيض، لأنه يتعقبه ما لا يحتسب به. 25332 - فلو قلنا أن الطهر لا يعتد به منع من الطلاق في الطهر، فقال له

البردعي: فيجب أن يمنع من إيقاع الطلاق في الحيض؛ لأنه يتعقبه ما لا يحتسبه به، [فلو قلنا أن الطهر لا يعتد به وقال البردعي صح في آخر الطهر] فالتزم بن سريج ذلك، وقال: لا يجوز، وهذا خلاف للإجماع، فقال له: إن كان لا يجوز الطلاق في آخر الطهر، لأنه يتعقبه زمان لا يكره إيقاع الطلاق فيه، [فيجب أن يجوز إيقاع الطلاق في آخر الحيض؛ لأنه يتعقبه زمان لا يكره إيقاع الطلاق] فيه. قال ابن سريج: الطهر ينقسم فيه إلى ما لم يبح الطلاق به، وسببه ما يمنع، وهو الطهر الذي جامعها فيه فجاز أن يباح فيه الطلاق تارة وينهى أخرى، والحيض يكره فيه بكل حال، فلم يجز أن يتخير في آخره، فجاز تعقبه بزمان الإباحة. 25333 - قال له: ولا فرق بينهما، لأن الحيض ينقسم إلى ما يباح فيه الفرقة تارة ويحظر بأخرى، وهو الطلاق بعوض حال الشقاق، والطلاق قبل الدخول. 25334 - قال أصحاب الشافعي: ما التزمه ابن سريج خطأ، والطلاق في آخر الطهر مباح، لأنه لا حد له، فإذا طلقها في آخره يتحقق أنه يقع الطلاق زمان الحظر. 25335 - قلنا: نحن إنما نلتزم من طلق في وقت يتحقق أن الحيض يتعقبه، وهو من قال لامرأته: أنت طالق في آخر قرء، ومن آخر طهرك.

مسألة 1246 انقطاع دم الحيض في الحيضة الثالثة

مسألة 1246 انقطاع دم الحيض في الحيضة الثالثة 25336 - قال أصحابنا: إذا انقطع الدم من الحيضة الثالثة لأقل من أكثر الحيض لم تنقض العدة حتى تغتسل، ويوجد ما ينوب من القدر. 25337 - وقال الشافعي: لا أعرف بعد في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معنى يقف انقضاء العدة عليه، وهذا مبني على أصلنا أن العدة تنقضي بانقضاء الحيضة الثالثة، فإذا انقطع الدم جاز أن يقلدوها، ولا تحل بانقضاء العدة حتى يوجد حكم ينافي الحيض، والاغتسال ينافي حكم الحيض، فانقضت العدة بوجوده. 25338 - وقد روى الشعبي عن بضعة عشر نفسًا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، منهم أبو بكر وعمر، أن له عليها الرجعة ما لم تغتسل. 25339 - فأما الشافعي، فعنده أن العدة تنقضي بالشروع في الحيضة الثالثة، فلا معنى لاعتبار ما يستقر به انقطاعها.

مسألة 1247 موت الصبي عن امرأته الحامل

مسألة 1247 موت الصبي عن امرأته الحامل 25340 - قال أبو حنيفة ومحمد: إذا مات الصبي عن امرأته وهي حامل، فعدتها وضع الحمل استحسانًا. 25341 - وقال أبو يوسف والشافعي: عدتها الشهور. 25342 - لنا قوله تعالى: (وأولت الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن)، وهو عام. 25343 - فإن قيل: الآية خاصة في المطلقات، لأنه قال في أول الآية: (يأيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن)، والمعطوف على المشروط بمنزلة المشروط. 25344 - ألا ترى أنه إذا قال: إذا أحرمت بالحج فلا تحلق شعرك ولا تقلم ظفرك ولا تتطيب ولا تقتل الصيد، ومن قتل الصيد، فعليه الجزاء، اقتضى أن يكون الجزاء على قاتل الصيد إذا كان محرمًا. 25345 - قالوا: وحكم امرأة الكبير لا نفهمه من هذه الآية، وإنما فهم عن قصة سبيعة. 25346 - قلنا: هذه الآية تناولت المتوفى عنها بإجماع الصحابة. 25347 - قال علي بن أبي طالب: لا أدري أي الآيتين متقدمة، فأوجب العدة بالشهور ووضع الحمل احتياطًا.

25348 - وقال ابن مسعود وابن عباس: قوله: (وأولت الأحمال) تأخرت حتى قال ابن مسعود: من شاء باهلته عند الحجر الأسود أن آية النساء القصرى نزلت بعد الطولى فسقط ما قالوه باتفاقهم. 25349 - فأما قولهم: إن المعطوف على المشروط في حكم المشروط فهذا لا يصح إذا كان العطف جملة تامة كقولهم: قام زيد وقعد عمرو، فتكون الجملة الثانية لها حكم نفسها. فأما إذا عطف على بعض الجملة فهو كما لو قال: قام زيد وقعد، والعطف في مسألتنا جملة في نفسها فتعين في نفسها. 25350 - فإن قيل: هذا العموم مخصوص بالقياس. 25351 - قلنا: إذا لم يتفق على تخصيص العموم لم يخص عندنا بخبر الواحد، ولا بالقياس. 25352 - قالوا: فهو مخصوص بالحمل الحادث بعد الولادة، والحمل من الزنا. 25353 - قلنا الآية تناولت من كانت حاملًا عند وجوب العدة، فأما الحمل من الزنا فهو مسألة الخلاف؛ لأن حبل امرأة الصبي إنما يكون من الزنا أو من شبهة، والعدة تنقضي بوضعها. 25354 - ولأن كل امراة جاز أن تعتد من وفاة زوجها بالشهور، جاز أن تعتد بوضع الحمل كامرأة الكبير. ولأن ما جاز أن تنقضي به عدة امرأة الكبير في الوفاة جاز أن تنقضي به امرأة عدة الصغير كالشهور. 25355 - ولأن الصغير إذا دخل بها ثم وقعت الفرقة بسبب من جهتها اعتدت بالحيض، ومن جاز أن تعتد بالحيض جاز أن تعتد بوضع الحمل كامرأة الكبير، لأن

وضع الحمل والأقراء، كل واحد منهما وضع للعلم ببراءة الرحم، فإذا جاز أن تعتد امرأة الصغير بأحدهما، جاز أن تعتد بالآخر. 25356 - فإن قيل: المعنى في امرأة الكبير أن الولد يمكن أن يكون منه، وليس كذلك امرأة الصغير، لأن الولد لا يجوز أن يكون منه بحال. 25357 - قلنا: انقضاء العدة يجوز أن يقع بما ليس من الزوج، بدلالة الشهور والحيض، ولأن العدة عبادة وجبت عليها، والعبادات يعتبر فيها صفات المعتد دون صفات غيره. 25358 - احتجوا: بقوله تعالى (والذين يتوفون منكم ويذرون أزوجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا). 25359 - قلنا: قوله: (وأولت الأحمال أجلهن) متأخرة عن هذه الآية، فيقضى بها عليها. 25360 - فإن قيل: هذه آية عامة، وآية (والذين يتوفون منكم) خاصة، فيقضى بالخاص على العام. 25361 - قلنا: من أصلنا أن العام يحمل على عمومه ولا يخص بالخاص على أن كل واحدة من الآيتين عامة من وجه خاصة من وجه، وقوله: (والذين يتوفون منكم) خاصة في المتوفى عنها عامة في الحامل والحائل، وقوله: (وأولت الأحمال) خاصة في المطلقة الحامل والمتوفى عنها. 25362 - قالوا: الولد لا يجوز أن يكون منه قطعًا ويقينًا فلم يعتد به منه قياسًا على لولد الحادث بعد الموت. 25363 - قلنا: انتفاء النسب لا يمنع من تعليق انتفاء العدة بالولد، بدلالة ولد الملاعنة. ومن قال لامرأته، إذا ولدت فأنت طالق؛ فولدت ولدًا، ثم ولدت آخر لأكثر من أربع سنين انقضت به العدة، وإن كان النسب لا يثبت منه. 25364 - قالوا: (هاهنا لا نعلم انتفاء النسب قطعًا فيجوز أن يكون منه، ولهذا لو اعترف به ثبت. 25365 - قلنا: الأحكام المتعلقة بالنسب الثابت يتعلق به، وإذا لم ينتف كونه منه

إذا حكم الشرع يكون منه، كذلك الأحكام/ المتعلقة بانتفاء النسب إذا نفاه الشرع يجب أن يتعلق به، فإن لم ينتف انتفى. 25366 - والمعنى في الأصل أن الحمل لم يحدث على فراش النكاح، فلم تنقض به العدة، وهذا الحمل صادف فراش النكاح، فجاز أن تنقضي العدة. 25367 - قالوا: جاز أن يعترف الصغير بوضع الحمل الموجود، والحادث كامرأة الكبير. 25368 - قلنا: هذا قياس عكس، ولا يصح على أصلكم، لأن امرأة الصغير إذا ظهر بها حمل بعد وفاته اعتدت بوضعه، وإنما إذا حدث الحبل بعد موته لم تعتد به. ذكر ذلك محمد في الجامع الصغير على أن العدة إذا وجبت مع البينونة لم تعتد بما تجدد إلا أن ينتقل من أصل إلى بدل، ومن بدل إلى أصل، فإذا حدث الحمل لم تتعين العدة. فأما امرأة الكبير فحملها يثبت من زوجها، فلابد أن نحكم بوجوده عند الوفاة، فيصير الظاهر وغير الظاهر سواء، وهذا لا يوجد في امرأة الصغير. 25369 - قالوا: الحمل من الزنا لا يجوز أن يمنع النكاح أن يتقدر بالشهور، ويوضع الحمل كل واحد منهما لا يمنع النكاح. على أنا لا نعلم أن هذا الحمل من الزنا، لجواز أن يكون من وطء بشبهة، والحمل من الشبهة له تأثير في المنع من النكاح.

مسألة 1248 سكنى المتوفى عنها زوجها

مسألة 1248 سكنى المتوفى عنها زوجها 25370 - قال أصحابنا: المتوفى عنها زوجها لا سكنى لها. 25371 - وقال الشافعي: في أحد قوليه: لها السكنى. 25372 - لنا قوله تعالى: (من بعد وصية يوصى بها أو دين)، فجعل ما فضل من الدين والوصية للورثة، ولم يوجد فيه حق لأحد. 25373 - وروى أبو الزبير عن جابر وعطاء عن ابن عباس أن المتوفى عنها زوجها تعتد حيث شاءت، وهذا يمنع وجوب السكنى على الورثة، ولأنها لا تستحق النفقة، فلم تستحق السكنى كالناشزة. 25374 - ولا يلزم المختلعة على نفقتها، لأنها تستحق النفقة، وسقطت بعد استحقاقها، ولأنه لا يخلو إما أن يجب سكناها على الميت أو على الورثة، ولاي يجوز إيجابها على الميت، لأن الموت ينافي وجوب الحقوق المبتدأة، ولا يجوز إيجابها على الورثة، لأنهم أجانب عنها. 25375 - ولأن عدة الوفاة عبادة تجب عليها، لاحق للزوج فيها، بدليل أنها تجب مع العلم ببراءة الرحم، ولا يجب على الزوج الإنفاق في أدائها كسائر العبادات، ولأنها غير مسلمة نفسها في منزل زوجها كالناشزة. 25376 - احتجوا بقوله تعالى: (أسكنوهن من حيث سكنتم).

25377 - الجواب: أن هذا خطاب للأزواج، وعندهم الإسكان على الورثة. 25378 - احتجوا بقوله: (متعا إلى الحول غير إخراج). 25379 - والجواب أنه منسوخ بقوله: (يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا)، ولأنه حث في هذه الآية على الوصية كما حث على الوصية للوالدين، ونسخ جميع ذلك بآية المواريث. 25380 - قالوا: روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (للمتوفى عنها زوجها، لا حتى يبلغ الكتاب أجله): نهاها عن الخروج. 25381 - قلنا: يجوز أن يكون ورثت بعض البيت، أو أذن لها الورثة في المقام. 25382 - وقد روي أنها قالت: لم يترك منزلًا؛ فأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمقام في المنزل، والخلاف في وجوب السكنى على الورثة. 25383 - قالوا: معتدة؛ فأشبهت المطلقة. 25384 - قلنا: تلك يجوز أن تستحق النفقة فجاز أن تستحق السكنى.

مسألة 1249 تأخر حيض الطلقة

مسألة 1249 تأخر حيض الطلقة 25385 - قال أصحابنا: إذا تأخر حيض المطلقة لعارض أو غير عارض بقيت في العدة، إلى أن تبلغ حد الإياس. 25386 - وهو قول الشافعي: في الجديد، وبه قال ابن مسعود. وقال في قوله القديم: إن تأخر لعارض من مرض أو رضاع أو نفاس فكذلك، وإن تأخر بغير عارض انتظرت إلى أن تعلم براءة رحمها، ثم اعتدت بالشهور، وهو قول عمر. 25387 - لنا قوله تعالى: (والمطلقت يتربصن بأنفسهن ثلثة قروء)، ولم يفصل، ولأنها بالغة يريد منها الحيض كالتي تأخر حيضها لعارض ولأن العارض عذر وكل عذر ينسل من الأصول إلى الأبدال وحتى عدم العارض فلم يوجد العذر، فأولى أن لا ينقل. 25388 - قالوا: في انتظار الحيض إضرار بالزوج؛ لأنا نوجب عليه سكناها وإضرارها، لأنها تبقى لا خالية ولا ذات بعل. 25389 - قلنا: يبطل بفداء الأسير، وبالحيض إذا تأخر بعذر. 25390 - قالوا: المقصود بالعدة براءة الرحم، قد علمنا براءة رحمها. 25391 - قلنا: يبطل إذ قال لها: إذا ولدت، فأنت طالق فولدت، فإن عليها العدة مع علمنا براءة رحمها. 25392 - ولأنه يوجب العدة بالشهور بعد العلم ببراءة رحمها، فبطل قولهم: امرأة المؤلى تقع الفرقة بعد المدة حتى يرتفع الضرر عنها. 25393 - قلنا: هناك قصد الإضرار بها، فعوقب، وهاهنا ثبت الضرر من طريق الحكم.

مسألة 1250 إقرار المعتدة بانقضاء العدة

مسألة 1250 إقرار المعتدة بانقضاء العدة 25394 - قال أصحابنا: إذا أقرت العدة بانقضاء عدتها، ثم جاءت بولد لستة أشهر فصاعدًا، لم يثبت نسبه من الزوج. 25395 - وقال الشافعي: يثبت نسبه إلا أن تكون تزوجت، فثبت من الثاني، أو ما يأتي به لأكثر من أربع سنين. 25396 - قلنا: إنها أتت بولد لمدة حمل أم بعد اعترافها بانقضاء عدتها، ولم يتعين كذبها، فلم يثبت نسبه من الزوج المطلق. أصله إذا تزوجت، ولا يلزم إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر؛ لأنا تبينا كذبها، والآيسة لا تحبل، ولأنها تصدق فيما تخبر به من انقضاء عدتها، والأمين يحمل قوله على الصحة ما لم يتبين كذبه كالوصي. 25397 - ولأن الاعتراف بانقضاء العدة معنى صح من جهتها، فوجب أن لا يحمل على الفساد متى أمكن حمله على الصحة كعقد النكاح. 25398 - ولأن كل مدة لا يثبت فيها نسب الولد من المطلق، فإنه لا فرق بين أن تكون تزوجت أو لم تتزوج، كما لو أتت به لأكثر من أربع سنين، وكل مدة ثبت النسب فيها فإنه لا يختلف أن يكون تزوجت أو لم تتزوج، كما لو أتت به لأقل من ستة أشهر. 25399 - فلما اتفقنا على أن مسألتنا إذا كانت تزوجت أن النسب لا يثبت، علمنا أنه لا يثبت قبل التزويج. ولو أن كل ولد أتت به بعد التزويج لم يثبت نسبه من الزوج الأول إذا أتت به قبل التزويج لم يثبت نسبه منه أيضًا. أصله إذا أتت به لأكثر من

أربع سنين. 25400 - احتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (الولد للفراش). والجواب: أن الفراش عندنا هو الزوج، وليس بزوج، وعلى قولهم هو صاحب الاستفراش، وهذا المعنى قد عدم بالبينونة، فلا يتناوله الخبر. 25401 - قالوا: أتت بولد لمدة حمل يجوز أن يكون منه، ولم يحدث هناك ما هو أولى منه، فوجب أن يثبت النسب منه. أصله إذا جاءت بولد أقل من ستة أشهر. 25402 - قلنا: قولكم ولم يحدث هناك ما هو أولى منه لا يؤثر في الأصل، لأنها إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر فقد تيقنا كذبه، وإذا جاءت به لأكثر، فلم نتيقن، والأمين يقبل قوله ما لم يتبين كذبه، والمعنى في الأصل أنها إذا تزوجت ثبت النسب من الأول، كذلك إذا لم تتزوج. 25403 - وفي مسألتنا لو تزوجت لم يثبت من الأول، كذلك إذا لم تتزوج كما لو جاءت به لأكثر من أربع سنين. 25404 - قالوا: إقرارها يتضمن حقها من السكنى، وإسقاط حق الولد، فقيل قولها في إسقاط حق نفسها، ولا يقبل في إسقاط نسب الولد. 25405 - قلنا: لو علمنا بكون الولد في بطنها يوم إقرارها لم يقبل إقرارها في إسقاط نسبه، ولهذا إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر ثبت نسبه، فأما في مسألتنا فيجوز أن يكون حدث بعد الإقرار، وإذا لم يعلم وجوده عند إقرارها لم يسقط نسبه بقولنا، وإنما أثر قولها في إسقاط العدة. 25406 - قالوا: نفيه النسب في هذه المسألة مع إمكان أن يكون منه، واسم

النسب في المشرقية والمغربية مع عدم الإمكان، وهذه مناقضة. 25407 - قلنا: المناقضة إنما تكون على علة، وعلتنا في المسألتين غير متناقضة، لأنها تعتبر الفراش في تلك المسألة ملك الفراش، فثبت الولد للمولود عليه، ولما لم يثبت الفراش في مسألتنا لم يثبت النسب لفقده. وإنما ناقض الشافعي، لأن الأمة تصير فراشًا بالوطء في مال المولى، ولأن مولى الأمة لو قال استبرأتها، ثم جاءت بولد لتمام ستة أشهر لم يثبت نسبه منه. هذا هو القول المنصوص عليه/ وأثبت النسب في مسألتنا للإمكان، وهذه مناقضة، بل الاستبراء ثبت بحيضة واحدة، والعدة ثلاثة أقراء، وهي أقوى في براءة الرحم، فكانت بنفي النسب أولى. 25408 - قالوا: ثبوت النسب بالنكاح أقوى، لأنه ثبت بإمكان الوطء، وفي الأمة لا يثبت إلى بالوطء. 25409 - قلنا، إذا وجد الوطء تساويا فيما بينهما، فنفوا النسب في أحد الموضعين، وأثبتوه في الآخر.

مسألة 1251 طلاق الرجل المرأة بعد الخلوة

مسألة 1251 طلاق الرجل المرأة بعد الخلوة 25410 - قال أصحابنا: إذا طلق الرجل امرأته بعد الخلوة فعليها العدة. 25411 - وقال الشافعي [رحمه الله]: لا عدة عليها. 25412 - لنا قوله تعالى: (والمطلقت يتربصن بأنفسهن ثلثة قروء)، ولم يفصل؛ ولأنه عقد يقصد به التناكح، والتمكن من الاستيفاء يجري مجرى الاستيفاء في الأحكام المتعلقة بالعقد. أصله عقد الإيجارة. 25413 - فإن قيل: يجب أن تثبت الرجعة، ويستوى المانع الشرعي وغيره، كما يستويان في الاستيفاء في الأحكام المتعلقة بالعقد. 25414 - قلنا: الرجعة لا تثبت؛ لأنها من حقوقه، وقد أسقطها بإنكار الوطء. وأما المانع الشرعي فلا يمنع العدة، لأن خلوة الصائم والمحرم تجب بها العدة. 25415 - ولأن الفرقة على ضربين فرقة في حال الحياة وفرقة بالوفاة، فإذا كانت فرقة الوفاة. توجب العدة قبل الدخول واشتغال الرحم بمائه، فلأن تجب العدة بالخلوة أولى.

25416 - ولأنه قد اشتهر من أصولنا أن الخلوة يجب معها كمال المهر، وكل معنى أوجب كمال المهر أوجب العدة كالوفاة. 25417 - ولأنها لو حملت فسبق الماء وجب العدة عليها، وإن لم تحبل كالمدخول بها والمتوفى عنها زوجها. 25418 - احتجوا: بقوله تعالى: (يأيها الذين ءامنوا إذا نكحتم المؤمنت ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها)، فلما أخبر أنه لا عدة للزوج بالطلاق قبل المسيس، وهذا طلاق قبل المسيس، فلا عدة. 25419 - قلنا: وكذلك نقول أن العدة لا تجب لحق الزوج، لأنه أسقط حقه من العدة حين قال: لم أدخل بها. وإنما تجب العدة لحق الله تعالى، ولأن المس اسم للقرب، فالله تعالى قال: (لا مساس)، أي لا قرب، ويقال بينهما رحم ماسة، أي قريبة، والقرب يوجد بالحلف، ولأن حقيقة المس عند مخالفنا المس باليد، وذلك في العادة لا يكون إلا في الخلوة بالكناية عنها. 25420 - قالوا: روي أنه - صلى الله عليه وسلم -: (تزوج امرأة، فلما خلا بها وجد بلحمها بياضًا، فردها إلى أهلها وقال: (دلستم)، ولم ينقل أنه أمرها بالاعتداد. 25421 - قلنا: يجوز أن يكون خلا بها خلوة فاسدة، فلم تجب عليها عدة، لأنه - صلى الله عليه وسلم - غير متهم، وإنما تجب العدة مع الخلوة الفاسدة لتمتع الزوجين. 25422 - قالوا: فرقة من نكاح في حال الحياة قبل وجود الوطء فيه، واشتغال رحمها بمائه، فلم تجر له عليها عدة. أصله إذا طلقها قبل الخلوة. 25423 - قلنا: يبطل بالوفاة. والمعنى في الأصل أن الطلاق حصل قبل التمكن والاستيفاء. وفي مسألتنا وجدت الفرقة بعد التمكن، فصارت كوجود الاستيفاء. 25424 - قالوا: ومن وجب عليها بوطئه العدة لم تجب عليها بخلوته، كالتي نكحها نكاحًا فاسدًا. 25425 - قلنا: الخلوة في النكاح الفاسد لا يستوفى بها موجب العقد، فلم يتعلق

بها حكم، وفي النكاح الصحيح يستوفى بها حكم العقد من التمكن، فيتعلق بها أحكام العقد. 25426 - قالوا: الخلوة معنى إذا وجد في النكاح الفاسد لا يوجب العدة، فإذا وجد في الصحيح وجب أن لا توجب العدة كاللمس باليد. 25427 - قلنا: يبطل بالوفاة. قالوا: الوفاة لا توجد في النكاح، أو الفرقة في النكاح لا توجد فيه. 25428 - قلنا: الدخول لا يجب العدة، وإنما الموجب لها الفرقة إذا تقدمها الدخول أو الخلوة والفرقة، ولأن المس باليد ليس هو من مقاصد النكاح، بدلالة أن القاضي لا يجبرها عليه، والتمكين من نفسها مقصود، بدليل أن القاضي يجبرها عليه، فحل محل الوطء. 25429 - قالوا: لا رجعة له عليها من غير عوض، والاستيفاء عدد، ولو كانت معتدة لثبت له الرجعة. 25430 - قلنا: هذه العدة لا تثبت لحق الزوج، والرجعة لا تثبت متى كانت العدة لحقه، بدلالة أنه لو قال: أخبرتني أن عدتها انقضت، وهي تنكر، والعدة ثابتة لحق الله تعالى ولحقها فلا رجعة له، لأنها غير ثابتة في حقه.

مسألة 1252 مقدار عدة الأمة

مسألة 1252 مقدار عدة الأمة 25431 - قال أصحابنا: عدة الأمة بالشهور. شهر ونصف. 25432 - وللشافعي: ثلاثة أقوال، أحدها مثل قولنا، والآخر: عدتها ثلاثة أشهر، والثاث: أن عدتها شهران. 25433 - لنا: ما روي عن عمر أنه قال: عدة الأمة بالشهور نصف عدة الحرة. ولو أسقطت لجعلت عدتها شهرًا ونصف، ولأنها عدة تنتقص، فكان للرق تأثير في نقصانها، كالعدة بالحيض. 25434 - ولأنه حق من حقوق النكاح مقدر، فكان للرق تأثير في نقصانها كالقسم. 25435 - احتجوا: بما روي أن الولد يبقى في الرحم أربعين يومًا نطفة، وأربعين علقة، وأربعين مضغة، ثم ينفخ في الروح، ولا يتبين الحمل بأقل من ذلك. 25436 - والجواب: أن على هذا يجب أن تكون العدة أربعة أشهر، وهذا لا يقوله أحد، ولأن الروح إذا كانت تنفخ فيه في الشهر الخامس فإنه يتبين قبل ذلك، فلهذا نعلم براءة الرحم بأقل منه.

فأما الكلام على القول الآخر فقد دل عليه حديث عمر؛ ولأن الشرع أقر تبعيض ما يقبل التبعيض منها على النصف كالحد ومدة القسم، وهو يقولون إن عدتها حيضتان، وكل شهر يأتي مقام حيضة. 25437 - قلنا: لا نسلم ذلك، بل عدتها حيضة ونصف، والحيضة لا تتبعض، فلما وجب بعضها وجب باقيها، والشهر يتبعض، فلم تجب بقيته بوجوب حرمته.

مسألة 1253 عتق الأمة في حال العدة

مسألة 1253 عتق الأمة في حال العدة 25438 - قال أصحابنا: إذا أعتقت الأمة في حال العدة، فإن كان الطلاق رجعيًا انتقلت عدتها، وإن كان بائنًا لم تنتقل. 25439 - وللشافعي قولان: أحدها أن عدة الرجعية لا تنتقل، وكذلك في البائن قولان، أما المطلقة الرجعية، فهي زوجة، فإذا لزمها الاعتداد مع الحرية كانت عدة الحرائر كما لو طلقها بعد العتق. 25440 - ولأن الحرية سبب لتعيين العدة، كما لو توفي فإن الوفاة سبب لذلك، وهو أصله. ولأن النكاح بينهما قائم. بدلالة التوارث وصحة الإيلاء والظهار والحرية مع قيام النكاح فيثبت كمال العدة. أصله إذا أعتقت ثم طلقها. 25441 - احتجوا: بأنها مطلقة كالمبتوتة. 25442 - والجواب أن المبتوتة لا تنتقل عدتها بالوفاة، فلم تنتقل بالعتق، وهذه تنتقل بالوفاة، فانتقلت بالعتق. 25443 - قالوا: معنى يختلف بالرق والحرية، فكان المعتبر بحال الوجوب دون حال المال كالحد. 25444 - قلنا: الحد يسقط بالشبهة؛ فإذا وجب على وجه لم يرد بتعيين حال المحدود، والعدة تثبت مع الشبهة، فإذا طرأ المعنى الموجب للكمال كملت، ولأن الحد وجب لمعصية؛ فقد عصت، فلم يجز إكماله مع عدم الوجب له، والعدة تجب بالنكاح، وهو معنى قائم، فإذا كان الموجب لها بحالة، جاز أن يكمل طروء المعنى

الموجب للكمال. فأما المبتوتة، فلا يتعين عدتها، لأنها أعتقت بعد البينونة، فلم يؤثر العتق في عدتها. أصله المطلقة الرجعية إذا انقضت عدتها، ثم أعتقت. ولأن العتق ثبت لتعيين عدة ليست ببدل ولا مبدل، فإذا وجد بعد البينونة لم تتعين العدة كالوفاة. ولا يلزم المعتدة بالشهور إذا رأت الدم، ولا المعتدة بالحيض إذا ثبت، لأن العدة بالشهور بدل عن الحيض. 25445 - ونحن قلنا: سبب لتعيين عدة ليست ببدل ولا مبدل. ولا يلزم المبتوتة في المرض إذا ورثت، لأن عدتها لم تتعين عندنا، وإن ضممنا إليها عدة أخرى. 25446 - فإن قيل: فكذلك هاهنا، تكمل العدة. فإما: إن تكونوا ضممتم إليها عدة فلا، لأن العدة لا تكون حيضة واحدة في النكاح. 25447 - قالوا: سبب عدة الوفاة لا يوجد في الثاني، وهو وفاة الزوج، وسبب كمال العدة الحرية، وهو موجود. 25448 - قلنا: سبب كمال العدة الحرية مع قيام النكاح، فأما مع زواله فلا، [بدلالة العتق بعد انقضاء العدة]. 25449 - ولأن كل حالة لا تتعين عدتها بالوفاة لا تتعين بالحرية. أصله بعد انقضاء العدة، وعكسه المطلقة الرجعية. 25450 - ولأنه لا يلحقها ظهار ولا إيلاء، ولا يتعين حالها في العدة بالعتق. أصله المبعضة العدة/. 25451 - احتجوا: بأنها معتدة، فوجب أن تتعين عدتها بالحرية كالمطلقة الرجعية.

25452 - والجواب: أن المطلقة الرجعية زوجة، وأحكام الزوجية قائمة، فكل شيء يطرأ عليها يغير عدتها بدلالة الوفاة. والمبتوتة أحكام الزوجية عندها زائلة، فإذا حدث ما يوجب تغير العدة، وليس ببدل ولا مبدل كما لو حدثت الوفاة لم تنتقل. 25453 - قالوا: حرة في حال عدتها كما لو أعتقت قبل الفرقة. 25454 - قلنا: هناك حصلت مع قيام النكاح، فلما وجبت العدة كانت عدة الحرائر، وهاهنا الحرية حدثت بعد زوال النكاح فصار كما لو حدثت بعد انقضاء العدة. 25455 - قالوا: سبب لتعيين العدة كالصغيرة إذا بلغت، والكبيرة إذا يئست. 25456 - قلنا: يبطل بعدة الوفاة، ولأن الصغيرة لا عدة عليها عندنا، وإنما يلزمها العدة بالبلوغ، وإذا تبدل بالعدة في تلك الحال، وبقيت من ذوات الأقراء كانت عدتها الحيض، فأما أن تكون عدتها بعرف فلا، وأما الكبيرة إذا يئست، فلو لم تتعين العدة لأكملنا المبدل، وأحدهما يجوز إكماله بالآخر فلذلك استأنفت العدة بالشهور، وفي مسألتنا ثبت التعيين بما لا يوجب الجمع بين البدل والمبدل، فلم تعين عدة المبتوتة بالوفاة.

مسألة 1254 إذا أبان الرجل زوجته بعدما دخل بها

مسألة 1254 إذا أبان الرجل زوجته بعدما دخل بها 25457 - قال أبو حنيفة وأبو يوسف: إذا أبان الرجل زوجته بعدما دخل بها، ثم تزوجها في العدة، ثم طلقها قبل الدخول، فلها كمال المهر، وعليها عدة مستقبلية. 25458 - وقال محمد: يجب عليه نصف المهر، وتمام العدة الأولى، وبه قال الشافعي. 25459 - لنا قوله تعالى: (والمطلقت يتربصن بأنفسهن ثلثة قروء)، ولم يفصل، ولأنها معتدة عقيب الطلاق في نكاح تام فوجب أن يلزمها كمال العدة، كما لو دخل بها، ثم طلقها. 25460 - ولا يلزم المطلقة الرجعية، لأنا قلنا في نكاح تام، وهذا نكاح ناقص. 25641 - ولأن دخول المدخول بها ثابت بهذا العقد، ولهذا ثبت نسب الولد لأقل

من ستة أشهر، وحكم الدخول كنفس الدخول في باب العدة، أصله إذا تزوج امرأة، فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر. 25462 - ولأن الفرقة على ضربين، فرقة في حال الحياة، وفرقة بالوفاة، فإذا كانت الفرقة بالوفاة يجوز أن يجب بها كمال العدة، وإن حصلت قبل الدخول. كذلك العدة الأخرى. وهذه المسألة مبنية على أنه يلزمه كمال المهر، وكل امرأة استحقت كمال مهر وجب عليها كمال عدتها كالمدخول بها، والمتوفى عنها زوجها. 25463 - احتجوا بقول الله تعالى: (يأيها الذين ءامنوا إذا نكحتم المؤمنت ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها). 25464 - قلنا: هذا تناول من لا يخاطب عقيب الطلاق بعد توجهه، وهذه يلزمها عدة باتفاق. قالوا مطلقة قبل المسيس فصار كالنكاح ابتداء. 25465 - قلنا: هناك لا يجب عليها عدة، فلم يعتبر كمالها ونقصانها، وهاهنا عدة تجب باتفاق في نكاح تام؛ فوجبت العدة بكاملها.

مسألة 1255 الإحداد للمبتوتة

مسألة 1255 الإحداد للمبتوتة 25466 - قال أصحابنا: المبتوتة يلزمها الإحداد. 25467 - وقال الشافعي: في أحد قوليه: لا إحداد عليها. 25468 - لنا: ما روى من حديث أم سلمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (نهى المعتدة أن تختضب بالحناء)، وقال: الحناء طيب. ولم يفصل. 25469 - ولأنها مسلمة بانت من زوجها بينونة يتعلق بها تحريم الوطء، وهي من أهل العبادات، كالمتوفى عنها زوجها. 25470 - ولا يلزم الصغيرة؛ لأنها لا تخاطب بفروع العبادات، ولا المطلقة الرجعية، لأنا قلنا: بانت، ولا المنكوحة نكاحًا فاسدًا، وأم الولد، لأنا قلنا: من زوجها. ولا يلزم إذا اشترى الزوج زوجته، لأن البينونة لا يتعلق بها تحريم الوطء، وإن

شئت قلت معتدة من زوجها لأجل بينونة حرمت الوطء، فأشبهت المتوفى عنها زوجها، ويستوي فيها الصغيرة والكافرة. 25471 - ولأن المنع المتعلق بعد الطلاق آكد من المنع بعد الوفاة، بدليل أن المطلقة تمنع من الخروج ليلًا ونهارًا والمتوفى عنها تمنع ليلًا. فإذا حرم الطيب والزينة في عدة الوفاة فلأن يحرم في عدة الطلاق أولى. 25472 - احتجوا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت أكثر من ثلاثة أيام إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرًا). 25473 - والجواب: أن هذا لا دلالة فيه، لأنه منع الإحداد على ميت إلا على زوج، وخلافنا في الإحداد على الحي. 25474 - ولأنه حرم الإحداد، وأباحه على الزوج في مدة العدة، فصار ذلك تنبيها على وجوب الإحداد في كل عدة. 25475 - قالوا: روت أم سلمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في المتوفى عنها زوجها: (لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشقة ولا تلبس الحلي ولا تختضب ولا تكتحل). 25476 - قالوا: فخص المتوفى عنها زوجها. 25477 - قلنا: تخصيص المذكور بالحكم لا يدل على نفي ما عداه. 25478 - قالوا: معتدة من فرقة في حال الحياة فكانت كالمطلقة الرجعية. 25479 - قلنا: لم يزل ملك الزوج عنها، وهذه قد زال الملك عنها [كالمتوفى عنها]. 25480 - قالوا: عدة موجبها الوطء كعدة الصغيرة. 25481 - قلنا: تلك لا تخاطب بفروع الشرع فلم يلزمها الإحداد، وهذه ممن تخاطب بفروع الشرع، فلذلك تلزمها الإحداد إذا بانت من زوجها بينونة تحرم الوطء. 25482 - قالوا: الإحداد يجب على المتوفى عنها زوجها، لأن الزوج تمسك بها

إلى غاية نكاحها، فيظهر الحزن عليها، والمطلق أعرض عنها، فلم يستحق ذلك. 25483 - قلنا: لو كان الإحداد يجب لهذا المعنى، لوجب على الزوج بوفاتها، وإنما يجب، لأنها حرمت على الأزواج والتشوق بفعل لطلب الأزواج، فكان عليها الإحداد ليتبين إعراضها عنهم. 25484 - قالوا: قياس على عدة الطلاق أولى، لأن اعتبار الشيء بجنسه. 25485 - قلنا: قياسها على عدة الوفاة أولى، لأن كل واحدة منهما ثبت عليها البينونة فيقاس على نظيره، وقياسها على ما لا يثبت البينونة قياس على خلاف ذلك.

مسألة 1256 الإحداد للمجنونة والصغيرة

مسألة 1256 الإحداد للمجنونة والصغيرة 25486 - قال أبو حنيفة: الصغيرة والمجنونة لا إحداد عليها. 25487 - وقال الشافعي: الإحداد عليها. 25488 - لنا قوله النبي - صلى الله عليه وسلم -: (رفع القلم عن ثلاث، عن الصبي حتى يحتلم) وهذا ينفي الخطاب بالشرعيات، فإن قيل خلافنا في الصبية. 25489 - قلنا: قد أريد الصغير بإجماع، بدلالة بقية وجوب العبادات. 25490 - فإن قيل: إنما يخاطب الولي بأن يحبسها. 25491 - قلنا: فهي المطالبة، والمشقة تلحقها، والخبر يقتضي رفع التكليف عنها، ولأنها عبادة شرعية فلا تجب على الصغيرة كالكبيرة. 25492 - أو نقول عبادة من فروع الإسلام، فلا يلزم الصغيرة كالصوم، ولا يلزم صدقة الفطر؛ لأنها لا تخاطب بها، وإنما يخاطب بها الولي، ولهذا يجب عليه إخراجها من ماله إذا لم يكن له مال، ولا يلزم العدة، لأنها لا يلزمها، وإنما تعتد بأن لا يتزوجها أحد في مدة العدة، ولأن تحريم الوطء لحق الله تعالى، فلا يجب على الصغيرة ابتداء كالإحرام. 25493 - احتجوا: بما روي أن امرأة أتت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: (يا

رسول الله إن بنتي توفي عنها زوجها، وقد اشتكت عينها، أفتكتحل، قال: لا، مرتين أو ثلاثًا). 25494 - قالوا: ينقل الحكم مع السبب. 25495 - قلنا: السبب قد يحتمل أن يكون عرف ببلوغها. 25496 - قالوا: هذا زيادة على سبب وفاة زوج شخص بعينه، فالحكم لا يتعداه إلا بدليل، وقد عارض هذا قوله - صلى الله عليه وسلم -: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت، فدليله أن غير المرأة لا إحداد عليها، والدليل عندهم كالمنطوق. 25497 - قالوا: معتدة من وفاة زوجها كالبالغة. 25498 - قلنا المعنى فيها أنها مخاطبة بفروع الشرع، فجاز الإحداد، والصغيرة لا يلزمها فروع الشرع، فلم يلزمها الإحداد.

مسألة 1257 الإحداد للكافرة

مسألة 1257 الإحداد للكافرة 25499 - قال أصحابنا: الكافرة لا يلزمها الإحداد. 25500 - وقال الشافعي: عليها الإحداد. 25501 - لنا: أن تحريم الطيب لحق الله تعالى، فلا يثبت لحق الكافرة كحال الإحرام. ولأنها كافرة، فلا يلزمها الإحداد كالمبتوتة. 25502 - ولأن ما يلزم المبتوتة في في عدتها لا يلزم الكافرة المتوفى عنها زوجها. أصله لبس الحداد. 25503 - ولأن الإحداد عبادة بدنية ليس للآدمي حق فيها، فلا يلزم أداؤها مع الكفر كالصلاة. 25504 - ولا يلزم العدة، لأن الزوج حقًا فيها، وهو حفظ المال. 25505 - احتجوا: بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت) ... 25506 - والجواب: أنه لا يقال/ للكافرة أنها تؤمن بالله واليوم الآخر، وإنمايقال ذلك في المسلمة. 25507 - احتجوا: بحديث المرأة التي قالت: إن بنتي توفي عنها زوجها، وقد اشتكت عينها.

25508 - قلنا: عرف النبي - صلى الله عليه وسلم - إسلامها، وهذا هو الظاهر، لأن الكفار لا يسألون النبي - صلى الله عليه وسلم - الأحكام. 25509 - قالوا: معتدة من وفاة زوجها كالمسلمة. 25510 - قلنا: المسلمة مخاطبة بفروع الشرع، فجاز أن يلزمها الإحداد، والكافرة غير مخاطبة بفروع الشرع، فلا يلزمها. 25511 - قالوا: ما وجب في عدة المسلمة وجب في عدة الكافرة، كترك التزويج والخروج. 25512 - قلنا: هذا يلزمها لحق الآدمي، والإحداد يلزمها لحق الشرع، فلا يلزمها فعله مع وجود الكفر. 25513 - قالوا: الإحداد من توابع العدة وصفاتها؛ فإذا لزمها العدة لزمها توابعها. 25514 - قلنا: لو كان كذلك لا يلزم في كل عدة، فلما لم يجب دل على أنه عبادة مفردة، ليس من توابع العدة إن قدر بها.

مسألة 1258 عدة الكافرة إذا طلقها الكافر

مسألة 1258 عدة الكافرة إذا طلقها الكافر 25515 - قال أبو حنيفة: إذا طلق الكافر الكافرة فلا عدة عليها. وقالا عليها العدة. 25516 - وبه قال: الشافعي. 25517 - لنا: أن العدة لا تخلو أنها تجب لحق الله تعالى، أو لحق الزوج، ولا يجوز إيجابها لحق الله تعالى، لأن الكفار لا يخاطبون في الدنيا بالشرعيات، فلا يجوز أن تجب لحق الزوج، لأنه لا يعتقدها حقًا له، وإذا سقط الأمران لم يجز إيجابها. 25518 - ولأنها عبادة يتعلق بها تحريم الطيب، فلا تحريم الطيب، فلم تجتمع مع الكفر كالإحرام، ولأنه فرقة حصلت بين كافرين فلا تجب بها عدة كالمبينة. 25519 - احتجوا بقول الله تعالى: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا). 25520 - والجواب: أن هذا في امرأة المسلم، لأنه قال: منكم، وامرأة المسلم الكافرة، فلا يلزمها العدة لحقه. 25521 - احتجوا بقوله تعالى: (والمطلقت يتربصن بأنفسهن ثلثة قروء). 25522 - قلنا: قال: (إن كن يؤمن بالله)، فدل على أن الآية خاصة في المسلمات. 25523 - قالوا: امرأة بانت من زوجها بالزنا، فوجب أن تعتد منه عدة الوفاة كالمسلمة.

25524 - قالوا: ولأنه طلاق واقع بعد الدخول، فوجب عليها عدة الاستبراء كالمسلمة. 25525 - قلنا: المسلمة مخاطبة بفروع الشرع، فجاز أن تلزمها العدة، والكافرة لا يلزمها فروع الشرع، ولا يعتقد الزوج العدة حقًا له، فلم يجز أن يلزمها. 25526 - قالوا: عدة الوفاة من أحكام الشرع، فيستوي فيها المسلمة والذمية كالطلاق والإيلاء والميراث. 25527 - قلنا: هي من أحكام النكاح في حقه، لأن العبادات التي هي فروع الشرع تختص بنا، فأما الطلاق والميراث والإيلاء، فلا يثبت على وجه العبادات، لكن الطلاق إسقاط حق والإرث سبب الملك، وهذه المعاني يستوي فيها الكافر والمسلم. 25528 - قالوا: لا يمتنع أن تخاطب بالعدة للكفر؛ فإذا اختصموا إلينا فسخناها. 25529 - قلنا: كل عقد فسد بمعنى يستوي فيه الابتداء والبقاء، وما أحل فيه بشرط يختلف فيه للابتداء أو البقاء لا يعترضه كالنكاح بلا شهود. 25530 - قالوا: وطء يثبت منه النسب، فوجب العدة فيه، كما لو كانت تحت مسلم. 25531 - قلنا: النسب لا يخلو أن يجوز لحق الله تعالى، أو لحق الزوج، أو لحق الولد، ولا يجوز أن يجب لحق الله، لأنهم لا يخاطبون بفروع الشرع، ولا لحق الزوج إذا لم يعتقد ذلك حقًا لنفسه، ولا لحق الولد، لأنا لا نعلم وجوده، ولا يجوز إن ثبت الحق، ونحن لا نعلم المستحق.

مسألة 1259 تداخل العدتين

مسألة 1259 تداخل العدتين 25532 - قال أصحابنا: العدتان يتداخلان، سواء كانتا من واحد أو اثنين من جنس واحد أو جنسين، فصورة العدتين من واحد أن يطلق الرجل امرأته تطليقة رجعية، ثم يطؤها، فالطلاق أوجب عدة، والوطء عندهم أوجب عدة، لأنه لا تكون رجعية، ويكتفى بعدة واحدة، [وعلى أصله إذا طلقها، فكل واحد من الطلاقين لو انفردا أوجب كل منهما عدة، ويقتصر على عدة واحدة، والعدة] من اثنين كالرجل امرأته، فتوطأ في عدتها بشبهة، فيجب عليها عدة من الثاني، وهما من جنس واحد، فتتداخل العدتان. وأما إذا كانا من جنسين كالمتوفى عنها زوجها إذا وطئت بشبهة، فعليها عدة الوفاة بالشبهة، وعدة الوطء بالأقراء، فيقع فيهما التداخل، وهو أن ما تراه في عدة الوفاة من الحيض يحتسب لها من العدة الثانية. 25533 - وقال الشافعي [رحمه الله]: في العدتين من الواحد مثل قولنا، وقال: في العدة من الاثنين لا تتداخل لها، لكنها إذا وطئت، وهما جاهلان بالتحريم، أو الرجل جاهل انقطعت عدة الأول، ولم تعتد بالأقراء، فإذا فرق القاضي بينهما كملت عدة

الأول، ثم اعتدت من الثاني، فإن حملت نظر القافة إلى الولد، فإن ألحقوه بالأول انقضت عدة الثاني بوضعها، وتممت عدة الأول بعدة. وإن كان الزوج يعلم بالتحريم فعليها تمام عدة الأول، ولا عدة عليها من الثاني، لأن وطأه زنا. 25534 - لنا قوله تعالى: (وأولت الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن)، فظاهره يقتضي أن الحامل إذا وطئت بشبهة فوضعت حملها قضت الأجل من الطلاق والوطء. 25535 - فإن قيل: قوله تعالى: (أجلهن) إضافة الأجل إليها، وهذا تعريف، فيقتضي أجلًا واحدًا، كقولهم (دار زيد). 25536 - قلنا: التعريف بالإضافة كالتعريف باللام، والمعرف باللام إذا لم يكن هناك عهد أفاد الجنس. 25537 - ولأنه من إضافة الأجل إلى الجماعة، والأجل الواحد لا يضاف إلى الجماعة. إننا نعلم أنه أراد بالأجل الجنس، وهذا كقوله - صلى الله عليه وسلم -: (منعت العراق قفيزها ودرهمها). 25538 - يدل عليه قوله تعالى: (والمطلقت يتربصن بأنفسهن ثلثة قروء)، ولم يفصل بين التي وطئت بشبهة، أو لم توطأ. 25539 - ولأن العدة أجل، فقوله تعالى: (وأولت الأحمال أجلهن)، وقال عز من قائل: (حتى يبلغ الكتب أجله)، فالأجل يجوز أن ينقضي في حق اثنين [كآجال الديون ولا يقال المعنى في الأجل أنه يجوز أن ينتفي بمدة واحدة]. لأن العدة مدة لا تقف على فعل، فجاز أن تسقط عدة واحدة حق اثنين. كالأجل لصاحب الدين، وعليه فجاز أن ينقضي الأجلان بمدة واحدة، ولأن المقصود بالعدة في ذوات الأقراء العلم ببراءة الرحم، وهذا المعنى وجد في حقهما، فانقضت العدة. ولا يقال لا يمنع أن تجب العدة عبادة، لأجل براءة الرحم كعدة الآيسة والصغيرة، لأنا لا نمنع كون وجوب العدة لا لبراءة الرحم، وإنما عدة ذوات الأقراء يقصد بها براءة الرحم.

25540 - فإن قيل: لو كان المقصود براءة الرحم اقتصر على حيضة واحدة. 25541 - قلنا: لا يقتصر على ذلك، لأن الحامل قد ترى دم الاستحاضة، وعندهم ترى دم الحيض، فإنما لا يتوالى ذلك في العادة، فاعتبر ثلاث حيض ليتيقن بها عدم الحمل. 25542 - فإن قيل: لو قال لامرأته إذا ولدت، فأنت طالق، فولدت، ووجب عليها العدة، وإن كان رحمها قد برئ بوضع الحمل، وإنما يورِثُ براءة الرحم إذا وجدت مع سبب وجوبها، وهاهنا برئ رحمها قبل وجود سبب العدة، فلذلك لم تعتد بالوضع، لأنه يجوز أن يكون وطئها قبل وضع الحمل، ولم يخلص الماء إلى رحمها إلا بعد وضع الحمل، لأن السبب العدة وجد في حالة واحدة، فوجب أن يتداخل. أصله إذا وجبت لحق واحد. 25543 - ولأن كل ما يقع فيه التداخل إذا كان المستحق له واحدًا جاز أن يقع فيه التداخل، وإن كان المستحق له اثنين فكذلك أصله الإحالة، وعكسه الديون. 25544 - فإن قيل لا يمتنع أن يختلف التداخل في حق الواحد والاثنين، بدلالة أن المنكوحة نكاحًا فاسدًا إذا تكرر وطؤها وجب مهر وحد، ولو وطئ امرأتين وجب لكل واحدة مهر، ولو قطع يد رجل، ثم قتله وجبت دية واحدة [ولو قطع يدًا واحدة] ثم قطع أخرى. وقيل: آخر لم يتداخل الواجب. 25545 - قلنا: إذا تكرر الوطء في النكاح، فالثاني لا يوجب مهرًا، وإذا قطع يد واحد، فما لم يتداخل لم يجب به شيء، وإذا قتله لا يتداخل إذا كان للحق مستحقان. 25546 - وفي الجناية يتداخل الواجب. وفي مسألتنا قد وجب لكل واحد من السببين عدة باتفاق. ولأنا علمنا بجواز التداخل عندنا إذا قتل الواحد جماعة، ولأنها وطئت في حال عدتها، فإذا تعقب وطئها ثلاثة أقراء، حلت للأزواج. أصله إذا كان الواطئ يعلم بالتحريم. 25547 - ولأن المخالف لا يخلو إما أن يسلم لنا أن العدة من الثاني سبب عقيب الوطء، أو يمنع ذلك، ويقول: هي معتدة في حق الأول خاصة. فإن لم يسلم فالدليل عليه، لأن سبب العدة قد وجد، فلا تتأخر العدة عنها. أصله السبب/ الأول.

25548 - ولا يلزم إذا طلق إحدى نسائه ثم تبين أن العدة تجب عليها من وقت البيان، لأن الطلاق لم يقع على واحدة منهن عندنا، وإنما ثبت في الذمة، ويقع على هذه بالتعيين، فلم تتأخر العدة عن سببها، ولأن كل سبب لا يوجب العدة عقيب وجوده لا يوجبها في الثاني، أصله الطلاق قبل الدخول. 25549 - قالوا: إذا طلقها في الحيض لم تتعقب العدة الطلاق، وتتأخر عنه. 25550 - قلنا غلط، بل هي معتدة عقيب الطلاق، إلا أن العدة لا تنقضي بتلك الحيضة، كما لا تنقضي بالأطهار عندنا، لأن الأول لا يجوز أن يتزوجها، فلو لم تكن معتدة من غيره لجاز له تزويجها، إذ العدة من الإنسان لم تمنع نكاحهما، إلا أنه يجوز أن يتزوجها، فدل على أنها معتدة من غيره. 25551 - ولأن العدة التي هي من حقوق النكاح لا تكون أقوى من نفس النكاح. ومعلوم أن الوطء بشبهة إذا طرأ مع قيام النكاح أوجب العدة، ولم يمنعها النكاح، فأولى ألا تمنعها العدة التي هي من حقوقه. 25552 - ولأن حكم النكاح والعدة في المنع من العدة سواء، بدلالة أن أم الولد إذا مات مولاها، ولها زوج لم يلزمها عدة بموته. وكذلك إن مات المولى، وهي في عدة من زوج، فإذا استوى النكاح والعدة في منع العدة، ثم كان النكاح لا يمنع طرئان هذه العدة، فكذلك العدة لا تمنع. 25553 - فإن قيل: هذا ممنوع، ولا تصير المرأة محبوسة في حق اثنين. أصله النكاح. 25554 - قلنا: هذا تعليل بحكم اتفق على خلافه، لأنها محبوسة في حقهما بانفاق، بدلالة أن الأول ممنوع من العقد عليها لأجل، والثاني ممنوع من العقد لحق الأول، والحبس هو المنع من الأزواج. 25555 - ولأن النكاح لا يطرأ أحد العقدين على الآخر مع بقائه، فلا يصح أن تكون محبوسة في حقها، والعدة يجوز أن يطرأ سببها على عدة أخرى، فكذلك اجتمع الجنسان. بين ذلك أنها تخير على زوجها، وعلى الواطئ بشبهة، ولما جاز أن نحبس بالعقد والعدة، جاز أن تحبس بالعدتين. 25556 - فإذا ثبت هذا قلت إن كان معنى تنقضي به العدة متى وجد عقيب سبب العدة انقضت به العدة. أصله إذا كانت العدة من واحد.

25557 - احتجوا: بما روى سعيد بن المسيب أن طليحة كانت عند رشيد الثقفي، فطلقها، وبت طلاقها، فتزوجت في عدتها، فضربها عمر بن الخطاب بالمخفقة، وضرب زوجها عدة ضربات، وفرق بينهما ثم قال: أيما امرأة نكحت في عدتها من الأول، فإن كان زوجها الذي تزوجها لم يدخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من الأول وكان خاطبًا من الخطاب. فإن كان دخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من الأول ثم اعتدت من الآخر، ثم لم ينكحها أبدًا. وعن علي ابن أبي طالب - رضي الله عنه - مثله. 25558 - قلنا: ذكر محمد في الكتاب عن أحمد بن حنبل مثل قولنا، فصارت مسألة خلاف بينهم. 25559 - قالوا: حقان مقصودان لآدميين يمكن استيفاؤهما، فوجب أن يتداخلا كالديتين. 25560 - قلنا: الحق المقصود هو الاستبراء لمدة ليست مقصودة لهذا، تارة تطول وتارة تقصر، فهي كالأجل الذي المقصود منه الدين، والمدة ليست مقصودة، فتتداخل فيهما كما يقع في مدة العدة عندنا. 25561 - وقولهم: يمكن استيفاؤهما لا نسلم أن العدتين تنقضي بوضع الحمل عندنا، أو بوجود الحيض، فما يعتد به بعد ذلك ليست بعدة، فلا نسلم أنه يمكن استيفاؤهما، والوصف غير مؤثر في الأصل، لأنه لا فرق في الدين أن يكون لآدمي واحد، أو لآدميين. والمعنى في الدين أنه [لآدمي واحد]،كذلك العدة، لأنه لو ثبت لواحد تداخلت، فإذا ثبت لاثنين جاز أن تتداخل، [أو نقول المقصود بالدين لا

يحصل في حق واحد إذا استوفاه آخر، فلذلك لم يتداخل]، والمقصود بالعدة يحصل في حقهما، إن استوفت حق أحدهما. 25562 - قالوا: فيجعل أصل العدة إذا قطع يد واحد قبل آخر حتى يؤثر الوصف، وتسقط المعارضة. 25563 - قلنا: المعنى في القصاص أنه لو ثبت لحق واحد جاز أن يتداخل، وهو إذا قبله بعد التردد في مسألتنا لو حصل لحق الواحد تداخل. كذلك إذا ثبت لحق اثنين. 25564 - قالوا: عدتان وجبتا لحق اثنين كما لو كانتا من جنسين تداخلت ما أمكن التداخل، لأن الحيض التي تراها في مدة الأشهر يحبسها، وإنما لا يتداخل منها ما لا يمكن التداخل، فهو كالعدتين من جنس واحد سبقت إحداهما الأخرى، فيقع التداخل فيما يمكن منها، ولا يقع فيما زاد على العدة الأولى. 25565 - قالوا: حقان لآدميين يتعلقان بالوطء، فلم يتداخلا كالمهرين. 25566 - قلنا: العدة لا تتعلق بالوطء، بدلالة وجوبها في الوفاة قبل الدخول، وإنما هي من أحكام العقد إذا استوفيت أحكامه، ولهذا تجب بالخلوة عندنا. والمعنى الظاهر أنه حق ثبت للزوجة، فإذا استوفت أحد المهرين لم يجعل ذلك المقصود من الآخر، والعدة متى استوفيت في حق أحد الزوجين حصل بها المقصود في حق الآخر. 25567 - وقد قال الشافعي في الكافر إذا طلق امرأته فتزوجت في عدتها بمشرك آخر ثم أسلم، وهي في عدتها ففرق بينهما، فإنها تعتد بثلاثة أقراء تدخل فيها بقية العدة الأولى. التزم ذلك ابن أبي هريرة وأبو علي الطبري، وهو نقض لكلامهم. 25568 - ومن أصحابهم من قال: لا تتداخل، وسوى بين المسألتين.

مسألة 1260 تزوج الرجل المرأة في العدة

مسألة 1260 تزوج الرجل المرأة في العدة 25569 - قال أصحابنا: إذا تزوج الرجل امرأة في عدة وطئها، وهو يعلم أنها محرمة عليه، ثم انقضت عدتها، جاز له أن يتزوج بها. 25570 - وقال الشافعي: في أحد قوليه: لا تحل له أبدًا. 25571 - لنا قوله تعالى: (وأنكحوا الأيمى والصلحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله)، ولما روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل). 25572 - وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يحرم الحلال الحرام)، ولأنه وطء نكاح فاسد، فلا يوجب تحريمًا مؤبدًا كسائر الأنكحة الفاسدة. 25573 - ولأنه وطء محرم؛ فلا يوجب تحريم الموطوءة عليه كالزنا، ولأن الزنا أبلغ في تحريم الوطء كوطء المعتدة، فإذا لم يوجب الزنا تحريمًا مؤيدًا، فهذا أولى، ولأن المعقود عليه يجوز أن يملك بالعقد، وإنما لم يقع العقد لفقد شرط، فصار كمن تزوج بغير شهود. 25574 - احتجوا: بما روي عن عمر أنه قال: يفرق بينهما، ولا تحل له أبدًا.

25575 - قلنا: الخلاف في هذه المسألة مشهور بين الصحابة وروي عن علي [- رضي الله عنه -] مثل قولنا. 25576 - قالوا: استعجل ما نهى الله تعالى عنه، فوجب أن يثبت الحظر في حقه على التأبيد، كالوارث إذا قتل المورث. 25577 - قلنا: يبطل بمن طلق امرأته ثلاثًا، ثم تزوجها، ووطئها قبل أن تتزوج بزوج آخر، وبأم الولد إذا قتلت مولاها عتقت.

مسألة 1261 تزوج امرأة المفقود

مسألة 1261 تزوج امرأة المفقود 25578 - قال أصحابنا: امرأة المفقود لا يجوز لها أن تتزوج ما لم يثبت موته، أو تمضي مدة لا يعيش مثله إلى مثلها. 25579 - وقال الشافعي [رحمه الله]: إذا غاب غيبة منقطعة يخفى عنها شخصه وخبره، تربصت أربع سنين، ثم تأتي الحاكم حتى يحكم بفراقها بوفاته، ثم تعتد أربعة أشهر وعشرًا، وتحل للأزواج. هذا قوله القديم. 25580 - وقال في الجديد مثل قولنا، وظاهر قوله أن ابتداء مدة التربص من حين فقده.

25581 - وقال أصحابه من حين يضرب القاضي المدة، فإذا حكم القاضي بالفرقة على قوله القديم، هل ينفذ في الباطن؟ على قولين: 25582 - أحدهما: ينفذ حتى إذا رجع الزوج لم يكن له عليها سبيل. 25583 - والثاني: ينفذ في الظاهر دون الباطن 25584 - لنا قوله تعالى: (والمحصنت من النساء)، وهن ذوات الأزواج، ولأنه لم يثبت موت الزوج، ولا علمنا أنه في الظاهر، فلا يجوز أن تتزوج كما كان قبل أربع سنين. 25585 - ولأن كل حالة لا تحكم بانتقال مال المفقود إلى الورثة لا يباح لامرأته أن تتزوج. أصله إذا مضي أقل من أربع سنين. 25586 - ولأنها لا ترث مع ارتفاع الموانع، ولا يحكم بوجوب عدة الوفاة عليها، كما لو انقضى أربع سنين. 25587 - ولأن الفرقة على ضربين: فرقة بالطلاق، وفرقة بالوفاة، فإذا كانت الفرقة بالطلاق/ لا يحكم بها إلا بعد ثبوت الطلاق، فالفرقة بالوفاة مثله. 25588 - ولأن جواز التزويج لا يخلو إما أن يكون لأجل الضرر الذي يلحقها، وللحل بوفاته، ولا يجوز أن تكون الفرقة، لأن هذه المدة يعيش الإنسان في مثلها غالبًا كما دون أربع سنين، ولا يلزم إذا مضى له مائة وعشرون سنة لأن هذه مدة لا إمكان للإنسان أن يعيش إليها غالبًا. 25589 - واحتجوا: بما روي أن رجلًا افتقد، فجاءت زوجته إلى عمر بن الخطاب، فقال لها: انتظري أربع سنين، ثم ارجعي إليَّ، فرجعت إليه بعد أربع سنين، فقال لها: اعتدي أربعة أشهر وعشرًا، [وتزوجي؛ فاعتدت] وتزوجت، فجاء زوجها إلى عمر، فقال له: زوجت امرأتي، فقال عمر: ما بال أحدكم يغيب عن

امرأته من غير غزو ولا تجارة، فقال الرجل: إني كنت خرجت أريد المسجد، فاختطفني نفر من الجن، فمكثت فيهم إلى أن غزاهم قوم من المسلمين، فهزموهم وأخذوني، وقالوا لي: ما دينك، فقلت: ما لي دين غير الإسلام، فخيروني بين المقام عندهم والرجوع إلى أهلي، فاخترت الرجوع إلى أهلي، فخيره عمر أن يأخذ المهر وبين أن يرد عليه امرأته. 25590 - قلنا: روي عن علي - رضي الله عنه - أنه قال في امرأة المفقود: تلك امرأة ابتليت، فلتصبر، فصارت خلافًا بين الصحابة. 25591 - قالوا: يلحقها ضرر بالبقاء على النكاح كامرأة العنين. 25592 - قلنا: ينتقض إذا غاب عنها، وموضعه معروف، ولأن امرأة العنين إنما جاز لها أن تختار التفريق ليس لما يلحقها من الضرر، لكن لأنه لا يستقر لها البدل، وهذه قد استقر لها البدل استقرارًا صحيحًا؛ فلذلك لم يكن لها اختيار لفرقه.

مسألة 1262 عدة أم الولد

مسألة 1262 عدة أم الولد 25593 - قال أصحابنا: عدة أم الولد إذا مات سيدها، أو أعتقها ثلاثة قروء. 25594 - وقال الشافعي: قرء واحد. 25595 - ومن أصحابنا من منع أن تكون عدة، وقال: هو استبراء، والدليل على أنها معتدة أنه معنى يجب بزوال الفراش، فكان عدة كالزوجة. 25596 - ولا يلزم شراء الأمة؛ لأن ذلك يجب بحدوث الملك لا بزوال الفراش، يبين ذلك أن أصل الاستبراء في الشيء يجب لحدوث الملك لا بزواله، ولأنه يجب عليها وهي أمة ما يجب على الحر، وليس باستبراء كسائر العدد، ولأن هذه المدة ثبت فيها النسب من غير دعوة؛ فلم يكن استبراء كسائر العدد، وإذا ثبت أنها عدة لم تتقدر بحيضة واحدة كسائر العدد. ولأنها عدة وطء، فلهذا يستوي فيها الحياة والموت كالموطوءة بنكاح فاسد. 25597 - ولأنها إما أن تعتد بعدة الحرائر أو عدة الإماء، وأيهما كان لم يتقدر بحيضة واحدة. 25598 - فإن قيل: المعنى في عدة الحرة أنها كملت في الطرفين، فجعل الوطء في حال الزوجية العدة كحال الحرية، فلذلك كملت العدة. 25599 - وفي مسألتنا نقصت في الطرف الأول، لأن الوطء لم يوجد في النكاح. 25600 - قلنا: اعتبرنا في كمال العدة كمال حال الوجوب.

25601 - واعتبر مخالفنا الكمال في الطرفين نعلق الحكم بعلتنا وزيادة ولا تصح المعارضة. 25602 - ولأن الزوج يطؤها حال الرق ثم تعتق فيجب عليها عدة كاملة ولو لم تكمل في الطرفين كذلك هذا الكمال يعتبر بالحرية حال الوجوب وإن تقص حال الوطء. 25603 - احتجوا: بما روى عن ابن عمر وعائشة مثل قولهم. 25604 - قلنا وري عن عبد الله بن عمر مثل قولنا. وروي الشعبي عن ابن عمر: مثل قولنا، وروى أن مارية القبطية اعتدت من وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بثلاث حيض، ولم تكن من أهل الاجتهاد. وأما أن يكون رخص في ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو إلى الصحابة. 25605 - قالوا عدة تختلف بالرق والحرية بل تجب على أم الولد، كعدة الوفاة. 25606 - قلنا: ليس إذا لم تلزمها عدة الوفاة لم يلزمها عدة الحيض بدلالة الموطوءة بنكاح فاسد. ولأن عدتها عدة وطء كما أن عدة الموطوءة بنكاح فاسد عدة وطء فهما سواء. 25607 - ولأن المعنى الذي يجب به العدة على أم الولد في حياة سيدها هو المعنى الذي يجب به العدة عليها بموته، وهو العتق، فلذلك استوت العدتان. كما أن الموطوءة بعقد فاسد لما وجب عليها العدة في حال الحياة بالفرقة وبعد الموت بالوفاة، فلما اختلف السبب اختلفت العدة. 25608 - قالوا: التي تكمل عدتها بزوال فراشها حال الحياة هي التي تكمل عدتها بزوال فراشها بالوفاة، فلما ثبت أن هذه لا تكمل عدتها بالوفاة كذلك حال الحياة.

25609 - قلنا: عدتها كاملة عندنا في الوفاة وحال الحياة؛ لأنها تجب بالحيض فإن عنوا بالكمال عدة الوفاة لم نسلم أن تلك أكمل من الحيض بل كل واحدة منهما عدة كاملة. 25610 - ولأن عدة الوفاة تختص بالنكاح فلذلك لم تجب عليها، وعدة الحيض لا تختص بالنكاح فلذلك وجبت عليها. 25611 - قالوا عدة أوجبت زوال ملكه من رقبتها فوجب أن تكون قرءًا واحدًا، كالأمة المشتراة. 25612 - قلنا المعنى فيما يجب بالشراء أنه لا يجب إلا على ناقصة بالرق، فوجب على أنقص الوجوه وليس كذلك ما يجب على أم الولد؛ لأنه لا يجب إلا على حال الكمال فلذلك وجبت العدة كاملة. 25613 - قالوا عدة وجبت عن تغير رق وحرية، فوجب أن تكون كاملة كالمسبية. 25614 - قلنا: لا نسلم أن ما يجب على المسبية عدة، ولأنه لا فرق في الاستواء بين أن يجب بتعين رق وحرية، أو بانتقال من رق إلى رق، والمعنى فيه ما قدمنا. 25615 - قالوا أم الولد يتعلق بها أحكام النكاح من الطلاق والظهار والإيلاء واللعان، فلا يتعلق بها كمال الاعتبار. 25616 - قلنا الموطوءة بنكاح فاسد لا تثبت لها أحكام النكاح من الطلاق والظهار والإيلاء، وثبت في حقها كمال العدة. 25617 - قالوا العدة تكمل بكمال الطرفين وطرفي زوجته واعتداد حالة الحرية كالحرة المزوجة إن طلقت اعتدت عدة كاملة لهذا المعنى. وهكذا الأمة المزوجة [إذا اعتقت ثم طلقت فاعتدت بنقص الطرفين وكذلك] المشتراة. 25618 - قلنا قد بينا أن المعتبر الكمال والنقصان حال الوجوب دون ما قالوه، ومن علق الحكم بأحد الوصفين كان أولى ممن علقه بهما. 25619 - ولأن هذا يبطل بالموطوءة حال الرقة إذا أعتقت ثم طلقت.

مسألة 1263 تزويج أمته بعد وطئها

مسألة 1263 تزويج أمته بعد وطئها 25620 - قال أصحابنا: إذا وطئ أمته، وأراد أن يزوجها فهو جائز وإن لم يستبرئها. 25621 - وقال الشافعي: لا يجوز النكاح حتى يستبرئها. 25622 - لنا: إن الاستبراء وجب عليه من حين ملكها، فلو وجب في حال الملك لوجب في ملك واحد الاستبراء مرتين، وهذا لايصح بدلالة النكاح. 25623 - ولأن الإنسان لا يجب عليه الاستبراء من مال نفسه، إذا لم يرد أن يزوجها، ولأنا دللنا على أنها لا تصير فراشًا بالوطء، فلا يمنع الوطء تزويجها كالزنا. 25624 - احتجوا: بأنه وطء له حرمة، فوجب أن لا يجوز لغير الواطئ نكاحها قبل الاستبراء، كما لو وطئ إمرأة بشبهة. قلنا هناك لا يملك الواطئ نفي النسب بقوله، ولا يملك نقل الفراش إلى غيره، وهاهنا يملك نفي النسب بقوله: فإذا زوجها فقد نفاه بفعله فإذا سقط حكم النسب صارت كالزانية. قالوا: روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (أنه قال لا يسقين أحدكم ماءه زرع غيره). 25625 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: (لا يحل لرجلين يؤمنان بالله واليوم الآخر أن يجتمعا مع امرأة واحدة في طهر واحد. 25626 - قلنا: هذا يدل على أن الزوج لا يجوز له الوطء، وكذلك نقول. والكلام على جواز عقد النكاح، وليس يمتنع أن يصح العقد ولا يباح الوطء كالحامل من الزنا.

مسألة 1264 استبراء الأمة بعد عجزها

مسألة 1264 استبراء الأمة بعد عجزها 25627 - قال أصحابنا: إذا كاتب أمته ثم عجزت لم يجب أن يستبرئها. 25628 - وقال الشافعي: يجب. 25629 - لنا أنه عقد لا يوجب زوال الملك عن الرقبة، وإذا انفسخ لم يجب الاستبراء، كالبيع المشروط فيه الخيار للبائع. 25630 - ولأنه محرم عارض في الملك فإذا زال لم يجب الاستبراء كالاحرام. 25631 - ولأن هذا عقد يوجب زوال يده عنها مع بقاء ملكه في الرقبة، فأشبه الإجارة. 25632 - احتجوا: بأن الاستباحة/ قد زالت بعقد الكتابة فإذا عجزت عنها فقد حدثت له استباحة فصار كما لو باعها ثم اشتراها. 25633 - قلنا: يبطل بما إذا باعها بشرط الخيار للمشتري ثم فسخ المشتري العقد. 25634 - والمعنى في الأصل أنها عادت إليه بعد زوال ملكه عن الرقبة، والاستباحة في مسألتنا لم تعد إليه بعد زوال ملكه عن الرقبة لأن الرقبة؛ باقية على ملكه فلذلك تعلمًا.

مسألة 1265 طلاق المرأة أو موت زوجها بعد السفر بها

مسألة 1265 طلاق المرأة أو موت زوجها بعد السفر بها 25635 - قال أبو حنيفة: إذا طلق امرأته أو مات عنها بعد ما سافر بها. فإن كان بينها وبين مصرها أقل من ثلاثة أيام لزمها العود إلى بلدها. وإن كان بينها وبين مصرها ثلاثة أيام، أو بينها وبين مقصدها أقل من [ثلاثة أيام] مضت. وإن كان بينها وبين كل واحد من الموضعين ثلاثة أيام إن كان موضعها يصلح للإقامة أقامت فيه. وإن كان لا يصلح للمقام فلها أن تمضي.

25636 - وقال الشافعي [رحمه الله]: إذا كانت قد خرجت من بيوت المصر مضت على سفرها وإن كانت قد خرجت ولم تجاوز بيوت المصر ففيه وجهان. 25637 - لنا: أنها مطلقة بينها وبين بلدها أقل من ثلاثة أيام فلزمها الاعتداد في منزله، كما لو طلقها في السوق أو في صنيعتها. 25638 - ولأن المرأة تصير مسافرة بسفر الزوج وإن لم ينو السفر، فإذا طلقها انقطع المعنى الذي صارت مسافرة به، فصارت مقيمة كما لو نوت الإقامة. فإذا انقطع السفر صارت منشئة لسفر صحيح في حال عدتها من غير حاجة فلا يجوز كما لو أنشأتها من منزلها. 25639 - احتجوا بأن العدة وجبت عليها وهي مسافرة سفرًا صحيحًا، فوجب أن لا تمنع من المضي على سفرها، كما لو كان بينها وبين مقصدها أقل من ثلاثة أيام. 25640 - قلنا: الأصل غير مسلم إذا كان بينها وبين بلدها أقل من ثلاثة أيام، وإذا كان بينها وبين بلدها ثلاثة أيام، والموضع يصلح للإقامة فنقول: لما دفعت إلى إحدى المسافتين كان ما دون مدة السفر أولى من هذا السفر. قالوا: قطعها للسفر مشقة غليظة لأنها تنقطع عن رفقتها وتستوحش بالمقام في الغربة، وذلك يبيح الانتقال كما لو كانت بسقوط بيتها وترجع للوراء. 25641 - قلنا: المعتدة يلزمها المقام وإن أضر بها. بدلالة أن حبسها في منزل زوجها ضرر ووحشة. 25642 - قالوا قطعها للسفر مشقة فإذا اعتدت عدة ثم طلقت لزمها المقام، وإن

أضر ذلك بها. وكذلك إذا لم تفارق بيوت المصر على أحد الوجهين. فأما إذا رأت سقوط البيت فذاك ضرورة أسقطت العبادة، وهذه مشقة، فلم تسقطها.

مسألة 1266 سقوط بين الخلف

مسألة 1266 سقوط بين الخلف 25643 - قال أصحابنا: إذا أسقطت سقطًا بينا خلقه تنقضي به العدة. 25644 - وقال الشافعي: إذا شهد أربع من النساء أنه حمل وأنه لو بقي لتصور فهو ولد وتنقضي به العدة. وهل تصير به أم ولد؟ فيه قولان. 25645 - لنا: قول تعالى: (والمطلقت يتربصن بأنفسهن ثلثة قروء) ولأنه معنى لم يتبين فيه خلقة آدمي فلم تنقض به العدة كالمني. ويجوز أن لا يكون ولدًا، ويجوز أن يكون دمًا اجتمع، أو قطعة من لحمها فلم يجز أن تنقضي عدتها بالشك. 25646 - ولأن الشهادة إنما تجوز بما يشاهد من خلق الولد في الرحم، حتى يحكم على نظيره، وإذا لم يكن لهم طريق إلى العلم بذلك لم يقبل قولهم. 25647 - احتجوا: بقوله تعالى: (وأولت الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن). 25648 - قلنا: لا نعلم أن ما وضعته حمل فدلوا عليه. 25649 - قالوا ثبت ذلك بالشهادة. 25650 - قلنا: إذا لم يكن للشاهد طريق إلى العلم لم يقبل قوله. 25651 - ولأن شهادة النساء عندنا لا تثبت فيما يطلع عليه الرجال. 25652 - قالوا سقطت، فدل على براءة رحمها كما لو لم يكن. 25653 - قلنا: الوصف غير مسلم في الأصل بأنا تيقنا أنه ولد.

مسألة 1267 صداق المرأة بعد انقضاء العدة

مسألة 1267 صداق المرأة بعد انقضاء العدة 25654 - قال أبو حنيفة: لا تصدق المرأة في انقضاء عدتها في أقل من شهرين. 25655 - وقال الشافعي: في اثنين وثلاثين يومًا ولحظة فاعتبر الأقل من الأكثر. 25656 - واعتبر أبو حنيفة في رواية الحسن أكثر الحيض، وفي رواية أبي يوسف خمسة أيام. 25657 - لنا: أن ما لا تنقضي عدة الأمة بالشهور لا تصدق فيه الحرة كالشهر الواحد. 25658 - ولأن اتصال حيض المرأة أقل الحيض، وطهرها أقل الطهر يخالف العدة، والأمين إذا أخبر بخلاف العادة لم يتلفت إلى قوله. أصله كالأب إذا قال أنفقت مال الصغير عليه في يوم واحد وهو مال كثير. 25659 - ولأن في تطويل المدة ضررًا عليها، وفي قصرها إسقاط حق الزوج وقد صدقناها في أقل الطهر؛ لأنه لا حد ولا كثرة فوجب أن لا يعتبر حيضها أقل الحيض حتى لا يؤدي إلى إلحاق الضرر بالزوج. 25660 - احتجوا بأنها أمينة فيما تخبر به من الحيض؛ لأن الله تعالى أمر بالرجوع إلى قولها، وإذا أخبرت بالممكن قبل قولها. 25661 - والجواب أن الأمين إذا خالف قوله الظاهر لم يلتفت إليه.

25662 - قالوا لو علق الطلاق بحيضها وقع الطلاق بقولها، ولا تعتبر فيه العادة ولا أكثر الحيض. 25663 - قلنا: لما علق الطلاق بما لا يعلم إلا من جهتها صار كأنه علقها باختيارها، وصار كقوله: إن أحببت الطلاق فأنت طالق. فأما هاهنا فالعدة عبادة عليها يتعلق بها حق لزوجها ولم يوجد من الزوج ما يقتضي الرضا بقوله فاعتبر فيه الوسط ولم يعتبر أدناه.

مسألة 1268 أكثر مدة الحمل

مسألة 1268 أكثر مدة الحمل 25664 - قال أصحابنا: أكثر مدة الحمل سنتان. 25665 - وقال الشافعي: أربع سنين. 25666 - لنا: ما روي عن عائشة أنها قالت: (لا يبقى الولد في رحم أمه أكثر من سنتين ولو بظل مغزل). 25667 - وروي أن الحمل أكثر من سنتين بقدر ما يتحول ظل المغزل، وهذا أمر مغيب لا يعرف إلى بالتوقيف، فكأنها روت ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 25668 - ويدل عليه أن العادة أجراها الله تعالى في الحمل بتسعة أشهر فما زاد على ذلك أو نقص منه لا يثبت إلا بدليل من توقيف أو إجماع. 25669 - ولأنها مدة قدرت لانتقال الصبي من حال إلى حال فلا يجوز تقديرها بأربع سنين كمدة الرضاع. 25670 - ولأن ما لا تتقدر به مدة الرضاع لا يتقدر به مدة الحمل. أصله الخمس سنين. 25671 - ولا يلزم السنتان لأن مدة الرضاع مقدرة بينهما فيما يلزم الأب من أجرة الرضاع.

25672 - احتجوا بأن المرجع في مدة الحمل إلى الخلقة والحبلة وليس المرجع فيه إلى الشرع، وإن علق الشرع به حكمًا. 25673 - قالوا: وقد وجد أربع سنين فوجب المصير إليه. 25674 - قالوا: والدليل عليه أن الشافعي قال إن محمد بن عجلان مولى فاطمة بنت عتبة بن ربيعة (حملت أربع سنين) في هرم بن حبان (حملته أربع سنين) وسمي هرمًا لاحتباسه في بطن أمه ومنظور بن زياد الفزاري حملته أمه (أربع سنين) وقالوا وولد مالك بن أنس (أكثر من سنتين). 25675 - وقال القتبي، قال الواقدي (سمعت نساء آل الجحاف من ولد زيد بن الخطاب يقلن ما حملت أمرأة منا أقل من ثلاثين شهرًا) وإذا وجد هذا في الأعيان كان في العامة أكثر من أن يحصى. 25676 - والجواب أن هذا هو الدليل عليكم، لأن الرواية لو صحت في هذا

وجب أن يكون في غير الأعيان أضعافه. ولو كان كذلك ظهر وانتشر كما ظهر نقصان الحمل عن تسعة أشهر، فلما لم ينتشر علم أن هذه الروايات لم تثبت. وكيف يظن أن هذه عادة ظاهرة متقدمة في الشرع ثم يروي مخالفنا (أن رجلًا غاب عن امرأته أربع سنين فجاءت بولد فهم عمر برجمها) ولو أن ذلك مستحيل عنده في العادة لم يبلغ به إلى الرجم، ثم قد ذكر أبو داود أن امرأة ولدت لخمس سنين. 25677 - فإن قالوا: لو ثبت هذا لقلنا به. 25678 - قلنا ولو ثبت ما قلتم عندنا قلنا به، وعلى أن الطريق إلى إثباته إن كان الوجود النادر فقد وجدنا ما روينا كما وجد ما رووه، وكل منها ثبت بخبر واحد، وإن كان الرجوع إلى عادة مستمرة لم يوجد في واحد من الأمرين؛ لأن المرأة تخبر عن ظاهر أم يجوز أن يكون بخلاف ظنها؛ لأنها تستصغر الحب العارض، ثم تمضي مدة ويتصل الحبل بذلك ولا طريق لها إلا معرفة أن الحبل استمر في تلك المدة. 25679 - فإن قالوا إن المرأة تعرف حملها بأمارة وبعد شهور ويوضع في التاسع. 25680 - قلنا هذا أيضًا لا يعلم إلا العادة إذا استمرت به واتصلت الأخبار عنه، وهذا لا يوجد فيما يذكرونه فلم يجز إثبات ما يخالف العادة بخبر واحد لا يعلم المخبر به حقيقة ما يخبر عنه. والله أعلم/.

مسائل الرضاع [1269 - 1279]

مسألة 1269 ثبوت التحريم بقليل الرضاع

مسألة 1269 ثبوت التحريم بقليل الرضاع 25681 - قال أصحابنا: قليل الرضاع يثبت به التحريم وهو قول علي بن أبي طالب وابن مسعود وابن عباس وابن عمر.

25682 - وقال الشافعي: يقع التحريم بخمس رضعات. 25683 - وهو قول عائشة وابن الزبير وقال زيد بن ثابت يقع التحريم بثلاث رضعات. 25684 - لنا: قوله تعالى: (وأمهتكم التي أرضعنكم) وذلك عام في قليل الرضاع وكثيره. 25685 - فإن قيل هذا ليس برضاع قلنا: هذا اسم مشترك من فعل، فينطلق على وجود جنس الفعل كالضرب. 25686 - فإن قيل: الآية تقتضي أن الأم تكون مرضعة وليس فيها أن كل مرضعة تكون أمًّا. 25687 - قلنا: الرضاع تصير به المرأة أمًّا بالإجماع، فلا فرق بين أن يكون بقول (وأمهتكم التي أرضعنكم) أو بقول: اللآتي أرضعنكم أمهاتكم، كما أن الولادة لما صارت بها أمًّا لم يفرق بين قوله: (أمهتهم إلا الئي ولدنهم) أو اللآتي ولدنكم أمهاتكم. 25688 - ولأن المراد بالآية تحريم من تصير أمًّا بالرضاعة، ولم يرد أن يبين كل من كانت أمًّا قبل الرضاع. وقد فهمت الصحابة من الآية ما ذكرنا؛ لأن ابن عمر لما بلغه

أن ابن الزبير يفتي بوقوع التحريم بخمس رضعات قال: قضاء الله أولى من قضاء ابن الزبير، واحتج بالآية. 25689 - ويدل عليه قوله تعالى: (وأخوتكم من الرضعة) ولم يفصل والرضاعة مصدر فتناول القليل والكثير. 25690 - ويدل عليه ما روي في حديث أفلح أن عائشة وكان عمها من الرضاعة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يلج عليك أفلح فقالت: إنما أرضعتني المرأة فقال: دعيه يلج عليك فإنه عمك، ولم يسأل عن مقدار الرضاع). 25691 - وروي في قصة المرأة التي قالت للزوجين: إني أرضعتكما فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: فارقها، فقال: إنها سوداء قال: (كيف وقد قيل) ولم يسألها عند قدر الرضاع ولا عدده. 25692 - ويدل عليه قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (الرضاعة من المجاعة)، (والرضاع ما أنبت اللحم وأشد العظم)، (والرضاع ما فتق الأمعاء) ولم يفصل. 25693 - فإن قيل هذه الأوصاف لا توجد في القليل. 25964 - قلنا: وكذلك العدد لا يوجد فيه هذ المعنى وإنما أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - بيان جنس ما يقع به هذا المعنى وهو موجود في القليل؛ لأن له تأثيرًا عند وجود الكثير في إنبات اللحم. 25695 - واحتج أصحابنا أيضًا بما روي عن علي بن أبي طالب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: تحرم الجرعة من الرضاعة كما يحرم الحولان الكاملان. ذكره الحسن بن سفر في مسنده عن زادان عن علي كرم الله وجهه. 25696 - فإن قيل لا يحرمان فقد شبه الجرعة التي لا تحرم بالحولين وهما لا يحرمان.

25697 - قلت قوله كما يحرم الحولان دليل على أنه أراد تحريم الجرعة ما تحرمه الرضاعة في الحولين الكاملين. 25698 - ولأنه معنى موجب تحريمًا مؤبدًا فوجب أن يتعلق بمرة واحدة، أو لا يعتبر فيه العدد، أو فلا يعتبر فيه. أصله الوطء، وعقد النكاح. وإنما اعتبرنا الحكم، لأن من أصحابهم من يقول: لا يعتبر العدد وإنما يعتبر القدر. 25699 - الصحيح عندهم اعتبار خمس رضعات متفرقات. 25700 - فإذا قلت في العلة فوجب أن يتعلق بمرة واحدة ولا يعتبر فيه عدد أولا قدر لم يمكنهم القول بموجبها على الوجهين. ولا يلزم الطلاق واللعان لأن العدد معتبر فيهما، ولأن كل واحد منهما لا يوجب تحريمًا مؤبدًا. 25701 - فإن قيل إيجاب التحريم المؤبد يقتضي التأكيد، ولا يعلق عليه حكم التخفيف وهو إسقاط العدد. 25702 - قلنا: إذا اقتضى الوصف الغليظ والحكم تعليق التحريم بالقليل والكثير فقد غلظنا الحكم كما غلظنا الوصف. 25703 - فإن قيل المعنى في الوطء أنه لا يختص بزمان فلم يختص بمقدار. ولما اختص الرضاع بزمان جاز أن يختص بمقدار. 25704 - قلنا علة الأصل تبطل باللعان فإنه لا يختص بزمان ويختص بمقدار، وعلة الفرع تبطل بالفطر إنه يختص بزمان النهار، ولا يعتبر فيه عدد. 25705 - فإن قيل الوطء لا يوجب التحريم بين الفاعل والمفعول، وإنما يوجب بينهما وبين غيرهما. والرضاع أثبت التحريم بين الفعال والمفعول، فلذلك اعتبر فيه العدد. 25706 - قلنا: المرأة إذا أرضعت الصبية فالتحريم لا يحصل بينهما، وإنما يحصل بينهم وبين غيرهما، ويعتبر فيه العدد عندهم. 25707 - فإن قيل: المعنى في الوطء أنه ثبت به الفراش فلم يعتبر فيه العدد. 25708 - قلنا وطء الأمة لا تصير به فراشًا عندنا، وهو أصل علتنا فلا نسلم به للمعارض ولأنه حكم يتعلق بوصول واصل إلى الجوف فوجب أن لا يعتبر فيه عدد لا

يقدر كالإفطار. 25709 - فإن قيل الإفطار لا يختص بالوصول من الفم. 25710 - قلنا: وكذلك الرضاع عندنا، لأن السقوط يتعلق به التحريم. 25711 - ولأنه حكم يتعلق بوصول واصل إلى الجوف على وجه التغليظ فلا يعتبر فيه العدد. أصله وجوب الحد بشرب الخمر. 25712 - ولأن كل حكم لا يتعلق بالرضعة الواحدة لا يتعلق بالخمس. أصله رضاع الكبير، ولأن لبنها وصل إلى جوف الصبي في مدة الرضاع، فصار كالخمس رضعات. 25713 - ولا يلزم إذا حصرته، لأنا نسوي بين الأصل والفرع، وإن ثبت فعل وصل من فمه. 25714 - احتجوا: بما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان ولا المصة ولا المصتان ولا الإملاجة ولا الإملاجتان). 25715 - والجواب أن المصة والإملاجة عندنا لا تحرم، لأنها قد توجد فلا ينفصل بها اللبن، لضعف الصغير حتى يكرر المص؛ فقد قلنا بظاهر الخبر وقوله ولا الرضعة ولا الرضعتان فهو تأويل الرواي معنى الرضعة. والمشهور في الخبر ذكر المصة والإملاجة. ولأن إثبات التحريم ونفيه إنما يقال في اللبن الذي يوصف بالتحريم والتحليل، فأما الصغير فلا يثبت في حقه تحريم، فعلم أن الخبر في رضاع الكبير، وقد كان العدد معتبرًا فيها؛ لأنه لا يكتفي به الصغير ولم ينسخ رضاع الكبير فسقط العدد. 25716 - ولهذا روى طاوس عن ابن عباس أنه سئل عن الرضاع فقيل له: الناس يقولون: لا يحرم الرضعة ولا الرضعتان قال وقد كان ذلك فأما اليوم فإن الرضعة الواحد تحرم. فقال ابن مسعود إن الرضاع قليله وكثيره يحرم فقد رويا النسخ، فدل على أن الخبر في رضاع الكبير. 25717 - ولأن قوله: (لا تحرم المصة ولا المصتان) دليل على أن الثلاث تحرم. وعندهم أن تلك الثلاث لا تحرم. وعندهم أن دليل الخطاب كالنطق، وهو خلاف

قولهم. [فإن قيل] كل من أثبت التحريم بالثلاث أثبته بالرضعتين. 25178 - قلنا: غلظ زيد بن ثابت التحريم بالثلاث ولا يثبته دونها وهو مذهب أبي ثور وأهل الظاهر. 25719 - فإن قيل هذا الدليل قد عارضه صريح نطق بخلافه فهو أولى منه. 25720 - قلنا وكذلك نطقه قد عارضه نطق آخر، فهو أولى منه، وهو خبر علي ابن أبي طالب، وثبت نسخه عندنا بحديث ابن مسعود وابن عمر. 25721 - احتجوا: بما روي أن سهلة بنت سهيل بن عمرو امرأة أبي حذيفة جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: (كنا نرى سالمًا ولدًا، وكان يدخل عليَّ، وليس لنا إلا بيت واحد، وقد أنزل الله ما تعلم فما تأمرني يا رسول الله؟ فقال لها: أرضعي سالمًا خمس رضعات يحرم بهن عليك). 25722 - والجواب أن هذا يدل على أنه يحرم بالخمس ولا ينفي الحكم عما دونها. 25723 - ولأنه في رضاع الكبير، فقد كان من شرط رضاع الكبير العدد، فلما نسخ رضاع الكبير سقط حكم العدد. 25724 - فإن قيل إذا نسخ رضاع الكبير لم ينسخ العدد. وهذا كقول الله تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت) ثم نسخ الإمساك في البيوت بقوله (فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) ولم ينسخ العدد في الشهادة. 25725 - قلنا: إذا كان التحريم يتعلق بما ينبت اللحم، والكبير لا يتغذى بما يتغذى به الصغير، سقط العدد بسقوط رضاع الكبير. 25726 - احتجوا: بما روى مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمر بن حزم عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أنها قالت: (كان فيما أنزل الله - عز وجل - في القرآن عشر رضعات معلومات/ يحرمن) ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (وهن مما يقرأ في القرآن).

25727 - وهذا يدل على أن الشرع قد استقر على أن المحرم من الرضاع خمس رضعات. 25728 - قلنا: عبد الله بن أبي بكر ضعيف عندهم. قال سفيان بن عيينة: (كنا إذا رأينا الرجل يكتب الحديث عن أربعة سخرنا منه، لأنهم كانوا لا يعرفون الحديث. منهم عبد الله بن أبي بكر). 25729 - وقد روى حماد بن سلمة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عمرة عن عائشة قالت: (كان فيما نزل من القرآن ثم سقط أنه لا يحرم إلا عشر رضعات أو خمس رضعات) وهذا يقتضي أن يكون حكم العشرة والحكم منسوخ. 25730 - ولأن في هذا الخبر أن الخمس رضعات كانت تتلى، وكانت في صحيفة إلى يوم توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتشاغل أصحابه بغلسه ودفنه فدخلت داجن الحي فأكلتها. 25731 - ومستحيل أن يتلى القرآن إلى يوم وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناسخًا أو منسوخًا ثم ينساه الناس جميعًا، وكيف يظن أن القرآن تأكله داجن فيذهبه والله تعالى ضمن حفظه. 25732 - وقولهم إن العشر رضعات نسخ حكمها ورسمها ولم ينسخ حكمها فكانت تتلى منسوخة ليس بصحيح؛ لأن عائشة لم تذكر نسخ رسم الخمسة. 25733 - ولأنه إذا تلى منسوخًا إلى يوم وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يجز أن يجهله كل الصحابة. 25734 - فإن قيل هذا كما روي عن عمر أنه قا كان مما يتلى (الشيخ والشيخة إذ زنيا فارجموهما البتة نكالًا من الله). 25735 - قلنا: خبر عمر لم يثبت به الرجم عندنا بالطريقة التي لم يثبت بها هذا الخبر، وإنما أثبتناه بخبر ماعز، على أنه لو ثبت كان منسوخ التلاوة. والرسم ما روينا عن ابن مسعود أنه آل أمر الرضاع إلى أن قليله وكثيره يحرم. وعن ابن عباس أنه قال: في الرضعة والرضعتين قد كان ذلك، فأما اليوم فالرضعة الواحد تحرم. والنسخ يثبت بقول الصحابة.

25736 - ولأنها قالت (نسخت بخمس يحرمن) وقد بينا أن التحريم لا يثبت في حق الكبير، وقد كان العدد شرطًا في رضاع الكبير، فلما نسخ سقط حكم العدد. 25737 - قالوا معنى يباح به رفع النكاح، ويحرم الوطء فجاز أن يعتبر فيه العدد. أصله الطلاق واللعان. 25738 - قلنا الرضاع قد يكون مباحًا وقد يكون محظورًا إذا تزوج رجل صغيرة فأرضعتها زوجته ليفسد نكاحها أو أرضعتها أمته. وإذا سقط قولهم انتقضت العلة بالرد فتنقض العلة. ثم إن وطأ امرأته بشبهة وهو لا يدري، وهذا وطء لا يوصف بالحظر ولا يعتبر فيه العدد واللعان غير مسلم، لأن رفع العقد والتحريم لا يقع به، وإنما يقع بحكم الحاكم عندنا، ونعكس في الطلاق فنقول فلا يختص التحريم بعدد أصله الطلاق. 25739 - قالوا ما يقطع النكاح ضربان أفعال وأقوال، فإذا كنا في الأقوال ما نرى عاقبة العدد كذلك في الأفعال. 25740 - قلنا: قطع النكاح في الأقوال لا يقف على العدد؛ لأن الطلاق قبل الدخول والطلاق بعوض بقطع النكاح، ولا عدد، فإنما يعتبر العدد لتأكيد التحريم، فلذلك قطع النكاح بالرضاع لا يفتقر إلى عدد، وقد يتأكد بالعدد التحريم؛ لأن العدد إذا حصل بأثر التحريم بإجماع لم يسع الاجتهاد في الإباحة. 25741 - قالوا: إرضاع تعدى عن عدد فصار كاللبن المشوب بالماء. 25742 - قلنا إذا غلب الماء فنوعه لا يتكفي به الصبي في العدد وفي مسألتنا بخلافه والوصف غير مسلم؛ لأن الماء إذا غلب على اللبن فليس برضاع ولا يتناوله الاسم. 25743 - قالوا: الرضعة الواحد لا يحصل به إنبات اللحم وإنشاز العظم. 25744 - قلنا: وكذلك الخمس وإنما المعتبر الجنس الذي يقع به هذا المعنى.

مسألة 1270 مدة الرضاع التي يقع بها التحريم

مسألة 1270 مدة الرضاع التي يقع بها التحريم 25745 - قال أبو حنيفة: مدة الرضاع الذي يقع به التحريم ثلاثون شهرًا وقال أبو يوسف ومحمد حولان. 25746 - وبه قال الشافعي. 25747 - لنا: قوله تعالى: (وحمله وفصله ثلثون شهرًا) أضاف الأمرين إلى هذه المدة وهي لا تتضايق عنها فيكون جميعًا مدة الرضاع ومدة الحمل.

25748 - فإن قيل: روي عن ابن عباس أنه قال: هذه الآية فيها أكثر مدة الرضاع وأقل مدة الحمل لأنه تعالى قال: (والولدت يرضعن أولدهن حولين كاملين) فبان أن المدة منقسمة عنده فيبقى ستة أشهر مدة الحمل. 25749 - قلنا قال الله تعالى: (حملته أمه كرها ووضعته كرها) والمراد بذلك الحمل بالألف وهو الحجر، حتى لا يؤدي إلى حكم اللفظ على التكرار. 25750 - فأما قول بن عباس فلا حجة فيه، وقد خالفته عائشة، وقالت: لا تتقدر مدة الرضاع؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء في الثدي) وكان قبل الفطام. 25751 - فإذا اختلفوا وجب الرجوع إلى الدليل. 25752 - يدل عليه أن الله تعالى: قال: (والولدت يرضعن أولدهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة)] وقال تعالى: (فإن أرادا فصالًا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما) والفاء للتعقيب فأثبت الفصال بعد الحولين بتراضيهما وعند مخالفنا الانفصال بالتراضي ثم قال: (وإن أردتم أن تسترضعوا أولدكم فلا جناح عليكم) وهذا يفيد ما بعد الحولين باتفاق فعلم أنه إذا استرضع ثبت الرضاع. ويدل عليه قوله تعالى: (وأمهتكم التي أرضعنكم) ولم يفصل. ويدل قوله - صلى الله عليه وسلم -: (الرضاعة من المجاعة ما أنبت اللحم وأنشز العظم) وهذا موجود بعد الحولين. 25753 - ولأن مدة الرضاع لو كانت مبينة في القرآن لم يعلق - صلى الله عليه وسلم - ذلك بأمر مجتهد فيه؛ لأن الاجتهاد لا يدخل مع النص فكان يجب أن يقول الرضاع المدة المذكورة في القرآن، فلما علقه بأمر مجتهد فيه دل على أن النص لم يتناوله. 25754 - ولأن كل مدة يلزم الأب فيها نفقة الرضاع باتفاق جاز أن يزاد عليها كالسنة الواحدة. ولأنها مدة لتربية الصغير؛ لأنها مدة تنقل الصبي من حال إلى حال فجاز أن يزاد على مدته. أصله مدة البلوغ. ولأنها مدة لتربية الصبي فجاز أن يزاد على السنتين أصله مدة الحضانة. ولأنها مدة لنقل الصبي من غذاء إلى غذاء فجاز أن يزاد على معيارها. أصله مدة الحمل.

25755 - [ولأن السنتين والستة أشهر كل واحدة منهما معتاد] باتفاق فإذا جاز أن يعتاد أحد المدتين بنفسها للرضاع جازت الأخرى. ولأن كل مدة جاز أن يمتد الحمل إليها جاز أن يزيد مدة الرضاع عليها. أصله التسعة أشهر. 25756 - احتجوا بقوله تعالى: (وحمله وفصله ثلثون شهرًا). وقد جعلنا هذه الآية دلالة لنا، وبينا أن إضافة الأمرين إلى المدة وهي لا تتضايق عنها تقضي إضافة كل واحد إلى جميعها. 25757 - ولو سلمنا ما قالوا لم يكن ذلك بيانًا لعلة الفصال وإنما هو بيان لأول مدة الفصال. ألا ترى أنه فرق بين الحمل والفصال، وأراد أقل مدة الحمل، كذلك أراد أقل مدة الفصال. 25758 - احتجوا: بقوله تعالى: (والولدت يرضعن أولدهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) وبقوله: (وفصله في عامين). 25759 - والجواب أن رضاع الأم لا يثبت به التحريم، فعلم أن الفصال المذكور فيه ليس هو فصال في التحريم، وإنما هو وجوب النفقة على الأب. وكذلك نقول: إن الأب يجب عليه النفقة في الحولين بغير اختياره، والفصال قبلها ثبت باتفاقهما، والرضاع بعدها ثبت بإقامتها أو باختيار الأم من الأمرين، من غير أن يجب على الأب نفقة. 25760 - احتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا رضاع بعد الفصال). 25761 - والجواب أنه إذا فعل الفصال لم ثبت الرضاع بعده عندنا، لأن الأم إذا قطعت الرضاع فاكتفى الصبي بالغذاء، فقد حصل الفصال فلم يثبت به تحريم الرضاع، سواء كان ذلك في الحولين أو عند تمامهما، فقد قلنا بظاهر الخبر ومخالفنا يحمله على وقت الفصال. وهذا ترك الظاهر. 25762 - احتجوا بحديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (قال لا رضاع إلا ما كان في الحولين). 25763 - والجواب أن هذا الخبر رواه الناس عن ابن عيينة موقوفًا على ابن عباس

ورواه ابن شهاب كذلك، وانفرد بروايته محمد بن عيينة مسندًا لهيثم بن جميل الذي كان بدويًا بمكة رواية ظاهرة الانطاع فكيف يكون عنده هذا الخبر متصلًا فلا يرويه إلا مقطوعًا، ثم يسنده الهيثم وحده وليس هو من وجوه أصحاب بن عيينة. ثم لا دلالة فيه لأنه - صلى الله عليه وسلم - نفى الرضاع فهو موجود فلابد أن يكون للنفي معنى يتعلق به، فزعم مخالفنا أن معناه لا رضاع يتعلق به التحريم. 25764 - وقلنا نحن: لا رضاع يجب على ما كان في الحولين فتساوينا في الخبر. 25765 - قالوا: كل سنة لا يثبت حكم الرضاع في آخرها لا يثبت في أولها. أصله السنة الرابعة. 25766 - قلنا: لا يمتنع أن يتعلق الحكم بمدة مقدرة ويتناولها دون آخرها كما أن مدة/ الوفاة تثبت في أول الشهر الخامس دون آخره. 25767 - فإن قيل لأن تلك العدة فيها كسر. 25768 - [قلنا: وكذلك سني الرضاع فيها كسر] والمعنى في السنة الرابعة أنه لا يترتب على مدة يجب فيها نفقة الرضاع على الأب وليس كذلك الحولين؛ لأنها تترتب على مدة فيها نفقة الرضاع على الأب بإجماع، فلذلك جاز أن يثبت فيها الرضاع. 25769 - قالوا: رضاع بعد الحولين الكاملين بلبن غلب الماء عليه. 25770 - قلنا: لا نسلم أن ذلك رضاع، والمعنى فيه أنه ليس من جنس ما ينبت اللحم وينشز العظم. 25771 - وفي مسألتنا بخلافه، قالوا مدة لا يجب فيها نفقة الرضاع على الأب، كالسنة الرابعة. قلنا: سقوط النفقة لا يستدل به على انتفاء التحريم، بدلالة أن أم الولد لا تستحق النفقة على مولاها، ويثبت برضاعها التحريم، والمعنى في السنة الرابعة ما قدمنا.

مسألة 1271 غلبة الماء الطعام على اللبن

مسألة 1271 غلبة الماء الطعام على اللبن 25772 - قال أصحابنا: إذا غلب الماء والطعام أو الدواء على اللبن لم يقع به التحريم. 25773 - وقال الشافعي: إذا تحقق وصول أجزاء اللبن إلى الجوف وقع به التحريم. 25774 - لنا قوله - صلى الله عليه وسلم -: (الرضاعة من المجاعة) (والرضاع ما أنبت اللحم وأنشز العظم)، و (الرضاع ما فتق الأمعاء) وهذا لا يوجد في اللبن المشوب بالماء ولأن خلطه لا يكتفي به الصبي في الغذاء، أو لا يحصل به إنبات اللحم وإنشاز العظم فصار كلبن الشاة. 25775 - ولا يلزم الجرعة الواحدة لأن جنسها مؤثر في هذه المعاني، ولأن كل ما وصل إلى جوف الصبي بعد الحولين لم يتعلق به التحريم إذا وصل فيهما لم ينبت اللحم، كلبن الميتة إذا غلب الماء عليه. 25776 - ولأنه حكم يتعلق باللبن فسقط غلبة الماء عليه، كاليمين إذا حلف لا يشرب. 25777 - ولا يلزم اللبن النجس إذا غلب الماء عليه، لأن ذلك الحكم يتعلق بالنجاسة لا باللبن ولأنه حكم يتعلق بوصول مائع إلى الجوف على طريق التغليظ، فغلبة الماء عليه تسقط ذلك الحكم. أصله الحد الذي يجب بشرب الخمر. 25778 - احتجوا: بأنه وصل غير المحرم إلى محله في وقته وعدده فوجب أن ينشر الحرمة. أصله إذا لم يختلط به غيره. 25779 - قلنا لا نسلم أنه وصف اللبن المحرم، لأن هذه الصفة مستحقها اللبن إذا كانت بنفسه أو كانت قوته باقية مع المخالطة. وقولهم في وقته وعدده دليل عليهم؛ لأن الوقت إنما اعتبر، لأن الصبي يكتفي به في مدة الرضاع باللبن، ولا يكتفى بغيره فعلى

هذا يجب أن يحرم اللبن المغلوب؛ لأن الصبي لا يكتفي به. وأصله اللبن المنفرد. 25780 - ولا فرق بينه وبين مسألتنا لأنه متى وصل لا تقع به الكفاية، فلم يحرم كرضاع الكبير، وإنما يحرم إذا وصل، وجنسه يؤثر في الكفاية إذا غلب عليه الماء كاللبن النجس قالوا تحريم يتعلق باللبن، ولا يسقط، فغلبه الماء كاللبن النجس. 25781 - قلنا يبطل على أصلكم إذا اختلط بقلتين من الماء؛ لأن التحريم في النجاسة لا يتعلق باللبن وإنما يتعلق بالنجاسة، وهي موجودة، وإن غلبها الماء. والتحريم في مسألتنا يتعلق باللبن، فإذا غلب زال معنى اللبن واسمه فلم يثبت به التحريم. 25782 - وقد بنى مخالفونا هذه المسألة على ظن منهم أنا نقول في الدواء إذا اختلط وغلب به التحريم. وهذا غلط بل مخالطته للدواء في الدواء إذا اختلط وغلب تعلق به التحريم، ولمخالطته للماء يعتبر الأغلب، وإذا اختلط به لبن حيوان غير الآدمي فهو كالماء. وإذا اختلط لبن امرأتين اعتبر أبو يوسف الأغلب. وأما الطعام فإن كان ظاهرًا مسلبًا قوته لم يثبت التحريم بالعين وإن كان غالبًا، لأن الطعام يسلب اللبن القوة، بدلالة أنه فرق، وليس كذلك الدواء، لأنه يخلط باللبن، حتى يوصله إلى العروق، فهو يزيده قوة. ولا يسلبه قوته فإذا غلب الدواء سلبه قوته فصار كالطعام، قالوا: إذا اجتمع في الوطء ما يبيح وما يحرم كان الحكم للمحرم. أصله الجارية المشتركة. 25783 - قلنا: المعنى الموجب للتحريم في الجارية ملك غير الواطئ، وهذا موجود وإن قل. وفي رواية من مسألتنا أنه إن شرب من لبن امرأة دفعة واحدة، وشرب في بقية المدة من غيرها فالتحريم ثبت منهما، وإن كان أحدهما أقل. 25784 - أما في مسألتنا فالمعنى الموجب للتحريم لم يوجد لأن اللبن المشوب لا يحصل بجنسه المقصود من الرضاع.

مسألة 1272 أكل الصبي الجبن من لبن الآدمي

مسألة 1272 أكل الصبي الجبن من لبن الآدمي 25785 - قال أصحابنا: إذا اتخذ من لبن الآدمي جبن فأكله الصبي لم يقع به التحريم. 25786 - وقال الشافعي: يقع به التحريم. 25787 - لنا: أنه مأكول فلا يتعلق باللبن. أصله اليسير في الجبن ولأنه نفع يتعلق باللبن فإذا صار جنبًا زال النفع كمن حلف لا يشرب لبنًا. 25788 - احتجوا بأن صفة اللبن تغيرت كما لو حمض. 25789 - قلنا: لا رواية في هذا والظاهر أن الحامض إذا كان لا يقع التغذي بجنسه لا يتعلق به التحريم، وإن كان يقع بجنسه ويكتفي الصبي به جعلنا هذا الفرق بينه وبين الجبن.

مسألة 1273 حقن الصبي باللبن

مسألة 1273 حقن الصبي باللبن 25790 - قال أصحابنا: إذا حقن الصبي باللبن لا يقع به تحريم. 25791 - وبه قال الشافعي: في الجديد، وقال في القديم: يحرم. 25792 - لنا: أنه مسلك لا يثبت تحريم الرضاع بوصول اللبن منه دفعة فلا يثبت لأن ما يصل منها إلى الأمعاء لا ينبت، وما لا يؤثر في التغذي لا يقع به التحريم كالماء. 25793 - ولا يلزم السوط لأن المقصود به التغذي، لأن الدماغ إذا وصل إليه اللبن أصلحه وقواه، والبدن يصلح بصلاحه ويشد الأعضاء، وشد الأعصاب القوة منه وبها يستقيم البدن وأما الحقنة فتفعل لتخرج أثقال البدن وتنشر الطبع وهذا ليس بتغذي ولا زيادة في البدن. 25794 - احتجوا بأنه مسلك يفطر بالوصول منه، فثبت بما يصل منه التحريم

كالفم والأنف. 25795 - قلنا الفطر يقع بتناول ما لا نفع به كالطين والحجر، فيجوز أن يفطر بالواصل من مسلك لا يحصل به التغذي، والتحريم لا يثبت بوصول ما لا يحصل به التغذي. وكذلك لا يحصل بما يصل من المسلك الذي لا يحصل بالواصل منه التغذي.

مسألة 1274 لبن الميتة إذا شربه الصبي

مسألة 1274 لبن الميتة إذا شربه الصبي 25796 - قال أصحابنا: إذا حلب لبن الميتة فشربه الصبي ثبت التحريم. 25797 - وقال الشافعي: لا يثبت به التحريم. 25798 - لنا: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (الرضاعة من المجاعة)، (والرضاع ما أنبت اللحم وأنشز العظم) وهذا موجود في الميتة. 25799 - ولا يقال إن لبن الميتة يستضر به الصبي؛ لأن لبن الميتة كلحمها، ونحن قطعنا أن لحم الميتة لا يضر، والمسك ميتة ولا يضر، ولأنه وصل إلى جوف الصبي في مدة الرضاع ما يقع بجنسه التغذي، كلبن الحية. ولأنه لبن يكتفى به من الغذاء فصار كما لو حلب منه في حياتها وشربه الصبي بعد موتها. 25800 - ولأن فعلها في الرضاع غير معتبر بدلالة لو أكرهت على أخذ اللبن أو أخذ منها وهي نائمة أو مغمى عليها يثبت به التحريم. والموت يوجب تعذر فعلها ولا يمنع وقوع التحريم. 25801 - فإن قيل النائم له فعل بدلالة أنه لو انقلب على إنسان فقتله وجبت الدية فلذلك تعلق الحكم بما وجد من لبنها. 25802 - [قلنا: النائم لا يجب عليها إن لم يكن لها فعل وهو الحركة ولا تجب عليها شيء] وإن لم يكن لها فعل فدل على أن فعلها غير معتبر. 25803 - فإن قيل لا يمنع أن يوجد الفعل في حال الحياة، فيتعلق به أحكام بعد الموت،

بدلالة من حفر بئرًا ثم مات ضمن ما يتولد منها، وإن كان لا يجب الضمان بعد الموت. 25804 - قلنا: الضمان إنما يجب بالحفر إذا كان على وجه التعدي، وبعد الموت لا يتصور التعدي ولهذا لو حفر في حال الحياة مكرهًا لم يضمن؛ لأنه ليس بمتعد. ولو أخذ اللبن وهي مكرهة ثبت التحريم. فدل على افتراق الأمرين، ولأنه لبن لا يتناوله بعد موتها. أصله: إذا حلب منها قبل الموت. 25805 - ولأن الموت لا يؤثر في اللبن، لانه لا يحله فصار حكمه بعد الموت كهو في حال الحياة. 25806 - فإن قيل: الموت لا يحل اللبن لكنه يوجد في محله فيؤثر فيه 25807 - قلنا: موت المحل ليس بأكثر من تخلية الطرف، فصار كاللبن إذا حلب في إناء نجس بعد طهارته فكان تأثيره في نشر الحرمة كتأثيره قبل أن ينجس. أصله اللبن الذي خالطه الخمر؛ لأنه منفصل من آدمية تنشر الحرمة، فاستوى فيه موتها وحياتها كالولد. 25808 - فإن قيل الحرمة في الولد تحصل قبل الانفصال فموتها عند انفصاله لا يؤثر والتحريم في مسألتنا لا يشق انفصاله فكذلك أثر موتها. 25809 - قلنا التحريم في مسألتنا يتأخر عن الانفصال، وموتها لا يمنع مقصوده. كما لا يمنع إذا انفصل ثم ماتت، ولأنه حكم يتعلق بوصول اللبن إلى الجوف، فاستوى فيه لبن الحية/ والميتة. اصله إذا حلف لا يشرب لبنًا. 25810 - احتجوا: بقوله تعالى: (وأمهتكم التي أرضعنكم) وبهذا يقتضي أن التحريم يتعلق بفعلها للإرضاع، والميتة لا ترضع فلا يثبت التحريم. 25811 - قلنا: ظاهر الآية يقتضي أن المرضعة ثبت بإرضاعها، وهل ثبت التحريم من غير إرضاع موقوف على الدليل. 25812 - ولأن الله تعالى علق التحريم بالإرضاع لأن الغالب أن الارتضاع بإرضاعها، لأن الحكم يقف على فعلها بدلالة النائمة والمكرهة، وهذا كقوله تعالى: (ما هن أمهتهم إن إمهتهم إلا الئي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا) ومعلوم أن المراد لو شق بطنها فأخرج ولدها بعد موتها كان ابنها وإن لم تلده، إلا أن الغالب أن انفصال الولد يكون بالولاة فتعلق الحكم بذلك. 25813 - قالوا: لبن لا يحل شربه كلبن الكلب والضبع.

25814 - قلنا: البهائم لا يثبت بينها وبين الآدمي تحريم النسب، فلا يثبت بينهما تحريم الرضاع. والميتة يثبت بينها وبين الصبي حرمة النسب فتثبت حرمة الرضاع. وهذا فرق صحيح لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - علق أحد الأمرين بالآخر وقال: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب). 25815 - قالوا تناول هذا اللبن محرم، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: (لا يحرم الحلال الحرام). 25816 - قلنا: الرضاع ثبت بشرب الصغير [وفعله لا يوصف بالحرام ولا بالحلال ولأن التحريم إنما يحصل بما يقع باللبن] من إنشاز العظم وإنبات اللحم، وذلك لا يوصف بالتحريم. 25817 - قالوا لبن محرم قبل انفصاله من محله، فأشبه لبن الرجل. 25818 - قلنا: لبن الرجل غير محرم عندنا، فالوصف غير مسلم، والمعنى في لبن الرجل أنه لا يكتفى به في غذاء الصغير غالبًا، فلم ينشر الحرمة كلبن الشاة. 25819 - وفي مسألتنا خلافه. قالوا الرضاع ثبت بين شخصين، فإذا كانت حياة أحدهما شرطًا كذلك حياة الآخر 25820 - قلنا: إنما اعتبرنا حياته حال الإرضاع، لأن موته يبطل للمعنى الذي تعلق به التحريم، وهو إنبات اللحم وإنشاز العظم، وموتها لا يبطل للمعنى المقصود باللبن، فلذلك لا يؤثر. 25821 - قالوا المعنى يتعلق بتحريم مؤبد فاختص بحال الحياة كالنكاح والوطء. 25822 - قلنا: النكاح يتعلق به التحريم إذا انعقد، وبعد الموت لا ينعقد، فلا يتعلق به التحريم. فاللفظ الذي لا ينعقد به النكاح في حال الحياة، وأما الوطء فعلى قولهم لا يوجب التحريم، إلا إذا وجد في ملك أو شبهة، وهذا لا يوجد بعد الموت. 25823 - وعلى قولنا التحريم يتعلق باستبقاء منفعة الوطء والموت يبطل المنافع، بدلالة منفعة السمع والبصر، فكذلك منفعة البضع، فلا يوجد بالوطء استيفاء منفعة فلم يثبت التحريم. 25824 - وأما الرضاع فيثبت التحريم به بما يحصل بالكفاية بالغذاء أو لإنبات اللحم وهذا موجود في لبن الميتة.

مسألة 1275 إرضاع الزوجة الكبيرة الزوجة الصغيرة

مسألة 1275 إرضاع الزوجة الكبيرة الزوجة الصغيرة 25825 - قال أصحابنا: إذا تزوج بامرأتين كبيرة وصغيرة فأرضعت الكبيرة الصغيرة فإن تعمدت فساد النكاح وقعت الفرقة وضمنت وإن لم تتعمد لم تضمن. 25826 - وقال الشافعي: تضمن في الحالين. 25827 - لنا: أن الرضاع ليس هو إتلاف لحق الزوج، وإنما هو سبب، والأسباب تختلف بالتعدي وغير التعدي كحفر البئر إن كان في ملكه لم يضمن ما تلف بها، وإن كان في غير ملكه ضمن. ومعلوم أن الرضاع مباح إذا لم يكن فيه فساد ومندوب إليه

عند حاجة الصغيرة، وواجب إذا خاف عليها فإن لم تكن متعدية فيه لم تضمن. 25828 - ولا يقال إن ضمان حافر البئر فيها حصل، لأن الحافر تصرف في ملك نفسه؛ لأنه لو حفر في غير ملكه على وجه ما لم يضمن، بدلالة من أذن له الإمام في حفر بئر في الطريق لماء السبيل. كذلك هذه إذا تصرفت في غير ملكها على وجه مأذون. 25829 - احتجوا: بأن كل فعل إذا قصد به الإتلاف تعلق به الضمان، وإذا لم يقصد به الإتلاف تعلق به الضمان كالرمي. 25830 - قلنا: لا يختلف عندنا بالقصد إلى الإتلاف وإنما يختلف بالتعدي وغير التعدي. وقصد الفساد هو الذي تصير به متعدية فهو سبب العلة. يبين ذلك أنها لو أرضعتها لا تقصد إفساد النكاح [لكنها قصدت الإضرار لديها بتمريضها بارتضاع زيادة على صاحبتها ضمنت، وإن لم تقصد إفساد النكاح] لأنها متعدية. 25831 - وقد ناقضهم أصحابنا بمن رمى مسلمًا واقفًا في صف المشركين إن علمه مسلمًا ضمن لأنه تعدى في رميه، وإن لم يعلم أنه مسلم لم يضمن لأنه غير متعد لرميه. 25832 - كذلك في مسألتنا بمعنى فيما قاسوا عليه أنه ضمان مباشرة الإتلاف، فاستوى فيه التعدي وغيره.

مسألة 1276 إرضاع الزوجة بقصد الفساد

مسألة 1276 إرضاع الزوجة بقصد الفساد 25833 - قال أصحابنا: إذا أرضعتها قاصدة الفساد ضمنت نصف المهر لمسمى. 25834 - وقال الشافعي: تضمن نصف مهر مثلها وخرج أصحابه قولًا أخر أنه يضمن جميع مهر مثلها. 25835 - لنا: أن منافع البضع في ملك الزوج لا قيمة له، بدلالة أن الأب لايملك خلع بنته الصغيرة بمالها. ولو كان لخروج البضع قيمة جاز بدل مالها في مقابلته. ولهذا وطلق المريض امرأته لم يضمن شيئًا لغرمائه. ولو تقوم بضعها ضمنت، كما لو أعتق عبده. وإذا لم تتقوم المنافع لم تضمنها المرضعة بالإتلاف. وإنما تضمن لأنها قررت عليه ضمان نصف المهر، وقد كان يجوز أن يسقط عنه بأن تكفر فترتد، أو تمكن ابن الزوج عن نفسها، فكأنها أتلفت عليه ما غرمه لها فضمنت ذلك. 25836 - احتجوا: بأن من أتلف شيئًا وضمنه وجب أن يضمنه بقيمته، لا بالبدل لذي ملك به أصله سائر المتلفات. 25837 - قلنا لا نسلم أنها تضمن بالإتلاف قيمة البضع لأنه لا قيمة له وإنما قررت عليه ضمانًا كان يجوز أن يتهم منه فغرمت ما قررته عليه من الضمان فأما أن يكون

ضمانها البضع ولا قيمة له بالخروج من ملكه. 25838 - وقد نص الشافعي أنها تضمن نصف مهر مثلها ولو صح ما قالوه لوجب أن تضمن الجميع، فلما لم تعتبر قيمة المتلف لم يصح هذا الكلام.

مسألة 1277 تزوج صغيرتين فأرضعتهما امرأة واحدة

مسألة 1277 تزوج صغيرتين فأرضعتهما امرأة واحدة 25839 - قال أصحابنا: إذا تزوج صغيرتين فأرضعتهما امرأة واحدة وفرقت الرضاع وقعت الفرقة بينه وبينهما. 25840 - وهو أحد قولي الشافعي. 25841 - وقال: في القول الآخر وقعت الفرقة بينه وبين الثانية خاصة. 25842 - لنا: أنهما صارتا أختين [بسبب واحد وهو رضاع الثانية، وكأنهما ارتضعتا معًا ولأنهما صارتا أختين] وهما تحته، ففسد نكاحهما، كما لو ارتضعتا معًا. 25843 - احتجوا: بأن الثانية تم الجمع بها فاختصت بفساد النكاح، كمن تزوج امرأة ثم تزوج أختها، وكمن وطئ أمة ثم وطئ أختها اختصت الثانية بالتحريم. 25844 - قلنا إذا تزوج واحدة بعد الأخرى فقد صح نكاح الأولى، والمعنى المفسد اختص بالثانية، لأن نكاحها لا يصح، فلم يؤثر ذلك في الأولى. 25845 - وفي مسألتنا صح نكاحها، وجعلتهما الأخوة بمعنى واحد، برضاع الثانية فكأنه تزوجهما معًا. وكما لو تزوج كبيرة وصغيرة فأرضعت الكبيرة الصغيرة. فأما الأمتان فمثل مسألتنا، لأن الجمع في الوطء حصل بالثانية فحرم وطؤها، وتساويا ولا تحل له واحدة منهما حتى تخرج الأخرى من ملكه إما الأولى أو الثانية.

مسألة 1278 تزوج المرأة ولها لبن من زوج آخر

مسألة 1278 تزوج المرأة ولها لبن من زوج آخر 25846 - قال أصحابنا: إذا تزوجت المرأة ولها لبن من زوج فيكفي باللبن الأول وإن حملت من الثاني فاللبن عند أبي حنيفة للأول. 25847 - وقال الشافعي: إذا حملت واللبن بحاله لم ينقطع ولم يزد، فهو للأول قولًا واحدًا، وإن زاد ففيه قولان. 25848 - أحدهما: للأول والآخر: بينهما. وإن انقطع ثم عاد بظهور الحمل ففيه ثلاثة أقوال: قولان مثل الأول والثالث أن اللبن للثاني وهو الصحيح. 25849 - لنا: أن الولادة سبب لنزول اللبن، والحمل قد يزول به اللبن، وقد لا يزول فالظاهر يقتضي تعلق الحكم بالسبب الأول، وما بعده محتمل فلا يتعين السبب الأول بالاحتمال. 25850 - ولأن الزيادة قد تحدث بصحة الجسم وبجودة الغذاء، وقد ينقطع اللبن بعارض ثم يعود. وزيادة اللبن يحتمل أن يكون لهذا المعنى، ويحتمل أن يكون للحمل الثاني فلا يتعين الحكم الأول بالشك، ولأن حكم اللبن لم ينقطع عن الأول فلا يثبت للثاني. أصله إذا لم يزد. 25851 - ولأن اللبن لو لم يزد لا يتعين حكم الأول. فإذا زاد فقد يتعين. أصله قبل الحمل. 25852 - احتجوا: بأن الحمل سبب للبن، فإذا زاد فالظاهر أن الزيادة لأجل الحمل، فيكون بينهما كلبن أبيه خلط بلبن غيره. 25853 - قلنا الحمل قد يكون سببًا وقد لا يكون، والسبب الأول مستقر فلا يتغير/ عنه بالاحتمال.

مسألة 1279 قول الرجل لزوجته أختي من الرضاع أو النسب

مسألة 1279 قول الرجل لزوجته أختي من الرضاع أو النسب 25854 - قال أصحابنا: إذا قال لزوجته هذه أختي من النسب أو الرضاع ولم يثبت على هذا القول حتى قال وهمت أو أخطأت لم تقع الفرقة وإن ثبت على قوله فرق بينهما. 25855 - وقال الشافعي: لا يقبل رجوعه وإن قال ذلك لأجنبية ثم [رجع لم يحل له] أن يتزوجها. 25856 - قالوا فلو ادعى الرجل نكاحًا على امرأة فجحدت، ثم أقرت لم تحل له إلا بنكاح جديد. 25857 - لنا: أن هذا الإقرار لا يتضمن فرقة وإنما هو نفي أصل النكاح بأمر يجوز أن يقع فيه الغلط، فإذا استدركه جاز أن يقبل استدراكه إذا قال: ما تزوجت، ثم قال قد تزوجتك. 25858 - فإن لم يسلموا هذا، قلنا: جحد عقدًا ثم أقر به، فصار كما لو جحد البيع ثم أقر به، وكما لو جحد الملك ثم أقر به. 25859 - احتجوا: بأنه أقر بتحريم فرج عليه فلا يقبل قوله في الرجوع. أصله: إذا قال لأمته هذه أختي قلنا إقراره في ملكه بالنسب ليس بنفي أصل الملك، وإنما هو إقرار بغير موقع، لأنه يصح أن يملك ذات رحمه، ومن أوقع عتقًا ثم رجع عنه لم يصدق. 25860 - وفي مسألتنا لم يقر برجوعه من فرقة، وإنما نفى أصل النكاح، فكأنه قال لم أتزوجها. 25861 - فإن قيل هذا الإقرار يتضمن فرقة بدلالة أنه إذا كان قبل الدخول وجب بها نصف المهر. 25862 - قلنا: لأنه مصدق في التحريم، غير مصدق في إسقاط حقها في المهر

25863 - قالوا إذا أقر أنه طلق امرأته ثلاثًا ثم قال: غلطت لم يقبل قوله. 25864 - قلنا لأنه إيقاع فرقة من جهته، وذلك لا يشتبه في الغالب، وليس كذلك الرضاع لأنه يشتبه عليه في الغالب. 25865 - قالوا لو أقر بدين على ابنه ثم رجع لم يقبل قوله، وإن كان ذلك مما يشتبه. 25866 - قلنا لأن الإقرار تعلق به حق آدمي فلم يصدق في إسقاطه. 25867 - وهذا الإقرار يلزم فيما بينه وبين الله تعالى فإذا أقر به على وجه يشبه جاز أن يقبل رجوعه. [والله أعلم بالصواب].

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب النفقات

كتاب النفقات

كتاب النفقات

مسألة 1280 النفقة تعتبر بحال الزوجين

مسألة 1280 النفقة تعتبر بحال الزوجين 25868 - ذكر الخصاف أن النفقة تعتبر بحال الزوجين جميعًا، فيجب على الزوج الموسر للمرأة الموسرة نفقة متوسطة بين النفقتين.

25869 - وقال الشافعي: المعتبر بحال الزوج. 25870 - لنا: ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهند: (خذي من مال أبي سفيان ما يكفيك وولدك بالمعروف) فاعتبر حالها دون حاله. 25871 - ولأنها نفقة واجبة فجاز أن تعتبر بحال المنفق عليه. أصله نفقة ذوي الأرحام، ولأنه مال مقصود بعقد النكاح فجاز أن يعتبر بحال المرأة. أصله مهر المثل. ولأن المقصود بالنفقة الكافية والفقيرة لا تحتاج إلى كفاية الموسر بل تكتفي بدون ذلك، فلا معنى للزيادة. 25872 - احتجوا: بقوله تعالى: (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما ءاته الله لا يكلف الله نفسا إلا ما ءاتها سيجعل الله بعد عسر يسرا) قلنا: هذا يدل على أن الموسر ينفق من سعته وليس فيه أن ينفق أكبر النفقات وقوله: (فلينفق مما ءاته الله) يدل على أنه ينفق بقدر الإعسار. 25873 - وكذلك نقول أنه لا يلزمه مع الإعسار أن ينفق إلا الأول، والزيادة لا تثبت في دمه ولا يؤديها مع العجز. النفقة، قالوا نفقة واجبة فاعتبرت بحال المنفق كنفقة ذوي الأرحام. 25874 - قلنا: ذلك صفة اعتبرت بحال المنفق والمنفق عليه إن كان غنيًا فلا نفقة له، وإن كان فقيرًا فله النفقة، وتعتبر بحال المنفق، لأن الابن الفقير يلزمه لأبيه نفقة الفقير، والابن الغني يلزمه لأبيه نفقة واسعة أكثر من الفقراء.

25875 - قالوا: مقصود بعقد النكاح فإذا اعتبر بأحد الزوجين لم يعتبر بالآخر أصله مهر المثل. 25876 - قلنا: المهر بدل بضعها، فاعتبر بقيمة البدل دون غيره. والنفقة ليست بعوض وإنماهي للكفاية فكانت بحسب الكفاية.

مسألة 1281 مقدار النفقة

مسألة 1281 مقدار النفقة 25877 - قال أصحابنا: النفقة غير مقدرة. 25878 - وقال الشافعي: على الموسر مدان وعلى المتوسط مد ونصف وعلى الفقير مد. 25879 - لنا: قوله - عليه السلام - لهند: (خذي من مال أبي سفيان ما يكفيك وولدك بالمعروف) فرد ذلك إلى اجتهادها ولو كانت مقدرة لبين مقدارها، ثم سوى بينها وبين نفقة الولد في الكفاية وقد أجمعنا أن نفقة الولد غير مقدرة، كذلك نفقتها جرى أحدهما على مجرى واحد، ولأنها نفقة واجبة فلا تتقدر بالشرع، كنفقة ذوي الأرحام والمماليك. 25880 - فإن قيل هذه النفقة تجب على طريق المواساة، ونفقة الزوج على طريق العوض. 25881 - قلنا: الكفارات مواساة وقد تقدرت، والمهر عوض وليس بمقدر عند مخالفنا. 25882 - ولأن الواجب للمرأة النفقة والكسوة. ولما كانت الكسوة غير مقدرة كذلك النفقة، ولأن ما يجب للزوجة والولد ثم لا يتقدر للولد لم يتقدر للزوجة. أصله الكسوة والإدام. 25883 - احتجوا: بقوله تعالى: (لينفق ذو سعة من سعته)، قالوا: وهذا يدل على أن المعتبر في النفقة بالزوج.

25884 - قلنا: هذا غلط لأن من أصحابنا من قال إنها تعتبر بالزوج ولا تتقدر فلم يصح الاحتجاج بالإجماع. 25885 - ولأن هذا غاية ما يذكر في إسقاط التقدير، وهو قوله: (ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما ءاته الله) فكيف يستدل به على التقدير، ولأنا بينا أن الآية لا تدل على اعتبار الوجوب بحال الزوج. 25886 - قالوا: الطعام واجب بالشرع يستقر في الذمة ليس بتابع لغيره، فوجب أن يكون مقدرًا كالإطعام في الكفارات. 25887 - قلنا: قوله مستقر في الذمة لا نسلمه، لأن النفقة تسقط بالموت عندنا. ولو استقرت لم تسقط. وإذا سقط هذا الوصف بطلت العلة بنفقة ذوي الأرحام، ولأن الطعام في الكفارة يجب لحق الله تعالى، والأموال إذا وجبت لحق الله تعالى دخلها التقدير. والنفقة تجب للآدمي والمال إذا وجب للآدمي لم يتقدر، ولأن الكفارات تجب على الإنسان لحق الله تعالى والحاكم لا يحكم بها. فلو لم تتقدر بالشرع لم يتوصل إلى تقديرها، والنفقة يخاصم فيها المستحق لها، ويحكم الحاكم بها فيتولى تقديرها. 25888 - فإن قيل: إن الله تعالى قال في كفارة اليمين (من أوسط ما تطعمون أهليكم) فأجرى أحدهما مجرى الآخر، وهذا يقع للتفريق بينهما. 25889 - [قلنا: نقدر التسوية بينهما] في الجنس دون القدر بدلالة أن أحدهما يتقدر به الآخر بإجماع. ألا ترى أن عندنا تتقدر الكفارة بذلك. 25890 - قالوا: النفقة تجري مجرى المعاوضة، بدلالة أنها تجب في مقابلة التسليم، فوجب أن تتقدر، كالأجرة والثمن. 25891 - قلنا: ليس إذا وجبت عند التسليم كانت بدلًا عنه. ألا ترى أن نفقة ذوي الأرحام تجب عند وجود الفقر، وليست عوضًا عن الفقر. 25892 - ولأن الثمن والأجرة لا تتقدر شرعًا، وإنما تتقدر بالتراضي، كذلك النفقة لا تتقدر بالشرع، وإنما تتقدر بالتراضي وبالقضاء. 25893 - وقال الشافعي: إن ثلاث أرطال يجيء منه رطلًا خبر فيقع به الكفاية. 25894 - قلنا: يحتاج إلى غرامة لطحنه وخبزه، فما يبقى بعد ذلك لا تقع به الكفاية.

مسألة 1282 تزويج الصغيرة التي لا توطأ

مسألة 1282 تزويج الصغيرة التي لا توطأ 25895 - قال أصحابنا: إذا تزوج صغيرة لا توطأ فسلمت إليه لم يجب عليه نفقتها. 25896 - وهو قول الشافعي في الأم. وقال في موضع آخر تجب نفقتها. 25897 - لنا: أنها غير مسلمة لنفسها في منزل زوجها، فلم تجب نفقتها كالناشزة [لأنها لم تبلغ بعد] فلم تجب لها نفقة. 25898 - ولأن كل من لا تجب نفقتها إذا زوجها العم لا تجب نفقتها إذا زوجها

الأب. أصله العانية والممتنعة. 25899 - احتجوا: بقوله تعالى: (لينفق ذو سعة من سعته). 25900 - قلنا هذا اللفظ لا يستقل بنفسه لأنه يقتضي وجوب الإنفاق. وعندنا يجب على الزوج الصغير أن ينفق على نفسه وعلى غيرها من زوجاته وعلى ذوي أرحامه، ومماليكه. وليس في الآية ما يدل على وجوب الإنفاق على جميع الناس حتى يحمل على العموم. 25901 - فلم يبق إلا أن ينصرف إلى ما نقدمه وهو قوله: (فإن أرضعن لكم فأتوهن أجورهن) والصغيرة لا تكون مرضعة فعلم أن الآية خاصة في الكبيرة. 25902 - قالوا الصغر معنى من جهة الله تعالى لا صنع لها فيه فلم يمنع صحة التسليم ووجوب النفقة على الزوجة كالمرض والرتق. 25903 - قلنا: المانع من التسليم أن يكون من جهة المسلمة أو من جهة غيرها كالموانع من تسليم المبيع/. 25904 - ولأن المريضة مسلمة لنفسها تسليمًا صحيحًا والاستمتاع بها غير موجود، فمنع ذلك وجوب النفقة. يبين ذلك أن للزوج أن يطالب المريضة بتسليم نفسها. 25905 - فدل أن التسليم صحيح، وليس له أن يطالب بتسليم الصغيرة، فدل أنه ليس بصحيح، لأن التسليم إذا لم يكمل لم تجب به النفقة وإن أمكن الاستمتاع، كالمرأة إذا قالت أنا أسلم نفسي في منزلي، فالتسليم الذي لم يصح ولا يمكن معه الاستمتاع أولى. 25906 - قالوا روي أن رجلًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (إن معي دينارًا أفأتصدق به فقال: (أنفقه على أهلك). 25907 - قلنا: في الخبر أنك إذا لم تنفق على زوجتك طالبتك بالطلاق وهذا لا يكون إلا في الكبيرة.

مسألة 1283 تزويج الكبيرة صبيا

مسألة 1283 تزويج الكبيرة صبيًا 25908 - قال أصحابنا: إذا تزوجت الكبيرة صبيًا فسلمت نفسها في منزله فلها النفقة. 25909 - وقال الشافعي: في أحد قوليه لا نفقة لها. 25910 - لنا: أنها سلمت نفسها في منزل زوجها كامرأة كبيرة، ولأن عجزه عن التسليم لمعنى فيه لا يسقط نفقتها رضًا، كما لو كان مجبوبًا أو عنينًا. 25911 - احتجوا: بأنها دخلت في العقد مع علمها بعجزه عن التسليم في الحال فصار ذلك رضًا، بترك نفقتها. 25912 - قلنا: يبطل إذا تزوجت بمجنون وهي تعلم، أو بغائب وهي تعلم بغيبته، ثم سلمت نفسها في بيته فلم يقدم مع علمه بتسليمها. 25913 - قال الشافعي: تجب لها النفقة.

مسألة 1284 إعسار الرجل بنفقة امرأته

مسألة 1284 إعسار الرجل بنفقة امرأته 25914 - قال أصحابنا: إذا أعسر الرجب بنفقة امرأته لم يفرق القاضي بينهما، ولكنها تؤمر أن تستدين عليه. 25915 - وقال الشافعي: يفرق بينهما إن طلبت الفرقة وكذلك إذا أفلس بالمهر قبل الدخول. 25916 - لنا: قوله تعالى: (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) والأمر بالإنظار ينافي الفرقة، لأن القاضي إنما يفرق إذا طالبت بالنفقة فعجز عنها، فإذا انتظر بها فظاهر الآية لا يوجب التفريق. 25917 - فإن قيل هذا راجع إلى ما تقدم بدلالة أنه لا يستقل، فرجع إلى قوله: (يأيها الذين ءامنوا إذا تداينتم بدين). 25918 - قلنا لو رجع إلى ما تقدم لقال: وإن كان ذا عسرة لأن خبر كان منصوب، وإنما قال الزجاج كان بمعنى حدث فكأنه تعالى قال: وإن وقع ذو عسرة فنظرة، وهذا مستقبل غير مفتقر إلى ما تقدم. 25919 - وقد قيل إن ذو اسم كان وخبرها محذوف تقديره وإن كان ذو عسرة معًا فلا تنظره إلى ميسرة، وهذا مستقل، لا يفتقر إلى ما تقدم.

25920 - ويدل عليه قوله تعالى: (ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما ءاته الله لا يكلف الله نفسًا إلى ما ءاتها) ومن لا يقدر على النفقة لايكلف بالإنفاق. 25921 - فإن قيل نحن لا نكلفه الإنفاق وإنما نكلفه الفراق وهو يقدر عليه 25922 - قلنا: لا يجوز أن يكلف الفرقة بعجزه عن أمر لا يجب عليه، ولأنه يلزمه أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كان فيهم فقراء لا يقدرون على شيء ولم يعين - صلى الله عليه وسلم - لهم حق التفريق. ولو كانت المطالبة من حقوقهن بينها لهن، ولأنها نفقة واجبة فلا يتلف ملكه عليه، لعجزه عنها كما لو عجز عن نفقة أمه وأبيه. 25923 - قالوا: إنما لايأمره بعتق أم الولد، لأنه يعتق ليتوصل إلى نفقتها بالتزويج، وهو يقدر أن يتزوجها في الحال فتتوصل إلى النفقة فلا معنى للأمر بالعتق والزوجة لا تقدر أن تتزوج إلا بعد الفرقة، فلذلك أمرناه بالتفريق. 25924 - قلنا: فإذا عجز عن نفقة أم ولده لم يلزمه تزوجها بل يتركها تأكل كسبها وكذلك الزوجة لا يفارقها ولكنه يُخلي بينها وبين الاحتيال، ويكون ذلك دينًا عليه، ولأنها نفقة مستحقة أو مقصودة بالنكاح فلا تجب الفرقة للعجز عنها، كنفقة اليسار والنفقة الماضية. 25925 - فإن قيل نفقة اليسار إذا عدمت أمكنها أن تعيش نفقة الإعسار فلم تثبت الفرقة، وإذا عدمت الإعسار لم يمكن أن تعيش بغير شيء. 25926 - قلنا: يمكنها أن تعيش بالتكسب والاستدانة عليها، كما تعيش الفقيرة التي لا زوج لها. ولأن الفرقة لا تجوز أن تجب للنفقة الماضية، لأنها دين في الذمة، فلا يفرق بينهما لأجلها، كسائر الديون. ولا يستحق للنفقة المستقبلة لأنها [لم تجب، والتفريق لا يستحق بحق لم يجب. ولا يجوز أن يفرق للنفقة الحالية لأنها] إما أن تكون في حكم الماضية أو المستقبلية فلا يستحق بها التفريق. 25927 - قالوا عندنا تجب نفقة كل يوم في أوله فيفرق بينهما لعجزه عن نفقة يومه وقد وجبت. 25928 - قلنا: قد أبطلنا هذا القسم حين ألحقناه بالنفقة الماضية. 25929 - قالوا قد قلتم إن الأب إذا امتنع من نفقة ابنه مع القدرة حبس. وإن

كان يحبس لما مضى، والأب لا يحبس في ديون ابنه ونفقة الابن لا تصير دينًا ولا يجوز أن يحبس للمستقبل، لأنه لم يجب نفقة الحال في حكمها. 25930 - قلنا نحن نحبسه إذا كان قادرًا لعزمه على منع النفقة مع القدرة. وهذه معصية يستحق بها الحبس. ولأنه عجز عما تقع فيه النيابة والقضاء فلم يستحق التفريق مثل عجزه عن مهرها قبل الدخول وعجزه عن النفقة الماضية ونفقة اليسار ونفقة دمها. 25931 - احتجوا: بقوله تعالى: (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسن) قالوا مخيرة بين أمرين: إن عجز عن أحدهما تعين عليه الآخر. قال تعالى: (ولا تمسكوهن ضرارًا لتعتدوا) ومتى أمسكها وهو لا يقدر على الإنفاق فقد أضر بها. 25932 - قلنا: هذه الآية نزلت في المطلقة أمر الله تعالى بمراجعتها بمعروف، وهو أن يراجعها رغبة فيها يستديم نكاحها ويمنع مراجعتها، لأنه لا يرغب فيها ثم يعود فيطلقها فتطول العدة عليها، وهذا هو المراد بقوله: (ضرارًا لتعتدوا) أي لا تراجعوهن ولا حاجة لكم فيها وإنما تطولون العدة لتمنعوهن من الأزواج اعتداء. هذا هو قول المفسرين يبين ذلك أن المسهل لهذا وهو لا يقدر على النفقة ليس بمعتد إذا كان غير مكلف بها. 25933 - قالوا فنحن نحمل الآية على المطلقة الرجعية إذا كان زوجها فقيرًا تعذر عليه أن يمسكها بمعروف، فيجب أن يفارقها. 25934 - قلنا: لا يجوز أن يكون الإمساك بالمعروف في باب النفقة، لأن النفقة واجبة قبل الطلاق وبعده على وجه واحد، فلا معنى للتخصيص بالمطلقة، ومتى حملنا الآية على الإمساك الذي ذكرناه كان في التخصيص فائدة. 25935 - ولأنه لا يصح أن يخير الفقير بن الإمساك بالمعروف في النفقة وبين التسريح، لأن التخيير إنما يصح بين أمرين يقدر عليهما. فأما أن يخير وهو عاجز عن أحدهما فلا يصح. 25936 - قالوا: روى أبو الزبير قال: سئل سعيد بن المسيب عن رجل أعسرته نفقة زوجته فقال: يفرق بينه وبينها فقيل: سنة. قال سنة. 25937 - قال الشافعي: فهذا يقتضي سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -.

25938 - قالوا السنة قد تطلق ويراد بها سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو سنة الصحابة أو سنة من يجب الاقتداء به. كذلك قوله - عليه السلام -: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء من بعدي) وقال: (من سن سنة حسنة فله أجرها). 25939 - وروي أن ربيعة سأل سعيد بن المسيب عن أرش أصابع المرأة فاجابه أن في قليلها أكثر مما في كثيرها فاستنكر ربيعة ذلك فقال: (إنها السنة يا ابن أخي) وإنما أخذ ذلك بقول زيد، فدل أنه سمى السنة لما أخذ من غير رسول الله. وقد خالف سعيد بن المسيب في هذا عمر بن عبد العزيز والزهري والحسن والشعبي فإن الاحتجاج بقوله فنقل هذا لم يعارضه، وإن كان يقول من سن سنة. 25940 - قلنا: لا نعلم هو هل ممن يحتج بقوله على التابعين أو لا. 25941 - احتجوا: بما روى الشافعي عن ابن عجلان عن المقبري عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (يا رسول الله عندي دينار، فقال أنفقته على نفسك، فقال عندي آخر فقال أنفقته على ولدك، فقال عندي آخر فقال أنت أعلم به) قال أبو سعيد: كان أبو هريرة إذا حدث بهذا الحديث يقول: لك ولدك أنفق عليَّ إلى من تكلني، وتقول زوجتك أنفق علي أو طلقني، ويقول خادمك أنفق علي أو بعني. قال فهذا يدل على أن للمرأة المطالبة بالطلاق إذا لم ينفق عليها. 25942 - قلنا: قد بين سفيان بن عيينة أنه من كلام أبي هريرة وقد روي أنه قيل لأبي هريرة تقول هذا عن رسول الله فقال لا هذا من نفسي. 25943 - فإن قيل تأويل الراوي يرجع إليه. 25944 - قلنا: هذا/ ليس بتأويل وإنما هو تعليل وتأويل الراوي تعليله لا يلزم ثم لا دلالة فيه لأنه قال: إن لم ينفق عليها طلبت الطلاق ولم يقل يجب الطلاق وقد تطالب

المرأة بالواجب وغيره، لأن هذا قال فيمن لا ينفق ومعه النفقة. ولا خلاف أن التفرقة هاهنا غير مستحقة. 25945 - احتجوا: بما زعموا أن حماد بن سلمة روى عن عاصم بن بهدلة بن النجود عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إنه سئل عن الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته يرى أعسر بنفقة امرأته فقال يفرق بينهما) وهذا إقدام عظيم سمح في الحكاية عن الرسول شديدًا وإذا أحسنا الظن بمن استدل بهذا حملنا أمره على قلة المعرفة بطرق الحديث وعادة أهله. 25946 - وإنما ذكر الدارقطني في كتابه بهذا الإسناد حديث أبي هريرة الذي قدمنا قال: المرأة تقول لزوجها أطعمني أو طلقني وأضاف هذا اللفظ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو غلط. 25947 - والصحيح ما قدمناه أنه من كلام أبي هريرة، ثم ذكر بعده حديث حماد عن يحيى عن سعيد بن المسيب قال في الرجل يعجز عن نفقة امرأته فقال: إن عجز فرق بينهما ثم ذكر من طريق آخر حديث حماد بن سلمة عن عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (بمثله). 25948 - فظن هذا الصحيح أنه مثل لفظ سعيد بن المسيب فأورده على غير ما ذكره الدارقطني. وإنما اراد الدارقطني بقوله بمثله يعني بمثل حديث حماد بن سلمة الذي أورده قبل حديث سعيد بن المسيب. وهذه عادة لأصحاب الحديث. 25949 - ولا يلزم راوي متنه أن يتعلق بلفظ معين، ويقول بورود الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يذكر لفظه ويقوله بمثله، فلما لما لم يعرف هذا الناقل هذه العادة أورد اللفظ عن ابن المسيب وحكاه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ومن تتبع كتب الحديث يبحث عنها علم أن هذا اللفظ لم ينقل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث صحيح ولا ضعيف ولا هو صريح.

25950 - وقد تكلف بعض أصحابنا هذا الخبر، فقالوا فرق بينهما بمعنى منع من حبسها في منزله ومكنها من نفسها للتصرف، وتكتسب، كما يمكن العبد إذا لم ينفق عليه مولاه من الاكتساب حتى ينفق على نفسه 25951 - فإن قيل: إذا ذكرت الفرقة من هذا الوجه فالظاهر أن المراد بها الطلاق أو الفسخ. 25952 - قلنا حقيقة الفرقة هو التفرق في المكان والتفريق في الحكم يتناول الاسم وليس أحدهما أولى من الآخر. وهذا التأويل عندي محظور من الدين، لأن التشاغل به يوهم أن هذا من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 25953 - احتجوا: بما روي أن عمر كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم فأمرهم أن يأخذوهم بأن ينفقوا أو يطلقوا فإن لم يطلقوا بعثوا بنفقة ما حبسوا. 25954 - قالوا: وهذا يدل على أن من لم ينفق على زوجته يطالبه السلطان بفراقها. 25955 - قلنا: هؤلاء أجناد يلزم الإمام أن يعطيهم ما يكفيهم ويكفي عيالهم. ومن قدر على الإنفاق أجبر عليه ولم يفرق بينه وبين زوجته، وإنما أمرهم عمر أن ينفقوا لقدرتهم على ذلك، وأفتاهم أن يطلقوا إن لم يختاروا الإنفاق حتى لا يضيعوهن. وليس هذا موضع الخلاف. 25956 - احتجوا: بما روي أن الله تعالى: (خير نبيه - عليه السلام - بين أن يكون ملكًا شكورًا أو عبدا فقيرًا فاختار الفقر) فأمره ان يخير نساءه بين المقام معه والفراق فإذا ثبت لنساء النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الفراق كذلك لنساء أمته. 25957 - قلنا: النبي - عليه السلام -: كان لا يعجز عن نفقتهن وكان يدخر لهن قوت سنة. وكيف يظن أنه لا يجد ما ينفق، وهذا بعضه يؤثر في الكفاءة، ولا يضاف إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تقصير، وإنما قال الله تعالى: (يأيها النبي قل لأزوجك إن كنتن تردن الحيوة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن) لأن الزاهد لا يرغب في مصاحبة من يريد الدنيا وزينتها، فكأنه قال: إن كنتن تردن الدنيا رغبت عنكن، وهذا

لا تعلق له بموضع الخلاف. 25958 - قالوا المهر بدل عن مبدل، فجاز إزالة استحقاق الملك عن المبدل بإعواز البدل. أصله إذا تبايعا عبدًا ولم يتقابضا فهرب المشتري. 25959 - قلنا: يبطل إذا خالعها على مال فعجزت عنه لم تستحق إزالة الملك عن البضع. 25960 - قالوا المرأة لا تملك ما كان الزوج يملكه. 25961 - قلنا: قد ملكت عليه ما كان يملكه، لأن النساء يملكن البضع ليتصرفن فيه لا ليستوفين منافعه كما تملك المرأة بضع أمتها. 25962 - ولأن المعنى في البيع أنه عقد لا ينفرد عن تسمية العوض [فلذلك جاز أن يستحق إزالة الملك عن المعوض بالعجز عن العوض، ولما انفرد النكاح عن تسمية العوض] لم يستحق إزالة الملك فيه بالعجز عن العوض. 25963 - فقالوا عقد يلحقه الفسخ فجاز أن يلحقه الفسخ بإعواز البدل، كالكتابة. 25964 - قلنا: المعقود عليه الكتابة، ولم يزل ملك العاقد عنه فيصير كالبيع المشروط فيه الخيار للبايع، والملك قد زال في مسألتنا، فتعذر البدل لا يوجب الفسخ كالخلع والعتق على مال. 25965 - قالوا: عجز عن الإنفاق على عبده. 25966 - قلنا هذا غير مسلم فإنا نفتي المولى ببيع عبده ولا نجبره على البيع كما نفتيه هاهنا بأن يطلق ولا نفرق بينهما. 25967 - ولأن العبد إذا بيع حصلت له النفقة بإزالة الملك من المشتري والمرأة بزوال الملك لا تحصل لها النفقة لأنها تنتظر انقضاء العدة ثم التزويج جاز أن يتأخر وهو التحريم موجود في الزوج الأول لأنه يجوز أن يملك في هذه المدة أو أقرب منها ما ينفقه عليها. 25968 - ولأنه في النكاح يتلف ملكه عليه بغير عوض. فوزانه من العبد أن يعتق عليه. وهذا لا يجوز باتفاق، ولأن عليه بيع العبد إذا امتنع من الانفاق وإن كان موسرًا، ولا يفرق بينه وبين زوجته إذا كان قادرًا وامتنع من النفقة عليها، ولأنا لو لم نلزمه بيع العبد سقط حق العبد في الحال والتالي، لأن نفقته لا تصير دينًا والزوجة يقضي بنفقتها ويجعل ذلك دينًا لها فلا يسقط أصلًا، فلذلك لم يفرق بينهما. 25969 - قالوا: ما عد من مقصود النكاح جاز أن يملك الفسخ بإعوازه

كالاستمتاع. وربما قالوا إنه يفقد بالوطء لذة، وبالقوت الحياة فإذا ثبت بتعذر الوطء الخيار فيثبت الخيار بهذا أولى. 25970 - قالوا: ولأن النفقة حق خالص لها، والوطء حق مشترك بينهما، فإذا وجب لهما الخيار بفقد الوطء فهذا أولى. 25971 - قلنا الفرقة تثبت في العدة، لأن المهر لم يستقر استقرارًا صحيحًا، ولهذا [لو وطئ ثم عجز لم يثبت الخيار فلو كان في النفقة لوجب إذا أنفق أيثبت الخيار. 25972 - قلنا: المعنى] الذي ظهر به العجز ابتداء بمثله يظهر في الثاني، ولأن هذا لا يتحقق في الحالين. 25973 - ولأن التفريق بالعنة لا يثبت حتى يقع الإياس من الوطء وبتعذر النفقة لا يقع اليأس بها ابتداء، لأن رزق الله غير منقطع. 25974 - ولأن الوطء لو منعها منه بيمين جاز أن يستحق التفريق في الإيلاء كذلك إذا تعذر بغير يمين. والنفقة لو منعها إياها بيمين، ولم يظهر موضع ماله، لم تجب الفرقة. كذلك إذا عذرت بغير يمين. 25975 - ومن أصحابنا من قال إن شهوة الوطء ركبت في الرجال والنساء وهي لا تتوصل إليها إلا من زوجها، فإذا تعذر ثبت الخيار. فأما النفقة فيجوز أن يحصل لها من غير زوجها فلم يكن تعذرها من الزوج يثبت الخيار. 25976 - قالوا للزوج إمساكان: إمساك عقد وإمساك يد، فإذا سقط بالعجز عن الإنفاق إمساك اليد وجب أن يسقط إمساك العقد. 25977 - قلنا يبطل بالعبد الذي له كسب إذا عجز مولاه عن الإنفاق زال حبس اليد عنه، وأجره الحاكم وأذن له في الاكتساب ولا يزول حبس الملك. 25978 - ولأن حبس اليد لا يزول عنها بكل حال. ألا ترى أنها إذا اكتسبت ما تنفق يثبت لها حبسها إلى أن تحتاج إلى الاكتساب. 25979 - ولأن حبس اليد يؤثر فيه تأخير توفية العوض مع القدرة عليه، وهو إذا تزوجها ولم يعطها المهر فجاز أن يؤثر/ فيه تعذر الإنفاق وجنس الملك لا يزول بتركه الإنفاق مع القدرة وكذلك مع العجز.

مسألة 1285 السكن والنفقة للمطلقة

مسألة 1285 السكن والنفقة للمطلقة 25980 - قال أصحابنا: للمطلقة النفقة والسكنى. 25981 - وقال الشافعي: المبتوتة لها السكنى ولا نفقة لها. 25982 - لنا: قوله تعالى: (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن) وإن كانت محبوسة لحقه فلم ينفق عليها فقد أضر بها وضيق عليها إذا منعها النفقة. وإذا نقصها منها كما يقال ضيق عليها إذا أشرك معها في المكان غيرها. فأما إذا منعها السكنى فلا يقال ضيق عليها بل وسع عليها؛ لأن الواجب أن تقيم في مكان واحد فإذا منعها منه صار لها أن تقيم في جميع المواضع، وذلك توسعة عليها وليس بتضييق. 25983 - ولأن في حمله على السكنى تكرارًا، وفي حمله على النفقة إثبات فائدة جديدة، فكان أولى. 25984 - فإن قيل: التضييق منع الواجب فدلوا على أن النفقة واجبة. 25985 - قلنا: نحن نثبت الاسم باللغة ثم نتبعه الحكم الشرعي. 25986 - ويدل عليه قوله تعالى: (وللمطلقت متع بالمعروف) والمتاع: هو النفقة بدلالة قوله تعالى: (متعا إلى الحول غير إخراج).

25987 - ويدل عليه ما روى أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه لم سمع حديث فاطمة بنت قيس قال: لا ندع كتاب ربنا وبيان سنة نبينا بقول امرأة لعلها نسيت أو شبه لها عندما سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (لها السكنى والنفقة). 25988 - فإن قيل: رواه إبراهيم عن عمر وهو مرسل. 25989 - قلنا المرسل عندنا والمسند في الاحتجاج سواء لاسيما مراسيل إبراهيم، وقد روي عنه أنه قال: إذا حدثني عن ابن مسعود واحد سميته، فإذا حدثني جماعة قلت: قال ابن مسعود، فهذا يدل على أن مراسيله أقوى من مسانيده. 25990 - ولأنها مستحقة للسكنى، فوجب أن تستحق النفقة ما لم يسقط حقها عنها كالمطلقة الرجعية، فجاز أن تستحقه المبتوتة الحامل كالسكنى. 25991 - فإن قيل: السكنى حق الله تعالى، ولهذا لا يسقط بإسقاطها، والنفقة حق لها بدلالة أنها تسقط بإسقاطها. 25992 - قلنا: هذا لم يمنع أن يتساويا في الثبوت ويتساويا في السقوط بعد انقضاء العدة، ولأنها احد حالتي الحبس أعني حال الملك وحال زوال الملك، فإذا جاز أن تجب النفقة في إحدى الحالتين للحامل فكذلك الأخرى، ولا يمكن القول بموجبه في الرجعية. 25993 - ولأنه ملك من جهته حال الملك فقد دخلت في أصل العلة. 25994 - ولا يلزم المتوفى عنها زوجها؛ لأنها من جملة الفرع. والتعليل لحق أن ثبوت النفقة في جملة هذه الحال ولأنها محبوسة عن الأزواج في منزل الزوج بحقه ذلك طلقة رجعية. 25995 - ولا يلزم المتوفى عنها زوجها. لأنها محبوسة في منزل الورثة، ولأنها إحدى عدتي الطلاق فجاز أن تجب لها النفقة كالحامل. أصله المطلقة الرجعية، ولأنها عدة تمنع الخروج في الزمانين فجاز أن تجب فيها النفقة للحامل كالرجعية. 25996 - فإن قيل: المعنى في المطلقة الرجعية أنها زوجة، بدلالة أنه يصح الإيلاء منها والظهار. 25997 - قلنا: قد زال بعض أحكام الزوجية وبقي بعضها وكذلك المبتوتة زال

بعض أحكام الزوجية وبقي بعضها بدلالة تحريمها على الأزواج، ووجوب السكنى وثبوت نسب الولد فإن قيل النفقة في مقابلة الاستمتاع والرجعية هو يتمكن من الاستمتاع؛ لأنه يراجعها متى شاء فيطؤها فلذلك وجبت نفقتها، وأما البائن فلا يملك الاستمتاع بها فلذلك لم تجب نفقتها. 25998 - قلنا: النفقة تجب بوجود تسليم نفسها بحكم نكاح صحيح، فأما في مقابلة الاستمتاع فلا. ولهذا تجب نفقة امرأة الصغير لوجود التسليم، وإن لم يكن من أهل الاستمتاع. ولا تجب نفقة الأمة إذا لم يبوئها مولاها بيت الزوج إن استمتع بها في بيت مولاها. 25999 - ولأن الزوج عند مخالفنا لا يملك الاستمتاع بالمطلقة بجواز أن يراجعها فتستباح لجواز أن تسلم الناشز، وذلك لا يوجب النفقة؛ لأنها تستحق النفقة إذا كانت حاملًا فجاز أن تستحقها إذا كانت حائلًا، كالمطلقة الرجعية. 26000 - والدليل على أن نفقة الحامل لها لا لحملها قوله تعالى: (وإن كن أولت حمل فأنفقوا عليهن) فأمر بالإنفاق على المرأة الموصوفة بالحمل؛ إذ المستحق إذا وصف بصفة كان الاستحقاق لها لا للصفة كقوله: أعط رجلًا طويلًا درهمًا. 26001 - ولأن النفقة لو كانت للحمل لم تجب على أبيه لأن نفقة ذوي الأرحام لا تجب مع الاستغناء عنها والحمل غني عن النفقة. 26002 - ولأن نفقة الزوجة عند مخالفنا مقدرة، ونفقة الولد غير مقدرة. ولو كانت هذه النفقة للحمل لم تتقدر دل على أنها للحامل. 26003 - ولأن حقوق الحمل تقف على ولادته، فلو وجبت هذه النفقة لم تثبت قبل الولادة. 26004 - ولأن الولد المملوك تجب نفقته على مولاه لا على والده فلما وجبت نفقة الحامل على زوجها دل على أن النفقة لها. 26005 - ولأن الحمل لو كان له مال أو أوصي به لم تجب النفقة فيه. ونفقة الولد لا تجب على أبيه إذا كان له مال، ولأن المنكوحة نكاحًا فاسدًا تجب نفقتها على الواطئ، وإن كانت حاملًا، فلو كانت النفقة للحمل لم تختلف الزوجة وغيرها. وإذا ثبت أن النفقة للحامل صح الوصف. 26006 - ولأن كل من وجب عليه سكنى شخص وجب عليه نفقته، كالزوجة والمولى مع مملوكه.

26007 - ولا يلزم المرتهن أن يجب عليه سكنى الرهن وللمرتهن إن شاء استوفاه وإن شاء تركه، فأما أن يجب عليه فلا. 26008 - احتجوا بقوله تعالى: (أسكنوهن من حيث سكنتم) فأطلق السكن ثم قال: (وإن كن أولت حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) فأوجب النفقة بشرط الحمل، فلو كانت السكنى والنفقة سواء لأطلق وجوبهما. 26009 - ولأنه علق النفقة بشرط والحكم المعلق بشرط يدل على نفي ما عداه. 26010 - قلنا: لا نسلم أنه إذا أطلق السكنى وجبت دون النفقة، لما بينا أن قوله (ولا تضاروهن) قد أفاد وجوب النفقة على الإطلاق، ثم أعاد ذكرها معلقًا بشرط لفائدة أخرى. 26011 - فأما قولهم: إن الحكم [المعلق بشرط يدل على نفي ما عداه، فلسنا نقوله، وإنما نقول بل يدل على ثبوت الحكم] الثابت مع الشرط عند عدمه، بحسب الدليل، على أن الله تعالى ذكر هذا في المطلقة وهذا عام في المبتوتة والرجعية ومعلوم أن إيجاب النفقة للحامل الرجعية لا يقتضي أن يكون المشروط بخلاف الشرط، كذلك لا يلزمنا في المبتوتة. فإن قيل: فائدة شرط الله تعالى الحمل في وجوب النفقة. 26012 - قلنا: الفائدة أن الله تعالى تارة يبين الحكم بصريح اللفظ، وتاره يكله إلى الاجتهاد فتكون الفائدة في التخصيص أن يقف ما سوى المذكور على الدلالة. ويجوأن تكون الفائدة أن يبين أن نفقة الحامل على زوجها حتى لا يظن أن نفقة الحمل في ماله أو من مال من تلزمه نفقته إذا كان مملوكًا. 26013 - ويجوز أن تكون الفائدة أن مدة الحمل أطول من مدة العدة؛ لأن أقله ستة أشهر، ويمتد عندنا إلى سنتين وعند غيرنا إلى أربع سنين وخمسة، والعدة لا تبلغ ذلك فيبقى أن تجب نفقة الحامل إلى أن تضع، وإن طالت مدة الحمل. 26014 - احتجوا: بحديث فاطمة بنت قيس: (أن زوجها طلقها ثلاثًا وهو غائب بالشام فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته، فقال: والله مالك علينا من شيء، فأتت رسول الله، فذكرت ذلك له، فقال: (ليست لك النفقة) وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك، ثم قال: (تلك امرأة يغشاها أصحابي. اعتدي عند ابن أم كلثوم؛

فإنه رجل أعمى فإذا حللت فآذنيني). 26015 - قالوا: رواه أبو داود، وقال فيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملًا). 26016 - قلنا: هذا الخبر أنكره عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وقال: ما رويناه عنه، وقالت عائشة رضي الله عنها: لا خير لفاطمة بنت قيس في رواية هذا الحديث، وكان زوجها أسامة بن زيد إذا سمعها تذكر ذلك رماها بكل شيء كان يحمل في يده، وقال سعيد بن المسيب: تلك امرأة فتنت النساء بروايتها، وذكر أبو إسحاق أن الأسود سمع الشعبي بحديث فاطمة بنت قيس في المسجد فحصبه، وقال: ويلك تحدث مثل هذا الحديث، وقد أنكره عمر بن الخطاب عليها/ ومن شرط قبول الخبر تعريه عن إنكار السلف. 26017 - فإن قيل: إنما أنكر عليها روايتها إسقاط السكنى؛ لأنه قال: لا ندع كتاب ربنا، وليس في الكتاب النفقة، وإنما فيه السكنى. 26018 - قلنا: بل فيه النفقة بقوله تعالى: (والمطلقت متع بالمعروف) وقوله: (ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن). 26019 - ولأنه روي في الخبر أنها استطالت بلسانها على أحمائها فنقلها النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأسقط نفقتها بخروجها من منزله كما سقط بنشوزها، يبين ذلك أنه أسقط السكنى والنفقة. 26020 - وقد اتفقنا على وجوب السكنى والنفقة فالمعنى الذي أسقط مخالفنا به السكنى هو المسقط للنفقة عندنا. 26021 - قالوا لو كان كذلك لا يسقط النفقة على الإطلاق، فلما روى أبو داود أنه قال: (لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملًا) لم يصح هذا التأويل.

26022 - قلنا: أبو داود نطرق الخبر، ولم يذكر الزيادة في عامة الطرق وذكرها، في قصة مروان أنه أرسل إلى فاطمة فسألها فذكرت تلك له، فقال لسنا نأخذ بهذا، وإنما نأخذ بالعصمة التي وجد الناس عليها فأخبر أن عمل الناس بخلاف الخبر، ومن تركت الصحابة العمل بخبره لم يلتفت إليه. 26023 - فإن قيل: روى الدارقطني بإسناده في حديث فاطمة، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (المطلقة ثلاثًا لا سكنى لها ولا نفقة إنما السكنى والنفقة لمن يملك الرجعة). 26024 - قلنا: رواه جابر الجعفي عن عامر عن فاطمة، وقد قال الدارقطني: إن جابر الجعفي كذاب. 26025 - قالوا: روى حديث السري، قلنا السري لم يخرجه البخاري في الصحيح وضعفه، وكيف يروي عن عائشة رضي الله عنها هذا الخبر، والمشهور عنها إنكارها، إلا أن يكون يرويه على طريق التعجب. وقد ذكر الدارقطني حديث أبي الزبير عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (للمطلقة ثلاثًا السكنى والنفقة). 26026 - فإن قيل: إذا كانت الأخبار تعارضه في قصة فاطمة فالرجوع إلى روايتها أولى؛ لأنها أعرف بقصتها كما رجح أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - خبر الزوجات في (التقاء الختانين)؛ لأنهن أعرف. ولما سئلت عائشة رضي الله عنها عن مسح الخفين، قالت: للسائل: سل عليا فإنه كان يسافر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -). 26027 - قلنا: إذا كانت غلطت، وروت سقوط السكنى التي اتفقنا على وجوبها. 26028 - قالوا: نجمع بين الأخبار فتقول الذي روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (لها السكنى والنفقة)؛ لأنه ظن أن طلاقها رجعي، ثم علم أنها مبتوتة فقال: لا سكنى ولا نفقة. 26029 - قلنا: فنحن نستعمل مثله، فنقول أوجب لها النفقة؛ لأنه لم يعلم

بنشوزها، فلما علم ذلك أسقطها. 26030 - فإن قيل: تعديها ليس بنشوز. 26031 - قلنا: إذا لم يمكن أن تقيم في منزل الزوج، فقد صار الامتناع بمعصية من جهتها. 26032 - قالوا: زوجية زالت، فزالت النفقة بزوالها كالمتوفاة. 26033 - قلنا: يبطل بالحامل. والمعنى في الأصل أن النفقة تسقط مع الحمل كذلك مع عدمه. 26034 - [وفي مسألتنا تجب النفقة مع الحمل كذلك مع عدمه]. 26035 - قالوا: بائن، فوجب أن تسقط نفقتها كالمطلقة قبل الدخول. 26036 - قلنا: هناك لما سقط سكانها سقطت نفقتها، ولما لم تسقط في مسألنا السكنى كذلك النفقة. 26037 - قالوا: النفقة تجب بإزاء التمكين، ولهذا تسقط بالنشوز وليس هاهنا تمكين، فا تجب النفقة. 26038 - قلنا النفقة تجب بحبسها في منزل الزوج لحقه، وهذا المعنى موجود. وإنما سقطت بالنشوز لزوال الحبس. 26039 - قالوا: نفقة بحق الملك، فسقطت بزوال الملك كالعبد إذا أعتقه. 26040 - قلنا: هناك سقطت السكنى فسقطت النفقة. 26041 - وفي مسألتنا بخلافه، أو نقول: لم يبق بعد العتق حكم من أحكام الملك، فلم يجز أن تبق النفقة. وقد بقي في المبتوتة حكم من أحكام الملك، فجاز أن تبقى النفقة. 26042 - قالوا: مبتوتة فلم تجب لها نفقة، كما لو ارتدت أو قبلت أباه. 26043 - قلنا: هناك منعت نفسها من زوجها بمعصية، ولو فعلت هذا مع بقاء ملكه سقطت نفقتها كالناشزة، فمنع زوال الملك أولى. 26044 - وفي مسألتنا: منعت الاستمتاع بحق، فلم تسقط نفقتها، كما لو منعت نفسها لتأخذ مهرها.

مسألة 1286 نفقة كل ذي رحم محرم

مسألة 1286 نفقة كل ذي رحم محرم 26045 - قال أصحابنا: النفقة واجبة لكل ذي رحم محرم من جهة النسب إذا كان فقيرًا موافقًا في الدين. 26046 - وقال الشافعي: لا تجب النفقة إلا للوالدين والولد. 26047 - لنا: قوله تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والإحسن وإيتائي ذي القربى) وهذا يقتضي وجوب حق يدفع إلى الأقارب، ولا حق إلا النفقة ولا يجوز حمله على أفراده؛ لأنه تخصيص بغير دليل. 26048 - ويدل عليه قوله تعالى: (وءات ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل) فأوجب إيتاء ذي القربى كما أوجب إيتاء المساكين، ومعلوم أنه يجب أن يوفي المسكين حقًا من المال، كذلك القريب. 26049 - ويدل عليه قوله تعالى: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) إلى قوله: (وعلى الوارث مثل ذلك) وهذا يقتضي وجوب النفقة على كل وارث كوجوبها على الوالد. 26050 - فإن قيل النفقة والكسوة نفقة زوجية فأما أجرة الرضاع فتجب بحسب التراضي.

26051 - قلنا المراد بالآية أجرة الرضاع بدلالة أن الأم قد تكون زوجة وقد تكون غير زوجة وقوله إن أجرة الرضاع لا تكون طعامًا وكسوة ليس بصحيح، لأن عند أبي حنيفة يجوز استئجار الظئر بطعامها وكسوتها. 26052 - فإن قيل: قوله: (وعلى الوارث مثل ذلك) المراد به في ترك المضارة بها. 26053 - قلنا: قال الله تعالى: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) ثم قال: (وعلى الوارث مثل ذلك) فالظاهر أنه عطف الاسم على الاسم ولم يعطفه على الفعل الذي هو ترك المضارة. 26054 - ولأنه حق له، بقوله (لا تضار ولدة بولدها) معناه لا يؤخذ منها فبدفع إلى ظئر ترضع بدلها للرضاع، وقوله: (ولا مولود له بولده) معناه أنه لا يلزم ما يقترح الوالد من العوض. 26055 - وقوله: (وعلى الوارث مثل ذلك) لو سلمنا أنه يرجع إلى نفس المضارة دل على أن نفقة الرضاع عليه؛ حتى يقال له: لا يضار بها بأن تبذل النفقة للظئر مع بدلها للرضاع. 26056 - فإن قيل إذا حملنا قوله: (وعلى الوارث مثل ذلك) على نفي المضارة حملناه على العموم في كل وارث، وإذا حملتموه على النفقة خصصتموه بذي الرحم المحرم. 26057 - قلنا: إذا حملتموه على نفي المضارة لم يكن لتخصيصه بالوارث معنى؛ لأنه يجب على كل مسلم ترك الإضرار بها. 26058 - ولأنه روى في قراءة ابن مسعود (وعلى الرحم المحرم مثل ذلك) فعلى هذا لم تختص الآية. 26059 - قالوا: روي عن ابن عباس أنه قال (وعلى الوارث مثل ذلك) في نفي المضارة. 26060 - قلنا: روي عن ابن مسعود وزيد بن ثابت أنهما قالا في النفقة مثل ذلك. وبدل عليه ما روي أن امرأة خاصمت صبيانها إلى عمر بن الخطاب فقضى عليهم بنفقتها، وعن زيد بن ثابت أنه قضى بنفقة صغير على أمه وعمه أثلاثًا ولا مخالف لهما.

26061 - ولأنه ذو رحم محرم من النسب فجاز أن يستحق من جهته النفقة كالوالد والولد. 26062 - ولا يقال: المعنى فيه أن النفقة تجب على اختلاف الدين فكذلك مع اتفاقه؛ لأن النفقة صلة، فلا يقال: لما لم تجب صلة الرحم مع وجود الكفر لم تجب مع الإسلام، فأما الأب فتجب عليه صلة رحمه في الحالين والأخ بخلافه. ولأنهما شخصان ولا يرجع أحدهما فيما يهبه للآخر، فجاز أن تجب نفقة أحدهما على الآخر، كالوالد والولد. 26063 - ولأنه رحم كامل فجاز أن تجب النفقة لأجله كالولاد، ولأنه معنى وضع لغناء الأقارب فجاز أن يثبت بين الأخ والأخت كالإرث، ولأنها قرابة تمنع التفريق إذا جمعهما الملك، كقرابة الولاء. 26064 - والدليل على الوصف ماروي أن عليًا - عليه السلام - فرق بين الأخوين، فقال - صلى الله عليه وسلم - (اذهب فاسترد). 26065 - احتجوا بوقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه). 26066 - قلنا: هذا يقتضي تحريم تناول ماله الذي لم يجز أخذه بالشرع إلا برضاه، ونحن لا نسلم أن هذا المال لم يجب بالشرع. 26067 - قالوا: روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (ليس في المال حق سوى/ الزكاة). 26068 - قلنا: في المال حق الله تعالى سوى الزكاة بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (في المال حق سوى الزكاة). 26069 - احتجوا: بما روى أبو هريرة أن رجلًا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - (فقال: إن معي دينارًا فقال: (أنفقه على نفسك) فقال: (إن معي آخر) فقال: (أنفقه على ولدك) فقال: معي آخر فقال: (أنفقه على أمك) فقال: (معي آخر) فقال: (أنفقه على خادمك) فقال: (معي أخر) قال: (أنت أعلم به) فهذا يدل على أنه لا يجب عليه نفقة أخيه وعمه وخاله.

26070 - قلنا: بهذا الخبر احتج أصحابنا. ولأنه روي أنه قال: (وعلى أبيك وعلى أخيك وأختك ثم أدناك فأدناك) ثم إذا لم ينقل هذا لم يدل على ما قالوا؛ لأنه يجوز أن يكون - صلى الله عليه وسلم - عرف أنه لارحم له أو عرف أن أرحامه أغنياء فلم يأمره بالنفقة عليهن. 26071 - قالوا: كل شخصين لا يجب نفقة أحدهما على الآخر مع اختلاف الدين لا يجب مع اتفاقه كابني العم. 26072 - قلنا الله تعالى أوجب النقة فيما سوى الوالد والولد باسم الوارث، بقوله: (وعلى الوارث مثل ذلك) واختلاف الدين يمنع الإرث دون نفقة الأب بالولادة، وختلاف الدين لا يمنع ذلك. والمعنى في ابني العم أن رحمهما ليس بكامل، بدلالة أنه يجوز تزويج بنتي العم كما يجوز تزويج الأجنبية، والأخت رحمها كامل، بدلالة أنه لا يجوز تزوجها كما لا يجوز تزويج الأم والبنت، ولهذا أوجب عليه رحم الأختين فمنع أن يجمع بينهما في النكاح، وكذلك المرأة وعمتها وخالتها ولم يجب مثل ذلك في بني العم، بل جاز الجمع بينهما ولم يحرم رحمهما، وجعلناهما كالأجانب. 26073 - ولو ملك أختين لم يفرق بينهما. ولو ملك ابني عم فرق بينهما، لأن إيجاب نفقة ابن العم يؤدي إلى التناقض؛ لأن الفقير يتزوج بنت عمه الموسرة فتجب عليها نفقته بالقرابة، ويجب عليه نفقتها بالنكاح، فيطالب كل واحد منهما بنفقته وهذا محال. 26074 - ولأن ولد العم لما تعلقت له على ولد عمه بغير الرحم نفقة وهو النكاح لم يجب له عليه نفقة بالرحم. ولما لو يجب للرحم المحرم على صاحبه نفقة بغير الرحم جاز أن يجب بالرحم كالوالدين والولد. 26075 - وقد ساقوا على هذا الاصل بأوصاف منها أنه يجري بينهما القصاص، وتقبل شهادة كل واحد منهما للآخر، ولا يحرم على أحدهما زوجة الآخر على التأبيد. 26076 - قلنا: القصاص يجري بين الزوجين مع وجوب النفقة، ويجب على الابن للأب، وعلى العبد بقتل المولى، ويجب عليه نفقته. وأما الشهادة فلأن أحدهما ليس بعضًا للآخر ولا تسلط له في ماله، والوالد والولد لم تقبل شهادة أحدهما للآخر؛ لأنه بعض له بالقرابة، فليس اعتبار هذا بأولى من اعتبار المنع من جمعهما تحت زوج، وهذا أولى؛ لأنه منع من جمعها؛ حتى لا تنقطع أرحامهما بالعداوة، وهذه علة

منصوص عليها، والنفقة صلة الرحم، فأولى أن يعتبر أحدهما بالآخر. وتحريم الزوجة لم يجعل صلة للرحم فلم يجز اعتبار النفقة. 26077 - قالوا: لايجب نفقته في كسبه فلم يجب في ماله كالأجنبي. 26078 - قلنا: الوصف غير مسلم، ولا رواية في هذه المسألة عن أبي حنيفة. وقال محمد: إذا كان في كسب الآخر ما يفضل عن كفايته فرض في الفاضل منه نفقة أخيه. 26079 - ولأن النفقة صلة الرحم فلا يصح أن يقال: لما لم تجب صلة الأجنبي، لا تجب صلة الأخ والعم. والمعنى في الأجنبي أن نفقته يجوز أن تجب بغير الرحم، وهو النكاح [والرق فلم يجب بالرحم. وذو الرحم لا يجوز أن تجب نفقته بغير الرحم] فلذلك وجبت به. 26080 - قالوا: يجوز لكل واحد منهما دفع زكاته إلى الآخر فلو وجبت النفقة لم يجز دفع الزكاة فيسقط بها ما وجب من النفقة، كما لا يجوز الدفع في الولد. 26081 - قلنا: يبطل إذا قضى القاضي بالنفقة فإن الدفع يجوز بإجماع وإن كانت النفقة واجبة. والمعنى في الأب والابن أن مال أحدهما أجرى مجرى مال الآخر، فإذا دفع الزكاة إليه فكأنه نقلها على ملكه. وهذا لا يوجد في الآخرين.

مسألة 1287 الحضانة بعد افتراق الزوجين

مسألة 1287 الحضانة بعد افتراق الزوجين 26082 - قال أصحابنا: إذا افترق الأبوان فالأم أحق بالجارية حتى تبلغ، وبالغلام حتى يأكل وحده ويشرب ويتوضأ ويلبس. 26083 - وقال الشافعي: الأم أحق به حتى يبلغ سبع سنين، ثم يخير فيكون عند من يختار من الأبوين، فإن اختار الأم كان بالليل عندها وبالنهار عند الأب. 26084 - قالوا: وإذا كان الولد حرًا وأحد أبويه مملوك لم يخير، والحر أولى. وإن كان أحدهما كافرًا لم يخير. والمسلم أولى. وقال الإصطخري يخير.

26085 - لنا: ما وري عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمر أن امرأة جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إن ولدي كان بطني له وعاء وثديي له سقاء وحجري له وطاء وإن أباه يزعم أنه ينتزعه مني فقال - صلى الله عليه وسلم -: (أنت أحق به ما لم تنكحي). 26086 - فإن قيل: فيه إضمار عندكم أنت أحق به ما لم يكتف بنفسه. وعندنا لم يبلغ سبع سنين، فخير. 26087 - قلنا: أجمعنا على أنه بلغ حد التخيير فسقط استحقاقها، وقلتم: يسقط حقها إذا بلغ إلى ذلك وأجاز الأب فما اتفق على إضماره يلحق بالخبر والزيادة مختلف فيها فلا يثبتها بغير اتفاق ولأن قول الصبي لا يتعلق به حكم في مصالحه. أصله البيع والشراء. 26088 - ولا يلزم الإيمان؛ لأنه يتعلق بالاعتقاد لا بالقول. 26089 - ولا يلزم الإذن للغير وحمل الهدية؛ لأن ذلك في غير مصالحه. ولأن الأم ثبت لها الحضانة، كما ثبت لطالب التصرف في المال. فإذا كان ما ثبت للأب لا يسقط بقول الصبي فكذا لا يثبت للأم. 26090 - ولأن الصبي يختار من أبويه من يهمله ويترك تأديبه. وفي ذلك إلحاق وضرر به. ولا يراد إذا لم يكتف بنفسه، ففي كونه عند الأب ضرر به؛ لأن النساء أقوم للتربية من الرجال. فإذا اختار الأب في هذه الحالة فاختيار يضر به فلا يقبل قوله فيه. وإن اختارت الجارية بعد بلوغها الأم ففي ذلك ضرر عليها، لأن الأب أغير عليها، وأحفظ لها، فلم يقبل قولها فيما يضر بها. 26091 - احتجوا: بحديث أبي هريرة قال: (سمعت امرأة جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا قاعد عنده، فقالت: يا رسول الله، إن زوجي يريد أن يذهب بابني قد سقاني من بئر ابني عنبة وقد نفعني فقال - صلى الله عليه وسلم -: (استهما عليه) فقال الرجل من يحاقني في ولدي؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: (هذا أبوك وهذه أمك، فخذ بيد أيهما شئت، فأخذ بيد أمه فانطلقت به). 26092 - قلنا: هذه قصة عين يحتمل أن تكون غالبًا وهو الظاهر، لأنها قالت: نفعني وسقاني من بئر ابني عنبة. 26093 - قالوا: وهذه البئر لا يمكن أن يستقي منها إلا البالغ، وتسميته غلامًا لا ينفي البلوغ، لأن المختار قال: أنا الغلام الثقفي، وكان كهلًا، فإن قيل: لو كان بالغًا

يخير بين أمه وبين أن ينفرد بنفسه. 26094 - قلنا: إذا بلغ وهو لا يؤمن على نفسه فليس له أن ينفرد عن أحدهما. ويدل على بلوغه أن التخيير إما إن يكون حقًا له أو يثبت حقًا عليه، والصبي لا يثبت له حق بقوله، ولا يثبت بقوله حقًا عليه. 26095 - قالوا: روى مالك عن عمر وعلي وأبي هريرة التخيير. 26096 - قلنا: ذكر الخصاف بإسناده عن عكرمه عن أبي بكر قال: الولد عند أمه ما لم تتزوج، أو يدرك فيختار. وعن عطاء قال عمر: الأم أحق بالولد ما كان صغيرًا أو يدرك فيختار. قال: من أمر بفعل الطهارة الصلاة خير بين أبويه كالبالغ. 26097 - قلنا: المعنى في البالغ أن قوله يتعلق به حكم في مصالح ملكه فجاز أن يتعلق به حكم في مصالح نفسه، وغير البالغ بخلافه. 29098 - قالوا: بلغ حدًا، وتميز بفروضه ونفعه فلا يكون أمه أحق به كالغلام، أو فلا تكون أحق به كالجارية/. 26099 - قلنا الغلام إذا اكتفى بنفسه استضر بالكون عند أمه؛ لأنه بالغ خلاف البنت. والجارية لا تستضر بذلك فلهذا أسقط الحق في الغلام ولم يسقط في الجارية.

مسألة 1288 النفقة لا تصير دينا في الذمة

مسألة 1288 النفقة لا تصير دينًا في الذمة 26100 - قال أصحابنا: النفقة لا تصير دينًا في الذمة إلا أن يقضي بها قاض أو يقدرها الزوج ويلزمها نفسه. 26101 - وقال الشافعي: تصير دينًا بمضي المدة. 26102 - لنا: أنها نفقة تجب حالًا فحالًا، فلا تصير دينًا بمضي المدة. أصله نفقة الأقارب، ولأن النفقة تستحق بالزوجية والنسب، فإذا لم تجب النفقة بالنسب ابتداء دينًا في الذمة لم تجب الزوجية. 26103 - فإن قيل: نفقة الأقارب تجب لإحياء النفس، فإذا مضت المدة فقد حصل المقصود فلا يجب عليه لإحياء النفس، فلا يجب الإحياء في الماضي. ونفقة الزوجة تجب على وجه المعاوضة. 26104 - قلنا: نفقة الزوجة تجب؛ لأنها محبوسة لحقه عن التصرف فوجب عليه أن يكفيها، فإذا مضت المدة فقد اكتفت. وقولهم: إن نفقة الزوجة على وجه العوض غير مسلم. 26105 - فإن قيل: نفقة النسب لا تصير دينًا، وإن ألزمها وحكم بها الحاكم، ونفقة الزوجة بخلاف ذلك. 26106 - قلنا: لأنها تجب في مقابلة معنى يلزمها له وهو الحبس، فلذلك صارت دينًا بالقضاء. ونفقة الأقارب لا تجب في مقابلة معنى يلزم المستحق لمن وجب عليه ولأنها نفقة تجب عليه لحق الملك فلا يجب ابتداء في المدة، كنفقة عبده وأم ولده.

26107 - ولأن النفقة والسكنى كل واحد منهما يجب على الزوج للمرأة حالًا فحالًا ثم كانت السكنى لا تصير دينًا بمضي المدة، كذلك النفقة. 26108 - فإن قالوا: في السكنى وجهان. 26109 - قلنا: لسنا نقيس على أجرة السكنى، وإنما نقيس على السكنى نفسها. 26110 - فإن قيل: المقصود من السكنى تحصنها، ولا يمكن التحصين فيما مضى. 26111 - قلنا: يمكن القضاء بأجرة السكنى لم مضي، كما يمكن القضاء بالنفقة. 26112 - وهذه المسألة مبنية على أن النفقة لا تجب للزوج على وجه العوض عن شيء [بدلالة أنه لا يصح أن تكون عوضًا عن البضع أو عن الاستمتاع، ولا يجوز أن تكون بدلًا] عن البضع؛ لأن المهر وجب بدلًا عنه فلا يجب بحكم عقد واحد عن مبدل واحد بدلان. 26113 - ولأنها لو وجبت على طريق العوض عن البضع أثر فيها الطلاق قبل الدخول كالمهر. ولا يجوز أن تكون عوضًا عن الاستمتاع؛ لأنه تصر فيما ملكه بالعقد فلا يجب بدل عوض غير ما وجب بالعقد فلا يجب كاستيفاء المنافع في الأجرة، وإذا ثبت أنها تجب لا على وجه العوض كانت صلة فلا يستقر وجوبها لا بمعنى ينضم إلى سبب الوجوب، كالهبات. 26114 - احتجوا بقوله تعالى: (لينفق ذو سعة من سعته) وبقوله: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف). 26115 - قلنا الآية الثانية إذا قلنا إن المراد بها أجرة الرضاع فإن الأولى تدل على الوجوب في النفقة، وعندنا أنها تجب والخلاف في سقوطها بمضي المدة. 26116 - فإن قالوا: إذا ثبت الوجوب يدل أنه لم يسقط إلا بدليل. 26117 - قلنا: إن كان هذا الاحتجاج بالظاهر فهو استصحاب الحال. وإن كان بقياس تكلمنا عليه فيما بعد. ولأن الظاهر لا يقتضي أكثر من نفقة واحدة. فإذا أنفق مرة واحدة ثم ترك النفقة لم يجب إيجابها بالظاهر. 26118 - قالوا: كلما صار دينًا إذا حكم الحاكم صار دينًا وإن لم يحكم به، كالمهر.

26119 - قلنا: النفقة لا تصير دينًا بالحكم، وإنما يمنع الحكم من سقوطها، ولأنا نقول بموجب الصلة؛ لأن النفقة تصير دينًا بغير حكم إذا التزمها الزوج وقدرها على نفسه. والمعنى في المهر أنه لما وجب في النكاح عوضًا يستقر فيه أثر الطلاق، فلو كانت النفقة كذلك أثر فيها الطلاق. 26120 - قالوا: كل ما لا يسقط بمضي الزمان إذا تراضيا عليه لم يسقط وإن لم يتراضيا، كالديون. 26121 - قلنا: المعنى في الديون أنها لو ثبتت لذوي الأرحام سقط بمضي الزمان، وكذلك إذا وجب للزوجة. 26122 - قالوا: النفقة تجب في مقابلة الاستمتاع بدلالة أنها تسقط بتعذره. 26123 - قلنا: لا نسلم ذلك بدلالة أنها تجب لزوجة الطفل، وهو ممن لا يستمتع فدل على أنها عوضه، بل هو شرط فيها، كما أن النفقة في ذوي الأرحام تجب [عند الفقر، وليست عوضًا عن الاستمتاع كانت صلة لم تحبس غالبًا. 26124 - قلنا: تجب] على وجه الصلة، ويحبس من امتنع عنها.

مسألة 1289 وجوب النفقة بالقضاء

مسألة 1289 وجوب النفقة بالقضاء 26125 - قال أصحابنا: إذا وجبت نفقة الزوجة بالقضاء فمات أحد الزوجين سقطت. 26126 - وقال الشافعي: تؤخذ من تركة الزوج. 26126 - لنا: أنها صلة، فإذا لم تقبض حتى مات الواصل بطلت، كنفقة ذوي الأرحام. أو نقول: إذا مات من جعلت له قبل تمامها بطلت، كنفقة ذوي الأرحام، وكموت الموصى له. 26128 - ولأن وجوبها لو بقي بعد الموت جاز أن يجب بعد الموت إذا وجد سبب وجوبها كسائر الديون، فلما كانت الحامل المبتوتة إذا ماتت زوجها سقطت نفقتها لبقية العدة دل أن الموت ينافي وجوبها. ولأنها وجبت لا على العوض عن شيء، فسقطت بالموت، كالجزية والزكاة على أصلنا. 26129 - احتجوا بأنه دين ثابت تجوز الكفالة به والحبس لأجله كسائر الديون. 26130 - قلنا: المعنى فيها أنه يجوز وجوبها بعد الموت بتقدم أسبابها في حال الحياة، والنفقة بخلاف ذلك.

مسألة 1290 سلف الزوجة من الزوج النفقة

مسألة 1290 سلف الزوجة من الزوج النفقة 26131 - قال أبو يوسف: إذا أسلف الزوج زوجته النفقة، ثم ماتت أو مات لم يرجع عليها بشيء. 26132 - وقال محمد: إذا مات يرجع بحصة ما بقي، وهذا مبني على أنها صلة اتصلت بالقبض فلا يرجع فيها بعد الموت كالهبة. ولأنه لو وهب لها وأقبضها فماتت أنه لا يرجع فيها، وهذا تبرع. أصله أنه غير مستحق، فإذا دفع النفقة، فهي صلة مستحقة فلأن يرجع فيها أولى. لمحمد أن المرأة تتعجل النفقة عما يجب لها، فإذا بطل سبب الوجود رجع عليها كمن أسلفها النفقة ثم نشزت. 26133 - قلنا: الأجرة لو بطلت الإجارة بموت المؤجر رجع ورثته بالأجرة، كذلك إذا بطلت بموت المستأجر. 26134 - وفي مسألتنا لو انتقض النكاح بموت الزوج لم يرجع ورثته بشيء، كذلك إذا انتقضت بموتها. فأما إذا استسلفت ثم نشزت، فمن أصحابنا من لا يسلم ذلك، ويقول: لا يرجع عليها، كما لا يرجع بعد موتها. 26135 - ولا رواية فيه. 26136 - والشافعي: حدثنا على أصله أنه يجب على وجه العوض، كالأثمان. وهذا أصل نخالفه فيه، وإنما تتعجل صلة عما يجب في الصلة في المستقبل فلا يثبت الرجوع، وإن لم يجب، كما لو عجل رب المال الزكاة ثم لم تجب عليه في المستقبل.

مسألة 1291 نفقة الأنثى إذا بلغت وليس لها عائل

مسألة 1291 نفقة الأنثى إذا بلغت وليس لها عائل 26137 - قال أصحابنا: إذا بلغت الأنثى وليس لها مال، ولا زوج ولا كسب فنفقتها على أبيها. 26138 - وقال الشافعي: إذا بلغت صحيحة فلا نفقة لها. 26139 - لنا: أن البلوغ مع الفقر والعجز عن التكسب في الغالب لا يسقط النفقة. أصله: الابن الأعمى، والزمن. 26140 - ولا يلزم إذا كان لها زوج، لأن المسقط للنفقة ليس هو البلوغ، وإنما هو وجوب نفقتها على غيره، بدلالة أن المراهقة المزوجة لا يجب على الأب نفقتها. 26141 - احتجوا بأن البلوغ مع الصحة معنى يسقط نفقة الابن، فوجب أن يسقط نفقة البنت. أصله: اليسار. ولأن البلوغ مع الصحة يسقط النفقة. أصله الابن. 26142 - قلنا: الغالب من حالة القدرة على التكسب، والبنت الغالب من حالها العجز عن التكسب. 26143 - فإن قيل: قد تكسب بالعمل، قلنا: إذا كان لها كسب سقطت نفقتها، وذلك نادر، فلا يعتبر به كالابن الزمن.

مسألة 1292 نفقة الصغيرة

مسألة 1292 نفقة الصغيرة 26144 - قال أصحابنا: إذا كان لصغير أم وجد فالنفقة عليهما أثلاثًا. وإن كان للرجل بنت وابن ابن فعلى البنت النفقة، وإن كان له ابن وبنت فالنفقة عليهما نصفان. 26145 - وقال الشافعي: النفقة على الجد وعلى الابن، دون البنت، وعلى ابن الابن دون البنت. 26146 - لنا: قوله تعالى: (وعلى الوارث مثل ذلك) فأوجب النفقة فيمن سوى الأب على الوارث فوجب أن يعتبر مقدار الأب، ولأنهما اختلفا في الدرجة فلم ينفرد البعيد بالإنفاق، دون القريب الموسر. أصله الأب والجد. 26147 - [ولأنها تدلي إليها بنفسها، والجد بواسطة، فلم يقدم عليه كالجد والأب]. 26148 - ولأن البنت من صلب الأب وابن الابن [أبعد في الدرجة فكانت النفقة على ولد الصلب كالابن وابن الابن] والابن والبنت/ تساويا في البنوة والتعصيب فصار كالابنين. 26149 - احتجوا بأن الجد له تعصيب وولاء فلم تشاركه الأم في النفقة كالأب 26150 - قلنا: الأب لا يشاركه في نفقة ولده غيره فلم تدخل الأم معه، والجد يجوز أن يقدم غيره عليه في الإنفاق، فجاز أن يشاركه من هو أقرب منه.

مسألة 1293 الحضانة بين أخت الأم وأخت الأب

مسألة 1293 الحضانة بين أخت الأم وأخت الأب 26151 - قال أصحابنا: الأخت من الأم أولى بالحضانة من الأخت من الأب. 26152 - وقال الشافعي: الأخت من الأب أولى. 26153 - لنا: أنهما تساويا في رتبة القرابة فالتي تدلي بالأم أولى ممن تدلي بالأب، كالخالة والعمة. 26154 - ولأن الحضانة أصلها الأب فكما أن ولاية المال يستحقها من يدلي بالأب فولاية الحضانة يقدم فيها من تدلي بالأم. 26155 - ولأن الأخت من الأم تدلي بمن لها حضانة، والأخرى تدلي بمن لا حضانة لها، فصارت كأم الأم وأم الأب. 26156 - احتجوا بأنهما شخصان استويا في عدم الولاء، فوجب أن يكون أولاهما بالحضانة أقواهم في الإرث، لاسيما على أصلنا تقدم على ولد الأب والأم في الشركة، وترث معهم في بقية المسائل.

مسألة 1294 سقوط الحضانة بالزواج

مسألة 1294 سقوط الحضانة بالزواج 26157 - قال أصحابنا: إذا تزوجت المرأة سقطت حضانتها، فإن طلقها الزوج طلقة بائنة عاد حقها، وإن طلقها رجعية لم يعد حقها. 26158 - وقال الشافعي: يعود في الوجهين. 26159 - لنا: أنه طلاق لا يزيل الملك فلا يعود مع الحضانة، كالطلاق المعلق بالشرط. ولأن ملك الزوج بحاله، بدلالة أنه يراجعها متى شاء، فصار كالمظاهر والمولى. 26160 - احتجوا: بأنها مطلقة كالمبتوتة. 26161 - قلنا: زال الملك، وهو المعنى المسقط للحضانة فعادت، والرجعي بخلافه. 26162 - قالوا: من أصلنا أن الطلاق الرجعي يحرمها كالبائن. 26163 - قلنا: البائن لم تعد الحضانة للتحريم، لكن يزول الملك يبين ذلك أن التزويج يسقط الحضانة حتى لا يلحق الولد حقًا من زوج أمه، فإذا طلقها طلاقًا رجعيًا فله أن يرجعها متى شاء، كالمظاهر والمولي.

مسألة 1295 سفر المرأة بإذن زوجها في التجارة

مسألة 1295 سفر المرأة بإذن زوجها في التجارة 26164 - قال أصحابنا: إذا سافرت بإذن زوجها في تجارة لها فلا نفقة لها. 26165 - وقال الشافعي: لها النفقة. 26166 - لنا: أنها مانعة لنفسها بسفر ليس بواجب، فصار كما لو خرجت بغير إذنه. 26167 - احتجوا: بأنها سافرت بإذنه كما لو أنفذها في حاجة. 26168 - قلنا: هناك لم تمنع نفسها بسفر؛ لأنها تتصرف له. وهاهنا هي مانعة؛ لأنها متصرفة لنفسها في أمر لم يجب عليها. 26169 - قالوا: معنى لم تعص به فصار كما لو خرجت إلى منزل والدها بإذنه. 26170 - قلنا: لو غصبها أحد فلا نفقة لها، وإن لم تكن عاصية لهذا المعنى، وأما إذا خرجت إلى منزل والديها بأمره، وأقامت فيه سقطت النفقة، وإن لم تقم فذلك ليس يمنع فهو كخروجها إلى العيد.

مسألة 1296 طلب المبتوتة أجرة الرضاع

مسألة 1296 طلب المبتوتة أجرة الرضاع 26171 - قال أصحابنا: إذا طلبت المبتوتة أجرة الرضاع مقدار أجرة مثلها فوجد الأب من يرضعها بأقل من ذلك أو من يتبرع بالرضاع فله أن يمنع الأجرة، ويكلف المرضعة أن ترضعه في بيت أمه. 26172 - وقال الشافعي: يجبر على أن يعطيها الأجرة. 26173 - لنا قوله تعالى: (لا تضار ولدة بولدها ولا مولود له بولده) ومتى كلفناه الأجرة وهو غني عنها فقد أضررنا به، ولا نلتمس زيادة على ما يجب الأب للمرضعة فصار كما لو طلبت أكثر من أجرة مثلها. 26174 - ولأن اللبن قوت الصبي فإذا وجد من يتبرع به لم يلزم الأب أن يعطي عنه عوضًا. أصله طعامه بعد الفصال. 26175 - ولا يقال إن الطعام لا يتفاوت وإن لبن الام أنفع له؛ لأن هذا يبطل إذا التمست أكثر من أجرة مثلها. 26176 - احتجوا: بقوله تعالى: (فإن أرضعن لكم فأتوهن أجورهن) 26177 - قلنا: الرضاع لا يكون إلا إذا رضي به، فأما إذا كان بغير اختياره فلم يقع له قالوا: قال: الله تعالى: (وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى). 26178 - قالوا: ومتى التمست أجرة المثل فلم تعاسره. 26179 - قلنا: هذا يدل على أنها إذا تعاسرت جاز أن يسترضع وإذا لم تتعاسر موقوف على الدليل. ولأن التعاسر لم يمنع كل واحد منهما من عوض الأجرة، سواء طلبت أجرة المثل أو أقل منه. 26180 - قالوا: حقها من الحضانة لم يسقط، فصار كما لو طلبت الأجنبية

الأجرة فرضيت الأم. 26181 - قلنا: هناك لاحظ للأب في الأجنبية، ولبن الأم أصلح للصبي وهي عليه أشفق فلم يجز إسقاط حق الصبي من غير منفعة الأب.

مسألة 1297 امتناع المولى عن نفقة عبده

مسألة 1297 امتناع المولى عن نفقة عبده 26182 - ذكر الطحاوي عن محمد أن المولى إذا امتنع من نفقة عبده أجبر عليها، وإن امتنع من النفقة على دابته لم يجبر عليها، ولكنه يفتى بذلك. 26183 - وعن أبي يوسف: أنه يجبر فيهما. 26184 - وبه قال الشافعي. ومن أصحابه من قال لا يجبر فيهما.

26185 - لنا: أن النفقة حق لا يجب للآدمي على البهيمة فلا يجبر الآدمي عليها لحقها وأنواع العلف. 26186 - ولأن ما لا يثبت للآدمي على البهائم لا يثبت للبهائم على الآدمي كالديون. ولأن البهيمة أبيح له إتلافها فلم يجبر على نفقتها كشجرة ونخلة. 26187 - احتجوا: بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أن امرأة من بني اسرائيل حبست هرًا فلم تطعمه ولا تركته يأكل من خشاش الأرض فدخلت النار). 26188 - قلنا: هذا يدل على أنه مؤاخذ بذلك في أحكام الآخرة، والكلام في أحكام الدنيا. 26189 - احتجوا: بأنه حيوان على مالكه الانفاق عليه، فإذا امتنع أجبر كالعبد. 26190 - قلنا: من أصحابنا من قال لا نسلم ذلك؛ لأن العبد لا يثبت له على مولاه حق وإن نقصه بذلك كالبهيمة وإن سلمنا فلأن النفقة يجوز أن تجب على العبد، فجاز أن تجب له. ولما لم يجز أن تجب على البهيمة لم تجب عليه.

مسألة 1298 نفقة العبد الموصى به

مسألة 1298 نفقة العبد الموصى به 26191 - قال أصحابنا: إذا وصى بعبده لرجل وبخدمته لآخر فالنفقة على صاحب الخدمة. 26192 - وقال الشافعي: على صاحب الرقبة. 26193 - لنا: أنه استحق منافعه لغير عوض فكانت النفقة عليه كالمكاتب المستحق لنفقة نفسه. 26194 - احتجزوا: بأن الملك له وكانت النفقة عليه كالمؤجر. 26195 - قلنا: يبطل بالمكاتب. 26196 - ولأن المستأجر استحق المنفعة بعوض فصار استحقاق العوض عليها، كاستحقاها فكانت النفقة عليه.

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب الجنايات

كتاب الجنايات

بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الجنايات

مسألة 1299 قتل الذمي بالمسلم

مسألة 1299 قتل الذمي بالمسلم 26197 - قال أصحابنا رحمهم الله: يقتل المسلم بالذمي. 26198 - وقال الشافعي رحمه الله: لا يجب القصاص على المسلم بقتل كافر

فإن جرحه وهو كافر ثم أسلم أقتص منه.

26199 - لنا: قوله تعالى:} يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى {ولم يشترط في المقتول صفة. 26200 - ولا يقال: إنه خطاب للمؤمنين، لأنه خاطب المؤمنين الذين عليهم القصاص ولم يشترط الإيمان فيمن له القصاص. 26201 - فإن قيل: القصاص المماثلة وليس الذمي مماثلًا للمسلم. 26202 - قلنا: القصاص هو المماثلة في الفعل دون المماثلة في المفعول ومنه قولهم أقتص أثر فلان.

26203 - قالوا: قال الله تعالى:} فمن عفي له من أخيه شيء {والمسلم أخو المسلم، والكافر ليس بأخ. 26204 - قلنا: يجوز أن يكون المراد بالأخ من النسب والقبيلة وذلك لا يقتضي الأخوة من الدين. 26205 - يدل عليه قوله تعالى:} ومن قتل مظلومًا فقد جعلنا لوليه سلطنًا {

وهذا عام في جميع كل قتيل مظلوم. 26206 - فإن قيل: لما قال} فلا يسرف في القتل {لم يتناول مسألتنا لأن قتل المسلم بالكافر سرف. 26207 - قلنا: السرف في القتل هو التجاوز [في الفعل] وذلك لا يتناول اختلاف الأديان. 26208 - يدل عليه ما روى ربيعة بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن البيلماني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى برجل من المسلمين قد قتل معاهدًا من أهل الذمة فضرب عنقه، وقال: «أنا أحق من وفى بذمته».

26209 - وقولهم: إن الشافعي قال: هو ضعيف غلط، لأن ربيعة وعبد الرحمن كلاهما في الصحيح، وإرساله لا يمنع الاحتجاج به، لأنه المرسل والمتصل عندنا حجة. 26210 - وقد روى هذا الحديث مسندًا محمد بن المنكدر الضميري.

وقوله: وقد عاش إلى [زمن معاوية - رضي الله عنه - غلط، لأن القاتل لم يذكر في الحديث]. 26211 - ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - اقتدى عمرو بن أمية. 26212 - فإن قيل: يحتمل أن يكون قتله وهما كافران ثم أسلم القاتل. 26213 - قلنا: تعليله يقتضي وجوب القصاص للوفاء بذمته، وهذا يفيد العموم.

26214 - ويدل عليه قوله [- صلى الله عليه وسلم -]: «كتاب الله القصاص» وقال: «من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين، إن شاءوا أفادوا، [وإن شاءوا أقادوا] ولم يفصل.

26215 - وقال: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: قتل نفس بغير نفس». 26216 - ولأن كل من وجب عليه القصاص على قاتله الكافر، جاز أن يجب القصاص على المسلم. وإن جرحه في حال السلامة، وأصله المسلم. فلا يمكن القول بوجوب العلة إذا قتل الكافر كافر ثم أسم القاتل. 26217 - لأن قلنا: جاز أن يجب القصاص على قاتله المسلم. 26218 - ولا يقال بوجوب العلة في الكافر بجرح الكافر ثم يموت المجروح بعد إسلامه. 26219 - فإن قيل: المسلم حقن دمه بذمته، والذمي حقن دمه بعقده. 26220 - قلنا: هذا لا يمنع التساوي كما لا يمنع التساوي في وجوب القطع بسرقة المال، وإن أحد المالين حقن بالدين ولآخر بالعقد.

26221 - قالوا: حقن الدم بالإسلام أكد، بدلالة أنه لا يزول إلا بالردة، وحقن العقد يزول بنقض العهد من الذمي كالردة من المسلم. 26222 - قلنا: الامتناع من أداء الجزية فإن حصل من واحد لم يؤثر في نقض العهد، وإن حصل من جماعة ممتنعة، فهم كالجماعة من المسلمين إذا امتنعوا من أداء الزكاة، وخروج أهل الذمة وإن حصل من جماعة علينا كخروج المسلمين علينا فلا فرق بينهما. 26223 - فإن قيل: إذا قتل الأب ابنه والمولى عبده فهو محقون الدم على التأييد، ولا قصاص على القاتل. 26224 - قلنا: المعتبر في جهة المقتول حقن دم على التأييد، ويعتبر في جهة القاتل أن [يعرى] العلة عن أبيه، والأب له شبة في نفس الابن وماله، والمولى له شبهة في رقبة عبده. 26225 - ولأن كل من وجب على المسلم القطع بسرقة ماله، جاز أن يجب

القصاص على قاتله ابتدأ بقتله أصله المسلم. 26226 - ولا يلزم المكاتب لأنه لا مال له، فلا مدخل على العلة، ولأنه يجب القصاص على قاتله إذا مات عن وفاء وارثه المولى، ولا يلزم المرتدة، لأنا لا نعرف الرواية في وجوب القطع بسرقة مالها. 26227 - ولا يلزم المرجوم، لأن القطع يجب بسرقة ماله، ويجوز أن يجب القصاص بقتله إذا دخلت شبة بعد القضاء عليه بالرجم. 26228 - فإن قيل: حرمة النفس أعظم من حرمة المال. 26229 - قلنا: هذا هو الدليل عليكم، لأن حرمه المال الضعيفة إذا لم يمنع من قطع يد المسلم، فحرمة النفس القوية أولى أن لا يمنع وجوب القصاص على المسلم. 26230 - قالوا: الرجل إذا سرق من المرأة قطع، ولو قطع يدها لم يقطع، واعتبار قطع الطرف بالطرف أولى.

26231 - قلنا: سارق مالها يقطع، فإن قتلها قتل. [وأما قطع يدها]، فلان القصاص في الطرف يؤثر فيه اختلاف الأرش ولا يؤثر ذلك في القصاص في النفس. 26232 - ولأنه فعل لو وجد من المسلم والمسلم أوجب القتل، فإذا وجد منه في الكافر أوجب القتل كالزنا مع الإحصان. 26233 - ولأن المسلم والذمي إذا اشتركا في قتل الذمي وجب القصاص على الذمي وكل المشركين في القتل إذا وجب به القصاص على أحدهما، جاز أن يجب على لآخر، كالذميين إذا قتلا ذميًا، والمسلمين إذا قتلا مسلمًا. 26234 - ولأنه محقون الدم على التأييد، فجاز أن يجب القصاص ابتداء على قاتله المسلم كالمسلم. بيان ذلك: أن المسلم محقون الدم لا إلى مدة، والذمي كذلك، ولا يشبه المستأمن، ألا ترى أن قتل الكافر الحربي لحربه، والذمي تارك للحرب على التأييد، فحقن دمه على التأييد. والمستأمن تارك للحرب إلى مدة فحقن دمه إلى مدة. 26235 - ولا يلزم صبيان المشركين ونساءهم، لأن صبيانهم حظ

البلوغ، والنساء لم يحظر قتلهن على التأييد. لأنهم إذا ملكوا امرأة قتلناها، وإن كان لها رأي في الحرب قتلناها. 26236 - وهذه المعاني ليست من فعلها. وإذا اختلط النساء بالرجال حتى لا يتميزون قتلوا [المرأة]. 26237 - لأن قتلها يستباح لغير قتلها إذا حكم الحاكم بقتلها. 26238 - والذي يدل على صحة هذه العلة: أن عقد الذمة يقوم مقام الإسلام. ألا ترى أنا ندعوهم إلى الإسلام. 26239 - فإن امتنعوا دعوناهم إلى الجزية. وإن بذلوا دفع الجزية وجب علينا قبولها كما يجب علينا أن نقبل الإسلام إن بذلوه، وما قام مقام الشيء سد مسده في المقصود، كالتيمم لما قام مقام الوضوء سد مسده في جواز الصلاة، وكذلك العدة بالشهور، والإطعام في الكفارات، والمقصود من العقد حقن الدم، فقام مقام الإسلام في ذلك.

26240 - ولأنه بالعهد حقن ماله، فسوى مال المسلم حتى تعلق به ما يجتمع مع السنة وهو الضمان، وما لا يجتمع معه مغرمًا وهو القطع، كذلك ساوى المسلم في وجوب ضمان الملك بالقتل الذي يجتمع مع السنة، ساوى في القصاص الذي لا يجتمع مع السنة وهذا اعتبار دلت عليه السنة كقوله [- صلى الله عليه وسلم -]: «حرمة مال المسلم حرمة دمه» فيستحيل أن يساوي بغير الأعداد بدلالة أن من أستهل ولدهما لم يلزمه أكثر منه ولا أزيد من صفته. 26241 - ثم كان الأعداد في الأنفس غير معتبر إذا حصل التساوي في حقن الدم. [لأن الجماعة يقتلون بالواحد، وكذلك الاختلاف فيما صفته لا يؤثر إذا حصل التساوي في حقن الدم]. 26242 - ولأن إسلام القاتل لو منع وجوب القصاص عليه بقتل الذمي، لكان

طريانه بعد وجوب القصاص يمنع الاستيفاء. لأن كل معنى إذا وجد في الابتداء منع وجوب القصاص، وإذا طرأ بعد الوجوب منع الاستيفاء، كالولد قتل الأب لم يقتص منه. 26243 - لو ورث الابن قصاصًا على أبيه لسقط، ولا يلزم العاقل إذا قتل ثم جن، لأنه ذكر في المنتقى: لأنه إن جن قبل تسليمه إلى الولي سقط القصاص، وإن جن بعد تسليمه ليقتل لم يمنع القصاص. 26244 - لأنه يختلط في تلك الحال من الخوف، فعلى هذا هو طرؤ علينا، ونحمل ما ذكر في الكتاب على المجنون بعد التسليم. ولو جعلناها في الأصل رواية أخرى لم يلزمنا. 26245 - لأن المجنون إذا قتل لم يجب عليه القصاص، لأن فعله ليس بعمل،

فإذا قتل وهو عاقل صح العمل منه، فإذا جن بعد الوجوب لم يؤثر جنونه من إخراج الفعل المتقدم من حكم العمل. 26246 - فإذا المعنى المسقط للقصاص إذا قارب لا يصح إن يطرأ. وهذا كما قلنا إن طلاقه لا يقع. 26247 - لأن قوله ليس بصحيح، فإذا قال وهو عاقل: أنت طالق إن دخلت الدار، ثم جن ودخلت وقع الطلاق، لأنه الجنون الطارئ لا يخرج قوله المتقدم من حكم الصحة. 26248 - ولا يلزم إذا أذن لرجل في قتل عيد فشاركه من لم يأذن له لم يلزمه القصاص. ولو قتلاه من غير إذن فعفا عن أحدهما لم يسقط القصاص عن الآخر. 26249 - لأن المانع أن فعل أحدهما إذا لم يتمحض عمدًا من لا قودا عليه، فإذا لم يتمحض فعلهما ثم طرأ العفو لم يتغير بالطريان ذلك التمحض، فالمعنى المقارب الذي أثر لا يتصور طريانه. 26250 - ولأن من جاز استيفاء القصاص من بقتل الكافر، جاز إيجاب القصاص عليه ابتدأ بقتل الكافر أصله الكافر. 26251 - احتجوا بقوله تعالى:} لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الحنة {.

26252 - قلنا: المراد به أحكام الآخرة، بدليل قوله:} أصحاب الجنة هم الفائزون {. 26253 - احتجوا بقوله تعالى:} ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلًا {. 26254 - قالوا: وهذا خبر يراد به الأمر، وإلا وقع مخبره بخلاف الخبر. 26255 - قلنا: نعلم أن الله تعالى قد جعل للكافرين على المؤمنين السبيل في ضمان الأموال وفي كثير من الأحكام. وإنما المراد بالآية سبيل الحجة، فإذا حمل على ذلك بقي اللفظ على ظاهر الخبر ولم نحتج إلى تعديله إلى الأمر ونترك الظاهر.

ونحمله على العموم ولا يحتاج إلى التخصيص، فإن هذا مستفاد بالعقل. 26256 - قلنا: قد يرد الشرع مؤكدا لما في العقل كقوله تعالى:} أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت {وقوله:} ولا تقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق {. 26257 - احتجوا بقوله [- صلى الله عليه وسلم -]: «المسلمون تتكافأ دماؤهم». 26258 - دليله أن غيرهم لا يكافئ المسلم. 26259 - قلنا: الخبر يقتضي [أن دماء المسلمين تتكافأ مع اختلاف أحوالهم وصفاتهم. ودم غير المسلم هل يكافئ] دم المسلم موقوف على الدليل، وفائدة تخصيص المسلم بالذكر عطف عليه أحكامها تخصيص المسلمين، وفي قوله: «[ويسعى بذمتهم] أدناهم، وهم يد على من سواهم، ويعقد عليهم أولهم، ويرد عليهم أقصاهم». وهذه [أحكام كلها تختص] بالمسلمين، فلذلك خص المسلمين بالذكر أول الخبر.

26260 - احتجوا: بقوله [- صلى الله عليه وسلم -]: «لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده». 26261 - الجواب: أن حرف العطف إذا عطف مفردًا على مفرد بمنزلة حرف التثنية، بدلالة قوله: كأن بين فكها والفك [فأرة مسك ذبحت في سك] 26262 - يقتضي: لا يقتل مؤمن ولا ذو عهد في عهده بكافر. وفصل

بالمفعول به بين ما استند إليه الفعل وما عطف عليه. وهذا سائغ. 26263 - ومنه [قوله تعالى]:} أمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون {وقوله تعالى:} وإن ربك يعلم أنك تقوم {الآية. فالتقدير: إن ربك يعلم أنك تقوم أنت وطائفة من الذين معك أدنى من ثلثي الليل، وآمن الرسول والمؤمنون بما أنزل إلى الرسول من ربه. 26264 - وقد قرأ أبو جعفر والحسن وابن عامر وأبو عمر وغيرهم:} عليهم ثياب من سندس خضر وإستبرق {جرا. تقدير: ثياب سندس وإستبرق خضر فعطف صفة المضاف بين المضاف إليه وما عطف عليه. قال أبو

على: وهذه القراءة أقوى، كقوله تعالى:} ويلبسون ثيابًا خضرًا من سندس وإستبرق {فكذلك جواز الفصل في الخبر بين ما استند إليه الفعل وما عطف عليه. 26265 - ولا يجوز أن يكون الكافر الذي لا يقتل به المعاهد إلا من لا عهد له، وذلك لا يقتل به المسلم عندنا. وهذا وجه تأويل لا يحتاج فيه إلى تقدير حذف. ومخالفنا لا بد أن يقدر في الحديث حذفًا، وهو قوله: لا يقتل مؤمن بكافر لا يقتل ذو عهد في عهده. ولو تساوى التأويلات وقف دليلهم. وكيف إذا قدرنا تقديرًا لا حذف فيه وقدروا تقديرًا حذفوا منه الفعل. 26266 - وجواب آخر: وهو أن الجملة من المبتدأ والخبر تكون حالًا. قال الله تعالى:} يغشى طائفًة منكم وطائفٌة قد أهمتهم أنفسهم {قال سيبويه:

فلما وجهوه على طائفة يغشى منكم في هذه الحال، كأنه قال: طائفة قد أهمتهم. وإنما فعلها وقتًا ولم يرد أن يجعلها واو عطف، وإنما هي واو الابتداء. 26267 - وهذا القول: [خرجت وزيد قائم. فقولهم: وزيد قائم، جملة مبتدأ وخبر وهي حال، كأنه قال]: خرجت [الآن] زيد قائم؟ فعلى هذا تقدير الخبر: لا يقتل مؤمن بكافر، وليس ذو عهد في عهده. ولقد قدرنا ارتفاع العهد عن جميع المعاهدين لم يقتل مؤمن بكافر. 26267 - ومثله في المعنى إنشاد أبي زيد الأنصاري بأيدي رجال لم يشيموا سيوفهم ولم تكثر القتلى بها حين سُلتْ. 26269 - وهذا التأويل أيضًا لا يدخل الكلام [حذفًا]، وما سوى ذلك من تأويلهم لا بد من دخول الحذف. وقد حذفوا في هذا الكلام فقال: قدروي

الخبر من غير عطف وهو قوله: [لا يقتل مؤمن بكافر] وهذا كلام ضعيف. 26270 - لأن هذا الخبر واحد روي بعض الرواة بعضه وروي بعضهم تمامه. 26271 - وقد عاب أصحاب مالك والشافعي بهذا فقالوا: لم يرو من غير عطف. ما لا مقطوع يعدل هذا الخبر المتصل إلى غير مقطوع.

26272 - قالوا: روي عن عمر وعثمان وعلي وزيد بن ثابت وابن مسعود [رضي الله عنهم] مثل قولنا ولا مخالف لهم. 26273 - قلنا: هذا كلام من لم يعرف الحديث. لأن الخبر المشهور أن مسلمًا قتل عباديًا من أهل الحيرة، فذهب أخوه إلى عمر [- رضي الله عنه -]، وكتب عمر أن يقتل، فجعل يقول: أقتل، فيقول: حتى يجئ (الغيظ). وكتب عمر أن يودى ولا يقتل. 26274 - وقد قيل: إن عمر قيل له: إن القاتل فرسان المسلمين، ويجوز أن

يكون أسقط القصاص لأن الأخ أخبر أنه يقتله غيظًا لا قصاصًا. 26275 - ولما قتل [عبيد الله] ابنه الهرمزان و (جفينه)، وكان نصرانيًا من أهل الحيرة، فلما استخلف عثمان [- رضي الله عنه -]، دعا المجاهرين والأنصار فقال: أشيروا علي في هذا الرجل الذي قد فتق من الدين ما فتق. فاجتمع (المهاجرون) فيه على كلمة واحدة يأمرونه بالشدة عليه ويحثون عثمان على قتله، فكان فوج الناس أعظم مع عبيد الله، يقولون لجفينة والهرمزان: (أبعدهما الله).

26276 - فهذا يدل من قول المهاجرين أن المسلم يقتل بالنصراني. 26277 - وروي (أبو الجنوب) الأسدي قال: جاء رجل من أهل الحيرة إلى علي [- رضي الله عنه -] فقال: يا أمير المؤمنين، رجل من المسلمين قتل ابني ولى البينة، فجاء الشهود فشهدوا، وسأل عنهم فزكوا، وأمر بالمسلم فأقعد، وأعطى الحيري سيفا وقال: اخرجوا معه إلى الجبانة فليقته، فتباطأ الحيري، فقال له بعض القوم: هل لك في الدية تعيش بها وتصنع عندنا يدًا، فقال: نعم. وغمد السيف وأقبل إلى علي، فقال له علي: لعلهم منعوك أو هددوك. 26278 - قال: لا والله يا أمير المؤمنين، ولكن الدية. قال: أنت أعلم. ثم أقبل على القوم فقال: إنما أعطيناهم الذي أعطيناهم ليكون دماؤنا كدمائهم.

26279 - احتجوا: بأنه منقوص بالكفر، وإذا قتله مسلم لم يجب عليه القود كالمستأمن. أو لأنه محقون الدم بعهد، فإذا قتله من حقن دمه بدينه لم يقتل به. 26280 - وربما قالوا: محقون الدم بعهد بأمان فلم بكن مكافئًا بمحقون الدم بإيمان. 26281 - قلنا: الكفر نوع نقص وأنواع النقص كلها غير مؤثرة في القصاص في النفس. كذلك هذا النوع يلحق بها، لأن النقص كالكفر لو كان شبة في سقوط القصاص عن المسلم، كان تأثير هذه الشبة في الاستيفاء الذي هو العقوبة أولى من تأثيرهما في الوجوب، لأن الاستيفاء هو (العقوبة) فالتأثير فيه أولى. 26282 - والمعنى في المستأمن أن دمه لم يحقن على التأييد، وإنما هو موقوف بدلالة إباحة دمه من غير فعل تحدد في جهته، وإذا انقضت المدة فامتنع من الخروج أخرجناه إلى مأمنه ثم حل دمه. 26283 - وليس كذلك الذمي، لأن حقن دمه مؤبد، بدلالة أنه لا يحل إلا لمعنى يوجد منه، كما لا يباح دم المسلم إلا بحدوث معنى منه.

26284 - وهذه علة متعدية إلى فرع وهو الذمي إذا قتل المستأمن لم يقتل عندنا به لهذه العلة. وعلى هذا الفرق إذا قتل المستأمن مستأمنًا يجب عليه القصاص. لأنه تساوى في حقن دمه. 26285 - فإنه قيل: هذا الاختلاف لا يمنع التساوي في وجوب الفدية، لأن الزنا بالأجنبية كالزنا بذات محرم في وجوب الحد وإن اختلفا من أن حظر المحرم على التأييد وحظر الأجنبية مؤقت. 26286 - قلنا: حظر الأجنبية متأبد، بدلالة أنه لا تحل إلا بمعنى يوجد منها كما أن حظر دم الذمي لا يزول إلا بمعنى يوجد منه، ووزان المستأمن وطأ زوجته الحائض لأن الحيض يزول بغير فعلها، وكذلك لا يجب بوطئها حد. فأما ذات الرحم فلا تحل بمعنى يوجد منها. 26287 - وهذا لا يمنع من أن تساوي الأجنبية مع وجوب الحد. ونظيره من

القصاص أن قتل العاقل البالغ يوجب القود وإن كان قتله يستباح بفعله، وقتل الصبي والمجنون يوجب القصاص وإن كان لا يباح قتله بفعله. 26288 - وفرق آخر: وهو أن معنى الإباحة موجود في دم الحربي لأن قتله مباح، ثم تأجلت الإباحة بالعهد، ودخول التأجيل في الحق لا يمنع من ثبوته. وهذا المعنى لا يوجد من الذمي. وهذه المعارضة تقتضي أن المستأمن إذا قتل المستأمن لا يقتل به. 26289 - فإن قيل: هذا الاختلاف لا يمنع أن يتساوى الذمي والمستأمن في بدل النفس كذلك (لا يمنع) أن يتساويا في القصاص. 26290 - قلنا: معنى الإباحة يجوز أن يؤثر فيما سقط بالشبة، وإن كان لا يؤثر في الضمان، بدلالة أن وطأ الأب جارية ابنه لا يتعلق به حد لوجود معنى الإباحة. وكذلك إذا سرق الابن من أبيه والأب من ابنه لم يقطع، وإن صار كالأجنبي في وجوب الضمان. 26291 - وفرق ثالث: وهو أن قبول استئمان الحربي ليس بواجب علينا، بل نحن بالخيار في قبوله أو رده، وبعد قبوله لنا أن ننقض أمانه ونرده، (فذلك) لم يجب بقتله علينا قصاص. واستئمان الذمي يجب علينا قبوله كما يجب قبول الإسلام، ولا يجوز لنا أن ننقضه بعد العهد، (فذلك) (أوجب علينا القصاص بقتله.

26292 - قالوا: حد القذف يجب بهتك حرمة العرض، والقود يجب بهتك حرمة) النفس. ثم ثبت أن المسلم لا يحد بقذف الذمي كذلك لا يقتل بقتله. وتجيزه كل شخصين فضل أحدهما للآخر في حد القذف بهتك عرضه بفضله بسقوط القود بقتله كالوالد مع الولد. 26293 - وربما قالوا: كل شخصين لا يجب لأحدهما على لآخر حد القذف مع (عفته) ويجب للآخر عليه ولم يجب عليه القصاص بقتله أصله الوالد مع الولد. 26294 - قلنا: حد القطع إصابة الأموال. وأجمعنا أن المسلم يقطع في مال الذمي ولا يحد بقذفه، واختلفنا في القصاص بقتله. فلم وجب اعتباره بالحد ولم يجب اعتباره كالقطع؟ ثم حد القذف أضيق ووجوب القصاص أوسع، بدليل الذمي لا يحد بقذف الذمي ويقتل بقتله. ومن قذف موطوءة بشبهة يجب القصاص بقتلها ولا يجب الحد بقذفها. ولأن الأب لا يحد بقذف ابنه بفضله بدلالة أنه لا يحد مع إحصان الابن، ولو قذفه غيره حد. فلما منعت الفضيلة الحد منعت القصاص في المسلم. إذا قذف الذمي لم يحدا لا للفضيلة، ولكن يعدم حد القذف لفقد إحصان المقذوف. 26295 - وهذا لا يمنع وجوب القصاص بقتله. بدلالة من قذف صغيرًا أو

مجنونًا لم يحد، ولو قتلهما قتل. 26296 - قالوا: كل من (ثبت) ضمانه دمه بالتزام المال لغيره لم يجب القصاص (على) من التزام المال [له] بقتله قياسًا على المكاتب مع (المولى). 26297 - قلنا: المولى لا يقطع بسرقة مال (مكاتبه) (لما) له من شبهة الملك في (ماله). 26298 - وأما الذمي فيجب القطع على المسلم (بسرقة) ماله لأنه لا شبهة له فيه، كذلك يجب القصاص بقتله. 26299 - لأنه لا شبهة له في رقبته أعني لشبهة ملكه. * * *

مسألة 1300 قتل الحر بالعبد

مسألة 1300 قتل الحر بالعبد 26300 - قال أصحابنا رحمهم الله: يجب القصاص على الحر بقتل العبد. 26301 - وقال الشافعي رحمه الله: لا يجب.

26302 - لنا: قوله تعالى:} وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس {ولم يفصل. 26303 - فإن قيل: لم يكن في بني إسرائيل مملوك، لأن الغنائم لم تبح إلا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 26304 - قلنا: قد ثبت بالنقل الصحيح أن هاجر كانت مملوكة لإبراهيم عليه السلام، فدل على أن الرق كان فيمن قبلنا. 26305 - فإن قيل: إن الآية لم تتناول العبد لأنه قال فيها} والعين بالعين والأنف بالأنف {. 26306 - قلنا: الآية قد أريد بها العبد إذا كان قاتلًا، (فظاهره) يقتضي.

(وجوب) القصاص بطرف العبد لو (لا) قيام (الليل). 26207 - ويدل عليه قولته تعالى:} ومن قتل مظلومًا فقد جعلنا لوليه سلطانًا {ولم يفصل. 26308 - ولا يقال: إن هذا في العبد، (لان العبد) [يقدر حرًا] بالموالاة. 26309 - قلنا: [التعميم] يعم لمولى العبد وولي الحر، فلما ذكر لفظًا عامًا في جميعهم ذكر المولى الذي يعم الحر والعبد. 26310 - فإن قيل: الحر بالعبد سرف، وقد قال الله تعالى:} فلا يسرف في القتل {. 26311 - قلنا: السرف في القتل التجاوز في الفعل الحد المستحق. 26312 - ويدل عليه قوله تعالى:} الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى {فأوجب القصاص على الأنثى لقتل الأنثى ولم يفصل. 26313 - فإن قيل: قوله:} الحر بالحر {دليله أن الحر لا يقتل بالعبد. 26314 - قلنا: دليل الخطاب ليس بحجة عندنا، ولأن النطق يقوم عليه،

وهذا أولى من الدليل المختلف في كونه حجة. 26315 - ويدل عليه قوله تعالى:} ولكم في القصاص حياة {. 26316 - وقال (- صلى الله عليه وسلم -): (العمد قود). وقال: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: قتل نفس بغير نفس). وقال: (من قتل عبده قتلناه) (فمفهومه) أن من قتل عبد غيره قتل، ونسخ اللفظ لا يسقط مفهومه.

26317 - فإن قيل: روي في الحديث (من جدع جدعناه) مفهومه أن من (جدع) غيره جدعناه. وقد نسخ هذا المفهوم كما نسخ المنطوق. 26318 - قلنا: لم ينسخ المنطوق. لكن (خصصناه) بدليل آخر. 26319 - ولأن كل من جاز أن يستوفى القصاص من قاتله الحر جاز ابتداء أصله الحر. 26320 - ولأن الرق معنى يستحق به الولاية، فلا يمنع وجوب القصاص على قاتله الحر (كالصغر) والجنون. 26321 - ولأنه نقص لا يوجب إباحة الدم، فلا يمنع وجوب القصاص ابتداء على القاتل الحر أصله الأنوثة. 26322 - ولأن الدم معنى لا يملكه المولى من عبده، وهو مما يملك مكان العبد، كالحر أصله الطلاق. ولا يلزم القصاص في الطرف، لأن العبد كالأحرار فيها. ألا ترى أن الأحرار يجري بينهما القصاص عليه بقتله ابتداء أصله الحر. 26323 - (ولأن يد) العبد في دمه أقوى منها في ماله، بدلالة أن المولى يملك إزالة يده من المال ولا يملك إتلاف الدم، ولو أقر بما في يده من المال نفذ إقراره،

ولو أقر بقصاص لم ينفذ. 26324 - فإذا جاز أن يجب على الحر القطع بسرقة ما في يده من المال، فلأن يجب عليه القتل ابتداء بقتله أولى. 26325 - ولأن فضيلة القاتل (الحر) لو منعت وجوب القصاص كان طريناها بعد الوجوب تمنعه، كفضيلة الأب. في علمنا أن القاتل العبد إذا أعتق (استوفى) القصاص منه دلالة على أن هذه الفضيلة لا تمنع الوجوب. 26326 - ولأن ما سقط بالشبهة لأجل أنه أكثر مما وجب منه، بدلالة أن العبد إذا زنا لم يكمل حده إذا أعتق. فلو كان دم الحر أكثر من دم العبد لكان طريان الحرية يمنع الاستيفاء حتى لا يستوفى أكثر مما وجب. 26327 - ولأن تفاوت الأعداد في الجنس أقوى من تفاوت الصفات بدلالة أنه لا يجوز بيع قفيز حنطة بقفيزين ويجوز بيع قفيز جيد برديء. ثم ثبت أن تفاوت الأعداد لا يمنع وجوب القصاص إذا قتل الجماعة واحدًا، وكذلك زيادة الصفة في القاتل لا تمنع وجوب القصاص. 26328 - وعكسه الأطراف على أصلنا ما منع تفاوت الأعداد القصاص حتى لا نقطع يدين بيد واحد، كان تفاوت الصفات مثله حتى لا تقطع يد الحر بيد العبد،

ولا تقطع اليد الصحيحة (باليد الشلاء). 26329 - احتجوا: بقوله تعالى:} الحر بالحر والعبد بالعبد {. 26330 - قلنا: هذا يدل على جريان القصاص بين الحرين والعبدين ولا ينفى غيره. 26331 - فإن قيل: فما فائدة التخصيص؟. 26332 - قلنا: قد بينا أن الله تعالى يخص الحكم بالذكر، ويوقف ما سوى المذكور على الاجتهاد. وهذه فائدة معقولة لا تحتاج معها إلى غيرها. ولكن هذا التخصيص لم يمنع (قتل العبد بالحر) والذكر بالأنثى، وإن كان خص الأنثى بالأنثى، كذلك لا يصح أن يمنع قتل الحر بالعبد. وقد روي عن ابن عباس [- رضي الله عنه -] أن قبيلتين من العرب تفاضلتا، فكان الأفضل يقول: أحراركم كعبيدنا ورجالكم كنسائنا، فرد الله تعالى هذا القول، وأخبر أنه لا يجوز لأحد التفاضل أن (يقتل) غير القاتل. 26333 - احتجوا: بما روى (جوبير) - - - - - - - - - - - - - - - - -

عن الضحاك عن عبد الله بن عباس [- رضي الله عنه -] عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: («لا» يقتل حر بعبد) وروى إسماعيل بن مسلم الملكي عن عمرو بن دينار عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. 26334 - قلنا: هذان خبران ذكرهما الدارقطني. فأما خبر جوبير فرواه عنه

عثمان البري، وهو عثمان بن مقسم مولى كندة من أهل الكوفة، تركه أحمد بن حنبل ويحيى بن كعين ومالك وسيفان الثوري بالكذب. وأما إسماعيل بن مسلم الملكي. 26335 - قلنا: (الآثار تبعه)، أصله من البصرة، وضعفه ابن المبارك، وتركه يحيى بن القطان وابن مهدي، وسئل يحيى

ابن معين عنه فقال: ليس بشيء. وقد عدد أصحاب (الحديث) المناكير التي انفرد بها لا أصل لها. 26336 - ولأن القتل هو الاستيفاء، ولا خلاف في استيفاء القتل من الحر بالعبد، وإنما يمنع مخالفنا الوجوب، فليس لهم العدول عن هذا الظاهر إلا ولنا أن نحمله على عبد نفسه. 26337 - قالوا: روى وكيع عن إسرائيل عن جابر عن الشعبي قال: قال علي - رضي الله عنه -: «من السنة ألا يقتل مسلم بكافر ولا يقتل حر بعبد». 26338 - قلنا: جابر الجعفي قد رددتم خبره، وقال الدارقطني (في كتابه) أنه كذاب. وذكر حديث ليث - - - - - - - - - - - - -

عن الحكم قال: قال علي وابن مسعود [رضي الله عنهما]: «إذا قتل الحر (متعمدًا) فهو قود». 26339 - وقولهم: إنه مرسل. لا يصح، لأن مراسيل الحكم أقوى من مسأنيد (جابر) الجعيفي. وقد ذكروا حديث عمرو بن شعيب عن أبيه جده أن أبا بكر- - - - - - - - - -

وعمر [- رضي الله عنه -] كانا لا يقتلان الحر بالعبد. ورواه الحجاج بن أرطاة عن (عمرو). 26340 - وقد طعن مخالفونا (على) الحجاج بن أرطأة، وقالوا في رواية عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده أنه مرسل. وسكتوا عن الطعن حين طعنوا بروايته. وإذا ثبت من قول ابن مسعود [- رضي الله عنه -] وجوب القصاص (بينهما) لم يصح الاحتجاج بقول غيره من الصحابة. 26341 - قالوا: كل شخصين لا يجوز القصاص بينهما في الأطراف السليمة لم يجب القصاص بينهما في النفس، كالمسلم والمستأمن والأب والابن. 26342 - قلنا: تفاضل مؤثر في الأطراف، بدلالة أنه لا يقطع الصحيحة بالناقصة الأصابع ولا بالشلاء. وهذا المعنى لا يمنع القصاص في النفس (بدلالة) أن (صحيح) البدن يقتل بأشل البدن، فكذلك [لا]

(يمنع) التفاضل بالحرية من القصاص في النفس، [وهوان الرق] والملك لا يقع في (الروح)، وإنما يقع في البدن (وفي) الطرف، والمقصود المماثلة في الطرف، والملك يمنع ذلك. 26343 - قلنا: وهوان الرق لا يوجد في الروح، وإنما يوجد في البدن حكمًا، فأما روح العبد فهي كاملة كروح الحر. فأما [المستأمن] فقد تكلمنا عليه من المسألة الأولى. وأما الأب والابن، فلأن الأب لا يجوز حبسه في ديون الابن، فلم يجز الاقتصاص فيه في حقوق ابنه، ويجوز أن يحبس الحر في ديون العبد، (فكذلك) يجوز أن يقتص منه وإن ابتدأ حربه في حال الحرية. 26344 - قالوا: كل قصاص لا يجري بين المستأمن والمسلم لا يجري بين الحر والعبد كالقصاص في الأطراف. 26345 - قلنا: الأطراف يجري مجرى ضمان الأموال، بدلالة أنها تكون عمدًا محصنًا أو (شبهة) فلا يجب القصاص فيها، فكذلك اعتبرت المماثلة. والأنفس ليس فيها ضمان (الأموال)، فلم تعتبر فيها المماثلة. ولأن الأطراف يؤثر فيها النقص، والأنفس لا يتصور فيها النقص. 26346 - لأن محل القصاص في الحر والعبد سواء. وإنما يؤثر في الأنفس معنى الإباحة، وذلك لا يوجد في دم العبد. وقد قال بعضهم: إن اليد الشلاء ميتة، (فلذلك) لا يجب (بقطعها) - - - - - - - - - - - - - - - - -

القصاص وهذا غلط. لأنها لو كانت ميتة تلاشت وفسدت ولم تبق، وإن كانت لا تصير مذكاة في الشاة بذكاة الأصل. 26347 - لأن الذكاة لا تفعل إلا في (الحي)، ولم يجب بقطعها أرش. 26348 - قالوا: الشعر يضمن ولا يفسد وإن كان ميتًا عندكم. 26349 - قلنا: غلط (عندنا) الشعر لا حياة فيه، فأما أن نقول إنه ميت فلا، وعدم الحياة لم يمنع الضمان كالشجر. 26350 - فإن قيل: لو كان القصاص (سقط) في طرف العبد (للتفاضل)، قطع طرف العبد بالحر والمرأة بالرجل كما تقطع الشلاء بالصحيحة. 26351 - قلنا: النقصان متى كان شاهدًا منه أن (يؤخذ) الأكمل بالأنقص، ولم يمنع أخذ (الناقص) بالكامل بالتراضي. وإن كان النقص من طريق الحكم منع أن يؤخذ الناقص بالكامل وإن حصل (بالتراضي)، كما لو قطع (الرجل) يمين رجل ولا يمن له، ولم يقطع يساره بيمين المقطوع وإن رضي بذلك. 26352 - قالوا: النفس أكمل حرمة من الطرف، فإذا لم (يؤخذ) طرف الحر بطرف العبد فنفسه أولى. 26353 - قلنا: لما كانت حرمة النفس أعظم من حرمة الطرف جاز أن يقتص من الحر لانتهاكه الحرمة العظمى، ولم يقتص من طرفه لانتهاكه الحرمة الناقصة. 26354 - قالوا: فالرق لا تأثير له في عبد نفسه، لأن المكاتب لو قتل عبده لم يقتص منه، ولم يكن منقوصًا بالرق. 26355 - قلنا: والمعنى الصحيح أن حقوق العبد ثبت للمولى، فأوجب على

المولى القصاص لعبده [لو وجب] له، والإنسان لا يثبت له على نفسه قصاص, وهذا المعنى في عبد غيره لا يوجد. 26356 - قالوا: كل [شخصين] يحد أحدهما بقذف صاحبه ولا يحد الآخر بقذفه مع عفته ولم يقتل به كالمسلم والمستأمن والمولى وعبده. 26357 - وقد تكلمنا على هذا القياس فيما مضى، وبينا أن القذف يسقط الحد فيه لعدم الإحصان، وهذا لا يمنع القصاص، كما لو قذف الكبير الصغير والعاقل المجنون لم يحدا فقذفهما، وإن وجب القصاص عليهما بقتلهما. ***

مسألة 1301 مقدار دية العبد إذا قتله الحر

مسألة 1301 مقدار دية العبد إذا قتله الحر 26358 - قال أبو حنيفة ومحمد (رحمهما الله): إذا قتل عبدًا لم يبلغ بضمانه دية الحر وينقص عنها. 26359 - وقال أبو يوسف (رحمة الله عليه): عليه قيمته بالغة ما بلغت. 26360 - وبه قال الشافعي [رحمه الله]. 26361 - لنا: ما روي عن ابن مسعود [- رضي الله عنه -] أنه قال في قيمة العبد بالجناية: (لا يزاد على عشرة آلاف إلا عشرة). وهذا التقدير لا مدخل للقياس فيه فإذا

قاله الصحابي حمل على (التوقيف)، فكأنه رواه النبي - صلى الله عليه وسلم -. 26362 - فإن قيل: روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (يضمن قيمته بالغه ما بلغت). 26363 - قلنا: هذا يقتضي القياس فلا يحمل على (التوقيف) لجواز أن يكون قاله قياسًا، فلا يعارض قول من لا يجوز أن يكون رجع إلى التوقيف. 26364 - ولأنه بدل على نفس آدمي بالقتل فلا يزاد على ألف دينار كالحر. 26365 - ولا يقال: هذا كلام من جوابه يبلغ ألف دينار ويمنع الزيادة؛ لأن الخلاف في موضعين: أحدهما: أنه لا يبلغ، والآخر: لا يزاد.

26366 - قلنا: (إنه) يدل على أحد الخلافين. ولأنه الحرية لها تأثير في زيادة الدية، والرق (له) تأثير في نقصانها، بدلالة أن عبدًا قيمته ألف إذا قتل يضمن بألف، ولو أعتق ثم قتل ضمن بألف، فلو قلنا: إن بدل العبد يزاد بالقتل على الدية لجعلنا (للرق) تأثيرًا في زيادة البدل، وهذا لا يصح؛ لأن الأسباب الموجبة لزيادة البدل معقولة من الحس والعقل والدين والعلم والشجاعة والصنائع. والمعاني كلها توجد في الأحرار مع زيادة الحرية، (فلأنه) إذا بدل أنفسهم على الدية، فلأن لا يوجب البدل في العبد مع نقصان الرق أولى. 26367 - قالوا: هذه الأسباب (أوجبت) زيادة القيمة في البهائم وإن لم توجب في الأحرار. 26368 - قلنا: صفات الآدمي الموجبة لزيادة القيمة (لا) توجد في البهيمة، وصفات البهيمة الموجبة لزيادة قيمتها لا توجد في الآدمي. 26369 - فإن قيل: التفاوت بالنقصان يجوز أن يؤثر في نقصان بدل العبد ولا يؤثر في نقصان بدل الحر، كذلك الزيادة. 26370 - قلنا: التفاوت (بالنقص) يجوز أن يؤثر في الأحرار ولا تؤثر الزيادة. ألا ترى أن الجنين لما لم تعلم حياته أثر ذلك في نقصان بدله، وكذلك الكفر عند مخالفنا، والأنوثة على الأصلين، ومن ذلك لم يجز أن يؤثر تفاوت الصفات الزائدة في الزيادة. 26371 - فإن قيل: بدل نفس الحر لما قدر قلة يقدر كثرة، وبدل العبد لا يتقدر

قلة فلم يتقدر كثرة. 26372 - قلنا: يجوز أن يتقدر الشيء كثرة ولا يتقدر قلة، كأرش اليد الشلاء لا يتقدر قلة ويتقدر (كثرة) حتى لا يبلغ به نصف الدية. وكذلك التعزيز لا يتقدر قلة ويتقدر كثرة. 26373 - ولأن القصاص يجب بقتله (فلم يضمن بالجناية بأكثر من الدية كالحر. 26374 - [و] لأن كفارة القتل يجب بقتله) فلا يلزمه بقتله أكثر من ألف دينار كالحر. 26375 - فإن قيل: الحر إذا ضمن (باليد) لم يضمن أكثر من الدية كذلك الجناية، والعبد إذا ضمن باليد ضمن من الدية، كذا إذا ضمن بالجناية. 26376 - قلنا: الحر (عندنا لا يضمن) (باليد)، ولأن من غصب صبيًا فوقع عليه حائط فهو مضمون. 26377 - احتجوا: بقوله تعالى:} فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم {قالوا: [المثل] يعبر بع عن مثل الشيء عن جنسه وعن مثله من قيمته. 26378 - قلنا: قوله:} فمن اعتدى عليكم {يقتضي الاعتداء على من يملك أن

يقاتله وذلك هو الحر. وأما العبد فالمقاتلة إلى مولاه فلا تتناوله الآية. ولأن الواجب هو القيمة، وقد اختلفنا في قيمة الجناية، فعندنا أنها لا تبلغ عشرة آلاف. وعندكم أنها لا تزيد فاحتجوا إلى الدلالة. 26379 - قالوا: حيوان يضمن باليد الجناية، فوجب أن يضمن الجناية بمثل ما يضمن باليد، أصله البهيمة. 26380 - قلنا: ضمان البهيمة مال بكل حال فاعتبر حكم المال في الوجهين، وأما العبد فضمانه باليد ضمان المال فاعتبر ضمان المال فيه، وضمانه بالجناية ضمان الجنايات، ولهذا يجب القصاص والكفارة، وضمان الجناية ما يدخل التقدير، والمعنى في البهيمة أن القصاص لا يجوز أن يجب بقتلها فلم يتقدر بدلها، ولما كان العبد يجوز أن يجب القصاص بقتله جاز أن يتقدر بدله بالجناية. 26381 - قالوا: لا يتقدر بدله (قلة) فلا يتقدر بدله كثرة كالبهيمة. 26382 - قلنا: لا يمنع "أن يتقدر الشيء كثرة ولا يتقدر (قلة)، (بدلالة) أن ما دون الموضحة يرجع في أرشه إلى التقويم [فيقوم] نقصان قيمة المشجوج بها لو كان عندنا، فإن بلغت قيمة الموضحة نقص [منها]، فيقدر الأرش كثرة وإن لم يتقدر قلة، كذلك التعزيز يقدر بالاجتهاد ثم لا يبلغ به الحد فيقدر كثرة ولا يتقدر قلة. 26383 - قالوا: مملوك مضمون بالإتلاف فوجب أن يضمن بكمال قيمته كالثياب.

26384 - قلنا: الثياب ضمانها ضمان المال، (بدلالة) أنه لا يتعلق الأثمان ولا يتأجل بدله إلا بالتأجيل، فكذلك اعتبر كمال قيمته في جهة المال. وأما ضمان القتل فليس بضمان مال وإنما هو ضمان جناية، بدلالة أنه يجب فيما ليس بمال وهو الحر، وهو يتأجل من غير تأجيل فليس بضمان مال يجب به القصاص فلذلك لم يعتبر جهة المال فيه ويقدر كما تقدر الجنايات. 26385 - قالوا: لو كان ضمانه جناية لم يستو الذكر والأنثى. 26386 - قلنا: لا يستويان، بدلالة أن عبدًا قيمته ألف يضمن بجميع قيمته، و (أمة) قيمتها خمسة آلاف إلا عشر، فدل أنها لا يستوي بينهما بمعنى يعود إلى كونه ذكرًا وأنثى. وأما إذا كان قيمة كل واحد ألف، وإنما يتساويان بمعنى تساوى القيمة لا لكونه ذكرًا (و) أنثى. 26387 - قالوا: لو كان جناية لغلظ في شبه العمد. 26388 - قلنا: شبه العمد يتغلظ بدله من الإبل. ولا يتغلظ من الورق و [الذهب]. وبدل العبد لا يجب فيه الإبل فلم يتغلظ. 26389 - قالوا: العبد يضمن بالغضب والعتق والجناية، فإذا كان يضمن في العتق والعتق بجميع قيمته، فكذلك الجناية. 26390 - قلنا: ضمانه بالغضب والعتق تمحض ضمان ماله، بدلالة أنه لا يتأجل من غير تأجيل، ضمانه بالقتل ضمان جناية، فكذلك اختلف حكم الضمان. 26391 - قالوا: العبد له (شبهة) بالأموال، بدلالة ضمانه بالقيمة، و (له)

شبهة بالجنايات، بدلالة القصاص وتحمل العاقلة، [فكل] حكم [أخذ الشبه] [من] ضمان الأموال تمحض. وكل حكم أخذ الشبه من الجنايات تمحض، فلما كان وجوب الضمان أخذ (شبهًا) من أصلين روعي (فيه) (حكم كل) واحد منها. 26392 - ألا ترى أن مخالفنا جعله ضمان مال حين اعتبر (فيه) قيمته بالغة ما بلغ، ثم أجله من غير تأجيل اعتبارًا بالجنايات وجعله على العاقلة في الصحيح من المذهب. وهذا حكم الجنايات دون الأموال، (وقال في أحد يديه نصف قيمته وهذا حكم الجناية دون الأموال). ولو كان ضمان المال وجب النقصان، قال يجب (نصف) القيمة بالغًا ما بلغ. وهذا حكم الأموال، (فثبت) أنه يجوز أن يلحق في حكم واحد بالشبهين. ******

مسألة 1302 القصاص بين الحر والعبد وبين العبدين

مسألة 1302 القصاص بين الحر والعبد وبين العبدين وبين الرجال والنساء فيما دون النفس. 26393 - قال أصحابنا رحمهم الله: لا قصاص بين الحر والعبد فيما دون النفس، [ولا بين العبدين] ولا بين الرجال والنساء. 26394 - وقال الشافعي رحمه الله: يجرى بينهما القصاص.

26395 - لنا: ما روى قتادة عن أبي نضرة عن عمران بن حصين - رضي الله عنه - أن عبدًا لقوم فقراء قطع أذن عبد لقوم أغنياء فأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: إنا قوم فقراء، فلم يقطعه (رسول الله) - صلى الله عليه وسلم -. ولا يقال: يحتمل أن يكون القوم لم يطالبوا بالقصاص وكان في

الفعل شبهة، لأن هذا تعلق الحكم بغير السبب المذكور، وهذا ترك الظاهر. 26396 - ولأن الرق نقص يمنع استيفاء طرف الحر بطرفه، كما لو كان المقطوع ذميًا والقاطع عبدًا مسلمًا. 26397 - ولأنهما إن اختلفا في القيمة لم يجز أخذ الكامل بالناقص لما قدمناه. ولا يجوز أخذ الناقص بالكامل لأن النص من طريق الحكم يمنع أخذ الناقص بالكامل كاليمين واليسار. وإن تساوت قيمتهما فالتساوي يعلم بالحرز والظن، وما اعتبر فيه المماثلة لم يجز أن يرجع فيها إلى الحرز والظن، كبيع الفضة بالفضة والحنطة بالحنطة. 26398 - فإن قيل: إذا سرق السارق ثوبًا فبلغت قيمته النصاب قطع وإن كانت القيمة بالحرز، وكذلك إذا شهد شاهدان بالقطع فطريق عدالتهما الظن. وإذا أوجبتم على المسلم القصاص بالكافر فطريق ذلك الظن.

26399 - قلنا: نحن لا نمنع أن كلية الأحكام الشرعية تثبت بالظن كما تثبت بالقطع، وإنما نمنع أن يرجع إلى القطع فيما أخذ علينا به المماثلة. 26400 - فلا يلزم على هذا جميع ما ذكروه. على أن السارق نقطعه إذا اتفق المقومون في قيمة ما سرق، وقد يتفق الناس على قيمة عين في الغالب لا يكادون يتفقون على تساوي قيمة عبدين غالبًا فكذلك أمر يد الرجل والمرأة. 26401 - فلأنهما اختلفا في الأرش فلا يستوفي الأكمل بالأنقص، كاليد الصحيحة بالشلاء. 26402 - ولأن يد الرجل والمرأة (تختلف شأنهما في موضوع الآلية) فلا يستوفي الأكمل بالأنقص كاليمين والشمال، يبين ذلك أن يد الرجل تصلح للضرب بالسيف والطعن بالرمح والصنائع، وهذا لا يوجد في النساء غالبًا، ومن يوجد في البادية خلاف ذلك ولا يفيد، كما أن اليسار قد يعمل بها بعض الناس كما يعمل بيمينه ولا يعتد بذلك؛ لأنه خلاف الموضوع.

26403 - احتجوا: بقوله تعالى:} والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص { 26404 - قلنا: هذا يتناول الأحرار بدليل قوله تعالى:} فمن تصدق به فهو كفارة له {والعبد لا يتصدق. 26405 - احتجوا: بقوله تعالى:} وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به { 26406 - قلنا: هذا يقتضي ما أتلف الإنسان (في) نفسه، وإن لك أن تعاقب بما أصبت به في نفسه (إلا الحر)، فأما العبد فلا يملك ذلك، فإن احتجوا بذلك في الرجل والمرأة كان مخصوصًا بما ذكرنا. 26407 - قالوا: كل شخصين جرى بينهما القصاص في النفس، جرى بينهما في

الأطراف السليمة أصله الأحرار. 26308 - قلنا: النفس لا تعتبر فيها التساوي في الأرش، ولهذا أجرى بينهم القصاص في النفس ولم يجر بينهما فيما دونها، فأما الحر والحر فتساويا في حقن الدوم وفي أرش الأطراف، فجرى القصاص بينهما في الأمرين، والحر والعبد تساويا في حقن الدم، فجرى القصاص بينهما في النفس، وإن اختلفا في أرش الأطراف فلم يجر بينهما قصاص فيها.

مسألة 1303 قطع يدين بيد واحد

مسألة 1303 قطع يدين بيد واحد 26409 - قال أصحابنا رحمهم الله: إذا قطع اثنان يد واحد لم يجب القصاص على واحد منهما. 26410 - وقال الشافعي رحمه الله: إذا لم يتميز فعل أحدهما من فعل الآخر وجب القصاص عليهما. 26411 - لنا: أن الطرف يتبعض في الإتلاف، فإذا اشترك الجماعة في إتلافه ضمن كل واحد منهما جميعه لحق الآدمي، وأصله إتلاف الأموال. لا يلزم إذا

اشترك محرمان في قطع طرف صيد، لأن الضمان هنا لحق الله تعالى. 26412 - ولأن أرش اليدين تخالف الأرش الواحدة فلم يجز استيفاؤه كاليد الصحيحة بالناقصة. 26413 - ولأن اليد ذات أجزاء، فكل واحد أتلف جزءًا منها، فلم يجز أن تستوفي جميع يده، كما لو تميز فعلهما. 26414 - وليس كذلك إذا قتلا، لأن خروج النفس ليس بمتجزئ، فكل واحد منهما فعل فعلًا يجوز أن يكون خروج الروح اتفق عنده. 26415 - ولأنهما اشتركا في إتلاف اليد فلم يجب على كل واحد منهما قصاص، كما لو قطع كل واحد من جانب حتى التقى القطعان. 26416 - ولأن الجماعة لو وجب عليهم القصاص بطرف واحد استوي أن يتميز فعلهما أو لا يتميز، كالمشترك في إتلاف النفس. 26417 - ألا ترى أن أحدهما لو قطع جانب العنق، والآخر من الجانب الآخر حتى التقى القطعان وجب القصاص، فلما لم يجب في اليد مثل هذا الفعل دل على أن القصاص لا يجب وإن قطعوا بضربة واحدة. 26418 - احتجوا: بقوله تعالى:} والجروح قصاص {. 26419 - قلنا: القصاص المماثلة، واليدان لا ماثلهما يد واحدة. 26420 - قالوا: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (العمد قود). 26421: قلنا: هذا يقتضي أن يقطع من يد القاطع مثل ما قطع، وهذا ليس بقولكم.

26422 - قالوا: روى أن رجلين شهدا عند علي ابن أبي طالب - رضي الله عنه - بالسرقة، فأمر بقطعه. ثم عادوا ومعهما رجل آخر فقالا: هذا الذي سرق، وإنما شبهناه، فقال علي - رضي الله عنه -: (لو علمت أنكما تعودتما لقطعتكما). 26423 - قلنا: هذا على وجه التعزيز بدلالة أنه لم يوقف القطع على مطالبة الخصم، والذي يتعلق باختيار الإمام هو التعزيز، وقد اختلف قول الصحابة في التعزيز، فرأى بعضهم أن يبلغ به الحد، وضرب عبد الله ابن مسعود - رضي الله عنه - التعزيز. 26424 - قالوا: كل قصاص وجب للواحد (على الواحد) جاز أن يجب

على الجماعة للواحد كالقصاص في الأنفس. 26425 - قلنا: الأنفس لا تتبعض في الإتلاف، وكل واحد من المشركين كالمستوفى بجميعها، وليس كذلك الطرف لأنه يتبعض في الإتلاف، فالواحد من المشتركين مستوفى لبعص المتلف لم يجز أن يقتص منه، بيان الفرق بينهما: وأن أحد المشتركين لو قطع من جانب العنق وقطع الآخر من الجانب الآخر وجب القصاص، ولو قطع أحد الشريكين من جانب الزند والآخر من الجهة الأخرى لم يقطع. 26426 - قالوا: النفس أعظم حرمة من اليد، فإذا جاز أن يقتل الجماعة بالواحد فلأن يجوز أن يقطعوا بيده أولى. 26427 - قلنا: لما عظمت حرمة النفس جاز أن يقتل الجماعة بالواحد، فلا يجوز أن يقطعوا بيده أولى. 26428 - قالوا: إن الذي (وجب لأجله) القصاص على الجماعة أنهم لو لم يقتلوا المعنى (هدرت الدماء)، لأن كل واحد قاتل يشرك غيره فيسقط عنه، وهذا المعنى موجود في الأطراف.

26429 - قلنا: يبطل إذا تميز فعل القاطعين. ***

مسألة 1304 القتل شبه العمد

مسألة 1304 القتل شبه العمد 26430 - قال أبو حنيفة [- رضي الله عنه -]: شبه العمد (القتل) بما ليس بسلاح ولا يجري مجراه في تفريق الأجزاء. 26431 - وقالا: هو أن يتعمد الضرب بما لا يقتل غالبًا، فأما إذا اعتمد الضرب بما يقتل في الغالب فهو عمد. 26432 - (وبه قال) الشافعي رحمه الله

26433 - لنا: روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب يوم فتح مكة، فقال في خطبته: ((ألا إن قتيل خطأ العمد قتيل السوط والعصا فيه مائة من الإبل)) وذكرى الطحاوي: ((ألا قتيل الخطأ العمد بالسوط فيه مائة من الإبل)) فوجه الدلالة: أنه

(جعل) قتيل العصا خطأ العمد، ولم يفصل بين العصا الكبير. 26334 - فإن قيل: المراد به (الصغير)، فلهذا قرنه بالسوط. 26435 - قلنا: لو أراد الصغير لاقتصر على السوط. فلما ذكر السوط الذي لا يقتل في الغالب ثم ذكر العصا الذي يختلف دل على أنه أراد العصا الكبير، حتى يكون (الجمع) بينها وبين السوط معنى. بيان ذلك: أنه جعل [القتل] بهذه الآلة عمد الخطأ، ولم يفصل بين أن [يكرر] بها الضرب أو لا [يكرر]. (فدل) أن من كرر الضرب بالسوط حتى قتل فهو عمد. 26436 - فإن قيل: معنى خطأ العمد أن يكون اعتمد الضرب (وأخطأ) في الآلة. وهذا لا يكون في الآلة التي لا تقتل في الغالب، فأما إذا كانت مما تقتل في الغالب فلم يوجد معنى الخطأ. 26437 - قلنا: هذا اسم شرعي لا تعرفه أهل اللغة، وإنما تعرف العرب العمد والخطأ، فأما اجتماع الأمرين في فعل واحد ما (يقع منه). فلا يجوز أن يرجع في تفسيره [إلا] إلى قول [صاحب] الشرع. 26438 - فإن قيل: قوله: ألا إن (قتيل) خطأ العمد (قتيل) السوط

(يدلان) أن من جملته (القتيل) بالسوط والعصا (خطأ) عمد. وليس في اللفظ ما يدل على أن كل قتيل بالسوط فهو عمد خطأ. (ومخالفكم) لا يمنع أن يكون من جملة القتل بالسوط عمد الخطأ. 26439 - قلنا: هذا خبر روى (ألا إن قتيل خطأ العمد قتيل السوط والعصا بفتح اللام. وهذا بدل، والبدل إما أن يكون هو المبدل) نفسه، كقولك: رأيت زيداً أبا عبد الله، أو يكون بعضه، كقولك: رأيت (زيدًا وجهه، وهذا يفيد أنه مثل الأول أو أخص منه. 26440 - ولو صح ما قالوه) لكان البدل أعم من المبدل. 26441 - وهذا لا يصح ولأن البدل يفيد الإضراب عن الأول تقول:

رأيت زيدًا وجهه. وكأنك قلت: وجهه. فيصير تقدير الخبر: إلا أن (قتيل) السوط. قلنا: هذا لم ينقل ولا روي (ولا يصح). وأيضاً إن قوله: «فيه مائة من الإبل» جملة مبتدأ وخبر (وهي) خبر المبتدأ الأول. 26442 - والراجع منها (الهاء التي في الخبر، وهو قوله: «فيه»، ولا يصح أن يكون الرواية «قتيل السوط»، لأن هذا كأن يكون خبر المبتدأ والراجع منه) غيرهما. 26443 - والراجع من الخبر الثاني في قوله: «فيه مائة من الإبل». ولا يصح أن يكون (للمبتدأ) خبران الراجع من أحدهما ظاهر من الأمر عين الظاهر. 26444 - لأن القياس يمنع ذلك. وإنما جاء عن العرب: هذا (حلو حامض)، والراجع من الخبرين غير ظاهر. فلا يجوز أن يثبت ما يخالف القياس غير ما جاء عنهم. 26445 - فإن قيل: قوله: «قتيل السوط» نكرة مضافة إلى معرفة. والنكرة إذا أضيفت إلى معرفة صارت معرفة، فتتناول قتيلًا (واحدًا) ولا تقبل الاستغراق. 26446 - قلنا: هذا (إذا) أضيف إلى اسم (علم) مثل قولهم: قتيل زيد. فأما إذا لم (يضف) إلى اسم علم، فإنه لا يصير (معرفة) ويفيد

الاستغراق 26447 - وبدل عليه الحديث النعمان بن بشير [- رضي الله عنه -] أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «كل شيء خطأ إلا السيف وفي كل خطأ أرش». 26448 - وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «(لا قود) إلا بحديده».

26449 - وروي عن علي (- رضي الله عنه -) أنه قال في شبه العمد: «(الحد فيه) بالعصا والقذفة بالحجر» وهذا اسم لا تعرفه العرب، وإنما (يثبت) بالشرع. فالظاهر أن تفسيره عن صاحب الشريعة. 26450 - ولأنه قتيل بما ليس بسلاح ولا يجرى مجرى السلاح في تفريق الأجزاء، فصار (كالقتيل) بالعصا الصغير. 26451 - ولا يلزم إذا أحرقه بالنار، لأنها تفرق (الأجزاء) كالحديد. ألا ترى أن المحدود يفرق التأليف بلطافته، والنار ألطف من المحدود وهي تفرق الأجزاء. ولا يلزم إذ قتله بحديد مثقل، لأن الطحاوي روى [عنه] في شروطه: أنه لا

قصاص فيه كالجر. على الرواية الأخرى: الحديد نفس السلاح (بدلالة قوله) تعالى:} وأنزلنا الحديد فيه بأسٌ شديٌد {. 26452 - ولأن القتل حصل، فما لا (يقع) به (الذكاة) فأشبه (السوط) الصغير. 26453 - ولا يلزم [النار] لأن الذكاة (بها) عندنا إذا وضع النار على مذبح الحيوان حتى ينشق. 26454 - ولأن القصاص [لو] (وجب) [بهذه الآلة] لم يجز [التأديب بها] كالسيف. فلما (جاز) [التأديب] بالسوط والعصا دل (على) أن القصاص لا يتعلق به. 26455 - ولأن القصاص لو جاز بهذه الآلة استوي صغيرها وكبيرها كالحديد. 26456 - ولأنه قتل تتعلق الكفارة، فلم يجب به القصاص كالقتل بالسوط. 26457 - ولأنه قتل يملك الولي المطالبة بالمال من غير رضي القاتل، فلا يتعلق به

القصاص لقلة القتل بالسوط. 26458 - ولأنه إذا كرر الضرب مات. ولو خرجت الروح بالضرب الأول لم يجب القصاص، فإذا كرر الضرب فقد خرجت الروح من فعلين يتعلق القصاص بأحدهما ولا يتعلق بالآخر، فصار كجراحة الخطأ العمد. 26459 - فإن قيل: المعنى في [السوط] أن الآلة لا يتعلق به القتل في قاطع الطريق. فلم نسلم ذلك. 26460 - فإن قالوا: المعنى في السوط إباحة (التأديب) وهذا لا يوجد في القتل. 26461 - قلنا: عند مخالفنا لا يسقط القصاص، وإنما يسقط القتل. وإن الآلة التي أبيح (بها التأديب) إذا كرر بها الضرب وجب القصاص، فلا معنى للتفريق [بين الآلتين]. 26462 - ولأن القصاص يعتبر فيه (الفعل) والآلة، ولهذا لو قتل بالسيف لم يجز أن يقتص بغيره بمكان. 26463 - القصاص يجوز أن يسقط بمعنى يعود إلى الفعل، كذلك يجوز أن يسقط بمعنى يعود إلى الآلة. 26464 - احتجوا: بقوله تعالى:} ومن قتل مظلومًا فقد جعلنا لوليه

سلطانًا {وهو عام، وقوله تعالى:} كتب عليكم القصاص في القتلى {} ولكم في القصاص الحياة { 26465 - قلنا: قد (أجمعوا) أن المراد بذلك قتل العمد المحض الذي لا [شبهة] فيه، وما أجمعوا عليه كالمنطوق به، ولا نسلم أن هذا القتل عمد محض، فلا يصح التعلق بالظواهر. 26466 - احتجوا: بما روي أن يهوديًا (رضخ) رأس جارية من الأنصار بين حجرين، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرضخ رأسه. 26467 - قلنا: يحتمل أن يكون رضخ رأسها بحجر له حد، وهذا يوجب

القصاص عندنا، ويحتمل أن يكون قتل اليهودي حدًا لا قصاصًا كما قتل العُربيين. وقد روى معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس [- رضي الله عنه -] أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رجم ذلك اليهودي. [و] الرجم لا يكون إلا على وجه الحد.

26468 - وقد روى أبو قلابة عن أنس [- رضي الله عنه -] أن اليهودي قتل الجارية وألقتها في (قليب) ثم رضخ رأسها. فيحتمل أن يكون الفعل الأول بآلة يقتص بها (فبلغ) بها حدًا لا [تعيش] من مثله ثم رضخ رأسها. 26469 - احتجوا: بما روي في حديث حمل بن مالك [- رضي الله عنه -] قال: كنت بين جاريتين، فضربت إحداهما الأخرى بمسطح خيمة، فألقت جنينا ميتًا وماتت فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالقصاص على القاتلة وبالغرة على العاقة. 26470 - قلنا: قد اختلفت الرواية في هذه القصة، فروى إبراهيم عن

عبيد بن نضلة عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - أن امرأتين اقتتلتا، فرمت إحداهما صاحبتها بعمود فسطاط فأصاب بطنها فألقت جنينًا وماتت، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغرة الجنين ودية المقتولة على عصبة القاتلة. 26471 - وروى يونس (عن) ابن شهاب عن سعيد بن المسيب

وأبي (سلمة) عن أبي هريرة 26472 - رضي الله عنه - هذا الحديث بعينه, وروى شعبة عن قتادة عن أبي المليح عن (حمل) بن مالك ابن النابغة الهذلي أنه قال: كنت بين امرأتين فاقتتلتا، فرمت إحداهما صاحبتها بحجر فألق جنيناً ميتًا (وماتت)، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغرة الجنين ودية المقتولة على عصبة القاتل. وإذا (اختلفت) الأخبار لم يصح الاحتجاج بهذه القصة 26473 - وقولهم: إن خبر حمل بن مالك أولى بالقبول لأنه (زوج

المرأتين)، فقد روينا عنه مثل قولنا. وعلى أن الخبر إن كان إيجاب الدية فهو دلالة لنا، (لأن) عمود الخيمة (يقتل) غالبًا. 26474 - وقد أوجب (- صلى الله عليه وسلم -) فيه الدية. وإن كان أصل الخبر إيجاب القصاص، فلا دلالة فيه لمخالفنا. لأنه يحتمل أن يكون محدودًا أو يكون على رأسه حديد، وحكاية الفعل إذا احتملت وجهين سقط التعلق بها. 26375 - قالوا: الآلة لو قتل بها قاطع الطريق وجب (عليه) القتل بها، في غير قطع الطريق جاز أن يجب عليه القتل بها، أصله الحديد. 26476 - قلنا: القتل في قاطع الطريق (لا) يثبت على وجه القصاص. وإنما (يثبت) حدًا بدلالة أن الإمام يستوفيه وإن (لم) يطالب الولي، (فذلك) لم تعتبر فيه الآلة. 26477 - ولأن الحكم المتعلق بقطع الطريق مغلظ، بدلالة أن أخذ المال في غير قاطع الطريق أكثر [عقوبته] قطع طرف واحد، وأخذ المال في قطع الطريق يقطع به طرفان، كذلك لا يمنع أن يغلظ القتل فيجب في قاطع الطريق القتل مع اختلاف [الآلات]، ولا يجب في غير قاطع الطريق إلا إذا قتل بآلة مخصوصة، والمعنى في الحديد أن القصاص لما وجب بجرحها استوي صغيرها وكبيرها، ولما لم يجب القصاص إذا قتل بصغير الآلة فيما سوى الحديد، كذلك بكبيرها. 26478 - وإن شئت قلت: الحديد [آلة] يقع بها [الذكاة]، فجاز أن يجب بالقتل بها القصاص. وغير المحدود لا يقع به الذكاة، فلا يجب القتل (به) القصاص.

26479 - و (قالوا): الحجر آلة يتعلق بها (قتل) في حق الله وهو الرجم، فجاز أن يتعلق بها القصاص كالسيف. 26480 - قلنا: الحجر قد يتعلق بها القصاص عندنا (إذا) كان له حد، ولا يتعلق إذا لم يكن له حد، قد شرع الرجم بهما، (كما أن) عند مخالفنا قد شرع القتل بصغير الحجر وكبيره، والقصاص يجب في كبيره ولا يجب في صغيره، والمعنى في السيف أن الجرح يقع بمجموع أجزاء حده، وكل (حرف) منها لو انفرد القتل به تعلق به القصاص، كذلك إذا قتل بجملته، والحجر يقع به الضرب بمجموع (أجزائه) لو حصل القتل بقليلها لم يجب به القصاص، فلم يجب به القصاص (لذلك، والحجر يقع في كلها. 26481 - بيان ذلك: أن القاتلين إذا اشتركوا، كل واحد لو انفرد وجب عليه القصاص، وجب) على جماعتهم القصاص. ولو اشتركوا وفيهم من لو انفرد بالقتل لم يجب عليه القصاص، لم يجب على جماعتهم قصاص كالخاطئ والعامد. 26482 - قالوا: آلة يقصد بها القتل، فجاز أن يجب بها القصاص كالمحدود. 26483 - قلنا: المعتبر في وجوب القصاص القصد إلى الضرب، فلا معنى لاعتبار القصد إلى القتل. 26484 - ولأن الذي يقصد به القتل هو المحدود، ومتى لم يقصد تعجيل القتل عدل عن المحدود إلى غيره. ولأن المحدود يعمل في الظاهر والباطن، ولهذا لو جرحه به جراحة لا تقتل في الغالب وجب القصاص، وأما الحجر فيعمل في الظاهر دون الباطن، ولهذا لا يجب القصاص بصغيره.

26485 - قالوا: كما لو قتل وجب القصاص إذا قتل (بثقله)، وجب القصاص كالحديد. 26486 - قلنا: قد دل الطحاوي أن القتل بالحديد لا يجب به القصاص، وهذا هو الصحيح من قول أبي حنيفة [رحمه الله]. ويبطل هذا بالسوط المحدد لو قتل بحده وجب القصاص، ولو ضرب (بغير) حده لم يجب القصاص، والمعنى في الحديد ما قدمنا. 26487 - قالوا: أحد نوعي القصاص [فاستوي فيه] القتل (بالمحدد) وغيره كما دون النفس. 26488 - قلنا: [إفاتة] البعض بالمحدد والمثقل يحصل على وجه واحد، فوجب القصاص فيها، والقتل بالسيف يخالف القتل بالحجر. ولأن السيف يقطع ظاهرًا وباطنًا، والحجر يكسر ويهشم، فيعمل في الظاهر دون الباطن. (فلذلك) اختلفا. 26489 - قالوا: القصاص صيانة الدماء، فيجب أن يتعلق بجميع الآلات التي يقصد بها القتل.

26490 - قلنا: لما كان القتل يحصل (بالمحدد) في الغالب وضع (القصاص فيه) دون ما لا يحصل به القتل غالبًا. ***

مسألة 1305 حكم ما إذا رمى إلى مرتد فأصابه السهم بعد إسلامه فمات

مسألة 1305 حكم ما إذا رمى إلى مرتد فأصابه السهم بعد إسلامه فمات 26491 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا رمى إلى مرتد (فأصابه) السهم بعد إسلامه، فلا ضمان على الرامي. 26492 - وقال الشافعي [رحمه الله]: عليه الدية.

26493 - وقالوا: إذا رمى إلى حربي فأصابه بعد إسلامه، نص في الأم على أن فيه الدية اعتبارًا بحال الإصابة. 26494 - وقالوا: لو رمى [المحرم] صيدًا فأصابه بعد (إحلاله) فلا ضمان، فإن رمى الحلال ثم أحرم فأصابه ضمن، ولو رمى المجوسي ثم أسلم فأصاب السهم يؤكل. 264955 - والدليل على سقوط الضمان في [الحربي]: أن الرمي مباح وسبب الجناية إذا أبيح مطلقًا لم يضمن ما تولد منه في حق الآدمي، أصله إذا حفر بئرًا في داره فوقع فيها إنسان، ولا يلزم إذا رمى إلى صيد، لأن الإباحة ليست مطلقة [فشرط] السلامة. وإذا ثبت في الحربي قسنا عليه المرتد بعلة أنه رمي في مباح الدم. 26496 - ولأن الرمي كمباشرة الجناية، بدلالة أن التسمية في الذبيحة يعتبر عند الرمي، لأنه موجب للإصابة. ألا ترى أن الرمي إذا وقع لم يكن (بد) من الإصابة

(إلا) أن يعترضه مانع (أو) أن يقع رميه في غير الجهة أو يعدل السهم ريح أو حيوان. 26497 - ولأن (المباشرة) يقع بحسب اعتماده وقوته، ولهذا لم يجب القصاص (في مسألتنا باتفاق. ولو اعتبر بحال الإصابة يوجب القصاص، وإذا اعتبر بحال الرمي فكأنه جرحه) وهو مرتد ثم أسلم (فسرت) الجراحة. 26498 - فإن قيل: لو اعتبر بحال الرمي لكان إذا مات (المرمي) قبل وقوع السهم يجب به الضمان. 26499 - قلنا: المعتبر عندنا بحال الرمي إذا اتصلت الإصابة به، فأما إذا مات المرمي قبل ذلك فكأن السهم عدل عنه. 26500 - احتجوا: بقوله (- صلى الله عليه وسلم -): «في النفس مائة من الإبل»

26501 - قلنا: معناه في النفس المضمونة، نحن لا نسلم لهم ضمان هذه النفس، لأن الخبر مشترك الدليل، لأنه يقتضي وجوب الضمان إذا رمى (إلى) مسلم فارتد قبل وقوع السهم به، وهذا خلاف قولهم. 26502 - قالوا: الإصابة صادفته وهو مضمون، فوجب بقتله الضمان أصله إذا رمى إلى غرض فأصابه. 26503 - قلنا: هناك وقع الرمي وهو غير مباح النفس (فضمن) بالإصابة، وفي مسألتنا حصل الرمي وهو مباح، فلم يتعلق به ضمان. 26504 - قالوا: الرمي سبب فهو (كالحفر). ومعلوم أن من حفر بئرًا فوقع فيها مسلم كان (مرتدًا) أو حربيًا عند الحفر ضمن، لم يعتبر بحال الحفر، كذلك الرمي. 26505 - قلنا: الإصابة في الحفر غير موجبة بالحفر، بدلالة أن الوقوع يكون بفعل الواقع لا بفعل الحافر. وإذا لم يكن موجباً به لم يعتبر حال الواقع عند الحفر. وأما الإصابة فهي موجبة بدلالة أن الرامي كما فعل الاعتماد حتى فارق السهم الوتر، كذلك هو الفاعل للجرح الحادث. فلما كان ذلك موجب فعله اعتبر بحال الفعل دون ما تجدد. * * *

مسألة 1306 حكم ما إذا رمى ذميا فأصابه السهم بعد إسلامه فمات

مسألة 1306 حكم ما إذا رمى ذميًا فأصابه السهم بعد إسلامه فمات 26506 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا رمى ذميًا فوقع السهم بعد إسلامه، فعلى الرامي القصاص. 26507 - وقال الشافعي [رحمه الله]: الدية. 26508 - وهذا مبني على أصلنا في وجوب قتل المسلم بالذمي. فلو لم يسلم حتى أصابه وجب القصاص، فإذا أسلم أولى، وعلى أصلهم يعتبر في القصاص أن يقصد قتل من يكافئه في الدم، وهذا لا يوجد عن الرمي. والمعتبر (عندكم) في القصاص بحال الرمي دون (حالة) الإصابة، فلم يجب القصاص. * * *

مسألة 1307 حكم ما إذا رمى عبدًا فأصابه السهم بعد عتقه ثم مات 26509 - قال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله: إذا رمى عبدًا فأعتقه مولاه قبل وقوع السهم به وجب قيمته للمولى.

26510 - وقال الشافعي رحمه الله: ديته لورثته. 26511 - لنا: أن المعتبر حال الرمي (على) ما بينا، فصار كما لو جرحه ثم أعتقه. لأن الإصابة موجبة بالرمي، فكأنه قتله وهو عبد. 26512 - ولأن الرمي وقع والجناية علة توجب، فلا يتغير ذلك الموجب بعتقه، كما لو رمى عبد نفسه ثم أعتقه قبل الإصابة لم يجب القصاص. 26513 - احتجوا: بأن السبب حصل مع الرق والإصابة مع الحرية فصار كمن حفر بئرًا فوقع فيها من كان (عبدًا عند) الحفر.

26514 - قلنا: الوقوع قد بينا أنه غير موجب بالحفر، فلا يستند إليه. واعتبر بحال وجوده. والإصابة موجبة بالرمي، فإذا حصلت فكأن التلف حصل بالرمي. * * *

مسألة 1308 حكم القود من المكره على القتل

مسألة 1308 حكم القود من المكره على القتل 26515 - قال أبو حنيفة ومحمد [رحمهما الله]: إذا أكره رجل رجلًا على قتل رجل بغير حق، فعلى الآمر القود. 26516 - وقال أبو يوسف رحمه الله: لا قود عليه.

26517 - وبه قال الشافعي رحمه الله. 26518 - لنا: ما روي أن [رجلًا] أسود بعثه أبو بكر رضي الله عنه مع يعلى بن منية - رضي الله عنه - إلى الشام فعاد أقطع، فقال أبو بكر - رضي الله عنه -: ما شأنك، قال: إن يعلى بن منية اتهمني بسرقة فريضة من فرائض الصدقة. فقال: «لو علمت أنه ظلمك قطعت يده». وروي أنه قال: «لو علمت أنه تعمد بذلك

لقطعت يده». والأمير (قد) يقطع بنفسه، وقد يأمر بذلك. والأغلب أنه يأمر بقطع (السارق) ولا يباشره، فلما لم يفصل أبو بكر [- رضي الله عنه -] دل على أن القصاص واجب على الأمير الظالم بكل حال. 26519 - وروي عن عمر [- رضي الله عنه -] أنه بعث إلى الغزو، فانتهوا إلى ماء في يوم بارد، فأمر أميرهم واحدًا منهم أن يخوض في الماء يطلب لهم (مخاضًا) في الماء، فأبى الرجل ذلك، فأكرهه الأمير على ذلك، فلما شرع في الماء مات، فكتب إليه عمر: «لولا أن يكون [سنة] لأخذتك به». 26520 - وهذا يدل على أن القود عنده على المكره. وقوله: لولا أن يكون (سنة). 26521 - لأنه حمل أمره على أنه لم يقصد هلاكه، بل غلب على ظنه أنه يسلم فأسقط القود بهذه الشبهة. 26522 - فإن (قيل): عندكم من غرق رجلًا لم يجب عليه

القصاص. 26523 - قلنا: إذا كان من مذهب (عمر) [- رضي الله عنه -] أنه يقتل المكره بالغرق، فلأن يقتله إذا أكره على قتله بالسيف أولى. 26524 - ولأن فعل المكره ينتقل إلى المكره فيصير كأنه الفاعل (له)، بدلالة أنه لو أكره على إتلاف مال ضمنه، فصار كأنه المكره أخذ لبد المأمور وفيها (السيف) فضربه بها وإن شئت (قلت): إنه ألجأه بأقوى أسباب الإلجاء (فانتقل فعله إليه. 26526 - ومن أصحابنا من احترز فقال: ألجأه بأقوى أسباب الإلجاء) على فعل يصح أن يكون فيه آلة لغيره، فانتقل (فعله) إليه، كما لو أكره على إتلاف المال. 26527 - ولا يلزم المكره على الزنا، لأن الإنسان لا يصح في الزنا أن يكون آلة لغيره. ولا يصح أن يكون في القتل (آلة لغيره) بأن أخذ بيده فضرب بها (إنسانًا). 26528 - ولا يلزم إذا أكره على الطلاق، لأنا قلنا: فعل المكره ينتقل، والطلاق قول وليس بفعل. والفرق بينهما من طريق (المعنى) أن الإنسان يكون فاعلًا بيد غيره، ولا يكون متكلمًا بكلام غيره، (ولهذا) لم ينتقل الطلاق والعتاق إلى المكره. 26529 - ولأنه لو أكرهه على قتل من لا يجب بقتله القصاص، كان الضمان على الآمر دون المأمور. والقتل بالسيف يجب القصاص فيه على من يجب على قتله.

إذا كان القتل شبه العمد، أصله المباشرة. 26530 - ولأن المكره [صرف] المأمور على اختياره، فصار كما له أخذ بيده فضرب بها غيره. 26531 - احتج أبو يوسف [رحمه الله] بأن الإكراه [لا] (يؤثر في إباحة الفعل، بدلالة أن المأمور لا يجد له بدًا أن يقتل، فلما لم يؤثر في الإباحة دل على أنه لا حكم له، فلم ينتقل الفعل إلى الآمر. وهذا يخالف الإكراه على إتلاف المال، لأن الإكراه) إباحة المأمور بالإكراه فانتقل فعله إلى الآمر. 26532 - (قلنا): المضطر إلى طعام غيره قد (أثرت) الضرورة في إباحة الإتلاف ولم (ينتقل) فعله (عنه)، حتى سقط الضمان عنه. ولو أكره المولى رجل على عتق عبده لم يؤثر إكراهه في إباحة [الفعل] و (ينتقل) الفعل عنه حتى لم (يلزمه) الضمان. ويمثله لو أكرهه على إتلاف مال سوى الآدمي حل له إتلافه، وانتقل فعله في سقوط الضمان، فدل على أن انتقال الفعل ليس له تعلق بالإباحة والحظر و [لو] أنه اضطر إلى طعام غيره (حل) له تناوله (ووجب الضمان). 26533 - ولو اضطر إلى إتلاف نفس غيره لم يحل له ذلك ووجب الضمان، فدل على أن الإباحة والحظر ليست المؤثرة في إيجاب الضمان وسقوطه. ولأنه يجوز أن

يضطر (ولا) تبيحه الضرورة أن يفدي نفسه (بغيره)، وإن وجب القصاص على غيره، كالرمي إذا تترس بغيره فإن جرحه لم يبح ذلك وهو آثم، وإن كان القصاص يجب على الرامي دونه، وكذلك في مسألتنا. 26534 - قالوا: الإكراه [سبب] فلم يجب به القصاص كحفر البئر وشهادة الزور. 26535 - قلنا: عند أبي يوسف [رحمه الله] المكره يحرم الميراث. (وتجب) عليه الكفارة عنه إذا كان القتل لا قصاص (فيه) فلو كان سببًا لم تجب الكفارة ولم يحرم الميراث. ولو كان سببًا لم يحل للمأمور و (للمقتول) قتله إذا قويا على ذلك، كما لا يحل (للمشهود) عليه قتل الشهود). 26536 - قالوا: الآمر والمأمور قد اشتركا في القتل، لأن المأمور مباشر والآمر ملجئ. والمشتركان إذا سقط القصاص عن أحدهما سقط عن الآخر، كالخاطئ

والعامد والأب والأجنبي. 26537 - قلنا: المأمور آلة وليس بمشارك، بدلالة أنه لا يحرم الميراث ولا يشارك في الكفارة والدية. 26538 - قالوا: المأمور قام مقام الآمر، والقصاص لا يجب بما يقوم مقام الغير، كالشهادة على الشهادة. 26539 - قلنا: المأمور ليس (بنائب)، لكنه آلة الآمر، والقصاص يجب بالآلات.

مسألة 1309 حكم القود من المكره على القتل

مسألة 1309 حكم القود من المكره على القتل 26540 - قال أصحابنا رحمهم الله: لا قصاص على المأمور (المكره). 26541 - وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله. وقال في القول الآخر: علية القصاص.

26542 - لنا: أن معه علم ظاهر دل على فقد الاختيار، فصار كمن رمى غرضًا فأصاب إنسانًا. ولا معنى لقولهم: إن هناك لا مأثم عليه. لأنه لو رمى وهو لا يأمن أن يصيب آدميًا فهو آثم ولا قصاص عليه. ولا يلزم إذا قتله للجوع؛ لأن ذلك ليس بعلم ظاهر. 26543 - ولأنه معنى يوجب القتل يؤثر فيه عدم (القصد) فوجب أن يؤثر فيه الإكراه، أصله الردة. 26544 - ولأن الآمر صرف المأمور بإكراهه على اختياره، فلم يلزم قصاص، كما لو أخذ بيده وفيها سيف فضرب بها. 26545 - ولأن فعل المكره المأمور ينتقل إلى الآمر حتى يصير كالفاعل له، بدلالة وجوب القصاص عليه. وبدلالة المكره على البيع. بدليل أنه لو أكره رجلًا على قطع يد نفسه، وجب القصاص للمأمور على الآمر. وإذا انتقل الفعل لم يجب القصاص على المأمور، كما لا يجب عليه إذا أخذ بيده فضرب غيره. 26546 - فإن قيل: وجوب القصاص على الآمر لا يدل على انتقال الفعل. لكن يدل على أنه مشاركة في القتل فيجب القتل عليهما، كوجوب القتل عندكم على قاطع الطريق و [الردء]، يجب الضمان في الصيد على القاتل والدال.

26547 - قلنا: الإكراه لو لم [ينقل] الفعل لم يجب على الآمر قصاص، كمن أمر بغير تهديد. وعكسه المكره على إتلاف المال يختص بالضمان ولا يصير كالمشارك. فأما [الردء] فلم ينتقل إليه الفعل، لكنه مشاركه (فيه) [كالردء] في الغنيمة. والدال على الصيد يضمنه، لأنه سبب يختص بالإتلاف لا (للمشاركة). 26548 - ولأنه سبب ظاهر يمنع لزوم البيع، فمنع وجوب القصاص أصله الجنون والصغر. 26549 - ولأنه قتل (ليستبقي) نفسه من خوف القتل، فصار كما لو قصده فقتله دفعًا. 26550 - فإن قيل: هناك أبيح له القتل، وهاهنا (محظور) عليه (القتل). 26551 - قلنا: إذا أكره على قتل عبد الآمر فهو آثم في القتل (ولا) ضمان. ولو أكرهه على الزنا فهو آثم ولا حد عليه عند مخالفنا. والمأمور بإتلاف المال لا ضمان عليه ولا إثم عليه، فدل على أن (الإثم) ليس يتعلق بإيجاب الضمان وإسقاطه. 26552 - ولأنه مكره على القتل فلم يلزم قصاص، كالمسلم إذا أكره على قتل ذمي. 26553 - ولأن من لا يلزمه القصاص بقتل الذمي لا يلزمه بقتل المسلم أصله الصبي.

26554 - احتجوا: بالظواهر الدالة على وجوب القصاص (قوله تعالى): {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} وقوله: {ولكم في القصاص حياة} وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: قتل نفس بغير نفس). 26555 - الجواب: أن المراد بذلك القتل العمد بغير شبهة، وهذا غير مسلم في مسألتنا. ولأن الظواهر تدل على وجوب القصاص على القاتل، وقد اختلفنا في القاتل، فعندنا أنه الآمر، وعندهم الآمر والمأمور. 26556 - قالوا: قتل من يكافئه لإحياء نفسه ظلمًا (فلزمه القصاص)، كمن اضطر إلى غيره من الجوع فقتله وأكله. وربما قالوا: توصل إلى استبقاء نفسه بقتل من يكافئه ظلمًا، فوجب أن يجب عليه القصاص. وربما قالوا: قتله ظلمًا لاستبقاء نفسه، فكان حكمه كما لو ابتدأ قتله. قالوا: وعلى هذا الجماعة إذا خافوا في السفينة الغرق فألقوا بعضهم في الماء، (و) كمن قصدهم سبع فألقوا إليه أحدهم. 26557 - قلنا: قولكم إنه قتل لاستبقاء نفسه ليس بصحيح، لأنه لا يعيش بقتله. وإنما يعيش بأكله. ولأن الجوع لا يؤثر في البيع، بدلالة أن من اضطر إلى طعام (غيره) فلم يتمكن من أخذه منه فابتاعه (نفذ) البيع، ولو أكره على الابتياع لم ينفذ البيع، فدل على اختلاف الإكراه والجوع. ولأن الضرورة في الجائع ليس معها علم ظاهر، وإنما يعلم حالة بقوله. والإكراه علم ظاهر يدل عليه فقد الاختيار. وبهذا المعنى (يسقط) ضمان الأموال عن المأمور المكره، ولا يسقط عن المضطر إلى الأكل.

26558 - فإن قيل: الجوع معه علم ظاهر إذا شاهدناه و (قد) بقي مدة لا يأكل شيئا. 26559 - قلنا: هذا يدل على (الجوع) ولا يدل أنه بلغ إلى خوف (حال) التلف. ولأن ضرورة الجوع من فعل الله تعالى، فإذا انضمت إلى فعل القاتل لم يسقط عنه القصاص، كالسراية التي (تنضم) إلى الجراحة. وليس كذلك فعل الآمر، لأنه فعل آدمي. ويجوز أن (ينضم) إلى فعل القاتل فعل (آدمي) (يسقط) عنه القصاص، (كاشتراك) الخاطئ والعامد، وكمن أكره عبدا على قتل عبد نفسه، وكما لو أكرهه على أن يقتل نفسه أعنى نفس الآمر. ولأن المضطر إلى قتل غيره (ليأكله) يقدر أن يدفع ضرورته بدون ذلك، وهو أن يأكل طرفًا من أطراف نفسه، فصار كمن قتله وهو يجد غيره، وكما لو قتله دفعًا عن نفسه وهو يقدر أن يدفعه بغير القتل. وفي مسألتنا مثله لو قدر على أن يمانع الآمر أو يقتله ولم يفعل وقتل المأمور (وجب) عليه القصاص. 26560 - قالوا: قتل عمدًا من يكافئه بوجه لا عذر له فيه، فإذا كان من أهل الضمان (كان) عليه القود كما لو قتله ابتداء. 26561 - قلنا: لا نسلم أنه غير معذور. هناك (عذر)، إلا أنه لا يبيح، كما أن الجائع معذور وإن لم يستبح الأكل بعذره، ولا نسلم لهم العمد، لأنه (ملجئ). فلا يوصف بالاعتماد. والمعنى في القاتل ابتداء أنه لم (يقارن)

فعله ما ينقل حكمه إلى غيره. والمكره (قارن) فعله ما يوجب نقل الفعل، فسقط عنه القصاص كما سقط عنه ضمان الأموال التي أتلفها بالإكراه. 26562 - قالوا: كل حكم تعلق بالقتل كما سقط عنه ضمان الأموال المختار (وجب) أن يتعلق بالقتل على الاختيار أصله (المأثم). 26563 - قلنا: يبطل باختصاص القصاص بالمباشرة، لأنه حكم يتعلق (بالمختار)، فإنه لا تختص، بل يقتل الآمر (بالإجماع). ولأن مأثم القتل لا يستدل [به] على وجوب القصاص، بدلالة القتل شبه العمد وبدلالة الآمر والممسك.

مسالة 1310 حكم ثبوت الدية بغير رضا القاتل في القتل العمد

مسالة 1310 حكم ثبوت الدية بغير رضا القاتل في القتل العمد 26564 - قال أصحابنا رحمهم الله: موجب قتل العمد القود. ولا (تثبت) الدية إلا بالتراضي. 26565 - وقال الشافعي رحمه الله في أحد قوليه: (موجبه القود والدية. والولي بالخيار في استيفاء أيهما (أحب). 26566 - وقال في القول الآخر: الواجب القود. وللولي أن يسقطه ويطالب بالدية. فتكون بدلا عن البدل.

26567 - والدليل على أن (موجبه) القود قوله تعالى: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس}. 26568 - وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - (العمد قود). وقال في قصة الربيع. 26569 - (كتاب الله القصاص) معناه: حكم الله، فمن زعم أن له موجبا آخر خالف الظاهر. 26570 - ولأنه أحد نوعي القتل، فكان له موجب واحد كالخطأ. 26571 - ولأنه معنى يوجب القتل، فلم يتنوع موجبه كالردة.

26572 - ولأنه قتل على وجه الزجر، فكان له موجب واحد كالقتل في قاطع الطريق. ولا يجوز أن يقال: (إن) في هذه المواضع لا يجور أخذ المال بالتراضي، وفي مسألتنا يجوز أخذه بالتراضي. لأن جواز أخذ المال عن الشيء بالتراضي لا يدل على أخذه بغير رضي كالطلاق. 26573 - ولأن القصاص يسقط بالشبهة. والمال لا يسقط بالشبهة. فلم يجز اجتماعهما بسبب واحد كالمهر والحد في الزانية المطاوعة. 26574 - ولأنه متلف [لمثل]، فلم يجب بإتلافه المثل وغير المثل كالمكيلات والموزونات. 26575 - وأما الدليل على إبطال القول الآخر: فلأنه قادر على استيفاء حقه من جنسه بكماله، فلا يجوز الانتقال (إلى غير) جنس الحق من غير تراض أصله الديون. 26576 - ولا يلزم إذا قطع يمين رجل ويد القاطع شلاء أو ناقصة الأصابع، أو شجه فاستغرق قرنيه و (جبين) (الشاج [أضيق] كان ضامنا، لما لم يقدر على استيفاء جنس حقه بكماله، وجاز له العدول إلى) بدل يستدرك فيه كمال

حقه. بين ذلك: أن القصاص مماثلة، فهو كوجوب الحنطة بإتلاف الحنطة. 26577 - فإن قيل: المعنى في المكيل (أنه) لو وجد بعض حقه وجب أخذه والانتقال في [بعضه] إلى البدل، كذلك إذا وجد جميع حقه لم يجز الانتقال. وفي مسألتنا إذا كان القاطع ناقص الأصابع فليس له أن يأخذ اليد وأرش الإصبع الفائتة. بل يعدل إلى البدل، كذلك إذا وجد جميع حقه جاز أن يعدل إلى البدل. 26578 - قلنا: حق صاحب الطعام في جملة حقه وفي (كل) جزء منه، فإذا وجد البعض فقد وجد حقه. 26579 - وفي مسألتنا (القطع) لم يتعلق حقه بكل جزء من اليد، بدلالة أنه لو أراد قطع الأصابع أو بعضها لم يجز. وإنما حقه في القطع من الزند. وفقد الأصابع نقص في ذلك. فقدر على حقه ناقصا. وأما أن يقال: قدر على بعض حقه بكماله (فلا) نسلم ذلك. 26580 - ولأن القتل لا يجوز الانتقال عن موجبه إلى غيره إلا بالتراضي أصله الخطأ. 26581 - فإن قيل: في الخطأ (يثبت) له (البدل الأدنى) ولا يجوز له الانتقال إلى الأعلى، (يثبت) له الأعلى فجاز أن ينتقل إلى الأدنى بغير تراض. 26582 - قلنا: هذا يبطل إذا ثبت له القصاص فقال: أنا أقتصر على قطع الطرف لأبقى [النفس] لم يجز، وإن كان الفعل انتقل من الأعلى إلى الأدنى، (وكذلك في الدية لا يجوز أن ينتقل إلى عبد قيمته بعض الدية إلا بالتراضي، وإن كان انتقل من الأعلى

إلى الأدنى) (إلا) أنه من غير جنس حقه، فلم يجز أخذه إلا بالرضا. 26583 - احتجوا: بقوله تعالى: {يأيها الذين امنوا كتب عليكم القصاص في القتلى} وهذا خطاب للقاتلين. ثم قال: {فمن عفى له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف} فالمعفو هو القاتل، والعافي (هو) ولي المقتول. ثم قال تعالى: {فاتباع بالمعروف} فالظاهر أن الاتباع يقع بمجرد العفو عنه، فمن قال لا يثبت إلا برضاه فقد ترك الآية. 26584 - وقال الشافعي [رحمه الله]: حقيقة العفو هو الترك (بغير) تراض. يقال: عفوت عن حقي بمعنى تركته. ويحمل على البذل [مجازا] فلا يترك الحقيقة إلى المجاز.

26585 - قلنا: إن الشافعي [رحمه الله] عادل في تأويل هذه الآية عن الآثار وحقيقة اللغة، فأما الأثر فقد روي عن مجاهد عن ابن عباس [- رضي الله عنه -]: إن بني إسرائيل كان فيهم القصاص لا يجوز قبول الدية، (فأباح الله تعالى للولي قبول الدية) ونسخ ما كان تخفيفا، ولهذا قال الله تعالى: {ذلك تخفيف من ربكم ورحمة} وقال الشعبي: نزلت في حيين كان لأحدهما طول على الآخر، فكانوا يتزوجون نساءهم بغير مهور، فقتل الحي المفضول قتيلًا من الحي الفاضل، فحلف الحي الأفضل أن يقتل الرجل بالمرأة، والحر بالعبد، وأن يضاعفوا الجراح. 26586 - فاختصموا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (القتل سواء) فاصطلحوا على الديات بفضل لأحد الحين فضل على الآخر، فقال الله تعالى: {فمن عفى له من أخيه شيء} يعني: فمن فضل له شيء من الديات التي وقع [الاصطلاح عليها] فأتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان. هذا قول السلف في الآية، ولم ينقل عن أحد منهم ما قاله مخالفونا، فوجب المصير إلى الأثر في التأويل. 26587 - وأما اللغة، فقوله: {فمن عفى له} لا يجوز أن يكون من عفا

(الأثر) إذا درس، (ولا) من عفا أي صفا، كما يقال لك: عفو هذا الشيء أي صفوه. [ولا] من عفا (البنت أو البنين)، (ولا من) عفا الله عنكم، لأنه في جميع هذه الوجوه لا يتعدى فيبني للمفعول به، المرتفع به مفعول به وهو {شيء}، فبقي أن يكون من قولهم: قد عفا فلان فلانا يعفو عفوًا، أو (اعتفاه) بقتله إذا (احتداه) وطلب بماله.

26588 - قال الأعشى: [تطوف العفاة بأبوابه .... كطوف النصارى ببيت الوثن] 26589 - أراد بالعفاة المحتدين الطالبين، وأحدهم عاف. قال ابن الأنباري: يقال: [أعفيت الشعر] وعفوته: إذا زدت فيه وكثرته. 26590 - وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من أحيا أرضا ميتة فهي له، [وما أكلت العافية فهو له صدقة])

26591 - من احتدي له شيء من (أجل) قتل أخيه، فعليه إتباع بالمعروف وله أداء إليه بإحسان. (رفع) بالابتداء وخبره محذوف، و [أداء] جملة أخرى من مبتدأ وخبر فقد حذف الخبر منهما، وهما جميعا [جزاء] الشرط. وقد جاء حذف الخبر من الجزاء في القرآن، قال الله تعالى: {فمن كان منكم مريضًا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام} تقديره: فعليه فدية من صيام، وكذلك قوله: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى} (تقديره): فعليه ما استيسر، فأفادت الآية أن الولي إذا بذل له المال فهو مندوب إلى (قبوله). 26592 - ونظيره قوله تعالى في المائدة بعد ذكر القصاص: {فمن تصدق به فهو كفارة له} ثم قال: {وأداء إليه بإحسان} بمعني أن الباذل للمال يجب عليه إذا قبل

منه أن يؤديه بإحسان. وهذا تأويل موافق (للأثر) ومقتضي اللغة. 26593 - وما ذكره الشافعي [رحمه الله] من حقيقة اللغة غلط، لأن العفو الذي هو البراءة والإسقاط، لا يتعدى، فكيف قال تعالى: {فمن عفى له من أخيه شيء} فيرتفع به. 26594 - فإن قيل: (نحن رددنا) الكناية في قوله: {فمن عفى له من أخيه شيء فأتباع} إلى مذكور متقدم وهو القاتل، وأنتم رددتم الكناية إلى الولي، (ولم) يجر له ذكر. 26595 - قلنا: نحن رددنا الكناية إلى مذكور (لأن تقديره): فمن احتدى له. فالكناية ترجع إلى الولي. (وهو قوله: {فمن}، ورد الكناية إلى أقرب المذكورين أولى). 26596 - قالوا: حملتم قوله: {فاتباع} على الندب، ونحن نحمله على الوجوب. 26597 - قلنا: خبر المبتدأ محذوف على قولكم وقولنا. لأن تقديرها عندكم: فعليه اتباع، وعندنا: فله اتباع، فتساوينا في ذلك. وأنتم تركتم حقيقة عفا، لأنكم حملتموه على العفو الذي هو الإسقاط. وذلك لا يتعدى من المذكور في القرآن، فتعدى إلى مفعول ارتفع به، وهو قوله: {شيء} ذلك لا يصح إلا في العفو الذي هو الطلب والاحتداء.

26598 - قالوا: روي أبو شريح الكعبي [- رضي الله عنه -] أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ثم) أنتم يا [خزاعة] (قد) قتلتم هذا القتيل من هذيل، وأنا والله عاقله، فمن قتل بعده قتيلًا فأهله بين خيرتين: إن أحبوا (قتلوا)، وإن أحبوا أخذوا العقل). وروي (إن أحبوا أخذوا الدية). 26599 - قلنا: قد روي في هذا الخبر: (وإن أحبوا فادوا)،

(والمفاداة) لا تكون إلا بالتراضي؛ لأنها مفاعلة. 26600 - فإن قيل: نقول باللفظين. 26601 - قلنا: الخبر واحد؛ فأصل اللفظ إن كان المفاداة فلا حجة لهم فيه، فلم يصبح إثبات اللفظين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يحتج بأحدهما، ولأن قوله: (وإن أحبوا أخذوا العقل) فالعقل عبارة عما (تؤديه) العاقلة، لا يكون في العمد إلا بالتراضي. وإنما يجب عندهم المال على القاتل، وإن كان اللفظ: (وإن أحبوا أخذوا الدية) فحقيقة الدية ما يؤدي، وذلك لا يكون إلا فيما بذله القاتل وأداه. فأما ما

(يؤخذ) بغير رضاه في العمد، فهو غصب عندنا فلا نسلم أنه يسمى دية. 26602 - قالوا: كل جناية تسقط إلى غير جنس الحق بالتراضي صح أن تسقط إلى جنسها بغير تراضي، أصله: إذا كانت يد القاطع ناقصة الأصابع، وإذا كانت بين قرني (المشجوج) [أوسع] مما بين (قرني) الشاج. وقد احتذوا عن مسألة. وهي: العبد إذا قطع يد مولاه أن يقتص، وليس له أن يعفو على مال؛ لأن هناك لا تسقط الجناية إلى غير جنس الدية بالتراضي، إلا أن العلة تدخل عليها مسألة. وهي من قطع يدي رجل ثم قتله. فجاء الولي فقطع يديه. فقد ثبت له أن يضرب عنقه بعد القطع. فإن تصالحا على مال بالتراضي جاز. ولو عفا الولي بالدية لم يصح. 26603 - فإن قالوا: هذه الجناية كان له أن يعفو عنها على مال. وإنما سقط ذلك باستيفائه اليدين. 26604 - قلنا: هما جنايتان مختلفتان عندكم، فإذا استوفى أحدهما لم يتعين حكم الأخرى، والمعنى في الأصل أن صاحب الحق (تعذر) عليه استيفاء حقه من جنسه بكماله، فلم يجز له العدول عنه بغير تراض. 26605 - (قالوا): (لم) يتعذر استيفاء كل حقه. وإنما تعذر بعضه.

فيجب أن يأخذ الموجود وعوض المعدوم يقدر، كمن وجد بعض طعامه. 26606 - قلنا: قد بينا أن الأصابع ليست حقه، وإنما حقه قطع الزند، والأصابع صفة لليد فلم [يتعذر] شيء من حقه بتمامه: وأما الحنطة، فكل جزء منها حقه. وأما (المشجوج). فقد (ثبت) (له) مقدار من الشجة يستوفي مثله يجاوز ما بين قرني الشاج. (وفي ذلك من) الشين أكثر مما لحقه. وإن اقتصر على ما بين (قرنيه) لم يجز أن يأخذ معه أرشا للفضل، لأن صغر العضو (وكبره) لا يتقوم في الأرش، فإن هذه في القصاص (في الشجاج). 26607 - قالوا: قادر على إحياء نفسه ببذل بدل الحق، فصار كالمضطر (إذا) بذل له الطعام بثمن مثله. 26608 - قلنا: يبطل بمن قطع اليدين ثم عفا (على) مال، لم يلزم القاتل بذله. وإن كان يقدر على إحياء نفسه. وكذلك يبطل إذا عفا على (غير) جنس الدية. وإن (عفا) على أكثر من الدية. 26609 - فإن قيل: هذا طلب أكثر من بدل (حقه).

26610 - قلنا: الدية ليست ببدل عن القصاص. وإنما هي بدل النفس. ولأن الطعام طرد مسألتنا. 26611 - لأن صاحب الطعام لو بذله لم يجب له (بذله) شاء المضطر أو أبي. كذلك في مسألتنا أداء الدية لم يجب بذلها شاء أم أبي. ولأن الطعام يجب على صاحبه بذله لإحياء نفس المضطر. ولا يجب في مسألتنا العفو لإحياء نفس القاتل. فدل على الفرق بين الأمرين. 26612 - قالوا: القصاص عقوبة، فلو ثبت المال فيه (بغير) رضا لم يثبت (بالرضا) [كحد] القذف. 26613 - قلنا: هذا قياس عكس لا يصح عندكم. ولأن القذف (يوجب) العقوبة ولا (يوجب) المال بوجه، فلم يجز التراضي بالمال، والقتل تارة يوجب المال وتارة القود، وإذا وجب (القود) ثم دخلته شبهة مثل أن يرث الابن قصاصًا على الأب سقط القصاص ووجب المال، (فلذلك) جاز التراضي على المال. 26614 - قالوا: إذا عفا أحد الشريكين من الدم؛ (وجب) للآخر المال.

ولا يجوز أن يكون وجوبه (لعفو) شريكه، فعلم (أنه) كان واجبا بنفس القتل. 26615 - قلنا: بل لتعذر استيفاء حقه من غير إسقاطه، والقاتل من أهل الغرامة، فانتقل الحق إلى المال كما دخلت فيه شبهة.

مسألة 1311 حكم انفراد الولي الكبير باستيفاء القصاص دون الولي الصغير

مسألة 1311 حكم انفراد الولي الكبير باستيفاء القصاص دون الولي الصغير 26616 - قال أبو حنيفة (- رضي الله عنه -): إذا كان الدم مشتركًا بين (كبير وصغير)، فللكبير أن يقتص قبل بلوغ الصغير. 26617 - واختلف أصحابنا المتأخرون في العبد المشترك بين الكبير والصغير. 26618 - فمنهم من قال: للكبير أن يقتص. ومنهم من قال: لا يقتص. 26619 - وقال أبو يوسف ومحمد [رحمهما الله]: ليس للكبير أن يقتص. وبه قال الشافعي [رحمه الله].

26620 - لنا: ما روي أن عبد الرحمن لما أصاب عليًا - رضي الله عنه - (قال): (إن مت فألحقوه [بي أخاصمه عند] الله) فقتله الحسن، وفي ورثته صغار، منهم العباس كان له أربع سنين، وأكثر أولاده كانوا صغارًا وهذا بحضرة الصحابة من غير نكير ولا اعتراض. وروي أنه قال للحسن: (أما أنت يا

حسن، فإن شئت أن تعفو فاعف، وإن شئت أن (تقتص فاقتص) (بضرية) واحدة، وإياك والمثلة؛ فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (نهى) عن المثلة ولو بالكلب العقور). 26621 - قالوا: قتله بالكفر؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي - رضي الله عنه -: (إن أشقى الأولين عاقر ناقة صالح، وأشقى الآخرين من خضب هذه من هذا). 26622 - ولأن ابن ملجم اعتقد إباحة دم، ومن اعتقد إباحة ما يقطع في الشرع تحريمه كفر، كمعتقد إباحة الخمر. 26623 - [قلنا]: فلا يصح لمن (انتصر ماهية) أن (يتناول) فيما

لا يصح على مذهبه. وقد نص على قبول شهادة الخوارج على المسلمين، فدل على (أنه) لم يكفرهم. 26624 - ولأن عليًا - رضي الله عنه - قال: [اقتله بضرية]، وهذا يدل على أنه ليس بكافر، وإنما يقتل قصاصًا. وقال: (لا تمثل به) والمرتد يجوز المثلة به. 26625 - وقال للحسن: (إن شئت أن تعفو فاعف) وقال: (إن مت فألحقوه بي) ولو كان كافرًا لم (يقف) قتله على شرط الموت. وأما قولهم: إنه كفر باعتماد إباحة قتله. فلو كان كذلك لم يقل (علي) - رضي الله عنه - للخوارج: (لكم علينا أن لا نمنعكم المساجد، ولا نمنعكم حقكم من الفيء). ولأن الكفر إنما يكون باعتقاد ما (يشترك) في معرفة تحريمه الخاصة والعامة. 26626 - فأما الخبر الذي احتجوا به، فرواه يزيد بن (خثيم) عن أبيه. وهما لا (يعرفان). وخبر الواحد الصحيح لا يقبل في

(الإكفار) فكيف الضعيف، 26627 - فإن قيل: كان في ورثته كبار فلم يستأذنوا. 26628 - قلنا: لم يكن فيهم غائب إلا الحسن، كان بالمدائن قد سار على (مقدمة). فلما أصيب بعث خلفه فحضر. وتولى قتله مع ابن جعفر، ومثلا به، وكان (الحسن) يستغفر الله من ذلك، وحج ماشيًا تقاد رواحله. وقد أجمعنا أن القتل لا يجوز إلا برضا الوارث الخاص، (و) الظاهر أنهم (استأذنوا)

ولم يخالفوا الإجماع. 26629 - فإن قيل: قتله لأنه سعى في الأرض بالفساد (بقتله) الإمام. 26630 - قلنا: لو كان كذلك لم يجز العفو. وقد قال للحسن: (إن شئت فاعف) ولأن الساعي في الأرض بالفساد (يقتله) الإمام، والحسن قتله قبل أن يبايعه الناس. 26631 - فإن قيل: جواز انفراد الكبير بالقتل يسوغ فيه الاجتهاد، وقد قال به بعض أهل الكوفة وأهل المدينة فلذلك لم ينكروه. 26632 - قلنا: لم تجر عادة المجتهدين إذا بدرت حادثة أن يمسكوا عن ذكر الخلاف، وإن كان في مسائل الاجتهاد، وهذا القول يسقط الاحتجاج بفعل الواحد من الصحابة، وترك (إنكار) الباقين عليه. 26633 - ولأن القصاص أحد بدلي النفس، فصغر الشريك (فيه) لا يمنع الباقين من الاستيفاء، أصله: الدية. 26634 - فإن قيل: المعنى في الدية: أن استيفاء الكبار لحقهم لا يؤدي إلى إتلاف حق الصغار. وفي مسألتنا استيفاء حق الكبار يؤدي إلى إتلاف (حق) الصغار.

26635 - قلنا: لا يمتنع أن (يثبت) لأحد الشريكين التصرف في حقه، وإن أدى إلى تلف حق شريكه، بدلالة العتق على أصلهم، والعفو عن القصاص على الأصلين، وإسقاط الفسخ لعد الكفاءة عندنا. 26636 - (ولأن) القصاص إذا ثبت [ولم يكن يتولى عليه]، جاز لمن يلي ويولى عليه أن ينفرد باستيفائه، أصله: إذا قتل من لا وارث له؛ ثبت القصاص للإمام والمسلمين، ثم ينفرد الإمام بالاستيفاء. 26637 - فإن (قيل): الإمام يستوفي بولاية مطلقة، وكذلك لا يستأذن الكبار. 26638 - قلنا: لأنه يلي عليه. 26639 - فإن قيل: (ذلك) القصاص [منحتم] لا يجوز العفو عنه. 26640 - قلنا: لا نسلم أن الإمام يجوز له أن يغفو على مال. 26641 - ولأن القصاص معنى لا يتبعض، فإذا اشترك في سببه صغير وكبير، جاز أن ينفرد باستيفائه، أصله: النكاح: ولا يلزم العبد المشترك، (لأن) للمولى السبب لا يتبعض. وهو (القرابة). فإذا ألزموا العبد. قلنا: ثبت

القصاص (بسبب يتبعض) وهو الملك. 26642 - فإذا قيل: النكاح (يثبت) استيفاؤه لكل ولي (على) الانفراد، وليس كذلك القصاص. 26643 - لأنه لا يثبت حق الاستيفاء لكل (وارث) على الانفراد. 26644 - قلنا: هذا القول يبطل بالقصاص (الثابت) بين الإمام والمسلمين. ولأن عندنا لا فرق بين النكاح (والقصاص. يثبت استيفاء القصاص لكل واحد، إلا أنه لا يجوز أن ينفرد باستيفائه أحد الكبيرين) لجواز أن يكون الآخر عفا، فيسقط حق المستوفى. ومتى كان الشريك صغيرًا لم يتصور العفو منه، فجاز للكبير أن يستوفي. ويدل عليه أن القصاص إذا ثبت للأب وابنه الصغير جاز للأب جاز للأب أن يستوفيه، بدلالة أن القصاص أحد بدلي النفس، فإذا ثبت بين الأب والابن جاز للأب الانفراد بالاستيفاء كالدية. 26645 - ولأن الأب يلي في حقوق ابنه بنفسه، كما يلي في حقوق نفسه. فإذا جاز أن يستوفي (حق) نفسه، كذلك (حق) ابنه. 26646 - احتجوا: بقوله (- صلى الله عليه وسلم -): (من قتل قتيلا فأهله بين

خيرتين). 26647 - قلنا: هذا في [الأهل] الذين يصح أن يتخيروا القصاص والدية، وهذا في البالغ، فأما الصغير فلا يصح أن يتخير. 26648 - قالوا: قود غير [متحتم]، فإذا وجب لعدد لم يملك بعضهم أن يستوفيه، كما لو (كان) كلهم (كبارًا). 26649 - قلنا: قولكم: (فإذا وجب لعدد)، فإن أردتم [به الوجوب] (فلا نسلم أنه وجب للجماعة، وإنما يثبت للكبار خاصة. وإن أردتم به الاستيفاء) فلا نسلم أن سبب القصاص وجب لهم. 26650 - (نسلم) أنه لا يمنع أن (يثبت) سبب الحق [فيساوى] فيه الكبير والصغير، وينفرد الكبير بالاستيفاء (كسبب) ولاية النكاح، والمعنى في الكبير أن أحدهما لا مولى عليه، فلم يجز للآخر أن ينفرد بالقصاص. 26651 - وفي مسألتنا أحدهما مولى عليه، فجاز [لمن] يلي أن يستوفي كالقصاص الثابت (للمسلمين) يستوفيه الإمام. ولأن (في الكبيرين) يتصور (من) كل واحد منها إسقاط حق الآخر بعفوه، فلا يجوز له أن ينفرد بالاستيفاء، (والصغير لا يتصور منه إسقاط حق شريكه بعفو، فجاز لشريكه أن ينفرد بالاستيفاء)

كالإمام. (لما) لم يجز للمسلمين إسقاط حق الإمام من القصاص بالعفو، جاز للإمام أن ينفرد باستيفاء القصاص. 26652 - قالوا: لا يخلو (إما) أن يكون القصاص للكبير [أو] للصغير [أو] يكون لهما. 26653 - ولا يجوز أن يكون كله للكبير؛ لأنه لو كان كذلك وجب إذا عفا أن يسقط حق الصغير. (فلما انتقل حق الصغير) مالًا علم أن الدم بينهما. 26654 - ولأن الدم مستحق بالإرث، وهو مشترك كسائر المواريث. وإذا ثبت أنه بينهما لم يجز للكبير أن يستوفيه لنفسه وللصغير، لأنه لا ولاية له عليه، بدلالة أنه لا يستوفي القصاص الذي ينفرد به، ولا يجوز أن يستوفيه لنفسه لأنه لا يملكه. 26655 - قلنا: [سبب] القصاص الذي هو الإرث ثبن لهما، والاستيفاء للكبار خاصة كما قدمنا. 26656 - ولأنه ليس يمتنع أن يكون الحق لهما، ويملك الكبير أن يستوفي جميعه، وإن كان الصغير لو انفرد بالحق (لم يستوفه) الكبير ألا ترى أن (الأب) في البكر البالغ عند مخالفنا لا يملك التصرف في أموالها، ثم يملك التصرف بإيجاب المهر وقبضه، لأنه ولي [ما] لا [ينفك] عن ثبوت المهر؟. 26657 - وعلى هذا، الجد في ترويج الصغير إذا كان الأب رضي على المذهبين, وكذلك العم والأخ إذا زوجا الصغيرة عندنا. وكذلك مسألتنا، يملك أن يستوفي لحق نفسه ما لا ينفك عن حق الصغير [فينتقل] تصرفه في نصيب الصغير تبعا لحقه، وإن كان الصغير لو انفرد بالحق لم يجز للكبير التصرف فيه. وعلى هذا عتق نصيب (أحد) الشريكين (عند مخالفنا) يوجب عتق نصيب شريكه، ولو انفرد

الشريك بالعبد لم يملك شريكه التصرف فيه. 26658 - قالوا: أحد بدلي النفس، فلا يملك شريك الصغير أن ينفرد باستيفائه كالدية. 26659 - قلنا: الدية تتبعض فانفرد الكبير باستيفاء حقه. والقصاص لا يتبعض فيستوفى الكبير حقه ويتبعه حق الصغير، غام ألا ترى أن العتق لما لم يتبعض عند مخالفنا، كان استيفاء (أحد) الشريكين (لحقه) يوجب أن يتبعه نصيب الشريك، والبيع لما تبعض لم (يتبع) نصيب أحد الشريكين نصيب الآخر فيه. 26660 - قالوا: قصاص مشترك بين كبير وصغير فصار كالعبد المشترك. 26661 - قلنا: من أصحابنا من التزم (هذا) وقال: للمولى الكبير أن يستوفي، ومنهم من قال: لا يستوفي. 26662 - لأن ولايته لسبب متبعض وهو المال (فتبعض). (بيان) الفرق بينهما: أن ولاية الآخرين في النكاح لما (ثبتت) (لسبب) يتبعض وهو الملك.

مسألة 1312 حكم استيفاء الوكيل القصاص مع غيبة الموكل عن المجلس 26663 - قال أصحابنا رحمهم الله: لا يجوز للوكيل استفاء القصاص مع غية الموكل عن المجلس. 26664 - وقال الشافعي [رحمه الله]: في الجنايات (ما يدل) على جواز الاستيفاء. وفي الوكالة: ما يدل على أنه لا يجوز، فمن أصحابه من قال: يجوز قولًا واحدا، و [منهم من] قال لا يجوز قولًا (واحدًا)، ومنهم من قال على قولين.

26665 - لنا: أنه استيفاء قصاص بوكالة فصار كما لو وكل صبيًا. 26666 - ولا يلزم إذا كان الموكل حاضرًا في المجلس؛ لأن ذلك ليس بوكالة، وإن كان (المالك) استوفى ألا ترى أنهم قالوا: يجوز للوكيل أن يدفع (ثمن الصرف) مع حضور موكله في مجلس العقد، وكأن العاقد دفع بنفسه، وكذلك الوكيل لا يجوز أن يوكل عاقدًا وشاهدًا. 26667 - ولأنه استيفاء قصاص (قام) مقام الغير فصار كما لو شهد به الرجال والنساء. 26668 - ولأن القصاص (يورث) فيه الشبهة؛ فلا يجوز أن يستوفي مع الشبهة. 26669 - لأنه لا يندرئ بعد استيفائه. ومعلوم أن (الموكل) يجوز أن يكون

عفا فسقط القصاص، فلم يصح الاستيفاء مع تجويز ذلك. 26670 - ولا يلزم إذا كان الموكل حاضرًا. 26671 - لأنه لو عفا أظهر العفو، ولم يمكن وكيله القتل ألا ترى أن الإنسان يعفو رحمة للقاتل أو طلبًا للثواب، وكل واحد من هذين الوجهين (منع) الإمساك عن إظهار [العفو]. 26672 - فإن قيل: (فيجب أن) لا يستوفي القصاص مع غيبة الشهود، لأنهم يجوز أن يكونوا رجعوا. 26673 - قلنا: في إحدى الروايتين رجوع الشهود بعد الحكم لا يسقط القصاص، وعلى الرواية الأخرى: الرجوع لا يصح إلا عند الحاكم. 26674 - ولأن الوكيل متصرف بالأمر، فأثر ذلك في استيفاء القصاص كالوصي. 26675 - احتجوا: بأن كل حق صحت النيابة فيه بحضرة الموكل كذلك لغيبته، أصله: سائر الحقوق.

26676 - قلنا: يبطل بثمن الصرف، لا يجوز للوكيل دفعه لغيبة موكله، ويجوز مع حضوره، والمعنى في سائر الحقوق: أن الشبهة لا تمنع [استيفاءها] لإمكان استدراكها بعد الاستيفاء، والقصاص تمنع الشبهة من استيفائه. 26677 - لأنه لا يستدرك، وقد بينا أن الوكيل يستوفيه إذا غاب الموكل مع الشبهة. وإذا كان حاضرًا استوفاه عن (غير) شبهة، ولأن سائر الحقوق يتوالى وجوبها من جهات مختلفة، فلو وقف استيفاؤها عليه (تعذر) ذلك وبطلت، والقصاص لا يتكرر ثبوته، فإذا وقف (استيفاؤه) على الموكل لم يؤثر ذلك في بطلانه. 26678 - قالوا: (وكل) باستيفاء قصاص كما لو وكل حاضرًا. 26679 - قلنا: هناك لا يستوفيه بوكالة على ما قدمنا، ولأنه لو عفا أظهر العفو، فلم يكن في استيفائه شبهة، وإذا غاب جاز (أن يكون) عفا، فلو استوفى وكيله استوفى مع الشبهة.

مسألة 1313 قتل الواحد بالجماعة

مسألة 1313 قتل الواحد بالجماعة 26680 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا قتل الواحد جماعة فحضروا وطلبوا القصاص، قتل لجماعتهم، ولا دية عليه، وإن حضر واحدًا (وطلب) القصاص؛ قتل وسقط حق الباقين. 26681 - وقال الشافعي [رحمه الله]: إذا حضروا قتل للأول إن عرف، وكان لكل واحدًا من الباقين دية، وإن لم يعلم الأول، أقرع (بينهم الإمام) فقتله (لمن) خرجت قرعته، ووجب لكل واحدًا من الآخرين دية.

26682 - وهذه مبنية على أصلنا (أن) موجب قتل العمد القصاص خاصة. (فإذا قتل) تعذر استيفاء الحق فسقط، وعندهم موجب المال أو القصاص، فإذا قتل سقط القصاص فبقي البدل الآخر، ومبنية على أصل آخر وهو: أن من وجب عليه القصاص [إذا مات سقط القصاص بغير عوض] وعنده تجب الدية، فقلته قصاصا (كموته)، وهذه المسألة ستجيء فيما بعد. 26683 - والدليل على أنهم إذا حضروا يقتل لجماعتهم ولم يقتل للأول: أن حقوقهم تعلقت بالعين بأسباب متساوية، (فوجب أن يتساووا في الاستيفاء أصله الشفعة. 26684 - ومعنى قولنا: بأسباب متساوية) قتل وقتل، كما أن في الشفعة اجتمعت شركة وشركة. 26685 - ولأن الجماعة إذا قتلوا واحدًا (قتلوا) به، فلما كان الجماعة مع زيادة عددهم مثلًا للواحد، كان الواحد أيضًا مماثلًا لهم، (لأن) ما (قابل) الشيء فلا بد أن يكون الشيء مماثلًا له أيضًا. 26686 - فإن قيل: الابن يقتل بأبيه، والعبد بمولاه، والأب لا يقتل بابنه، ولا يقتل المولى (بعبده). 26687 - قلنا: هذا توكيد. لأن الأدنى يماثل الأعلى، والأعلى يماثل الأدنى، (فإذا) كان في مسألتنا الأعلى يستوفى [بالأدنى]، فلا بد أن يستوفى

الأدنى بالأعلى. 26688 - فإن قيل: (قتلنا) الجماعة بالواحد، لأن خروج الروح لا يتبعض (فكل) واحدًا منهم في حكم القاتل، فأما الواحد إذا قتل جماعة، فقد انفرد فعله في كل واحدًا منهم عن فعله في الآخر. فلذلك وجب بكل (فعل) معنى منفرد. 26689 - قلنا: فكذلك نقول في مسألتنا إن خروج الروح لا يتبعض، فإذا حضروا (وطالبوا) (فكأن) النفس بكمالها [استوفيت] لكل واحدًا منهم. 26690 - قالوا: إنما قتل الجماعة بالواحد صيانة للدماء، لو لم يفعل ذلك سقط القصاص. 26691 - لأن كل من (أراد) قتل غيره يشارك غيره فيه. وفي تغليظ ما يجب في مسألتنا حتى تؤخذ النفس والدية صيانة النفس أيضًا. 26692 - قلنا: صيانة النفس يكون بقتل القاتل، وقد فعلنا ذلك. فأما الدية فلم توضع للزجر عن القتل. وإنما هي قيمة المتلف، ولهذا يستوفيها في شبه العمد، (ويعزر) القاتل (لنزجره) عن القتل. 26693 - ولأن من جاز أن يقتل (بالواحد جاز أن يقتل) الواحد به كالواحد. 26694 - ولأن القصاص لم يجب معنى آخر أصله إذا كان القاتل عبدا.

26695 - فإن قيل: العبد إذا قتل سقط القصاص، ولم يبق محل الدية؛ لأنه لا مال للعبد. فوزانه في مسألتنا: إذا كان القاتل فقيرا يقتل. 26696 - قلنا: إذا كان عندنا لا حق في العمد إلا القود، فلا معنى للتفريق بوجود محل المال في أحد الموضعين وتعذره في الآخر حتى (يثبت لهم) أن هناك حقا يطلب له محل. وقولهم: إن حق الباقين لم يسقط لكن فقد محله، غلط. لأنه إذا لم يطلب به أولًا لا يجوز أن يطالب به في الثاني، فهذا معنى السقوط. 26697 - فإن قيل: جنايات العبد وجنايات الحر إذا كانت خطأ لم تتداخل، كذلك العمد. 26698 - قلنا: لم نسلم ذلك، لأن جنايات العبد الخطأ إذا اختار المولى الفداء وجب عليه لكل واحدًا من أولياء القتلى دية كما يجب في الحر. 26699 - ولأن قتل الواحد إذا وجب (بقتل) جماعة لم يجب (بقتله) (مال). أصله: قاطع الطريق إذا وجب بقتله جماعة لم يجب بقتله (مال). 26700 - فإن قيل: ابن سريج يقول:

فيه وجهان. 26701 - دللنا على ذلك بقوله تعالى: {أن يقتلوا} ولم يوجب غير القتل. 26702 - ولأنه قتل لا يصح العفو عنه، فلم يجب معه مال كقتل المرتد والزاني المحصن. 26703 - فإن قيل: قتل قاطع الطريق (المغلب) على قتله حق الله تعالى ولهذا [تحتم]، فتداخل الحدود، وأما القصاص فيثبت لحق الآدمي، فلا يتداخل. 26704 - قلنا: (حد) القذف عندهم لحق الآدمي ويتداخل إذا كرر قذف واحدًا، وكذلك القصاص يتداخل إذا قطع يد رجل فمات. 26705 - احتجوا: بقوله (- صلى الله عليه وسلم -): (من قتل فأهله بين خيرتين، إن

أحبوا قتلوا، وإن أحبوا أخذوا الدية). 26706 - قلنا: إن استدللتم بهذا في ثبوت التخير فهو كلام في مسألة أخرى، وقد سبق الجواب عنه. وإن استدللتم به فيما بعد قتله لم يتناوله (الخبر). 26707 - لأنه لا يقال: إن أحبوا قتلوا، وإن أحبو أخذوا الدية (إلا) مع بقاء الحياة. 26708 - فإن قيل: الخبر يقتضي ثبوت الخيار بين الأمرين، فإذا قتله أخذ الأول، فقد فات أحد الأمرين، فتعين عليه الآخر. 26709 - قلنا: قد بينا أن الدية هو المال المودى، وذلك يكون ببذل القاتل، فكأنه قال: إن أحبوا قتلوا، وإن أحبوا أخذوا ما (بذل) لهم، وذلك لا يكون إلا مع بقاء القاتل الباذل. 26710 - قالوا: إذا قتله أحد الأولياء فقد سقط حق الباقين من القصاص بغير اختيارهم، فوجب أن ينتقل الحق إلى الدية، أصله إذا عفا أحد الشريكين. 26711 - قلنا: لا يصح اعتبار تعذر القصاص بفوات النفس بتعذره (بالعفو)، بدلالة أن العبد القاتل إذا عفا عنه أحد الوليين، انتقل نصيب الآخر مالًا، ولو قتله أحد الأولياء سقط حق الباقين، ولأن أحدهما إذا عفا فحق الآخر سلم

للقاتل، فجاز أن (يتقوم) عليه، وفي مسألتنا لم يسلم له حق الباقين، وإن أتلف أحد [الشريكين] حقهم (والمقتص منه) ليس من أهل الضمان فلم يثبت المال في تركته، وإن شئت قلت: إن حق الولي لم يكن إلا القصاص عندنا، والسبب إذا حصل غير موجب لضمان مال (لم) يجز أن ينقلب بعد الموت، فيجب المال على الورثة ابتداء، ألا ترى أن المدعى عليه يلزمه اليمين، فإذا امتنع منها صار ناكلًا عندنا، ولم يقم يمينه (ويلزمه) المال، فإن مات قبل أن يحلف (تعزر) اليمين (و) لم يقض على ورثته بالمال؟ كذلك هذا. 26712 - قالوا: جناية لو كانت على الطرف لم تتداخل، (فإذا) كانت على النفس لم تتداخل كالخطأ. ولأنها جناية إذا كانت خطا لم تتداخل، فإذا كانت عمدًا وجب أن لا تتداخل (كالطرف). 26713 - قلنا: خرجت هذه العلة أن الجناية على النفس لا تتداخل وإن قتلوه جميعًا، فخروج الروح لا يتبعض، (فكل) واحدًا كالمستوفي بجميع النفس، وإن قتله واحدًا سقط حق الآخر لفوات محله (لا) يقيد القاتل فيها بإيجاب (الديون). 26714 - ولأن أصل العلة إن كانت الجانية على الطرف، فلأن المماثلة معتبرة في الأطراف، فلم تقم اليد الواحدة مقام اليدين، ولهذا لم تقطع يدان عندنا بيد واحدة، وأما النفس (فالمماثلة) غير معتبرة فيها، فكما جاز أن يقتل الجماعة بالواحد

فتماثل الأنفس نفسه، كذلك يقتل [بهم] ويماثل نفسه أنفسهم. 26715 - ولأن الطرف يتبعض في الاستيفاء، فإذا اجتمع على قطع اليد فكأن استوفى بعضها، فلا يقوم مقام يده. وخروج الروح لا يتبعض، فإذا اجتمعوا على القتل فكأن كل واحدًا استوفاه على الانفراد، بدلالة (المشترك) في الأضحية. 26716 - ولأن الطرف تعلق به حق كل واحدًا بكماله، بدلالة أن أحدهم إذا عفا استوفاه الآخر، فإن اجتمعوا على القطع فقد قضى بعض حق كل واحدًا منهما فيما تعلق به حق الآخر. وهو خيار [القصاص] من الضمان، فصار ذلك مضمونا عليه ببدله. 26717 - وإن انفرد (واحدًا منهم) بالاستيفاء فقد قضى حقه فيما تعلق به حق غيره، وهو خيار القصاص من أهل وجوب الضمان، فلزمه ضمان البدل، فأما النفس فإذا استوفاها واحدًا فقد صار مقضيا لذمته في حال لا يجوز أن يلزم القاتل ابتداء ضمان لم يكن، فلذلك لم يضمن للباقين. 26718 - فإن قيل: الميت يجوز أن يلزمه الضمان فيما وجد سببه حال حياته، كمن حفر بئرا فوقع فيها بعد موته إنسان، وكمن باع شيئا فرده المشتري بعد موته بالعيب. 26719 - قلنا: هناك (لم) يبتدئ إيجاب ضمان المال، وإنما يستند إلى السبب (السابق وتعلقه به، فذاك السبب يجوز أن يتعلق المال به، وفي مسألتنا لا يجوز أن يبتدئ الضمان، فإن أسندناه إلى السبب السابق)، وهو قتل العمد لم يصح، لأنه غير موجب للمال عندنا، وإن كان أصل العلة الخطأ، فمحله الواجب به الدية، وهي متسعة، (فثبت) حق جماعتهم فيها، ومحل (القصاص) الرقبة، وهي متضايقة (عن الحقوق، فجاز أن يتداخل، بيان ذلك: أن جناية الخطأ إذا تعلقت بمحل لا يتسع لها وهي جناية العبد) تداخلت.

26720 - قال مخالفنا: للنفس بدلان: القصاص والدية، فإذا تعذر أحدهما وجب الآخر، كمن أتلف على كل واحدًا من رجلين [قفيز] حنطة (ووجد) له قفيز واحدًا، فإنه يقسم بينهما ويقوم لكل واحدًا قيمة نصف قفيز، وإنما كان كذلك، لأن، (للمال) بدلين: المثل والقيمة، لا بدل له إلا القصاص. 26721 - قلنا: المال ثبت (بدلًا) عن القصاص، ولهذا يجوز أن يصالح على أضعاف الدية وعلى غير جنس الدية مؤجلًا، وما ليس بمال إنما ينقلب مالًا بالتراضي كالطلاق، أو بتعذر الاستيفاء مع قيام المحل وعدم رضا المستحق، كعفو أحد الشريكين، وهذا لا يوجد في مسألتنا. ولهذا يجب الضمان في الطرف إذا استوفاه بعضهم؛ لأنه قضى به حقا عليه، فقام ذلك مقام الرضا، فإذا طلب صاحب الطرف الآخر فكأنهما تراضيا. 26722 - قالوا: حقان مقصوران لآدميين، فوجب أن لا يتداخل كالديون. 26723 - قلنا: الوصف غير مؤثر؛ لأن الديون لا تتداخل، وإن كانت لواحد نقول بموجبه، لأن القصاص (يتداخل) كما بينا، ولأن محل الديون (الذمة) وهي متسعة، ومحل القصاص الرقبة وهي (تضيق)، فجاز أن يتداخل ما تعلق بها.

مسألة 1314 حكم ما إذا قطع شخص يمين رجلين

مسألة 1314 حكم ما إذا قطع شخص يمين رجلين 26724 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا قطع يمين رجلين بفعل واحدًا أو تقدم أحدهما الآخر، (فحضر وطلبا) القصاص، قطعت يده لهما، (وقضى لهما) عليه بنصف الدية. وإن حضر أحدهما اقتص له، (ويقضى) (للباقي) بالدية. 26725 - وقال الشافعي [رحمه الله]: إن علم الأول فله القصاص وللباقي الدية، وإن لم يعلم أقرع بينهما، فقطع (لمن) خرجت قرعته، وقضى للآخر بالدية. 26726 - لنا: أن حقهم تعلق باليمين بأسباب متساوية، فلا (يقدم) أحدهما في الاستيفاء: أصله: الشفعة. 26727 - ولأن حق كل واحدًا ثابت في اليد بدلالة [أنه] لو عاد

(فقطعها) لم يجب عليه قصاص، فلم يجز أن يسقط حقه عما تعلق به بالقرعة كالشفعة والغرماء. 26728 - ولأن الثاني ساوى الأول في سبب الحق مع بقاء المحل؛ فوجب أن (يستوي) في الاستحقاق كالشفعة. ومعنى سبب الحق: قطع (يد) حر مثله سليمة من غير حق. 26729 - احتجوا: بأنه قصاص وجب لرجلين في (عين واحدة)، فوجب أن لا يتبعض في حق كل واحد منهما من القصاص والدية، أصله: إذا قتل رجل رجلين. 26730 - قلنا: خروج الروح لا يتبعض، فإذا قتلاه: فكل واحدًا استوفى جميع النفس، فلم يجز أن يقضى له [بجزء من] الدية، فأما الطرف فإنه يتبعض في الاستيفاء، فإذا قطع لهما فكل واحدًا استوفى بعضه، فجاز أن يقضي له من الدية بقدر ما بقي من جهته. 26731 - قالوا: حق (الأول) متعلق باليد، فمنع من (تعلق) حق الثاني، قياسا على الرهن بعد الرهن، والبيع بعد البيع. 26732 - قلنا: الثاني يتعلق بالإنفاق، بدليل أنه لو عدا على الطرف فقطعه وقع عن حقه، وبدليل أن الأول لو عفا ثبت للثاني القطع، ولو لم يكن القصاص وجب له بنفس الجناية لم يجز أن تثبت في الثاني. ألا ترى أن من كسر سن رجل ولا سن له، ثم نبت له سن، لم يجب (له) قلعها. 26733 - ويبطل ما قالوه (بالعبد) إذا جنى ثم جنى، فالجناية الثانية متعلقة وإن كانت الرقبة مشغولة بالأولى، وليس هذا كالبيع والرهن، لأن العقد الثاني لم يصح، فلم يساوى علة الأول. وأما الجناية فهي فعل (يضمنها) تكون مشاهدة,

فلذلك ساوت الثانية الأولى. 26734 - قالوا: الجناية الواحدة لا توجب القصاص والمال. 26735 - قلنا: لم توجب الجناية إلا القصاص. ثم المال ثبت في الثاني لما (ذكرنا أنه) قضي بعض ما عليه مما تعلق به (حق) غيره.

مسألة 1315 حكم ما إذا مات القاتل بعد وجوب القصاص عليه

مسألة 1315 حكم ما إذا مات القاتل بعد وجوب القصاص عليه 26736 - قال أصحابنا رحمهم الله: إذا وجب القصاص فمات القاتل؛ سقط القصاص بغير عوض. 26737 - وقال الشافعي رحمه الله: يجب في ماله الدية. 26738 - لنا: أن كل حق يستوفى من الرقبة يبطل بهلاكها، أصله المنافع من

الإجارة والوصية بالخدمة والنكاح، ولا يجوز إيجاب الدية 26739 - لأن الضمان يجب بهلاك ما هو مضمون على الإنسان كالغضب، ونفسه غير مضمونة عليه، (فلم) يجز أن يلزمه بهلاكها ضمان. 26740 - ولأن القصاص وجب عليه فلا يستوفى المال بعد موته كالعبد إذا مات. 26741 - فإن قيل: الحق لم يسقط بموت العبد، وإنما تعذر استيفاء الدية لأنه (لا) مال له، فهو كالحر (الفقير). 26742 - قلنا: لم نعلل السقوط، وإنما عللنا الاستيفاء، ولا خلاف أنه لا يستوفي. 26743 - ولأن الفقير يجوز أن يقال لم يسقط الحق، يجوز أن يظهر له مال، والعبد لا يرجى له مال، فلا بد من سقوط الحق. 26744 - ولأن جناية الحر (عمدًا) كجناية العبد خطأ، بدلالة أن كل واحدًا منهما يستوفي من الرقبة، فإذا كانت جناية العبد تسقط (بموته)، كذلك (جناية) الحر. 26745 - ولأنه سبب لوجوب القتل فيسقط بالموت ولا ينتقل إلى التركة أصله المرتد إذا مات. 26749 - ولأن المال لا يخلو إما أن يجب بالقتل أو بالموت، ولا يجوز إيجابه

بالقتل، لأنا دللنا على أن قتل العمد (يوجب) القود دون غيره، ولا يجوز إيجابه بالموت، لأن نفسه ليست مضمونة عليه، (فبتلفها) لا يوجب عليه (ضمان). ولأن الموت ينافى ابتداء الضمان، 26747 - ولا يلزم حفر البئر، لأن الضمان يستند إلى (الحفر) السابق، وفي مسألتنا لا يستند إلى القتل، لأن دم العمد لا يوجب به مال. 26748 - احتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين، إن أحبو قتلوا، وإن أحبوا أخذوا الدية) 26749 - قلنا: قد بينا أن الدية عبارة عما (يودى)، وهذا لا يكون إلا ببذل القاتل، فكأنه قال: فأهله بين خيرتين: إن أحبوا قتلوا، وإن أحبوا قبلوا ما يودى إليهم، (وهذا) لا يدل أن لهم المطالبة شاء ورثة القاتل أو أبوا. 26750 - قالوا: سقط القصاص بغير رضي القاتل، فوجب أن (يؤخذ) المال، أصله إذا عفا أحد الوليين. 26751 - قلنا: هناك سلمت النفس له، فجاز أن يلزمه ضمان عوضها، وها هنا لم تسلم له، فلم يلزمه العوض، ويجوز أن تفترق في الأعواض سلامة البدل وغيره كثمن المبيع. 26752 - فإن قيل: المضمون يجب بدله سلم له الانتفاع به (أو) لم يسلم

بدلالة الغضب 26753 - قلنا: العين المغصوبة (مضمونة) في يد الغاصب، فيضمنها سلمت له أو لم تسلم، ونفس القاتل لا يجوز أن تكون مضمونة عليه، (و) نفسه (تكون) في حكم الأمانات (إن) تلفت لم يضمنها، وإن سلم له الانتفاع فيها ضمنها. 26754 - قالوا: النفس (متلف) له مثل، فإذا تعذر المثل وجبت القيمة كالمتلفات 26755 - قلنا: المتلف له مضمون على المتلف، فإذا تعذر تسليمه وجب العوض عنه، والنفس ليست مضمونة عليه فلا يجب (عليه) بدلها 26756 - ولأن ضمان قيمة المتلف يستند إلى الإتلاف، وذلك السبب يجوز أن تتعلق به القيمة، والضمان (في) مسألتنا لو وجب استند إلى القتل، وهو سبب لا يجوز أن يوجب المال على ما قدمنا.

مسألة 1316 حكم الضمان فيما إذا سرى القصاص في الطرف إلى النفس

مسألة 1316 حكم الضمان فيما إذا سرى القصاص في الطرف إلى النفس 26757 - قال أبو حنيفة رحمه الله: إذا اقتص في الطرف فمات المقتص منه ضمن المقتص الدية. 26758 - وقال أبو يوسف ومحمد رحمها الله: لا ضمان عليه. وبه قال الشافعي رحمه الله.

26759 - لنا: أنه حق يستوفيه لنفسه على طريق البدل، فكان مضمونًا عليه كالديون، فإذا ثبت أنه مضمون وما تولد من قطع فهو مضمون كالجناية المبتدأة. 26760 - ولا يلزم المتبرع، لأنه لا يستوفى العمل لنفسه. 26761 - ولا يلزم المعلم إذا ضرب الصبي، لأنه إن كان بغير إذن لأب ضمن، وإن كان بأمره لم يضمن، لأنه لا يستوفيه لنفسه، وليس هو على طريق البدل. 26762 - ولا يلزم المستأجر إذا ماتت الدابة من ركوبه، لأنه مستوفى لمنفعة نفسه ومنفعة المؤجر حتى يستحق البدل، ولا يلزم المستعير، لأنه لا يستوفى المنفعة على وجه البدل. 26763 - ولأنه حق يستوفيه لنفسه لا يقف على إذن [المستوفى منه]، من ملكه خير بين أخذه وتركه، فما تولد منه مضمون عليه (كضربه) لامرأته، ولا

يلزم العارية، لأن الاستيفاء يقف على إذن [المالك] المعير. 26764 - ولأن الاستيفاء مضمون عندنا وقد أسقطة المالك بإذنه، ولا يلزم الإمام إذا قطع السارق. 26765 - لأنه لا يستوفى، (وإنما) الاستيفاء لله، ولأنه (لا) يخير في الاستيفاء، وإنما يجب عليه. 26766 - ولا يلزم إذا عزر، (لأن) التعزير لا يستوفيه لنفسه، وإنما يستوفيه للمسلمين. 26767 - فإن قيل: الأب إذا ضرب الصبي فليس يستوفى لنفسه، وإنما يضربه لمنفعة الصبي، ومع ذلك عليه الضمان، فلا تأثير للوصف. 26768 - قلنا: الأب يستوفيه لمنفعة الصبي (ومنفعة) نفسه فلا تأثير للوصف، لأن له غرض صحيح في تأديب ولده. 26769 - فإن قيل: ضرب المرأة [بشرط] السلامة، وهذا قطع مقدر مأذون إذن مطلق. 26770 - قلنا: لا نسلم، بل أذن فيه بشرط السلامة، ولهذا لا يقطع في الحر الشديد ولا البرد الشديد. 26771 - ولأنه أحد موجبي الجناية فإذا استوفى أكثر من حقه كان مضمونًا عليه

أصله الأرش. 26772 - ولأنه مستوفى على وجه المماثلة، فإذا بان أنه استوفى أكثر من المثل ضمن، كالقرض استوفى عوضه أكثر منه. 26773 - ولأنه أذن له في استيفاء القصاص، والمماثلة شرط في ذلك، فإذا بان أنه استوفى النفس لم يوجد الشرط الذي تعلق الإذن به، فصار كما لو قتله ولم يقطعه. 26774 - فإن قيل: لا سبيل إلى (استيفاء القصاص) على وجه لا يسرى. 26775 - قلنا: صحيح، ولكن له (ترك) الاستيفاء، فإذا استوفاه ضمن، كما أن الضارب زوجته أمر بضربها بشرط السلامة، ولا سبيل إلى ذلك، إلا أنه لما كان (له) ترك الضرب فمتى فعله ضمن، وكذلك الجالس في الطريق مأذون له في الجلوس بشرط أن لا (يعني) به إنسان، ولا سبيل له إلى ذلك، لكن له سبيل إلى ترك الفعل، (فما) يتولد منه يلومه ضمانه 26776 - ولأن القطع إذا سرى فكان القاطع ضمن النفس، ولا يلزم الإمام إذا قطع السارق، لأنه استوفى القطع لله تعالى، فإذا مات فالله تعالى هو المستوفى للنفس، والنفوس إذا أتلفها الله تعالى لم تكن مضمونة، كذلك إذا

صارت مستوفاة لحقه. 26777 - قالوا: قوله تعالى: {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل}. 26778 - قلنا: المنتصر هو الذي يستوفى مثل ما ظلم به، وهنا قد استوفى لسراية فعله ما لم يظلم به، فلم تتناوله الآية. 26779 - احتجوا: بما روي عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب [- رضي الله عنه -] قال [في الذي يقتص] منه ثم يموت: (قتله الحق، فلا دية له). وعن عبد الله بن

عمر أن عمر وعليا رضي الله عنهما كانا يقولان في الذي يموت من قصاص: (لا دية له). 26780 - قلنا روى إبراهيم عن ابن مسعود [- رضي الله عنه -] أنه قال في الذي يموت من القصاص: (يحط عنه [قدر] جراحته، ثم يكون ضامنا لما بقي). فإن قيل: هذا أيضًا (يخالف) قولكم. 26781 - قلنا: خالفها في الضمان فلم يثبت (به) الاحتجاج، ثم الكلام في كيفية الضمان كلام في مسألة أخرى، وقد

قال عطاء وطاووس وحماد مثل قول أبي حنيفة رحمهم الله. 26782 - قالوا: عقوبة مستحقة مقدرة، فوجب أن تكون سرايتها غير مضمونة، أصله القطع في السرقة. وربما قالوا: ما لا يضمنه القاطع في السرقة لا يضمنه المقتص، أصله قطع اليد من غير (سراية. 26783 - قلنا: القطع في السرقة واجب بقول الله تعالى. فلو ضمن) سرايته

كان في ذلك إسقاط ما وجب على الإمام من [الحد]، وذلك لا يجوز، والقطع في مسألتنا (القصاص)، [والأولى هو العفو]، وذلك مندوب إليه. 26784 - ولأن القطع في السرقة يستوفى لحق الله تعالى، فإذا تلفت به النفس لم يجز أن يكون مضمونًا من حقه، لأن الله تعالى لا يضمن النفوس بالإتلاف. 26785 - ولا يجوز أن يضمنه الإمام، لأنه لو ضمن ما يتصرف فيه (للمسلمين) لم ينفذ حكمه، وأما القصاص فإنما يستوفى بحق الإمام، والنفس (يجوز) أن تكون مضمونة عليه بالإتلاف، فكذلك يضمنها إذا بان أن شرط المماثلة لم يوجد. 26786 - قالوا: قطع غير مجتهد فيه، (وإذا) سرى إلى النفس لم يضمن كقطع يد المرتد. 26787 - قلنا: عندكم قطع يد المرتد محظور، لأن الإمام لا يجوز أن يمثل به، فكيف يصح الوصف، والمعنى في المرتد أن القطع يحصل والنفس مستحقة، فلو قتله لم يضمن، فإذا قطعه قطعًا مأذونا فيه فسرى لم يضمن، وليس كذلك ها هنا، لأن النفس غير مباحة، فإذا قطع فسرى جاز أن يضمن.

مسألة 1317 حكم القصاص من شريك من لا يقتص منه لو انفرد

مسألة 1317 حكم القصاص من شريك من لا يقتص منه لو انفرد 26788 - قال أصحابنا رحمهم الله: إذا اشترك الأب والأجنبي في قتل الابن أو حران في قتل عبد أحدهما، فلا قصاص على واحد منهما. 26789 - وقال الشافعي رحمه الله: يجب القصاص على الأجنبي وعلى المشارك للمولى. (و) قال: إذا شارك (البالغ) صبي (أو) مجنون ففيه قولان: فرع

على عمد الصبي في حكم العمد أو الخطأ، إن شارك العامد في (فعل) غير مضمون مثل أن يجرح نفسه، (ويجرحه أجنبي عمدًا، أو يجرح) سبع، أو يجرح الرجل مرتدًا ثم أسلم فيجرحه (آخر) ففيه قولان.

26790 - لنا: أن خروج الروح إذا حكم له بأدنى الأحوال في حق آدمي لم يحكم له بأعلاها في حق آدمي آخر، أصله: المجوسي والمسلم إذا اشتركا في الذبح. 26791 - ولا يلزم إذا جرحه سبع ثم ذبحه آدمي؛ لأن فعل [السبع] لم يحكم به في حق آدمي، ولا يلزم الحلال والمحرم إذا اشتركا في قتل صيد أنه لا كفارة على الحلال بفعله أدنى الفعلين، [ثم] (يجب على المحرم الكفارة؛ لأنا خالفنا بفعل المحرم أعلى الفعلين) في حق الله تعالى؛ لأنه حق الآدمي. 26792 - ولأنه شارك في القتل (من) لا قود عليه بنفس الفعل، فلم يلزمه القصاص كالمخطئ والعامد.

26793 - قالوا: الوصف لا يصح؛ لأن أبا الحسن الكرخي قال: إن قتل الأب للابن يوجب القصاص ثم يتعذر الاستيفاء فتجب الدية، ولهذا قلتم: إن (الأب) لا يقتل، ولو كان القتل أوجب المال وجب عليه. 26794 - قلنا: قال أصحابنا جميعًا: إن الواجب بقتل الأب الدية، ولهذا تجب مؤجلة، ولو لم تجب بنفس القتل لم تتأجل إلا بالتأجيل، وأما سقوط القود: نروي عن أبي يوسف [رحمه الله]، ولا يعرف مذهب أبي حنيفة رحمه الله. 26795 - وانفرد أبو الحسن صاحبه بأن قال: (إن) قتله يوجب القصاص (ثم) يسقط. 26796 - فإن قلنا بقول الجماعة؛ فالوصف صحيح (و) سقط السؤال. 26797 - وإن قلنا بقول أبي الحسن؛ فالقصاص يجب (غير) مستقر فيصير كأنه لم يجب، (كما) قال أصحابنا في ملك الوكيل لما لم يستقر صار كأن لم يكن. 26798 - فإن قيل: ينتقض برجلين أجاف كل واحد منهما رجلًا جائفة، (فعفا) المجروح عن أحدهما وعما يحدث من جراحته ثم مات، فالقصاص واجب على الآخر، وقد شاركه من لا قود عليه بنفس الفعل.

26799 - (قلنا: الجائفة تقع ووجوب (القصاص) بها مراعى، فإن استقرت ثبت أنها لم توجب القصاص، وإن سرت إلى النفس ثبت أن القصاص وجب بها، فلا يقال: إنه شاركه من لا قود عليه بنفس الفعل). 26800 - ومن أصحابنا من منع هذا النقض وقال: لا يجب القصاص على الآخر، (و) احتج بما روى ابن سماعة عن محمد [رحمه الله] في رجل جرح رجلًا جراحتين، فعفا المجروح عن (إحدى) الجراحتين وما يحدث منها ثم مات، لم يجب على الجارح قصاص، قال: فهذا يدل أنه لا يجب القصاص أيضًا في جراحة الرجلين. 26801 - قالوا: يبطل بالحربي والمسلم إذا جرحا مسلمًا عمدًا. 26802 - قلنا: لا نعرف الرواية في هذا، ويجب أن يسقط القصاص عن المسلم للعلة (التي) ذكرناها. 26803 - فإن قيل: المعنى في (الأصل) أن الشبهة وجدت في [الفعل] وفعل أحدهما غير متميز (من) فعل الآخر فلم يجب القصاص على واحد منهما. 26804 - وفي مسألتنا وجدت الشبهة في الفاعل لا في الفعل وأحد الفاعلين

(متميز) عن الآخر، (فلذلك) لم يسقط القصاص عن أحدهما بسقوطه عن الآخر. 26805 - قلنا: (هذا) فرق لا معنى له، لأن المخطئ [وُجد] معنى فيه وهو عدم القصد، أوجب ذلك المعنى حكما (لفعله)، وكذلك الأبوة معنى في الأب أوجب بفعله صفة، فاستويا في أن المؤثر وجد في الفاعل، ويوجب ذلك الفعل حكما أو صفة، ولأن ما تؤثر فيه الشبهة [يستوي] أن تكون (الشبهة) في الفاعل أو الفعل أو المفعول، ألا ترى أن الأب إذا وطأ جارية ابنه، فالشبهة في الفعل، (ومن) وطأ جارية مشتركة فالشبهة في المفعول، ثم استوي الجميع في سقوط الحد. 26806 - فإن قيل: فعل الخاطئ لو قدرنا وجوده في العامد لم يجب عليه القصاص، لأن الروح تخرج عن عمد وخطأ، وفعل الأب لو قدرناه فصفته من الأجنبي لم تسقط القصاص عنه لأنه عمد محض.

26807 - قلنا: فعل الأب لو قدرنا وجوده من الأجنبي لصفته لم يجب عليه القصاص، وهو أن يجرحه عامدًا جراحتين لا قصاص في إحداهما مثل أن يكون المجروح [قد عفا] من إحدى الجراحتين أو تكون (إحداهما) موضحة استوفاها قصاصًا، فأما أن يقدر فعل الأب من الأجنبي ولم يقارنه معنى يؤثر في القصاص فلا يصح، كما لا يصح أن يقدر فعل الخاطئ من العامد لا على وجه الخطأ. 26808 - فإن قيل: من أصلكم أن الشبهة المقارنة والطارئة سواء، ولهذا قلتم: إن العين المسروقة إذا وهبت من السارق سقط القطع، وإذا ملك المزني بها سقط الحد، [فجاز] أن يكون (العفو عن) أحد (الجارحين) يسقط القصاص عن الآخر كما تسقط الشبهة المقارنة للفعل. 26809 - قلنا: العفو عن أحد القاتلين ليس بشبهة، وإنما هو إسقاط للحق، ومن يسقط حقه لم يوجب ذلك شبهة في الفعل، وإذا لم يكن شبهة لم يؤثر، فأما إذا وقع الفعل من أحد الفاعلين غير موجب للقصاص فهو شبهة في حق الآخر. 26810 - لأن القصاص لم يجب في بعض النفس، فلم يجب في نفسها، بيان الفرق بين الموضعين: أن رجلين لو قتل كل واحد منهما رجلًا انفرد بقتله وولي المقتولين واحد، فعفا عن أحد القاتلين لم يسقط القصاص عن الآخر، ولو عفا عن نصف دم المقتولين سقط عن القاتلين، ولأن الولي يجوز [له] أخذ المال وله استيفاء القصاص، كما لو قتل أحدهما عمدًا والآخر شبه عمد.

26811 - وإن القصاص لم يجب في بعض المتلف (فلم يجب) في نفسه، كما لو جرح نفسه وجرحه أجنبي، (أو) جرحه سبع وآدمي، أو نقول: شاركه في القتل من أجري فعله مجرى الخطأ في سقوط القصاص من جميع الأحوال، فلم يجب عليه القصاص كما ذكرنا، والدليل على هذا الأصل: أن فعل [السبع] وجرح الإنسان لنفسه دون (الخطأ)، بدليل أن الخطأ مضمون وفعل السبع ليس بمضمون، فإذا ترك مشاركة المخطئ (من) القصاص، فمشاركة السبع بالنفس أولى. 26812 - احتجوا: بقوله تعالى: {كتب عليكم القصاص في القتلى} وقوله تعالى: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} وقوله تعالى: {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل}. وقوله (- صلى الله عليه وسلم -): (من قتل (له قتيل) فأهله بين خيرتين). 26813 - قلنا: أجمعنا أن المراد في جميع هذه المواضع كلها عمد محض لا شبهة

فيه، فصار ذلك كالمشروط، ولو ذكر ذلك لم نسلم أن هذا عمد محض [فيسقط الاستدلال]، على أن قوله تعالى: {وكتبنا عليهم (فيها) أن النفس بالنفس} يقتضي أن يجب من قتل النفس القتل، قال: يجب القتل والمال، فلم يقل بالظاهر (في) قوله [تعالى]: {كتب عليكم القصاص في القتلى} فالقصاص هو المماثلة فلا يجب بقتل الواحد [إلا] (قتل نفس) واحدة،، فمن أوجب القصاص والمال فقد خالف الظاهر، قوله [تعالى]: {فقد جعلنا (لوليه) سلطانا} يقتضي سلطانًا واحدًا، فمن أثبت السلطان (بالقود) والمال فقد ترك الظاهر، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (فأهله بين خيرتين) يقتضي (التخير) بين القصاص والمال، وعندهم يجمع بين الأمرين في مسألتنا. 26814 - قالوا: خروج الروح عن عمد محض مضمون فوجب على (المكافئ) في القصاص قياسًا على (الأجنبيين) إذا عفا الولي عن أحدهما. 26815 - قلنا: لا نسلم أنه عمد محض، لأن مشاركة من لا (قود) عليه بفعله (شبهة)، فيمنع (ذاك) تمحض العمد. 26816 - ولأن قولهم: مضمون (إن) أرادوا به مضمونًا بالقود لم نسلم،

وإن أرادوا مضمونًا بالدية، لم يصح على أصلهم، وإن أبهموا الضمان لم يصح مع اختلاف أحكامه، ولأن قولهم: عمد محض مضمون لا تأثير له. 26817 - لأن عند الشافعي [رحمه الله] إذا اشترك الحريي والمسلم في قتل المسلم وجب القصاص على المسلم، (وإن) كان فعل الحريي (مضمونًا)، وإذا سقط هذا الوصف انتقضت العلة بمن جرح نفسه (وجرحه) أجنبي، وبمن جرحه آدمي وسبع على الصحيح من المذهب، والمعنى في الأصل أن القصاص تعلق بفعل كل واحد منهما، فسقوطه عن أحدهما بعد ذلك لا يوجب سقوطه عن الآخر. 26818 - وفي مسألتنا شاركه في الفعل من لا قود عليه بنفس الفعل، فأسقط ذلك القصاص عنه. 26819 - (وهذا) ألزم للشافعي رحمه الله، ولأن عنده الشبهة المقارنة مؤثرة والطارئة لا تؤثر، ولهذا (القول) إن هبة العين المسروقة لا تسقط القطع، ثم اعتبر في مسألتنا المعنى المقارن بالطارئ، وهذا لا يصح، فإن قاسوا بهذه العلة على القاتل الواحد.

26820 - قلنا: المعنى فيه أن القصاص وجب (عن) جميع النفس، وليس كذلك في مسألتنا، لأن المال وجب في بعض النفس، فلم يجب القصاص في بقيتها. 26821 - قالوا: القصاص وضع لصيانة الدماء، فلو (أسقطت المشاركة) القصاص (لقصد) كل إنسان إلى من يشاركه صبي أو مجنون فيسقط القصاص عنه. 26822 - قلنا: إذا ضرب الرجل بآلة لا يقتص فيها، ثم ضربه بالسيف فمات لا قصاص عليه، وإن جاز أن يتوصل بذلك إلى إسقاط القصاص، لأنه على فعل نفسه، ونعني صفاته أقدر منه على فعل غيره. 26823 - وقد حكى المزني [رحمه الله] عن الشافعي [رحمه الله] مناظرة جرت بينه وبين محمد بن الحسن [رحمه الله] في هذه المسألة، قال الشافعي [رحمه الله]: سألت محمدا عن الصبي والبالغ إذا اشتركا في القتل هل يقتل البالغ، قال: لا، لأن الصبي لا مأثم عليه، (فقال له): هذا ينتقض بالأب والأجنبي. إذا اشتركا، وهذا كلام لا

يصح، لأنه لا يشتبه على أحد أن هذا ليس بنقض، وإنما هو (عكس)، (فاعتذر) أصحابه من هذا وقالوا: التعليل إذا وقع للجنس انتقض بالعكس. 26824 - قلنا: فالشافعي [رحمه الله] سأله عن علة، الظاهر أنه علل لها، فأما الجنس فلم يقع السؤال عنه. 26825 - قالوا: يجوز أن يكون الشافعي [رحمه الله] سأله عن الفرق بين البالغين إذا اشتركا، فعفا عن أحدهما، والصبي والبالغ إذا اشتركا، فقال محمد [رحمه الله]: البالغان كل واحد منهما مأثوم والصبي لا (مأثم) عليه. 26826 - قلنا: [نقضه] على هذا بالأب والأجنبي. 26827 - قلنا: (إن) كان هكذا، فقد احتج محمد رحمه الله بعلتين، فحكى الشافعي رحمه الله إحداهما وسكت عن الأخرى، ثم ذكر النقض على العلة (المسكوت)

عنها التي لم يحكها، وهذا غلط في الحكاية وإيراد النقض على علة لم تذكر.

مسألة 1318 حكم ما إذا كان الدم بين شريكين فعفا أحدهما عن القاتل ثم قتله الآخر مع العلم بعفو شريكه

مسألة 1318 حكم ما إذا كان الدم بين شريكين فعفا أحدهما عن القاتل ثم قتله الآخر مع العلم بعفو شريكه 26828 - قال أصحابنا رحمهم الله: إذا كان الدم بين شريكين فعفا أحدهما، ثم قتله الآخر مع العلم بعفو شريكه؛ فعليه القصاص. 26829 - وقال الشافعي رحمه الله: إن قتل أحد الشريكين قبل عفو الآخر فهل عليه قود، فيه قولان. وإن قتله بعد عفوه، فإن كان (قبل) حكم الحاكم بسقوط القود، ففيها قولان. 26830 - لنا: أن أحدهما لما عفا فقد سقط حق الآخر من القصاص، فإذا قتله

الآخر مع العلم بالعفو كان كما لو قتله بعد الحكم. 26831 - ولأن عفو الشريكين لما أسقط القصاص وأوجب القود على القاتل إذا حكم الحاكم، وكذلك إذا لم يحكم، كأن عفا بنفسه ثم قتل. 26832 - ولأن أحدهما إذا عفا انتقل نصيب الآخر [مالًا فصار] كمن له دين على آخر (قتله)، وإن شئت قلت: (إن) الجناية بعد العفو موجبها المال، فصارت كجناية الخطأ، ومعلوم أن ولي الخطأ لو قتل وجب عليه القصاص، كذلك هذا. 26833 - احتجوا: بأن سقوط القصاص بعفو أحد الشريكين مختلف فيه؛ لأن عثمان البتي يقول: لا يسقط القصاص. فإذا لم يحكم حاكم بسقوط القصاص فقد قتل مع الشبهة.

26834 - قلنا: خلاف البتي غير محتج به، والإجماع بخلاف. ثم يبطل هذا إن أمسك رجلًا على قتل آخر، ثم إن الولي قتل الممسك، فإن القصاص يجب عليه. 26835 - وكان مالك رحمه الله يقول: إن القصاص يجب على الممسك. ولا يعتبر في ذلك الحكم.

مسألة 1319 حكم ما إذا قطع يد رجل من الزند ثم جاء آخر فقطع الذراع من المرفق قبل اندمال الجرح الأول ثم مات المقطوع

مسألة 1319 حكم ما إذا قطع يد رجل من الزند ثم جاء آخر فقطع الذراع من المرفق قبل اندمال الجرح الأول ثم مات المقطوع 26836 - قال أصحابنا رحمهم الله: إذا قطع يد رجل من الزند، ثم جاء آخر فقطع الذراع من المرفق، ثم مات المقطوع؛ فعلى الأول القصاص في اليد، وعلى الثاني القصاص في النفس. 26837 - وقال الشافعي رحمه الله: يقتلان جميعًا.

26838 - لنا: أن الموت حصل وليس للجرح الأول أثر في النفس، فلم يجب القصاص في النفس على الأول: أصله: إذا اندمل الجرح الأول. 26839 - ولأنه إذا اندمل جاز أن يتبعض فيموت لسرايتها وباتصال الألم منها، وإذا زال موضع الجراحة لم يعد أبدًا، فإذا لم يجب القصاص إذا قطع اليد بعد البرء فهذه أولى. ولا يلزم إذا ضربه رجل بعصا وآخر بسيف فمات منهما أن القصاص عليهما، وإن كان الضارب بالعصا لا أثر لفعله، لأنا لا نسلم هذا، بل نقول: إن الضرب بالعصا لا يوجب القصاص وإن كان له أثر. 26840 - فإن قيل المعنى في الاندمال أن الألم زال، فحص [التلف] من ألم الجرح الثاني، وفي مسألتنا لم يزل الألم. 26841 - قلنا: قد يندمل الجرح والألم في النفس بحاله، بدلالة أنا نشاهد المجروح بعد اندمال الجرح متغير اللون والجسم، ولو كان الألم قد زال عاد إلى حالته الأولى من غير (تغيير).

26842 - ولأن القطع إذا حصل وصل الألم إلى النفس، وذلك الألم غير موجب للتلف، بدلالة أنه لو أوجب التلف مات في الحال، وإنما السراية تكون باتصال الألم إلى أن تتكامل في النفس فيتلف، واتصال الألم لا يجوز أن يكون مع زوال محله، كما لا يكون النماء في (الأغصان) مع جفاف أصلها، فلم يبق إلا أن يكون التلف مع القطع الثاني، فوجب القصاص به خاصة. 26843 - فإن قيل: محل القطع وإن زال فالألم في النفس بحاله، ثم ينضم إليه ألم القطع الثاني فمات منهما. 26844 - قلنا: وجود الألم الذي لا جرح معه لا يتعلق به قصاص، كما لو آلمه بالكلام. 26845 - فإن قيل: يبطل بمن جرح رجلًا جراحة ثم جاء آخر فقور اللحم من مكان الجراحة حتى زال محل الجرح الأول. 26846 - قلنا: هذا مثل مسألتنا يجب القصاص على الثاني، والأول لا قصاص عليه. 26847 - احتجوا: بأنه جرح لا يمنع جرحًا بعده، فلا يقطع حكم جراحة قبلة. أصله: إذا قطع اليد الأخرى. ولأنهما قطعان لو كانا من طرفين كانا قاتلين، فإذا كانا في طرف واحد كانا (قاتلين) كما لو قطع إصبعين. 26848 - قلنا: إذا قطع كل واحد طرفًا، فالتلف حصل ومحل؛ الجناية الأولى بحاله لم ينقطع اتصال الألم منه، فحدث الموت منهما، فكان القصاص عليهما. 26849 - وفي مسألتنا زال المحل الأول، فلم يجز يتصل الألم منه، فلم يبق إلا أن يكون التلف من الجرح الثاني، فوجب عليه القصاص. 26850 - فإن قيل: القطع الأول قد حصل الألم منه في القلب والدماغ، ولم يزل ذلك بالقطع الثاني. 26851 - قلنا: ذلك الألم غير موجب للتلف، وإنما كان موجب التلف بالاتصال، ويستحيل أن يتصل الألم من غير محل.

26852 - قالوا: لا يمتنع أن يزول محل الجناية ولا يزول ألمها، كما أن التنور إذا سجر ثم أخرج الجمر منه بقيت الحرارة وإن زال ما كان يتولد منها. 26853 - قلنا: النار أجزاء لطيفة لا يقدر الإنسان على إخراج جميعها، فإذا خرج الجمر فقد بقي هناك أجزاء لطيفة من النار تلك الحرارة تتولد (منها)، ولأن النار تولد حرارة في الهواء، فإذا أخرج النار بقي الهواء وفيه حرارة، ثم هذا أكثر أحواله أن يثبت لمخالفنا أن الألم باق مع زوال الجراحة، ونحن نسلم ذلك، إلا أنه غير موجب التلف، إنما كان يتوالى حتى يتلف، وقد انقطع التوالي فلم يتعلق بذلك حكم.

مسألة 1320 حكم استيفاء القصاص بغير السيف

مسألة 1320 حكم استيفاء القصاص بغير السيف 26854 - قال أصحابنا رحمهم الله: لا قصاص إلا بالسيف، سواء قتل به أو بغيره. 26855 - وقال الشافعي رحمه الله: يقتل بالآلة التي قتل بها. 26856 - ويتعين الخلاف فيمن حرق رجلًا بالنار؛ فإنه يقتل بالسيف (عندنا)، وعنده يحرق. 26857 - وعلى إحدى الروايتين: إذا قتل بحديد مثقل يقتل عندنا بالسيف، وعنده بالحديد المثقل. وإذا قطع منه عضوًا يجب فيه القصاص

[فمات] يقتل بالسيف ولا يقطع، وعنده يقطع، فإن مات وإلا قتل. وإن فعل ما لا يجب فيه القصاص [بانفراده] مثل أن يقطع يده من بعض الساعد أو جافه أو شجه هاشمة، فعندنا يقتل. 26858 - وهذا أحد قولي الشافعي [رحمه الله]، وقال في قول آخر: يصنع به كما صنع، فإن مات وإلا قتل بالسيف. 26859 - وإن أوجر (رجلًا خمرًا) حتى مات، أو وطأ (صبية) صغيرة (فقتلها) أو تلوط بصبي فقتله، قال أصحاب الشافعي [رحمه الله] يقتل بالسيف. وقال المروزي: يتخذ له آلة على هيئة الذكر فيقتل بها كما قتل ويوجر الماء حتى يموت.

26860 - لنا: حديث النعمان بن بشير [- رضي الله عنه -] أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا قود إلا بالسيف). 26861 - وروى شداد بن أوس [- رضي الله عنه -] قال: (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا (القتلة)، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته).

26862 - فإن قيل: هذا في الذبح. 26863 - قلنا: بدأ بالقتل، والذبح لا يسمى قتلًا، (وإحسان) القتل [اختيار] أسهله. 26864 - وروي عن ابن عباس [- رضي الله عنه -] أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تعذبوا بعذاب الله أحدًا) و (لا يعذب بالنار إلا رب النار). 26865 - ولأنه تعذيب روح على وجه يجوز تركه اعتبر فيه (إحداد) الآلات

مع القدرة كالذكاة، ولا يلزم الرجم وقتل المرتد، لأن ذلك قتل واجب لا يجوز تركه، ولا يلزم قتل الحشرات، لأنه قد يجوز تركه، وقد يجب إذا لم يؤمن ضررها، ولا يلزم الصيد، لأنه غير مقدور عليه، فلم تتعين فيه الآلة. 26866 - فإن قيل: البهيمة تذبح لتؤكل، فاعتبر فيها الأسهل. 26867 - قلنا: الأسهل ضرب العنق، وذلك غير ممكن فيها، لأنه لا (يؤمن) أن يموت قبل قطع العروق. 26868 - فإن قيل: لما تعين الرأس في [الذكاة] ولم يجز الإبانة في النار دل على اختلافهما. 26869 - قلنا: قد تساويا في اعتبار أوجز الآلات وإن اختلفا، في القصاص [اعتبر] أسهل الفعلين [وهو] ضرب العنق، فلم يمكن ذلك في الذكاة، فعدلنا إلى الذبح وهو أشق. 26870 - ولأنه قصاص؛ فلا يستوفي بغير السيف، أصله: إذا قتل بالسيف. 26871 - (فإن عكسوا فقالوا: فاختص بالآلة التي قتل بها، انتقض بمن أوجر غيره الخمر حتى مات.

26872 - ولأنه قتل حالة القدرة فلم يجب بالنار، أصله إذا قتل بالسيف) وقتل الزاني والمرتد. 26873 - ولأنه لا يخلو إما أن يعتبر أوجز الآلات أو يعتبر الآلة التي قتل بها، (ولا يجوز اعتبار الآلة التي قتل بها) لاتفاقهم أنه لا يقتل بالوطء وسقي الخمر، فلم يبق [إلا اعتبار] الموجز. 26874 - فإن قالوا: يقتل (بآلة) مثلها ويوجر [الماء] في عدول عن المماثلة. وهو خلاف الإجماع. 26875 - فإن قيل: هذا الفعل محرم (لحق الله تعالى (فلذلك) لا يقتل به، والقتل (بالمثلة) (ممنوع) منه (لحق) الآدمي، فإن قتل به فقد أسقط حق نفسه.

26876 - قلنا: المنع من القتل بالنار) لحق الله تعالى ولحق الآدمي، فإذا أسقط حق نفسه بقي حق الله تعالى فمنع منه. 26877 - احتجوا: بقوله تعالى: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين}. 26878 - قلنا: هذا يقتضي الجناية من الأطراف، لأنه أمر (من) [وقع] الاعتداء عليه (بالفعل)، [هذا] إنما يكون مع بقاء النفس، والمراد بقوله: (بمثل ما اعتدى عليكم) أي وجب باعتدائه، وقد اختلفنا في الواجب بهذا الفعل، ولأن مخالفنا يوجب أكثر من الممثل، (لأنه) يقول: من غرق رجلًا غرقناه، فإن مات وإلا قتلناه بالسيف. وهذا أكثر مما فعل. 26879 - احتجوا: بقوله (تعالى): {كتب عليكم القصاص في القتلى}،

والقصاص المماثلة. 26880 - [قلنا: المماثلة] تعتبر في المتلف، فأما في الآلة فلا، ولأن مخالفنا يوجب أكثر من (المثل)، لأنه يقول: إذا ضربه بخشبة (فمات) ضربته بها، فإن مات وإلا قتلته. وهذا زيادة على المماثلة. 26881 - قالوا: روي البراء بن عازب [- رضي الله عنه -] عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من غرق غرقناه، ومن حرق حرقناه). 26882 - قلنا: هذا لم يثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما روي في خطبة زياد

حين قال: (أعلم ذنوبا لا نعرفها، (وسنتخذن) لها عقوبة لمن يعرفونها، من (غرق غرقناه)، ومن حرق حرقناه). 26883 - ولأن هذا الخبر يقبل إباحة التحريق، وقوله [- صلى الله عليه وسلم -]: (لا تعذبوا بعذاب الله) يقبل الحظر، فالذي يقبل الحظر أولى. 26884 - ويحتمل أن يكون المراد بمن غرق فعلنا به جزاء الغريق، كقوله تعالى: {وجزؤا سيئة سيئة مثلها} وقال: {ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها}. 26885 - قالوا: روي أن يهوديا رضخ رأس جارية من الأنصار بين حجرين، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يرضخ رأسه بين حجرين. 26886 - قلنا: لم يقتله قصاصًا، وإنما قتله لأنه سعى في الأرض بالفساد، بدلالة أنه روي (أنها) سئلت وقيل: أفلان قتلك، فأشارت برأسها لا، فقيل: أفلان قتلك، فأشارت نعم. وهذا يدل أنه عدد عليها من عادته أن يفسد ثم قتل، ولم ينقل مطالبة ورثتها، فهذا يدل على أنه قتل على وجه الحد، والقتل بالحد يجوز أن يقع

بالحجر كالرجم. 26887 - قالوا: [آلة تجوز] مقابلة الغرق بها، فجاز استيفاء القصاص كالسيف. 26888 - قلنا: [قتل] (الغرق) لا يتخصص بآلة، لأن المقصود (أنه) آلة الترك، فعلى وجه يكون ذلك فعل، ولأن قتل الحريي يقع وهو غير مقدور عليه، والقصاص يحصل في مقدور على قتله، وفرق بين الأمرين، بدلالة أن الذكاة تعين فيها من الشرائط ما لا يتعين في زمن الصيد. 26889 - لأن الذبح يقع في المقدور، والرمي يقع في غير مقدور، والمعنى في السيف أن القتل لو حصل بغيره جاز أن يستوفي القصاص [به]، وليس كذلك النار، لأن القتل لو حصل بغيرها لم يجز [أن يستوفي القصاص بها. 26890 - قالوا: آلة يجوز] استيفاء الحد بها، فجاز أن يستوفي بها

القصاص كالسيف. 26891 - قلنا: الحد أخص بالآلات من القصاص، بدلالة أن الآلة التي شرع الحد بها لا يجوز (أن) يستوفي بغيرها، والآلة التي قتل بها يجوز القتل بغيرها باتفاق، والمعنى في السيف ما (قدمناه). 26892 - قالوا: المقصود بالقصاص المماثلة، فيجب أن يفعل بالفاعل مثل فعله. 26893 - قلنا: المماثلة معتبرة في التلف، فأما في الآلة التي أتلف بها فلا تعتبر، ولأن ما يقول مخالفنا يؤدي إلى (فوق) المماثلة، لأنه يقول فيمن ضرب بحجر فمات: فضرب بمثله، فإن مات وإلا قتل بالسيف. 26894 - قالوا: لا يخلو أن تعتبر المماثلة في الآلة أو يعتبر الأسهل والأزجر، ولو اعتبر الأسهل لذبح، فلما لم يذبح علم أن المقصود المماثلة. 26895 - قلنا: المعتبر عندنا الأيسر، وضرب العنق أسهل إلا أنه لم يستعمل في الذكاة حتى لا تخرج الروح قبل قطع العروق، وهذا لا يمنع القصاص، فلذلك اقتص به.

مسألة 1321 حكم القصاص من اليد الناقصة بالكاملة

مسألة 1321 حكم القصاص من اليد الناقصة بالكاملة 26896 - قال أصحابنا رحمهم الله: إذا قطع يد رجل وكف القاطع (أربع) أصابع؛ فالمجني عليه بالخيار: إن شاء قطع يده ولا شيء له، وإن شاء أخذ نصف الدية. 26897 - وقال الشافعي رحمه الله: له أن يقطع اليد ويأخذ أرش (كل) أصبع عشرة من الإبل. 26898 - لنا: أنه قطع المفصل من الموضع الذي وجب قطعه، إلا أن الجملة ناقصة، فلم يكن له مع القطع أرش، أصله: إذا كانت يد القاطع

شلاء فاختار قطعها. 26899 - ولأن حقه في قطع الزند دون الأصابع لم يكن له ذلك، فإذا قطع الزند؛ فقد أخذ حقه مع نقصان صفته، فصار كمن قطع اليد الشلاء، وكمن أخذ عشر ديته فعفا وهو يعلم. 26900 - فإن قيل: الشلاء كاملة الأصابع ناقصة الصفة، (فتصير) (كقفيز) رديء بدل قفيز جيد، وفي مسألتنا [ناقصة] في القدر فتصير (كمن) له قفيز فأخذ بعضه. 26901 - قلنا: الأصابع لا حق له فيها، وإنما هي صفة لليد التي هي (حقه)، فهي كالشلاء التي هي صفة. 26902 - ولأنها جملة تعلق القصاص بها، فإذا نقصت عن المستحق لم يكن له أخذها مع الأرش، كمن قطع يد رجل ثم قتله وليس للقاطع يد، ليس له أن يقتله ويأخذ (الأرش)، ولو كانت موجودة ثبت له قطعها. 26903 - فإن قيل: اليد ليست مقصودة في الأرش مع جملة اليد. 26904 - احتجوا: بأن الأصابع مقصودة بالقصاص، وكل طرف مقصود (بالقصاص) إذا وجب القصاص فيه عند وجوده؛ وجب الأرش عند عدمه، أصله: قطع أصبعين وله أصبع واحد.

26905 - قلنا: لا نسلم في مسألتنا أن الأصابع مقصودة بالقصاص بدلالة أنه ليس (له) أن (يفردها) بالإتلاف، كما أن من ثبت له القصاص في النفس ليس له أن يفرد اليد بالقطع، والمعنى في قاطع الإصبعين: أن القصاص ثبت له في كل أصبع على حالها، فإذا عدمت أحدهما وجب أرشهما. 26906 - وفي مسألتنا لم يثبت له حق في الأصابع نفسها، وإنما ثبت له إتلاف الجملة، وتتلف الأصابع بتلفها، كأن في يد القاطع ست أصابع تقطع؛ لأن حقه في الزند، قلنا: كذلك نقول، لأن الإصبع الزائدة تغير في الكف كالشلل.

مسألة 1322 حكم ما إذا قطع أصبعا وتلفت أخرى إلى جنبها

مسألة 1322 حكم ما إذا قطع أصبعًا وتلفت أخرى إلى جنبها 26907 - قال أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله: إذا قطع أصبعًا و (تلفت) أخرى إلى جنبها من القطع؛ فلا قصاص في الأولى. 26908 - وقال محمد رحمه الله: يجب القصاص في الأولى. 26909 - وبه قال الشافعي رحمه الله.

26910 - لنا: أن الجناية وسرايتها في النفس (كجناية واحدة)، بدلالة أن سراية جناية العمد في حكمها، وسراية الخطأ في حكمه، وقد وجب المال لسراية هذه الجناية، فكان موجبها المال كالخطأ. 26911 - ولا يلزم إذا رمى رجلًا (فنفذ) السهم إلى آخر؛ لأن ذلك ليس بسراية، ألا ترى أن السراية تكون في نفس واحدة ولا تكون من نفس إلى أخرى، فلهذا لو أذن في الأولى لم يسقط ضمان الثانية. 26912 - ولا يلزم إذا قطع يد امرأة حامل فألقت جنينًا، لأن هذا ليس بسراية. 26913 - ولأنا قلنا: الجناية وسرايتها في النفس بجناية واحدة، وهذا حصل في نفسين. 26914 - ولأنه قطع وجب لمقتضاه المال، فلا يجب به القصاص مع المال في نفس (واحدة) كالخاطئ والعامد إذا اشتركا، وكما لو قطع الأنملة فشل المفصل الثاني من الأصبع، وهذا لا شبهة فيه، لأنه فعل واحد فلا يجب به أرش وقصاص، فلأن

القصاص إذا سقط في الفعلين المميزين لتعلق المال بأحدهما، فالفعل الواحد أولى. 26915 - ولأنه قطع لا يقتص في سرايته، فلا يقتص فيه كالمسلم إذا قطع أصبع الذمي فشلت أخرى إلى جنبها. 26916 - احتجوا: بقوله تعالى: {والجروح قصاص}. 26917 - قلنا: هذا يتناول [جرح أصبع] حكمه القصاص، وقوله (- صلى الله عليه وسلم -): (العمد قود) يتناول العمد المحض، وقد سرت الجناية إلى الشلل، فلم يتمحض العمد فيها. 26918 - قالوا: جناية إذا لم تسر وجب فيها القصاص، فإذا سرت إلى ما لا قصاص فيه لم يسقط القصاص، أصله إذا قطع يد امرأة فألقت جنينًا. 26919 - قلنا: هناك ما في حكم جنايتين (مختلفتين بدلالة أن السراية لا تكون في نفس إلى أخرى، وإنما تكون لنفس واحدة، وسقوط القصاص في إحدى جنايتين) لا يسقط القصاص في الأخرى. 26920 - وفي مسألتنا هو في حكم جناية واحدة، فإذا تعلق بها أدنى الحكمين لم يوجب أعلاهما، يبين ذلك: أن الجناية في النفس يتوهم منها السراية وتحدث بألمها.

26921 - ولا يتوهم بها تلف نفس أخرى، (ولأن) المعتبر في الجناية المال، ولهذا لو شجه موضحة فصارت منقلة لم يجب القصاص، ولو جرح عبد حرا لم يجب القصاص، فإن (سرى) إلى النفس وجب القصاص، وعلى القولين لو أجاف جرحًا لم يجب القصاص، فإن سرت الجراح إلى النفس وجب القصاص.

مسألة 1323 حكم القصاص من الجرح قبل الاندمال

مسألة 1323 حكم القصاص من الجرح قبل الاندمال 26922 - قال أصحابنا رحمهم الله: لا يُقتص في الجراح إلى النفس حتى يندمل. 26923 - وقال الشافعي (رحمة الله): يُقتص في الحال. 26924 - لنا: ما روي أبو الزُبَير عن

جابر (رضي الله عنه) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (يُستأنىَ بالجراحات سنة). وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يُقتص من جرح حتى يَنتهي). 26925 - ورُوي أن رجلًا جرح [حسان بن ثابت] في فخذه

(بقرن)، فطلبت الأنصار القصاص، فقال (النبي) - صلى الله عليه وسلم -: (استأنوا بصاحبكم، فإن مات فاقتلوه وإن برأ فشأنكم). 26926 - ولأنها جناية لم تستقر فلم يجز استيفاء القصاص فيها، أصله: إذا قطع يده من نصف الساعد. 26927 - فإن قيل: لا نسلم الأصل، لأن عندنا يقطع من الزَنْد إن طلب ذلك. 26928 - قلنا: أصل علتنا أنه لا يقتص من (الجُرح)، وهذا مسلم، وإنما قلنا: قال مخالفنا: لا يقتص من بعضها. 26929 - فإن قيل: المعنى فيه أن الجناية لو استقرت لم يجب القصاص، كذلك إذا لم تستقر، وفي مسألتنا لو استقرت اقتُص، (كذلك) إذا لم تستقر. 26930 - [قلنا]: لأنه لا يجوز أن يقال لما استوفى الحق المستقر وجب أن يستوفى ما لم يستقر، ألا ترى أن الثمن في البيع البات يجوز أن يستوفى، ولا يجب استيفاء الثمن في بيع الخيار. 26931 - ولأنها جناية فيما دون النفس فلا يستوفى موجبها قبل استقرارها كالخطأ.

26932 - فإن قيل: فيه قولان. دلَّلنا عليه بأن الجناية فيما دون النفس توجب معنى عند استقرارها، فإذا سرت سقط، بيان ذلك: ألا ترى أنه يَقطع يديه ورجليه وأنفه وذكره و (يَفقأ) عينيه فتجب عليه لو استقرت هذه الجنايات خمس ديات، فإن مات وجب دية واحدة؟. (فلو قلنا) إنه (يستوفى) الديات استوفينا ما لا يتحقق أنه واجب، وهذا لا يصح، وإذا ثبت هذا قسنا عليه بعلة أنه أحد موجبي (العلة). 26933 - ولأن جناية العمد (موجبها) القصاص وذلك لا يمكن، فإذا وجب التوقف في موجب جناية الخطأ فالعمد أولى. 26934 - وهذه المسألة مبنية على أصل وهو أن الجناية فيما دون النفس إذا سرت إلى النفس وجب القصاص في النفس ولم يجب فيما دونها، فلو استوفينا القصاص فيما دون النفس استوفينا ما يجوز أن يكون غير مستحق وهذا لا يجوز. 26935 - احتجوا: بقوله تعالى: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين}. 26936 - قلنا: هذا في الحالة إلى الواجب العين، وهذا لا يكون إلا بعد

استقرارها، فأما قبل الاستقرار، فالحق متردد فلا يتناوله الظاهر. ولأنه قال في آخر الآية: {والجروح قصاص} والقصاص المماثلة، (وذلك) لا يكون إلا بعد البرء فلا يوجد فيه المماثلة. 26937 - احتجوا: بقوله (- صلى الله عليه وسلم -): (العمد قود). 26938 - قلنا: هذا يدل على أن وجوب القود في العمد، وخبرنا أفاد [بيان] الوقت الذي يستوفى فيه فيجمع بين الخبرين. 26939 - قالوا: أحد نوعي القصاص، فجاز أن يجب معجلًا، أصله القصاص في النفس. 26940 - قلنا: نقول بموجبه، لأن القصاص فيما دون النفس يجب معجلا إذا كان مستقر الوجوب، كمن كسر سن غيره، وقد قال أصحابنا بموجبها (فيمن) قطع يد رجل من الزند ثم جاء آخر (فقطعها) من المرفق، وهذا لا يصح، لأن الجناية هناك وجبت مؤجلة ثم سقط التأجيل بالجناية الثانية. 26941 - قالوا: روي عطاء عن جابر [رضي الله عنه] أن رجلًا طعن ركبة رجل [بقرن] (فاستقاد) (فعييت) رجله وبرأت رجل المستفاد منه، فأتى

النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال [- صلى الله عليه وسلم -]: (ليس لك شيء، أنت عجلته) ورُوي: (أبعدك الله أنت عجلته). 26942 - قلنا: هذا الخبر ذكره الدارقطني وقال: وأبو بكر وعثمان ابنا

[أبي] شَيبة مسندا وغلطا فيه، والصحيح أنه مرسل عمرو بن دينار رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. كما رواه أحمد بن حنبل [رحمه الله] وغيره عن ابن عُلَيِّة. 26943 - وقد ذكر فيه الدارقطني من طريق آخر: أنه طلب القصاص فيها، فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يُستفاد من الجرح حتى يبرأ. وروي في هذه القصة أنه طلب القصاص فرده، ثم طلب فرده، ثم طلب الثالثة فأقاده. فيجوز أن يكون استقاد في الثالثة لأن الجرح اندمل. 26944 - وذكر حديث ابن جُريج عن عمرو

ابن شعيب عن أبيه عن جده: أن رجلًا طُعِن بقرن في ركبته، فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أقدني، فقال: حتى تبرأ، ثم جاء إليه فقال: أقدني، فأقاده. ثم جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله عرجت. فقال: (قد نهيتك فعصيتني فأبعدك الله وبطل (عرجك))، ثم نهى (- صلى الله عليه وسلم -) أن يقتص من جرح حتى يبرأ صاحبه. فهذا يدل أن النهي متأخر عن القصة التي ذكروها.

مسألة 1324 حكم ما إذا حلق شعر الرأس واللحية والحاجبين والأشفار فلم تنبت

مسألة 1324 حكم ما إذا حلق شعر الرأس واللحية والحاجبين والأشفار فلم تُنبت 26945 - قال أصحابنا رحمهم الله: إذا حلق شعر الرأس واللَّحْيَة والحاجبين والأشفار، فلم تنبِت ففيه الدية. 26946 - وقال الشافعي رحمه الله: فيه حكومة (عدل).

26947 - لنا: ما روي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قضى في شعر الرأس بالدية. 26948 - قال أبو حنيفة رحمه الله: بلغنا ذلك عن علي. رواه ابن المنذر في كتابه بإسناده. والصحابي إذا لم يعرف (أنه) مخالف وجب تقليدُه عندنا. 26949 - لأنه قضى بذلك وهو إمام، فلم يخالفه على قضيته مخالف. وذكر

الطحاوي عن سعيد بن المسيب: (في الحاجبين الدية، (وفي أحدهما نصف الدية). وكذلك من شريح والحسن والشعبي. 26950 - فإن قيل: روي عن زيد بن ثابت [- رضي الله عنه -]: في الحاجبين)

[ثلثا] الدية. 26951 - [قلنا]: وفي [شعر] الرأس الدية. ولا يعلم مخالفته في الرأس، ولأن هذا القول يدل من اتفاقهم على وجوب الأرش المقدر في الشعر، وإن اختلفوا في التقدير، فمن قال: يجب غير مقدر فقد خالف اتفاقهم. 26952 - ولأنه فَوَّتَ الجمال على الكمال، فصار كقطع الأذن الشاخصة. 26953 - والدليل على أن في اللحية (الدية): ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (مِن تسبيح الملائكة: سبحان من زَيَّن الرجال باللِحى والنساء بالقُرُون).

26954 - فإن قيل: المعنى في الأذن الشاخصة أنه (فَوَّت) بها المنفعة، لأنها تجمع (الأصوات) فتوصلها إلى السمع. 26955 - قلنا: نحن نقيس على (أذن) الأصم التي لا يوجد فيها ذلك. 26956 - ولأن هذه المنفعة (من) توابع منافع السمع، والدية إذا وجبت (بالمنافع) اعتبر المنافع الكاملة دون التابعة. 26957 - فلما وجبت الدية في الأذن الشاخصة، دل على أن وجوبها للزينة لا للمنفعة، فإن المعاني المقصودة في الآدمي المنافع والزينة، وإذا جاز أن تجب الدية الكاملة بفوات أحدهما على الانفراد جاز أن تجب بفوات الأخرى، ولأن اللحية في أصل الخلقة يفرق (بها) بين الذكر والأنثى، فوجب بها كمال الدية كالذكر. 26958 - ولا يلزم الحلَمَتان تفرق بين الذكر والأنثى. 26959 - لأن (الحلمة) لم توضع للفصل، وإنما الفصل يقه بالثَدْي وفيه الدية، (وأما) عِمامة الرجل فليست للفصل لأن الصبية إذا لم تبلغ فهي (كالذكر) في ذلك. 26960 - وكان القاضي أبو الهيثم (رحمه الله) يقول: إذا وُجد (شارباه

زانه) وإذا فقدا شانه يوجب فيه دية الإنسان قياسا على (الأسنان). وذكر المُبَرِّد في الكامل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (وفي (الصَّعَر) الدية). قال: وهو اعوجاج الوجه. 26961 - ونحن نعلم أنه إذا ضربه فاعوج وجهه فلم (ينتف) إلا (الجمال)، فدل أن فوات الجمال يوجب الدية. 26962 - احتجوا: بأن كل معنى يوجد في الذكر والأنثى (ولا) يجب بإتلافه من الأنثى كمال الدية، (كإتلافه) شعر البدن.

26963 - [قلنا]: (لأنه) ليس بكليته جمال كامل، ولا في فواته نقص كامل، لأنه لا يظهر في العادة، وشعر اللحية بخلافه. 26964 - قالوا: ما لا يجب بإتلافه من العبد كمال القيمة لا يجب بإتلافه من الحر كمال الدية، كالعين القائمة واليد الشلاء. 26965 - قلنا: هذه المسألة فيها روايتان، فإذا لم نسلم الأصل، سقط. وإن سلمنا، فلأن قيمة العبد لا يجوز أن يجب إلا فيما (يفقد) به منافعه أو بما فيها، حتى يصير الباقي منه كالمستهلَك، وهذا لا يوجد في لحيته وشعر رأسه، وليس كذلك الحر. لأن ديته تجب فيما لا يصير مستهلكا به، بدلالة أن استهلاكه لا يؤثر في بدله، ألا ترى أن الأعمى المقطوع اليدين والرجلين ديته كدية الصحيح، فلما لم يؤثر نقصه في بدل نفسه، جاز أن تجب ديته فيما لا يستهلكه؟ ولما كان المقصود من العبد المتولى بقيمته، ونقصه يؤثر في القيمة، لم يجز لنا إيجاب القيمة إلا فيما يصير به مستهلَكا دون غيره. 26966 - ولأن الجمال غير مقصود في العبد وهو مقصود في (الأحرار) (فلذلك) جاز أن يختلفا في تقدير أرش ما يقصد به الجمال. 26967 - قالوا: الشعر لا منفعة فيه، وإنما فيه زينة فصار كالعين القائمة واليد.

26968 - قلنا: المقصود من (العين) واليد المنفعة، والجمال فيها تابع، فلم يجب كمال الدية بفوات ما ليس بمقصود فيها، وأما الشعر: فلا يقصد (به) إلا الجمال، وفوات المقصود فيه يجوز أن (يوجب) (المقدر، ولأن العين القائمة الجمال ليس بكامل)، لأن صاحبها يتجمل لها عند من لا يعرفها، ولا جمال) فيها عند العالم بها، والجمال إذا لم يكمل كالمنفعة التي [لم] تكمل. 26969 - قالوا: الجمال الكامل غير مقصود، لأن الخلَق تختلف واللحى تختلف. 26970 - قلنا: هذا أمر يعرفه كل محصل كما يعرف المنفعة الكاملة، وقولهم: اللحى تختلف بالكلام على (العام) الغالب وعلى موضوعها. 26971 - فإن قيل: [يبطل] بحلق نصف اللحية، فإن الشين به أكثر من الشين بحلق جميعها. 26972 - قلنا: هذا غلط، لأن الحلق إذا حصل في نصفها أمكن أن يستره ويتجمل بالجانب الآخر. وألزموا عليه إذا دَمِيَتْ جِلدة الوجه.

26973 - قلنا: لا رواية في ذلك، وظاهر مذهبهم يدل على وجوب الدية. وألزموا الأظفار. وكان شيخنا أبو بكر الخوارزمي يقول: يجب فيها كمال الدية. وكان شيخنا أبو عبد الله الجرجاني يقول: لا تجب فيها الدية. 26974 - لأن الأظفار المقصود منها المنفعة، وفواتها لا يفوت المنافع من الأصابع بكمالها. 26975 - قالوا: لو قطع الأجفان وجب فيها الدية، و (دخلت) الأهداب فيها، (فإذًا) الأهداب تابعة، و [لا] يجب بها على الانفراد دية أصله الكف مع (الأصابع). 26976 - قلنا: يبطل باللسان، فإنه إذا قطعه وجبت الدية ودخل أرش الكلام فيها بذهاب الكلام، على (قول) هذا، الكلام تابع، ولو ضرب رأسه فذهب الكلام وجبت الدية، وكذلك لو قطع العين والأجفان وجبت الدية، ولو أفرد الأجفان وجبت الدية، ولو أتلف النفس وجبت الدية ودخلت الأعضاء فيها، وإن كان لو أفرد الأعضاء وجب فيها الديات.

مسألة 1325 حكم ما إذا قطع ولي القتيل يد القاتل ثم عفا عنه

مسألة 1325 حكم ما إذا قطع ولي القتيل يد القاتل ثم عفا عنه 26977 - قال أبو حنيفة [رحمه الله]: إذا ثبت له (القصاص) في النفس فقطع يده ثم عفا ضمن دية اليد. 26678 - وقالا: لا ضمان عليه. وبه قال الشافعي [رحمه الله]. 26979 - لنا: قوله (- صلى الله عليه وسلم -): (وفي اليدين الدية، وفي أحدهما نصف الدية). 26980 - ولأنه استوفى ما ليس بحق له، بدلالة أن الإمام يمنعه من ذلك ويعزره إذا

(فعل)، وإنما لا يجب به الضمان في الحال. 26981 - لأن حقه في النفس (بحاله، وما دون النفس يتلف تبعًا لها، فإذا عفا سقط حقه من النفس، فوجب ضمان اليد كما لو قطع بعد العفو. فلأن حقه في النفس) غير متبعض إذا عفا انصرف عفوه إلى أصل حقه، فبقيت اليد المتقومة مأخوذة بغير حق فتعلق به الضمان. 26982 - ولأن النفس وما دونها في حكم الجنسين المختلفين، ولهذا يعتبر في الأطراف المماثلة ولا يعتبر في النفوس، ومن ثبت له جنس حق فاستوفى غيره ثم أسقط حقه ضمن ما استوفاه. أصله: الديون. 26983 - ولأنه استوفى يدًا مقومة من نفس (متقومة)، وإنما لم يجب الضمان في الحال، لأنه يجوز أن يقتص فيما هو حقه (و) مستحق النفس تابعة لحقه، فإذا (عفا) زال هذا المعنى، وإنما الضمان إذا لم يتعجل بمعنى فزال ذلك المعنى وجب الضمان، كمن قطع الطرف ابتداء لا يوجب القصاص ولا الضمان قبل البرء، ويجوز أن يسري فإذا استقرت الجنابة وجب الضمان (لزوال) المعنى في الضمان، كذلك في مسألتنا. 26984 - احتجوا: بأنه أتلف جزءًا من (بدنه) في حال إباحة قتله فإذا (ورد) عليه (الخطر) لم يضمن ذلك الجزء كمن قطع (يد) مرتد ثم أسلم. 26985 - قلنا: لا نسلم أنه مباح القتل، بل قتله محظور بدلالة أنه ليس لغير الولي

قتله، ومن قتله وجب (عليه القصاص)، وإنما جُوِّز (للولي) أن يستوفي حقه يقتله بدلا عن نفس المقتول، وكيف نسلم الإباحة، ولأن أخذ الطرف محظور، فاعتبار الحظر فيما تناوله القطع أولى من اعتبار الإباحة وغيره. 26986 - فأما المرتد فقطع طرفه مباح عندنا، وإتلاف نفسه قتله بدلالة أن كل من قتله لم يتقوم دمه عليه (فطريان) الحظر لا يمنع، وفي مسألتنا اليد مقومة والنفس (متقومة) وإنما لم يتعجل الضمان بمعنى، وقد زال ذلك المعنى فوجب الضمان. 26987 - قالوا: كل (قتل) لم يعقبه القتل لم يضمن إذا لم يتعقبه القتل [لم يضمن، كقطع المرتد وكمن قطع عضوًا من (الصيد ثم أحرم). 26988 - قلنا: إذا تعقبه القتل] لم يسقط حقه في النفس، والطرف مستحق على وجه التبع لحقه فإذا وجد شرط الاستحقاق فيه لم يضمنه، لأنه إنما خالف في صفة الاستيفاء، ومن عفا فقد أسقط حقه، فزال الشرط الذي استحق إتلاف الطرف تابعًا له وهو مقوم في نفسه فضمن. والمعنى في المرتد ما قدمناه، (والصيد) مثله. 26989 - [قالوا]: (لأنه) استوفى في الطرف (قصاصًا) في اليد

فقطع أصبعًا منها ثم عفا لم يضمن، وإن كان حقه لم يثبت في الأصبع إلا على طريق التبع، كذلك في مسألتنا. 26990 - قلنا: من أصحابنا من منع هذا وقال: الخلاف في المسألتين (واحد)، يجب ضمان الأصبع كما يجب ضمان اليد (فلا) فرق بينهما. 26991 - ومنهم من فرق بين المسألتين فقال: إن القصاص إذا ثبت في اليد فقد ثبت في جملتها وأجزائها، بدلالة أن رجلًا لو قطع يمين رجلين، ثبت لكل واحد منهما القصاص في يمينه، فلو قطع أحدهما أصبعًا من كفه، وقطع الآخر الكف ببقية الأصابع، وجب لقاطع الأصبع أربع أخماس دية اليد، ووجب (للآخر) خمس دية اليد، فلو كان الحَقُّ الكَفَّ والأصابع تبع لم يجب لقاطع الكف شيء، فلما وجب به خمس الدية دل على (أن) الحق (في الأصابع والكف) تبع، فإذا قطع الأصبع فقد أخذ بعض حقه، فانصرف عفوه إلى ما بقي. 26992 - وفي مسألتنا الحق في النفس والأطراف تبع، فإذا استوفى الطرف فقد استوفى ما ليس بحق. 26993 - ولأنا بَيَّنَّا أن القصاص في النفس وما دونها في حكم الجنسين من الحق، فلما استوفى (غير) جنس حقه ثم عفا فقد أسقط حقه عن جنس (والمستوفى غيره)، فأما في مسألة الإلزام فما دون النفس جنس واحد، فإذا عفا انصرف عفوه إلى ما بقي، لأن المستوفى من جنس حقه.

مسألة 1326 حكم ما إذا قطع ذكر الخصي أو والعنين

مسألة 1326 حكم ما إذا قطع ذكر الخَصيِّ أو والعِنيِّن 26994 - قال أصحابنا رحمهم الله: إذا قطع ذكر الخَصيِّ أو والعِنيِّن وجب عليه حكومة. 26995 - وقال الشافعي رحمه الله: يجب عليه كمال الدية إن كان ينقبض وينبسط.

26996 - لنا: أن المقصود من الذكر اللذة التي تحصل بالوطء، وإيصال الماء (للرحم)، وقد عدمت هذه المنفعة منه في الحالة التي بلغ كماله، فصار كاليد الشلاء والعين القائمة. ولا يلزم ذكر الصبي، لأنه لم يبلغ إلى حد كماله، فلو يؤثر (نقصان) الشهوة كما أن يده لم يبلغ حد قوة (يد) الرجال ولا ينقص ذلك ديتها. 26997 - ولا يلزم ذكر الشيخ (الكبير)، لأنه تجاوز حد الكمال فصار ذكره كيده المرتشعة التي لا يبطش بها بطش الشاب. وعلى هذا الأصل قال الطحاوي: إذا قطع الذكر والأنثيين معا فإن بدأ بالأنثيين وجب دية وحكومة. لأنه لما قطع الأنثيين فاتت منفعة الذكر، وإن قطعهما عرضا معا وجبت ديتان، لأنه قطع كل واحد من (العضوين) ومنفعته كاملة. 26998 - احتجوا: بأن كل ما لو قطعه مع غيره وجب فيه دية إذا قطعه بعد ذلك (الغير) وجب فيه دية كاليدين والرجلين. 26999 - (قلنا): اليدان والرجلان ليس لأحدهما تأثير [للآخر]، لأن منفعة كل واحد منهما مع فقد الأخرى، وليس كذلك الذكر. 27000 - لأن المنفعة المقصودة منه تنعدم بعدم الأنثيين، فوزانه

(أن) يقطع يديه فتبطل منافع رجليه ثم (يقطعهما). 27001 - قالوا: روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (وفي الذكر الدية). 27002 - قلنا: وقال في الخبر: (وفي اليدين [الدية]، و (في) الرجلين الدية)، والمراد بذلك إذا كانت منافعها باقية لم يفت المقصود منها (كذكر) الذكر. 27003 - قالوا: الذكر عضو صحيح وإنما عدمت منفعة (إدخاله) في غيره فلا يمنع ذلك من وجوب الدية الكاملة، أصله إذا قطع الأذن الشاخصة من الأصم. 27004 - قلنا: المقصود من الأذن الزينة والمنفعة تبع، والزينة باقية بكمالها، وفقد المنفعة التابعة لا يمنع كمال الأرش، وأما الذكر فالمقصود منه المنفعة التي هي الإنزال والإحبال وهذا المعنى لا يوجد في ذكر الخصي.

27005 - فإن قيل: منفعة الوطء باقية. 27006 - قنا: الوطء يراد للإنزال والنسل وذلك معدوم، فبقي منفعة الوطء، التي ليست (كاملة) لا توجب كمال الأرض. 27007 - قالوا: فوات الأنثيين (لو أوجب نقصًا في الذكر وجب بقطعهما دية وحكومة. 27008 - قلنا: قد وجب ببعض الذكر أرش ودخل في أرش الأنثيين)، وهذا كما لو قطع الأصابع وحدها ويدخل ما يجب بقطع الكف في قطع الأصابع. 27009 - فإن قيل: منفعة السَبَّابَة بالإبهام، لأنه لا يمكن أن يكتب بالنسبة إذا قطع الإبهام، ثم قطع الإبهام لا يوجب نقصا في السبابة كذلك الآخر. 27010 - قلنا: الإبهام والسبابة كل (واحدة) منهما فيها منفعة تخصها وليس (لإحداهما) تعلق [بالأخرى] إلا المعاونة؟ ألا ترى أنه مع بقائهما لا يكتب بإحداهما (لفعل) المعاونة، فأما الذكر فالجماع يقع به خاصة دون الأنثيين ومنفعته بهما (ففواتهما) يوجب نقصًا فيه.

مسألة 1327 حكم ما إذا اختلف الجاني والمجني عليه في صفة العضو المتلف

مسألة 1327 حكم ما إذا اختلف الجاني والمجني عليه في صفة العضو المتلف 27011 - قال أصحابنا رحمهم الله: إذا اختلف الجاني والمجني عليه في صفة العضو المتلف فالقول قول الجاني. 27012 - وقال الشافعي رحمه الله: إن كان العضو ظاهرًا كاليد والرجل والعين، فالقول قول الجاني، وإن كان باطنًا فالقول قول المجني عليه إنه صحيح. 27013 - لنا: أنه اختلاف في صفة المتلَف فكان القول فيه قول المتلِف أصله العضو الظاهر. 27014 - ولأن ما جعل القول فيه قول المستحق عليه استوى فيه الظاهر والباطن كالأموال.

27015 - احتجوا: بأن الباطن لا يشاهد فيتعذر إقامة البينة (لصحته) فيجعل القول قوله فيه كما يجعل القول قول المرأة في الحيض إذا علق الطلاق بحيضها فقالت: قد حضت. ولو قال لها: إن دخلت الدار فأنت طالق، كان القول قوله لأن الدخول معنى ظاهر. 27016 - قلنا: الحيض معنى لا يعلمه غيرها فلما علق الطلاق به (دل) على أنه رضي بقولها، وصحة العضو معنى يمكن الوقوف عليه من غير المجني عليه فلم يقبل قوله فيه، بيان ذلك، أن من شاهد الدم يخرج من الفرج لا يعلم أنه حيض حتى تخبره، وفي الأعضاء بخلافه. على أنا قبلنا في الحيض في حق نفسها ولم تقبل ذلك في حق غيرها. 27071 - لأنه (إذا) قال لها: (إن) حضتِ فعبدي حر فقالت: حضتُ، لم يعتق العبد. 27018 - في مسألتنا يقبل قول (المجني) عليه على غيره، وهذا لا يقبل مثله في الحيض.

مسألة 1328 حكم ما إذا قلع سن رجل فنبت له سن مكانها

مسألة 1328 حكم ما إذا قلع سن رجل فنبت له سن مكانها 27019 - قال أصحابنا رحمهم الله: إذا قلع سن رجل فنبت له سن مكانها سقط الضمان. 27020 - وقال الشافعي - رضي الله عنه - في أحد قوليه: يجب الضمان.

27021 - لنا: أن ضمان السن يجب بفوات الانتفاع بها أو الزينة، وقد عادت الفائت بكماله فلم يجب (به) على الجاني ضمان، كما لو شجه فالتحمت وعاد الشعر، وكما لو قلع سن صبي لم يُثْغَر (فنبتت) وكما لو ضرب عينه فابيضت ثم زال البياض، أو ضرب رأسه فذهب الكلام ثم عاد، وكمن حلق شعر غيره فنبت. 27022 - ولأن كل معنى يوجب سقوط ضمان الجناية إذا وقعت على الصغير، سقط الضمان إذا كان على الكبير أصله البراءة والإذن قبل الجناية من مولى العبد الصغير. (أو) أصله إذا نبت الشعر وعاد البصر والسمع. 27023 - فإن قيل: سن الصغير معرضة للسقوط وعود ما هو خير منها، وسن الكبير غير معرضة للسقوط ولا يعود مثلها في العادة. 27024 - قلنا: لو أتلف شجرة معرضة للسقوط (فنبتت) من أصلها أخرى خير منها لم يسقط الضمان، فعُلِم أن سقوط الضمان ممن يُثْغَر ليس هو لهذا المعنى، (وإنما هو) لأن ضمان الجناية في (الآدمي) يجب (لفوات) زينة أو

منفعة، فإذا عاد لم يجب شيء. 27025 - فإن قيل: سن الصبي لا نوجب ضمانها في الحال انتظارا لعود بدلها، وكذلك ضمان الشعر وذهاب ضوء البصر، وسن البالغ يجب ضمانها في الحال، فدل أن العود (هناك) منتظر فإذا حصل لم يجب شيء، والعود هنا غير مترقب. 27026 - قلنا: هذا الاختلاف إنما هو لأن الله تعالى أجرى العادة أن يعيد سن الصبي ولا يعيد سن البالغ، وهذا لا يمنع التساوي في سقوط الضمان. 27027 - ألا ترى أنه إذا ضرب عينه فابيضت [استُؤْنِيَ] بها ولم يجب ضمانها في الحال، فإذا استقر البياض وجب الضمان، فإن زال بعد ذلك سقط الضمان وإن كان زواله في حالة لا ينتظر فيها، كما سقط إذا زال البياض في ابتداء الحال، كذلك سن الصبي، والبالغ مثله. 27028 - احتجوا: بما روي في كتاب عمرو بن حزم: (في السن خمس من الإبل) (ولم) يفصل. 27029 - قلنا: المراد بذلك إذا زالت ولم تنبت، بدلالة أن ذلك هو المراد في سن الصبي، وبدلالة أنه ذكر: (في الموضحة خمس من الإبل) والمراد به ما لم يلتحم ويعود الشعر. وقال: (في العينين الدية) والمراد به إذا لم يعد ضوءها. فلأن الخبر يفيد وجوب الأرش (وهذا) موضع اتفاق، والخلاف في سقوطه بعد وجوبه، وذلك موقوف على الدليل.

27030 - قالوا: السن لا ينتظر نباتها في ضمان السن [المقلوع]، فوجب أن لا يسقط أرش المقلوع (بنباتها) أصله سن أخرى. 27031 - قلنا: إذا ضرب عينه فابيضت وانتظرناها واستقر البياض فأوجبنا الضمان ثم زال، فإن تلك الحالة لا ينتظر بها، فاستقر زوال البياض في إيجاب الضمان وإن كان زواله لا يجعل كزوال البياض من (عين) أخرى. والمعنى في ذهاب السن الأخرى (أنه) لم يعد الانتفاع بالفائت، وفي مسألتنا عاد الانتفاع (بالفائت) فسقط الضمان. 27032 - قالوا: سن الكبير لا يعود في الغالب فإن عادت فتلك هبة من الله فلا يسقط الضمان، كمن قطع شجرة لرجل فنبتت أخرى. 27033 - قلنا: يبطل بزوال البياض بعد استقرار الجناية، والمعنى في الشجرة (أن) (الضمان يجب بإتلاف الملك لا بإتلاف) الانتفاع، بدلالة أنه لو قطع شجرة نبتت حتى (ملكها) بها ضمن قيمتها، فإذا نبتت أخرى فإتلاف الملك حاصل. 27034 - وفي مسألتنا يجب الضمان بتفويت الانتفاع والزينة، فإذا (عادا) لم يفت بالجناية شيء فلم يجب الضمان.

مسألة 1329 الأجرة في القصاص

مسألة 1329 الأجرة في القصاص 27035 - قال أصحابنا رحمهم الله: الأجرة في القصاص على المقتص له. 27036 - وقال الشافعي رحمه لله: على المقصوص منه.

27037 - لنا: أن حق المقتص له تعلق بالطرف وتعين فيه القطع (ليتميز) ما تعلق به حقه (ما لم يتعلق به حقه) فكانت الأجرة على من ثبت له (الحق): أصله: إذا ابتاع ثمرة على رؤوس النخل فجِدادها على المشتري. 27038 - ولا يلزم أجرة الوَزَّان والكَيَّال أنه ليس على من يستوفى منه، لأن حق المستوفي لم يتعين، وإنما تعين بالكيل والوزن على من عليه (حق) التعيين فكانت الأجرة عليه. 27039 - فإن قيل: (المعنى) في الأصل أن المشتري ملك الثمرة وتم ملكه فيها، والقطع تصرف في ملك نفسه فلا تجب أجرته على غيره، وليس كذلك ها هنا. 27040 - لأنه لا يملك اليد والقطع ليس بتصرف في ملكه (فلذلك) لم تجب (عليه). 27041 - قلنا: قسنا على الثمرة قبل التخلية وهناك لم يتم ملك المشتري فيها. 27042 - ولأن قطع الثمرة ليس هو تصرف في ملك، وإنما هو تمييز بين ملكه (وملك غيره)، كما أن القطع في مسألتنا تمييز بين ما تعين حقه فيه وما لم يتعين. 27043 - ولأن القصاص يستوفى لمنفعة المقتص له خاصة، وفأجرته عليه كسائر الأعمال، ولا يلزم أجرة الوَزَّان، لأنه لمنفعة من عليه الدين، ولهذا الخيار (في

التعيين إليه). 27044 - ولأنها عقوبة مستحقة عليه، فلا (يلزمه) أجرة المستوفي لها كالحد. 27045 - ولأن الأجرة لو وجبت عليه جاز أن يتولى ذلك (بنفسه) كأجرة (الخَبَّاز). 27046 - فإن قيل: باطل أجرة (الكَيَّال والوَزَّان) فإنها تجب على المستوفي منه، ولا يجوز أن يتولى ذلك بنفسه. 27047 - قلنا: يجوز أن يتولى (الكيل) إذا رضي بذلك صاحب الحق. 27048 - احتجوا: بأنه موفى والمقتص له مستوفي، والأجرة على الموفى دون المستوفي أصله أجرة الكَيَّال والوَزَّان. 27049 - قلنا: الذي يجب عليه الإنفاق المقتص له، والمقصوص منه يجب عليه التخلية دون (الإنفاق) فهو كبائع الشيء المعين. 27050 - ولأن المعنى في الأصل أن حق المستحق لم يتعين، وبالكيل (يفعل) ما عليه من [التعيين] فلا تجب الأجرة على غيره، وفي مسألتنا قد تعين الحق والقطع للتمييز فهو كما ذكرنا.

27051 - قالوا: نقيس على (من) باع قفيزا من صبرة. 27052 - قلنا: هناك لم يتعين حق المستوفي ولهذا لو هلك إلا قفيزا تعين البيع فيه. 27053 - قالوا: نقيس على من قال: بعتك هذه الصبرة على أنها عشرة أقفزة. 27054 - قلنا: الحق لم يتعين لجواز أن يزيد فتكون الزيادة للبائع. 27055 - قالوا: إذا قال: بعتك هذه الصبرة كل قفيز بدرهم. 27056 - قلنا: البيع فاسد عند أبي حنيفة رحمه الله.

مسألة 1330 حكم عمد الصبي

مسألة 1330 حكم عمد الصبي 27057 - قال أصحابنا رحمهم الله: عمد الصبي في حكم الخطأ تجب به الدية على عاقلته. 27058 - وقال الشافعي رحمه الله في أحد قوليه: تجب به الدية في ماله وتغلظ وتكون حالة.

27059 - لنا: أنه فعل لا يتعلق به قود بحال، فكانت الدية فيه على العاقلة كحفر البئر. 27060 - ولأن (الأحكام) المختصة بالعمد المأثم والقود، وهي لا تتعلق بهذا الفعل فصار كالخطأ. 27061 - ولأن عمده دون خطأ البالغ بدلالة أنه يلحق البالغ (اللوم) والإثم في التفريط وترك الاحتراز ولا يلحق الصبي اللوم، فإذا كان خطأ البالغ لا يتغلط ونحمله على عاقلته فهذا أولى. 27062 - ولأن القصاص سقط عنه (لمعنى) في نفسه فوجب الضمان على عاقلته، أصله النائم والمغمى عليه. ولا يلزم الأب إذا قتل ابنه، لأن القصاص لم يسقط لمعنى في الأب، بدلالة (أنه لو) قتل (أخا) ابنه من أمه لم يكن لابنه قصاص، فإن كان وارثه غير ابنه كان القصاص، ولو كان القصاص سقط (لمعنى) فيه سقط في (الحالتين). 27063 - ولأن القصاص يعتبر من وجوبه كمال الفاعل والآلة، فلو نقص كمال الآلة صار كالخطأ في وجوبه على العاقلة، وكذلك إذا نقص كمال القاتل (بالصغر والجنون). 27064 - واحتج أصحابنا: بما روي أن مجنونًا سعى على رجل بالسيف، فقتله فقضى علي (- رضي الله عنه -) بالدية على (عاقلته) وقال: (عمده وخطأه سواء)

ولا يعرف له مخالف. 27065 - احتجوا: بما روي (عن) ابن عباس [- رضي الله عنه -] أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تعقل العاقلة عمدًا ولا عبدًا ولا صلحًا ولا اعترافًا). 27066 - قلنا: الصحيح (أن) هذا قول ابن عباس [- رضي الله عنه -] لم يسنده إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ولأن (إطلاق) العمد لا يتناول فعل الصبي، لأن الأحكام المختصة بالعمد لا تتعلق بفعله. 27067 - قالوا: روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ألا إن قتيل خطأ العمد قتيل السوط والعصا فيه مائة من الإبل (منها أربعون) خلفة) ولم يفصل بين أن يكون (القاتل) صبيا أو (غيره). 27068 - قلنا: [هذا] فيمن يتغلظ فعله بقصده، والصبي ممن لا يتغلظ فعله بقصده. 27069 - قالوا: ضمان (بالإتلاف) فاستوى فيه (الصغير والكبير) أصله قيم المتلفات. 27070 - قلنا: هناك يستوي في أحكامها العمد والخطأ، وهاهنا يختلف (فيها) العمد والخطأ، فجاز أن يختلف (بالصغر والكبر). 27071 - قالوا: آدمي يصح منه القتل كالبالغ.

27072 - قلنا: إن أردتم العمد صورة (فكذلك) يوجد فيه، وإن أردتم أحكام العمد يبطل (بالقصاص) والمأثم، ولأن البالغ يصح أن يجب القصاص بعمده، فجاز أن تجب الدية في ماله بحكم ذلك الفعل، والصبي لا يجب عليه القصاص (بجنس) فعله لمعنى فيه، فلم تجب الدية في ماله. 27073 - قالوا: العمد ضد الخطأ فإذا صح منه أحد الضدين صح منه الآخر. 27074 - قلنا: يبطل بالمأثم، فإنه يصح الخطأ [منه] حكمًا ولا يصح منه العمد، لأنا قد بينا أن العمد، يصح منه وإنما الخلاف في أحكامه. 27075 - قالوا: يجوز أن تتعلق بقصده أحكام القصد ولا تتعلق بالقصاص كما تتعلق بردته أحكام الردة ولا يقتل. 27076 - قلنا: الدين يجوز أن يثبت حكمه له بفعل غيره، فنقصان قصده لا يمنع أن يثبت به الكفر له، وأحكام العمد من القصاص وتغليظ الدية [لا] يلزمه بفعل غيره، فلم يجز أن يتعلق عليه بفعله.

مسألة 1331 حكم ما إذا غصب صبيا فنهشته حية أو غيرها

مسألة 1331 حكم ما إذا غصب صبيًّا فَنَهَشَتْه حية أو غيرها 27077 - قال أصحابنا رحمهم الله: إذا غصب صبيًّا فنهشته حية أو وقع عليه حائط أو صاعقة، فديته على عاقلة الغاصب. 27078 - وقال زفر رحمه الله: لا ضمان عليه. وبه قال الشافعي رحمه الله. 27079 - لنا: أن (الصبي) الصغير يثبت عليه [اليد] ويكون القول فيه قول [من] هو لابد أن يضمنه إذا غصبه من غير إتلاف أصله الأموال. 27080 - ولا يلزم الوديعة، لأنه إذا غصبها ضمنها ويضمنها من غير

إتلاف إذا جحدها. 27081 - ولأن الصبي لا يمكنه حفظ نفسه من الأشياء المتلفة، وإنما يحفظه أهله. فإذا أزال الولي عنه (و) قرِّبه من سبب الإتلاف صار كأنه ألقى ذلك (الشر) عليه، وكما لو ألقاه إلى سبع حتى افترسه. 27082 - ولا يلزم إذا مات من [الحمى]، لأن ذلك لا يختلف باختلاف الأماكن ولا يمكن حفظ فيها، ولا يلزم الحر الكبير لأنه يقدر على التحفظ والتحرز. 27083 - فإن ألزم الحر إذا قيده فعله. قلنا: لا نعرف الرواية. ويجوز أن يقال يلزمه الضمان. 27084 - لأنه (لا) يقدر على الاحتراز، ويجوز أن يقال إنه ممن لا يثبت اليد عليه فلا يضمن في يده. فإن ألزموا إذا أمسك أحدهما آخر فقتله. 27085 - قلنا: الضمان (هناك) على المباشر، ومتى تعلق الضمان بأقوى الفعلين سقط عن أدناهما. 27086 - وقال الشافعي رحمه الله في الصبي إذا كان (مراهِقًا) فصاح به إنسان فسقط: وجب عليه الضمان. ولو كان كبيرًا: لم يجب عليه الضمان.

27087 - احتجوا: بأنه فعل لا يتعلق به وجوب الكفارة فلا يتعلق به ضمان نفس الحر، أصله: إذا أمسكه حتى قتله غيره. 27088 - قلنا: إذا أمسكه غيره فقد وجب الضمان بالتلف على من هو (أخص) بالإتلاف فلم يجب على من فعله أو دون من فعله. وفي مسألتنا: لم يجب الضمان بالفعل على الفاعل فجاز أن يجب الضمان على المسبب كمن ألقى رجلًا بين يدي سبع. يبين ذلك: أن من حفر بئرًا فجاء رجل وألقى فيها غيره، لم يضمن الحافر (لأن فعل المباشر) أقوى الفعلين، ولو لم يوجد فعل الدافع، وجب الضمان على الحافر. 27089 - قالوا: لا يضمنه إذا مات حتف أنفه، فلم يضمنه إذا مات بسقوط الحائط (كالعبد). 27090 - قلنا: (العبد) يقدر على حفظ نفسه، فحاله في يد الغاصب إذا لم يغصب في التحرز [فلم يضمن ياليد]. والحر لا يضمن باليد، وأما الصغير فلا يحفظ نفسه وإنما يحفظه وليه، فإذا زال يد الولي عنه ولم يحفظه حتى تلف بما يحفظ منه الصبيان (فكأنه) قَربَّه من التلف فضمنه.

مسألة 1332 حكم ما إذا وجب على إنسان قتل بقصاص أو غيره فالتجأ إلى الحرم

مسألة 1332 حكم ما إذا وجب على إنسان قتل بقصاص أو غيره فالتجأ إلى الحرم 27091 - قال أصحابنا رحمهم الله: إذا وجب على إنسان قتل بقصاص أو ردة أو زنًا، فالتجأ إلى الحرم لم يقتل حتى يخرج منه. فإن قَتَل فيه قُتِل. 27092 - وقال الشافعي رحمه الله: دخول الحرم لا يمنع القتل بحق.

27093 - لنا: قوله تعالى: {ومن دخله كان ءامنا} وهذا يقتضي أمنًا مستفادا بالدخول، وذلك لا يكون إلا فيمن يجوز قتله قبل دخوله، فأما من لا يجوز قتله فلم يستفد الأمن بالدخول. 27094 - فإن قيل: المراد به الكعبة بدلالة قوله (تعالى): {إن أول بيت

وضع للناس للذي ببكة مباركا}. 27095 - قلنا: عند مخالفنا من دخل الكعبة لم يستفد الأمن، وإنما لا يقتل حتى لا يلوثها بالدم. والآية تقتضي أمنًا مستفادًا بالدخول. ولأنه قال: {فيه ءايت بينت مقام إبراهيم} والمقام خارج الكعبة يدل على أن المراد بالآية جميع البقعة. 27096 - ويدل عليه قوله تعالى: {(أولم) يروا أنا جعلنا حرما ءامنا ويتخطف الناس من حولهم} فوصف الحرم بالأمن، وهذا يمنع من قتل الملتجئ إليه. 27097 - ولا يقال إن هذا يفيد الصيد، لأن الآية خرجت مخرج (الامتنان)، ولا يصح أن (يمتن) علينا (بتحريم) الصيد، لأنه قال: {ويتخطف الناس من حولهم} فدل أن الأمن للآدمي. 27098 - ويدل عليه قوله تعالى: {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا}. 27099 - ويد عليه قوله تعالى: {ولا تقاتلوهم عند المسجد (الحرام) حتى يقاتلوكم فيه} والمنع من المقاتلة منع من القتل، فإذا مُنع من قتل الكفار في الحرم فقتل المسلم أولى. 27100 - فإن قيل: هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: {فإذا انسلخ الأشهر

الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}. 27101 - قلنا: هذا يفيد زوال التحريم المتعلق بالأشهر، والقتل في الحرم لا تأثير له في الأشهر على المنع من قتل المسلمين، فلو أفادت هذه الآية الأخرى جواز قتل المشركين في الحرم لم يوجد نسخ ما فهم بالآية الأولى من تحريم قتل المسلمين، (لأن تحريم قتل الكافر) يدل على تحريم قتل المسلم، (وإباحة) قتل الكافر لا يدل على إباحة قتل المسلم. ويدل عليه قوله (- صلى الله عليه وسلم -) في مكة: (لا يُختلى [خَلاها] ولا يُعضَد شجرها ولا يُنَفَّر صيدها ولا يُسفك فيها دم). 27102 - قالوا: سفك الدماء يتناول القتل المحرم بدلالة قوله تعالى: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء}.

27103 - قلنا: سفك الدماء يتناول القتل على العموم بحق وبغير حق. 27104 - ويدل عليه قوله (- صلى الله عليه وسلم -): إن [أعتى] الناس على الله (ثلاثة): رجل قتل غير قاتله، (ورجل قتل في الحرم)، ورجل قتل بذَخل الجاهلية) ولا يجوز أن يكون غير قاتله. 27105 - ولا يقال إطلاق يتناول القتل بغير القصاص، لأن القصاص سمي قتلا، بدلالة قوله (- صلى الله عليه وسلم -): (من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين، إن شاءوا قتلوا وإن شاءوا (أخذوا الدية)). 27106 - ويدل عليه قوله (- صلى الله عليه وسلم -): (إن مكة حرام حرمها الله (تعالى)

لا تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي. وإنما أحلت لي ساعة من نهار). 27107 - فإن قيل: المراد بهذا دخوله بغير إحرام؟ 27108 - قلنا: وقتاله أيضًا بدلالة قوله: [فمن] (ترخص) بقتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها، (وإنما) أحلت لي ساعة من نهار). 27109 - ولأنه قتل مباح، فجاز أن يكون للحرم تأثير في (حظره) أصله قتل الصيد. 27110 - ولا يلزم قتل الحشرات لأنا قلنا: [قتل] مباح، وذلك القتل قد يكون واجبا إذا خاف الضرر منها. 27111 - ولا يلزم الذبح، لأن ذلك لا يسمى قتلا وإنما سمي ذكاة وذبحا. 27112 - ولأنه قتل أبيح لغير دفع الضرر فأشبه قتل الصيد. ولا يلزم الحشرات. لأن قتلها أبيح لدفع ضررها. 27113 - فإن قيل: المعنى في الصيد أنه لما أثر الحرم فيه استوى (الملتجئ والقاتل) في الحرم.

27114 - (قلنا): كذلك نقول في الآدمي، لأن أهل الحرم آمنون، [والملتجئ] إليهم في (حكمهم). 27115 - وإنما القاتل في الحرم يجوز قتله، كما أن الصيد إذا ابتدأ الآدمي في الحرم جاز له قتله. 27116 - فإن قيل: الصيد لما منع الحرم من قتله وجب بقتله الكفارة. ولما لم يجب بقتل الآدمي الملتجئ الكفارة دل على أن الحرم لم يؤثر في المنع من قتله. 27117 - قلنا: إذا (قتله) (قصاصا) فهو قتل عمد. وذلك لا يتعلق به الكفارة عندنا. 27118 - قالوا: الصيد لما حرم قتله استوى فيه النفس وما دونها، فلو كان كذلك في الآدمي استوى النفس وما دونها. 27119 - قلنا: دخول الحرم أمان، (والأمان يقتضي حظر القتل، [والحظر] يتناول ما يقصد به القتل، ولا يتناول الأطراف بانفرادها بدلالة أمان) الحربي، وما دون النفس من (الصيد) إنما يتناول ليتمكن [به] من قتله [وحده] فكان محظورا بالأمان كحظر النفس، والقصاص فيما دون النفس من الآدمي لا يستوفي طلبا للنفس، بدلالة أنه لا يقطع في الحر الشديد ولا البرد الشديد.

27120 - فإن قيل: الصيد إذا التجأ لا يجوز جز شعره ولا حلب لبنه وإن كان ذلك لا يفعل لإتلاف نفسه. 27121 - قلنا: ولكنه لا يتمكن من تناوله إلا بثبوت اليد عليه. وأمر (الصيد) يمنع من اصطياده وإمساكه، وأمر الآدمي لا يمنع من إمساكه وثبوت اليد عليه. 27122 - ولأنها بقعة من بقع الحرم فلا يقتل الملتجئ إليها أصله البيت. 27123 - (قال) مخالفونا: إنما لا يجوز القتل في الكعبة حتى لا يلوثها بالدم، فإن (بسط) فيها (أنطاعا) وقتل فيها جاز. وهذا قول يرده النص. قال الله تعالى: {ومن دخله كان ءامنا}. 27124 - ولأن هذا المعنى الذي ذكروه موجود في جميع المساجد، وقد علمنا قطعا أن الكعبة حرمتها ليست كسائر المساجد. 27125 - ولأن الله تعالى خص هذه البقعة (بالفضل) كما (خص) (- صلى الله عليه وسلم -) على سائر الناس، فمن قال إن المنع في الكعبة كالمنع في غيرها فهو كمن قال إن تحريم (- صلى الله عليه وسلم -) (كتحريم) قتل غيره.

27126 - ولأنها بقعة لا يجوز دخولها بغير إحرام كالبيت. 27127 - ولأن كل بقعة التجأ إليها الصيد منع من قتله، إذا التجأ إليها من وجب عليه القصاص منع من قتله كملك الغير. 27128 - احتجوا: بقوله تعالى: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} وقال: {يأيها الذين ءامنوا كتب عليكم القصاص في القتلى} وقوله: {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا} وقوله (- صلى الله عليه وسلم -): (العمد قود) وقال: (أهله بين خيرتين). 27129 - قلنا: هذه الظواهر تدل على وجوب القصاص، وما ذكرنا يفيد تفصيل أحوال الإنسان فوجب أن يستعمل بينهما (ويستعمل) فيما ورد فيه لا (يُعترض) (ببعضها) على بعض. 27130 - قالوا: قتل واجب فلا يمنع الحرم منه كمن وجد منه سبب القتل في

27131 - قلنا: إذا وجد منه سبب القتل في الحرم هتك حرمته وترك التزام (تعظيمه). وإذا وجد سبب القتل في غيره ثم التجأ إليه فقد التزم حرمته وتمسك بها. وفرق في الأصول بين من وجد سبب الأمان فرده ولم يلتزمه وبين من (قبله) والتزمه أصله الحربي إذا أمناه. 27132 - فإن قيل: يبطل بالكعبة فإن المبتدئ بالقتل فيها لا يقتل فيها كالملتجئ إليها. 27133 - قلنا: بل المبتدئ بالقتل فيها يخالف، الملتجئ إليها لم يقتل، ولو (قصد) غيره فيها ليقتله جاز أن يقتله دفعا عن نفسه، فأما إذا قتل فيها فلا ضرورة بنا إلى القصاص، بل نخرجه منها ثم نقتله بعد إخراجه منها. 27134 - قالوا: موضع لو حصل سبب الإباحة فيه جاز قتله، فإذا وجد في غيره ثم التجأ إليه جاز قتله أصله الحل. 27135 - قلنا: الحل لو التجأ إليه الصيد لم يمنع من قتله، فإذا التجأ الآدمي إليه لم يمنع من قتله، والحرم بقعة لو التجأ إليها الصيد لم يجز قتله، كذلك إذا التجأ إليه القاتل لم يجز قتله. 27136 - قالوا: أحد نوعي القصاص فجاز أن يستوفى في الحرم أصله الأطراف. 27137 - قلنا: إن عللتم للجواز قلنا بموجبه إذا ابتدأ القتل فيه، ولأن ما دون النفس أجري ضمانه مجرى ضمان الأموال، بدلالة (أنه) يكون عمدا محضا فلا يجب فيه (القصاص)، وتعتبر فيه المماثلة ولا تجب فيه الكفارة، (فلذلك) استوى فيه الحرم والحل، والقصاص في النفس بخلافه. 27138 - ولأن دخول الحرم أمان والأمان يتعلق بالنفس وتدخل الأطراف على طريق (التبع) للنفس، فلا يتعلق الأمان بالطرف منفردا عن النفس كأمان الحربي.

فعلى هذا من وجب عليه القصاص في النفس والمرتد والزاني المحصن [فخاف] على نفسه فأفاده الحرم [أمانا] في نفسه، فدخلت أطرافه على وجه التبع. وكذلك الصيد لم تكن نفسه آمنة في الحل فاستفاد بالحرم أمانا في نفسه. 27139 - فلو قلنا: إنا لا نقطع طرفه أثبتنا الأمان في الطرف ابتداء. والأمان لا (يجوز) أن يتناول ذلك. 27140 - قالوا: عقوبة فلا يمنع دخول الحرم من استيفائها كالحد. 27141 - قلنا: لا فرق بين (القصاص والحد). ولأن الحدود التي لا تأتي على النفس تستوفى كالقصاص فيما دون النفس، وأما الحدود التي تأتى على النفس فلا تستوفى إذا وجد سببها في الحل كالقصاص في النفس، ومتى وجد سببها في الحرم استوفيت كالقصاص. 27142 - قالوا: حق فلا يمنع دخول الحرم (من) استيفائه كسائر الحقوق. 27143 - قلنا: سائر الحقوق لا يمنع منها، ألا ترى أن أمان الحربي لا يسقط عنه الديون ويمنع قتله. 27144 - قالوا: إذا منعتموه من الأكل والشرب قتلتموه بذلك فهو أعظم من القصاص.

27145 - قلنا: نحن نمنع مبايعته ومخالطته، ولا نمنع أن يأكل ماله ويأمل المباحات ويشرب الماء المباح فنضيق عليه ليخرج، ولا نقتله بالجوع والعطش. 27146 - قالوا: حرمتم ما أحله الله تعالى وهو البيع وأحللتم ما حرم الله وهو هجرته وترك مخالطته. 27147 - قلنا: حرمنا مبايعته وقد أباح الله البيع في الجملة وحرمه في بعض الأحوال، كبيع السلاح أيام الغزو، ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن هجرة المؤمنين وأمر (بهجران) الفاسق، وإنما وجب (الحبس) على الممتنع من قضاء دينه.

مسألة 1333 حكم استيفاء الأب أو الوصي القصاص الثابت للصغير في النفس وما دونها

مسألة 1333 حكم استيفاء الأب أو الوصي القصاص الثابت للصغير في النفس وما دونها 27148 - قال أصحابنا رحمهم الله: إذا ثبت للصغير قصاص جاز للأب أن يستوفيه في النفس وما دونها. وللوصي أن يستوفى فيما دون النفس، ولا يستوفى فيها. 27149 - وقال الشافعي رحمه الله: ليس لواحد منهما أن (يستوفيها).

27150 - [لنا: أن الأب له ولاية استيفاء] القصاص كالإمام. ولأن ولاية الأب أقوى من ولاية الإمام لأنه يلي بغير تولية، فإذا جاز للإمام أن يستوفى القصاص بولايته فالأب أولى. 27151 - ولأنه أحد بدلي النفس فجاز أن يستوفى في حال صغر المستحق كالدية. 27152 - فإن قيل: الدية تمليك للمال، والقتل إتلاف للحق. 27153 - قلنا: إتلاف هذا الحق هو التصرف المقصود فيه، فلا يقال إنه إتلاف للحق. ألا ترى أن الإمام يستوفيه للمسلمين وهو لا يمكن من إتلاف حقوقهم. 27154 - احتجوا: بقوله تعالى: {ومن قُتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطنا فلا يسرف في القتل} والأب ليس (بولي)

للمقتول. 27155 - قلنا: هذا يدل على أن للولي أن يستوفى. وهل يستوفى غير الولي، موقوف على الدليل. 27156 - ولأن الأب يستوفى للابن كما يستوفى الوكيل للولي عند مخالفنا. 27157 - قالوا: قود غير منحتم، فلم يجز استيفاؤه بغير إذنه أصله إذا كان لبالغ عاقل. 27158 - قلنا: المستحق هناك لا يجوز أن يستوفى الدية بغير رضاه. فكذلك القصاص. والأب يجوز أن يستوفى الدية بغير رضا الصغير، كذلك القصاص. 27159 - قالوا: ولاية لا يملك بها إيقاع الطلاق، فلا يملك بها استيفاء القصاص في النفس كولاية [الوصي]. 27160 - قلنا: ولاية [الوصي] أضعف من ولاية الأب، بدلالة أنها تثبت بتولية ولا يملك بها التزويج، وولاية الأب تثبت بغير تولية ويملك بها التزويج.

27161 - قالوا: من لا يملك العفو لا يملك القصاص. 27162 - قلنا: إن أردتم العفو بغير عوض انتقض بالإمام. 27163 - فإنه لا يملك العفو بغير عوض، (ويملك بعوض). وإن قلتم: إنه لا يملك العفو بعوض لم نسلم. لأن الأب عندنا يجوز أن يعفو (و) يأخذ الدية.

كتاب الديات

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب الديات

مسألة 1334 دية شبه العمد

مسألة 1334 دية شبه العمد 27164 - قال أبو حنيف وأبو يوسف: دية شبه العمد أرباع خمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون بنت لبون وخمسة وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة. 27165 - وقال محمد ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون ما بين ثنية إلى بازل عامها كلها خلفه. 27166 - وقال الشافعي: مثله.

27167 - لنا: ما روي في كتاب عمرو بن حزم في النفس مائة من الإبل ظاهر ذلك يقتضي أدنى ما يتناوله الاسم. 27168 - وروى الزهري عن السائب ابن يزيد قال كانت الدية على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرباعا خمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون بنت لبون وخمس وعشرون بنت مخاض ومعلوم أن هذا لا يجب في دية الخطأ فلم يبق إلا أن يكون في دية شبة العمد. 27169 - وروي عن عمرو بن دينار عن طاووس عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (العمد قود إلا أن يعفو ولي المقتول والخطأ عقل لا قود فيه وما كان من رمية أو ضرب مفصلًا بحجر فهي مغلظة في أسنان الإبل) فأثبت التغليظ في السن فمن أثبته في الصفة فهي الحمل فقد خالف الخبر. 27170 - ولأن الصحابة اتفقوا أن تغليظ شبه العمد على الخطأ يقع بشيء واحد فجعل ابن مسعود دية الخطأ أرباعًا. 27171 - وقالوا في شبه العمد شيئًا واحدًا فمن نقص لسن خالف إجماعهم ولأنها دية فلا تجب فيها الحوامل كالخطأ ولأنه بدل عن نفس فكان الأسنان فيه متساوية كالخطأ. 27172 - قالوا: نقلب فنقول فكانت الأسنان فيه وترًا. 27173 - قلنا: هذا القلب يؤكد قولنا لأنها وتر متساوية والتساوي طريقة

صحيحة لأن الأنواع إذا كان دخول كل واحد كالآخر وجب أن يتساوى أما الوتر والشفع فتجب للدلالة على أن دية الخطأ أحق. 27174 - قلنا: هذه المخالفة تقتضي تغليظ شبه العمد غلظناه وليس يلزم التغليظ من كل الوجوه ولأنه حق تعلق بأسنان مختلفة من الإبل فلا يزيد على الجذع كالزكاة. 27175 - ولأنه حق يتعلق بجنس الحيوان فلا يعتبر فيه الحوامل كالزكاة وعتق الرقاب والهدايا. 27176 - فإن قيل: الزكاة مواساة فلا يجوز التغليظ فيها والمقصود من الهدي اللحم ولحم الحامل ناقص والكفارة تثبت بعتق الآدمية والحمل فيها نقص. 27177 - قلنا: الزكاة لا يجوز تغليظها والدية لا يجب تغليظها بكل وجوه التغليظ وقولهم المقصود بالهدي واللحم ولحم الهدايا ناقص فكذلك النقص لم يمنع من جوازها في الهدي ولم يجب. 27178 - وقولهم أن الحمل في الآدمية نقص فكذلك لم يشترط في الكفارة ولأن ذلك لا يمنع جواز عتقها ولا يشترط ذلك فيها ولأنه صنف من الدية فلا يشترط فيه الحمل كالجذع. 27179 - ولأنه سن لا تجب في الزكاة [فلا يجب في الدية كما زاد على البازل]. 27180 - ولا يلزم [بنت مخاض] ابن مخاض [لأن هذا الشطر يجب في الزكاة إذا بنت مخاض وابن مخاض] سن واحد. 27181 - ولأن زيادة الفعل توجب تغليظ الدية كما أن زيادة المال توجب تغليظ الزكاة ثمل لم يجز أن تزيد الزكاة على الجذع بزيادة المال كذلك بزيادة الفعل في مسألتنا لا يوجب زيادة السن على الجذع وإن أوجب زيادة العدد. 27182 - ولأن كل سن ليس له مدخل في دية الخطأ وليس له مدخل في كونه شبه العمد كما زاد على البازل.

27183 - ولأن كل سن يجب في الدية يوافق السن الذي يجب معه في العدد أصله الحقان والجذع في شبه العمد وأصله أسنان دية الخطأ. 27184 - احتجوا: بما روي سفيان بن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان عن القاسم بن ربيعة عن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ألا إن قتيل عمد الخطأ بالسوط والعصا مائة من الإبل منها أربعون خلفة في بطونها أولادها. 27185 - قلنا: هذا الخبر مضطرب الإسناد لأن شعبة رواه عن أيوب عن القاسم ابن ربيعة عن عبد الله بن عمر وتارة يرويه عن رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في دية شبة العمد بثلاث وثلاثين حقة وثلاث وثلاثين جذعة وأربع وثلاثين خلفة. هذا مضاف إلى خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح وهو مستند إلى الكعبة. 27186 - ولو كان هذا صحيحًا لم ينفرد بنقله ابن عمر وكذا رواه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 27187 - ولأن الاختلاف في هذه المسألة ظهر بين الصحابة فقال علي وعمر رضي الله عنهما ثلاث وثلاثون وأربع وثلاثون. 27188 - وقال ابن مسعود أرباعًا وقال عثمان ثلاثة وثلاثون من كل صنف.

27189 - وقال زيد مثل قولهم. 27190 - ولو كان هذا الخبر ثابتًا لم يختلفوا ولا احتج بعضهم على بعض فلما لم يحتج به دل على أنه غير ثابت ويحتمل أن يكون هذا في الوقت الذي كان بيع الحمل جائزًا وكان يجوز ثبوت الحوامل في الدية ثم نسخ ذلك. 27191 - وكذلك الجواب عما روي عن عبادة بن الصامت قال: قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الدية العظمى بثلاثين حقة وثلاثين جذعة وأربعين خلفة. 27192 - قالوا: دية نفس فوجب أن يكون عدد أنواعها وترًا كالخطأ. 27193 - قلنا: نقلب فنقول فلا تجب فيها الحوامل أو فوجب أن تتساوى أنواعها فلا تتفاضل. 27194 - قالوا: بنت مخاض لا تصلح للحمل عليها فوجب أن لا تجزئ في الدية المغلظة أصله الفصلان. 27195 - قلنا: المعنى في الفصلان أنها لا تجزئ في الذكور الكبار وليس كذلك بنت مخاض لأنها تجوز في زكاة الكبار بنفسها فجاز أن تجب في دية شبه العمد.

مسألة 1335 دية الخطأ

مسألة 1335 دية الخطأ 27196 - قال أصحابنا: دية الخطأ أخماسًا عشرون جذعة وعشرون حقة وعشرون بنت لبون وعشرون بنت مخاض وعشرون ابن مخاض. 27197 - قال الشافعي: عشرون ابن لبون. 27198 - لنا: قوله - صلى الله عليه وسلم - في النفس مائة من الإبل وظاهره يقتضي أدنى ما يتناوله الاسم وروى خشف بن مالك الطائي عن ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى في دية الخطأ مائة من الإبل عشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بنت لبون وعشرون بنت وخاض وعشرون بن مخاض. 27199 - فإن قيل: رواه الحجاج بن أرطأة عن زيد بن جبير عن حنيف ابن مالك والحجاج ضعيف. 27200 - قلنا: قد روي أصحابنا عن الحجاج وهذا تعديل منهم وإنما طعن

أصحاب الحديث عليه من سليمان التيمي عن أبي مجانة عن أبي عبيدة عن ابن مسعود أنه قال في دية الخطأ عشرون ابن لبون وكيف يظن أن ابن مسعود يسمع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يقول خلافه. 27201 - قلنا: روى عبد الله بن المبارك عن سليمان التيمي بهذا الإسناد بعينه عن ابن مسعود وذكر فيه بني المخاض وابن المبارك أثبت من حماد وروى إسرائيل بن يونس عن منصور بن المعتمر عن أبي عبيدة عن عبد الله وذكر بني مخاض. 27202 - ورواه أشعث بن سوار عن الشعبي وزيد بن ثابت ومحمد بن الحسن في كتاب الآثار عن ابن مسعود مثل قولنا، وذكر الطحاوي بإسناده عن سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم عن ابن مسعود في دية الخطأ أحماسًا عشرون بنو مخاض فإذا تعارضت الروايتان فأثبتهما ما وافق الخبر الذي رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. 27203 - ولأن بنت لبون سن قبله سن في صدقة الإبل فلا يجتمع منه الذكر والأنثى في الدية كالحقة. 27204 - ولأن لبون أقيم مقام غيره في الزكاة فلم يضم إلى أسنان الإبل في الدية كالسائر ولأنه أجرى مجرى بنت مخاض وجعل [زيادة سنه بنقصان صفته فلو ضممناه إلى بنت مخاض صار كالنوع وقد اتفقنا أن في] الخطأ أخماسًا فلا يجوز جعلها أرباعًا. 27205 - ولأن كل موضع وجب ابن لبون لم يجز أن يكون أصلًا مع القدرة على بنت مخاض أصله الزكاة.

27206 - احتجوا: بما روي سهل بن أبي حثمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أدى قتيل الأنصار من إبل الصدقة وليس في إبل الصدقة بنو مخاض وإنما فيها بنو لبون. 27207 - قلنا: يجوز أن يكون فيها ابن مخاض عندنا أخذ على طريق القيمة ويجوز أن يكون توالدت الإبل بعد أخذها. 27208 - ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أدى ما لا يجب عليه فإذا تبرع بالأصل لإصلاح ذات البين جاز أن يتبرع بزيادة سن على الواجب وإن كان ذلك لا يلزمه قالوا روى ابن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في دية العمد الخطأ بمائة من الإبل خمسًا جذاعًا وخمسًا حقاقا وخمسًا بنات لبون وخمسا بنات مخاض. 27209 - قلنا: قد روينا ضد هذا من طريق ابن مسعود من قول ابن مسعود نفسه. 27210 - قالوا: إذا تعارضت الروايتان ففي خبرنا زيادة حكم فكان أولى. 27211 - قلنا: لم يثبت التعارض كان المسمى أولى. 27212 - ولأن بني المخاض يدخل في بني اللبون فيجوز أن يكون الراوي شاهدا الدية بعد مضي تمام الحول الثاني وقد صارت بني لبون فظن أنها كذلك وجبت ولا يمكن تأويل بني المخاض أن ابن لبون لا يدخل فيه. 27213 - قالوا: فقد روي سليمان بن يسار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل

قولنا وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم -[ورواه عبادة بن الصامت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -] والمراسيل ترجح بها. 27214 - قلنا: ما لا يصح الاحتجاج به لا يقع به الترجيح. 27215 - ولأن الشافعي احتج بحديث سليمان بن يسار قال كانوا يقولون في دية الخطأ أخماسًا فكيف يكون عن ابن يسار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - غير حديث ابن مسعود. 27216 - قالوا ابن يسار تابعي فإذا قال كانوا يقولون فإنما يعني الصحابة فصار هذا إجماع. 27217 - قلنا: الخلاف في هذه المسألة ظاهر بين الصحابة قال ابن مسعود مثل قولنا. 27218 - وقال علي بن أبي طالب أرباع خمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون بنت لبون وخمس وعشرون بنت مخاض. 27219 - وقال عثمان وزيد بن ثابت عشرون بنت مخاض وعشرون ابن لبون وثلاثون بنت لبون وثلاثون حقة فكيف يدعي الإجماع قالوا كل ما لا تجب فيه الزكاة لا تجب في دية الخطأ كالثنايا. 27220 - قلنا: يبطل بابن لبون. 27221 - فإن قالوا ثبت في الزكاة. 27222 - قلنا: على طريق البدل وكذلك بنت مخاض عندنا فلأن الثنايا لا تؤخذ الأنثى منها فلم يجب الذكر ولما كان ابن مخاض تجب الأنثى منه في مفتتح الأسنان كذلك أن يؤخذ الذكر.

27223 - قالوا ابن مخاض دون ما افتتحت به فريضة الإبل من جنسها فوجب أن لا يجب في الدية أصله الفصلان. 27224 - قلنا: ابن مخاض عن السن افتتحت به الفريضة ونقصانه إنما هو في الصغر لنقصان ابن لبون والمعنى في الفصلان أن الأنثى منها لا تجزي في الديات كذلك الذكر فلما جازت الأنثى من هذا السن لم يتقدمها غيرها جاز أن يجب الذكر. 27225 - قالوا ما لا يجب على من يجب عليه على طريق المواساة فوجب أن لا يكون فيه بني مخاض كالزكاة. 27226 - قلنا: الدية تجب على طريق العوض وإنما تتحملها العاقلة عن القاتل مواساة فأما أن يكون وجوبها كذلك. 27227 - ولأن ولا شبه العمد يجب على العاقلة على سبيل المواساة لم يجز أن تجب فيه الحوامل وإن كان لا تجب في الزكاة. 27228 - ولأن الزكاة لما لم يجتمع فيها من سن واحد الذكر والأنثى أصلًا لم يجب فيها بنو مخاض فلما اجتمع الذكر والأنثى من سن واحد أصلا جاز أن يجب بنو المخاض. 27229 - قالوا بن مخاض أحد طرفي سن الزكاة فلم يجب من سنها الذكر كالجذعة. 27230 - قلنا: الجذعة أعلى سن يجب فلو اجتمع فيه ذكر وأنثى تعطلت الدية وابن مخاض أدنى سن يجب فاجتماع الذكر والأنثى لا يؤدي إلى التغليظ ووجوب الديات على التخفيف فكلما قرب منه فهو أولى.

مسألة 1336 قتيل الحرم خطأ

مسألة 1336 قتيل الحرم خطأ 27231 - قال أصحابنا: إذا قتل قتيلًا في الحرم خطأ لم تغلظ الدية. 27232 - وقال الشافعي: تغلظ بالحرم والأشهر الحرم وقتل ذوي الأرحام. 27233 - قالوا إذا كان القاتل محرمًا فيه وجهان فإن قتل بالمدينة تغلظت الدية على القول الذي يقول إذا قتل صيدًا أخذ مثله. 27234 - لنا قوله تعالى: {ودية مسلمة إلى أهله} وهذا يقتضي وجوب أدنى ما يتناوله الاسم وكذلك قوله - عليه السلام - (في النفس مائة من الإبل). 27235 - وحديث بن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في دية الخطأ أحماسًا ولم يفصل ولأنه حكم يتعلق بقتل الخطأ ولا يغلظ بالحرم وكالكفارة. 27236 - ولأن الكفارة تجب لحق الله تعالى والحرم مؤثر في حقوق الله تعالى فلما لم تتغلظ به الكفارة فالدية التي تجب لحق الآدمي. 27237 - فإن قيل الكفارة لا تتغلظ في شبه العمد كذلك لا تتغلظه بالحرم ولما تغلظ الدية لشبه العمد جاز أن تتغلظ بالحرم. 27238 - قلنا: تغلظ الوجوب لاعتماد القتل لا يدل على أن الخطأ الذي لم يتعمده بتغلظ بالحرم ألا ترى أن الاعتماد يجوز أن يؤثر في إيجاب القصاص ولم يدل على أن الخطأ في الحرم يتغلظ بالقصاص. 27239 - ولأنه بدل عن النفس فلا يغلظ بالحرم كالدية في شبه العمد ولا يقال: إن

هذه الدية مغلظة في نفسها لأنه كان يجب أن تتغلظ بزيادة القدر. 27240 - كما روى عن عثمان ولأن الدية أحد موجبي القتل فلا تتغلظ بالحرم كالقصاص. 27241 - ولا يقال أن القتل لا يمكن تغليظه لأن القتل في قطع الطريق قد غلظ بالصلب وتغلظ في الزاني بالرجم. 27242 - ولأنه بدل عن النفس فلا يغلظ بالشهر الحرام كالقصاص. 27243 - ولأن فضيلة الزمان لا تؤثر في تغليظ الدية كشهر رمضان وكذلك فضيلة المقتول بالرجم لا نوجب تغليظ الدية كفضيلة الجار والزاهد والعالم. 27244 - ولأنه ضمان متلف فلا يختلف بالقرب والبعد كضمان المال. 27245 - ولأنه خطأ محض فلا يتغلظ الدية فيه كالقتل في شهر رمضان وكمن قتل جاره. 27246 - احتجوا: بما روي يزيد بن هارون عن الليث عن مجاهد عن عمر بن الخطاب أنه قال: من قتل في الحرم أو قتل ذا رحم أو قتل في الشهر الحرام فعليه دية وثلث. 27247 - وروى ابن أبي نجيح عن أبيه أن امرأة قتلت بمكة فقضى عثمان - رضي الله عنه - بديتها ستة آلاف وألفي درهم تغليظًا بالحرم. 27248 - وروى نافع بن جبير أن رجلًا قتل رجلًا في الشهر الحرام في البلد الحرام فقال ابن عباس ديته اثني عشرا ألفًا وللشهر الحرام أربعة آلاف وللبلد الحرام أربعة آلاف فكمل عشرون ألف.

27249 - وقالوا وهؤلاء ثلاثة لا يعرف لهم مخالف ولأنهم قالوا ما لا يقتضيه القياس فالظاهر أنه موقوف. 27250 - قلنا: روي الثوري عن شعبة عن الحكيم عن إبراهيم عن الأسود أن رجلًا أصيب عند البيت فسأل عمر عليا رضي الله عنهما فقال له عليَّ ديته من مال بيت المسلمين ولم يكن ذلك قد وافقنا مخالفنا على أنه ليس بواجب فلا يصح احتجاج به. 27251 - ولا يجوز أن يقال قد قالوا بالتغليظ لأنهم إذا قالوا بتغليظ لا يقولون به لم يصح أن يثبت به تغليظا لم يرو عنهم. 27252 - ألا ترى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال من قتل عمدًا قتلناه واتفقنا على سقوط القصاص. 27253 - قالوا أن قاتلًا يجب واحتج بهذا الخبر وقال أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال أوجب معنى فدل أن هذا قتل يوجب صمانًا لم يصح لأن الإيجاب الذي اقتضاه الخبر ساقط فلا يثبت به ما بم يتضمنه فإن قيل قد قالوا: أن الدية مغلظة. 27254 - قلنا: تغلظ لا يقولون به. 27255 - قالوا: يجوز أن يكونوا أوجبوا ذلك قيمة الإبل. 27256 - قلنا: قولهم تثبت دية الحر يدل أن التغليظ على أنه سامح هذا التأويل. 27257 - قلنا: يحتمل أن يكون القتل شبه العمد. 27258 - فإن قالوا لا يغلظ لأجل الحرم. 27259 - قلنا: وذلك يقوم بزيادة الأسنان لا يوجب أن يكن ثلث الدية للحرم وإنما زيادة السن لأجل الحرم عندهم فتساوينا في ترك ظاهر قولهم. 27260 - فإن قيل: إذا ثبت التغليظ بقولهم سقط قولكم. 27261 - قلنا: إذا ثبت أن التغليظ لا يثبت في الأسنان سقط قول مخالفنا. 27262 - قالوا: قتل في الحرم فكان العمد والخطأ في غرمه سواء كالصيد.

27263 - قلنا: الصيد يضمن بالعمد كما يضمن بالخطأ فلم يكن الاعتماد فيه زيادة غرم وأما قتل الآدمي فيجب في عمده من الضمان أكثر مما يجب في الخطأ فلا يتغلظ بالحرم خطأه حتى يلحق بعمد كما لا يتغلظ بإيجاب القصاص. 24264 - ولأن الصيد لما جاز أن يؤثر الإحرام في حكم ضمانه جاز أن يؤثر الحرم ولما لم يجز أن يؤثر الإحرام في زيادة دية المقتول المحرم كذلك الحرم. 27265 - ولأن الصيد لا يضمن في غير الحرم لأنه يملك بإيقاع الفعل والملك لما لا يملك من التمليكات يستوي في ضمانه العمد والخطأ فأما الآدمي فيتغلظ حكم إتلافه بالعمد عقوبة على فعله والخاطئ لا يستحق العقوبة بفعله فلم يبق إلا بمجرد الإتلاف فيلزمه أقل الضمانين. 27266 - قالوا دية كاملة وجبت بقتل في الحرم فوجب أن تكون مغلظة كما لو قتله في الحرم عمدًا واحترزوا بقولهم دية عن قيمة العبد المقتول في الحرم وبقولهم كاملة عن غرة الجنين. 24267 - قلنا: قولكم وجبت بقتل في الحرم لا يؤثر في الأصل لأن شبه العمد في الحرم والحل سواء والمعنى في الاعتماد أنه معنى لو تجرد أوجب الضمان فإذا لم يتجرد جاز أن يتغلظ به البدل وحرمة الحرم في الخطأ لا يجوز أن تؤثر في القصاص فلم يجز أن تؤثر في زيادة بدل الخطأ. 27268 - قالوا الدية تجب مخففة تارة ومغلظة أخرى كما أن الجزاء يجب بقتل الصيد في الحل تارة ويسقط أخرى ثم ثبت أن الجزاء يجب بقتل الصيد في الحل تارة [وسقط أخرى وجبت الجزاء] بكل حال من الحرم فكذلك التغليظ. 27269 - قلنا: هذا غير مسلم لأن الضمان بقتل الصيد يجب في الحرم تارة ولا يجب أخرى ثم لا يجب بالقتل في الحرم بكل حال وكذلك وجوب الضمان بحلق الرأس وقص الظفر يجب في الحل تارة ولا يجب أخرى ثم لا يتحتم بالحرم. 27270 - ولأن الحرم ما أثر في ضمان الصيد أثر في حق الله تعالى ولما لم يؤثر الحرم في قتل الآدمي فيما يجب لحق الله تعالى وهو الكفارة لم يؤثر فيما يجب لحق الآدمي. 27271 - قالوا الزمان والمكان والرحم لكل واحد منهم تأثير في المنع أما الزمان

فقال الله تعالى {يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير} أما الحرم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أعتى الناس على الله من قتل في الحرم وأما الرحم فروي أن أبا بكر أراد أن يقتل أباه فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - دعه يلي قتله غيرك وإذا كان لهذه المعاني تأثير في المنع من القتل فإذا انضاف إلى قتل الخطأ وجب أن يغلظ بها الدية كما لو انضاف إلى الخطأ أن يكون قاصدًا فيكون عمد الخطأ. 27272 - قلنا: يبطل إذا قتل جاره فقد انضم إلى القتل معنى يؤثر في المنع من القتل لأن الجار له حرمة فقال - عليه السلام - أوصاني جبريل بالجار ثم هذه الحرمة لم توجب زيادة بدل. 27273 - ولأن العمد فعل القاتل فيجوز أن يؤثر في زيادة البدل إذا كان على صفة والزمان والمكان لا يعود إلى فعله فلا يجوز أن يؤثر في زيادة البدل. 27274 - ولأن هذه الحرمات تنضم إلى قتل شبه العمد فتكون فيه وعدمها ووجودها سواء وإن كان التغليظ بها أشبه فلا يكون وجودها وعدمها في الخطأ وهو مما لا يستحق فيه التغليظ أولى.

مسألة 1337 تقدير الدية من الدراهم والدنانير

مسألة 1337 تقدير الدية من الدراهم والدنانير 27275 - قال أصحابنا: الدية من الدراهم والدنانير مقدرة ويجوز أخذها مع القدرة على الإبل واختلفوا وقال أبو بكر الرازي: إن كل فرع بنفسه. 27276 - وقال غيره الأصل والإعادة بذلك فيها إلا أنه بدل مقدر بالشرع لا تجوز الزيادة عليه ولا نقصان. 27277 - وقال الشافعي: الدية مائة من الإبل لا يجوز العدول عنها إلى غيرها من القدرة عليها فإن أعوزت ففيه قولان: 27278 - قال في القديم ثم يعدل إلى أحد أمرين إما ألف دينارًا واثنا عشر ألف درهم. 27279 - وقال في الجديد: يعدل إلى قيمتها حين القبض زائدة وناقصة. 27280 - لنا: ما روي عمرو بن دينار [عن عكرمة عن ابن عباس] أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في الدية بالخطأ اثنى عشر ألف درهم. 27281 - قال الطحاوي وقد روي سفيان بن عيينة هذا الحديث عن عمرو بن 27282 - دينار عن عكرمة ولم يذكر ابن عباس وهذا ليس بقدح لأن المنقطع عندنا حجة. ولأن محمد بن مسلم الطائفي رواه متصلًا. 27283 - وروى سعيد بن المسيب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: دية كل دم معاهد في عهده

ألف دينار. 27284 - وروى أبو بكر الصديق أنه قال لعائشة تصدقي باثنى عشر ألف درهم دية الحر المسلم وروى ابن أبي ليلى عن [الشعبي عن] عبيدة عن عمر أنه جعل الدية على أهل [الذهب ألف دينار وعلى أهل] الورق عشرة آلاف. 27285 - فإن قيل: روي أنه جعل على أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الحلل مائتي حلة وعلى أهل الغنم ألفي شاة وأبو حنيفة لا يقول بذلك. 27286 - قلنا: هذا أحد الروايتين عن أبي حنيفة ذكرها في كتاب المعاقل وعن أنس بن مالك قال لأن أقعد بعد صلاة العصر أذكر الله سبحانه إلى أن تغرب الشمس أحب إليَّ من أن أعتق نسمة من ولد إسماعيل ديتها اثنا عشر ألف درهم. 27287 - وهذه الأخبار كلها تدل على أن الدية مقدرة من الأنواع المذكورة ولأن كل مال وجب يسبب القتل كان مقدرًا أصله الكفارة. 27288 - ولأن الأثمان إذا وجبت بسبب المتلف كانت بدلًا عنه أصله سائر المتلفات ولأن القاضي يجوز أن يقتضي بالدراهم مؤجلة فلو كانت بدلًا عن الإبل صار دينًا بدين وذلك لا يجوز. 27289 - فإن قيل: عند أبي حنيفة تجب في المتلفات التي لا أمثال لها مثل المتلف ثم يقضي القاضي بالقيمة ولا يجب قبضها في المجلس فتصير دينًا بدين. 27290 - قلنا: عنده أن المثل لا يستقر وجوبه ولهذا لا تثبت المطالبة به فإذا قضى بالدراهم صارت كأنها هي الواجب.

27291 - وفي مسألتنا الإبل قد استقر وجوبها بدلالة أن القاتل لو بذلها وجب قبولها فلو كانت الدراهم بدلًا منها وجب قبضها في المجلس فلما لم يجب دله على أنها بدل النفس والدليل على جواز الانتقال إلى الأثمان مع القدرة على الإبل أن متلف ليس له مثل فجازت الأثمان في ضمانه مع القدرة على غيرها كسائر المتلفات. 27292 - ولأنه ضمان وجب بالفعل جاز فيه الأثمان بكل حال كما يجب بقتل الصيد. 27293 - ولا يقال فلا يجتمع فيه الحيوان والأثمان كقتل الصيد لأن الأصل في ضمان المتلفات الأثمان فإذا جاز في قتل الحر الحيوان لم يدل ذلك على أن الأثمان في أصل الضمان لا تثبت بالقتل. 27294 - احتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم - في النفس مائة من الإبل وقال ألا أن في قتيل خطأ العمد بالسوط والعصا مائة من الإبل. 27295 - قلنا: هذا يدل على أن مائة في النفس وحكم غيرها موقوف على الدلالة ولا يقال لو كان التخيير ثابتا لبينه لأن أموال القوم كانت الإبل دون الأثمان فبين ما سهل عليهم دفعة واحدة دون غيره. 27296 - قالوا: روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقيم دية الخطأ على أهل الخطأ [من الذهب] أربع مائة دينار وعلى أهل العمد من الورق ويقومها على أثمانها فإذا غلت رفع ثمنها وإذا هانت نقص من ثمنها. 27297 - قلنا: يجوز أن يكون قضى عليهم بالإبل فاستقرت فأوجب قيمتها بعد القضاء بها. 27298 - قيل: استقرار الإبل الذي يؤيد هذا ما روينا أنه يقضي بالمقدار. 27299 - قالوا: ما ضمن بنوع من المال في حق الآدمي لم يجز العدول عنه إلى

غيره بغير رضى أصله إذا تلف ما له مثل. 27300 - قلنا: النفس يضمن عندنا ستة أنواع فكيف نسلم أنها تضمن بنوع المال ولأن ضمان المال لا يدخله التقدير فجاز أن يدخله التعيين ولما كان بدل النفس يدخله التقرير فجاز أن يدخله التعيين. 27301 - قالوا: متلف له بدل معين فوجب أن يرجع عند إعوازه إلى قيمته أصله إذا أتلف طعامًا. 27302 - قلنا: بدل المتلف قالوا لو كانت الأنواع كلها أصولًا وجب أن يخير في دفع أيها شاء كالكفارات. 27303 - قلنا: كذلك نقول [أن الخيار إلى القاتل].

مسألة 1338 مقدار الدية من الدراهم والدنانير

مسألة 1338 مقدار الدية من الدراهم والدنانير 27304 - قال أصحابنا: الدية من الدراهم مقدرة بعشرة آلاف. 27305 - وقال الشافعي: على القول الذي يقول إنها مقدرة اثني عشر ألفًا. 27306 - لنا: ما روي دهثم بن قران عن نمران عن جارية عن أبيه أن رجلًا قطع يد رجل على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فقضى النبي - صلى الله عليه وسلم - بخمسة آلاف درهم. 27307 - وروى عن الشعبي عن عبيدة السلماني عن عمر أنه جعل الدية على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الشياه ألفي شاة وعلى أهل الإبل مائة من الإبل وعلى أهل الحلل مائتي حلة. 27308 - ولأنه لا خلاف أن الدية مقدرة بألف دينار وكل دينار بعشرة دراهم ولهذا جعل نصاب الذهب عشرين دينارًا ونصاب الورق مائتي درهم وقال علي بن أبي طالب في خطبته كتب مكان كل عشرة مسلم رجلا من بني فراس بن غنم صرف الدينار الذهب فوجب أن تكون الدية من الورق عشرة آلاف. 27309 - يبين ذلك ما روي عمر بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كان قيمة الدية على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمان مائة دينار أو ثمانية آلاف درهم.

27310 - فإن قيل: فقد قال - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ خذ من كل حالم وحالمة دينارًا ثم فرض عمر الجزية اثنا عشر درهما فدل أن الدينار كان مقوما باثنى عشر. 27311 - قلنا: لم يضع عمر الدراهم قيمة للدنانير لكنه وضعها بحسب الطاقة. 27312 - قلنا: فأما أهل اليمن كانوا يؤدون الدينار صلحا كما أخذ عمر الحلل من أهل نجران وقد وري أنه وضع عليهم عشرة دراهم وضيافة ثلاثة أيام. 27313 - قالوا: قالت عائشة القطع في ربع دينار فصاعدا وروى عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم. 27314 - قلنا: قد روي أن ثمن المجن كان خمس دراهم فمن روي عنه ثلاثة دراهم لمن روي عنه خمسة فلا يحمل على أنه قال تقويمًا للذهب. 27315 - ولأنه حق في المال لا يبلغ نصف العقد الثاني فلم يزد على العقد الأول كنصاب السرقة ومقدار المهر ولأن كل مقدر من الذهب والفضة فإنه يتقدر من الفضة بعشرة أمثال الذهب كنصاب الزكاة ولا يتقدر بالعقد الأول ونقص الثاني كالذهب والإبل. 27316 - احتجوا: بما وري محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس أن رجلًا قتل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل ديته اثنى عشر ألف درهم وفي ذلك نزل قوله: {وما نقموا إلا أن أغنهم

الله ورسوله من فضله}. 27317 - قلنا: هذا الحديث رواه سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وليس فيه ابن عباس، وسفيان أحفظ بحديث عمرو بن دينار عن محمد بن مسلم فلا يحتج برواية محمد بن مسلم في مقابلة روايته وإذا كان مقطوعًا لم يصح به الاحتجاج على قول مخالفنا ويحتمل أن يكون قتله شبه عمد فأوجب الأسنان المغلظة ثم قوم الدية المقدرة فعدلت بهذا القدر. 27318 - قالوا: روي أن أبا بكر قال لعائشة تصدقي باثني عشر ألف درهم دية الحر المسلم. 27319 - وروى مكحول أن عمر قضى في الدية باثنى عشر ألف درهم وعن أنس أنه قال: لأن أقعد بعد صلاة العصر أذكر الله تعالى إلي أن تغرب الشمس أحب إلي أن أعتق رقبة من ولد إسماعيل ديتها اثنى عشر ألف درهم. 27320 - قلنا: إذا تعارضت الرواية عن الصحابة أثبتنا المتقن ولا دليل على إثبات الزيادة ويحتمل العشرة ألف على وزن سبعة واثنى عشر على وزن ستة فيؤدي ذلك إلى الجمع بين الروايتين. 27321 - ولا يجوز أن يقال: إن وزن سنة أكثر من عشرة آلاف لأنه يكون وزن ستة عشر فيضاف إلى ستة. 27322 - فإن قيل: فيجوز أن يحمل العشرة آلاف على وزن أكثر من سبعة. 27323 - قلنا: ليس في الأوزان أكثر من سبع وقد نقل وزن أقل منها وهو موجود إلى الآن بنجران وغيرها من البلاد. 27324 - فإن قيل: الأوزان المذكورة في الشرع كلها محمولة على وزن سبعة أنصاب الزكاة. 27325 - قلنا: ألفاظ النبي - صلى الله عليه وسلم - محمولة على ذلك لأن الوزن الأساسي الغالب فأما قول الصحابة فيحمل على الموجود وقد كان يختلف. 27326 - يبين ذلك ما ذكره أبو زيد عمر بن شيبة في كتاب البصرة أن أول من

قضى بالدية من الدراهم بالعراق زياد فقضى بالبصرة بعشرة آلاف لأن وزنهم كان وزن ستة فثبت بهذه الرواية صحة تأويلنا، ويجوز أن يكون ذكروا هذا في دية شبه العمد، وقد نقل عن الصحابة تغليظ الدراهم في مقدارها.

مسألة 1339 ذهاب العقل بالموضحة ومقدار الدية

مسألة 1339 ذهاب العقل بالموضحة ومقدار الدية 27327 - قال أصحابنا: إذا أوضحه فذهب عقله، فعليه الدية ويدخل أرض الموضحة فيها. 27328 - وقال الشافعي: لا يدخل أحدهما في الآخر. 27329 - لنا: أن ذهاب العقل يوجب فوات منافع الأعضاء المختصة بها فصار كفوات الروح، ولو أوضحه فمات دخل أرش الموضحة في الدية كذلك، هذا ولأن زوال العقل يخرج أفعاله من جنسها إلى غير جنسها، ألا ترى أن أفعال الآدمي تقع مرتبة فإذا زال عقله وقعت غير مرتبة كأفعال البهائم، وإذا بطل جنس الأفعال صار كالموت. 27330 - فإن قيل: إن منافع الأعضاء باقية فيه لأنه يأكل ويشرب. 27331 - قلنا: ليس هذه المنفعة التي تختص بالآدمي، لأن البهائم تشاركه فيها، فأما منافع الآدميين فقد فاتت بزوال العقل، ولأن منفعة العقل لا تختص بمحل بل تنقسم على كل الأعضاء كمنافع الحياة، ولأن إبطال منافع الأعضاء كإبطالها. 27332 - ألا ترى أنه لا فرق بين قلع العين وذهاب ضوئها وقطع اللسان وذهاب الكلام، فصار فوات منافع الأعضاء بزوال العقل كإتلافها فإن قيل: المعنى في فوات الروح أنه يدخل فيه أكثر من الدية فلذلك دخلت فيه الموضحة، وزال العقل لا يدخل فيه أكثر من الدية فلا يدخل فيه أرش الموضحة. 27333 - قلنا: موضوع الأصل أن الأقل يدخل في الأكثر، والأكثر لا يدخل في الأقل. 27334 - فلا يجوز أن يقال: لما لم يدخل في الدية ما زاد، لم يدخل فيها ما نقص فأما دخول ما زاد على الدية بالموت فهو نادر في الأصول فلا يعتبر به.

27335 - احتجوا: بما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (في العقل دية مائة من الإبل) وروى أنه قال: (في الموضحة خمس من الإبل). 27336 - قلنا: قوله في العقل مائة من الإبل يقتضي أن ذلك جميع الواجب بالجناية وإن زال العقل بشجة وقوله في الموضحة خمس من الإبل يقتضي حال انفرادها وكلامنا مع وجود سرايتها. 27337 - قالوا: جناية زالت بها منفعة حالة في غير موضع الجناية فوجب ألا يدخل أرش الجناية في دية المنفعة أصله إذا ذهب بصره أو سمعه أو شمه أو كلامه. 27338 - قلنا: المعنى في هذه المنافع أنها تختص بمحلها ولا تتعداه وليس كذلك منفعة العقل، لأنها تنقسم على سائر الأعضاء كما تنقسم الحياة عليها. 27339 - قالوا: معنى لا تفوت النفس بفواته فوجب أن لا يدخل أرش الأطراف في أرشه أصله السمع والبصر. 27340 - قلنا: النفس وإن لم تفت فقد فات منافعها، وقد بينا أن فوات المنفعة كتلف العين. 27341 - قالوا: معنى لا يزول ضمان الجملة بزواله، فلا يدخل فيه أرش الموضحة. 27342 - قلنا: إذا قطع بعض اللسان فذهب الكلام فضمان الجملة لم يسقط، لأنه لو قطع بعض اللسان [وجب الأرش، ويدخل أرش فيه كما لو قطع كل اللسان] فذهب الكلام. 27343 - قالوا: لا يدخل فيه ما زاد على الدية. 27344 - قلنا: قد بينا أن موضع الأصول أن يدخل الأقل في الأكثر.

مسألة 1340 جنايات المرأة في النفس

مسألة 1340 جنايات المرأة في النفس 27345 - قال أصحابنا: جنايات المرأة في النفس وما دونها على النصف من الرجل وهو قول علي بن أبي طالب وابن مسعود وقال زيد بن ثابت مثل ذلك فيما بلغ ثلث الدية فالرجل والمرأة فيه سواء. 27346 - وبه قال الشافعي: في أحد قوليه. 27347 - لنا: أنها جناية على حرة، فكان الواجب فيها نصف ما يجب على الرجل الحر أصله إذا زادت على الثلث. 27348 - ولأنها جناية لو زادت على الثلث اعتبرت بالنفس [فإذا نقصت من الثلث اعتبرت بالنفس] كالجناية على الرجل، ولأن زيادة الجناية لها تأثير العدم وعندهم لو قطع ثلاثة أصابع من المرأة وجب لها ثلاثون من الإبل، فإذا قطع أربعًا وجب عليه عشرون، فيصير لزيادة الجناية تأثير في نقصان الأرش وهذا خلاف الأصول. 27349 - فإن قيل: هذا يبطل بمن شج رجلا موضحة وجب فيه عشر من الإبل فلو زال ما بينهما حتى صارت واحدة وجب خمس من الإبل. 27350 - قلنا: لسنا نقول ذلك، بل الواجب فيها لا يتغير عما هو عليه، فإن أوضح ما بينهما وجب أرش موضحة بأكثر. 27351 - فإن قيل: إذا قطع اليدين والرجلين وجبت ديتان، فلو قتله قبل اليد وجبت

دية واحدة. 27352 - قلنا: إذا قطع اليدين والرجلين فلم يستقر الوجوب ما لم يندمل، فإذا قتله بينا أن الوجوب لم يكن، لأن ما دون النفس سقط مع النفس. 27353 - احتجوا: بما روي مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال: سألت سعيد بن المسيب كم في أصبع المرأة؟ قال: عشر من الإبل. فقلت: كم في أصبعين؟ فقال عشرون من الإبل. فقلت: كم في ثلاثة أصابع؟ قال: ثلاثون من الإبل فقلت: كم في أربعة أصابع؟ قال: عشرون من الإبل. فقلت: حين عظم جرحها واشتدت مصيبتها نقص عقلها. فقال سعيد: أعراقي أنت؟ قلت: بل عالم مثبت أو جاهل متعلم. قال: هي السنة يا ابن أخي. 27354 - قالوا: فقوله هي السنة دليل أنها سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -. 27355 - قلنا: وتذكر ويراد بها سنن الأئمة والصحابة. 27356 - ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء من بعدي). 27357 - وقال: (من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة). 27358 - وإذا ثبت هذا فإذا أراد سعيد بقوله: (السنة) سنة زيد بن ثابت لأن هذا قوله وقد روى أبو أيوب عن ربيعة قال: سألت سعيد بن المسيب عن دية الرجل والمرأة قال: فقال زيد بن ثابت: يستويان إلى الثلث، وإذا زاد فهو على النصف وإذا ثبت أن هذا قول زيد فقد روى أبو يوسف عن زكريا عن علي أنه قال في دية المرأة: إنها على النصف من دية الرجل في النفس وفيما دون النفس. 27359 - وروى أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن ابن مسعود مثل ذلك. 27360 - فإن قيل: ما قالاه يدل على القياس، وما قاله زيد يخالف القياس، فالظاهر

أنه توقيف. 27361 - قلنا: هو قول مخالف الأصول، ومن أصلنا أن خبر الواحد إذا روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وخالف الأصول لم يقبل. 27362 - قالوا كل أرش نقص عن ثلث الدية استوى فيه الذكر والأنثى سواء، الدليل عليه أرش الجنين. 27363 - قلنا: الجنين لما تعذر في الغالب الفصل بين الذكر والأنثى، سوى بينهما في الأرش ولم يختلط، وهذا لا يوجد فيما اختلفنا. 27364 - وقد قيل: إن الأنثى أسرع نموا من الذكر وأسرع هرمًا منه، فهي في حال الحمل أسرع نشوءًا منه والعدة إنما يجب لقطع النماء لأنا لا نعلم الحياة فأقيم زيادة نشوء الأنثى مقام زيادة الذكر فلذلك سوى بينهما، وأما بعد الانفصال فالضمان يجب لإتلاف الحياة لا لقطع النماء فتفاضلا. 27365 - قالوا: ما دون الموضحة يجب فيها الحكومة، فاستوى فيها الذكر والأنثى لأنها ما دون الثلث. 27366 - قلنا: ليس كذلك بل ذلك مقدر عندنا من موضحة كل واحد منهما أو موضحة المرأة على النصف من موضحة الرجل، فما يقرب منها بقدر بها.

مسألة 1341 وطء الزوجة وإفضاؤها

مسألة 1341 وطء الزوجة وإفضاؤها 27367 - إذا وطأ زوجته فأفضاها فلا ضمان عليه. 27368 - وقال الشافعي: تجب الدية. 27369 - لنا: أنه وطء في ملكه فلا يضمن ما قد تلف كوطء أمته، ولأنه جزء تلف بوطء الزوج فلم يضمنه كالبكارة. 27370 - فإن قيل: المعنى في البكارة أنه يجوز إتلافها، والإفضاء إتلاف جزء ولا يجوز أن يقصد إلا إتلافه فلذلك ضمنه. 27371 - قلنا: يسقط ضمانه متى أذن في إتلافه أو في نصيب إتلافه فأوجبها في الوطء في سبب الإتلاف، ولأنه مأذون في سبب الجناية من جهتها فما يتولد منها يضمن كما لو أذن ي قطع يدها ولا يلزم إذا ضربها لأن الإذن في الضرب لم يحصل من جهتها. 27372 - ولا يلزم إذا قطع يدها قصاصًا فسرى، لأنه مأذون في القطع من جهة المقتص منه. 27373 - ولأنه مأذون في السبب مطلقًا فلا يضمن ما تولد منه كمن أذن لغيره في قطع يده. 27374 - احتجوا: بأنها جناية قد ينفك الوطء عنها فلا يدخل أرشها في حكم الوطء، كما لو وطئها بشبهة وكما لو وطئها وعصرها فماتت. 27375 - قلنا: جواز أن ينفك الوطء عنها لا يوجب ضمانها.

27376 - ألا ترى أن من أذن لغيره في قطع يده قد تنفرد السراية عن القطع، والإذن في القطع يسقط السراية فأما إذا وطئها بشبهة فالمسألة على أنها لم تأذن في الوطء فسبب الجناية إذا لم يؤذن فيه لم يسقط ضمانها وفي مسألتنا السبب وأما إذا عصرها فقتلها فهذا غير متولد من الوطء المأذون فيه وإنما فعل فعلًا آخر غير الوطء فلم يسقط ضمانه بالإذن في الوطء. قالوا: جناية لو كانت من غير الزوج كانت مضمونة، فإذا كانت منه كانت مضمونة كما لو وطئها وقلع عينها. 27377 - قلنا: الوصف غير مسلم، لأن الأجنبي إذا أذنت له في الوطء لم يضمن الإفضاء كما لا يضمنه الزوج، وإنما يضمن الأجنبي عندنا إذا وطئها بغير إذنها، والمعنى في قلع عينها ما قدمناه. 27378 - قالوا: حقان مختلفان بجناية شيئين مختلفين فجاز اجتماعهما كالجزاء والقيمة. 27379 - قلنا: بموجبه لأن الموجب وأرش الإفضاء يجتمعان عندنا إذا وطئها بشبهة، والخلاف إذا وطئها بإذنها.

مسألة 1342 وطء المرأة بشبهة فأفضاها

مسألة 1342 وطء المرأة بشبهة فأفضاها 27380 - قال أصحابنا: إذا وطئ امرأة بشبهة ولم تأذن له في الوطء فأفضاها فإن كان البول يستمسك فعليه المهر وثلث الدية وإن كان لا يستمسك فعليه [جميع الدية ولا مهر. 27381 - وقال الشافعي: إن كان البول يستمسك فعليه المهر والدية، وإن كان لا يستمسك فعليه] المهر والدية وحكومة. 27382 - لنا: إذا كان يستمسك فمنفعة العضو لم تبطل بكمالها وإنما جرحها جائفة فيجب فيها ثلث الدية. ولأن ارتفاع الحاجز بين مسلك وموضع الذكر إذا لم تبطل المنافع المقصودة بالعضو لم تجب فيه دية كاملة كما لا يجب بارتفاع الحاجز بين المنخرين وأما إذا كان البول لا يستمسك فلا مهر عندنا. 27383 - والدليل عليه أن الوطء فعل تتلف به منفعة العضو فلا يجب به مهر كما لو أفضاها بحجر. 27384 - فإن قيل: إذا أفضاها بالحجر فهذا [سبب يوجب] المهر بحال لأن من أزال بكارة امرأة بحجر وجب عليه مهرها ولأن المهر يجب بإتلاف جزء من منفعة العضو والدية تجب بإتلاف جميع منافع العضو وضمان الكل والجزء إذا اجتمعا وتعلقا بسبب واحد دخل الأقل في الأكثر أصله إذا قطع يد رجل فمات من القطع. 27385 - ولأن الأب إذا وطئ جارية ابنه فعلقت ضمن قيمتها ولم يضمن عقرها لأن القيمة وجبت وهي بدل عن الكل فلم يضمن بالعقر الذي هو ضمان الجزء. 27386 - وأم الدليل على أنه لا تجب الحكومة، لأن الدية وجبت لإتلاف منافع

العضو فلا يجب مع دية العضو شيء آخر أصله إذا ضرب يده فشلت. 27387 - ولأن كل عضو وجب كمال أرشه لم يجب بإتلاف أجزائه شيء أصله سائر الأعضاء. 27388 - احتجوا: في الفصل الأول بأنه إفضاء غير مضمون فوجب أن يضمن بكمال بدل النقص كما لو لم يستمسك البول. 27389 - قلنا: إذا لم يستمسك فقد بطلت منفعة العضو بكمالها بدلالة أن منافع العضو الوطء وهو غير مقصود مع الإفضاء وحبس البول وذلك لا يوجد وأما إذا استمسك البول فهي منفعة مقصودة باقية فيمنع من وجوب كمال الأرش. 27390 - فإن قيل: إذا بطل بالإفضاء منافع العضو لم يجب أرش بإتلافه ولم يصح العقد عليه. 27391 - قلنا: إذا ضرب يده فشلت فهي في حكم المتلفة بدلالة وجوب كمال ديتها ولو قطعها بعد ذلك قاطع ضمن أرشها أما جواز العقد عليها فذلك لا يدل على عدم منافع العضو لأن الرتقاء يجوز العقد عليها وإن كانت منافع الوطء في العضو معدومة. 27392 - قالوا: الدليل على وجوب الحكومة أن الإفضاء يحصل والبول مستمسك، فإذا لم يستمسك علمنا أنه أتلف منفعة من غيره، فصار كمن قطع أذنه فذهب سمعه. 27393 - قلنا: هذا غلك، بل أتلف منفعة حالة فيه، لأن الإفضاء جراحة تارة تتلف بها منافع العضو وتارة لا تتلف كما، أنه قد يجرح يده فتبطل حركة اليد والعمل بها فيجب أرش الجراحة وقد تجرح يده فيبطل منافع اليد فيجب عليه ديتها ولا تجب مع ذلك حكومة. 27394 - وأما المهر فاحتجوا فيه بحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فإن دخل بها فلها مهر مثلها) ولم يفصل.

27395 - قلنا: الدخول يحمل على الوطء المعتاد وذلك لا يحصل معه الإفضاء. 27396 - قالوا: جناية قد ينفك الوطء عنها فلا يدخل المهر في أرشها كما لو كان البول مستمسكًا. 27397 - قلنا: هناك لم تبطل منافع العضو فاجتمع الأرش والمهر كما لو جرح يده فشلت أصبعه لم يدخل أرش الجرح في أرش الأصبع، ومتى لم يستمسك فقد بطلت المنفعة بكمالها فصار كما لو جرح يده فشلت. قالوا: المهر يجب بالتقاء الختانين وأرش الإفضاء يجب بتجاوز موضع الوطء، فنقول: وجوب المهر إذا سبق الجناية لم يدخل في أرشها كما لو وطئها ثم قطع يدها. 27398 - قلنا: المهر يجب بجميع الفعل بدلالة أنه لو وجب بالتقاء الختانين خاصة حصل ما بعد ذلك وطء بغير عوض وهذا لا يصح وإنما نقول: إذا وجد الالتقاء ولم يتجاوزه تعلق به المهر فإن تجاوز ذلك تعلق المهر بالجميع. 27399 - كما أن الحد يجب بالتقاء الختانين إذا لم يتجاوز ذلك، فإن تجاوز ذلك فالحد يتعلق بجميع الفعل، ولا نقول: إن بعض الوطء إذا أوجب الحد دون بعض فإن تجاوز ذلك فالحد يتعلق بجميع الفعل كذلك المهر.

مسألة 1343 مقدار دية الذمي

مسألة 1343 مقدار دية الذمي 27400 - قال أصحابنا: دية الذمي كدية المسلم. 27401 - وقال الشافعي: دية الكتابي ثلث دية المسلم ودية المجوسي ثمانمائة. 27402 - لنا: قوله تعالى: {وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله}. 27403 - ولا يقال: المراد به المؤمن، لأنه قال في أول الآية: {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا}. فقوله وإن كان معناه وإن كان المقتول بدلالة أن المؤمن قد استفدناه بعموم اللفظ الأول فلم يجز حمل الثاني على التكرار، يبين ذلك أنه قال: {فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن} ولو كان المضمر والمؤمن لم يحتج إلى شرط الإيمان. فإن قيل: الديات مختلفة فلم يكن إيجاب الدية دلالة على قدرها. 27404 - قلنا: الدية في الشرع قد علمنا قدرًا مقدرًا في الذكر ونصفه في الأنثى ودون ذلك لا نعلمه دية فمثبته يحتاج إلى الدليل ويدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ألا إن قتيل الخطأ قتيل السوط والعصا ديته مائة من الإبل) ولم يفصل ويدل عليه قوله: (في النفس مائة من الإبل). 27405 - فإن قيل: قد روي في النفس المؤمنة فيجب حمل المطلق على المقيد. 27406 - قلنا: من أصلنا أن المطلق يحمل على إطلاقه والمقيد على تقييده ولا يخص أحدهما بالآخر. وذكر أبو داود عن الزهدي عن سعيد بن المسيب أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (قضى في كل ذي عهد في عهده يقتل بديته ألف دينار) ومراسيل سعيد مقبولة في المذهبين.

27407 - وروى مقسم عن ابن عباس أن رسولين من بني عامر أتيا النبي - صلى الله عليه وسلم - من المشركين فأجارهما وكان فيما أجارهما حلفان وكتب لهما عهدًا وخرجا من عنده فلقيهما قوم من المسلمين فقتلوهما فوداهما النبي - صلى الله عليه وسلم - قومهما بديتي حرين مسلمين. 27408 - ولا يجوز أن يقال: دفع الدية من الواجب لتطييب الأنفس، لأن الدية اسم للواجب وإن ما تبرع به لا يسمى دية. 27409 - وذكر محمد في الآثار عن أبي حنيفة عن الهيثم - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما قالوا: (في دية المعاهد دية الحر المسلم) ولأنه دين فلا يوجب نقصان بدل النفس كدين الإسلام ولأنه دين لا يوجب نقصان بدل المتلفات من أمواله فلا يوجب نقصان بدل نفسه كدين الإسلام ولأن الدين إذا أثر في نقصانه كالردة. 27410 - قلنا لم يؤثر الكفر في إسقاط بدل نفس الذمي لم يؤثر في نقصانه ولأنه حر محقون الدم فإذا نقوم دمه تقوم بالدية الكاملة أصله المسلم. 27411 - ولا يلزم من أسلم في دار الحرب، لأن دمه لا يتقوم. 27412 - ولا يلزم الجنين، لأنه يتفوق بالغرة لا بالدية ولأن قتيل الخطأ تتعلق به الدية والكفارة فإذا لم يوجب الكفر نقصان الكفارة عن قتل المسلم كذلك الدية. 27413 - فإن قيل: الكفارة لا يختلف قدرها لأن مقدار الدية على وجه واحد عندنا في الذكر مقدر في الأنثى نصفه فأما الواجب الجنين فليس الدية. 27414 - ولأن القصاص يستوفى من المسلم بقتله فلم تقدر ديته بثلث الدية كالمسلم. 27415 - ولأن القيمة في العبد بدل النفس كالدية في الأحرار فإذا لم تجب قيمة العبد بكفره كذلك الدية. 27416 - فإن قيل: لما جاز أن يستوفي قيمة الأنثى والذكر جاز أن يستوفي فيه

الكافر والمسلم. 27417 - ولأن الأنثى والذكر قد استويا في غرة الجنين ثم لم يتساوى جنين المسلم والكافر عندهم ولأن المجوسي ساوى الكتابي في العهد فساواه في بدل النفس كالكتابيين ولأنه محقون الدم فلا تتقدر ديته بثمانمائة كالكتابي. 27418 - احتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (تتكافئ دماؤهم) دليله أن دماء الكفار لا تكافئم. 27419 - قلنا: هذا يدل على تكافؤ دماء المسلمين ولا ينفي غيره. 27420 - ولو قلنا بالدليل اقتضى أن دماء المسلمين متكافئة في كل حال ودماء الكفار بخلافها وكذلك نقول، لأن دم الكافر لا يكافئ دم المسلم بكل حال حتى ينضم إلى كفره عهد. 27421 - احتجوا: بما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (في النفس المؤمنة مائة من الإبل). 27422 - قلنا: المشهور قوله: (في النفس مائة من الإبل) وهو عام والخبر الخاص بعض ما دل عله العموم دليل الشرط عندنا لا يؤثر. 27423 - ولأن العموم المتفق عليه عندنا متقدم على الخصوص المختلف في استعماله. 27424 - احتجوا: بحديث عبادة بن الصامت أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (قضى أن دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف) وروى: (قضى في دية اليهودي والنصراني بثلث دية المسلم). 27425 - قلنا: هذا خبر لا يعرف ولم يذكر في كتاب من كتب الحديث ولا أورده الدارقطني مع جمعه لهم كل ضعيف وشاذ وإنما أضافوه إلى شرح المروزي وليس هو حجة في الحديث. 27426 - ولأنا ذكرنا أخبارًا معروفة منقولة من كتب المحدثين وما نقل في نقصان

الدية مختلف لم يرد فيه أقوى من خبر عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل دية اليهودي والنصراني نصف دية المسلم وإليه ذهل مالك فإذا كانت أخبار النقصان مختلفة كان الرجوع إلى أخبارنا أولى، لأنها غير مختلفة وموافقة لعموم متفق عليه، وهي زائدة فإثبات الزائد أولى. 27427 - ولأن بني قريظة كانت دياتهم مختلفة في الجاهلية فكانت ديات بني النضير نصف ديات بني قريظة فتحمل ما روي في دية الذمي على النصف على بني قريظة وقد كانت ديات الموالي في الجاهلية تخالف دية الصليب فيجوز أن يكون أوجب في الذمي ثلث الدية اعتبارًا بالموالي من المسلمين فكان هذا في بدء الإسلام ثم تساوت الديات فسوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني قريظة والعرب والموالي فاستوى المسلم والذمي. 27428 - احتجوا: بما روى الزهري عن عمر وعثمان وابن مسعود أن دية المجوسي ثمانمائة درهم ولا مخالف لهم. 27429 - قلنا: قد روى الزهري عن سالم عن ابن عمر أن رجلا مسلمًا قتل رجلا من أهل الذمة عمدًا فرفع إلى عثمان فلم يقتله وغلظ عليه الدية مثل دية المسلم ذكره الدارقطني وذكر محمد في الآثار عن الزهري أن أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهما جعلوا دية اليهودي والنصراني مثل دية المسلم وعن علي بن أبي طالب أنه قال: إنما أعطيناهم الأمان لتكون دماؤهم كدمائنا وأموالهم كأموالنا ولأن

معمرًا روى عن الزهري أنه قال في دية المعاهد مثل دية المسلم واحتج بقوله تعالى: {وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق} وهذا يدل على أنه لا إجماع في المسألة ولأنه يحتمل أن يكون ذلك في عبد مجوسي أوجب فيه قيمة. فإن قيل: تقدير الثمانمائة لا يعلم إلا من جهة التوقيف. 27430 - قلنا: فمعنى توقيف في كمال الدية في المعاهد والمجوسي والثني سواء وقد أوجب - صلى الله عليه وسلم - دية المعاهدين العامريين دية حرين مسلمين. 27431 - قالوا: مكلف لا يكمل سهمه من الغنيمة فلم تكمل ديته كالمرأة. 27432 - قلنا: نقصان السهم لا يدل على نقصان بدل النفس لأن العبد لا يكمل سهمه ويتجاوز بدل نفسه عند مخالفنا الدية. ولأن المرأة ناقصة الخلقة ناقصة في القتال بدلالة أنها لا تقاتل إلا بإذن فنقص سهمها لنقصان حالها في القتال ونقصت ديتها لنقصان خلقها كما نقص بدل الجنين فأما الكافر فنقصانه في القتال أوجب نقصان سهمه وهو كامل الخلقة فكمل بدل نفسه ونقصانه من طريق الحكم لا يؤثر في بدل نفسه إذا كان مقوم الدم. 27433 - قالوا: أحد بدلي النفس فلا يستوي المستأمن المسلم فيه كالقصاص. 27434 - قلنا: اختلاف الشخصين في القصاص لا يدل على اختلاف ديتهما لأن الأب وابنه لا يتساويان في القصاص ويتساويان في الدية وقد يتساوى الشخصان في القصاص وتختلف ديتهما كالرجل والمرأة ولأن القصاص يخالف المستأمن غيره فيه. 27435 - لأن معنى الإباحة في دمه أثرت فيما يسقط بالشبهة ولم تؤثر في الدية لأنها لا تسقط بالشبهة. 27436 - قالوا: الكفر منقسم فيه أعلى وأدنى، وأعلاه يسقط بتقويم النفس وهو الردة وجب أن يكون أدناه يؤثر في تحقيقها كما أن أعلى الطلاق يرفع النكاح فأدناه أخف في رفعه. 27437 - قلنا: أعلى الكفر كفر الحربي وقد أثر في إسقاط بدل المتلفات ولم يؤثر أدنى الكفر في تحقيقها.

مسألة 1344 قتل الحر العبد

مسألة 1344 قتل الحر العبد 27438 - قال أبو حنيفة ومحمد: إذا قتل حر عبدًا فالقيمة [على عاقلته] وإن جنى عليه فيما دون النفس فهو في ماله. 27439 - وقال الشافعي: في أحد قوليه: تتحمل العاقلة نفسه وما دونها، وفي القول الآخر لا تتحمل الأمرين. 27440 - لنا: أنه ضمان نفس آدمي فجاز أن تتحمله العاقلة كالحر ولأن الكفارة تجب بقتله كالحر ولأنه شخص يجب القصاص على قاتله فجاز أن تتحمل العاقلة بدله كالحر ولأن كل محل يجوز أن يستوفي منه دية الحر يجوز أن يستوفي منه دية العبد كدية القاتل. فإن قيل: المعنى في الحر أن العاقلة تتحمل أطرافه ولما لم تتحمل أطراف العبد لم تتحمل نفسه. 27441 - قلنا: ما دون النفس في الحر يجب القصاص على الحر بقطعها فتحملها العاقلة وطرف العبد لا يجب القصاص على الحر بقطعه فلذلك لم تحمله العاقلة. 27442 - احتجوا: بقوله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى}. 27443 - قلنا: معناه أن الإنسان لا يأثم بفعل غيره ولا يعاقب بجناية غيره وليس المراد أن الإنسان لا يجب عليه لغيره حق على طريق المساواة. 27444 - قالوا: روى ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تعقل العاقلة عمدًا ولا عبدًا ولا صلحًا ولا اعترافًا).

27445 - قلنا: هذا موقوف على ابن عباس ولم يسند من جهة صحيحة ولأن معناه: لا تعقل العاقلة جناية العبد ألا ترى أن قوله: (لا تعقل عمدًا) معناه جناية العمد كذلك قوله (ولا عبدا) معناه جناية العبد ومخالفنا يضمر: لا تحمل جناية على العبد فيضمر اسما وحرفا ومتى استقل الكلام بإضمار واحد كان أولى. 27446 - فإن قيل: لو كان كذلك لقال: لا تعقل العاقلة عن العبد. 27447 - قلنا: إذا ثبت ما قلنا أن المراد جناية العبد لم نحتج أن نقول: عبد العبد. 27448 - قالوا: العاقلة لا تحمل طرفه فلا تحمل بدل نفسه كالبهائم. 27449 - قلنا: لا يجب القصاص بقتلها ولا الكفارة فلذلك لم تتحمل العاقلة الجناية عليها. ولما كان القصاص والكفارة تجب بقتل العبد جاز أن تتحمل العاقلة جنايته. 27450 - قالوا: جناية على العبد فلم تتحملها العاقلة كالطرف. 27451 - قلنا: المعنى فيه أن القصاص لا يجب على الحر بنوعه فلم تتحمل العاقلة والنفس يجب القصاص بها فكذلك تحملها العاقلة. 27452 - فإن قيل: اعتبار التحمل بالقصاص لا يصح لأن المأمومة لا قصاص فيها والموضحة فيه القصاص وتتحملها العاقلة. 27453 - قلنا: لأن نوع هذا يجب فيه القصاص وإنما سقط في بعض الشجاج لتعد المماثلة. 27454 - قالوا: مضمون بالقيمة فلا تتحمل العاقلة قيمته كالأموال. 27455 - قلنا: الأموال يستوي في ضمانها العمد والخطأ فلم تتحملها العاقلة.

مسألة 1345 ما دون النفس من العبد

مسألة 1345 ما دون النفس من العبد 27456 - قال أصحابنا: ما دون النفس من العبد لا تتحمله العاقلة. 27457 - [وقال الشافعي] في أحد قوليه: تتحمله. 27458 - لنا: أنه متلف لا يجب القصاص على الحر مع إمكان المماثلة فلم تتحمله العاقلة كطرف البهيمة. 27459 - ولأن العبد له شبهٌ بالبهائم من حيث كان مالا مقومًا وله شبهٌ بالحر ولأن القصاص يجب فيه والكفارة فأعطيناه الشبهين فقلنا: تتحمل العاقلة نفسه كالأحرار، ولا تتحمل أطرافه كالبهائم. 27460 - احتجوا: بأن كل من تحملت العاقلة بدل نفسه تحملت بدل ما دونها كالحر. 27461 - قلنا: المعنى في الحر أن ما دون نفسه يجوز أن يجب القصاص على الحر بقطعها وما دون النفس من العبد لا يجب القصاص على الحر بقطعها فلم تتحملها العاقلة كالبهائم.

مسألة 1346 جناية أم الولد

مسألة 1346 جناية أم الولد 27462 - قال أصحابنا: إذا جنت أم الولد جنايات لم يلزم المولى إلا قيمة واحدة وهو أحد قولي الشافعي. 27463 - وقال في قول آخر: إن تفرعت الرقبة من الجناية ثم جنت ضمن قيمة أخرى. 27464 - لنا: أن المولى يمنع تسليمها في الجناية بالاستيلاد السابق والمنع الواحد من غير إجبار لا يوجب أكثر من قيمة واحدة أصله إذا جنت جنايات فاستولدها وهو لا يعلم. ولأن الاستيلاد إذا تأخر فقد أسقط به حق لهم بعد ثبوت الحق وإذا تقدم فلم يسقط به حقًّا ثابتًا فإذا لم يجب مع تأخير الاستيلاد أكثر من قيمة واحدة [فإذا تقدم أولى. ولأنها جنايات من أم الولد فلم يجب على مولاها أكثر من قيمة واحدة] أصله إذا جنت جنايتين معًا أو إحداهما بعد الأخرى قيل يضمن المولى. 27465 - فإن قيل: هناك صادفت الجناية الثانية رقبة مشغولة فلم يكمل أرشها. 27466 - وفي مسألتنا صادفت الجناية رقبة فارغة فكمل أرشها. 27467 - قلنا: إن جنايات أم الولد جعلت كالموجود قبل الاستيلاد حتى يلزم ضمانها وتضمين المولى متأخر عن ذلك، فاستوى فيه أن تكون الثانية قبل ضمان المولى وبعده ولأنه شغل الرقبة وفراغها يختلف في الجناية المتعلقة بها المستوفاة منهما فأما إذا كان محل الاستيفاء غير الرقبة فلا فرق بين فراغها وشغلها ولأنها جنايات لم ينقصها اختيار فاستوى اجتماعها وتفرقها أصله جنايات الحر والعبد. 27468 - احتجوا: بأنها مملوكة فجاز أن يتكرر الفداء بتكرر الجناية أصله الأمة.

27469 - قلنا: الأمة لا يتكرر الفداء فيها لتكرر الجناية لكن لتكرر الاختيار والمنع هذا يوجد في أم الولد ولأن الأمة تتعلق الجناية برقبتها فإذا سلمت الرقبة للمولى بالاختيار وجب عليه الفداء وجناية أم الولد تعلق بذمة المولى للمنع السابق ولم يوجد إلا منع واحد [المنع الواحد لا يوجب] فلم يجب عليه إلا ضمان واحد. 27470 - قالوا: يلزمه أن يفديها في الجناية الأولى لأن جنايتها تعلقت بالرقبة من قيمة فارغة والمولى مانع من بيعها بالاختيار المتقدم وهذه العلة موجودة في الجناية الثانية فلما لم يوجد في الجنايتين إلا منع واحد، والمنع الواحد لا يوجب أكثر من قيمة واحدة وقد غرم المولى تلك القيمة فجعلت الجناية الثانية وقد سقط حكم المنع بالغرامة الأولى فلم يجز إيجاب غرم واحد. 27471 - قالوا: ولي الجناية الأولى تعين ملكه لما قبضه فلا يجوز أن يزول ملكه عن بعضه بالجناية الثانية من أم ولد غيره. 27472 - قلنا: عندنا أن ملكه لما قبضه مراعى فإذا جنت بينا أنه قبض ما تعلق به حق الغير وهذا كأحد الشفعاء إذا قضى له بالشقص وملكه ملكًا مراعى فإن حضر الغائب زال ملك الحاضر عن بعض الشقص وكذلك من مات وترك مالا وعليه ديون نقصت التركة ثم وقع بئر قد حفرها الميت دابة فماتت رجع صاحب الدابة على الغرماء فشاركهم فيما كانوا ملكوه. 27473 - قالوا: قال المزني كيف يغرم ولي الجناية الأولى وليس بمالك لأم الولد ولا عاقل لها. 27474 - قلنا: يبطل بمسألة البئر فإن الغرماء يلزمون لصاحب الدابة ولم يحفروا البئر ولا هم عاقلة حافرها.

مسألة 1347 قطع يد العبد المعتق

مسألة 1347 قطع يد العبد المعتق 27475 - قال أصحابنا: إذا قدع يد عبد فأعتقه مولاه سقط ضمان السراية ووجب للمولى نصف قيمة العبد وكذلك إن باعه المولى بعد القطع. 27476 - وقال الشافعي: يضمن القاطع ديةً، جزء منها للمولى نصف قيمة العبد والباقي لورثة العبد. 27477 - لنا: أن السراية لا تخلو إما أن يثبت حكمها للمولى أو للمعتق ولا يجوز أن تثبت للمولى لأن ملكه زال عنه ولا يجوز أن تثبت للمعتق لأنه لم يستحق أرش الجناية فلا يستحق سرايتها وحكم السراية مرتب على الجناية وتابع لها ولا يجوز أن ينفرد بحكم عنها. 27478 - فإن قيل: فقد أفردتم حكمها عن الجناية حيث أسقطتم ضمانها مع وجوب الضمان في الجناية. 27479 - قلنا: إفرادها بحكم هو أن تثبت لها حكمًا يخالف الجناية فإما أن نسقط أحكامها فلا، وهذا كما لو أمر الجاني من السراية ولأنه فعل من المولى منع به ثبوت حقه في السراية فوجب [أن يسقط] حكمها أصله البراءة. 27480 - احتجوا: بأن القطع جناية مضمونة سرت فيما هو مضمون فوجب أن تكون السراية مضمونة أصله إذا سرت قبل أن يعتقه. 27481 - قلنا: يبطل إذا أبرأ المقطوع من القطع أو أبرأ المولى من ذلك ولأن السارية قبل العتق لما لم يسقط حكمها كان المستحق لها هو المستحق لأرش الجناية ولما سقط حق ولي الجناية في مسألتنا عن السراية سقط حكمها كالبرء.

مسألة 1348 تعلق جناية العبد برقبته

مسألة 1348 تعلق جناية العبد برقبته 27482 - قال أصحابنا: جناية العبد تتعلق برقبته ويخاطب المولى بدفعه بها إلا أ، يفديه بأرشها. 27483 - وقال الشافعي: تتعلق بذمته ويباع فيها. 27484 - لنا: ما روي عن أبي عبيدة بن الجراح أنه قال في مدبر قتل رجلًا: ضمن المولى قيمته. 27485 - قال محمد: فلولا أنه كان يجب عليه دفع الرقبة فتعذر ردها بالتدبير لم يضمن. 27486 - فإن قيل: كان يجب البيع فالتدبير منع البيع. 27487 - قلنا: الحقوق الثابتة في ذمة العبد تتأكد بحريته لأن ذمته أقوى فلا يجوز أن يكون التدبير سبب ضمان القيمة. 27488 - ولأنها جناية يمكن استيفاءها من الرقبة فوجب أن تتعلق بها كجناية العبد من الحر والعبد ولأن جناية الخطأ توجب الضمان مؤجلا في ثلاث سنين وجناية العبد توجب الضمان حالًا فلو كان الضمان في ذمته لاحتمل التأجيل فلما ثبت حالا دل على أن الواجب تعلق بالرقبة لأن الأعيان لا تحتمل التأجيل وإذا ثبت أن جنايته متعلقة برقبته لم يلزم المولى فيها أكثر من رفع يده بل تتلف الرقبة في يده وعلى ملكه وجب عليه نفسها. 27489 - قلنا: القصاص لا يستوفي في يد المولى بل يسلمه القاضي إلى الولي ليقتله فأما الملك فإن القصاص يستوفي من غير انتقال الملك والأرش لا يستوفي الرقبة إلا بعد انتقال الملك فيها إلى الأولياء ولا جناية الخطأ يلزم أرشها

أقرب الناس إلى الجاني بدلالة العاقلة والمولى أقرب الناس إلى العبد، وهو الذي يلزمه بضربه فوجب أن يخاطب بحكم جنايته وكل ضمان يجب على الإنسان كتمليكه المال سقط عنه بتسليم المال إلى المستحق كالوارث إذا خلا بين الغرماء والتركة وسقط عنه المطالبة الديون ونصب القاضي من يوفيهم الدين منها وليس كذلك إتلاف المال لأن ضمان المال من حكمه أن يثبت في ذمة المتلف بدلالة الحر والدين الثابت في الذمة إذا تعلق بالمال تبع المال فيه كالرهن. 27490 - احتجوا: بأن أرش الجناية تعلق برقبة العبد، فإذا امتنع المولى من دفع المال وجب بيع العبد وقضى بالمال من ثمنه أصله العبد المرهون. 27491 - قلنا: الدين في الرهن متعلق بذمة الراهن والعبد وثيقة فأما أن يتعلق برقبته فلا ولا نسلم أن الرهن يباع في الدين ولكن الراهن يحبس حتى يبيعه ويقضي دينه. 27492 - قالوا: الأرش إما أن يكون من جنس الإبل أو من جنس الأثمان والحق إذا ثبت من جنس لم يجبر صاحب الحق على أخذ غير جنسه. 27493 - قلنا: لسنا نقول: إن رقبة العبد تؤخذ عن الأرش ولكنه يسقط عن نفسه المطالبة بتسليمها فيسقط ما وجب من الأرش بملك المستحق لها. 27494 - قالوا: ضمان متلف كإتلاف الأموال ثبت في ذمة المتلف بدلالة الحرية وما ثبت في الذمة وتعلق بالرقبة بيعت فيه كما تباع تركة الميت وأما الجنايات فتتعلق بالرقاب إذا أمكن استيفاؤها منها بدلالة العبد ولهذا نقول: إنها تتعلق بأعيان العاقلة ولا تتعلق بذمتهم، ولهذا من مات منهم سقط عنه ولم يؤخذ من تركته.

مسألة 1349 من صاح بصبي أو مجنون على حائط هل يضمن

مسألة 1349 من صاح بصبي أو مجنون على حائط هل يضمن 27495 - ذكر الطحاوي عن أصحابنا: أن من صاح بصبي أو مجنون وهما على حائط ففزعا وسقطا أو زال عقلهما فلا ضمان عليه. 27496 - وقال الشافعي: يضمن في الصبي والمجنون ولا يضمن في الرجل العاقل وقال ابن أبي هريرة إذا عقل البالغ وصاح به فسقط ضمن دائمًا وإنما لا يضمن إذا واجهه بالصياح. 27497 - لنا: أنه لم يوقع فيه فعلًا ولا فيما اتصل به ولا قربه من سبب المتلف فلم يضمن ديته أصله إذا فزع الصبي من مشاهدته ولأنه فعل لا يضمن به البالغ فلا يضمن به الصبي أصله إذا وقع في بئر حفرها في ملكه وعكسه مباشرة الإتلاف. ولا يلزم إذا غصب صبيا فوقع عليه حائط لأن الضمان يجب حين قربه من سبب التلف وهو لا يمكنه التحفظ ولهذا يضمن به البالغ إذا قيده وحبسه فوقع عليه حائط. 27498 - احتجوا: بأن الصبي يفزع في العادة فإذا فزعه صار سببًا في إتلافه فيجب عليه ضمانه كحافز البئر. 27499 - قلنا: يبطل إذا اجتاز به وهو على صفة يخاف الصبيان منها ففزع الصبي فأما الحافر فهو كالدافع الواقع في البئر فيلزمه الضمان لإيقاعه الفعل فيما اتصل به كما يلزمه الضمان برميه أو ضربه.

مسألة 1350 الأب والابن يتحملان العقل

مسألة 1350 الأب والابن يتحملان العقل 27500 - قال أصحابنا: الأب والابن يتحملان العقل. 27501 - وقال الشافعي: لا يدخلان في العقل. 27502 - لنا: ما روي أن سلمة بن نعيم قتل مسلمًا يظنه كافرا فقال له عمر: الدية عليك وعلى قومك وروى أنه - عليه السلام - قضى بالدية على العاقلة. 27503 - وهذا الاسم مأخوذ من المنع ولهذا يقال: لما يعقل به البعير: عقال [لأنه يمنع] من النفور والابن والأب يمنعان القاتل فهما من العاقلة. 27504 - ولأن كل حكم يتعلق بالرحم فإن الابن يساوي غيره فيه أو يقدم عليه أصله الإرث والنفقة ولأنه ضمن لسبب ضربه القاتل فجاز أن يعقل عنه كالأخ. 27505 - ولأن كل حكم يتعلق بالأخوة يتعلق بالبنوة أصله تحريم المناكحة ولأنها قرابة مولاها في النكاح كالأخوة والعمومة. 27506 - احتجوا: بما روى أن امرأتين من هذيل اقتتلنا فقلت إحداهما الأخرى قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عاقلة القاتلة وجعل ميراث القاتل للابن والزوج نفر بين العاقلة والابن فلما استأنف آخر في ذمة الابن والزوج لا يثبت ذلك الحكم

لمنفعة العاقلة فلم يدل ذلك على أن الابن ليس من العاقلة. 27507 - قالوا: فقد روى وبرأ الابن والزوج. 27508 - قلنا: هذا اللفظ ليس بمحفوظ ولو ثبت لم يكن فيه دلالة لأنه يحتمل أن يكون الابن صغيرًا أو مجنونًا فلا يدخل مع جملة العاقلة في التحمل وأن يستحق الإرث. 27509 - قالوا: روي عن أبي رِمْثَة أنه دخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه أبوه فقال: إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه. 27510 - قلنا: ظاهره متروك بإجماع لأن كل واحد منهما يجوز أن يجني على الآخر. 27511 - فإن قيل: معناه إنك لا تؤخذ بحكم جنايته. 27512 - قلنا: بل معناه إنك لا تعاقب بجنايته أو لا تأثم بجنايته وليس أحد الإضمارين إذا عدلنا عن الظاهر أولى من الآخر. 27513 - قالوا: روى ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (قال لا تعودوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم بعضًا بالسيف أما إنه لا يجني ولد على والده ولا والد على ولده). 27514 - قلنا: متروك فيحتمل ما يحتمله الخبر الأول والظاهر المراد به المأثم أو العقوبة لأنه ذكر قتل العمد الذي يأثم به ولهذا قال: (لا تعودوا بعدي كفارًا) أي كالكفار وتحمل الدية الذي يدعي مخالفنا أنه مراد ليس من أحكام. 27515 - قالوا: من لا يحمل الدية مع أهل الديوان لا يحمل العقل مع عدمهم أصله الصغير والمعتوه والمرأة. 27516 - قلنا: لا نسلم أنه لا يحمل مع أهل الديوان لأن الأب والابن إذا كانا من أهل الديوان تحملا معهم والمعنى فيها فاستوى عليه إنهم ليسوا من أهل النصرة فلم

يتحملوا جناية غيرهم وليس كذلك الأب والابن لأنهما يعصمان القاتل فجاز أن يتحملا عنه. 27517 - قالوا: من لزمه نفقة غيره من ماله لم يلزم تحمل العاقلة عن أصله الزوج. 27518 - قلنا: النفقة مال يلزم الإنسان لغيره على طريق المعاونة والمواساة وكذلك تحمل الدية عنه فأحد الحكمين علة للآخر ويدل عليه فإما أن ينفيه فلا، والمعنى في الزوج أن سببه لا يتحمل به إذا بعد لأن زوج الأم والجدة وبنت الابن لا يتحمل به إذا قرب وسبب الأب والابن هو القرابة وذلك يتحمل به مع البعيد فأولى أن يتحمل به مع القرب. 27519 - قالوا: كل شخصين بينهما نفقة لا يتحمل أحدهما عن الآخر أصله إذا كان معهما أهل الديوان. 27520 - قلنا: هناك وجدت نصرة أخص من نصرتهما وفي مسألتنا هما أخص بالنصرة فكان أولى بالتحمل.

مسألة 1351 القاتل كأحد العاقلة

مسألة 1351 القاتل كأحد العاقلة 27521 - قال أصحابنا: القاتل كأحد العاقلة يلزمه ما يلزم واحدًا منهم. 27522 - وقال الشافعي: لا يلزم القاتل شيء إلا أن لا يتسع العاقلة. 27523 - لنا: ما روي أن سلمة بن نعيم قتل رجلًا يوم اليمامة فظنه كافرا وكان مسلمًا فقال له عمر بن الخطاب: الدية عليك وعلى قومك ولأن الضمان يجب على القاتل وتتحمله العاقلة عنه بدلالة أنه مال يجب بالقتل كالكفارة. 27524 - ولأنه أحد بدل النفس فوجب على القاتل القصاص. 27525 - ولأنه بدل عن متلف فلزم التلف أصله سائر المتلفات ولأنه لو أقر بالقتل وكذبته العاقلة وجب عليه وأولى أن الوجوب في الأصل يتعلق به لكان إذا أقر به لا يلزمه وكأنه أقر بحق غيره وإذا ثبت أن الضمان يجب عليه وإنما تتحمل العاقلة عنه وجب أن يتحملوا ما أنفق عليه ولأنهم يتحملون عنه على طريق التخفيف ومقدار ما يلزم أحدهم لا يفتقر إلى التخفيف ولأنهم إذا تحملوا لخففوا عنه صار كأحدهم. 27526 - ولأن التحمل يجب على الأقرب فالأقرب والإنسان إلى نفسه أقرب من غيره فوجب أن يدخل مع العاقلة ولأنها دية وجبت القتل فلا تخلو ذمة القاتل من ضمان منها أصله إذا أقر بالقتل. 27527 - احتجوا: بما وري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بدية المقتول على عصبة القاتل وروى على عاقلة القاتلة. 27528 - قلنا: لأن القاتلة امرأة ومن أصحابنا من قال: إن القاتل إذا لم يكن ممن يتحمل العقل لم يدخل مع العاقلة. 27529 - قالوا: روي عن عمر أنه قال: أقسمت عليك كما أقسمت على قومك.

27530 - قلنا: إنما أراد بذلك كل بني عدي لأنهم عاقلة عمر وهو أحد بني عدي فقد دخل في الكلام. 27531 - قالوا: ما وجب تحمله عن الغير وجب تحمل جمعه كالنفقة وصدقة الفطر. 27532 - قلنا: التحمل لا يقع في النفقة لأن التحمل هو أن يجب على الإنسان شيء يلتزمه غيره والنفقة تجب على المخاطب بها ابتداء لا على وجه التحمل كذلك صدقة الفطر عندنا لا تجب على الصغير والعبد وإنما تجب ابتداء على المولى فلا نسلم التحمل فيها. 27533 - ولأن التحمل في الفطرة إنما يكون عمن ليس من أهل الوجوب فهو كالتحمل عن الصبي القاتل فيتحمل عنه الجميع. 27534 - وفي مسألتنا القاتل من أهل التحمل فإذا اجتمع معه من يتحمل اشتركا كالقاتلين. 27535 - قالوا: الدية التي تجب على القاتل تحملها لا تشاركه العاقلة فيها وهي دية العمد وما يثبت باعترافه من دية الخطأ وكذلك ما وجب على العاقلة تحمله لا يشاركهم فيها. 27536 - قلنا: هذا غلط لأن الأصل أن الضمان الذي يجب بفعل الإنسان يلزم ولا يشاركه غيره فيه إلا أ، يشاركه في فعله فوجوب الدية كالعمد عليه والإقرار من الأصل ووجوب التحمل خارج عن وضع الأصول فلا يقال: لما لم تقع المشاركة هناك لم تقع هاهنا.

مسألة 1352 الدية على أهل الديوان

مسألة 1352 الدية على أهل الديوان 27537 - قال أصحابنا: الدية على أهل الديوان. 27538 - وقال الشافعي: على أهل القبيلة. 27539 - لنا: ما روي عن إبراهيم قال: كانت الدية على القبائل فلما دون عمر الديوان جعل الدية على أهل الديوان فلم ينكر ذلك منكر ولا يقال المحفوظ أنه جعلها في الأعطية لأن هذا بعض الخبر وتمامه ما ذكرناه. 27540 - فإن قيل: يجوز أن يكون جعلها على القبيلة من أهل الديوان. 27541 - قلنا: لو كان كذلك لم يتغير الأمر عما كان عليه قبل الديوان والخبر يقتضي تغير الحكم ولأن قوله: (وضعها على أهل الديوان) يقتضي عمومة القبيلة وغيرها فلا يخص إلا بدليل. 27542 - ولأن عند مخالفنا لا يختص التحمل بالقبيلة من أهل الديوان بل الدية على القبيلة المندوب منهم ومن لا ديوان له. 27543 - فإن قيل: إذا كانت الدية في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر على القبائل فيكف يجوز أن ينسخ هذا الحكم في زمن عمر. 27544 - قلنا: لو كان هذا نسخًا لم يمسك المهاجرون والأنصار عن إنكاره فأنكروه على أنهم عرفوا أنه حكم متعلق بشرط وهو النصرة فلما حدثت نصرة لم يكن انتقل العقل إليها وهذا ليس بنسخ كما روي أن عمر ضاعف على بني تغلب الصدقة وهذا حكم لم يكن في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - كصنع الخراج وإنما وضع العشر إلا أن الأرضين التي وضع عمر عليها الخراج وهي المعرفة التي أقر أهلها عليها مع كفرهم لم يكن في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - كذلك هذا الحكم أيضًا ولأن العقل يتحمل بالتناصر. 27545 - ولأن النساء لا تتحمل والصبيان ولأنه لا تناصر بهم والنصرة بالديوان

أخص [من النصرة بالقبيلة بدلالة أن يوم الجمل خرجت كل قبيلة إلى قبيلتها وإذا كانت النصرة بهم] كان العقل عليهم ولا يلزم الصنائع لأنهم إن تناصروا فالصناعة كالجرارين بمكة تعاقلوا بها ولأنهم من أهل النصرة فجاز أن يعقلوا عنه كأهله. 27546 - ولأنه معنى يثبت العصيان فجاز أن يشاركهم فيه غيرهم كالإرث ولأنهم من أهل ديوانه فوجب أن يعقلوا عنه كم في الديوان من عشيرته. 27547 - احتجوا: بما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قضى بالدية على عصبة القاتل. 27548 - قلنا: لم يكن في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ديوان والمرأة ليست من أهل الديوان فجنايتها على عصبتها والكلام إذا كان القاتل من أهل الديوان كان هناك ديوان موجود والخبر ورد في موضع إجماع والذي روي أن عمر قال لسلمة بن نعيم: الدية عليك وعلى قومك إنما قال هذا في زمن أبي بكر لما عادوا من اليمامة ولم يكن في زمنه ديوان وقول عمر لعلي أقسمت عليك لا تبرح حتى تقسمها على قومك يحتمل أن يكون قبل أن يضع عمر الديوان لأنه إنما وضع الديون في آخر زمن عمر. 27549 - قالوا: معنى يتعلق بالتعصيب إذا كان من أهل الديوان أصله ولاية النكاح والميراث. 27550 - قلنا: لا نسلم أنه يتعلق بالتعصيب بدلالة أن الصبي والمجنون لهما تعصيب ولا يتحملان وإنما يتعلق بالنصرة فإذا لم يكن ديوان فالنصرة في الأصل وإذا كان هناك فالنصرة في أهل الديوان. 27551 - ولأن ولاية النكاح تتعلق بالتعصيب ويجوز أن يشركهم من ليس بعصبة وهو الزوج والزوجة كذلك تحمل العقل يجوز أن يشرك العصبات فيه من لا تعصب له. 27552 - قالوا: معنى لا يتعلق به استحقاق الميراث فوجب أن يتعلق به ويحمل إليه كالجرار والصانع. 27553 - قلنا: اعتبار التحمل بالتوارث لا يصح لأن أقرب أسباب التوارث البنوة والأبوة لا يقع بها تحمل عند مخالفنا وسوى بين القريب والبعيد في التحمل إذا قل العدد

باتفاق ومقدم في الميراث تحمل بهما العقل عندنا.

مسألة 1353 إشراك القريب والبعيد في الدية

مسألة 1353 إشراك القريب والبعيد في الدية 27554 - قال أصحابنا: يشرك القريب والبعيد وإذا احتمل القريب ذلك. 27555 - وقال الشافعي: يبدأ بالإخوة فإن تحملوا ذلك وإلا ضم إليهم بنو الجد فإن حملوا ذلك وإلا ضم إليهم بنو من هو أعلى منه. 27556 - لنا: ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بالدية على العاقلة والاسم يتناول القريب والبعيد ولهذا يدخل البعيد إذا لم يتحملها القريب، وروي أنه - صلى الله عليه وسلم - جعل على كل بطن من الأنصار عقول وقال عمر - رضي الله عنه - لسلمة بن نعيم: الدية عليك وعلى قومك ولأنهم ينصرونه كالأقارب. 27557 - احتجوا: بأنه حق متعلق بالتعصيب فاعتبر فيه الأقرب فالأقرب كالمواريث. 27558 - قلنا: لا نسلم أنه يتعلق بالتعصيب وإنما يتعلق بالنصرة ولأنه لو تعلق بالتعصيب لم يخرج الابن منه وهذا أولى العصبات. 27559 - قالوا: إذا سقط الأرش القليل على العدد الكثير احتاج المجني عليه إلى غرامة مثله بجنايته. 27560 - قلنا: تجب على العاقلة جمعه وتسليمه إليه فلا يؤدي إلى ما قالوا.

مسألة 1354 الدية على العاقلة في ثلاث سنين

مسألة 1354 الدية على العاقلة في ثلاث سنين 27561 - قال أصحابنا: الدية على العاقلة في ثلاث سنين أولها من حين يقضي القاضي. 27562 - وقال الشافعي: أول المدة من حين الموت لا من حين الجرح أو في الجراح إذا اندمل من حين الجرح وإذا سرت الجراحة إلى طرف واحد مثل قطع أصبع رجل فسرت إلى الكف فمن حين الاندمال. 27563 - لنا: أنه معنى اعتبر فيه الحول لإبقاء حق مجتهد فيه فوجب أن تكون ابتداء المدة من حين الحكم أصله هذه العلة. 27564 - فإن قيل: وجوب الدية على العاقلة مجمع عليه. 27565 - قلنا: الحق المقضي به مجتهد فيه من الفقهاء من قال نوع واحد ومنهم من قال ثلاثة أنواع ومنهم من قال خمسة ولأنه حق اعتبر فيه الحول مختلف في ثبوته كان ابتداء الحول عقيب الحكم كأجل العنين. 27566 - فإن قيل: لا نسلم الخلاف. 27567 - قلنا: الأصل أن العاقلة لا تحمل الدية ولأن قد دللنا على أن الدية تجب في ذمة القاتل. 27568 - فمن أصحابنا من قال: ينتقل عن ذمته بالحكم فعلى هذا القول لم يجب

عليهم إلا بالحكم بالتأجيل من حين الوجوب. 27569 - ومن أصحابنا من قال: لا يستقر في ذمة القاتل وإنما ينتقل ثبوته كما ينتقل ملك الوكيل إلا أن المنتقل مختلف الأنواع ومن يلزمه من العاقلة يجتهد فيه من الفقهاء من اعتبر أهل الديوان ومنهم من اعتبر القريب والبعيد ومنهم من اعتبر الأقرب فالأقرب وإنما يعين ذلك حكم الحاكم وإذا تعين الحق بحكمه كان التأجيل من حين الحكم. 27570 - احتجوا: بأن من لزمته مؤجبة كان ابتداء الأجل من حيث الفعل أصله إذا أقر القاتل بقتل الخطأ فلم تصدقه العاقلة. 27571 - قلنا: لا نسلم أن العاقلة لزمها شيء إلا بالقضاء فالأجل من حين اللزوم ولأن القاتل يجوز أن تلزمه الدية حالة مؤجلة فجاز أن يثبت تأجيلها في حقه بغير حكم والعاقلة لا يلزمها إلا المؤجل فلذلك اعتبر في ابتداء التأجيل الحكم. 27572 - ولأن الحق يلزم القاتل غير مجتهد في وجوبه عليه فحل محل أثمان البياعات والعاقلة مجتهد في وجوب الحق عليها لأن الموجب عليه مختلف فيه فتعيين بالحكم لذلك أجله تتعين ابتداؤه ومن حين الحكم قاسوه على سائر الديون. 27573 - قلنا: [هناك الحق مستقر فأجله من حين استقرارها هنا الحق لا يستقر على العاقلة إلا بالقضاء فالأجل من حين يستقر كثمن البيع المشروط فيه الخيار. 27574 - قالوا: أجل في حق مستقر فلم يتعين في ابتدائه الحكم كأجل الإيلاء. 27575 - قلنا]: ليس للحاكم في ابتداء مدة الإيلاء مدخل فلم تؤثر المدة بحكم وله مدخل في ابتداء تعين الواجب في مسألتنا فكذلك ابتدأت من حين يحكم.

مسألة 1355 أكثر ما يوضع على كل واحد من العاقلة

مسألة 1355 أكثر ما يوضع على كل واحد من العاقلة 27576 - قال أصحابنا: أكثر ما يوضع على كل واحد من العاقلة أربعة دراهم وأقله لا يتقدر. 27577 - وقال الشافعي: يوضع على الغني نصف دينار وعلى المتوسط ربع دينار ولا ينقص من ذلك. 27578 - لنا: أن كل مقدر يؤخذ في الزكاة بنفسه لا يتقدر به ما يؤخذ من آحاد العاقلة أصله البعير والبقرة والمسنة ولأن وجوب الزكاة أقوى من وجوب التحمل عن القاتل بدلالة أن الزكاة تجب عليه في نفسه والعقل يتحمله عن غيره واتفق على وجوب الزكاة واختلف في العقل والزكاة لا يتقدر أكثرها ويتقدر أكثر العقل فوجب أن ينقص مقدار أضعف الحقين عن أقل ما قدر به أقواهما لأنه مقدار لا يقضي به على الأب والابن فلا يقضي به على الأخ والعم كما زاد على نصف دينار. 27579 - واحتجوا: بأن ما لا يقطع فيه السارق في حكم التافه فلا يقدر به ما يلزم آحاد العاقلة. 27580 - قلنا: هذا موضع الخلاف لأن عندنا لا يتقدر التحمل فيقضي كل واحد بالشيء اليسير التافه. 27581 - قالوا: لما لم يقدر أكثر المقضي به فوجب أن يتقدر أقله. 27582 - قلنا: قد يدخل التقدير في أحد طرفي الشيء ولا يدخل الطرف الآخر بدليل أن أقل الزكاة مقدار وأكثرها غير مقدر وأكثر التعزير مقدر وأقله غير مقدر لأن أكثل المتحمل يقدر تخفيفًا عن العاقلة حتى لا يجحف بهم ولهذا لا يتقدر الأقل حتى يكون أسهل عليهم.

27583 - قالوا: هذا يؤدي إلى الأضرار لأنهم يوجبون على آحاد العاقلة اليسير الذي يثق على الولي جمعه. 27584 - قلنا: عندنا تكلف العاقلة جمع الدية وتسليمها ولا يلزم الولي ذلك فلا يؤدي إلى الإضرار به.

مسألة 1356 الغني والمتوسط الحال في مقدار التحمل

مسألة 1356 الغني والمتوسط الحال في مقدار التحمل 27585 - قال أصحابنا: الغني والمتوسط الحال في مقدار التحمل سواء. 27586 - وقال الشافعي: على الموسر نصف دينار وعلى المتوسط الحال ربع دينار. 27587 - لنا: ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل على بطن من الأنصار عقوله وهذا يقتضي التساوي [وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أقسمت عليك وعلى قومك وهذا]. 27588 - ولأنه معنى يلزم القرابة على طريق المواساة فاستوى فيه الغني والمتوسط كنفقة ذوي الأرحام، ولأنه مال يجب بسبب القتل ولا يختلف قدره بكثرة المال وقلته كالكفارة. 27589 - ولأنها مواساة يدخلها التحمل: فلا يختلف قدرها بزيادة المال كصدقة الفطر. 27590 - احتجوا: بأنه مال يجب على طريق المواساة فاختلف فيه الغني والمتوسط كالزكاة. 27591 - قلنا: أن يزيد على نصف دينار إلى ما لا نهاية له وهذا الحق لا يجب لأجل المال وإنما يجب للنصرة وقد ساوى في النصرة.

مسألة 1357 حصة من مات من العاقلة

مسألة 1357 حصة من مات من العاقلة 27592 - قال أصحابنا: من مات من العاقلة لم تؤخذ حصته من تركته، وسقطت بموته. 27593 - وقال الشافعي: تؤخذ من تركته. 27594 - لنا: أن تحمل الدية للنصرة والنصرة تبطل بالموت فوجب أن يسقط ما وجب لأجلها. 27595 - ولهذا قلنا أن الجزية تسقط بالموت، لأنها وجبت للصغار، وهذا لا يتصور بعد الموت، ولأن التحمل طريقة الصلة فإذ لم يقبض حتى مات سقط كالجنايات ولأنه موت آحاد العاقلة يمنع بقاء التحمل أصله إذا مات في خلال الحول فإن نازعوا فيه. 27596 - قلنا: ما اعتبر فيه الحول إذا مات الموجب عليه قبل تمام الحول لم يجب أصله الزكاة ولأن كل حالة لا يستوفى فيها العقل من مال الأب والابن لا يستوفى من مال الأخ والعم كما لو ماتوا في خلال الحول. 27597 - احتجوا: بأنه دين استقر وجوبه في الحال الجناية، فلا يسقط بالموت كسائر الديون. 27598 - قلنا: لا نسلم أنه استقر. 27599 - قالوا: يزيد باستقراره أنه لا يملك إسقاطه عن نفسه. 27600 - قلنا: هذه إحدى علامات الاستقرار ويحتاج في الاستقرار إلى وجوب سائر العلامات ولا يكفي في ذلك أحدهما وعندنا من علامات الاستقرار أنه لا يسقط الحق بالموت ولأن سائر الديون لم تجب على طريق التبرع فلم يؤثر موت المسلم في إسقاطها، وهذا حق تبرع به فيؤثر الموت في سقوطه كنفقة ذوي الأرحام. 27601 - فإن من وجب عليه ضمان الجناية لم يسقط بموته كالقاتل لزمه عوض

عن جنايته والأعواض لا تسقط بالموت والعاقلة لا يلزمها العقل على طريق العوض على شيء وإنما تبرع به عن القائل فإذا لم يتصل بالقبض حتى مات سقط.

مسألة 1358 ما دون الموضحة

مسألة 1358 ما دون الموضحة 27602 - قال أصحابنا: ما دون الموضحة لا تتحمله العاقلة. 27603 - وقال الشافعي: في أحد قوليه تتحمل القليل والكثير وقال في قول آخر لا تتحمل ما دون النفس. 27604 - والدليل على أنها تتحمل ما دون النفس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بغرة الجنين على العاقلة بدلالة أن حمل بن مالك قال: كيف ندي من لا أكل ولا شرب وروي أن عمر قال لعلي في أرش الجنين اقسمه على قومك. 27605 - ولأن القصاص يجب في عمده ويتقدر العوض في خطاه خطها فأشبه النفس وأما الدليل على أنها لا تتحمل ما دون الموضحة أن القصاص لا يجب في عمده ولا يتقدر أرشه بنفسه فصار كضمان المال. 27606 - ولأنه ليس له أرش مقدر بنفسه في جميع الأحوال فلم تتحمله العاقلة كضمان المتلفات. 27607 - ولا يلزم بدل العبد، لأنه يتقدر بحال إذا جاوز الدية لم يبلغ إليها ولا يلزم أرش اليد الشلاء إذا بلغ خمسمائة، لأن أرش اليد يجوز أن يتقدر [بحال. 27608 - ولا يلزم إذ أقله يتقدر، ولا لأنه عكس العلة ولأنها لا تتقن بنفسها ولأنه نقص ولا يتقدر] أرشه بحال فلا تتحمله العاقلة أصله ضمان المال. 27609 - ولا يلزم قيمة العبد، لأن ذلك ليس بنقص ولأن ما يتحمل ضمانه الأب والابن لا يتحمله الأخ والعم كضمان المال ولأنها على ذكر لسبب النفس ولا يعادل

نفسها فلم تتحملها العاقلة أصله الجناية على البهيمة. 27610 - احتجوا: بأنها نصف العشر فما زاد. 27611 - قلنا: المعنى في الأصل أنه مقدر تعادل نفسًا فتحملت العاقلة أرشه وما دونها جناية على ذكر ليست نفسًا ولا يعادل مفسًا. 27612 - قالوا: من حمل كثير الأرش حمل قليله، أصله الجاني. 27613 - قلنا: وجوب الضمان على الجاني بجنايته مقتضى الأصول ووجوبها على غيره [خارج عن الأصول فلا يجوز أن يقال لنا اطرد ما وضع على الأصول] فيجب أن يطرد ما خرج عنها. 27614 - ولأن ما ولأن ما لزم الإنسان عن نفسه يستوي فيه حال الحاجة وغيرها كالديون فيما يلزمه لأجل غيره يجوز أن يختلف لحاجة الغير وانتفاعه كصدقة الفطر والنفقة والقليل لا يفتقر الجاني إلى تحمله عنه فاستغنى عن التحمل. 27615 - قالوا لو اشترك ألف في قتل رجل وجب على كل واحد منهم أقل من نصف عشر الدية وتحملت ذلك عاقلته. 27616 - قلنا: الجناية يحتاج فيها إلى التحمل فلا تعتبر بكثرة العدد كما أن الغني لا يحتاج إلى التحمل لكن جنايته لما كانت مما يحتاج إلى تحملها حملتها العاقلة عنه.

مسألة 1359 المولى الأسفل لا يتحمل الدية

مسألة 1359 المولى الأسفل لا يتحمل الدية 27617 - قال أصحابنا: المولى الأسفل لا يتحمله الدية. 27618 - وقال الشافعي: يتحملها. 27619 - لنا: أن كل حكم تعلق بالولاء وثبت للمولى الأعلى على الأسفل لم يثبت للأسفل على الأعلى كالميراث ولأن التحمل يثبت بالنصرة والقرب لا تستنصر بمواليها فجرى مجرى النساء والصبيان. 27620 - قالوا كل شخصين يتحمل أحدهما عن الآخر يتحمل الآخر عنه كالأخوين. 27621 - قلنا: الأخوان تساويا في النصر فتساويًا في التحمل، والموليان لا يتساويان في الانتصار فلا يتساويان في التحمل. 27622 - قالوا: مولى فوجب أن يتحمل العقل كالمعتق. 27623 - قلنا: تساويهما في اسم الولاء لا يدل على تساويهما في الحكم المتعلق بالولاء أصله بالميراث.

مسألة 1360 مولى الموالاة يتحمل الدية

مسألة 1360 مولى الموالاة يتحمل الدية 27624 - قال أصحابنا: مولى الموالاة يتحمل الدية. 27625 - وقال الشافعي: لا يتحمل. 27626 - لنا: أنه أحد نوعي الولاء فيتعلق به تحمل الدية كولاء العتاقة ولأنه يتناصر به فجاز أن يتحمل به الدية كولاء العتق وهذه مبنية على أن هذا العقد صحيح وهو منعقد على العقل والولاء فإذا صح العقد ثبتت الأحكام المقصودة به. 27627 - احتجوا: بقوله تعالى: {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض}. 27628 - قلنا: إذا كان للقاتل قبيلة يتحملون لم يتحمل المولى عنه عندنا والكلام فيمن لا عشيرة له. 27629 - قالوا: روي أن - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا حلف في الإسلام). 27630 - قلنا: يجوز أن يكون نفي وجود الحلف ولا نفي حكم فاحتمل أن يكون الحكم المنفي الميراث واحتمل أن يكون الولاء وليس أحدهما أولى من الآخر. 27631 - قالوا الحلف كان يتعلق به التوارث ثم نسخ بقوله تعالى: {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله} فإذا نسخ سقطت أحكامه. 27632 - قلنا: إنما نسخ فيمن له أقارب بالرحم فبقي سواه على ما كان عليه. 27633 - قالوا: ليس بينهما قرابة كالأجنبي. 27634 - قلنا: الأجنبي إن كان ينصر القاتل تحمل عنه عندنا كأهل الديوان وإن كان لا ينصر فالفرق بينه وبين المولى وجود النصرة في أحدهما أو عدمها في الآخر.

27635 - قالوا: عقد فلا يتعلق به التحمل كالنكاح. 27636 - قلنا: النكاح العرب لا تناصر بالنكاح فلا يتعاقلون به ويتناصرون بالولاء وكذلك تعاقلوا به والذي روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بالدية على القبيلة لا دلالة فيه، لأنه يجوز أن يكون القاتل ليس له موالاة.

مسألة 1361 أهل الذمة لا يتعاقلون

مسألة 1361 أهل الذمة لا يتعاقلون 27637 - قال أصحابنا: أهل الذمة لا يتعاقلون وإنما تجب جنايتهم في أموالهم. 27638 - وقال الشافعي: يتعاقلون. 27639 - لنا: أن الدية تتحمل بالنصرة وأهل الذمة في دار الإسلام لا يتناصرون بأقاربهم فصاروا معهم كالأجانب ولأنه ضمان لا تتحمله عنهم الأب والابن فلا يتحمله الأخ والعم كضمان المال. 27640 - احتجوا: بأنه - صلى الله عليه وسلم - قضى بالدية على العاقلة. 27641 - قلنا: أهل الذمة لا عواقل لهم [لأن العاقل هو المانع] وبعضهم لا يمنع عن بعض. 27642 - قالوا: يتوارثون فوجب أن يتعاقلوا كالمسلمين. 27643 - قلنا: لو كان التحمل بالتوارث كان أولى القرابة بالأب والابن وعندهم لا مدخل للأب والابن فيه فكيف يعتبر بالتوارث والمعنى في المسلمين وجوب التناصر بينهم وهذا لا يوجد في أهل الذمة.

مسألة 1362 الحاضر والغائب في تحمل الدية

مسألة 1362 الحاضر والغائب في تحمل الدية 27644 - قال أصحابنا: الحاضر والغائب في تحمل الدية سواء. 27645 - وقال الشافعي: لا يتحمل الغائب مع الحاضر. 27646 - لنا: أن النصرة موجودة في الغائب فوجب أن يتحمل كالحاضر ولأن كل حكم يثبت للحاضرين من القرابة يثبت للغائب كالتوارث. 27647 - قالوا: التحمل مواساة فالحاضر أحق بها من الغائب كالزكاة. 27648 - قلنا: لا نسلم أن صرف الزكاة إلى القريب الغائب أولى من صرفها إلى الآخر الحاضر.

مسألة 1363 إذا وجد في المحلة نصف الآدمي

مسألة 1363 إذا وجد في المحلة نصف الآدمي 27649 - قال أصحابنا: إذا وجد في المحلة نصف الآدمي بالطول فلا قسامة فيه حتى يوجد الأكثر. 27650 - وقال الشافعي: تجب فيه القسامة. 27651 - لنا: أنه وجد أقل من أكثر البدن فصار كما لو وجد عضو من الأعضاء ولأن القسامة لو وجبت في هذا النصف جاز أن يوجد النصف الآخر في محله فتجب القسامة في نفس واحدة مرتين وهذا لا يصح. 27652 - احتجوا: بأنه قتيل فتجب فيه القسامة كالأكثر. 27653 - قلنا: وجوب القسامة لا يؤدي إلى تكرار القسامة في نفس واحد وهذا لا يوجد في النصف.

مسألة 1364 إذا قطع لسان صبي

مسألة 1364 إذا قطع لسان صبي 27654 - قال أصحابنا: إذا قطع لسان صبي لم يعلم منه الكلام ففيه حكومة. 27655 - وقال الشافعي: دية كاملة. 27656 - لنا: أنه يجوز أن يكون كامل المنفعة ويجوز أن يكون ناقصًا لا يقدر على الكلام فلا يجب الأرش الكامل بالشك. 27657 - ولأنه متلف مشكوك [في صحته] فصار كسائر المتلفات ولأنه لو أوجب إكمال الدية مع دعوى القاطع نقصان العضو لزمنا الضمان بالشك. 27658 - احتجوا: ما روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في: (اللسان الدية). 27659 - قلنا: المراد به اللسان السليم الكامل المنفعة باتفاق، وهذا لا نعلمه في مسألتنا. 27660 - قالوا: ما يجب فيه كمال الدية من الصغير أصله التدبير. 27661 - قلنا: إنما يجب كمال الدية في الكبير إذا علم صحة لسانه فإن اختلف في ذلك ولم نقم بينه بالصحة فهو مثل مسألتنا، فأما يد الصغير ورجله فإن علم صحتها بالحركة وجب فيها كمال الدية وإن لم يعلم ذلك لم تجب إلا الحكومة وكذلك غير الصبي ما لم يعلم أنه يمص بها لا يجب بها كمال الأرش. 27662 - قالوا: العادة أنه صحيح وأنه ينطق به إذا بلغ إلى النطق كما يبطش بيده إذا قدر على البطش. 27663 - قلنا: الظاهر لا يستحق به حق على الغير وإنما تدفع به الدعوى إذا أوجبنا في مسألتنا كما الأرش لأوجبناه بالظاهر وهذا لا يصح.

مسألة 1365 إذا اصطدم فارسان

مسألة 1365 إذا اصطدم فارسان 27664 - قال أصحابنا: إذا اصطدم فارسان فماتا فعلى عاقلة كل واحد منهما دية الآخر وقال زفر: على عاقلة كل واحد منهما نصف دية الآخر. 27665 - وبه قال الشافعي: 27666 - لنا: ما وري عن علي كرم الله وجهه في الفارسين يصطدمان على عاقلة كل واحد منهما دية الآخر. 27667 - ولأن كل واحد منها جنى على صاحبه بصدمته فوجب أن يلزمه جميع ديته كما لو كان واقفًا فصدمه فمات وجبت الدية على عاقلة الصادم خاصة. 27668 - ولأن كل واحد منهما قصد ضرب الآخر فماتا، ولأن صدم الإنسان غير مضايقة على المصدوم وليست جناية من الصادم على نفسه بدلالة أن المسلم يجوز أن يصدم العدو وإذا غلب على ظنه أن ذلك يؤثر فيه ولو كان صدمة جناية على نفسه لم يجز كما يجوز أن يجرح نفسه ليتمكن من العدو، وفد اتفقوا على أن من بني حائطًا في الطريق فصدمه رجل فمات وجبت ديته على عاقلة الباني ولو اعتد بفعل جنايته على نفسه لوجب نصف ديته فلما وجبت جميعها دل على أن فعله غير معتد به. 27669 - احتجوا: بما روي عن علي - رضي الله عنه - أنه قال: على كل واحد منهما نصف دية الآخر. 27670 - قالوا: وقال ابن المنذر في كتابه: وقد روى عن علي أنه قال: عليه جميع الدية ولم يثبت.

27671 - قلنا: يجوز أن يكون عبرة فأما أن يقبل هذا القول محملًا من غير طعن يوجد معلوم فلا يصح، ويجمع بين الروايتين فنقول يجب جميع الدية إذا لم يعلم كيف مات، ويجب نصف الدية إذا مات من الفعلين جميعًا. 27672 - قالوا كل واحد منهما مات بفعل صاحبه وبفعل نفسه، لأن صدمته لغيره يتألم به كما لم يصدم الغير له فصار كالميت من الجراحتين. 27673 - قلنا: قد سلمتم أن موته حصل من فعل صاحبه وادعيتم أنه يفعل نفسه أيضًا وأن ذلك في تلفه وهذا غير معلوم، فلا يجوز أن يسقط الضمان المتبقي أو بعضه بالشك.

مسألة 1366 إذا مال الجدار إلى طريق المسلمين

مسألة 1366 إذا مال الجدار إلى طريق المسلمين 27674 - قال أصحابنا: إذا مال الجدار إلى طريق المسلمين فطولب صاحبه بإزالته فلم يفعل مع الإمكان ضمن ما يتلف به إن سقط وكذلك إذا مال إلى ملك جاره إلا أن المطالبة في الطريق إلى كل واحد من المسلمين أما وإذا مال إلى ملك غيره فالمطالبة لصاحب الملك والمطالبة عندنا سبب الضمان، فأما الإشهاد فيحتاج إليه ليثبت له المطالبة إن جحدها صاحب الحائط. 27675 - وقال الشافعي: ظاهر في المختصر يقتضي أنه لا ضمان وإليه ذهب الإضطخري. 27676 - وقال المروزي يجب الضمان تقدم إليه أو لم يتقدم فأما الدليل على وجوب الضمان عند خلاف الطريق فلأن هو ملك الغير حق لصاحب الملك وحائط صاحب الحائط يده وقد حصل بالمثل حق الغير في يده بغيره فعليه فإذا طالبه بإزالته فلم يفعل مع الإمكان ضمن كمن ألقت الربح ثوبًا إلى داره فطالبه صاحبه فلم يرد عليه ولا يلزم الحائط المشترك إذا شهد على أحد الشريكين. 27677 - لأن الضمان يجب في أحد الروايتين، لأن الشريك تعدى على مخاصمة شريكه حتى يساعده على النقض وعلى الرواية الأخرى لا يضمن، لأنه لا يتمكن من نقض الحائط المشترك ونحن. 27678 - قلنا: فإذا امتنع من الرد مع الإمكان. 27679 - فإن قيل: المعنى في الثوب أنه مال مقوم فجاز أن يضمنه بحصوله في يده والهواء لا قيمة له فلم يضمنه بالمنع.

27680 - قلنا: إذا بنى الحائط مائلًا ضمن ما يتولد منه وإن كان الحاصل في يده الهوا ولا قيمة له ولأنه إذا طولب بالإزالة وجب عليه النقل فإذا لم ينقل مع الإمكان ضمن ما يتولد منه كما لو بنى حائطًا مائلًا إلى ملك غيره وكما لو وضع حجرًا في الطريق. 27681 - احتجوا: بأنه وضع الحائط في ملكه فلا يكون سببًا في الضمان كما لو لم يطالب. 27682 - قلنا: ما حصل في يده بغير فعله تختلف فيه المطالبة. 27683 - وقيل: المطالبة كالثوب إذا ألقته الريح في داره. 27684 - قالوا: ما ليس بسبب الضمان إذا لم يتقدم إليه بإزالته وجب أن لا يكون سببًا للضمان إذا تقدم أصله إذا حفر بئرًا في ملك نفسه وإذا أجج نارا في ملك نفسه وطارت شرارته إلى ملك غيره. 27685 - قلنا: إذا حفر في ملك نفسه فلم يحصل لغيره في يده المطالبة لا حكم لها. 27686 - وفي مسألتنا حق الغير حصل في يده فالمطالبة بإزالته مؤثرة فأما النار فمتى أطارت الريح الجمر إلى ملك غيره فطالبه بأخذ الجمر ونقله فلم يفعل مع الإمكان ضمن ما يتلف به وهو مثل مسألتنا. 27687 - فأما الكلام على الطريقة الأخرى فلأن حق الغير حصل في يده فعله فلا يضمنه قبل المطالبة أصله الثوب إذا ألقته الريح في داره ولأنها جناية ليست فاختلف فيها التعدي وغيره كحفر البئر. 27688 - ولو قلنا: أنه يضمن بغير مطالبة استوى من بناه مائلًا ومن بنى في حق نفسه فمال البناء. 27689 - احتجوا: بأنه إذا مال فقد لزمه إزالته، لأنه ما جعل في ملك غيره بغير إذنه فإذا لم يزل مع القدرة ضمن ما يتولد منه كما لو ترك نقض الحائط فوقع لم يضمن ما يتولد بنقضه إلا أن يكون طولب ولو طولب ضمن ما يحدث من النقض [كما يضمن ما يتولد من نقض الحائط في قول محمد] وعلى قول أبي يوسف لا ضمان في النقص وإن أشهد على الحائط إلا أن يطالب بنقل النقص مطالبة الأخرى، لأن الجناية

التي أشهد عليها زالت عن مكانها قالوا ما وجب ضمانه إذا تقدم إليه بإزالته وجب وإن لم يتقدم كما لو بنى الحائط مائلًا وكما لو حفر في الطريق بئرًا. 27690 - قلنا: هناك حصل حق الغير في يده بفعله فضمنه مع وجود المطالبة وعدمها. 27691 - وفي مسألتنا قد بينا أنه حصل في يده بغير فعله فاختلف في الضمان المطالبة وعدمها. 27692 - فإن قيل: إذا مال إلى الطريق فعليه أن يدفع ضرره عن المسلمين فإن لم يفعل صار متعديًا فيجب عليه الضمان وإن لم يطالب. 27693 - قلنا: إذا لم يكن له صنع في السبب سقط عنه الضمان وإن أمر بالإزالة ألا ترى أن الدابة المتعلقة هو مأمور بردها وربطها فلو جنت مع إمكان أحدهما لم يضمن جنايتها ولو طولب بأحدهما من حيث صارت إليه فلم يفعل مع القدرة ضمن ما يكون من جنايتها. 27694 - فإن قيل: على الطريقة الأولى طولب في الحائط فباع الدار ثم سقط لم يجب عليه الضمان ولو كان متعديًا بالترك مع المطالبة لم يسقط الضمان بزواله كمن وضع حجرًا في الطريق ثم باعه لم يسقط الضمان عنه بخروجه من ملكه. 27695 - قلنا: الحائط المائل إذا لم يكن على ملكه في ابتداء الميل لم يضمن فإن طولب كالمستأجر والمودع والمستعير كذلك إذا زالت الملك في الدار لم يجب الضمان والحجر لو وضعه ابتداء وهو لا يملكه ضمن ما يتولد منه كذلك إذا كان ملكه ثم زال الملك لم يسقط الضمان.

مسألة 1367 إذا ضرب سنا فاسودت

مسألة 1367 إذا ضرب سنًا فاسودت 27696 - قال أصحابنا: إذا ضرب سنا فاسودت وجب كمال أرشها. 27697 - وقال الشافعي: يجب فيها النقصان. 27698 - لنا: أن السن إذا اسودت بطلت منفعتها، لأنها شين ولا ينفع بها وفوات المنفعة بكمال يوجب كمال الأرش كشلل اليد وذهاب ضوء العين ولأنها جزء يقصد به المنفعة فجاز أن يجب كمال أرشه مع بقائه كالعين واليد. 27699 - احتجوا: بأنه تغير كالاصفرار والاحمرار. 27700 - قلنا: إن كانت فيه فلا تثبت وفسدت فهو مثل مسألتنا وإن كان اللون يتغير والمنافع بحالها فهو كما لو اسودت ولم يؤثر ذلك في منافعها، ولو تصور أنها تسود ومنافعها بحالها وجب في السواد والنقصان أيضًا فلا فرق بين الموضعين.

مسألة 1368 إذا حفر العبد بئرا

مسألة 1368 إذا حفر العبد بئرًا 27701 - قال أصحابنا: إذا حفر العبد بئرًا في الطريق فأعتقه ثم وقع في البئر إنسان فالضمان على المولى. 27702 - وقال الشافعي: على المعتق. 27703 - لنا: أن الحفر هو الجناية بدلالة لو مات الحافر ثم وقع فيها إنسان وجب الضمان في ماله ولو أن جنايته تقدمت لم يضمن والجناية الحاصلة في حال الرق يخاطب المولى بحكمها كالجراحة. 27704 - ولأن الحفر كالجراحة لأنه من فعله والوقوع ليس من فعله فهو كالسراية ومعلوم أن العبد إذا جرح ثم أعتق ومات المجروح كان الضمان على المولى كذلك هذا. 27705 - احتجوا: بأن التلف حصل بعد الحرية فصار كما لو باشر القتل. 27706 - قلنا: هناك لا يستند التلف إلى سبب سابق فاعتبر حال وقوعه. 27707 - وفي مسألتنا يستند إلى حال الحفر فصار كالسراية التي يستند إلى الجرح السابق.

مسألة 1369 إذا قتل الأب ابنه

مسألة 1369 إذا قتل الأب ابنه 27708 - قال أصحابنا: إذا قتل الأب ابنه وجبت الدية في ماله مؤجلة. 27709 - وقال الشافعي: تجب حالة. 27710 - لنا: أن الدية وجبت بنفس القتل فوجب أن تكون مؤجلة أصله الخطأ وشبه العمد ولأنه قتل لا يتعلق به القصاص للإمكان كشبه العمد. 27711 - فإن قيل: شبه العمد تتحمله العاقلة- وهذا كلام على طريقة عامة أصحابنا- فأما على طريقة أبي الحسن أن موجب القتل القصاص ويتعذر الاستيفاء. 27712 - فإنا نقول: إن القصاص لما لم يستقر وجوبه صار كأنه لم يجب وحل محل الوكيل. 27713 - احتجوا: بأنه عمد تعذر استيفاء القصاص فيه كما لو عفى أحد الشركاء. 27714 - قلنا: هناك تجب نصف الدية في مال لم يعد مؤجلًا لا يختلف أصحابنا في هذا إلا أن أصحابنا الثلاثة. 27715 - قالوا: يوجد النصف ثلاث سنين وقال زفر في سنتين فإن قالوا عمد سقط فيه القصاص فما يجب فيه والأرش يجب حالًّا كمن قطع نصف اليد من الساعد. 27716 - قلنا: هناك واجب لو أمكنت القصاص المماثلة فإذا سقط لتعذر المماثلة كان الأرش حالًّا وفي مسألتنا لا يتوهم وجوب القصاص فوجب البدل مؤجلًا.

مسألة 1370 إذا ضرب بطن امرأة

مسألة 1370 إذا ضرب بطن امرأة 27717 - قال أصحابنا: إذا ضرب بطن امرأة فماتت ثم انفصل منها جنين ميت فلا شيء في الجنين. 27718 - وقال الشافعي: فيه الغرة. 27719 - لنا: أنه جنين انفصل بعد موتها ميتًا فلم يجب به ضمان كما لو انفصل بضرب بعد الموت. 27720 - ولأن كل ما لو انفصل منها يضمن أصله أعضاؤها. 27721 - ولأن الجنين له حكم الأعضاء من وجه بدلالة أنه يعتق بعتقها ولا يكمل أرشه وله حكم الأنفس بدلالة أن بدله يورث عنه وأنه إذا انفصل في حياتها ثم مات انفرد بضمانه ولم يدخل في أرشها، فإذا انفصل منافع حياتها لم يدخل في أرشها اعتبارًا بالأنفس، وإذا انفصل بعد موتها ميتا لم يضمن اعتبارًا بالأعضاء والفرع المتردد بين أصلين يلحق بهما ولا يفرد أحدهما دون الآخر. 27722 - ولأن ديتها استقرت بموتها فما انفصل بعد ذلك منها متلفًا لم يجب فيه الضمان كالأعضاء. 27723 - ولا يلزم إذا قطعت يدها فألقت جنينًا لأن ما يجب بقطع اليدين دية اليدين وهو ديتها. 27724 - ولأنا قلنا: استقرت ديتها بموتها وهناك استقرت بالقطع. 27725 - احتجوا: بما روى أبو هريرة قال: اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فأصابت بطنها فقتلتها فأسقطت جنينًا فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

بعقلها على عاقلة القاتلة وفي جنينها غرة عبد أو أمة والواو للترتيب فيقتضي أنها ألقت بعد موتها. 27726 - قالوا: روى المغيرة بن شعبة أن امرأتين رمت إحداهما الأخرى بعمود فسطاط فقتلتها وألقت جنينًا فقضى النبي - صلى الله عليه وسلم - على الجنين غرة عبد أو أمة وجعله على عاقلة المرأة. قالوا: والمرأة والواو وقوله (رمتها فقتلتها) يقتضي أن القتل تعقب الرمي لأن الفاء للتعقيب. 27727 - والجواب أن أبا داود روى عن ابن عباس في قصة حمل بن مالك قال فأسقطت غلامًا وقد نبت شعره ميتًا وماتت المرأة وهذا الخبر يقتضي أن الجنين انفصل في حياتها وكذلك أخبارهم لأن فيها (ألقت جنينًا) فأضاف الفعل إليها وهذا لا يكون إلا إذا وضعت في حياتها. 27728 - قالوا: كل حالة يجب فيها ضمان الجنين على الجاني إذا كان حيًّا ثم مات وجب ضمانه إذا كان ميتًا أصله إذا أسقطته في حال حياتها. 27729 - قلنا: في حال حياته يجوز أن يضمن ما انفصل من أعضائها فيجوز أن يضمن جنينها الميت وبعد الموت لم يضمن ما انفصل من أعضائها فلا يضمن ما انفصل منها متلفًا. 27730 - قالوا: كل جنين وجب ضمانه على الجاني إذا أسقطته في حال حياتها وجب ضمانه إذا أسقطته بعد موتها أصله إذا أسقطته حيًّا ثم مات. 27731 - قلنا: الحي لو سقط بضرب بعد الموت ضمن فإذا سقط بضرب قبل الموت والميت لو سقط بضرب بعد الموت لم يضمن [فإذا سقط بضرب قبل الموت لم يضمن]. 27732 - قالوا: الموت معنى وجد في الأم أسقط ضمانها فوجب أن لا يسقط ضمان جنينها. 27733 - ولأن الردة المسقطة لقيمة النفس لم توجد في الجنين فلم يسقط بدله والموت المسقط لقيمتها إذا لم يعلم حياة جنينها فقد وجد في الجنين، فإذا ساواها في المعنى المسقط للتقويم سقط ضمانه.

مسألة 1371 كفارة الجنين

مسألة 1371 كفارة الجنين 27734 - قال أصحابنا: لا كفارة في الجنين. 27735 - وقال الشافعي: يجب على الضارب الغرة والكفارة. 27736 - لنا: ما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - ذكر الجنين فأوجب فيه الغرة ولم يوجب الكفارة ولو كانت واجبة لبينها، لأنه بعض الحادثة عندهم فلما لم يبينها دل على أنها لا تجب. 27737 - فإن قيل: لأن الضرب كان عمدًا. 27738 - قلنا: بل كان شبه عمد، لأنه ضرب بعمود فسطاط وروي بحجر وشبه العمد فيه الكفارة. 27739 - قالوا: فقد روي أنه قال: (ألا إن قتيل خطأ العمد فيه مائة من الإبل) ولم يذكر الكفارة. 27740 - قلنا: هذا يقتضي أن تكون الدية جمع الحكم لولا دلالة الإجماع. 2741 - فإن قيل: إنما لم يبين ذلك لأنه مبين في القرآن. 27742 - قلنا: إن الله تعالى ذكر في القرآن وجوب الكفارة في قتل المؤمن والمعاهد، وهذا لا يوصف به الجنين ولأنه ذكر الكفارة فيما يجب بقتله الدية والجنين لا دية فيه. 27743 - ولأنه متلف لا يعلم فيه حياة فلم يجب على قاتله كفارة [العتق أصله الأموال. 27744 - ولأنه لا يجب بإتلافه بدل نفس كاملة فلم تجب به كفارة العتق] كالأعضاء. 27745 - ولأن كفارة القتل تتعلق بوجوب القتل في الحي ولا تعلم الحياة فمتلفه

فليس بقاتل فلا تجب عليه كفارة. 27746 - ولأنه متلف لا يجب في عنده قصاص بحال فلا يجب عليه كفارة العتق كالبهائم أصله إذا قتله بعد الانفصال. 27747 - قلنا/ لا نسلم أنه ضمن بدل نفس لأنه لم تعلم الحياة فالواجب ليس ببدل عنها وإنما يضمن لأنه قطع النماء عن الجنين والمعنى إذا ضمنه بعد الانفصال أن القصاص يجوز أن يجب بعمد فجاز أن يجب بعمد، فجاز أن تجب الكفارة في إتلافه والجنين بخلاف ذلك. 27748 - قالوا: كفارة تجب بالقتل فوجب أن تجب بإلقاء الجنين أصله إذا ألقى جنينًا قبل الصيد. 27749 - قلنا: كفارة الصيد تجب بإتلافه الأجزاء فجاز أن يجب بإتلافه الجنين الجاري مجرى الصيد وكفارة القتل لا تجب في الأعضاء فلا تجب في الجنين الجاري مجرى الأعضاء.

مسألة 1372 إذا ضرب بطن امرأة فألقت جنينا

مسألة 1372 إذا ضرب بطن امرأة فألقت جنينًا 27750 - قال أصحابنا: إذا ضرب بطن امرأة فألقت جنينًا ضمن نصف عشر قيمته إن كان ذكرًا أو عشر قيمته إن كان أنثى ولم تعتبر قيمة الأم. 27751 - وقال الشافعي: عشر قيمة الأم ذكرًا كان أو أنثى يوم جنى عليها وقال المزني يوم ألقت الجنين. وقال في جنين أم الولد من مولاها غرة يكون قيمتها نصف عشر دية الأب وكذلك في جنين الذمية إذا كان أبوه مسلمًا وفي جنين الكتابية إذا كان أبوه مجوسيًّا عشر قيمتها عشر دية الأم فاعتبر المذهبين. 27752 - والكلام في هذه المسألة يقع في فصلين أحدهما: أن الواجب في الجنين يعتبر بنفسه ولا يعتبر بدية أبيه والثاني تقدير العشر ونصف العشر. 27753 - فأما الدليل على أن الواجب معتبر به فما روي أن - صلى الله عليه وسلم - قضى في الجنين بغرة وهذا يقتضي أن يكون الواجب فيه معتبرًا فيه. 27754 - ولأنها نفس متلفة بدلها بها ولا يعتبر بغيرها أصله سائر المتلفات. 27755 - ولأن الحمل في بنات آدم نقس وانفصاله زيادة فلو اعتبرنا الجنين بأنه لم

يجب فيه شيء لأنها لم تنقص بانفصاله وإنما زادت فلا يضمن بالإتلاف دل على أن الضمان معتبر به واحتج محمد في الرد على أهل المدينة بأن قال: هذا يؤدي إلى أن يجب في الجنين الميت أضعاف ما يجب فيه لو كان حيًّا. لأن الجنين ينفصل ولو كان حيًّا قوم كأمه عشر ألف فإذا انفصل حيًّا ثم مات وجب فيه مائة وإذا انفصل ميتًا وجب فيه ألف. ولا يجوز أن يكون ضمانه إذا خرج ميتًا أكثر من ضمانه إذا خرج حيًّا. 27756 - ولأنه إذا انفصل حيًّا اعتبر ما يجب فيه بنفسه لا بغيره وكل شيء لو أتلف بعد كماله اعتبر بدله به كذلك إذا أتلف فيه كماله كسائر المتلفات. 27757 - ولأنه جنين أمه فلم يعتبر الواجب فيه بأمه كجنين الأم. 27758 - ثم قال في جنين الأمة الحر أنه يعتبر بأبيه وفي المجوسية من المسلم أنه يعتبر بأبيه فكأنهم اعتبروه بأوفى الأمرين وهذا غلط لأن المتلف يعتبر في ضمانه المتبقي ولا يعتبر الأكثر ولأن الجنين قد يكون كاملًا وأمه معيبة ناقصة وقد يكون ناقصًا في نفسه بالعيوب وأمه صحيحة غير معيبة ولا يجوز أن يعتبر ما يجب في الصحاح بالمعيب ولا ما يجب في المعيب بالصحيح. 27759 - فإن قيل: يعتبر بأمه المعيبة لو كانت صحيحة. 27760 - قلنا: فنحن نعتبر بنفسه لو كان حيًّا. 27761 - احتجوا: بأنه - صلى الله عليه وسلم - أوجب في جنين الحرة غرة وسوى بين الذكر والأنثى وهذا هو الأصل في الجنين. 27762 - قلنا: هذا لا دلالة فيه لأنا اتفقنا على أن جنين الحرة الغرة وأنها مقومة بخمسين دينارًا وهو عشر ديته إن كانت أنثى ونصف عشرها إن كان ذكرًا وجنين الأمة فرع عليها فيجب أن يعتبر بها وهذا يؤدي إلى ما قلناه. 27763 - قالوا: جناية سقط بها جنين ميت فوجب أن يكون الذكر والأنثى في الضمان سواء. أصله جنين الحرة. 27764 - قلنا: ضمان الأحرار يفضل الذكر على الأنثى ثم خولف بين جنين الحرة وأصول الجنايات فسوى بين الذكر والأنثى وجنايات المماليك لا يفضل الذكر فيها على الأنثى ويجوز أن يتساويان فيجب أن يختلف الجنين أصله الضمان في المماليك فيفضل الأنثى على الذكر حتى يختلف ضمان الجنين في المماليك كما اختلف في الأحرار.

27765 - قالوا: إنما سوي بين الذكر والأنثى فش ضمان الجنين لأنه قد خرج بحيث لا يبين فيه علامة الذكر والأنثى وقد خرج منقطعًا وقد خرج عضو منه فيجب البدل فإن كان لا يعلم أذكر هو أم أنثى فلهذا سوى بين الذكر والأنثى، وهذا المعنى موجود في جنين الأمة. 27766 - قلنا: قد قيل: أنه يسوى بينهما ليس كما ادعوا لكن ضمان الجنين يجب بقطع عنه وإنما الأنثى أسرع من نماء الذكر ولهذا يتقدم بلوغها ويسرع هرمها فصار زيادة الذكر في مقابلته سرعة النماء الذي وجب الضمان لانقطاعه فتساوي أرشها لهذا المعنى. 27767 - قالوا: بدل يعتبر بأنوثة ولا يعتبر بنفسه لأنه لو اعتبر بنفسه وجب تقويمه ولا يجوز تقديمه لأنه لا يخلو أن يقوم حيًّا أو ميتًا ولا يجوز تقويمه ميتًا، لأنه لا قيمة له وهو ميت ولا يجوز أن نقومه حيًّا لأنا لم نتحقق حياته ولا ندري هل أتلف حياته أم لا فلم يجز تقويمه حيًّا ولأنا لا ندرك صفاته والتقويم يحتاج إلى إدراك صفاته ومعرفة ما يحتاج الثمن لأجله والوقوف على أنه ذكر أو أنثى وهذا كله يخفي منه فلا يصح. 27768 - قلنا: أما قولكم أنه لا يجوز تقويمه ميتًا لأن الميت لا قيمة له فنحن نقومه ميتًا أن لو كان حيًا وهذا تقويم له في حال له قيمة. 27769 - وقولكم: لا يجوز تقويمه حيًّا لأنا لا نعلم أنه أتلف الحياة بهذا إنما يلزم لو أنا نوجب قيمته حيًّا فأما إذا كنا نوجب بعض قيمته لم يلزمنا لأنا اقتصرنا على بعض قيمة الحي إذا لم نعلم بوجود الحياة وكما نوجب في اليد الشلاء بعض ما يجب في اليد الصحيحة. 27770 - وقولهم أنا لا ندرك صفاته والتقويم يحتاج إلى العلم بالصفات يبطل كمن أتلف عبدًا لم يشاهده الحاكم ولا يجد من يعرف صفاته فإنا نوجب قيمته ونثبت منها ما يعرف به متلفه ولا يمنع جهلها بصفاته من الجاني قيمته. 27771 - وقولهم لو وجب تقويمه وجب جميع قيمته كسائر المتلفات ليس بصحيح لأنا نقومه حيًّا ونحن نعلم حياته فوجب بعض قيمة الجنين كما نوجب في اليد الشلاء قيمتها ولا يبلغ بذلك [أرش الصحيح] بل نوجب فيها بعض ذلك لنقصانها

ثم هذا الكلام لأمهم يمنعون به من اعتبار قيمته ليعتبرون بقيمته أبويه واعتبار المتلف به لا يشبهه خلاف الأصول ثم قد اعتبروا ما يجب فيه بقيمة أبويه ولم يعتبر كل قيمتها. 27772 - وإنما قالوا يجب عشر قيمتها- عشر قيمة الأم- ونصف عشرها إذا كان ذكرًا في هذا القول. قد قلنا بما قالوه في اعتبار الأبوين واعتبار المتلف بنفسه أولى من اعتباره بغيره. 27773 - فأما قولهم: إنه قد ينفصل ولا يتميز الذكر من الأنثى فإنه متى تميز ثبت الفصل وإن لم يتميز ثبت المتيقن كمن أتلف خنثى مشكل. 27774 - وقولهم: قد ينفصل أعضاء مفردة لا يمكن تقويمها فإنا نقول: متى انفصل على صفة لا يتقوم مثلها لم يوجب فيه شيئًا، لأن ما لا قيمة له من المملوكات لا يضمن بالإتلاف.

مسألة 1373 إذا وجد القتيل في محلة

مسألة 1373 إذا وجد القتيل في محلة 27775 - قال أصحابنا: إذا وجد القتيل في محلة وادعى وليه القتل عليهم استحلفوا خمسين يمينًا وقضى عليهم بالدية. 27776 - وقال الشافعي: إذا ادعى ولي القتل وهناك لوث فإن الولي يستحلف ويقضي له بالدية فإن كان واحدًا لا يستحلف خمسين يمينًا وإن كان الأولياء جماعة ففيه قولان. أحدهما يحلف خمسين يمينًا. والثاني يقسم الأيمان بينهم على قدر ميراثهم فإن حلفوا- والقتل خطأ- قضي بالدية وإن كان عمد ففيه قولان. أحدهما يجب القود. والآخر: الدية المغلظة. 27777 - واللوث كل أمر يغلب على ظن السامع للدعوى أنه صادق في دعواه مثل الرجل بينه وبين قوم عداوة ظاهرة ولا يختلط بهم غيره فوجد قتيلًا بينهم أو بجمع جماعة في موضع ثم تفرقوا عن قتيل أو يوجد قتيلًا في صحراء بالقرب منه رجل معه سكين ملوثة بالدم أو يشهد بالقتل شاهد واحد عدل أو جماعة من غير العدول. 27778 - لنا قوله تعالى: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله} ومعلوم أن حقيقة الشراء لا توجد في اليمين وإنما المراد بذلك من جعل يمينه سببًا لاستحقاق المال وهذا يمنع من أن يستحق المدعي بيمينه المال على غيره. 27779 - ويدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لو أعطي الناس بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم ولكن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه) فسوى - صلى الله عليه وسلم - في

الدعاوى بين الدماء والأموال وأوجب البينة فيها على المدعي واليمين على المدعى عليه. 27780 - ويدل عليه ما روي أن قتيلا وجد بين وادعة وحي آخر والقتيل إلى وادعة أقرب فقال عمر - رضي الله عنه - لوادعة تحلُّفون خمسين رجلا منكم ما قتلناه ولا نعلم له قائلا ثم أغرموا فقال الحارث بن الأزمع: إما ندفع أموالنا عن أيماننا أو أيماننا عن أموالنا قال لا وهذا بحضرة الصحابة من غير نكير فصار إجماعًا وهذا الحديث ذكره الطحاوي بإسناده عن شعبة عن الحكم. 27781 - قالوا: روي بن أبي مليكة أن عبد الله بن الزبير أفاد بالقسامة. 27782 - قلنا: إذا انعقد الإجماع في زمن عمر لم يعتد بخلاف ابن الزبير في خلافته وقد انقرض العصر وذهب أهله ويحتمل أن يكون استحلف فأقر المدعي عليه. 27783 - قالوا: يحتمل أن لا يكون هناك لوث فادعى الولي القتل على خمسين رجلا. 27784 - قلنا: في هذا الخبر إنه قاسه إلى أقرب الخبرين وقال: يحلف منك خمسون رجلا وهذا يقتضي التمكين وأغرمهم الدية وهذا يمنع أن يكون الدعوى على معين، لأنه إذا كان كذلك حلف عندهم ولم يغرم وروى حفص عن زياد بن أبي مريم قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله أني وجدت أخي قتيلا في بني فلان قال اجمع منهم خمسين فيحلفون بالله ما قتلوه ولا علموا له قاتلًا قال يا رسول الله مالي من أخي إلا هذا، قال بلى مائة من الإبل ذكره أبو شجاع بإسناده في الآثار. 27785 - فإن قيل: يجوز أن لا يكون هناك لوث. 27786 - قلنا: لو كان كذلك لم تجب الدية مع الأيمان فلما أوجبها دل على خلاف قولهم ولأن يمين المدعي قوله فلا يستحق بها المال كدعواه. 27787 - فإن قيل شهادة: المدعي عليه لا يسقط الخصومة ويمينه تسقط الخصومة.

27788 - قلنا: دعوى الإنسان ويمينه في استحقاق الحق على غير سواء وإن اختلفا في إسقاط الخصومة ولهذا يستوي الدعوى واليمين في سائر الحقوق. 27789 - ولأنه حق مدعي فلا يستحلف فيه المدعي ابتداء أصله سائر الحقوق. 27790 - ولأن الشهادة أقوى في الاستحقاق من اليمين بدلالة أن يمين الشهود لا يثبت بها الحق ويثبت بشهادتهم فإذا لم يجز أن يستحق بشهادة الولي فلأن لا يستحق بيمينه أولى. 27791 - فإن قيل شهادة المدعي عليه لا يسقط الخصومة ويمينه تسقط فدل أن يمين الإنسان في حق نفسه أقوى. 27792 - قلنا: اليمين والشهادة يختلفان في غير الاستحقاق [ويتساويان في الاستحقاق ونحن اعتبرنا أحدهما بالآخر في نفي الاستحقاق]. 27793 - ولأن يمين المدعي لا يستحق بها أجر المتلف لأنه لو وجد رجل مجروح لم يقض على المدعي عليه بأرشه ومالا يثبت به ضمان أجزاء المتلف لا يثبت به ضمان جملة المتلف أصله شهادة العبيد والفساق. 27794 - ولأن ما لا يستحلف المدعي في أجزائه لا يستحلف في جملته كسائر الأموال. 27795 - ولأن كل ما لا يستحق به الدية إذا لم يكن هناك لوث لا يستحق من الدية إذا كان هناك لوث أصله ولأنها دعوى للقتل فصار كما لو لم يكن هناك لوث. 27796 - ولأنه بدل عن النفس فلا يستحق بيمين المدعي كالقصاص ولأنه أرش لأفلا يستحق] بيمين المدعي كأرش الأعضاء. 27797 - احتجوا: بما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه إلا في القسامة) وكذلك رواه ابن عباس وإبراهيم.

27998 - قلنا: الحديث مداره على مسلم بن خالد الهذلي رواه عن عمرو بن شعيب عن جده ورواه عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة وخالفه عبد الرزاق والحجاج فروياه عن ابن جريج عن عمرو مرسلا. وقد اتفق أصحاب الحديث على أن مسلم بن خالد ضعيف وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، فقال الشافعي: مرسل لأن أحد جديه له صحبة والآخر لا صحبة له، والمراسيل عندهم لا تقبل. 27799 - قالوا: قال الدارقطني: الجد المعروف الذي يروي عنه هو عبد الله بن عمرو وجده محمد بن عبد الله بن عمرو ولم يرو عنه إلا حديثا واحدًا لأنه لم يكن سمعه إلا من جده الأسفل. 27800 - قلنا: هذا الكلام رد على الشافعي فإن حكينا عنه رد أخباره بالإرسال ولأن مسلم له كتاب مفرد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فطعن فيه عليه وعلى أحاديثه وبين أنه رواها عن صحيفة ثم رواها الثقات عنه على وجوه مختلفة ينقض بعضها بعضا. ولأن سبب ذلك ضعف حفظه وتَرَكَه محمد بن إسماعيل البخاري فلم يذكر له حرفًا في كتابه فلم يجب الرجوع إلى قويلة الدارقطني ولم يرجع إلى طعن مسلم وترك البخاري له هذا الخبر. 27801 - قد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من طريق الاستفاضة وبحمله الأمة ورجعه إليه وليس فيه استثناء فلو كان الاستثناء ثابتا لنقل كفعله لاستحالة أن ينقلوا لفظًا عامًّا ويتركوا مما استثنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منه. ولو ثبت كان معناه: البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه إلا في القسامة فإن اليمين لا يختص بالمدعى عليه ألا ترى إنها تجب على خمسين معينين من المحلة وإن كان القاتل ادعى على غير معين أو ادعى على واحد منهم مجهول. 27802 - فإن قيل: الاستثناء من الإثبات نفي. 27803 - قلنا: الاستثناء يقتضي أن يثبت به ما يخالف المستثنى منه وقوله: اليمين على المدعى عليه [تقيضي أن جميع الأيمان على المدعى عيه فقوله: إلا في القسامة معناه أن اليمين لا يختص بالمدعى عليه] وهذا نفي في معناه إثبات كما أن مخالفنا

يقول: معناه إلا في القسامة فإن اليمين يجب على المدعي ولا يجب على المدعى عليه وهذا نفي في معناه إثبات أيضًا فتساويا. 27804 - احتجوا: بما روى مالك عن أبي ليلى بن عبد الرحمن أنه أخبر سهل ابن أبي خثيمة ورجال من كبراء قومه أن محيصة وعبد الله بن سهل خرجا إلى خيبر فتفرقا في حوائجهما فأخبر محيصة أن عبد الله قتل فطرح في حفرة أو في عين فأتى يهود فقال أنتم قتلتموه فقالوا ما قتلناه فقدم على قومه فأخبرهم فأقبل هو وأخوه وعبد الرحمن بن سهل أخو المقتول إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذهب محيصة يتكلم فقال - صلى الله عليه وسلم -: (إما أن يدوا صاحبكم وإما أن يؤذنوا بحرب) فكتب إليهم في ذلك فكتبوا إنا والله ما قتلناه فقال لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن: تحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟ قالوا: لا قال أفتحلف لكم يهود؟ قالوا ليسوا مسلمين فوداه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عنده فبعث مائة ناقة. 27805 - قالوا: روى سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج أن عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود أتيا خيبر لحاجة وذكر الحديث إلى أن قال: (تستحلفون قبيلتكم أو صاحبكم بأيمان خمسين منكم) قالوا: لم نشهد فكيف نحلف: (قال تبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم). 27806 - قلنا هذا الخبر قد تضمن ما يدل على خلاف قولكم لأنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (إما أن يدوا صاحبكم وإما أن يؤذنوا بحرب) ولا يجوز أن يؤذنوا بحرب إلا إذا منعوا واجبًا فدل أن الدية قد وجبت على اليهود فوجد القتل قبل الحلف من الأولياء. 27807 - وهذا قولنا ثم سهل بن أبي خيثمة قال إبراهيم الحربي: قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وله ثمان سنين مثل وهذا لا يضبط في العادة وقد اختلفت الرواية اختلافا

يدل على قلة ضبطه فروى سفيان عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل وذكر القصة فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: (افتبرئك يهود بخمسين يمينًا أنهم لم يقتلوه) وقال: كيف نرضى بأيمانهم وهم مشركون قال فيقسم منكم خمسون أنهم قتلوه قالوا كيف نقسم على ما لم نر فوداه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عنده. 27808 - وروى سعيد بن عبيد الطائي عن بشير بن يسار أن رجلا من الأنصار يقال له سهل بن أبي خيثمة أخبره أن نفرا من قومه انطلقوا إلى خيبر فتفرقوا فيها فوجدوا أحدهم قتيلا وذكر القصة إلى أن قال: (تأتون بالبينة فيحلفون لكم) قالوا لا نرضى بأيمان اليهود وكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبطل دمه فوداه بمائة من إبل الصدقة. 27809 - ففي الخبر الأول أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بدأ بيمين اليهود وفي هذا الخبر أنه طالب الأنصار بالبينة وأوجب اليمين على اليهود وهذا خلاف خبر مالك فدل على قلة ضبط سهل لما رواه. 27810 - وقد ذكر ابن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمي قال: ولقد وهم سهل فيما رواه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للأنصار: (أتحلفون على أمر لم تشهدوه ولم تعاينوه) وروى ذلك محمد بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن بجيد القرظي قال محمد بن إبراهيم والله ما كان سهل بأكثر علما منه وقال أبو إسحاق: وسمعت عمرو بن شعيب في المسجد الحرام يقول: والله الذي لا إله إلا هو ما كان الحديث كما حدث سهل ولقد أوهم ولكنه - عليه السلام - بعث إلى أهل خيبر: (أن قتيلا وجد بين أفنيتكم فدوه أو أذنوا بحرب) فبعثوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يحلفون ما قتلوه فوداه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عنده. 27811 - ثم استقر في الشرع أن اليمين إذا كانت على فعل غيره كانت على العلم ولذلك يقول لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أتحلفون) وهذا يقتضي الثبات ولا يقول لهم أتحلفون على علمكم وكيف يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (تستحقون دم صاحبكم بأيمان خمسين منكم)؟

27812 - وعند مخالفنا تجب اليمين على عبد الرحمن بن سهل وحده لأنه أخو المقتول وحويصة ومحيصة عماه فلا يمين عليهما، ولأن قوله: (أتحلفون وتستحقون) لا يجوز أن يكون عوضًا ولا أمرًا لأنه لو كان كذلك لنصب الثاني وقال أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم لأنه إذا أراد الجمع في الأمر والنهي والعوض واليمين والخبر بالنفي نصب الثاني، لأن الاستحقاق لا يثبت بها سائر الدعاوى. 27813 - يبين صحة هذا أنهم قوال للنبي - صلى الله عليه وسلم - ابتداء إنا أصبحنا فوجدناه ولا ندري من قتله فكيف يأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - باليمين على مالا يعلمونه وكيف يقولوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - كيف نقسم على ما لم نره؟ وفي ذلك استدراك على النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال ذلك إنكارا ونصا قالوا كيف نحلف على ما لم نره موافقة للنبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن نرا لإنكاره. 27814 - والذي يبين ذلك أن عمر بن الخطاب قضى بالقسامة بخلاف ما في اليمين وقد بقي حويصة ومحيصة إلى زمن عمر بن الخطاب فلم ينكرا حكمه ولا اعترضه فيه أحد من الصحابة. 27815 - وهذا عمر بن عبد العزيز مع معرفته بالنسبة ينكر القسامة وإيجاب القتل بها ويكتب إلى عماله إما شاهدين أو يقسم المدعى عليهم وأمره أن يكتب أسماء الذين أقسموا من أهل الدم فلا يقبل لهم في الإسلام شهادة أبدا. 27816 - وقال سالم بن عبد الله وقد تهيأ قوم من بني ليث ليقسموا فقال لهم: يا عباد الله قوم يحلفون على أمر لم يشهدوه ولم يعلموه ولم يروه ولو كان لي من أمر الناس شيء لنكلت بهم وجعلتهم نكالا ولم أقبل شهاداتهم. 27817 - وقد أنكر القسامة شريح

وإبراهيم وهذا يدل على صحة تأويلنا في الجنين وأنه ليس على ظاهره. 27818 - قالوا: يمين المدعى عليهم لا يحكم بموجبها وكل من لا يحكم بموجب يمينه لا يعرض اليمين عليه أصله المدعي في سائر الحقوق. 27819 - قلنا: هذا قياس يخالف النص لأنه - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى يهود: (أما أن تحلفوا أو تغدوا أو أذنوا بحرب). 27820 - ولأن اليمين عندنا يقضي بموجبها في القسامة كما يقضي بموجبها في سائر الدعاوي، وذلك لأن الولي يدعي عليهم القتل فإذا حلفوا سقطت دعواهم بأيمانهم ثم الدية تؤخذ منهم على وجه التحمل كما تؤخذ من العاقلة واليمين لم تقع على نفي التحمل وينتفض بالمتحالفين في البيع أنه لا يقضي بيمين واحد منهما وإنما نفسخ البيع ولا يمنه ذلك من وجوب الاستحقاق. 27821 - فإن قيل: إنما نقضي بيمين أحدهما إذا نكل الآخر. 27822 - قلنا: هناك القضاء بنكول لا بيمين الحالف. 27823 - قالوا: أيمان متكررة سوغت في الدعاوى فوجب أن يبدأ بأيمان المدعي كاللعان. 27824 - قلنا: اللعان عندنا شهادة وليس بيمين ومن حكم الشهادة أن يقضي فيها ببينة المدعي ثم المتلاعنان كل واحد منهما مدعي ومدعى عليه لأن الزوج يدعي عليها الزنا وهي تدعي عليه وجوب الحد فهو يحلف لينفي دعواها ولا نحلفه لينفي دعواه وهذا كالمبتاعين كل واحد منهما يحلف لينفي دعوى صاحبه لا لتحقق. 27825 - فعلى هذا الابتداء بيمين المدعي عليه في اللعان. 27826 - ولأن اللعان يجمع فيه بين المتخاصمين فجاز أن يقدم المدعي. 27827 - وفي مسألتنا لا يجمع بين أيمان ولي الدم وأيمان المدعى عليهم فاختصت اليمين بالمدعى عليه كما اختصت في سائر الدعاوى. 27828 - قالوا: اليمين في الأصول موضعة في جنبة من قوي سببه وجنبة

المدعي مع اللوث أقوى. 27829 - قلنا: يبطل بدعوى إتلافه المال إذا كان هناك وبالمدعي للمال إذا شهد له عبيد أو نساء لأن اليمين لا توضع في جنبته ولو شهدوا للولي قويت جنبته عند مخالفنا وقضي بيمينه. 27830 - قالوا: الجمع بين الأيمان والقضاء بالمال خلاف الأصول. 27831 - قلنا: قد بينا أن النهي وضعت لنفي القتل عن الحالف والمال يقضي به عليه تحملا عن القاتل كما تتحمل العاقلة والأصول لا تمنع أن يجمع على الإنسان المال لمعنى واليمين لغيره ألا ترى أن الغاصب نستحلفه على زيادة القيمة التي يدعيها ونقضي عليه بالقيمة التي اعترف بها فيجمع بين اليمين والمال لكن اليمين في معنى والقضاء بالمال في غيره.

مسألة 1374 حلف الولي في القسامة

مسألة 1374 حلف الولي في القسامة 27832 - قال أصحابنا: إذا حلف الولي في القسامة لم يثبت القصاص. وقال مالك يجب القصاص. 27833 - وهو قول الشافعي القديم. 27834 - لنا: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لو أعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم لكن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه). 27835 - ولأن قول الواحد لا يثبت القصاص أصله الشهادة. 27836 - ولأن يمين المدعي لا يثبت بها الحق ابتداء أصله الدعوى في المال. 27837 - ولأنه قصاص فلا يثبت بيمين المدعي أصله القصاص فيما دون النفس. 27838 - واحتج المخالف بقوله - صلى الله عليه وسلم - للأنصار: (تحلفون وتستحقون دم صاحبكم) وقد تكلمنا على هذا الخبر. 27839 - وقد وري عن عمر بن [الخطاب وعبد الله بن عباس أنهما لم يقيدا بالقسامة. 27840 - وروي عن عمر بن] عبد العزيز أنه أبرز سريره يومًا للناس فقال: ما تقولون في القسامة، فقالوا القسامة حق وقد أفادتها الخلفاء فقال: ما تقول يا أبا قلابة فقال يا أمير المؤمنين أرأيت لو أن رجالًا شهدوا على رجل محصن بدمشق أنه زنى ولم يروه أكنت ترجمه، قال لا قال أبو قلابة فو الله يا أمير المؤمنين ما قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

إلا في إحدى ثلاث خلال: رجل قتل بجريرة نفسه فقتل أو رجل ارتد عن الإسلام فحارب الله ورسوله أو رجل زنى بعد إحصان. 27841 - وقد كان عبد الملك أمير المؤمنين أفاد بقسامة ثم ندم على ذلك فأمر بالخمسين الذي أقسموا فمحوا من الدواوين وسيرهم من الشام ولو كان قوله - صلى الله عليه وسلم -: (أتحلفون وتستحقون) بيان على ظاهره لم يعارضه أبو قلابة بالقياس. 27842 - وقد روينا عن عمر بن عبد العزيز أنه عاقب الذين تهيئوا ليقسموا ولو كان ما فعلوه سنة لم يستحقوا العقوبة بالعزم عليه. 27843 - وقد وري أن القسامة كانت أحكام الجاهلية فأقرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيجوز أن يكون قوله: (أتحلفون وتستحقون) على ذلك الأصل ثم نسخ بحديث ابن عباس: (لو أعطى الناس بدعاويهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم).

مسألة 1375 إذا وجد الميت في محلة ولا أثر به

مسألة 1375 إذا وجد الميت في محلة ولا أثر به 27844 - قال أصحابنا: إذا وجد ميت في محلة ولا أثر به لم يجب على أهل المحلة قسامة. 27845 - وقال الشافعي: إذا كان هناك لوث استحلف الولي فإن امتنع استحلف أهل المحلة. 27846 - لنا: أنه إذا لم يكن به أثر فالظاهر أنه مات حتف أنفه والميت لا تجب فيه قسامة ولأنه ميت لا أثر فيه فصار كما لو لن يكن لوث. 27847 - احتجوا: بأنه قد يقتل بما لا أثر له كالحنق والغم. 27848 - قلنا: كل واحد من هذين الأمرين يحصل له أثر في العادة. 27849 - قالوا: القسامة تتبع الدعوى فإذا ادعى الولي ما يجوز أن يكون سمعت دعواه. 27850 - قلنا: إذا لم يكن أثر فالظاهر خلاف ما يدعيه فلا نسلم أن الدعوى وقعت بمجوز. 27851 - قالوا إذا كان هناك أثر فإن الدعوى مسموعة ويجوز أن يكون حرج نفسه أو سقط من شاهق. 27852 - قلنا: هذا التجويز مسلم ولكن لم يزجد ظاهر يخالف الدعوى فلا يسقط حكمها بالتجويز. 27853 - وقد وجد في مسألتنا ظاهر بخلاف الدعوى فذلك لم يجوز الحكم بمقتضاها.

مسألة 1376 حلف أهل المحلة

مسألة 1376 حلف أهل المحلة 27854 - قال أصحابنا: إذا حلف أهل المحلة غرموا الدية. 27855 - وقال الشافعي: لا تلزمهم الدية. 27856 - لنا: ما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى اليهود: (إما أن تحلفوا أو تدوا وإلا فأذنوا بحرب) فجمع الأمرين عليهم. 27857 - ويدل عليه حديث زياد بن أبي مريم قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله إني وجدت أخي قتيلًا في بني فلان قال: (اجمع منهم خمسين فيحلفون بالله ما قتلوا ولا علموا له قاتلًا) فقال: يا رسول الله مالي من أخي إلا هذا، قال: (بلى مائة من الإبل) وهذا يدل على اجتماع الأمرين. 27858 - فإن قيل: هذا خبر واحد يخالف الأصول. 27859 - قلنا: لا يخالفها لأن اليمين من كل واحد من المستخلفين والدية إنما تجب لنصرتهم للبقعة والأصول تمنع من استيفاء الدية الحق المستحلف عليه مع اليمين فأما أن يستحلف من نفي ويجب ضمان معنى آخر لم يستحلف عليه فلا يخالفها كما أو أدعى المولى قتل العمد فاعترف المدعى عليه بقتل الخطأ. 27860 - ويدل عليه حديث الحارث بن الأزمع أنه قال لعمر لما قضى عليهم باليمين والمال قال لا تدفع أموالنا عن أيماننا لا تجزي هذه عن هذا ولا هذا عن هذه، فقال عمر - رضي الله عنه - فمن يبطل دم صاحبكم. 27861 - ولأن أهل المحلة تلزمهم الدية بالنصرة فلم تسقط عنهم بأيمانهم كالعاقلة. 27862 - ولأنه قتل يلزمهم حكمه بغير بينة فلم يسقط بدله بأيمانهم أصله إذا أرقوا به. 27863 - والدليل على الوصف أن حكم القتل يثبت عندنا بوجود القتل وعندهم بأيمان الأولياء.

27864 - احتجوا: بما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (يبرئكم اليهود بأيمان خمسين منهم). 27865 - قلنا: قد روينا هذا الخبر عن زياد وهو أنه كتب إلى يهود إما أن تحلفوا أو تدوا فقوله: يبرئكم محمول على البراءة من دعوى القتل وهذا لا يسقط الدية الواجبة باختصاصهم بالبعضة. 27866 - قالوا المدعي عليه إذا صحت يمينه برئ أو سقطت الدعوى والمطالبة أصله سائر الدعاوى. 27867 - قلنا: إذا كانت الدعوى في معنى فحلف المدعى عليه على ذلك المعني انقطعت الخصومة فيه. 27868 - وكذلك نقول في مسألتنا، لأن الدعوى على كل مستحلف أنه قاتل ويمينه تقطع الخصومة في هذه الدعوى وقد وجب عليه حق آخر لا يجب عليه لأنه قال لكن لزمه لنصرته لهذه المنفعة وتخصيصه بها وهذا المعنى لا يتناول اليمين ولا استحلف عليه فلا يسقط الخصومة بيمينه أصله إذا اعترف المدعى عليه بقتل الخطأ والولي يدعي العمد فحلف على دعوى قتل العمد وجبت الدية ولم يسقط عنه بيمينه.

مسألة 1377 نكول المدعى عليه

مسألة 1377 نكول المدعى عليه 27869 - قال أصحابنا: إذا نكل المدعى عليهم عن الأيمان في القسامة حبسوا حتى يحلفوا. 27870 - وقال الشافعي: لا يحبسوا. 27871 - لنا: أن أهل المحلة تلحقهم التهمة لأن الظاهر أن القاتل منهم إذا نكلوا قويت التهمة والحبس ثبت للتهمة بدلالة ما روي أن - صلى الله عليه وسلم - حبس رجلًا في تهمة. 27872 - ولأنا دللنا على أن الواجب الجمع بين الأيمان وبدل الدية فصارت الأيمان نفس الحق ومن امتنع من حق عليه يقدر على إيفائه حبس كالديون. 27873 - ولأن الولي يدعي قتل العمد وقد وجبت الأيمان ولا يجوز له إسقاط الخصومة بنكول المدعى عليه كسائر الدعاوى. 27874 - ولأنه إذا نكل لم يلزمه معنى بنكوله خرجت اليمين من أن تكون حقًّا عليه، لأنه يملك أن يسقطها عن نفسه بغير شيء وقد أجمعنا أنها مستحقة فلا يجوز أن يسقطها من استحقت عليه من غير شيء يلزمه. 27875 - احتجوا: بأنه نكول عن يمين في جهته فوجب أن لا يحبس بسببه أصله اليمين في سائر الدعاوى. 27876 - قلنا: اليمين في [سائر الدعاوى] ليست نفس الحق بدلالة أن المدعى عليه لو بذل المال لم يستحلف فإذا نكل قضينا بالمال فوصل المدعي إلى حقه فلا معنى للحبس. 27877 - وفي مسألتنا لو بذل المال لم تسقط الأيمان إذا كان الولي يدعي قتل العمد فإذا نكلوا لم يجز الحكم بقتل العمد بالإجماع وليس المال حق المدعي كله فلذلك حبسوا لإيفاء الحق.

مسألة 1378 ادعاء الولي القتل على واحد

مسألة 1378 ادعاء الولي القتل على واحد 27878 - قال أصحابنا: إذا ادعى الولي القتل على واحد معين وليس هناك لوث استحلف يمينًا واحدة. وهو قول الشافعي. 27879 - وقال في قول آخر: يستحلف خمسين يمينًا. 27880 - لنا: قوله - صلى الله عليه وسلم - البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه وهذا يقتضي وجوب ما يتناوله اسم اليمين. 27881 - فإن قيل اللام للعهد وفي دعوى الدم التكرار. 27882 - قلنا: المعهود في سائر الدعاوى يمينًا واحدة وتكرار الأيمان يثبت في المواضع الذي ظهرت التهمة فيه. 27883 - ولأنه حق الدعاء على معين فلا يستحلف فيه خمسين يمينًا كسائر الدعاوى. 27884 - ولأنها يمين تختص المدعي عليه فلا تكرر كدعوى المال. ولا يلزم القسامة لأن اليمين لا تختص بالمدعى عليه. 27885 - احتجوا: بأنها يمين مسموعة في دعوى دم لعدم البينة فوجب لتغليظها عدد أصله إذا كان هناك لوث. 27886 - قلنا: ظهرت التهمة فتكرر اليمين تيقنًا وهذا لا يوجد إذا لم يكن هناك تهمة.

27887 - قالوا: تكرار اليمين إنما يثبت حرمة النفس وهذا المعنى موجود هاهنا. 27888 - قلنا: تكرار اليمين ثبت لظهور التهمة وهذا المعنى لا توجد هاهنا.

مسألة 1379 إذا لم يعين الولي الدعوى

مسألة 1379 إذا لم يعين الولي الدعوى 27889 - قال أصحابنا: إذا لم يعين الولي الدعوى على واحد من أهل المحلة استحلف منهم خمسون رجلًا وكذلك إن قال القاتل منهم ألا أني لا أعرفه. 27890 - وقال الشافعي: لابد للولي من تعيين القاتل ولا يستحلف من لم يعينه بالدعوى. 27891 - لنا: أن الأنصار ادعوا القتل على اليهود ولم يعينوا لأنهم قالوا لا نعلم من قتله فسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - دعواهم وألزم اليهود الأيمان وهذا خلاف قولهم. 27892 - وحديث زياد بن أبي مريم أن الرجل قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - إني وجدت أخي قتيلًا في بني فلان فقال: (اجمع منهم خمسين فيحلفون بالله ما قتلناه) ولم يعتبر الدعوى. 27893 - وكذلك حكم عمر بن الخطاب بالأيمان في القتيل الذي وجد بين وداعة وبين خزاعة لقربه من وادعة ولو كان الولي عين القاتل بالدعوى لم يحتج إلى النظر في الأقرب. 27894 - لأنا لو قلنا: لا نسمع الدعوى حتى يعين سقط حقه لأنه لا يعلم القاتل منهم. 27895 - ولأنه ادعى والظاهر يشهد له بدعواه فصار كما لو ادعى على جماعتهم. 27896 - ولأنه لو ادعى على معين صحت الدعوى وإن لم يشهد لها ظاهر وإذا ادعى على واحد منهم غير معين كالظاهر يشهد له فأولى أن تسمع دعواه. 27897 - احتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه). 27898 - قلنا: عندنا يجب اليمين هاهنا على المدعى عليه والكلام [في أنه]

هل يجب تعيينه أم لا فأما إذا أبرأه وقال: هذا ليس بقاتل فإنا لا نستحلفه. 27899 - قالوا: من لم يكن مدعيًا ولا مدعى عليه لم يكن محلًّا لليمين أصله من لم يكن من أهل المحلة واليمين في سائر الدعاوى. 27900 - قلنا: المعنى في سائر الدعاوى أن القضاء يقع على معين، فلابد أن يتعين المقضي عليه وهاهنا يقع القضاء على غير معين فلا يحتاج إلى تعيين المدعي. 27901 - ولأنا لا نعين تعيينه ابتداء إلا أن اختيار من يستحلف إليه فتصير تعيينه اختيار لتعيينه بالدعوى.

مسألة 1380 إذا أسلم في دار الحرب

مسألة 1380 إذا أسلم في دار الحرب 27902 - قال أصحابنا: إذا أسلم الرجل في دار الحرب ولم يهاجر فقتله مسلم عمدًا فلا ضمان عليه ولا كفارة وإن قتله خطأ فعليه الكفارة ولا دية عليه. 27903 - وقال الشافعي: عليه القود والدية. 27904 - لنا: قوله تعالى (فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقية مؤمنة) ولا يخلو أن يكون المراد [وإن كان من بمعنى الانتساب إليهم أو من قوم بمعنى في قوم لا يجوز أن يكون المراد] من قوم معنى البعضية. 27905 - ولأن جميع أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينسبون إلى الكفار فلم يبق إلا أن يكون المراد به من قوم عدو لكم أو يكون معناه من قوم أي من جملتهم كما يقال فلان صالح من قوم فساق. 27906 - فإن قيل إنما لم يذكر الله تعالى الدية اكتفاء بما سبق. 27907 - قلنا: لو كان كذلك لسكت عن الكفارة اكتفاء بما سبق. 27908 - ولأن دم الحربي كان على أصل الإباحة فلم يتقوم إلا بالحيازة كالصيد والحشيش. 27909 - ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أنا بريء من كل مسلم أقام بين ظهراني أهل الشرك) وإطلاق البراءة يمنع تقويم الدم.

27910 - ولأن دار الحرب موضع إباحة الدماء وإذا قتل فيها فقد قارن قتله سبب الإباحة وما سقط بالشبهة إذا قارنه سبب الإباحة سقط وإن لم يحصل الإباحة كمن وطئ جارية مشتركة. 27911 - ولأن مقامه في دار الحرب يوهم أنه منهم وذلك يمنع وجوب القصاص كما لو وقف في صف الحرب وإذا قتله على وجه العمد لا يتعلق به قصاص ثبت أنه إذا كان خطأ لا تجب الدية لأن أحدًا لا يفصل بين الأمرين. 27912 - احتجوا: بالظواهر الدالة على وجوب القصاص. 27913 - قلنا: قد أريد بجمعيها قتل العمد الذي لا شبهة فيه وذلك غير مسلم في مسألتنا. 27914 - قالوا قال الله تعالى: {ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ودية}. 27915 - قلنا: المراد به المسلم في دار الإسلام بدلالة أنه قال في الآية {فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة} ولم يذكر الدية. 27916 - قالوا: يتعلق بقتله الكفارة فيتعلق به الدية كمن قتل في دار الإسلام. 27917 - قلنا: يبطل بقاتل عبده تجب عليه الكفارة ولا تجب دية والمعنى في المقيم في دارنا أنه أحرز بعد إباحته فتقوم كالحشيش والماء، ومتى أقام في دار الحرب لم يحرزه بعد إباحته فصار كالحشيش إذا كان في منبته. 27918 - قالوا: مسلم محظور الدم فوجب بقتله الضمان كسائر المسلمين. 27919 - قلنا: إن كان الأصل المسلم الذي أحرز دمه بدارنا فهو مباح أحرزه تقوم على متلفه وفي مسألتنا مباح لم يحرزه فلم يتقوم على متلفه.

مسألة 1381 قتل التاجر في دار الحرب

مسألة 1381 قتل التاجر في دار الحرب 27920 - قال أصحابنا: إذا قتل التاجر في دار الحرب فعلى قاتله الدية والكفارة إن كان خطا. 27921 - وقال الشافعي: إن كان عالما به فكذلك وإن كان جاهلًا فعليه الكفارة ولا دية. 27922 - لنا: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (في النفس مائة من الإبل) ولأنه ضمان متلف فلا يختلف بالعلم والجهل أصله: سائر المتلفات. 27923 - ولأن دخوله دار الحرب لا يؤثر في تقويم ماله كذلك تقويم دمه ولأن دمه متقوم في دار الإسلام ولم يوجد منه ما يوجب إباحة الدم فلم يسقط التقويم. 27924 - احتجوا: بقوله تعالى: {فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة}. 27925 - قلنا: من دخل إليهم تاجرا لا نقول أنه منهم وإنما هو من أهل دار الإسلام وإنما يكون منهم إذا كان من أهل دارهم في الأصل ولم ينتقل منها. قالوا: قتل في دار الحرب من غير علم بحال المقتول فصار كمن أسلم هناك. 27926 - قلنا: المعنى فيه أنه لم يحرز دمه بدارنا والمباحات متى لم يحصل فيها حيازة لم تتقوم على ما قدمناه ولأن المتلفات يستوي فيها العلم والجهل بحال المتلف فلم يصح التفريق بينهما.

مسألة 1382 ترتيب كفارة القتل

مسألة 1382 ترتيب كفارة القتل 27927 - قال أصحابنا: كفارة القتل تجب مرتبة من جنسين العتق والصوم ولا إطعام فيها. 27928 - وقال الشافعي: في أحد قوليه يجب الإطعام إذا لم يقدر على الصوم. 27929 - لنا: أن الله تعالى ذكر القتل وأوجب الصوم والعتق ولم يوجب الإطعام فإيجابه زيادة في النص وذلك عندنا نسخ لا يثبت إلا بما يجوز نسخ القرآن به. 27930 - ولأن الله تعالى ذكر في كفارة القتل نوعين وفي كفارة الظهار ثلاثة أنواع وقياس المنصوص على المنصوص لا يصح لأنه يستغني بدخوله تحت النص عن القياس. 27931 - ولأنها كفارة مجمع على وجوبها تتعلق بسبب يشترك فيه الرجل والمرأة فلا يكون الصوم فيها بدلا ككفارة اليمين. ولا يلزم كفارة رمضان لأنها مختلف فيها ولا كفارة الظهار لأن سببها يختص الرجل. 27932 - احتجوا: بأن الله تعالى جعل الإطعام عن الصوم في كفارة الظهار وأطلقه في كفارة القتل فيجب حمل المطلق على المقيد. 27933 - قلنا: من أصلنا أن المطلق يحمل على إطلاقه والمقيد على تقييده كما أن الله تعالى ذكر الكسوة في كفارة اليمين وأطلقها في الظهار والقتل ثم لم تثبت الكسوة في الكفارتين حمل المطلق على المقيد كذلك هذا. 27934 - قالوا ما ثبت في كفارة الظهار يثبت في كفارة القتل كالصوم. 27935 - قلنا: ثبوت الشيء في كفارة لا يدل على ثبوته في أخرى كما أن الكسوة تثبت في كفارة اليمين ولا تثبت في غيرها من الكفارات. 27936 - ولأن المعنى في الصوم أنه يحي به كفارة اليمين فلم يثبت بدلا في كفارة القتل كالكسوة.

27937 - قالوا: كفارة فيها صوم شهرين متتابعين فيثبت فيها الإطعام ككفارة الظهار. 27938 - قلنا: هذا قياس منصوص [على منصوص] وذلك لا يجوز عندنا. 27939 - ولأن سبب هذه الكفارة أغلظ من سبب كفارة الظهار [فجاز أن يتغلظ بإسقاط الطعام. 27940 - ولأن كفارة الظهار] يجوز أن يسقطها عن نفسه بعد دخول سببها بأن يطلق فجار أن يخفف حكمها وهذه الكفارة لا يملك إسقاطها بعد وجوب سببها فلما تغلظ قدرها جاز أن تتغلظ أنواعها.

مسألة 1383 كفارة قتل العمد

مسألة 1383 كفارة قتل العمد 27941 - قال أصحابنا: قتل العمد لا كفارة فيه. 27942 - وقال الشافعي: فيه الكفارة. 27943 - لنا: قوله تعالى {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها} فذكر قتل العمد والوعيد ولم يذكر الكفارة ولو كانت واجبة لبينها. 27944 - فإن قيل: سكت عنها لأنه ذكرها في قتل الخطأ ونبه بذلك على قتل العمد. 27945 - قلنا: ذكر الله تعالى ثلاثة أنواع من قتل الخطأ وأعاد الكفارة في كل نوع منها فإذا لم يقتصر على التنبيه في الخطأ وإيقاعه فأولى أن لا يقتصر على التنبيه في غير نوعه وهو العمد ولأنه معنى يجب به القتل فلا تجب به كفارة أصله الردة وزنا المحصن. 27946 - فإن قيل لا تأثير للوصف لأن الردة لا توجب القتل وهي ردة المرأة والزنا الذي لا يوجب القتل وهو زنا غير المحصن لا يوجب الكفارة. 27947 - قلنا: ليس يمتنع أن يكون القتل ينافي الكفارة فإذا لم يتعلق بالسبب القتل والتعليل تارة تجب الكفارة وتارة لا تجب فلا يبطل ذلك تأثير العلة عند تعلق القتل بالسبب وهذا يستوي فيه العقلية والشرعية لأن الظلم قبيح لأنه ظلم والكذب قبيح وليس بظلم. 27948 - قالوا: نعكس هذه العلة فنقول فوجب أن يكون حكم ما يوجب القتل وما لا يوجبه سواء. 27949 - قلنا: كيف يصح أن يقال معنى يجب به القتل وما لا يجب سواء فاستوى ما يوجب القتال وما لا يوجب في الكفارة؟ وكيف يصح هذا في الفرع وعما لا يستويان باتفاق القتل بحق لا يوجب القتل ولا الكفارة؟ 27950 - فإن قيل: وجب أن يكون حمن عمده وخطأ سواء [لما لم يصح]،

ولأنه تعليل بحكم المجهول فلا يقابل علة قد صرح بحكمها. 27951 - قالوا: المعنى في الأصل أنه ليس بقتل فلم يتعلق به كفارة القتل وهي مسألتنا قتل آدمي مضمون فأوجب كفارة القتل. 27952 - ولنا: الظاهر ليس بقتل وتتعلق به كفارة القتل. 27953 - ولأنا عللنا بنفي الكفارة مطلقة وعللوا لنفي كفارة القتل والعلة المطلقة أولى من الخاصة. 27954 - ولأن الكفارة بالعتق مال يجب بقتل الخطأ فلا يجمع مع القود أصله الدية. 27955 - فإن قيل: عندنا قتل العمد يوجب القصاص والدية. 27956 - قلنا: لا يجتمعان في الوجوب وإنما الواجب عند أحد الأمرين. 27957 - قالوا: الدية والقصاص كل واحد منهما بدل عن النفس فلا يجب بدلًا عن مبدل واحد والكفارة ليست ببدل وإنما هي حق الله تعالى فيجوز أن يجتمع مع البدل. 27958 - قلنا: علة الأصل تبطل بمن قطع يد رجل خطأ ثم قتله عمدًا وجب عليه القود والدية وهما بدلًا عن النفس فلا يجب أحدهما لتفويت عامة المنفعة والآخر لإتلاف الروح. 27959 - ولأنه إتلاف رقبة فلا يجب فيه إتلاف رقبتين في حق واحد أصله قتل الخطأ. 27960 - ولأن الكفارة تجب مع الشبهة، بدلالة وجوبها في قتل الخطأ والقصاص معنى يسقط مع الشبهة فلا تجب إيجابها بسبب واحد كالحد والمهر والزانية المطاوعة. 27961 - ولا يلزم إذا وطئ امرأة بشبهة في رمضان أنه يلزم المهر والكفارة لأن المهر يجب بالوطء والكفارة لهتك حرمة الشهر. 27962 - ولا يلزم إذا شرب الخمر الذمي أن عليه الحد والضمان، لأن الضمان يجب بحصول الخمر في فيه لأن ذلك استهلاك لها والحد يجب بوصولها إلى جوفه وهما سببان مختلفان. 27963 - ولأن كل حكم يجب بالقتل لا يسع فيه بجميع أنواعه، أصله القصاص ولا يلزم حرمان الميراث لا تسع في كل أنواع القتل لأن القتل سبب عندنا يتعلق به

حرمان الميراث. 27964 - احتجوا: بما روى واثلة بن الأسقع. قال أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صاحب لنا أوجب النار بالقتل فقال: (أعتقوا عنه رقبة يعتق الله كل عضو بكل عضو منه من النار). 27965 - قلنا: روى واثلة بن الأسقع أن نفرًا من بني سليم أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - في صاحب لهم أوجب فقال: (مروه فليعتق رقبة). 27966 - ولم يذكر المعنى الذي أوجب به فيجوز أن يكون قتلًا ويجوز أن يكون غيره وأنه أمره بالعتق استحسانًا لجواز أن يتقبل [الله تعالى ذلك ليغفر له]. والذي يبين ذلك أنه لم يبين صفة الرقبة المعتقة ولم يقل: إن كان من الصوم فمروه بالصوم. يدل على أن لم يأمره بذلك على وجه الكفارة. 27967 - ولأن القتل يجوز أن يكون شبه عمد فأوجب النار به ووجب عليه الكفارة. 27968 - فإن قيل: لو كان الحكم يختلف لبين. 27969 - قلنا: يجوز أن يكون قتلًا مشهورًا عرفه - صلى الله عليه وسلم -، ولأنه خبره أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر السائلين أن يعتقوا لم يوجب العتق عليه فما أوجبه - صلى الله عليه وسلم - لا يجب عند مخالفنا. وما يوجبه لم يوجبه النبي - صلى الله عليه وسلم - فسقط الاحتجاج بالخبر. 27970 - ولا يجوز أن يقال [يجوز أن يكون] قد مات فأوجب العتق على ورئته لأنه لو كان كذلك سأل عنه ولا يوجب عليهم أن أخبروه، وأنه ترك مالًا فلما لم يسأل عنه أمره بذلك فلم يأمر الوارث أن يبرع عن الميت فيما يرجو أن يتقبل منهم. 27971 - قالوا: روى عن عمر أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (إني وأدتُ في الجاهلية فقال - صلى الله عليه وسلم - أعتق لكل موءودة رقبة).

27972 - قلنا: هذا شبه عمد لأنهم كانوا يدفنوها وشبه العمد تتعلق به الكفارة ولا هذا كان منه في الجاهلية فلا يجب عليه بعد الإسلام فعلم أنه كان استحسانًا. 27973 - قالوا: آدمي مضمون فوجب أن تتعلق به الكفارة كالخطأ وجبت فيه الكفارة لأنه مضمون لأن الله تعالى نص على الكفارة في قتل يوجب الضمان وهو قوله تعالى: {فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة}. 27974 - ولا نسلم في الفرع أنه مضمون لأن الواجب القصاص ودم الإنسان لا يكون بمضمون عليه ولهذا لو قتل أو مات سقط حق المقتول ولم ينتقل إلى بدل عندنا. 27975 - والمعنى في الخطأ أنه لم يتعلق به إتلاف رقبة بالقتل فجاز أن يتعلق به إتلاف رقبة بالعتق ولا تعلق بقتل العمد إتلاف رقبة لم يتعلق بالعتق. 27976 - قالوا: قتل يتعلق به حرمان الميراث كالخطأ. 27977 - قلنا: حرمان الميراث ثبت، لأن القاتل استعجل ما أخر الله بفعل محظور [فكل من] [جاز أن يكون قصد القتل حرمانه الميراث كحافر البئر لأنه لا] يجوز أن يكون قصد القتل والكفارة وضعت لتغطية المأثم فقد نص الله تعالى عليها في الخطأ الذي يجوز أن يقع المأثم فيه بالتفريط في شبه العمد ولا نعلم أنها تغطي المأثم العمد لزيادته فلم يجز إيجابها ونحن لا نعلم وجود المعنى المقصود بها. 27978 - قالوا: قتل يتعلق به كفارة فاستوى العمد والخطأ أصله قتل الصيد. 27979 - وربما قالوا: كل قتل لو حصل خطأ تعلقت بها الكفارة، وإذا حصل عمدًا تعلقت به الكفارة أصله قتل الصيد. 27980 - قلنا: قتل الصيد إنما وجبت الكفارة بخطأه لأنها وجبت في عمده فتحصل المدلول عليه والدليل على ذلك أن الله تعالى نص على كفارة الصيد في

العمد وسكت عن الخطأ فاتفقوا على وجوب الكفارة في العمد واختلفوا في اخطأ والأصل المنصوص عليه المتفق في حكمه والفرع هو المختلف فيه المسكوت عن ذكره. 27981 - ولأن قتل الصيد لم يتعلق به معنى يسقط بالشبهة فلم ينافي الكفارة وقد تعلق بقتل العمد ما يؤثر فيه الشبه فنفى ذلك وجوب الكفارة. 27982 - قالوا: العامد في معنى الخاطئ لأنه أتلف النفس وحصل في قصده زيادة قصد فإذا وجب الكفارة في الخطأ فالعمد أولى. 27983 - قلنا: إذا كان الله تعالى نص عليها في الخطأ والمأثم لا يتعلق به، دل على أن موضوعها ليس هو المأثم فلا يصح الاستدلال بطريق الأولى. 27984 - ولأنها إذا وجب [تعطيه يجز من] المأثم والعمد إن لم يعلمها أنها تعطي المأثم الزائد عليه فلم يجز إيجابها. 27985 - ولأن العمد تعلق به نوع تغليظ فجاز أن يتغلظ بالكفارة.

مسألة 1384 كفارة قتل الصبي والمجنون

مسألة 1384 كفارة قتل الصبي والمجنون 27986 - قال أصحابنا: الصبي والمجنون إذا قتلا فلا كفارة عليهما. 27987 - وقال الشافعي: عليهما الكفارة. 27988 - لنا: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (رفع القلم عن ثلاثة: الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق). وهذا نفي وجوب الشرعيات عليه ولا يقال: إنا نوجب الكفارة في ماله ولا نوجبها في ذمته لأن محل الكفارات الذمة فمن زعم أن هاهنا كفارة تجب في المال فقد ادعى ما لا يعلم ثبوته. 27989 - فإن قيل: قد ذكر في الخبر النائم والكفارة تجب عليه، لأنه لو انقلب في حال نومه فقتل إنسانًا وجبت الكفارة عليه. 27990 - قلنا: لا نوجبها في حال نومه وإنما نوجبها بعد ما استيقظ، ولأن الخبر دل على سقوط الكفارة في حق الجميع وقامت الدلالة في النائم فتركنا الظاهر للدليل على وما سواه على مقتضى الظاهر. 27991 - ولأن الكفارة موضوعة لتغطية المأثم والصبي لا ذنب له فلا تجب الكفارة في حقه. 27992 - ولا يلزم الخاطئ لأن الذنب متصور في حقه بأن يعتمد في الباطن أو يفرط في السبب ولأنه لا يلزمه بأن يعتمد في الباطن أو يفرد في السبب. 27993 - ولأنه لا يلزمه التكفير بالصوم. 27994 - ولأنه من [أهله فلم يلزمه التكفير بالعتق لأن كل واحد منهما ادعى أحد نوعي التكفير.

27995 - ولأنه] معنى جمع كفارة فلا تجب على الصبي ككفارة اليمين والظهار. 27996 - فإن قيل: هناك شبه من الصبي وسبب هذه الكفارة القتل وهو موجود. 27997 - قلنا: إذا أردتم السبب من طريق الصورة موجودة فكذلك نقوله في كفارة الظهار واليمين [لأن صورة الظهار واليمين] توجد منه وإن قلتم أن لسبب لا يوجد من طريق المعنى. 27998 - وقلنا مثل ذلك في مسألتنا لأن القتل يوجب للكفارة ولا توجد منه وليس سبب الكفارة عندنا موجود للقتل حتى يكون بصفة مخصوصة وتلك الصفة لا نسلم وجودها من قبل الصبي. 27999 - ولأنه حق وجب على وجه التكفير فلا يثبت في حق الصبي كالحد والدليل على الوصف قوله - صلى الله عليه وسلم -: (الحدود كفارة لأهلها). 28000 - فإن قيل: الحد في حقوق الأبدان والكفارة في حقوق الأموال. 28001 - قلنا: يجوز أن يلزم الصبي حقوق الأبدان كما يجب على الصغيرة العدة والإحداد وعندهم وحقوق الأموال قد لا يثبت في حق الصبي بدلالة كفارة الظهار واليمن وبعقد الحج إذا كان مغصوبًا. 28002 - ولن الكفارة عبادة شرعية لا يتحملها الإنسان عن غيره فلم تجب على الصبي كالصلاة والصيام. 28003 - فإن قيل: عندنا يقع التحمل في الكفارة، لأن الإمام إذا حكم بالقتل شهادة بالدية في بيت المال والكفارة في بيت المال على أحد القولين. 28004 - قلنا: نحن ذكرنا أن الإنسان لا يتحملها عن غيره وهذا غير مسلم. 28005 - ولها يلزم العشر لأنه ليس بعبادة عندنا. 28006 - ولأنه لا يجب على الصبي وإنما ينعقد لحب مشتركًا بينه وبين المساكين.

28007 - ولأنه معنى يتعلق بالقتل لا يتحمله الإنسان [عن غيره فلا يجب على الصبي كالقود. 28008 - ولا يلزم الدية، لأن العاقلة تتحملها عن القاتل]. 28009 - احتجوا بقوله تعالى: {ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة}. 28010 - قلنا: قال في أول الآية: {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة}. 28011 - وقوله: {ومن قتل مؤمنا خطئا}. عطف على ذلك وحكم العطف في الخصوص حكم المعطوف عليه فاقتضى ذلك وجوب الكفارة إذا كان القاتل مؤمنًا والصبي لا يتناوله إثم المؤمن على الإطلاق. 28012 - ولأنه ابتدأ الآية بالنهي عن القتل والصبي لا يتناوله النهي. 28013 - قالوا: قتل آدمي مضمون موجب أن يتعلق به وجوب الكفارة أصله قتل البالغ. 28014 - قلنا: وجوب ضمان القتل حق الآدمي والكفارة من حقوق الله تعالى فلا يستبدل بوجوب أحدهما على ثبوت الآخر. 28015 - ولأن قتل البالغ لما جاز أن يتعلق به الكفارة بالصوم جاز أن يتعلق بقتله التكفير بالعتق، ولما كان قتل الصبي لا يجوز أن يتعلق به احد النوعين من التكفير ثم يتعلق به الآخر. 28016 - قالوا: من لزمته الدية بالقتل لزمته الكفارة أصله البالغ. 28017 - قلنا: الصبي لا تجب عليه الدية بقتله، لأنه لا عمد له عندنا وقتله يوجب الدية على عاقلته. والمعنى في البالغ أنه يجوز أن تلزمه كفارة القتل. 28018 - قالوا: حق مال يتعلق بالقتل فوجب أن يستوي فيه الصغير والكبير والعاقل والمجنون كالدية. 28019 - قلنا: تساوي الصغير والكبير في وجوب الدية لا يدل على تساويهما في

الكفارة التي هي عبادة كما لا يدل على تساويهما في وجوب الصلاة. والمعنى في الكبير أنه يجوز أن يتعلق إتلاف رقبة القصاص فجاز أن يتعلق به إتلاف رقبة بالعتق. 28020 - قالوا: وجوب الكفارة من وجوب الدية بدلالة من قتل عبده لزمته الكفارة دون الدية ومن قتل مسلمًا في دار الحرب وجبت عليه الكفارة دون الدية، ومن أذن لرجل في قتله فقتله، فعليه الكفارة دون الدية. فإذا وجبت الدية في مسألتنا فالكفارة أولى بالوجوب. 28021 - قلنا: إنما لم يجب في قتل عبده الدية لأنها تجب له فمستحيل أن تجب له على نفسه والكفارة تجب لله تعالى. فيجوز أن تجب عليه وهذا الفرق ليس تأكيد أحدهما على الآخر. 28022 - وكذلك إذا أذن في قتله فقد سقط الضمان الواجب له فسقط بإسقاطه والكفارة لا تجب للمقتول فلم تسقط بإسقاطه وهذا لا يعود إلى التأكيد. 28023 - وأما المسلم في دار الحرب فلم يحرز دمه بدار الإسلام فمنع ذلك من تقويمه ولم يمنع المأثم فيه فوجبت الكفارة للمأثم. 28024 - ثم قد تجب الدية ولا تجب الكفارة بدلالة أن حفر البئر عندنا يضمن بالدية دون الكفارة وإن حكم الإمام بالرجم بشهادة عبد فالدية في بيت المال. ولا كفارة وإذا دخل في العمد شبهة وجبت الدية دون الكفارة عندنا. 28025 - ولأن هذا الاستدلال لا يصح لو أن تسقط عنه الكفارة يعني يعود إليها فيستدل بتأكيد وجوبها على لزومها فأما إذا كنا نسقطها لمعنى فيه لم [يجز أن] يستدل بتأكيد وجوبها على لزومها.

مسألة 1385 كفارة الكافر إذا قتل

مسألة 1385 كفارة الكافر إذا قتل 28026 - قال أصحابنا: الكافر إذا قتل لم تجب عليه الكفارة. 28027 - قال الشافعي: عليه الكفارة. 28028 - لنا: قوله تعالى: {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة} وحكم العطف على المعطوف عليه أن يقتضي شرط الإيمان في وجوب الكفارة فلم يجز إيجابها مع فقد شرط. 28029 - ولأن الكفارة عبادة من شرطها النية فلا تجتمع مع الكفر أصله الصوم والصلاة. 28030 - ولأن الكفارة موضوعة لتغطية المأثم ودفع الريب وهذا المعنى لا يوجد مع الكفر وإذا لم يوجد معناه لم يجز إيجابها. 28031 - فإن قيل: لا يمنع أن تجب في حق الكافر عقوبة وإن وجب في حق المسلم لتكفير كما يجب عليه عقوبة وإن كان تكفيرًا في حق المسلم. 28032 - قلنا: الحدود موضوعها للعقوبة وقد يحصل في التكفير وليس هو المقصود بها لتعذر ما ليس بمقصود في حق الكافر لا يمنع وجوبها إذا وجد المعنى الذي وضعنا لأجله فأما الكفارة فلم توضع للعقوبة وإنما وضعت للتكفير، فإذا تعذر معناها لم يجز إيجابها ولو جاز إيجابها بغير المعنى الذي وضعت له جاز أن يجب عليه الزكاة على طريق العقوبة وإن كان وجوبها في حقل المسلم للتطهير. 28033 - ولأنه لا يصح منه التكفير بالصوم، فلا يصح منه التكفير بالعتق، ولأن كل واحد منهما أحد نوعي التكفير ولأنه معنى وضع لتغطية المأثم فلا تجتمع مع الكفر كالتوبة ولأنها كفارة فيها صوم شهرين متتابعين فلا يثبت وجوبها في

حق كافر أصله رمضان. 28034 - احتجوا: بأنه مال يتعلق وجوبه بالقتل كالدية أو نفس مضمونة فيتعلق بها الكفارة كالقاتل المسلم وقد أوجبنا عن هذا في المسألة المتقدمة.

مسألة 1386 كفارة حافر البئر في الطريق

مسألة 1386 كفارة حافر البئر في الطريق 28035 - قال أصحابنا: حافر البئر في الطريق والقائد والسائق لا كفارة عليهم. 28036 - قال الشافعي: عليهم الكفارة. 28037 - لنا: أنه ليس بقاتل بدلالة أنه لم يوقع فعلًا في المقتول ولها فيما اتصل به. 28038 - ولأن لو فعل السبب في ملكه لم يضمن. 28039 - ولو كان قاتلًا [استوى أن يوجد الفعل في ملكه أو في غير ملكه كالزاني. 28040 - لأنه لو كان قاتلًا] لوجب في شيء من نوعه القصاص فلما لم نوجب القصاص بوجه من الوجوه دل على أنه ليس بقتل. 28041 - فإن قيل: الواقع في البئر مقتول ولهذا يضمن الدية ويستحيل أن يكون مقتولًا ليس له قاتل. ولا قاتل إلا الحافر الضامن بجنايته. 28042 - قلنا: إذا تيقنا أن يكون الحافر قاتلًا لم نقل أن الواقع في البئر مقتول بل نقول: هالك وميت، وتالف وليس بمقتول ولا الحافر قاتلًا. 28043 - فإن قيل: الحافر يجب عليه الضمان والحر لها يضمن إلا بالقتل. 28044 - قلنا: الحر يضمن بالجناية وهذه عندنا جناية وليست بقتل وقد تكون الجناية مضمونة ليست جنايهما قاتلًا كالجناية فيما دون النفس وكالشهود إذا شهدوا بباطل وإذا ثبت أنه ليس بقاتل والله تعالى أوجب هذه الكفارة على القاتل فلم يجز إيجابها على غيره.

28045 - ولأن كل فعل لو حصل في ملكه لو يوجب الكفارة إذا حصل في غير ملكه لم يوجبها. أصله: الإمساك. 28046 - ولأنه لم يباشر قتل النفس فلم تجب عليه الكفارة كالعاقلة. 28047 - احتجوا: بأنه فعل يضمن به نفس الحر فوجب أن يضمن بالكفارة كالمباشرة. 28048 - قلنا: يجوز أن يضمن النفس بسبب لا تجب به الكفارة كالنصر في العاقلة والمعنى في المباشرة أنها لو حصلت في ملكه وجبت الكفارة بها كذلك في غير ملكه. 28049 - قالوا: كفارة تجب بمباشرة القتل فجاز أن تجب بسبب القتل ككفارة الصيد. 28050 - قلنا: كفارة الصيد تجوز أن تجب بغير القتل بدلالة أنه لو أمسكه حتى مات في يده ضمنه فلهذا ضمنت بالسبب وأما كفارة الآدمي فلا تتعلق بغير القتل فلم يجز إيجابها بالسبب. 28051 - ولأن سبب تلف الصيد أن يوجه في ملكه فيجب الضمان وهو أن يضع له شبكة فلذلك يضمن بغير مباشرة [والآدمي لو جعل سبب إتلافه في ملكه وهو أن يحفر له بئرًا لم يضمن]. فلذلك لم تجب الكفارة بالسبب.

مسألة 1387 كفارة ضرب الرجل الملفوف في كساء

مسألة 1387 كفارة ضرب الرجل الملفوف في كساء 28052 - قال أصحابنا: إذا ضرب الرجل رجلًا ملفوفًا في كساء أو ثوب فقطعه نضفين. وزعم الضارب أنه كان ميتًا فقال وليه بل كان حيًّا فقتله بضربك فالقول قول الجاني وعلى الولي البينة. ونص الشافعي: على مثل قولنا. 28053 - قال الربيع: فيها قول آخر: أن القول قول الولي مع يمينه وعلى الضارب البينة. 28054 - لنا: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه) والولي يدعى وجوب الضمان. 28055 - فإن قيل: فالضارب يدعي موت المضروب. 28056 - قلنا: المدعي من طلب بدعواه حقًّا والضارب لا يدعي حقًّا بقوله فلا يكون مدعيًّا. 28057 - ولأنه اختلاف في صفة المجني عليه فالقول قول الجاني أصله الجناية على غير بني آدم. 28058 - ولأن الأصل براءة الذمة فيجب اصطحاب ذلك الأصل إلا أن يثبت ما يقتضي تعلقها. 28059 - ولأن الولي يدعي حقًّا على الضارب. والضارب يدعي معنى حادثًا وهو موته قبل ضربه فلا يقبل قوله كمن قتل مسلمًا وزعم أنه كان ارتد قبل ضربه. 28060 - قلنا: الأصل الجناية كما قبل زعمتم إلا أن هذا ظاهر، والظاهر لا يستحق حقًّا على الغير، وإنما تدفع به الدعوى فلم يجز إيجاب الضمان على الضارب بالظاهر. 28061 - ولأن هذا الظاهر قد عارضه ظاهر آخر وهو أن الأصل براءة الذمة،

فقابل أحد الظاهرين الآخر ومنقطعًا. 28062 - وأما القاتل فقد تيقن أنه قاتل والشك يتعلق به الضمان. فإذا ادعى ما يوجب سقوط الضمان بعد ثبوته لم يقبل قوله. 28063 - وفي مسألتنا الاختلاف وقع قبل أو لم يقبل فلا يجوز إيجاب الضمان عليه بالظاهر.

مسألة 1388 حقيقة السحر

مسألة 1388 حقيقة السحر 28064 - قال أصحابنا: السحر لا حقيقة له وإنما يقدر الساحر على تصوير الباطل بغير صورته كالحيل الذي تخفى على الناس كما حكى الله تعالى على سحرة فرعون فقال: {يُخيل إليه من سحرهم أنها تسعى} أو تدب بالنميمة بين الناس [فيقبل ذلك الغير]، أو توصل إلى السحور من الأدوية ما يخيل به عقله فإما أن يفعل فعلًا [في] محل قدرته حتى يمرض ويغير صورة الحيوان ويبطل الاختيار فيحبب إلى الإنسان فمن لا يؤثر محبته ويبعد عنه من يؤثر قربه، فلا قدرة له على ذلك. 28065 - وقال عامة أصحاب الشافعي: السحر حقيقة ولم يفصلوا بين ما يريدونه بالسحر. 28066 - لنا: قوله تعالى: {ولا يفلح الساحر حيث أتى}. وهذا يقتضي أن مقاصدهم باطلة وأفعالهم غير صائبة. 28067 - ولأن ما تدعيه السحرة ولو صحب القدرة عليه من المشي فوق الماء والطيران من بلد إلى بلد. وجعل الإنسان بصورة بهيمة ككل معجزات الأنبياء فلو صح السحر لم يؤمن أن تكون معجزات الأنبياء إنما فعلوها بالسحر كما زعمت اليهود وأن عيسى منع بقلهم أن قلب الأرض فجرى الماء بخلاف حريته، وأنه أحيا الموتى وأن الله جل جلاله كلفها جهاد العدو [والمحاصرة بالتعويز]. 28068 - أمرنا بتعلمه لنكفي أعداءنا ونهلكهم من غير خطر علينا ولا ضرر. 28069 - فأما قوله تعالى: {واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان} إلى قوله

{يعلمون الناس السحر}. وهذا يدل على وجود سحر ونحن لا نمنع ذلك على الوجه الذي قدمناه وإنما نمنع السحر على بعض الوجوه فلا دلالة في الآية. 28070 - فأما قوله تعالى {فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه} فكذلك نقول أنه يفرقون بالنميمة والحيل وإنما يمنع أن نقول يفعل فعلًا لا يتصل بهما فيفارقهما. 28071 - قالوا: روى أن لبيد بن أعصهم اليهودي سحر النبي - صلى الله عليه وسلم - في جُفّ طلعة ومشط ومشاط وجعل ذلك في بئر. فمرض النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أخبر جبريل فأخرج ذلك من البئر. 28072 - قلنا: هذا خبر يرده القرآن. قال تعالى {والله يعصمك من الناس} فكيف لا يعصمهم من سحر لبيد! 28073 - وقد ورد فيه أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (إنه ليخيل لي أني أقوله الشيء وأفعله ولم أقله ولم أفعله) وهذا يقتضي أن علقه تغير وذلك لا يجوز على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد قال الله تعالى حكاية عن الكفار {يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا}، وليس يمتنع أن يكون فعل السحر على اعتقاد السحر فلم يضر ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنما أطلقه الله عليه ليكون علمه معجزة له كما أن اليهودية لما قدمت إليه شاة قال: (إن هذا الشاة لتخبرني أنها مسمومة). 28074 - ولو ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - مرض والله تعالى أمرضه عند السحر وفعل المرض [تلفًا له] لتظهر معجزته.

مسألة 1389 اعتقاد الساحر صحة سحره

مسألة 1389 اعتقاد الساحر صحة سحره 28075 - قال أصحابنا: الساحر إذا اعتقد صحة السحر فهو على وجوه، فإذا كان يعتقد ما ادعى .... أن مع الله إله آخر تعالى الله. وأن الكواكب فاعلة وتلك الأدعية كفر، لأن فيها اعترافًا للكواكب بما لا يقدر عليه إلا الله، وكذلك إن زعم الساحر أن الشياطين تخدمه وتفعل له ما يريد وأنها تقدر على تغير خلق الناس فهو كفر وإن اعتقد الساحر أنه يفعل مثل المخاريق التي تخيل بها للناس كما يخيل المشعوذ فليس بكفر [وكذلك إن اعتقد أنه يطعم الإنسان أو يفجر له ما يصل إلى حواسه فليس بكفر]. وحكى أصحاب الشافعي: عنا أن السحر كفر وإن تعلم السحر كفر فأما السحر فإنا نقول: إنه على التفصيل الذي قدمناه وإما تعلمه فإن فعل ذلك ليعرفه بصفته ويتجنبه ويبين له بطلانه فليس بكفر وإن تعلمه متقنًا ليفعله وهو يعتقد جوازه فهو كافر. 28076 - وقال الشافعي: يقال للساحر: صف سحرك فإن وصف ما يوجب الكفر فهو كافر وإن وصف ما لا يوجب الكفر فليس بكافر. وأما إذا مات المسحور عمل فيه بإقرار الساحر فإن قال الساحر: لا يقتل. فلا قصاص عليه، وإن قال أنه نقتل غالبًا وربما سلم منه فعليه القصاص وإن قال: سحري لا يقتل غالبًا وربما مات فيه فعليه الدية فجعل ذلك جناية وألحقها تارة بالعمد وتارة بشبه العمد فأما إذا اعتقد أن الكواكب فاعلة وأن الشياطين تخدمه فهو كافر من الوجه الذي ذكرنا فيصير مرتدًّا فيقتل بالردة. 28077 - وقد روى الحسن عن أبي حنيفة أنه يقتل ولا يستتاب لأنه جمع إلى الكفر السعي في الأرض بالفساد فلا يسقط قتله بتوبته بعد القدرة كقاطع

الطريق. وكذلك قال أصحابنا في الخناق. 28078 - وأما إذا قتل بسحره ولا يعتقد صحة ذلك فإن كان هو الفاعل بنفسه فقد قتل بغير الحديد، فإن تكرر منه قتل على وجه الحمل لسعيه في الأرض بالفساد وإن لم يتكرر فعله فعليه الدية كقاتل بغير الحديد، وإن كان المسحور يتناول ذلك بنفسه فلا قود على عاقل السبب، كما ناول غيره السم فأكل. 28079 - وما أخبر الشافعي الساحر يجري مجرى الجناية وتحمله للقتل لا للسحر فهو قول خالف به الآثار. واتفاق السلف وروى خباب بن الأرت أنه [- صلى الله عليه وسلم - قال]: (حد الساحر ضربه بالسيف). وهذا يقتضي أن قتله على وجه الحد وأنه يقتل من غير تفصيل وقد روي عن [ابن مسعود أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (من أتى ساحرًا فصدقه بما يقول فقد] كفر بما أنزل على محمد). 28080 - وعن ابن عمر أن جارية لحفصة سحرتها فأمر عبد الرحمن بن زيد بقتلها فبلغ ذلك عثمان فأنكره فآتاه ابن عمر فأخبره خبرها فكان إنكاره فقتلت بغير إذنه. 28081 - وعن الحسن قال: يقتل الساحر ولا يستتاب. 28082 - وروى عمرو بن شعيب أن عمر أخذ ساحرًا فدفنه إلى صدره ثم تركه حتى مات. 28083 - وعن مسلم بن أبي الجعد قال: كان قيس بن سعد أميرًا على مصر

فجعلوا يفشون سره فقال: من هذا الذي يفشي علي سري؟ قال ساحر هاهنا. فدعاه فقال: إذا نشرت الكتاب علمناه ما فيه. فأما ما دام محبوسًا فليس نعلمه فأمر به فقتل. 28084 - وروى الأسود بن هلال قال علي بن أبي طالب: إن هؤلاء العارفين كهان العجم فمن أتى كاهنًا يؤمن له بما يقوله فقد كفر بما أنزل على محمد. 28085 - وعن الحسن أن جنديًّا قتل ساحرًا. 28086 - فقد اتفق السلف على قتل الساحر بسحره ولم يعتبر أحد منهم حكم جناية. فمن قال: إن أقتله لجنايته. فقد خالف إجماعهم. 28087 - فأما تعلم السحر فقد قدمناه. 28088 - قال مخالفنا: أكثر أحوال السحر أن يكون كفرًا وتعلم السحر ليس بكفر وتعلم الزنا ليس بفسق. 28089 - قلنا: إذا تعلم السحر ليتخير ويتحرز منه فليس بكفر فإن تعلمه معتقدًا لصحته فهو كفر، وتعلم الزنا لاجتنابه ليس بفسق وإن تعلمه ليعمل فهو فسق. لا فرق بين الزنا وبين ما استشهد به مخالفنا على أن تعلم السحر فهو في الغالب لا يقع إلا على وجه المنكر لأن السحرة تزعم أن من عمل ذلك غير معتقد لصحته ولتعظيم الكواكب والتصديق بأنها تضر وتنفع لم يصح له ما يفعله فالتعلم في الغالب لا يقع من الاعتقاد الذي يفكر به.

كتاب قتال أهل البغي

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب قتال أهل البغي

مسألة 1390 ما تلف من أهل العدل والبغي

مسألة 1390 ما تلف من أهل العدل والبغي 28090 - قال أصحابنا: ما تلف من أهل العدل والبغي من نفس أو مال فلا ضمان على كل واحد من الفريقين. 28091 - وقال الشافعي: ما أتلفه أهل العدل على الباغي فلا ضمان عليه قولًا واحدًا وما أتلفه الباغي على العادل فيه قولان: قال في القديم: يجب ضمان النفس والمال وقال في الجديد: لا ضمان. 28092 - لنا: قوله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} إلى قوله تعالى: {فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله} وهذا بيان لجميع أحكام أهل البغي فمن زعم أن ها هنا حكما آخر وهو وجوب الضمان فقد خالف الظاهر. 28093 - ولا يقال: إن الله تعالى قال: {وأقسطوا إن الله يجب المقسطين} فأمر بالعدل وذلك يكون بإيجاب الضمان. لأنا إذا لم نسلم الوجوب لم يكن إلزام الضمان من القسط. ويدل عليه أن الفتنة وقعت بين السلف الصالح ثم اجتمعوا فلم يقض لأحد على أحد بوجوب القصاص [والضمان] ولو كان واجبًا كالسراية ولم يتركهم فلم ينقل دل من اتفاقهم على أنه ليس بواجب. 28094 - فإن قيل: إنما لم يقض بذلك لأن المستحق لم يطالب. 28095 - قلنا: لو كانت المطالبة واجبة لم تتفق آراؤهم مع كثرة عددهم على ترك ذلك فلما لم يطالبوا دل أنه ظهر لجماعتهم أن ذلك غير واجب حتى سكتوا عن المطالبة. 28096 - فإن قيل: رد المال المعين إذا كان في أيديهم واجب ولم ينقل أن أحدا

طولب برد ما في يده. 28097 - قلنا: قد التمس أصحاب علي بالبصرة قسمة الأموال فامتنع وهذا بينه على وجوب الرد فإن لم ينقل بمطالبة فيجوز أن يكون، لأنهم لم يظهروا على مال بعينه. 28098 - فأما الضمان فينقطع أن الدماء أريقت والأموال أتلفت فترك المطالبة بضمانها يدل على نفي وجوب الضمان. 28099 - ويدل عليه ما روي عن الزهري أنه قال: وقعت الفتنة العظمى وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متوافرون فأجمعوا رأيهم على أن كل دم أريق بتأويل القرآن وكل مال أتلف بتأويل القرآن وكل فرج اسبيح بتأويل القرآن فهو هدر ولا شيء فيه. 28100 - فإن قيل: كيف يثبت الإجماع وهو دليل مقطوع به [بخبر واحد وهو يفيد الظن. قلنا: كما ثبت قول الرسول بقول واحد هو دليل مقطوع به] ولأنهم باينوا أهل الحق السابق أن أحكامنا لا تجري في دارهم. 28101 - ولأن كل طائفتين اقتتلنا فلم يضمن المحقة أموال المبطلة فلم يضمن المبطلة أموال المحقة كالمسلمين وأهل الحرب. 28102 - ولأنهم أهل دار لا تجري أحكامنا فيهم فلم يضمنوا ما أتلفوه من أموالنا كأهل الحرب. 28103 - فإن قيل: المعنى في أهل الحرب أنا نغنم أموالهم ونسبيهم فذلك لم يضمنوا أموالنا. 28104 - قلنا: جواز غنيمة أموالهم علة لسقوط الضمان عنا فأما أن يدل على سقوطه عنهم فلا، ولأن عند مخالفنا أن الحربي لا يغنم مالنا ولا نضمن ما أتلفناه عليه كذلك الباغي لا نغم ماله ولا يضمن ما أتلفه علينا. 28105 - قالوا: الحربي غير ملتزم ضمان الأموال والباغي قد التزمها. 28106 - قلنا: الضمان لا يجب على الإنسان التزامه وإنما يجب عليه بإيجاب الله تعالى بدلالة أن الصبيان يضمنون بالإتلاف ولم يلتزموا ضمانًا ولأنا أمرنا برفع البغي وأقاموا على البغي وعادوا في البغي وهذا لا يجوز، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: (الإسلام يجب ما قبله) فأسقط ما تقدم عليه ليسهل الانتقال إليه.

28107 - احتجوا: بقوله تعالى: {كتب عليكم القصاص في القتلى} وبقوله تعالى: {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطان}. 28108 - قلنا: هذا خطاب للقاتل الذي يدلنا عليه فأما من قُتِل ولا يد لنا عليه فلا يتناوله الظاهر [فلا يدوا] قتلانا ولا ندي قتلاهم. 28109 - قلنا: هذا قاله عمر من قُتِل منا فإنما عهد الله تعالى فأجره عليه ورجع أبو بكر إلى قوله بدلالة أنه لم يطالب أحدًا مما أسلم بشيء من ذلك وقد قتل طليحة عكاشة بن محصن وغيره من المسلمين ثم أسلم وجاء إلى أبي بكر فلم يأخذه بشيء من ذلك ولا بين الأولياء وجوب المطالبة. 28110 - قالوا: شخصان كل واحد منهما وجب عليه الضمان كما لو أتلفه قبل القتال أو قبل التخيير أو ما أتلفع المسلم على المسلم. 28111 - قلنا: لا نسلم الوصف، لأن عندنا الباغي في حال التخيير لا يضمن مال العادل، والعادل لا يضمن ماله فإن أرادوا أنه من أهل الضمان لولا البغي بطل الحربي لأنه من أهل الضمان لولا الحرب ولهذا لو دخل إلينا مستأمنا ضمن. وقوله: (أتلفه بعدوانه) لا تأثير له في الأفضل لأن المسلم إذا أتلف مال المسلم بغير عدوان ضمنه والمعنى في الأصل إنا نضمن ما أتلفنا عليهم ويضمنوا ما أتلفوا علينا ونقول: إنهما في أهل دار يجري فيها حكم الإمام ولما كان الباغي في دار لا يجري حكم العدل فيها لم يضمن ما أتلف علينا.

28112 - قالوا: مسلم أتلف مال مسلم بعدوان فصار كما ذكرنا. قلنا: قولكم: (بعدوان) لا تأثير له في المسلم على ما بيناه، والمعنى في المسلم أن أحدهما يضمن ما أتلفه على الآخر واحترازهم بذكر العدوان لا ينفع لأن المسلم لو قتل الباغي لم يضمن وقد أتلفه بعدوان.

مسألة 1391 انهزام فئة أهل البغي

مسألة 1391 انهزام فئة أهل البغي 28113 - قال أصحابنا: إذا كان لأهل البغي فئة فانهزموا اتبع مواليهم وأجهز على جريحهم. وقال الشافعي: لا يتبعون. 28114 - لنا: قوله تعالى: {فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله} ومتى انهزموا ولهم فئة فلم يزل البغي وإنما يتجاوزون ليجتمعوا على أهل العدل، فوجب أن يقسطوا بالظاهر. 28115 - وروي أن علي بن أبي طالب اتبع بالشام المولِّي وأجهز على الجريح وذلك بحضرة الصحابة من غير منكر والذي روي بالبصرة: لم يتبع مولٍ ولم يجهز على جريح فلأنه لم يبق لهم فئة. 28116 - ولا يقال: إن أهل الشام كانوا فئة لأن أهل الشام لم يظهروا الخلاف حينئذ ولا خلعوا الطاعة. 28117 - ولأنهم فارقوا حربًا ودارًا فجاز أن يتبعوهم بعد الهزيمة كأهل الحرب. ولا يلزم إذا لم يكن لهم فئة لأن التعليل يجوز الاتباع لا لأحواله. 28118 - ولأن بغيهم لم يزل بهزيمتهم فجاز أن يقتلوا كما قبل الهزيمة. 28119 - ولأن من جاز أن يقاتلوا مقاتلاها أن يقتلوا كما قبل الهزيمة إن غلب في ظننا أنه يحيز بقتالنا. 28120 - احتجوا: بأنه قتال على وجه الدفع فصار كقتال عن الخوارج. 28121 - قلنا: لا نسلم أن قتالهم دفعا لأن الخوارج إذا أجبروا وامتنعوا من

أحكامنا بدأناهم بالقتال ولم ننتظر أن يقاتلوا. فإن قيل: روي عن علي بن طالب - رضي الله عنه - أنه سمع رجلا يحكم في المسجد فقال: كلمة حق أريد به باطل لكم علينا أن لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا الله فيها ولا نمنعكم حقكم من الفيء ولا نبدأكم بقتال. 28122 - قلنا: إذا كان أهل البغي في دارنا لم نتعرض لهم إلا أن يحس الإمام منهم بعزم على الخروج فيحبسهم فأما الذين خرجوا وتحبروا فإن الإمام يقاتلهم وإن لم يبدؤه بقتال. 28123 - قالوا: إنه تارك للقتال كمن لا فئة له. 28124 - قلنا: إذا لم يكن له فئة فقد زال بغيه بهزيمته، والمقصود بالقتال إزالة البغي وإذا كانت له فئة فلم يزل البغي فجاز أن يقتل كالحالة إزالة البغي وإذا كانت له فئة فلم يزل البغي إلا بالقتال.

مسألة 1392 إذا وجد المسلمون أسلحة أهل الحرب ودوابهم

مسألة 1392 إذا وجد المسلمون أسلحة أهل الحرب ودوابهم 28125 - قال أصحابنا: إذا وجد المسلمون أسلحة أهل الحرب ودوابهم جاز أن يقاتلوهم بها إذا احتاجوا إلى ذلك فإن استغنوا عنه أمسك الإمام إلى أن يتوبوا. 28126 - وقال الشافعي: لا يجوز ذلك. 28127 - لنا: قوله تعالى: {فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله} وهذا عام في قتالهم بسلاحهم وسلاحنا. 28128 - ولأن الفتنة وقعت بين الصحابة ونحن لا نعلم أنه لا يخلو القاتل من أخذ سهم ورده إلى عدوه واجتذاب رمح والطعن به فلو كان ذلك لا يجوز لبنيه علي بن أبي طالب ولو فعل لنقل فلما لم ينقل دل على إباحته. 28129 - وقد روي أن علي بن أبي طالب قسم السلاح يوم البصرة ونحن نعلم أنه لم يقسمه قسمة تمليك فبقى أن يقسمه قسمة انتفاع. ولأنهم فارقونا بالحرب والدار فجاز أن نقالتهم بأسلحتهم كأهل الحرب. 28130 - فإن قيل: هذه الحرب ينقطع حقهم عن أسلحتهم. قلنا: ويتعلق حق المسلم بها ولا يمنع ذلك القتال بها عند الحاجة كذلك تعلق حق البغاة لا يكون بأكثر من حق الغانمين. 28131 - ولأنه سلاح تدبير أمره موقوف على الإمام لأن له أن يحبسه ويرده إذا رأى وكل سلاح تدبيره إلى الإمام يجوز أن يأذن في قتال أهل البغي به كسلاح بيت المال.

28132 - فإن قيل: ليس له إذا جاز الإمام أخذه وحبسه عنهم جاز له أن يأذن في الانتفاع به كما يجوز له أن يحبس أسراهم ولا يجوز أن يستخدمهم. قلنا: الانتفاع بالسلاح لا يجوز عندنا مع عدم الحاجة ومتى احتاج المسلمون إلى عمل البغاة أمر الإمام باستعمالهم فيه. 28133 - احتجوا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه). 28134 - قلنا: قد أجمعنا على أن الانتفاع بملك الغير عند الحاجة جائزة فكأنه قال: (لا يحل مال امرئ مسلم من غير حاجة) وعندنا إذا لم يحتج المسلمون إليه لم يحل لهم. 28135 - قالوا: من له حرمة ولا يجوز الانتفاع به بغير إذنه من غير ضرورة [أصله مال العادل. قلنا: يبطل بانتفاع الأب بمال ابنه يجوز من غير ضرورة] وإن قالوا: من غير حاجة. قلنا: بموجبه لأن الانتفاع بهذا السلاح لا يجوز إلا مع الحاجة والمعنى في سلاح العادل أنه لا يجوز حبسه عنه فلا يجوز قتاله به ولما جاز حبس سلاح الباغي عنه وأبيح قتاله جاز قتاله به. 28136 - قالوا: من لم يجز الانتفاع بغير الكراع والسلاح من ماله لم يجز الانتفاع بالكراع والسلاح كالعادل. 28137 - قلنا: لا نسلم فإنه يجوز الانتفاع بثيابهم في قتالهم ومجئيهم عند الحاجة إليها ولأن الغنيمة لا يجوز الانتفاع بغير السلاح والكراع والطعام منها ويجوز الانتفاع بهذه الأنواع. 28138 - قالوا: كل ما يوجب رده على صاحبه لم يجز الانتفاع به بغير إذنه. 28139 - قلنا: الغنيمة تجب قسمتها بين أهلها ويجوز الانتفاع بالسلاح والطعام منها والأب يجب عليه حفظ مال ابنه عليه فإن احتاج إليه جاز أن ينتفع به بغير إذنه ولأن الحالة التي يجوز الانتفاع لا يجب الرد والحالة التي يجوز فيها الرد ولا يجوز الانتفاع على أنا نحبس أموالهم عند لمنفعة المسلمين ولهم

[حتى إنه [لو أمامها] فيريد بعضهم ويقاتل به بمثل ذلك لأن تفريقهم منفعة للمسلمين ولهم] وهذا غير ممنوع كما يحبس الإمام بيت المال إذا كان في حبسه منفعة للمسلمين ويمكنهم من الانتفاع به إذا كان في ذلك منفعة لهم. * * *

مسألة 1393 [الاستعانة بالكفار على قتال أهل البغي]

مسألة 1393 [الاستعانة بالكفار على قتال أهل البغي] 28140 - قال أصحابنا: يجوز للإمام أن يستعين على قتال أهل البغي بالكفار إذا كانت كلمة المسلمين هي الظاهرة عليهم. وقال الشافعي: لا يجوز. 28141 - لنا: قوله تعالى: {فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله} ولم يفصل لأنهم باينوا بالحرب ودار كاهل الحرب، ولأن من جاز قتاله وقتله جاز أن نستعين على قتاله بالكفار [كأهل الجزية جاز ...] كذلك أهل البغي. 28142 - احتجوا: بأن قتل أهل البغي على صفة لا يجوز أن يسلط الكفار على قتالهم لأنهم مسلمين ودماؤهم محقونة وأموالهم معصومة وإنما يقاتلون ليرجعوا إلى الطاعة أو يتبدد شملهم ويتفرق جمعهم ولا يقاتلون ليقتلوا وهذا لا يجوز أن يتبع مدبريهم ولا يوقف على جريحهم وقتل أسيرهم ونبدأهم بالقتال إذا تجمعوا وإن بدءوا. 28143 - فلم نسلم ما ذكروه على الماء إذا أحضرنا الكفار ويدنا هي العالية وكلمتنا هي الظاهرة أمرناهم بالقتال وإذا استشار بالكفار إذا وجب الكفر كما يأمر من يحضر من المسلمين بالقتال والكف وإن خالف رأيهم رأينا. 28144 - وزعموا أن الشافعي قال: لا يجوز أن نقاتلهم بمسلم يعتقد وجوب قتلهم بكل حال وهل يجوز للقاضي أن يستحلف من يخالفه لأنه لا يعلم في الاجتهاد ويمادي بعض وهذا يلزمهم في مسألتنا لأن الإمام لا يعلم ما يؤدي إليه الاجتهاد، وهذا الذي يرى قتلهم في حال القتال. * * *

مسألة 1394 [زنى المسلم في دار الحرب أو في دار البغي]

مسألة 1394 [زنى المسلم في دار الحرب أو في دار البغي] 28145 - قال لأصحابنا: إذا زنى المسلم في دار الحرب أو في البغي ثم خرج إلينا يقم الإمام عليه الحد [واختلف أصحابنا المتأخرون فمنهم من قال: وجب الحد] وتعذر الاستيفاء ومنهم من قال: لا يجب. 28146 - وقال الشافعي: يحده الإمام إذا ظفر به. لنا: أن الإمام لم يكن مخاطبًا إقامة الحد عليه حال الزنا يدل عليه قوله تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} وهذا خطاب للأئمة ويستحيل أن يخاطب بإقامة الحد مع عجزه [عن ذلك ولأن إقامة الحد عبادة فلا يخاطب بها الإمام مع عجزه] عنها كسائر العبادات وإذا ثبت أنه لم يخاطب بإقامة عند الزنى، قلنا: كل وطء لا يخاطب بإقامة الحد على الواطئ في الابتداء مع علمه بوجوده، فإنه لا يخاطب في الثاني بإقامته أصله الوطء [مع الكفر] ولأنه زنا في موضع لا ولاية للإمام عليه فأشبه الحربي إذا زنا في دار الحرب ولأن الحربي إذا زنى في دار الحرب ثم ظهر لهم فلا يخلو إما أن يكون ترك الاستيفاء لكفره أو لأنه لا يلتزم أحكامنا أو أنه لا يد للإمام عليه ولا يجوز أن يكون لأجل الكفر لأن الذي لا يقام عليه الحد [مع الكفر] فلا يجوز أن يكون لأنه لم يلتزم أحكامنا؛ لأن وجوب العبادات لا يقف على التزام المكلفين وإنما يلزمهم بإيجاب الله تعالى ولهذا يخرج من مال الصبى صدقة الفطر ولم يلتزمها وتجب العدة على الصغيرة ولم تلتزمها فلم يبق إلا أن يكون لأنه زنى

في مكان لا يد للإمام عليه وهذا المعنى موجود في المسلمين لأنه وطئ في دار الحرب ... على فراشه فوطئها. ولأن كل من لا يحد إذا وجد على فراشه غير امرأته فوطئها وهو يظنها امرأته لم يحد وإن وطئها مع علمه أصل الصبي والمجنون هذا كلام على من لم ينف الوجوب وإنما يمنع الاستيفاء فأما من قال من أصحابنا أن الحد لا يجب فقال لأن سبب الملك موجود في دار الحرب لأن له أن يأخذ النساء ويسترقهم والوطء متى قارنه سبب الملك منع الحد كالمولى إذا وطئ حرية لم يجب عليه الحد؛ لأن له فيها حق الملك [فإن تغلب عليها ... الرد ... فيملكها ومن له فيها حق الملك] لا يجب عليه الحد فوطئها كجارية مكاتبة وإذا لم يحد بوطء الحرية. 28147 - قلنا: كل من لا يلزمه الحد إذا وطئ كافرة لم يلزمه الحد وإن وطئ مسلمة كالصبي والمجنون وإذا ثبت سقوط الحد عن الزاني في دار الحرب كذلك عن الزاني في دار البغي فلابد للإمام فيها. 28148 - احتجوا: بقوله تعالى {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة}. 28149 - قلنا: الفاء للتعقيب فتقتضي الآية الخطاب بالإقامة عقيب الزنا وقد بينا أن الإمام لا يخاطب بذلك في مسألتنا فلم تتناوله الآية. 28150 - قالوا: روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: {لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني". 28151 - قلنا: من أصحابنا من قال: وجب الحد وتعذر الاستيفاء وعلى الطريقة الأخرى أن هذا خطاب للمستحيل وهو الإمام وقد بينا أنه لا يخاطب بذلك ولابد له. 28152 - قالوا: زنا في دار الإسلام فأشبه إذا زنا في دار العدل. 28153 - قلنا: لا فائدة بالتخصيص بدار الإسلام. 28154 - وعندكم الزنا في دار الحرب مثله والمعنى في الأصل أنه زنا في مكان يجري فيه أحكام الإمام فوجب عليه أن يستوفي حده، وفي مسألتنا زنا في مكان لابد

للإمام عليه فكذلك لم يجب الاستيفاء. 28155 - قالوا: مخاطب بجميع العبادات يحتاط في إيجابها. ولأنه يؤثر الشبه في إسقاطها والحد تؤثر الشبه في إسقاطه فلا يقال لما وجب مالا يسقط بالشبهة وجب ما يسقط بها. 28156 - قالوا: كل موضع يلزم ضمان ما أتلف فيه الأموال إذا زنى فيه حد كدار الإسلام. 28157 - قلنا: لا تأثير لهذا الوصف لأن عندهم الزاني في دار الحرب يحد وإن كان لو أتلف أموالهم لم يضمنها ولا ضمان المال حق لآدمي وذلك لا يسقط بالشبه والحد سقط بالشبهة فلم يعتبر أحدهما بالآخر. 28158 - قالوا: لنا عين إذا قتل أحدهما الآخر وجب عليه القصاص وكل من لزمه القصاص بالقتل لزمه الحد بالزنى. 28159 - قلنا: القصاص إذا وجب لم يقف استيفاؤه على الإمام وعدم ثبوت يده لا يمنع الوجوب [والحد يقف على الإمام فعدم ثبوت يده يمنع الوجوب]. * * *

مسألة 1395 [حكم المرتدة]

مسألة 1395 [حكم المرتدة] 28160 - قال أصحابنا: المرتدة لا تقتل. 28161 - وقال الشافعي: تقتل. لنا: ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن قتل النساء والولدان وروى أنه مر بامرأة مقتولة فقال: (أما أن هذه لا تقتل) فبين الحكم والعلة وهي موجودة في المرتدة. 28162 - فإن قيل: هذا قاله في الحربية. 28163 - قلنا: عموم اللفظ يختص بالسبب. 28164 - وروى أبو حنيفة عن عاصم عن ابن رزين عن ابن عباس في المرتدة قال: تحبس ولا تقتل. 28165 - وروى حماد بن سلمة عن قتادة عن حلاس عن علي في المرتدة عن الإسلام: [قد ثبت ما تسرقه وأمه]. 28166 - وهذا يدل على أنها لا تقتل وإن لحقت بدار الحرب لأن الاسترقاق لا يكون إلا من دار الحرب ولا يعرف لهما مخالف. 28167 - والذي روي أن المرتدة إن قتلت في زمن أبي بكر فقد روي أن [الحل

وطأهن]. 28168 - ويجوز أن تقتل مرتدة قاتلت أو حرضت أو كانت رئيسة طائفة لا تتفرق إلا بقتلها كما تقتل الكافرة الأصلية ولأنه كفر من أنثى فلا يوجب القتل كالكافرة الأصلية ولا يلزم إذا كانت ملكة لأن قتلها التفريق جميع المقاتلين لا لأجل كفرها بدلالة أن أمير الخوارج يقتل بهذه العلة من غير كفر ولا يلزم إذا أظهرت سبه - صلى الله عليه وسلم - لأن الظاهر من المذهب أنها لا تقتل وعلى قول من يقول من أصحابنا أنها لا تقتل للكفر لكن السعى في دارنا بالفساد ولأن كل من لا يقتل بكفره الأصلي لا يقتل بإظهار الكفر بعد الإسلام كالصبي والمجنون ولا يلزم الشيخ لأنه يقتل بكفره إذا كان من ذوي الرأي ومن أصحابنا من قال: الشيخ الذي لا يقتل هو الخرف. وهو لا يقتل إذا ارتد ولا يلزم الرهبان لأنهم يقتلون بكفرهم إذا خالطوا الناس أو دلوا على عورات المسلمين ولأنها ممن لا يستعان بها في القتال غالبًا فلا تقتل لأجل كفرها كالصبي ولأن كل معصية إذا وجدت من الإنسان ابتداء لم يوجب القتل إذا عاد إليها بعد ثبوتها لم نوجب القتل كشرب الخمر وعكسه كفر الرجل. 28169 - ولا يلزم الشيخ الفاني لأن كفره ابتداء يوجب القتل إذا كان له رأي. 28170 - ولأن من جاز استرقاقه [إذا كان ...] من العرب لا يجب عليه قتله بإظهار الكفر بعد الإسلام كالصبيان. 28171 - ولأن الإسلام [أمر طاعة من ائتم لم يستفد به حقن الدم بالإسلام] فلا يجب عليها القتل بإظهار الكفر كالصبي لأنها اعتصمت بدين لا تقر عليها كالوثنية. 28172 - ولأنها بالردة لم تنقض أحد النصرتين نصرة المقاتلة ونصرة العقل فلم تقتل كالكافرة الأصلية ولا يلزم الشيخ الكبير لأنه نقض بردته نصرة العقل ولأن كفرها لا يؤثر في إزالة ملكها عن مالها ولو نوجب قتلها أصله الصبي إذا أظهر الكفر ولأنه نوع كفر فاختلف في وجوب القتل به الرجل والمرأة بكفر الأصل.

28173 - فإن قيل: إنما لا تقتل لأنها تسترق ففي قتلها إتلاف مال المسلمين. 28174 - قلنا: والمرتدة عندنا تسترق ويبطل بالردة بين حال الرجال. 28175 - احتجوا: بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من بدل دينه فاقتلوه). 28176 - وقلنا: راوي هذا الخبر ابن عباس وقد روينا عنه أنه قال: المرتدة لا تقتل فلولا أنه عرف تخصيص العموم لم يخالف ظاهر ما رواه. 28177 - وقد عارض هذا الحديث نهيه عن قتل النساء وهو مبطل لقوله: (أما أن هذا لا يقاتل) فوجب الرجوع إلى الخبر المعلل وتخصيص عموم الخبر المطلوب. ولأن خبرنا يفيد الحظر فهو أولى من خبرهم المفيد للإباحة. 28178 - فإن قيل: خبركم دخله التخصيص [في الملك. 28179 - قلنا: وخبركم] دخله فيمن ارتد ثم أسلم ومن انتقل من الكفر إلى الإسلام. 28180 - قالوا: روى [إبراهيم بن سعد عن الزهري] عن محمد بن المنكدر عن جابر أن امرأة يقال لها أم مروان ارتدت عن الإسلام فأمر - صلى الله عليه وسلم - أن يعرض عليها الإسلام فإن أسلمت وإلا قتلت قال المحتج بهذا الخبر وهذا إسناد صحيح. 28181 - الجواب أن هذا الخبر لا يعرف لم يذكره أهل العلم إلا أبو داود وإنما أورده الدارقطني على عادته في إيراد ما يعلم أنه لا يحتج به رواه على بن بطحاء المحتسب

ببغداد عن رجال مجاهيل بينه وبين إبراهيم بن سعد وكفى بابن بطحاء شبهة وروي في كتابه عن محمد بن عياش عن ابن عباس عن أبيه عن محمد بن عبد الملك الأنصاري عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: ارتدت امرأة يوم أحد وأمر - صلى الله عليه وسلم - أن نستتاب فإن تابت وإلا قتلت وإسماعيل بن عياش ضعيف عند أصحاب الحديث فيما يرويه عن الشاميين وأبوه دونه فلم يعترض على هذين الحديثين مع علمه بحالهما وروي عن شعبة عن عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا تقتل المرأة إذا ارتدت) ثم اعترضه فقال رواه عبد الملك بن عيسى الجزري وكان يضع الحديث ولو أنصف لاعتراض ما يوافقه إذا كان معترضًا كما اعترض ما يخالفه وقد كان قصد شيخنا أبا بكر الرازي واعتذار إليه من هذا الكتاب وقال: قد علمت السنن لأصحاب الشافعي ثم أعمل بعدة سننا لأصحاب أبي حنيفة فقال له رحمه الله: لا تتعب نفسك فإنا لا نقبل ما ترويه لنا كما لا نقبل ما رويته علينا. 28182 - فأما حديث أم مروان فهو غلط [وحسر وأين] أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذا وقال قصة يجب أن يشتهر ملك عنها وهو يرى أن المرتدة وإنما هذه عصماء بنت مروان اليهودية كانت من جملة المعاهدين فنقضت العهد عام بدر وحرضت على قتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقتاله فقالت في أبيات لها: 28183 - فباست بني ملك والنبيت .... وعرف وباسبت بني الخزرج 28184 - أطعتم أتاوى من عندهم .... فلا من مراد ولا مذحج 28185 - إلا ما حد ينفي ركعة .... فيقطع من أملح المرتجى 28186 - سمع بهذا الشعر [سالم بن عمر] المذحجى فجعل له على نفسه إن رد الله نبيه من بدرٍ أن يقتلها وكان ضعيف النظر فجاء ليلاً وأولادها في صدرها ففرق

بينها وبينهم بيده ثم وضع السيف في صدرها فقتلها وهذه قصة معروفة رواها أهل السيرة وإنما يعني ارتدت أي نقضت العهد فرجعت عنه ولا معنى للتشاغل بتناول أخبار لا أصل لها وأخبار غلط رواتها. 28187 - وقد ناول [بعض] أصحابنا ظاهر الخبر فقال هو محمول على أنها ارتدت فقاتلت أو كانت ممن يطاع في الحرب وهذا المعنى تقتل به الكافرة الأصلية كذلك الكافرة المرتدة. 28188 - قالوا: كفر بعد إيمان فوجب القتل به كالرجل. 28189 - قلنا: المعنى فيه أن الرجل يستعان به في القتال غالبًا ولا يوجد من المرأة أو نقول المعنى فيه أنه لا يسترق إذا كان فعلنا تغليبًا عربيًا وكانت المرأة تسترق إذا كانت من عبدة الأوثان من العرب لم تقتل كالصبي. 28190 - قالوا: المرأة تقتل بالزنا فتقتل بالردة وتقتل قصاصًا فقتلت بالردة وربما قالوا: كل معنى أوجب القتل على الرجل أوجب القتل على المرأة وأصله الزنى والقتل. 28191 - قلنا: اعتبار الردة بالكفر الأصلي اعتبار كفر بكفر وهو أولى من اعتبار كفر بقصاص وزنا ولأن الزنا والقصاص إذا وجد منها ابتداء وجب القتل كذلك إذا وجدنا [بالماء] ولما كان الكفر إذا وجد ابتداء من المرأة لم يوجب القتل كذلك إذا وجد في الزاني لا يوجبه. 28192 - قالوا: كل كفر ضمان بدل النفس أباح القتل أصله الرجل. 28193 - قالوا: ولا ينتقض بناء أهل الحرب وصبيانهم لأن أنفسهم قط لم تكن مضمونة فزال ذلك الضمان بالكفر. 28194 - قلنا: بالردة حل عقد عقدة الإنسان على نفسه فتعود كله إلى ما كان عليه قبله لنقص البيع لأنها قبل إسلامها محظورة القتل ودمها مقوم كذلك لما عادت لفسخ العقد إلى ما كانت عليه. * * *

مسألة 1396 [حكم الزنديق]

مسألة 1396 [حكم الزنديق] 28195 - روي عن أبي حنيفة أن الزنديق ليس بالأعز إذا أظهرنا عليه قتلناه ولم تقبل توبته وروى عنه أن توبته تقبل. وروي عنه أن توبته تقبل، وبه قال الشافعي: لنا قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من بدل دينه فاقتلوه) وهذا يقتضي وجوب القتل بكل حال تاب أو لم يتب ويدل عليه أنه - صلى الله عليه وسلم - لما قدم المدينة أسلم منهم من أسلم وبقي على الشرك بطون من الأوس عاهدوا النبي - صلى الله عليه وسلم - على نصرته كمن أسلم وعاهد النبي - صلى الله عليه وسلم - جميع اليهود على أن يكونوا كالمسلمين ينصرون ويعقلون وينصرهم المسلمون ويعقلون عنهم فلما نصر الله رسوله يوم بدر مضى كعب بن الأشرف إلى مكة فرثى قتلى بدر وحرض قريشًا على النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - حسان بن ثابت فنزل الذين نزل بهم من قريش فأخرج رجله فرجع فظهر للنبي - صلى الله عليه وسلم - ما كان من العهد فأمر عليه السلام جماعة اغتالوه ليلا فقتلوه ولا سبب ولا عصم دمه إظهار العهد فدل على أن من أظهر غير ما يبطن قتل بالمعنى الذي يبطنه ولم يعصم دمه ما يظهره ولأن عبد الله بن مسعود ظهر على ابن النواحة بالكوفة وهو يبطن من مسيلمة فقتله ولم يعرض عليه التوبة واستتاب [قومه] ونفاهم إلى الشام فدل على أن في الكفار من يقتل ولا يستتاب وهو المشهد من جماعة الصحابة بالكوفة ولم ينكروه ولأن الزنديق من عادته أن يدعو إلى ما يعتقد فيضم إلى كفره السعي في الأرض بالفساد فصار كالمرتد إذا قطع الطريق وتاب بعد القدرة عليه ولأنه لا يوثق بما يظهرونه من التوبة لأن من عادتهم أن يجعلوا لكل ظاهر باطنا وإنما يقبل ما يظهره الإنسان بحق الظن فإذا تحققنا من عادتهم خلاف ذلك زال الظاهر فلم يقبل التوبة ولأن القتل تارة يستحق بالكفر وتارة بغيره ثم كان في القتل المستحق بغير الكفر ما لا يسقط بالتوبة أن يكون في

القتل المستحق بالكفر ما لا يسقط أيضًا وليس إلا في الزنديق. 28196 - احتجوا: بقوله تعالى: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنًا}. 28197 - قلنا: هذا قاله في الحربي بدليل قوله: {تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة} فأخبر تعالى أنه لا يجوز أن يرد ظاهر الإسلام طلبًا للاسترقاق وللمفاداة [إنما يكون في الحرب والحربي يقبل ظاهر إسلامه باتفاق وأما قوله تعالى] {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} فالكفار في زمنه عليه السلام كانوا يبطنون ما يظهرون فتوبتهم مقبولة وكان فيهم عدد قليل بخلاف ذلك وهم المنافقون وكان - صلى الله عليه وسلم - كف عن قتلهم مع علمه بإقامتهم على الكفر لمصلحة فلم يبق هناك من لا يقبل ظاهر توبته وإطلاق فيما حدث من بعد قوله - صلى الله عليه وسلم -: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوا عصموا مني دماءهم) وقال لأسامة بن زيد (أتقتل رجلاً يقول لا إله إلا الله) لا دلالة فيه لأن الذين قاتلهم النبي لم يكن فيهم من يستر بالكفر ويظهر غيره فظاهر إسلامهم مقبول ولو قاتل من هذه لم يقتل ما يظهره ألا ترى أن الإسلام في حقن الدم كالعهد ولم يلتفت - صلى الله عليه وسلم - إلى ما أظهره كعب بن الأشرف لما أبطن النقض والنكث بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فلو كان في زمنه منافقون يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام مثل عبد الله بن أبي وغيره ونزل في أمرهم القرآن ولم يقتلهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بل نهى عن قتلهم. 28198 - قلنا: المنافقون كانوا كفارا شهد الله تعالى بكفرهم واطلع نبيه على

حالهم فعرفهم بأعيانهم وعرفهم لحذيفة بن اليمان وخصه بذلك من بين الصحابة وهذا أقوى من قولهم مع إظهار الشهادة كفار لا يعتقد ما أظهرناه ولو قال ذلك لوجب قتلهم باتفاق فكيف لا يجب قتلهم إذا علم كفرهم بما هو أقوى منه وإنما كف النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قتلهم [المصلحة ...] لانتسابهم وحتى لا يؤدي ذلك إلى ديتهم. ومن عرف السيرة علم ما جرى بين المسلمين من الأوس والخزرج من الممارة في قتلهم حتى كاد أن يقتلوا ونحن الآن إذا خفنا مثل ذلك تحققنا عن القتل، وقد قيل أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يقتلهم حتى لا يدعي عليه المشركون أنه يقتل من آمن به واتبعوه فينفروا عن الإسلام فلم يصح الاحتجاج بذلك. قالوا: توبة من كفر فأشبه الكافر الأصلي وقال: زنا بالشهادتين. 28199 - قلنا: الكافر الأصلي إما يفارق توبته ما يمنع من صحتها والزنديق فارق توبته ما يمنع من قبولها. * * *

مسألة 1397 [ارتداد السكران]

مسألة 1397 [ارتداد السكران] 28200 - قال أصحابنا: إذا ارتد السكران لم يحكم بردته استحسانًا وإن أسلم حكمنا بإسلامه. 28201 - وقال الشافعي: يصح إسلامه وردته. لنا أنه زائل العقل فلم تصح ردته كالمجنون [ولأن الكفر إنما يثبت بالاعتقاد والسكران لا اعتقاد له فصار كالمجنون. 28202 - فإن قيل: المجنون] لو أسلم لم نحكم بإسلامه كذلك لا نحكم بردته والسكران يحكم بإسلامه فكذا بردته. 28203 - قلنا: إن السكران قد يظهر السكر وهو يعقل فمتى أقررناه على الكفر بعد إظهاره بالإسلام أقررناه على ذلك بالاحتمال والإسلام يحكم به بالاحتياط فكان تغليب حكم الإسلام أولى ولو حكمنا بكفره لحكمنا به بالاحتمال فلم يجز أن يحكم بالكفر بالاحتمال ولأنه ممن لا تصح صلاته فلم يحكم بردته [كالمسح والمتوسم] ولأن العبادات التي تتعلق بالاعتقادات على ضربين: شرعية وعقلية ثم كان في الشرعيات مالا يصح منه كنية الصوم والصلاة فكذلك أن يكون في العقليات مالا يصح منه. 28204 - احتجوا: بأن من صح طلاقه صحت ردته كالصاحي. 28205 - قلنا: الصاحي يصح منه اعتقاد [ويصح منه ما] يقف على الاعتقاد والسكران لا يصح اعتقاده فلم يصح منه ما يقف على الاعتقاد كما لا تصح منه نية الصلاة. 28206 - قالوا: معنى يقع به الطلاق. 28207 - قلنا: لا نسلم أن الفرقة تقع بالردة وإنما تقع باختلاف الدين وذلك لا

يوجد مع فقد الاعتقاد ولأن الطلاق يقع بمجرد اللفظ الذي لم يقارنه النية كمن جرى الطلاق على لسانه [وهو مكلف والسكران مكلف وقد جرى الطلاق على لسانه فإما] الردة فتقع بمجرد الاعتقاد لا باللفظ بدلالة أن المكره على الكفر لا يكفر والسكران لا يعلم منه الاعتقاد. 28208 - فإن قيل: فيجب أن لا نحكم بإسلامه. 28209 - قلنا: لو علمنا أنه لا يعقل لم يصح إسلامه لأنا نجوز أن يكون يعقل فلا يترك حتى يرجع إلى الكفر بالاحتمال. * * *

مسألة 1398 [عرض الإسلام على المرتد]

مسألة 1398 [عرض الإسلام على المرتد] 28210 - قال أصحابنا: يستحب أن يعرض الإسلام على المرتد فإن أسلم وإلا قتل وليس بواجب. 28211 - وقال الشافعي: فيه وجهان وجه أنه يستحب والآخر واجب. 28212 - لنا: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من بدل دينه فاقتلوه) ولم يعلق القتل بشرط وروي أن ابن مسعود قتل ابن نواحة ولم تعرض عليه التوبة بحضرة الصحابة من غير خلاف ولأنه كافر كفر الدعوة فصار كالحربي ولأن الدعوة إنما تجب إما لإقامة الحجة على الكافر والمرتد قامت عليه الحجة فلا يجب تكرارها. 28213 - فإن قيل: الحربي إذا بلغته الدعوة ولم يستحب عرض الإسلام عليه [ويستحب العرض على المرتد]. 28214 - قلنا: لا فرق بينهما لأنه يستحب العرض فيهما جمعيًا. 28215 - فإن قيل: لو كان كذلك لما جاز البيان وسر العادة. 28216 - قلنا: يستحب العرض إلى أن يؤدي إلى ضرر بالمسلمين فإذا رأى الإمام أن العادة والنيات أصلح سقط الاستحباب حتى لا يؤدي إلى ضرر. 28217 - فإن قيل: المرتد أخف بدلالة أنه يقف على الإمام وقتل الحربي بجميع المسلمين والمرتد له حكم الإسلام. 28218 - قلنا: قتل المرتد أغلظ بدليل أن الصحابة قتلوا المرتد [ولا يمثل] أهل الحرب ولا يقر المرتد على كفره بحربه إلى أى دين انتقل احتجوا بحديث أم مروان

وقد تكلمنا عليه. 28219 - قالوا: مرتد فلا يجوز قتله قبل عرض الإسلام عليه كالمرأة. 28220 - قلنا لهم: المرأة لا تقتل بكفرها الأصلي فلا تقتل بالطارئ والرجل يقتل بكفره الأصلي إذا بلغته الدعوة قبل عرض الإسلام وكذلك لا يقتل بالطارئ. * * *

مسألة 1399 [عدم إسلام المرتد]

مسألة 1399 [عدم إسلام المرتد] 28221 - قال أصحابنا: إذا عرض الإسلام على المرتد فلم يسلم جاز قتله وإن غلب على ظن الإمام أنه إذا كرر عليه الدعوة أسلم حبسه ثلاثة أيام وهذا أيضًا استحباب وله أن يقتله من إيجاب. وذكر الشافعي: عنا أن التأجيل واجب وليس بصحيح وحكوا من مذهبهم أن التأجيل واجب في أحد القولين. والدليل على أنه لا يجب قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من بدل دينه فاقتلوه). 28222 - ولأنه كافر بلغته الدعوة فلا يقف قتله على التأجيل كالحربي والذي روى عن عمر أن رجلا قدم عليه من الشام فقال: هل من مغر به؟ فقال رجل ارتد منا فقتلناه فقال: اللهم اشهد ولم أرض حتى بلغنى، ولو كنت منه ما وليتم لحبسته ثلاثة أيام ثم أعرض عليه الإسلام في كل يوم فإن أسلم وإلا قتلته. وقد روي أن عثمان بن عفان كتب إلى ابن مسعود في أصحاب عبد الله بن نواحة اعرض عليهم الإسلام فإن أسلموا وإلا اقتلهم ولم يشترط التأجيل. * * *

مسألة 1400 [ردة الرجل تزيل ملكه]

مسألة 1400 [ردة الرجل تزيل ملكه] 28223 - قال أبو حنيفة ردة الرجل تزيل ملكه عن ماله زوالاً مراعى فإن قتل على ردته أو مات حكمنا بزواله في آخر إسلامه وإن أسلم حكمنا بأن ملكه لم يزل. وحكى أصحاب الشافعي عن صاحبهم ثلاثة أقوال أحدها مثل قول أبي حنيفة والثاني مثل قول أبي يوسف ومحمد أن حكمه لا يزول والثالث [أنه تزول زوالاً مراعى ومن أصحابه من قال: الملك] لا يزول قولاً واحدا وإنما اختلف القول في التصرف فقال تصرفه جائز ما لم يحجر الحاكم عليه والثاني أن تصرفه باطل ويصير محجورا عليه حجر السفيه والثالث أن يكون متوقفًا. 28224 - لنا: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله إلا الله فإن قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم) فعلق عصمة الدم والمال بالإسلام فإذا ترك الإسلام زالت العصمة ولأنه كفر أباح الدم فأثر في حكم الملك [أصله كفر الحربي ولأن حكم الفيء يتناول ماله باتفاق عندنا فيما استفاد في حالة الردة وعندهم في جميع ماله وهذا المعنى يؤثر في حكم الملك]، ليس له ملك تام فلهذا التأثير في الملك ولم يعلل لزواله ولأن الردة معنى يزيل الملك فأثر في إزالة الملك عن المال أصله الموت. 28225 - احتجوا: بأنه كفر بعد إيمان فوجب أن لا يزيل الملك أصله ردة المرأة. 28226 - قلنا: نقول بموجبه لأن الكفر لا يزيل الملك حتى ينضم إليه معنى آخر

وهو الموت أو اللحاق بدار الحرب وردة المرأة إذا انضم إليها معنى آخر زال الملك بها عندنا لأن الحاكم إذا حكم بقتلها ومن مذهبه أن الردة تزيل الملك في الرجل زال الملك في بالمرأة لأن المرأة لا يستباح دمها بكفرها الأصلي فلا يؤثر كفرها الطارئ في زوال الملك عن مالها ولما كان الرجل يستباح دمه بكفره الأصلي جاز أن يؤثر كفره الطارئ في حكم إملاكه ولأن كفر المرأة الطارئ لا يزيل ملكها عن بعض المملوكات فلا يزال ملكها عن نفسها وكفر الرجل لما أزال ملكه عن الاستباحة جاز أن يؤثر في ملك الآخر. 28227 - قالوا: كل معنى لا يمنع ابتداء الملك لا يمنع استدامة الملك والمرتد يملك ما يكسبه في حال ردته باتفاق فلا يزول ملكه عما كان لأن الاستدامة أقوى من الابتداء. 28228 - قلنا: المرتد عندنا ملكه إما بكسبه مراعى وإما يثبت له حكم الملك ولذلك يبقى له حكم الملك في ما كان له حال الإسلام بدلالة أنه لو ادعى ولد جاريته ثبت النسب فإن أسلم استقر ملكه في المالين. 28229 - فإن قيل: بطل حكم الملك في المالين. 28230 - فعلى هذا قد استوى حكم الابتداء والبقاء. * * *

مسألة 1401 [المرتدة إذا لحقت بدار الحرب]

مسألة 1401 [المرتدة إذا لحقت بدار الحرب] 28231 - قال أصحابنا: المرتدة إذا لحقت بدار الحرب استرقت. 28232 - وقال الشافعي: لا يجوز استرقاقها. لنا: ما ذكر الواقدي أن مسيلمة لما قتل نزع خالد بن الوليد عن الحصون وألبسوا النساء والصبيان السلاح وصفوهم على الحصون فقدرهم رجالاً فصالحهم على أن الصفراء والبيضاء والحلقة ونصف الساق وأنه جميع السبي فضرب عليهم السهام فجرح منهم الخمس وعليه مكتوب لله فأسند الواقدي لامرأة منهم مسلم لم تبق إلا السياسة لذي الخلف والحافز وجعل تركه إليه خمس متى تدع تستأجر. قال الواقدي: حدثنا ابن أبي الزياد عن هشام ابن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر الصديق قالت رأيت أم محمد ابن علي في ذلك السبي وذكرنا نستأذن أن أم زيد بن عمر بن الخطاب من ذلك السبي وهذا أمر أجمعوا عليه ولم ينكره أحد منهم. 28233 - فإن قيل: يحتمل أن تكون أم محمد بن علي كانت من رفقتهم فقتل ما لها فصارت فيئًا الصلح وقع على استرقاق نصف النساء كما وقع على الذهب والفضة والسلاح وهذا يمنع التخصيص ولأنه دين لا نقر عليه بالجزية فجاز نساؤهم كعبدة الأوثان من العرب ولأن الكفر على ضربين أصلي وطارئ فإذا جاز أن يسترق النساء في أحد النوعين جاز مثله في الآخر ولأن من أصلنا أنها لا تقتل وكل كافر يجوز أن يسترق والحربية لأن القتل والاسترقاق كل واحد منهما عقوبة للبقاء على الكفر فإذا

جاز أن يثبت أحد الأمرين في المرتدين جاز أن يثبت الآخر. 28234 - احتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (من بدل دينه فاقتلوه) والأمر بالقتل يمنع من الاسترقاق. قلنا: لا يتساويان بدلالة أنه تعالى قال: {فاقتلوا المشركين} لم يمنع ذلك من استرقاق ولأن رقيقًا يجب قتلهم بالقصاص والردة فلا ينفي وجوب القتل الاسترقاق لجواز أن نسترقهم ثم نقلتهم ولأن الدلالة دلت عندنا أن المرتدة لا تقتل بالخبر مخصوص وإذا لم يتناول العموم المرتدة سقط الاستدلال. 28235 - قالوا: كفرت بعد إيمانها فلم يجز استرقاقها كالرجل. 28236 - قلنا: الكفر بعد الإيمان يقتضي إعادتها إلى كفر الأصل لا يمنع الاسترقاق [وردة الرجل لا ترده إلى كفر الأصل وذلك يمنع الاسترقاق] إذا لم يجزه إقراره بالجزية ولأن الرجل يستعان في القتل غالبًا فلم يسترق بعد ردته والمرأة لا يستعان بها في القتل غالبًا فجاز استرقاقها بعد ردتها. قالوا: من يكره على الإسلام لا يسترق كالرجل. 28237 - قلنا: الإجبار على الإسلام لا ينفي الاسترقاق في النساء لأن الإجبار تشديد وعقوبة فلا ينفي أحدهما الآخر. 28238 - قالوا: لا يجوز استرقاقها في دار الإسلام للإسلام السابق فلا يجوز في دار الحرب كالرجل. 28239 - قلنا: الوصف غير مسلم لأنها إذا لحقت بدار الحرب ثم عادت مغيرة أو متلصصة استرقت؛ ولأن عندنا الرجل لا يسترق وليس لإسلامه السابق لكن لأنه على دين لا يقر عليه بجزية وإذا بطل هذا الوصف انفصل العلة بالذمي ينقض العهد في دارنا فلا يسترق ولو نقض ولحق بدار الحرب استرق. * * *

مسألة 1402 [وجود اللقيط في دار الإسلام]

مسألة 1402 [وجود اللقيط في دار الإسلام] 28240 - قال أصحابنا: إذا وجد اللقيط في دار الإسلام فبلغ وهو لا يعتقد دينا ولا يصفه أجبر على الإسلام ولم يقتل. 28241 - وقال الشافعي: يقتل. لنا: أنه يحتمل أن يكون من أولاد المسلمين ويحتمل أن يكون من أولاد الكفار فلم يجز قتله بالسيف ولأنه لم يثبت له حكم الإسلام بنفسه فلم يقتل بإظهار الكفر كالصبي إذا ارتد. 28242 - احتجوا: بأنه محكوم بإسلامه بالدار فصار كمن حكمنا بإسلامه بنفسه. 28243 - قلنا: التزم الإنسان بنفسه. * * *

مسألة 1403 [أولاد المرتد في دار الإسلام]

مسألة 1403 [أولاد المرتد في دار الإسلام] 28244 - قال أصحابنا: أولاد المرتد في دار الإسلام إذا لحق بهم لم يسترقوا وما ولد له في دار الحرب من مرتدة أو كافرة يسترق. 28245 - وللشافعي قولان؛ أحدهما يسترق الجميع أما المتولد في دار الحرب [فلأنة مولود في دار الحرب] بين كفار فجاز أن يسترق [كولد أهل الحرب. 28246 - فإن قيل: المعنى في ولد الحربي أن أباه يسترق فجاز أن يسترق] ولده والمرتد لا يجوز استرقاق ابنه لحرمة الإسلام [فلا يسترق ولده. 28247 - قلنا: لا نسلم أن المرتد لا يسترق لحرمة الإسلام بل لأنه] على دين لا يقر عليه بجزية ولأن حكم الولد والوالد مختلف في الاسترقاق بدليل أن الحربي إذا أسلم لم يسترق [وأولاد الكفار يسترقون] وعندنا حمل زوجته رقيق ولو أسلم فعلمنا أن أحدهما ينفرد في الاسترقاق عن الآخر. 28248 - وأما ما ولد في دار الإسلام فلأنه مولود في دارنا فلا يسترق بكفر أبيه كأولاد أهل الذمة. 28249 - احتجوا: بأنه تابع لا يجوز استرقاق ابنه لحرمة الإسلام فلا يجوز استرقاقه كما لو كانت أمه مسلمة كالمولود في دار الإسلام. 28250 - قلنا: إذ كانت أمه مسلمة فهو مسلم بإسلامها فلم يجز أن يبدأه بالاسترقاق.

28251 - قالوا: وإذا كان أبوه مرتدًا فقد ثبت لابنه حرمة الإسلام فكذلك الولد. 28252 - قلنا: لا نسلم أن المرتد لا يسترق لحرمة الإسلام لأنه منع هذه الحرمة وأطعمها وصار حكمه أغلظ من حكم الكافر الأصلي. والمعنى فيمن ولد في دارنا أنه لم يعرف والده لم يسترق فإذا عرف لم يجز الاسترقاق عليه لكفرهما والمولود في دار الحرب لو لم يعرف أبواه استرق فإذا عرفاه وهما كافران لم يسترق. * * *

مسألة 1404 [إذا ارتد الصبي]

مسألة 1404 [إذا ارتد الصبي] 28253 - قال أبو حنيفة ومحمد: إذا ارتد الصبي وهو يعقل الكفر والإسلام صحت ردته وقال أبو يوسف وزفر لا تصح ردته. 28254 - وقال أبو يوسف وزفر: لا تصح ردته وبه قال الشافعي: لنا أنه قد ثبت من أصولنا أنه يصح إسلامه وكل من صح إسلامه صح إذا اعتقد الردة حكم بردته كالبالغ ولأنه إذا ملك الإسلام وهو عقد صح [مؤجله فعقد البيع] ولأنه يعقل الكفر والإسلام [ويرد عليه السنة] كالبالغ ولأن الكفر يتعلق بالعقل لا بالبلوغ بدلالة أن المجنون لا يتعلق بردته حكم لفقد عقله فإذا وجد كمال العقل في الصغير حكم بردته ولأنه من انعقدت صلاته صحت ردته كالبالغ. 28255 - احتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (رفع القلم عن ثلاث: وعن الصبي حتى يحتلم). 28256 - قلنا: هذا يقتضي رفع الشرعيات بدلالة ما قدمنا. 28257 - قالوا: غير مكلف فوجب أن لا تصح ردته كالمجنون. 28258 - قلنا: إن أردتم غير مكلف للعقليات لم نسلم ذلك وإن أردتم أنه غير مكلف للشرعيات فسقوط التكليف الشرعي لا يمنع ثبوت التكليف العقلي كما قبل بعثة الرسل. والمعني في المجنون أنه غير كامل العقل كذلك الصبي لأنه عاقل كالبالغ. 28259 - قالوا: لا يصح إقراره ولا يصح طلاقه ولا يصح عقوده فوجب أن لا تصح ردته كالمجنون. 28260 - قلنا: عندنا يصح إذا أذن له في التجارة ويصح عقوده فلا نسلم ولأن وقوع الطلاق وصحة العقود حكم شرعي فلا يستدل به على نفي الأحكام العقلية والمعنى في المجنون ما قدمنا.

28261 - قالوا: لا يقتل بردته فلا تصح ردته. 28262 - قلنا: وجوب القتل من الأحكام الشرعية فلا يستدل بعدمها على انتفاء الحكم العقلي؛ لأن سبب القتل إذا وجد من الصبي فلم يتعلق به القتل الذي هو عقوبة لم يمنع تعلق الأحكام به كالقتل. 28263 - فإن قيل: القتل فعل والردة قول ولهذا يصح استيلاد المجنون ولا يصح عقابه. 28264 - قلنا: هذا غير صحيح لأن الردة هي الاعتقاد وذلك فعل القلب فلم يصح الفرق. * * *

مسألة 1405 [إحصان المسلم إذا ارتد]

مسألة 1405 [إحصان المسلم إذا ارتد] 28265 - قال أبو حنيفة ومحمد: إذا ارتد المسلم يبطل إحصانه. 28266 - وقال أبو يوسف: لا يبطل وبه قال الشافعي. وهذه مسألة مبنية على أن الإسلام من شرائط الإحصان. فإذا زال بطل الإحصان. ومن ليس بمحصن لا يعتد بوطئه المتقدم حتى يجدد الوطء كمن وطئ عبد ثم أعتق، ولأن إحصانه زال بالردة بدلالة قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من أشرك بالله فليس بمحصن) وإذا زال الإحصان لم يعتد بالوطء المتقدم على كمال الشرائط كما لا يعتد بوطء العبد قبل عتقه. ولا يلزم إذا جن المحصن ثم زال جنونه لأن أبا بكر الرازي قال: لا نعرف فيه رواية وقياس هذه المسألة يقتضي أن يبطل الإحصان. 28267 - احتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (الثيب بالثيب الجلد والرجم). 28268 - قلنا: المراد بالثيب المحصن، ونحن لا نسلم وجود الإحصان. 28269 - قالوا: زنى بعد الإحصان كما لو زنى قبل الردة. 28270 - قلنا: إن قلتم إنه زنى بعد الإحصان وهو محصن لم نسلم. وإن لم تريدوا هذا بطل بالمحصن إذا جن فزنى بعد جنونه. 28271 - فإن قالوا: فعله ليس بزنى. قلنا: لأن الأحكام لا تتعلق به لأن الزنى اسم لغوي والأحكام لا تعرفها أهل اللغة.

28272 - قالوا: أحد الإحصانين كإحصان القذف ولو ارتد المحصن [ثم أسلم حد قاذفه] كذلك هذا الإحصان يعود. 28273 - قلنا: الإحصان في الرجم أغلظ لكثرة شرائطه. وإحصان القذف أضعف لقلة الشرائط فلم يعتبر أحدهما بالآخر. ولأن فقد أحد شرائط الإحصان العد؛ فلا يؤثر في غيره من الشرائط. فإذا ارتد ثم أسلم، عاد إلى ما كان عليه. وإحصان الرجم يؤثر فقد بعضه للشرائط؛ بدلالة أن من وطئ وهو عبد لم يعتد بذلك الوطء بعد عتقه حتى يستأنف، فإذا ارتد أثر الكفر في الوطء، فلم لزمه من أن يتجدد بعد الإسلام. * * *

مسألة 1406 [تحيز المرتدين بدار ثم أسلموا]

مسألة 1406 [تحيز المرتدين بدار ثم أسلموا] 28274 - قال أصحابنا: إذا تحيز المرتدون بدار ثم أسلموا لم يطالبوا بما أسلفوا في حال التحيز من نفس ولا مال. 28275 - وقال الشافعي: يؤخذون بذلك. 28276 - لنا: قوله تعالى: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} ولم يفصل. ولأن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قاتلوا أهل الردة فقتل من وجوه المسلمين ألف ومائتان منهم أبو حذيفة وسالم وزيد بن الخطاب وعكاشة فلما تابوا لم يطالبوا بالقصاص ولا بالضمان ولو كان واجبا لطولبوا به، ولأنهم تحيزوا بالدين والدار فصاروا كأهل الحرب. 28277 - احتجوا: بالظواهر التي تدل على وجوب القصاص والضمان. 28278 - قلنا: إن هذه الظواهر تدل على خطاب من نقدر على مطالبته عقيب القتل. 28279 - قالوا: روي عن أبي بكر أنه قال: تفدون قتلانا ولا نفدي قتلاكم. 28280 - قلنا: خالفه عمر على ذلك فرجع أبو بكر إلى قوله. 28281 - قالوا: التزموا بالإسلام الضمان فلم يسقط بالردة كما لو كان في دار الإسلام. 28282 - قلنا: الضمان لا يجب بالالتزام بدلالة أن صبيان المسلمين يضمنون الإتلاف ولم يلتزموا. 28283 - والمعنى في دار الحرب أن الإتلاف حصل في مكان يمكن المطالبة وهذا لا يوجد في دار الحرب.

كتاب الحدود

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد المسماة التجريد كتاب الحدود

مسألة 1407 [حد الزاني البكر]

مسألة 1407 [حد الزاني البكر] 28284 - قال أصحابنا: إذا زنا البكر فحده الجلد، والتغريب ليس بحد، فإن رأى ذلك الإمام مصلحة فعله على وجه التعزيز. 28285 - وقال الشافعي: هي سنة حد البكر مع الجلد يستوي فيه الرجل والمرأة. ولهم في المملوكة قولان. 28286 - لنا: قوله تعالى: {الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة}. ظاهر الآية أنه جميع الحد الواجب عليهما. فمن قال إنه بعض الحد فقد خالف الظاهر. 28287 - فإن قيل: لا يمنع أن يبين بعض الحد ويكل الباقي إلى بيان، كما قال:

{ومن يقتل مؤمنا متعمدًا فجزاؤه جهنم} ولم يبين القصاص، وكما ذكر قطع السارق ووكل بيان القدر والحرز إلى السنة. 28288 - قلنا: الظاهر في جميع هذا أنه بيان جملة الواجب لولا قيام الدليل. 28289 - ولأنه لم يذكر القصاص لأنه عم قتل العمد وذكر الحكم المتعلق بعمومه. وأما القصاص والضمان فيختص ببعضه دون بعض فلذلك لم يذكره، وأما السارق فقد بين فيه جميع الحد وإنما لم يبين الشرائط كما لم يبين صفة الضرب في مسألتنا ولا قدر مسافة التغريب. 28290 - ووجه ثان من الآية: وهو أن إيجاب التعزيز حد يوجب تعيين الحكم المذكور في الآية ويجعله بعض الحد وذلك نسخ عندنا. ونسخ القرآن لا يجوز إلا بما يجوز إثبات القرآن به وعند مخالفنا لا يجوز نسخ القرآن. 28291 - فإن قيل: هذا ليس بنسخ لأنه لو ضم إليه في الإيجاب صح، والنسخ بعض ما ينافي الحكم. 28292 - قلنا: ضم التغريب بعد استقرار وجوب [الحد] ينافي الحكم، لما بينا أنه يجعل الجلد بعض الحد. والحد كان جميعه فلو وردا معًا لم يتنافيا لأنه حكم واحد، فإذا استقر أحدهما ثم ورد الآخر غيب حكمه وكان نسخًا؛ ويدل عليه: ما روى أبو هريرة وزيد بن خالد الجهني: أنه [- صلى الله عليه وسلم -] سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن. فقال (إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم بيعوها ولو بضفير) فأمر بجلد الأمة ولم يأمر بتغريبها. 28293 - فإن زعموا أنها لا تغرب دل ذلك على أن التغريب ليس بحد في الحرة، لأن الله تعالى أو جب على الأمة نصف حد الحرة المتبعض كقوله تعالى {فعلهن نصف ما على المحصنات من العذاب}. 28294 - فإن قال: أنها تنفي بعض سنة أو نصفها، فالخبر يبطل قوله.

28295 - فإن قيل: إنا تنفي الجلد الذي كان المولى لا يملكه، وسكت عن التغريب لأن المولى يملكه قبل ذلك. 28296 - قلنا: المولى لا يملكه قبل ذلك حدًا كما كان يملك الحد تأديبًا فيبينه له حدًا. فلو كان التغريب حدًا لبينه. 28297 - ولأنه نوع زنا فلا يجمع به عقوبتان في جنس على وجه الحد كزنا الثيب. ولأنه حد واجب فلا يجمع فيه بين التغريب والجلد على وجه الحد كحد القذف. أو نقول فلا يجمع فيه بين التغريب وعقوبة أخرى على وجه الحد كالقطع. وقد دل على الأصلين ظاهر القرآن، وجلد عمر بن الخطاب في قصة المغيرة الشهود ولم ينفهم. 28298 - فإن قيل: سائر الحدود لم يشرع فيها النفي. 28299 - قلنا: لم نسلم ذلك بل يجوز للإمام أن ينفي في جميعها على وجه التعزيز إذا رأى ذلك. 28300 - فإن قيل: الزنا أغلظ من سائر الحدود. 28301 - قلنا: قطع الطريق أغلظ ولا يجتمع التغريب مع عقوبة أخرى. وزنا الثيب أغلظ من البكر ولم يوجد ضم إلى الرجم. ولأن ما يثبت بنفسه في قاطع الطريق عقوبة لم يضم إلى الجلد في الزنا على طريق الحد كالقطع. 28302 - احتج المخالف: بحديث عبادة بن الصامت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً. البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام. والثيب بالثيب الجلد والرجم). 28303 - والجواب: أن هذا الخبر متقدم على الآية. لأنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (خذوا عني). ولو كانت الآية نزلت: لقال: خذوا عن القرآن. ولأن الخبر بيان للسبيل المذكور في قوله {أو يجعل الله لهن سبيلاً} فدل على أنه لم يتقدم هذا البيان إلا ما ذكر في سورة النساء من قوله: {فأمسكوهن في البيوت}.

28304 - وإذا تقدم على الآية صارت ناسخة [الخبر]. والذي يبين أنها من أول ما نزلت. لأنه ذكر في حد الثيب الجلد مع الرجم وذلك منسوخ باتفاق. ولأن الخبر إن تقدم الآية نسخته. وإن تأخر عنها نسخها كما بينا. ولو ورد معها لوجب أن ينقل كنقلها. 28305 - احتجوا: بما روى أبو هريرة وزيد بن خالد الجهني: أن رجلاً اختصم هو وآخر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. فقال أحدهما: اقض بيننا بكتاب الله. وقال الآخر وهو أفقههما: أجل يا رسول الله. واقض بيننا بكتاب الله. وائذن لي أن أتكلم. فقال: تكلم. فقال: إن ابني كان عسيفًا على هذا فزنا بامرأته. فأخبروني أن على ابني الرجم. فافتديته منه بمائة شاة وبجارية لي. ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني: أن على ابني جلد مائة وتغريب عام. وأن الرجم على امرأته. فقال - صلى الله عليه وسلم -: (والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله. أما غنمك وجاريتك فرد إليك). وجلد ابنه مائة وغربه عامًا. وأمر أنيسًا الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر فإن اعترفت رجمها. فاعترفت فرجمها. 28306 - قلنا: هذا حكم على خبر عبادة. وقد بينا أن الآية تأخرت عنه. 28307 - فإن قيل: إنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (لأحكمن بكتاب الله). 28308 - قلنا: المراد بكتاب الله حكمه. بدلالة أن التغريب ليس في كتاب الله. ولأن نفيه يحتمل أن يكون على وجه الحد. ويحتمل أن يكون على طريق التعزيز. وهذا لا نمنع منه. 28309 - فإن قيل: ظاهر الخبر يقتضي أن التغريب متعلق بالزنى.

28310 - قلنا: كذلك نقول إذا رأى الإمام ذلك تعلق بالزنا لا برأي الإمام. 28311 - قالوا: [أبو بكر] جلد وغرب إلى فدك. وكذلك عمر. وروى أن عثمان جلد وغرب إلى مصر. وروي أن عليًا غرب من الكوفة إلى البصرة. 28312 - قلنا: فعلوا ذلك على طريق التعزيز. كما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - نفى هيت المخنث ونفي عمر بن الخطاب نصر بن حجاج. لأن امرأة شببت بذكره لما رأى في ذلك من المصلحة وهي الفساد. 28313 - يبين ذلك أن الحد لم يتناول النفي مقصودها. والمقصود من النفي قدر المسافة. وذلك موكول إلى اجتهاد الإمام بعد الضرب في التأديب. على أن عمر بن الخطاب نفى في الخمر ربيعة بن أمية بن خلف إلى خبير فلحق بهرقل. فلما بلغ ذلك عمر. قال: [لا أغرب] بعدها أحدًا. ولو كان التغريب حدًا لم يجز تركه.

28314 - وقوله: إن هذا رجوع عن التغريب في الشارب لا يصح بل هو عموم في جميع الناس. وروى أبو حنيفة بإسناده في الآثار عن علي - رضي الله عنه - أنه قال: النفي من السنة. وروي أنه قال: كفى بالنفي فتنة وهذا يدل على أنه لا يرى النفي فصار ذلك خلافًا بينهم. 28315 - فإن قيل: الفتنة عبارة عن العذاب. قال الله تعالى: {ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا} وقال: {فإذا أوذى في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله}. 28316 - قلنا: الفتنة حقيقتها قول العرب [العرة التي قد ألبستها كلها حجارة سود كأنها محرقة] وفتنت الذهب في النار وقال: {يوم هم على النار يفتنون * ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون} قال أبو عبيدة: يحرقون. ومثله {فتنوا المؤمنين} واستعيرت في العذاب وغيره. قال الله تعالى: {وإن كادوا * ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك} لستر ربك. وإذا كان الاسم مشتركًا. لم يكن إثبات الإجماع على أن المراد لا يجوز أن يكون العذاب. إذ لو كان كذلك لم يحتج إلى بيانه وهو معلوم مشاهد. وإنما يميز ما لا تدل المشاهدة عليه. على أن أهل الكوفة رووا عن ابن مسعود الجلد والتغريب. وعن علي أنه قال: هو من الفتنة. وعقلوا من ذلك الخلاف بينهما. وهذا لا يكون إلا المراد بالفتنة. لأنه لا يؤمن أن يخرجه هذا الفعل من الدين. وهذا كقوله تعالى {بأييكم المفتون]. كما روي في وصية عمر الولاة فلا تجمروا الناس فتفتنوهم. 28317 - أي: تطيلوا تركهم في الثغور فيؤدي ذلك إلى أشد الأمرين بهم فيعصوه.

28318 - قالوا: عقوبة تعلق بالزنا فكانت حدًا كالجلد. 28319 - قلنا: لا نسلم أن النفي يتعلق بالزنا. إنما ينفي إذا خيف من الفساد. ولهذا ينفي الشارب والسارق. والمعنى أن المقصود لا يقف على اجتهاد الإمام. ولما كان المقصود من النفي يقف على اجتهاد الإمام لم يكن حدًا. 28320 - قالوا: عقوبة الزاني ورد بها الشرع فكانت حدًا كالجلد والرجم. 28321 - قلنا: تبطل برد شهادته والحكم بفسقه وسقوط ولايته. 28322 - وإن قالوا هنا لا يختص بالزنا. 28323 - قلنا: كذلك النفي عندنا. 28324 - قالوا: عقوبة تقدرت على الزاني شرعًا كالجلد. 28325 - قلنا: لا نسلم ذلك لأن عندنا مدة النفي غير مقدرة بالشرع. وإنما هي موقوفة على رأي الإمام. 28326 - فإن احتجوا بالخبر فقد بينا الكلام عليه. 28327 - قالوا: معصية توجب أمرين أعلى وأدنى. فوجب أن يكون مع أدناهما غيرهما كالقتل. 28328 - قلنا: يبطل بقطع الطريق؛ فإن يوجب القتل وما دونه و [لا يضم] إلى غيره. والقذف والشرب معصية. توجب أمرين: الحد الكامل في الحر ونصفه في العبد. وليس يجب في الأدنى غيره. ونعكس فنقول فلا يجب مع الأدنى النفي كالقتل. * * *

مسألة 1408 [هل الإسلام شرط في الإحصان؟]

مسألة 1408 [هل الإسلام شرط في الإحصان؟] 28329 - قال أبو حنيفة ومحمد الإسلام شرط في الإحصان. وقال أبو يوسف: ليس بشرط في إحصان الرجم وبه قال الشافعي. 28330 - لنا: قوله تعالى: {الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة}. وهذا يقتضي وجوب الجلد على كل زان إلا ما خصه دليل ويدل عليه: ما روى الثوري عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال: من أشرك بالله فليس بمحصن. وروى مسندًا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[قاله، وقوله] لا يمنع باسناده. لأن الراوي إذا سمع حكمًا اعتقده فرواه تارة. وأفتى به أخرى. 28331 - فإن قيل: المراد إحصان القذف. لأن عرض الكافر لا يجب بهكته الحد. فيبين فضيلة الإسلام بالتشديد على القاذف. ولا يجوز أن يكون المراد بإحصان الرجم. لأن في ذلك تشديدًا على المحصن فلا يكون الإسلام سبب التشديد عليه. 28332 - قلنا: اللفظ عام فيهما. وقولهم إنه تشديد ليس بصحيح. لأن الإحصان إذا حصل بلغ الإنسان أكمل أحواله. وهذه فضيلة. فأخبر - صلى الله عليه وسلم - أن الكافر لا يبلغها. ويدل عليه: ما روى أن كعب بن مالك تزوج يهودية؛ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا تقول له إذا زنيت لم ترجم}.

28333 - قلنا: لا يجوز أن يكون المراد به العقد. لأن كعبًا كان عفيفًا قبل تزوجها وبعده، وإنما المراد أنك لا تبلغ بتزويجها أكمل أحوال المسلمين. لأن المحصن كامل. 28334 - ولأنه إحصان شرعي فكان الإسلام شرطًا فيه كإحصان القذف. 28335 - ولأنه إحصان شرط في إقامة حد فكان من شرطه الإسلام كإحصان القذف. 28336 - ولأنه شرط في إحصان القذف محكوم به، فكان شرطًا في إحصان الرجم كالحرية. ولا تلزم العفة: لأن الحاكم لا يحكم بها. 28337 - ولأنه معنى يمنع وجوب الحد على القاذف مع اشتباه حاله في الصدق والكذب فمنع من إحصان الرجم كالرق. 28338 - ولأن إحصان الرجم أكثر شرائط. وإحصان القذف دونه. فلما اعتبر في أضعف الإحصانين إذا تصور وجوده في الإحصان الأقوى واعتباره فيه أولى. ولا تلزم العفة لأنه لا يتصور وجودها في الزاني فلا يصح شرطها في رجمه. 28339 - [فإن قيل]: لا يتصور وجودها ولا يتصور اعتبار أحد الإحصانين بالآخر. لأن العفة شرط في القذف ثم لم تشترط في إحصان الرجم. 28340 - قلنا: الشيء إنما يكون شرطًا إذا تصور وجوده. والزاني لا يتصور فيه العفة. فكيف يقال: إنها شرط. 28341 - والدليل على أنه لا يرجم الآية. 28342 - فإن قيل: المراد بها المسلمين. لأنه قال في آخرها {مائة جلدة ولا تأخذكم بها رأفة في دين الله}. 28343 - قلنا: نفى الرأفة مأمور به في الكافر الزاني الذمي كما أمر به في المسلم. فلا يقتضي ذلك التخصيص. 28344 - ولأنه لا يحد في شرب الخمر فلم يجب عليه بالزنا الرجم كالصبي والمجنون.

28345 - ولأنه نقص محكوم به يؤثر في الشهادة فمنع من وجوب الرجم كالرق. 28346 - ولا يلزم الفسق لأنه لا يحكم به. ولا الأنوثية لأنه نقص لا يمنع الشهادة، وإنما يؤثر في نقصان رتبتها. 28347 - فإن قيل: العبد حده منتصف قد يستوي فيه الحر والعبد كالقطع في السرقة. 28348 - ولأن قاذفه لا يحد مع اشتباه حاله في الصدق والكذب فلم يجب رجمه كالعبد. احتجوا: بحديث عبادة بن الصامت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب الجلد والرجم). 28349 - قلنا: قد اتفقنا أن الجلد لا يكون مجتمعًا مع الرجم [في الثيب]، وإنما المراد به الثيب بالثيب الرجم. ألا ولنا أن نتعلق بالجلد فصار الخبر مشترك الدليل. 28350 - ولأن الإحصان شرط بالاتفاق فصار كالمشروط في الثيب. ولا نحن لا نسلم إحصان الكافر فلم يصح الاستدلال بالظاهر. 28351 - احتجوا: بما روي عن عمر أنه قال: (لولا أن يقال زاد ابن الخطاب في كتاب الله إذ كتب في حاشية المصحف: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة ردًا لأمر الله. 28352 - قلنا: لا بخلاف الرجم لا يجب لكون الذي يعلم أن الرجم يتعلق بشرط لم يذكر وهو الإحصان. 28353 - وقد اختلفنا في شروطه. ولأن المراد بهذا المسلمين. لأن الكافر لا يقف النكال به على الزنى لأنه ينكل به بكفره [وإن لم يزن]. والمسلم يقف النكال به على وجود الزنا ولا يجوز قتله. 28354 - ولأنه روى عن عمر بن الخطاب وعلى أنهما قالا في اليهودي: إذا زنا فإنه يسلم إلى قومه ليقيموا عليه حد الله. فدل أن عمر إنما قال ما قاله في المسلم خاصة. 28355 - احتجوا: بما روى ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رجم اليهوديين.

28356 - قلنا: رجمهما قبل كون الإحصان شرط بدلالة أنه - صلى الله عليه وسلم - سئل عن إحصانهما وبدليل أنه روي عن ابن عمر أنه رجمهما أول ما دخل المدينة. ولأن ابن عمر قال: من أشرك بالله فليس بمحصن. فدل أنه عرف بغير هذا الحكم. 28357 - فإن قيل: روى أبو هريرة أنه - صلى الله عليه وسلم - رحمهما وكانا قد أحصنا. 28358 - قلنا: الإحصان اسم. ولأن أبا هريرة تأخر إسلامه فلم يشهد القصة. فيجوز أن يكون لما سمع الرجم وعلم من شرطه في الإسلام الإحصان. أعتقد أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يرجمهما إلا وقد أحصنا. 28359 - وجواب آخر: أنه - صلى الله عليه وسلم - رجمهما بحكم التوراة ولم يكن القرآن نزل بحد الزاني. 28360 - لأن سورة النساء مدنية. والرجم كان قبل دخوله - صلى الله عليه وسلم - المدينة. وقد كان مأمورًا بالعمل بشريعة من تقدمه فرجع إلى ما في التوراة. ولهذا قال: (أنا أحق بإحياء سنة أماتوها) ثم نسخ هذا بما جاء في شريعته [من قوله] {فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت}. 28361 - ثم نسخ ذلك بحديث عبادة بن الصامت، وشرط الإحصان في الرجم فروى ابن عمر القصة الأولى. وقال: (من أشرك بالله فليس بمحصن). على ما استقر في الشريعة بعد الحكم الأول. يبين ذلك أن الأحكام لو كانت نزلت في شريعته لم يحتج إلى الرجوع إلى التوراة. لأن أحكام القرآن ناسخة لها فلا يجوز الرجوع إلى المنسوخ مع وجود الناسخ. 28362 - ولا يقال: أراد أن يبين كذبهم فيما ادعوه. لأنه لو كان كذلك لبينه أولاً قبل وجود الزنا من اليهودي. 28363 - احتجوا: بأن من أهل الجلد ما إذا كان بكرًا فوجب أن يكون من أهل الرجم إذا وطئ في نكاح صحيح كالمسلم. 28364 - قلنا: الجلد هو أدنى حد الزنا والرجم أعلاه، فلم يستدل بثبوت أدنى الحدين على ثبوت أعلاهما. 28365 - فإن قيل: الجلد الكامل [على أنواع] فقد اعتبرنا الحد الأعلى بالحد الأدنى.

28366 - قلنا: كونه على الجلد لا يمنع أن يكون أدنى من الرجم فقد حصل الكمال من وجه والنقصان من وجه فاستدلوا بثبوته على ثبوت الكامل في جميع الوجوه. 28367 - والمعنى في المسلمين أنه ممن يحد قاذفه. فجاز أن يجب عليه بالزنا الرجم. والكافر لا يحد قاذفه مع اشتباه حاله في الكذب والصدق فلم يجب عليه الرجم. 28368 - قالوا: أحد الملتين فجاز أن يجب على أهلها الرجم كملة الإسلام. 28369 - قلنا: لا نمنع أن يختلف حكم الملتين في الحد. بدلالة أن المسلم يحد بشرب الخمر ولا يحد الكافر. ويحد عندهم المسلم إذا تزوج أمه فوطئها ولا يحد الكافر ولأن المسلم يجب عليه الرجم لبلوغه إلى حد الكمال، والكافر لم يبلغ هذا الحال. فصار كالمسلم الذي لم يكمل حاله لوجود الرق أو لعقد النكاح. 28370 - قالوا: قتل بأمر سابق [فاستوى فيه الكافر والمسلم كالقصاص فاحترزوا بقولهم بأمر سابق] عن القتل بترك الصلاة. 28371 - قلنا: يبطل بإظهار كلمة الكفر يقتل بها المسلم ولا يقتل بها الكافر، وكذلك ذوات المحارم بالنكاح يقتل عندهم المسلم دون الكافر ولأن الرجم اعتبر فيه من الاحتياط ما لم يعتبر في القصاص. 28372 - بدلالة شهادة أربعة. والمعنى في القصاص أنه يجوز أن يجب على العبد فجاز أن يجب جنسه على الكافر. ولما لم يجب الرجم على العبد لم يثبت جنسه في حق الكافر. 28373 - قالوا: أحد موجبي الزنا فجاز أن يجب على الكافر كالجلد. 28374 - قلنا: الجلد لم يعتبر فيه الإحصان فجاز أن يجب على الكافر. والرجم وجب فيه الإحصان. فلذلك لم يجب على الكافر. 28375 - قالوا: حد فلا يختلف بالكفر والإسلام كسائر الحدود. 28376 - قلنا:: يبطل بحد الشرب. ولأن سائر الحدود لم يعتبر فيها الإحصان. وهذا الحد اعتبر فيه الإحصان. 28377 - قالوا: في امرأة واحدة فكان من أهل الرجم كالمسلم. 28378 - ومنهم من قال: لأنه وراث حادث فكان من أهل الرجم كالمسلم. فيحترز بقولهم وارث عن العبد وبقولهم حادث عن البكر. والجواب عنه ما قدمناه.

مسألة 1409 [حد المكلف إذا زنى مع غير مكلف]

مسألة 1409 [حد المكلف إذا زنى مع غير مكلف] 28379 - قال أصحابنا: إذا مكنت العاقلة مجنونًا أو صبيًا فوطئها فلا حد عليها. وإن وطئ العاقل مجنونة أو مراهقة حد. 28380 - وقال الشافعي: على العاقلة الحد. 28381 - لنا: أنها مكنت من نفسها ممن لا إثم عليه في وطئه. فصار كما لو مكنت زوجها أو مولاها. 28382 - ولأنها لو وجدته في فراشها فمكنته وهي تظنه زوجها أو مولاها لم يجب عليها الحد. كذلك إذا علمت أنه أجنبي أصله إذا كان ولد مولاها ولأن فعل المجنون ليس بزنى. وهو المتبوع. وفعل المتبوع إذا لم يحكم له بزنى لم يجب الحد على التابع أصله الوطء بشبهة. 28383 - والدليل على أن فعل المجنون ليس بزنى: أنه لا يوصف بالتحريم عقلا ولا شرعًا. والزنا لا ينفرد عن المأثم. ولأن القاذف لا يحد. ولو كان فعله زنى لوجب

على قاذفه الحد كالعاقل. ولأن الزنى اسم ذم والمجنون لا يذم. 28384 - ولا يلزم على العلة العاقل إذا زنى بالمجنونة. لأن فعله متبوع وفعلها تبع، وخروج التبع أن يكون زنى لا يوجب خروج المتبوع من ذلك. 28385 - والدليل على أن فعلها تابع: أنها لا تنفرد بالفعل. وقد يجوز أن ينفرد عنها أن يطأها وهى نائمة. [ولا يمكنه] الوطء إلا بوجود الانتشار منه، ولأنه فاعل وهي مفعولة. وقد ينفرد الفاعل عن المفعول كما ينفرد إذا وقع الفعل في كمال. ولأنها مكنت من نفسها واطئا لا يجب عليه الحد. فلا يجب عليها الحد من نفسها كما لو مكنت زوجها أو أبا مولاها. 28386 - احتجوا: بقوله تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا}. 28387 - قلنا: لا نسلم أنها زانية لأنا قد دللنا على أنه ليس بزنى وإذا لم تكن المفعوله زانية كما أن فعل الفاعل إذا لم يكن جنونا لم يكن المفعول مضروبًا. 28388 - قالوا: الدليل على أن فعله زنى أنه لا يثبت النسب منه. 28389 - قلنا: يجوز أن يكون فعله شبهة تمنع من كونه. ولا يثبت النسب بوطء الرجل جارية أخيه. إذا قال ظننت أنها حلال. 28390 - فإن قيل: لا تعلق لفعلها بفعله فيجوز أن تكون زانية دونه كما يجوز أن يكون زانيا بوطئها فلا تكون زانية. 28391 - قلنا: هذا لا يصح لما بينا أنه فاعل وهي مفعولة. فإذا لم يوجد منه فعل الزنى كيف يوصف المفعول بذلك؟ 28392 - قالوا: قال الله تعالى: {الزانية والزاني} فسماها فاعلة وبدأ بها، والبداية تكون بالمقصود. 28393 - قلنا: المرأة سميت زانية لأن المفعول يسمى باسم الفاعل. قال الله تعالى {في عيشة راضية} يعني مرضية. ويقال هذا قولي مقذوف. هذا قول الفراء.

28394 - وإذا ثبت أنها مفعول اتبع الاسم الفاعل. 28395 - قالوا: ما وجب عليها بتمكين الواطئ المكلف من وطئها بتمكن المجنون أصله إذا مكنت المجنون من وطئها في صوم رمضان. 28396 - قلنا: الشبهة في حق [واطئ في رمضان] لا تؤثر في سقوط الكفارة عنها [وهو شبهة في حقها] لأنه لو جامعها وهو يظن أن الفجر لم يطلع وهي تعلم بالطلوع [وجبت عليها الكفارة] دونه والشبهة في حق الواطئ تؤثر في سقوط الحد عنها وإن لم توجد الشبهة في حقها بدلالة: من زفت إليه غير امرأته وهو يعلم سقط الحد عليها. وكذلك إذا تزوجها نكاحًا فاسدًا أو وطئها وهو لا يعلم بالعقد. 28397 - قالوا: كل واطئين إذا كانا مكلفين وجب الحد كل واحد منهما. فإذا كان أحدهما مكلفًا وجب الحد على المكلف منهما أصله العاقل إذا زنى بالمجنونة. 28398 - قلنا: العاقل إذا زنى فعله متبوع فسقوط الحد عن التبع لا يمنع وجوبه عليه. وفي مسألتنا فعلهما تبع. فإذا لم يكن فعله زنى [لم يجز] أن يكون المفعول بها زانية على ما قدمنا. 28399 - قالوا: سقوط الحد عن أحد الواطئين لمعنى يخصه لا يوجب سقوطه عن الآخر قياسًا على المستأمن إذا زنى بالمسلمة. 28400 - قلنا: فعل المستأمن زنى. وهو يذم عليه مؤاخذ به وإنما تعذر استيفاء الحد لبقائه على حكم داره فلم يمنع ذلك وجوب الحد عليها كما لو غاب الزاني أو مات ولأن فعل الحربي زنى بدلالة أنه لو أسلم فقذفه به قاذف وجب عليه الحد. وفعل المجنون ليس بزنى. لأنه لو أفاق فقذفه بالوطء في حال جنونه لم يجب الحد. 28401 - فإن قيل: كما تقولون في المكره إذا زنى بمطاوعة. 28402 - قلنا: قال محمد: لا أحفظ قول أبي حنيفة فيه. فيجوز أن يقال: لا حد عليها قبيل مسألتنا. ويجوز أن يقال عليها الحد. لأن فعله زنى مؤاخذ به، فلهذا نقول لا يحل له الإقدام عليه مع الإكراه.

28403 - قالوا: يجوز أن يسقط الحد عن أحدهما بالشبهة دون الآخر مثل أن يعتقد أنها زوجته وهي تعلم. 28404 - قلنا: هاهنا يجب الحد عليهما عندنا. وإنما يسقط الحد إذا زفت إليه غير امرأته وأخبره النساء أنها زوجته. وهذا يسقط الحد عنهما وإن كانت عالمة. 28405 - قالوا: فعلها يجوز أن ينفرد عن فعله بنوع الحد كذلك لوجوب الحد أصله انفراد فعله من فعلها. ومعناه: إذا كانت محصنة وكان بكرًا عليها الرجم دونه وكذلك العبد يزني بالحرة ينتصف حده ويكمل حدها. 28406 - قلنا: ليس إذا انفرد بنوع الحد جاز أن تنفرد بأصل الحد. ألا ترى أن المشتركين في السرقة إذا كان أحدهما مقطوع اليمنى قطعت يمين أحدهما ورجل الآخر. ثم لا ينفرد أحدهما بوجوب القطع عن الآخر. [لأن أحدهما لو كان شريكًا في المال سقط القطع عنهما وعندهم القاتلان ينفرد أحدهما عن الآخر]. وصفة القصاص إذا قتل أحدهما بالسيف والآخر بالحجر. ولا يدل ذلك على الانفراد بالوجوب في المخطئ والعامد. * * *

مسألة 1410 [عدد الإقرارات الكافية في وجوب الحد]

مسألة 1410 [عدد الإقرارات الكافية في وجوب الحد] 28407 - قال أصحابنا: لا يثبت الزنى بالإقرار حتى يقر أربع مرات في أربعة مجالس من مجالس المقر. 28408 - وقال الشافعي: إذا أقر مرة واحدة وجب الحد. 28409 - لنا: ما روى ابن شهاب قال: حدثني أبو سلمة عن جابر بن عبد الله الأنصاري أن رجلاً من أسلم أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في المسجد فناداه فحدثه أنه زنى. فأعرض عنه فتنحى [إلى شقه] الذي أعرض قبله، فأخبره أنه زنى، وشهد على نفسه أربع مرات فدعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (هل بك جنون)، قال: لا. قال: (فهل أحصنت)، قال: نعم. فأمر به أن يرجم بالحصى. 28410 - وروى الزهري عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة. وروى عبد الله بن يزيد عن أبيه قصة ماعز وذكر أبو داود عن يزيد بن نعيم بن هزال. قال: كان ماعز يتيمًا في حجر أبي فأصاب جارية من الحي. فقال له أبي:

ائت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأخبره بما صنعت، لعله يستغفر لك. فأتاه. فقال: يا رسول الله: إني زنيت فأقم علي حد الله. حتى قالها أربع مرات، كل ذلك يعرض عنه رسول الله، فقال رسول الله: شأنك فإنها أربع، فبمن؟ وفي السنن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: كنا أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - نتحدث أن الغامدية [وماعزًا لو لم يرجما] بعد اعترافهما لم يطلبها، وإنما رجمهما عند الرابعة. وروي ابن أبي أبزى عن أبي بكر قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - ماعز –فأقر عنده، ثم جاء فأقر فأعرض عنه، ثم جاء فأقر فأعرض عنه. فقلت: إن أقررت الرابعة عندي رجمتك. فأقر الرابعة. فسأل عنه أهله. فقالوا: [ما نعلم] إلا خيرًا فرجمه رسول الله ووجه الدلالة: أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يتعرض له في أول مرة [حتى عند الرابعة، ولو كان الحكم يتعلق بإقراره مرة لم يجز له تأخير النظر في أمره]. 28411 - ولأنه قال: (شأنك فإنها أربع مرات) فدل على تعليق الحكم بالعدد. 28412 - وقول أبي بكر الصديق لماعز: إنك إن أقررت الرابعة رجمتك. يدل

على أن الشريعة تعلق الحكم بهذا العدد. 28413 - فإن قيل: قد روى أبو هريرة أنه أقر الخامسة. 28414 - قلنا: يجوز أن يكون أقر مرتين في مجلس واحد فأعدها مرة واحدة، بدلالة قوله - صلى الله عليه وسلم -: (شأنك فإنها أربع) يعلق الحكم بهذا العدد دون غيره. 28415 - قالوا: إنما ردده [لأنه ظنه مجنون]، ولهذا قال له: أبك خبل، وسأل قومه. 28416 - قلنا: لو كان كذلك لقال: الآن صح إقرارك ولم يعلق الحكم بالعدد، ولأنه إذا شك في عقله ثم تبين أنه عاقل لعلق الحد بالإقرار الأول، وكان أبو بكر لا يقول: إن أقررت الرابعة. لأنه لا يحتاج إلى تكرار الإقرار. 28417 - فإن قيل: ردده لجواز أن يرجع. 28418 - قلنا: إذا صح الإقرار لم يجز التوقيف على إقامة الحد انتظارًا للرجوع. لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان ما يتعين عنده الحكم في حد من حدود الله إلا أقامه. 28419 - فإن قيل: إنما ردده لأنه لم يكن أقر بصريح الزنى، ولهذا لو قال لغيره زنيت، عليه الحد. 28420 - قلنا: وقوله (لعلك لمست) يلقنه الرجوع. 28421 - فإن قيل: هذا خبر واحد مخالف للأصول. 28422 - قلنا: هذا خبر من أخبار الاستفاضة. لأن الأمة تلقته بالقبول وعملوا بموجبه، فما يدل عليه أصل لنفسه كسائر الأصول المعلومة. 28423 - فإن قيل: الغامدية قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم - أتريد أن تردني [كما رددت

ماعزًا]. فهذا يدل أن الترداد ليس بشرط. 28424 - قلنا: هذا يدل أن يردا هذا القول ولم يلتفت إلى قولها. ولأنه سبب يثبت به الحد. فوجب أن يتنوع نوعين بالشهادة. 28425 - بيان: أن الشهادة في الحدود تارة يشترط شاهدان. ولأن ما يثبت الحقوق يضعف في الزنى كالشهادة [ولأنه سبب يثبت به حد الزنى فوجب أن يقر فيه أربع مرات كالشهادة]، ولأن الإقرار سبب ثابت في الحقوق فجاز أن يعتبر فيه أربع مرات كالشهادة. 28426 - فإن قيل: نقلب فنقول فلا يعتبر التكرار من واحد كالشهادة. 28427 - قلنا: ما شرط فيه العدد إذا تعذر تكراره من أشخاص يكون شخص واحد كاللعان والقسامة. 28428 - فإن قيل: اعتبار الإقرار. 28429 - قلنا: علينا أن نقضى أن يكون للعدد مدخل في الإقرار كما كان له في الشهادة. ولا يقتصر ثبوت العدد في الموضع الذي اعتبر في الشهادة. فإذا أثبتنا العدد في موضع واحد فقد أعطينا العلة مقتضاها. 28430 - فإن قيل: كان يجب أن يصح التكرار في مجلس واحد كما صحت الشهادة في مجلس واحد. 28431 - قلنا: عدد الشهود شرط ليتنابذ عليه الظن بقولهم. وهذا المعنى موجود في المجلس الواحد. [وتكرار الإقرار] اعتبر للاحتياط في إقامة الحدود. لجواز أن يرجع المقر بين الإقرارين فيسقط الحد. وهذا المعنى لا يوجد في مجلس واحد.

لأن الإقرار إذا تكرر في مجلس واحد فكأنه إقرار واحد بدلالة الإقرار بالدين. 28432 - فإن قيل: الشهود متهمون فاعتبر العدد لزوال التهمة والمقر غير متهم على نفسه فلم يعتبر العدد لأن هذا الفرق لا يمنع تساوى الشهادة، والإقرار اعتبار الصريح فيه دون الكناية ولأنه لا يتهم على نفسه بل يلقنه القاضى الرجوع بذلك لا يتهم على نفسه، ويعتبر تكرار الإقرار لجواز أن يذكر أمره فيرجع بين الإقرارين. ولأن الزوج إذا ادعى على امرأته الزنى نفت الدعوى عن نفسها بيمين متكررة على شخص واحد. فإثبات [هذه] الدعوى بإقرارها يتكرر بعدد الأيمان الواجبة عليها. 28433 - ألا ترى أن سائر الدعاوى لما انتفت بيمين المدعى عليه مرة واحدة ثبتت بإقرار مرة واحدة. [لا يلزم اليمن في القسامة لأنها دعوى على جماعة كل واحد منهم يلزمه يمين واحدة] في موضوع الدعوى، وإنما يتكرر اليمين عن نقصان العدد، فأما مع وجود عدد المستحلفين فلا يتكرر. 28434 - احتجوا: بما روي في قصة العسيف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها). 28435 - والجواب: أنه - صلى الله عليه وسلم - لا يقوم بإسناد إقامة الحد إلا إلى من يعرف الأحكام. وقد استقر في الشريعة اعتبار العدد في الإقرار، ولم يبين له تلقينها الرجوع، وكذلك الحد عنها إذا رجعت بعد الإقرار. 28436 - احتجوا: بما روى عمران بن الحصين أن امرأة من جهينة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إنها زنت وهي حبلى. فدعى وليها. فقال: (أحسن إليها. فإذا وضعت فجئني بها). فلما وضعت جاءه بها. فأمر بها النبي - صلى الله عليه وسلم - فسلبت ثيابها، ثم أمر بها فرجمت. فلم يذكر تكرار إقرارها. 28437 - وروى عبد الله بن بريدة عن أبيه أن امرأة من بني عامر أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إني فجرت وإني لحبلى. فقال لها: (ارجعي حتى تلدي). فرجعت فلما

ولدت أتته بالصبي. 28438 - فقالت: هذا قد ولدته. قال: (ارجعي حتى تفطميه) فجاءت به وقد فطمته وفي يده شيء يأكله. فأمر بالصبي فدفع إلى رجل من المسلمين، وأمر بها فحفر لها، وأمر بها فرجمت. 28439 - قلنا: روى عبد الرحمن بن أبي بكرة أن أباه حدثه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان على بغلة فجاءت امرأة فقالت: إني زنيت فأقم علي حد الله. قال: (ارجعي واستبرئي استبراء الدم) فعاودته مرارًا. فلما كان في الرابعة. قال: (اذهبي حتى تضعين). وذكر القصة. 28440 - رواه أبو الحسن بإسناده. فهذا يدل على أنها أقرت أربع مرات، ولم ينقل العدد. فإنما قصد بيان الرجم ولم يقصد بيان كيفية الإقرار. 28441 - وقولها: تردد علي [كما رددت على ماعز] ليدل على اشتهار الأمر في ترداده - صلى الله عليه وسلم - ماعز. 28442 - قالوا: حق يجب بالإقرار فلا يعتبر فيه التكرار كسائر الحقوق. 28443 - قلنا: سائر الحقوق لا يعتبر فيها شهادة أربعة فجاز أن يثبت بإقراره مرة واحدة. 28444 - قالوا: سبب يوجب الحد فجاز أن يثبت بإقراره مرة واحدة أصله حد الشرب والقذف. 28445 - [قلنا: حد القذف والشرب] لم يفارق في عدد الشهادة فكذلك في عدد الإقرار، ولما فارق حد الزنى نوعه في عدد الشهود جاز أن يخرج بين نوعه في عدد الإقرار. 28446 - قالوا: ما سقط بارتكاب مرة ثبت بإقرار مرة كحد الشرب والسرقة.

28447 - قلنا: سقوط الحد بالرجوع مرة لا يستدل به على ثبوته بإقراره مرة. لأن ما يسقط الحدود أقوى في الثبوت مما يثبتها، ألا ترى أن الحد يسقط بالرجوع الذي ليس بصريح ولا يثبت إلا بصريح الإقرار. وقال النبي في قصة ماعز لما قيل أنه هرب: (هلا أخليتم سبيله؟!) فجعل مجرد الفعل رجوعًا، وبالفعل لا يثبت الحد مع القدرة على القول باتفاق. ولأن الزوج لو رجع عن القذف مرة واحدة سقط اللعان، ولا يثبت اللعان إلا بتكرار أربع مرات. ولو رجع الشهود لم يعتبر في رجوعهم لفظ الشهادة. ولا تثبت الشهادة إلا بلفظ مخصوص. 28448 - قالوا: لو أقر مرة واحدة لم تسمع الشهادة بالزنى، ولو شهد عليه فأقر مرة سقطت الشهادة. وإنما سقط حكم البينة ببينة أقوى منها. فلولا أن الإقرار قد ثبت الزنى به لم يمنع صحة الشهادة ولم يبطلها بعد وجودها. 28449 - قلنا: الشهادة لا يثبت حكمها إلا مع الإمكان فإذا اعترف بالزنى لم تسمع الشهادة لعدة الشهود وإن كان هذا الإقرار يقف على التكرار واستظهارًا لإقامة الحد. 28450 - يبين ذلك: أنه لو أقر ثم جحد سقط حكم الإقرار ويخالف ذلك سائر الحقوق استظهارًا للحد كذلك لا يمنع أن يوجد الإقرار فتسقط الشهادة استظهارًا للحد [ولم يثبت به الحد حتى يتكرر استظهارًا للحد]. 28451 - يبين ذلك: أن الشهادة يثبت بها إبطال جحود المشهود عليه. فإن كان مقرا لم يوجد معناها فبطلت. 28452 - قالوا: كل حكم يتعلق بالإقرار يعتبر فيه إقرار مرة واحدة أصله سقوط الحد عن القاذف. قلنا: ما يؤثر في إسقاط الحدود يخالف ما يوجبها ويثبت به على ما قدمناه. 28453 - ولأن سقوط الحد عن القاذف لا يختص بالزنى بدلالة أن المقذوف لو اعترف بوطء شبهة سقط الحد عن القاذف. ولم يجب الحد عن المقر. * * *

مسألة 1411 [بداية الشهود بالرجم]

مسألة 1411 [بداية الشهود بالرجم] 28454 - قال أصحابنا: إذا ثبت الزنى بالشهادة فبداية الشهود بالرجم شرط، فإن امتنعوا سقط الحد، وإن ابتدأوا رجم الناس. 28455 - وقال الشافعي: ليس ذلك بشرط. 28456 - لنا: ما روى المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه. 28457 - قال: رأيت عليا حين رجم شراحة الهمدانية. أتى بها وهي حبلى. فرفعها إلى المسجد فلما وضعت أخرجها فلفت في عباءة ثم حفر لها بئرًا. ثم قام علي وحمد الله. ثم قال: أيها الناس إنما الرجم رجمان رجم سر ورجم علانية. فرجم السر أن يشهد عليه الشهود فيرجمون ثم يرجم [الإمام ثم] الناس. ورجم العلانية أن يشهد على المرأة ما في بطنها، فيخرج الإمام فيبدأ بالرجم ثم يرجم الناس. [ألا وأني] راجم فلا ترجموا. فتقدم فرماها بحجر فما أخطأ أصل أذنها. وكان من أضرب الناس رمية. ثم خلى بينهم وبينها. وهذا بحضرة الصحابة [من غير

خلاف]. وهو مخالف للقياس فيحمل على التوقف. 28458 - ولأن من أصلنا أن قول الصحابي إذا لم يعرف له مخالف يقدم على القياس. 28459 - فإن قيل: هذا يدل على جواز البداية. 28460 - قلنا: دل على وجوبها. لأنه جواب شرط فيقتضي الوجوب. 28461 - فإن قيل: روي أنه بدأ بالشهود فقطع السارق. 28462 - قلنا: لم نستدل لمجرد الفعل وإنما استدللنا بالشرط الذي ذكره وجوابه وإظهاره في خطبته، ولأن الشهود خصوم فجاز أن يقف الاستيفاء بعد ثبوت الحق على معنى من جهتهم كالأولياء في القصاص. 28463 - ولأن الشهادة تقف على معنى من جهة الشهود ومعنى من جهة الحاكم، ثم إذا ثبت الحق بالحكم جاز أن يقف على استيفاء الحاكم كذلك يجوز أن يقف على استيفاء الشهود بيان ذلك: أن الحق إذا ثبت وليس له مطالب فلا بد أن يستوفيه الإمام أو يأذن لمن يستوفيه، ولأن الحد معنى يجب بحضور عدد فجاز أن يقف بعد وجوبه على فعل من جهة كل واحد منهم كالجمعة. 28464 - احتجوا: بما روي: أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر أنيسا الأسلمي إن اعترفت المرأة أن يرجمها ولم يحضر النبي - صلى الله عليه وسلم -. 28465 - قلنا: استخلفه على إقامة الحد فاعتبر حضوره دون حضور من فوض ذلك إليه. 28466 - قالوا: النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر برجم ماعز والغامدية والجهينية ولم يحضر رجم واحد منهم. 28467 - قلنا: بداية الإمام عندنا ليس بشرط، وإنما يشترط ذلك في الشهود خاصة. لأن الإمام قد وجد منه فعل بعد ثبوت الحد وهو الأمر فلم يحتج إلى فعل آخر. على أنا لا

نعلم غيبة النبي - صلى الله عليه وسلم - عن رجم ماعز بل يجوز أن يكون ابتدأ وخلى بينه وبين الناس وانصرف فلهذا قال: (هلا خليتم سبيله). 28468 - قالوا: حد يجب استيفاؤه فلا تجب على الشهود والإمام البداية كحد الجلد والسرقة. 28469 - قلنا: قد اعتبر في الرجم من الاستظهار ما لم يعتبر في سائر الحدود. بدلالة توقفه على شهادة أربعة. كذلك يجوز أن يقف على مباشرة الشهود استظهارًا. ألا ترى أنهم [إذا كلفوا المباشرة] استعظموا القتل فتوقفوا ورجعوا. 28470 - ولا يقال: هذا يوجب تهمة الشهود [لأنه استظهار وإن لم يوجد] ولأنهم إذا رأوا القتل. وقفوا عن مباشرته وإن كانوا صادقين، وهذا استظهار في الحد وليس فيه تهمة. 28471 - ولأن سائر الحدود تقف على مستوفى مخصوص. لأن الإمام يتخير من يحسن أن يقيمها فكذلك هذا الحد يجوز أن يقف على مستوفى مخصوص، وما ذاك إلا الشهود. 28472 - ولأن سائر الحدود لا يحسن كل واحد أن يقيمها، لأن من لا يحسن الضرب يقتل بضربه، والقطع لا يحسن إلا أفراد الناس، والرجم بالحجارة يحسنه جميع الناس. فلو كلفنا الشهود مالا يحسنونه بطل الاستيفاء، وإذا كلفناهم الرجم لم يبطل الاستيفاء. 28473 - قالوا: قتل مستحق كالقصاص. 28474 - قلنا: الشهود ليسوا بخصوم في القصاص، وإنما الخصم هو الولي، والاستيفاء بعد الثبوت يقف فعل على من جهة الشهود في مسألتنا هم الخصوم، فيجب أن يقف الاستيفاء على معنى من جهتهم. * * *

مسألة 1412 [الإقرار بالزنى بعد ثبوته بالشهادة]

مسألة 1412 [الإقرار بالزنى بعد ثبوته بالشهادة] 28475 - [قال أصحابنا] إذا شهد أربعة على رجل بالزنى فأقر مرة واحد سقط الحد عنه. 28476 - قال الشافعي: لا يسقط. 28477 - لنا: أن الشهادة لا يتعلق بها حكم في المقر، وإنما تقبل مع الجحود. فإذا أقر سقط حكمها. بقي إقراره مرة واحدة. وقد دللنا على أن الحد لا يثبت إلا بإقرار أربع مرات. فإذا ثبت هذا الأصل سقط الحد. 28478 - احتجوا: بأن كل بينة لو قابلها التكذيب حكم بها. فإذا قابلها التصديق حكم بها كسائر البينات. 28479 - قلنا: لا نسلم أن البينة في سائر الحقوق إذا قابلها التصديق سقطت وقضي بالإقرار. 28480 - وفي مسألتنا تسقط ويبقى الإقرار مرة واحدة فلا يمكنه القضاء به. * * *

مسألة 1413 [إكراه الرجل على الزنا]

مسألة 1413 [إكراه الرجل على الزنا] 28481 - قال أصحابنا: إذا أكره الرجل على الزنى وجب عليه الحد. 28482 - وقال الشافعي: لا حد عليه. 28483 - لنا: أن الخوف ينافي الشهوة والانتشار، فلما وجد منه دل على اختياره، ومتى قارن فعل المكره ما يدل على الاختيار سقط حكم الإكراه. كمن أكره على البيع بألف فباع بألفين، وكما لو قال بعد الفعل: كنت لهذا مختارًا. 28484 - فإن قيل: هذا يبطل إذا أكرهه السلطان 28485 - قلنا: من أصحابنا من قال: يجب الحد وإنما كان قول أبي حنيفة الأول لمن أكرهه غير السلطان ليس بإكراه، ففرق في الحدود على هذا القول. فأما على القول [الثاني فإكراه السلطان] وغيره سواء، والحد يجب في الحالتين [فعلى هذا يسقط السؤال]. ومن أصحابنا من قال: إن السلطان إذا أكرهه فقد قارن الفعل أيضًا ما ينافي الخوف إلا أن الإمام ... فلم يجب الحد لعدم الإمام، ويصير كمن زنى في دار الحرب. 28486 - ولا يجوز لمخالفنا أن يقول: عندي أن وجوب الحد لا يقف على ثبوت يد

الإمام [لأنا نقول إن خلف] الإمام يقيمون الحد لا لو صعب على أن الواطئ مختار للوطء، وسوينا بين من أكرهه السلطان وغيره في هذا المعنى فسقط النقض. والكلام في سقوط الحد بشبهة الإمام لا تعلق له بهذه المسألة. 28487 - فإن قيل: إنما يخاف ما يوعد به إذا امتنع من الفعل. 28488 - قلنا: لما قدم عليه لم يخف لأنهم لا يوقعون به المكروه. 28489 - وقلنا: من يستحيل أن يكره على الزنى لا يؤمن أن بعده يرفع المكروه إذا زنى ثم يوقعه به، والخوف لا يزول مع هذا التجويز. 28490 - احتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (ادرؤوا الحدود بالشبهات). 28491 - قلنا: لا نسلم وجود الشبهة. لأن الظاهر من حال الواطئ أنه مختار للوطء على ما بيناه والمختار لا يؤثر فيه الإكراه. 28492 - قالوا: مكره على الوطء فوجب أن لا يجب الحد به أصله: إذا أكرهه السلطان. 28493 - قلنا: من أصحابنا من لا يسلم ذلك ويقول: إكراه السلطان وغيره سواء، فلو سلمنا ذلك فالحد وجب عندنا إذا أكرهه السلطان وتعذر الاستيفاء لأنه لم يبق من يملك ذلك فصار كالزنى في دار الحرب أن الحد يجب ولا يستوفي عندنا. 28494 - قالوا: كل معنى إذا أكرهت المرأة عليه لم يجب الحد إذا أكره الرجل لم يجب كشراب الخمر. 28495 - قلنا: المرأة إذا أكرهت لا يقارن فعلها ما يدل على الاختيار. فوزانه من المرأة أن تكره تمكين زيد من نفسها فنعم عمرًا، والمعنى في حد الشرب والسرقة أنه لا يقارن فعله ما يستدل به على القصد والاختيار. ولو قارنه ذلك وجب الحد كما في مسألتنا.

28496 - قالوا: فعل يستباح بالإكراه كالشرب والسرقة. 28497 - قلنا: هذا غير مسلم لأن الزنى لا يحل بالإكراه، ولا يجوز للمكره الإقدام عليه ويحل له الإقدام على الشرب والسرقة فلم يصح الجمع بهذا الوصف. 28498 - قالوا: الشهوة والانتشار طبع من الآدمي فيجوز أن يوجد ذلك مع الكراهة ثم يكره على المخالطة. 28499 - قلنا: من طبع الآدمي إذا خاف زال انتشاره فلما لم يزل علمنا أنه غير خائف، وقولهم أنه قد لا يزول الانتشار مع الخوف أمر نادر جرت العادة بخلافه. * * *

مسألة 1414 [إذا وطئ من ظنها حلالا فبانت أجنبية]

مسألة 1414 [إذا وطئ من ظنها حلالاً فبانت أجنبية] 28500 - قال أصحابنا: إذا وجد الرجل امرأة نائمة في داره أو على فراشه، وظنها زوجته أو جاريته فجامعها. ثم وجدها أجنبية، وجب عليه الحد. 28501 - وقال الشافعي: لا حد عليه. 28502 - لنا: أن دار الإنسان تنام فيها الزوجة وذات الرحم والأجنبية، فظنه أنها زوجته ظن لا يستند إلى سبب صحيح. فصار كما لو شهد نائمة في دار غيره وعليها ثبات امرأته فوطئها. ولا يقدر على مشاهدتها أو سماع كلامها ليعلم حقيقة الأمر. ومن رجع إلى الظن وهو يقدر على المشاهدة والسماع لم يعتد بظنه. كمن اجتهد في القبلة وبحضرته [من يسأله] عنها، أو هو بقرب مسجد يمكنه أن ينظر إلى محرابه. ولأنه لو لم يظنها زوجته وجب بوطئها الحد. فإذا وطئها [لم يسقط بظنه الحد] أصله إذا وجدها في غير داره. 28503 - احتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (ادرؤوا الحدود بالشبهات). 28504 - قلنا: مجرد الاشتباه ليس بشبهة بدلالة من اشتبه عليه محرم، ومن ظن أن الخمر ليس بخمر فشربها قبل أن يسأل عنها أربابها. 28505 - قالوا: وطء يتعلق به تحريم المصاهرة فوجب أن يتعلق به الحد أصله الوطء في المتعة، والوطء بنكاح بغير شهود.

28506 - قلنا: تحريم المصاهرة من أحكام الوطء الموجبة للتغليظ، [والحد من أحكام [الزنى فله حكمه] [فوجود أحد الحكمين يجلب الآخر ولا ينفيه]، والمعنى في الوطء بالعقود الفاسدة أنه وطء استند إلى سبب [لو كان صحيحًا أباح الوطء، فإن كان فاسدًا أسقط. والوطء في مسألتنا لم يستند إلى سبب]، فلم يسقط الحد مع التفريط في الاستعلام. 28507 - قالوا: وطئها وهو يعتقد أن وطئها حلال فلا يجب عليه الحد كمن زفت إليه غير امرأته. 28508 - قلنا: هناك لا يتمكن من معرفتها: إلا بالخير، وقد وجد الخبر أنها زوجته فلم يوجد من جهته تفريط. وفي مسألتنا عليه أن يتوصل إلى معرفتها بمشاهدتها أو سماع كلامها، فصار كما لو زفت إليه امرأة ولم يخبره النساء أنها امرأته فوطئها وإذا هي أجنبية وجب عليه الحد. 28509 - قالوا: الواطئ بالكفاح الفاسد لا حد عليه وهو يعلم بالتحريم فلأن لا يجب في مسألتنا وهو يعتقد الإباحة أولى. 28510 - قلنا: مجرد الظن من الإباحة والتحريم لا يوجب الحدود ولا يسقطها. 28511 - وإنما المعتبر الأسباب. ففي العقد الفاسد لا يجب الحد مع العلم بالتحريم لأن العقد شبهة حكمته. 28512 - وفي مسألتنا يعتقد الإباحة، ولأن هناك سبب للشبهة فلم يتعلق بمجرد الاعتقاد سقوط الحد. * * *

مسألة 1415 [وطء من لا يحل نكاحها بعقد]

مسألة 1415 [وطء من لا يحل نكاحها بعقد] 28513 - قال أبو حنيفة: إذا تزوج امرأة لا يحل له نكاحها فوطئها فلا حد عليه. 28514 - وقال الشافعي: إذا تزوج ذات رحم محروم منه من نسب أو رضاع، أو تزوج خامسة، أو أخت امرأته، أو معتمدة، أو ذات زوج، أو امرأة طلقها ثلاثا، أو بانت منه بلعان، أو أم امرأته، أو بنت امرأته وقد دخل بأمها، أو امرأة أبيه أو حليلة ابنه. فإن كان لا يعلم بالتحريم فلا حد، وإن كان عالمًا؛ حد قالوا: ولو تزوج العبد بغير إذن مولاه، أو الأمة بغير إذن مولاها، ووقع الوطء مع العلم بالتحريم حدًا. وإذا وطئ أمه أو أخته من النسب أو الرضاع مع العلم بالتحريم ففيه قولان. فإذا وطء عبده وجب عليه الحد قولاً واحدًا. 28515 - والكلام في هذه المسألة يقع أولا: في أن هذا الوطء هل يسمى زنى أم لا؟ والثاني: في نفس المسألة. والثالث: في أن مجرد العقد شبهة. والرابع: في وطء أمته إذا كانت ذات محرم منه. 28516 - والدليل على أن هذا الوطء ليس بزنى أن العرب لما كانت المجوس يتزوجون بذات أرحامهم، ولا يسمون أولادهم أولاد زنى، ولا يجوز أن يكون امتنعوا من التسمية لاعتقاد المجوس الإباحة لأن العرب وضعت الأسماء وهم لا يعتقدون الإباحة والتحريم ولا يعرفون ذلك. ولأنهم يسمون الوطء الذي عرى عن عقد زنى، فمن زعم أنهم يسمون الوطء المتصدر عن عقد الزنى احتاج إلى نقل عنهم. ولأن تزويج الأخوات [كان حلالاً في شريعة من قبلنا؟ والزنى ما كان حلالاً قط]. ولأنا نقر الكفار على هذا الوطء. ولو كان زنى لم يجز إقرارهم عليه باللعان. وإذا ثبت أنه ليس بزنى، والله تعالى أوجب هذا الحد على الزانى فإيجابه على غيره إلحاق

نوع لم يرد فيه حد بما ورد فيه الحد وهذا لا يصح. ولأنه وطء ليس بزنى فلم يجب به الحد [كالوطء بشبهة. 28517 - الكلام في نفس المسألة: أنه وطء لو وجد من الكافر لم نوجب الحد] فإذا وجد من المسلم لم نوجب الحد أصله إذا تزوجها شهرًا. 28518 - ولأن الحد لو وجب بهذا الوطء لاستوى فيه الكافر والمسلم كالزنى وعكسه المتعة. 28519 - ولأن المعقود عليه يستباح بنوع هذا العقد. فإذا وجد العقد غير مبيح لم يجب الحد بالوطء كما لو كان الواطئ ذميًا. 28520 - فإن قيل: الآدمي يعتقد الإباحة والمسلم يعتقد التحريم. 28521 - قلنا: اعتقاد الإباحة لا يسقط الحد إلا إذا وجد سبب مؤثر بدلالة أن يعتقد إباحة الزنى من الكفار لا يسقط الحد عنه ومن يعتقد إباحة الخمر لا يسقط الحد عنه. وكذلك اعتقاد التحريم مع وجود سبب ثبوت في الحد لا يتعلق به الحد. بدلالة وطء الأب جارية ابنه (ووطء أحد الشريكين) ووطء المولى جاريته المجوسية أو الحائض أو ذات الزوج. ولأن المعتدة [تستباح بهذا العقد] بعد العدة. فإذا تزوجها في العدة فقد شرط من شرائط العقد. فصار كعقد الشهود. ولأنه وطء تقدمه إيجاب وقبول من الواطئ على بضع الموطوءة كسائر الأنكحة الفاسدة. ولأنه وطء عن عقد كمن تزوج امرأة قد زنى بأمها. 28522 - فإن قيل: المعنى في سائر الأنكحة الفاسدة أنها مختلف في جوازها، فكان الاختلاف في وقوع الإباحة شبهة. 28523 - قلنا: إن أردتم الخلاف المعتد به فلم يوجد في المتعة. فإن خلاف ابن عباس سقط برجوعه، وبإجماع التابعين بعده. وكذلك خلاف أبي ثور في

جواز نكاح المجوسية لا يعتد به. وإن أردتم وجود الاختلاف وإن لم يعتد به انتقض بالمطلقة ثلاثًا. فإن الخلاف في ذلك سابق. قال الحسن: هي تطليقة واحدة. ومع ذلك قلتم يجب الحد على من طلقها إذا عقد عليها. ولأن وجود الخلاف في الإباحة لا يكون شبهة في حق من يعتقد التحريم. فلم يبق إلا مجرد العقد وهو في مسألتنا. 28524 - وقد قالوا: إن العبد إذا تزوج بغير إذن مولاه، ووطئ وهو عالم بالتحريم وجب الحد [ولم نعتد] بالخلاف في جواز نكاح العبد بغير إذن مولاه. 28525 - وأما الدليل على أن العقد في نفسه شبهة:- أن العقد [والملك كل واحد] منهما سبب للإباحة. فإذا كان الملك إذا وجد غير مبيح المشركة والمجوسية كان شبهة. كذلك العقد إذا وجد غير مبيح. ولأن العقد أعم من الإباحة لأنه [يوجد في الإماء]. والملك لا يوجد إلا في الإماء. وإذا كانت الإباحة [في العقد] أعم فأولى أن يكون شبهة. ولأن العقد أخص بالإباحة. لأنه لا يوجد إلا مبيح والملك يوجد غير مبيح. فإذا كان الملك شبهة فالعقد أولى. 28526 - فإن قيل: الملك يوجد في الموضع الذي لا يبيح والذي لا نسلم وجوده في موضع الخلاف. 28527 - قلنا: الملك الموجب للإباحة [لا يوجد] في موضع الاستشهادـ، وإنما يوجد ملك غير مبيح كذلك في موضع الخلاف. لا يوجد عقد مبيح وإنما يوجد عقد غير مبيح. ألا ترى: أن العقد هو الإيجاب والقبول فيما يجوز أن يملك بنوع ذلك العقد وهذا أمر موجود في نكاح المعتدة وذات الزوج وأخت امرأته. ولذا نقول: إن عقد البيع إذا وقع فاسدًا لا يبيح تناول العين ثم يسقط القطع في سرقتها. 28528 - والدليل على أنه إذا ملك معتدة أو أخته [من الرضاع] فوطئها لم

يجب عليه الحد: لأنه وطء في ملك [لا يتعلق به حد] كوطء الجارية المشتركة والمكاتبة والحائض. ولأن تحريم العدة عارض في الملك كتحريم المجوسية والحائض. 28529 - احتجوا: بقوله تعالى: {ولا تنكحوا ما نكح ءابآؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتًا وساء سبيلاً}. فسمي ذلك فاحشة، وهذا اسم الزنى، بدلالة قوله تعالى: {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم}. 28530 - قلنا: الفاحشة اسم لكل فعل منكر في الشرع. فإذا عنى بذلك عن الزنى. 28531 - في موضع لم يوجد تخصيص الاسم به. لأن كل زنى فاحشة وليس كل فاحشة زنى. قال الله تعالى: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}. 28532 - ولأن حقيقة النكاح عند الشافعي قولنا حقيقة. ونفس العقد ليس بزنى ولا يجب به الحد. وعلى قولنا حقيقة الاسم الوطء [عندنا] كما وطئ امرأة ابنه بغير عقد [نوجب] عليه الحد. 28533 - قلنا: فظاهر الآية على تسليم قولهم: إن الفاحشة: اسم يختص بالزنى. 28534 - فإن قالوا: الآية عامة فيمن وطئ بعد عقد، ومن وطئ من غير عقد. 28535 - قلنا: هذا يدل لقولهم أن النكاح في القرآن لم يعبر به إلا عن العقد وأنه هو الحقيقة. 28536 - احتجوا: بحديث البراء قال: لقيت خالي معه الراية. فقلت: أين تذهب، فقال: أرسلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده. أن أضرب عنقه. 28537 - قلنا: الراية لا تعقد لإقامة الحدود، وإنما تعقد للجهاد. والحد في الزنى لا يكون ضرب الرقبة، وإنما [يكون الحد] بضرب الرقبة في الردة. فهذا يدل

[على أن الرجل] عقد العقد مستحلا له فارتد بذلك. يبين هذا أنه لم يذكر في الخبر الدخول بها فعلم أن القتل تعلق بسبب لم يذكر. 28538 - زعم مخالفنا أنه الدخول. 28539 - وقلنا نحن: إنه الاستحلال. 28540 - قالوا: روى أبو جهم عن البراء. قال: ضلت إبل لي فخرجت في طلبها. فإذا بخيل قد أقبلت. فلما ولي أهل الماء الخيل انضموا إلي، وجاءوا إلى خباء من تلك الأخبية فاستخرجوا رجلاً فضربوا عنقه. قالوا: هذا رجل عرس بامرأة أبيه فبعث النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقتله. قالوا: ففي هذا الخبر الدخول. 28541 - قلنا: ليس ذكر التعريس دلالة على الدخول. لأنه قد يعرس بالمرأة ولا يدخل بها. وقد روى يزيد بن البراء عن أبيه. قال: لقي خاله ومعه راية. فقلت: إلى أين تذهب، فقال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رجل نكح امرأة أبيه أن أقتله وآخذ ماله. 28542 - وروى معاوية بن قرة عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث جده معاوية إلى رجل عرس بامرأة أبيه. أن يضرب عنقه ويخمس ماله، وهذا لا يكون إلا في المرتد فدل على أن القتل كان للاستحلال.

28543 - قالوا: روى عبد الله بن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (من وقع على ذات محرم فاقتلوه). 28544 - قلنا: هذا الخبر لا يعرف ولا وجدناه في كتاب يوثق به. وإن ثبت كان [محمولاً على المستحل] لأنه ذكر الفعل، ولم يذكر الإحصان أو نحمله على من وقع عليها من غير عقد. 28545 - قالوا: وطء محرم بدواعيه غير مختلف فيه لم يصادف شبهة الملك. فإذا كان الواطئ ممن يحد بالزنى فوطئ مع العلم بالتحريم كان عليه الحد. أصله إذا وطئ أجنبية بغير شبهة. 28546 - وقولهم (محرم بدواعيه): احتراز عن وطء المظاهر والصائم. (غير مختلف فيه): احتراز من العقود المختلف في جوازها. (لم تصادف شبهة الملك) احتراز من الجارية إذا كانت ذات محرم من مولاها على أحد القولين. (فإذا كان الواطئ ممن يحد بالزنى): احتراز من الحربي. (مع العلم بالتحريم): احتراز بمن وجد امرأة على فراشه ومن المجوسي. 28547 - قلنا: قولكم لم يصادف شبهة الملك ليس بصحيح. لأن شبهة الملك [وشبهة النكاح يستويان في إسقاط الحد. وقد وجدت شبهة النكاح في مسألتنا كما وجدت شبهة الملك] في أخته من الرضاع. ويبطل بنكاح المتعة والمجوسية. 28548 - فإن قالوا: إنه مختلف فيه. 28549 - قلنا: إذا طلقها ثلاثا ثم تزوجها فوطئها وجب الحد. ويبطل بالمجوسي إذا تزوج أخته ثم وطئها لا يجب عليه الحد مع وجود أوصافهم. 28550 - وقولهم: إنه غير عالم بالتحريم: لا يصح. لأن الحجة قامت على الكفار يرجون على الإسلام وأتباع شرائعه وأتباع شرائعه فجهلهم كجهل المسلم عموم الزنى.

والمعنى في وطء الأجنبية أنه وطء عري. عن عقد وملك وشبهة. وفي مسألتنا وطء تقدمه عقد لو كان صحيحًا أباحه، فإذا كان فاسدًا كان شبهة كوطء المجوس. 28551 - قالوا: عقد النكاح على من لا يستبيحه أحد فصار كما لو عقد على غلام. 28552 - قلنا: وطء الغلام لا يبيحه هذا العقد ولا نظيره فوجوده وعدمه سواء كعقد البيع على الحر. 28553 - وفي مسألتنا: المعقود عليه يستباح بالعقد الصحيح والفاسد. كما أن شراء المملوكة إذا كانت أجنبية أباح وطئها. فإذا كانت ممن لا يستباح بالشراء؛ صار الملك شبهة. 28554 - قالوا: الشبهة ما كانت في الموطوءة كالمملوكة التي يملك بدل بضعها أو بضعه أو في الواطئ؛ مثل أن يظنها حلالاً، ومثل أن يجدها على فراشه أو في الفعل مثل أن يختلف الفقهاء في الإباحة. وفي مسألتنا لا يملك الموطوءة، ولا له شبهة ملك وهو عالم بالتحريم والتحريم مجمع عليه [فلم توجد شبهة في الفاعل ولا في المفعول ولا في الفعل. 28555 - قلنا: إذا وطئ الحائض وهو عالم بالتحريم، والتحريم مجمع عليه]، وعقد النكاح لا يتناول هذا [العقد فلا تحل به]. ثم كان للعقد شبهة في سقوط الحد فيه كذلك في مسألتنا. 28556 - فإن قالوا: العقد على الحائض مبيح للوطء في الجملة. 28557 - قلنا: ما لم يتناوله العقد بالإباحة فهو كالمستوفي بعقد في أنه شبهة. وقد قال الشافعي: إنه لو وجد أمه أو بنته نائمة في داره فظنها زوجته فوطئها فلا حد عليه، والظن الذي لا يبيح أدون من العقد الذي [لا يبيح]. فإن فرقوا بينهما بالعلم والجهل بطل بوطء الجارية المشتركة، ووطء الأب جارية الابن مع العلم بالتحريم. * * *

مسألة 1416 استئجار المرأة للزنى

مسألة 1416 استئجار المرأة للزنى 28558 - [قال أصحابنا] إذا استأجر امرأة ليطأها أو ليزني بها فلا حد عليه. 28559 - وقال الشافعي: عليه الحد. 28560 - لنا: ما روي أن امرأة استسقت راعيا. فأبى أن يسقيها إلا أن تمكنه من نفسها ففعلت. فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب. فدرأ عنها الحد. ولأنه عقد على بضعها عقدًا مقتضاه التمليك. فصار شبهة في الحد كما لو تزوجها شهرًا. ولأنه عقد يقتضي تمليك؛ منفعة البضع ملكًا مؤقتًا كالمتعة. 28561 - فإن قيل: المعنى في هذه العقود أنها لم تعقد على الزنى. 28562 - قلنا: وكذلك الإجازة لا تعقد على الزنى. فذكر الزنى فيها لا يوجب أن يكون زنى. كما لو تزوج امرأة على أن يزني بها لم يجب عليه الحد. وإن شرط في العقد الزنى. 28563 - احتجوا: بأنه وطء مجمع على تحريمه لا يصادف ملكًا ولا شبهة ملك. والواطئ [عالم فيجب] عليه الحد فصار كالزنى. 28564 - قلنا: لا نسلم أنه مجمع على تحريمه. لأن من أصحابنا من قال: إن

النكاح [منعقد بلفظ الإجازة فمن قال بهذا] النكاح مباح إذا أطلقه في وقته فسد [بالتوقيت وقد تكلمنا على هذه العلة. 28565 - قالوا]: عقد الإجازة لا يبيح الوطء بحال [فلا يكون شبهة، ولأن الإجارة الصحيحة] إذا وقعت على الحرمة لم تسقط الحد والفاسدة أولى. 28566 - قلنا: الإحلال لا يبيح الوطء فلا تكون شبهة. والإجازة الفاسدة انعقدت على البضع فهي كالمتعة. 28567 - وقولهم: إن الإجازة لا تبيح الوطء لا نسلمه. لأنه حكى عن أبي الحسن أنه قال: ينعقد النكاح بلفظ الإجازة. 28568 - قالوا: الزنى لا يكون إلا بعوض فلا يتعلق به حد أبدًا. 28569 - قلنا: الزنى يكون [بعوض] لكنه لا يذكر لفظ الإجازة في العادة. ولا يذكر الإيجاب والقبول في الوطء بعوض. فلا يؤدي ما يقوله إلى إسقاط حد الزنى. * * *

مسألة 1417 [حكم اللواط]

مسألة 1417 [حكم اللواط] 28570 - قال أبو حنيفة: اللواط لا يجب فيه الحد. 28571 - وللشافعي فيه قولان: أحدهما: يقتل بكرًا كان أو ثيبا. 28572 - والقول الآخر: أنه كالزنى يجلد إن كان بكرًا، ويرجم إن كان ثيبًا والكلام في هذه المسألة في فصول أولها: في تفسير المسألة. وثانيها: في أن هذا الوطء لا يسمى زنى. والثالث: في أن البكر لا يقتل. 28573 - فأما الدليل في تفسير المسألة: فقوله تعالى: {واللذان يأتيانها منكم فآذوهما}. فأوجب على الرجلين الفاعلين الفاحشة الأذى وهذا ينفي وجوب الحد. 28574 - فإن قيل: الآية منسوخة بحديث عبادة 28575 - قلنا: النسخ رواه الحسن عن حطان بن عبد الله الرقاشي عن عبادة ونسخ القرآن لا يثبت بخبر الواحد. 28576 - ولأن الله تعالى قال: {والآتي يأتين الفاحشة} ثم قال {أو

يجعل الله لهن سبيلاً} ولم يذكر ذلك في قوله تعالى {والذان يأتيانها منكم} فلم ينصرف إليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: (خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا). ويدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان. وزنى بعد إحصان. وقتل نفس بغير نفس). وهذا ينفي القتل بوجه رابع. 28577 - فإن قيل: هذا زنى. 28578 - قلنا: قد اختلف في كونه زنى. فلم يجز أن نوجب الحد بالشك. ولا يدخل في الظاهر بالتجويز لأنه وطء لا يستباح بعقد فلم يجب به حد كوطء الزوجة في الموضع المكروه. 28579 - فإن قيل: المعنى في الأصل أنه مختلف في إباحته. وهذا وطء متفق على تحريمه. 28580 - قلنا: الاختلاف في الإباحة لا يسقط الحد عندهم. بدلالة شرب النبيذ. وعلة الفرع تبطل بوطء الحائض والجارية المشتركة وجارية الابن. ولأنه وطء لا يؤدي إلى اختلاط النسب كما لو وطئ فيما دون الفرج. 28581 - [فإن قيل: الوطء فيما دون الفرج] لا يتعلق به حد في الأجنبية، وإن وجب الحد بوطئها في الفرج كذلك في مسألتنا لا يساغ الحد في الوطء فيما دون الفرج. لا يدل على سقوطه في السبيل. 28582 - قلنا: هذا هو الصحيح لعلتنا. لأن وطء الأجنبية في الفرج يؤدي إلى اختلاط النسب فجاز أن يجب به الحد. ووطئها فيما دون الفرج لا يؤدي إلى هذا فلم يتعلق به حد. ووطء الرجل في السبيل وفيما دونه لا يؤدي إلى اختلاط النسب فاستويا في سقوط الحد ولأنه وطء لا يتعلق به وجوب مال بحال كما لو وطء فيما دون الفرج. ولأن حد الزنا يختص بالوطء. والأحكام المختصة بالوطء لا تتعلق بهذا الوطء أصله الإحصان، والإباحة للزوج الأول، ولأن عقد النكاح لا يبيح هذا الوطء من الزوجة، وما لا يملك بالنكاح فاستيفاؤه من الزوجة كاستيفائه من الأجنبية [بدلالة قطع

يدها فلما يجب الحد إذا استوى هذا الوطء من الزوجة كذلك الأجنبية]. 28583 - فإن قيل: يبطل بوطء الحائض. فإن النكاح ما أباحه، واستيفاؤه من الزوجة لا يوجب الحد. 28584 - قلنا: النكاح يملك به وطء الزوجة الحلال والحرام. إذا وطئها في حال الحيض حلت للزوج الأول واستقر المهر عند مخالفنا. 28585 - وأما الدليل على أنه لا يسمى زنى: فلأن أهل اللغة أفردوه باسم، وسموا الوطء في الفرج زنى. والطريق في تمييز الأسماء هذا الطريق. فإنه يطول عليهم أن يقولوا: هذا لا يسمى كذا ولا كذا. فكل مفرد باسم لا يتناوله باسم غيره إلا أن يدل على ذلك دليل. لأنه وجد في زوجته لم يسم زنى مع تحريمه وقبحه. ولأنه لم يحلل بالنكاح. فلو سمي زنى في غير الزوجة [كان زنى فيها لوجود] التحريم وعدم الملك فيه. 28586 - فإن قيل: إن الله تعالى سماه فاحشة، والفاحشة الزنى. 28587 - قلنا: الفاحشة اسم لكل كبيرة. فكل زنى فاحشة، وليس كل فاحشة زنى. قوله تعالى: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن} وقال: {قل إنما حرم ربى الفواحش ما ظهر منا وما بطن}. 28588 - وإذا ثبت أنه ليس بزنى، والله تعالى أوجب الحد في الزنى فلم يجز أن يلحق به إيجاب ذلك الحد [في غير نوعه] ولأنه وطء ليس بزنى كالوطء فيما دون الفرج. 28589 - والدليل على أن البكر لا يقتل: أنه إذا وطئ في الفرج لم يجب عليه القتل. فإذا وطئ في السبيل الآخر لم يجب عليه القتل كالمكره. ولأن الزنى متفق على وجوب الحد فيه [وهذا مختلف في حكمه] فإذا لم يسووا الزنى البكر والثيب فهذا أولى. 28590 - ولأنه واطئ لم يتقدم وطؤه بنكاح فلا يجب عليه القتل كالزاني. 28591 - فإن قيل: الوطء في الفرج يستباح بحال يخف حكمه، وهذا لا يستباح بحال فيغلظ حكمه.

28592 - قلنا: وطء المرأة فيما دون الفرج محال، ووطء الرجل فيما دون الفرج لا يستباح. وقد تساويا في وجوب التعزيز فيهما. ووطء الأم لا يستباح بحال. وقد ساوى وطء الأجنبية في وجوب الحد فيهما على وجه واحد. 28593 - احتجوا: بقوله تعالى: {والآتي يأتين الفاحشة من نسائكم} يعنى الزنى. ثم قال: {أتأتون الفاحشة}. فسمى هذا فاحشة فدخل في الآية. وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: (قد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام). 28594 - قلنا: أما الآية فقد بينا أنها حجة لنا، وأن نسخها بخبر الواحد لا يجوز، وبينا أن الفاحشة اسم لكل كبيرة. فإذا سمى الله تعالى هذا [الفعل] فاحشة لم يجب أن يكون زنى. 28595 - قالوا: روى أبو موسى الأشعري أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان). 28596 - قلنا: هذا خبر لا يعرف ولا وجدناه في كتاب يرجع إلى مثله، ولا عرف إسناده فنتكلم عليه. 28597 - ولو ثبت لم يدل لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يعلمنا الأسماء اللغوية وإنما يعلمنا الأسماء الشرعية والأحكام. ولم يقل أحد: إن هذا اسم منقول فلم يبق إلا أن يكون معناه فحكمهما حكم الزانيين. واحتمل وجوب الحد واحتمل في باب الإثم، وليس أحد الأمرين أولى من الآخر، ولا يجوز حمله عليهما لأن العموم يعتبر في الألفاظ دون المعاني. يبين ذلك أنهم رووا في هذا الخبر: (إذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان) وقد أجمعنا على أنه لم يرد بذلك أن حكمهما حكم الزانيين في باب الحد. 28598 - قالوا: فرج يجب بالإيلاج فيه الغسل من غير إنزال فصار كفرج المرأة. 28599 - قلنا: يجب الغسل للاحتياط، والحد يسقط بالاحتياط فلم يجز أن

يستدل بوجوب الغسل على وجوب الحد. والمعنى في الفرج أن المال يجب بالوطء فيه. فإذا لم يجب جاز أن يجب الحد. وهذا السبيل لا يجب المال بالوطء فيه. فلم يجز إيجاب الحد. 28600 - فإن قيل: المال والحد عندكم يتنافيان ولا يجتمعان. فكيف نستدل بأحدهما على الآخر. 28601 - قلنا: يتنافيان إلا أنهما يتعاقبان ويخلف أحدهما الآخر [ولا يجوز] أن يثبت فيه أحدهما، ولا يجوز أن يثبت للآخر. 28602 - احتجوا في وجوب القتل بكل حال: بما روى عبد الله بن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. أنه قال: (لعن الله من عمل عمل قوم لوط. فاقتلوا الفاعل والمفعول به). قالوا: روى أبو هريرة أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (ارجموا الأعلى والأسفل). 28603 - قلنا: حديث ابن عباس هو المعروف في هذا الباب، وهو خبر واحد مداره على عمرو عن عكرمة. وحديث أبي هريرة رواه عاصم عن عمرو عن سهيل بن أبي صالح. قال الطحاوى: وكل واحد منهما لا تقوم بروايته حجة عند أهل الحديث وهذا الحكم لا يثبت بخبر الواحد القوي فكيف بالضعيف، فيمن ضعفه أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لما تكلموا في هذا اختلفوا في عقوبته، وقال كل واحد منهم غير

ما قال الآخر، وهي قصة مشهورة، فلم يرو واحد منهم شيئًا في ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو كان صحيحًا لروى عند الحاجة إليه. ولو ثبت لم يدل. لأن الذي يعمل عمل قوم لوط هو المستحيل لهذا الفعل، ومن فعل ذلك مستحلا ارتد، ووجب قتله بالردة تارة رجما، وتارة غير رجم. كما يجوز أن يمثل بالمرتد. وعلى هذا الخبر لا يعارض به قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث) لأنه خبر مشهور متفق على استعماله والرجوع إليه. وهذا الخبر يقتضي إثبات القتل بمعنى تابع لأن على هذه الطريقة لا يجعلونه زنى، وإنما يوجبون فيه حد الزنى، وكذا بين البكر والثيب. والخبر الظاهر المتفق عليه لا يجوز معارضته إلا بمثله. 28604 - قالوا: روي عن أبي بكر وعلي وابن عباس وابن الزبير. وخالد بن الوليد أن اللوطي يقتل. واختلفوا في كيفية القتل. قال علي: يحرق أو يرجم وقال ابن عباس: يرجم. وقال علي: يرمى من شاهق. 28605 - قلنا: هذا الاختلاف يدل على أنهم لم يعرفوا من النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئًا. على ما روي في خبر يحتمل أن يكون من فعل ذلك مستحلا فلهذا مثلوا به. والمثلة إنما [تكون في المرتدين]. 28606 - قالوا: هذا الفعل أغلظ من الزنى. لأنه لم يبح ذلك [فلذلك يغلظ] حكمه بقتل فاعله بكل حال. 28607 - قلنا: الزنى لم يبح بحال، وإنما أبيح مثله إذا وقع في نكاح أو ملك يمين. فقد تساوى الزنا واللواط. ولأن هذا الفعل [لم يبح من الزوجة] بحال، ولا يجب به الحد. ولأن وطء ذات المحارم لم يبح في الجملة. وهذا الوطء لا تدخله إباحة بحال.

28608 - قلنا: [العبرة هي] الحظر في حق الفاعل أو الإباحة فأما في حق غيره فلا معنى لاعتباره. * * *

مسألة 1418 [إتيان البهائم]

مسألة 1418 [إتيان البهائم] 28609 - قال أصحابنا: إذا وطء بهيمة عزر [ولم يحد]. 28610 - [وقال الشافعي]: في أحد قوليه: يحد وقال في القول الآخر: يقتل بكل حال. ومن أصحابه من قال: [فيها] قول ثالث. أنه يعذر ولا يحد. 28611 - لنا: أنه فعل لا يسمى زنا. فلا يجب به حد الزنى كالوطء فيما دون الفرج نقصد ما لا يقصد وطء البهائم. فلهذا لم يجب الحد بذلك فهذا أولى. ولأنه وطء لا يجب به مال بحال كالوطء فيما دون الفرج. 28612 - احتجوا: بحديث ابن عباس أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (ومن أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه). 28613 - قلنا: رواه عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة، وليس يثبت عند أصحاب الحديث. قال أبو داود: [رواه عاصم عن أبي رزين. عن ابن عباس قال: ليس على الذي يأتي البهيمة حد]. حديث عاصم يضعف عمرو بن أبي عمرو عن ابن عباس. لأن ابن عباس لا يجوز أن يسمع من النبي شيئًا فيخالفه. ويجوز أن يكون - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك في المستحل. وأجاب ابن عباس في غير المستحل.

28614 - قالوا: فرج حيوان جاز أن يجب [بالإيلاج فيه] الحد أصله: فرج المرأة. 28615 - قلنا: المعنى فيه أنه يجوز أن يجب به المهر، ويثبت به الإحصان، وفي مسألتنا بخلافه. * * *

مسألة 1419 [اختلاف مجالس الشهادة في الزنى]

مسألة 1419 [اختلاف مجالس الشهادة في الزنى] 28616 - قال أصحابنا: إذا شهدوا بالزنى في مجالس مختلفة لم تقبل شهادتهم إلا أن يجتمعوا في مجلس واحد. 28617 - وقال الشافعي: تقبل شهادتهم. 28618 - لنا: قوله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء}. الآية: ومن قذف وجاء بأقل من أربعة فلم يأت بالشهداء فيجب عليه الحد بظاهر الآية. 28619 - فإن قيل: الآية تقتضي أنه جاء بأربعة متفرقين لم يحد. 28620 - قلنا: هذا دليل الخطاب ونحن [لا نقول بموجبه] فلا يلزمنا. ولأن الزنى اختص من بين نوعه بشهادة فوجب أن يكون اجتماع الشهود في مجلس واحد معتبرًا كالنكاح ولأن النكاح والسفاح كل واحد منهما متعلق بالبضع وباستيفاء منافعه وإذا [كان شرط] الشهادة في أحدهما الاجتماع كذلك الآخر ولأن ما اعتبر فيه عدد يزيد على ثلاثة في الشرع اعتبر اجتماعهم كالعدد في الجمعة. ولأن اجتماع الشهود في مجلس واحد لو لم يعتبر لم يشرط زيادة العدد كسائر المتفرق. ولأن ما اعتبر فيه اجتماع الأقوال ضربان: عقود وشهادة. فإذا اختلف في العقود الاجتماع والافتراق؛ جاز أن يفترق في الآخر. 28621 - احتجوا: [بأن كل] ثلاثة يجوز قبولها [إذا اجتمعت في مجلس واحد يجوز قبولها] إذا افترقت في مجالس كسائر الشهادات.

28622 - قلنا: سائر الشهادات لا يلزم الشاهد حق بشهادته فاستوى في شهادته الاجتماع والافتراق. وفي مسألتنا يجب على الشاهد حكم الشهادة إذا نقص العدد، فإذا لزمه ذلك الحكم خرج من أن يكون شاهدًا فلم يعتد بشهادته مع الباقين. ولأن سائر الحقوق لم تختص بزيادة العدد فلم يتعين فيها الاجتماع. 28623 - قالوا: كل حق ثبت بشهادة الشهود إذا اجتمعوا في مجلس يثبت بشهادتهم وإن تفرقوا كالقصاص وسائر الحقوق. 28624 - قلنا: القصاص وسائر الحقوق لا تلزم الشهود بشهادتهم حق، وفي مسألتنا بخلافه، أو نقول إن الشهادة في سائر الحقوق لم تتأكد بالعدد فلم تتأكد بالاجتماع. 28625 - قالوا: تفرق الشهود آكد. لأنه لا يتلقن بعضهم من بعض، ولهذا إذا اتهمهم الحاكم فرقهم. فإذا قبلت الشهادة مع الاجتماع فلأن تقبل حال الافتراق أولى. 28626 - قلنا: لو كان التفرق أولى لشرط في الشهادة. لأن الزنى يؤكد بما لا يؤكد به غيره من الحقوق احتياطا في ثبوته. 28627 - ولأنه يجوز أن يسمع الشهادة مع اجتماع الشهود في مجلس واحد، [ولا يسمع كل واحد منهم قول الآخر فلا يتلقن. 28628 - ولأن اجتماع الشهود في مجلس واحد] أجود للشهود. لأنهم إذا تفرقوا جاز [أن يتأخر الباقون] عن الشهادة فيجب على الأولين الحد. 28629 - قالوا: عندكم أن الإقرار بالزنى يتعين فيه العدد، وتقولون إنه يجب أن يكون في مجالس مختلفة، ويعتبر في الشهادة العدد، ويجب أن تكون الشهادة في مجلس واحد. 28630 - قلنا: لأن التكرار اعتبر في الإقرار لجواز أن يرجع وينكر فينصرف عن الإمام، فاعتبر تفرق الإقرار.

28631 - لأنه أقرب إلى المعنى المقصود، فأما الشهادة فإذا انفرد الشاهد وجب عليه الحد، فيعتبر اجتماع الشهود حتى لا يمتنع الباقون. فإذا انفرد الشاهد وجب عليه الحد. 28632 - قالوا: لو حضروا وقام إلى الحاكم واحد [بعد واحد] قبلت شهادتهم وهذا تفريق. 28633 - قلنا: لو قاموا دفعة واحدة لم يفهم القاضي منهم فيبطل. المقصود بالشهادة فلذلك لا يعتد بذلك التفريق. * * *

مسألة 1420 [إذا شهد الشهود بحد متقادم]

مسألة 1420 [إذا شهد الشهود بحد متقادم] 28634 - قال أصحابنا: إذا شهد الشهود بالزنى أو بشرب الخمر أو بالسرقة بعد حين من غير غدر في التأخير لم تقبل شهادتهم. 28635 - وقال الشافعي [رحمة الله]: تقبل. 28636 - لنا: ما روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: (أما شهود شهدوا [بحد ولم يشهدوا] عند حضرته فهم شهود ضغن لا تقبل شهادتهم) فإن كان هذا اشتهر فلم يخالفه غيره فهو إجماع. وإن لم يشتهر فهو قول صحابي لم يخالف غيره فهو أولى من القياس، أو نقول: إنه قول يخالف القياس فيحمل على أنه قاله توفيقا. 28637 - فإن قيل: رواه الحسن عن عمر ولم يلقه. 28638 - قلنا: مراسيل الحسن أولى من مسانيد غيره. وعندنا المرسل والمتصل سواء. 28639 - فإن قيل: قوله (لا تقبل شهادتهم) زيادة من الحسن. 28640 - قلنا: زيادة الثقة كقوله. 28641 - فإن قيل: الحكم بالضغن. وعندكم العداوة لا تمنع الشهادة. 28642 - قلنا: مخالفنا في العلة لا يمنع أن يوافق في الحكم. كما أن الأمة اتفقت على تحريم التفاضل في الأشياء الستة مع اختلافهم في علته. على أن قوله: (وإنما هم شهود ضغن) معناه: أن الضغن حملهم على الشهادة، وعندنا أن العدد الذي

يشهد بعداوته لا تقبل شهادته. 28643 - فإن قيل: معناه لم يشهدوا عند حضرته. أي لم يشهدوا سبب الحد، وإنما شهدوا على شهادة غيرهم. 28644 - قلنا: لا يكونون شهود ضغن فيبطل التعليل. ولأن الشاهد مخير بين الستر على المشهود عليه. وبين إقامة الشهادة. فإذا أمسك عن [الشهادة وهو] الخصم فالظاهر أنه اختار الستر الذي هو الأولى عنده. فإذا شهد فالظاهر أنه لم يترك الأولى إلا لأمر حمله على ذلك فاتهم في شهادته. وصار ذلك شبهة فيها ولا يلزم حد القذف لأن الشاهد ليس بخصم فيه [وإن لم] يشهد عند مطالبة المقذوف. فتأخيره لترك المطالبة. ولا يلزم إذا كان الشهود لا يصلون إلى الحاكم لبعدهم عنه أو لمرضه. لأنهم لم يختاروا الستر وإنما توقفوا حتى [قدروا على] أداء الشهادة. 28645 - [فإن قيل: يجوز أن يكونوا أخروا النظر في الحال. هل الأولى الستر أو الشهادة،] وكانوا في مهلة النظر. فإن الشهادة أقطع لمادة الفساد أو يكونوا تشاغلوا بأمر من مصالحهم فلما فرغوا منه أقاموا الشهادة. 28646 - قلنا: ويحتمل ما قلنا أيضًا. والاحتمال شبهة. على أنا نرجع في الاحتمال إلى رأي الإمام ويعتبر التأخير من غير عذر. ومدة الأمهال معلومة ولم يعتد بها. والشغل المانع إذا ظهر للإمام لم تبطل [به الشهادة]. 28647 - ولأن الشهود لما كانوا هم الخصوم كانوا مخيرين في إقامة الشهادة أو الستر. فإن اختاروا إقامة الشهادة فقد طولبوا من جهة الله تعالى بأدائها. فإذا أخروا صاروا كما لو طالبهم المدعي بإقامة الشهادة من غير عذر قدح ذلك في شهادتهم [لأنها شهادة بالزنى] تأخر أداؤها عن الوقت الذي يمكن [أداؤها فيه من غير عذر لم تقبل كشهود الزنى]. ولأنهم لما أخروا الشهادة من غير عذر فالظاهر أنهم لم يختاروا

تحمل الشهادة فكل تحمل لم يكن شهادة لا يتعلق بأدائه حكم، أصله إذا شهدوا من وراء حجاب. ولأن العبادات على ضربين: أقوال وأفعال. ثم كان في الأفعال ما يسقط بالتأخير كالجمعة والأضحية جاز أن يكون من الأقوال ما يسقط بالتأخير. ولأن ما يعتبر فيه الاشتراك في الأقوال ويؤثر في الشهادة وليس هناك موضع يؤثر التأخير في الشهادة إلا الحدود. 28648 - احتجوا بقوله تعالى: {لولا جاءو عليه بأربعة شهداء} وبقوله {الذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء} ولم يفصل بين التقديم والتأخير. 28649 - قلنا: لا دلالة في الآية. لأن عندنا من قذف بزنى متقادم فأقام البينة قبلت في إسقاط الحد عنه. ولا يحد المقذوف. وليس تمنع الآية أكثر من قبول الشهادة لإسقاط الحد عن القاذف. 28650 - فإن احتجوا: بقوله تعالى: {والآتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم}. 28651 - قلنا: الفاء للتعقيب، فاقتضت الآية إقامة الشهادة عقيب إتيان الفاحشة. 28652 - قالوا: كل شهادة قبلت مع تقارب الزمان. قبلت مع تباعد الزمان أصله الشهادة بالقصاص. 28653 - قلنا: الشهادة بالقصاص الخصم فيها المدعي فلا يجوز أن يشهد قبل دعواه فلا تلحقهم تهمة بالتأخير. والزنى هم الخصوم فيه؛ لأنه لا يقف فإذا أخروا الإقامة من غير عذر كان شبهة. وصار وزان مسألتنا من القصاص أن يطالبهم الولي بإقامة الشهادة [فتأخروا عنها] من غير عذر فلا تقبل شهادتهم. 28654 - فإن قيل: علة الأصل تبطل بالشهادة بالسرقة؛ لأن الاختيار يقدح فيها فإن كانت لا تقبل إلا بحضور المدعي للمال. 28655 - قلنا: شهود الزنى هم الخصوم، [وفي القطع المسروق] منه خصم في المال. ولهذا يلزمهم أن يشهدوا عليه بالسرقة وإن لم يحضر المسروق منه. فتصير

مطالبته شرطًا في قبول الشهادة. 28656 - قالوا: شهادة يثبت بها الحد فلا يؤثر فيها التأخير كالإقرار. 28657 - قلنا: المقر على نفسه فيما يقر به، فتأخيره للإقرار [لم يلحق منه في حق غيره] وأما الشهود فيلحقهم منه في حق غيرهم. فإذا أخروا ما لزمهم إظهاره مع الإمكان كان ذلك شبهة. * * *

مسألة 1421 [الشهود في الزنى لا يتمون أربعة]

مسألة 1421 [الشهود في الزنى لا يتمون أربعة] 28658 - قال أصحابنا: إذا شهد بالزنى ثلاثة ولم يشهد رابع حدوا. وهو أحد قولي الشافعي. 28659 - وقال في قول آخر: لا يجب عليهم الحد. 28660 - لنا: ما روي أن [أنا بكرة]. ونافعا وشبل بن معبد شهدوا على المغيرة بالزنى. وتوقف زياد عن الشهادة فجلد عمر الثلاثة بحضرة الصحابة من غير خلاف. وهي قصة اشتهرت. لأن المغيرة كان [أميرا بالبصرة] فمنع من الصلاة بها. وحمل إلى المدينة، وهذا لا يخفى على أحد في العصر.

28661 - وذكر الطحاوي عن أبي الطفيل قال: أقبل رهط معهم امرأة حتى نزلوا فتفرقوا في حوائجهم وتخلف رجل مع المرأة [ثم رجعوا] وهي بين رجليه. 28662 - فشهدوا عليه أنهم رأوه يهت فها كما يهت المرود في المكحلة. وقال الآخر: أعمى سمعي وبصري لم أره يهت فيها. منحنية: يعني خصيتيه تضربان استها، ورجليها مثل أذني الحمار، وعلى مكة يومئذ نافع بن الحارث الخزاعى. فكتب إلى عمر. فكتب عمر أن يشهد الرابع بمثل ما شهد الثلاثة فشأنهما فاجلدوهما، وإن كانا أحصنا فارجمهما، وإن لم يشهد إلا بما كتبت به إلى فاجلد الثلاثة، وخل سبيل الرجل والمرأة. 28663 - وروي أن ثلاثة شهدوا على رجل بالزنى، ثم قال الرابع: رأيتهما في ثوب واحد. فإن كان هذا زنى فهو ذاك. فحد علي بن أبي طالب الثلاثة وعزر الرجل والمرأة. 28664 - وروى جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن أبي طالب أنه قال: (ما أحب أن أكون أول الأربعة). 28665 - فإن قيل: أبو بكرة مخالف لأن الواحد إذا خالف الجماعة فلم يشرعوا له الخلاف سقط خلافه. وإقامتهم عليه الحد يمنع الاعتداد بخلافه. على أنه لا دليل في ترك التوبة على اعتقاده أنه لا حد عليه. وذلك لأنه إذا صار صادقا في شهادته فليس بفاسق لا يلزمه الحد. وإن قصدنا نحن بحده وبقسمه. ولأن الشهادة دون

العدد بشرط مقصود فصار كما لو تركوا لفظ الشهادة. 28666 - ولأن عددهم نقص عن أربعة بدلالة أنه لا يستحق بقولهم حقًا. فإذا وجب على المشهود له وهو القاذف الحد مع وجود شهادتهم كذلك يجب عليهم. ولأن حد القذف وضع صيانة للأعراض فلو كان الشهود إذا نقص عددهم لم يحدوا لكان كل من أراد القذف يأتي به بلفظ الشهادة عند الحاكم فيلحق بغيره وهذا لا يصح. 28667 - احتجوا: بقوله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم}. والثلاثة يتخلصون بشهادة رابع فلا يجب عليه الحد. 28668 - قلنا إذا نقص العدد وقد رموا المشهود عليه فظاهر الآية يقتضي أنهم لا يتخلصون إلا بشهادة رابعة. وكذلك نقول: إنهم يحدون إلا أن يشهد بالزنا أربعة غيرهم. 28669 - قالوا: العدد شرط في قبول هذه الشهادة والحكم بها، فإذا نقص لم نوجب حد القذف أصله إذا كانوا فساقًا. 28670 - قلنا: الفساق لم ترد شهادتهم لمعنى مقطوع به، وإنما هو مظنون. 28671 - وفي مسألتنا ردت الشهادة لفقد شرط مقطوع به. غير ذلك أن شهادة الفساق يجوز أن يبطل بها [إحصان المشهود عليه] وإذا غلب في ظن القاضي عدالتهم. وشهادة الثلاثة لا يجوز أن تبطل شهادتهم الإحصان بوجه فلذلك وجب الحد عليهم. 28672 - قالوا: نقصان العدد معنى لا يمكن للشهود الاحتراز عنه فوجب أن لا يوجب الحد أصله إذا رجع أحدهم عن الشهادة بعد إقامة الحد. 28673 - قلنا: إذا شرط الحد بالشهادة فقد تمت. فلا يجوز أن يخرج من أن تكون شهادة بقول الراجع. وفي مسألتنا لم تتم الشهادة. فإذا وقف الحكم لمعنى مقطوع صارت قذفًا. 28674 - قالوا: شهادة بما يوجب الحد على المشهود عليه فلا يوجب الحد على الشاهد كما لو شهدوا بشرب الخمر.

28675 - قلنا: رمي الإنسان بالشرب لا يوجب الحد فإذا بطلت الشهادة [صارت في حكم القذف. فوجب التعذير. 28676 - وفي مسألتنا الرمي بالزنى يوجب الحد. فإذا بطلت] بمعنى محكوم به صار الشاهد في حكم القاذف فيجب الحد عليه. 28677 - قالوا: الشهادة معنى مأذون فيه على وجه لا يجوز الحكم فيه فإذا غلب [على ظن] الشاهد أن الباقين يشهدون معه، جاز أن يشهد. وإن غلب على ظنه أن بعضهم لا يشهد لم يحل له أن يشهد. فإذا شهد وقد غلب على ظنه أن الباقين يشهدون فتوقفوا وجب عليه الحد. وإن كان غير مستحق فيما بينه وبين الله تعالى العقوبة. كما أن من قتل غيره على وجه الدفع فقد فعل ما وجب عليه، ومع ذلك يقتص منه إذا لم يثبت أن المقتول قصده ليقتله. 28678 - قالوا: نقصان عدد الشهود لا يوجب الحد على الشاهد أصله إذا شهد اثنان أنه زنى بها بالبصرة، واثنان أنه زنى بالكوفة. 28679 - قلنا: هاهنا لم ينتقص عدد الشهود، وإنما اختلفوا فصار الاختلاف شبهة في سقوط الحد عن المشهود عليه، فلم يجب أن يوجب الحد على [الشهود. 28680 - ولأن شهادة] الأربعة يجوز أن يبطل بها الإحصان من وجوب الحد على القاذف. 28681 - قالوا: هذا يؤدي إلى أن لا تقام شهادة في حد الزنى. 28682 - قلنا: الله تعالى علق الحد بمعنى يتعذر وجوده وهو اجتماع أربعة يرى كل واحد منهم الذكر في الفرج، فدل على أن مراده أن لا تقوم هذه الشهادة فلا [يمتنع أن يجب] الحد على الشهود ليصير ذلك طريقًا إلى التوقف عن الشهادة، وتنفي من الوصول إليها.

مسألة 1422 [رجوع أحد الشهود الزنى بعد تمام الشهادة]

مسألة 1422 [رجوع أحد الشهود الزنى بعد تمام الشهادة] 28683 - قال أصحابنا: إذا شهد أربعة بالزنى، وحكم الحاكم بشهادتهم ثم رجع قبل استيفاء الحد أو بعده حد الرابع. وأما الثلاثة فإن كان الحد لم يستوف حدوا عند أبي حنيفة وأبي يوسف وإن كان استوفى لم يحدوا. 28684 - وقال الشافعي: لا حد على الثلاثة في الوجهين. وهل يحد الرابع؟ فيه قولان. وأما الرابع فلا شبهة فيه. لأنه اعترف بالقذف والكذب فيما قذف. فوجب عليه الحد باعترافه. وأما الثلاثة: فقد دللنا على أنهم لو شهدوا ابتداء وجب عليهم الحد والرجوع عن الشهادة قبل استيفاء الحد كالرجوع قبل الحكم. ألا

ترى أنه لا يستوفي فكأنه لم يشهد إلا ثلاثة فيحدون. 28685 - احتجوا: بأن الشهادة قد تمت من جهة الشهود. فإذا رجع أحدهم اختص الحد به أصله بعد إقامة الحد. 28686 - قلنا: الرجوع بعد الاستيفاء غير مؤثر في الحكم بدلالة أن الحد وقع موقعه، وقبل الاستيفاء الرجوع أثر في الشهادة والحكم. بدلالة أنه لا يجوز أن يستوفي بهذا الحد فكأن الحاكم لم يحكم. * * *

مسألة 1423 [اختلاف شهود الزنى في المكان]

مسألة 1423 [اختلاف شهود الزنى في المكان] 28687 - قال أبو حنيفة: إذا شهد أربعة على رجل بالزنى في بيت بعينه. فقال اثنان منهم: زنا بها في هذه الزاوية. وقال اثنان في هذه الزاوية الأخرى. قبلت الشهادة ووجب الحد. 28688 - وقال الشافعي: لم يجب الحد على المشهود عليه. 28689 - والمسألة موضوعة على بيت صغير. على أن يبتدأ الفعل في أحد زواياه، ويصير بالحركة إلى الأخرى من غير أن ينزع، أو يكون الواطئ في وسطه تارة يميل بالحركة إلى هذه الزاوية وتارة إلى الأخرى. فعلى هذا لا يتبين اختلاف الشهود وهم أمناء. فمتى أمكن حمل قولهم على الصحة لم يحمل على إفساده. وإذا لم يتبين الاختلاف وجب الحكم بالشهادة. 28690 - فإن قيل: احتمل ما ذكرتم واحتمل غيره. وجب إسقاط الحد لأنه يسقط بالشبهة. 28691 - قلنا: الاختلاف يصير شبهة إذا كان أحد الفعلين غير الآخر. فإذا لم يثبت ذلك لم يجز إسقاطه. والغالب الشهادة بتحرير لا ظاهر له. 28692 - [فإن قيل]: عندكم لا يثبت الحد بالقياس فكيف أثبتموه

بالاستحسان. 28693 - قلنا: الحد عندنا ثابت بالقرآن. والاستحسان في قبول الشهادة ولأنهم اختلفوا في معنى لا تفتقر الشهادة إلى ذكره لا يتبين فيه أن أحد الفعلين غير الآخر. فصار كما لو قال اثنان: كان مفتوح العين. وقال الآخران كان مطبق العين. أو قال اثنان: كان على رأسه منديل. وقال الآخران: كان مكشوف الرأس ولأن كل طائفتين لو اتفقت على مكان واحد من بيت إذا ثبت إذا جاءها في زواياه. جاز أن يثبت بشهادتهم كالثمانية ولأن البينة معنى ثبت به الزنا. فإذا اختلف في زواياه ثبت. جاز أن يثبت بالإقرار. ولأنه اختلاف يجب معه الحد بالإقرار فوجب الحد معه بالشهادة أصله الاختلاف في عدد الإيلاج. 28694 - احتجوا: بأن كل فريق شهد بفعل غير الفعل الذي شهد به الآخر. فصار كما لو شهد اثنان أنه زنا بالليل [وشهد آخران أنه زنا بالنهار]. 28695 - قلنا: لا نسلم أن الشهادة وقعت بفعلين على ما بينا. فأما البينتان فإذا كانتا متقاربتين يجوز أن يقع ابتداء الفعل في إحداهما ويستديمه إلى الأخرى فهو مثل مسألتنا. وإن كان ما بينهما [مسافة فهو] كالبيت الكبير. وعلى هذا الليل والنهار. أن يبين أحد الفريقين آخر النهار والآخر أول الليل فهو كالبيت الواحد. وإن

بين وقتا من الليل لا يمتد الفعل من النهار إليه [فهو في معنى] البيت الكبير [لم تقبل] كما أنهما لو ذكرا زوايا البيت ولم يبينا أنه [صغير ولا كبير]. 28696 - فإن قيل: لو سلمنا أن الفعل في زاوية وآخره في الزاوية الأخرى لم تقبل الشهادة لأنهم شهدوا على فعلين مختلفين. 28697 - قلنا: المعتبر أن يقع نظر الأربعة على الواطئ في حالة واحدة. لأن هذا متعذر في العادة. لأن ذلك لو اعتبر لوجب أن يستفسر الشهود عنه. ولم يعتبر ذلك أحد وقد شهد عندهم بالزنا. فلم نسألهم عن ذلك. ولأن هذا كله فعل واحد. بدلالة إن الواطئ [لو كان] بشبهة لم يجب إلا مهر واحد، ولو كان فعلين وجب على واحد منهما مهر. * * *

مسألة 1424 [من أقر أنه زنى بامرأة معينة فكذبته أيسقط الحد عنه؟]

مسألة 1424 [من أقر أنه زنى بامرأة معينة فكذبته أيسقط الحد عنه؟] 28698 - قال أبو حنيفة: إذا أقر الرجل أنه زنى بامرأة بعينها فكذبته لم يحد. 28699 - وقال الشافعي: يثبت عليه الحد. 28700 - لنا: أنه لا يخلو إما أن نجعله زانيًا بها أو بغيرها أو بامرأة مبهمة، ولا يجوز أن نجعله زانيًا بها. لأنا صدقناها في نفي الزنى، وجعلنا القول قولها. ولا يجوز أن نثبت زناه بغيرها ولا بامرأة غير معينة. لأنه لم يعترف بذلك. فلم يبق إلا أن يسقطه حكم اعترافه فلا يجب عليه حد الزنى. ولأنه إذا أقر بذلك فجحدت وجب عليه حد القذف لها. وحد القذف لا يجب إلا بعد الحكم بكذبه. وحد الزنى يجب عليه الحكم بصدقه في اعترافه. ولا يجوز أن يحكم بصدقه وكذبه. في حال واحدة. فتعذر إقامته، ووجب الحكم بكذبه، وإقامة حد القذف. ولأن الزنى محكوم به من وجه دون وجه. لأنا جعلنا القول قولها. والحكم بالزنى في بعض الوجوه شبهة في سقوط الحد؛ ولأنها موطوءة في زعمه. لا يجب الحد على قاذفها. فلم يجب بذلك الوطء حد على الواطئ كمن وطئ أمته. 28701 - احتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (من أتى شيئًا من هذه القاذورات فليستتر بستر الله عليه فإن أبرز لنا صفحته أقمنا عليه حد الله تعالى). 28702 - قلنا: ذكر حدًا منكرًا، وعندنا يقام على هذا المقر حد القذف إذا طالبت المرأة. 28703 - قالوا: أقر ماعز عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يسأل المرأة، ولو كانت إذا جحدت يسقط الحد عنه سألها. 28704 - قلنا: لأن الشبهة التي يجوز أن تطرأ لا يلزم الإمام انتظارها، وإيقاف

الحد. ألا ترى أن رجوع المقر يسقط الحد [ولا يجوز للقاضي أن يؤخر] إقامة الحد انتظارًا للرجوع. ولأن ماعزًا أقر أنه زنى بأمة فلا يجب حد القذف عليه. وهذا لا يوجد في قصة ماعز. 28705 - قالوا: روى سهل بن سعد الساعدي أن رجلاً أقر عند النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه زنى بامرأة فبعث إليها فجحدت فحد الرجل. 28706 - قلنا: يحتمل أن يكون حده حد القذف. 28707 - قالوا: لم ينقل أنها طالبت بذلك. 28708 - [قلنا: يحتمل أن تكون] طالبت بذلك. ويجوز أن تكون أمة فيجب الحد عليه وإن جحدت على طريق الطحاوي. 28709 - قالوا: جحودها مانع من ثبوت الزنى في حقها فصار كسكوته. 28710 - قلنا: إذا سكتت فلم تنف الفعل مع القدرة على نفيه فجاز أن يجب فيه الحد والجاحدة نافية للفعل فيستحيل أن يحكم بوجوده. 28711 - فإن قيل: إذا أقر أنه زنى بخرساء لا حد عليها ... ولا تقدر أن تعبر عن الجحود. 28712 - قالوا: سقط الحد عنها لمعنى يخصها لا يوجب سقوطه عنه أصله إذا أكرهها. 28713 - وإذا زنى المسلم بحرية قلنا: إذا أكرهها فلم ينف الفعل في حقها، وإنما انتفى الحد وسقط عنها. ليس هو المسقط لحده عنها وإنما المسقط عدم الفعل منها وتصديقها على نفيه وأما المستأمنة فقد وجد الفعل منها، وتعلق به الحد وتعذر الاستيفاء. لأنها في دارنا على حكم دار الحرب.

مسألة 1425 [فيمن يقيم الحد على المملوك]

مسألة 1425 [فيمن يقيم الحد على المملوك] 28714 - قال أصحابنا: لا يملك المولى إقامة الحد على مملوكه، وإنما ذلك إلى الإمام أو إلى من نصبه الإمام. 28715 - وقال الشافعي: للمولى أن يقيم الحد على عبده وأمته إذا كان جلدًا. واختلف أصحابه في القطع في السرقة والقصاص والقتل بالردة. فمنهم من قال: لا يملك. قالوا: والمذهب: أنه يملك. واختلفوا في المرأة فمنهم من قال: تملك إقامة الحد على مملوكها ومنهم من قال: لا تملك المرأة ذلك. ولكنه إلى زوجها. ومنهم من قال: إلى الإمام. واختلفوا في الولي الفاسق. فمنهم من قال: يملك إقامة الحد. ومنهم من قال: لا يملكه. 28716 - وهل يملك سماع البينة في الحد. ويبحث عن عدالة الشهود، فيه وجهان. 28717 - وهل يملك المكاتب إقامة الحد على مملوكه؟ فيه وجهان. 28718 - والدليل على ما قلنا: أن ما جاز للإمام: أن يستوفيه بولاية الإمامة. لا يملك غيره أن يستوفيه إلا بتولية، أصله حد الأحرار. والخراج والجزية لأنها ولاية خاصة فلا يملك بها إقامته الحد كولاية الأب والوصي. ولأن من لا يملك إقامة الحد على الحر لا يملك إقامته على العبد كالصبي والمجنون، أو نقول: من لا يملك إقامة الحد على عبد غيره لا يملك إقامته على عبد نفسه أو من لا يملك إقامة الحد الكامل لا يملك إقامة الحد الناقص. [أو من لا يملك] [إقامة الحد بالبينة لم يملك إقامته على عبده. 28719 - [فإن قيل]: المعنى في الصبي والمجنون أن لا يلي على العبد. فلا يقيم الحد عليه. والبالغ العاقل يلي على عبده، وأكد من ولاية الإمام فلذلك ملك أن يحده.

28720 - قلنا: الصبي وإن كان يملك الولاية والمولى أيضا لا يملك ولاية عليه والحدود أيضا تستوفى بالولاية العامة دون الخاصة. 28721 - ولأن الولي لا يملك الإقرار على عبده بالحد. وما لا يملك المولى الإقرار به عليه فحكمه فيه كحكمه بعد الحرية أصله الطلاق. [ولأن ما لا يملكه المولى الكافر من عبده، لا يملكه المولى المسلم من عبده كالطلاق] وعكسه البيع والعنق. 28722 - فإن زعموا في الوصف. 28723 - قلنا: إقامة الحد عبادة فلا تصح مع الكفر كسائر العبادات. ولأن ما لا يملك تنفيذ الأحكام. لا يملك إقامة الحد كالكافر. 28724 - احتجوا: بما روي أن أمة لآل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زنت. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي: (انطلق فأقم عليها الحد). قال: فانطلقت فإذا بها دم يسيل ينقطع. فأتيته. فقال: (يا على. أفرغت)، فقلت: أتيتها ودمها يسيل فقال: (دعها حتى ينقطع دمها. ثم أقم عليها الحد وأقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم). 28725 - قلنا: هذه تولية من النبي - صلى الله عليه وسلم - للمخاطب. ونحن لا نمنع أن يقيم المولى الحد بإذن السلطان. فمن زعم أن الأمر لجميع الناس مع احتماله له أن يكون خاصًا لمخاطب بعينه احتاج إلى دليل. 28726 - احتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (زنت أمه أحدكم فليحدها. فإن زنت فليبعها ولو بضفير). 28727 - قلنا: هذا أمر ظاهره يقتضي الوجوب. والمولى يجوز له إقامة الحد عليهم. ولا يجيب عليه. والذي يجب عليه هو الإمام. فليس لهم صرف الوجوب عن [ظاهره]. 28728 - ألا ولنا تخصيص العموم. وحمله على الولاة. أو نحمله على دفع الأمة إلى من يقيم الحد عليها. وأضاف ذلك إلى المولى. كما يقال: بني دارَا فلان، والمعنى أمر ببنائها.

28729 - ومن أصحابنا: من حمل الخبر على الجلد الذي هو التعزير وذلك يجوز للمولى عندنا. 28730 - وقولهم: إن الجلد إذا ذكر مع الزنى المراد به الحد ليس بصحيح. لأن الحد اسم الضرب. وإذا ذكر في موضع والمراد به الحد لم يمتنع أن يذكر في موضع آخر ويراد به غير الحد. 28731 - فإن قيل: ذكر أبو داود: ((فليحدها الحد)). 28732 - قلنا: لم يذكر أبو داود هذا. 28733 - قالوا: فذكر (فليحدها بكتاب الله). وهذا أيضا يحدها بكتاب الله. 28734 - قلنا: كتاب الله عبارة عن حكمه. ومن حكمه تعزير الأمة إذا زنت. ولأن هذا خطاب من النبي - صلى الله عليه وسلم - لجماعة ولا هم إقامة الحد على إمائهم فملكوا ذلك بتوليته. وزعم مخالفنا أنه بيان للحكم في حق جميع الناس. ولا يجوز إثبات ذلك بالاحتمال بل حمله على ما نقول أولى. لأنا نستعمل ظاهر الوجوب ولا نسقطه. 28735 - قالوا: روي أن رجلا سأل ابن مسعود فقال: أمتي زنت. فقال: اجلدها. 28736 - وروى نافع أن غلامًا لابن عمر زنى بجارية له. فجلدها ابن عمر. 28737 - وروي أن فاطمة جلدت أمة لها زنت الحد. 28738 - وروي أن [أبا برزة]. جلد أمة له زنت. 28740 - وروي أن عائشة قطعت يد جارية لها سرقت.

28741 - وروي أن حفصة قتلت جارية لها سحرتها. 28742 - وعن يحيى بن سعيد الأنصاري قال: كانت الأنصار عند رأس الحول يخرجون من زنى من إمائهم فيجلدونهم في مجالسهم. 28743 - والجواب: أن هذه الأخبار لو كانت صحيحة ثابتة ذكرها أصحاب المسانيد ولم يذكرها أبو داود ولا من يجري مجراه. على أنها محمولة على الجلد على وجه التعزير والقطع. لأن منهم من كان يعتقد أن التعزير يبلغ به الحد. 28744 - ولأنا بينا أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: (أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم) وقوله (إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها) تولية منه - صلى الله عليه وسلم - للمخاطبين. فيجوز أن يكون هؤلاء الجماعة ممن قصد بالخطاب فملك إقامة الحد بالتولية. 28745 - يبين ذلك ما روي عن الأعمش. إنه ذكر إمامة ابن مسعود بالشام. وانه أقام هناك حدًا على رجل وجد منه ريح الخمر فقال العمش: كانوا أمراء حيث كانوا فإما أن يكون ذلك بتولية النبي - صلى الله عليه وسلم - أو بأمر الأئمة لهم. 28746 - وقد روي عن ابن عمر انه قال: ارفعوا إلي الموالي. وذكر الحد. 28747 - وقد روى مسلم

ابن يسار عن أبي عبد الله رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ابن عمر أمرنا أن نأخذ عنه. قال: هو عالم فخذوا عنه. فسمعه يقول: (الزكاة والحدود والفيء والجمعة إلى السلطان). 28748 - قال الطحاوي: أبو عبد الله هذا عسى أن يكون أَخٌا أبي بكرة واسمه نافع. 28749 - وقد روي عن الحسن إنه قال: (ضمن هؤلاء الصدقة والصلاة والحدود والحكم). 28750 - وعن ابن محيريز. وقول أهل الشام: إنه عبد الله. ويقول أهل مكة: إنه عبد الرحمن, والصحيح أنه عبد الرحمن. قال: ((الحدود والفيء والجمعة والزكاة). ولم ينقل خلاف من طريق قوى يخالف هذا. وإنما نقل الأنصار. ويتحمل أن يكونوا فعلوا ذلك بأمر الولاية 28751 - قالوا: ملك تزويجها مع اختلاف الدينين فوجب أن يملك إقامة الحد عليهم كالإمام. 28752 - قلنا: الإمام لا يملك التزويج إلا في الصغار. ولا يجب على الصغار حد. 28753 - ولأن النكاح ولاية خاصة، ولا يستدل بها على [الحد ألا ترى: أن الأب بلي على ولده ولاية خاصة، ولا يستدل به على] إقامة الحد على ولده، بحال. 28754 - ولأن الإمام لما ملك إقامة الحد عليه لم يملك غيره بغير تولية، أو نقول: المعنى في الإمام أنه يملك استيفاء حقوق الله تعالى. فلم يملك غيره استيفاء الحدود. 28755 - قالوا: يملك الإقرار عليه كجناية الخطأ في رقبته فملك إقامة الحد عليه.

أصله الإمام في مماليكه. 28756 - قلنا: جناية الخطأ حق يلزمه المولى نفسه. لأن المستحق بها ماله. والحد عقوبة. وليس إذا ملك أن يقر في مال نفسه ملك استيفاء العقوبة. 28757 - ألا ترى: أنه لا يملك الإقرار عليه كجناية العمد لأنها عقوبة. فكان اعتبار الحد بجناية العمد الذي لا يملكها أولى من اعتباره بجناية الخطأ. ولأن المولى لا يستوفي الحد عن عبد غيره ولا يملك أن يقر عليه بجناية. فعلم أن العلة في استيفاء الحد من عبد نفسه ليست هي جواز إقراره عليه، وإنما العلة التي يملك بها إقامة الحد على عبد غيره هي ولاية الحكم. 28758 - قالوا: ولاية المولى [في عبده] أقوى من ولاية الإمام بدلالة أنه يملك بيعه وإجارته واستخدامه ولا يملك ذلك الإمام. فإذا جاز للإمام أن يقيم الحد عليه فالمولى أولى. 28759 - قلنا: المولى لا يملك هذا التصرف بالولاية. وأما إقامة الحد فإنها تملك بالولاية. وولاية الإمام أقوى. 28760 - الدليل عليه أنه لو قال: ثبت عندي أن هذا زان فاجلدوه وسع الناس أن يفعلوا ذلك به، ولو قال المولى ذلك لم يسع [من يسمعه] أن يقيم الحد. ثم إن الإنسان يتصرف في نفسه بإجارتها وتزويجها، ولا يملك ذلك منه. ثم يحده الإمام. ولا يملك هو أن يحد نفسه. 28761 - ولأن الولاية في البيع والإجارة ولاستخدام لما ملكها المولى من عبده لم يملكها غيره منه. فلو ملك منه إقامة الحد لم يملك الإمام. فلما ملك الإمام ذلك دل على أن المولى لا يملكه.

مسألة 1426 [رجوع شهود الإحصان والزنى بعد الرجم]

مسألة 1426 [رجوع شهود الإحصان والزنى بعد الرجم] 28762 - قال أبو حنيفة: إذا شهد أربعة بالزنى واثنان بالإحصان فرجم المشهود عليه ثم رجعوا جميعًا فالضمان على شهود الزنى. 28763 - وقال الشافعي: عليهم وعلى شهود الإحصان أسداسًا. 28764 - لنا: أن شهود الإحصان لم يشهدوا بما يوجب التلف. وإنما جعلوا شهادة شهود الزنى شهادة بعد أن لم تكن فلم يجز أن يلزمهم الضمان. كما لو شهدوا بشرائط الإحصان قبل الزنى ثم ثبت الزنى. وهذا الأصل لا شبهة فيه. لأن من شهد بالحرية لتزول يد المولى عن عبده وبالنكاح والدخول تستحق المرأة المهر فلم توجب شهادته تلفا. وإنما نوجب بمعنى حدث بعد شهادته فصار كمن شهد بعتق عبد فقطع قاطع يده فاقتص منه. ثم رجع عن الشهادة بالعتق لم يجب عليه ضمان. وكما لو شهد بملك العبد لرجل فأعتقه المشهود عليه ثم زنى فرجمه الإمام، ورجع الشهود بالملك لم يضمنوا النفس وإن كانت شهادتهم تنافى الرجم. 28765 - احتج المخالف: بأن الرجم ثبت بشهادة الجميع. لأن شهود الزنى لو انفردوا لم يرجم، وإذا تلفت النفس بمجموع شهادتهم وجب الضمان عليهم كبينة شهدوا بالزنى. 28766 - قلنا: تبطل الشهادة بملك العبد إذا أعتقه المشهود له ثم زنا فرجم أن التلف حصل بشهادة شهود الملك. وبشهادة [شهود] الزنى. ولا ضمان على شهود الملك 28767 - ولأن التلف وجب بالزنى. والإحصان ليس بموجب وإنما هو

سبب. والسبب الذي ليس بملجأ عند المباشر. تعلق الضمان بالمباشرة دون السبب. 28768 - فإن قيل: قد قال أبو حنيفة: إذا رجع شهود الزنى. وشهود التزكية ضمنوا جميعًا. وشهود التزكية سبب. 28769 - قلنا: شهود التزكية جعلوا شهادة شهود الزنى شهادة. بدلالة أنها كانت موجودة ولا يتعلق بها حكم. حتى زكوهم. فصاروا في حكم المباشرين. وشهود الإحصان لم يجعلوا شهادة الشهود شهادة بدلالة أن شهادتهم كانت موجودة يتعلق بها الجلد وإنما شهدوا بحال الزانى لا يوجب عليه عقوبة. وإنما العقوبة بفعله إذا تقدمت [الصفة]. فلذلك قلنا: إنهم سبب.

مسألة 1427 [كم يغرم الراجع من الشهود من الدية]

مسألة 1427 [كم يغرم الراجع من الشهود من الدية] 28770 - قال أبو حنيفة: إذا شهد ستة بالزنى. فرجع ثلاثة منهم ضمنوا [ربع] الدية. 28771 - وقال الشافعي: في البويطى: إذا قالوا: لم نعتمد القتل ضمنوا نصف الدية. 28772 - لنا: أن المعتبر في الضمان عند رجوع الشهود الباقي على الشهادة دون الراجع بدلالة: أنه لو رجع اثنان لم يضمنا؛ لأنه لو بقى على الزنى من يثبت بشهادته فلم يلزم الراجع الضمان، وقد بقي من يثبت بشهادته ثلاث أرباع الحق. والربع متلف بشهادة الراجعين فكان عليهم ضمانه. ولأن ما يثبت بشهادة الباقي على الشهادة لا يضمنه الراجع. أصله؛ إذا رجع اثنان لم يضمنوا مع اعترافهم بالإتلاف. لأن ما أتلفوه يثبت [بشهادة الباقين على الشهادة. 28773 - احتجوا: بأنهم لو رجعوا جميعًا كان الضمان عليهم] أسداسًا. فإذا رجع بعضهم وضمن لزمه عند الانفراد ما كان يلزمه عند الاجتماع على الرجوع أصله إذا شهد أربعة فرجع أحدهم. 28774 - قلنا: إذا رجعوا كلهم فلم يبق على الحق شاهد تساووا في الإتلاف والضمان. فأما الأربعة: إذا رجعوا رجع أحدهم ضمن الربع. ليس لأنا اعتبرناه بحال الانفراد لكن لأنه يبقى على الحق من يثبت بشهادته ثلاثة أرباعه نضمن الراجع ما بقي. 28775 - كذلك في مسألتنا قد بقي من يثبت بشهادته ثلاثة أرباعه فضمن الراجعون ما بقي.

مسألة 1428 [إذا زنى الرجل وله أولاد وأنكر الوطء]

مسألة 1428 [إذا زنى الرجل وله أولاد وأنكر الوطء] 28776 - مسألة: قال أصحابنا: إذا زنى الرجل وله زوجة لها منه أولاد وهو ينكر وطأها فهو محصن. 28777 - وقال الشافعي: لا يحكم بالوطء إلا أن يعترف به أو يشهد به الشهود. 28778 - لنا: أن شهادة الولد على الوطء كشهادة شاهدين. فإذا ثبت الإحصان بالشهادة فالولد أولى. يبين ذلك أن أمر المسلمين محمول على الصحة. ولأن ولدها لا يكون إلا من صاحب الفراش. وهذا الظن كالظن الحاصل بالشهادة فأحدهما كالآخر. ولأنا حكمنا بالوطء حين حكمنا بثبوت النسب. فصار كما لو حكمنا بالوطء باعترافهما. 28779 - احتجوا: بأن النسب يثبت بإمكان الوطء. وإمكان الوطء لا يثبت به الإحصان. فإما إمكان الوطء يعتبر ليستدل به على وجود والوطء. فأما أن يثبت الإحصان فلا. 28780 - قالوا: عندكم لو تزوجها بحضرة الحاكم وطلقها بحضرته. ثم جاءت بولد يثبت نسبه وإن علمنا أنه لم يطأها. 28781 - قلنا: لا نعرف هذه المسألة بعينها. ويجوز أن يقال: إن يقال: إن النسب إذا ثبت في الموضع الذي يعلم أنه لا وطء لم يثبت الإحصان. وإنما يثبت في الموضع الذي يمكن الوطء فيحمل الأمر على الصحيح، وعلى أنه وطئها فولدت منه. 28782 - فإن قيل: هذا ظاهر. والظاهر لا يجب [الإحصان] به. 28783 - قلنا: نعم. أثبتنا الإحصان بالظاهر كما يثبت الإسلام بالدار والانتساب به إلى المسلمين وإن جاز أن يكون كافرًا في الباطن.

مسألة 1429 [على من يجب أرش الضرب إذا ظهر أن الشهود عبيد]

مسألة 1429 [على من يجب أرش الضرب إذا ظهر أن الشهود عبيد] 28784 - قال أبو حنيفة: إذا حكم الحاكم بالجلد بشهادة شهود فجلد. ثم بان أن الشهود عبيد لم يضمن الإمام أرش الضرب. 28785 - وقال الشافعي: يضمنه. وهل يكون في ماله أو في بيت المال على قولين. 28786 - لنا: أن أثر الضرب غير موجب لحكمه بدلالة أنه قد يجلد ويبقى للجلد أثر وقد لا يبقى. ولو كان ذلك من موجب الضرب لم ينقل عنه لعذر الجلدات وما لم يوجبه الحكم لا يجوز أن يعود ضمانه إليه. 28787 - وعلى هذا قال أبو حنيفة: إن الشهود لا يضمنون أثر الضرب إذا رجعوا. لأن الأثر غير موجب بالشهادة بدلالة ما قدمنا. 28788 - احتجوا: بأنها جناية صارت عن خطأ الإمام في الحكم فيتعلق بها [الضمان كما لو حكم برحمه فمات]. 28789 - قلنا: لأن التلف [موجب بالحكم] بدلالة أنه لا يبعد عنه وليس كذلك الأثر؛ لأن الجلد يبعد عنه. فدل أنه ليس بواجب. 28790 - قالوا: كل جناية يضمن بها القتل يضمن بها الأثر كالمباشرة. 28791 - قلنا: المباشر متلف فيضمن ما تولد من فعله والحاكم موجب بما لم يوجد بموجب حكمه لا يلزمه ضمانه. 28792 - قالوا: إن كان الإمامِ غير موجب بحكمه فيجب أن يضمنه الجلاد. 28793 - [قلنا: الجلاد] أن له في الضرب ولا يتميز له الضرب المؤثر من غيره فلم يضمن ما يستوفيه بنفسه.

مسألة 1430 [اختلاف الشهود في البلدة التي زنى بها]

مسألة 1430 [اختلاف الشهود في البلدة التي زنى بها] 28794 - قال أصحابنا: إذا شهد اثنان أنه زنى بالبصرة وشهد اثنان أنه زنى بالكوفة فلا حد على الشهود. 28795 - وقال الشافعي: في القول الذي يقول: إن عدد الشهود إذا نقص حدوا عليهم الحد. 28796 - لنا: أن الزنى حصل بشهادة أربع من أهل الشهادة فلا يجب عليهم حد القذف كما لو شهدوا بزنى في مكانين. 28797 - احتجوا: بأن كل واحد من الزانيتين لم يشهد به أربعة فصار كما لو شهد اثنان. 28798 - قلنا: إذا شهد اثنان فلم يكمل عدد الشهود فوجب عليهم الحد. وفي مسألتنا ثم العدد وهم من أهل الشهادة. وإنما سقط الحد عن المشهود عليه للشبهة فلا يجب الحد على الشهود. 28799 - قالوا: شهادة بالزنى لم يجب بها الحد على المشهود عليه. فوجب على الشهود كما لو شهد أربعة أحدهم عبد، أو شهد ثلاثة وواحد على شهادة غيره. 28800 - قلنا: سقوط الحد عن المشهود وعليه لا يستدل به على وجوب الحد على غيره. لأن الشبهة قد تسقط الحد ولا توجبه. وأما إذا كان أحدهم عبدُا فلم يشهد بالزنى أربعة من أهل الشهادة. ومتى نقص العدد وجب الحد. 28801 - وفي مسألتنا بخلافه. وأما إذا كان أحدهم يشهد على غيره. فلأن هذه الشهادة لا يثبت بها حد فسقطت وبقي شهادة ثلاثة فوجب الحد عليهم. 28802 - وفي مسألتنا شهد بالزنى أربعة يثبت بشهادتهم الزنى. وإنما سقط الحد باختلافهم فلذلك لم يجب الحد عليهم.

مسألة 1431 سقوط الحدود بالتوبة

مسألة 1431 سقوط الحدود بالتوبة 28803 - قال أصحابنا: الحدود لا تسقط بالتوبة إلا قتل المرتد وحده، وحد قاطع الطريق إذا تاب قبل القدرة عليه. 28804 - وقال الشافعي: يشبه أن يكون كل حق لله تعالى يسقط بالتوبة. 28805 - لنا: ما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - رجم ماعزًا، وأخبر عن توبته. ورجم الغامدية وقال: (لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لقبلت منه). وهذا يدل أن التوبة لا تسقط الحد. ولأنه قتل يجب على المسلم فلا يسقط مع توبته الحد عليه والقدرة بالتوبة أصله القصاص. 18806 - ولا يلزم قتل المرتد. لأنه لا يجب على المسلم ولأن الحدود وضعت للزجر فلو سقطت بالتوبة أظهرها كل من يجب عليه الحد يسقط عنه فيؤدي إلى أن لا يقام [حد] أبدٌا. 28807 - ولا يلزم المرتد. لأنه مرتد بدين لشبهة تدخل عليه فالظاهر أنها زالت حتى أظهر التوبة. وأما الزاني فلا يزني بدين فيجوز أن يظهر التوبة ليسقط العقوبة. 28808 - ولا يلزم قاطع الطريق. لأن حده لا يسقط بالتوبة. وإنما سقط بها لعدم ثبوت اليد عليه. ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ... قال: (الحدود كفارات لأهلها) والكفارات لا تسقط بالتوبة كذلك الحد. 28809 - احتجوا: بأن التائب لا يستحق العقوبة. والحد يجيب على وجه العقوبة.

28810 - قلنا: يستوفي بعد التوبة على طريق المحبة. [وهذا غير] أن يثبت مع التوبة كما يمرضه الله تعالى. 28811 - فإن قيل: قد سقط ما كان واجبًا وادعيتهم وجوب غيره. 28812 - قلنا: لم يسقط ولكن تغيرت صفته فكان يستوفي على وجه فصار يستوفي على غيره.

مسألة 1432 [إقرار الأخرس بالزنى]

مسألة 1432 [إقرار الأخرس بالزنى] - قال أصحابنا: إذا أقر الأخرس بالإشارة لم يجب عليه الحد. 28814 - وقال الشافعي: يحد. 28815 - لنا: أن إشارة الأخرس قائمة مقام نطقه. والحد لا يثبت بما قام مقام الغير كالكنايات، وشهادة النساء مع الرجال، والشهادة على الشهادة. ولأن ما لا يجب به الحد في حق الناطق لا يثبت به في حق الأخرس شيء عن صريح اللسان والإشارة أكثر أحوالها أن تكشف عن وطء من غير عقد ولا شبهة. ولو صرح بهذا الصحيح لم يجب الحد عليه فالأخرس مثله. 28816 - ولا يقال: إنه يكتب. لأن عندهم لا يقف وجوب الحد على [النطق بل عليه وعلى الكتابة] ولا يمكنه أن يقول: فعلت هذا، إنما يشير إلى ما كتب وفي الكتابة احتمال. 28817 - فإن قيل: لو كان كذلك لم يقع طلاقه إلا بنية. 28818 - قلنا: الطلاق يقع بغير الصريح مع عدم النية. إذا كان هناك دلالة حال. وإشارة الأخرس كالنطق المحتمل إذا قارته دليل. 28819 - احتجوا: بالظواهر التي تدل على وجوب الحدود. 28820 - قلنا: قد أريد بها إذا تعرف أسبابها من النية وهذا لا يوجد في الأخرس. 28821 - قالوا: من وقع طلاقه وعتاقه صح إقراره بالزنى كالناطق. 28822 - قلنا: الطلاق والعتاق لا يقفان على الصريح بل يصح كل واحد منهما بالكتابة ولإشارة كذلك.

28823 - والإقرار بالحد بخلافه. ولا فرق عندا بين الأخرس والناطق. لأن الناطق إذا أقر بلفظ يحتمل لم يجب الحد وإنما الحد إذا أقر بصريح لا احتمال فيه. وهذا لا يوجد في الأخرس. 28824 - قالوا: يصح إقراره بالقصاص فصح الحد كالناطق. 28825 - قلنا: ذكر محمد في الجامع الصغير: ويقتص من الأخرس ويقتص له إذا ثبت ذلك بالبينة وأما الإقرار فلا. ولو سلمنا ذلك على ظاهر الكتاب فالفرق بينهما أن الصحيح لو أقر بمعنى العمد وجب القصاص متى قال: قصد ضربه بالسيف والأخرس يأتي معنى العمد. وأما الزنا فلو أقر الناطق بمعناه لم يحد. كذلك الأخرس إذا أشار بمعناه.

مسألة 1433 [وجوب الحد على مسلم ثم ارتداده ثم توبته]

مسألة 1433 [وجوب الحد على مسلم ثم ارتداده ثم توبته] 28826 - قال أصحابنا: إذا وجب الحد على مسلم فارتد ولحق بدار الحرب ثم عاد مسلمًا؛ سقط الحد عنه. 28827 - وقال الشافعي: لا يسقط. 28828 - لنا قال تعالى: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف}، وقال - صلى الله عليه وسلم -: (الإسلام يجب ما قبله). ولأنها توبة من كفر فجاز أن يسقط الحد كالكفر الأصلي. ولأنه حد وجب قبل الإسلام، فجاز أن يسقط بالإسلام أصله: العقل بالردة، ولا يلزم إذا أسلم في دار الإسلام؛ لأنا عللنا الجواز. 28839 - ولا يقال: إن ذكر الجواب لا يصح في الأصل؛ لأن القتل يسقط عن المرتد إذا أسلم بكل حال؛ لأنه إذا ارتد عندنا لزندقة لم يسقط القتل بتوبته. ولأن الحربي إذا وجد منه سبب الحد ثم أسلم، لم يحد، فإذا لحق المرتد بدار الحرب صار من أهلها، والطارئ على الحدود قبل استيفائها كالموجود ابتداء؛ بدلالة: رجوع الشهود أو ردتهم ورجوع المقر عن إقراره. 28830 - احتجوا: يقوله تعالى: {فاجلدوهم ثمانين جلدة}. 28831 - قلنا: الفاء للتعقيب، فظاهر الآية يقتضي إقامة الحد عَقِيب القذف، فأما بعد ذلك فلا تدل الآية عليه. 28832 - وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم) يقتضى حال ثبوت اليد، فإذا لحق العبد بدار الحرب؛ زالت اليد عنه، فسقط الأمر بعد عوده، لم يبق حد واجب عندنا، والأمر يقتضي إقامة الحدود الواجبة.

28833 - قالوا: حد وجب عليه، فلا يسقط بلحاقه، أصله: المسلم إذا وجب عليه حد فدخل دار الحرب بأمان ثم عاد. 28834 - قلنا: باللحوق لا يسقط عندنا، وإنما يسقط إذا صار من أهل الدار، والمستأمن باقٍ على حكم دارنا، فكأنه لم يلحق؛ يبين ذلك: أنه لا يعتبر بالكون في الدار، ألا ترى أن الحربي المستأمَن في دارنا على حكم الحرب في امتناع إقامة الحد عليه؟ كذلك المستأمن منا في دارهم على حكم دارنا. 28835 - قالوا: ما طريقة وجوب الحد ولم يقدح في حال وجوبه، لم يسقط مع إمكان استيفائه. أصله: إذا جن ثم أقاق، وأصله: إذا زنى بعاقله؛ لم يسقط الحد عنه. 28836 - قلنا: إذا جن وجب عليه الحد ثم أفاق؛ سقط الحد عندنا، وتنتقض العلة بردة الشهود، وبرجوع المقر، وزوال إحصان المقذوف. 28837 - فإن قالوا: زوال العفة يؤثر في عفته حال القذف. 28838 - قلنا ليس إذا طرأ منه زوال العفة زالت عفته في الحال السابقة، لكن طرأ معنى لو كان موجودًا ابتداء منع، فأما جنون الواطئ؛ فإنه إذا وطئها وهو مجنون، ففعله ليس بزنى، فخرج فعلها وهو تابع أن يكون زنى. وفي مسألتنا طرآن الجنون لا يخرج فعله من أن يكون زنى عند وقوعه فلذلك لم يؤثر في فعلها.

مسألة 1434 [التعريض بالقذف]

مسألة 1434 [التعريض بالقذف] 28839 - قال أصحابنا: إذا عرض بالقذف لم يجب عليه الحد. 28840 - وقال الشافعي: إذا نوى بذلك القذف حد. وإن قال: لم أرد القذف استحلف. فإن نكل عن اليمين استحلف المقذوف، وحد القاذف. 28841 - لنا: أن السلف اختلفوا. فمنهم من حد بالتعريض، ومنهم من لم يحد. ولم ينقل عن أحد منهم اعتبار النية فصار ذلك خلاف الأصل إجماعًا. ولأن الكناية قائمة مقام الصريح، والحد لا يجوز إثبات بما قام مقام الغير كشهادة النساء. 28842 - ولأن تعلق الحد بالقذف والكناية تجرى مجراه، والحد إذا وجب بمعنى لم يجيب بما يقوم مقامه كما لا يجب حد الزنا بالوطء فيما دون الفرج. وكما لا يجب حد السرقة في الخلسة. 28843 - ولأن كل معنى لا يجب به الحد إذا انفرد لم يجب به الحد وإن انضمت إليه النية أصله القْبَل واللمس والقذف بالكفر. ولأن مسألة القاذف عما أراد بالكناية توصل إلى إيجاب الحد. وقد أمرنا بدرء الحدود دون التوصل إلى [إثباتها]. ولأنه حد فلا يجب يمين المدعي كحد السرقة. 28844 - احتجوا: بقوله تعالى: {والذين يرمون المحصنات}. 28845 - قلنا: المراد به الرمي بصريح الزنى. بدلالة قوله: {ثم لم يأتوا بأربعة شهداء} شهادة الأربعة إنما تعتبر في الزنى. ونحن لا نسلم أن هذا رمي بالزنى، ولا

أجمعنا على أنه لم يرد عموم الرمي، وإنما المراد مخصوص. 28846 - فقلنا: المراد والذين يرمون بصريح الزنى وقال مخالفنا: بالصريح وفي معناه. ومن أضمر شيئًا واحدًا كان أولى. 28847 - قالوا: أراد القذف بلفظ يصلح له فصار كقوله: زنيت في الجبل. 28848 - قلنا: الإرادة لا معنى لها في إثبات الحدود. بدلالة صريح اللفظ إذا عري عن الإرادة. وأراد به غير القذف. والعرف اصطلاح طارئ فهو أولى من الحقيقة. فإن لم يكن بد عرف فليس بقذف، فأما الكناية فلا عرف، ولو وجد فيها عرف صار كقوله: زنيت واستغنت عن النية. 28849 - قالوا: الكناية مع النية تجرى مجرى الصريح فيما ليس من شرط الشهادة. أصله الطلاق والإقرار. 28850 - قلنا: يبطل بالتعريض بالخطبة في حال العدة. فإن الله تعالى حرم التصريح وأباح التعريض ولم يجر مع النية مجرى الصريح في باب التحريم. 28851 - ولأن الكناية [مع النية] مسلم أنه تجري مجرى الصريح إلا أن الحدود لا تثبت بما قام مقام الغير. والطلاق والإقرار يجوز إثباتهما بما أقام مقام الغير. 28852 - قالوا: كل لفظ يحتمل أمرين ينصرف بالنية إلى أحدهما أصله إذا قال: يا يحيى خذ الكتاب بقوة. وهو يخاطب رجلا بطلت صلاته. 28853 - قلنا: إذا احتمل اللفظ احتماله شبهة في منع الحد، وانضمام النية إليه كانضمامها إلى الإقرار بالزنى باللفظ المحتمل وانضمام النية إلى شهادة الشهود بالزنى باللفظ المحتمل.

مسألة 1434 [التعريض بالقذف]

مسألة 1435 [حكم من مات بتعزير الإمام] 28854 - قال أصحابنا: إذا عزر الإمام رجلا فمات من التعزير لم يجب عليه ضمان. 28855 - قال الشافعي: الضمان في ماله على أحد القولين. وفي القول الآخر في بيت المال. 28856 - لنا: أنها عقوبة يستوفيها الإمام بالولاية على المسلمين فلا تكون مضمونة عليه كالحد. ولأنها يستوفيها مطالبة اَدمي. فلا يضمن ما يتولد منها كحد القذف. [ولأنها عقوبة] يستوفيها لمصلحة المسلمين كالحد. لأنه يستوفيها الإزالة الفساد عن دار الإسلام كالحدود. ولأن الإمام لو لزمه ضمان بتصرفه لم يقبل قوله فيه كما يستوفيه لنفسه. 28857 - احتجوا: بقوله تعالى: {ومن قتل مؤمنًا خطئًا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله}. 28858 - قلنا: الإمام ليس بقاتل وإنما هو آمر بالقتل فلا تتناوله الآية. وإن فرضوا الكلام في الإمام إذا فعل التعزير بنفسه. 28859 - قلنا: الآية تقتضي وجوب الدية على القاتل. والإمام لا ضمان عليه باتفاق. وإنما تجب عندهم على عاقلته أو في بيت المال. 28860 - قالوا: روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (ألا إن قتيل خطأ العمد قتيل السوط والعصا، فيه مائة من الإبل). 28861 - قلنا: هذا يقتضي القتل الذي تلغظ فيه الدية. وهذا القتل لا تتغلظ فيه الدية باتفاق. 28862 - قالوا: روي عن علي [- رضي الله عنه -] أنه قال: (ما من أحد أقمت عليه حدًا من

حدود الله فأحببت أن أزيد إلا شارب الخمر. فإنه شيء فعلناه برأينا. قالوا: ومعنى هذا أن يحد الشارب أربعين. فأراد أن يضموا إليها أربعين على وجه التعزير. 28863 - قلنا: اجتهادهم لم يكن في زيادة العدد ولكن في صفة الضرب لأنه - صلى الله عليه وسلم - ضرب بالجريد والنعال. وهم نقلوا ذلك إلى السياط وليس في ذلك تعزير. 28864 - قالوا: روي أن عمر بن الخطاب بعث إلى امرأة بلغه عنها ريبة. فدعوها فأجهضت. فاستشار عثمان وعبد الرحمن فقالا: إنما أنت مؤدب. فقال علي: إن كانوا أخافوك فقد غشوك. فإن اجتهدوا فقد أخطأوا، والذي عليك الغرة. فقال عمر: أقسمت عليك لتقسمها على قومك. 28865 - قلنا: إن صح هذا الخبر فالمسألة خلاف بينهم، فلا يصح الاحتجاج بقول البعض. 28866 - قالوا: ضرب اَدمي غير مقدر، وضع لاستصلاح المضروب. فوجب أن يكون مضمونا [في حقه]. أصله: ضرب الرجل امرأته. 28867 - قلنا: لا نسلم أنه غير مقدر. لأن عندنا أقله ثلاثة وأكثره تسعة وثلاثون، وما بين ذلك رأي الإمام. فأما ضرب الرجل امرأته فيستوفيه لمنفعة نفسه فكان مضمونا عليه. 28868 - وفي مسألتنا يستوفيه لمصلحة المسلمين كالحد. وأما ضرب الرجل لابنه فإنه يفعله لحق المسلمين ولمصلحة الولد. لأن صلاح الولد يعود نفعه إلى الأب؛ لأن الزوج والأب ممن يجوز أن يلزمهما الضمان بتصرفهما. وليس كذلك الإمام؛ لأن الضمان لو لزمه بتصرفه لم ينفذ قوله. 28869 - قالوا: ضرب لا يبلغ به أدنى الحدود فوجب أن يكون مضمونا في حق غيره. أصله ضربه لزوجته.

28870 - قلنا: نقصانه عن الحدود ليس فعله لوجوب الضمان. بدلالة أن حد العبد أنقص من حد الحر. وقد تساويا في سقوط الضمان. 28871 - ولأن النوع الذي يستوفيه الإمام بالولاية إذا لم يضمن كثيرة لم يضمن قليله كالأموال. [وما يضمن كثيره] لم يضمن قليله كما يستوفيه لنفسه. 28872 - قالوا: غير محدود. له مندوحة عنه كضرب امرأته. 28873 - قلنا: لا نسلم أنه يجوز تركه. لأن التعزير إن كان [لمطالبة] اَدمي ثبت إن طالب، وسقط إن ترك المطالبة كحد القذف. وإن كان للإمام المطالبة فلا يجوز تركه. وإنما يقيم الزجر والوعيد والتوبيخ مقامه في ذوى المروءات فيكون ذلك تعزيرًا لهم كما نقص منه إذا قتل من دمه للمسلمين. ويجوز أن يقيم مقام القصاص غيره. وهو الدية.

كتاب السرقة

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب السرقة

مسألة 1436 [المقدار الذي يقطع فيه السارق]

مسألة 1436 [المقدار الذي يقطع فيه السارق] 28874 - قال أصحابنا: النصاب الذي يقطع بسرقته عشرة دراهم فصاعدًا؛ وما سوى الورق يقوم. 28875 - وقال الشافعي: النصاب ربع دينار: وما سوى الذهب يقدر به. 28876 - لنا: ما روى عامر بن سعد عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يقطع السارق إلا في ثمن المجن) وروى هشان عن عروة عن عائشة أن السارق لم يقطع في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أدنى من ثمن حجفة. وروي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا قطع في ثمر معلق، ولا في حريسة جبل، فإذا آواه المراح أو الجرين فالقطع فيما بلغ ثمن المجن). وروى عطاء عن أم

أيمن قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تقطع يد السارق إلا في جحفة)) وقومت يومئذ على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... دينارًا أو عشرة دراهم. 28877 - فقد دلت هذه الأخبار على أن النصاب يتقدر بثمن المجن. فلا يخلو إما أن يكون مجنًا معينًا أو غير معين ولا يجوز أن يكون المراد مجانًا مختلفة في الخبر المجن وهذا يقتضي التعريف، ولأنه أخرج الكلام مخرج التقدير وبيان النصاب فلا يجوز أن يقدر ذلك مختلف لا يتقدر فلم يبقى إلا أن يكون أراد مجنٌا بعينه. اختلف السلف في قيمته فروى عطاء عن ابن عباس قال: كان قيمة المجن الذي قطع فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة دراهم. وروى عطاء عن الحسين عن أم أيمن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الحديث الذي قدمناه، وروى مجاهد عن أيمن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يذكر أم أيمن [عن النبي - صلى الله عليه وسلم -]. وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مثل حديث ابن عامر. وروى نافع عن ابن عمر قال: قطع النبي - صلى الله عليه وسلم - في مجن قيمته ثلاث دراهم، وعن عائشة ربع دينار، وعن أنس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قطع في مجن قيل له: كم كان قيمته، قال: خمسة دراهم. 28878 - فلما اختلفوا في قيمته كان الرجوع إلى أكثر ما قيل أولى؛ لأن المقومين لو اختلفوا في مستهلك فشهد اثنان أن قيمته عشرة واثنان أن قيمته أقل وجب الأخذ بالزيادة؛ ولأنه لا يجوز إثبات القطع بالشك، وقد تيقنا وجوبه عند أخذ العشرة ولم يتفق ذلك فيما دونها؛ ولأن في خبرنا تقويمه على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي خبرهم قيمة مطلقة، والقيمة تختلف باختلاف الأزمان وقد كان السلاح قليلا بالمدينة ثم إنه اتسع لما فتحت البلاد فنقصت قيمته، فيجوز أن يكون من قومه أقل من عشرة رجع إلى قيمته بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، والرجوع إلى من قومه في

زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -[أولى حتى علق القطع به]. وقد روى عمرو بن شعيب قال: دخلت على سعيد بن المسيب فقلت له: إن أصحاب عروة بن الزبير ومحمد بن مسلم الزهري وابن يسار يقولون: إن المجن خمسة دراهم قال: أما هذا فقد مضت فيه السنة [من لدن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] عشرة دراهم ويدل عليه ما روى زفر بن الهذيل عن الحجاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا قطع فيما دون عشرة دراهم) وطعنهم على الحجاج لا يلتفت إليه لأن من أصحابنا من رووا عنه، والرواية عنه تعديل. وقولهم يحمل الخبر على عشرة تساوي ربع دينار. ليس بصحيح لأن هذا لم يكن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولأن المجن يقتضي أن النصاب من الدراهم وأن المعتبر وزنها دون قيمتها. 28879 - ويدل عليه ما روى محمد بن الحسن وأبو مطيع عن أبى حنيفة عن [القاسم بن عبد الرحمن] عن أبيه عن ابن مسعود قال: (لا قطع في أقل من عشرة دراهم)، والصحابي إذا قال ما لا يعلم بالقياس حمل على التوقيف. 28880 - فإن قيل: قد روي عن عائشة وابن عمر أن اليد لا تقطع في أقل من ربع دينار، وعن عمر أن السارق لا يقطع إلا في خمس. 28881 - قلنا: تحمل هذه الأخبار كلها على التوقيف فيكون إثبات القطع

في المتقين أولى. 28882 - ولأنه قدر مختلف في وجوب القطع فيه [فلم يقطع فيه كما في دون ربع] دينار و [العشرة مختلف في وجوب] [القطع فيما دونها]. 28883 - [فإن قيل] إبراهيم النخعي لا يرى القطع إلا في أربعين. 28884 - قلنا: لا يصح لأنه لم يقل أحد بأكثر من عشرة وقول إبراهيم حكاه أصحابنا وهم أعلم به. 28885 - ولأن ما لا يتقدر به المهر لا يتقدر به نصاب السرقة كما دون ربع دينار ولأنه مقدار يستقر ضمانه باستهلاكه فلم يجب قطع بسرقته كما دون ربع دينار، لأنها استباحة يقف استيفاؤها على مال، فلم تتقدر بربع دينار كالنكاح. ولأنه مقدار لا يقطع فيه الردء، فلم يقطع فيه المباشر كما دون ربع دينار. ولأنه عضو له أرش مقدر فلا يقطع فيما يتقوم بربع دينا أصله اليد الصحيحة باليد الشلاء. قالوا: الحدود عندكم لا تجب بالقياس. 28886 - قلنا: نحن عللنا لنفي القطع لا لإيجابه. 28887 - احتجوا: بقوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} وهذا يقتضي وجوب القطع على كل سارق إلا ما خصه دليل. 28888 - قلنا: السارق اسم الفاعل، وهو لا يتناول حقيقة إلا [بمن يتعين] الفعل فظاهر الآية أنها نزلت فيمن سرق قبل نزولها ومن بعده لا يتناوله الظاهر وإنما يحمل على ذلك تركًا للظاهر بالإجماع فيجب أن لا يحمل إلا على من أجمعوا عليه. 28889 - قالوا: روت عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أنها قال: سمعت

النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (لا يقطع السارق إلا في ربع دينار فصاعدًا). 28890 - قلنا: هذا حديث اختلف أهل الحديث في رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فرواه مرفوعًا: يونس عن الزهري عن عروة وعمرة عن عائشة واختلف عن يونس فروى [القاسم بن مبرور] عنه خلاف ذلك، واختلف عن سفيان بن عيينة فمنهم من رواه مرفوعًا وروى يونس عن سفيان عن الزهري وذكر أنها قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقطع في ربع دينار فصاعدًا. واختلف عن يحيى بن سعيد فروي عنه مرفوعًا ورواه [مالك عنه موقوفا عليها] واختلف [عن معمر] [فروى عبد الرزاق عنه مرفوعًا] ورواه ابن المبارك عنه موقوفًا عليها من قولها ورواه أيوب عن عبد الرحمن بن القاسم عن عمرة عن عائشة موقوفًا قال أيوب: وحدث يحيى ابن سعيد عن عمرة عن عائشة برفعه، فقال له عبد الرحمن: إنها كانت لا ترفعه فترك رفعه يحى وهذا اضطراب شديد يمنع من قبول هذا الخبر وكيف نظن أن عندها

هذا الخبر ويحيى يرفعه إلى قيمة المجن ويظهر الاختلاف في تقويمه فلا يليق لهم أنه لا حاجة بهم إلى معرفة قيمته فعاد هذا الخبر إلى تقويمها المجن وتعلق القطع بمقدار قيمته عندها. 28891 - قالوا: روت عمرة بن عبد الرحمن أن سارقًا سرق أترجه على زمن عثمان وأمر بها فقومت ثلاثة دراهم فقطع يده ولم ينكر ذلك أحد. 28892 - قلنا: الخلاف في هذه المسألة مشهورة بينهم، وظهور الخلاف يغنى عن تحديد المخالفة عند كل حادثة فلا يصح الرجوع إلى قول أحدهم. 28893 - قالوا: مقدار يجب في زكاة الذهب بانفراده فجاز أن يقطع بسرقته أصله الدينار. 28894 - قلنا: هذا تعليل لتعلق القطع بنصف دينار فلم يدلونه على تصحيح مذهبهم وعلى إبطال مخالفهم ولا نقول بموجبه في نصف دينار إذا بلغت قيمته عشرة دراهم لم يجب به قطع فإن قاسوا على دينار قيمته عشرة دراهم. 28895 - قلنا: المعنى فيه: إنه مقدار متفق على وجوب القطع فيه وفي مسألتنا بخلافه. 28896 - قالوا: زكاة نصاب فجاز أن يقطع فيه كالشاة. 28897 - قلنا: الشاة لا يقطع فيها حتى تكمل قيمتها عشرة دراهم وكذلك نقول في نصف دينار، فأما خمسة دراهم فلا يجوز أن تبلغ قيمتها عشرة دراهم فلم يجب فيها القطع.

مسألة 1437 [سرقة ما يسرع إليه الفساد]

مسألة 1437 [سرقة ما يسرع إليه الفساد] 28898 - قال أبو حنيفة ومحمد: لا يقطع في سرقة ما يسرع إليه الفساد كالبقول [والفاكهة التي لا تبقى] والثمار الرطبة. 28899 - وقال أبو يوسف: يقطع في جميع ذلك. [وبه قال الشافعي. لنا: حديث] رافع بن خديج أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا قطع في ثمر ولا كثر وهذا عام في جميع الثمار والكثر والجُمٌار. وهو مما يسرع إليه الفسار. 28900 - فإن قيل: المراد به الثمرة المعلقة وقد كانت ثمار المدينة غير محرزة. والدليل عليه أنه قال: حتى يأويه الجرين. 28901 - قلنا: هذه العلة غير مذكورة في خبر رافع وإنما ذكرها عمر بن شعيب ونحن نتكلم عليها في الجواب عن حجتهم ولا يجوز أن يكون المراد الثمرة التي لا تحرز لأن جميع الأموال في ذلك كالثمرة قلا يكون [لتخصيص الثمر] معنى. 28902 - وروى الحسن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (لا أقطع في طعام)

وهو عام في سائر الأطعمة إلا ما خصه دليل. 28903 - فإن قيل: إطلاق الطعام عندكم يتناول الحنطة. 28904 - قلنا: تخصيص الخبر بما يبطل عام فائدته والواجب حمل كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ما يفيد. وفد روى الطحاوي هذا الخبر بإسناده عن الحسن. 28905 - قال: دخل رجل بيت رجل فوجد طعامًا فجلس فأكل منه فذهبوا به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (دعوا الناس فإني لا أقطع في طعام). 28906 - ويدل عليه ما روي أن عائشة قالت: كان لا يقطع على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الشيء التافه، والبقول والمرق تافهة ولأن معنى الحرز فيه ناقص؛ لأنه لا يبقى ونقصان معنى الحرز يمنع من وجوب القطع كالماء ولحوم السباع ولأنه نوع لا يقطع فيه الردء فلا يقطع فيه المباشر كالماء والسرجين. ولأنه إذا تملك في يد السارق استقر عليه ضمانه فلا يقطع فيه كالماء، ولأن الأغراض تختلف في سرقة [أجناس الأموال] ومقاديرها ثم إن في المقادير ما لا يقطع فيه وجب أن يكون في أجناس أموال ما لا يقطع فيه. 28907 - فإن قالوا: [الموجب العلة] في الماء والطين. 28908 - قسنا عليها وإن نازعوا فيهما صحت العلة. 28909 - احتجوا: بما روي أن رجلا من مزينة أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألوه عن سرقة التمر المعلق، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (ليس في شيء من التمر المعلق قطع إلا ما آواه الحرين فما أخذ من الجرين يبلغ ثمن المجن ففيه القطع وما لا ما آواه الحرين فما أخذ من الجرين يبلغ ثمن المجن ففيه القطع وما لا يبلغ ثمن المجن ففيه غرامة مثليه وجلدات نكال). 28910 - قلنا: أسقط عنه - صلى الله عليه وسلم - في التمر المعلق لأن ذلك مما يسرع إليه الفساد فأوجب القطع فيها حمل على الجرين؛ لأن الثمر تحمل إلى الجرين بعد جفافها ليستحكم

جفافها على الأرض ولا يجوز أن يكون التفريق بين الحالتين لأجل الجرين لأن الثمار المعلقة قد تكون في الدور وراء الحيطان فتكون محرزة، [وقد يكون الجرين] جرزًا وقد لا يكون فعلم أنه فصل بين الأمرين لاستحكام الثمن في أحد الحالتين دون الأخرى، وقد روي في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا قطع في ثمر ولا كثر حتى يأويه الجرين). 28911 - والجواب عنه ما ذكرنا وهو ما لا يحمل إلى الجرين، ولم يفصل بين المحرز منه وغير المحرز. 28912 - فإن قيل: قوله لا قطع في ثمن حتى يأويه الجرين في الكناية تنصرف إلى الثمرة التي أسقط فيها قبل حملها. 28913 - قلنا: المراد بالخبر بلوغه إلى الحال التي تحمل إلى الجرين كما يقال: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) معناه حتى بلغت إلى حال الحيض، وقال الله تعالى: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن أنستم منهم رشدًا فادفعوا إليهم أموالهم} والكناية راجعة إلى اليتامى وإن لم يكونوا يتامى حال وجوب التسليم. يبين هذا ما روي أن عبدًا أسود سرق ودية لرجل من الأنصار فأتى به مروان فأمر بقطعه فانطلق سيد العبد إلى رافع بن خديج فأخبره فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول (لا قطع في ثمر [ولا كثر]) فقال سيد العبد: انطلق معي إلى مروان فباعه ونفاه من المدينة فقد فهم رافع سقوط القطع في الودي بحبسه لا للحرز إذا لم يجر في القصة ذكر. 29914 - احتجوا: بما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لعن الله السارق يسرق البيضة

فتقطع يده). 28915 - قلنا: المراد بيضة السلاح بدليل أن بيض الطير لا تبلغ الواحدة منه نصابًا. 28916 - قالوا: روي أن سارقًا سرق أترجه في زمن عثمان فأمر بها فقومت ثلاثة دراهم من صرف اثنا عشر درها بدينار، فقطع عثمان يده. قال مالك: هي الأترجة التي تؤكل. 28917 - قلنا: روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: (لا قطع في ثمر) وأن الأترج يبقى مدة طويلة لا يفسد فيها فيجوز أن يقال فيه القطع. 28918 - فإن قيل: فكذلك السفرجل والتفاح في بعض البلاد. 28919 - قلنا: إنما سقط القطع في الفاكهة الرطبة التي تفسد فما لا يفسد إلا في مدة طويلة يجب قيه القطع. 28920 - قالوا: فالطعام يبقى بأصفهان مدة طويلة فيجب أن يتعلق به القطع هناك ولا يتعلق به في بلد آخر. 28921 - قلنا: المعتبر ما يبقى في عامة البلاد ولا يعتبر المكان الشاذ النادر. 28922 - قلنا: نوع مال فيجب أن يتعلق القطع بسرقته أصله سائر الأموال. 28923 - قلنا: إذا كانت الأغراض تختلف في شركة أجناس الأموال كما تختلف في مقاديرها كان إيجاب القطع في كل جنس كدعوى إيجابه في كل قطع وهذا لا يصح، ولأن القطع وضع لصيانة الأموال كما وضع حد القذف صيانة للأغراض، ثم كان القطع يتعلق بمال دون مال، والمعنى في الأموال المتفق على وجوب القطع بسرقتها أن معنى المال [كامل فيها] فلما كمل التمول فيها وجب القطع بأخذها ولما نقص معنى التمول بهذا المال لم يجب بأخذه قطع. 28924 - قالوا: ما قطع بسرقة يابسة قطع في سرقة رطبه كالنبات وألقت.

28925 - قلنا: إذا كان يقطع فيه إذا سرق من مكان دون مكان كذلك يجوز أن يقطع إذا سرق وهو على صفة دون لأن القطع يسقط في ما ليس بمحرز بتعريضه للهلاك فما كان معرضًا للهلاك فجنسه وصفته أولى أن لا يقطع فيه، ولأن النبات وألقت معنى التمول كامل في رطبها ويابسها فوجب القطع فيهما، ومعنى التمول غير كامل في الفاكهة الرطبة فخالف حالها حال اليابس منهما. 28926 - قالوا: الرطب واليابس لا يفترقان وقد قلتم أن اللحم لا يقطع في رطبه ومقدوده. 28927 - قلنا: ذكر ابن رستم عن أبي يوسف أن أبا حنيفة قال: لا قطع في رطب الفاكهة ويابسها فأما اللحم فقد ذكر أبو الحسن أن السمك لا يقطع في رطبه ولا في المملوح منه وهذا صحيح؛ لأنه يوجد مما جاء تافهًا فأما اللحم فعلى الرواية التي فرق بين رطب الفاكهة ويابسها فيجب أن يفرق بين اللحم الطري والمقدد. 28928 - قالوا: المعتبر بصفة المال حال أخذه دون ما يطرأ عليه، ألا ترى أن الشاة المريضة يجب القطع بأخذها وإن كانت لا تبقى والنبات إذا وضعت تحت الأرض يجب بسرقتها القطع وإن كانت تفسد إذا بقيت تحت الأرض. 28929 - قلنا: إنما يعتبر كون الشيء لا يبقى بجنسه ومما هو عليه في أصله فأما إذا كان بمعنى حادث فذاك غير معتبر. 28930 - قالوا: السرقة ما قيمته نصابًا من حرز مثله من غير شبه فأشبه النبات. 28931 - قلنا: لا نسلم نقي الشبهة؛ لأن كونه مما لا يدخر ولا نصاب شبهة في سقوط القطع فيه، والمعني في النبات أن معنى التمول فيها كامل ولم نقص معنى التمول في البقول منع ذلك من وجوب القطع فيها.

مسألة 1438 [سرقة ما كان أصله مباحا]

مسألة 1438 [سرقة ما كان أصله مباحًا] 28932 - قال أصحابنا: ما يوجد مباحًا في دار الإسلام كالصيد والجص والنوْرَة والخشب لا قطع فيه. 28933 - وقال أبو يوسف: يقطع في جميع ذلك إلا في الماء والسرجين والتراب. 28934 - وقال الشافعي: مثل ذلك وزعم أصحابه أن في الماء والتراب وجهين. 28935 - لنا: حديث رافع بن خديج أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا قطع في ثمر ولا كثر) وقيل الكثر: إنه الجمار. وقيل: صغار النخل. وقد فهم ابن خديج من ذلك الودي. إما لأن الحبر يتناوله أو قاسه عليه. والمعنى في الودي يوجد مباحًا تافهًا. ويدل ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار). ثبوت

الشركة شبهة في سقوط القطع. كمال بيت المال. 28936 - وروى عبد الله بن يسار قال: أتى عمر بن عبد العزيز برجل سرق دجاجة فأراد أن يقطعه. قال أبو سلمه بن عبد الرحمن قال عثمان بن عفان: (لا قطع في طير). 28937 - وروى [عباد بن العوام] عن أبى خالد عن رجل أن عليٌا قال: (لا يقطع في الطير). قالت عائشة: (كان لا يقطع على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الشيء التافه) والحطب والماء والحجارة تافهة ولا يقطع في شيء منها. ولأنه يوجد في دار الإسلام مباحًا غير مرغوب فيه فلا يجب فيه القطع كالماء والسرجين ولبن الآدمية ولا يلزم الذهب والفضة؛ لأنها توجد مباحة إلا أنهما مرغوب فيهما ولا يلزم الساج. لأنه لا يوجد مباحًا في دار الإسلام، وإنما يوجد في دار الحرب. وجميع الأموال هناك مباحة. 28938 - فإن نازعوا في الماء دللنا عليه بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (الناس شركاء في ثلاث). 28939 - فإن قالوا: السرجين ليس بمال لم نسلم. 28940 - فإن نازعوا في لبن الآدمية قلنا: مانع مختلف في جواز بيعه كالنبيذ ولأن مخالفنا لا يخلو إما أن يسلم نوعا من التمولات لا يقطع فيه فنعكس عليه العلة التي ذكرنا أو لا يسلم ذلك فنقول: الأعراض تختلف باختلاف أجناس الأموال كما تختلف باختلاف مقاديرها. 28941 - بدلالة أن من السراق من يختار سرقة الكثير دون القليل، ومنهم من يختار سرقة نوع دون نوع، ثم كان في المقادير ما لا يقطع فيه [وما يقطع] لأن المباحات تملك في دار الإسلام بمجرد الأخذ. فإذا سرقها فقد وجد منه سبب الملك فصار شبهة في سقوط الحد وإن لم نوجب الملك. ألا ترى أن صورة النكاح الفاسد

صورة الجائز إلا أنه لا يملك به فيصير شبهة في سقوط الحد، وكذلك الشراء الفاسد في صورة الصحيح فيكون شبهة، والمقذوف إذا كان وطئ بنكاح فاسد لم يحد قاذفه. لأن فعله يشبهه الزنى فصار كهو في سقوط الحد عن قاذفه. 28942 - فإن قيل: تبطل بالدراهم والدنانير. لأنها تملك في دار الإسلام بالأخذ من الكنوز. فإذا سرقها فقد وجد الأخذ الذي يملك به ولا يكون شبهة. قلنا: الكنوز إذا كانت من ضرب الإسلام فهي لقطة، وأخذها لا يملك به وإن كانت من ضرب الكفار ملكت بالأخذ لأجل مالكها. والإباحة التي تعود إلى ملك المال يتعين حكمها بزول إلى ملك محظور. ألا ترى أن الوالد إذا سرق مال ولده فلا يقطع فيه لأجل المالك. وإذا انتقل المال إلى غيره وجب القطع. 28943 - فإن قيل: يبطل بالمعادن من الذهب والفضة تملك بالأخذ منها ثم لا تصير شبهة في السرقة. 28944 - قلنا: الذهب والفضة توجد من المعدن غير معمول فتهلك وسرقة مثله لا قطع فيها حتى تسبك وتخلص. 28945 - فإن قيل: تبطل بالساج. 28946 - قلنا: يملك بالأخذ من دار الحرب. وحكم دار الحرب لو اعتبر لسقط القطع في جميع الأموال لأنها تملك في دار الحرب. فإذا وقع الملك ثم صار شبهة في حق السارق. لأنه أخذ يماثل الأخذ الذي يملك به. 28947 - احتجوا: بقوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} وهذا عام. 28948 - قلنا: قد بينا أن حقيقة السرقة تقتضي من لابس الفعل. فاقتضت الآية وجوب القطع على من فعل ذلك قبل نزولها، وإنما تحمل على من فعل ذلك بالإجماع. 28949 - قالوا: اعتبار ما أجمعوا على دخوله تحت الآية. قالوا: روى أبو هريرة أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده).

28950 - قلنا: المراد بيضة الحديد وقد تقدم. 28951 - قالوا بالحجاز: لا يبلغ ذلك وأكثر الأحوال أن يحتمل اللفظ الأمرين فلا يعمل أحدهما إلا بدليل. 28952 - فإن قيل: كيف يجوز أن يذكر هذا مثلا ليبين أنه يخاطر بيده في الشيء اليسير ويريد بذلك بيضة السلاح، وليست مما لا يستحق ولا مما لا يستقل. 28953 - قلنا: هي قليلة بالإضافة إلى اليد غير مستكثرة بذلك، وإنما خصها من بين السلاح لأن قيمتها كانت قيمة النصاب كما خص المجن بذلك من بين سائر السلاح. 28954 - قالوا: نوع مال فوجب أن يكون في سرقته ما يجب به القطع كسائر الأموال. 28955 - قلنا: إذا كانت الأغراض تختلف في أجناس الأموال كما تختلف في المقادير فإيجاب القطع في جميع الأموال كإيجابه في سائر المقادير وهذا لا يصح والمعنى في سائر الأموال أنها لا تملك بالأخذ في سائر دار الإسلام. بمعنى يعود إليها. فلم تقارن سرقتها شبهة وما اختلف فيه يملك بالأخذ وفي دار الإسلام بمعنى يعود إلى جنسه. فأشبه أخذ السارق الأخذ الذي يملك به فصار ذلك شبهة في سقوط الحد فيه. 28956 - قالوا: كل حق تعلق بالمال الذي ليس له أصل في الإباحة تعلق فيما له أصل في الإباحة: أصله الضمان وصحة التصرف. 28957 - قلنا: يبطل بالتمليك فإن الأخذ يملك به المال الذي أصله الإباحة ولا يملك به ما سواه في دار الإسلام. لأن وجوب الضمان أوسع بدلالة تعلقه بالقليل والكثير والأخذ مع الشبهة والقطع لا يتعلق بجميع ذلك فلم نستدل بوجوب الضمان على وجوب القطع. 28958 - قالوا: المال وجب في سرقته القطع صيانة له. وهذا المال يحتاج إلى صيانة لغيره. فإذا وجب القطع في سائر الأموال وجب في هذا. 28959 - قلنا: المصاحف وما دون النصاب تحتاج إلى صيانة وإن لم يجب

به قطع كذلك هذا. 28960 - قالوا: المعتبر بصفة المال في الحال دون ما قبلها. بدلالة أن من أباح لغيره ملكه فأخذه فلا شيء عليه. ولو رجع عن الإباحة ثم سرق وجب عليه القطع. ولو اضطر إليه وأخذه لم يقطع. ولو زالت الضرورة فأخذه قطع. 28961 - قلنا: هذه الإباحة لم تتعلق بالمال بصفة تعود إليه. وإنما تعلقت بحق المالك أو بصفة عليها الأخذ فإذا زالت تغير الحكم. وفي مسألتنا تعلقت بالمال بجنسه وبمعنى يعود إليه. فإذا زالت الإباحة والجنس موجود فالشبهة باقية فذلك لم يجب القطع. 28962 - قالوا: سرق نصابا مقدارًا من حرز مثله من غير شبهة كالساج. 28963 - قلنا: لا نسلم أنه نصاب لأن ذلك عندنا عبارة عن القدر والصفة. ولا نسلم أنها [لا شبهة]. لأن كونه مما لا يملك بالأخذ في دار الإسلام شبهة فيها كان [قصور في] ذلك الأخذ. والمعنى في الساج أنه لا يوجد مباحًا في دار الإسلام فلذلك رجب الحد بسرقته وليس كذلك هذا؛ لأن جنسه يوجد مباحًا غير مرغوب فيه فلم يجب به قطع. 28964 - قالوا: مال وجب القطع في معموله كالذهب والفضة. 28965 - قلنا: لا نسلم أن الذهب والفضة يجب في غير معموله القطع. لأنها تؤخذ من معادنها حجارة أو تراب فلا يجب بسرقتها قطع حتى تسبك وتخلص، ولأن الخشب إذا عمل [أبوابا وآنية] فقد غلبت الصنعة على جنسه وصار في حكم جنس آخر فلا تعتبر الإباحة في أصله.

28966 - فإن قيل: هذا يبطل بالبواري فإن القطع لا يجب فيها مع وجود الصنعة. 28967 - قلنا: إن الصنعة التي في القصب لا تغلب على جنسه فلم تغير حكمه كما كان عليه في الأصل. والصنعة في الخشب غالبة فتخرجه من حكم جنسه فيقطع فيه يبين ذلك أنه لا يوجد مباحًا على هذه الصفة فصار في حكم جنس آخر.

مسألة 1439 [نقصان قيمة المسروق عن النصاب]

مسألة 1439 [نقصان قيمة المسروق عن النصاب] 28968 - قال أصحابنا: إذا نقصت قيمة العين عن النصاب سقط القطع. 28969 - وقال الشافعي: لا يسقط. 28970 - لنا: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يقطع السارق إلا في ثمن المجن). وهذا يمنع وجوب القطع إذا نقصت قيمته عنه. ولأنها صفة للعين المسروقة، ولو كانت موجودة عند الأخذ لم يجب القطع بها. فإذا طرأت لم يجب القطع لأجلها. أصله: إذا شهد الشهود بملكها للسارق أو أقر بها المسروق منه للسارق. ولا يلزم إذا أنهدم الحرز لأن ذلك ليس بصفة العين. 28971 - ولا يلزم إذا شارك المسروق منه السارق بالدراهم المسروقة، وخلط السارق بها مثلها وأذن كل واحد منهما للآخر [في التصرف]. لأن ذلك يسقط عندنا كما لو كان مشتركا في الابتداء. 28972 - فإن قيل: إذا أقر بها المسروق منه أو شهدت الشهود حكمنا أنه ملك السارق حال الأخذ، وهذا المستحق ما حصل من نمائها فيما مضى. وذلك لأنا نجوز أن يكون المقر كاذبا، ولا نعلم تقدم الملك. ولا يحكم للمقر ليه بالنماء الحاصل قبل الإقرار. ولأن في مسألتنا النقصان فالموجود في الابتداء. بدلالة سقوط الضمان فيه مع بقاء العين باتفاق. ولأنه حكم تعلق بأخذ مال فنقصان القيمة بعد الأخذ كالموجود في الابتداء أصله الضمان. ولأن ضمان المغصوب أقوى في الثبوت من القطع في المسروق.

لأن القطع يسقط بالشبهة والضمان لا يسقط بها ولأن القطع حق الله تعالى، والضمان حق الآدمي. وحقوق الآدميين أقوى في الثبوت. فإذا كان النقص الحادث كالموجود ابتداء في باب الضمان فلأن يكون كذلك في حكم القطع أولى. ولأنها إحدى حالتي وجوب القطع فوجب أن يعتبر فيها كمال القيمة أصله الابتداء. ولأنه نقص يعلم بالحرز والظن فجاز أن يمنع من وجوب القطع كالنقص في الابتداء. ولأنها حالة لو هلكت العين ضمنها فإذا نقصت قيمتها كالابتداء. ولأنها حالة لو أقر المسروق منه بالعين للسارق سقط القطع فنقصان القيمة يسقط أصله حال الابتداء ولأنه حكم يعتبر فيه النصاب فاعتبر كمال النصاب في طرفيه كالزكاة. ولأن القطع الثابت بالبينة يعتبر فيه صفة الشهود قبل الاستيفاء فسقط القطع كذلك تغير صفة العين يجوز أن يسقط القطع. 28973 - ولا يقال: إن الشهود إذا فسقوا أو ارتدوا قدح ذلك في عدالتهم عند الشهادة، ولأن الفسق الطارئ لا يستند إلى حال سابقة، وإنما تثبت أحكامه عند ظهوره. ولأن حد السرقة وضع لصيانة المال كما وضع حد القذف لصيانة الأعراض، وكل واحد من الحدين لا يثبت إلا بخصم. ثم كان تغير صفات المقذوف قبل استيفاء الحد بأن يزنى يمنع الاستيفاء كذلك تغير صفة العين المسروقة قبل الاستيفاء يجوز أن يؤثر في سقوط الحد. 28974 - احتجوا: بقوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} 28975 - [قلنا: قد بيناه أن حقيقة الاسم] فيمن وجدت منه الملابسة، وما سواه إنما يعمل عليه بالإجماع. [فمن دل الدليل بالإجماع] على تناول الآية له دخل فيها، ومن لم يجمع على دخوله فيها لا يصح [الرجوع إليها في حكمه، ولأن الآية تدل] على وجوب القطع، وعندنا القطع وجب. والكلام هل يسقط بعد وجوبه أم لا؟. 28976 - فإن قالوا: إذا ثبت الوجوب لم يسقط إلا بدليل. 28977 - قلنا: هذا استصحاب العموم. وعندنا استصحاب الإجماع والعموم لا يصح.

28978 - قالوا: روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (القطع في ربع دينار فصاعدا). 28979 - قلنا: هذا دليل عليكم. لأنه يقتضي أنه لا يقطع في أقل من ذلك. وعندكم يقطع فيه. 28980 - قالوا: نقصان حادث بعد وجوب القطع فوجب أن لا يسقط أصله نقصان الأجزاء. 28981 - قلنا: هذا موضوع فاسد. لأنه يقتضي أن يكون المؤثر في الحدود [ما يقارن ابتداء وهو بها دون ما يطرأ عليها. وقد اتفقنا أن الطارئ على الحدود] قبل الاستيفاء كالموجود في الابتداء. بدلالة: ردة الشهود وفسقهم وبطلان إحصان المقذوف. ونقول بموجب العلة. لأن النقصان عندنا لا يسقط القطع حتى يكون نقصا بصفة، وهو أ، يكون النقص مسندا إلى حال الأخذ وهذا المعنى لا يوجد في نقصان الأجزاء. لأنها لا تستند إلى حال الأخذ بدلالة: سقوط الضمان فيه. ولأن الأجزاء الفائتة مضمونة في ذمة السارق فيقوم ضمانها مقامها فكأنها لم تنقص. ونقصان القيمة غير مضمون فيصير ما فات به كأن لم يكن. يبين الفرق بينهما أن المبيع إذا أتلف في يد البائع انفسخ العقد وإن أتلفه متلف لم ينفسخ حتى قامت القيمة مقام المبيع فكأنه باق بحاله. 28982 - فإن قيل: [نحن لا نسلم] بأن نقصان القيمة غير مضمون. لأن العين إذا أتلفت ضمن السارق ثمنها فاستويا. 28983 - قلنا: كلامنا مع بقاء العين والنقص هناك غير مضمون باتفاق. 28984 - قالوا: المال يضمن لأن الواجب رد العين وقد ردها. 28985 - قلنا: نحن استدللنا لسقوط الضمان فذكرتم علة ذلك وهذا يؤكد كلامنا.

28986 - قالوا: عندكم السارق لا ضمان عليه. فكيف يصح قولكم إن الأجزاء مضمونة في ذمة السارق. 28987 - قلنا: يجب عليه الضمان ويسقط عنه بالقطع. 28988 - قالوا: فإذا نقصت العين المسروقة ثم هلكت فقد ضمن السارق قيمتها يوم الأخذ ولا قطع عندكم. 28989 - قلنا: يسقط القطع بنقصان القيمة بعد الهلاك فلا يعود إلا بتجديد سرقة أخرى. 28990 - قالوا: إذا نقصت الأجزاء فقد ثبت ضمانها في الذمة. وهذا المعنى في الابتداء يمنع وجوب القطع. بدلالة من دخل الحرز فشق الثوب حتى نقصت قيمته. عن النصاب ثم أخرجه. 28991 - قلنا: هناك لا يفصل بين نصاب كامل وبين الحرز فلم يجب القطع. وإذا نقص بعد الإخراج فقد ثبت الأجزاء في الذمة بعد وجود الفصل بينها وبين الخرز. فلذلك اختلف الابتداء والبقاء. 28992 - قالوا: قدر النصاب إذا اختلف فيه حال الوجوب وحال الأخذ فالمعتبر بحال الأخذ أصله إذا أخذه وقيمته أقل من قدر النصاب ثم زادت قيمته. 28993 - قلنا: هناك الطارئ موجب وفي مسألتنا الطارئ مسقط، وفرق الأصول بينهما. بدلالة أن الحرية إذا طرأت بعد الزنا لم يكمل الحد، وتغير إحصان المقذوف يسقط الحد، فعلم أن الطارئ إذا أسقط الحد اعتبر، ولو أوجب الحد أو غلظه لم يعتبر. 28994 - قالوا: المعتبر في الحدود بحال الوجوب. بدلالة من زنى وهو بكر ثم أحصن، أو أعتق وقد زنى وهو عبد. وبدلالة زيادة قيمة المسروق. ولو خرب الحرز أو

ملكه السارق لم يسقط الحد، وكذلك إذا شارك في المال. 28995 - قلنا: قد بينا أن الطارئ إذا كان يوجب ما لم يكن واجبًا لا اعتبار به. لأن الشبهة مؤثرة في الحدود. فيصير الطارئ المسقط كالوجود ابتداء كسائر [الشبه]. فأما في التأكيد فلا. وأما خراب الحرز فلا يمنع القطع ابتداء. بدلالة أن السارق ينقب البيت فيخرج الحرز أن يكون حرزا ويجب عليه بالأخذ القطع. ولو سرق سارق من الحرز الخرب وهناك حافظ وجب عليه القطع وأما ملكه للحر فلا يمنع وجوب القطع. لأن المؤجر إذا سرق من الدار المستأجرة قطع مع ملكه للحرز وأما الشركة في المال المسروق فيقسط القطع. فإن ألزموا من سرق من حرة فتزوجها أو بأمة فاشتراها. 28996 - قلنا: يسقط الحد في إحدى الروايتين وعلى الرواية الأخرى: الحد لم يتعلق بالعين، وإنما وجب باستيفاء المنفعة، ولم يطرأ على المنفعة المستوفاة ملك. لأنها عدمت، وإنما ملكت منفعة مستقبلة لم يتعلق التعليل لوجوب القطع ابتداء. 28997 - فعندنا وجب القطع وجوبا مراعى ثم سقط وإن كان التعليل للمنع من سقوطه انتقض بما لو أقر المسروق منه بالعين للسارق. والمعنى في الأصل أن العين بحالها لم يطرأ عليها ما يغير حالها وهي وجوب القطع وفي [مسألتنا طرأ على العين ما لو كان موجودا في الابتداء منع وجوب القطع] فإذا طرأ منع استيفاء القطع فيها. 28998 - قلنا: لو هلك الشهود بعد أداء الشهادة لم يسقط الحد. ولو تغير صفتهم بالردة أو الرجوع إذا المعنى فيه يسقط الحد.

مسألة 1440 [هبة المسروق منه العين للسارق]

مسألة 1440 [هبة المسروق منه العين للسارق] 2899 - قال أبو حنيفة ومحمد: إذا وهب المسروق منه العين للسارق سقط القطع. 29000 - وقال أبو يوسف: لا يسقط القطع. وبه قال الشافعي. 29001 - لنا: أن الهبة مع القبض سبب للملك في العين المسروق فوجب أن يسقط القطع أصله: إذا أقر بالعين أو قامت البينة أنها للسارق. 29002 - فإن قيل: هناك تبين أن القطع لم يجب. 29003 - قلنا: لم نسلم ذلك لجواز أن يكون المقر كذب في إقراره. ولأنه حد تعلق بهتك حرمة عين بصفة [فتغير] الصفة قبل استيفاء الحد يسقط أصله إذا زال إحصان المقذوف ولأن الأخذ يتعلق به حكمان: وجوب القطع والرد. ثم سقط أحد الحكمين بالهبة والقبض كذلك الآخر. ولأن السبب الذي وجبت العقوبة لأجله انتقل الملك فيه إلى من وجبت العقوبة عليه فصار كالقبض منه كما إذا ورث من وجب له القصاص. 29004 - وهذه المسألة مبنية على أن الطارئ على الحدود قبل الاستيفاء بمنزلة الموجود في الابتداء. بدلالة ردة الشهود وفسقهم.

29005 - وقد ألزموا على هذا رد العين بعد القضاء بالقطع [أو أذن المالك في إمساكها. 29006 - قلنا: هذه المعاني إذا وجدت قبل القضاء منعت المطالبة، وهي غير معتبرة بعد القضاء بالقطع] فكذلك لم يمتنع القطع. 29007 - احتجوا بقوه تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما}. 29008 - قلنا: [قد بينا] أن حقيقة اسم السارق حال الملابسة وما بعدها يسمى من طريق الشرع على وجه الذم ولا نسلم أنه إذا وهب له المال يتناوله الاسم. 29009 - قالوا: روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يقطع السارق إلا في ربع دينار). 29010 - قلنا: هذا يقتضي وجوب القطع بالأخذ وقد اتفقنا على ذلك. والكلام هل يسقط القطع بعد وجوبه أو لم يسقط، وليس في الخبر دلالة على ذلك. 29011 - قالوا: روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني منها فقد وجب). 29012 - قلنا: الحد وجب ثم سقط بالتمليك، وليس في الخبر ما يمنع السقوط. 29013 - قالوا: روى مالك عن ابن شهاب عن صفوان بن عبد الله أن صفوان ابن أمية قيل له: إن من لم يهاجر هالك. فقدم صفوان بت أمية المدينة فنام في المسجد وتوسد رداءه. فجاء سارق فأخذ رداءه. فأخذ صفوان السارق فجاء به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمر به - صلى الله عليه وسلم - أن تقطع يده. فقال صفوان: إني لم أرد هذا هو عليه صدقة. فقال - صلى الله عليه وسلم -: (هلا) قبل أن تأتيني به،!). 29014 - الجواب: أن حديث الموطأ مرسل. لأن صفوان بن عبد الله لم، يسمع من صفوان بن أمية. وقد ذكر الطحاوي الحديث عن عطاء عن صفوان بن

أمية وعمرو بن دينار أن صفوان بن أمية وذكر فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بقطعه. فقال: يا رسول الله لا تقطعه. فقال - صلى الله عليه وسلم -: (فهلا قبل أن تأتيني به). 29015 - وذكر عن حميد ابن أخت صفوان، وذكر القصة. وقال: أنا أبيعه وأنسئه منه. فقال: (هلا قبل أن تأتيني به). 29016 - وذكر عن يوسف بن ماهك (أن عبدا لبعض أهل المدينة سرق رداء صفوان فانطلق به صفوان إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ... فأمر بقطعه. فقال: يا رسول الله تقطعه من أجل ثوبي خل عنه. وقال: (أفلا قبل أن تأتيني به). فأمر فقطع. 29017 - ولم يذكر أنه - صلى الله عليه وسلم - قطع ذلك السارق إلا في هذا الحديث. وفي حديث ابن عباس قال: أمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقطع. فقال صفوان: في هذا تقطع، فقال: (هلا قبل أن يأتيني). 29018 - وإذا اختلفت ألفاظ وأصل الخبر واحد، ومعانيها غير متفقة وجب التوقف حتى يعلم أصل الخبر. ولو ثبت أن أصل الخبر: هبة العين منه لم يدل. لأنه ليس فيه أنه أقبضه إياها، ومجرد الهبة لا يسقط القطع حتى يقبل السارق ويقبض فيملك العين ويسقط القطع ملكه إياها. 29019 - فإن قيل: قوله: (هلا قبل أن تأتيني به) يدل على أنه وجد معنى لو تقدم أسقط القطع. والهبة من غير قبض لو حصلت قبل الدفع لم يسقط.

29020 - قلنا: ليس كذلك؛ لأنه إذا وهب العين قبل المرافعة لم يملكها وسقط القطع لأنه ترك المطالبة وبعد المرافعة إذا وهب ولم يقبض فترك المطالبة لا يؤثر وإنما الملك وذلك لم يوجد. 29021 - فإن قيل: لو كان القبض يسقط القطع لأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك ليتوصل به إلى إسقاطه كما قال: ([أسرقت؟ قل]: لا) ولكان يبين له ما يسقط القطع بفعله. 29022 - قلنا: النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل ثبوت الحق يتوصل إلى إساقطه بتلقين الجوع. فأما بعد ثبوته فلا يلزمه ذلك. فلهذا لم يأمره بقبض الموهوب. يبين ذلك أنه قال لماعز: (لعلك لمست) ولم يقل له بعد تكامل الإقرار: إن رجعت عن إقرارك لم تجد. 29023 - فإن قيل: النبي [- صلى الله عليه وسلم -] قال: (هلا قبل أن تأتيني به) ولم يقل: إنه لم يملك. 29024 - قلنا: الحكم معلل بعلتين إن وهب قبل المرافعة ولم يقبض لم يجب حد لعدوله عن المطالبة. ولو وهب من بعد وأقبض سقط القطع. وذكر إحدى علتي الحكم وسكت عن الأخرى. 29025 - قالوا: معنى حادث بعد وجوب القطع لا يؤثر في حال وجوبه فوجب أن لا يسقط مع بقاء محله قياسًا على رد العين وتلفها وخراب الحرز وموت الشهود. 29026 - قلنا: يبطل بالقطع قصاصًا إذا عفي من له القصاص، ويبطل بردة الشهود وفسقهم على ما قررناه في رد العين أنه لا يمنع وجوب القطع ابتداء فلا يمنع بعد الهبة بمنع ابتداء القطع فيجوز أن يؤثر في البقاء. 29027 - فإن قيل: الرد قبل الترافع يسقط القطع ولا يمنع ابتداء وجوبه. 29028 - قلنا: هناك الرد لا يسقط وإنما يسقط القطع بسقوط الخصومة. والمعنى في هلاك العين أنه لا يحقق ضمانها فلم يسقط الحكم المعلق بأخذها والرد يسقط الضمان.

المعلق بالأخذ فجاز أن يسقط القطع. وأما خراب الحرز فلا يمنع ابتداء القطع. وأما موت الشهود فلا يؤثر في عدالتهم فلم يتغير الحق المعلق بشهادتهم. والهبة تسقط حكم الأخذ من وجوب الرد والضمان فيسقط الحكم المعلق به من القطع. 29029 - قالوا: معنى حادث في المسروق بعد ثبوت القطع فوجب أن لا يسقطه كما ذكرنا. 29030 - قلنا: يبطل إذا شهد الشهود بملك العين للسارق، وإذا أقر بها له المسروق منه. 29031 - قالوا: [معنى طرأ بعد ثبوت القطع في غير محله فلا يبطل بفسق الشهود. 29032 - فإن قالوا] تبين أن الحد لم يجب. 29033 - قلنا: غلط لأن الفسق الطارئ لا يستصحب فيما مضى وإنما يستصحب في المستقبل. 29034 - قالوا: الهبة والبيع معنى يسقط المطالبة بالمسروق أو بوجوب البراءة منه فوجب أن لا يسقط القطع أصله رد العين بعد الحكم. 29035 - قلنا: يبطل إذا أقر له بالعين. فإن قالوا: هناك يتبين أن العين ليست مسروقة. 29036 - قلنا: يجوز أن يكون المقر كاذبا فلا نعلم أنه لم يسرق. ولأن الهبة [في العين] معنى تملك به العين فلا يقطع بملك نفسه كما لا يجب فيه القطع ابتداء. وأما الرد فيزيل اليد ويسقط المطالبة. ونفى اليد غير معتبرة في وجوب القطع بدلالة إذا هلكت العين. والمطالبة تعتبر عند الخصومة فسقوطها بعد المطالبة لا يؤثر.

29037 - قالوا: حد وجب بإيقاع فعل في العين. [فإذا ملكها] لم يسقط الحد عنه أصله إذا زنى بامرأة ثم تزوجها أو بأمة ثم ملكها. 29038 - قلنا: يسقط الحد في إحدى الروايتين عندنا فالأصل غير مسلم، ولو سلمنا فالحد وجب في استيفاء المنفعة لا في العين، ولم يملك ملك المنفعة بل عدمت. وفي مسألتنا وجب الحد بأخذ العين. ولذلك حصل في العين فلم يجب عليه الحد في عين بقي على ملكه.

مسألة 1441 [سرقة المصحف والكتب]

مسألة 1441 [سرقة المصحف والكتب] 29039 - قال أبو حنيفة ومحمد: إذا سرق مصحفا لم يقطع وكذلك دفاتر العلم والأدب. 29040 - وقال الشافعي: يجب فيها القطع. 29041 - لنا: أن المقصود منه القران وجميع الناس يتساوون [في ذلك] فصار كمال بيت المال. 29042 - ولأنه مختلف في جواز بيعه. لأن ابن عمر وشريحًا قالا: لا يجوز بيع المصاحف. ومن منع بيعها أخرجها أن تكون مالا. وما اختلف في كونه مالا [لم يجب] بسرقته القطع كخمر الذمي [ونبيذ المسلم]. 29043 - فإن قيل: بأواني العاج والجلود المدبوغة [يقطع قبل العمل فيه، ويقطع فيه بعد عمله وإحداث صنعة فيه]. 29044 - قلنا: إذا قال في العاج المعمول إنه يقطع فيه. لأنه لم يعرف في العادة وما أذن في أخذه للقراءة فيه في العادة، وما أذن في أخذه للعادة كالحرز المأذون في دخوله من جهة الآدمي بالعادة. فإذا كان السارق من الحمامات وخانات التجار المأذون في دخولها لا يقطع كذلك هاهنا. 29045 - ولأن المقصود من العين ليس بمال، وللأخذ شبهة في أخذها. 29046 - لأنه يأخذها ليتلقن منها عند الحاجة فصار كالملاهي التي المقصود منها

اللًهو وليس بمال. وللآخذ شبهة في أخذها لكسرها ثم لم يجب بسرقة الملاهي القطع كذلك المصاحف. 29047 - فإن قيل: المصاحف مال في نفسها وجهة الانتفاع ليست بمال كما أن الثياب مال وجهة الانتفاع بها لبسها وليس بمال. 29048 - قلنا: هذا غلط. لأنا قلنا: إن المقصود من المصحف غير مقوم واللبس من الثياب معنى مقوم. والقراءة من المصحف غير مقوم. 29049 - احتجوا: بقوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما}. وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: (القطع في ربع دينار) معناه ما قيمته [ربع دينار]. 29050 - قلنا: أما الآية فقد أريد بها سارق مال مقدر من غير شبهة، وهنا ليس بمال عندنا. 29051 - والشبهة ممكنة فيه. وأما الخبر فيقتضي وجوب المال، وغيره لا يتناوله الظاهر. 29052 - قالوا: نوع مال فجاز القطع فيه كسائر الأموال. 29053 - قلنا: المقصود منه إذا لم يكن مالا لم يعتبر بالمال كسرقة الصبي الحر وعليه ثياب. والمعنى في سائر الأموال أنه لا شبهة للسارق في أخذها، وله في أخذ المصحف شبهة فلا يتعلق بأخذه القطع كسائر الأموال التي في أخذها شبهة. 29054 - قالوا: إذا لم تكن مكتوبة وجب فيها القطع فالكتب زيادة فيها فأولى أن يجب فيها القطع كالثوب إذا قصر. 29055 - قلنا: يبطل بالقلادة إذا سرقها قطع. ولو كانت على كلب فسرقها لم يقطع، والثياب إذا سرقها قطع. وإذا كانت على صبي فسرقة لم يقطع والإناء إذا سرقه قطع وإذا كان فيه خمر فسرقهما لم يقطع لذلك في مسألتنا الكاغد المقصود منه المال فيقطع. فإذا كتب صار المقصود غير المال فلم يجب فيه القطع. 29056 - قالوا: القطع صيانة للأموال وقطعًا لطمع السراق والمصاحف

تحتاج إلى صيانة. 29057 - قلنا: لم تجر العادة في المصاحف أن تمنع ممن يروم القراءة فيها والانتفاع بها فلم تفتقر إلى الزجر عن أخذها. 29058 - قالوا: لو سرق دفاتر الحساب قطع كذلك إذا سرق كتب الأدب قطع. 29059 - قلنا: دفاتر الحساب لا يقصد السارق ما فيها، وإنما المقصود كاغدها وهو مال. وأما سائر الدفاتر فإن المقصود ما فيها دونها، وليس ذلك بمال.

مسألة 1442 [سرقة ستارة الكعبة]

مسألة 1442 [سرقة ستارة الكعبة] 29060 - قال أصحابنا: إذا سرقت ستارة الكعبة لم يقطع. 29061 - وقال الشافعي: يقطع. 29062 - لنا: أنه ليس لها مالك من الآدميين معين فلم يقطع فيها كمال بيت المال. ولأنها أذن نفعها في دخولها، فالسارق لماله فيها لا يقطع كالحرز وإذا أذن في دخوله. 29063 - احتجوا: بما روي أن رجلا سرق قطيفة من منبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقطعه عثمان. 29064 - قلنا: يجوز أن يكون مالكها عندها، ولم تكن كسوة للمنبر. قال الشافعي: تعليق الستارة إحرازها، ومن سرق نصابا من حرز مثله قطع. 29065 - قلنا: لا نسلم أنها تعلق لحفظها وإحرازها. ولو سلمنا فهي محرزة [ولكن لها مالك من الآدميين معين. ولو كانت مملوكة محرزة] فالحرز مأذون في دخوله من جهة مالكه، والأخذ فيه شبهة على ما بينا.

مسألة 1443 [سرقة المؤجر من الدار التي أجرها]

مسألة 1443 [سرقة المؤجر من الدار التي أجرها] 29066 - قال أبو حنيفة: إذا سرق المؤجر من الدار المؤجرة قطع. 29067 - وقالا: لا يقطع 29068 - لنا: أن المستأجر أخص بالحرز من المؤجر. بدلالة أنه يمنعه من الدخول إليه فصار كالسارق من ملك غيره. ولأن ثبوت حق السارق في النفقة لا يمنع وجوب القطع كمن سرق مالا من مسجد وعنده حافظة. ولأن حق السارق في المسجد أقوى من حقه في الدار التي أجرها. لأن صاحب المال لا يملك أن يمنع السارق من دخول المسجد. والمستأجر يملك منع المؤجر من دخول داره. فإذا وجب القطع على السارق من المسجد فهذا أولى. 29069 - لهما: أن الحرز ملكه فلم يجب بالسرقة منه قطع كسرقته بالسرقة.

مسألة 1444 [هل على النباش قطع أم لا]

مسألة 1444 [هل على النباش قطع أم لا] 29070 - قال أبو حنيفة ومحمد: النباش لا يقطع. 29071 - وقال أبو يوسف: يقطع. وبه قال الشافعي. 29072 - والكلام في هذه المسألة يقع في مواضع: أحدها: أنه لا يسمى سارقا. والدليل عليه: أنهم خصوه باسم فقالوا: نباش. وطريق التفريق في الأسماء أن ينفرد كل فعل باسم. فدل ذلك أن كل واحد من الأمرين لا يسمى باسم الآخر إلا أن يجل دليل الاشتراك. ولأن أهل المدينة يسمونه مختفي، ولا يسمون السارق بذلك، ولأن السارق عندهم من أخذ الشيء مستخفيا. ولهذا يقولون سارق النظر. وهذا لا يكون إلا فيما أخذ وهو محفوظ وهذا لا يوجد في الكفن. 29073 - فإن قيل: روي عن عائشة أنها قالت: (كيف يقطع سارق أحيائنا ولا يقطع سارق موتانا)). 29074 - قلنا: هذا محمول على سارق مال الميت، ولو ثبت أنها قالت ذلك في الكفن بيانا للاسم وإنما هو بيان للحكم. ولأنهم لا يعملون الأسماء. فكأنها قالت: حكمه حكم السارق.

29075 - فإن قيل: تسميته نباشا لا ينفي اسم السارق، وإنما هذا نوع من السرقة تقولهم نقاب. 29076 - قلنا: الظاهر من إفراد الفعل باسم أنه لا يشارك غيره في اسمه. فإذا ثبت الاشتراك في موضوع فهو خلاف الظاهر. وإذا ثبت أن اسم السارق لا يتناوله، الحد [في السارق] ورد في السارق فلا يجوز نقله إلى غيره بالقياس. 29077 - الفصل الثاني: أن الكفن ليس بمملوك لأنه لا يخلو إما أن يكون ملكا للميت أو للوارث. ولا يجوز أن يكون ملكا للميت. لأن الموت ينافي الإملاك ولأنه يمنع البقاء على الملك فأولى أن يمنع الابتداء. ولأنه ينفي ملك منفعة البضع، وملكها أوسع من ملك المال. بدلالة أن العبد يملكها ولا يملك المال فكان نفي ملك المال أولى. ولا يجوز أ، يكون ملكا للوراث. لأنه يستحق عليه فإذا نقده لم يكن على ملكه كالدين والوصية. ولأن الوارث عند مخالفنا لو نبش الكفن قطع. ويستحيل أن يقطع في ملكه. ولأن الموت ينافي الإملاك فلا يختص بعين دون عين. 29078 - فإن قيل: ملك الميت يزول عما لا حاجة به إليه، وبه إلى الكفن حاجة فلا يزول ملكه عنه كتقدير فيه وما أوصى به للفقراء. 29079 - قلنا: لا يزول ملكه عن جميع ذلك بالموت ويقف على حق الغرماء والموصي لهم، فإذا ردوا الوصية وأبرأوا من الدين زال الموقوف وحكمنا بانتقال الملك إلى الورثة في ذلك. 29080 - فإن قيل: هلا قلتم: إن ملك الكفن يقف على حكم ملك الميت. 29081 - قلنا: إنما يقف على حكم ملكه تعلق حق الغير به تعلقا مراعى. فإذا نقد ما تعلق به [المراعي دون أن يسقط] الحلق المتعلق به وملكه الورثة. والكفن يتعلق به حق غير الميت حتى يقف ملكه فيه. 29082 - فإن قيل: لو أكل الميت سبع كان الوارث أحق بالكفن. 29083 - قلنا: لأنه مستحق عليهم بجهة بطلت تلك الجهة فعاد إلى ملكهم

كما لو أوصى الميت بوصية فردها الموصى له فملكها الوارث لبطلان الجهة التي استحقت لها. ولذلك قال محمد: في المسجد إذا استغني عنه عاد إلى ملك بانيه وكذلك إذا أبرأوا الغرماء من الدين [فملكها الوارث] ولا يملكون قبل البراءة، ولو تبرع متبرع بتكفين الميت زال ملكه عن الكفن. فإن أكله سبع عاد الكفن إلى ملك المتبرع. 29084 - فإن قيل: الوارث خصم للنباش في رد الكفن فدل أنه ملكه. 29085 - قلنا: المودع خصم في رد الوديعة إلى يده ولا يملكها. ولأنه يخاصم لتبقيه الفرية التي وجهها وإذا كان هذا قلنا: كل عين ليس لها مالك معين من الآدميين ولا هي موقوفة [على حكم ملك مالك] بعقد لم يقطع فيها كمال بيت المال. ولا يلزم مال الكاتب. لأنه موقوف على ملك بعقد. 29086 - فإن قيل: السارق من المودع يقطعه المودع وليس بمالك. 29087 - قلنا: العين ملك المودع، والمودع قائم مقامه في المطالبة بها. 29088 - فإن قيل: المعنى في مال بيت المال أن للسارق فيه حقا فلا يقطع كما لا يقطع في سرقة مال مشترك. ولأن مال بيت المال وضع لصيانة المسلم عن الفقر كما أن مال الابن لصيانة أبيه عن الفقر. ثم لا يقطع الأب في سرقة مال الابن كذلك السارق من بيت المال. 29089 - قلنا: الحربي المستأمن إذا سرق مال بيت المال لم يقطع وليس بشريك فيه. 29090 - الفصل الثالث في المسألة: أن الكفن ليس بمحرز في القبر. 29091 - الدليل على ذلك أنه إن سرق من القبر وليس فيه ميت لم يقطع، وانضمام الميت إلى الكفن وهو لا يحس كضم حجر إليه. ولأنه لو سرق من القبر غير الكفن من الأموال لم يقطع، ولو كان حرزا لنوع من المال كان حرزا لجميع المال

كالبيوت. ولأن البقعة تصير الحرز لمعنى هي عليه كالبيوت أو للحافظ، والقبر لم يوضع للحفظ ولا هناك حافظ فلم يكن حرزًا للدواب الدنانير. 29092 - قلنا: ليس نقول ذلك. شريحة البقال حرز لجميع الأموال كما أن صحن الدار حرز للجوهر إذا بدر فيه وإن لم تجر العادة بحفظ الجوهر كذلك. 29093 - فإن قيل: من وضع النار في القبر بسبب التفريط فدل أنه حفظ. 29094 - قلنا: كلاهما يضيع إلا أن أحدهما فيه غرض صحيح. فلا يلزم عليه، والآخر بلا غرض فيه فيلام عليه كما أن آكل الطعام لا لوم عليه، وآكل الجوهر يلام على أكله، فكلا الفعلين يضيع. 29095 - فإن قيل: قال تعالى {ألم نجعل الأرض كفانًا، أحياء وأمواتًا} فأخبر أن الأرض تحفظ الآدمي. 29096 - قلنا: ليس إذا كان حرزًا للآدمي لزم أن تكون حرزًا للكفن. لأن عند مخالفنا قد يكون الموضع حرزًا لشيء دون شيء، ثم الكفن الضم، فأخبر الله تعالى أن الأرض تضم الميت حتى لا تبدده اختلاف الرياح وتأكله السباع والهوام وليس هذا من الحرز في شيء. 29097 - فإن قيل: لا معنى لاعتبار الحرز في القبر، وعندكم أن القبر لو كان في دار لم يقطع أخذ الكفن منه، وقد أخذه من حرز. 29098 - قلنا: إذا كان القبر في الصحراء لم يجب القطع لمعان. منها: عدم الحرز، فإذا أخذ من قبر في دار لم يقطع. لأنه ليس بمملوك. ولأن الآخذ ليس بسارق، ولا يمتنع أن يعلل الحكم بعلة تتعلق بجميعها تارة وبكل واحد منها على الانفراد أخرى. 29099 - الفصل الرابع: في تفسير المسألة: والدليل عليه ما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا قطع على مختفي) والمختفي: النباش بلغة أهل المدينة.

29100 - وروى الزهري أن نباشا أخذ في زمن مروان فاجتمع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانوا متوافقين أنه يضرب ولا يقطع، وعن زيد بن ثابت أنه لا يقطع. 29101 - وقولهم: إن ابن المنذر قال لا يثبت ذلك ليس بصحيح. لأن الطحاوي روى بإسناد صحيح. فلو طعن ابن المنذر في الإسناد سمع طعنه. فإما أن نقول: لم يثبت فهذا نفي، ولا يقبل في مقابلة الإثبات. ولأن كل موضع لو سرق منه الدراهم والدنانير لم يقطع لمعنى يعود إلى الحرز لم يقطع إذا سرق الثياب كالصحراء. ولأنه لو سرق ما زاد على الكفن من القبر لم يقطع. كذلك إذا أخذ الكفن لأن كل واحد منهما من تركه الميت. ولأن كل بقعة إذا أخذ منها المال لم يقطع فانضمام الميت إلى المال لا يوجب القطع كالحرز المأذون في دخوله. ولأن أخذ النباش يستقر به الضمان فلا يجب به القطع فأخذ الغاضب. ولأن أطراف الميت لا يجب بإتلافها ضمان فلا يجب بأخذ كسوته قطع كالحربي. 29102 - قالوا: ينتقض بالمرتد. 29103 - قلنا: لا يجب القطع في حاله. لأن من الفقهاء من قال: هو ينتقض بالزاني إذا حكم الحاكم برجمه. 29104 - قلنا: أطرافه مضمونه. بدلالة أن من قطع يده ثم دخل شبهة ضمن. 29105 - احتجوا: بقوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما}. 29106 - قالوا: والسارق اسم عام يجمع أنواعًا كنقاب وطرار. ولهذا قالت عائشة: (كيف يقطع سارق أحيائنا ولا يقطع سارق موتانا)؟ فسمت النباش سارقًا. 29107 - وقولهم: مقبول في اللغة. 29108 - قلنا: قد بينا أن النباش خص باسم، والظاهر أنه لا يشارك غيره، وعلى

لغة أهل المدينة. يقال له: مختفي. فلم نسلم أنه يسمى سارقًا على الإطلاق. 29109 - وقول عائشة بيان للحكم. لأن الصحابة لا يعلم بعضهم بعضًا الأسماء اللغوية. فكأنها قالت حكمة حكم سارق الأحياء. 20110 - وقولهم: إن السارق من أخذ المال على وجه الاستخفاء ليس بصحيح. لأن الميت لا يستخفى منه. 29111 - قالوا: روى البراء بن عازب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من غرق غرقنا ومن حرق حرقنا ومن نبش قطعناه). 29112 - قلنا: هذا خبر لا أصل له. وما حكي عن موضع صحيح ولا سقيم. فإما نقلت هذه الألفاظ في خطبة زياد. ولأن النبش لا يتعلق به القطع باتفاق، وأنه يتعلق عندهم بأخذ الكفن. فكيف علق - عليه السلام - القطع بما لا يتعلق به؟ 29113 - قالوا: قال الله تعالى: {إنما جزءوا الذين يحابون الله ورسوله}. الآية تقتضي أن قاطع الطريق [إذا أخذ] كفن ميت في تابوت في القافلة فلم يجب القطع. 29114 - قلنا: ليس عن أبي حنيفة في وجوب الحد على قاطع الطريق بأخذ الكفن رواية؛ ولأن المراد بالآية إذا أخذوا مالًا مملوكًا باتفاق. وذلك في الكفن عندنا. 29115 - قالوا: روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (القطع في ربع دينار). 29116 - قلنا: المراد به القطع على السارق، ونحن لا نسلم أن هذا السارق. 29117 - قالوا: روي أن ابن الزبير قطع نباشا بعرفات. وهذا موضع يحضره الناس من كل فج، ولم ينكر ذلك أحد وقالت عائشة: (سارق موتانا كسارق أحيائنا).

قالوا: روي أن ابن مسعود أخذ نباشا. فكتب إلى عمر. فكتب عمر يقطع. 29118 - قلنا: من الإجماع في زمن مروان. روه الزهري وهو الثبت فيما يرويه عن السيرة بالمدينة. 29119 - وأما خبر ابن مسعود فلو كان صحيحا لنقله أهل الكوفة، ولو ثبت بالإجماع في زمن مروان لسقط ما قبله من الخلاف. 29120 - وما روي من فعل ابن الزبير يجوز أن يكون نباشا سرق فقطع بسرقته؛ وعرف بفعل النبش، وإن قطع بغيره. 29121 - كما روي ابن الزبير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قطع المخزومية التي كانت تستعير الحلي وتحبسه. 29122 - قالوا: من وجب القطع بسرقته سترته كالحي يجب القطع بسرقة سترته وإن لم يجب ستر عورته وهو الصبي والصغير. وتنتقض العلة بالحربي. فإن القطع لا يجب بسرقة سترته، وإن وجب ستر عورته. 29123 - والمعنى في الحي أن الضمان يستقل بإتلاف أطرافه فوجب القطع بسرقة أثوابه، وإن كانت أطراف الميت لا تضمن بالإتلاف لم يقطع بسرقة سترته، أو نقول سترة الحي لو سرق منها الدراهم لم يقطع. كذلك إذا سرقها لم يقطع. 29124 - قالوا: حكم يتعلق بالسرقة فجاز أن يتلق بالكفن أصله الضمان. 29125 - قلنا: وجوب الضمان أوسع ووجوب القطع أضيق. ألا ترى أن السارق من بيت المال ومن الحرز المأذون في دخوله والمختلس يجب عليهم دون القطع، ولأن الضمان في الكفن يجب بحق الوارث، والقطع لا يجب لحقه. لأن عند مخالفنا لو نبش القبر قطع. ولأن الضمان يجب في أخذ مال بيت المال كذلك لا يجب في أخذ الكفن. [وكما لم يجب القطع في أخذ مال بيت المال. كذلك لا يجب في أخذ الكفن].

29126 - قالوا: سرق نصابا في حرز مثله من غير شبهة فوجب قطعه إذا كان من أهل القطع أصله [السارق من] الحي. 29127 - قلنا: لا نسلم أنه سرق. فإن قالوا: أخذ بطل بالمنتهب. فإن قالوا: اَخذ على وجه الاستخفاء بطل بمن أخذ من حرز مأذون له في دخوله. 29128 - فلا نسلم أنه أخذ من حرز مثله. لأن الكفن لا يوضع في القبر ليحرز، وإنما يوضع للبذلة والفساد ولا يكون محرزا. 29129 - فإن قالوا: إنما يوضع للمنفعة وإن فسد بها كما يلبس الثوب الحي لينتفع به. وإن بلي بلبسه. 29130 - قلنا: الميت يوضع للفساد والبلى فكذلك كفنه، والحي محفوظ فكذلك ثيابه أيضا وإن كانت تبلى بالاستعمال. 29131 - والمعنى في غير الكفن أنه مأخوذ من مكان لو أخذت منه الدراهم لم يقطع كذلك إذا أخذ الثياب.

مسألة 1445 [سرقة العين التي قطع فيها بعد ردها]

مسألة 1445 [سرقة العين التي قطع فيها بعد ردها] 29132 - قال أصحابنا: إذا سرق عينا فقطع فيها فرجها ثم عاد فسرقها لم يقطع. 29133 - وقال الشافعي: تقطع رجله اليسرى. 29134 - لنا: قوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} ظاهر يقتضي أن القطع لا يتعلق بغير اليد إلا أن يقوم دليل. 29135 - فإن قيل: إذا سرقه ثانيا وقد ذهب رجله اليسرى بآفة قطعت يده اليسرى عندنا فنفرض الكلام في هذا. 29136 - قلنا: القادح في دليل خصمه لا يفرض الكلام بما هو فاسد؛ لأن المراد بقوله: {فاقطعوا أيديهما}: أيمانهما باتفاق، وذلك في قراءة ابن مسعود. فكيف يحمل على اليد اليسرى. 29137 - [ولأنه حد] وجب بهتك حرمة الغير التي اعتبرت في وجوبه. فإذا استوفي بهتكها مرة لم يستوف من الأولى بهتكها ثانية أصله القاذف إذا كرر القذف. 29138 - ولا يلزم حد الزنى: لأنه لم يوضع لهتك حرمة المزني بها. بدلالة: أن الحد يجب عليها كما يجب عليه، والزانية لا حرمة لها، ولأن حد القذف وضع لصيانة الأعراض كذلك إذا تكرر الأخذ. ولأن حرمة الأعراض أغلظ من حرمة المال؛ لأن حرمة المال بمالكه، فإذا لم يتكرر الحد بهتك حرمة، فحرمة المال أولى. ولأنه حد لا يستوفى إلا بالخصومة فتكرر الحد في غير واحدة مما لا يوجب على الواحد

غير حد واحد أصله القذف ولا يلزم حد الزنى: لأن استيفاءه لا يقف على الخصومة. 29139 - [ألا ترى] أن الشهود لو شهدوا عليه بالزنا حد، ولو شهدوا أنه سرق أو أقر بالسرقة لم يقطع حتى [يحضر] المسروق منه فيطالب بالمال؟ 29140 - فإن قيل: المقصود بحد القذف تحقيق الكذب على القاذف، وقد حكمنا بكذبه فلم يجب بقذفه حد كما لو قال: أهل بغداد زنى لم يجب عليه حد. 29141 - قلنا: المقصود بالحد الزجر وتحقيق الكذب تابع؛ بدلالة أن جماعة لو قذفوا رجلا بزنى واحد وحد أحدهم لم يسقط الحد عن الباقين وإن كان الكذب تحقق عليهم. ألا ترى: أن جماعة لو أخبروا بخبر واحد فحكمنا بكذب أحدهم كان ذلك حكما بكذب جماعتهم. 29142 - فأما من قال: أهل بغداد زنى فلا يجب عليه الحد؛ لأن المقذوف غير معين لما قالوه. 29143 - فإن قيل: القاذف إذا تكرر منه القذف الذي حد فيه لم يجب عليه الحد؛ لأنا قد حققنا كذبه فيه للحد. فلو قذفه بزنى أخر؛ حد. 29144 - قلنا: يكفي في التسليم تكرار القذف بزنى واحد، فأما اعتبار تحقيق الكذب فقد تكلمنا عليه، وهذا أيضا يبطل بالقاذف إذا أكذب نفسه وجب عليه الحد وإن حكم بكذبه باعترافه. ولأن العين معتبرة في وجوب القطع، والفعل معتبر، كان إيقاع فعل واحد في عينين لا يوجب أكثر من قطع واحد كذلك إيقاع فعلين في عين واحدة. 29145 - فإن قيل: الحرز معين كالعين وإيقاع الفعل في حرزين يوجب قطعين. 29146 - قلنا: الحرز شرط في وجوب القطع بالفعل وليس فعله. ولهذا لو سرق من حرزه الذي أجره قطع، وبمثله لو سرق ماله من حرز غيره لم يقطع. 29147 - فإن قيل: إنما وجب قطع واحد بإيقاع فعلين في عينين. لأنه لم

يستوف الحد بأحد الفعلين، ولهذا لو تكرر الفعل لم يجب: إلا قطع واحد. 29148 - فأما بعد استيفاء القطع إن سرق عينا أخرى قطع كذلك إذا سرق العين الأولى. 29149 - قلنا: إذا سرق نصابين دفعة واحدة لم يجب إلا حد واحد. لأن الفعل واحد وإذا كرر السرقة وجب بكل فعل حد، ثم تداخلت الحدود لاجتماعها، فلا نسلم ما قالوه. ولأنه إيقاع فعل في عين يستحق به إتلاف طرف فكانت تلك العين في حق الفاعل لا يتعلق بها قبل ذلك الحكم أصله قطع الطرف. 29150 - فإن قيل: اليد المقطوعة في حق القاطع وحق جميع الناس متلفة حتى لا يتعلق بها قصاص بوجه، والعين في مسألتنا ليست متلفة. بدلالة وجوب القطع بسرقتها على غير السارق الأول لذلك يجب عليه. 29151 - قلنا: ليس إذا وجب القطع على غيره وجب عليه. لأن القطع يجب على الأجنبي بالسرقة ولا يجب على الأب والابن لاختلاف حكمها. 29152 - كذلك العين في مسألتنا صارت في حكم المتلفة في حق من قطع فيها دون غيره، وعلى هذا المقذوف في حكم من الإحصان في حق المحدود في قذفه وإحصانه بحاله في حق جميع الناس. ولأنها عين لو استهلكها استقر ضمانها فلم يجب القطع بأخذها كما دون النصاب. ولأنه أخذ يستقر به الضمان فلا يتعلق به القطع كالغصب. ولأن الأخذ يتعلق به قطع وضمان فلو غيب العين فضمنها ثم سرقها لم يقطع كذلك إذا قطع فيها ثم سرقها لم يطع. ولأن من أصلنا أن الضمان لا يجتمع مع القطع. فلما قطع في العين فقد صارت في حقه كالمباح. بدلالة أنه يضمن باستهلاكها والمباح لا يجب بسرقته قطع. ولا يلزم: إذا كانت السرقة غزلا فنسجه ثم سرقه لأنه بالصنعة تغير. عن حاله الأولى. فصار بمنزلة الخشب لو سرقه لم يقطع فيه. كما لو اتخذ إناء فسرقه فقطع فيه. 29153 - احتجوا: بالآية. وقد بينا أنها دلالة لنا، ولا يمكنهم التعليق بها في السرقة الثانية. لأن الواجب عندهم قطع الرجل دون اليد. ولا يمكن فرض المسألة في السرقة الثالثة أو فيمن ذهب رجله بآفة؛ لأن الآية تتضمن قطع اليد اليمنى.

29154 - ولأن الكلام في قطع اليد اليسرى مسألة مفردة نتكلم عليها. 29155 - قالوا: روى أبو هريرة أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا سرق السارق فاقطعوا يده، فإن سرق فاقطعوا رجله، ثم إن سرق فاقطعوا يده، فإن سرق فاقطعوا رجله). ولم يفصل. 29156 - قلنا: هذا الخبر إنما هو حكاية فعل. فأما قول فلا يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسنبين ذلك فيما بعد. 29157 - ولأن قوله (ثم إن سرق) يقتضي سرقة منكرة، ولو كانت الأولى لعرفها. فلما ذكرها بلفظ التنكير دل على أنه أراد سرقة أخرى. 29158 - قالوا: فعل يوجب الحد فتكرره في عين واحدة كتكرره في أعيان [أصله الزنى. 29159 - قلنا: ليس] يمتنع أن يختلف تكرار سبب الحد في عين واحدة أو في أعيان [بدلالة حد القذف، ولأن حد] الزنا وجب لاستيفاء منفعة لا العين [والمنفعة الثانية غير الأولى. فصار] تباين المنفعتين كتباين العينين. وفي مسألتنا وجب الحد لصيانة العين، والعين واحدة فلم يتكرر الحد لأجلها، يبين الفرق بينهما أن حد السرقة إذا سقط بشبهة ضمنت العين وحد الزنى إذا سقط لم تضمن المنفعة. 29160 - قالوا: سرق نصابا من حرز مثله لا شبهة له فيه، وهو من أهل القطع فوجب قطعه. أصله المرة الأولى. 29161 - قلنا: لا نسلم أن الفعل حصل من غير شبهة؛ لأن العين في حقه صارت غير مقومة بالإتلاف، وهذا شبهة. 29162 - والمعنى في المرة الأولى لم يستوف لأجل العين أحد موجبي السرقة فمنع ذلك من وجوب القطع على المستوفى منه لأجلها. أصله إذا استوفى منه الضمان. 29163 - قالوا: لو سرق غزلا فقطع فيه فنسج ثم سرق منه قطع وهذه مناقضة. 29164 - قلنا: القطع عندنا سقط لأن العين في حكم المباحة للسارق.

والأعيان المباحة إذا تغيرت بصفة وجب فيها القطع عندنا كالخشب إذا نحته أواني. والمناقضة إنما تدفعها العلل على أصوله. 29165 - قالوا: كل عين إذا سرقها غير سارقها وجب قطعه، فكذا إذا أسرقها سارقها. أصله الغزل إذا قطع فيه ثم نسجه. 29166 - قلنا: [وجوب الحد بالسرقة على واحد. لا يدل على وجوب الحد] على غيره. بدلالة الأب والأجنبي. ولأنا نعلم أن سارق الثوب هو سارق العين التي كان سرقها غزلا بل بالنسيج قد صارت في حكم عين أخرى. 29167 - وقد تكلم مخالفونا على هذا فقالوا: لو سرق صوفًا فنسجه ثوبًا ثم عاد فسرقه قطع وإن كان اسم الصوف باقيا، وإذا سرق جديًا فقطع فيه ثم صار تيسا لم يقطع فيه بسرقته وإن كان الاسم قد زال. 29168 - وهذا غلط لأنا نعتبر زوال الاسم وعامة المنافع بصفة حادثة، ولاسم يزول في الصوف إذا نسج. لأنه يقال: ثوب صوف، والجدي إذا صار تيسا. فقد زال الاسم. وأكثر المنافع باقية فلم يزل الاسم بصفة. والكلام في كيفية التعيين بشاغل يبقى بها وهذا عدول عن التسمية، وقد قاسوا على العين إذا قطع فيها ثم سرقها من مالك أخر. 29169 - وهذا موضع لا يسلمه أصحابنا بالعراق وأكثر أهل خراسان ومن أصحابنا الخراسانيين من سلمه وقال: إن حرمة العين بمالكها كاختلاف العينين.

مسألة 1446 ما يقطع في السرقة الأولى

مسألة 1446 ما يقطع في السرقة الأولى 29170 - قال أصحابنا: تقطع في السرقة الأولى اليد اليمنى وفي الثانية الرجل اليسرى، ويعزر في الثالثة ويحبس ولا يقطع. 29171 - وقال الشافعي: تقطع في الثالثة اليد اليسرى، وفي الرابعة الرجل اليمنى وفي الخامسة يعزر ويحبس. 29172 - لنا: قوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما}. قال الفراء: كل شيء موحد من خلق الإنسان إذا ذكر مضافا إلى اثنين فصاعدا جمع. تقول: قد هشمت رؤوسهما، وملأت بطونهما وظهورهما ضربا ومثله {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما}، ومثله ما أنشده سيبوبه ومهمهين قذفَيْن مرتين ظهراهما مثل ظهور الترسين. 29173 - وليس للترس إلا ظهر واحد فثناه بلفظ الجمع. فلما كانت اليمنى واحدة من كل واحد ثناها بلفظ الجمع فدلت الآية على أن الواجب قطع يد واحدة من كل

السارق. وفي قراءة ابن مسعود {والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما}. وهذه القراءة بيان للمراد بالقراءة الأخرى. وهذا يسقط قولهم: إن الآية عامة في اليدين جميعًا. 29174 - فإن قيل: ظاهر الآية يقتضي وجوب قطع اليد اليمنى. فإن كانت الأخرى شلاء أو مقطوعة. 29175 - قلنا: كذلك يقتضي الظاهر لولا قيام الدليل. وترك الظاهر في مسألة أخرى لا يمنع التعلق به في مسألتنا. لأن الحدود لا يجوز إثباتها إلا بتوقف أو باتفاق، ولم يوجد ذلك في اليد اليسرى فلم يجز إثباته. 29176 - ولأن إتلاف منفعة الجنس لا يستحق بالسرقة. دليله السرقة الأولى. 29177 - ولأن ما لا يجب قطعه في قاطع الطريق أول مرة لا يجب في السرقة. أصله الأنفس والأذن. ولأن حد قاطع الطريق أغلظ. بدلالة: أنه يستحق به القتل والصلب. فإذا لم يقطع الأطراف الأربعة هناك، فها هنا أولى ولأن السرقة إذا تكررت ضعفت لهذا أسقط القطع في الخامسة باتفاق فإذا لم يستحق إتلاف منفعة الجنس في الأولى والثانية. 29178 - فإن قيل: إذا جاز أن تتلف [منفعة الجنس قصاصا تتلف] في السرقة, 29179 - قلنا/ القصاص مستحق به إتلاف ما سوى اليدين والرجلين من الأعضاء، ولا يستحق ذلك بالسرقة. فدل على اختلافهما. 29180 - ولأن ما يجب بإتلافه جميع قيمته لا يستحق في السرقة كالعينين. 29181 - ولا يلزم اليد والرجل؛ لأن الواجب فيهما ثلاثة أرباع القيمة. 29182 - ولأن الأخذ في السرقة الثالثة يستقر به الضمان على السارق فلا يجب به الحد كالدفعة الخامسة. ولأن كل أخذ لا يستحق به النفس لا يستحق بنوعه إتلاف، منفعة الجنس كحد القذف. 29183 - احتجوا: بما روى الشافعي قال: أخبرنا بعض أصحابنا عن [ابن أبي ذئب] عن

الحارث بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: قال في السارق: (إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله، ثم إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله). 29184 - الجواب: أن الطحاوي قال: هذا حديث لا أصل له؛ لأن كل من لقيناه من حفاظ الحديث ينكرونه، ويذكرون أنهم لم يجدوا له أصلا. 29185 - وأصحاب الشافعي: لا يجوز لهم العمل به. لأنه مرسل على أصولهم. ونحن لا يلزمنا مع إنكار حفاظ الحديث له. 29186 - وقولهم: إن الشافعي يحتج به وقد ثبت عنده عدالة رواته، ويسقط طعنهم على المراسيل. أنه يجوز أ، يكون عدل من لو سماه لم يعدلوه. على أن هذا لا يجوز أن يكون قاله قبل استقرار الحد، وفي الحالة التي كان يجوز فيها قطع اليدين والرجلين في قاطع الطريق أول مرة كذلك قطع الأربعة الأعضاء في السرقة المكررة. وقد قطع [رسول الله]- صلى الله عليه وسلم -: أيدي العُرَنيين وأرجلهم ثم استقرت الحدود فصار قاطع الطريق تقطع يده ورجله كذلك السارق إذا تكررت سرقته لم تقطع إلا يده ورجله. 29187 - احتجوا: بحديث حماد بن أبي حميد عن محمد بن المنكدر عن جابر أن النبي ... أتي بسارق وقد سرق فأمر أن تقطع يده، ثم أتي به مرة أخرى وقد سرق فأمر أن تقطع رجله، ثم أتي به مرة أخرى [وقد سرق] فأمر أن تقطع يده، ثم أتي به مرة أخرى فأمر أن تقطع رجله.

29188 - قلنا: هذا بعض الحديث وتمامه روى عبد الله بن صالح قال: حدثني أبو معشر عن مصعب بن ثابت عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: سرق رجل في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاءوا به. فقالوا: إن هذا سرق. فقال عليه [الصلاة و] السلام: (اقتلوه. فقالوا: إنما سرق يا رسول الله. قال: (اقطعوا يده) قال: ثم سرق مرة أخرى فجاؤا به، فقالوا: يا رسول الله إن فلانا سرق. قال: (اقتلوه) قالوا: إنما سرق قال: (اقطعوا يده الأخرى) ثم سرق مرة أخرى. فقالوا: يا رسول الله إن قلانا سرق. قال: (اقتلوه) قالوا: إنما سرق. قال: (اقطعوا رجله) قال: ثم سرق مرة أخرى. فقالوا: إن فلانا سرق. قال: (ألم أقل لكم اقتلوه). قال: فخرجنا إلى مربد النعم فحملنا عليه النعم فأشار بيده ورجله فنفرت الإبل عنه، فتلقيناه بالحجارة حتى قتلناه. فهذا أصل الحديث، وإنما اختصره راوي الحديث الأول. قال الطحاوي: وأبو معشر أجلى في قلوب الرواة من أمثال حماد بن أبي حميد. ومعلوم أنه - صلى الله عليه وسلم - في الدفعة الأولى أمر بقتله: بمعنى أوجب القتل غير السرقة، فلما خاف أن يظنوا أن السرقة توجب القتل أمر بقطعه. فإذا كانت النفس مستحقة في الدفعة الأولى، وفي كل دفعة جاز أن تقطع أطرافه كلها؛ لأن المرتد [لا] يمثل به، ثم قتله في الخامسة لا بالسرقة لكن بمعنى أخر، كذلك قطع يده في الثالثة بذلك المعنى.

29189 - احتجوا: بما روى خالد الحذاء عن محمد بن حاطب أن أبا بكر قطع يدًا بعد يد ورجل. 29190 - قلنا: ليس في واحد من الخبرين أن القطع وجب في السرقة فيجوز أن يكون قطعها قصاصا، والذي روي أن أبا بكر أضاف أسود مقطوع اليد والرجل فسرق [حلى] أسماء فقطع يده، فقد روي أنه أضاف أسود أقطع اليد اليمنى فسرق حليهم فقطع رجله. ولا يحمل على قضيتين. لأنه يبعد أن يكون ضيافة أبي بكر لأسودين كل واحد منهما [أقطع، وكل واحد منهما] سرق حليا فقطعه فعلم أنها قصة واحدة متعارضة. على أن هذا لو ثبت معارض بما روى شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمه أن عليا أتي بسارق فقطع يده، ثم أتي به فقطع رجله، ثم أتي به فقال: إني لأستحي أن أدعه ليست له يد يأكل بها، ولا

يستنجي بها، ولا رجل يمشي عليها ثم حبسه في السجن. فصارت المسألة لو ثبت ما قالوا خلافا منهم. 29191 - قالوا: ما سقط القطع في السرقة بقطعه كان محلا للقطع كاليمين. بيان ذلك أن الحداد لو قطع اليد اليسرى سقط القطع بها. 29192 - قلنا: ينعكس بالرأس فإن القطع يسقط بقطعه وليس بمحل للقطع. 29193 - فإن قالوا: إنه لا يسقط قطعه، وإنما يسقط بفوات النفس. 29194 - قلنا: كذلك لا يسقط قطع السرقة بقطع اليسرى. لأن اليمنى إذا قطعت فاتت منفعة الجنس. 29195 - فإن قيل: لو لم يقع اليسرى موقع المستحق ضمنه القاطع. 29196 - قلنا: إنما لا يضمن. لأنه عوضه عن اليسرى اليمنى، وهي من جنسها ومنفعتها زائد عليها، ولهذا لو قطع رجله ضمنها. لأنه لم يعوضه من جنس منفعتها والمعنى في اليمنى أنها تستحق في قاطع الطريق بأول مرة فجاز أن تستحق في السرقة، ولما كانت اليد اليسرى والرجل اليمنى لا يستحق في المرة الأولى من قاطع الطريق لم تستحق في السرقة الأولى وإن تكررت. 29197 - قالوا: يد تقطع قودًا فجاز أن تقطع في السرقة كاليمنى. 29198 - قلنا: القود يتعلق بالأنف والأذنين والسن والعين وبتلف النفس، وكل ذلك غير مستحق في السرقة. فدل على اختلاف موضع الأمرين. 29199 - ولأن اليمنى عندنا تقطع إن لم يفت بها منفعة الجنس، فإن فاتت بها لم تقطع كالأشل اليسرى والمقطوع الرجل اليمنى، كذلك اليد اليسرى إذا فات بها منفعة الجنس لم تقطع. 29200 - قالوا: كل حكم ثبت لليد اليمنى، ثبت لليد اليسرى والرجل اليسرى. أصله غسلهما في الطهارتين ودخولهما في وجوب القود وتقدير الدية.

29201 - قلنا: يبطل بتقديم اليمنى على اليسرى في الوضوء فإنه سنة ثبتت لليد اليمنى، ولا يثبت لليد اليسرى، وافتراش الرجل اليسرى للتشهد حكم ثبت لها ولا يثبت لليمنى، والمعنى في الأصل أنه لا يختص اليدين والرجلين فجاز أن يعمهما، والقطع لا يعتدى اليدين والرجلين. فلم يعمهما كالمرة الأولى. فأما تقدير الدبة بتساوي اليدين في تقدير الأرش لا يوجب تساويهما في تعلق القطع بهما. 29202 - قالوا: كل حد تكرر مرتين تكررا أربع مرات كسائر [الحدود]. 29203 - قلنا: كل [حد تكرر مرتين] فحكمه في الثالثة [كحكمه في الخامسة. أصله سائر الحدود]. ولأن هذه الحدود بنيت على التكرار بتكرر سببها، وقطع السرقة يخالفها. بدلالة: أنه يسقط في الخامسة كذلك يجوز أن يسقط في الثالثة. 29204 - قالوا: طرف في أبعاضه مال أرش مقدر كاليمنى. 29205 - قلنا: يبطل بالرأس. 29206 - قالوا: عضو يتوصل به إلى أخذ السرقة. 29207 - قلنا: يبطل بساعد الأقطع، والمعنى في اليمنى ما ذكرنا.

مسألة 1447 [الضمان والقطع هل يجتمعان في سرقة واحدة]

مسألة 1447 [الضمان والقطع هل يجتمعان في سرقة واحدة] 29208 - قال أصحابنا: إذا هلكت العين المسروقة فضمن السارق لم يقطع، وإن قطع قبل التضمين لم يضمن. 29209 - وقال الشافعي: يجمع بين القطع والضمان. 29210 - لنا: قوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا} وقال في آية المحاربين: {إنما جزؤوا الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في ألأرض فسادا} الآية فجعل الحد في الآيتين الجزاء. فمن زعم أنه يجب القطع والغرم جعل الحد بعض الجزاء، وهذا خلاف الظاهر. يبين ذلك أن الضمان حق الآدمي، والحد حق الله تعالى. والآدمي أحوج إلى حقه. فلما وجب كان الاهتمام ببيانه أحق بالذكر. 29211 - ويدل عليه ما روى سعد بن إبراهيم عن أخيه المسور بن إبراهيم

عن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يغرم صاحب السرقة إذا أقيم الحد). 29212 - فإن قيل: هو مرسل لأن المسور بن إبراهيم لم يلق ده عبد الرحمن بن عوف. 29213 - قلنا: لا يضرنا إرساله، وإن كان من أصلنا قبول المراسيل. لاسيما إذا أرسلها مثل سيد بن إبراهيم، وهو في الصحيحين وأبوه وابنه. وقيل لأحمد بن حنبل: لم يرو مالك عن سعد. فقال: سعد خير من مالك، وقد روى مالك عن رجلين عنه. 29214 - فإن قيل: معناه أنه لا يغرم أجره قاطع يد. 29215 - قلنا: بل ظاهره يقتضي نفي كل غرم. وعندكم يغرم أجرة القاطع إذا لم يكن في بيت المال شيء. فالخبر دلالة عليكم في الموضعين. 29216 - فإن قيل: معناه لا يضاعف عليه الغرم، كما روي في حريسة الجبل فيها غرامة مثلها وجلدات نكال. 29217 - قلنا: الظاهر يقتضي نفى كل غرم. على أن غرم المسلمين لم يثبت في الشرع إلا مع سقوط القطع؛ لأنه ... قال في حريسة الجبل: (غرامة مثلها وجلدات نكال. فإذا آواها المراح وبلغت ثمن المجن ففيها القطع). 29218 - ولأنه فعل [تعلق به معنى مسقط] [معنى ثبت مع] يتعلق به

حد ومهر، وقتل العمد لا يتعلق به قصاص ودية. 29219 - فإن قيل: لا نسلم أنهما يتعلقان بفعل واحد. لأن الضمان يتعلق بالأخذ، والقطع يجب بالإخراج من الحرز. 29220 - قلنا: من نام في المسجد أو في الطريق فأخذ رجل ثوبه من تحت رأسه وجب عليه عندهم قطع وضمان، وتعلقا بفعل واحد، على أن القطع يجب بالأخذ إذا انضم إليه الإخراج من الحرز والضمان يجب بالأخذ فإن تم الفعل بالإخراج استقر الحد وسقط الضمان، وإن لم يتم استقر الضمان وسقط القطع. 29221 - فإن قيل: يبطل بمن [شرب خمر ذمي. 29222 - قلنا] أكره امرأة على الزنى [فأقضاها. 29223 - قلنا]: وجب الحد بالتقاء الختانين والضمان بتحاوز ذلك الموضع المعتاد وبالوطء. 29224 - قالوا: إذا زنى في الحج وجب الحد والكفارة. 29225 - قلنا: الكفارة تتعلق بهتك حرمة الإحرام، ولهذا تجب الكفارة بوطء زوجته. 29226 - قالوا: إنما لا يجتمع الدية والقصاص؛ لأنهما بدلان عن مبدل واحد. 29227 - قلنا: كما لا يجتمع بدلان عن مبدل واحد كذلك لا يتعلق بفعل واحد أمران يتنافيان. ولأن الضمان سبب مختلف في وقوع الملك فيه فلم يجتمع معه قطع كالقبضة في البيع الفاسد. ولأنه إيقاع فعل في عين يتعلق به إتلاف طرف فإذا استوفى به الطرق لم يجب المال كمن قطع يد غيره ولا يلزم من قطع يمين رجلين. لأن كل واحد من الفعلين تعلق به قطع طرف بكماله ولم يستوف ذلك، وإنما استوفى بعض الطرف، وهذه المسألة مبنية على أن الضمان يثبت الملك في المضمون وأنه إذا ضمن ثبت له حكم الملك من حين يضمن، ولهذا لو باع الغاضب ثم ضمن بعد بيعه [ولو] كان اكتسب استحق الكسب وحكم الملك ينافي القطع. وقد ثبت القطع بالإجماع فوجب إسقاط ما ينافيه. 29228 - ولا يلزم إذا غصب جارية فزنى بها ثم هلكت فضمن قيمتها. لأن الحد

يسقط ذكر أبو يوسف ذلك في الإملاء. 29229 - احتجوا: بقوله تعالى: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدل عليكم} وقال: {وجزوا سيئة سيئة مثلها}. 29230 - قلنا: حقيقة اللفظ يقتضي الاعتداء على الأنفس دون المال. ولأن المثل عبارة عن الواجب بالفعل. بدلالة قوله تعالى: {من جاء بالحسنة [فله] عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها} فجعل الثواب والعقاب مثلا للعمل. والمثل الواجب بالسرقة عندنا هو القطع. ورغم مخالفنا أن هاهنا مثلا آخر وهو الضمان. ولأنه لا يدل على إيجاب المثلين. 29231 - قالوا: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (على اليد ما أخذت حتى ترد). 29232 - قلنا: هذا لا يقال إلا مع بقاء العين، وعندنا الرد واجب، وإنما اختلف إذا سقط وجوب الرد ما الواجب؟ والخبر لا يدل على ذلك. 29233 - قالوا: كل مال وجب القطع مع وجوب رده وجب القطع مع وجوب رده. أصله: إذا كان السارق باعه من رجل فإن السارق يقطع، ويلزمه رد الثمن وإن كان تالفا وجب رد بدله على المشترى. 29234 - قلنا: نقول بموجب هذه العلة؛ لأن عندنا نقطع السارق مع وجوب رد البدل عليه، وإنما يسقط البدل منه بالقطع. فأما حال الابتداء فالقطع والضمان لم يسقط. ولأن هذا التعليل لوجوب القطع وهو موضع اتفاق، وإنما يجب أن يقع التعليل لبقاء الضمان بعد القطع. فأما وجوب رد الثمن وبدله فلا تعلق للقطع به؛ لأن السارق يقطع أخذ الثمن أو لم يأخذ فلما لم يتعلق القطع بذلك لم يؤثر فيه اختلاف أحواله. 29235 - فأما الضمان الواجب على السارق المسروق منه فيتعلق بما تعلق به القطع فجاز أن يختلف [حاله مع] استيفائه.

29236 - قالوا: إذا وجب القطع مع وجوب رد العين المسروقة وجب أن [يجتمع مع] بدلهما من المثل أو القيمة. لأن البدل قائم مقام العين فإذا اجتمع مع البدل [وجب اجتماعه مع البدل. 29237 - قلنا: قد بينا أن القطع واجب مع رد العين ومع وجوب رد بدلهما، ويسقط رد البدل باختيار المالك بالمطالبة بالقطع. 29238 - فإن عللوا بالوجوب رد البدل يعد القطع علة للسرقة يمتنع أن يجب رد العين القائمة، ولا يجب رد بدلها] إذا أتلفت كما يجب على الوارث رد الودائع التي عند الميت، ولا يجب رد بدلها إن تلفت وكذلك الثوب [إذا ألقته] الريح [في دار إنسان] والعبد إذا سرق من دار سيده وجب عليه رد العين القائمة فلا يجب رد بدلها إذا تلفت. 29239 - قالوا: القطع والقيمة حقان لمستحقين فجاز اجتماعهما في فعل واحد أصله إذا قتل صيدا مملو كا وجب الجزء والقيمة. 29240 - قلنا: إذا أردتم جواز اجتماع وجوبهما. قلنا: بموجبه. لأن السارق يجب عليه [قطع وضمان] كل واحد من الأمرين [مراعى فإذا استوفى] القطع سقط [الضمان. 29241 - فإن أرادوا أجزاء اجتماع الاستيفاء انتقض] بمن وجب عليه قطع [بالسرقة والقصاص] والقتل بالقصاص والرجم أنها حقان

مستحقان، ولا يجوز اجتماعهما في الاستيفاء والمعنى في الجزاء والقيمة في مال نفسه من وجوب الضمان المثبتة له حكم المالك لا تنفيه كما لا تنفيه نفس الملك. والقطع لا يجوز وجوبه في ملك نفسه ما لضمان ينافيه لأنه مختلف في إيجابه حكم الملك من حين أخذه. 29242 - قالوا: أتلف مال غيره متعديا من غير يدين ولا تأويل فلزمه ضمان كالغاصب. 29243 - قلنا: يبعد بالعبد [إذا أتلف مال مولاه. ولأنا نقول بموجبه لأن الإتلاف] تعلق به ضمان عندنا وسقط الملك باختياره المطالبة بالحد كما سقط بعد وجوبه بالبراءة. و [المعنى في الغاضب أنه لم يلزمه] عقوبة لا يجوز إيجابها في ماله. فكذلك جاز استيفاء الضمان، ولما وجب على السارق عقوبة لا يجوز إيجابها في ملكه لم يجز استيفاء الضمان معها. لأنه اختلف في ثبوت حكم الملك به. 29244 - قالوا: سرقة يجب ردها عند بقائها فوجب الضمان عند فواتها أصله إذا سرق [ربع دينار] وسرق ما يسرع إليه الفساد. 29245 - [قلنا: لا يخلو إما] أن يقطع في [هذا أو لا] يقطع [فإن رأى الأمام] إيجاب القطع سقط الضمان عندنا، وإن رأى إسقاط القطع وجب الضمان كما لو سرق عشرة درهم سقط القطع فيها بشبهة.

مسألة 1448 [حكم السارق من ذي رحم]

مسألة 1448 [حكم السارق من ذي رحم] 29246 - قال أصحابنا: إذا سرق من ذي رحم محرم لم يقطع. 29247 - وقال الشافعي: إن سرق [ممن لا دية] بينه وبينه قطع. 29248 - لنا: قوله تعالى: {ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت أبابكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم}. فأباح سبحانه الأكل من بيوت محارمه، ولم يشرط الأذن. وهذا [يفيد إباحة] الدخول. وذلك يمنع وجوب القطع. 29249 - فإن قيل: أجمعنا أنه لا يجوز الأكل بغير إذن. والأذن شرط. 29250 - قلنا: لو شرط الإذن سقط التخصيص. لأن الإذن يبيح الأكل من

الأجنبي [وإنما المراد بالآية إباحة] الأكل إذا كان ذلك غير ممانع للتبسيط فيكون الإذن بالعادة فسقط اعتبار الإذن بالنطق. 29251 - فإن قيل: روي أنها نزلت على سبب وهو أن المسلم كان إذا خرج غازيا استخلف على بيته أقاربه وإذن لهم في الأكل. فلما أمروا بالناصحة ونهوا عن الخيانة امتنعوا من الأكل مع الإذن فنزلت الآية في إباحة ذلك. 29252 - قلنا: وقد قيل: إن الآية [نزلت في الأكل] من هذه البيوت إذا لم يجد الإنسان في بيته طعاما. 29253 - قالوا: عهد ومن الناس من حمل هذه الآية على إباحة أكل طعام الأقارب من غير إذن. 29254 - وهذا الاختلاف شبهة في إسقاط القطع. 29255 - فإن قيل: ذكر في الآية {أو صديقكم}. 29256 - قلنا: هذا ظاهر يقتضي سقوط القطع عنه لولا قيام الدليل، ولأنه إذا عزم على سرقة مال صديقه فليس بصديق عند الأخذ فيجب عليه القطع؛ ولأنه ذو رحم محرم كالأب ولا تجوز منا كحته على التأييد لأجل القرابة. 29257 - فإن قيل: هذا الوصف صح في سرقة الرجل من المرأة، ولا يصح في سرقة رجل من رجل ولا امرأة من امرأة. 29258 - قلنا: إذا ثبت هذا بطل قول مخالفنا. وليس يلزمنا أن ينصب علة تعم مواضع الخلاف على أن التعليل يقع لجهة القرابة التي هي الأخوة والعمومة وتلك الجهة تثبت تحريم المناكحة ممن تصح منا كحته. 29259 - فإن قيل: اعتبار تحريم المناكحة لا يصح؛ لأن، الرضاع يتعلق به تحريم

المناكحة على التأييد ولا يؤثر في القطع. 29260 - قلنا: لم نعلق الحكم بالتحريم. وإنما علقنا بالقرابة الكاملة. وجعل تحريم المناكحة حقيقة كمال القرابة، فمجرد التحريم إذن لم يؤثر في هذا الحكم فلم يلزمنا. 29261 - احتجوا: بقوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما}. وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: (القطع في ربع دينار). 29262 - قلنا: المراد به إذا سرق مالا من غير شبهة. ولا نسلم ارتفاع الشبهة في مال الأخ. ولأنه عموم مخصوص بما ذكرنا. 29263 - قالوا: قرابة لا يتعلق بها رد الشهادة فلا يتعلق بها سقوط القطع كابن العم. 29264 - قلنا: ابن العم عكس مسألتنا. لأنه قرابته لم تكمل. بدلالة أنها لا تحرم المناكحة. وقرابة الأخ كاملة على أن الأخ ألحلق بابن العم في جواز الشهادة وجريان القصاص. ولحق بالود في التحريم الدال على كمال القرابة. وفي حجب الأم كما يحجبها الولد وفي مشاركة الحد عندهم. وإذا كاد به أصلان كان ما يوجب سقوط الحد أولى مما يوجب ثبوته. وكان اعتبار ما يؤدي إلى صلة الرحم أولى مما يؤدي إلى قطعها. 29265 - وقولهم: إن النفقة لا تجب له مع اختلاف الدين. ولا تدخل في الكتاب يدل على الشبه بابن العم. 29266 - وقد بينا شبهه بالوالدين من الوجه الذي بينا.

مسألة 1449 [سرقة أحد الزوجين من الآخر]

مسألة 1449 [سرقة أحد الزوجين من الآخر] 29267 - قال أصحابنا: إذا سرق أحد الزوجين من الآخر لم يقطع. وهو قول الشافعي: في المزني. 29268 - وقال في اختلاف الأوزاعي: يقطع كل واحد منهما بسرقة الآخر. 29269 - وله قول ثالث: أن المرأة لا تقطع ويقطع الزوج. 29270 - لنا: ما روى مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أن عبد الله بن عمرو الحضرمي جاء بغلام له إلى عمر بن الخطاب. فقال له: اقطع يد هذا فإنه سرق. فقال عمر: ماذا سرق، قال: سرق مرآة لا مرأتي قيمتها ستون درهما. فقال عمر: أرسله فليس عليه قطع فخادمكم سرق متاعكم. وإذا أسقط القطع عن عبد الزوج في مال الزوجة فلأن يسقط عن الزوج أولى ولا يحمل هذا على أنه سرق من البيت المأذون في دخوله؛ لأنه لم يستفصل ولأنه علل بأنه غلامهم. ولأنه بينهم سبب يوجب التوارث من غير حجب أو يوجب التوارث في جميع الأحوال كالوالد والولد. 29271 - فإن قيل: الوصف غير مؤثر. لأن الحدود لد الولد يحجبون ولا يقطعون.

29272 - قلنا: هذا يؤكد العلة؛ لأنه إذا سقط القطع مع الحجب فمن لا يحجب سببه أقوى فهو بٍاسقاط القطع أولى. ولأن كل واحد من الزوجين يبسط في مال الآخر في العادة فمنع ذلك القطع كالوالد والولد. 29273 - فإن قيل: قد يجوز كل واحد ماله عن الآخر. 29274 - قلنا: هذا لا يمنع التبسط. ولأنه من أصلنا أن شهادة أحدهما لا تقبل للآخر كالوالد والولد. ولأن [نفقتها] تلزمه، ولم يقطع في ماله كالولد مع الولد. 29275 - فإن قيل: الوالد إذا وطئ جارية الولد ولم يدع شبهة لم يحد والزوج يحد. 29276 - قلنا: الابن إذا وطئ جارية أبيه ولم يدع شبهة حد، وإن ساوى الأب في سقوط القطع. 29277 - احتجوا: بقوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} وبقوله - صلى الله عليه وسلم - (لا قطع إلا في ربع دينار). 29278 - قلنا: اتفقنا أن المراد به سرقة مال لا شبهة فيه، ونحن لا نسلم ارتفاع الشبهة في مسألتنا. 29279 - قالوا: بينهما عقد على منفعة فأشبه عقد الإجارة. 29280 - قلنا: يبطل إذا سرق من البيت الذي هما فيه. 29281 - فإن قالوا: العقد لم يمنع وإنما منع الإذن في دخول الحرز. 29282 - قلنا: فكذلك العقد عندنا لم يسقط القطع، وإنما أسقط التبسط في المال. ولأن عقد النكاح لا يجوز اعتباره بالإجارة في إثبات الحدية. بدليل: أن الإجارة لا يثبت بها التوارث والنفقة وتحمل الفطرة عندهم فكذلك يجوز أن يثبت النكاح حرمة تسقط القطع فلا يثبت [ذلك في] الإجارة. 29283 - قالوا: يجرى بينهما القصاص [فإذا وجب القصاص وجب القطع.

29284 - قلنا: الابن يجب عليه القصاص] بالجناية على أبيه، ولا يقطع في ماله على أن حرمة النفس أقوى من حرمة المال. فيجوز أ، يقتص منه بقتلها لقوة الحرمة وما يقطع في مالها لأجل ضعف الحرمة.

مسألة 1450 [السرقة من المستأمن]

مسألة 1450 [السرقة من المستأمن] 29285 - قال أصحابنا: إذا سرق سارق مال المستأمن لم يقطع. 29286 - وقال الشافعي: يقطع. 29287 - لنا أنه حربي فلا يقطع في أخذه ماله، كما لو أخذه قبل الأمان. ولأنه على حكم دار الحرب، ولهذا لا تؤخذ الجزية منه ولا نمنعه مع العود، فصار بقاؤه على حكم الحرب شبهة في سقوط القطع؛ ولأن معنى الإباحة حاصل في ماله؛ بدليل محظور حظرًا مؤجلا، ولهذا يزول الحظر بمضي المدة من غير إحداث سبب فيه، ومعنى الإباحة شبهة في سقوط القطع. 29288 - احتجوا: بالظواهر. وقد أحبنا عنها. 29289 - قالوا: من ضمن ماله جاز أن يقطع سارقة كالذمي. [قالوا: ولأن كل حكم تعلق بأخذ مال الذمي تعلق بأخذ مال المستأمن كالضمان]. ولأن المستأمن في عهده المؤقت كالذمي في عهده المؤبد فجريا مجرى واحدًا. 29290 - قلنا: اعتبار القطع في الضمان قاسد؛ لأن الولد والضيف يجب عليهما الضمان ولا يجب عليهما القطع. 29291 - واعتبار المستأمن بالذمي فاسد؛ لأن معنى الإباحة لا يوجد في مال الذمي؛ لأنه محظور يتناوله على التأييد، والمستأمن حظر ماله مؤقت وإباحته منتظرة مترقبة، فأوجب ذلك شبهة فيه. ولأن الذمي من أهل دارنا، ولهذا لا يمكن من العود إلى دار الحرب والمستأمن من أهل دار الحرب؛ بدلالة أنه لا يمنع من العود إليها متى شاء إلا أن ماله حظر بالأمان، فوجب ضمانه؛ لأن الشبهة لا تؤثر في الضمان، وسقط القطع والقصاص الذي يسقط بالشبهة.

مسألة 1451 سرقة المستأمن

مسألة 1451 سرقة المستأمن 29292 - قال أبو حنيفة ومحمد: لا يقطع المستأمن إذا سرق، ولا يقام عليه حد إلا حد القذف. 29293 - وقال أبو يوسف: تقام عليه الحدود إلا حد الشرب. 29294 - وروى المزني عن الشافعي: أنه لا يقطع. 29295 - وقال في سير الأوزاعي: يقطع. 29296 - لنا: قوله تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه} وهذا يمنع إقامة الحد عليه. ولأنه حد خالص لله تعالى كحد الزنى. ولا يلزم حد القذف: لأن حق الآدمي في المطالبة به ثابت فلم يخلص لله تعالى. ولأنه على حكم دار الحرب. ولهذا يترك بغير جزية. ولو سرق في دار الحرب لم يقطع كذلك في دار الإسلام. ولا يلزم حد القذف؛ لأنه ضمنه لنا بالأمان أنه لا يتعرض لأغراضنا فأقيم الحد عليه بالتزامه، لأنه لا حد يجب بالقذف إلا حد. وضمن لنا أنه لا يتعرض لأموالنا فيجب عليه ضمانها ولا يجب الحق الذي يخلص لله تعالى. 29297 - احتجوا: يقوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} وهو عموم مخصوص بما ذكرنا. 29298 - قالوا: من لزمه حد القذف لزمه القطع في السرقة كالذمي.

29299 - قلنا: حد القذف يجب على الابن بقذف أبيه ولا يجب القطع بسرقة ماله. فكذلك العبد مع مولاه والمعنى في الذمي: أنه يقام عليه حد الزنى وليس كذلك من مسألتنا؛ لأنه لما لم يقم عليه حد الزنى لم يقم عليه حد السرقة. 29300 - قالوا: حد يجب لصيانة حق المسلم كحد القذف. 29301 - قلنا: حد القذف لا يخلص لله تعالى فيجب عليه كما كان يجب حقوق الآدميين. وحد السرقة يخلص لله تعالى كحد الزنى. 29302 - قالوا: من لزمه ضمان المال جاز أن يلزمه القطع في السرقة كالوصي. 29303 - قلنا: الضمان أوسع والقطع أضيق فلا يجعل أحد الأمرين علمًا على الآخر. والمعنى في الذمي أنه من أهل دارنا والحربي بخلافه.

مسألة 1452 [سرقة الإناء الذي بلغت قيمته نصابا]

مسألة 1452 [سرقة الإناء الذي بلغت قيمته نصابًا] 29304 - قال أبو حنيفة وموحد: إذا سرق إناء فيه خمر أو طعام وقيمة الإناء نصاب لا يقطع. 29305 - وقال أبو يوسف: يقطع. وبه قال الشافعي. 29306 - لنا: أن المقصود بالسرقة ما في الإناء. بدلالة [أنه لو] قصد الإناء أراق ما فيه وأخذه. والمقصود بالسرقة إذا لم يجب فيه قطع لم يجب فيما يتبعه كمن سرق صبيًا حرًا عليه حلي أو كلبًا عليه قلادة. ولا يقال: كل واحد منهما مقصود. لأن الأواني وما فيها يراد لأجله. ولأنه إذا احتمل صار الاحتمال شبهة في القطع. 29307 - فإن قيل: حلي الصبي في يده فلم يحصل في يد السارق. بدليل أن اللقيط إذا كان عليه حلي كان له. 29308 - قلنا: اليد تثبت على الصبي وعلى معا عليه، وإنما يحصل له حكم اليد إذا لم يكن ممن يغلب عليه، فإذا غلب عليه ونقله وهو ممن لا يحفظ نفسه ولا الأموال. فقد غلب على ما في يده ويبين هذا أن قلادة الدابة يحكم بها لصاحب الدابة فإذا سرق الدابة بقلادتها وجب عليه القطع؛ لأنه غلب عليها، وإن كانت القلادة لو لم تغلب على الدابة محكوم بها لصاحب الدابة. لأنه أقرب الناس إليها. ولا لأن لها يدًا فالصبي مثله.

29309 - احتجوا: بأن سرقة الإناء لو انفردت وجب فيها القطع. فإذا انضم إليها التراب صار كسرقة إناءين. 29310 - قلنا: يبطل بالقلب وقلادته والصبي وحليه. والمعنى في الإناءين أن أحدهما ليس بتابع للآخر فاعتبر كل واحد على حياله. والإناء يتبع ما فيه فالظاهر أنه هو المقصود فلما لم يقطع فيه [لم يقطع] في تبعه. 29311 - قالوا: سقوط الحد في أحد المسروقين لا يوجب سقوطه في الآخر أصله إذا سرقهما متفرقين. 29312 - قلنا: يبطل بالصبي والحلي وبالمال المشترك. ولأنا بموجبه؛ لأن المسقط عندنا للقطع أنه لا يجب في المقصود بالسرقة فلم يجب بالتبع، والمنفردان لا يتبع أحدهما الآخر. 29313 - قالوا: سرق نصابًا مقدرًا من حرز مثله لا شبهة فيه وهو من أهل القطع. 29314 - قلنا: لا نسلم ذلك. لأن سقوط القطع في المتبوع شبهة في التابع.

مسألة 1453 [اختلاف الشهود في صفة المسروق]

مسألة 1453 [اختلاف الشهود في صفة المسروق] 29315 - قال أبو حنيفة: إذا شهد شاهد أنه سرق بقرة سوداء، وقال الآخر بيضاء قبلت الشهادة وقطع. 29316 - وقال أبو يوسف ومحمد: لا تقبل الشهادة [ولا يقطع]. وبه قال الشافعي. 29317 - وروى أبو حفص: أنه إذا قال أحدهما: سرق ثوبًا هرويًا. وقال الآخر مرويًا على الخلاف. 29318 - لنا: أنهما اختلفا فيما لا تفتقر صحة الشهادة إلى ذكره، ويمكن التوفيق بين الشهادتين فصار كما لو قال أحدهما: سرق وهو لابس. وقال الآخر: لم يكن قميص أو قال أحدهما: كان مفتوح العينين. وقال الآخر: غمض أحد عينيه. 29319 - والدليل على أن الاختلاف فيما لا تفتقر الشهادة إلى ذكره أنهما لو قالا: سرق بقرة وسكتا عن لونها جاز، وإنما قلنا: إنه يمكن التوفيق بين الشهادتين لأنه يجوز أن يكون أحد جانبي البقرة أسود والآخر أبيض فرأى كل واحد منهما جانبًا أو كانت

بلقاء فغلب كل واحد منهما أحد اللونين ونسبها إليه، ولا يلزم إذا اختلفا في المكان. لأن صحة الشهادة تفتقر إلى [ذكر ذلك] ولو سكتا عن المكان سألهما القاضي عنه. 29320 - ولا يلزم إذا شهد اثنان أنه زنى بها مطاوعة، واثنان أنها مكرهة أن الشهادة لا تقبل، وقد اختلفا فيما لا تفتقر الشهادة إلى ذكره، ويمكن التوفيق بين الشهادتين. [لأنه] يجوز أن يكون ابتدأ الفعل بإكراه ثم طاوعت، وذلك لأن المانع من قبول الشهادة ليس الاختلاف، وإنما هو شهود الطوع قذفه. والقاذف خصم فلا تقبل شهادته. فأمر الهروي والمروي فلان الثوب ينسب إلى مرو لصنعته حتى لو نسج ببغداد سمي مرويًا، وقد ينسب إلى البلد فيجوز أن يكون أحد الشاهدين نسب الثوب إلى الصناعة والآخر إلى البقعة وإن كان ثوبًا واحدًا. ولا يلزم إذا شهد احدهما أنه سرق ثورًا وقال الآخر بقرة. لأن علامة الذكر لا تشكل بعلامة الأنثى فلا يمكن الجمع بين الشهادتين. فإن قيل احتمل الخلاف ما ذكرتم واحتمل غيره صار شبهة في سقوط القطع. 29321 - قلنا: الشهود أمناء فإذا أمكن حمل قولهم على الصحة كان أولى من حمله على الفساد، وإذا صححنا الشهادة ثبت الحق تابعًا لها. 29322 - احتجوا: بأن إحدى العينين غير الأخرى فصار كما لو شهد أحدهما بثور والآخر ببقرة. ولأن اختلاف الصفة يوجب اختلاف الموصوف كالجنس. 29323 - الجواب: ما بينا أن اختلاف اللون قد يكون مع اتفاق العين. 29324 - وقولهم: إن اختلاف الصفة يوجب اختلاف الموصوف. 29325 - وقد بينا أن الصفة تختلف والموصوف واحد.

مسألة 1454 [سرقة الصليب والصنم والملاهي]

مسألة 1454 [سرقة الصليب والصنم والملاهي] 29326 - قال أصحابنا: إذا سرق صليبًا من ذهب أو صنمًا لم يقع. وكذلك إذا سرق طبلًا أو بربطًا. 29327 - وقال الشافعي: يقطع في الصليب والصنم. 29328 - ومن [أصحابنا] من قال في الملاهي: إذا كانت لو فصلت بلغت النصاب قطع منها. 29329 - لنا: أن الأصنام يجب كسرها، ومن الفقهاء من قال يجب أخذ الملاهي وكسرها فصار الأخذ مع الشبهة مسقطًا للقطع كأخذ الخمر وسرقة الأشربة المختلف فيها. ولأن الصليب يعد للمعصية كالخمر. ولا يلزم أواني الذهب. [لأنها] تعد للتجميل والتمول. وذلك ليس بمعصية. ولأن المقصود من الأعيان ليس بمال. ولأن المقصود بالملاهي اللهو. ومن الصليب عبادته، والمقصود بالسرقة إذا لم يكن مالًا لم يجب القطع كمن سرق صبيًا حرًا عليه حلي. 29330 - ولأن أخذهما فيه شبهة. لأن قد يأخذها ليمنع من استعمالها على طريق الأمر بالمعروف. ولأخذ إذا دخله شبهة لم يجب القطع كأخذ الغريم، وأخذ الأب من

مال الابن والأخذ من الغنيمة. 29331 - احتجوا: بأنه سرق نصابًا مقدرًا من حرز مثله لا شبهة فيه وهو من أهل القطع. 29332 - قلنا: لا نسلم انتفاء الشبهة؛ لأنه إذا كان يجوز أخذه للكسر والمنع من تعظيمه صار ذلك شبهة في الأخذ، وقياسهم على سائر الأموال لا يصح. لأنه متى كان شبهة في أخذها سقط عنه القطع فلا فرق بين الأصل والفرع. 29333 - قالوا: ما وجب القطع فيه غير معمول وجب في معموله. 29334 - قلنا: إن قلتم وجب في معموله بكل حال لم نسلم؛ لأن معمول الأجناس إذا وجدت الشبهة [فيه لم يجب القطع .....]. معموله أنه أعمل منه ما لا شبهة] في أخذه. فإذا اتخذ منه صليب أو شطرنج أو صنم فليس العمل هو المسقط للحد. وإنما أسقطته الشبهة وهي تسقط الحد في الدنانير المتخذة من الذهب.

مسألة 1455 [إذا نقب الحرز فأدخل يده فأخذ مالا]

مسألة 1455 [إذا نقب الحرز فأدخل يده فأخذ مالًا] 29335 - قال أبو حنيفة: إذا نقب البيت فأدخل يده فأخذ مالًا لم يجب عليه القطع. 29336 - وقال الشافعي: يجب القطع. 29337 - لنا: أنه لم يهتك الحرز المقصود. لأن المقصود في البيوت دخولها ونقصان الهتك كنقصان القدر؛ لأن كل واحد منها شرط في القطع وإذا أثر أحدهما في سقوط القطع كذلك الآخر. ولا يلزم من سرق من الكم أو من صندوق الصيرفي؛ لأن هتك هذا الحرز لا يمكن بدخوله. فالمقصود من هتكه إدخال اليد، وقد وجد ذلك. 29338 - فإن قيل: إذا كان الهتك المقصود وجود الحرز، وذلك لا يمكن في الكم فيجب أن يسقط فيه، وعلة المقصود لم توجد. 29339 - قلنا: الحكم يتعلق بوجود الهتك المقصود، [وإدخال اليد في الدار دون المقصود، وإدخال اليد في الكم هو المقصود]. لأنه غاية الهتك فيه فالمقصود أن الحكم فيهما بمعنى واحد وإن اختلف صورة الهتك. [ولأن الأخذ يستقر] به المباشر كأخذ السيف. ولأنه لم يدخل الحرز الذي يمكن دخوله فلم يجب عليه القطع أصله إذا نقب فناوله الحرز من المال.

29340 - احتجوا: بقوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما}. 29341 - قلنا: القطع لا يتعلق بمجرد الاسم باتفاق فيجب الرجوع إلى ما يدل عليه الدليل. 29342 - قالوا: روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (فإذا آواه الجرين ففيه القطع). 29343 - قلنا: عموم مخصوص بما ذكرنا. 29344 - قالوا: أخرج نصابًا من الحرز فأشبه إذا دخل. 29345 - قلنا: إذا دخل فقد هتك الحرز بأخذ المال الهتك المقصود. وإذا أدخل يده فعلم بوجود ذلك، والحدود إذا وجبت تعلقت بالمقصود من كل نوع، وقد قال مخالفونا: إن شريحة الباقلي لا تكون حرزًا للجوهر. ولأنه لا يحترز بها في العادة. فاعتبر المقصود من الإحراز. فما الذي ينكر أن يعتبر المقصود من الهتك. 29346 - فإن قيل: هتك الحرز قد حصل بالنقب. 29347 - قلنا: المعتبر أن يهتك الحرز بأخذ المال الهتك المقصود.

مسألة 1456 [إذا كانوا جماعة فحمل المتاع بعضهم وأعان الآخر]

مسألة 1456 [إذا كانوا جماعة فحمل المتاع بعضهم وأعان الآخر] 29348 - قال أصحابنا: إذا دخل جماعة الحرز وحمل المتاع بعضهم فعلى جماعتهم القطع. 29349 - وقال الشافعي: يقطع المباشر الآخذ دون الباقين. 29350 - لنا: أنه حكم يتعلق بأخذ المال يحتاج فيه إلى المعاونة فجاز أن يشارك فيه المباشر من لم يباشر كالغنيمة ولا يلزم إذا وقف خارج الحرز. لأنا عللنا لجواز تعلق القطع لغير المباشر فلا يلزمنا أعيان المسائل. ولأن الواحد من السراق حامل لهم فصار كما لو حملوا المتاع على دابة أو استأجروا من يحمله. 29351 - فإن قيل: فعل الدابة ينسب إليهم وفعل الحامل لنفسه. 29352 - قلنا: بل يقع لهم. لأنه معين لهم في الحمل، وعمل المعين يقع لمن أعانه كعمل الأجير. ولأن الحدود تتعلق بالمقصود من كل نوع، وليس المقصود في السرقة حمل [الأحمال]، وإنما المقصود هتك الحرز، والتمكن من أخذ المال، ولهذا يحمل المال أصاغرهم. 29353 - ولا يلزم من نقب البيت الحرز ووقف عند البيت يحميهم لأن هذا لم يهتك الحرز. 29354 - فإن قيل: هتك الحرز يقع بنقبه.

29355 - قلنا: بل بدخوله. بدلالة: أن باب الدار إذا كان مفتوحًا فدخله السارق وجب عليه القطع بأخذ المال وإن كان لم يهتك ذلك بفتحه ونقبه. فعلم أن الدخول هو الهتك الذي يتعلق به الحكم. 29356 - احتجوا: بقوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما}. 29357 - قالوا: والسارق من أخذ المال مستخفيًا، وهذا لم يأخذ شيئًا. 29358 - قلنا: هذا آخذ. لأن فعل الحامل يقع له، وأكثر ما في الآية أن تدل على وجوب القطع على الآخذ، ولا تنفي القطع من غيره. 29359 - قالوا: حد فيجب على المباشر دون المعاون كحد الزنى. 29360 - قلنا: المقصود من الزنى اللذة، وذلك لا يوجد المعاون، والمقصود من السرقة حصول المال على وجه مخصوص، وذلك موجود إذا حمل المال له غيره. 39361 - قالوا: فعل يتعلق به قطع طرف، فلا يقطع به غير المباشر كقطع اليد الذي يتعلق به القصاص. 29362 - قلنا: يبطل بالمكره على أصلهم؛ ولأن العقوبة التي هي القصاص تتعلق بالمقصود، والمباشر هو الفاعل لما يقصد بالخيانة والقهر والغلبة هو المقصود في مسألتنا. فإذا حصل أخذ المال له تعلق به القطع. 29363 - قالوا: لم يأخذ من الحرز شيئًا فصار كما لو قف خارج الحرز. 29364 - قلنا: الآخذ آخذ له، وقد وجد فيه التمكين. والأخذ مضاف إذا حمل على الدابة.

مسألة 1457 السرقة من غير الحرز ولا الحافظ

مسألة 1457 السرقة من غير الحرز ولا الحافظ 29365 - قال أصحابنا: إذا سرق [جلولًا] فيه متاع من غير حرز ولا حافظ عنده لم يقطع. 29366 - وغلط المخالفون علينا فقالوا عنا: إنه لا يقطع وإن كان عنده حافظ، وليس كما ظنوا، وإنما قلنا: إنه لا يقطع. لأنه أخذه من غير حرز وليس كذلك إذا [سقط] فأخذ منه المتاع؛ لأنه حرز لما فيه فصار الأخذ من حرز فيقطع. 29367 - وقد قال أصحابنا: في هذه المسألة: إن سارق [العدل] آخذ للحرز فصار كمن أخذ باب الدار. 29368 - قالوا: لا نسلم ذلك؛ لأن الباب محرز بنقبه في الحائط. 29369 - قلنا: [أصله] إذا نصب خيمة في الصحراء فسرقها لم يقطع؛ لأنه حرز لما يكون فيها, فإذا سرقها لم يقطع كذلك في مسألتنا. قلنا: [أصله] إذا نصب خيمة في الصحراء فسرقها لم يقطع؛ لأنه حرز لما يكون فيها, فإذا سرقها لم يقطع كذلك في مسألتنا.

مسألة 1458 [مناول السارق المتاع لمن هو خارج الحرز]

مسألة 1458 [مناول السارق المتاع لمن هو خارج الحرز] 29370 - قال أصحابنا: إذا دخل السارق فأخذ المتاع وناله للآخر من خارج الحرز لم يقطع. 29371 - وقال الشافعي: يقطع. 29372 - لنا: أنه انفصل عن الحرز؛ وليس له يد على المال مشاهد فصار كما لو استهلك المال في الحرز ثم خرج ولا يلزم إذا حمل المال أحد السراق؛ لأن فعل أحدهم كفعلهم فكل واحد منهم له يد على المال عند انفصاله من الحرز، شاهده كما لو حمله على الدابة. 29373 - فإن قيل: فيد الخارج السارق قد انفصل من الحرز [والمال] في حكم يده. 29374 - قلنا: إذا اجتمع السارقان في الحرز فحمل أحدهما وخرج الآخر معه فيده ثابتة مشاهدة، وإذا ناله عنه فعند الانفصال له يد حكيمة، ولا يجب القطع كما لو أودع المال عند رجل في الحرز ثن خرج. ولأنه انفصل من الحرز والمتاع مفقود في الحرز فصار كما لو استهلكه في الحرز وخرج. 29375 - احتجوا: بقوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما}. 29376 - قلنا: عموم الآية مخصوص بما ذكرنا. 29377 - قالوا: سرق نصابًا مقدرًا من حرز مثله. 29378 - قلنا: لا نسلم انتفاء الشبهة. لأنه مشترك في الأخذ الخارج ولا قطع عليه فيكون ذلك شبهة في حقه.

29379 - قالوا: قد قلتم: إنه رمى المتاع ثم خرج فأخذه قطع وإن كان انفصل من الحرز ولا يد له عليه. فأما إلقاء المال لا يزيل اليد. لأنه لم تحدث عليه يد أخرى. فهو في يد السارق. 29380 - قالوا: فهي يد حكيمة. 29381 - قلنا: بل في حكم المشاهدة؛ لأن المسألة محمولة على أنه ألقاه بحيث يقرب منه ويكون حافظًا له، وهذا في حكم اليد المشاهدة.

مسألة 1459 [سرقة القرون]

مسألة 1459 [سرقة القرون] 29383 - روى بشر بن الوليد في نوادره عن أبي يوسف عن أبي حنيفة قال: لا قطع في القرون معمولة: وغير معمولة. وقال أبو يوسف: إذا كانت معمولة قطعت فيها. 29383 - وذكر المخالفون هذه المسألة. قالوا: القرون كالشعر والصوف وقالوا: إن كانت توجد مباحة وجب أن يقطع في معمولها كما يقطع في معمول الخشب. 29384 - وهذه المسألة اختلفت قول أبي حنيفة وأبي يوسف لاختلاف السؤال. فأبو حنيفة أجاب في قرون الميتة فلا يجب القطع فيها؛ لأنه اختلف في كونها مالًا، وفي جواز بيعها فمعمولها وغير معمولها سواء. فأما قرون المذكاة فيجب فيها القطع إذا عملت. 29385 - فإن قيل: فقد قال: أبو حنيفة أقطع في العاج إذا عمل ولا أقطع فيه قبل العمل. 29386 - قلنا: العاج الذي من الفيل يقطع في معموله وغير معموله. لأنه لا يوجد مباحًا ولم يعرف أبو حنيفة الخلاف فيه، والذي يخلف بالعمل وغيره العاج المتخذ من عظام الجمال فلا يجب القطع [فيما لم] يعمل منه؛ لأنه يوجد مباحًا فإذا عمل صار الخشب المعمول.

مسألة 1460 [السرقة من الحمام]

مسألة 1460 [السرقة من الحمام] 29378 - قال أصحابنا: السارق من الحمام في الوقت الذي يفتح لدخول الناس لا قطع عليه. 29388 - وقال الشافعي: إذا كان فيه ثياب عندها حافظ قطع سارقها. 29389 - لنا: أن الحمام حرز مأذون في دخوله [من جهة آدمي] فملك الأذن فلا يجب على المأذون له القطع بالسرقة منه كالضيف. 29390 - ولا يلزم المسجد؛ لأنه ليس محرز في نفسه، ونحن قلنا: حرز مأذون في دخوله، ولأن هناك الإذن من جهة الله تعالى، ونحن قلنا: مأذون في دخوله من جهة الضيف. 29391 - فإن قيل: الضيف إذا سرق من المكان المأذون له في دخوله لم يقطع؛ لأن ما فيه غير محرز عنه، فلو كان في الدار بيت مقفل ففتحه وأخذ منه قطع. 29392 - قلنا: هذا غلط؛ لأن البيت والدار حرز واحد. بدلالة أن السارق إذا أخذ من البيت وخرج إلى الدار لم يقطع حتى يخرج من الدار. وإذا كان الجميع حرز واحد فسقوط القطع في بعضه يسقط في نفسه. 29393 - ولأن الحمام حرز في نفسه. بدلالة: أنه بيت كالدور. وبدليل أنه لو سرق منه ليلًا يقطع. وكذلك إذا سرق منه قبل عمارته والإذن في دخوله، والحافظ

إنما يصير به ما ليس بحرز حرزًا. فأما الإحراز فوجود الحافظ فيها كعدمه، ثم ثبت أن السارق لما ليس عنده حافظ يقطع. وليس كذلك المسجد؛ لأنه ليس بحرز في نفسه فصار حرزًا بحافظه. 29394 - احتجوا: بقصة صفوان، وقد بينا الفرق بين المسجد والحمام.

مسألة 1461 [إذا سرق ولم يخرج من الحرز حتى أخذ]

مسألة 1461 [إذا سرق ولم يخرج من الحرز حتى أخذ] 29395 - قال أصحابنا: إذا دخل السارق النقب وسرق المتاع خارج الحرز ولم يخرج بنفسه حتى أخذ فلا قطع عليه. 29396 - وقال الشافعي: يقطع. 29397 - لنا أنه أخذ قيل مفارقة الحرز، فصار كما لو أخذ والمتاع معه، ولأن من لا يجب عليه القطع إذا كان المتاع في يده، لا يجب عليه إذا لم يكن في يده كالضيف؛ ولأن الفصال السارق من الحرز مقصود في السرقة وإخراج المال، فإذا اعتبر في وجوب القطع خروج المال؛ كذلك خروج السارق. 29398 - احتجوا: بأن الحرز حرز للمال، قد أخرج المال، فلا معتبر بالسارق. 29399 - قلنا: الحرز للمال مقصود وللسارق الانفصال مع المال، فإذا لم ينفصل لم يكمل مقصود بالسرقة، والحدود تجب بمقصود النوع.

مسألة 1462 مناولة السارق المال للغير

مسألة 1462 مناولة السارق المال للغير 29400 - قال أصحابنا: إذا ناول السارق المال لغيره ثم خرج من الحرز، فلا قطع عليه. 29401 - وقال الشافعي: يجب عليه القطع. 29402 - لنا: أنه انفصل من الحرز ولا يد له على المال، فصار كمن أتلف المال في الحرز؛ لأنه شارك في الفعل من لا قطع عليه، وما سقط بالشبهة إذا شارك في شبهة من لا يجب عليه بنفس الفعل عن الشريك كالخاطئ والعامد، ولأنه لو قدم المتاع من البيت إلى النقب فأخذه الآخر لم يقطع؛ لأنه لا يد له عند الخروج عليه كذلك في مسألتنا. 29403 - احتجوا: بأنه سرق نصابًا مقدرًا من حرز مثله لا شبهة له فيه وهو من أهل القطع. 29404 - قلنا: لا نسلم عدم الشبهة؛ لأن زوال يده عن المال عندنا ولا مفارقة الحرز شبهة.

مسألة 1463 [إقرار العبد بالسرقة]

مسألة 1463 [إقرار العبد بالسرقة] 29405 - قال أبو حنيفة: العبد المحجور عليه إذا أقر بسرقة مال في يده قطع، ودفع المال إلى المسروق منه. وهو [أحد قولي الشافعي]. 29406 - وقال في القول الآخر: يقطع والمال للمولى. 29407 - لنا: أن من قبل إقراره في القطع قبل في دفع المال كالحر؛ لأن إقرار العبد بما يوجب الحد ينفذ وإن تلف به مال المولى، بدلالة: تلف نفسه إذا أقر بالردة، ولأنا لو حكمنا بالملك للمولى لم يجز أن يقطع فيه كما لو سرق مال المولى. 29408 - احتجوا: بأن ما في يد العبد كما في يد المولى؛ لأن يده كيده، ولو أقر بسرقة مال في يد المولى لم يلزمه تسليمه كذلك ما في يده. 29409 - قلنا: إذا لم ينفذ الإقرار فيما في يد غير المقر لم يدل ذلك على أنه لا ينفذ فيما في يده؛ يدلك عليه أنه لو أقر على عبد المولى بسرقة لم يقطع فيها؛ فكذلك لم يجب تسليمها. 29410 - قالوا: إذا أقر بسرقة ما دون العشرة لم يجب تسليمه؛ لأن مال المولى كذلك العشرة. 29411 - قلنا: ما دون العشرة مختلف في تعلق القطع به، فلا يلزم تسليمه، والعشرة متفق على وجوب القطع فيها فإذا قبل إقراره في القطع قبل في رد المال.

مسألة 1464 [السرقة من السارق]

مسألة 1464 [السرقة من السارق] 29412 - قال أصحابنا: إذا سرق السارق من السارق لم يقطع. 29413 - وقال أصحاب الشافعي فيه وجهان. 29414 - لنا: أنه أخذ يستقر به الضمان فلا يقطع فيه كالأخذ لما دون النصاب ولأنه أخذ لا يقطع فيه الردء فلم يقطع المباشر كأخذ الغاضب والمنتهب، ولأن يد السارق ليست يد ملك ولا أمانة، ولا يثبت لصاحبها حكم الملك، فخرجت من أقسام الأيدي. فصار الأخذ منها كالأخذ من الطرقات، وأما السارق من الغاضب فيقطع. 29415 - وقالوا: في أحد الوجهين: لا يقطع. 23416 - لنا: أنه سارق من يد صحيحة بدلالة أنه يد يتعلق بها الضمان فصار كما لو سرق المبيع من البائع. 29417 - احتجوا: بأن من لا يقطع إذا سرق السارق لا يقطع إذا سرق من الغاضب كالمالك. 29418 - [قلنا] يد السارق يختلف في تعلق الضمان بها، وهي يد منعة فلذلك لم يجب القطع بالسرقة منها فيد الغاضب يد مجمع على تعلق الضمان بها. 29419 - ولو كانت يدًا صحيحة فلذلك وجب قطع السارق منها.

كتاب قطاع الطريق

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب قطاع الطريق

مسألة 1465 إذا قتل قاطع الطريق وأخذ المال

مسألة 1465 إذا قتل قاطع الطريق وأخذ المال 29420 - قال أبو حنيفة: إذا أخذ قاطع الطريق المال وقتل فإن الإمام يقطع يده ثم يقتله ويصلبه. 29421 - وقال الشافعي: يقتله ويصلبه [ولا يقطع يده]. 92422 - لنا: قوله تعالى: {إنما جزاؤا الذين يحاربون الله ورسوله} إلى قوله: {أو تقطع أيديهم وأرجلهم}. وأجمعنا: أن المراد من قوله: {تقطع أيديهم} إذا أخذوا المال. فمن زعم أن القطع يسقط بضم القتل إليه

فقد ترك الظاهر ويدل عليه أنه - صلى الله عليه وسلم -: (قطع العرنيين وسلمهم وألقاهم في الحرة حتى ماتوا) فجمع بين قطعهم وقتلهم. ولأن القطع والقتل حد واحد. بدلالة: أن مقصود قاطع الطريق بالقتل التمكن من أخذ المال، والحد الواحد لا ينوب بعضه عن بعض كعدد الجلدات، وكما لا يسقط قطع الرجل بقطع اليد. ولأن القطع أخص بهذه المعصية بدلالة: أن الجمع بين قاطع الطريق لا يجب في غيرها. وبدليل: أن التوبة قبل القدرة تسقط القطع ويبقى حق الأولياء في القتل، وإذا كان أخص ثم كان القتل الذي لا يختص بقطع الطريق [لا يسقط بالإجماع] فالقطع المختص به أولى أن لا يسقط ولأنه أخذ مالاً [مقدار على وجه] المغالبة لا شبهة له فيه وهو من أهل المحارب [فوجب قطعة] أو أصله إذا لم يقتل. 29423 - احتجوا: بما روى عن ابن عباس قال: وادع النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بردة الأسلمى فجاء أناس يريدون الإسلام فقطع عليهم أصحابه فنزل جبريل - عليه السلام - بالحد فيهم أن من قتل وأخذ المال صلب، ومن قتل ولم يأخذ المال قتل، ومن أخذ المال ولم يقتل وقطعت يده ورجله من خلاف قالوا: وروى الشافعي عن ابن عباس في حدهم أن من أخذ المال وقتل صلب. قال وروى الحجاج بن أرطأة عن عطية العوفي عن ابن عباس أن من أخذ المال وقتل قطعت يده ورجله وصلب فقد تعارضت الرواية عن ابن عباس وبقي لنا ما فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعرنيين. 29424 - قالوا: القطع حد على الانفراد يتغلظ في قاطع الطريق من وجه واحد كالقتل.

29425 - قلنا: القتل حد منفرد في قاطع الطريق فجاز أن يغلظ بالجمع بينه وبين القتل. 29426 - قالوا: وجب القتل فلا يجب معه القطع كالسارق إذا زنا كما لو لم يأخذ المال. 29427 - قلنا: السارق الزاني اجتمع فيه حدان متداخلان وفي مسألتنا قد بينا أنه حد واحد فلم يتداخل، وأما إذا لم يأخذ المال فلم يوجد سبب القطع، وفي مسألتنا [يوجد سببه. 29428 - قالوا: القطع يجتمع مع القتل] [في حد واحد] وجب لعلة لم يجز تركه، وما جاز تركه لم يجز فعله. 29429 - قلنا: عندنا لا يخير فيه، وإنما وجب الأمران، وإن لم يوجد عله الترتيب فإذا ابتدأ بالقتل سقط القطع من طريق الحكم. 29430 - وقولهم: جاز فعل القطع لم يجز تركه. 29431 - فنقول: لا يجوز تركه عندنا إلا أن يسقط حكمًا كما سقط في قطع السارق بموته.

مسالة 1466 كيفية الصلب ووقته ومقداره

مسالة 1466 كيفية الصلب ووقته ومقداره 29432 - ذكر إبراهيم بن الجراح عن أبي يوسف في كتاب البرامكة أن قاطع الطريق يقتل على خشبة، وذكر ابن شجاع في كتاب الحدود فقال: أخبرني الحسن بن زياد عن أبي حنيفة قال: يصلب ثم يطعن فخذه فيكون قتله كذلك. قال الطحاوي: سمعت ابن عمران يقول: سمعت الفضل بن غانم قاضي مصر يسئل محمد بن سماعة ما الذي يحفظ عن أصحابنا في

المقدار الذي يقومه المصلوب على الخشبة، قال ابن سماعة: لا مقدار له في ذلك بعينه ولكن على ما يشتهر أمره عند الناس ويعلمونه ثم [ينزل] منها. 29433 - وذكر أصحاب الشافعي: أنه يقتل ويصلب بعد القتل ثم يحط. 29434 - لنا: ما روى أنه - صلى الله عليه وسلم - قطع أيدي العرنيين وأرجلهم وألقاهم في الحرة حتى ماتوا عطشًا. وهذا في معنى الصلب. وقد فعل بهم في حال الحياة. ولأن الحدود عقوبة وبعد الموت لا يعاقب. ولأنه إذا قتل فقد عدمت حياته فصار كما لو مات حتف أنفه فلا يصلب. وهذا لا شبهة فيه. لأن الصلب يختص بقاطع الطريق فلا يستوفى بعد الموت كقطع اليد والرجل. 29435 - احتجوا: بقول - صلى الله عليه وسلم -: (ابدءوا بما بدأ الله به). قالوا: والقتل يبتدأ به في الآية. 29436 - قلنا: فظاهره التخيير، ومتى خير بين شيئين لم يجب تقديم المبدأ به. لأن ذلك يسقط التخيير. ولأن تقدير الآية عندهم أن [يقتلوا إن قتلوا و] يصلبوا إن أخذوا المال وقتلوا فكل واحد من العلتين غير الآخر، ويتعلق بسبب غير السبب الآخر. 29437 - قالوا: روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (نهى عن المثلة). وهي تعذيب الحيوان.

29438 - قلنا: قاطع الطريق مخصوص بذلك. بدلالة أن قطع الطرفين تعديب، والصلب مثله وذلك ثابت بإجماع. 29439 - قالوا: المقصود من الصلب الزجر. ومن يقتل لا يحتاج [إلى الزجر] فلم إلا أن يكون الغرض زجر الغير. وذلك موجود بعد القتل. 29440 - قلنا: زجرًا لغير تابع. لأن فاعل المعصية هو المقصود، وزجر غيره على وجه التبع، والعقوبة لا تصح بعد الموت. ولأنه المقصود إن كان زجرًا فالزجر بصلبه حيًا أبلغ وأعظم.

مسألة 1467 معنى النفي في قوله تعالى: {أو ينفوا من الأرض}

مسألة 1467 معنى النفي في قوله تعالى: {أو ينفوا من الأرض} 29441 - قال الله تعالى: {أو ينفوا من الأرض}. قال أصحابنا: هذا فيمن خرج محاربًا فلم يقتل ولم يأخذ المال يعززه الإمام بالحبس والضرب. 29442 - وقال الشافعي: النفي طلب قاطع الطريق ليثبت عليه الحد فيقام عليه الحد أو الحبس إن كان لم يقتل ولم يأخذ مالاً فكلما خرج إلى بلد طلب فيه. حتى يلحق بدار الحرب فإن أمكن أن يكتب ليرد من هناك فعل. 29443 - لنا: قوله تعالى: {أو ينفوا من الأرض}. فخير بين النفي وغيره. وقد ثبت أن كل عقوبة ذكرها في الآية مرتبة متعلقة بنوع من المعصية دون غيره فإذا حملنا النفي على من خرج ولم يقتل ولم يأخذ مالاً خصصنا النفي بنوع، وإذا حملوه على الصلب رجح النفي على كل قاطع وهذا خلاف الظاهر. ولأنه تعالى أمر بالنفي بالظاهر أنه واجب عندهم إن ظفر به من غير طلب ولا نفي. 29444 - ولأنه نوع عقوبة في قاطع الطريق فاختصت بنوع من القتل دون غيره أصله قطع الطرفين. ولأن النفي الإبعاد والطلب لإقامة الحد ليس المقصود منه الإبعاد. وإنما يقصد به الأخذ والإعادة إلى الإمام وهذا صفة النفي. فإن قيل: الحبس ليس بنفي. 29445 - قلنا: غلط هو إبعاد المحبوس عن الأماكن التي يتمكن من القطع فيها. وقد حكى. أمير المؤمنين فدتك نفسي علام تقتلني وحرقت ساقي.

29446 - وقد قيل: إنه نفى من الأرض فقال علي بن الجهم. خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها فلسنا من الأحياء فيها ولا الموتى إذا جاءنا السجان يومًا لحاجة عجبنا وقلنا جاء هذا من الدنيا 29447 - وهذه المسألة لا خلاف فيها يعود إلى المعنى. لأنه إذا أخذ حبس بلا خلاف فإذا لم يوجد طلب لإقامة الحد، وإنما الخلاف في معنى النفي المذكور في الآية وقد بينا أن الطلب ليؤخذ ليس بنفي. 29448 - احتجوا: بما روى عن ابن عباس أنه قال: نزلت هذه الآية في المحارب إذا عدا فقطع الطريق فقتل وأخذ المال صلب فإن أخذ المال ولم يقتل قطع من خلاف. فإن هرب فأعجزهم فذلك نفيه. 29449 - قلنا: روى عطية العوفي عن ابن عباس قال: (وإن لم يقتل ولم يأخذ مالاً نفي) فهذا يدل أن النفي مختص بنوع في جميع الأنواع. 29450 - وقول ابن عباس في الرواية الأخرى: (فإن هرب فأعجزهم فذلك نفيه) يعني في الذي لم يأخذ ولم يقتل إذا هرب ولم يقدروا عليه قام هربه مقام حبسه. 29451 - يبين ذلك أن من خرج فأخاف ولم يزد على ذلك [وتاب وترك فعل الشر] [وإلا يكون] [الضرب في الحبس فإذا حملنا النفي على ذلك] حملناه على ما شهد له الأصول. والطلب لا يشهد له أصل. وحمل الآية على شواهد الأصول أولى.

مسألة 1468 حكم الردء في قاطع الطريق

مسألة 1468 حكم الردء في قاطع الطريق 29452 - قال أصحابنا: يجب حد قاطع الطريق على الردء والمباشرة. 29453 - وقال الشافعي: على المباشرة خاصة. 29454 - لنا: قوله تعالى: {إنما جزاؤا الذين يحاربون الله ورسوله} فأوجب القتل والقطع بالمحاربة وهذا موجود في المعين. 29455 - فإن قيل: القتل مضمر بالإجماع. 29456 - قلنا: فعندنا لا يقتل المعين حتى يوجد القطع. فإذا أضمر ثم وجد القتل في المحدد كان [ذلك عادة] إضمار لا ينفق عليه. ولأن الحدود تتعلق بالمقصود من كل نوع. والمقصود في قطع الطريق ليس هو مباشرة أخذ المال. وإنما المقصود القهر والتمكن وهذا المعنى موجود في الردئه. لأنه حكم يتعلق بأخذ المال على طريق المبالغة فاستوى فيه المباشرة والردئة كالغنيمة. 29457 - فإن قيل: لما جاز أن يستحق الغنيمة بالمدد وأهل الخمس لأن العادة أن المسلمين العساكر يمدون العساكر، فالمال مأخوذ بظهر المد فكذلك أهل الخمس المال مأخوذ بظهرهم. لأن الواجب على المسلمين أن يمدوهم ليخلصوهم من عدوهم، ولم تجر العادة في قطاع الطريق أن يلحقهم مدد فلم يكن المأخوذ بظهر من لم

يحضر فلذلك لم يجر الحكم عليهم. 29458 - فإن قيل: الظالمون بظهر طوائفهم. 29459 - قلنا: الظلم لا يقع غالبًا بالتجمع والقهر فلا تلزمنا علتنا. 29460 - احتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، وزنا بعد إحصان، وقتل نفس بغير نفس). 29461 - قلنا: روت عائشة- رضي الله عنها-: (إن رجلاً خرج محاربًا لله ورسوله فيقتل ويصلب). ولأنه لا يقتل الردء بعد وجوب القتل وليس في الخبر قتل نفس في المباشرة أو الردء. 29462 - قالوا: حد يجب بارتكاب معصية فوجب أن لا يجب على المعين كحد الزنا والشراب. 29463 - قلنا: المقصود من أسباب هذه الحدود اللذة وذلك لا يحصل للمعين. والحدود تتعلق بالمقصود من كل نوع دون غيره، والمقصود في قطع الطريق يوجد من المعين فلذلك جرى عليه. 29464 - قالوا: من لم يباشر القتل لا يجرى عليه في قطع الطريق كالمرأة. 29465 - قلنا: أحكام المحاربة تختلف فيها الرجال والنساء فلا تكون للمرأة فيها رتبة الرجل. بدليل الغنيمة ولأنها ليست من أهل القتال في الغالب فلا يوجد مقصود قطع الطريق. 29466 - قالوا: السبب والمباشرة إذا اجتمعا في الضمان من غير إلجاء وتعلق الضمان بالمباشرة وجب أن يختص بها، ولا يتعلق بالسبب. أصله: الممسك والقاتل وحافر البئر والدافع. 29467 - قلنا: يبطل بالمحرم إذا أمسك صيداً فقتله محرم آخر في يده. 29468 - فإن قالوا: الممسك لم يجب عليه الضمان فإنه بالمباشرة بدليل أن

الصيد لو تلف قبل القتل وجب عليه الضمان. 29469 - قلنا: بل وجب بالمباشرة بدليل أنه لو تلف لم يجب ضمان وليس إذا تعلق الضمان بسبب غير المباشرة دل على أن المباشرة إذا وجدت لم يتعلق بها الضمان. 29470 - على أن قولهم: إن الضمان إذا تعلق بالمباشرة لم يتعلق بالسبب غلط. لان الحد ليس بضمان فإذا أرادوا ما يجب للولي بالقتل. فكذلك يتعلق بالمباشرة. بدليل: أن الحد لو سقط بالتوبة وجب ضمان النفس على من باشر القتل دون من لم يباشره. 29471 - وأصلهم: الممسك والقاتل والمعنى فيه أن القتل هناك. ومن عادة القتال إذا قصدوا أن يتولاه الواحد بنفسه، ولا يقتصر على الإمساك إلا من هو دونه. 29472 - وفي مسألتنا ليس القتل هو المقصود وإنما المقصود المال فلم تعتبر مباشرة القتل وإنما يعتبر التمكين من أخذ المال. 29473 - فأما حافر البئر فإن الضمان يجب عليه؛ لأنه أجرى بتفريط مجرى الدافع حين عرض المار في الطريق للوقوع. فإذا وجد حقيقة الدفع خرج الحافر من أن يكون عايا فلم يجب عليه الضمان.

مسألة 1469 قطع الطريق في الأمصار

مسألة 1469 قطع الطريق في الأمصار 29474 - قال أبو حنيفة: قطاع الطريق في الأمصار لا يجب عليهم الحد. 29475 - وقال الشافعي: يجب عليهم الحد. 29476 - وهذه المسألة أجاب أبو حنيفة على عادة شاهدها وهي أن أهل الكوفة كانوا قبائل يحملون السلاح ومجاهدون فلا يتمكن قاطع الطريق أن يقهر في المصر؛ لأن الغوث يلحق من كل جهة. ومن أخذ المال مجاهرة وليس له حيز وغلبة لم يجر عليه حكم قاطع الطريق كالمنتهب. 29477 - فأما الآن فقد ترك الناس حمل السلاح وتقاعد بعضهم عن بعض وصاروا بحيث لا يلحق الغوث، فقطاع الطريق إذا تحيزوا في المصر وغلبوا صاروا كمن فعل ذلك في غير المصر. 29478 - فإن احتجوا: بأنه لم يسلم أن من أخذ المال في موضوع يلحقه الغوث لا يكون محاربًا ولا ساعيًا في الأرض بالفساد. قالوا: حد فيستوي فيه المصر وغيره كالزنا. 29479 - قلنا: [الحكم عندنا] لا يختلف بالمصر وغيره، وإنما يختلف

من التحيز والغلبة. فإذا وقع في موضوع يلحق الغوث في الغالب فلم يوجد الذي تعلق الحد به فوزانه الوطء فيما دون الفرج لما لم يوجد فيه المعنى الموجب لم يوجبه.

مسألة 1470 إذا قطعت المرأة الطريق

مسألة 1470 إذا قطعت المرأة الطريق 29480 - قال أصحابنا: إذا قطعت المرأة الطريق لم يجب عليها الحد. وذكر الطحاوي في مختصره أن الحد في قطع الطريق يجري على النساء والرجال. وبه قال الشافعي. 29481 - لنا: أن الأحكام المتعلقة بالمحاربة يختلف فيها الرجال والنساء. 29482 - الدليل عليه السهم في الغنيمة أو نقول: فحال النساء فيها أنقص من حال الرجال. 29483 - فإن قيل: الإسهام يختلف فيه الحر والعبد وإن كان العبد يجرى عليه حد قطاع الطريق. 29484 - قلنا: العبد من أهل القتال، وإنما تنقص حاله؛ لأنه لا يملك القتال إلا بإذن المولى. والمرأة ليست من أهل القتال في الغالب فنقص حكمها بمعنى يعود إليها لا إلى غيرها فالآية محمولة على من وجد منه القهر والظفر غالبًا. وذلك متعذر في النساء. 29485 - قالوا: حد فاستوى فيه الرجل والمرأة. 29486 - قلنا: الأسباب التي تتعلق بها الحدود توجد في النساء غالبًا، فلذلك ساوت الرجال، وهذا السبب لا تساوي المرأة الرجل فيه؛ لأنه لا يوجد منها في الغالب.

مسألة 1471 إذا جرح قاطع الطريق وقتل

مسألة 1471 إذا جرح قاطع الطريق وقتل 29487 - قال أصحابنا: إذا قطع الطريق فقتل وجرح قتل وسقط القصاص. 29488 - [...] والجراح لم يقتل. وهل ينحتم الجرح والقتل، فيه قولان. نقل المزني: أنه لا ينحتم لكن إلى اختيار المجروح. ومن أصحابهم ن قال أنه ينحتم كالقتل. 29489 - [لنا: قوله تعالى: {إنما جزاؤا الذين يحاربون الله ورسوله} إلى قوله: {أن يقتلوا أو يصلبوا}]. وهو عام فيمن وجد منه العقل، والقتل والجرح. 29490 - فإن قيل: تقدير الآية {أن يقتلوا} إن قتلوا. 29491 - قلنا: فكذلك نقول لكنها عامة فيمن قتل وجرح، ومن لم يجرح. ولأن حق الآدمي إذا اجتمع مع حق الله تعالى في قطاع الطريق غلبة حق الله تعالى أصله: القتل بالحد مقدم على القتل بالقصاص. 29492 - ولأنه لا يخلو أن نقول: إن الجرح يستوفي لحق الله تعالى ولحق آدمي، ولا يجوز لحق الله؛ لأنه لم يذكر في الآية. ولا يجوز إيجابه لحق الآدمي؛ لأن حق الله تعالى يقدم في قطع الطريق القصاص أصله: القصاص في النفس.

29493 - احتجوا: بقوله تعالى: {والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن} إلى قوله: {والجروح قصاص}. 29494 - قلنا: هذا يدل على الوجوب، وعندنا القصاص واجب، ويسقط باستيفاء الحد كما يسقط القصاص في النفس بالقتل على وجه الحد. حتى لا يجوز عفو الأولياء ولا يقف على مطالبتهم. 29495 - قالوا: كل عقوبة وجبت في غير حال المحاربة كالقتل. 29496 - قلنا: يبطل بالرجم والجلد في الحدود. ولأن عندنا قد وجبت هذه العقوبة وتقدم الحد عليها. فتصير تابعة له وأصلهم القطع. 29497 - وعندنا القتل الواجب في غير قاطع الطريق لا يجب فيه، وإنما يجب فيه قبل أن يستوفيه الإمام على وجه الحد لا لحق آدمي. 29498 - قالوا: أحد نوعي القصاص؛ فجاز أن يجب في حال المحاربة كالقتل. 29499 - قلنا: قد وجب القصاص عندنا، وإنما تقدم الحد عليه، ولهذا إذا سقط الحد استوفى الجرح. ونقلب فنقول: فيقدم حق الله تعالى عليه كالقتل. 29500 - فإن قيل: القتل قصاص لحق آدمي يتعلق حق الله به كما يتعلق بالعدة، وإن كانت لحق آدمي. ولهذا إذا سقط الحد بالتوبة كان الخيار للولي بين القتل والعفو. 29501 - قلنا: لو كان القتل على وجه القصاص وقف على مطالبة الولي ولم يستوفه الإمام مع كراهته كما يستوفي أحد الشريكين مع كراهة الآخر.

كتاب الأشر بة

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب الأشر بة

مسألة 1472 ما هي الخمر

مسألة 1472 ما هي الخمر 29502 - قال أبو حنيفة: الخمر عصير العنب إذا على واشتد وقذف بالزبد. 29503 - وقال الشافعي: كل شراب مسكر فهو حرام. 29504 - لنا: أن الأسماء طريق إثباتها النقل، وق وجدنا العرب في سمت عصير العنب المشتد: خمرًا، وسمت غير ذلك نبيذًا. [.....] وتخصيص كل واحد من الشرابين باسم يدل على أن كل واحد منهما لا يسمى باسم الآخر، لأن هذه الطريقة تقرب التفريق بين المسميات، ولأن أهل اللغة السفراء بيننا وبين العرب قد بينوا ذلك في كتبهم، وقالوا: إن ما اتخذ من غير العنب فليس بخمر. ذكر ذلك أبو حاتم في كتاب (الكرمة) ويعقوب في (الألفاظ) وأبو عبيد وابن دريد في مسألة أفردها في أسماء الخمر وبينوا اختلاف أسماء الخمر ومعنى كل اسم منها، ولو نقلنا كلامهم

لطال. قال: أبو عبيد في (غريب الحديث): وقد جاء في الأشربة آثار كثيرة بأسماء مختلفة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وكل له تفسير، فأولها: الخمر وهو: ما على من عصير العنب. وهذا مبين في كتبهم مشهور عندهم فوجب الرجوع إلى قولهم والاقتصار بالاسم على ما حكوه دون غيره. 29505 - وروى أبو سعيد الخدري أن سكران حمل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له: (أشربت الخمر؟) فقال: والله ما شربتها منذ حرمت، وإنما شربت الخليطين. قال: فحرم النبي - صلى الله عليه وسلم - الخليطين يومئذ. ففي هذا نفي اسم الخمر عن الخليطين، ولو كان ذلك خمرًا لم يقره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويمكنه من نفي الاسم، والتحريم مع الاسم، وهو عليه الصلاة والسلام لا يقر على إباحة محرم. وهذا خبر جسن الإسناد [رواه حماد بن سلمة عن أبي التياح عن أبي الوداك عن أبي سعيد. وهذا الإسناد] على شرط مسلم. وذكره أحمد بن حنبل في كتاب الأشربة. ويدل عليه حديث ابن عباس: (حرمت الخمر بعينها قليلها وكثيرها، والسكر من كل شراب). ففرق بين الشرابين في الاسم والحكم، وهو رجل من أهل اللغة. 29506 - قال بعضهم: رواه عبد الله بن شداد ولم يلقه. 29507 - وهذا غلط قبيح، لأن عبد الله بن شداد بن الهاد يروي عن عمر بن الخطاب سماعًا وهو مفتي الكوفة، وزيد بن حمزة بن عبد المطلب، لأن شداد بن الهاد

خلف على امرأة. 29508 - قالوا: روى عكرمة عن ابن عباس أنه قال: كان خمرنا يومئذ الفضيخ. 29509 - قلنا: معناه: ما كنا نخمره؛ [لأنا نسميه: خمرًا. ويدل عليه حديث ابن عمر قال: حرمت الخمر وما بالمدينة منها شيء]. ومعلوم أن الأشربة المتخذة من الثمر كانت عامة مالهم وأشربتهم؛ فدل أن الخمر ليست ما اتخذ من الثمر. ويدل عليه أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي عبيدة يأمره أن يأذن للجند في شرب الطلى وهو شراب شديد، فلو كان كل شراب فيه شدة حمرًا، لم يقره الصحابة على إباحته للخمر. واستشهد سيبويه بقول أبي الأسود: دع الخمر يشربها الغواة فإني رأيت أخاها مجزيًا بمكانها فإن لا يكنها أو تكنه فإنه أخوها غذته أمه بلبانها 29510 - فنفي اسم الخمر عن الطلى بصريح اللفظ، وهو قوله: فإن لا تكنها أو يكنه. وأسماء الحقائق لا تنتفي عن مسمياتها بمثوبة بين قبول من قوله حجة. 29511 - وقولهم: إن الزجاج قال: إن أبا الأسود قيل له: إن هذه الأشربة مباحة. فقال ذلك، ثم رده طبعه فقال: فإنه أخوها. غلط؛ لأن أبا الأسود روى عن

علي وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وعمر بن الخطاب وزيد بن ثابت، وناظر طلحة والزبير حين توجها إلى البصرة، وكان قاضي علي بن أبي طالب على البصرة وابن عباس أميرها، فلما صرف ابن عباس قلده البصرة، وهو معدود في طبقة الصحابة. وعن أكابرهم أخذ، ومولده قبل مولد علي بن أبي طالب، وأسلم في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ونصبه عمر فعلم الناس العربية. 29512 - فإن كانوا قالوا: إن هؤلاء مباحة. فقولهم حجة، وإنما الزجاج تكلم فيما لا يحسنه، فوقع بعيدًا من الصواب، وظن أن أبا الأسود سمع الإباحة من فقهاء الكوفة، ولم يعلم في أي طبقٍة الرجل. 29513 - وقولهم: إن طبعه رجع؛ لأنه سمي الطلى أخا للخمر. وليس ذلك برجوع؛ لأن أخا الشيء غيره، وإنما أراد أن كلاهما من الكرم. ومعنى الطلى معنى الخمر، وليس بخمر بل هو أخوها. 29514 - فإن قيل: فعبيد بن الأبرص أقدم من أبي الأسود، وقد قال: وقالوا هي الخمر تكنى الطلى كما الذئب يكنى أبا جعدة 29515 - قلنا: قد ذكر أبو حاتم أن الطلاء ممدود هو: المطبوخ الذي أباحه عمر، والطلى غير ممدود هو: خمر أسود يخص يعمل بالطائف. فعبيد إنما ذكر ذلك الذي تعرفه العرب. وقد فرقت الشعراء بين النبيذ والخمر، فقال الأخفش: وصهباء جرجانية لم يطف بها حنيف ولم ينفل بها ساعة قدر فبين أن الخمر هي التي لم يقل بها القدور. وقال أبو زبيد في الوليد بن عقبة حين عزله عثمان عن الكوفة بشهادة أهلها عليه بشرب الخمر: قولهم شريك الحرام وقد كان شراب سوى الحرام حلال

ويروى: وقد كان حلال سوى الحرام. 29516 - قالوا: وهذا اعتذار. 29517 - ولم يكن معتذرًا له إلا بما لا ينكره الناس. وقال جبل بن معن: وظللنا بنعمة وإمكانًا وشربنا الخلال من ملكه ولما دخل على الوليد ليقتله قال: ما تنكرون مني. قالوا: ينكر منك شرب الخمر ونكاح أمهات أولاد ابنك. فقال: قد جعل الله فيما أحل سعة عما تذكرون. فقال: ادعوا إلي سليمان والنبيذ وقته وكأسًا للأحسن بذلك ما يده إلا كراه. قال: قد جعل الله فيما أحل سعة عن الخمر. ثم ذكر النبيذ. ولأن الأمة اتفقت على تكفير مستحل الخمر، وأجمعوا على أن مستحل هذه الأشربة لا يكفر، فدل على أن أحدهما غير الآخر؛ لأنهم اتفقوا على تحريم الخمر، واختلفوا في تحريم النبيذ. وموضوع الإجماع غير موضع الخلاف. ولأن الاختلاف لما صح في إباحة هذه الأشربة، علمنا أنها ليست بخمر، لأن أحدًا من الأمة لم يحل الخمر، وهذا كما نقول: إنهم اختلفوا في تحريم المتعة؛ فدل أنها ليست بزنى، إذ لم يبح أحد من الأمة الزنى ولا كان مباحًا في زمان، وقد كانت المتعة أبيحت. 29518 - وقد قيل: إنا وجدناهم يقولون: خل الخمر. لما أتخذ من العنب خاصة، ولا يقولون لما أتخذ من التمر: خل. قالوا: والتمر والزبيب لا تصير خلا حتى تشتد، فلو كان المشتد من التمر خمرًا لسموا خله: خل الخمر. 29519 - احتجوا: بحديث ابن عمر أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (كل مسكر خمر). قال يحيى بن معين: ثلاث لا يصح فيها حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: كل مسكر خمر، وأفطر الحاجم والمحجوم، ومن مس ذكره فليتوضأ. 29520 - فإن قيل: هذا حديث رواه أحمد بن حنبل من طريق صحيح.

29521 - قلنا: الرواية لا تدل [عليه] والذي يحقق ما نقوله أن البخاري لم يخرج هذا الحديث في الصحيح. 29522 - ثم إن تكلم على معناه. 29523 - فنقول: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يبين للعرب الأسماء اللغوية وعنهم أخذها وبلسانهم تكلم فيقول لهم الحكم، ومن عادة العرب إذا شبهت وبالغت في التشبيه تسقط حروف التشبيه، وهذا أمر لا يجهله من له عادة بكلامهم، قال الشاعر: فلا تحسبا هندًا تعدد وحدها سجية نفس كل غانية هنده وقال الأضبط بن قريع في الجاهلية، وكان قومه قد أساءوا مجاورته وآذوه، فرحل عنهم إلى قوم آخرين ففعلوا مثل ذلك، فرجع إلى قومه وقال: كل الناس بنو سعد وبنو سعد قومه وإنما أراد أنهم مثلهم. فمعنى الخبر: إن كل مسكر كالخمر في التحريم. والمسكر عندنا هو القدح الأخير على ما سنبينه. يبين ذلك: أن ابن عمر روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه شرب نبيذًا شديدًا. 29524 - قال مخالفنا: لا يمتنع أن يبين - صلى الله عليه وسلم - الأسماء، كما روي: أن أبا موسى سئل عن شراب يعمل من العسل فقال: ذلك البتع. وسأله عن نبيذ يعمل من الحنطة فقال: ذلك المرز. 29525 - قلنا: أبو موسى سأله وهو يعرف الاسم، وإنما أراد الحكم، فذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس ليفهمه إياه، لكن ليعلق عليه الحكم. 29526 - قالوا: لا يمتنع أن يبين الأسماء لمن نشأ فيهم لا يعرفه، أو لمن خالطهم

من العجم. 29527 - قالوا: الناشئ لا تخفى عليه الأسماء، ولم يكن في الصحابة من ليس من العرب. 29528 - قالوا: روى أبو هريرة أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (الخمر من هاتين الشجرتين). 29529 - قلنا: إذا جمعا ونبذا فذلك خمر عندنا. ولأنه لم يرو أن كل ما أتخذ منهما خمر، لأنه يتخذ منهما الدبس والخل، فعلم أن المراد بذلك بعض المتخذ منهما خمرًا، وكذلك نقول: إذا خلط عصير العنب والتمر. على أن هذا الخبر لم يروه عن أبي هريرة غير أبي بكر الغنوي من أهل اليمامة. وهو خبر إذا نقل على وجهه دليلنا، فإنما نقل أصحاب الحديث بعضه، وتمامه: قال أبو هريرة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الخمر من هاتين الشجرتين من العنب والنخلة). وقال - صلى الله عليه وسلم -: (لا تنبذوا التمر والزبيب جميعًا، ولا البر والتمر جميعًا، وانبذوا كل واحد منهما على حداها). وقال أبو هريرة: إذا رابك من شرابك ريب فشن عليه الماء، وأمط عنك حرامه واشرب حلاله. أفتراه - صلى الله عليه وسلم - أباح إنباذ كل واحد منهما وهو خمر؛ فدل الخبر أن ما اتخذ من التمر والزبيب ليس بخمر، وإنما المعنى في أن ذلك مما يعتد به ما يقصد بالخمر. 29530 - قالوا: روى النعمان بن بشير، أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن العنب خمرًا، وإن

من العسل خمرًا، وإن التمر خمرًا، وإن من البر خمرًا، وإن من الشعير خمرًا). 29531 - قلنا: إذا ثبت أنه لا يبين الاسم، فهذا بيان للحكم، ومن كل واحد من هذه الأصناف الخمسة ما هو محرم كتحريم الخمر. 29532 - فإن قيل: إن قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إن من العنب خمرًا). أريد به بيان الاسم وكذلك بقية الأصناف. 29533 - قلنا: هذا محال؛ لأنا قد بينا أنه - صلى الله عليه وسلم - لا يجوز أن يبين الاسم بقوله: (إن من العنب خمرًا). يعني: إن منها ما لا يسمى خمرًا، وحكمه حكم الخمر. وقد يتخذ من العنب شراب مسكر ليس بخمر وهو المطبوخ، وما نبذ من الزبيب. يبين هذا: أن الله تعالى حرم الخمر بنص القرآن، وهذه الأشربة عند مخالفنا كانت تسمى خمرًا، فاستغنى ببيان القرآن عن ذكرها. 29534 - فإن قيل: إنما ذكرها؛ لأنها تسمى بغير الخمر. 29535 - قلنا فكذلك الخمر لها أسماء كثيرة، ولم تفتقر في بيان تحريمها إلى غير القرآن. 29536 - قالوا: روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: نزل تحريم الخمر يوم نزل وهي من خمسة: العنب، والتمر، والعسل، والحنطة، والشعير، والخمر ما خامر العقل. 29537 - قلنا: قد صح عن عمر أنه شرب النبيذ الشديد، ولا يجوز أن يكون شرب الخمر، فعلم أن قوله: وكانت بغير ما يخمر من الأشربة. يبين ذلك قوله: والخمر ما خامر العقل. وليس كل مخمر خمرًا، لأن اللبن يخمر والعجين يخمر. 29538 - قالوا: روي أن أبا موسى خطب على منبر البصرة فقال: ألا إن خمر المدينة البسر، وخمر أهل اليمن البتع، وخمر الحبشة السكركة. وهو الذرة. 29539 - قلنا: هذا بيان لما يعتادون تخميره، لا لما يعتادون تسميته، ألا ترى أن أهل فارس والحبشة لا يساوون العرب في الاسم؟! فعلم أنه بيان للفعل.

29540 - قالوا: روي عن أنس بن مالك قال: كنت أسقي أبا عبيدة بن الجراح وأبي بن كعب وأبا طلحة وسهل بن بيضاء من هذا الفضيخ، فأتاهم آتٍ فقال: إن الخمر قد حرمت. فقال أبو طلحة: قم إلى هذه الجرار فاكسرها. فقمت إلى مهراس لنا فكسرتها. 29541 - قلنا: لم يفهموا التحريم بالاسم لكن بالاستدلال. يبين ذلك: أنه كسروا الجرار وإن كان تحريم الخمر لا ينبئ عن ذلك، كذلك تركوا الشرب استدلالاً وإن لم يدل اسم الخمر على ذلك. 29542 - ويجاب عن جملة هذه الأخبار، فيقال: إذا كان الاسم تارة يطلق حقيقة وتارة مجازًا، فالوجه الذي يفصل بين الاسمين أن ما لزم مسمياته فلم ينتف عنها فهو حقيقة، وكل ما جاز انتفاؤه عن مسمياته بحال؛ فهو مجاز. ألا ترى أن الله تعالى قال: {يريد الله أن يخفف عنكم}. وكانت هذه الإرادة حقيقة، لأنك لو قلت: إن الله تعالى ليس بمريد. كنت مبطلاً، وقال تعالى: {جدارًا يريد أن ينقض}. فلو قلت: إن الحائط ليس بمريد. لكنت صادقًا، فلما قال تعالى: {إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر}. وكانت الخمر عصير العنب إذا اشتدوا الميسر القداح لم يحرم بذلك الحلو، وإن سمي خمرًا في قوله: {إني أريني أعصر خمرًا)؛ لأن اسم الخمر يبقى على العصير، فعلم أنه ليس بخمر على الحقيقة. كذلك ما ورد في الأخبار بتسميته خمرًا، إنما هو استعارة شرعية، فلا يحمل اسم الحقيقة عليها، لأن الأمر يجوز أن ينتفي عن جميعها. 29543 - قالوا: الخمر سميت خمرًا، لمخامرتها العقل. 29544 - قلنا: أجمع أهل العربية أن الاشتقاق لا يطرد، وأنهم سموا النجم نجمًا لظهوره، ولا يسمون كل ظاهر نجمًا، وقالوا للجنين جنينًا لا ستتاره ولا يسمون كل مستتر جنينيًا. وأهل الاشتقاق بينوا أنه لا يطرد وبينوا ذلك وقالوا: أنهم سموا [العبور عيوقا]، لأنه عاق عن الثريا فمنع ضوءه وإن شاهد نجومها، ولم يطرد هذا. وقالوا:

الدبران إن دبر الثريا ولم يقولوا لكل ما تبع غيره: دبران. وقالوا: الفرسن من البعير كالحافر من الفرس، وإنما قيل: فرسن من الفرس وهو الدق، والنون زائدة. ولذلك قيل للأسد: فراس ولصيده فراسة، وحافر الفرس يدق فلم يسموه: فرسنًا، والحافر سماه: حافرًا لأنه يحفر الأرض، والفرس يحفر فلم يسموه حافرًا. 29545 - قالوا: بيان لمن شرب النبيذ مخمورًا، فولا أنه خمر لم يسم بذلك. 29546 - قلنا: قد عرفنا عن العرب أنها سمت بذلك من أصابه الصداع عقيب الشراب، ولا نعلم أنها استعملت ذلك فيمن شرب النبيذ، وإنما هو اسم محدث تكلم به الناس تشبيهًا بذلك، فلا يصح الاحتجاج به، حيث لم نعلم أن العرب تكلمت به في النبيذ.

مسألة 1473 علة تحريم الخمر

مسألة 1473 علة تحريم الخمر 29547 - قال أصحابنا: تحريم الخمر غير معلل بعلة يقاس عليها، وكذلك لحم الخنزير. ومن أصحابنا من قال: إن تحريمها يتعلق بوجود المعاني التي لأجلها سميت خمرًا، كما حرم الزنى لوجود المعنى الذي له سمي الوطء: زنى، ويجوز أن يكون التحريم يتعلق بنجاستها. 29548 - وقال الشافعي: تحريم الخمر معلل بوجود الشدة المطربة. 29549 - لنا: ما روي عن ابن عباس أنه قال: حرمت الخمر لعينها قليلها وكثيرها، والسكر من كل شراب. وكيفية التحريم إنما تعلم بالتوقيف، فكأنه روى ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. فلو كان التحريم معللاً بعلة تتعدى لم يعلق التحريم بالعين، لأن ذلك يمنع أن يتعلق بغير العين كتحريم الخنزير والميتة والأمهات. ولأن الصحابة اختلفوا في تحريم الأشربة، ولم ينقل عن واحد منهم ذكر علة، ولو كان أصلاً معللاً لبينوا علته كما بينوا ذلك في سائر المسائل التي اختلفوا فيها. 29550 - فإن قيل: قد قال عمر: الخمر ما خامر العقل. 29551 - قلنا: هذا يدل على أن ما حدث عنه السكر حرام، وهذا متفق عليه. ولا يجوز أن يكون هذا بيانًا لتحريم الجنس، لأنه قد ثبت شرب عمر خمر النبيذ الشديد ويستحل ذلك؛ فعلم أنه بيان للخمر المؤثر في العقل. 29552 - ولأن من مخالفنا أن الأشربة المطربة كلها خمر وقد حرمت بنص واحد، فلا يجوز أن يكون بعضها في التحريم فرعًا لبقيتها، كما أن الأشياء الأربعة في

الربا حرمت بنص واحد لم يكن بعضها أصلاً وبعضها فرعًا، لأن الشيء لا يجوز أن يحرم لعلة لا توجد فيه. ومعلوم أن الشدة والطرب لا توجد في الخمر اليسير، وهو محرم كتحريم الكثير، فلم يجز أن تكون الشدة هي العلة في التحريم، إذ لا قائل يقول: إن قليل الخمر حرم بغير العلة التي حرم كثيرها، ولهذا لم يحرم قليل السقمونيا، لأن كثيرة يقتل. 29553 - فإن قيل: وجود الشدة علة لتحريم الجنس. 29554 - قلنا: هذا الذي منعنا منه أن يحرم الكثير للشدة ثم يحرم القليل من غير الشدة. 29555 - فإن قيل: القليل يسكر النمل والعصافير إذا كانت العلة تنافيها من الشدة المؤدية إلى إيقاع العداوة والبغضاء، فكيف يحرم القليل علينا لأنه يسكر العصافير وهل هذا إلا تلاعب بالعلل! على أنا لا نسلم أن العصفور والنمل يسكر. ولا يمتنع أن يكون الله تعالى خلقها على طبع لا يسكرها الشراب، كما خلق حيوانًا يستحلي الحنظل، والمخمور لا تؤثر فيه السموم. 29556 - ولأنه قد ثبت عندنا ما سنبينه من بعد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أباح النبيذ في الأوعية التي تحدث الشدة، ولا يجوز أن يتناول نسخ الإباحة إلا ما يتناوله الخطر وهو المشتد، فلو كانت العلة في تحريم الخمر هذه، ارتفع تحريم حكم هذه العلة بالإباحة، وخرجت أن تكون علة التحريم في الخمر. وقد علمنا أن تحريم الخمر لم تتعين، فعلمنا أن التحريم وقع دليل [نبه به] على أنه غير معلل. 29557 - احتجوا: بقوله تعالى: {إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلواة}. 29558 - قلنا: هذا لا يجوز أن يكون على وجه التعليل، لأن كل شيء صد عن ذكر الله حرام بالعقل. وقد كانت الخمر حلالاً إلى أن نزل تحريمها، فلو كان التحريم في القليل لهذه العلة لم تحل.

ولأن الشيطان يوقع العداوة والبغضاء في المعاملات أكثر مما يوقع في القمار، وكان يجب أن يحرم علينا لهذه العلة. ولأن العداوة والصد عن ذكر الله إنما يقع بالسكر، وليس يمتنع أن يحرم كثير الخمر لهذه العلة ويتعدى إلى كثير النبيذ، ويكون القليل محرمًا بغيرها؛ لأنها توجد فيه. 29559 - قالوا: وجدنا العصير حلالاً، فإذا حدثت الشدة حرم، فإذا زالت وصارت خلا حل؛ فدل على أن الحكم يعلق بما وجد بوجود التحريم، وارتفع بزواله. 29560 - قلنا: وجدنا الشدة إذا طرأت نجست، وإذا تخللت زالت النجاسة، فلما وجب أن يتعلق التحريم بالشدة ولا يتعلق بالنجاسة. ولأن كل واحد من هذين يحدث الحكم بحدوثه ويرتفع بارتفاعه. ويجوز أن يقال: إن الشدة إذا حدثت، وجد معنى اقتضى تسميتها خمرًا، فإذا تخللت زال ذلك المعنى، فلم يكن تعلقه بالشدة أولى من تعلقه بالمعنى المقتضى بالتسمية. 29561 - فإن قيل: العلة المتعدية أولى. 29562 - قلنا: هذا ليس بصحيح على أصولكم، وقد عللتم تحريم التفاضل في الأثمان بكونها أثمانًا، وعدلتم عن العلة المتعدية. 29563 - فأما على قولنا، فلا تكون الشدة المطربة علة لتحريم القليل وهي غير موجودة فيه، كما أن العلة في تحريم كثير السقمونيا لما كان الضرر وهو لا يوجد في القليل لم يحرم. 29564 - فإن قيل: شرب قليل السقمونيا لا يدعو إلى كثيره، وشرب قليل الخمر يدعو إلى كثيره. 29565 - قلنا: الطعام الذي يضر كثيره لا يحرم قليله، وإن كان أكل القليل يدعو إلى الكثير، وليس كل ما يدعو إلى التحريم محرم، ألا ترى أن القبلة واللمس في الحائض يدعو إلى وطئها وليس بمحرم. 29566 - فإن قيل: وجدت الشدة في نقيع الزبيب والتمر والمنصف من العصير

بحرمته ولا يسمى خمرًا، فعلم أن الحكم يتبع الشدة ولا يتبع التسمية. 29567 - قلنا: إن علقنا الحكم بالنجاسة قابلت علتنا علتكم وتعلق الحكم في النقيع بها، وإن علقنا الحكم في الخمر بالمعنى المقتضي لتسميتها خمرًا، قلنا: إن نقيع الزبيب والتمر لا يحرم لعلة الخمر، وإنما حرم عندنا لدليل آخر. على أن مذاهب فقهاء الكوفة والبصرة أن نقيع التمر والزبيب حلال، وهو أقوى عندي. 29568 - فإن قلنا: هذا سقط الكلام وطريقة أخرى في أن تعليق الحكم بالاسم أقوى من تعليقه بالشدة، وهي ما وجد في الحكم المعلل وهو التحريم تتعلق به الحدود، وجدنا سائر الأفعال المحرمة الموجبة للحدود يتعلق الحكم فيها بالاسم دون المعنى. 29569 - ألا ترى أن القاذف بالزنى يحد، ولو قذف بالكفر لم يحد، والزاني يحد، والواطئ وطئًا حرامًا لا يحد، والسارق يحد لوجود الاسم. ويمكن أن يعلل الواطئ في الزنى بعلة تتعدى إلى ما ليس بزنى، وكذلك القذف والسرقة وأجمعنا على سقوط ذلك التعليل. فكذلك في مسألتنا تعليق الحكم بالاسم- وإن كان لا يتعدى- أولى من تعليله بالمعنى المتعدي. على أنا نقول لمخالفنا: إذا وجدت الشدة، كفرنا مستحله، وإذا زالت الشدة، زال التكفير، فلم يجب أن يقيس غير الخمر على الخمر في تكفير المستحل وإن استويا في الشدة، كذلك لا نقيس في التحريم وإن تساويا في الشدة.

مسألة 1474 مطبوخ نبيذ التمر والزبيب

مسألة 1474 مطبوخ نبيذ التمر والزبيب 29570 - قال أبو حنيفة: المطبوخ من نبيذ التمر والزبيب والمثلث من عصير العنب حلال وإن اشتد ما لم يسكر، وكذلك نقيع الحنطة والشعير والذرة والأرز والعسل. 29571 - وقال الشافعي: ما أسكر كثيره فقليله حرام. 29572 - لنا: قوله تعالى: {وإن لكم في الأنعم لعبرة} إلى قوله: {سكرًا ورزقًا حسنًا}. وقد اختلف في تأويل السكر، فروي عن ابن عباس وابن عمر أنه: الخمر. وقال الشعبي: السكر ما شربت، والرزق الحسن ما أكلت. وقال عمر: السكر نقيع التمر. وحقيقة الاسم أنه الشراب [الذي يسكر]، لأن السكر مأخوذ من: سكرت الريح إذا سكنت. واختلافهم يدل على أن الاسم يتناول جميع ذلك، وهذه الآية امتنان من الله تعالى علينا وهو لا يمتن إلا بالمباح، فكما أفادت الآية إباحة اللبن كذلك إباحة السكر. 29573 - فإن قيل: السكر: الطعم. هكذا قال الزجاج، جعلت أعراض السكر سكرًا أي طعمًا. 29574 - قلنا: هذا مسلم، لكنه مجاز، وحقيقة الاسم ما يقع لشربه السكر، وقد ذكر هذا أهل اللغة ابن دريد وغيره.

29575 - فإن قيل: هذه الآية نزلت بمكة والخمر يومئذ حلال، وتحريم الخمر نزل بالمدينة فنسخ الآية. 29576 - قلنا: الآية تتضمن إباحة كل شراب مسكر ثم حرمت الخمر، فنسخ ذلك، وبقي كل شراب ليس بخمر على ما كان عليه، ويدل عليه ما روى عبد الملك ابن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: كنا جلوسًا عنده، فأوتي بقدح فقربه إلى فمه ثم رده. فقال له بعض جلسائه: أحرام هو يا رسول الله، قال: (ردوه). فردوه، ثم دعا بماء فصبه عليه، ثم شرب منه، ثم قال: (انظروا هذه الأشربة إذا اغتلمت عليكم، فاقطعوا شرابها بالماء). 29577 - قالوا: قال أحمد: عبد الملك بن نافع لا يعرف. 29578 - قلنا: عمه [القعقاع بن شور الذهلي] من وجوه أصحاب علي، فإن كان يعني به أنه غير معروف النسب، فقد عرفناه، وإن أراد أنه غير معروف العدالة، فظاهر حال المسلم العدالة، إلا أن يعلم منه ما يقتضي الجرح. 29579 - فإن قيل: كان حامضًا. 29580 - قلنا: إنما يقال أعلم في الشدة لا في الحموضة، ومتى خض المشتد الحموضة الذي تبيحه عند مخالفنا صار خلا ولم يستطع أحد أن يشربه. 29581 - فإن قيل: نبيذ السقاية كان نقيعًا، وذلك محرم عندكم. 29582 - قلنا: الخبر يقتضي إباحة النقيع، وذلك يدل على إباحة المطبوخ دل الدليل على تحريم أحدهما بقي الآخر. على أن الصحيح عندي أن نقيع الزبيب والتمر حلال عندي كنقيع العسل والحنطة، وإنما اعتبر أبو حنيفة الطبخ احتياطًا لآثار كلها متأولة. ويدل عليه ما روى سفيان عن منصور عن خالد بن سعد عن ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم -

عطش وهو يطوف بالبيت، فاستسقى، فأتي بنبيذ من السقاية، فشمه فقطب وقال: (علي بذنوب من زمزم). فصب عليه وشرب. 29583 - فإن قيل: تفرد بهذا الحديث يحيى بن يمان ولم يتابعه أحد من أصحاب الثوري [عليه، لأن يحيى بن يمان من أصحاب الثوري] وهو آخر من بقي ممن شبه هديه هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ومتى رجعت إلى الأخبار وجدت أكثرها منفرد به الواحد. على أن ابن شجاع قال: حدثني القاسم- يعني: العبقري- هذا الحديث بحضرة أبي أسامة وسمعت القاسم يذكر أبا أسامة هذا الحديث، ثم لقيت يحيى بن آدم في مجلس أبي أسامة، [....] فقال يحيى: حدثني يحيى بن اليمان عن سفيان وهو غريب. وهاهنا من يرويه عن سفيان. وهذا تصحيح للحديث لأن أبا أسامة لم ينكره. وروى يحيى بن آدم قال: حدثنا عبد الرحمن بن سليمان عن يزيد بن أبي زياد عن عكرمة عن ابن عباس قال: أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - السقاية، فقال: (اسقوني من هذا). فقال العباس: ألا نسقيك مما نصنع في البيوت، قال: (لا، ولكن اسقوني مما يشرب الناس). فأتي بنبيذ في قدح فذاقه فقطب، ثم قال: (هلموا ماء). فصب عليه مرتين أو ثلاثاً، ثم قال: (إذا صنع لكم هكذا، فاصنعوا به هكذا). وذكر ابن قتيبة في كتابه في الأشربة عن زيد بن علي أنه شرب وأصحابه هذا شديدًا في وليمة، فقيل له: يا بن بنت رسول الله، حدثنا بحديث سمعته من أبيك عن رسول الله في النبيذ. قال: حدثني أبي عن جدي عن علي بن أبي طالب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:

(تنزل أمتي على منازل بني إسرائيل حذو القذة بالقذة والنعل بالنعل، حتى لو أن رجالاً من بني إسرائيل نكحت نساءها في الأسواق كان في أمتي من يفعل ذلك، ألا وإن الله ابتلى بني إسرائيل بنهر طالوت أحل منه الغرفة وحرم منه الري، ألا وإن الله جعل فيكم النبيذ، أحل منه الري، وحرم منه السكر). 29584 - قال ابن شجاع: حدثني أبو أسامة عن الجريري عن أبي العلاء- يعني: ابن الشخير- قال: انتهى قول رسول الله في الأشربة إلى أن قال: (لا تشربوا ما يسفه أحلامكم، ولا ما يذهب أموالكم). وهذا يقتضي إباحة ما لا يسكر. [وأبو العلاء] من وجوه التابعين. وروى أبو صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا دخل أحدكم على أخيه المسلم فأطعمه طعامًا، فيأكل من طعامه لا يسأل عنه، فإن سقاه شرابًا فليشرب ولا يسأل عنه، فإن خشي فليكسره بشيء). ويدل على ذلك إباحة النبي - صلى الله عليه وسلم - الانتباذ في الظروف بعد نهيه عنه ورخصته فيها كان حظر منها. وروي ذلك من طريق صحيحة لا يتدافعها أهل النقل ولا ينكرونها. وأخرج مسلم حديث سفيان بن عيينة عن سليمان الأحوال عن مجاهد عن أبي عياض عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: لما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النبيذ في الأوعية قالوا: ليس كل الناس يجدها. فأرخص لهم في الجر غير المزفت. أخرجه البخاري عن علي بن المديني وأبي بكر بن أبي شيبة عن سفيان بن عيينة. وأخرج البخاري حديث سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الظروف. فشكت إليه

الأنصار فقالت: [ليس لنا وعاء]. فقال - صلى الله عليه وسلم -: (فلا إذن). وأخرج مسلم حديث وكيع بن الجراح عن معرف بن واصل عن محار بن دثار عن ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (نهيتكم عن الأشربة إلا في ظروف الأدم، فاشربوا في كل وعاء غير ألا تشربوا مسكرًا). وذكر أحمد بن حنبل في كتاب الأشربة عن عبد الرحمن بن صحار عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله إني رجل مسقام، فأذن لي في جريدة أنتبذ فيها. فأذن له فيها. وذكر أحمد حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (نهيتكم عن النبيذ فاشربوا، ولا أحل مسكرًا). وذكر حديث ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (نهيتكم عن هذه الظروف، فانتبذوا فيها، واجتنبوا كل مسكر). وذكر علي بن أبي طالب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (نهيتكم عن هذه الأوعية، فاشربوا، واجتنبوا ما يسكر). ووجه الدليل من هذه الأخبار: أن النهي لا يجوز أن يتناول الأوعية لمعنى فيها، وإنما نهى عنها، لأنها تحدث الشدة، ثم أباح الانتباذ، فدل أن النسخ يتناول إباحة المشتد، لولا ذلك لم يكن في الأوعية نسخ. ولأنه يستحيل أن يقول الحكم في شرب ما لا إسكار فيه (اجتنبوا

المسكر). [وإنما يصح هذا التنابذ .... ضياع منه القليل ...]. يبين ذلك حديث أبي سعيد: (نهيتكم عن النبيذ، فاشربوا، ولا أحل مسكرًا). معلوم أن النهي كان عن النبيذ المسكر، والإباحة تناولت ما يسكر منه، وأما ما لا يكون منه سكر بوجه، فلا يجوز أن يتناوله الخبر للنسخ. ولا يقال فيه: وأنهاكم عما يسكر. على أنه قد روى سماك بن حرب عن القاسم بن عبد الرحمن [بن عبد الله بن مسعود عن أبيه] عن أبي بردة بن نيار الأنصاري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إني كنت نهيتكم عن الشرب في الأوعية، فاشربوا ما بدا لكم، ولا تسكروا). وقد قيل: إن هذا اللفظ تفرد به أبو الأحوص سلام بن سليم الحنفي وهو ضعيف. وهذا غلط، لأن معنى الحديث معنى بقية الأخبار، وهو قوله: (ولا احل مسكرًا). وقوله: (وإياكم وكل مسكر)؛ لأنه يستحيل أن يقول: اشربوا ما لا يقع فيه سكر بوجه ولا يسكر، ولا تشربوا مسكرًا. وذكر ابن شجاع حديث أبي العالية وغيره عن عبد الله بن المغفل قال: شهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين نهى عن نبيذ الجر وحين أمر بشربه، فقال: (اجتنبوا المسكر). قال ابن شجاع: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال: حدثنا ملازم بن عمرو عن سراج بن عقبة عن عمته خالدة أو خلدة بنت طلق عن أبيها قالت: كنا جلوساً عند نبي الله، فجاء صحار بن عبد القيس فقال: يا رسول الله، ما ترى في شراب نصنعه من ثمارنا، فأعرض عنه - صلى الله عليه وسلم - حين سأله ثلاث مرات، ثم قام بنا النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما قضى الصلاة، قال: (من السائل عن المسكر، يا سائل، لا تسكر ولا تسقه أحدًا م المسلمين، والذي نفسي بيده ما شربه رجل قط ابتغاء لذة السكر فيسقيه الله خمرًا يوم القيامة). ويدل عليه ما روي أن عمر بن

الخطاب قال لابن منطور: أهل من شراب، فإن العسل لا تعميم، فقال: ها هنا شراب نصنعه من العنب نطبخه حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه. فقال: علي به. فأخذه فأدخل يده فيه فإذا هو يتمطط، وقال: ما أشبه بطلاء الإبل [هو رقة] الناس وروى الشعبي عن صابر بن حصين الأسدي قال: دخلت على عمار بن ياسر وهو أمير الكوفة، فرمى إلي كتابًا فقال: هذا كتاب أمير المؤمنين. فقرأته، فإذا فيه: أما بعد، فإن عاطى كذا وكذا بالشام كره للمسلمين ملاحة الماء وغلى عليهم العسل، فإن بعض أهل الأرض وصف لي شرابًا من العنب وهو العصير، فيطبخ حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه فيذهب، فنذهب أداه وعائلته وصفا صفوه وطيبه، فإذا أتاك كتابي هذا فأشر به وصفه لمن هلك من المسلمين. ثم قال عمل: انطلق بكتابي هذا. وكتب معي إلى صاحب البساتين، فأتيته فإذا هو في ظل دوحة فقرات عليه الكتاب. قال: هذا كله عندنا العصير والعنب والمثلث، وشاريك مقدارًا ينفعك. فجاء بالعصير فصبه في القدر، ثم أوقد عليه فجعلناه في الزقاق، حتى أتينا به عمارًأ، فشرب منه وسقى من حوله. ومدار رزق الجند الطلى في زمن عمر وعثمان وعلي. 29585 - فإن زعم مخالفنا أنه حرام. خالف الإجماع الظاهر. 29586 - فإن قال: لا تسكر. كان مكابرًا، لأن الطلى تسكر إسكارًا شديدًا، وإنما تأخذ النار الأجزاء الرقيقة، ويبقى جزء هو العصير. والذي يبين أنه يسكر: أن عبادة بن الصامت قال لعمر: أحللتها والله. فقال عمر: كلا والله، اللهم لا أحل لهم شيئًا حرمت عليهم. ولو كان هذا لا يسكر، لم يشكل على عبادة. وروى حصين عن الشعبي أن عمارًا لما شربه، قال للقوم: هذا شراب لم نكن نشربه حتى أمرنا به أمير المؤمنين. ومعلوم أن عمارًا لا يمتنع من شرب الشراب الحلو الذي لا يسكر حتى يأمره عمر به. 29587 - فإن قيل: قد روي أن رجالاً من أهل الأرض قالوا لعمر: هل لك أن

نجعل من هذا الشراب شيئا لا يسكر، قال: نعم. فطبخوا له العصير. 29588 - قلنا: هذا ظن، وقول عمار أعدل من قول أهل الأرض والرجوع إليه أولى، إذ المشاهدة تسقط هذا التأويل. ويدل عليه ما روي في شرب الصحابة للنبيذ، فروي عن عتبة بن فرقد قال: تقدمت عند عمر، فأتي بنبيذ شديد فشرب ثم سقاني، وقال: نأكل هذا اللحم الغليظ ونشرب عليه هذا النبيذ الشديد، فيقطعه في بطوننا. 29589 - فإن قيل: قد روي عن عتبة بن فرقد قال: نبيذ قد كان يصير خلا. وهذا يدل على أنه حامض. 29590 - قلنا: قوله: نبيذ شديد. يقتضي أنه لا يسكر. 29591 - وقوله: قد كان يصير خلا. أي: بلغ إلى غاية أحواله، وقد قارب أنه يصير خلا. وهذا عند مخالفنا لا يجوز شربه، ألا ترى أن النبيذ تطرأ عليه الحموضة، وكذلك على الخمر. ولا يحل الخمر بذلك حتى ينتهي كونه خلا. وروى الأعمش عن إبراهيم عن همام قال: أتي عمر بنبيذ زبيب من نبيذ زبيب الطائف، فلما ذاقه قطب ثم قال: إن لنبيذ الطائف عراما. ثم دعا بماء فصب عليه وشرب، ثم قال: إذا اشتد عليكم، فصبوا عليه الماء واشربوا. وقال عمرو بن ميمون: قال عمر: إنا نشرب من هذا الشراب الشديد لنقطع لحوم الإبل في بطوننا أن يؤذينا، فمن رابه من شرابه شيء فليمزجه بالماء. وذكر إبراهيم الحربي في غريب الحديث عن أبي رافع قال: قال عمر بن الخطاب: إذا غلبكم النبيذ بالماء، فسجوه بالماء. وذكر عن مخارق عن طارق قال: وفدنا على عمر، فسقاني قدحًا من نبيذ، فقلت: ما أرى شرابك إلا قد أخذ برأسي. قال: ثم في الظل، وأعلم أنك إذا إن قلت جهرًا،

أقمت عليك الحد. وذكر ابن قتيبة في كتابه عن عطاء بن أبي رباح أن عمر وقف على السقاية، فوضع يده على بطنه وقال: هل من شراب، فإني أجد في بطني زعموا. فأتي بشربة من السقاية فشربها، ثم قال: أخرى. فأتي بها [فلذ بها]، ثم ناولته فشرب منها، ثم دعا بسجل- وربما قال: بذنوب- فمسح الإناء بالماء حتى فاضت نواحيه، ثم قال: عباد الله، كل شراب استخرج ماؤه بمائه، فهو حرام لا تشربوه، وكل شراب استخرج ماؤه بغير مائه، فهو حل فاشربوه. وعن عمرو ابن ميمون قال: شهدت عمر بن الخطاب حين طعن فحمل إلى منزله فأتاه الطبيب، فقال: أي الشراب أحب إليك، فقال: النبيذ. فدعا بنبيذ فشربه، فخرج من إحدى طعناته. فقالوا: إنما هذا الصديد صديد الدم. فدعا بلبن، فخرج منه، فقال: أوص بما كنت موصيًا، فو الله ما أراك تمشي حتى تلقى الله. 29592 - فإن قيل: روى ابن شهاب عن السائب بن يزيد أنه أخبره أن عمر بن الخطاب خرج عليهم فقال: إني وجدت أنفاس عبيد الله بن عمر وريح الشراب. فسأل عمر عنه، فزعم أن طلى، وإني سائل عنه، فإن كان يسكر جلدته. قال: ثم شهدت عمر بعد ذلك يحد خالد بن عبد الله في ريح الشراب الذي وجد منه. 29593 - قلنا: هذا يدل على أن الطلى يسكر، وقول عمر معناه: إن كان القدر الذي شرب مقدار السكر، جلدته. حتى تتفق الأخبار عنه ولا تختلف. 29594 - وقد قدمنا حديث ابن عباس: حرمت الخمر بعينها قليلها وكثيرها، والسكر من كل شراب. فأخبر أن المحرم ما سوى الخمر هو السكر، وأنه مخالف لها في التحريم. 29595 - وفي كتاب أحمد بن همام بن منبه سألف فقال: يا أبا عبد الرحمن، هذا الشراب ما تقول فيه، قال: كل مسكر حرام. قال: قلت:

فإن شربت من الخمر فلم أسكر، قال: [أف أف، وما] بال الخمر وغضب، وقال: أما الخمر فحرام لا سبيل إليه، [وما] سواها من الأشربة فكل مسكر حرام. وهذا يدل على تفريقه بين الخمر وغيرها من الأشربة، كما قال ابن عباس: إن المسكر ما وجد به السكر لا جنسه. وروى عمرو بن الفضل عن علي قال: إن القوم يجلسون على الشراب وهو لهم حلال، فلا يزال حتى يحرم عليهم. وهذا يدل على إباحة شراب يسكر بعضه. وروى مجالد عن الشعبي قال: رزق علي بن أبي طالب طلى عازبًا، فشرب منه رجل فسكر، فجلده. وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى: شربت عند علي نبيذًا فخرجت من عنده عن المغرب، فأرسل معي قنبرًا مولاه يهديني إلى بيتنا. وقال الشعبي: شهد عندي عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه شرب نبيذًا شديدًا في الجرار الخضر عند البدرية من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار. وروى جوبير عن الضحاك قال: قال عبد الله بن مسعود: قد شهدت تحريم النبيذ كما شهدتم وشهدت تحليله فحفظت ونسيم فهذا يدل على إباحة نبيذ كان محرمًا وعلى أن الإباحة متأخرة. وعن أبي بكرة نحو ذلك. وقال الحسن بن عمر: شربنا عند أبي وائل نبيذًا شديدًا، فقال أبو وائل: شربته عند عبد الله بن مسعود وأبي مسعود الأنصاري في جرار خضر. وروى سعيد بن مسروق عن الشماس قال: قال عبد الله: ما يزال القوم وإن شرابهم لحلال، حتى يصير حرامًا. وهذا أمر مشهور أباحه فقهاء الكوفة، وكان أمرًا ظاهرًا في أصحاب علي وعبد الله. ويدل على ذلك من طريق النظر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الأحكام بحسب الحاجة إليها، ونقل ذلك أيضًا بحسب الحاجة، وحاجة أهل المدينة إلى معرفة تحريم الأنبذة أشد من حاجتهم إلى معرفة تحريم الخمر، لأن عامة شرابهم كان من النخل، والخمر عندهم مسبية من الشام لا يجدها عوامهم. وعند

مخالفنا أن من مراد الله تعالى في تحريم الخمر والنبيذ سواء، فكان يجب أن يكون البيان فيهما على وجه، أو يكون بيان تحريم النبيذ أظهر. فلما وجدنا تحريم الخمر معلومًا من طريق يقع العلم به ويقطع في الشريعة بمعرفته ويكفر جاحده، ولم يوجد مثل ذلك في النبيذ، علمنا أن مراد الله تعالى في حكمها مختلف، وهذا خلاف قولهم. ولأن الأشربة كلها كانت على الإباحة، ثم حرمت الخمر بطريق معلوم، وما سواها إنما يحرم بنقل. وقد اختلف ما نقل في حظرها وإباحتها، حتى قال إبراهيم الحربي: لم يصح في تحريم النبيذ ولا إباحته حديث. وإذا تعارض ذلك، بقيت الإباحة على ما كانت. 29596 - فإن قيل: من أصلكم أن التعارض إذا حصل، كان ما يوجب الحظر أولى. 29597 - قلنا: هذا نقوله إذا فقد التاريخ، وفي مسألتنا الإباحة متأخرة، فكانت أولى. ولأن الله تعالى لم يحرم نوعًا من المحرمات إلا أباح ما يسد مسده. ألا ترى أنه حرم لحم الخنزير وأباح أنواعًا من اللحم تغني عنه، وحرم مناكحة ذوات المحارم وأباح الأجنبيات. ووجدنا أن الشراب المطرب مقصود، فلما حرم منه أنواعًا، فالظاهر أنه أباح أنواعًا، وعند مخالفنا أن الله تعالى حرم جميع الأنواع، وهذا خلاف الأصول؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - أقر على شرب هذه الأشربة، وهذا معلوم من شريعته، وما ثبت بدليل شرعي مقطوع به لا ينسخ كما لا يوجب العلم. ولأنه نوع متنازع متناول قبل الشرع، فلا يحرم بالشرع جنسه كاللحمان. ولأنه شراب رغب الله فيه في الجنة، فكان من نوعه ما هو مباح كاللبن والعسل. 29598 - احتجوا: بحديث عمر أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام). وحديث ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (كل مسكر حرام). وكذلك رواه عبد الله بن عمر. وروى أبو موسى الأشعري قال: سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن شراب من العسل، فقال: (ذلك البتع). قلت: وينبذون من الشعير، قال: (ذلك المزر). ثم قال: (أخبر قومك أن كل مسكر حرام). وروت أم سلمة قالت: نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن

كل مسكر وروى الشافعي بإسناده عن عائشة أن - صلى الله عليه وسلم - سئل عن نبيذ التمر، فقال: (كل شراب أسكر فهو حرام). وذكر الحميدي في كتابه في الرد على أهل العراق عن مرثد بن عبد الله البوني عن دهم الحميري قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: إنا في أرض باردة يعالج بها عملًا شديدًا، وإنا نتخذ شرابًا من هذا القمح فنتقوى به على أعمالنا وعلى برد بلادنا. فقال: (هل مسكر،) قلت: نعم. قال: فاجتنبوه. قال: قلت: الناس عندنا ذلته. فقال: (وإن لم يتركوه، فاقتلوهم). وذكر الحميدي حديث جابر بن عبد الله أن نفرًا من أهل اليمن قالوا: يا رسول الله، إن أرضنا أرض باردة، وإنا نعمل بأنفسنا، وليس لنا من يمتهن دون أنفسنا، ولنا شراب نشربه بأرضنا يقال له: المزر، فإذا شربناه [فأعنا على] البرد. فقال لهم: (أمسكر هو؟) قالوا: نعم. فقال - صلى الله عليه وسلم -: (كل مسكر حرام، وإن الله تعالى عهد إلي أن كل من شراب مسكرًا أن يسقيه من الخبال). 29599 - والجواب: أن هذه الأخبار آحاد وردت في تحريم ما علمنا إباحته بأخبار الاستفاضة والاتفاق، ولا يجوز ترك ما ثبت بدليل مقطوع به بطريق مظنون. ولأن المسكر ما يحدث السكر منه كما أن المشبع ما يحدث منه الشبع، ولا يقال للقمة إنها مشبعة، بمعنى أن جنسها مشبعة. كذلك البسر من الشراب لا يقال: إنه مسكر، بمعنى أن جنسه يسكر. فدلت الأخبار على تحريم ما يحدث السكر منه، وذلك عندنا حرام. والخلاف فيما لا يتولد منه سكر، وقد دل على هذا ما روي عن ابن عباس أنه قال: إن شربت تسعة أقداح ولم يسكرك، كان حلالًا، فإن شربت العاشر فأسكرك، كان العاشر حرامًا. وروى حماد عن إبراهيم عن علقمة قال: سألت ابن مسعود عن قوله - صلى الله عليه وسلم - في السكر: (هي الشربة الأخيرة)، وقال إبراهيم: قول الناس: كل

مسكر حرام، إنما هو: كل مسكر حرام. وقال إسماعيل بن عبد الملك: قلت لعطاء: إنا نعمل نبيذًا، فيغدوا أحدنا للحاجة، ويرجع فيتغدى فيشرب منه على غدائه القدح والقدحين ويشرب الكثير فيسكر، فقال: الشربة التي تسكر هي الحرام، قال - صلى الله عليه وسلم -: (كل مسكر حرام). 29600 - فإن قيل: إنما يحدث السكر من الشربة الأخيرة تتقدم ما قبلها، فالجميع مسكر. 29601 - قلنا: إذا شرب القليل فلم يحدث منه سكر، وإن كان يحدث إذا انضم غيره إليه، فلا يقال: إنه مسكر، كما لا يقال لجراحة لم تقتل: إنها قاتلة، وإن علمنا أنها تقتل بانضمام غيرها إليها. فأما إذا وصل الشراب [حتى يسكر]، فمن أصحابنا من يقول: جميع ما شرب محرم، لأن السكر حدث منه، وإنما يباح بشرط أن يتناول ما لا يبلغ السكر. ومن أصحابنا من قال: إذا شرب هو ولا يقصد السكر، ودام حتى سكر، فالحرام الجزء الأخير. وإن كان السكر حصل بشربه وبتقدم الجزء الأول، كما لو حمل السفينة مقدار ما تحمله، ثم جاء غيره فزاد على حملها فغرقت، وجب الضمان على واضع الجزء الأخير، وإن كان الغرق حصل بنقله ونقل ما تقدم عليه. فهذه طريقة في تأويل الخبر يشهد لها ما رويناه عن الصحابة. 29602 - وجواب آخر: وهو أن الله تعالى حرم الخمر بنص القرآن، وحرم النبي - صلى الله عليه وسلم - كل شراب شديد بنهيه عن الانتباذ في الظروف، وجعل ذلك حسمًا لمادة تحريمها وقطعًا للعادة في شربها. ثم لما استقر التحريم، أباح الانتباذ في الظروف. وروي ذلك من طرق صحيحة مشهورة ذكرها البخاري ومسلم وأحمد [في كتابه عن علي وابن مسعود وعن ابن زيد عن أبيه وعن جابر. وأخرجه البخاري عن جابر. وذكر

أحمد] عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن مغفل وأبي سعيد. وقد روى ذلك عن جماعة غيرهم أخرجهما أصحاب الحديث القائلون بالتحريم والغالون فيه [لو صرحها]. 29603 - ومعلوم أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يحرم ما لا شدة فيه قط، ولابد أن تتناول الإباحة ما يتناوله التحريم حتى يصح النسخ، وهذا يفسد إباحة طارئة. ولهذا قال ابن مسعود: شهدنا تحريم النبيذ كما شهدتم، وشهدنا تحليله، فحفظنا ونسيتم. قال عبد الله بن المغفل: شهدت النبي - صلى الله عليه وسلم - حين نهى عن نبيذ الجر، وشهدته حين أمر بشربه، وقال: (اجتنبوا السكر). والأخبار التي احتج بها مخالفنا ولو سلمنا تناولها للجنسي، احتمل أن يكون زوالها قبل الإباحة، فلا يصح التعلق بما لا ينقل تاريخ ولا سبيل إلى ذلك. وقد روى قيس بن طلق عن أبيه طلق بن علي قال: جلسنا عند نبي الله فجاءه وفد عبد القيس بن طلق عن أبيه طلق ب علي قال: جلسنا عند نبي الله فجاءه وفد عبد القيس وقال: (ما لكم قد اصفرت ألوانكم وعظمت بطونكم؟) فقالوا: أتاك سيدنا فسألك عن شراب كان لنا موافقًا، فنهيته عنه، وكنا بأرض وخمة. قال: (فاشربوا ما طاب لكم). 29604 - احتجوا: بطريق أخرى قالوا: روى جابر بن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما أسكر كثيره فقليله حرام). وروت عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ما أسكر الفرق، فملء الكف منه حرام). 29605 - وهذه طريقة أخرى نتكلم عليها فنقول: أما حديث جابر ويرويه داود ابن بكر بن أبي الفرات عن محمد المنكدر عن جابر. وقال أصحاب بالحديث: أصل ما رواه [أبو جعفر محمد بن عثمان بن أبي شيبة] في كتابه في الأشربة

قال: حدثنا أحمد بن عيسى المصري قال: حدثنا [ابن وهب قال: حدثنا] عبد الجبار بن عمر أن محمد بن المنكدر حدث عن جابر قال: قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطيبًا فقال: (كل مسكر حرام). 29606 - فقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة: وقال علي بن المديني قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن [عمارة بن غزية] عن أبي الزبير عن جابر قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (كل مسكر حرام). 29607 - وأما راوي خبرهم داود بن بكر بن أبي الفران المدني مولى أشجع لم يخرج عنه مسلم ولا البخاري شيئًا ولا أخرج هذا الحديث أبو عبد الرحمن النسائي. 29608 - قال الطحاوي: داود بن بكر [هذا لا يعرف]. 29609 - فأما حديث عائشة فروى أبو عثمان عمرو بن سالم الأنصاري قال: سمعت القاسم بن محمد يحدث عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها سمعته يقول: (كل مسكر حرام، وما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام). وقال: (فالحسوة منه حرام).

29610 - فقال أصحاب الحديث: أصله ما روى مالك وسفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (كل شراب أسكر فهو حرام). 29611 - قال أبو عبد الرحمن النسائي: حدثنا أبو داود الحراني قال: حدثنا محمد بن سليمان قال: حدثنا عبد الله بن العلاء بن زبر عن القاسم بن محمد عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تنتبذوا في الدباء ولا المزفت ولا النقير، وكل مسكر حرام). 29612 - فاما أبو عثمان الأنصاري راوي خبرهم فمتروك عند البخاري ومسلم وأبي عبد الرحمن النسائي. وقال أبو مخلد في كتابه أخبار يحيى بن معين: حدثنا جعفر بن أبي عثمان الطيالسي قال: سمعت يحيى بن معين يقول: سألني وكيع بن الجراح فقال: أبو عثمان هذا ما هو، قلت: صاحب سنة. قال: ما أراه إلا صاحب بدعة. قال جعفر الطيالسي: يعني حديث أبي عثمان الذي يرويه عن عائشة. 29613 - فإن قيل: روى محمد بن بكار عن محمد بن طلحة عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن عائشة قالت: ما أسكر الفرق، فالحشوة منه حرام. 29614 - قال محمد بن بكار: وحدثني أبو معشر عن موسى بن عقبة عن سالم عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ذلك. 29615 - قلنا: أصل حديث ابن عمر ما رواه محمد بن عثمان عن أبيه عثمان بن محمد بن أبي شيبة قال: وثنا إسماعيل ابن علية عن ليث بن أبي سليم عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (كل مسكر حرام). وليث بن أبي سليم مجمع على

تصحيفه وترك الاحتجاج به، وكذلك أبو معشر السندي المدني. قال البخاري: عن محمد بن كعب ونافع منكر الحديث. وقال أبو قدامة السرخسي يقول: سمعت ابن مهدي يقول: أبو معشر يعرف وينكر. وقال يحيى بن معين: ما حدث به أبو معشر عن [محمد بن كعب] في التفسير فليس بشيء. 29616 - فإن قيل: روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (قليل ما أسكر كثيره حرام). 29617 - قلنا: أصله ما روى محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا علي بن المديني قال: حدثنا الضحاك بن مخلد عن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الخمر والميسر والكوبة، وقال: (كل مسكر حرام). 29618 - قال ابن أبي شيبة: وحدثنا عبد الله بن عمر بن أبان عن عبد العزيز الدراوردي عن عبيد الله بن عمر العمري عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. لم يخرج هذا الحديث أبو داود ولا روى البخاري ولا مسلم عن عمرو بن شعيب شيئًا البتة. 29619 - فإن قيل: روى ضحاك أبو عثمان الحزامي عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن عامر بن سعد بن أبي وقاص [عن أبيه] عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أنهكم عن قليل ما أسكر كثيره.

29620 - قلنا: قال عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتابه: قال أبو زرعة الرازي: ليس الضحاك بن عثمان بالقوي. قال أبو حاتم محمد بن إدريس الحنظلي: [يكتب حديثه] ولا يحتج به. ولم يخرج البخاري عنه شيئًا ولا صح هذا من حديثه عند مسلم ولا أخرجه أبو داود. 29621 - فهذا كلام أصحاب الحديث على أسانيد هذه الطريقة، مع شدة تعصبهم لهذا الراوي واعترافهم فيه. فعلم أن هذه لم تثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. 29622 - ولو ثبتت من طريق سالمة، كان جوابنا عنها ما تقدم أنه يجوز أن يكون قالها - صلى الله عليه وسلم - في حالة التحريم ثم تحددت الإباحة، ولم يصح الاحتجاج بها إلا أن ينقل تاريخها، ولا طريق إلى ذلك. 29623 - وجواب آخر: وهو أن قوله: (ما أسكر كثيره). والحرام منه القليل وهو الجزء الذي يحدث السكر منه دون غيره، ولو أراد ما قالوا لقال: فهو حرام، [وكل مسكر حرام]. دل على أن التحريم يختص القليل منه، هذا قولنا. 29624 - قالوا: القدر الذي يخرج الشارب من الوقار والحلم إلى السفه والخفة سكر، وهو مباح عندكم. 29625 - قلنا: بل محظور، إلا أن أبا حنيفة قال: لا حد فيه. وسقوط الحد يدل على الإباحة. 29626 - قالوا: ما حرم إذا كان نيئًا، حرم إذا كان مطبوخًا، كلحم الخنزير والميتة والدم. 29627 - قلنا: هذا قياس باطل بإجماع الصحابة؛ لأن العصير إذا اشتد نيئًا حرم، فإذا طبخ حتى ذهب ثلثاه واشتد لم يحرم، قضى بذلك عمر بن الخطاب وعلي وعمار وعامة الصحابة. وعلله عبادة بعلة مخالفنا فقال: ما أرى النار تحل شيئًا. فأنكر ذلك عمر إنكارًا ظاهرًا، والتعليل المعترض على قول الصحابة لا يلتفت إليه. ولأن الطبخ يقع فيما ذكره بعد تحريمه، فوازنه من مسألتنا أن يشتد الشراب ثم يطبخ فلا يحل.

29628 - قالوا: قال المزني: إذا تساوت الأشربة قبل حدوث الشدة في الإباحة وتساوت بعد زوال الشدة ولم تختلف أنواعها، كذلك عند حدوث الشدة يجب أن تتساوى في التحريم ولا تختلف باختلاف أنواعها. 29629 - قلنا: السباع والإبل تساووا في الطهارة حال حياتها عند مخالفنا وفي تحريم تناول لحمها، وتساووا بعد الموت في النجاسة والتحريم إذا ذكيت حلت الإبل وطهرت ونجست السباع عندهم ولم يحل لحمها، لأن الشرع اقتضى هذا التفريق، وحرم الله تعالى [السا في الما] الأثمان وجوز القرض وصفته صفة الصرف وإنما يتغير الحكم باللفظ، فلا يمتنع أن يختلف التحريم في هذه الأعيان بالاسم. 29630 - قال بعض من تكلم في هذه المسألة: روى أبو مالك الأشعري أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها). قال هذا المحتج: هؤلاء أصحاب أبي حنيفة، شربوا الخمر وسموها بغير اسمها. وهذا كلام من ظن خصومه لا يرتضون بالشغب عوضًا عن الحجج، ولا يسمعون إلى فضول الكلام، ويجوز [العوام وليته كان] الأمر على ما ظنه في هذا، فلم أمن أحداث الطائفة وبأسها. ومن إذا سلك المنهج أعجزه إدراكه، وما هذا إقدام من يعلم أن القول في تحريم الحلال كالخطل في إباحة الحرام. ثم نقول له: أنت رميت أصحاب أبي حنيفة بهذا الكلام والسلف الصالح أردت أنهم لم يبتدعوا في هذا مذهبًا ولا خرجوا قولًا، بل قالوا [بما قال به] أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ووجوه التابعين وزهادهم، فظن هذا القائل لعمر وعلي وابن مسعود وعمار بن ياسر وعلقمة والأسود وإبراهيم - رضي الله عنه - أنهم شربوا الخمر غلطًا في اسمها، حتى إذا استدركه عليهم العلم بالعربية وحقيقة [الاسم والحكم]، وأصحاب وغلطوا ويحسن ظنًا بنفسه وسيء الظن ساعة، إن جرأة

في الدين، وسوء عادة في العدول عن الحجة إلى السب. سمعت جدي يقول: سأل رجل إبراهيم الحربي في حلقته بجامع المنصور فقال: لنا إمام يشرب النبيذ، فنصلي خلفه، فقال له إبراهيم: أرأيت لو أدركت علقمة والأسود، أكنت تصلي خلفهما؟ قال: نعم. ولم يفهم السائل الجواب. فأعاد السؤال، فقال إبراهيم: قد أجبتك. وهذا كلام رجل يحالف أدبه العلم وقيد لسانه الدين بحرسه من الفجور وحماه من السوق. وهذه الحكاية لولا قبح مخرجها، لم أتشاغل بذكرها والكلام عليها.

مسألة 1475 حد شارب الخمر

مسألة 1475 حد شارب الخمر 29631 - قال أصحابنا: حد الشارب والسكران ثمانون. 29632 - وقال الشافعي: حده أربعون، فإن اقتصر الإمام عليها جاز، وإن ضم إليها أربعين أخرى، [جاز على طريق التعزير]. 29633 - لنا: ما روى الزهري أن حميد بن عبد الرحمن حدثه أن رجلاً من كلب يقال له: [ابن زمرة] حدثه أن أبا بكر كان يجلد في الشراب أربعين وكان عمر يجلد فيها أربعين. قال: بعثني خالد بن الوليد إلى عمر بن الخطاب، فقدمت عليه، فوجدت عنده عليًا وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وهم متكئون في المسجد، قلت: يا أمير المؤمنين، إن خالدًا بعثني إليك. قال: ففيم، قال: إن الناس قد تخافوا العقوبة، وانهمكوا في الخمر، فما ترى في ذلك، قال عم لمن حوله: ما ترون؟ فقال علي: أرى يا أمير المؤمنين ثمانين جلدة. فقبل عمر ذلك. فكان خالد أول من جلد ثمانين، ثم جلد عمر ناسًا بعده. 29634 - وروى قتادة عن أنس أنه - صلى الله عليه وسلم - أتي برجل قد شرب الخمر، فأمر به يضرب بجريدتين نحوًا من أربعين، ثم صنع أبو بكر نحو ذلك. فلما كان عمر استشار الناس، فقال عبد الرحمن بن عوف: يا أمير المؤمنين، أخف الحدود ثمانون. فقال:

نعم. فهذا إجماع منهم، فلا تجوز مخالفته. لوم يخالف أحد من الفقهاء بعد ذلك إلا الشافعي. 29635 - فإن قيل: قد جلد أبو بكر أربعين، وهذا إجماع متقدم. 29636 - قلنا: إنما جلد أبو بكر بجريدتين وبنعلين، فلم يختلف العدد، وإنما اختلف الصفة. على أن المروي عن أبي بكر الفعل، وإنما يصير إجماعًا بانقراض العصر، ولم ينقرض حتى أجمعوا من طريق القول على خلافه. 29637 - وروى أبو سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضرب في الخمر بنعلين أربعين أربعين. فجعل عمر كل نعل سوطًا. وهذا ببين أن العدد لم يختلف، وإنما اجتهدوا في تغيير الصفة. 29638 - ولأنه عدد جلد يقدر في حد العبد بنقصانه، فلا يكون حدًا في الحر بنفسه، أصله الخمسون. 29639 - ولأن الأربعين جعلت حدًا في العبد بنقصانه إذا الحر يساويه فيه. ولأن كل عدد جاز للإمام أن يستوفيه في الشارب دفعة واحدة، فإنه على وجه الحد كالأربعين. ولأنه سبب واحد، فلا يتعلق به حد وتعزيز كالزنى. ولأن الزنى أغلظ من الشرب، فلم يجز أن يضم إلى حده تعزير، فالشرب أولى. فإن قيل: إن الحد يجب بالشرب، والتعزير بالشرب أو بالهجر. 29640 - لم يصح؛ لأن التعليل للشارب إذا لم يسكر ولم يهجر. 29641 - فإن قيل: من أصلكم أن الحدود لا يجوز إثباتها بالقياس. 29642 - قلنا: هذا حد متفق على ثبوته، وإنما اختلفنا في صفته، وصفة الحد يجوز إثباتها عندنا بالقياس. 29643 - احتجوا: بما روى الشافعي عن الثقة عن معمر عن الزهري عن عبد

الرحمن بن أزهر قال: أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشارب، فقال: (اضربوه). فضربوه بالأيدي والنعال وأطراف الثياب، ثم قال: (بكتوه). فقالوا له: أما خشيت الله، أما استحييت من رسول الله! ثم أرسله. فلما كان أبو بكر سألف من حضر ذلك الضرب، فقومه أربعين، [فضرب في الخمر أربعين] حياته ثم عمر، حتى تتابع الناس في الخمر فاستشار [عمر عليًا] فضربه ثمانين. 29644 - قلنا: راوي هذا الخبر لم يضبط العدد الذي أمر عليه السلام به، وراوي خبرنا ضبط العدد وأنه كان بنعلين أربعين أربعين أو بسوط له ثمرة. يبين ذلك: أنا أجمعنا أن ضربه على طريق الحد، ولا يجوز أن يكل - صلى الله عليه وسلم - الحدود إلى طريق الاجتهاد، فلابد أن يكون ضرب عددًا مقدرًا، فالرجوع إلى علمه أولى ممن لم يعلمه. 29645 - فإن قيل: إذا كان - صلى الله عليه وسلم - ضرب أربعين، فالزيادة عليها بعد ذلك إثبات شرع وذلك لا يجوز، والتعزيز جائز لأنه موكول إلى الأئمة، فعلم أن الزيادة [على أربعين] تعزير. 29646 - قلنا: هذا غلط؛ لأن الحدود لا يضم إليها تعزير إلا أن يضم إلى سببها. 29647 - ولأن عمر لما استشار الصحابة قالوا له: حد القذف. فجعلوا حكم الجميع واحدًا. 29648 - ولأنه أمر خالدًا أن يجلد ثمانين ولم يخيره في بعضها، ولو كانت تعزيرًا لخيره فيه. 29649 - ولأن الدلالة دلت أن التعزير لا يبلغ به أربعين. 29650 - فإن قيل: إنما لا يبلغ بالتعزير أربعين في شيء واحد، فأما في شيئين فيجوز أن يزاد على الأربعين، وهاهنا التعزير [على زوال] العقل والهذيان. 29651 - قلنا: لم يثبت ذلك عندكم في الشارب، وإن لم يسكر ولم يهذ.

29652 - احتجوا: بما روي أن الوليد بن عقبة شهد عليه حمران وآخر عند عثمان أنه شرب الخمر، فقال عثمان لعلي: أقم عليه الحد. فقال له الحسن: ول حارها من تولى قارها. فقال علي لعبد الله بن جعفر: أقم عليه الحد. فأخذ السوط بيده وجلده، وعلي بعده، فلما بلغ أربعين، قال علي: حسبك، جلد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وجلد عمر ثمانين، وكل سنة، وهذا أحب إلي. 29653 - قلنا: روى شريك عن أبي الحصين عن عمير بن سعيد عن علي قال: ما جلدت أحدًا حدا فمات فوجدت في نفسي منه شيئًا، إلا الخمر فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يسن شيئًا. وهذا يعارض ما روي عنه عليه السلام أنه جلد فيه أربعين. 29654 - ولأنه - صلى الله عليه وسلم - جلد بنعلين أربعين أربعين، كما روى أبو سعيد، وجلد أبو بكر أربعين بسوط له ثمرة. ورأى عمر أنه فوق العدد، ثم رأى بعد ذلك أن يجمع العدد، فجلد ابن جعفر الوليد بسوط له شعبتان. وهكذا روى محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين. 29655 - فإن قيل: لو كان كذلك لم يختلف فعلهم، ولم يقل ويحملها عمر. 29656 - قلنا: بل قد اختلفت الصفة، لأن الضرب بنعلين وبسوط له شعبتان أخف، فغلظ عمر الصفة بتفريق الضرب والعدد بحاله، وهذا موضع للإمام أن يجتهد فيه، فأما الزيادة في القدر فلا اجتهاد. فكيف كانوا يسوغونه لعمر،! 29657 - قالوا: فعل يوجب الحد، فوجب أن يختص بعدد لا يشاركه فيه غيره، كالزنى والقذف. 29658 - قلنا: يبطل بزنى المحصن وبالسرقة. 29659 - فإن قيل: وجب أن يختص بحد لا يشاركه غيره فيه. 29660 - قلنا: الردة وقطع الطريق وزنى المحصن كل واحد منها سبب في الحد، وموجب جميعها القتل، فيشترك فيه وإن اختلفت صفته.

29661 - ولأن الحدود تختلف مقاديرها، ثم ليس في شيء منها حد يستوي الحر والعبد في عدده. ومعلوم أن حد العبد في القذف أربعون، فلا يكون حدًا في الأحرار.

مسألة 1476 الاضطرار إلى شرب الخمر

مسألة 1476 الاضطرار إلى شرب الخمر 29662 - [قال أصحابنا]: يجوز للمضطر شرب الخمر. 29663 - وقال الشافعي: لا يجوز. 29664 - لنا: أن تحريم الخمر في القرآن كتحريم الميتة ولحم الخنزير، ثم كانت الضرورة تبيح بعض ذلك [يبيح بعينه]. 29665 - ولأن الميتة محرمة مستقذرة، والخمر محرم غير مستقذر، فإذا جاز تناول الميتة عند الضرورة، فالخمر أولى. 29666 - ولأن حرمة مال الغير آكد من حرمة الخمر، بدليل أن من أكره على شرب الخمر أو أكل مال الغير، جاز أن يشربها ولا يأكل مال الغير، فالخمر أولى. 29667 - فإن قيل: الضرورة تزول بأكل الميتة، ولا تزول بشرب الخمر، لأن الشافعي قال: إنها تزيده عطشًا. 29668 - قلنا: نحن نتكلم في إباحتها للضرورة، ولا يعين ذلك في العطشان، بل فيمن غص بطعامه ولم يجد ماء يزيل عصته إلا الخمر. 29669 - ثم هذا الذي قاله فاسد؛ لأن من الكفار من يقتصر على شرب الخمر ولا يشرب الماء بحال، ولولا أنها تروي من العطش لم يمكن الاقتصار عليها. 29670 - ولأنها إذا كانت تزيل ضرورة العطش في الحال، لم يعتبر جواز أن يعطش في الثاني.

29671 - احتجوا: بقول تعالى: {إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلواة فهل أنتم منتهون}. 29672 - قلنا: العداوة إنما تقع بالسكر، ونحن لا نبيح منها عند الضرورة إلا ما يمسك الرمق دون غيره. 29673 - قالوا: روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (الخمر داء وليس بدواء). 29674 - قلنا: هذا يدل على أن التداوي بها لا يجوز، لأن غيرها من التداوي يقوم مقامها وهي محرمة في واجب التحريم، وكلامنا في الحال التي لا يوجد ما يقوم مقامها. 29675 - قالوا: قليلها يدعو إلى كثيرها، والكثير محرم فكذلك ما يدعو إليه. 29676 - قلنا: إنما يدعو شرب القليل إلى الكثير إذا شربها طربًا، فأما المضطر الذي يخاف الموت إذا أبحنا له ما يمسك رمقه لم يطرب حتى يدعوه ذلك إلى الكثير.

مسألة 1477 حكم الختان

مسألة 1477 حكم الختان 29677 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: الختان سنة مؤكدة. وأصحابنا بخراسان يقولون: إنه واجب، وليس بفرض. 29678 - وقال الشافعي: فرض. 29679 - لنا: ما روى أبي المليح عن أبيه عن شداد بن أوس أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (الختان سنة في الرجال، مكرمة في النساء). 29680 - فإن قيل: السنة ما وضع ليقتدي به، وهذا موجود في الواجب. 29681 - قلنا: إطلاق السنة في الشرع يقتضي ما يمدح الإنسان بفعله ولا يذم بتركه، ولهذا يقول الفقهاء: فرض الله كذا وسنته كذا. 29682 - فإن قيل: نحمله على ما قبل البلوغ. 29683 - قلنا: ذكر أنه سنة في الرجال، ولا يقال: رجل لمن لم يبلغ. 29684 - ولأن هذا مما تعم به البلوى به، فكان يجب أن يبين - صلى الله عليه وسلم - بيانًا عامًا

تشترك فيه الأمة، وفي علمنا أنه ليس فيه نقل مستفيض دلالة على أنه ليس بواجب. 29685 - ولأنه لو كان واجبًا، لم يجب أن نتولاه من نفسه كالقطع في السرقة. 29686 - ولأنه وضع للتطهر حتى لا تجتمع بقايا البول تحت الغلفة، وما يحصل هناك أقل من قدر الدرهم، وإزالة هذا المقدار من النجاسة قد بينا أنه مستحب وليس بواجب. 29687 - احتجوا: بقوله تعالى: {ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم}. وهذا يدل على وجوب إتباع إبراهيم - عليه السلام -. 29688 - قلنا: وكذلك نقول، وليس نعلم أن الله تعالى أمره أن يختتن بلفظ يقتضي الوجوب أو الاستحباب، فاحتاجوا إلى نقل في ذلك. 29689 - قالوا: روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (ألق عنك شعر الكفر، واختتن). 29690 - قلنا: هذا خبر واحد فيما تعم به البلوى، فلا يثبت وجوبه بأخبار الآحاد. 29691 - ولأنه محمول على الاستحباب، بدلالة أن جمع بينه وبين إزالة الشعر ليس على طريق الوجوب. 29692 - قالوا: قطع جزء صحيح من البدن لا يعود بعد قطعه أو يختتن ويألم، فكان واجبًا كقطع السرقة. 29693 - قلنا: القطع في السرقة دللنا أنه لما وجب لم يجز لمن وجب عليه أن يستوفيه من نفسه، ولما جاز أن يختتن بنفسه، صار الختان كقطع الطرف من ذاته. 29694 - قالوا: كشف العورة لا يجوز، ولأن إدخال الألم على الإنسان محرم، فلولا أن القطع واجب لم يجز أن يقطع، لأن الواجب لا يترك إلا بواجب. 29695 - قلنا: هذا باطل بالمراهق؛ فإن ستر عورته واجب ولا يحل لغيره النظر إليها، ثم جاز للختان أن يختنه، وليس الختان واجباً عليه. ويجوز لنا أن ندخل الألم بالختان وليس بواجب [عليه، ويبطل] بكشف العورة للطبيب أن المعالجة ليست بواجبة وإن جاز كشف العورة لأجلها.

كتاب صول الفحل

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب صول الفحل

مسألة 1478 صول البهيمة أو المجنون على الآدمي

مسألة 1478 صول البهيمة أو المجنون على الآدمي 29696 - قال أصحابنا: إذا صالت البهيمة أو المجنون على آدمي فقتلها، ضمن [قيمة البهيمة] ودية المجنون. وروى الفضل بن غانم عن أبي يوسف استقبح أن يضمنه. 29697 - وقال الشافعي: لا ضمان عليه. 29698 - لنا: أنه أتلف مال الغير من غير سبب من جهة من وقف الحظر عليه، فلزمه ضمانه، كما لو اضطر إلى أكله أو قتله قبل الصول مخافة قتال. ولا يلزم العبد، لأن شطر دمه وقف عليه، بدلالة أنه يحل بفعله إذا ارتد ولا يحل بفعل المولى. ولا يلزم الصيد إذا صال على المحرم، لأنه ليس بمال آدمي. 29699 - ولأن سبب الإباحة حد، فمن وقف الحظر عليه هو الله تعالى. 29700 - ولا يقال: إن الإباحة في مسألتنا قد وجدت من الله تعالى، لأن الحظر لم يثبت لحقه، وإنما اختص لحق الآدمي. وإباحة الله تعالى فيما يختص حظر بالآدمي لا يسقط الضمان، كإذنه في مال غيره عند الضرورة إليه. ولا يلزم إذا اضطر المحرم إلى أكل لحم الصيد فقتله أنه يضمن، وإن وجد سبب الإباحة كمن حظر لأجله، لأن الإباحة للضرورة، وهو غير مضطر إلى القتل، وإنما اضطر إلى الأكل، والضمان يتعلق بالقتل.

29701 - ولأنه إتلاف مال يختص حظره بحق ملك آدمي من غير سبب من جهته ولا من جهة من قام مقامه، فأشبه إذا أتلفه قبل الصول. ولا يلزم إذا أتلف دواب أهل البغي أو أتلف الباغي [دواب أهل العدل]، لأن التحيز سبب وجد من جهة المالك، وهو يسقط الضمان. ولا يلزم، لأنا قلنا: من غير سبب من جهة المالك ولا ممن قام مقامه. وقد وجد من جهة العبد الصول، وهو قائم مقام المولى فيما يسقط الضمان بالقتل. 29702 - فإن قيل: إذا لم يقتل والقتل غير مباح. 29703 - قلنا: الإباحة لا تؤثر في إسقاط الضمان، بدلالة أن المضطر إلى الأكل أبيح له الإتلاف ويضمن، وقاتل المهجوم بالسيف غير مأذون له في الفعل ولا ضمان عليه. 29704 - فإن قيل: الجامع لمعنى في نفسه، ولا يوجد من البهيمة فعل، وفي مسألتنا أتلف لمعنى في البهيمة. 29705 - قلنا: التلف [في مسألتنا] لمعنى في القاتل، بدلالة أن البهيمة لو صالت فلم يخف منها، لم يحل له قتلها، ولم يسقط الضمان عنه. 29706 - ولأن قصد البهيمة لا يتعلق به شيء من الأحكام المقصودة، بدلالة القصاص والمأثم والضمان، فصار وجود القصد منها وعدمه سواء، ولو قتلها بعد صولها ضمن كذلك بعدها. 29707 - ولا يقال: إن صولها أباح قتلها، ولو لم تصل لم يبح [له إتلافه]، لأن المعنى هو خوفه منها، بدلالة أن [....] فخاف أن يسقط عليه، أبيح له إتلافه وإن لم يوجد منه فعل لوجود الخوف في المتلف. 29708 - ولأنه أتلف مال غيره من غير أن توجد إباحة آدمي [ولا] ما هو في

حكم الإباحة، فأشبه ما [ذكرنا. ولا يلزم الصيد، لأنه ليس بمال. ولا يلزم مال الباغى، لأنه وجد] منه ما أجرى مجرى الإباحة وهو التحيز. ولا ضمان مال الآدمي لا يسقط إلا سبب من وقف الحظر على حقه، أصله قبل الصول. ولا يلزم العبد، لأنه وجد سبب وقف حظر القتل عليه وهو العبد. 29709 - احتجوا بقوله تعالى: {ما على المحسنين من سبيل}. 29710 - قلنا: أراد به أحكام الآخرة، بدلالة أول الآية وآخرها، قال الله تعالى: {ليس على الضعفاء ولا على المرضى [ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله}]. ثم قال: {والله غفور رحيم}. 29711 - قالوا: روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه). قال: فظاهره أن مال القاتل لا يجب لصاحب الفحل. 29712 - قلنا: الحق عندنا يثبت في الذمة، وعين ماله لا يحل إلا بالتراضي أو القضاء، فإن تراضيا فقد طابت نفسه، وإن قضى القاضي حل بإجماع، أصله بدفع مباح فصار كالعاقل إذا صال عليه فدفعه فقتله. 29713 - قلنا: يبطل برجل ركب صيداً وصال على محرم، فقد قتله بدفع مباح، ويجب عليه الضمان بدفع مباح. 29714 - ولأن الإباحة لا تسقط الضمان، بدلالة المضطر إلى مال غيره، والتمليكات بالعقود كلها أسباب مباحة، والضمان متعلق بها، فعلم أن العاقل إذا صال أسقط الضمان بالإباحة، وإنما هو أن فعله أسقط حرمة دمه، وأفعاله يتعلق بها حكم، وأصله العاقل. والمعنى فيه أن أفعاله مؤثرة في سقوط تقويم دمه، فإذا قصد فقد فعل فعلاً سقط التقويم فهو كردته. والبهيمة [لا يتعلق] بفعلها إسقاط قيمة نفسها، فلذلك لم يسقط بصولها ضمانها.

29715 - قالوا: حرمة الفحل بمالكه، ولو صال مالكه سقطت قيمة دمه، فإذا صالت بهيمته أولى. 29716 - قلنا: لا فرق عندنا بين البهيمة ومالكها، بدليل أن مالك البهيمة إذا كان صبياً أو مجنوناً فصال وجب الضمان على قاتله، وإن كان عاقلاً بالغاً سقط الضمان، لأنه ممن تسقط قيمة نفسه بأفعاله، والمملوك إذا كان بالغاً عاقلاً فهو مثل المالك، والبهيمة لا قصد لها فهي كالمالك المجنون الذي لا قصد له. 29717 - قالوا: حل قتله بسبب كان منه، [فكان دمه] هدراً كالمرتد. 29718 - قلنا: المعنى في المرتد أن قصوده تتعلق بها الأحكام، فلهذا سقط قيمة دمه بفعله. والبهيمة لا تتعلق بقصدها الأحكام المقصودة، فلم يجز أن يسقط تقويم دمها بفعلها.

مسألة 1479 اطلاع الرجل على منزل الرجل من ثقب أو خلل

مسألة 1479 اطلاع الرجل على منزل الرجل من ثقب أو خلل 29719 - [قال أصحابنا]: إذا اطلع رجل إلى منزل رجل من ثقب أو خلل أو باب، قال الطحاوي: ليس عن أصحابنا في هذا نص، وقد ورد الخبر بإباحة فقء عينه، ويجب أن يكون مذهبهم موافقاً للخبر. وقد كان أبو بكر الرازي يقول: الذي يقضيه مذهبهم أنه إذا تمكن من دفعه بما دون فقء عينه لم يجز له فقء عينه، فإن لم يمكن دفعه إلا بذلك فله دفعه بما يندفع به من فقء عينه إذا كثر ذلك منه. 29720 - وقال أصحاب الشافعي: إذا اطلع في منزل رجل وهو مكشوف العورة أو عنده حرمة وليس المطلع من ذوي رحمها، فرمى عينه بحصاة أو ببندقة أو طعن عينه بعود خفيف فأعماه، كان هدراً. وقالوا: إن سرى هذا الجرح إلى النفس، لا ضمان فيه. 29721 - لنا: قوله تعالى: {والعين بالعين}. ولم يفصل. 29722 - فإن قيل: الخبر أخص، فيقضي على عموم الآية. 29723 - قلنا: الخبر محمول على من لا يندفع إلا بذلك، ويدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: (كتاب الله القصاص). ولأن الاطلاع في وجه امرأته أبلغ من الاطلاع في بيته، ولو فعل ذلك في الطريق لم يجز قلع عينه، فإذا اطلع في منزله أولى. ولأن هذا الفعل إن كان على وجه الدفع، فيجب أن يترتب بحسب

الإمكان. وإن كان الإبطال آلة النظر، فيجب أن يأتي على عينيه جميعًا. فلما كان لو فقأ عينيه جميعًا ضمن إحداهما، كذلك يضمن الأخرى. ولأنه لو قصد قتله، كان له دفعه بأيسر ما يمكن بأن يندفع، وإلا زاد عليه بالاطلاع دون قصد القتل، فأولى أن يترتب الدفع ويدفع بالأدون ثم بما فوقه. ولأنه نظر إلى ما لا يجوز له النظر، فإذا ابتدأ ففقأ عينه، ضمن، كمن اطلع إلى دكان غيره، واطلع على عورته وقد انفرد في غير منزله. 29724 - احتجوا: بما روى مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم وفقئوا عينه، فلا دية ولا قصاص). 29725 - قلنا: محمول على أنهم فعلوا ذلك دفعًا له ولم يندفع بغيره، بدلالة الدفع عن القصد المستقر في الأصول فيمن قصد قتل غيره أو أخذ ماله. 29726 - قالوا: روي عن سهل بن سعد الساعدي أن رجلًا اطلع في حجرة من حجر النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان عنده مدرى يحك به رأسه، فقال: (لو أعلم أنك تنظر لقلعت عينك، إنما جعل الاستئذان من أجل النظر). 29727 - قلنا: يجوز أن يكون هذا من المنافقين والكفار، لأن حرمة النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يهتكها مسلم. أو نقول: أخبر أنه يدفعه بذلك، وعندنا إذا فعله على وجه الدفع وغلب على ظنه أنه لا يندفع بما دونه جاز. 29728 - ولأن خبر الواحد إذا ورد وهو محتمل أن بيني على الأصول المستقرة، وجب أن يلحق بها ويحمل عليها ولا يحمل على خلافها، وقد استقر حكم الدفع عن النفس

والمال وهما أعظم من الاطلاع على المنزل، فأولى أن تحمل هذه الأخبار على ذلك. 29729 - قالوا: إذا أدخل رجلًا في دار إنسان، كان له دفعها، وإن أبي عليه كذلك عينيه. 29730 - قلنا: لا فرق بينهما إذا أدخل رجله، دفعها بالأيسر فإن اندفع به وإلا بما فوقه، كذلك في البصر مثله.

مسألة 1480 إفساد المواشي الزرع

مسألة 1480 إفساد المواشي الزرع 29731 - قال أصحابنا: إذا أفسدت المواشي زرعًا وليس معها قائد ولا سائق، فلا ضمان على صاحبها [ليلًا ولا نهارًا. 29732 - وقال الشافعي: ما أفسدت بالنهار فلا ضمان فيه]. وأما الليل إذا حبسها أو عقلها فانفلتت وأفسدت، فلا ضمان عليه، وإن أرسلها بالليل ولم يردها من مراعيها أو تركها في البرية غير معقلة فهو ضامن لما أفسدت من الزرع. ومنهم من قال: وما أفسدت من غير الزرع. وقالوا في السنانير والكلاب: إذا كان من عادتها الفساد، ضمن صاحبها ما أفسدت ليلًا أو نهارًا. وقالوا في الكلب العقور: إذا خرج من الدار فعض إنساناً، فصاحبه ضامن، فإن دخل دار صاحبه بغير أمره فعقره، فلا ضمان عليه، وإن دخل بأمر صاحب الدار، ففيه قولان بناء على من ناول غيره سما فأكله. 29733 - لنا: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (العجماء جبار والقليب جبار والمعدن جبار). وهذا ينفي أن يتعلق بفعل البهيمة ضمان. 29734 - فإن قيل: روي أنه: (جرح العجماء جبار). وإفساد الزرع ليس بجرح. 29735 - قلنا: قوله: (العجماء جبار). يقتضي سقوط الضمان [عن جميع أفعالها. 29736 - وقوله: (جرح العجماء جبار). يقتضي سقوط الضمان] عن جرحها، والظاهر أن أصل الخبر العام والخاص من نقل الراوي. ولأنه لم يقر بها من

موضع، فلم يضمن جنايتها، كما لو كان نهاراً. ولأنه لا يد له عليها، فلم يضمن جنايتها كالنهار. ولأن كل سبب لا يوجب الضمان بالنهار، لا يوجبه بالليل، أصله جناية العبد وجناية الحربي على المسلم. وما يوجب الضمان يستوي فيه الليل والنهار، كما لو قادها أو ساقها. ولأنه ليس بين الليل والنهار فرق، إلا أن أرباب الزرع تركوا حفظه نهارًا، ومن فرط في حفظ ماله، لم يسقط الضمان من متلفه، كمن وضع ماله في الصحراء أو ألقاه في البحر. وإذا بطل أن يسقط الضمان بالتفريط ليستوي الليل والنهار. ولأنه مملوك لا يضمن ما أتلفه نهارًا، فلم يضمن ما أتلفه [ليلاً كالعبد. 29737 - فإن قيل: العبد لا يضمن ما أتلفه ويده ثابتة عليه، فلا يضمن ما أتلفه] ولا يد له عليه. وفي البهيمة يضمن ما أتلفت إذا ساقها، كذلك جاز أن يضمن ولم تثبت يده عليها. 29738 - قلنا: لو ثبتت يد المولى على العبد على الوجه الذي ثبت على البهيمة يضمن مثل أن يزول اختياره ويدفعه على غيره. ولو تصور في البهيمة أن يكون لها اختيار كالعبد، لم يضمن. 29739 - احتجوا: بقوله تعالى: {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث}. قالوا وقد كان سليمان حكم أن تدفع البهائم إلى صاحب الزرع ينتفع بها حتى يصلح زرعه. 29740 - قلنا: فهذا حكم غير ثابت في شريعتنا، [ولا يجوز] أن تجعل منفعة البهيمة في مقابلة الفساد، فسقط الاستدلال بالقصة. 29741 - ولأنه منسوخ بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (العجماء جبار) 29742 - قالوا: روى الزهري عن حرام بن سعد عن البراء بن عازب أنه قال:

كان للبراء ناقة ضارية، فدخلت حائط قوم فأفسدت فيه، فكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، فقضى أن حفظ الحائط على أهله بالنهار، وأن حفظ الماشية على أهلها بالليل، وأن على أهلها ما أصابت بالليل. 29743 - الجواب: أن هذا يجوز أن يكون حكم به على شريعة من تقدم، ثم نسخ ذلك في شريعته بقوله: (العجماء جبار). 29744 - ولأنه يتضمن أحكامًا تخالف الأصول، منها: الفرق في الضمان بين الليل والنهار، ومنها: أن تفريط المالك في ملكه بالنهار يسقط ضمانه عن متلفه، ومنها: أن جناية المملوك تلزم ملكه. وخبر الواحد إذا تضمن ما يخالف الأصول، لم يقبل. 29745 - ولأن قضاءه - صلى الله عليه وسلم - على أرباب الحوائط بحفظها نهاراً وعلى أرباب المواشي بحفظها ليلاً لا يدل على إيجاب الضمان ولا سقوطه، لأن تارك حفظ ماله لا يوجب سقوط الضمان، وترك حفظ الإنسان لدابته لا يوجب ضمان ما يفعله إذا لم تكن يده عليها. 29746 - وقوله: وأن على أهلها ما أصابت ليلًا. ليس هذه الزيادة في جميع الأخبار، وقد ذكرها أبو داود، فمخالفنا يقول: ما أصابت إذا كان بتفريط من مالكها. ونحن نقول: ما أصابت إذا ساقها. 29747 - فإن قيل: وأي فائدة لتخصيص الليل؟ 29748 - قلنا: لأن صاحبها إذا ساقها نهاراً وامتنع أرباب الزرع من دخوله، والليل لا يحفظونه فيتمكن من إرسالها. 29749 - قالوا: لأنه مفرط في جناية بهيمة، فوجب أن تكون بمنزلة جنايته في حكم الضمان، أصله إذا كان معها. 29750 - قلنا: لا نسلم التفريط، لأن العادة أن الغنم تترك ليلًا في الصحراء غير

مربوطة ولا يحوط عليها وكذلك الإبل في البرية. وأصلهم إذا كان هذا غير مسلم حتى يكون مقرناً لها بالقود أو السوق، وإذا كان كذلك فهو الجاني، لأن البهيمة تسير باختياره وإرادته، فيصير هو الجاني. ولهذا لو أرسل كلبًا على صيد أكل وصار جرحه كجرحه ولو كان الكلب معه فرسل فأخذ صيداً لم يؤكل ولم يجعل فعله كفعله.

مسألة 1481 نفح الدابة برجلها أو بذنبها

مسألة 1481 نفح الدابة برجلها أو بذنبها 29751 - قال أصحابنا: إذا نفحت الدابة برجلها أو بذنبها، لم يضمن ذلك راكبها ولا قائدها، ويضمن سائقها. 29752 - وقال الشافعي: يضمن الراكب والقائد الجميع. 29753 - لنا: ما روى سعيد بن المسيب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (الرجل جبار). معناه: جناية الرجل. وهو عام، والجبار: الهدر. وروى هذا الخبر عباد ابن العوام عن سفيان عن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب. ورواه محمد بن يزيد الواسطي عن سفيان بإسناده مثله. وأصل الخبر: (العجماء جبار، والبئر جبار، والرجل جبار). ورواه أحمد بن المقدام عن زياد بن عبد الله البكائي عن الأعمش عن أبي قيس عن هزيل بن شرحبيل عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. 29754 - قالوا: معناه: الدابة جبار. فكأنه قال: ذو الرجل جبار، كما قال: (لا سبق إلا في خف أو حافز). معناه: في ذي خف أو ذي حافز.

29755 - قلنا: هذا مجاز، ومتى أمكن حمل اللفظ على الحقيقة فهو أولى. 29756 - ولأنه ذكر العجماء وأراد به جناية الدابة، فلو حملنا قوله: (الرجل جبار). على الدابة أيضاً، كان حملاً على التكرار، ومتى علق بكل لفظ فائدة فهو أولى. 29757 - فإن قيل: نحمله على الدابة المنفلتة، وفائدة تخصيص الرجل أن غالب جناية الدابة برجلها. 29758 - قلنا: غالب جناية المنفلته يكون بصدمها، لم يصح ما ذكروه من فائدة التخصيص. 29759 - ولأن جناية الرجل لا يمكن للقائد والراكب الاحتراز عنها ولا يمكن المار في الطريق الاحتراز فهو هدر، أصله ما أثارت الدابة بسنابكها من التراب. 29760 - ولأن الراكب لا تفريط من جهته فيما أصابت برجلها، فصار كإتلاف الدابة. 29761 - احتجوا: بأنها جناية بهيمة يد صاحبها عليها، فكانت جنايتها كجنايته، أصله ما أصابت بيدها أو فمها. قالوا: ولأن كل جناية إذا كانت باليد والفم كانت مضمونة إذا كانت بالرجل، فهي مضمونة كجناية العبد وعكسه المنفلتة. 29762 - قلنا: قد بينا الفرق بين الجنابتين، وهو أن الراكب والقائد لا يقدر على الحفظ من نفحة الرجل، لأنه لا يرى من وراءه، فتبعد الدابة ويبعده عنها، وما لا طريق إلى الاحتراز عنه هدر كجناية المعدن والبئر وكالمنفلتة. 29763 - وأما جناية اليد والفم فهو المشاهد من بين يديه فيقدر على إبعاد الدابة منه أو إبعاده عنها، فإذا أهمل ذلك، [صار مفرطاً فضمن ذلك. ولهذا ضمنا السائق كما شاهد بين يديه فيقدر على] إبعاده أو إبعاد الدابة، فإذا لم يفعله ضمن.

كتاب السير

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب السير

مسألة 1482 دخول العدد الذي لا منعة له في دار الحرب

مسألة 1482 دخول العدد الذي لا منعة له في دار الحرب 29764 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا دخل الواحد والاثنان والعدد الذي لا منعة لهم دار الحرب بغير إذن الإمام، لم يخمس ما أخذوه. وإن دخلت جماعة لها منعة بغير إذنه أو بإذنه، يخمس ما أخذوه. وأما إذا دخل العدد القليل بإذن الإمام، فعلى رواية الأصل: يخمس، وروى ابن شجاع عنهم: أنه لا يخمس وهو الصحيح، ولم يحدوا في الجماعة حدًا. وروي عن أبي يوسف أن أقل العدد المنيع تسعة فصاعدًا. 29765 - وقال الشافعي رحمه الله: ما أخذه الواحد يخمس، وكذا ما أخذه اللص. 29766 - لنا: أن حقوق الله تعالى المقدرة المتعلقة بالمال لا يجوز إثباتها إلا بتوقيف أو اتفاق كالزكاة، ولم يوجد ذلك فيما أخذه الواحد، فلا يجوز إثباته. 29767 - ولأنه مال مأخوذ من كافر بغير مقاتلة، فلا يخمس كالجزية. ولا يلزم إذا دخل الواحد بغير إذن الإمام، لأنا لا نخمس ما أخذه. 29768 - ولأنه مباح مأخوذ بغير سبب مقابله، فصار الحطب والحجارة. ولا يقال: الحطب لواحد بالمقاتلة لم يخمس، [لأنه يخمس عندنا]. 29769 - ولأن العدد اليسير لا يدخلون لإعزاز الدين، وإنما يدخلون لاكتساب المال، فصاروا كالتجار. 29770 - ولأنه مأخوذ من دار الحرب بغير ظهر المسلمين، فلا يخمس كالحطب.

ولا يلزم إذا دخلوا بإذن الإمام على رواية الأصل أن علية نصرتهم، فالمأخوذ بظهر المسلمين، ولا يلزم الجماعة التي لها منعة؛ لأن الإمام لا يجوز أن يقعد عنهم وإن دخلوا بغير أمره، لما في ذلك من الوهن على الإسلام، فما يأخذونه بظهر الجماعة. 29771 - احتجوا: بقوله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسة}. 29772 - قلنا: الغنيمة عند العرب: المال المأخوذ بالقهر والغلبة، وما يأخذه اللص يسمى: سرقة، وما يأخذه الواحد يسمى: خلسة ولا يقال له: غنيمة. 29773 - فإن قيل: ما وجد من الجماعة إذا تناوله الاسم، تناوله إذا وجد من الواحد. 29774 - قلنا: هذا إثبات اسم بقياس، وهو باطل بالجمعة. 29775 - قالوا: كل طائفة لو دخلت دار الحرب بإذن الإمام، خمس ما أخذت، فكذلك إذا دخلت بغير إذنه، أصله الجماعة التي لها منعة. 29776 - قلنا: الوصف غير مسلم على الرواية الصحيحة، فإن الواحد إذا دخل بإذن الإمام لا يخمس ما أخذ، وعلى الرواية الأخرى إذا دخل بإذنه لزمه. وجماعة المسلمين نصرته، فصار ما يأخذه بظهرهم يثبت حقهم فيه. وإذا دخله بغير أمره، لم تلزم نصرته؛ لأن مصاب الواحد لا يقدح في المسلمين. 29777 - قلنا: لم يأخذ بظهرهم، فلم يثبت حقهم فيما أخذه. أما الجماعة الممتنعة فما يأخذونه بظهر جماعة المسلمين، إذ لا يجوز لهم تركهم والقعود عنهم إن أصيبوا، لما في مصابهم من الوهن على الإسلام، فلذلك يخمس ما أخذوه. 29778 - قالوا: كل طائفة إذا كان لها منعة خمست غنيمتها، فكذلك إذا لم يكن لها منعة، أصله إذا كان بإذن الإمام. 29779 - قلنا: [قد بينا أن هذا الأصل غير مسلم وإن سلمنا على] الروايتين، قد تكلمنا عليه. 29780 - قالوا: كل غنيمة [اشترك فيها المباشر والردء، شاركهم] فيما أهل خمس، أصله غنيمة الطائفة.

29781 - قلنا: لا نسلم أن هذا غنيمة [وأن الردء مشارك؛ لأن المال أخذ بظهره وتمكينه، والمسلمون لم يأخذوا هذا المال بظهرهم ولا تمكينهم، فلا يثبت حقهم فيه]. 29782 - قالوا: كل مال يملكه المسلمون على المشركين بالقهر والغلبة ولم يختص به بعضهم، خمس كسائر الغنائم. 29783 - قلنا: باطل بالجزية إذا ظهرنا على بلد فوضعنا الجزية بغير رضاهم، والمعنى في سائر الغنائم ما قدمنا.

مسألة 1483 إذا غلب المسلمون على بهائم أهل الحرب

مسألة 1483 إذا غلب المسلمون على بهائم أهل الحرب 29784 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا غلب المسلمون على بهائم أهل الحرب فأدركهم الكفار وخافوا أن يستنقذوها من أيدهم، ذبحوها وحرقوها بعد الذبح. 29785 - وقال الشافعي رحمه الله: لا يحل ذبحها. 29786 - لنا: أنه مال لأهل الحرب يجوز أكله، فجاز إتلافه. 29787 - ولأن الأكل منفعة يختص بها الآكل، وهذا منفعة تعم المسلمين، فإذا جاز الذبح لأقل الفرضين، فلأن يجوز لأعظمها أولى. 29788 - ولأن ما جاز إتلافه في حال القتال، جاز إتلافه في غير حال القتال، أصله [ما سوى الميدان. ولا يلزم الصيد؛ لأنه يجوز قتله بعد الأسر. 29789 - ولأن ما يجوز في حال القتال، جاز إتلافه في غير حال القتال، أصله] المال. ولا يلزم النساء والصبيان؛ لأنهم يقتلون بعد الأسر إذا كان الصبي أو المرأة ملكًا عليهم، ويجوز في حال القتال إذا قاتلوا. 29790 - ولا يقال: في حال القتال يجوز: قتلهم بالعقر، ولا يجوز في غير حال الحرب. 29791 - لأن هذا كلام في كيفية القتل والتعامل للقتل، ولا يمتنع أن تتساوى الحالتان في القتل وإن اختلفت كيفية القتل، الدليل عليه أنا نحرقهم في حال القتال ونفرقهم ونخوفهم، وبعد أخذهم لا يجوز القتل بالمثلة. 29792 - فإن قيل: الأموال لها حرمة بمالكها وقد سقطت بكفره، فجاز إتلافها، والحيوان له حرمة بمالكه وبالله تعالى، ولهذا يحرم عليه ترك النفقة على بهائمه، فإذا أسقطت حرمة المال بالكفر تثبت حرمة الله تعالى.

29793 - قلنا: والمال له حرمة بغير مالكه، بدلالة أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن إضاعة المال، فلو كانت حرمته بمالكه، لم يحرم عليه إتلافه بغير عوض. 29794 - ولأن البهائم حرمتها لحق الله تعالى موجودة. 29795 - احتجوا: بما روي عن عبد الله بن عمر أن - صلى الله عليه وسلم - قال: (من قتل عصفورًا فما فوقها، سأله الله عن حقها). قيل: يا رسول الله، وما حقها؟ قال: (أن يذبحها فيأكلها، ولا يقطف رأسها فيرميها). 29796 - قلنا: نهي عن القتل والذبح لا يسمى قتلاً على الإطلاق، وعندنا القتل منهي عنه. 29797 - ولأنه ذكر الأكل لينبه به على كل ذبح لغرض، ولهذا لم يذكر إتلاف الحيوان حال المحاربة. 29798 - قالوا: روي أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ذبح الحيوان إلا لمالكه لأكله. 29799 - قلنا: ذكر الأكل لينبه به كل غرض صحيح، وكيد الكفار وإلحاق الضرر بهم من أكبر الأغراض وأعظمها. 29800 - قالوا: روي أن أبا بكر الصديق قال ليزيد بن أبي سفيان لما بعثه إلى الشام: لا تعقرن شاة ولا بعيرًا إلا لمأكله. 29801 - قلنا: روي في هذا الخبر أنه نهي عن قطع الشجر، وإن كان يقطع عند الحاجة باتفاق. 29802 - ولأنه إباحة للأكل، فصار ذلك تنبيهًا على ما هو مثله في الفرض أو أكبر منه. 29803 - قالوا: ذو روح، فلا يحل قتله لمغايظة الكفار قياسًا على صبيانهم ونسائهم. 29804 - قلنا: عندنا يذبح لمنفعة المسلمين ودفع الضرر عنهم، فأما المغايظة فلا. والمعنى في النساء والصبيان، أنه لا يستعان بهم في القتال غالبًا، والدواب يستعان بها في القتال.

مسألة 1484 قتل النساء والصبيان والشيوخ الذين لا يقاتلون

مسألة 1484 قتل النساء والصبيان والشيوخ الذين لا يقاتلون 29805 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: لا يقتل النساء والصبيان والشيوخ الذين لا يقاتلون ولا رأي لهم في الحرب ولا العميان ولا الزمني ولا أصحاب الصوامع الذين حبسوا أنفسهم فيها لا يخالطون الناس. وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله. 29806 - وقال في قول آخر: يقتلون جميعًا إلا النساء والصبيان. 29807 - لنا: ما روي عن علي قال: كان نبي الله إذا بعث جيشًا من المسلمين إلى المشركين قال: (انطلقوا باسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله، لا تقاتلون القوم حتى تحتجوا عليهم). إلى أن قال: (ولا تقتلوا وليدًا طفلًا ولا امرأة ولا شيخًا كبيرًا). 29808 - وروى عكرمة عن ابن عباس قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا بعث جيوشه قال: (اغزوا باسم الله تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله، لا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع). 29809 - وروي أنه قال حين رأى امرأة مقتولة: (ما كانت هذه لتقاتل). ونهي عن قتل النساء، فجعل العلة في ذلك أنها لا تقاتل، وهذا موجود في الشيخ الكبير. 29810 - فإن قيل: هذا محمول على أنه - صلى الله عليه وسلم - علم أن المصلحة في ترك قتلهم. 29811 - قلنا: اللفظ عام.

29812 - ولأن هذا إنما يكون إذا عرف المأخذ، فأما إذا لم يعرف لم تتبين المصلحة فيه. ويدل عليه وصية أبي بكر ليزيد بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة لما بعثهم إلى الشام قال فيها: لا تقتلوا الولدان ولا الشيخ ولا النساء، وستجدون قومًا حبسوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما حبسوا له أنفسهم. وهذا بحضرة الصحابة من غير خلاف. 29813 - ولأنه ممن لا يستعان به في القتال غالبًا، فلا يقتل بكفره الأصلي كالمرأة. ولا يلزم المريض والجريح؛ لأنهما من أهل القتال، لكن حصل هناك مانع فهو كالمقاتل إذا حبس أو قيد. 29814 - ولأن الأعمى لا ينتفع به في الحرب، والنساء ينتفع بهن في سقي الماء وصلاح الطعام ومداواة الجرحى، فإذا لم تقتل النساء، فالأعمى والزمن أولى. 29815 - ولأن أهل الحرب رجال ونساء، فلما كان في أحد النوعين من لا يجوز قتله لكفره، وجب أن يكون كذلك في النوع الآخر. 29816 - احتجوا: بقوله تعالى: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}. 29817 - قلنا: هذا يتناول من يحتاج في قتله إلى الحصن وإعمال الحيلة، وذلك لا يحتاج إليه في العميان والزمنى. 29818 - احتجوا: بقوله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله}. 29819 - قلنا: المقاتلة تكون بين اثنين، وهؤلاء لا يوجد منهم القتال، فإن وجد جاز قتلهم. 29820 - قالوا: روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (اقتلوا شيوخ المشركين، واستبقوا شرخهم). 29821 - قلنا: هذا محمول على الشيوخ المقاتلين، ليجمع بينه وبين خبرنا، ولو تعارضا لكان المثبت للحظر أولى. 29822 - قالوا: قتل المسلمون يوم حنين دريد بن الصمة وقد أتت عليه مائة

وخمسون سنة، فلم ينكر النبي - صلى الله عليه وسلم - قتله. 29823 - قلنا: لأنه كان يدبر الحرب فيقتل؛ لأنه أضر علينا من المقاتل. 29824 - قالوا: حر مكلف حربي، فجاز قتله في الأسر، أصله الشاب. 29825 - قلنا: التكليف والحرية لا يبيح القتل، بدلالة النساء. والمعنى {في الشاب أنه ممن يستعان به القتال، والمرأة والأعمى والزمن لا يقدرون على القتال. 29826 - قالوا]: كل من جاز قتله إذا كان له رأي، جاز قتله وإن لم يكن له رأي كالشاب. 29827 - قلنا: من له رأي فهو من أهل القتال، ومن لا رأي له ولا قدرة فليس هو من أهله. 29828 - ولا يقال: إن من كان من أهل العمى إذا تعلقت أحكامه، كذلك من ليس من أهله. فأما الشاب إذا لم يكن له رأي فهو من أهل القتال بقوته، فلا يفتقر في استحقاق القتل إلى أن يكون من أهله بمعنى آخر. 29829 - قالوا: كل كفر يجيز قتل الشاب، يجيز قتل الشيخ الفاني، أصله الردة. 29830 - قلنا: كفر الردة أغلظ من الكفر الأصلي، بدلالة أن عند مخالفنا لا تقتل المرأة بالكفر الأصلي وتقتل بالردة، ويقر الكافر الأصلي على كفره ولا يقر المرتد، فلم يجز اعتبار أحدهما بالآخر.

مسألة 1485 تترس الكفار بأطفال المسلمين

مسألة 1485 تترس الكفار بأطفال المسلمين 29831 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا تترس الكفار بأطفال المسلمين وبأسراهم، جاز رميهم. ويعتمد الرامي أنه يقصد المشرك، فإن قتل مسلمًا، فلا كفارة ولا دية. 29832 - وقال الشافعي رحمه الله: إذا فعلوا ذلك، لم يجز لنا أن نبتدئهم بالقتال والرمي، فإن بدءونا جاز الرمي. ويقال للرامي: اجتهد في إصابة المشرك، وتجنب المسلم. فإن أصاب مسلمًا فقتله، فعليه الكفارة قولًا واحدًا. وهل تجب الدية؟ اختلف قوله، فقال في موضع: عليه الدية والكفارة. وقال في موضع: عليه الكفارة دون الدية. وقال ابن أبي هريرة: في وجوب الدية قولان. قال المزني: فيها قول واحد، والموضع الذي قال عليه الدية إذا علم أنه مسلم فرماه، والموضع الذي قال لا دية إذا لم يعلمه مسلمًا. وقال المروزي: أراد بوجوب الدية إذا قصد المسلم، وإذا قصد المشرك فأصاب المسلم فلا دية عليه. 29833 - والكلام في هذه المسألة في مواضع: 29834 - أولها: جواز البداية بالرمي مع التترس بالمسلمين، والدليل عليه أنه قتال واجب فلا يمنع منه التترس بمن لا يجوز قتله، كما لو تترسوا بصبيانهم. 29835 - ولأن الحصون التي يعلم أن فيها أسرى يجوز أن يبتدئها بالرمي ويقصد الكفار، ويجوز أن يحرقها بالنار وإن لم يأمن أن يصيب المسلمين، كذلك إذا تترسوا

وهذا لا شبهة فيه، لأنا لو لم نبتدئ رمي الحصون من كون المسلم فيه، لأدى ذلك إلى تعطيل مباراة الكفارة وشن الغارة عليهم وطلب الغرة منهم؛ لأن حصونهم لا تخلو من مسلم، وما أدى إلى هذا سقط بالإجماع. 29836 - وأما الدليل على سقوط الكفارة، فلأن من جاز الرمي إليه مع العلم بحالة أو مع غلبة الظن بأنه يصيبه، لم تجب بقتله كفارة، أصله صبيانهم إذا تترسوا بهم. 29837 - ولأن كل قتل تجب فيه الكفارة، يمنع منه إذا تعين له، فلو وجبت الكفارة في مسألتنا لمنع من الرمي إذا تعين، فلما لم يمنع منه بل أبيح تارة ووجب أخرى، علمنا أن الكفارة لا تجب. 29838 - ولأن المسلم إذا أبيح رميه مع العلم بحاله ومع غلبة الظن بإصابته، لم تجب بقتله دية، كالمقتول بحق. 29839 - ولأن إيجاب الضمان بالقتل يؤدي إلى التوقف عن القتل كراهية وجوب الضمان، وما أدى إلى ترك الضمان وجب إسقاطه. 29840 - احتجوا: بقوله تعالى: {فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة}. 29841 - قلنا: هذا عطف على قوله: {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلى خطئا}. وفي مسألتنا له أن يقتله، فلم تتناوله الآية. 29842 - قالوا: محقون الدم بحرمة، فوجب بقتله الكفارة، أصله إذا قتله ابتداءً. قالوا: ولا يلزم إذا رمى حصنًا فأصابه؛ لأن فيه الكفارة. 29843 - قلنا: يبطل بصبيانهم. 29844 - قالوا: لم نمنع من قتلهم لحقهم، بل لحق المسلمين؛ لأنه مال لهم. 29845 - قلنا: فيجب أن نمنع من قتل الرجال لهذه العلة؛ لأنه يجوز استرقاقهم فيصيرون مالاً، وأن المعنى فيه إذا لم يكن في الحال لا يجوز رميه، والمسلم الممنوع من قتله يجوز أن تتعلق بقتله كفارة. وفي مسألتنا أبيح رميه، فصار كالمقتول بحق. 29846 - قالوا: محقون الدم بالإيمان والقاتل من أهل الضمان، فوجب عليه بقتله كفارة كسائر المسلمين.

29847 - قلنا: يبطل بالمرجوم؛ لأنه محقون الدم بالإيمان، ولهذا لا يجوز قتله بالسيف، وأصلهم سائر المسلمين وجميعهم إذا أبيح رميهم سقط الضمان، وإذا لم يبح بالرمي وجب الضمان، فلا فرق بينهما. 29848 - احتجوا: [في الدية] بقوله تعالى: [{ومن قتل مؤمنًا خطئًا فتحرير رقبة مؤمنٍة ودية مسلمة إلى أهله}. 29849 - قلنا: قال تعالى]: {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنًا إلا خطئًا}. وفي مسألتنا يجوز أن يقتله غير مخطئ. 29850 - قالوا: هو مأمور يقصد المشرك وتجنب المسلم، فهو كمن رمى غرضًا فأصاب مسلمًا. 29851 - قلنا: هناك لا يرمي الآدمي وإنما يرمي الغرض، فإن أغلب على ظنه أنه يصيب آدميًا لم يحل له الرمي وكذلك وفي مسألتنا يرمي المسلم إذا لم يكن هناك خلل يصل السهم منه إلى الكافر، لكنه يرمي إن قصده هذا الكافر، ويرمي في مسألتنا مع غلبة الظن بالإصابة، فدل على أنه مفارق لحال الخطأ.

مسألة 1486 قتل المسلم بعد دخوله دار الحرب بأمان

مسألة 1486 قتل المسلم بعد دخوله دار الحرب بأمان 29852 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا دخل المسلم دار الحرب بأمان فقتله رجل من الجيش وهو لا يعلم إسلامه، فعليه الدية. 29853 - وقال أصحاب الشافعي [رحمهم الله]: الذي تقضيه طريقة المزني أن المعتبر علمه، فإذا لم يعلم بإسلامه، فعليه الكفارة ولا دية. 29854 - لنا: أنه مسلم أحرز دمه بدخول دار الحرب بأمان، فلا يسقط تقوم دمه إلا بسبب من جهته، أصله إذا كان في دار الإسلام. 29855 - ولأنه ظن أنه كافر خطًأ منه، وخطأ القاتل لا يسقط تقويم دم المقتول، أصله إذا رمى صيدًا فأصاب آدميًا. 29856 - ولأنه خطأ لا يسقط الكفارة، فلم يسقط الدية، أصله إذا قتل مسلمًا فأصابه خطًأ. 29857 - احتجوا: بقوله تعالى: {فإن كان من قوٍم عدٍو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة}. قال ابن عباس: وإن كان في قوم عدو لكم. 29858 - قلنا: هذا يعطف على قوله: {ومن قتل مؤمنًا خطئًا}. فظاهره يقتضي من كان في العدو وجبت الكفارة دون الدية فعله خطأ على كل وجه وذلك لا

يكون إلا على قولنا فيمن أسلم ولم يهاجر. وأما المستأمن إذا قتل خطأ وهو يعلم إسلامه، وجبت الدية بإجماع، فعلم أن الظاهر لم تتناوله الآية. 29859 - ولأنه قتل في دار الحرب بفعل مأمور به أو فعل ليس بتفريط من جهته، فلا يجب بدل نفسه، أصله إذا أسلم الحربي ولم يخرج إلينا. 29860 - قلنا: يبطل إذا رمى صيدًا في دار الحرب فأصاب من علمه مسلمًا، فعل لا يثبت منه إلى التفريط. 29861 - فإن قالوا: لو سدد في رميه لم يصب الآدمي. 29862 - قلنا: ولو تبين عن حال المقتول لعلم أنه مسلم. 29863 - وقولهم: بفعل مأمور به. 29864 - يبطل بمن كان مشركًا، فأصاب من علمه مسلمًا. والمعنى فيمن أسلم ولم يهاجر: أن دمه كان على أصل الإباحة كما لم تحصل منه حيازة، فلم يتقوم كالحشيش. وليس كذلك المستأمن؛ لأن قتله محظور في الأصل، وإنما خطأ القاتل مسبب من جهة المقتول، وهذا لا يمنع من تقويم الدم كقتل الخطأ. 29865 - قالوا: هو مأمور بقتل كل من في دار الحرب ورميه وضربه، ويستحيل أن يؤمر بالضرب ويجب عليه الضمان. 29866 - قلنا: هو مأمور بقتلهم، بشرط ألا يغلب على ظنه إسلامهم أو لا تكون عليهم سمة المسلمين، والقتل من غير تمييز مع إمكان الرجوع إلى السمة تفريط. 29867 - ولأنه مأمور بالضرب وإن جاز أن تجب عليه الكفارة، وكذلك لا يمتنع أن يكون مأمورًا عليه الدية.

قتل الحربي إذا أسلم ولم يهاجر من دار الحرب

مسألة 1487 قتل الحربي إذا أسلم ولم يهاجر من دار الحرب 29868 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا أسلم الحربي ولم يهاجر من دار الحرب حتى قتله مسلم، فلا قصاص عليه ولا دية، وعليه الكفارة في الخطأ. 29869 - وقال الشافعي رحمه الله: إن قتله عمدًا وجب القصاص، وإن قتله خطأ وجبت الدية، والكفارة واجبة في الوجهين. 29870 - لنا: قوله تعالى: {فإن كان من قوم عدٍو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنٍة}. لا يخلو إما يكون المراد: منهم بالانتساب إليهم، أو يكون المراد: فيهم. ولا يجوز أن يكون أراد الانتساب؛ لأن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا منتسبين لأهل الحرب، ولم يفهم من هذه الآية سقوط البدل بقتلهم، لم يبق إلى أن يكون المراد: فيهم، وقد ذكر الله تعالى فيه الكفارة دون الدين. 29871 - ولا يقال: إنه ترك ذكر الدية، اكتفاءً بما تقدم. 29872 - لأنه لو كان كذلك، لترك ذكر الكفارة واكتفى بما تقدم. 29873 - ولأنه ذكر بعده المرمي، ولم تجب فيه الدية والكفارة، ويدل على أن الاكتفاء لم يصح بما تقدم. 29874 - فإن قيل: فأنتم تضمون فيه: إذا كان ابتداء إسلامه في دار الحرب ولم يهاجر، ونحن نضمر: إذا لم يعلم إسلامه. ومن يقتصر على إضمار واحد، فهو أولى عمن أضمر إضمارين. 29875 - قلنا: نحن لا نضمر أكثر من إضمار واحد وهو: المؤمن الذي لم يهاجر، وهم يضمرون: المؤمن الذي لا يعلم بإسلامه، فتساوينا، ويدل عليه قوله

تعالى: {والذين أمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا}. وإسقاط الموالاة يقتضي منع تقويم الدم. 29876 - فإن قيل: معناه أنهم لا يتوارثون؛ لأن في ابتداء الإسلام كان التوارث بالهجرة. 29877 - قلنا: المراد إسقاط التوارث وإسقاط تقويم الدم جميعًا، ويدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: (أنا برئ من كل مسلم أقام بين ظهراني الشرك). والبراءة المطلقة تمنع تقويم الدم. 29878 - فإن قيل: روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (من استنجى بعظم أو روث فأنا منه برئ). ولم يوجب ذلك. 29879 - استدلوا بقوله: (النفس). 29880 - قلنا: الظاهر اقتضى ذلك، لولا قيام الدليل عليه. 29881 - ولأن كل مسلم إذا لم يعلم بإسلامه لم يتقوم دمه، فإذا علم بإسلامه لم يتقوم دمه، أصله الباغي إذا حاربنا. 29882 - ولأن دمه على أصل الإباحة، والمباحات لا تتقوم قبل الحيازة، أصله الحشيش والحطب. 29883 - احتجوا: بأنه إسلام صار به الدم محقونًا، فوجب أن يصير به مضمونًا، أصله المسلم في دار الإسلام. 29884 - قلنا: حظر القتل لا يدل على ضمان المقتول، بدلالة نساء أهل الحرب وصبيانهم. والمعنى فيه: إذا كان في دار الإسلام أنه لو قتله وهو يجهل إسلامه، تقوم دمه. وفي مسألتنا لو قتله وهو يجهل إسلامه، لم يتقوم دمه، كذلك إذا علم إسلامه. 29885 - قالوا: كل بقعة يزول ضمان النفس فيها بالردة، يجب تقويمها بالإسلام فيها، أصله دار الإسلام. 29886 - قلنا: دار الحرب دار إباحة الدماء، والردة تبيح الدم، فإذا حصلت في محل الإباحة فأولى أن تبيح. والإسلام يحظر القتل إذا حصل في محل الحظر وهو دار الإسلام أوجب تقويم الدماء، فإذا حصل في دار الإباحة في غير محل التقويم، فلم يؤثر كما يؤثر إذا جهلت حاله.

مسألة 1488 قتل المسلم بعد أسره في دار الحرب

مسألة 1488 قتل المسلم بعد أسره في دار الحرب 29887 - قال أبو حنيفة رحمه الله: إذا أسر المسلم فقتله قاتل في دار الحرب، فلا قصاص ولا دية عليه. 29888 - وقال الشافعي رحمه الله: عليه في العمد القصاص، وفي الخطأ الدية إذا علم إسلامه. 29889 - لنا: قوله تعالى: {فإن كان من قوم عدٍو لكم} روي عن ابن عباس أنه قال: معناه: في قوم عدو لكم. 29890 - ولأنه لو قتله وهو يعلم [بإسلامه لم يتقوم دمه، كذلك إذا علم بإسلامه، أصله إذا قتله ليقتله فقتله دفعًا عن نفسه. 29891 - ولأنه أسير في دار الحرب، فلا يجب بقتله قصاص كالذمي، أو فلا تجب] الدية بقتله، أصله إذا كان من أهل الحرب. 29892 - ولأنا قتلناهم لم يضمن دماءهم، كذلك إذا قتلنا الأسرى لا يتقوم في حقهم الأسرى فينا إذا قتلوهم. 29893 - ولا يقال: إن أسراهم فينا قتلهم مباح، لأنا لا نسلم إباحة قتلهم قبل أن يتحيز الإمام، بل ذلك محظور لجواز أن يرى الإمام استرقاقهم. 29894 - احتجوا: بأن دمه محظور، فلا نزيل تقوم دمه كما لو أسره المسلمون. 29895 - قلنا: أخذ المسلمين ليس له تأثير في إسقاط ضمان الأموال، فلم يكن لأسرهم تأثير في إزالة تقويم الدماء، [وأحد أهل الحرب له تأثير في إسقاط ضمان

الأموال، فجاز أن يؤثر في ضمان دمه]. 29896 - فإن قيل: أحد البغاة له تأثير في إسقاط ضمان المال، وليس له تأثير في إسقاط قيمة الدم. 29897 - قلنا: البغاة لا يسقط ضمان المال عنهم؛ لأنه يلزمهم الضمان فيما بينهم وبين الله تعالى، وإنما لا تثبت المطالبة به. 29898 - قالوا: فهي لا تزيل حقن دمه، فلا تزيل ضمانه، أصله بالقدم. 29899 - قلنا: بقاء الحذر لا يدل على التقويم، بدلالة صبيان أهل الحرب ونسائهم.

مسألة 1489 إذا غلبنا على الدار إذا أسلم الحربي

مسألة 1489 إذا غلبنا على الدار إذا أسلم الحربي 29900 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا أسلم الحربي ثم غلبنا على الدار فما في يده من أمواله وودائعه عند مسلم وذمي له، وما ليس في يده أو كان وديعة عند حربي فهو فيء، فأرضه وعقاره فيء وإن كان في يده، وكذلك إذا دخل مسلم دار الحرب فاشترى أرضًا ثم غلبنا على الدار، فهي فيء. 29901 - وقال الشافعي رحمه الله: جميع أمواله وأراضيه له، ولا يثبت الفيء فيها. 29902 - لنا: أن مال الحربي على أصل الإباحة، والمباحات لا تملك إلا ملكًا صحيحًا، ولا تزول معنى الإباحة منها إلا بالحيازة كالماء والحشيش، وما ليس في يده لم يحرزه فبقى على أصل الإباحة. وما في يد الحربي من وديعة فلم تحرزه يد صحيحة، فصار ما في يد الحربي كما هو في دار الحرب لا يد عليه لأحد. وأما الأرض: فهي بقعة من دار الحرب كسائر بقاعها. 29903 - ولأنها كانت دار الحرب فهي فيء كسائرها، وإن كانت دار الإسلام فحكم الدار لا يتبعض حتى يكون بعضها دار إسلام وبعضها دار حرب. 29904 - ولأن أحكام أهل الحرب جارية لها كأرض الحربي. 29905 - ولأن كل أرض حربي فيها حكم أهل الحرب، يثبت فيها الفيء كأرض الكافر. 29906 - فإن قيل: هذه الأرض لا تصير دار إسلام، لكن يثبت لها حكم دار الإسلام بمالكها كما أن الحربي إذا دخل غلينا مستأمنًا فاشترى دارًا ثم لحق بدار الحرب

فقتل، صارت أرضية فيئًا، ومعلوم أنها لم تصر دار حرب، لكن تثبت فيها حكم دار الحرب بمالكها. 29907 - قلنا: الحربي إذا رجع إلى دار الحرب، فأرضه على ملكه لم تنتقل عنه. 29908 - فإن قيل: إذا أسر صارت للمسلمين. 29909 - قلنا: لسنا نقول: إنه صار لها حكم دار الحرب، لكنها مال في دار الإسلام لا نعرف له مالكًا فتكون للمسلمين على هذا الوجه، ولهذا لا نوجب فيها الخمس. 29910 - ولأنها بقعة من دار الحرب، فلا تتميز عن بقية الدار في حكم الغنيمة، كالأرض التي دخل صاحبها إلينا. 29911 - احتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم). 29912 - قلنا: قال: (إلا بحقها). وعندنا إذا لم تكن في يده، فمن حقها أن تكون فيئًا وأن الأرض لا تتميز عن بقية الدار. 29913 - قالوا: روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (من أسلم على شيء، فهو له). 29914 - قلنا: معناه: من أسلم على شيء في يده، وهذا ليس في يده. 29915 - فإن احتجوا به في العقار. 29916 - قلنا: هذا مخصوص بما ذكرنا. 29917 - قالوا: روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يحل مال امرئ مسلٍم إلا بطيب نفس منه). 29918 - قلنا: لا نسلم أن ما ليس في يده من أمواله، وكذلك لا نقول: إن الأراضي ملك له، وإنما يثبت له حكم الملك. والخبر يقتضي ما كان مكلًا للمسلم. 29919 - قالوا: روي أنه - صلى الله عليه وسلم - حاصر بني قريظة، فأسلم ابنا سعية، فأحرز لهما إسلامهما أموالهما وأولادهما الصغار. 29920 - قلنا: يجوز أن تكون الأموال في أيديهما، ولا نعلم أنه كان لهما عقار.

29921 - ولأنه - صلى الله عليه وسلم - يجوز أن يكون أعطاهما الأموال حثا للناس على الإسلام، فملكوها بتمليكه. 29922 - فإن قيل: في الخبر أن الإسلام أحرز لهما ذلك. 29923 - قلنا: إذا كان أعطاهما لأجل إسلامهما، صح أن يقال: إن الإسلام أحرز ذلك. 29924 - قالوا: مال مسلم، فوجب ألا يغنم بالظهور على الدار، أصله: ما في يده من المال المباح حصل فيه حيازة، فبقى معنى الإباحة فيه. 29925 - فإن قيل: علة الأصل تنتقض بما في يده من العقار. 29926 - قلنا: لا نتصور الحيازة بالإسلام في شيء من دار الحرب، فهي وإن كانت في يده غير محرزة حكمًا، فبقي الإباحة فيها.

مسألة 1490 إسلام الحربي بعد دخول دارنا بأمان

مسألة 1490 إسلام الحربي بعد دخول دارنا بأمان 29927 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا دخل الحربي دارنا بأمان فأسلم وله في دار الحرب أولاد ومال فغلبنا على الدار، فجميع ذلك فيء. 29928 - وقال الشافعي رحمه الله: أمواله وأولاده الصغار ليس بفيء. 29929 - أما الأموال: فلأنه لم يحرزها بعد إسلامه، فبقيت على أصل الإباحة كما قدمنا، وأما أولاده: فلأن الدار اختلفت به وبهم فلم يتبعوه في دينه، أصله الصغير إذا سبي وحده حكم له بالإسلام ولم يحكم له بدين أبيه الحربي، كذلك في مسألتنا. 29930 - ولأن من انفرد في الدار عن أبويه، يثبت له حكمها، أصله السبي. وإذا ثبت أن الولد لم يصر مسلمًا بإسلام أبيه، كان منه كأولاده الكبار. 29931 - احتجوا: بأنه أسلم وله ولد يتبعه في الإسلام، فحكم بإسلامه كما لو كنا في دار واحدة. 29932 - قلنا: إذا اتفقا في الدار فهو تابع له، وإن اختلفا لم يتبعه، بدلالة أن المسبى يحكم بإسلامه إذا انفرد، ولو سبي مع أحد أبويه كان على دينه. 29933 - فإن قيل: هذا ليس اختلاف الدار، لكن الغالب أنه لا يعرف أبوه، فيصير كاللقيط فيحكم بإسلامه تبعًا للسابي. ولهذا نقول: إنه يحكم بإسلامه في دار الحرب قبل أن يخرج إلى دار الإسلام. 29934 - قلنا: نعلم قطعًا أن له أبًا في دار الحرب يحكم بإسلامه ونقطعه عن أبيه باتفاق، وما ذاك إلا لما ذكرناه. 29935 - وقولهم: إنه يحكم بإسلامه تبعًا للسابي لا للدار.

29936 - فمتابعة لا تضرنا، لأنا قد بينا أن الصبي لا يتبع أباه مع اختلافهما في الدار، ويتبعه إذا اتفقنا، ودللنا عليه طردًا وعكسًا بالمسبى وحده أنه لا يتبع أباه في الكفر، والمسبى مع أحد أبويه أنه على دينه. 29937 - فقولهم: إن هذا الحكم يثبت له وإن اختلفت الدار. 29938 - لا يقدح في كلامنا ولا يعترض على موضع التسليم.

مسألة 1491 الظهور على حامل حربية زوجها مسلم

مسألة 1491 الظهور على حامل حربية زوجها مسلم 29939 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا أسلم الحربي ثم ظهرنا على المال وله امرأة حربية حامل، فهي وولدها فيء. وكذلك إذا دخل مسلم دار الحرب فتزوج حربية فحبلت ثم ظهرنا على الدار. 29940 - وقال الشافعي رحمه الله: الحمل حر. 29941 - لنا: أن الحمل في حكم الحربية كجزء من أجزائها، فيثبت فيه حكم الرق كسائر أجزائها. 29942 - ولأن حكم الولد حكم الأم في الرق والحرية، فإذا كانت الأم قنا كذلك حملها. 29943 - ولأن الولد المتصل كجزء منها، بدلالة أنه يتبعها في البيع والعتق والتدبير والكتابة، فكذلك يتبعها في الاسترقاق. 29944 - فإن قيل: يجوز أن يوصى به دون الأم وبالأم دونه، ولو كان عضوًا لم يصح ذلك فيه. ولو أقر بحملها صح، ولا يجوز الإقرار بالأعضاء. وينفرد الحمل عن الأم بالعتق إذا أعتقه، والغرة موروثة عنه، ولو كان كالعضو كانت الغرة للأم. 29945 - قلنا: لم نقل: إنه كالأعضاء، وإنما قلنا: إنه كجزء منها. والوصية تجوز بجزء منها مشاع، وكذلك الإقرار. وينفرد بالعتق الجزء منها، وأما الغرة [تضمن. 29946 - قلنا:] إن الولد في حكم الجزء منها في الرق والحرية، فأما ما سوى ذلك من الأحكام؛ فقد جعل في بعضها الولد كالجزء وفي بعضها كالمنفرد فتعارض

ذلك وبقي موضع الاستدلال بحاله، على أن الغرة إنما يقضى بها بعد الانفصال، وهو بعد الانفصال منفرد عنها، فلذلك ورث ما في مقابلته. 29947 - ولأن العتق الطارئ على الأم سرى إلى الولد، كذلك الرق الطارئ؛ لأن كل واحد منهما يطرأ على الآخر. 29948 - ولأن ما يسري من الأم إلى الولد حال كفر الأب، يسري في حال إسلامه، أصله الحرية. 29949 - ولأن العتق الطارئ يجوز أن يثبت في بعض الشخص دون بعض، والرق الطارئ لا يجوز أن يثبت في بعض الشخص [....]. 29950 - ولأن حرمة الولد تمنع من انتقال الملك في الأم، أصله البيع، فلما جاز ثبوت الاسترقاق وانتقال الملك فيها إلى الغانمين، دل على أن الولد ليس بجزء. ولا يلزم إذا أعتق حمل الجارية ثم أوصى بها، لأنا لا نعرف هذه المسألة، ويجوز أن يقال: لا ينتقل الملك فيها مع اتصال الحمل بها. 29951 - احتجوا: بأنه محكوم بحريته وإسلامه، فلا يجوز استرقاقه كابنه. 29952 - قلنا: لا يمتنع ألا يجوز استرقاق المسلم، ويسترق على وجه السراية، كما أن ملك الغير لا ينفذ عتق مالكه فيه، والمالك للجارية إذا كان حملها لغيره فأعتقها عتق الحمل؛ لأنه تابع لها فيسري إليه ما تعلق بها.

مسألة 1492 وديعة الحربي في دار الإسلام بعد قتله أو أسره

مسألة 1492 وديعة الحربي في دار الإسلام بعد قتله أو أسره 29953 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا دخل الحربي دار الإسلام بأمان فأودع وديعة ثم رجع إلى دار الحرب فغلب على الدار [فأسر أو] قتل، فالوديعة فيء. وهو قول الشافعي رحمه الله في سير الواقدي. 29954 - وقال في المكاتب: يكون لورثته. وهو اختيار المزني. فأما إذا استرق قالوا: يوقف المال على هذا القول، فإن أعتق سلم إليه، وإن مات جعل في بيت المال. 29955 - لنا: أن يد المودع يد لمودعه، فكأن الملك كان في يده عند الغلبة فيكون فيئًا. 29956 - ولأن رقبة معتق فيه، فوجب أن تغنم أمواله، أصله ما في يده وما في دار الحرب. 29957 - ولأن الحظر بالأمان يثبت لحقه، وحقوقه تسقط بأخذه وأسره، فسقط الأمان، فيصير كما لا أمان له. 29958 - احتجوا: بأنه مات عن مال له أمان، فوجب أن ينتقل إلى ورثته، كما لو مات في دار الإسلام أو في دار الحرب. 29959 - قلنا: موته من غير عمله، لا يوجب بطلان حقوقه، فبقي حقه في الأمان بحاله، فم يغنم المال، وأسره أوجب بطلان حقوقه. ألا ترى أنه زال ملكه عن دمه، فبطل الأمان كما بطلت حقوقه، ووجب انتقال المال إلى المسلمين، كالمال الذي لا أمان له.

29960 - قالوا: رجوعه إلى دار الحرب أوجب بطلان أمانه، فأباح دمه ولم ينفذ ذلك إلى ماله الذي له أمان، كذلك إذا أسر. 29961 - قلنا: رجوعه إلى دار الحرب لم يبطل حقوقه، ألا ترى أن الفرقة لا تقع بينه وبين زوجته، ولا يسترق ولا يملك بزوال ملكه عن بقية أمواله؟ كذلك لا يبطل أمانه. وفي مسألتنا بخلافه.

مسألة 1493 دين المسلم على الحربي إذا دخل بأمان

مسألة 1493 دين المسلم على الحربي إذا دخل بأمان 29962 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا دخل الحربي إلينا بأمان فأدان مسلمًا دينًا ثم سبي، [سقط الدين]. 29963 - وقال الشافعي رحمه الله في أحد قوليه: يكون مغنومًا. وفي قول ثانٍ: لورثته. 29964 - لنا: أن المطالبة تسقط من جهة المستحق على التأييد، فصار كالبراءة. 29965 - ولأنه حق، والحقوق لا تغنم كمنافع البضع. 29966 - ولأنهم إن قالوا: إنها تغنم. 29967 - لم يصح؛ لأن الحقوق لا تغنم المنافع المنفردة. 29968 - وإن قالوا: إنها لورثته. 29969 - فالميراث لا يثبت مع حياة المورث وبقائه على دينه. 29970 - ولأنه مال في يد المسلمين أسر مالكه، فلا ينتقل إلى ورثته، كما هو في يده. 29971 - احتجوا: بأنه مال له أمان، فلا يبطل ببطلان الأمان في مالكه كما لو لحق بدار الحرب ولم يغلب عليه. 29972 - قلنا: عندنا لم يبطل أمانه ببطلان أمان مالكه، لكن بسقوط حقوقه بالاسترقاق، فإنه ممن لا يصح أن يبتدئ الملك، فلذلك لا تبقى أملاكه.

مسألة 1494 تزوج المستأمنة بمسلم في دار الإسلام

مسألة 1494 تزوج المستأمنة بمسلم في دار الإسلام 29973 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا تزوجت المستأمنة بمسلم [أو ذمي في دار الإسلام]، فقد صارت ذمية، فإن طلقها، لم تترك أن ترجع إلى دار الحرب. 29974 - وقال الشافعي رحمه الله: إن طلقها فلها الرجوع. 29975 - لنا: أنها التزمت المقام في دارنا إلى غير مدة، فصارت كسائر أهل الذمة. ولا يلزم إذا أجرت نفسها؛ لأن الإجارة لا تصح إلا في مدة مقدرة. ولا يلزم إذا حبست في دين؛ لأنها لم تلتزم ذلك، وإنما لزمها حكمًا. ولا يلزم المستأمن إذا تزوج ذمية؛ لأن الزوج لا يلزمه المقام في دار المرأة بل له أن ينقلها، والمرأة يلزمها المقام في دار الزوج. 29976 - ولأن الذمة والاسترقاق كل واحد منهما سبب للتبقية، فلما جاز أن يثبت أحدهما من غير رضًا كذلك الآخر. 29977 - احتجوا: بأنه عقد لا يصير به الرجل [ذميا، فلا يجوز أن تصير به المرأة ذمية، أصله: عقد الإجارة. 29978 - قلنا: الفرق بين الرجل والمرأة] ما ذكرنا، وأما الإجارة: فعندنا تصير بها ذمية إذا عقد بها أكثر من سنة فطالبها الإمام بالانصراف وفسخ الإجارة فلم تنصرف. 29979 - قالوا: ألزمها المقام في دار الإسلام لحق آدمي، فإذا زال الحق كان لها

الرجوع، أصله: إذا أجرت نفسها أو لزمها دين فحبست. 29980 - قلنا: الإجارة إن عقدت على مدة قريبة، فمثل تلك المدة لا تمنع المستأمن من المقام فيها، وإن عقدت على مدة بعيدة، فالإمام يلزمها الخروج وفسخ الإجارة، فإن لم تخرج صارت ذمية. وأما الحبس بالدين، فلا يلزم ذلك، وإنما يلزمها فهو كما لو أخذت أسيرة.

مسألة 1495 أمان العبد الذي لم يؤذن له في القتال

مسألة 1495 أمان العبد الذي لم يؤذن له في القتال 29981 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: أمان العبد الذي لم يؤذن له في القتال باطل. 29982 - وقال الشافعي رحمه الله: أمانه جائز. 29983 - لنا: قوله تعالى: {ضرب الله مثلاً عبدًا مملوكًا لا يقدر على شيءٍ}. فلا يخلو إما أن يكون المراد به القدرة التي هي القوة والجلد، أو القدرة التي هي الملك والتصرف. ولا يجوز أن يكون الأول [مرادًا؛ لأن العبد أشد قوة وأعظم منة من كثير من الأمراء، فلم يبق إلا أن يكون المراد] به الوجه الثاني. وهذا ينفي جواز تصرفه إلا فيما دل عليه دليل. 29984 - وقوله: {عبدًا مملوكًا}. نكرة موصوفة، فتعم جميع العبيد. 29985 - فإن قيل: هذا مثل ضربه الله تعالى لمن آتاه مالًا فلم ينفق منه وهو الكافر، ولمن آتاه مالًا فأنفقه في سبيل الله تعالى وهو المؤمن. 29986 - قلنا: هذا التأويل قد روي عن قتادة. قال مجاهد: العبد المملوك الذي لا يقدر على شيء من الأمان، {ومن رزقناه منا رزقًا حسنًا} فهو مثل الله تعالى. وهذا أصح التأويلين؛ لأنه مثل من كلامين: الأول منهما الله تعالى والأوثان، كذلك الآخر. فالأول قوله تعالى: {ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقًا}.

والثاني: [{وضرب الله مثلاً] وضرب الله مثلًا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء}. فلما ضرب الله الأوثان التي لا تقدر على نفع ولا ضر مثل العبد المملوك، علم أنه أريد به نفي قدرة العبد على التصرف وإلحاق النفع والضرر بالعبد كالأوثان. ويدل عليه أنه لا يملك له إسقاط الحق الثابت بالجناية عليه، فلا يملك إسقاط حق المسلمين من الدم كالمجنون. 29987 - ولأنه عقد، بدلالة افتقاره إلى الإيجاب والقبول، [فلا يملكه العبد بنفسه كعقد البيع. ولا يلزم قبول الهبة؛ لأنه لا يملك الهبة، وإنما يملك قبولها، والعقد هو الإيجاب والقبول]، وهو لا يملك إيجاب الهبة. 29988 - ولأنه لا يملك العقود لما فيها من إسقاط حق مولاه وحق جماعة المسلمين، فأولى ألا ينفذ. 29989 - ولا يقال: بأن الحر لا يملك العقود في حق غيره، ويعقد الأمان فينفذ على المسلمين، كذلك العبد لا يملك العقد في حق مولاه وينفذ أمانه عليه، وذلك لأن الحر يعقد الأمان في حق نفسه؛ لأنه يملك التصرف، فإذا صح في حق نفسه وهو لا يتبعض، ثبت في حق المسلمين كأحد الشركاء في دم العمد إذا عفاه. 29990 - ولأن العبد يعقد في حق غيره، بدلالة أنه لا يسهم له مع كمال العناية في القتال، فدل على أنه لا حق له. والعاقد في حق غيره من غير ولاية ولا إذن، لا يثبت عقده. ولا يلزم المرأة؛ لأن المانع من الإسهام لها أن العناء لا تقع بقتالها. ولا يلزم الأسير والمستأمن؛ لأنهما يعقدان [فيما لهما] فيه نفع، لكنهما متهمان. والعاقد في حق غيره لا ينفذ عقده مع التهمة كالولي. 29991 - ولأنه ليس من أهل الولاية، فلا يملك الأمان بنفسه، أصله: الصبي. ولا يلزم المرأة؛ لأنها تلي في نكاح نفسها وولدها.

29992 - ولا يقال: الكافر من أهل الولاية ولا يصح أمانه؛ لأن فقد الولاية إذا منع الأمان، لم يقتض صحة الأمان بوجودها؛ لأنه لا يمتنع أن تكون علة يعود الأمان ذات شروط، فتنتفي بانتفاء أحد شروطها، ولا يجب أن يصح بوجود ذلك الشرط حتى تنضم إلى ذلك الشرط بقية شروط العلة. 29993 - ولأن الكافر من أهل الولاية أنه متهم في حق المسلمين، فهو كالأب الفاسق، قد وجد فيه سبب الولاية ومنعت التهمة من تصرفه. 29994 - ولأنه عقد يسقط به حق القتل، فلا يملك العبد بنفسه العفو عن القصاص. 29995 - ولأنه إسقاط حق الاسترقاق، فلا يملكه العبد بنفسه كالعتق. 29996 - احتجوا: بما روي عن علي بن أبي طالب أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (المؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم). 29997 - قالوا: والمراد: أدناهم عبيدهم، هكذا فسره أبو عبيد. 29998 - قلنا: العبيد لم يتناولهم الخبر؛ لأنه قال: (تتكافأ دماؤهم). ودم العبد لا يكافئ دم الحر عند مخالفنا، وبدل دمه لا يكافئ دية الحر عندنا. 29999 - فإن قيل: دية [العبد لا تكافئ دية] الحر، وإن تناولها الخبر. 30000 - قلنا: إنما يتناولها الخبر؛ لأن دمها في القصاص يكافئ دم المسلمين، وبدل نفسها يكافئ بدل نفس النساء. فأما العبد فعندهم لا يكافئ دم الأحرار في القصاص ولا يكافئ بدل نفس العبيد لاختلاف قيمتهم. فعلى هذا يقتضي الخبر أدنى الأحرار من الموالي ومن قلت عشيرته، ويكون هذا [ردًا على] الجاهلية لأنهم كانوا لا يعتدون بإجارة من لا عشيرة له. 30001 - وقول أبي عبيد حجة إذا نقل اللغة، فأما إذ تكلم في الأحكام فحاله كحال مخالفنا.

30003 - ويحتمل أن يكون قولهم: (أدناهم). يعني: أدناهم دارًا وموضعًا من أهل الحرب إذا عقد الأمان لزم من بعد عنهم أمانه، يبين ذلك أنه قال في الخبر: (يرد عليهم أقصاهم). والمراد به: البعد في المكان. فقوله: (ويسعى بذمتهم أدناهم). يقتضي: أقصاهم. ويبين ذلك أن حكمهم حكم واحد قربوا أو بعدوا. 30004 - قالوا: روى طلحة بن عبيد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (يجير على المسلمين بعضهم). 30005 - [قلنا: لا يدل على أن بعض المسلمين يجيره]. 30006 - ولأن الإجارة لا تقف على رضا جماعتهم أن كل بعض منهم تصح [إجارته ويدل الخبر عليه. 30007 - قالوا: روي] عن عمر بن الخطاب أنه قال: العبد المؤمن من المؤمنين، ذمته ذمتهم. 30008 - [قلنا: ذكر لام التعريف]، وهذا إشارة إلى عبد بعينه، فيحتمل أن يكون عبدًا [مقاتلًا. 30009 - قالوا: روي أن عبدًا رمى بسهم وكتب عليه أمانه، فأجازه عمر. 30010 - قلنا: هذا عبد مقاتل وأمانه مقاتل عندنا لازم. 30011 - وقالوا: مسلم مكلف]، فوجب أن يملك عقد الأمان بنفسه، أصله: الحر البالغ العاقل. ولا يلزم الأسير؛ لأنه إن أمنهم بغير إكراه جاز. 30012 - قلنا: هذه الأوصاف لما لم تدل على أنه يملك البيع والنكاح والصلح والعفو عن الجناية، كذلك لا تدل على أنه يملك الأمان الذي خطبه أعظم وضرره على الغير أكثر. والمعنى في الحر أنه يملك العفو مما ثبت له من الدم والمال، فملك أن يسقط حقه وحق المسلمين من القتل والغنيمة. ولما كان العبد لا يملك إسقاط ما ثبت من القصاص

بالجناية عليه والأرش، كذلك لا يملك إسقاط حق المسلمين من الدماء والفيء. 30013 - وقالوا: معتقد للإيمان، فوجب أن يملك عقد الأمان كالحر. 30014 - قلنا: الإيمان بمجرده لا يدل على صحة العقد بدليل سائر العقود، وينتقض هذا بالصبي إذا عقل الإسلام واعتقده. والمعنى في الحر: أنه لو ثبت له شركة في دم العمد ملك إسقاطه بالعفو، كذلك يملك إسقاط القتل عن الحربي. ولما لم يملك العبد إسقاط القصاص المشترك، كذلك لا يملك الأمان. 30015 - قالوا: عقد يختص به المسلمون، فوجب أن يستوي فيه العبيد والأحرار، أصله عقد الحج والعمرة والصلاة والصوم. 30016 - قلنا: يبطل بعقد الأمانة بأن الأمان إذا كان للكفار وقف على قبول، فاستوى المسلم والكافر في انعقاده. ولا يقال: إن المسلم يختص به. 30017 - فأما الحج والعمرة: فلا يستوي فيه الحر والعبد؛ لأن الحر متى عقدها لزمت، والعبد إذا عقدها بغير إذن المولى، وقعت فإن شاء حلله وإن شاء مكنه من فعلها، كذلك الأمان إذا عقد وقف فإن أمضاه نفذ وإن رده بطل. فأما الصوم: فلا عقد له؛ لأن الصائم يدخل في الصوم حال نومه [وهو] لا يشعر به. فأما الصلاة فلا يطلق عليها العقد، والمعنى فيها: أنها يستوي في عقدها البالغ وغيرها البالغ، فلذلك استوى الحر والعبد، والأمان بخلاف ذلك. 30018 - قالوا: من صح أمانه إذا كان مأذونًا في القتال، صح أمانه إذا لم يكن مأذونًا له في القتال، أصله الأجير والمرأة إذا أذن لها زوجها في القتال، وعكسه الصبي. 30019 - قلنا: العبد محجوز عليه في القتال، فإذا أذن المولى زال الحجر فزال أمانه بالإسلام لا بالإذن. والمرأة والأجير كل واحد منهما ليس محجورًا عليه، وإنما منعنا من القتال لأجل حق الآدميين الذين لزمهم، فيجوز أمانهم بالإسلام أذن لهم أو لم يؤذن. وأما الصبي إذا أذن له في القتال: فمن أصحابنا من قال: في أمانه روايتان. 30020 - قالوا: العبد المأذون له في القتال يصح أمانه، فلا يخلو إما أن يكون

جواز أمانه لإذن مولاه في القتال، [أو لأنه على صفة يصح أمانه قبل الإذن لا يجوز أن يكون لإذن مولاه] لأن الإذن في القتال لا يكون إذنًا في عقد الأمان؛ لأنه ترك القتال ومنع منه، والإذن في الفعل لا يكون إذنًا في [تركه، ألا ترى أن الإذن في البيع لا يكون إذنًا في الأمانة في نقض الدين لا يكون إذنًا] في البراءة؟ 30021 - والجواب: أن العبد من أهل القتال بإسلامه، والحجر منعه، فإذا أذن المولى أسقط حقه بالإذن، فجاز له الأمان لا بالإذن لكن بإسلامه، يبين ذلك أن الكافر إذا أذن له في القتال لم يصح أمانه؛ لأنه لا إسلام له. 30022 - ولو قلنا: إن الأمان مستفاد بالإذن، لم يصح كلامهم؛ لأن المأذون في القتال مأمور بالإقدام في مواطن الإقدام والإحجام إذا كان الصلاح فيه، والأمان ضرب من الإحجام عن القتال [والمحاصرة] والانحياز. على أنه لا يمتنع أن يستفاد بالإذن في القتال الأمان، وإن كان مخالفه كما أن المولى يأذن لعبده في التجارة ومقصوده من ذلك الاكتساب، فيجوز إقرار العبد بالديون وفي إقراره إبطال اكتساب ونقض غرض المولى، وللوكيل بالشراء أن يرد بالعيب، والرد ضد التمليك المأذون فيه، ويأذن له في النكاح فيملك الطلاق بملكه لاستباحة البضع، كذلك يأذن له في القتال، فيجوز أمانه بملكه للقتال وهو مسلم.

مسألة 1496 قتل الكافر الذي لم تبلغه الدعوة

مسألة 1496 قتل الكافر الذي لم تبلغه الدعوة 30022 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا قتل المسلمون كافرًا لم تبلغه الدعوة، لم يضمن. 30023 - وقال الشافعي رحمه الله في كتاب قتال المشركين: إن كان يهوديًا أو نصرانيًا، وجب ثلث الدية، وإن كان مجوسيًا أو وثنيًا، وجب ثلثا عشر الدية وهو ثمانمائة. وقال المروزي: إن كان على دين، أصله: [حق مثل النصرانية التي نسخت بالإسلام ولم يعلم بالإسلام، فعليه دية مسلم، وإن كان على دين أصله] باطل مثل عبادة الأوثان، فعليه دية كافر. قالوا: وهذا خلاف نص الشافعي. 30024 - فإن الخلاف لا يخلو أن يكون فيمن لم يؤمن بعيسى أو ممن آمن به، فإذا كان الخلاف فيمن لم يؤمن بعيسى وهو كافر بنبي من الأنبياء، فلا يتقوم دمه كالكافر بنبينا. ولأنه لو آمن بنبينا وكفر بعيسى، لم يتقوم دمه، فإذا كفر به، وما آمن بنبينا أولى. 30025 - ولأنه كافر ليس له أمان كمن بلغته الدعوة. 30026 - فإن قيل: له عندنا أمان؛ لأنه لا يجوز قتله. 30027 - قلنا: نريد ما يطلق عليه اسم الأمان وهو العقد. 30028 - فإن قيل: الحظر الثابت بالشرع آكد من الحظر الثابت بالعقد. 30029 - قلنا: الاحتراز إذا وقع بمطلق اللفظ، لا يلزم عليه ما لا يطلق عليه الاسم، وإن كان أولى بالحكم. 30030 - ولأنه ليس له أمان ولا إيمان، كمن بلغته الدعوة.

30032 - فإن قيل: المعنى فيه أن دمه ليس بمحظور، ومن لم تبلغه الدعوة محظور الدم. 30033 - قلنا: بطل ذلك بنساء أهل الحرب وصبيانهم. 30034 - ولأن كل من قتله بعد الدعوة لم يتقوم دمه، كذلك قبلها، كالمرتد وإن كان الخلاف في عابد الأوثان، فقد وجب قتله بكفره بالله تعالى، وإن لم يجب عليه الإيمان بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، [والقتل بالكفر يكفي فيه نوع واحد من الكفر، فأما المؤمن بعيسى إذا لم تبلغه دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم -] فهو على دين حق إلا أنه لم يجوز دمه بدار الإسلام، فصار كمن أسلم في دار الحرب ولم يهاجر، وقد بينا هذه المسألة. 30035 - احتجوا: بقوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا}. 30036 - قلنا: هذا يدل على حظر القتل وهذا مسلم، والخلاف في تقويم الدم. 30037 - وقوله: {ومن قتل مظلومًا فقد جعلنا لوليه سلطانًا}. 30038 - المراد به القوم، وذلك غير واجب بالإجماع. 30039 - وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (في النفس مائة من الإبل). 30040 - عموم مخصوص بما ذكرنا. 30041 - قالوا: ذكر بالغ محقون الدم كالذمي. واحترزوا بقولهم: (ذكر). عن نساء أهل الحرب. وبـ: (بالغ). عن صبيانهم. 30042 - قلنا: الذكورية والبلوغ تؤثر في سقوط التقويم على الجاني، ألا ترى أن من بلغتهم الدعوة يقتل منهم الرجال ولا يقتل منهم النساء والصبيان؟ فإذا كانت دماء النساء والصبيان محظورة بكل حال ثم لم يتقوم، فدم الرجل أولى وهو محظور في حال دون حال، وتبطل العلة بالمجنون الحربي. وأما الذمي فقد حظر دمه بالأمان، فيقوم على قاتله، والحربي لم يحصل له أمان ولا إيمان. 30043 - فإن قالوا: أما شرعي يحظر قتله، فهو آكد من العقد؛ انتقض بالنساء

والصبيان. 30044 - وإن قالوا: لم يحظر قتلهم لأنفسهم، لكن لأنهم من المسلمين؛ كان هذا فرقًا بعد النقض. 30045 - فإن قيل: سقط تقويم دماء الصبيان تبعًا لآبائهم. 30046 - قلنا: سقوط ضمان النفس لا يتبع فيه الوالد، بدلالة أولاد المرتدين. 30047 - قالوا: ذكر مكلف محقون الدم. 30048 - قلنا: التكليف علم لإباحة الدم إذا صاحب الكفر، فكيف على التقويم؟. 30049 - قالوا: كافر أصلى محقون الدم لحرمته، فوجب أن يكون لدمه قيمة، أصله الذمي والمستأمن. 30050 - قلنا: لا نسلم أنه محقون الدم لحرمته، وإنما منع من قتله لتجويز إسلامه عند الدعوة، وإن سقط هذا الوصف انتقضت العلة بالصبيان والنساء. 30051 - قالوا: كافر أصلي محقون الدم من أهل القتال. 30052 - قلنا: هذه أوصاف مؤثرة في إيجاب القتل، فلا تجعل علمًا على تقويم الدم، والمعنى في أهل الذمة ما ذكرنا. 30053 - قالوا: الإيمان بالنبي - صلى الله عليه وسلم - لا يجب قبل الدعوة، فإذا تركه لم يتوجه عليه فرض الإيمان به، وهو تابع لمن وجه عليه فرضه، فوجب أن يكون قتله مضمونًا، أصله من أسلم ولم يعلم بتحريم الخمر فلم يترك شربها. 30054 - قلنا: هذا الذي لم يسمع دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - إن كان غير مؤمن بعيسى أو عابد وثن فهو كافر بنوع من الكفر، فيجب سقوط تقويم دمه كذلك الكفر لا لترك الإيمان بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وإن كان على شريعة عيسى فسقوط قيمة دمه ليس للكفر، لكن لأنه لم يحرز دمه بدار الإسلام، كمن بلغته دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - فأسلم ولم يهاجر على أصلنا. والمعنى فيمن لم يعلم بتحريم الخمر أنه لو علم بتحريمها فشربها، لم يسقط تقويم دمه، كذلك إذا شربها قبل العلم بتحريمها.

مسألة 1497 الفرقة بين الزوجين إذا سبيا معا

مسألة 1497 الفرقة بين الزوجين إذا سبيا معا 30055 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا شبي الزوجان معًا، لم تقع الفرقة بينهما. 30056 - وقال الشافعي رحمه الله: تقع الفرقة. وإذا سبي المملوكان كان فيه وجهان، أحدهما: لا تقع الفرقة. قالوا: والصحيح أن الفرقة تقع. 30057 - لنا: أن السبي معنى يجوز أن يبتدئ عقد النكاح عقيبه، فلا ينفي البقاء على النكاح، أصله إذا بيعا. ولا يلزم إذا سبي أحدهما؛ لأن النكاح لا يصح عقيب سبي مع اختلاف الدار. ولا يلزم الخلع؛ لأنه يجوز أن يبتدئ العقد عليه، وينافي النكاح؛ لأنه قد لا يجوز العقد عقيبه إذا نوى بالخلع الثلاث عندنا، وإذا خالعها بعد أن طلقها تطليقتين. 30058 - ولأن الاسترقاق حق تعلق بالرقبة، فوجب التصرف يها. 30059 - ولأن الاسترقاق يزيل الملك على من لا يصح أن يملكه مع الرق كالأموال والولاية على الولد، فأما ما يجوز أن يملك حال ارق بالاسترقاق لا يزيل ملكه عنه، لجواز الإقرار بالحدود والقصاص. 30060 - ولأن مخالفنا إن قال: إن الفرقة لا تقع استرقاق العبدين. 30061 - قلنا: إن سبي الزوجين معًا لا تقع به فرقة، أصله سبي العبدين. 30062 - [ولأن كل حكم لا يتعلق بسبي العبدين]، لا يتعلق بسبي الحرين، أصله: جواز المثلة وعكسه التملك.

30063 - وإن قالوا: إن الفرقة تقع. 30064 - بطل قولهم: إن علة الفرع حدوث الرق؛ لأن السبي المملوكين لا يحدث الرقبة وقد أوقع الفرقة. 30065 - فإن قيل: الرق في ملك الحربي غير مستقر؛ لأن العبد لو غلب على مولاه وحمله إلى دار الإسلام، صار عبدًا له، وإذا سبي استقر فيه الرق. 30066 - قلنا: فعلة الشافعي في الفرقة حدوث الرق لا استقراره. 30067 - ولأن رق عبد الحربي مستقر، لكن أملاكه غير مستقرة، فيجوز أن يزول ملكه عنها بالغلبة، ألا ترى أن أمواله كلها الملكية فيها مستقرة، وإن كان ملكه لها غير مستقرة؟ فالملك معنى غير المملوك. 30068 - فإن قيل: إذا طرأ السبي وهو سبب الاسترقاق على مملوك، فقد طرأ استرقاقه وصار متعلقًا بالسبب الأول والثاني، كمن زنى ثم زنى كل واحد من الوطأتين يوجب الحد كما لو تكرر المعجز ثبت النبوة بكل واحد من المعجزين. 30069 - قلنا: هذا غلط؛ لأن الاسترقاق هو طرآن الرق على الحرية، وهذا لا يوجد في سبي المملوك فسبب وجد غير مثبت للسبب. 30070 - ولا يقال: حدث الرق، وأما الزنى بعد الزنى فكل واحد [من الفعلين] أوجب حدًا كالآخر، بدلالة أن الفعل الأول لو طرأت فيه شبهة حد باتفاق، لكن الشريعة أسقطت أحد الحدين بعد وجوبه. 30071 - فأما المعجز الثاني فحدوث العلم بالنبوة لا يتعلق به، فمن عرف المعجز الأول كما أن الثاني في مسألتنا لم يحدث الرق، فلا فرق بينهما. 30072 - ولأن المسلم إذا دخل دار الحرب فتزوج حربية، ثم سبيت وهو معها فخرجا جميعًا لا يجوز أن تقع الفرقة؛ لأن استباحة ملك المسلم وهو في يده، فلا يزول ملكه عنه بالغلبة كسائر أمواله. 30073 - فإن قال مخالفنا: إن الفرقة تقع. 30074 - بطل قوله بما ذكرنا.

30075 - وإن قال: إنها لا تقع. 30076 - فقد حدث الرق فيها غير موجب للفرقة. 30077 - احتجوا: بقوله تعالى: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت إيمانكم}. قالوا: والمراد بالمحصنات ذوات الأزواج، فتقدير الآية: حرمت عليكم ذوات الأزواج إلا ما ملكتموهن بسبي، فإنه مباح. 30078 - قلنا: المستثنى يجب أن يخالف المستثنى منه في وجه، فأما في كل وجه فلا. إذا كان كذلك اقتضت الآية القطع بتحريم ذوات الأزواج، وما سبي منهن لا يقطع بتحريمهن بل يقف حكمهن على الدليل، ولهذا لا تحل المسبية لذوي أرحامها ومن بينه وبينها رضاع. 30079 - [ولأن ذات] الزوج لا تحل بملك اليمين، إلا إذا وقعت الفرقة بالسبي، فكأنه قال: وذوات الأزواج إلا ما فارقن أزواجهن بالسبي. وقد اختلفنا في هذه: هل فارقت زوجها بالسبي أو لا، فلم تدخل في الآية. 30080 - فإن قيل: قال الله تعالى: {وأحل لكم ما وراء ذالكم}. فاقتضى ذلك إباحة من سوى المحرمات. 30081 - قلنا: بل اقتضى إباحة من سوى المذكورات، فكأنه تعالى قال: من قطع بتحريمه ومن لم يقطع بتحريمه ولا إباحته وهن المسبيات. ثم ذكر من يقطع بإباحته وهن من وراء المذكورات من الفريقين المقطوع بتحريمهن ومن لا يقطع بتحريمه. 30082 - قالوا: روى أبو سعيد الخدري أن الآية نزلت في سبايا أوطاس لما أخذ النساء مع أزواجهن. 30083 - قلنا: النساء أخذن يوم أوطاس قبل الظفر بالرجال، ثم ظفر بالرجال بعد ذلك لأنهم انهزموا وتركوا الحريم، فغلب عليه. ومتى أخذت النساء وحصلت في

عسكر المسلمين وذلك الموضع مغلوب عليه، فقد صار دار إسلام، وموضع الرجال دار الحرب، فوقعت الفرقة باختلاف الدارين. 30084 - قالوا: شخص طرأ عليه رق، فوجب أن ينفسخ نكاحه، أصله: إذا سبي وحده. 30085 - قلنا: إذا سبي أحدهما انقطع التوارث بينه وبين الآخر مع الحرية واتفاق الدين وعدم القتل، فدل ذلك على زوال النكاح، وإذا سبيا جاز أن يتوارثا مع الحرية، فلم ينقطع النكاح. 30086 - قاولا: الاسترقاق يزيل ملكه عن ماله بغير اختياره، فوجب أن يزيل ملكه عن زوجته، أصله: الموت. 30087 - قلنا: الموت يمنع ابتداء التمليك فجاز أن يمنع البقاء، والسبي لا يمنع ابتداء تملك البضع عقيبه فلم يمنع البقاء. 30088 - قالوا: الاستجابة ملك للزوج، فوجب أن يزول ملك المالك كالأموال. 30089 - قلنا: الرق ينافي ابتداء تملك ينافي البقاء، ولا ينافي ابتداء التمليك بعده فلم ينفي المنفي. 30090 - قالوا: عقد يقصد به المنافع كالإجارة. 30091 - قلنا: الإجارة يتعذر فيها التسليم بالسبي وتبطل الإجارة بذلك، والنكاح لا يبطل بتعذر التسليم، فلذلك لم ينفسخ بالاسترقاق.

مسألة 1498 إذا دخل المسلمان دار الحرب فقتل أحدهما الآخر

مسألة 1498 إذا دخل المسلمان دار الحرب فقتل أحدهما الآخر 30092 - قال أصحابنا [رحمه الله]: إذا دخل المسلمان دار الحرب فقتل أحدهما الآخر في غير عسكر الإمام، فعليه الدية ولا قود عليه، وإن زنى لم يجب عليه الحد وإن خرج إلى دار الإسلام، وكذلك إن سرق أحدهما من الآخر لم يقطع. 30093 - وقال الشافعي رحمه الله: يجب الحد والقصاص. 30094 - لنا: أن الدار دار إباحة الدماء، وسبب الإباحة متى قارن ما سقط بالشبهة أثر فيه، كالوطء في الجارية المشتركة. 30095 - ولأنه مقتول في دار الحرب في غير عسكر الإمام، فلم يجب بقتله القصاص، كالذمي إذا قلته مسلم. 30096 - وأما الحد: لأنه زنى في مكان لا يد للإمام فيه، فأشبه الحربي أو زنى في دار الحرب. 30097 - فإن قيل: الحربي لا يحد وإن زنى في دار الإسلام. 30098 - قلنا: لأنه لا يد للإمام عليه حكمًا، بدليل أنه أخذ الأمان ليترك في حقوق الله تعالى على حكم داره. 30099 - ولأن الإمام لا يمكنه إقامة الحد عليه عقيب هذا الوطء، فإن علم به لم يملك إقامته في الثاني كالوطء بالشبهة. 30100 - ولأنه زنى في دار الحرب في غير عسكر الإمام، فلم يقم الإمام عليه الحد كالحربي إذا خرج إلينا.

30101 - فأما الظواهر التي تدل على القصاص: فقد أريد بجميعها العمد إذا عري من الشبهة، ونحن لا نسلم ذلك فيما وقع في دار الحرب. 30102 - وكذلك الظواهر الدالة على إيجاب الحدود. 30103 - وقد أريد با الأفعال العرية عن الشبهة، وعدم ثبوت يد الإمام شبهة عندنا. 30104 - قالوا: دار يحرم فيها الزنى، فوجب [فيها حد الزنى، أصله: دار الإسلام، ولأنها دار تجب فيها العبادات لأوقاتها، فوجب] أن تجب فيها الحدود بوجود أسبابها. وكل دار وجبت فيها قيم المتلفات، وجب فيها الحدود. وكل حق وجب في دار الإسلام، وجب في دار الحرب كقيم المتلفات. 30105 - قلنا: نقول بموجبه؛ لأن عندنا يجب في دار الحرب في عسكر الإمام. أو نقول: يجب الحد بالزنى، وتعذر استيفاؤه لعدم ثبوت يد الإمام عند الفعل. 30106 - ولأن قيم المتلفات والعبادات لا تؤثر الشبهة في إيجابها، وعدم حرمان الأحكام في دار الحرب أكثر أحواله أن يكون شبهة، والحدود تؤثر الشبهة في وجوبها، فوجب أن يكون عدم جريان الأحكام شبهة فيها. 30107 - قالوا: وجوب الحدود يتعلق بالأفعال ولا يتعلق بالإمام، وإنما جعل استيفاؤها إلى الإمام والمستوفي لا يعتبر من على موضوع الوجوب، بدلالة حقوق الآدميين. 30108 - قلنا: الحقوق متعلقة بالأفعال العارية عن الشبهة، فوجود الفعل مع الشبهة لا يتعلق به وجوب، فكان على مخالفنا أن يبين أن الأفعال العارية عن الشبهة وجدت. 30109 - فأما قوله: إن عدم يد المستوفي لا يمنع الوجوب؛ فغلط؛ لأن الحدود لا يجوز أن يستوفيها غير الإمام، وثبوتها عند الإمام فعلها لا يمكن، فأثر ذلك فيها كما تؤثر سائر الشبه. فأما حقوق الآدميين فلا تؤثر الشبه فيها، فعدم يد المستوفي لا تؤثر في ذلك.

مسألة 1499 إذا غلب أهل الحرب على أموالنا

مسألة 1499 إذا غلب أهل الحرب على أموالنا 30110 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا غلب أهل الحرب على أموالنا التي يملكها بعضنا على بعض بالعقود، فما يحرزوها بدارهم ملكوها. 30111 - وقال الشافعي رحمه الله: لا يملكونها. 30112 - لنا: قوله تعالى: {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم}. فسماهم الفقراء، وأخبر انه كان لهم ديار وأموال، فلولا أن ملكهم زال عنها لم يسموا فقراء. 30113 - فإن قيل: عندكم رباع ملكه [لا يملك]. 30114 - قلنا: روى الحسن عن أبي حنيفة أنها تملك. 30115 - ولأن الأعنة تملك عندنا. 30116 - فإن قيل: أضاف ذلك إليهم. 30117 - قلنا: أضافه إليهم حال إخراجهم، وعندنا أنهم لم يملكوها عند الإخراج. 30118 - قالوا: سماهم فقراء، لأنهم لا يتوصلون إلى الانتفاع بها. 30119 - قلنا: لو كان كذلك لسماهم أبناء السبيل، كما من هذه حاله في آية الصدقات وعطفه على الفقراء وحكم العطف غير حكم المعطوف عليه. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة). وذكر فيها الغازي وابن السبيل، فدل أنه سمي غنيًا.

30121 - فإن قيل: هو فقير في عادة أهل اللغة، لأنهم يقولون لمن وقع ماله في البحر، افتقر، ولمن أخذ السلطان ماله: أفقره. 30122 - قلنا: هذه العادة لا تعرفها العرب، فلا يقابل بها الكتاب والسنة. 30123 - قالوا: إنما سماهم فقرا؛ لأنهم أعرضوا عن أموالهم. 30124 - قلنا: قال الله تعالى: {الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم}. فدل على أنهم لم يعرضوا وإن أقهروا وغلبوا. 30125 - فإن قيل: إن هذه الآية نزلت قبل إباحة القتال، فكيف يملك بالقهر؟. 30126 - قلنا: هذا سؤال على القرآن، والرجوع إلى ما دل عليه القرآن أولى، على أن عندنا أنه - صلى الله عليه وسلم - لما استقر في دار الهجرة، تميزت الداران وانفردت كل واحدة من الدارين حكمًا، ويدل عليه [ما روي] أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قيل له لما دخل مكة: هلا نزلت دارك؟ فقال: (وهل ترك لنا عقيل من ربع؟) وقد كان باع دار النبي - صلى الله عليه وسلم -، فدل أنها تملك؟ 30127 - فإن قيل: كان نقضها وخربها. 30128 - قلنا: لو كان كذلك لم يعرض عليه النزول فيها، فدل أنها لم تخرب إذا كانت تصلح للنزول. 30129 - فإن قيل: عندكم أنها لا تملك. 30130 - قلنا: قد بينا أن الحسن روى عن أبي حنيفة أنها تملك. 30131 - وعلى الرواية الأخرى يجوز بيع الأبنية، فلم يزل - صلى الله عليه وسلم - فيبطله ملك غيره. 30132 - فإن قيل: لم يكن - صلى الله عليه وسلم - نزل، وإنما كان ينزل في دار أبي طالب، فلما مات أبو طالب ورثه عقيل دون جعفر وعلي؛ لأنهما كانا مسلمين فباعهما بالإرث. 30133 - قلنا: لو كان باع ملك نفسه لم يلم على ذلك، فظاهر قوله: (وهل

ترك لنا عقيل من ربع؟) ذم له. 30134 - ولأنهم أضافوا الدار إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وظاهر الإضافة الملك. 30135 - قلنا: السكنى فلا تقتضي الإضافة عند مخالفنا؛ لأنه قال: إذا حلف لا يدخل دار فلان فدخل دارًا استأجرها، لم يحنث. فأما على قولنا فلو كانت إضافة سكنى؛ لم يجز أن يطلق مع زوال السكنى. 30136 - فإن قيل: قد أضاف إضافة الملك، وإن كان قد زال الملك. 30137 - قلنا: لأن المضيف لم يعلم أن الكافر يملك بالغلب فأضاف على اعتقاده في بقاء الملك، فبين له - صلى الله عليه وسلم - خلاف ما اعتقده، فأما إضافة السكنى مع زوال السكنى مشاهدة فلا تصح. 30138 - ويدل عليه ما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من أسلم على مال فهو له). ظاهر يقتضي أنه إذا أسلم وفي يده غنمه من المسلمين يكون له، وما روى أبو يوسف عن الحسن بن عمارة عن عبد الملك بن ميسرة عن طاووس عن ابن عباس أن رجلاً وجد بعيرًا له [قال المسلمون] أصابوه، فقال - صلى الله عليه وسلم - (إن أصبته قبل أن يقسم فهو ذلك، وإن أصبته بعدما قسم تأخذه بالقيمة). ففرق - صلى الله عليه وسلم - بين الحالتين، فلولا أنه يملك لكان له في الحالتين بغير شيء. 30139 - قالوا: الحسن بن عمارة طعن عليه الحفاظ وقالوا: إنه قليل الضبط. 30140 - قلنا: هذا حديث تابعه عليه مسعر بن كدام ذكره صالح بن أحمد في الكتاب الذي سمعه هو وأبوه من علي بن المديني. قال علي بن المديني: سمعت ييى ابن سعيد القطان يقول: حدثنا الحسن بن عمارة عن عبد الملك بن ميسرة عن طاووس

عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. [وذكر الحديث. قال علي: وسألته: مسعر بن كدام. فقال: هو من حديث عبد الملك] ولكني لا أحفظه فهذا يحيى بن سعيد القطاع وحاله في التيقظ والتحفظ معروفة، أخذ هذا الحديث عن الحسن بن عمارة وصححه مسعر ورواه علي بن المديني وأحمد بن حنبل عن مسلم، وحسبك بهذه الطبقة علمًا بالحديث. 30141 - فإن قيل: فلو كان أهل الحرب ملكوا ذلك لم [يستوفى] وجوده قبل القسمة وبعدها. 30142 - قلنا: هذا اعتراض على النص، والرجوع إلى النص أولى. 30143 - على أن الفرق ظاهر؛ لأن الغنيمة قبل القسمة على حكم ملك أهل الحرب، وما ملك بغير عوض فما دام على حكم ملكه يثبت حق مالكه الأول فيه كالرجوع في الهبة، فإذا قسمت الغنيمة فلم تبق لملك الحربي أثر وتجدد ملك مع رفع ذلك في سهمه فصار كالهبة إذا زال ملك الموهوبة عنها سقط الرجوع، فأثبت - صلى الله عليه وسلم - الرجوع بعوض كما أثبت للشفيع. 30144 - فإن قيل: إنه - صلى الله عليه وسلم - أثبت لصاحبه بعد القسمة وكذلك نقول؛ لأنه يستحق بعد القسمة فيرد على صاحبه ويدفع الإمام القيمة من بيت المال حتى لا يفسخ القسمة فيضر بالمسلمين، فقد اتفقنا على أخذ المال بالقيمة إلا أنا اختلفنا في القيمة لم يلزم. 30145 - قلنا: ظاهر قوله: (تأخذه بالقيمة). يلزمه كما يقال: إن المبتاع يأخذ المبيع بالثمن. فيفهم منه من يلزمه، ألا ترى أن المستحق يأخذ ما استحقه من يد المشتري من الغاصب ويرجع المشتري على الغاصب بالثمن، ثم لا يصح أن يقال: أخذها المستحق بالثمن. ولو كان الأمر على ما قاله المخالف، لا شتبه الأمر، وكان - صلى الله عليه وسلم - لا يؤخر البيان عن وقت الحاجة.

30146 - ولأنه - صلى الله عليه وسلم - ... أصحب القيمة؛ فدل على أن حق الأخذ ثبت بها ولم يتقدم عليها كما تقول: أعطيت هذا أو ذاك. وعند مخالفنا حق الأخذ سابق لوجوب القمة. على أنه قد روي في خبر آخر ما يؤيد الخبر الأول ويسقط هذا التأويل. روى سفيان الثوري عن سماك بن حرب عن تميم بن طرفة: أن رجلًا أصاب له العدو بعيرًا فاشتراه منهم رجل، فجاء به فعرفه صاحبه، فخاصمه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (إن شئت أعطيته ثمنه الذي اشتراه به وهو لك، وإلا فهو له). وكذلك رواه حماد ابن زيد عن سماك بن حرب. فهذا يدل على تملكهم، وإيجاب الثمن لا يمكن تأويله على وجوبه في بيت المال حتى لا تفسخ القسمة، فصار إيجاب الثمن في هذا الخبر على المالك يدل على أن القيمة في الخبر الأول وجبت على المالك. 30147 - ويدل عليه: إجمال السلف، ذكر محمد في السير الكبير عن أبي بكر وعمر وأبي عبيدة وزيد بن ثابت وابن عمر أن أهل الحرب يملكون على المسلمين بالسبي إلا أنهم اختلفوا، فقال أبو بكر الصديق، لا يعود حق المالك الأول أبدًا إلا بتمليك يرضي من ملك عليهم. وهو قول الحسن والزهري. 30148 - وروى جابر عن حيوة عن قبيصة بن ذؤيب أن عمر بن الخطاب قال فيما أحرز المشركون فأخذه المسلمون فعرفه صاحبه، قال: إن أدرك قبل القسمة فهو له، وإن جرت فيه السهام فلا شيء له. وعن أبي عبيدة مثله. وذكر

سليمان ابن يسار عن زيد بن ثابت مثله. 30148 - وروى حماد بن سلمة عن قتادة عن خلاس أن علي بن أبي طالب قال: ما أحرزه العدو فهو جائز. وعن شريح مثله. ولا يعرف لهم مخالف. 30149 - ولأن كل طائفتين يملك أحدهما على الأخرى بالقهر والغلبة، فإن الآخر يملك على صاحبه بذلك أيضًا، أصله: الترك والروم وعكسه أهل البغي والعدل. 30150 - فإن نازعوا في هذا الأصل، دللنا عليه بما روي أن المغيرة بن شعبة خرج مع قوم من المشركين إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم إنه استفزهم في بعض الطريق وقتلهم وأخذ مالهم، فجاء به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال - صلى الله عليه وسلم -: (أما إسلامك فمقبول، وأما المال فمال غدر لا حق لك فيه). ولم يأمره برده على ورثتهم، فدل على أنه قد ملكه ملكًا محظورًا، ويدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من أسلم على مال فهو له). 30151 - ولأنه حربي يملك ماله عليه بالغلبة في داره، أصله: إذ غلب عليه المسلم. وإذا ثبت هذا الأصل صح القياس عليه. 30152 - ولأن سبب الملك يعود إلى فعل آدمي، فجاز أن يملك به على المسلم كالشراء. ولا يلزم الإرث؛ لأنه يعود إلى فعل الله تعالى. 30153 - ولأن هذا آكد من البيع؛ لأنه يملك به الأجزاء ويملك به من غير تراضٍ، فلما جاز أن يملك الكافر بالشراء فبالقهر أولى. 30154 - ولأن وجوب الرد والضمان بالتلف، وكل واحد منهما معنى يتعلق بأخذ المال، فإذا لم يجب الضمان بأخذ الحربي عند التلف كذلك الرد والضمان. ولا يلزم أخذ الدين؛ لأنه ليس بمال. ولا يلزم الباغي؛ لأنه لا يلزمه الضمان بالتلف ويلزمه رد العين؛ عندنا يلزمه فيما بينه وبين الله تعالى. 30155 - ولأنه مال مأخوذ على طريق القهر والغلبة، فجاز أن يتعلق به الملك،

أصله ما أخذه المسلمون منهم. ولا يلزم ما أخذه البغاة. 30157 - ولأن التعليل لأخذ مال المسلم في الجملة، فلا يلزمنا أعيان المواضع. 30158 - قالوا: المعنى فيما أخذه المسلمون بالغلبة أنه أخذ بقهر مباحٍ، وليس كذلك ما يأخذونه منا لأنه أخذ محظور. 30159 - قلنا: السبب المحظور يجوز أن يساوي المباح في وقوع المال، بدليل البيع الفاسد على أصلنا، وعلى الأصلين الأب إذا استولد جارية ابنه انتقلت الجارية إليه مع تعلق الحظر بالسبب، وكذلك المسلم إذا دخل دار الحرب بأمان فأخذ مالهم. 30160 - قالوا: لما جاز أن يملك المسلم بالغلبة أحرارهم وأمهات أولادهم، فكذلك لا يملكون أموالنا. 30161 - قلنا: لا فرق بينهما، لأنا نملك عليهم بالقهر كما نملك عليهم بالعقود، وأحرارهم وأمهات أولادهم نملك عليهم بالعقود فكذلك بالغلبة. [ولما لم تملك أحرارنا وأمهات أولادنا علينا بالعقود فكذلك لا تملك بالغلبة]. 30162 - قالوا: المعنى في العقود أنه يجوز أن يملك بها بعضنا على بعض، فجاز أن يملكوا بها علينا، والغلبة لا يملك بها بعضنا على بعض كذلك لا يملكون علينا. 30163 - قلنا: علة الأصل تبطل بالإرث؛ لأن بعضنا يملك به على بعض ولا يملكون به علينا، وعلة الفرع لا تصح؛ لأن بعضنا لا يملك على بعض بالغلبة، ثم يجوز أن يملك بعضهم على بعض بها، كذلك يجوز أن يملك على بعضنا بالغلبة ويملكون علينا. 30164 - قالوا: أهل الحرب لو أبق إليهم عبيدنا لا يملكون، كذلك أموالنا، ولما ملكنا عبيدهم إذا أبقوا إلينا جاز أن نملك أموالهم. 30165 - قلنا: عندنا يملكونهم إذا أخذوهم من أيدينا؛ لأن أيدينا يتعلق بها التمليك، فأما عبيدهم إذا أبقوا إلينا زالت أيدي الموالي عنهم فأخذناهم من أيدي أنفسهم وعندهم نملك عليهم ما في أيديهم من المال بالعقود كذلك بالغلبة.

30166 - احتجوا: بقوله تعالى: {وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم}. فمن على المسلمين بذلك، ولو كان الكفار يملكون مثلهم لبطل الامتنان. 30167 - قلنا: هذا خطاب لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فموضع الامتنان أنه وجد تمكينهم من ديارهم وأموالهم، ولا تمكن الكفار من أموالهم وديارهم، وإن كان لو مكنهم لملكوها. ويجوز أن يقال: إنه من علينا بذلك؛ لأنه يحصل لنا من وجه مباح ولا يحصل لهم مثله من وجه مباح، فهذا وجه الامتنان. 30168 - احتجوا: بحديث عمران بن الحصين: سبيت امرأة من الأنصار، وكانت ناقة النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أصيبت مثلها، فأفلتت ذات ليلة من الكفار ومن وثاقهم، فجعلت كلما أتت بعيرًا فمسته رغا فتركته حتى أتت الناقة فمستها فلم ترغ، فقعدت على عجزها ثم صاحت بها فانطلقت، فطلبت من ليلتها، فلم يقدر عليها، فجعلت لله عليها إن أجارها الله تعالى لتنحرنها، فقالوا: والله، لا تنحرها حتى يأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فأتوه فأخبروه، فقال: (بئس ما جازيتها، لا وفاء لنذر في معصية، ولا نذر فيما لا يملكه ابن آدم). وأخذ ناقته. 30169 - فقالوا: فلو كانوا ملكوها لملكتها الأنصارية عليهم وصح نذرها فيها، فلما لم يصح؛ علم أنها لم تملكها. 30170 - قلنا: إن عندنا يملكون بالغلبة والحيازة إلى دارهم، وليس معنى أنهم بلغوا بالسرح إلى دارهم. وحكاية الفعل إذا احتملت سقطت، والظاهر هذا، لأنهم لو حصلوا في دارهم لتعذر على المرأة النجاة منهم. 30171 - قالوا: في الخبر: (فأحرزوها). 30172 - قلنا: إن ثبت هذا، جاز أن يكون إلى عسكرهم وموضع نزولهم. 30173 - قالوا: روي: أنهم كانوا يسرحونها في السرح. 30174 - قلنا: هذا يكون في موضع النزول. 30175 - قالوا: لو كان الحكم يختلف لسألها.

30176 - قلنا: إذا عرف حد دار الإسلام على الموضع الذي بلغوا تقدر المدة فلا يحتاج إلى المسألة، ولو ثبت أنهم أحرزوها فإنما بطل نذرها؛ لأنها نذرت في دار الحرب، وإنما ملكت لأنها تملك بالحيازة إلى دار الإسلام، فنذرها في غير ملك ولا مضاف إلى ملك فلم يلزم الوفاء به. 30177 - فإن قيل: لو كان كذلك، لكانت قد ملكتها وكان - صلى الله عليه وسلم - لا يأخذها منها بغير قيمتها، فلما روي أنه أخذها ولم يذكر دفع القيمة دل على أنها لم تملك. 30178 - قلنا: لم ينقل في هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ ناقته إلا عبد الوهاب الثقفي، وليس عبد الوهاب كحماد بن زيد فتقبل زيادته عليه على طريق أصحاب الحديث، لأنهم لا يقبلون زيادة من ليس بحافظ على حافظ، وعبد الوهاب ليس بحافظ، وحماد بن زيد في أعلى درجة الحفاظ. 30179 - على أنه لو ثبت أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - الناقة، جاز أن يكون أعطاها قيمتها، وليس في الخبر ما ينفي ذلك. 30180 - قالوا: من لا يمل رقبة غيره بالقهر والغلبة، لا يملك ماله بها كالمسلم مع المسلم. 30181 - قلنا: لا يجوز أن يقال: لما ملك بهذا السبب ما لا يملك بالعقود لم يملك به ما يملك بالعقود بدليل الميراث، ورقابنا لا تملك بالعقود فلم تملك بالغلبة، ورقابهم تملك بالعقود فملكت بالغلبة؛ لأن أهل الحرب إذا باع بعضهم بعضًا وقد قهره صح بيعه، فلذلك يملك بالغلبة والأصل غير مسلم؛ لأن عندنا المسلمون يملك بعضهم على بعض بالغلبة؛ لأن من أسلم في دار الحرب ثم غلبنا على الدار غنمنا أمواله التي ليست في يده وغنمنا عقاره وإن كان في يده. والمعنى في المسلمين أن أحدهما لما لم يملك على الآخر بالقهر، لم يملك الآخر عليه، والمسلم الحربي لما ملك أحدهما على الآخر بالقهر جاز أن يملك الآخر به. 30182 - قالوا: قهر محظور، فوجب ألا يملك به قياسًا على غصب المسلم مال المسلم.

30183 - قلنا: يبطل بالمسلم إذا قاتلهم بأمان فأخذ أموالهم عصبًا، وقد دل على هذا قصة المغيرة، فمنازعتهم فيه رد للنص. 30184 - ولأن الأسباب المحظورة يجوز أن يقع بها الملك كالمبتاع على سوم غيره والبيع عند أذان الجمعة ووطء الأب جارية الابن إذا أعتقت. 30185 - فإن قيل: المحظور الوطء وذلك لا يملك به، وإنما يملك بالعلوق وهو من فعل الله تعالى فلا يوصف بالحظر. 30186 - قلنا: إنما يملك بالعلوق من وطئه، فالوطء أحد السببين كالإيجاب، وتم بالعلوق كما تم الإيجاب بالقبول، والمعنى في المسلمين مما قدمنا. 30187 - قالوا: مملوك مسلم، فلا يملك عليه بالقهر والغلبة كأم الولد والمدبر والمكاتب. 30188 - قلنا: قولكم مملوك لمسلم لا تأثير له؛ لأن عندكم أنهم لا يملكون أموال أهل الذمة. 30189 - ولأن هذه العلة نصبت لإبطال علتنا، فالواجب أن تستوفي أوصافها، وعندنا يملك بالقهر والغلبة ما يصح أن يملك بالعقود؛ لأن الخلاف بيننا في هذا السبب هل يملك به أم لا، وأم الولد لا تملك لمعنى فيها لا للسبب، فلا معنى لذكرها كما لو اختلفا في عقد هل تملك به أم الولد، لم يملك به غيرها. والمعنى في أم الولد والمكاتب: أنهما لا يملكان بالعقود ولا يملكان بالقهر، وسائر الأموال تملك بالعقود، فجاز أن تملك بالقهر. 30190 - قالوا: مال مسلم مأخوذ قهرًا، فكان صاحبه أحق به، أصله إذا وجده قبل القسمة. 30191 - قلنا: قبل القسمة المال على حكم مال أهل الحرب، ولهذا يجوز للإمام أن ينفل، فجاز للمسلم أن يأخذه كما لو وجده في أبنيتهم، وبعد القسمة استقر حق المسلمين فيه، ولهذا لا يجوز النفل، فلم يجز أن يأخذه بغير عوض. أو نقول: قبل القسمة لما جاز للإمام أن يملك هذا المأخوذ بغير عوض [بأن ينفله، جاز أن يرده بغير عوض].

30192 - قالوا: كل مال لو وجده قبل القسمة، أخذه بغير شيء إذا وجد بعدها أخذ بغير شيء كالعبد إذا أبق إليهم. 30193 - قلنا: الآبق إذا فارق دار الإسلام زالت يد المولى عنه وثبتت يده على رقبته، فإذا فارق من يد يتعلق بها التمليك [لم يملكوه كما لو باع العبد رقبته بغير إذن مولاه هو مأخوذ من يد المولى وبه يتعلق بها ما حكم بالقهر]. 30194 - قالوا: هذا موجود في الدابة إذا ندت. 30195 - قلنا: لا يد لها على نفسها، فحكم يد المالك باقية عليها حتى تتجدد يد أخرى. 30196 - قالوا: ما خصه الإسلام عن التمليك لا يملك بالنهب، [فإذا دخل دار الحرب فوجده في غير يده. 30197 - ولأن عندنا لا يملك بالنهب]، وإنما يملك بالغلبة والحيازة فيما يملك بالعقود، فنقول بموجب ما ذكروه. 30198 - ولأن الملك إذا كان يقع بالحيازة إلى الدار والمسلمان في دار واحدة والمعنى في المسلمين ما قدمنا.

مسألة 1500 وطء أحد الغانمين جارية من الغنيمة

مسألة 1500 وطء أحد الغانمين جارية من الغنيمة 30198 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا وطئ أحد الغانمين جارية من الغنيمة [قبل القسمة] فحملت، فعليه العقر يجعل في الغنيمة، [ولا حد عليه، ولا] يثبت النسب، والولد رقيق. 30199 - وقال الشافعي رحمه الله: الولد حر ويثبت النسب. [وهل تصير الجارية أم ولد؟] فيه قولان، أحدهما: لا تصير أم ولد. وقال المروزي: وهو الصحيح. [والثاني: أم ولد، إذا ملكها في الثاني. قال الشافعي]: إذا أراد الإمام قسمة الغنيمة سلمت إلى الوطئ بغنيمتها، فإن زادت على حقه والفضل، وإن نقصت أخذ الفضل]. قال المروزي: تسلم إليه على القولين. وقال غيره: إنما تقوم على القول الذي قال: إنها تصير أم ولد حتى لا يقر بها [وعتق الأحبال]. 30200 - وقد بنى أصحابنا هذه المسألة على أن الغنيمة لا تملك بالأخذ. وهذا الأصل مسلم، إلا أنا ندل عليه فنقول: لو كان في الغنيمة ولد أحد الغانمين أو والده لم يعتق، ولو ملك جزءًا منه عتق عليه.

30202 - ولأن شهادة الغانمين مقبولة في المغنم إذا نازع منازع في شيء منه، ولو ملكوه لم تجز شهادة الإنسان فيما هو شريك فيه. 30203 - ولأن الإمام له أن يبيع المغانم ويقسم ثمنها، ولو كانت ملكت لم يجز بيعها إلا بإذنهم. 30204 - وأما الدليل على أن النسب لا يثبت: فلأنها مملوكه لا يعرف لها مالك معين، فإذا وطأها مع العلم برقها لم يثبت نسب ولدها، كالجارية الملتقطة وجارية بيت المال. 30205 - ولأنها حالة يجوز الانتفاع بالطعام من مال أهل الحرب، فلا يثبت نسب ولدها من الواطئ كما قبل الأخذ. 30206 - ولأنه وطء في غير ملك، وإنما يثبت ثم حق التمليك فصار كالجارية المشروط فيها الخيار للبائع إذا وطئ الجارية بعد الإيجاب قبل القبول. 30207 - احتجوا: بأنه وطء سقط فيه الحد بشبهة الملك، فوجب أن يثبت نسب الولد، أصله: إذا وطئ الأب جارية ابنه وإذا وطئ أحد الشريكين الجارية المشتركة. 30208 - قلنا: لا نسلم أن الحد سقط بشبهة الملك، وإنما سقط لأنه مختلف في ملكه، فصار الاختلاف شبهة. 30209 - وأما وطء الأب: فلأن له شبهة ملك في الجارية، فصار كالملك في إثبات النسب. 30210 - وأما الجارية المشتركة: فلأن وطأه صادف ملكه، وذلك حكمه لثبوت النسب، وهو معنى لا يتبعض. 30211 - وسقوط الحد لا يستدل به على نسب، بدلالة الابن إذا وطئ جارية أبيه والعبد إذا وطئ جارية سيده.

مسألة 1501 فتح مكة

مسألة 1501 فتح مكة 30211 - قال أصحابنا [رحمهم الله] وجميع أهل السير وفقهاء الأمة: فتحت مكة عنوة. 30212 - وقال الشافعي رحمه الله: فتحت صلحا. 30213 - فخرج بذلك عن قول علماء الأمة أهل الحجاز والعراق والشام ونقلة السير [إذ لم يرو] قوله عن أحد منهم شاذًا ولا غير شاذ، ولا تقدمه سلف بهذا القول مع خلافه للقرآن والسير المشهورة. 30214 - والدليل على ما قلناه: قوله تعالى: {إذا جآء نصر الله والفتح}. فمن عليه بذلك وهو أقدر القادرين، ولا يجوز أن يمن عليه بالصلح؛ لأن المن بالفتح على الآخر في النصرة وذلك هو القهر، أما الصلح فيقع مشتركًا، فليس بأن يقال: إنه فتح على المسلمين. بأولى من أن يقال: إنه فتح على أضدادهم. 30215 - فإن قيل: هذه الآية نزلت آخر ما نزل من القرآن وقال: {فسبح بحمد ربك واستغفره}. فدل ذلك على قرب أجله، والنبي - صلى الله عليه وسلم - إنما فتح هوازن آخر عمره، فالآية في هوازن. 30216 - قلنا: قال الله تعالى: {ورأيت الناس يدخلون في دين الله أواجًا}. وهذا لم يوجد في فتح هوازن، وإنما وجد في فتح مكة؛ لأن قريش أسلمت، فكانت القبيلة بعد القبيلة تسلم، على أن الفعل يغني عن الاستدلال. 30217 - وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان عمر بن الخطاب بأذن لأهل بدر ويأذن لي معهم، فقال بعضهم: أتأذن لهذا الفتى ومن أبنائنا من هو مثله؟! فقال: إنه ممن قد علمتم. فأذن لهم ذات يوم، فأذن لي معهم، فسألهم عن قوله

تعالى: {إذا جآء نصر الله والفتح}. ولا أراه سألهم إلا من أجلي، فقال بعضهم: أمر الله نبيه إذا فتح الله عليه أن يستغفره وأن يتوب إليه. فسألني فقلت: ليست كذلك، ولكن أخبره تعالى بحضور أجله، فقال له: {إذا جآء نصر الله والفتح} فتح مكة. وذكر الحديث. فقال عمر: كيف تلوموني عليه بعد اليوم؟!. وهذا اتفاق من عمرو ابن عباس أن المراد بالآية فتح مكة. قال قتادة: لم يعش بعد ذلك إلا سنتين. 30219 - وعن أبي السائب: {إذا جآء نصر الله} على الأعداء من قريش وغيرهم {والفتح} فتح مكة {ورأيت الناس} يعني: الأحياء {يدخلون في دين الله أفواجًا} يعني جماعات القبيلة بأسرها، وقبل ذلك إنما كان يدخل [الرجل والرجلان والثلاثة ونحو ذلك، فلم يعين الفتح كل معنى على الشهد فيما سمي هو المعمول به]. 30220 - [وقيل: ذلك إنما كان يدخل] في موضع بغلبة أو صلح. 30221 - قلنا: هذا غلط؛ لأن القادر على كل شيء لا يمن على نبيه بالنصر الذي هو الصلح والمكافأة، وإنما يمن بأعلى الجهات؛ لأنها لا تعجزه ولا تتعذر عليه. 30222 - ولأن الفتح في اللغة هو الحكم، ومنه قوله تعالى: {إن تستفتحوا فقد جآءكم الفتح}. نزلت هذه الآية في دعاء أبي جهل يوم بدر حين قال: اللهم أقطعنا للرحم ومن جاءنا بما لا نعرف. والعرب تقول: حكم عليه. بمعنى: هلك وغلب. فسقط هذا السؤال. ويدل عليه قوله تعالى: {وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر}. فالمراد بهذا أهل مكة، ونكث عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - الذ عقده سهيل بن عمرو حين قاتلوا خزاعة مع بني بكر، وأئمة الكفر، سادة قريش، أبو سفيان، وعكرمة، وسهيل، وأبو سفيان بن الحارث،

والحارث بن هشام. ثم قال: {ألا تقاتلون قومًا نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول [وهم بدءوكم أول مرة}. ونحن نعلم أن الذين هموا بإخراج الرسول] أهل مكة. ثم قال: {قاتلوهم يعذبهم الله بأييديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين}. يعني خزاعة، فقد أمره تعالى بقتالهم، وأخبر أنه يعذبهم بأيديهم. قيل في التفسير: بالسيف، {ويخزهم} بالهزيمة. والظاهر أنه - صلى الله عليه وسلم - امتثل أمر الله ولم يترك القتال وهو يجد مقاتلًا. ويجوز أن يراد: تركوا القتال؛ لأن المقاتلة تكون بين اثنين، فإذا انهزموا لم يكن في أمانهم ترك أمر الله تعالى، والصلح قبل ذلك ترك أمر الله تعالى، وقد قال تعالى: {أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه}. قيل: معناه: أتخشون قتالهم، فالله أحق أن تخشوه في مخالفة أمره. ويدل على ذلك من جهة السنة ما رواه أبو عبيد في كتاب الأموال قال: ثنا أبو النضر عن سليمان بن المغيرة قال: ثنا ثابت البناني عن عبد الله بن رباح عن أبي هريرة أنه قال: يا معشر الأنصار، ألا أعلمكم بحديث. وذكر فتح مكة، ثم قال: أقبل - صلى الله عليه وسلم - حين قدم مكة، فبعث الزبير على إحدى المجنبتين، وبعث خالد بن الوليد على المجنبة الأخرى، وبعث أبا عبيدة بن الجراح على الحسر، فأخذوا بطن الوادي ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كتيبته، فنظر فرآني فقال: (يا أبا هريرة). قلت: لبيك يا رسول الله. فقال: اهتف لي بالأنصار، ولا [تأتني إلا بالأنصار]. فهتفت بهم، فجاءوا حتى أطافوا به، وقد وبشت قريش أوباشها وأتباعها، فلما أطافت الأنصار برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ([أترون] أوباش قريش وأتباعها، (ثم قال بيديه إحداهما على الأخرى:

(احصدوهم حصادًا حتى توافوني على الصفا). قال أبو هريرة: فانطلقنا، فما شاء أحد منا أن يتقل منهم من شاء إلا قتل. فجاء أبو سفيان بن حرب فقال: يا رسول الله، أبيحت- أو قال: أبيدت- خضراء قريش، ولا قريش بعد اليوم. فقال - صلى الله عليه وسلم -: (من أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن). فغلق الناس أبوابهم؛ وهذا حديث متصل الإسناد يبطل قول مخالفنا؛ لأن أبا هريرة أخبر عن يوم دخول مكة، ولو كان القوم قبلوا ما أعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا سفيان بمر الظهران، لم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتلهم، ولا قال أبو سفيان: أبيدت خضراء قريش، ولا احتاج إلى تجديد أمان بقوله: (من أغلق بابه فهو آمن). وذكر أبو خضراء قريش، ولا احتاج إلى تجديد أمان بقوله: (من أغلق بابه فهو آمن). وذكر أبو عبيدة أيضًا حديث أنس بإسناد متصل نحو هذا الخبر. 30223 - وروي أيضًا بإسناده إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوم فتح مكة: (ألا لا يجهزن على جريح، ولا يتبعن مدبرًا، ولا يقتلن أسير، ومن غلق عليه بابه فهو آمن). وهذا يدل على أنه دخلها مقاتلًا غالبًا، ولم يدخلها مصالحًا. 30224 - ويدل عليه ما روى محمد بن إسحاق قال: حدثني [ابن أبي هند] عن أبي مرة مولى عقيل بن أبي طالب أن أم هانئ بنت أبي طالب قالت: لما نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأعلى مكة [فر إلى رجلان] من أحمائي من بني مخزوم، وكانت

عنده هبيرة بن أبي وهب المخزومي فدخل علي أخي علي بن أبي طالب وقال: لأقتلهما. فأغلقت عليهما بابًا، ثم جئت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بأعلى مكة، فوجدته يغتسل في جفنة إن فيها أثر العجين وفاطمة بنته تستره بثوب. فلما اغتسل أخذ ثوبه فتوشح به وصلى من الضحى ثمان ركعات، ثم انصرف إلي فقال: مرحبًا وأهلًا بأم هانئ، ما جاء بك، فأخبرته بخبر الرجلين وخبر علي فقال: (أجرنا من أجرت، وأمنا من أمنت). ورواه ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي مرة مولى عقيل عن أخته أم هانئ. ومعلوم أنه لو كان أمان معقود كسائر أهل مكة، لم تخف على علي وكان لا يقدم على قتلهما، ولكان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينكر عليه. 30225 - ولكانا لا يحتاجان إلى جوار أم هانئ حتى يقول [النبي - صلى الله عليه وسلم -]: (أجرنا من أجرت). فلما قال ذلك، علمنا أنه لولا الجوار لكان لعلي قتلهما، وهذا يسقط ما أدعاه مخالفنا من الصلح. 30226 - فإن قيل: يجوز أن يكون من بني بكر. 30227 - قلنا: في الخبر أنهما من بني مخزوم. 30228 - [فإن قيل: يجوز أن يكون قائلًا. 30229 - قلنا: إذا سلموا أن قريشًا قاتلت، بطل قبول دعوى الأمان]. 30230 - فإن قيل: يجوز أن يكونا لم يلقيا سلاحهما. 30231 - قلنا: دخول البيت يكفي بانفراده، ويدل عليه ما روي عن عائشة أنها

قالت: كل البلاد فتحت بالسيف إلا المدينة؛ فإنها فتحت بلا إله إلا الله. وقد روي هذا الخبر عنه - عليه السلام -. 30232 - ولأنه - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة على هيئة القتال وعبأ الجيوش وفرقهم من طرق، وكان في كتيبته في المهاجرون والأنصار وهم يتكفرون بالحديد، وكان على رأس النبي - صلى الله عليه وسلم - المغفر، ولو كان دخلها صلحًا لم يحتج إلى ذلك. 30233 - فإن قيل: خاف العدو فدخل مستظهرًا، كما أنه في عمرة القضاء اضطبع ورمل، وأمر بذلك إظهار للجلد حتى لا يطمعوا في المسلمين. 30234 - قلنا: في أخذ عدة الحرب وهيئة الحرب إشعارًا لعدوه أنه نقض العهد، ويجوز أن يستظهر بما لا يوهم، كالرمل الذي هو إظهار الجلد وليس فيه ما يوهم النقض. ويدل عليه ما روى الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبين بن كعب قال: لما كان يوم أحد، قتل [في الأنصار أربع وستون، أو ستة وستين] من المهاجرين ومثلوا بهم، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (لئن كان لنا مثل هذا، لنربين عليهم). فلما كان يوم فتح مكة، دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنوة، فقال رجل لا يعرف: لا قريش بعد اليوم. فقال - صلى الله عليه وسلم -: (الأبيض والأسود آمن، إلا مقسم بن صبابة وابن خطل وقينتي فلان). فأنزل الله تعالى هذه الآية: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين}. فقال - صلى الله عليه وسلم -: (نصبر ولا نعاقب). 30235 - وروي في هذا الخبر بإسناد صحيح قال: لما كان يوم فتح مكة، نادى رجل لا يعرف: لا قريش بعد هذا، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (كفوا عن آل الله). فقد قال:

إنهم دخلوها عنوة. ثم ذكر أمان النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد دخوله، ولو كان الأمان متقدمًا لم يحتج إلى تكراره. ثم استثنى النفر المسمين، وما جرى بينه وبين أبي سفيان لم ينقل فيه استثناء، ولو كان ذلك لا أمان ثم. وقيل: لم يكن - صلى الله عليه وسلم - أن يستثني منه أحدًا فلما استثنى النفر المسمين، وما جرى بينه وبين أبي سفيان لم ينقل فيه استثناء، ولو كان ذلك لا أمان ثم. وقيل: لم يكن - صلى الله عليه وسلم - أن يستثني منه أحدًا فلما استثنى دل على أن الحكم تعلق بأمانه بعد الدخول. 30236 - قالوا: قوله: دخلها عنوة. يعني: صلحا، كما قال الشاعر: فما أخذوها عنوة عن مودة [ولكن بحد المشرفي استقالها] 30237 - قلنا: هذا غلط على اللغة؛ لأنه يقال: عنا يعنو، إذا ذل وخضع، ومنه قوله تعالى: {وعنت الوجوه للحي القيوم}. يعني: خضعت وذلت. وقال - صلى الله عليه وسلم -: (اتقوا الله في النساء، فإنهن عوان). يعني: أسرى. والعاني: الأسير في اللغة. والشعر ليس على ما قالوه، وإنما هو: فما تركوه عنوة عن ملالة ولكن بحد المرهفات إشعالها 30238 - ولو كان الشعر ما قالوه على أنه سمى الصلح: عنوة، ولكنه قال: لم يأخذوها عن مودة تقدمت منهم، ثم صارت عداوة، ولكن العداوة لم تزل. ويحتمل أنهم لم يظهروا المودة، ثم أخذوها على وجه الخديعة والغدر، وإنما أخذوها مجاهرين بالعداوة. 30239 - وذكر الطحاوي بإسناده عن ثابت البناني عن عبد الله بن رباح عن أبي هريرة أنه - عليه السلام - قال له: (يا أبا هريرة، اهتف بالأنصار). فنادى: يا معشر الأنصار، أجيبوا رسول الله. فجاءوا كأنما كانو على ميعاد، ثم قال: اسلكوا هذا الطريق، ولا تشرفن أحدًا إلا أنمتموه- أي: قتلتموه- وسار - عليه السلام - وفتح مكة عليهم، وما قتل في ذلك اليوم إلا أربعة، ثم دخل صناديد قريش من المشركين الكعبة وهم يظنون أن السيف لا يرفع عنهم، فأخذ بعضادتي الباب وقال: (ما تقولون [أني صانع؟] قالوا: نقول: أخ وابن أخ حليم رحيم. فقال - عليه السلام -: [(أقول كما قال يوسف]: {لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين}). قال: فخرجوا

كما خرجوا من القبور، فدخلوا من الإسلام. وذكر الحديث. 30240 - فقول النبي - صلى الله عليه وسلم - حين دخلوا مكة: (لا تشرفن أحدًا إلا أنمتموه). يدل على أنه دخل بغير أمان. 30241 - وقوله: إن صناديد قريش دخلوا الكعبة وهم يظنون أن السيف لا يرفع عنهم. يدل على أنه لا أمان لهم. 30242 - وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (ماذا تقولون إني صانع)، يدل أنه يخير، ولو كان الأمان منعقدًا لقالوا له: وما تقدر أن تصنع، وقد انعقد بيننا الأمان. فكيف ينعقد الأمان وهم يعتقدون أن السيف لا يرف عنهم، مع علمهم أنه أوفى الخلق ذمة وأصدقهم عقدًا وأكرمهم عهدًا. 30243 - ويدل عليه حديث سعيد المقبري قال: سمعت أبا شريح الخزاعي يقول لعمرو بن سعيد وهو على المنبر حين بعث معنا إلى مكة لقتال ابن الزبير: وما هذا، سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إن مكة حرام حرمها الله ولم يحرمها الناس، وإنما أحل لي القتال فيها ساعة من النهار، ولعله أن يكون بعدي رجال يستحلون بها القتال، فمن فعل ذلك فقولوا: إن الله أحلها لرسوله ولم يحلها لك، فليبلغ الشاهد الغائب). ذكر هذا الخبر الطحاوي في مسألة فتح مكة. فقد أخبر - صلى الله عليه وسلم - أنه قاتل بمكة، وهذا ضد الصلح. 30244 - فإن قيل: إنما كان هذا مع بقائه. 30245 - قلنا: فأنتم تدعون الصلح والأمان بقوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي سفيان: (من أغلق بابه فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن). وهذا عام في بني بكر وغيرهم. 30246 - فإن قيل: قاتل من لم يلق سلاحه ولم يغلق بابه.

30247 - قلنا: بل قتلت بنو بكر قتلًا عامًا، ولم يعتبر صفاتهم، وهذا أمر ذكره أهل السيرة ولم يختلفوا فيه، ونقلوا شعر الشعراء، فذكر الواقدي لبجير بن زهير بن أبي سلمى أخي كعب بن زهير في دخوله مكة، قال الواقدي وهي بيت: نفي أهل الحبلق كل فج مزينة غدوة وبني خفاف صبحناهم بسبع من سليم وألف من بني عثمان واف نطا أكتافهم ضربًا وطعنًا ورشقًا بالمريشة اللطاف ترى بين الصفوف لها حفيفًا كما انصاع الفواق من الرصاف فرحنا والحياد تجول فيهم بأرماح مقومة الثقاف فأبنا غانمين بما اشتهينا وآبو نادمين على الخلاف فأعطينا رسول الله فينا مواثقنا على حسن التصاف أعطونا المعادة يوم قلنا فقالوا يأرزونا للمصاف 30248 - وذكر ابن إسحاق أن حماس بن قيس بن خالد أحد بني بكر كان بعد سلاحًا قبل دخوله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت له امرأته: لماذا تعد ما أرى؟ قال: لمحمد وأصحابه. قالت: والله ما أرى أن يقوم لمحمد وأصحابه شيء. قال: فو الله إني لأرجو أن أخدمك بعضهم. قال ابن إسحاق: فجمع صفوان بن أبي أمية وعكرمة بن أبي جهل وهسيل بن عمرو وناس بالخندمة ليقاتلوا، فشهد حماس الخندمة معهم، فلما لقيهم المسلمون من أصحاب خالد ناوشوهم شيئًا من قتال، فقتل من المسلمين كرز ابن جابر وخنيس بن خالد [واصيب من جهينة سلمة بن الميلاء]، وأصيب من

المشركين يومئذ اثنتا عشر أو ثلاثة عشر، ثم انهزموا فدخل حماس منهزمًا حتى دخل بيته، ثم قال لامرأته: أغلقي علي بابي. قالت: فأين ما كنت تقول، فقال: إنك لو شهدت يوم الخندمة إذ فر صفوان وفر عكرمة وأبو يزيد قائم كالقائمة واستقبلتهم بالسيوف المسلمة ضربًا فلا تسمع إلا غمغمة يقطعن كل ساعد وجمجمة لهم نهيت خلفنا وممهمه لم تنطقي في اللوم أدنى كلمة 30249 - فكيف يدعي الدخول مع الأمان والصلح وقبول القوم الأمان؟! وهؤلاء سادة القوم وقادتهم قد جمعوا الجمع وباشروا الحرب، وأصيب المسلمون بأيديهم وأصابوا منهم. 30250 - ويدل على ذلك أن الصحابة سموا أهل مكة: الطلقاء، وكانوا يسمون أولادهم: أولاد الطلقاء كما سماهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يختلف المسلمون في هذا النقل، ولو كانوا عقدوا صلحًا ودخلوا طوعًا لم يسموا الطلقاء، ومن أي شيء أطلقوا ولم يكن عليهم بأس ولا حرب؟. 30251 - ولأن هذا الأمان الذي ادعاه مخالفنا لم يكن مؤقتًا بمدة ولم يبق إلا أن يكون مطلقًا. ولا يخلوا أن يكونوا أسلموا أو أقروا على كفرهم بجزية أو بغير جزية، ولو أسلموا لم يحتاجوا إلى أمان. ومعلوم من الحال أنهم أسلموا بعد ذلك. 30252 - ولا يجوز أن يكون أقرهم بالجزية؛ لأن عبدة الأوثان من العرب لا تقبل منهم الجزية، وإذا لم يجز ذلك، فلأن لا يجوز إقرارهم بغير جزية أولى. 30253 - ولأنه لما دخل كسر الأصنام، ولو كان أقرهم على كفرهم لم يتعرض لها؛ لأن الإمام يمنع الاعتراض في الأوثان. 30254 - احتجوا: بقوله تعالى: {ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليًا نصيرًا}. قالوا: والمراد به أهل مكة، فدل على أنهم لم يقاتلوا، ولو قاتلوه لنصر عليهم.

30255 - قلنا: قد اختلفوا أهل التفسير في هذا، فمنهم من قال: المراد به أهل مكة؛ مرتب على قوله: {هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام}. وهذا قول قتادة. وقال ابن السائب: وهذا راجع إلى أسد وغطفان حلفاء أهل خيبر؛ لأن قوله تعالى: {سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا}. وإنا أراد به أعراب المدينة، لأنهم تخلفوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديبية ولم يكونوا قاتلوا مع أهل خيبر، فرجع هذا الكلام إليهم، فإن كان كذلك فلا حجة فيه. 30256 - وإن كان المراد أهل مكة فقد قاتوله وولوا الأدبار وفارق قادتهم الأوطان وأسلموا الأهل والأموال، ولم يجدوا من ينصرهم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى صفح عنهم ومن عليهم بعد القهر والذل، فقد سقط الاحتجاج بالآية. 30257 - احتجوا: بقوله تعالى: {ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبًا من دارهم حتى يأتي وعد الله}. قالوا: فأخبر الله تعالى أن القوارع وقد حل بمر الظهران فل أن الصلح وقع وزالت القوارع. 30258 - والجواب: أن سعيد بن جبير وابن السائب وغيرهما قالوا في تأويلها: القارعة: السرية، فقال الله تعالى: {تصيبهم بما صنعوا قارعة} من السرايا، {أو تحل} أنت يا محمد مع أصحابك {قريبًا من دارهم حتى يأتي وعد الله} فتح مكة. 30259 - وما قالوه خطأ في العربية؛ لأن {أو} لو كانت غاية بمعنى (متى) لقال: أو تحل بنص تحل. فلما قال: أو تحل علم أنها للعطف، فكأنه قال: تصيبهم قارعة بالسرايا أو يحلوا لك. فيكون الفتح. وقال معمر عن الحسن: أو تحل القارعة قريبًا من دارهم. 30260 - احتجوا: بما روى عبد الله بن العباس عن أبيه قال: لما نزل النبي - صلى الله عليه وسلم - بمر الظهران قال العباس - رضي الله عنه -: لئن دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه، إنه لهلاك قريش. فجلست على بغلة النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي أجد ذا حاجة يأتي أهل مكة

فيخبرهم بمكان النبي - صلى الله عليه وسلم - فيخرجون إليه فيستأمنوه، وإني لأسير سمعت كلام أبي سفيان وبديل بن ورقاء وحكيم بن حزام ق خرجوا يتجسسوا الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: يا أبا حنظلة. فعرف صوتي، فقال: أبو الفضل؟ قلت: نعم، قال: فداك أبي وأمي، قلت: هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد جاء بما لا قبل لكم به عشرة آلاف من المسلمين، قال: فما ترى؟ قلت: تركب عجز هذه البغلة، فأستأمن لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فو الله لئن ظفر بك ليضربن عنقك، وأردفته وخرجت به نحو النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكلما مررنا بنار من نيران المسلمين فنظروا إلى البغلة فقالوا: عم رسول الله على بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. حتى مررنا بنار عمر بن الخطاب، فقال: الحمد لله أمكن منك بغير عهد ولا عقد، ثم اشتد نحو النبي - صلى الله عليه وسلم - وركضت البغلة، فسبق عمر كما تسبق الدابة البطيئة الرجل البطيء، ودخل عمر على رسول الله فقال: يا رسول الله، أبو سفيان عدو الله قد أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد، فدعني حتى أضرب عنقه، فقلت: يا رسول الله، إني قد أجرته، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أذهب به فقد أمناه حتى تغدو به)، فرجعت به إلى منزلي، فلما أصبح غدوت به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أن أسلم وعقد الأمان لأهل مكة على أن من ألقى سلاحه فهو آمن، فقلت: إن أبا سفيان يحب الصيت، فاجعل له شيئًا. قال: (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن تعلق بأستار الكعبة فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن). ثم أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - فأجلسه بمضيق الوادي حتى يبصر جنود الله، [فرده العباس، فقال: أغدرًا يا بني عبد مناف؟ فقال العباس: لا، ولكن يجلس في موضع كذا حتى يبصر جنود الله]، فلما مرت القبائل وكتيبة المهاجرين والأنصار، أمره أن يلحق بقومه ويحذرهم، فخرج مسرعًا حتى أتى مكة، فصرخ في المسجد: يا معشر قريش، هذا محمد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به. قالوا: فمه، قال: (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل الكعبة فهو آمن). فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد.

30261 - قالوا: هذا عقد النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمان، وقبلوه فدخل مكة ودماؤهم وأموالهم محظورة، ولهذا قال أبو سفيان: أغدرا يا بني عبد مناف. فلولا أنهم صالحوا، لم يكن رده غدرًا. 30262 - والجواب: أن أبا سفيان لم يكن رسولًا لأهل مكة حتى إذا عقد الصلح تم بعقده لهم، وإنما خرج مجسسًا وهو لا يعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قصدهم. يبين ذلك أن ابن إسحاق روى القصة عن الزهري قال: حدثني عبد الله بن عبيد الله عن ابن عباس قال: لما نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمر ظهران، وعميت الأخبار على أهل مكة، قال العباس: فجلست على بغلة رسول الله البيضاء فخرجت عليها، حتى دخلت الأراك أقول: لعلي ألقى بعض الحطابة أو صاحب لبن أو ذا حاجة. قال: وإني لأسير عليها وألتمس ما خرجت له، إذا سمعت كلام أبي سفيان [وبديل وهما يتراجعان، وأبو سفيان] يقول: ما رأيت كالليلة نيرانًا قط ولا عسكرًا، قال بديل: هذه والله، هذه خزاعة حمشتها الحرب، فقال أبو سفيان: خزاعة والله أذل من أن تكون هذه نيرانها. 30263 - فإذا لم يكن رسولهم، لم ينعقد استئمانه، وإنما يقف الأمان على إجازتهم ورضاهم. 30264 - وأيضًا فأبو سفيان لم يلتمس الأمان، وإنما طلب له العباس الفخر، فقال - عليه السلام -: (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن)، فقال أبو سفيان: وما تغني داري. 30265 - وكيف يعقد - عليه السلام - صلحًا، وقد كان أبو سفيان خرج إلى المدينة لما نقضت قريش لتجديد العهد، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (قد جاءكم أبو سفيان، وسيرجع راضيًا بغير شيء). ولم يعقد معه، وإنما تفضل النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمن عليهم عند القدرة فلما دخل أبو سفيان مكة فأخبرهم نزول النبي - صلى الله عليه وسلم - وما من به عليهم عند القدرة. 30266 - قال الزهري في حديثه: فأتت إليه هند بنت عتبة فأخذت بشاربه

وقالت: (اقتلوا الحميت الدسم). وإذا لم يعلم قبولهم للأمان، لم يمنع ذلك دخوله عنوة. 30267 - ولأنهم إذا ادعوا قبول جميع أهل مكة للأمان، لم يصح، لأنا قد روينا أن بعض أهلها قبولا الأمان، فدار الحرب إذا استأمن بعض أهلها أو أسلموا لم يمنع دخول المسلمين عنوة وقهرا، وإنما يمنع من ذلك استئمان جميعهم، وقد نقلنا خلاف ذلك. ولو لم ننقله لم يكن لمخالفنا حجة حتى ينقل قبول الجميع، وهذا لا سبيل إليه، فكيف يكونوا قبلوا الأمان وقد روينا أنهم التجئوا إلى الكعبة وهم يرون السيف لا يرفع عنهم، وقد كان مشركي قريش- وهو منهم- يعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوفاهم بعهد وذمة، فكيف يتم بينهم أمان ثم يتصورون أن يغدر بهم فلا يرفع السيف عنهم؟! ومن أقدم على المخالفة هذه الأخبار بعد ظهورها، كفى خصمه مؤنته. 30268 - احتجوا: بما روى أنس بن مالك وسعد بن أبي وقاص أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمن الناس [كلهم إلا ستة نفر فإنه أمر بقتلهم. 30269 - قلنا: قد روينا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمن الناس] يوم الفتح إلى العدد الذي استثناه، وهذا يدل أنهم لم يقبلوا الأمان الأول، وانه - صلى الله عليه وسلم - دخل بغير أمان، لولا ذلك لم يكن لتجديد أمان آخر معنى. 30270 - ولأنه - صلى الله عليه وسلم - عقد لأبي سفيان أمانًا مطلقًا، ثم أمن الناس بمكة واستثنى، فدل على سقوط حكم ذلك الأمان، وإلا لم يجز الاستثناء بعد الإطلاق. 30271 - يبين هذا ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوم الفتح: (كفوا السلاح إلا خزاعة عن بني بكر). ولا يصح أن يأمر بكف السلاح إلا وهو مبسوط، فدل على أن دخولها وقع بغير أمان. 30272 - قالوا: يجوز أن يكون الاستثناء في أمان أبي سفيان. قالوا: لأن الأمان الأول مفسر وهو مطلق، فيحمل المطلق على المفسر. 30273 - قلنا: لم ينقل أحد في قصة أبي سفيان استثناءً، ولو كان لم يترك نقله،

وكذلك أبو سفيان لما حكى لأهل مكة الأمان لم يذكر فيه استثناء أحدٍ، فدل أن هذا أمان آخر غير الأول، وذلك لا يجوز أن يكون إلا مع سقوط الأول. 30274 - قالوا: روي عن صفوان بن أمية أنه عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أمراء الأجناد حين أمرهم أن يدخلوا مكة ألا يقاتلوا إلا من قاتلهم. 30275 - قلنا: قبل دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - كان الأمان الأول بحاله، فأمرهم ألا يبتدئوا القتال. فلما اجتمعت الأوباش وقاتلوا وقتلوا من المسلمين، بطل أمانهم، فدخلت الأجناد بغير أمان. ثم استأنف - عليه السلام - المن عليهم بمكة كما ذكرنا. 30276 - قالوا: روي أنه - صلى الله عليه وسلم - أعطى الراية سعد بن عبادة، فأخذها وقال: اليوم يوم الملحمة، اليوم تسبى الحرمة، فقال - عليه السلام -: (اليوم يوم المرحمة، اليوم تستر الحرمة). فأمر علي بن أبي طالب فأخذ الراية. 30277 - قلنا: هذا كان قبل الدخول، وقد بينا أنه قبل أن يدخله كان يجوز أن يقبلوا الأمان فلا يكون يوم الملحمة، فأما حال الدخول فقد كان الأمان زال بقتالهم وقتلهم المسلمين، يبين ذلك ما روى ثابت عن أنس بن مالك أنه - عليه السلام - لما دخل مكة مشى ابن رواحة بين يديه وهو يقول: خلوا بني الكفار عن سبيله اليوم نضربكم على تأويله ضربًا يزيل الهام عن مقيله ويذهل الخليل عن خليله 30278 - فقال عمر: يا ابن رواحة بين يدي رسول الله وفي حرم الله تعالى تقول الشعر،! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (خل عنه يا عمر، فو الذي نفسي بيده، [لهو أسرع فيهم] من وقع النبل – أو قال: نضح النبل-). وهذا يبين أن حال

الدخول رد الأمان، وبأن ذلك حال الدخول فدخلوها بغير أمان. 30279 - احتجوا: بما روي في شعر حسان قبل خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المدينة: عدمنا خيلنا إن لم تروها تبين النقع موعدها كداء سار عنا الأعنة مسرجات يلطمن بالخمر النساء فإن أعرضتم عنا اعتمرنا وكان الصلح وانكشف الغطاء 30280 - فلما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح النساء وجوه الخليل بخمرهن، قال العباس أو لأبي بكر: (لله در حسان حيث يقول). قال العباس. قلت: إنه يريد. فأنشدته، فقال: (كأنما ينطق عن روح القدس). 30281 - قالوا: وهذا يدل على أنه دخلها بغير قتال؛ لأن استثناء النسا ومسحهن وجوه الخيل بخمرهن يدل على عدم القتال وعلى إظهار الفرح والسرور به وبدخوله إلى مكة. 30282 - وقوله: (كأنما ينطق عن روح القدس). يدل على وقوع الصلح كما قال حسان بن ثابت. 30283 - والجواب: أن هذه الطريقة من الاستدلال تجمع بين إحالة الرواية وتصور الحال بضدها، وذلك لأن الشعر موجود في كتاب ابن إسحاق وفي ديوان حسان: عدمنا خيلنا إن لم تروها تبين النقع موعدها كداء تظل جيادنا مضمرات يلطمهن بالخمر النساء فإما تعرضوا عنا اعتمرنا وكان الفتح وانكشف الغطاء وإلا فاصبروا لجلاد يوم يعز الله فيه من يشاء وجبريل رسول الله فينا وروح القدس ليس له كفاء 30284 - هذا هو الشعر، فجعلوا بدل (الفتح) (الصلح)، ليصير ما هو حجة عليهم حجة لهم. لو كانت الرواية محفوظة كما قالوا، قالوا، لم يصح تعلقهم بها؛ لأنه قال: وإلا فاصبروا لجلاد يوم

30285 - وقوله - عليه السلام -: (كأنما ينطق عن روح القدس). يجوز أن يكون في قوله: وإلا فاصبروا لجلاد يوم. ويبين بطلان ما نقلوه أنه قال: وانكشف الغطاء. [وإذا كان الصلح لا ينكشف الغطاء]، وإنما ينكشف بالفتح. 30286 - وأما قولهم في مسح النساء وجوه الخيل بخمرهن، يدل على مسرتهن بدخوله [- صلى الله عليه وسلم -]. فكلام من لا يفقه ما أراده حسان ولا علم له بأيام العرب، وذلك أن النساء تضرب وجوه الخيل بالخمر [تعبيرًا للرجال وتحريضًا لهم على القتال يقول: لما عجزوا عن ضرب السيوف، فلم يبق إلا الضرب بالخمر]، فكيف يحمل هذا على المسرة وهو ضدها، وكيف يستدل على السلم به وهو دعاء إلى الحرب، 30287 - قالوا: عشرة آلاف من الجيش لو دخلوها بقتال، لوجب أن يكونوا أخذوا الأموال وسبوا النساء والصبيان، ولكان قسم الدور والعقار والأموال بين الغانمين، فلما لم ينقل أن أحدًا أخذ مالًا ولا ذرية، دل على أنهم أخذوها صلحًا. 30288 - قلنا: إذا نقلنا القتال وقتل المسلمين وقتل المشركين ومباشرة سادتهم للحرب وهو منهم يقاتل النقل لعدم النقل وبالاستدلال والاستقرار هذا لا يقابل. 30289 - ثم قد روي أنه في حال دخوله قال القائل لا يعرف: لا قريش بعد اليوم. فقال - عليه السلام -: (الأسود والأبيض آمن). فالتشاغل بالقتال والتحفظ من العدة شغلهم عن النهب والسلب، ولم تنصرم هذه الحالة حتى أمنهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلم يبق للنهب وقت. 30290 - وقد روي أن أخت أبي بكر الصديق كانت تقود إبلها، فسلبت. هذا يدل على أن القوم دخلوا حربًا. وجمله الأمر، أن الصلح عقد بالحديبية وهو دون مكة وأعمض فنقل نقلًا أجمع عليه ولم يختلف فيه، فكيف يظن أن الصلح عقد بمكة كان كذلك، ثم لم ينقل كنقل صلح الحديبية أو اشتهر، وكيف يكون الصلح وأهل المغازي نقلوا مغازي النبي - صلى الله عليه وسلم - وعددها وأصنافها؟. 30291 - قال الواقدي: حدثني- وذكر نيفًا وعشرين رجلًا من أهل المدينة-

قال: فكل حدثني من هذا بطائفة وبعضهم من بعض، وغيرهم قد حدثني أيضًا، وكتبت كل الذي حدثوني. ثم قال: كانت مغازي النبي - صلى الله عليه وسلم - بنفسه سبعًا وعشرين غزوة، وكان ما قاتل فيها تسعًا: بدر القتال، وأحد، والمريسيع، والخندق، وقريظة، [وخيبر، والفتح، وحنين]، والطائف. وإذا اقتصر مخالفنا في مقابلة هذا النقل على التجويز والتعجب لم ينتفع به. 30292 - فأما قسمة الأرضين: فالإمام عندنا إذا فتح أرضًا جاز أن يقر أهلها عليها، ويمن عليهم بأموالهم وذراريهم. 30293 - ولأنه - عليه السلام - لم يغنم أرضهم؛ لأن أرض الحرم لا تملك كما لا يملك موضع الطواف وبين الصفا والمروة. 30294 - احتجوا: بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (اللهم إني أبرأ إليك مما فعله خالد). وهذا إنكار لقتال خالد. 30295 - قلنا: هذا غلط عظيم، لم يقل النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا لأجل قتال مكة، وإنما بعث السرايا بعد الفتح فدعوا الناس إلى الإسلام، ولم يأمرهم بالقتال، وبعث خالد بن الوليد داعيًا لوم يبعثه مقاتلًا وأمره أن يسير بأسفل تهامة ومعه سليم ومدلج قبائل من غيرهم من عيونهم، فلما نزلوا الغميصاء وهي ما من بني جذيمة بن عامر بن عبد مناف، فكانت جذيمة قتلت عوف بن

عبد عوف أبا عبد الرحمن بن عوف والفاكه بن المغيرة عم خالد، فلما رأوه أخذوا السلاح، فقال خالد: ضعوا السلاح، فإن الناس قد أسلموا. فلما وضعوا السلام، أمر بهم فكتفوا وعرضهم على السيف، فقتل منهم. فلما بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (اللهم إني أبرأ إليك مما فعله خالد). وبعث لعلي بن أبي طالب وقال: أخرج إلى هؤلاء القوم، وانظر في أمرهم، وضع الجاهلية تحت قدميك). فخرج علي ومعه مال فوداهم.

مسألة 1502 خراج أرض الذمي إذا أسلم

مسألة 1502 خراج أرض الذمي إذا أسلم 30296 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا أسلم الذمي، لم يسقط خراج أرضه، وسقط خراج رقبته. 30297 - وقال الشافعي رحمه الله: يسقطان جميعًا. وزعموا أن الخراج الموضوع على السواد المفتتح في زمن عمر بن الخطاب لا يسقط. 30298 - وإنما نخالف في بلد من بلاد الكفار وصالحهم الإمام على أن يؤمنهم ويقرهم على أملاكهم وتجري في بلدهم أحكام المسلمين، ويؤخذ منهم من كل جريب كذا قالوا، فإن كان جملة ما على البلد إذا قسط على الرقاب أصاب كل رقبة دينارًا فصاعدًا، جاز وكان ذلك جزية. فإذا أسلموا، سقط، وإن كان نصيب كل واحد أقل من دينار لم يجز. 30299 - وأصحابنا في هذه المسألة دلوا على أن خراج السواد لا يسقط وهذا موضع اتفاق. وقد دل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: (منعت العراق قفيزها ودرهما). فذم الناس في آخر الزمان يمنعوا الخراج. ولا يجوز أن يكون الذم للكفار؛ لأن ذمهم بالكفر أولى، فعلم أن الذم توجه إلى المسلمين، فالخراج يجب على المسلمين. 30300 - وقد دلت الدلالة على أن السواد أقرت أرضه على أملاك أهله، وأن الخراج الموضوع ليس بأجرة ولا ثمن، فإذا لم يسقط بالإسلام فكذلك كل خراج وضع على الأرض. 30301 - ولأنه إذا صالح أهل بلد من المشركين على أن يضع على رءوسهم حقًا

مقدرًا [وعلى أرضهم حقًا مقدرًا]، فهذا حق لا يتعلق بالرقاب وإنما يتعلق بالأرضين، فلا يسقط بعد وضعه وحصول منفعة الأرض كالعشر. 30302 - ولأن ما يجب على الرقبة، لا يسقط بالإسلام كالديوان، وأما الذي ذكروه من الصلح حق على الأرضين. 30303 - وقولهم: إن ذلك جزية. 30304 - فعندنا إنما وضعه الإمام على أرضهم، فقسط على الأرضين والرقاب، فحصة الرقاب جزية، وحصة الأرضين الخراج. ولو قلنا: إن جميعه جزية، أدى إلى أن تكون أرض منتفع بها في دار الإسلام لا حق عليها، وهذا لا يجوز كأرض المسلم. 30305 - ولأن المسلم أخص بدار الإسلام من الكافر، فإذا لم تسلم له منفعة الأرض إلا بحق تجب عليه، فالكافر أولى. 30306 - ولأنهم أسقطوا الخراج بالإسلام، لم يخلو أن يوجبوا العشر أو لم يوجبوا شيئًا، ولا يجوز إسقاط الإيجاب، كما لا يجوز ذلك في أرض المسلم الأصلي. ولا يجوز إيجاب العشر؛ لأن الخراج أنفع للمسلمين؛ لأنه يصرف إلى مصالح جميعهم، والعشر حق لمصالح فقرائهم خاصة، ولا يجوز أن ينقل أنفع الحقين وأعمهما نفعًا إلى أدونهما. 30307 - احتجوا: بما روي أنه صلى الله عليه - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا ينبغي لمسلم أن يؤدي الخراج، ولا لكافر أن يدخل المسجد الحرام). 30308 - قلنا: المراد بهذا الجزية؛ لأن الخراج المتعلق بالأرض لم يوضع في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم -. 30309 - قالوا: مال مأخوذ في مقابلة الحقن والإقرار على الكفر كجزية الرءوس. 30310 - قلنا: لا نسلم أن تؤخذ في مقابلة الحقن، فالموضوع على الأرضين لا تعلق له بذلك. والمعنى في الجزية أنها وضعت على الرقاب إذلالًا، والمسلم لا يجوز أن ستذل، والخراج يوضع على الأرضين، وحقوق الملك ليس فيها إذلال، فلم تسقط

بالإسلام. 30311 - قالوا: حق يبتدأ به الكافر كالجزية. 30312 - قلنا: يبطل بحق الركاز. 30313 - وإن قالوا: لا يبتدأ به الكافر؛ لم نسلمه؛ لأن الخراج يجوز أن يوضع ابتداء على المسلم إذا أحيا أرضًا في حيز أرض الخراج بالأنهار التي حفرها أهل الحرب ثم غلبنا عليه، والمعنى في الجزية ما ذكرنا.

مسألة 1503 إحياء المسلم أرض الخراج

مسألة 1503 إحياء المسلم أرض الخراج 30314 - قال أبو يوسف رحمه الله: إذا أحيا المسلم أرضًا من حيز أرض الخراج، أرضه فهي أرض خراج. 30316 - وقال الشافعي رحمه الله: لا يجب على المسلم خراج. 30317 - لنا: أن هذه الأنهار غنمت ووضع الخراج على أرضها، فقد تعلق الخراج بها، فإذا ساق المسلم ماءها إلى هذه الأرض، التزم الحق المتعلق بمائها. والخراج يجوز أن يلزم المسلم بالتزامه كما لو تكفل بجزية ذمي أو بخراجه. 30318 - ولأن الخراج أحد حقي الأرض، فجاز أن يؤخذ من المسلم كالعشر. 30319 - ولأنه حق يسقط بتعذر الانتفاع به كالعشر. 30320 - احتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (ليس على المسلم خراج). وقد بينا أن المراد به الجزية؛ لأنها تسمى خرجًا. 30321 - قالوا: حق يبتدأ به الكافر كالجزية؛ والجواب: ما بينا.

مسألة 1504 انتفاع المسلمين بالطعام والعلف في دار الحرب

مسألة 1504 انتفاع المسلمين بالطعام والعلف في دار الحرب 30322 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: يجوز للمسلمين في دار الحرب أ، ينتفعوا بالطعام والعلف ويستصبحوا بالدهن ويصطلوا بالنار ويوقدوا الحطب للحاجة، ويجوز أن يقاتلوا على دوابهم بسلاحهم عن الحاجة، ولا يجوز من غير حاجة، فإذا خرجوا إلى دار الإسلام، ردوا ما يصل من ذلك إلى المغنم إن كان لم يقسم، وإن قسم تصدق بالطعام ورد السلاح والدواب إلى بيت المال. 30323 - وقال الشافعي رحمه الله في أحد قوليه: يتملكون وينتفعون به. والقول الآخر مثل قولنا. ومن أصحابه من زعم أن القليل ينتفع به والكثير يرد. 30324 - لنا: ما رواه محمد بن الحسن بإسناده عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه - صلى الله عليه وسلم - قال في يوم خيبر: (ردوا الخيط والمخيط وكلفوا واعلفوا، ولا تخرجوا منه شيئًا). والمراد بقوله: (ولا تخرجوا). للانفراد بالانتفاع به؛ لأنه يجوز إخراجه للمسلمين باتفاق. 30325 - وروى محمد بإسناده عن ابن عباس وابن عمر أنهما قالا: ينتفع بالطعام والعلف في دار الحرب، فإن أخرج منه شيئًا تصدق به. وعن أبي الدرداء أنه قال فيما يخرجه: ينتفع به ولا يبيعه. فحصل من إجماعهم أنه لا يتملك. 30326 - ولأن ما جاز الانتفاع به في دار الحرب من أموالهم قبل القسمة، رد للغنيمة بعد الخروج كالدواب والسلاح.

30327 - ولأن ما لا يجوز أن يبتدأ أخذه من الغنيمة، لا يجوز أن يبقى على أخذٍ سابقٍ، أصله الدواب. 30328 - ولأن الانتفاع بالطعام في دار الحرب ليس هو على وجه الملك، وإنما هو على الإباحة، بدليل ما روى محمد أن أمير الجيش كتب من الشام إلى عمر: إنا فتحنا أرضًا كثيرة الطعام، فلم أتقدم بشيء حتى أسألك. فكتب إليه يأمرهم فليأكلوا وليشربوا وليعلفوا، ولا يبيعوا منه شيئًا، فإذا باعوا بذهب أو فضة، وجب فيه حق الله ورسوله وحق المسلمين. 30329 - وروى محمد عن فضالة بن عبد الله أنه سئل عن الانتفاع بالطعام أو بالعلف في دار الحرب، فقال: أن قومًا يريدون أن يضلوني ولن أفعل ذلك حتى ألقى محمدًا وأصحابه، لا بأس أن يأكلوا ويعلفوا ما لم يتزودوا، فإذا باعوا منه شيئًا، وجب فيه سهم الله تعالى. فإذا ثبت أنه ينتفع به من حق الغير على وجه الإباحة، فلا يملك كما لو أباح رجل طعامه لغيره. 30330 - ولأنا أبحنا الانتفاع للحاجة، ألا ترى أن أهل الحرب لا يمدونهم بالميرة ويشق أن يتكلف حملها من دار الإسلام، وهذه الحاجة تزول بعد الخروج، والإباحة إذا تعلقت بشرط زالت بزواله. 30331 - احتجوا: بأن كل ما جاز الانتفاع به في دار الحرب، جاز أن ينتفع به في دار الإسلام، أصله ما اشتراه منهم. 30332 - قلنا: إذا اشتراه فقد ملكه فينتفع بملكه حيث شاء، وهذا ليس بملك له، وإنما ينتفع به على وجه الإباحة، فلا يجوز له تملكه ولا الانتفاع به بعد زوال سبب الإباحة.

مسألة 1505 استرقاق عبدة الأوثان

مسألة 1505 استرقاق عبدة الأوثان 30333 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: لا يجوز استرقاق عبدة الأوثان من العرب. 30334 - وقال الشافعي رحمه الله: يجوز. 30335 - لنا: ما روى محمد في السير الكبير بإسناده عن معاذ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوم خيبر: (لو كان يجري على أحد من العرب رق ولاء، لكان اليوم، لكنه الإسلام أو السيف). 30336 - ولأنه لا يجوز أخذ الجزية منهم، فلا يسترق رجالهم كالمرتدين. 30337 - ولأنه سبب على الكفر، فلا يثبت في حق عبدة الأوثان من العرب كالجزية. 30338 - احتجوا: بقوله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فان لله خمسة}. 30339 - قلنا: الغنيمة إنما تثبت فيما يتملك، فاحتاج مخالفنا أن يدل على أن العربي العابد للوثن يتملك حتى يدخل تحت الآية. 30340 - قالوا: يجوز استرقاق نسائهم وصبيانهم، فجاز استرقاق رجالهم كأهل الكتاب. 30341 - قلنا: المعنى في الأصل أنه لما جاز الجزية منه، جاز استرقاق رجالهم، وهذا يخالفه. 30342 - قالوا: كافر أصلي، فجاز استرقاقه كالكتابي. 30343 - قلنا: التساوي في الأمر الأصلي، لا يوجب التساوي في أخذ الجزية، كذلك لا يتساويان في الاسترقاق.

مسألة 1506 الاعتراف بالنسب بعد الإعتاق

مسألة 1506 الاعتراف بالنسب بعد الإعتاق 30344 - قال أصحابنا [رحمهم الله] في المسببين إذا أعتقوا فاعترفوا بالنسب من قبل ذلك؛ يقبل كما يقبل المسلم والذمي. 30345 - [وقال الشافعي رحمه الله: إذا جاءوا مسلمين ولا ولاء فيهم؛ قبل دعوتهم]، وإن كانوا مسببين؛ أعتقوا وثبت عليهم الولاء، لم يثبت إقرارهم حتى تقوم بينه. 30346 - لنا: أن النسب يثبت بالمناكحة وملك اليمين، وأنكحتهم صحيحة ولهم أملاك، فيقبل إقرارهم فيها كالمسلمين وأهل الذمة. 30347 - ولأن ثبوت الولاء لا ينافي ثبوت النسب، فيقبل الاعتراف به، كما يقبل إقرار المسلم بنسب وله نسب أبعد ميه. 30348 - احتجوا: بأن الولاء ثابت، فإذا أقر بالنسب، أسقط حق المولى من الإرث، وهذا لا يصح. 30349 - قلنا: يبطل بالمسلم إذا كان له أخ معروف، فأقر بابن، ثبت نسبه، وإن سقط ميراث الأخ.

مسألة 1507 قال الإمام: من أصاب شيئا فهو له

مسألة 1507 قال الإمام: من أصاب شيئًا فهو له 30350 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا قال الإمام: من أصاب شيئًا فهو له، فمن أخذ شيئًا ملكه. وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله. 30351 - وقال في القول الآخر: لا يجوز. 30352 - لنا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوم بدر: (من أخذ شيئًا فهو له). 30353 - ولا يقال: إن الغنيمة كانت يومئذ للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فله أن يملكها من شاء، لأنا لا نعرف استحقاق النبي - صلى الله عليه وسلم - لجميع الغنيمة في حال من الأحوال، ولو كان كما قالوا، لم يصح أن يملك المجهول ويملك بشرط. 30354 - ولأن في هذا حثا على القتال، فصار كشرط السلب. 30355 - احتجوا: بقوله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء}، وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: (الغنيمة لمن شهد الوقعة). 30356 - قلنا: فيه إضمار: إلا أن ينفل الإمام، بدلالة السلب. 30357 - قالوا: هذا يصير جعلًا على القتال، وذلك لا يجوز. 30358 - قلنا: يبطل بالسلب وسائر الأنفال.

مسألة 1508 قتال أهل سوق العسكر وأساري المسلمين

مسألة 1508 قتال أهل سوق العسكر وأساري المسلمين 30359 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: أهل سوق العسكر وأسارى المسلمين إن قاتلوا مع المسلمين استحقوا السهم، وإن يقاتلوا لم يستحقوا. 30360 - وقال المروزي: إذا لم يقاتلوا لم يستحقوا قولًا واحدًا، وإن قاتلوا على قولين. ومنهم من قال: إن قاتلوا استحقوا، وإن لم يقاتلوا على قولين. 30361 - لنا: أنهم لم يقاتلوا ولا دخلوا دار الحرب قصدًا للقتال، فصاروا كأهل بقعة القتال. 30362 - ولأن الغنيمة تستحق: إما بالقتال أو الإعانة، وهذا لم يوجد من أهل السوق. 30363 - احتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (الغنيمة لمن شهد الوقعة). 30364 - قلنا: المراد به: من شهدها للقتال، بدلالة المجتازين وأهل الموضع. 30365 - قالوا: حضروا الوقعة، فصاروا كالعسكر. 30366 - قلنا: أولئك من لم يقاتل منهم فقد أخذ المال بظهره ومعونته، فاستحق السهم منه، وهؤلاء لم يقاتلوا ولا أخذ المال بظهرهم.

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب الجزية

كتاب الجزية

كتاب الجزية مسألة 1509 الجزية من عبدة الأوثان من العجم 30367 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: عبدة الأوثان من العجم تقبل منهم الجزية، ويسترق رجالهم.

30368 - وقال الشافعي رحمه الله: لا يسترقون، ولا تقبل منهم الجزية. 30369 - لنا: ما روى علقمة بن مرثد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا بعث جيشًا أو سرية أوصاهم في وصيته: (إذا نازلتم أهل حصن فادعوهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله). إلى قوله: (فإن أبوا، فادعوا إلى أداء الجزية). ولم يفصل. 30370 - فإن قيل: النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يبعث جيشًا إلى العجم. 30371 - قلنا: عموم اللفظ لا يخص بالسبب. 30372 - ولأنه بعث إلى عمان وكان فيهم غير العرب كما يكون في البلاد. 30373 - فإن قيل: في الخبر إضمار باتفاق، فأنتم تضمرون: إذا لم يكونوا من عبدة الأوثان من العرب. [ونحن نضمر: إذا كانوا من أهل الكتاب. 30374 - قلنا: لا إضمار في الخبر عندنا بل يجوز أن يكون أخذ الجزية كان في الكتابيين ثم نسخ ذلك في عبدة الأوثان].

30375 - وزعم مخالفنا أن العجم كذلك ويحتاج إلى دليل. 30376 - وليس يمتنع أن يكون حكمهم مخففًا في الابتداء ثم غلظ، كما كان القتال غير مباح ثم فرض، ويدل عليه ما روي انه - عليه السلام - كان إذا عرض نفسه على القبائل فقال لهم: (هل لكم في كلمة إن أجبتم إليها دانت العرب، وأدت إليكم العجم الجزية) وهذا عام في جميع العجم. 30377 - فإن قيل: المراد به: دانت لكم بعض العرب، كذلك أدت إليكم بعض العجم الجزية. 30378 - قلنا: غلط، بل المراد كل العرب. 30379 - ولأن كل من يقتل من العرب ويموت في دار الإسلام. 30380 - ولو سلمنا التخصيص في العرب، لم يجب أن نخص العجم إلا بدليل. 30381 - ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ الجزية من مجوس هجر وهم عبدة النار، وعابد الناس كعابد الوثن فلا فرق بينهما 30382 - ولأنه يجوز استرقاق رجالهم، فجاز أخذ الجزية منهم كأهل الكتاب. 30383 - ولأن أهل الجزية والاسترقاق كل واحد منهما سبب الإقرار على الكفر، فإذا ثبت أحدهما في عابد الوثن من العجم كذلك الآخر. 30384 - ولأنه نوع كفر لم يبالغ أهله في عداوة النبي - صلى الله عليه وسلم - واضطروه إلى مفارقة وطنه وعرضوه للغربة. ولا يلزم المرتد؛ لأنه بالغ في العداوة حين صدق ثم كذب ورجع عن دينه. وإن شئت أن تحترز تقول: نوع كفر أصلي لم يبالغ أهله في العداوة للنبي - صلى الله عليه وسلم -. 30385 - ولأن كل مشرك جاز أن يقر على دينه بالرق، جاز بالجزية، كالكتابي وعكسه المرتد والعربي الوثني. ولا يلزم نساء العرب وصبيانهم؛ لأنهم يقرون قبل الاسترقاق، بدلالة أنه يجوز قتلهم. ولا يلزم النساء المرتدات، لأنهم لا يقرون على كفرهن بالرق بل يسترقهن ويجبرهن على الإسلام ولا يجبر الكفر الأصلي على ذلك. 30386 - فإن قيل: أغلظ من الجزية، فلا يقال: لما جاز إقرارهم على كفرهم

بأغلظ الأمرين، جاز بأدناهم كما لا يقال: لما جاز إقرارهم بالمال المقدر جاز بما دونه، ولما جاز قتل المرتد جاز أخذ الجزية منه. 30387 - قلنا: عند مخالفنا يجوز المن على الوثني ورده إلى دار الحرب فيعود حربيًا لنا بغير شيء، فإذا جعلناه ذمة فقد ثبتت يدنا عليه وصار مسلمًا لنا وأخذنا منه المال، فقد جوز مخالفنا إقراره على الكفر بالأثقل والأخف فلم يصح ما قاله. 30388 - ولأنه تصالح أهل الحرب بغير شيء نأخذه، وتصالحهم بمال نأخذه منهم فسقط القتل بالأثقل، يبين ذلك أن المرتد لما لم يجز أن يقر أحد الجهتين كذلك الأخرى، والكتابي لما جاز إقراره جاز بهما. 30389 - فإن قيل: الكتابي متمسك بالكتاب، والوثني غير متمسك بكتاب. 30390 - قلنا: المجوسي كذلك، وقد جاز إقراره بالجزية. 30391 - ولأنهم تمسكوا بكتاب خالفوه وجحدوا ما فيه من الدلالة على النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأحكام فلم يثبت لهم به حرمة. 30392 - قالوا: أهل كتاب كان آباؤهم على الحق، فثبتت لأولادهم حرمة، وعبدة الأوثان بخلاف ذلك. 30393 - قلنا: لو كان هذا اعتبارًا صحيحًا، كان المرتد أولى؛ لأن حرمة الإسلام ثبتت لآبائه. 30394 - احتجوا بقوله تعالى: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} إلى قوله: {فخلوا سبيلهم}. 30395 - قلنا: هذا يتناول من لا يسقط عنه القتل إلا بعلة واحدة وهي الإسلام، وفي مسألتنا سقط القتل بعلة أخرى وهي الاسترقاق، فعلم أن ذلك غير مراد بالآية. 30396 - ولأنها تختص بالوثني العربي. 30397 - احتجوا بقوله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله} إلى قوله: {وهم صاغرون}. قالوا: فخص أهل الكتاب، ولا يجوز أن يكون التخصيص للتنبيه؛ لأن حكم أهل الكتاب أخف من غيرهم، فلا ينبه بالأخف على الأغلظ، بقي أن يكون لأن من عداه بخلافه. 30398 - قلنا: تخصيص المذكور بحكم لا يدل على أن ما عداه بخلافه، وقد

بينما ذلك فيما سلف، ومثل هذا كثير في القرآن. ويجوز أن يكون التخصيص للتنبيه ليبين أهل الكتاب مع حرمة الكتاب وإيمانهم بالله إذا لم يجز إقرارهم وترك قتلهم إلا بأداء الجزية، فعبدة الأوثان أولى ألا يقروا على كفرهم بغير شيء. 30399 - قالوا: قوله تعالى: {من أهل الكتاب} يقتضي التخصيص في اللغة والتبعيض. 30400 - قلنا: {من} ها هنا للتميز، ولو كانت للتبعيض لاقتضت جواز أخذ الجزية من بعض الكتابيين وهذا لا يقوله أحد، وفائدة التمييز: أن الكتابي يجوز أخذ الجزية منه بكل حال، ومن سواه تؤخذ في حال دون حال. 30401 - قالوا: روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى أهل اليمن أن تؤخذ الجزية من أهل الكتاب من كل محتلم دينارًا. 30402 - قلنا: وروي: أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر معاذًا أن يأخذ من أهل الكتابين من كل حالم وحالمة دينارًا. وهذا يقتضي أهل الكتاب وغيرهم. 30403 - وتخصيص الكتاب في خبرهم يجوز أن يكون؛ لأنه لم يكن باليمن إلا كتابي أو وثني عربي، فخص بهذه العلة. 30404 - قالوا: روى عبد الرحمن بن عوف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في المجوس: (سنوا بهم سنة أهل الكتاب). 30405 - قلنا: هذا هو الدليل عليكم، فإن المجوس لو كانوا أهل كتاب لم يقل: سنوا بهم سنتهم. وهذا يدل على أن الجزية لا تختص الكتابيين. 30406 - قالوا: روي أن عمر شك في المجوس فقال: ما أصنع بالطائفة التي ليست من أهل الكتاب؟ حتى روى عبد الرحمن الخبر علم أن الحكم غير مختص بالكتابيين، وأنه يتعدى إلى غيرهم فرجع إلى ذلك. 30408 - قالوا: روي أن فروة بن نوفل الأشجعي قال: علام تؤخذ الجزية من

المجوس وليسوا أهل الكتاب، فقام إليه المسور وأخذ بلبته وقال: يا عدو الله، تطعن على أبي بكر وعمر وعلي وقد أخذوا منهم الجزية؟! وذهب به إلى القصر، فخرج علي وجلس في ظل القصر فقال: أنا أعلم الناسب بهم، كان لهم علم يعلمونه وكتاب يدرسونه، وإن ملكهم سكر فواقع ابنته. فذكر الحديث. إلى أن قال: فأصبحوا وقد أسري بكتابهم ورفع من بين أظهرهم وذلك العلم الذي في صدورهم، فهم أهل الكتاب، وقد أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر منهم الجزية. 30409 - وهذا يدل على أنهم اعتقدوا أن الحق يختص بأهل الكتاب. 30410 - قلنا: قد بينا أن قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (سنوا بهم سنة أهل الكتاب). يدل أنه لا كتاب لهم، ويدل على أن الجزية لا تختص بأهل الكتاب، فلا يصح الرجوع إلى قول فروة إذا كان قوله - صلى الله عليه وسلم - بخلافه. 30411 - وما ذكروه يدل على أنه لا كتاب لهم؛ لأنه إذا رفع نزع من صدورهم خرجوا من أن يكونوا أهل كتاب، لوم يمنع ذلك أخذ الجزية منهم. 30412 - قالوا: روي عن حذيفة أنه قال: لولا أني رأيت أصحابي أخذوا الجزية من المجوس، ما أخذتها منهم. وتلا الآية وامتنع عمر من أخذ الجزية حتى روى عبد الرحمن الخبر، فدل على اختصاص الجزية بأهل الكتاب وأنهم أخذوها من المجوس احتياطًا. 30413 - قلنا: هذا غلط؛ لأن الآية دلت على أخذ الجزية من أهل الكتاب، ولم ينف عنهم غيرهم، هذا غلط؛ لأن الآية دلت على أخذ الجزية من أهل الكتاب، ولم ينف عنهم غيرهم، فحكم غيرهم موقوف على الدليل، فمن لم تقم عنده دلالة توقف فيمن سوى أهل الكتاب، وكما خفي على عمر: (سنوا بهم سنة أهل الكتاب). ويخفى عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ويؤدي إليكم العجم الجزية). وأي دليل في هذه الأخبار على أن غير أهل الكتاب يجوز أن تقوم الدلالة على أخذ الجزية منهم؟. 30414 - فأما قول مخالفنا: أنهم أخذوا الجزية من المجوس احتياطًا غلط؛ لأن الاحتياط أن تقبل ممن بذلها. 30415 - وعمر وضعها على أهل السواد مبتدئًا ولا احتياط في هذا؛ لأنه

يجوز قتل أهل الكتاب إذا لم يبذلوا الجزية باتفاق، فدل على أنهم أخذوا من المجوس؛ لأن الحكم يختص بغير أهل الكتاب لا لما ذكروه. 30416 - قالوا: وثنيون لا تؤخذ منهم الجزية كالعرب. 30417 - قلنا: المعنى في العرب أنهم بالغوا في أذية النبي - صلى الله عليه وسلم - وعرضوه لمفارقة وطنه، فغلظ أمرهم وهذا لا يوجد في العجم. 30418 - فإن قيل: أذيته - صلى الله عليه وسلم - كانت من أهل مكة خاصة، فلم وجب أن يعم التغليظ جميع العرب. قالوا: وقد أذاه اليهود، ولم يمنع ذلك قبول الجزية منهم. 30419 - قلنا: أهل مكة ومن والاها من بني ثقيف وبني بكر وغيرهم اتفقوا في أذية النبي - صلى الله عليه وسلم - وتكذيبه والقعود عن إجارته، ولم يكن في العرب منكر لما أتوه، فجرى حكم التغليظ على جماعتهم. 30420 - فأما اليهود فلم يعرضوا النبي - صلى الله عليه وسلم - للغربة ولا قوا على إخراجه من وطنه. 30421 - وإن شئت قلت: إن العرب لهم حرمة لكون النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم، فلم يقبل منهم الجزية ليقروا بها على التي بينه، ولم تثبت هذه الحرمة للعجم فصاروا كأهل الكتاب، ولهذا العلة لم تقبل الجزية من المرتدين؛ لأن حرمة الإسلام ثبتت لهم. 30422 - قالوا: من لم تقبل منه الجزية إذا كان عربيًا، لم تقبل منه الجزية إذا كان أعجميًا، أصله: المرتد. 30423 - قلنا: المرتد لا يقر على كفره بالاسترقاق، فكذلك الجزية. 30424 - قالوا: غير منتسب لكتاب ولا شبه كتاب، فلم تقبل منه الجزية كالمرتد والوثني العربي. 30425 - قلنا: إيمانهم بكتاب قد جحدوا ما فيه وغيروه وبدلوه لا يجوز أن يخفف حالهم كالمسلم إذا استحل الخمر والزنى فهو متمسك بكتاب ولا يقر على ذلك بالجزية، وإن تمسك بالكتاب لما نبذ أحكامه ولم يؤد حقه، والمعنى في المرتد والعربي ما قدمنا. 30426 - قالوا: الجزية عقوبة فيستوي فيها العرب والعجم كالقتل. 30427 - قلنا: القتل يستوي فيه الكتابي والوثني، فكذلك استوى فيه العربي والعجمي، والجزية فارق أهل الكتاب فيها غيرهم، فجاز أن يفارق العربي العجمي.

مسألة 1510 مراتب الجزية

مسألة 1510 مراتب الجزية 30428 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: الجزية على مراتب: توضع على الغني المكثر ثمانية وأربعين، وعلى المتوسط أربعة وعشرون، وعلى الفقير المعتمل اثنا عشر درهمًا. 30429 - وقال الشافعي رحمه الله: مقدرة بدينار يستوي فيها الغني والفقير. 30430 - لنا: ما روى عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الحكم ومحمد بن عبد الرحمن الثقفي: أن عمر بن الخطاب وجه حذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف إلى السواد، [فمسحا السواد]، ووضعا عليهم الخراج، وجعلا الناس ثلاث طبقات، ووضعا عليهم الجزية، على الغني المكثر ثمانية وأربعين، وعلى المتوسط أربعة وعشرين درهمًا، وعلى الفقير المعتمل اثنا عشر، ورجعا إلى عمر فأخبراه بذلك. وهذا بحضرة الصحابة من غير نكير، وعمل به ثمان وعلي بعد ذلك. وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ويعقد عليهم أولهم). وقال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء من بعدي). وقال: (اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر).

30431 - فإن قيل: هذا وضعه بالتراضي، وعندنا يجوز ذلك. 30432 - قلنا: البلاد فتحت عنوة واليد ثبتت عليهم، فإذا أقروا على دينهم لم يعتبر التراضي في جزيتهم، ولو كان هذا بالتراضي مع كثرة العدد وتقارب أطراف البلاد لنقل ذلك. 30433 - ولأن عمر قال: أراهم يطيقون أكثر من ذلك. فزاد عليهم عمر عليهم درهمين وردها إلى الأول. ولو كان الوضع بالتراضي لم يجز أن يزيد عليهم احتمال الزيادة. 30434 - فإن قيل: قد روي أنه شرط على أهل الشام مع الجزية ضيافة من مر بهم من المسلمين. 30435 - قلنا: هذا كما زاد على السواد درهمين ثم وضعها. 30436 - ولأنه حق يبتدأ به الكافر، فوجب أن يختلف باختلاف الإمكان كالخراج. 30437 - ولأن الخراج على ضربين: خراج على الرءوس، وخراج على الأرضين، فإذا كان أحدهما يختلف بحسب الطاقة كذلك الآخر. 30438 - فإن قيل: الخراج عندنا وضعه عمر ثمنًا للأرض أو أجرة وذلك بحسب المصلحة، وقد كان يجوز أن يستوي ويجوز أن يفاضل. 30439 - قلنا: لو كان ثمنًا وأجرة، لم يختلف بما يزرع في الأرض. 30440 - ولأن هذه دعوى، فلا نسلمها فلا يصلح الفصل بها. 30441 - ولأنه اعتبر فيه الطاقة، ولو كان ثمنًا لم يعتبر فيه ذلك. 30442 - ولأن الحقوق المأخوذة ضربان، أحدهما: طهرة، والآخر: جزية، وإذا كانت الطهرة وهي الزكاة تختلف باختلاف اليسار، كذلك الجزية مثله. 30443 - فإن قيل: الزكاة تختلف باختلاف أجناس المال كذلك تختلف بمقاديره، والجزية لا تختلف باختلاف أجناس المال، فلم تختلف باختلاف مقاديره. 30444 - قلنا: الزكاة تؤخذ من أجناس المال فاختلفت باختلاف الأجناس، والجزية تؤخذ من جنس واحد فاختلفت باختلاف الإمكان ولم تختلف باختلاف الأجناس.

30445 - احتجوا بقوله تعالى: {حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صغرون}. فظاهره يقتضي سقوط القتل عنهم بأي شيء بذلوه. 30446 - قلنا: أجمعنا على أن المراد بذلك مقدارًا مقدرًا واختلفنا فيه، فلم يصح الرجوع إلى الظاهر، كما لا يصح الرجوع إلى قوله: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} في المقدر، إلا أنهم اتفقوا على أن المراد بالآية مقدار لا يدل ظاهرها عليه. 30447 - فإن قيل: الجزية فعلة من قولهم: جزى يجزي، إذا قضى دينه. فأي قدر مضمون يجب أن يكون جائزًا إلا ما خصه الدليل. 30448 - قلنا: إذا كان كذلك فيجب أن يقضي ما عليه حتى يقال: جزي. واختلفنا في مقدار ما عليه، فإذا أري بعضه فلا يقال: جزي كما لا يقال ذلك لمن قضى بعض دينه. 30449 - ولأنه ذكر الجزية بالألف واللام، وهذا يقتضي جزية معرفة، فلا يجوز حملها على كل مقدار. 30450 - احتجوا: بما روي عن معاذ أنه بعثه - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن، وأمره أن يأخذ من كل حالم دينارًا أو عدله من المعافر. قالوا: روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى اليمن بأن يؤخذ من أهل الكتاب من كل محتلم دينارًا. قالوا: وروي أنه - صلى الله عليه وسلم - ضرب على نصارى أيلة ثلثمائة دينار وكانوا ثلاثمائة نفس. 30451 - قلنا: يحتمل أن يكون هذا وضع صلحًا فتقدر بحسب التراضي، يبين ذلك أنه روي في حديث معاذ أنه - صلى الله عليه وسلم - قال له: (خذ من كل حالم وحالمة دينارًا). والنساء لا يؤخذ منهن جزية إلا صلحًا. 30452 - وقولهم: إن الشافعي قال: حدثني جماعة بهذا الخبر، وليس فيه حالمة. 30453 - لا يقدح في رواية من روى الزيادة، ويحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - علم

نقصان طاقتهم فوضع عليهم دون المقادير وقد كانت الأموال على عهده [- صلى الله عليه وسلم -] بالحجاز واليمن قليلة فلما رأى عمر أهل العراق والشام يطيقون أكثر من ذلك وضع عليهم بحسب طاقتهم، ولو كان الدينار سنة مقدرة يتساوى الناس فيه، لم يجز أن يتجاوز به، ولم يقره الصحابة على ذلك. 30454 - وقدروى أبو عبيدة عن سفيان بن عبينة عن ابن أبي نجيح قال: سألت مجاهدًا: لم وضع عمر على أهل الشام الجزية أكثر مما وضع على أهل اليمن، قال: لليسار. 30455 - قالوا: من جاز أن يقر على كفره بالجزية، جاز أن يقر عليه بدينار، أصله: الفقير. 30456 - قلنا: إن عللتم الجواز قلنا بموجبه في الصلح، وإن عللتم للوجوب بطل بالصلح. 30457 - ولأن موضوع حقوق الأموال التي تجب لحق الله تعالى يجوز أن يستوي فيها الفقير والغني، فهذا التعليل للتسوية بينهما مخالف للأصول، وإنما لا نسلم أن الفقير يقر على كفرة بدينار، وإنما يقر باثني عشر درهمًا، فالأصل غير مسلم. 30458 - قالوا: معنى يحقن به الدم فوجب أن يستوي فيه الموسر والمعسر كالإسلام. 30459 - قلنا: الإسلام من حقوق الأبدان وذلك لا يختلف باليسار والإعسار، والجزية من حقوق الأموال فيجوز أن تختلف لحق الله تعالى. 30460 - ولأن الإسلام يستوي فيه المرتد وغيره، فجاز أن يختلف فيه الغني والفقير كالزكاة.

مسألة 1511 المجوس لا كتاب لهم

مسألة 1511 المجوس لا كتاب لهم 30461 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: المجوس لا كتاب لهم. 30462 - وقال الشافعي رحمه الله: لهم كتاب. 30463 - لنا: قوله تعالى: {إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين}. ولم يرد سبحانه ذلك عليهم، ولو كانوا كاذبين لرد كذبهم؛ لأنه تعالى لا يحكي عنهم الكذب ويترك إنكاره. 30464 - فإن قيل: المراد بذلك الكتب الظاهرة دون غيرها، وإلا فقد أنزل غير الكتابين، بدلالة قوله تعالى: {إن هذا لفي الصحف الأولى* صحف إبراهيم وموسى}. وقال: {وإنه لفي زبر الأولين}. 30465 - قلنا: غلط؛ لأنا لا نعلم نزول كتاب إلا على طائفتين على بين إسرائيل وعلى النصارى، وصحف إبراهيم وزبور داود كلها منزلة على من كان بدين موسى، فهم طائفة والنصارى طائفة. 30466 - وقيل المراد به: إنما أنزل الكتاب على طائفتين من أهل الأديان الموجودة حينئذ، وباقي الملل الموجودة لم ينزل عليهم كتاب، ويدل عليه أن أبا بكر الصديق قال لبعض قريش: إن غلبت الروم فارس غلبناكم؛ لأن الروم أهل كتاب ونح أهل كتاب. فغلبت فارس الروم فاغتم أبو بكر، فنزلت: {الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون}. وإذا كان للمجوس كتاب، لم يكن لهذا الكلام معنى. 30467 - وروي عن حذيفة بن اليمان وأبي موسى الأشعري أنهما قالا: لولا أن

أصحابنا أخذوا الجزية من المجوس، ما أخذناهم منهم. فدل أنهما اعتقدا أنه لا كتاب لهم. 30468 - وقال عمر: ما أصنع بالطائفة التي ليست من أهل الكتاب. فشهد عبد الرحمن بن عوف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعرف به من غيره. 30469 - ويدل عليه ما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى قيصر: (بسم الله الرحمن الرحيم يأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم). وكتب إلى كسرى: (تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم). والفرق بينهما يدل على ما قلناه. 30470 - ولأنه لو كان لهم كتاب، أحلت ذبائحهم وجاز مناكحتهم، فلما لم يجز ذلك دل على أنه لا كتاب لهم. 30471 - احتجوا: بما روي عن علي بن أبي طالب أنه قال: كان لهم كتاب يدرسونه وعلم يحفظونه، فرفع الكتاب ونزع ما في الصدور. 30472 - قلنا: إن الطحاوي قال: إن هذا لا يصح عن علي؛ لأنه خبر يدور على أبي سعيد بن المرزبان وليس ممن يحتج بحديثه. وقال أبو عبد الله: إنه نقل من وجه لا يثبت، ولو ثبت احتمل أن يكون لهم كتاب فيه علم [لم ينزل]، والكلام في كتاب منزل متفق على الإيمان به. 30473 - قالوا: تؤخذ منهم الجزية، فكانوا أهل كتاب كاليهود والنصارى. 30474 - قلنا: الأقيسة الشرعية لا تدل على وجود الدوار، والمعنى في اليهود والنصارى: أنه يجوز مناكحتهم وتؤكل ذبائحهم. 30475 - فإن قيل: من أصحابنا من قال: يجوز مناكحة المجوس. 30476 - قلنا: هذا قول يخالف السنة والإجماع، فلا يعتد به. 30477 - فأما السنة: فما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى مجوس البحرين يدعوهم إلى

الإسلام، فمن أسلم منهم قبل منه، [ومن أبي] ضربت عليه الجزية، ولا تؤكل لهم ذبيحة ولا تنكح لهم امرأة. 30478 - وأما الإجماع: فقال إبراهيم الحربي: بلغنا عن بضعة عشر نفسًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن مناكحة المجوس للمسلمين لا يجوز ولا تحل. قال: وهذا إجماع المسلمين، ولم نسمع أحدًا خالف فيه حتى جاء رجل من الكرخ فخالف فيه. يعني أبا ثور.

مسألة 1512 الجزية على الفقير

مسألة 1512 الجزية على الفقير 30479 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: لا جزية على الفقير الذي لا كسب له. وبه قال الشافعي رحمه الله في سير الواقدي. 30480 - وقال في كتاب الجزية: يجب عليهم الجزية. واختلف أصحابه في أسمائها، فقال ابن سريج: يحتمل أن يقال له في آخر الحلول: ينبغي أن تعطي أو ترجع حربًا إلى دار الحرب، وسقط عنك ما مضى. والوجه الثاني يكون في ذمته إلى أن يجد ما يؤدي. 30481 - لنا: أن عمر بعث حذيفة وعثمان بن حنيف فوضعا الجزية وجعلا الناس ثلاثة أصناف: الموسر والمتوسط والفقير المعتمل، ولم يضعا على فقير غير معتمل شيئًا. 30482 - ولا يجوز أن يترك في دار الإسلام من هو من أهل دار الحرب من غير جزية، فعلم أنها لا تجب على غيرهم. 30483 - ولأن عمر قال لهما: لعلهم لا يطيقون ذلك. فقال عثمان: إن لهم فضولًا من العيش وإنهم يطيقون أكثر من ذلك. فاستذلهم. فدل أن الطاقة معتبرة، والفقير الذي لا صناعة له لا يطيق الجزية فلا توضع عليه. 30484 - فإن قيل: يحتمل أن يكونا لم يجدا فقيرًا معتمل. 30485 - قلنا: الاحتمال الثاني للعادة لا حكم له ونحن نعلم أن العراق لا يجوز أن يخلو من فقير لا كسب له والعادة طريق مقطوع به فلا يسقط بالتجويز. 30486 - ولأنه حق مالي يبتدأ به الكافر، فوجب أن تعتبر فيه الطاقة كالخراج. 30487 - فإن قيل: الخراج أجرة، فلا يجب على أرض لا نفع لها. 30488 - قلنا: هذا غير مسلم، بل هو حق الله تعالى كالجزية، ولو كان أجرة لم

يختلف قدره باختلاف ما يزرع في الأرض. 30489 - ولأنه عاجز عن الكسب، فلا تجب عليه جزية كالمرأة. 30490 - ولأن النساء الغالب عليهن عدم الكسب وقد يقدرون على ذلك، فإذا لم يجب عليهن جزية، فالعاجز الذي لا قدرة له أولى. 30491 - فإن قيل: الجزية لحقن الدم، والمرأة محقونة الدم. 30492 - قلنا: الجزية لحقن الدم والمال، والمرأة يحقن مالها بالذمة. ولا يلزم الرهبان وأصحاب الصوامع؛ لأن الجزية لا تجب عليهم إلا أن يكون لهم بضائع وكسب يولونهم غيرهم باختيارهم. 30493 - ولأنه حق يراعى فيه الحلول، فجاز أن يمنع الفقير من وجوبه كالزكاة. أو نقول: إن الحقوق المأخوذة من المال لحق الله تعالى على ضربين: طهرة وجزية، فلما لم تجب الطهرة على الفقير، كذلك الجزية. 30494 - قالوا: نعكس فنقول: فاستوى فيه الفقير المعتمل وغيره كالزكاة. 30495 - قلنا: لا تحتاج إلى قولنا: يراعى فيه الحلول. 30496 - ولأنكم تريدون بالاستواء في الأصل سقوط الحق في الفرع وجوبه، وهما حكمان مختلفان. 30497 - فإن قيل: الزكاة تجب عندنا على الفقير. 30498 - قلنا: إذا لم يكن له شيء، فلا زكاة عليه باتفاق. 30499 - قالوا: حكم الزكاة والجزية يختلف، بدلالة أن الزكاة لا تجب على من له عقار ونبات غير التجارة وحمير وبغال، وتجب الجزية عليه، والفقير المعتمل لا زكاة عليه وعليه الجزية. 30500 - قلنا: الفقر يمنع وجوبها، وزوال الفقر يوجب الجزية، ولا يوجب الزكاة حتى يحصل الغني بصفة مخصوصة، وهذا لا يمنع من تأثير الفقر فيها. فأما الفقير المعتمل فهو غني بكسبه، فوجب عليه الجزية، والزكاة لا تجب إلا على الغني بمال مخصوص. 30501 - فإن قيل: الزكاة مواساة كتحمل العقل، والجزية عوض عن حقن الدم والإقرار في الدار.

30502 - قلنا: صدقة الفطر مواساة ويجب على الفقير عندكم، والخراج عندكم عوض عن الأرض أو عن منافعها، ثم لا يجب على أرض لا مالك لها وعلى أرض السكنى، كذلك لا يمتنع أن تكون الجزية عن القتل، وتجب على القادر على أدائها. وعلى أن الجزية لا تجب على العبد، وإن حصل له حقن الدم. 30503 - احتجوا: بقوله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله} إلى قوله: {حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صغرون}. فلما كان قوله تعالى: {قاتلوا} يعني: الغني والفقير، كذلك: {يعطوا الجزية} تعمهما. 30504 - قلنا: الإعطاء لا يكلفه إلا القادر عليه، والفقير الذي لا كسب له لا يقدر عليه، فلم تتناوله الآية. 30505 - فإن قيل: المراد بالآية الإعطاء بدليل أن القتل يسقط بالالتزام لا بالدفع. 30506 - قلنا: المتطرف الدفع والالتزام مراد فلا تسقط أحدهما، وكأنه قال: حتى يلتزموا إعطاءكم، ومن لا يقدر لا يعطي. 30507 - فإن قيل: يتوصل إلى الإعطاء كما يتوصل إلى أداء ديون الناس. 30508 - قلنا: ديون الآدميين لا يخاطب الفقير بالتوصل إلى أدائها بالصدقة وإن توصل إلى قوته منها، فحق الله تعالى أولى ألا يتوصل إليه بذلك. 30509 - قالوا: روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لمعاذ: (وخذ من كل حالم دينارًا). 30510 - قلنا: الأمر بالأخذ لا ينصرف إلى من لا يقدر على الدفع، فاختص الخبر بالقادر على الأداء. 30511 - قالوا: كافر مكلف فلا تعقد له ذمة حولًا في دار الإسلام بغير جزية، أصله الموسر. 30512 - قلنا: يبطل بالعبد. فإن قيل: الإمام يعقد لصاحبه. 30513 - قلنا: حقن الدم هو الفرض وهو يحصل له، والمولى يتولى العقد كما يتولاه، وحقانة الدم بأهلها. 30514 - ولأن الجزية من حقوق الديوان التي يتعلق بها حق الله تعالى. 30515 - قالوا: إنها إذا وجبت على الموسر، وجبت على المعسر.

30516 - قلنا: المعنى في الموسر أنه قادر على الأداء، فجاز أن توضع عليه، والفقير لا يقدر على الأداء من ماله ولا كسبه، فلا توضع عليه كالعبد. 30517 - قالوا: لو حصل في الأسير، جاز قتله، فلم يجز إقراره على كفره في دار الإسلام حولًا بغير جزية كالموسر. 30518 - قالوا: لأن الجزية في مقابلة حقن الدم والإقرار في دار الإسلام، وهذا المعنى موجود في الموسر والمعسر. 30519 - قلنا: هذا يبطل بالعبد؛ لأن القتل حق بدني يستوي فيه الفقير والغني. 30520 - قالوا: معنى يسقط به القتل، فاستوى فيه الغني والفقير كالإسلام. 30521 - قلنا: الإسلام حق بدني، والجزية حق مالي، والغني والفقير يشتركان في حقوق الأبدان، ويختلفان في حقوق الأموال كالزكاة. 30522 - والمعنى في الإسلام: أن القتل سقط به عن المرتدين وعبدة الأوثان من العرب، فجاز أن يسقط به الفقير، والجزية لا يسقط بها القتل عن المرتد والوثني العربي، كذلك لا يقف سقوط القتل عن القادر عليها. 30523 - ولأن الإسلام على ما يؤثر في إسقاط القتل، فكذلك عم الغني والفقير، والجزية أدون منه، فيجوز أن تخص الغني دون الفقير. 30524 - وقد قال الشافعي: أن يؤخذ الأدنى [بأنظار الفقراء] ولا يكلفه المشقة للناس حتى يؤديها، وحقوق الله تعالى أوسع فأولى ألا يطالب بها. وقال ابن سريج: يحتمل أن يقال: إما أن تؤدي أو ترد إلى دار الحرب كما يقال للمستأجر إذا عجز عن الأجرة: إما أن تؤدي، وإما أن تفسخ الإجارة. 30525 - وهذا غلط؛ لأن إقامته في دارنا بغير جزية أصلح للمسلمين من تكثير جموع المشركين وإعانتهم بقتاله. 30526 - قالوا: ويحتمل أن ينظره بها إلى اليسار كما ينظره بالديون. 30527 - وهذا غلط؛ لأن حقوق الله تعالى المبتدأة لا تلزم الفقير وتؤخر المطالبة كصدقة الفطر.

مسألة 1513 وقت وجوب الجزية

مسألة 1513 وقت وجوب الجزية 30528 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: الجزية تجب بأول الحول. 30529 - وقال الشافعي رحمه الله: لا تجب حتى تمضي سنة. 30530 - لنا: قوله تعالى: {حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صغرون}. فأمرنا بإسقاط القتل عنهم بإعطاء الجزية، فدل أنها تجب بإسقاط القتل. 30531 - فإن قيل: المراد بالآية الالتزام للإعطاء، بدليل أنه قال: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة فخلوا سبيلهم}. 30532 - قلنا: الظاهر أن القتل لا يسقط إلا بفعل الصلاة أو بأداء الجزية، وقام الدليل في أحد الموضعين فهو لنا عن ظاهر بقي الآخر على ظاهرة. 30533 - فإن قيل: قتل سقط بالتزام الإعطاء بالإجماع. 30534 - قلنا: هذا هو الدليل على أن الالتزام المطلق في العقود يقتضي الوجوب بالعقد. 30535 - ولأنه مال يجب بإسقاط القتل، فكان وقت وجوبه حال سقوط القتل كالصلح من دم العمد. 30536 - ولأن كل ما وجب بالعقد، فالتأجيل يدخله بتأخير المطالبة للإيجاب، أصله سائر العقود. 30537 - ولأنه حق مالي يجب لأجل الرقبة، فلا يعتبر في وجوبه مضي حول، أصله: الفطر. 30538 - ولأن من ولد له أو ملك في آخر شهر رمضان، وجبت فطرته باتفاق وإن لم يمض الحول.

30539 - ولأنه سبب للإقرار على الكفر، فلا يتأخر وجوبه بعد الإقرار كالاسترقاق. 30540 - احتجوا: بما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى أهل اليمن أن يؤخذ من كل حالم دينار في كل سنة. 30541 - قلنا: لو ثبت هذا دل على أنها لا تؤخذ في السنة أكثر من مرة، ولم يدل على تقدمه في أول السنة وتأخرها. 30542 - قالوا: النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأخذ ممن صالحه الجزية إلا بعد مضي سنة. 30543 - قلنا: هذا لا نعرفه، ولو ثبت احتمل أن يكول شرط في العقد التأجيل، وكلامنا في العقد المطلق. 30544 - قالوا: حق في مال تعلق وجوبه بالحول كالزكاة. 30545 - قلنا: لا نسلم أن وجوبه تعلق بالحول. 30546 - فإن عنوا: أنه لا يجب بالحول إلا دفعة؛ انتقض بصدقة الفطر. 30547 - ولأن الزكاة طهرة فوجوبها على طريق التخفيف، ولهذا اعتبرنا فيها النصاب، والجزية عقوبة، فلم يلزم تخفيفها كما تخفف الطهرة. 30548 - قالوا: الخراج على ضربين: خراج الرءوس وخراج الأرضين، فإذا لم يجب خراج الأرضين بالوضع، كذلك خراج الرءوس. 30549 - قلنا: خراج الأرض لا يقابله الانتفاع بها، فما لم تسلم لم منفعة لم يجب، وخراج الرءوس في مقابلة إسقاط القتل، فيجب عند سقوطه. 30550 - قالوا: حق يتكرر بكل حول، فيجب بمضي الحلو لا بدخوله كالزكاة والدية على العاقلة. 30551 - قلنا: يبطل بصدقة الفطر. 30552 - ولأن الدية لا تجب على العاقلة على وجه المواساة، فاعتبر فيها التخفيف، وهذا وجب على على وجه العقوبة، فجاز أن يجب فيه التغليظ.

مسألة 1514 تداخل الجزية إذا اجتمع حولان

مسألة 1514 تداخل الجزية إذا اجتمع حولان 30553 - قال أبو حنيفة رحمه الله: إذا اجتمع حولان، تداخلت الجزية واقتصر على جزية واحدة. 30554 - وقال أبو يوسف ومحمد [رحمهما الله]: لا تتداخل. وبه قال الشافعي رحمه الله. 30555 - لنا: أنها عقوبة، فإذا اجتمعت إتيانها من جنس واحد، كان لاجتماعها تأثير في التداخل كالحربي، والدليل على أنها عقوبة أنها وضعت للتبقية على الكفر، ومن لا يستحق العقوبة لا يوضع عليه كالصبي والمجنون ويمنع الإسلام من وجوبها كالقتل، ولا يبتدأ بها مسلم، ولا توضع إلا على كافر، وأنها عقوبة من جنس واحد استيفاؤها إلى الإمام، فجاز أن تتداخل عند اجتماع أسبابها كالحدود. 30556 - واحتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (الزعيم غارم). 30557 - قلنا: الزعيم هو الكفيل، فأما من التزم المال بعقد، فلا يقال له: زعيم. 30558 - ولأن الغرم يلزمه عندنا ثم يسقط، وليس في الوجوب ما يمنع ذلك. 30559 - قالوا روي أنه - عليه السلام - كتب إلى أهل اليمن أن يؤخذ من كل حالم دينار في كل سنة. 30560 - قلنا: هذا يقتضي أن الأخذ يتكرر بتكرر السبب، وليس فيه أنها إذا لم تؤخذ هل تؤخذ مجتمعة أو لا تؤخذ.

30561 - قالوا: أمان متكرر بتكرر الحول، ومال يجب في كل حال، فوجب ألا تتداخل كالزكاة والدية على العاقلة. 30562 - قلنا: الزكاة وضعت على وجه الطهرة فلم تتداخل، والجزية وضعت عقوبة فجاز أن تتداخل. فأما الدية فلا يقال إنها تتكرر بتكرر الأحوال، أو لأنها تجب في كل حول لأنها تختص بثلاث سنين، ولأنهم يؤدون مواساة وليست بعقوبة، والجزية عقوبة للبقاء على الكفر. 30563 - قالوا: الجزية عوض عن حقن الدم وإقرارهم في دارنا، فالعوض الواجب بالعقد لا يتداخل كالثمن والأجرة. 30564 - قلنا: لو سلمنا أنها عوض، لم يمنع ذلك أن يكون على وجه العقوبة، والثمن والأجرة ليسا على العقوبة، والتداخل يقع في العقوبات ولا يقع في الأعواض التي ليست عقوبة.

مسألة 1515 سقوط الجزية إذا أسلم الذمي

مسألة 1515 سقوط الجزية إذا أسلم الذمي 30565 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا أسلم الذمي، سقط عنه ما وجب من الجزية. 30566 - وقال الشافعي رحمه الله: يؤخذ منه الجزية الماضية. 30567 - لنا: قوله تعالى: {حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صغرون}. فأمر بأخذ الجزية على وجه الصغار، والمسلم لا يجوز أن يستصغر، ويدل عليه قوله تعالى: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف}. وهذا يمنع مطالبتهم بأحكام الكفر. 30568 - ولا يقال: إن الغفران ينصرف إلى الذنوب؛ لأن الغفران التغطية فيقتضي تغطية كلها، ويدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: (الإسلام يجب ما قبله). وقال - صلى الله عليه وسلم -: (ليس على كل مسلم جزية). وهذا ينفي الابتداء والانتهاء. ذكره أبو داود والطحاوي عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. 30569 - ولأنه مسلم فلا تستوفى منه جزية عن رقبته، كما لو كان في الابتداء مسلمًا. 30570 - ولأنها عقوبة للبقاء على الكفر فتسقط بالإسلام كالقتل، والدليل على أنها عقوبة: أنه لا يبتدأ بها إلا الكفار، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بعرض الشهادتين عليهم فإن أبوا عرضت عليهم الجزية، فدل على أنها تجب لترك الإسلام كالقتل، ولأنها لا توضع إلا على من كان من أهل العقوبة. ولا يلزم الرق؛ لأنه ليس بعقوبة، بدليل أنه

يبتدأ في الصغار ولا عقوبة عليهم. 30571 - فإن قيل: إنما يسترقون تبعًا لآبائهم وإن لم يستحقوا العقوبة، كما أن ترك الصلاة على سوى الكفار عقوبة وتتبعهم أولادهم فلا نصلي عليهم. 30572 - قلنا: ترك الصلاة ليس بعقوبة؛ لأن الميت لا يعاقب، ولأن الشهيد لا يصلى عليه عند مخالفنا فلم يكن ذلك عقوبة، ولا يصلى على قتلى المسلمين إذا غلب عليهم قتلى الكفار وإن لم يستحقوا العقوبة. 30573 - ولأنه إسلام طارئ فلا يستوفي بعده جزية، أصله: عابد الوثن من العرب. 30574 - احتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (الزعيم غارم). 30575 - قلنا: الزعيم هو الكفيل، وهذا [ليس بكفيل بشيء]. 30576 - ولا يقال: إن الزعيم الضمين، وقد ضمن؛ لأن من عقد عقدًا يلزمه عوض؛ لا يقال: إنه زعيم به؛ لأن وجوبه لا يقف على ضمانه وإن سلمنا أنه زعيم، وإنما ضمن بشرط ليسقطه عن نفسه، فلا يستحط عليه، فإذا سقط القتل عنه بإسلامه، لم يلزمه الضمان لفوات شرطه. 30577 - قالوا: مال يجب على الكافر صح أداؤه في حال الكفر، فوجب ألا يسقط، أصله: حقوق الآدميين. وربما قالوا: دين ثابت في ذمته، فلا يسقط بإسلامه. والعبارة الأولى احترزوا بها عن الزكاة إذا قالوا: إن الكافر مخاطب؛ لأنه لا يطالب بها في حال الكفر، والعبارة الثانية إذا قالوا: إن الكافر غير مخاطب. 30578 - والجواب: أنه يبطل بامرأة الكافر إذا أسلمت قبل الدخول، سقط مهرها. 30579 - فإن قالوا: لا يسقط بالإسلام، لكن بالفرقة الحاصلة بالإسلام. 30580 - قلنا: كذلك الجزية لا تسقط بالإسلام، لكن بالإسلام يحقن دمه، فسقط حقن الجزية. ونقول بموجب العلة لم سقط بإسلامه وإنما يسقط؛ لأنه بدل عن القتل، فإذا سقط القتل عنه لم يلزمه بدله. ونقول: إنه لا يستصغر والجزية فيها

صغار وذلة. وكذلك نقول في الديون التي يتعذر أداؤها مع الإسلام: إنها تسقط، كالذمي إذا استقرض خمرًا ثم أسلم في إحدى الروايتين. والمعنى في الديون: أن الإسلام لا ينفي ابتداء وجوبها، فلا ينفي استيفاؤها. ولما كانت الجزية دينا لابتداء وجوبه على المسلم، لم يجز أن تستوفى بعد إسلامه. أو نقول: الديون تستوفى بعد الإسلام على الوجه الذي وجبت عليه، والجزية لا يمكن أن تستوفى على الوجه الذي وجبت حال كفره. 30581 - [قالوا]: لم تسقط بإسلامه كالخراج. 30582 - قلنا: إن قستم على خراج موضوع على الأرضين نفلا استصغار فيه؛ لأن حقوق الأموال لا صغار فيها، ولهذا نقول: إن الخراج يبتدأ به المسلم، وليس كذلك حقوق الزمان، ولأن فيها صغارًا والمسلم لا يستصغر. 30583 - وإن قستم على أهل الحرب إذا صولحوا على خراج من أرضهم جزية عن رءوسهم، فذلك الخراج سقط بالإسلام لأنه جزية. 30584* قالوا: الجزية عوض عن حقن الدم والإقرار على الكفر في دار الإسلام، ولهذا لا يجب على النساء والصبيان؛ لأن دماءهم محقونة، فالدليل على أنها عوض عن المساكنة؛ أنه يجوز أن نهادنهم في دارهم أكثر من سنة بغير جزية ولا يجوز في دارنا. 30585 - قالوا: والعوض لا يسقط بالإسلام، كالعوض في الصلح عن الدم والأجرة. 30586 - والجواب: أن الجزية ليست عوضًا عن إسقاط القتل، بدليل أن المستأمن في دار الإسلام إذا أقام أكثر من حول، وضعنا عليه الجزية وإن لم يجز قتله، وإنما هي معاقبة، فمتى سقط قتل الكافر وجبت الجزية عليه. وأما المساكنة: فلا تجب الجزية بها، بدليل أن الذمي لو خرج تاجرًا إلى دار الحرب وأقام حولًا، لم تسقط جزيته، وإن كانت المساكنة لم توجد.

مسألة 1516 سقوط الجزية بالموت

مسألة 1516 سقوط الجزية بالموت 30587 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: الجزية تسقط بالموت. 30588 - وقال الشافعي رحمه الله: تستوفى من التركة. 30589 - لنا: قوله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله} إلى قوله: {حتى يعطوا الجزية}. والميت لا يقاتل، فلا تؤخذ منه الجزية. وقال: {عن يد وهم صغرون}. والاستصغار لا يصح بالموت، فتعذر الاستيفاء على الوجه المأمور به فسقط. 30590 - ولأنه حق يعتبر فيه الحول، فسقط بالموت كالدية المأخوذة من العاقلة. 30591 - ولأن الموت معنى يسقط الدية عن العاقلة، فتسقط الجزية، أصله: الاستيفاء. 30592 - ولأن الموت يؤثر في التكليف، فيمتنع استيفاء الجزية، أصله: إذا مات أول الحول. 30593 - فإن قالوا: هناك لم تجب الجزية. 30594 - لم نسلم؛ لأن وجوبها يتعلق بأوله. 30595 - ولأنها عقوبة على الكفر، بدلالة أنها تعاقب القتل فصارت كالقتل. 30596 - ولا يقال: إن القتل حق بدن فسقط بالموت، والجزية حق مال فلا تسقط، ولأن الحج حق بدن فلا يسقط عند مخالفنا بالموت، والقصاص حق بدن ولا يسقط عندهم بالموت بل ينتقل إلى التركة. 30597 - احتجوت: بأنه مال ثابت في الذمة، فوجب ألا يسقط بالموت كسائر الديون. 30598 - قلنا: يبطل بمال الكتابة والدية على العاقلة.

30599 - فإن قالوا: مال الكتابة ليس بثابت؛ لأن المكاتب يعجز نفسه فيسقط. 30600 - قلنا: والجزية ليست ثابتة؛ لأنه يسلم فتسقط عندنا. 30601 - ولأنها لا تسقط عندنا بالموت، وإنما تسقط لأنها لا يمكن استيفاؤها على الوجه الذي وجبت عليه، ولهذا سقط عنه في حال الحياة بالإسلام لهذه العلة. والمعنى في الديون: أنها ديون صحيحة لم تجب على وجه الصغار والذلة، ولما وجبت الجزية على وجه الصغار والذلة، سقطت بالموت. 30602 - قالوا: الجزية عوض عن حقن الدم وإقرارهم على كفرهم في دار الإسلام، والعوض إذا ثبت لم يسقط بموت من ثبت عليه كالأجرة والثمن والمهر. 30603 - قلنا: قد تكلمنا على هذا الوصف وأبطلنا قولهم: إنها عوض عن حقن الدم. بدلالة أنها توضع على المستأمن ودمه محقون، وتؤخذ من الذمي إذا أقام سنة في دار الحرب. والمعتبر في الأجرة والثمن أنه يمكن استيفاؤها بعد الموت على الوجه الذي وجب، وهذا لا يوجد في مسألتنا. أو نقول: إنما يصح إيجابها بعد الموت في مال الميت بأن يبتاع الوصي عبدًا ليعتقه أو ليستأجر من يعمل في ملكه عملًا، وليس كذلك الجزية؛ لأنه لابيتدأ إيجابيها في مال الميت فلا يصح أن يبقى وجوبها بعد الموت.

مسألة 1517 الجزية على نساء بني تغلب

مسألة 1517 الجزية على نساء بني تغلب 30604 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: نساء بني تغلب يؤخذ منهن مثل ما يؤخذ من رجالهم. 30605 - وقال زفر: لا يؤخذ من النساء شيء. وبه قال الشافعي رحمه الله. 30606 - لنا: ما روي أن عمر بن الخطاب صالحهم على أن يضاعف عليهم ما يؤخذ من المسلمين. ومعلوم أن المسلم يؤخذ من ماله الزكاة وكذلك المسلمة، فيجوز أن يضاعف على التغلبية. 30607 - ولأن هذه جزية وجبت بالصلح والتراضي، فيجوز أن تؤخذ من المرأة، بدليل ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: (خذ من كل حالم وحالمة دينارًا). 30608 - ولأن كل من تجب عليه الزكاة إذا كان مسلمًا، تؤخذ منه ضعفها إذا كان تغلبيًا كالرجل؛ لأن المكلف من أهل الحرب رجال ونساء، فإذا جاز أن يجب الجزية على أحد الفريقين، جاز أن تؤخذ من الفريق الآخر. 30609 - احتجوا: بأنها جزية، فلا تجب على النساء كغير بني تغلب. 30610 - قلنا: غير بني تغلب إما أن يضع الإمام جزية عليهم ابتداء ويضعها بالتراضي والصلح، فإن وضعها ابتداء لم يضعها على النساء، وإن وضعها بالتراضي والصلح فهي بحسب ما يقع التراضي عليه، فإن تراضوا على أن يخص الرجال كانت كذلك وتراضوا على أن يكون على الرجال والنساء جاز مثل مسألتنا. 30611 - قالوا: المرأة محقونة الدم، فلا تجري عليها الجزية المضاعفة كالصبي. 30612 - قلنا: يبطل بالمستأمن إذا وضعت عليه الجزية لإقامته في دارنا أكثر من

سنة، والمعنى في الصبي: أنه غير مكلف فلم يعاقب بالجزية، والمرأة مكلفة فجاز أن تعاقب بالجزية كالرجل. 30613 - قالوا: من لا يجري عليه أصل الجزية، [لا تجب عليه] الجزية المضاعفة كالصبي. 30614 - قلنا: الوصف غير مسلم؛ لأن المرأة يجري عليها أصل الجزية بالصلح، والمعنى في الصبي ما بينا.

مسألة 1518 رد المرأة المسلمة بعد عهد الإمام إلى أهل الحرب

مسألة 1518 رد المرأة المسلمة بعد عهد الإمام إلى أهل الحرب 30615 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا عاهد الإمام قومًا من أهل الحرب فخرجت امرأة منهم إلينا مسلمة، لم يجز ردها إليهم، ولا يجب رد مهرها على زوجها. 30616 - وقال الشافعي رحمه الله: الأشبه ألا ترد المهر. وفيها قول آخر: أنه يجب أن يرد المهر من خمس الخمس، فإن خرجت أمة منهم مسلمة لم يردها. وقيل: يرد ثمنها أو قيمتها. فيه قولان. 30617 - لنا: أن الزوج سلم له البضع بالدخول، فلا يستحق المهر، أصله سائر الحقوق. 30618 - ولأن المبدل سلم له، فلا يرد إليه كالبيع. 30619 - ولأن خروجها إما أن تقع فيه الفرقة على ما نقول، أو هو سبب فيها، وإنما كان لم يجب به رد المهر بعد الدخول كالردة، وإن كان الخلاف إذا شرط الإمام رد ذلك، فإن كان شرطًا فاسدًا، فلا يجب به رد شيء كسائر الشروط الفاسدة. 30620 - ولأنه لا يجب ردها، فلا يجب رد مهرها، كمن لا هدنة لهم. 30621 - ولأن زوجها لو خرج مسلمًا، لم يستحق مهرها، كذلك إذا خرج [كافرًا. 30622 - قالو]: إذا خرج بعد الإسلام، فقد التزم الإسلام، وليس كذلك إذا خرج كافرًا؛ لأنه لم يلتزم الإسلام. 30623 - قلنا: إذا خرج كافرًا فطالب بها ثم أسلم، وجب له المهر وإن كان قد التزم حكم الإسلام.

30624 - فإن قيل: إذا انقضت عدتها أو ماتت فالحيلولة التي ثبتت بينه وبينها ليست هي الإسلام، فلا يجب رد شيء قبل ذلك الحيلولة بالإسلام؛ فوجب رد المهر. 30625 - قلنا: الحيلولة بالإسلام حيلولة بحق، فهي كانقضاء العدة، فلا فرق بينهما. 30626 - احتجوا: بقوله تعالى: {يا أيها الذين أمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهجرات} إلى قوله: {وأتوهم ما أنفقوا}. والمراد بالنفقة: المهر باتفاق. 30627 - قلنا: الآية منسوخة؛ لأن منع رد النساء لا يقف على محنتهن، فإنما كان قبل نزول الآية، فكان إذا جاءت امرأة منهن امتحنت: هل خرجت كراهة لزوجها أو لحديث أحدثته أو لحب الإسلام خاصة، ولم يرو رد مهرها، وهذا حكم قد سقط فلا يجوز ردها من غير امتحان ولا يجب رد شيء لأجل منعها. وقد دل على ذلك ما روى يزيد بن هارون عن محمد بن إسحاق أن ابن شهاب حدثه عن عروة ابن الزبير: أن الله تعالى أنزل بعض العهد في النساء يمنع أن يردون إلى المشركين، وأنزل فيهن سورة الممتحنة، وحكم عليهن في ذلك بالذي حكم. وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يرد من جاء من رجال، ويمسك من جاء من النساء إذا امتحن قال عروة بن الزبير: لأنه - صلى الله عليه وسلم - صالح قريشًا يوم الحديبية على أن يرد عليهم من جاء بغير إذن وليه، فلما هاجر النساء أبى الله أن يردون على المشركين، إذا هن امتحن محنة الإسلام وأمر رد صدقاتهم. 30628 - وكذلك روي عن جماعة من السلف إذا نسخت الآية بسورة براءة ونبذ العهد، سقط التعلق بها لأن ذلك الشرط صح من النبي - صلى الله عليه وسلم - يوجب الرد،

فلما تعذر الفسخ وجب رد العوض، وهاهنا لا يوجد؛ لأن الشرط لا يصح. 30629 - فإن قيل: الحديبية كان على رد الرجال دون النساء. 30630 - قلنا: لأن أهل النقل اختلفوا أن الصلح وقع على رد من جاء مسلمًا، وهذا عام. 30631 - يبين ذلك: أن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط هاجرات، فجاء أخوها يطالبان بها، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله قد منع الصلح). 30632 - فإن قيل: اللفظ عام، فلا يختص بالسبب. 30633 - قلنا: بل هو مخصوص؛ لأنه لا يقف منع الرد على المحنة إلا في أهل الصلح خاصة، فأما غير الصلح فلا يرد النساء إليهم من غير محنة، فلم يجز ادعاء الخصوص. 30634 - قالوا: للشافعي في صلح الحديبية ثلاثة أقوال: أحدها: أنه شرط رد النساء، وذلك شرط صحيح، ثم نسخ فوجب رد المهر، وأما الآن فلا يصح الشرط فلا يجب المهر. القول الثاني: إن الشرط كان فاسدًا، والله تعالى نبة [- صلى الله عليه وسلم -] على الخطأ، وإنما وقع على رد الرجال، إلا أنه شرط أنه لا يتعرض لأنفسهم وأموالهم، والبضع مال للزوج فوجب عوضه للصلح. 30635 - وهذا الذي قالوه خطأ؛ لأن الأموال لا تصح في الإخبار عن الماضي. وهذا أمر كان، فلا بد أن يكون وقع على وجه من الوجوه، فالأقاويل لا وجه لها. 30636 - وأما قولهم: إن الشرط كان خطأ؛ فالنبي - صلى الله عليه وسلم - معصوم فيها بينه من أحكام الشريعة لا يجوز عليه الخطأ فيه. 30637 - وقولهم: إن الأمان تناول الأموال، والبضع مال للزوج. 30638 - غلط، لأنا لو أمنا حربيًا على نفسه وماله، لم تدخل زوجته فيه، فسقط هذا الكلام.

مسألة 1519 الأخذ من الحربي إذا دخل دارنا بأمان

مسألة 1519 الأخذ من الحربي إذا دخل دارنا بأمان 30639 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا دخل الحربي دارنا بأمان، أخذ الإمام من ماله مثل ما يأخذ أهل الحرب من تجارنا، فإن لم يعلم ما يأخذونه، أخذ منه العشر، ويؤخذ من الذمي إذا مر بماله في كل حول نصف العشر. 30640 - وقال الشافعي رحمه الله: إذا شرط عليه في الأمان أخذ شيء من ماله، أخذ منه، وإن لم يشرط لم يؤخذ منه، وأما الذمي فلا يؤخذ منه أكثر من الجزية، إلا أن يريد دخول الحرم، فلا يدخله إلا إذا أذن الإمام، وإن شرط على المعاهد أخذ شيء، جاز كما يجوز إن شرط على الحربي. 30641 - لنا: ما روي عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى عماله: خذوا من الحربي العشر، ومن الذمي نصف العشر، ومن المسلم ربع العشر. حدثني بذلك من سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -. 30642 - وروى عمر بن الخطاب أنه قال لعماله: إذا مر بكم الحربي فخذوا منه ما يأخذون من تجارنا، فإن لم تعلموا ما يأخذون، فخذوا العشر، ومن الذمي نصف العشر، ومن المسلم ربع الشعر. وهذا بمحضر الصحابة من غير خلاف. 30643 - فإن قيل: فيه إضمار: خذوا العشر وإن كانوا يأخذون مثله. وعندنا فيه إضمار: إن كنتم شرطتموه. 30644 - قلنا: ليس في الخبر عندنا إضمار؛ لأنه أوجب العشر إذا لم يعلم ما

يأخذون من غير شرط، وأوجب في مال مطلقًا، وعندكم يحتاج إلى شرطين: دخول الحرم، والشرط. وهذا خلاف ظاهر الخبر. 30645 - وروي أن عمر بن الخطاب ولى أنس بن مالك البصرة، فولى أنس ابن سيرين مولاه العشر فقال له: توليني المكس من عملك. فقال له أنس: هذا كتاب عمر، فاعمل بما فيه. فكان فيه: خذوا من الحربي العشر، ومن الذمي نصف العشر، ومن المسلم ربع العشر. 30646 - ولأنهم استفادوا حظر المال بدخولهم، فوجب أن يلزمهم حق يؤخذ من مالهم كما لو عقدنا الذمة. 30647 - ولأن ما جاز أن يؤخذ من مال الكافر بالتراضي، جاز أن يأخذ الإمام بغير شرط، أصله: الجزية. 30648 - ولأنه استفاد وحظر دمه وماله، فوجب أن يلزمه حق يأخذه الإمام كما لو شرط عليه. 30649 - احتجوا: بأنه قال: لم يشرط الإمام. فوجب أن يكون محظورًا بالأمان المطلق، أصله: ما زاد على العشر. 30650 - قلنا: ما زاد على العشر ليس بمحظور إن كانوا يأخذون مثله من تجارنا. 30651 - ولأن ما زاد على العشر لم يتقدر من حقوق المال المأخوذ من المسلمين، فلم يقدر به ما يؤخذ من مال الكافر، والعشر ونصف العشر يقدر به حق يؤخذ من مال المسلمين، فجاز أن يتقدر به حق يؤخذ من مال الكفار. 30652 - قالوا: مال لم يشرط فيه عوض، فصار كما لو عقد الهندنة لأهل الردة وأذن لرسولهم أن يدخل دارنا برسالة. 30653 - قلنا: إذا عقد الهدنة لأجل الردة، لم تجب عليهم الجزية، ألا ترى أنه لا يجوز ابتداؤهم بما فلم يلزمهم بغير شرط، وقد تلزم الجزية بغير شرط وهو المستأمن إذا أقام في دارنا أكثر من سنة، كذلك يجوز أن يختلف في باب الأمان لمن هو في دارنا أو من دخل دارنا، وأما الرسول فيؤخذ مما معه العشر عندنا.

30654 - قالوا: مال يؤخذ من الكفار، فلا يعتبر فعلهم فيه، أصله: الجزية. 30655 - قلنا: عندنا أنهم إذا أخذوا من تجارنا الجزية، أخذنا منهم الجزية. وأما الجزية: فلو تغيرت في حق أهل الذمة، لم يصح لأنهم من أهل دار الإسلام فلم يجر فيهم فعل أهل الحرب، والحربي من أهل الأمان فيعتبر مثل هذا السبب في تجارنا. 30656 - قالوا: الاعتبار بفعل أهل الحرب بأنهم إن كانوا إذا عاهدوا نهبوا وقتلوا فلم يجز أن يفعل مثل ذلك وأخذ عشر مقدر يجوز أن يفعل بالشرط. 30657 - لأن لا نقتدي بهم في أفعالهم، ولكن الغرض استمرار الأمان لتجارنا وتجارهم لتصل المنافع بيننا وبينهم إذا أخذنا منهم مثل ما يأخذون منا كان داعيًا إلى تبقية الأمان، لأنهم لا يكررون ذلك، فتكثر بذلك منافع دار الإسلام.

مسألة 1520 - عقد الذمة مع الكفار

مسألة 1520 - عقد الذمة مع الكفار 30658 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا عقد الذمة مع الكفار، لم ينتقض شيء مما يأتونه إلا أن يتحيزوا ويتهادنوا بدار الحرب متحيزين بها. 30659 - وقال أصحاب الشافعي [رحمهم الله]: إذا امتنعوا من مال الجزية أو جريان أحكام المسلمين عليهم أو امتنع بعضهم وقاتلوا، كان ذلك نقضًا لعهدهم وجهًا واحدًا. وسبعة أشياء فيها جهان: الزنى بمسلمة، وإصابتها بنكاح، أو يفتن مسلمًا عن دينه، أو يقطع على المسلمين الطريق، أو يكون جاسوسًا لأهل الحرب، أو يدل على عورات المسلمين، أو يقتل مسلمًا. قالوا: فإن لم يكن شرط في عهدهم أنهم إذا خالفوا فيها يكون نقضا لعهدهم، فإن شرط كان ذلك نقضا وعليه نص الشافعي. ومن أصحابه من قال: لا يكون ذلك نقضًا وإن شرط. وأما سب النبي - صلى الله عليه وسلم - وسب القرآن، فقال المروزي: يكون نقضًا للعهد قولًا واحدًا. وقال غيره: هو كالسبعة التي قدمناها. وأما إذا رفعوا أصواتهم بالتوراة والإنجيل وأظهروا ضرب الناقوس والخمور والخنازير وتطاول البنيان على بناء المسلمين وتركوا القمار والزنى، فليس بنقض العهد وإن شرط في العهد أنهم ينقضون. 30660 - لنا: ما روى حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب [عن أبيه]

عن عبد لله بن عمرو أن قومًا من اليهود قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: السام عليك. فقال - صلى الله عليه وسلم -: (السام واللعنة عليكم). ولم ينقض عهدهم بذلك. 30661 - وروى قتادة عن أنس أن يهوديًا سلم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: السام عليك. فقال - صلى الله عليه وسلم -: (أتدرون ما قال؟) قالوا: نعم، ورجع مثل ذلك. فقال - صلى الله عليه وسلم -: (إذا سلم عليكم أحد من الكفار، فقولوا: وعليكم). 30662 - وروى الزهري قال: أخبرني عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عدة من اليهود على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: السام عليك. ففهمتها، فقلت: عليكم السام واللعنة. فقال - صلى الله عليه وسلم -: (مهلًا يا عائشة، فإن الله تعالى يحب الرفق في الأمر كله). فقلت: يا رسول الله، ألم تسمع؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: (قد قلت: وعليكم). وهذا سب له - صلى الله عليه وسلم -، ولو كان من مسلم حل دمه، ولم يقتلهم النبي - صلى الله عليه وسلم -. 30663 - وروى زيد بن أرقم قال: سحر النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل من اليهود، فاشتكى أيامًا، فأتاه جبريل فقال: إن رجلًا من اليهود عقد لك عقدًا، وجعلها في بئر كذا وكذا. فأرسل - صلى الله عليه وسلم - فأخرجها من البئر، فكأنما نشط من عقال، فما رأى ذلك الرجل مما صنع في وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئًا ولا خبر به. وهذا قصد الإضرار به في جسده وهو أكثر من السب. 30664 - وروى شعبة عن هشام بن زيد عن أنس أن امرأة يهودية أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - بشاة مسمومة فأكل منها، فجيء بها فقيل له: ألا تقتلها؟ فقال: (لا). 30665 - فإن قيل: ذكر الواقدي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قتل اليهودية.

3066 - قلنا: روينا أنه لم يقتلها، وإن ثبت فيجوز أن يكون قتلها؛ لأنه تكرر منها ذلك الفعل، فقتلها للسعي في الأرض بالفساد. 30667 - فإن قيل: النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقتلها لضعف الإسلام وأن يده تظل عليهم. 30668 - قلنا: إن عجز عن قتلها لم يعجز عن بيان وجوب ذلك، فلما لم يبين ذلك دل على أنه يجب؛ لأن أهل الذمة يسبون الله تعالى ويقولون له ولد، والمجوس يقولون ضد وهو أم بين فلا ينقضون العهد بذلك، فسب النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله. 30669 - ولأنه نوع كفر فلا ينقض بذلك العهد كسائر أنواعه، لأنهم لو سبوا النبي - صلى الله عليه وسلم - في كنائسهم وبيعهم لم ينقضوا به العهد وما لا ينتقض العهد في كنائسهم لا ينتقض به في غيرها كضرب الناقوس وإظهار الخنازير. 30670 - ولأن الجزية دين عليهم، والامتناع منها كالامتناع من سائر الديون يؤخذ بغير اختيارهم. 30671 - ولأن امتناعهم من جريان أحكام الإسلام عليهم أم رحظر بالأمان، فإذا فعلوا وهم في أيدينا لم ينتقض العهد كإظهار الخمر والخنزير. 30672 - ولأنه عقد قام بيننا وبينهم، فلا يفسخ بقولهم كعقد البيع. 30673 - احتجوا: بقوله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر} إلى قوله: {وهم صغرون}. قالوا: فأمر بترك قتلهم شرط إعطاء الجزية، فإذا امتنعوا وجب القتال لعدم الشرط. 30674 - قلنا: القتال سقط بالتزام الإعطاء، وقد التزموا فسقط قتالهم. وليس في الآية تكرار الإعطاء، فلا يجوز قتالهم إذا امتنعوا بظاهر الآية. 30675 - قالوا: روي أن رجلًا قال لابن عمر: [إني سمعت] راهبًا سب النبي - صلى الله عليه وسلم -. فقال عبد الله بن عمر: لو كنت سمعته أنا لقتلته، إنا لم نعطهم الأمان على ذلك. قالوا: ولا يعرف له مخالف. 30676 - قلنا: رواه حصين بن عبد الرحمن عن رجل عن ابن عمر وهم لا يقولون

بالمراسيل. 30677 - ولأن هذا القول لا يعلم انتشاره، وتقليد الصحابي فيما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلافه لا يجوز 30678 - قالوا: معنى يحقن دم الكافر، فوجب أن ينتقض بسبهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، أصله: الإسلام. ولأن الإيمان آكد في عقد الذمة، فإذا انتقض بسبهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فالذمة أولى. 30679 - قلنا: المعنى في الإسلام أنه ينتقض باعتقاد الكفر، فلا ينتقض بسب النبي - صلى الله عليه وسلم -. 30680 - قالوا: عقد أمان، فوجب أن ينتقض بالمخالفة فيما انعقد، أصله: الهدنة. 30681 - قلنا: الهدنة خالفوا وتحيزوا، وأما إذا لم يتحيزوا وكانوا في أيدينا فإنا نلزمهم الجزية بغير اختيارهم. 30682 - قالوا: ما كان نقضًا للعهد إذا وجد من العدد الكثير، كان نقضًا إذا وجد من العدد القليل، أصله جناية أهل الهدنة. 30683 - قلنا: الحكم عندنا لا يختلف بالقلة والكثرة؛ لأن جملة أهل الذمة لو امتنعوا ولم يتحيزوا لم يكن ذلك منهم نقضًا، والواحد إذا تحيز وامتنع كان ذلك منه نقضًا. وكذلك أهل الهدنة إذا خالف الواحد منهم فلم يرضوا ما فعل، فذلك ليس بنقض من جماعتهم. 30684 - قالوا: حقن الدم يتعلق ببذل الجزية وجريان أحكام المسلمين عليهم، فما امتنعوا منه يجب أن يعود إلى الإباحة، كما لو امتنع المسلم من الشهادتين. 30685 - قلنا: الإباحة [إنما كانت لأنهم حرب لنا، ولهذا تزول الإباحة] من غير جزية، فالهدنة والامتناع لا يعود به حربًا، فإذا تحيز عاد سبب الإباحة فعادت. 30686 - فأما المسلم إذا جحد الشهادتين: فلم تعد الإباحة الأولى، وإنما تجددت إباحة أخرى، بدلالة أن الإباحة الأولى ترتفع بالاسترقاق والجزية، وهذه الإباحة لا ترفع إلا بالإسلام، فعلم أن الإباحة الأولى لم تعد بجحود الشهادتين، فلم نسلم الحكم في الأصل.

مسألة 1521 مهادنة أهل الحرب

مسألة 1521 مهادنة أهل الحرب 30687 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: يجوز للإمام أن يهادن أهل الحرب بحسب المصلحة، وإن زاد على عشر سنين. 30688 - وقال الشافعي رحمه الله: يجوز لأربعة أشهر لغير حاجة، وعشر سنين للحاجة. ولا يجوز أكثر من ذلك. 30689 - لنا: أن الإمام إنما يهادن لما رأى من المصلحة، وقد يوجد ذلك فيما يزيد على عشر سنين. 30690 - احتجوا: بقوله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله}. فظاهر الآية يمنع المهادنة إلا أنه - صلى الله عليه وسلم - صالح سهيل بن عمرو عشر سنين، فخصصنا الآية به، وما سواه على الظاهر. 30691 - قلنا: إنما صالح - صلى الله عليه وسلم - على هذه المدة؛ لأنه رأى المصلحة في ذلك، وهذا موجود فيما زاد إذا كانت المصلحة فيه ثابتة.

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب الصيد والذبائح

كتاب الصيد والذبائح

كتاب الصيد والذبائح

مسألة 1522 أكل الكلب من الصيد

مسألة 1522 أكل الكلب من الصيد 30692 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا أكل الكلب من الصيد، لم يؤكل. 30693 - وقال الشافعي رحمه الله في القديم: يؤكل. 30694 - لنا: قوله تعالى: {وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله}. فشرط في الجارح التعليم، وتعليم الكلب يكون بترك الأكل، بدليل ما روي عن ابن عباس أنه قال: تعليم الكلب أن يترك الأكل، وتعليم البازي أن يأتيك إذا دعوته. ثم قال: {فكلوا مما أمسكن عليكم}. ومتى أكل منه فلم يمسك علينا، وإنما أمسك على نفسه. 30695 - فإن قيل: قد أمسك الباقي على صاحبه. 30696 - قلنا: إنما أمسكه؛ لأنه استغنى عنه؛ إذ الظاهر أنه استوفى حاجته. 30697 - فإن قيل: الآية تدل على إباحة ما أمسك، وحظر غيره موقوف على الدليل. 30698 - قلنا: السؤال حصل عن الإباحة، فالظاهر أن ما عدا المذكور غير مباح. 30699 - ولأن الحكم المعلق بشرط يدل على أن ما عداه بخلافه على قول كثير من أصحابنا، ويدل عليه ما روى الشعبي عن عدي بن حاتم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله تعالى، فكل، فإن أكل فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه). 30700 - فإن قيل: روي أنه قال: (فإني أخاف أن يكون أمسك على نفسه). 30701 - قلنا: قوله: (فلا تأكل). يفيد التحريم، وقوله: (إني أخاف).

يجوز أن يكون علة للتحريم، ويجوز أن يكون علة للكراهة، فلا يسقط الظاهر التحريم، فلا يأكل بالشك. 30702 - ولأن التجويز علة في تحريم الصيد، بدلالة قوله - صلى الله عليه وسلم -: (فإن وقع في ماء فلا تأكل، فلعل الماء قتله). 30703 - ولأن ترك الصيد معنى شرط في إباحة الصيد الأول، فكان صيدًا فيما بعده، أصله الإرسال. 30704 - ولأنه صيد أكل منه الكلب قبل ثبوت يد صاحبه عليه، فأشبه إذا ترسل بنفسه فوجده قد أكل من الصيد أو أصابه المرة السابقة إذا أكل من الصيد. 30705 - ولأنه يجوز أن يكون أكل لفقد التعليم، ويجوز أن يكون أكل لشدة الجوع، فاجتمع فيه وجه الحظر والإباحة، فغلب الحظر كما لو وقع في الماء. 30706 - ولأن التعليم في الكلب يكون بترك الأكل، فإذا أكل دل على فقد التعليم، وصيد غير المعلم لا يؤكل. 30707 - احتجوا: بقوله تعالى: {فكلوا مما أمسكن عليكم}. ولم يفصل. 30708 - قلنا: بشرط التعليم وهذا غير معلم، وشرط الإمساك وهذا لم يمسك علينا. 30709 - احتجوا: بما روي في حديث أبي ثعلبة الخشني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله، فكل). فقال: وإن أكل منه؟ قال: (نعم، وإن أكل منه). 30710 - قلنا: هذا الحديث رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمر، وقد روي الخبر عن أبي ثعلبة وأبي إدريس الخولاني وأبي أسماء وغيرهم، ولم يذكروا هذه اللفظة، ولو ثبتت عارضها حديث عدي بن حاتم وهو حاضر، والخبران إذا تعارضا فالمثبت للحظر أولى من المثبت للإباحة. 30711 - ولأن حديث عدي بن حاتم يوافق قوله: {فكلوا مما أمسكن عليكم}.

30712 - ولأن أخبار عدي بن حاتم في الصيد أشهر، فهو أولى. 30713 - ولأن خبرنا معلل فهو أولى. 30714 - ولأن خبرنا بأصل؛ لأن الأصل الإباحة. 30715 - فإن قيل: نجمع بين الخبرين، نحمل خبركم على الأكل في المرة الأولى، وخبرنا على الأكل في المرة الرابعة. 30716 - قلنا: في خبرنا: (إذا أرسلت كلبك المعلم). ولا يكون معلمًا إلا بعد الثالثة. ثم هذا استعمال يؤدي إلى حمل الخبرين جميعًا على الخصوص، ونحن نحمل خبر عدي بن حاتم على عمومه وخبر أبي ثعلبة يحمل على الخصوص، ونحمله على الأكل منه بعد ما ثبتت يد صاحبه ونحمله على الأكل من طن أو على الكلب إذ أكل فأدركت ذكاته، ومن حمل أحد الخبرين على عمومه وخص الآخر أولى ممن خصهما جميعًا. 30717 - قالوا: روي عن ابن عمر وسلمان وأبي هريرة وسعيد بن المسيب أن صيد الكلب يؤكل وإن أكل منه. 30718 - قلنا: روي عن علي بن أبي طالب وابن عباس وعدي بن حاتم وأبي هريرة وسعيد بن جبير وإبراهيم مثل قولنا. 30719 - قالوا: عقر الكلب بمنزلة الذكاة، ولو ذبحه آدمي وأكل منه لم يحرم، كذلك عقر الكلب مثله. 30720 - قلنا: يبطل بالمرة الثالثة. 30721 - فإن قالوا: الأكل لا يمنع، وإنما يمنع فقد التعليم. 30722 - قلنا: كذلك نقول: إن الأكل ليس بمانع، وإنما المانع فقد التعليم، [ولهذا لو أكل بعد أخذ صاحبه لم يؤثر، لما لم يدل على فقد التعليم].

30723 - ولأننا لا نسلم أن عقره ذكاته بشرائطه، ومن شرطه عندنا ترك الأكل. 30724 - قالوا: جارحة أكل من الصيد كالبازي. 30725 - قلنا: الأكل عندنا لا يمنع، وإنما يمنع فقد التعليم، وأكل الكلب يدل على عدم التعليم، وأكل البازي لا يدل على عدم التعليم؛ لأن الكلب يضرب حتى يعود ترك الأكل، والبازي لا يمكن ضربه وإنما يعود إلى صاحبه والأكل من الصيد، فأكله يدل على التعليم. 30726 - قالوا: لو أكل بعد ما أخذه صاحبه لم يحرم كذلك حال الأخذ. 30727 - قلنا: يبطل بالمرة الثالثة. 30728 - ولأن أكله بعد أخذ صاحبه لا يدل على فقد التعليم، وأكله قبل ذلك يدل عليه. 30729 - قالوا: تعليمه قد حصل بالعادة بترك الأكل، فأكله يحتمل أن يكون لشدة الجوع ويحتمل لنسيان التعليم، فلا يبطل ما علم من تعليمه بالاحتمال. 30730 - قلنا: الأكل يحتمل [أن يكون لشدة الجوع] لعدم التعليم ويكون تركه للأكل فيما مضى للشبع والاستغناء عنه، ويحتمل ما ذكروه، والحظر والإباحة إذا تعارضا فالحكم للحظر. 30731 - ولأنه لو تعلم، لم يتطرق عليه النسيان. 30732 - ولأن الصنائع ضرورية، فلا ينساها من تعلمها وإن ضعف فيها.

مسألة 1523 أكل جوارح الطير من الصيد

مسألة 1523 أكل جوارح الطير من الصيد 30733 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: جوارح الطير إذا أكلت من الصيد، أكل. 30734 - وقال الشافعي رحمه الله في الجديد: لا يؤكل. 30735 - لنا: أنه حيوان طاهر السور، أكله من صيده لا يحرمه كالآدمي، [وإن أكله لا يحرم ما تقدم من صيوده، فلا يحرم الصيد الذي أكل منه كالآدمي]، وكما لو أكل بعد ثبوت يد صاحبه عليه. 30736 - ولأن البازي لا يمكن ضربه ليترك الأكل، وإنما تعليمه عوده إلى صاحبه، فالأكل لا يدل على فقد التعليم. 30737 - ولأنه يعود الأكل من لحم الصيد، ليألف العود ويصيد، وما كان جهة التعليم لا يحرم به الأكل. 30738 - فإن قيل: لو كان كذلك، لم يؤكل صيده إذا لم يأكل. 30739 - قلنا: ليس الأكل هو التعليم، وإنما هو أحد طرقه. 30740 - احتجوا: بقوله تعالى: {فكلوا مما أمسكن عليكم}. 30741 - [قلنا: هذا خاص] في الكلب، بدلالة ما ذكرناه. 30742 - وكذلك الجواب عن خبر عدي بن حاتم. 30743 - قالوا: جارحة أكل من الصيد قبل ثبوت يد صاحبه عليه، فكان كالكلب.

30744 - قلنا: المعنى في الكلب أنه نجس السؤر، فجاز أن يؤثر أكله في التحريم، والبازي طاهر السؤر وأكله لا يؤثر كالآدمي، فإن الكلب يمكن ضربه لترك الأكل والبازي لا يمكن ضربه، فصار هذا موضع ضرورة فيه فلم تمنع الإباحة كالجرح في غير الحلق واللبة.

مسألة 1524 أكل الكلب من الصيد يحرم ما تقدم من صيوده

مسألة 1524 أكل الكلب من الصيد يحرم ما تقدم من صيوده 30745 - قال أبو حنيفة رحمه الله: إذا أكل الكلب من صيده، حرم ما تقدم من صيوده. 30746 - وقال أبو يوسف ومحمد [رحمهما الله]: يحرم ما أكل منه، ولا يحرم ما تقدم. وهو قول الشافعي رحمه الله على القول الذي يقول: إن الكلب إذا أكل، حرم ما أكل منه. 30747 - فمن أصحابنا من حمل قول أبي حنيفة على الصيدين المتقاربين إذا أمسك أحدهما فأكل من الآخر؛ لأن المدة القريبة لا ينسى فيه الصناعة، فعلم أن إمساكه المتقدم لم يكن للتعليم، فأما المدة البعيدة الذي يجوز النسيان في مثلها فلا تحرم ما تقدم. 30748 - وقال هذا القائل: وإنما خرج الأمر على العادة؛ لأن لحم الصيد يدخر المدة القريبة ولا يدخر المدة البعيدة. 30749 - وهذا الذي قاله هذا القائل يتصور في الكلب القريب العهد بالتعليم فأما ما بعد عهده فإن الأكل يدل على أنه لم يكن معلمًا أمس، وكونه كذلك أمس يدل على أنه لم يكن معلمًا اليوم الذي قبله فلا يزال كذلك حتى يحرم جميع ما تقدمه. 30750 - وظاهر قول أبي حنيفة يدل على هذا، وأن المدة القريبة والبعيدة سواء. 30751 - والدليل على ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث عدي بن حاتم: (فإن أكل منه فلا تأكل، فإنما أمسك على نفسه). فجعل الأكل علمًا على نفي التعليم، وصيد ما ليس بمعلم لا يؤكل. 30752 - ولأن كل جارحة لا يؤكل صيد ما أكلت منه، لا يؤكل ما تقدم من

صيودها، أصله: غير المعلم وعكسه البازي. 30753 - ولأن أكله يدل على فقد التعليم، والأصل فيه عدم التعليم، وما بين الحالتين يحتمل، فغلبت الحالتان المعروفتان الحالة المتوسطة المحجوزة. ولا يلزم المجوس إذا أسلم ثم ارتد؛ لأن الأصل فيه فطرة الإسلام وليس فيه المجوسية؛ لأن ما تقدم من الصيود اجتمع فيه الحظر والإباحة، فالحظر يجوز أن يكون غير معلم كما هو عليه الآن، ويحتمل أن يكون معلمًا وقد نسي فغلب الحظر على الإباحة، كما لو اشترك في الإرسال مسلم ومجوسي. 30754 - ولأن تعليم الصيد من الصنائع الضرورية التي تجري مجرى الخياطة والبناء، ومعلوم أن هذه الصنائع إذا تعلمت لم يتصور فيها النسيان بطول العهد، وإن جاز أن يضعف. وإنما يتصور النسيان في علوم الاستدلال والمحفوظات، والتعليم. أصله: ترك الأكل، فلما أكل لم يجز أن يكون نسي، فلم يبق إلا أن يكون لم يتعلم في الأصل. 30755 - احتجوا: بقوله تعالى: {فكالوا مما أمسكن عليكم}. وما تقدم قد أمسك على صاحبه. 30756 - قلنا: شرط الله إمساك المعلم بقوله: {وما علمتم من الجوارح}. 30757 - قالوا: روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي ثعلبة الخشني: (إن كان لك كلاب مكلبة فكل مما أمسكن عليك). 30758 - قالوا: وهو فيما تقدم ممسك. 30759 - قلنا: التعليم شرط باتفاق، ولو وجد لم ينسه، فعلم أنه ليس بمعلم. 30760 - ولأنا نتيقن بأكله في الثاني أنه لم يمسك عليه، بقي الأول يجوز أن يكون إنما أمسك للاستغناء ونحو ذلك، فلا يثبت الشرط الذي علقت الإباحة به. 30761 - قالوا: روي في حديث أبي ثعلبة أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله تعالى، فكل ما أمسك عليك). فقال: وإن أكل منه، قال:

(وإن أكل منه). وإذا دل الخبر على إباحة ما أكل منه، فما لم يأكل منه أولى. 30762 - قلنا: ذكر الأكل بعد الإمساك، ومتى أكل الكلب من الصيد بعد إمساكه على صاحبه لم يحرم ما أكل منه [ولا ما تقدمه، ولابد من حمل الكلام على هذا، ولا ناقض الكلام وصار تقديره: كل منه] إذا أمسك وإن لم يمسك. 30763 - قالوا: كل ما حل من صيد البازي، حل من صيد الكلب، أصله: إذا لم يأكل منه. 30764 - قلنا: يجوز أن يقال: لما حل ما لم يأكل. ألا ترى أن صيده في الحال لو لم يأكل منه حل، فلما أكل، حرم باتفاقنا، لم يجز اعتبار أحد الأمرين بالآخر؟ 30765 - ولأن البازي لا يمكن ضربه ليترك الأكل، [فلم يجز ضربه على صيوده، والكلب يمكن ضرب على الأكل، فأكله مؤثر في صيوده. 30766 - قالوا: ترك أكل الكلب شرط في إباحة صيده، كما أن إسلام الرجل شرط، ثم لو ارتد المرسل لم يرتد ذلك] في صيوده المتقدمة كذلك إذا أكل الكلب. 30767 - وربما قالوا: عقر الكلب ذكاة كما أن ذبح الآدمي ذكاة، ثم لا تؤثر الردة فيما تقدم من ذبح الآدمي، كذلك ما تقدم من صيد الكلب. 30768 - قلنا: الردة تكون شبهة طارئة على المسلم وذلك لا يؤثر فيما تقدم، من الاعتقاد فلم تستند الردة إلى حالة سابقة، فلم يقدح فيما تقدم، وأكل الكلب يدل على عدم التعليم وذلك لا يؤثر فيما تقدم؛ لأنه لو كان معلمًا لم ينس التعليم. وإذا استند فقد التعليم إلى ما تقدم، لم يحل أكل الصيود المتقدمة. 30769 - فإن قيل: إذا جاز أن يتعلم الآدمي القرآن والشعر ثم ينساهما، جاز أن يتعلم الكلب ثم ينسى. 30770 - قلنا: الآدمي ينسى ما طريقة الاستدلال والحفظ، ولا ينسى ما طريقة الضرورة كالخياطة والسباحة، وتعلم الكلب من هذا قبيل. ثم [إن الآدمي] إذا

حفظ وأقام بالدرس لم يجز أن ينسى، كالكلب إذا أدام الصيد إلى أن أكل، لا يجوز أن يكون نسى، فلم يبقى إلا أن يكون لم يتعلم. 30771 - فإن قيل: الكلب إذا استرسل بالإغراء والزجر وإمساك الصيد لم يجز أن يكون هذا بالاتفاق بل بالتعليم، كما أن الآدمي لا يقول الشعر بالاتفاق. 30772 - قلنا: التعليم جملة علوم تحصل للكلب، ففيها الاسترسال عند الإغراء والحد عند الزجر ومنها الإمساك، فليس يمتنع أن يكون تعلم بعض هذه العلوم ولم يتعلم الإمساك، وإنما أمسك فيما تقدم للاستغناء، فعاد إلى طبعه الأكل، فدلنا ذلك على أنه لم يكمل تعليمه، على أنه يجب أن يكتفي في إثبات الحكم بالتجويز، وقد اكتفينا به وذلك لا يمكن دفعنا عنه.

مسألة 1525 ترسل الكلب على الصيد بنفسه

مسألة 1525 ترسل الكلب على الصيد بنفسه 30773 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا ترسل الكلب على الصيد بنفسه فزجره صاحبه فانزجر وأخذ الصيد، حل أكله. 30774 - وقال الشافعي رحمه الله: لا يحل أكله. 30775 - لنا قوله تعالى: {فكلوا مما أمسكن عليكم}. ولم يفصل بين تقدم الإرسال أو تأخره بعد الترسل، فظاهره يقتضي إباحة الجميع. 30776 - ولأن هذا معنى لا يمكن أن يحفظ منه في صيد الكلب؛ لأنه ثبت أن الصيد بالطبع، وقد شاهده قبل مشاهدة صاحبه فيتحظر إليه سحبه صاحبه بالزجر والإغراء أو ما لم يمكن الاحتراز فيه في الصيد يسقط اعتباره، أصله وقوع الحرج في محل الذكاء. 30777 - ولأن الزجر لو وجد ابتداءً أباح، فإذا وجد بعد ترسل الكلب أباح، أصله: إذا وقف بالزجر. والترسل إذا وقف فقد انقطع ترسله الأول وزوال حكمه وصار ما يفعله بعد ذلك ابتداءٍ ترسل غير مبني على الفعل الأول، وإذا لم يقف فهو ماضٍ على فعله، وإنما يريده حركة ويقوى نشاطه. 30778 - قلنا: إذا انزجر فقوي طلبه فقد اجتمع فعل الكلب وفعل صاحبه، وهذا سبب الإباحة كالإرسال المبتدأ، [وكما لو وقف وترسل فالزاجر اجتمع في الترسل الثاني فعلمها ولم نمنع الإباحة]. 30779 - ولأن فعل الكلب لا يتعلق به حظر [ولا إباحة؛ لأنه آلة، والآلات لا توصف بذلك.

30780 - ولأن من تعلق بفعله حظر] يتصور أن تقع بفعله الإباحة، كالمجوسي إذا أسلم، فلما لم تتعلق بالكلب إباحة بحال، لم تحصل الإباحة بفعل الآدمي لا لوجود فعل الكلب، فإذا زجره فانزجر [انضم إلى] فعله فعل الآدمي، فيتعلق الحكم وسقط ما كان تقدم فيما لا يوصف بالخطر ولا بالإباحة. 30781 - ولا يلزم إذا أرسل كلبه فشاركه كلب ترسل بنفسه أن الحظر يتعلق بفعل ذلك الكلب؛ لأن الحظر هناك أن فعل الآدمي انضم إلى فعل الكلب فشاركه في الإباحة ما لا يوصف بالإباحة. ولا يلزم إذا أكل الكلب من الصيد؛ لأن أكله يدل على فقط التعليم، وما ليس بمعلم لا يقوم مقام فعل صاحبه. 30782 - فإن قيل: إذا قلتم إن فعل الكلب لا يوصف بالإباحة، لم يبق إلا أن يوصف بالحظر. 30783 - قلنا: بل نقول: إنه لا يبيح ولا يحظر، وإنما تتعلق الإباحة بفعل آدمي، والحظر يفقد بفعله وفعل الكلب كالموت المبتدأ الذي لا يؤثر في حظر ولا إباحة، وإنما المؤثر في الميتة فقد فعل الآدمي. يبين ذلك أن فعل الكلب موجود مع فعل الآدمي إذا أرسله ابتداء، فلو تعلق بفعله حظر صار كإرسال مسلم ومجوسي، يكشف ذلك أن السمك لما لم يفتقر إلى ذكاة حل بعقر الكلب ولا يحل بالموت. 30784 - ولأنه انزجر بزجره من غير تقدم فعل يتعلق به الحظر، فصار كما لو ابتدأ الترسل بالزجر، وكما لو ترسل على شاة فزجره [فاشتد وأخذ صيدًا، وكما لو وقفه وترسل. 30785 - قال أصحابنا: ولأن الكلب إذا ترسل فزجره صاحبه فانزجر تعلق الحكم، ولو ترسل على آدمي أو دابة أو صيد فتركه ولو لم يزجر فلم] يضمن. 30786 - قال مخالفنا: إذا كان الكلب مع صاحبه ويده ثابتة عليه فما أتلفه بغير زجره يضمنه صاحبه، كما يضمن جناية الدابة إذا كانت معه، فلم يتعلق الحكم بالتمرس والتحريض. 30787 - قلنا: إذا انفلت من غير زجر، فقد زالت اليد عنه، فكيف يضمن جنايته مع عدم ثبوت يده عليه، ثم هذا خلاف النص، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (العجماء

جبار) والعجماء الدابة المنفلته. 30788 - قالوا: وإن كان ذلك ليس في يده وجهان، قال المروزي: يضمن ما أتلفه الكلب إذا أغراه. قالوا: فعلى هذا الوجه الفرق بينه وبين الصيد أن المغلب في الصيد الحظر متى اجتمع سبب الإباحة والحظر، والمغلب في مال الآدمي جهة الضمان. 30789 - قلنا: المرسل المغلب من الحل إلى الحرم أو من الحرم إلى الحل فلم يتغلب جهة الضمان على غيره، وإنما وجب الضمان بالفعل المحظور، وهذا إرسال محظور كالإرسال في الحرم على صيد. 30790 - قالوا: والوجه الثاني أن من أغرى كلبًا على الآدمي فالضمان عليه؛ لأن للكلب اختيارًا ويفارق هذا الاصطياد. 30791 - ولأن الكلب بالتعليم صار فعله كفعل المكاتب وهو لا يعلم إتلاف الآدمي، فلم يقم فعله مقام فعله. 30792 - قلنا: يلزمكم إذا أغراه لصيد آدمي بعدما ترسل وجب ضمانه وسقط حكم ترسله بنفسه، فعلم أنهم كيف جازوا عن هذا الكلام وخرجوا لوجوه فهو لازم لهم. 30793 - احتجوا: بأن ترسل الكلب يتعلق به الحظر، وزجر الآدمي يتعلق به الإباحة، وإذا اجتمع سبب التحريم والتحليل، يغلب حكم التحريم، كما لو أرسله مسلم ومجوسي. 30794 - قلنا: قد دللنا على أن فعل الكلب لا يوصف بالحظر، وفعل المجوسي يوصف بالحظر، فلم يصح الجمع بينهما. 30795 - قالوا: ترسل الكلب فعله، فإذا زجره صاحبه فانزجر بناء على فعله الأول، فصار كما لو أرسله مجوسي فزجره مسلم فانزجر. 30796 - قلنا: لا فرق بينهما في المعنى؛ لأنه إذا انزجر بزجر المسلم، فقد اشتركا في الاصطياد فكأنما أرسلاه معًا. 30797 - وفي مسألتنا إذا انزجر بزجره فقد اشتركا فكأنه أرسله ابتداءً فترسل.

مسألة 1526 قتل الكلب صيدا صدما

مسألة 1526 قتل الكلب صيدًا صدمًا 30798 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا قتل الكلب الصيد صدمًا أو خنقًا لوم يجرحه، لم يؤكل. وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله. 30799 - وروي عن أبي حنيفة رحمه الله أنه يؤكل، وهو أحد قولي الشافعي. 30800 - لنا: ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن صيد المعراض فقال: (إن خزق فكل، وإن أصاب بعرضه فلا تأكل، فإنما هو وقيذ). فيدخل في عموم قوله تعالى: {والمنخنقة والموقوذة والمتردية}. 30801 - فإن قيل: الموقوذة التي ضربت على رأسها حتى ماتت. 30802 - قلنا: بل التي وقذ بالضرب، أي موضع وقع الضرب فيها. على أن عند مخالفنا إذا وقذه الكلب بالضرب على رأسه حتى قتله، أكل. وقوله تعالى: {والمنخنقة} عام فيما خنقه الكلب وغيره. ولأنه آلة للاصطياد فاعتبر فيه الجرح كالسهم. 30803 - ولا يلزم الآلة التي يصطاد بها السمك؛ لأن التعليل للآلة لا للصيد. 30804 - ولأنه حيوان له ذكاة، فلا يحل من غير جرح كغير الصيد. 30805 - ولأن ما كان ذكاته العقر مع القدرة فهو ذكاة مع الامتناع، كالبعير إذا ند. 30806 - ولأنها بهيمة خرجت روحها من غير عقر كالمقدور. 30807 - فإن قيل: المعنى في المقدور أنه اعتبر بحل العقر، فاعتبر العقر، ولما سقط في مسألتنا المحل سقط العقر.

30808 - قلنا: يبطل بالرمي فإن محل الرمي، سقط فيه ولا يسقط اشتراط العقر. 30809 - احتجوا: بقوله تعالى: {فكلوا مما أمسكن عليكم}. 30810 - قلنا: شرط التعليم، وما لا يعاد الجرح فليس بمعلم. 30811 - قالوا: في حديث أبي ثعلبة: (إن كانت الكلاب معلمة، فكل مما أمسكن عليك). وقال لعدي بن حاتم: (إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله، فكل). 30812 - [قلنا: روي أنه قال]: (ما أنهر الدم، فكل). فدل على أن الجرح معتبر، وقال تعالى: {والمنخنقة والموقوذة}. فدل على أنه إذا أمسك ووقذ وخنق لم يؤكل. 30813 - قالوا: الكلب لا يمكن تعليمه كيفية القتل، وما لا يمكن تعليمه للكلب سقط اعتباره، كالجرح في محل الذكاة. 30814 - قلنا: الكلب لا يحتاج إلى تعليم الجرح؛ لأنه طبعه، وترك الجرح نادر فيه وما كان في طبعه لا يقال: إن وجوده متعذر. فأما الجرح في محل الذكاة، فليس بغالب في حالة وتعليمه يشق فقط اعتباره كما يسقط الجرح. 30815 - قالوا: جارح قتل الصيد بفعله الواصل إليه، فأشبه إذا عقره. 30816 - قلنا: ليس إذا أبيح الأكل مع العقر، أبيح مع فقده، بدلالة السهم. 30817 - فإن قيل: السهم يمكن الرامي أن يرمي بالمحدد ولا يرمي بالمثقل، فإذا رمى بما لا حد له فقد فرط، وإن رمى بالمحدد ولم يجرح فهو أضعف، وأما الكلب فالجرح وصاحبه لا يقدر عليه منه، فليس يشترط وجوده. 30818 - قلنا: إذا رمى بالمعراض فأصاب بعرضه فذلك نادر، والمعتاد أن يصيب بحده، فإذا اتفق النادر الذي يكون أضعف الرمي لم يؤكل، كذلك طبع الكلب للجرح فإذا اتفق ترك الجرح الذي يكون من فتور الكلب وضعف تكلبه لم يؤكل. 30819 - وقولهم: إن صاحبه لا يقدر على فعله. 30820 - يبطل بشرط الإمساك، فإن صاحبه لا يقدر على ذلك وهو شرط.

مسألة 1527 أكل الأقل من الصيد من ناحية العجز

مسألة 1527 أكل الأقل من الصيد من ناحية العجز 30821 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا أبان الأقل من الصيد من ناحية العجز فمات، أكل الجملة ولم يؤكل الأقل البائن، وإن كان الأقل من جهة الرأس أكل الجميع. 30822 - وقال الشافعي رحمه الله: أكل الجميع في الحالتين. 30823 - لنا: ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (ما أبين من الحي فهو ميت). ومعلوم الطرف مبين منها وهي حية، فوجب أن يكون منعه بظاهر الخبر. 30824 - فإن قيل: إن هذا خرج على سبب وهو أنهم كانوا يقطعون الألية ويأكلونها، ولا تبقى الغنم حية، ولهذا روي: (ما أبين من حي فهو ميت). 30825 - قلنا: المعتبر عندنا وعندهم بعموم اللفظ وإن خرج على سبب خاص، فلأن العقر لا يكون ذكاة حال وقوعه حتى تخرج الروح من غير أن يقدر على الذبح، فالحالة التي يصير الجرح فيها ذكاة العضو بائن فلا يكون ذكاة الجملة ذكاة المنفصل منها. ولا يلزم إذا كان القطع من مقدمها؛ لأن ذلك يقطع العروق وهو ذكاة عند وقوعه، ولهذا يجب ذبح الصيد، وإن ثبتت يده عليه فكان ذكاة الجملة. 30826 - ولأنه انفصل منها مع بقاء الحياة. 30827 - ولا يلزم إذا قطع المقدم؛ لأن القطع إذا وقع في الصيد لم تبق حياة مستقرة. 30828 - فإن قيل: المعنى فيه إذا ذبحه أن الجرح الأول خرج من أن يكون ذكاة، وصار الذبح هو الذكاة. وفي مسألتنا الجرح هو الذكاة؛ لأن الجرح لم يكن ذكاة عند وقوعه، بدلالة أنه يتصور بعده الذكاة وإنما يصير ذكاته عند خروج الروح كما

يجعل الذبح بعد الجرح ذكاة والعضو في الحالتين بائن فلا يلحقه حكم الذكاة. 30829 - ولأنه لم يقطع أكثر الأوداج، فلم يؤكل ما بقي منه، أصله: إذا بقى يومًا. 30830 - احتجوا: بما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي ثعلبة: (ما ردت عليك قوسك، فكل). وروي: (ما ردت عليك يدك، فكل). 30831 - قلنا: الرواية: (ما ردت عليك قوسك من الصيد). والعضو الباقي ليس بصيد، فلا يتناوله الخبر. 30832 - وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (ما أنهر الدم وأفرى الأوداج). ولا يكون فري الأوداج إلا بقطع المقدم. 30833 - قالوا: ما كان ذكاة لبعض البدن، كان ذكاة لجمعية، أصله: إذا قطع الثلث المقدم. 30834 - قلنا: إذا قطع المقدم فكذلك الجرح ذكاة عند وجوده، بدلالة أن الذبح لا يتصور بعده، وكان ذكاة للجميع. والعقر في مسألتنا ليس بذكاة، بدلالة أن ترتيب الذبح بعده وإنما يصير ذكاة عند خروج الروح قبل القدرة والنحر منفصل في تلك الحال، وتبطل العلة بالدم وما لا يؤكل في الحيوان مثل العروق. 30835 - فإن قالوا: ما كان ذكاة لبعض الجملة، كان ذكاة لبقيتها، كالأتان الوحشية إذا حملت من الحمار الأهلي.

مسائل الذبح

مسائل الذبح مسألة 1528 ترك التسمية على الذبيحة 30836 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا تركت التسمية على الذبيحة أو على رمي الصيد وإرسال الكلب عمدًا، لم يحل أكله. 30837 - وقال الشافعي رحمه الله: يحل أكله. 30838 - لنا: قوله تعالى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق}. وهذا نهي وظاهر النهي التحريم. 30839 - قالوا: الذكر ضد النسيان، وذلك يكون بالقلب، فكأنه شرط ذكر اسم الله تعالى بالقلب، وهذا موجود في ذبح المسلم لا ينسى اسم الله تعالى. 30840 - قلنا: إطلاق الذكر ما كان بالنسيان، قال الله تعالى: {اذكروا الله ذكرًا كثيرًا}. وقال: {والذاكرين الله كثيرًا والذاكرات}. 30841 - ولأن الذكر بالقلب له وجه آخر. 30842 - ولأنه قال: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه}. والذكر بالقلب لا يكون على الذبيحة، وإنما الذكر عليها باللسان. 30843 - قالوا: المراد بالآية الميتة، بدليل قوله تعالى: {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم}؛ وذلك لأن لاكفار كانوا يأكلون ما قتلتموه، ولا يأكلون ما قتل الله.

30844 - قلنا: حمله على الميته يسقط اعتبار التسمية، وهي معتبرة بالاتفاق عندنا وجوبًا، وعندكم سنة مؤكدة. 30845 - ولأن المجوسي لا تؤكل ذبيحته وإن سمى، وليس يمنع أن يبين الله تعالى بمنطوق الآية تحريم ما تركت التسمية عليه يستفاد بمهرها تحريم الميتة على أن المعتبر لعموم اللفظ وإن خرج على سبب خاص. 30846 - قالوا: قوله تعالى: {وإنه لسق}. يدل على أن المراد به الميتة. فأما ترك التسمية عليه فلا لفسق تتناوله لظاهر الآية يقتضي تحريم الآكل وبفسق الأكل قام الدليل على إسقاط أحدهما بقي الآخر. 30847 - ولأن عندنا من سمع هذه الآية ولم يقابلها دليل آخر يتناولها في التفسيق لم يتناولها في التحريم به فسق في الأكل، والآية لا تفيد إلا الحكم المتعلق بها. 30848 - فإن قيل: فالآية إذا لم تتناولها في التفسيق، لم تتناولها في التحريم. 30849 - قلنا: غلط؛ لأنه يقتضي التحريم بكل حال، والتفسيق في حق من لم يتناول، فإذا أسقط التفسيق في حق المتناول بقي التحريم؛ لأنه ليس كل التحريم يقتضي التطبيق. يبين ذلك: أن مخالفنا يحمل الآية على الميتة، ومعلوم ألا يفسق كل متناول للميتة وإنما يفسق من يضطر عليها، كذلك نحن نحملها على من بلغته ولم يتناولها بمعاوضة غيرها. 30850 - قالوا: قوله تعالى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه}. التحريم لأنه يفيد أن كل جزء منه حرام، ولو قال: لا تأكلوا مما لم يذكر. ظن إن حملته دون أجزاءه، ألا ترى أن من حلف لا يأكل هذا الطعام ولم يحنث بأكل بعضه، ولو حلو لا يأكل منه حنث لا بأكل البعض؟ على أن مخالفنا إذا قال: تحريم البعض لا لأجل نسي التسمية، أبطل فائدة ذكر التسمية، وهذا لا يصح. 30851 - ويدل عليه حديث عدي بن حاتم أنه - صلى الله عليه وسلم - قال له: (إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله تعالى، فكل). والمقصود من الخبر بيان ما يحل وما يحرم، فدل على أن الإباحة موقوفة على هذا الشرط. وروي في بعض ألفاظ هذا الحديث: (وإلا فلا تأكل). نهى عما سوى المذكور. ويدل عليه ما روي في حديث عدي بن

حاتم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله، فكل، وإن شاركه كلب غيره، فلا تأكل، فإنك إنما سميت على كلبك). فجعل العلة في تحريم الأكل عند المشاركة عدم التسمية على أحد الكلبين. 30852 - ويدل عليه ما روي أن رجلًا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إنا نذبح وننسى أن نذكر اسم الله تعالى، فقال: (اسم الله على كل مسلم). فلولا أن السائل علم تحريم ما تركت التسمية عليه عامدًا، لم يخص المسألة بالنسيان، ولم ينكر النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويقول: تركها عمدًا لا يؤثر، وتركها بكل حال لا يؤثر. 30853 - ولأن التسمية لو لم تكن شرطًا، لم تكن الذكاة شرطًا كالسمك. 30854 - ولأن الهداية تجب تارة بالفعل وتارة بالقول، فلما كان جنس أحدهما شرطًا في الذكاة كذلكم الآخر. 30855 - ولأن ذبح الهدايا قربة مقصودة في نفسها شرع فيها ذكر اسم الله تعالى وكان شرطًا كتكبيرة الصلاة. 30856 - ولأنه معنى مقصود بنفسه شرع فيها ذكر اسم الله تعالى، وكان واجبًا كالصلاة. ولا يلزم التيمم والأذان، ولأن كل واحد منهما تبعًا لغيره. 30857 - احتجوا: بقوله تعالى: {إلا ما ذكيتم}. 30858 - قالوا: الذكاة قطع العروق ولم يفصل الذكاة ليست القطع وإنما الذبح القطع، فأما الذكاة فهو اسم للنظافة والطهارة. ونحن لا نسلم وجوب الذكاة فيها التسمية عليه. 30859 - احتجوا: بحديث أبي ثعلبة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن كانت الكلاب مكلبة، فكل مما أمسكن عليكم). 30860 - قلنا: ذكر في حديث عدي بن حاتم: (إذا ذكرت اسم الله تعالى). وهذا زائد فالمصير إليه أولى. 30861 - قالوا: روى البراء بن عازب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (المسلم يذبح على اسم الله تعالى سمى أو لم يسم).

30862 - قلنا: هذا خبر لا يعرف وطلبناه في المسانيد فلم نجده ولم يضعه الذي احتج به إلى مكان فيعرف أو تكلم على إسناده إن كان له إسناد. 30863 - قالوا: روى أبو هريرة أن رجلًا قال: يا رسول الله، أريت الرجل منها يذبح وينسى أن يسمي الله تعالى عليه، فقال: (اسم الله على كل مسلم)، وروي: (على فم كل مسلم). 30864 - قلنا: هذا يدل على أن القول قد علم أن نسميه في الشرع شرطًا حتى سألوه عن حال الناس بها ولو لم يشرط لم يكن لتخصيص حال النسيان بالمسألة معنى. 30865 - وقوله: (اسم الله على كل مسلم). يدل على اعتبار التسمية، وجعلوا حال النسيان عرًا؛ لأن الناسي يعلم من حاله أنه يغفل التسمية لو ذكرها. 30866 - احتجوا: بحديث عائشة أنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إنه يهدى إلينا الطعام فلا نعلم إن ذكر اسم الله عليه أم لا، أفلا نأكله؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: (إذا ذكر اسم الله عليه، فكلوا). 30867 - قلنا: لأنه حمل أمر المسلم على الصحة وأنه لا يترك التسمية. 30868 - على أن هذا الخبر هو الدليل عليهم؛ لأن التسمية لو لم تكن مشروطة لم تكن المسألة عن حالها معنى. 30869 - وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (أنهر الدم بما شئت، فكل). قصد به بيان صفة الذبح ومحله والآلة وإخبارنا والآلة قصد بها بيان التسمية، فيستعمل كل واحد منهما فيها قصد به. 30870 - قالوا: ما لا يشترط في الذكاة مع النسيان لم يشترط مع الذكر، أصله الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعكسه قطع الحلقوم وكون الذابح مسلمًا أو كتابيًا. 30871 - قلنا: التسمية عندنا شرط في الجملة، وإن عفي عنها في حال النسيان. 30872 - ولأن النسيان عذر، وليس إذا سقط الشرط بالعذر سقط مع عدمه. 30873 - ولأن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر لم يشترط في ابتداء الصلاة، فلم يشترط على الذبيحة. ولما كان ذكر الله ذكرًا، شرط في ابتداء الصلاة فلم يشترط،

جاز أن يشترط في ابتداء الذبيحة. 30874 - فإن جعلوا أصل هذه العلة استقبال القبلة. 30875 - قلنا: ذاك لم يشرع مخالفة للمشركين، [ولما شرعت التسمية في ابتداء هذا الفعل مخالفة للمشركين] كانت واجبة. 30876 - قلنا: ذكاة لم يعلم فيها غير التسمية، فوجب أن تكون الذكاة صحيحة مبيحة قياسًا على الناسي. 30877 - قلنا: لا نسلم أنه لم يقدم فيها التسمية، بل إذا ذكر التسمية وتركها فقد خالف موضوع الشرع، والشبه بالمشركين والناسي لم يترك للتسمية مخالفة لوضع الشرع، فلم يكن مشبهًا بالمشركين؛ فلذلك حلت الذبيحة. 30878 - ولأن النسيان ذكر وقد سقط الفرائض في حال العذر على وجه الرخصة، وإن لم تسقط عند عدمها. 30879 - قالوا: كل ذكر يسقط إذا ترك ناسيًا، وجب إن سقط إذا ترك عامدًا قياسًا على الذكر بعد الإحرام والتسبيح في الركوع والسجود التشهد الأول. 30880 - قلنا: اعتبار العامد بالناسي لا يصح لما ذكرنا، والمعنى فيها قاسوا عليه: أنه لم يوضع لمخالفة المشركين، فلم يكن شرطًا. ولما وضعت التسمية في ابتداء فعل تقرر بجنسه لمخالفة المشاركين كان لها مدخل في الوجوب كتكبير الصلاة. 30881 - قالوا: ذكر اسم الله تعالى مأمور به يستوي تركه عامدًا أو ناسيًا، كالقراءة في الصلاة والتسبيحات في الركوع. وإنما يؤثر النسيان المنهي عنه كالأكل والصوم والجماع والنية في الصوم، لما كانت مأمورًا بها تركها ناسيًا أو عامدًا. 30882 - قلنا: هذه المواضع كلها يختلف فيها الناسي والعامد، فيسقط الفرض عن الناسي، ويتوجه الخطاب على العامد إذا تجدد الذكر ما يجب عنده عبادة مبتدأة يجب بحسب قيام الدليل. 30883 - قالوا: ما لا يجب النطق في آخره، لا يجب في أوله كالوضوء. 30884 - قلنا: الذبح فعل واحد فلا يتصور له أول وآخر يختص كل واحد منهما بذكر.

30885 - ولأن الوضوء لم يكن الكفار يذكرونه آلهتهم في ابتدائه، فالتسمية ليست مخالفة لهم فلم يكن شرطًا. وهذا الفعل اعتبار الكفار ذكرًا منهم عنه فيشرع ذكر الله تعالى مخالفة لهم فكان شرطًا. 30886 - قالوا: الوضوء ورد الخبر بالتسمية في ابتدائه كما ورد بالتسمية في ابتداء الذبيحة، ثم كان أحدهما مستحبًا كذلك الآخر. 30887 - قلنا: الظاهر اقتضى الوجوب فيهما. وليس يجوز أن يقال: ترك الظاهر بدليل على ظاهر آخر لمشاركته في حكمه كما لا يقاس عموم لم يدخله التخصيص على عمومه خصه للحقه في التخصيص.

مسألة 1529 جرح الكلب الصيد

مسألة 1529 جرح الكلب الصيد 30888 - قال أصحابنا [رحمه الله]: إذا جرح الكلب الصيد فأدركه صاحبه حيًا فلم يتمكن من ذبحه لضيق الوقت أو لفقد الآلة حتى مات، لم يؤكل. وكذلك لو وقع به السهم فأدركه. 30889 - وقال الشافعي رحمه الله: يؤكل. 30890 - لنا: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (الذكاة في الحلق واللبة). وهذا عام إلا فيما خصه دليل. 30891 - ولأن يده ثبتت عليه مع استقرار الحياة، فلم تحل إلا بالذبح، كالشاة إذا اضطربت فلم يقدر على ذبحها. 30892 - ولأنه خرج بالجرح من حيز الامتناع، فلا يحل إلا بالذبح، كالشاة. 30893 - ولأنه يقدر على ذبحه إن وجد آلة، فإذا لم يجد حتى مات، لم يؤكل، كالشاة. 30894 - احتجوا: بقوله تعالى: {فكلوا مما أمسكن عليكم}. قالوا: وفي حديث أبي ثعلبة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: (كل ما ردت عليك قوسك وكلبك ذكيًا وغير ذكي). 30895 - قلنا: فيه إضمار باتفاق عندنا: إذا لم يثبت حيًا، وعندكم: إذا لم يلحق ذكاته. وليس أحد الإضمارين أولى من الآخر. 30896 - قالوا: لم يدرك زمان ذكاته أو زمانًا يتسع لذكاته أو زمانًا يمكن فيه من

ذكاته، فصار كما لو أدركه ميتًا لم يثبت للذكاة حكم، بدلالة أن الآلة لو كانت حاضرة فلم يحل بغير الذكاة ففقدها، لا يسقط حكم الذكاة، كالشاة المضطربة إذا لم يكن عنده آلة يذبحها بها حتى ماتت. 30897 - قالوا: الأصل في الإباحة الذكاة، وأقيم العقر مقام الذكاة في حال تعذر الذكاة، والتعذر في الحالتين موجود وكان حكمها سواء. يبين ذلك: أن التيمم أقيم مقام الماء لتعذر الماء، فلم يفرق بين عدم الماء وبين الماء الموجود الذي لا يمكن استعماله أو لا يصل إليه لفقد الآلة. 30898 - قلنا: لسنا نقول: إن العقر بدل عن الذبح ولا أقيم مقامه، بل كل واحد منهما ذكاة لنوع، فالذبح لما في يده، والعقر لما لا يد له عليه. فلو زالت يده عن الحيوان لنفوره سقط اعتبار الذبح وكانت ذكاته العقر، كذلك إذا ثبتت يده على الحيوان سقط حكم العقر ووجب اعتبار الذبح. 30899 - فأما التيمم فهو بدل، فيعتبر عدم التمكن من أصله. 30900 - وقولهم: إن في التيمم يستوي فقد الماء وفقد الآلة كذلك في الذكاة. 30901 - لا يصح؛ لأن المعتبر هاهنا ليس هو تعذر الذبح، وإنما هو عدم ثبوت اليد، بدلالة أن الشاة إذا اضطربت والآلة معه لم تحل بالعقر، لثبوت يده عليها وإن تعذر ذبحها.

مسألة 1530 غيبة الصيد عن صاحبه بعد إصابته

مسألة 1530 غيبة الصيد عن صاحبه بعد إصابته 30902 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا رمى صيداً فتحامل والسهم به فغاب عن صاحبه فأدركه ميتًا وليس به أثر غير سهمه، فإن كان في طلبه حتى أدركه، أكله، وإن كان قعد عن طلبه، لم يؤكل. وكذلك الكلب إذا جرح الصيد فتوارى ثم أصابه ميتًا. 30903 - وقال الشافعي رحمه الله في أحد قوليه: لا يحل أكله. والقول الآخر: يحل أكله. ولم يعتبر في واحد من القولين الطلب أو القعود عنه. 30904 - والدليل على أنه يؤكل وإن غاب ما روي في حديث عدي بن حاتم أنه قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أرمي سهمي فأصيب، فلا أقدر عليه إلا بعد يوم أو يومين، فقال له: (إن قدرت عليه وليس فيه أثر ولا خدش إلا رميتك، فكل، وإن وجدت فيه أثر غير رميتك فلا تأكله فإنك لا تدري أنت فعلته أم غيرك). وفي حديث أبي ثعلبة أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: ([يا رسول الله]، أفتني في قوسي. قال: (كل ما ردت عليك قوسك ذكيًا كان أو غيره). قال: وإن تغيب عني، قال: (وإن تغيب عنك ما لم تعمل، أو تجد فيه أثر غير سهمك). ذكر الخبر الدارقطني. 30905 - فإن قيل: لم يشرط في الخبرين الطلب. 30906 - قلنا: خرج الكلام على المعتاد أن الرامي لا يقعد عن الطلب. 30907 - ولأن الظاهر يقتضي الإباحة في الحالتين قامت الدلالة في أحدهما، ويدل عليه ما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - مر بالروحاء، فرأى حمار وحش عقيرًا، فأراد أصحابه أن

يأخذوه، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (دعوه حتى يجيء صاحبه). فجاء رجل من بهز، فقال: هذه رميتي وهبتها لكم. فأمر - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر بقسمها بين الرفقة. فدل ذلك على جواز أكل ما غب من الصيد. 30908 - قالوا: فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسأله عن طلبه. 30909 - قلنا: لأنه شاهده طالبًا له ومتبعًا لأثره، فلم يسأل مع مشاهدة الحال. 30910 - [فإن قيل]: يجوز أن يكون مات الصيد والبهزي شاهده، ثم تغيب عنه لشغل، وعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك. 30911 - قلنا: فهو - صلى الله عليه وسلم - لم يعرف الرامي، كسف يظن أنه عرف كيفية إصابته وقتله؟. 30912 - ولأن موت الصيد كالجرح، والتغيب لا يمكن استدراكه في الصيد؛ لأن الغالب أنه إذا جرح نفر وبعد. وما لا يمكن الاحتراز منه في الصيد، سقط حكمه، أصله: الجرح في محل الذبح. 30913 - ولأنه لم يفرط في طلبه، فصار كما لو مات وهو يشاهده. 30914 - ولأن كل صيد يؤكل إذا لم يتوارى عن الصائد، يجوز أن يؤكل وإن توارى عنه، أصله: الجراد. 30915 - احتجوا: بحديث عائشة: أن رجلًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بظبي قد أصابه بالأمس وهو ميت، فقال: يا رسول الله، عرفت فيه سهمي وقد رميته بالأمس، قال: (لو علمت أن سهمك قتله، لأكلته، لا أدري هوام الأرض كثيرة). 30916 - قلنا: لأن الظاهر أنه ترك الطلب. 30917 - وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لو أعلم أن سهمك قتله). يعني: وجعه عند الإصابة؛ لأنه إذا كان كذلك لم يبق بعد ذكاة منتظرة، فلا يؤثر القعود عنه. 30918 - وقوله: (هوام الأرض كثيرة). يعني: إنك وإن وجدت سهمك فيه، لم تعلم أن الجراح وجت قتله عند الإصابة لجواز أن يكون مات من غيرها 30919 - قالوا: روي عن ابن عباس أن رجلًا سأله: إني أرمي فأصمي وأنمي،

قال: كل ما أصميت، ودع ما أنميت. 30920 - قلنا: هذا قول صحابي، فلا يكون حجة في مخالفة قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو نحمله على ما غاب عنه وفرط في طلبه، ويحمل خبر النبي - صلى الله عليه وسلم - على ما غاب عنه ولم يفرط في الطلب، فجمع بين الأخبار. 30921 - قالوا: عقر لا يبيح الأكل [إذا لم يحفظ الطلب]، وصار إذا لم يسم الله عليه. 30922 - قلنا: إذا فرط في الطلب فلم يفرط في الذكاة؛ لأنه لا يقدر على أكثر من ذلك، فسقط عنه مالا يمكنه الاحتراز منه. وإذا قعد عن الطلب جاز أن يكون لو طلب لأدركه حيًا، فسقط حكم ووجب الذبح، وما لا يمكن الاحتراز عنه لا يسق اعتباره كالجرح. 30923 - قالوا: العقر إنما يكون ذكاة إذا كان هو القاتل، ومتى غاب عنه جاز أن يكون شاركه في الموت غيره، أو يكون قد وقع من مكان، فلم يجز استباحته مع الشك في السبب. 30924 - قلنا: الجراحة سبب الموت، ولا يعلم هناك سبب آخر، فالظاهر أن الموت من الجراحة، الدليل عليه أن الجارح على هذا الوجه يجب وهو يجب بالاحتمال، فدل وجوب القصاص، على أن هذا التجويز باطل. 30925 - ولأن التجويز يؤثر إذا ما أمكن الاحتراز من شبه، فأما إذا لم يكن سقط اعتباره، بدلالة أن الصيد إذا وقع من الرمية على الأرض، حل أكله مع تجويز أن يكون موته من وقوعه على الأرض؛ لأن ذلك لا يمكن الاحتراز عنه. [ولو سقط على جبل ثم تردي إلى الأرض، لم يؤكل؛ لأن ذلك لا يمكن الاحتراز منه]. والتغيب لا يمكن الاحتراز منه فسقط حكمه. 30926 - وأما الدليل على أنه لا يؤكل إذا تغيب وفرط في طلبه بخلاف القول

الآخر حديث ابن عباس: كل ما أصميت ودع ما أنميت. 30927 - ولأن العقر ليس بذكاة عند وقوعه، وإنما يصير ذكاة شرط ألا يترك ذكاته، فإذا قعد عن طلبه جاز أن يكون لو طلبه أدركه حيًا فلم يعلم أن العقر ذكاة فلم يحل أكله. 30928 - احتجوا: بالأخبار التي قدمناها. 30929 - قلنا: خرج الكلام على العادة والرامي لا يقعد عن طلب رميته. 30930 - قالوا: إذا لم يكن له أثر، فالظاهر أنه مات من الجراحة. 30931 - قلنا: نحن لا نمنع الأكل لهذا المعنى، لكن التجويز أن يكون لو لم يقعد لأدركه حيًا فلا نعلم أن العقر ذكاة له، فلا يحل أكله.

مسألة 1531 الذبح بسن منزوع أو ظفر منزوع

مسألة 1531 الذبح بسن منزوع أو ظفر منزوع 30932 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا ذبح بسن منزوع أو ظفر منزوع أو عظم جاز أكله. 30933 - وقال الشافعي رحمه الله: لا يجوز الذبح به، ولا يحل أكل المذبوح. 30934 - لنا: ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (ما أنهر الدم وأفرى الأوداج فكل). وقوله: (أنهر الدم). بما شيف ولا كل حكم تعلق بالذبح بالليطة والمروة تعلق بالذبح بالظفر، أصله: القصاص. 30935 - فإن قيل: فاستوى فيه القائم والمنزوع. 30936 - قلنا: ينتقض بجواز حكم الحاكم ببيعه، فإنه لو حكم بيع ما ذكي بالمنزوع جاز، ولو حكم ببيع ما ذكي بالقائم لم ينفذ حكمه. 30937 - ولأن كل جنس تقع به الذكاة في غير المقدر، كذلك العظم إذا رمى به الصيد. 30938 - ولأنه آلة يمكن التصرف فيها حال الذبح، فجاز الذبح بها كالحديد. 30939 - ولأن النهي عن الذبح بذلك؛ لأنه يقع فيه تعذيب الحيوان، فصار كالحجر المحدود. 30940 - ولأنها آلة يتعلق بها القصاص، فجاز الذبح بجنسها كالحديد. ولا يلزم النار؛ لأن الذكاة تقع بها عندنا. 30941 - احتجوا: بحديث رافع بن خديج أنه قال: قلت: يا رسول الله، إنا لاقون العدو غدًا، وليس معنا مدى، أفنذكي بالليطة، فقال - عليه السلام -: (ما أنهر الدم

وذكر اسم الله فكلوا، إلا ما كان من سن أو ظفر فمدى الحبشة). 30942 - قلنا: المراد بذلك السن القائم، بدليل أن إطلاق السن يتناول القائمة. 30943 - ولأنه قال - صلى الله عليه وسلم -: (فإن السن عظم من الإنسان). ولو لم يرد الاتصال، لم يكن لتخصيصه بالأسنان معنى والعظام سواء، فعلم أنه خص الإنسان؛ لأنهم كانوا يفعلون ذلك. 30944 - ولأنه روي: (إلا القرض بالسن). ولا يكون القرض إلا بالقائمة. وقال: (فإن الظفر مدى الحبشة). وهم كانوا يذبحون بالظفر القائمة إظهارًا للجلد والقوة، فلم يكونوا يذبحون بظفر منزوع. وعندنا أن القائمة لا تذكي؛ لأنها تردد وتفسخ ولا تقطع. 30945 - قالوا: عظم، فلا يكون آلة للذكاة كالمتصل. 30946 - قلنا: جنس الآلات كلها إذا لم يكن آلة لنوعها، وإنما يؤثر فيها صفتها. كذلك العظم لا يمنع من الذكاة بجنسه، ولكن بصفة من صفاته. والمعنى في المتصل: أنه لا يتأتى به القطع؛ لأن التصرف لا يقع به كالتصرف في الآلة المنفصلة، وإنما يعتمد به فيفسخ. وأما المنفصل: فيتصرف فيه كتصرفه في غيره من الآلات فصحت للذكاة به. 30947 - قالوا: ما كان آلة للذكاة استوي فيه حال الانفصال والاتصال كالحديد، وما لم يكن له استوى الحالتان فيه كاليد والرجل. 30948 - قلنا: لا نسلم، فإن الحديد إذا اتصل كاتصال الظفر لم تجز الذكاة به؛ لأنه يتردد ويفسخ، فاستوى فيهما حال الاتصال والانفصال؛ لأنها ليست من آلات الذبح ولا يتأتى فيها القطع، ولعظم كالمروة والليطة فيمتنع الذكاة به في حال ويجوز في حال. 30949 - قالوا: حال الاتصال لا يكن للقطع، فإذا لم يجز فحال الانفصال أولى. 30950 - قلنا: هذا غلط؛ لأن حال الاتصال لا يمكن أن يتصرف فيه كما يتصرف السكين، وإنما هو يقرض ويفسخ، وحال الانفصال يتصرف في السن كما يتصرف في سائر الآلات المحددة. 30951 - قالوا: ذبح ممنوع منه لحق الله تعالى كذبح المجوسي. 30952 - قلنا: لا نسلم، بل نمنع منه لحق المذبوح كما منع الآلة الكاملة.

مسألة 1532 ما يحل من القطع للمذبوح

مسألة 1532 ما يحل من القطع للمذبوح 30953 - قال أبو حنيفة رحمه الله: إذا قطع الأكثر من العروق الأربعة، حل المذبوح وكان أبو الحسن يقول: معناه: الأكثر من كل واحد منهما. وقال غيره من أصحابنا: إذا قطع ثلاثة من الأربعة، جاز. 30954 - وقال الشافعي رحمه الله: إذا قطع الحلقوم والمريء، جاز وقطع الودجين عنده من كمال الذبح، وليس شرطًا. 30955 - لنا: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ما أنهر الدم وفرى الأوداج فكل). والودجان مجرى الدم، فإنهاره يكون بقطعهما. ثم ذكر الأوداج بلفظ الجمع، وحقيقة الجمع ثلاثة، فمن شرط قطع اثنين فهو تارك للظاهر. 30956 - ولأنه يجري لما به قوام الحياة، فكان قطعه شرطًا كالحلقوم والمريء. 30957 - ولأنه اقتصر على قطع عرقين في المقدور عليه، فصار كما لو قطع الودجين. 30958 - ولأن المقصود بالذبح إنهار الدم النجس مع التوجيه، وهذا لا يكون إلا بقطع الودج؛ لأنه مجرى الدم، فوجب أن يشترط ذلك. ولا يلزم إذا فصدت؛ لأن الدم لا ينهار، وإنما ينفصل انفصالًا ضعيفًا، فيتعذب الحيوان بطول المكث. 30959 - ولأن كل عرق كان قطعة من كمال الذكاة، فقطعها شرط فيها، أصله الحلقوم والمريء. 30960 - ولأن خروج الروح متى سلم الودجان لا يتعجل، فصار كما لو قطع الودجين خاصة. 30961 - احتجوا: بقوله تعالى: {وما أكل السبع إلا ما ذكيتم}.

30962 - قلنا: الذكاة اسم شرعي، ونحن لا نسلم وجوده في المقدور إلا بقطع العروق. 30963 - قالوا: روى رافع بن خديج أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما أنهر الدم، وذكر اسم الله عليه فكلوا). 30964 - قلنا: إنهار الدم لا يكون بقطع مجرى الدم، فأما إذا بقي الودجان فالدم يخرج خروجًا ضعيفًا فلا يسمى إنهارًا. 30965 - قالوا: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الذكاة في الحلق واللبة). 30966 - قلنا: هذا بيان محل الذكاة، وخلافنا في صفة الذكاة، فلم يذكر ذلك في الخبر. 30967 - قالوا: روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا ذبحتم فاحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته). قالوا: فهذا يدل أن فتحتي خروج الروح وإراح البهيمة فهي ذكاة صحيحة. قال الشافعي: وهذا موجود في الحق والمريء؛ لأنهما مجرى الطعام والنفس، فإذا قطعا مات الحيوان من ساعته، فأما الودجان فيسلان من الحيوان ويعيش بغير ذلك. 30968 - قلنا: إذا لم يقطع الودج، فإن خروج الروح يبطئ ويتعذب الحيوان وإذا قطع كان أوصى. 30969 - وقول الشافعي: إن الودج يسل. 30970 - لا نعرفه، ولو ثبت لم ينفع؛ لأن الحلقوم يقطع ثم يعيش الحيوان، وإن شرط قطعة في الذبح. 30971 - قالوا: قطع موصى محل الذكاة، فجاز أن يكون ذكاة صحيحة كقطع الأكثر. 30972 - قلنا: لا نسلم التوجيه. 30973 - ولأن الأكثر يقوم مقام الجميع في كثير من الأصول، وأقل من الأكثر لا

يقول مقام الجميع. 30974 - ولأنه إذا قطع الأكثر فقد حصل العقر في العروق التي شرطت في كمال الذبح، وإذا قطع الحلقوم والمريء فقد بقي مجرى الدم. والمقصود لا يستدرك بغيره، فصار كما لو ترك المريء أو ترك الحلقوم. 30975 - قالوا: ما لا يتعين قطعه في ذكاة المقدور عليه، لم يتعلق بقطعه إباحة، أصله: الوريدان، وهما وراء الودجين. 30976 - قلنا: لا نسلم هذا الوصف على طريقة أبي الحسن؛ لأنه يقول: لابد من قطع الأكثر من كل واحد من الأربعة، فكلها متعين. 30977 - ولو قلنا: إنه لا يتعين، لم يصح هذا الكلام؛ لأن موضع القطع من الحلق غير متعين، ثم هو شرط والآلة غير متعينة وهي شرط. 30978 - قالوا: كل ما يعيش الحيوان بعد فقده، لم يكن شرطًا في ذكاته، أصله: الوريدان. 30979 - قلنا: لا نسلم أن الحيوان يعيش مع فقد الأوداج، وينتقض بالجلدة فالتي فوق العروق يعيش الحيوان مع فقدها ولابد من قطعها.

مسألة 1533 الجنين الميت في بطن الحيوان المذكى

مسألة 1533 الجنين الميت في بطن الحيوان المذكى 30980 - قال أبو حنيفة رحمه الله: إذا ذكي الحيوان فوجد في بطنه جنين ميت، لا يحل أكله. 30981 - وقال أبو يوسف ومحمد [رحمهما الله]: يحل أكله. وبه قال الشافعي رحمه الله. 30982 - لنا: قوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة}. وهو اسم عام لما مات حتف أنف ولما حله الموت، وهذا موجود في الجنين، فوجب أن يحرم بالظاهر. 30983 - فإن قيل: لا نسلم أنه ميته، بل هو مذكى. 30984 - قلنا: عندكم أنه مذكي حكمًا، والعرب لا تعرف الأحكام ولا تضع لها الأسماء. 30985 - فإن قيل: قال في آخر الآية: {إلا ما ذكيتم}. وهذا مذكى. 30986 - قلنا: لا نسلم ذلك، فلا يخرج من علة التحريم إلا ما اتفقنا على دخوله في الاستثناء، ويدل عليه قوله تعالى: {والمنخنقة والموقوذة}. والجنين منخنق؛ لأن الظاهر أنه يموت باضطراب الأم، ويدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: (الذكاة في الحلق واللبة). وظاهره يقتضي أن ما لم يوجد فيه هذه الصفة فليس بذكاة. 30987 - فإن قيل: قد حصل الذكاة في الحلق. 30988 - قلنا: المراد بالخبر ذكاة الحيوان في حلقه، والجنين لا يقع في حلقه فعل، ويدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: (انهر الدم بما شئت)، وقوله: (ما أنهر الدم، وفرى

الأوداج فكل). وهذا يدل على أن إباحة الحيوان موقوفة على إنهار دمه. 30989 - ولأنه من جنس الحيوان المشروط فيه الذكاة، فلا يحل بغير عقر، أصله: غير الجنين. 30990 - ولأنه لا يخلو أن يكون في حكم الحيوان المقدور على ذكاته [فيشترط ذبحه]، أو في حكم غير المقدور فيشترط عقره فلما لم يوجد فيه ذبح ولا عقر لم يحل. 30991 - ولأنه حيوان لو تمكن من ذبحه لم يحل إلا بالذبح، فإذا تعذر ذبحه لم يحل بعقر غيره، كالشاتين إذا وقعتا في بئر إحداهما فوق الأخرى فعقر الأولى فماتت الثانية. 30992 - فإن قيل: الثانية لا تتبع الأولى في البيع فلم تتبعها في الذكاة، والجنين يتبع أمه في البيع فيتبعها في الذكاة. 30993 - قلنا: الجنين إذا انفصل حيًا فهو الذي يتبعها [في البيع، ولا يتبعها في الذكاة باتفاق. فأما إذا انفصل ميتًا فهو الذي يتبعها في الذكاة] عندهم، وكذلك لا يتبعها في البيع عندنا. 30994 - ولأنه مات بألمها من الذبح، فصار كما لو انفصل حيًا ومات؛ فلذلك ينفرد عنها بالذكاة، بدلالة أنه لو مات ثم ذكيت كان ميته، ولو خرج حيًا فلم يذبح كان ميته، ولو ماتت فانفصل حيًا فذبح كان مذكى، ولو ندت جاز أكلها بالعقر، فإذا انفصل منها حيًا كان ذكاته الذبح، فإذا انفرد عنها في إيقاع الذكاة فلم تحل إلا بفعل موقع فيه كالحيوان. 30995 - ولأنه يحتمل أن يكون مات بذبحها، ويحتمل أن يكون مات قبل ذبحها، فاجتمع فيه الحظر والإباحة، فكان الحكم للحظر دون الإباحة، كما لو رمى صيدًا فوقع في الماء. 30996 - احتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (ذكاة الجنين ذكاة أمه). وظاهره يقتضي أن

ذكاة الأم تبيحه، كما لو قال ذكوه فري أوداجه. 30997 - قلنا: إن الذكاة هي العقر إذا حصل بشرائطه، وذلك لم يوجد فيه. وإنما زعم مخالفنا أن الشريعة جعلته مذكى بأمه، فانتقل عندهم فيه الاسم اللغوي إلى اسم شرعي. 30998 - قلنا: نحن نقول معناه: ذكاة الجنين مثل ذكاة أمه. وحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، وكل واحد من التأويلين [محتمل و] عدول عن الظاهر. ومخالفنا يروم تخصيص قوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة}. وتخصيص القرآن باللفظ المحتمل المتجاذب في التأويل لا يصح. على أننا نبعد في التأويل منهم؛ لأن حذف المضاف كثير في كلامهم واتسع حتى قرب من الحقيقة وتكرر في القرآن، قال الله تعالى: {فشربون شرب الهيم}. يعني: مثل شرب الهيم. وإلا فمعلوم أن شرب أهل الجحيم ليس كشرب الإبل العطاش. وقال تعالى: {واشتعل الرأس شيبًا}. يعني شعر الرأس. وقال الشاعر: أمن أم أوفى دمنة لم تكلم 30999 - يريد أمن دمن أم أوفي ومن هذا قول: خلد العربي حاتم الطائي. وذكر سيبويه أنهم قالوا: عليه نوح نوح الحمام، وله صوت صوت الحمام. وهذا مجاز ظاهر في استعمال العرب، وبه جاء التنزيل. وإن عقر الأم ذكاة لجنينها لا تعرفه أهل اللغة. 31000 - فإن ادعى مخالفنا نقل الاسم فيه من اللغة إلى الشرع. 31001 - كان عادلًا عن الظاهر إلى إضمار اللفظ لما ذكرنا من غير عدول يوجب الاحتمال، لو تساويا فكيف وما ذكر مستعمل كثير فترجح على احتمالهم.

31002 - وقال مخالفنا: الذكاة عبارة عن حل الحيوان وطهارته وطيبته دون فري أوداجه، وإنما فري الأوداج سبب الذكاة التي هي الحل والطيب ليس بالذكاة. ألا ترى أن جميع أجزاء الحيوان ذكي، فلو كانت الذكاة السن كان الاسم في أجزاء الحيوان مجاز. ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: (دباغ الأديم ذكاته). يعني: حله وطهارته. فالاسم حقيقة لا مجاز، فكيف نسلم بترك الظاهر؟. 31003 - قلنا: الذكاة هي العقر الواقع بشرائطه والحل حكمها، هذا هو الاسم اللغوي. وكذلك هو في عرف الشرع، بدلالة أنهم لا يقولون له: هذا ما ذكي، وهذا ثوب ذكي. بمعنى أنه طاهر. 31004 - فإذا ادعى مخالفنا أن الشريعة نقلت الاسم وجعلته عبارة عن التطهير الحاصل بالعقر. 31005 - احتاج إلى دليل النقل. 31006 - وقوله: أن يقال كل جزء من الحيوان مذكى: فذكي. 31007 - صحيح؛ لأنه جزء من الجملة المذكاة، وأهل اللغة جعلوا العقر في موضع الذبح ذكاة الجملة حقيقة؛ لأن الحيوان كالجزء الواحد، وألحقت الشريعة لشرائط هذا الاسم شرائط لا تعرفها أهل اللغة، كما شرطت في البيع شرائط لا تعرفها العرب، ولا يوجب ذلك نقل أسمه. 31008 - فإن قيل: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ذكاة الجنين ذكاة أمه). يقتضي أن تكون ذكاته في حال استتاره؛ لأن الجنين هو المستحق. وعندكم تكون ذكاته مثل ذكاة أمه إذا كانت متوحشة [تعقر في بطنها] استوت ذكاته وذكاتها، وإن كانت مستأنسة أفاد الخبر تحريم الجنين، لعدم شرط الإباحة فيه وهو أن يوقع مثل ذكاة الأم. على أنه قد سمي بعد انفصاله: جنينًا. قال حمل بن مالك: كنت بين جاريتين، فضربت إحداهما الأخرى، فألقت جنينًا ميتًا. 31009 - فإن قيل: هذا مجاز، ومعناه كان: جنينًا.

31010 - قلنا: العرب لا تلتزم في الاشتقاق التحقيق، ألا ترى أنهم قالوا: نجم. لظهوره فإذا أفل فهو نجم في الحقيقة، كذلك الجنين. 31011 - فإن قيل: لو كان المراد ما ذكرتم، لم يكن لتخصيصه بأمه في التشبيه فائدة، إذ حكم أمه وسائر الحيوان سواء. 31012 - قلنا: ولو شبهه بغير أمه لتوجه هذا السؤال، ولم يكن يشبهه بجملة الحيوان لاختلاف ذكاته، فخص التشبيه بالأم لاتفاق ذكاتهما في غالب الحال. 31013 - قالوا: روى أبو الوداك عن أبي سعيد الخدري أنه قال: سألنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن أحدنا ينحر الناقة ويذبح البقرة والشاة، فنجد في جوفها جنينًا، أفنأكله أم نلقيه؟ فقال: (إن شئتم فكلوه، فإن ذكاة الجنين ذكاة أمه). ولم يسألوه عن إلقاء الحي، فدل أن المراد به الجنين الميت. 31014 - قالوا: روى مجالد بن سعيد عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الجنين يخرج ميتًا، فقال: (إن شئتم كلوه). 31015 - قلنا: بل يجوز أن يكون سألوه عن الحي الذي حياته غير مستقرة وهذا هو الغالب في الأجنة، فظنوا أنه في حكم الميتة التي يجب إلقاءها، فبين - صلى الله عليه وسلم - أنه- وإن كان كذلك- حل بالذكاة كما تحل أمه بها. 31016 - وأما الخبر الثاني فقد رواه جماعة من الثقات عن مجالد بن سعيد ولم يذكروا فيه أنه خرج ميتًا. ورواه جماعة عن مجالد منهم: هشيم وأبو أسامة وعيسى بن يونس وغيرهم. وليس فيه هذه الزيادة، وإنما فيه أنه سئل عن الجنين يكون في بطن الجزور أو البقرة أو الشاه قال: (فكلوه، فإن ذكاته أمه). ولم تحفظ

هذه اللفظة. وهي قوله: (يخرج ميتا). إلا من رواية السامر وهو ضعيف. فلم يجز ترك ظاهر القولين بمثل هذه الرواية، ولو ثبتت هذه اللفظة حملنا على ما قارب الموت، كقوله تعالى: {إنك ميت وإنهم ميتون}. 31017 - قالوا: روي عن ابن عباس في قوله تعالى: {أحلت لكم بهيمة الأنعام}: إنها الاجنة. 31018 - قلنا: روي أنها جميع الأنعام، وكذلك روي عن الحسن. وهذا هو ظاهر العموم، وتخصيصه بالأجنة يحتاج إلى دليل. 31019 - ولأنه قال: {إلا ما يتلى عليكم}. يعني: سيتلى عليكم. فلم يمكن اعتقاد العموم، وإنما يفيد إباحة بعضها. وعندنا المذكى من الأجنة مباحة. 31020 - قالوا: ما دخل في بيع البهيمة، جاز أن يتذكى بذكاتها، أصله: أعضاؤها. 31021 - قلنا: الوصف لا يصح في الأصل؛ لأن الأعضاء هي الجملة المبيعة. 31022 - وقولوه: يدخل في بيعها. 31023 - يقتضي أن يكون جملة أخرى يقع البيع على الجملة فيدخل فيه. 31024 - ولأن الولد الداخل في البيع هو المنفصل حيًا، وذلك لا يذكى بذكاتها بانفاق. 31025 - ولأن الولد دخل في البيع؛ لأنه لو لم يدخل فيه، بطل البيع باستثناء فيه. وتحريم أكل الولد لا يمنع تذكية الأم؛ بدلالة الحامل كالمتولد مما لا يؤكل لحمه. 31026 - ولأن المعنى في الأعضاء أنها لا تنفرد عن الأصل بالذكاة، فجاز أن يلحقها ذكاتها، والجنين يجوز أن ينفرد عنها بالذكاة، فلم يتبعها في أحكامها. 31027 - قالوا: ما عتق من الآدمية بإعتاقها، جاز أن يتذكى من البهيمة بذكاتها، أصله: أطرافها.

31028 - قلنا: أطرافها لا تعتق، وإنما تعتق الجملة التي الأطراف فيها، فإن صح أن يقال: إن الأطراف تعتق بعتقها، جاز أن يقال: إنها تعتق الأطراف. فأما الولد: فيسري إليه عتقها. فيصح أن يقال: إن الولد لا يعتق بعتقها، إلا أن ينفصل حيًا، وذلك لا يتذكى بذكاتها، وإنما يتذكى ما مات بذكاتها عندهم، وذلك لا يعتق بإعتاق الآدمية. والمعنى في الأطراف ما قدمنا. 31029 - قالوا: مخلوق في الجوف من جنس ما يؤكل، فجاز أن تسري إليه الذكاة، أصله: الكبد والكرش. 31030 - قلنا: الآلة لا تسري إلى ما في جوفها، ولكنه يتذكى في نفسه بذبحها، فأما أن تثبت ذكاتها ثم سرى إليه فلا. 31031 - ولأن الكبد لا ينفرد عنها في الإباحة، فصار مذكى بذكاتها. ولما جاز أن ينفرد الجنين عنها بالحظر إذا كان ولدًأ، جاز أن يفارقها في ذكاته. 31032 - قالوا: من جنس الحيوان المأكول، خرجت روحه بعقر مباح كالأم. 31033 - قلنا: لا نسلم أن روحه خرجت بعقر الأم، لجواز أن يكون مات قبل ذلك، وجواز أن يكون مات بعد موتها باضطرابها. والمعنى في الأم أن العقر حل فيها فجاز أن يبيحها، والجنين من جنس الحيوان الذي شرطه فيه العقر، فلم يحل من غير عقر. 31034 - قالوا: الجنين في حكم الجزء منها، بدلالة أنه يعتق بعتقها يدخل في بيعها. 31035 - قلنا: وهو في حكم الحيوان المنفرد، بدلالة جواز انفراده عنها في الذكاة وفي الإباحة إذا كان متولدًا، وينفرد عنها بالوصية ويورث عنه إرثه. 31036 - وأما دخوله في البيع: فليس لأنه في حكم عضو، لكن لأنه لو لم يدخله لفسد البيع باستثنائه. 31037 - وأما عتقه بعتقها: فلأنه لو لم يعتق ينفصل مملوكًا من جزء، والجزء لأهل المملوك.

مسألة 1534 ذبائح النصارى العرب

مسألة 1534 ذبائح النصارى العرب 31038 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: ذبائح نصارى العرب حلال ممن تنصر منهم قبل نزول القرآن وبعده. 31039 - وقال الشافعي رحمه الله: ذبائح بني تغلب ونصارى العرب لا تؤكل. 31040 - لنا: قوله تعالى: {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم}. 31041 - ولأنه مؤمن بكتاب من كتب الله تعالى مقر عليه، فصار كنصارى العجم وكمن تنصر قبل نزول القرآن. 31042 - ولأن كل دين وكل ذبائح يستوي عربهم وعجمهم، أصله: دين الإسلام، وعكسه المجوس وعبدة الأوثان. 31043 - احتجوا: بم روي عن علي أنه قال: لا تأكلوا ذبائح بني تغلب. 31044 - قلنا: ذكر الطحاوي بإسناده عن عطاء بن السائب عن عكرمة عن ابن عباس قال: كلوا من ذبائح بني تغلب، وتزوجوا من نسائهم، فإن الله تعالى قال: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم}. فلو لم يكونوا منهم إلا بالولاية كانوا منهم. 31045 - ثم إن عليا - رضي الله عنه - لم يفصل بين من تقدم تنصره على المسلمين ومن تأخر؛ لأنه علل التحريم بأنه لم يتمسكوا بدين النصارى، ولم بعلله بكونه من العرب. وترك التمسك ببعض دينهم، لا يمنع أن يكون منهم، بدلالة ما روى عبادة بن نسي عن غضيف بن الحارث: أن غلامًا لعمر بن الخطاب كتب إليه: إن ناسًا من السامرة

يقرأون التوراة ويسبتون يوم السبت ولا يؤمنون بالبعث، فما ترى فيهم يا أمير المؤمنين، فكتب إليه عمر: هم طائفة من أهل الكتاب. 31046 - وقد ذكر مخالفونا أن شهر بن حوشب روى عن عبد الله بن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ذبح نصارى العرب. 31047 - وهذا حديث لا يعرف، ولم يذكره أصحاب الحديث في كتاب معروف فينظر فيه. 31048 - وقد طعن مخالفونا على شهر بن حوشب في روايته: (الأذنان من الرأس). ثم احتجوا به.

كتاب الأضاحي

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب الأضاحي

مسألة 1535 وجوب الضحية

مسألة 1535 وجوب الضحية 31049 - قال أبو حنيفة رحمه الله: الضحية واجبة على كل موسر. 31050 - وقال أبو يوسف ومحمد [رحمهما الله]: سنة مؤكدة. وبه قال الشافعي رحمه الله. 31051 - لنا: قوله تعالى: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين}. فأخبر أنه مأمور بالنسك. والنسك: الذبح، بدليل قوله تعالى: {ففدية من صيام أو صدقة أو نسك}. وقال - صلى الله عليه وسلم -: (من ذبح نسكه قبل الصلاة، فليعد). 31052 - وقولهم: إن النسك اسم للطاعات، ومنه قيل للعابد: ناسك؛ ليس بصحيح؛ لأن الإطلاق يقتضي الذبح على ما ذكرنا. ويدل عليه قوله تعالى: {فصل لربك وأنحر}. وهذا أمر بنحر قرن بالصلاة، وما ذاك إلا الأضحية. والذي روي على بن أبي طالب- أنه وضع اليمين على الشمال- عدول عن ظاهر الآية، فمن حملها على ظاهر أولى. 31053 - فإن قيل: من عدل عن الظاهر، لا يجوز أن يعدل إلا بتوقيف. 31054 - قلنا: إن ثبت التوقيف، ضم ذلك إلى ما دل عليه الظاهر، وصار كل واحد منهما قد ثبت بالآية. 31055 - فإن قيل: روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (سألت جبريل فقلت: ما هذه

النحيرة التي أمرني بها ربي؟ قل: ما هي نحيرة، إنما أمرك أن تضع يمينك على شمالك عند الصدر). 31056 - قلنا: هذا خبر واحد غير مشهور، ولا يجوز العدول عن ظاهر القرآن به. 31057 - فإن قيل: عندنا نحر واجب ونسك واجب غير الأضحية، فتحمل الآيتين عليه. 31058 - قلنا: ليس في الشريعة ذبح يجب ابتداءً إلا الأضحية، ولا نحر مقترن بالصلاة إلا هي. 31059 - فإن قيل: النحر ليس بواجب باتفاق. 31060 - قلنا: هو مخير بين النحر والذبح، فإذا ذكر أحد الواجبين، لم ينف ذلك الوجوب. 31061 - فإن قيل: الآيتان دلتا على وجوب ذلك على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والخلاف في وجوبها على غيره. 31062 - قلنا: إذا ثبت وجوبها عليه، فهو وغيره في الأحكام الشرعية سواء إلا ما خصه دليل، يدل عليه ما روى مخنف بن سليم قال: بينما نحن وقوف مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرفة، فقال: (يأيها الناس، إن على أهل كل بيت كل عام أضحية وعتيرة). و (على) من ألفاظ الوجوب. 31063 - فإن قيل: قال ابن المنذر: لا يثبت خبر مخنف بن سليم عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن أبا رملة رواه عنه وهو مجهول، ولا أعلم سماعه من مخنف. 31064 - قلنا: هذا خبر رواه معاذ بن معاذ قال: ثنا أبو عن [قال: حدثنا

أبو رملة عن مخنف بن سليم. قال ابن معاذ: كان ابن عون] يعتر، أبصرته عيني في رجب. فقد صحح أبو عون الخبر حتى عمل به. وقد ذكر هذا الخبر أبو عبد الرحمن النسائي في سننه، وشرط أن يورد الصحيح. 31065 - قال الدارقطني: لو حلف رجل بالطلاق أن أبا عبد الرحمن لم يذكر في كتابه إلا الصحيح، لقلت له: أمسك امرأتك. فإن كان ابن المنذر جهل أبا رملة ولم يعرف سماعه، فقد عرفه غيره. 31066 - فإن قيل: ظاهر الخبر متروك بالإجماع؛ لأن من أوجب الأضحية أوجبها على كل إنسان في نفسه ولم يعلقها بأهل البيت. 31067 - قلنا: إذا ثبت وجوبها [على أهل كل بيت، ثبت وجوبها] على كل واحد منهم؛ لأن أحدًا لم يفصل بينهما. 31068 - ولأنه قدر تعلق بأهل البيت، إذا كانت بدنة وكانوا سبعة فما دونها. 31069 - فإن قيل: قرنها بالعتيرة، وقد سقطت. 31070 - قلنا: الظاهر دل على وجوبها، فإذا سقط أحدهما بالإجماع، بقيت الأخرى، ويدل عليه ما روى أبو الأحوص عن منصور عن الشعبي عن البراء قال: خطبنا النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر بعد الصلاة ثم قال: (من صلى صلاتنا ونسك منسكنا، فقد اصاب النسك، ومن نسك قبل الصلاة، فتلك شاة لحم). فقال أبو بردة: يا رسول الله، والله لقد نسكت قبل أن أخرج إلى الصلاة، وعرفت أن اليوم يوم أكل وشرب فتعجلت وأكلت وأطعمت أهلي وجيراني. فقال - صلى الله عليه وسلم -: (تلك شاة لحم). قال: فإن عندي عناق جذعة خير من شاتي لحم، فهل تجزئ عني؟ قال: (نعم، ولن تجزئ عن أحد بعدك). 31071 - وروى هذا الخبر داود بن أبي هند عن عامر عن البراء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي بردة: (عد ذبحًا آخر).

31072 - وروى الخبر أيوب عن محمد عن أنس بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوم النحر: (من كان ذبح قبل الصلاة، فليعدها). فقام رجل فقال: يا رسول الله هذا يوم يشتهى فيه اللحم. 31073 - فوجه الدليل من الخبر أنه - عليه السلام - قال قولًا عامًا: (من كان ذبح قبل الصلاة فليعد). وهذا أمر يفيد الوجوب. وقوله لأبي بردة: (أعد ذبحًا آخر). والثالث قوله في العناق: (يجزئ عنك، ولا يجزئ عن أحد بعدك). والإجزاء إنما يكون في الواجب. 31074 - فإن قيل: إن هذه قصة في عين يجوز أن يكون أوجب أبو بردة أضحية فقدمها. 31075 - [قلنا: النبي - صلى الله عليه وسلم - قال] قولًا عامًا: (من كان ذبح قبل الصلاة فليعد). ولم يسأل أبا بردة هل أوجب أو لم يوجب. 31076 - وروى أبو عوانة عن الأسود بن قيس عن جندب بن سفيان قال: ضحينا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - أضحى ذات يوم، فإذا الناس قد ذبحوا قبل الصلاة، [فقال: (من ذبح قبل الصلاة]، فليذبح مكانها أخرى). وهذا أمر يفيد الوجوب. 31077 - وروى الأسود بن قيس عن جندب بن سفيان قال: شهدت أضحى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فصلى بالناس، فلما قضى الصلاة رأى غنمًا قد ذبحت، قال: (من ذبح قبل الصلاة، فليذبح شاة مكانها، ومن لم يذبح، فليذبح على اسم الله تعالى). رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من وجد سعة فلم يضح، فلا يقربن مصلانا). والوعيد لا

يستحق إلا بترك الواجب. 31079 - [قالوا: ترك الواجب] لا يؤمر معه بترك واجب آخر، فكيف يقول: يترك الصلاة من ترك الأضحية؟! وإنما معناه: من جحدها، فلا يحضر لصلاة العيد؛ لأن الأضحية وصلاة العيد سواء. 31080 - قلنا: قوله: (فلا يقربن مصلانا). ليس المراد منه ترك الصلاة، لكن المراد به: فليبعد عنا، فلا يختلط بجماعتنا، لترك عصيانه في ترك الواجب. 31081 - فأما الذي قالوا فخطأ؛ لأنه إذا جحد الأضحية وهو مأمور بالاعتراف بها والصلاة، فلا يقول: فلا يقربن مصلانا. ويريد به ترك الصلاة. 31082 - ولأنه عيد يؤثر فيه نحره، فوجب حق يخرج منه المال كالفطر. 31083 - ولأنه حق يلزم من المال يثبت ابتداؤه في العيد، فكان واجبًا كصدقة الفطر. 31084 - فإن قيل: إن الفطرة تجب ليلة الفطر عندنا. 31085 - قلنا: ليلة الفطر مضافة إلى يومها، فقد أمر بها في العيد. 31086 - فإن قيل: باطل بيوم الجمعة. 31087 - قلنا: إطلاق العيد يتناول الفطر والأضحى، وعلى العلة الثانية لا يلزم؛ لأنه لا يلزم بتقدم العلة حق مال إلا بتقدم الجمعة. 31088 - فإن قيل: المعنى في الفطر أنها تفعل بعد فوات وقتها والأضحية بخلافه بطلت علة الأصل بسنن الصلوات وعلة الفرع بالجمعة. 31089 - فإن قيل: المعنى في الفطرة أنه لا يجوز له أكل شيء منها. ولا ادخاره لنفسه والأضحية بخلافة. 31090 - قلنا: الواجب في الفطر الصدقة فلم يجز أن يحبس لنفسه بعضها، والواجب في الأضحية إراقة الدم، وصدقة البعض مستحبة فإذا أكل منها لم يخل بالواجب.

كالزكاة. 31092 - ولأنه إراقة الدم لا يجزئ فيه المعيب، فكان له مدخل في الوجوب كدم المتعة والقران. 31093 - فإن قيل: نقول بموجبه؛ لأنه يجب على النبي - صلى الله عليه وسلم -. 31094 - قلنا: التعليل لثبوت أحكام حاصلة أو مستقبلة، فأما أن يعلل بوجوب أحكام قد مضت فلا. 31095 - ولأنها عبادة تفوت بفوات هذه الأيام كرمي الجمار. وهذا صحيح؛ لأن تعلق الرمي بهذه الأيام واختصاصها بها كتعلق الأضحية. ولا يلزم تكبير التشريق؛ لأنه يفوت عندنا بمضي يوم النحر لا بفوات الأيام. 31096 - ولأنه ذبح يجب بالنذر، فكان له أصل في الواجبات كالهدايا. 31097 - ولأنها عبادة تضاف إليها وقتها، فكانت واجبة كالجمعة. 31098 - ولا يلزم تكبير التشريق؛ لأن الأيام لا تضاف إلى التكبير ولا يفعل فيها عندنا، وإنما تضاف إلى التشريق لحوم الأضاحي والهدي. ولا يلزم يوم النحر؛ لأن النحر مباح وليس بعبادة. 31099 - قالوا: يوم النحر مضاف إليها، ويجوز عندكم في يومين بعدها ولا يضافان إليها. 31100 - قلنا: غلط؛ لأنه يقال: أيام النحر فتضاف جميع الأيام إليها، على أن يوم النحر وقت لها وقد أضيف إليها، وقبل يوم النحر ويوم الأضحى. وهذا يقتضي سلامة الوصف، فلو ثبت لهم أن ما بعده لا يضاف إليها، لم تقدح في التعليل. 31101 - فإن قيل: العبادة المضافة إلى وقتها منقسمة: واجبة كصوم رمضان ونفل كصوم عاشوراء، كذلك العبادة المضافة إليها وقتها يجب أن تنقسم إلى فرض ونفل. 31102 - قلنا: هذه دعوى لا دلالة عليها. ثم العبادة المؤقتة لا بد أن تضاف إلى وقت، فلم يكن في إضافتها ما يدل على تأكيدها، وإضافة الوقت إلى العبادة معنى تنفرد العبادة المؤقتة. فإذا وجدت الصفة، دلت على تأكيد حكم العبادة حتى خصص

الوقت بها وأضيف إليها. 31103 - فإن قيل: يوم الفطر أضيف إلى الفطر وذلك واقع بالشرع غير متعلق بفعلنا، فيوصف بالوجوب، كذلك إضافة النحر لا يدل على الوجوب. 31104 - قلنا: إضافة يوم الفطر إليه إضافة إلى عبادة واجبة تتعلق بفعلنا؛ لأن صوم هذا اليوم يصح وهو منهي عنه، والفطر واجب وهو عبادة. 31105 - احتجوا: بحديث أم سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من رأى منكم هلال ذي الحجة وأراد أن يضحي، فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره حتى يضحي). ولو كانت الأضحية واجبة، لم يعلقها بالإرادة. 31106 - قلنا: هذه الإرادة ليست إرادة التخيير، بدليل أن الإنسان لا يخير بين أن يضحي فلا يأخذ من شعره أو لا يضحي على وجه سواء إما واجبة عندنا أو سنة عند من يخالفنا، فعلم أنها الإرادة التي تخرج الإنسان من السهو إلى القصد، كقوله: (من أراد الحج فليتعجل)، (ومن أراد الصلاة فليتوضأ)، (ومن أراد الجمعة فليغتسل). 31107 - احتجوا: بما روى ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ثلاث كتبت علي ولم تكتب عليكم: النحر، والوتر، وركعتا الفجر). وروي: (هي علي فرض، ولكم تطوع). 31108 - قلنا: اللفظ الأول رواه أبان بن أبي عياش، وهو ساقط الحديث، تكلم عليه سعيد ورماه بالكذب. 31109 - واللفظ الثاني ذكره الدارقطني عن أبي جناب عن عكرمة عن ابن عباس. فظن مخالفنا أن هذا طريق، فعدل عليه عن الطريق الفاسد. 31110 - وغلط لأن أبان بن أبي عياش أصلح من أبي جناب يحيى بن أبي حية

الكلبي، طعن عليه يحيى بن سعيد وحمل عليه أحمد بن حنبل. وقيل: إنه كان يدلس عن الثقات ما يسمعه من الضعفاء فكيف يجوز أن يترك حديث البراء- وهو من الصحاح - بمثل هذا الخبر. 31111 - ثم إن الحديث مختلف، روى: (ثلاث كتبت علي ولم تكتب عليكم). وهذا لا دليل فيه؛ لأن الأضحية عندنا واجبة ليست مكتوبة، إذ المكتوبة لا تثبت بدليل مظنون. 31112 - وروي: (أمرت بالنحر وهو سنة لكم). لا تنافي الوجوب؛ لأن السنة ما يتبع ويستن به، وذلك يكون في الواجب وغيره. وحديث أبي جناب رووه: (ثلاث علي فرائض ولكم تطوع: النحر). وهو في حقنا مستحب والذبح يجزئ، فسقط الاحتجاج به مع وجوبها، في سنده واضطراب متنه وقلة ضبطه. 31113 - قالوا: روي أن أبا بكر وعمر كانا لا يضحيان، [مخافة أن] يرى ذلك واجبًا. 31114 - وعن أبي مسعود البدري: لقد هممت أن أدع الأضحى وأنا من أيسركم، مخافة أن يحسب الناس أنه علي حتم لازم. 31115 - وكان سويد بن غفلة يقول: ما أبالي لو ضحيت بديك. 31116 - وعن ابن عباس أنه جلس مع أصحابه يوم الأضحى، ووجه درهمين، فاشترى بهما لحمًا، وقال: هذه أضحية ابن عباس. ولا يعرف لهم مخالف. 31117 - قلنا: أما حديث أبي بكر وعمر فيجوز أن يكونا تركا الأضحية؛ لأنهما لم يجدا سعة. ألا ترى أنهما كانا يأخذان الرزق من بيت المال يومًا فيومًا فيومًا. 31118 - وقول: (مخافة أن يعتقد الناس وجوبها). ظنا منه، وإلا كيف السنة

لهذه العلة. 31119 - وأما ابن عباس فيجوز أن يكون ضحى وتصدق بجميع اللحم وابتاع لنفسه لحمًا، وقال: هذه أضحية ابن عباس. أي: عوض نصيبه من الأضحية. 31120 - وأما خبر أبي مسعود فمعارض بما روي عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: (من لم يضح فلا يقربن مصلانا). 31121 - وروي عن علي وعائشة قالا: نسخت الأضحية كل ذبح كان قبلها. ومعلوم أن الاستحباب في الذبح لم ينسخ، فبقى أن يكون النسخ في الوجوب. 31122 - وأما حديث: (ما أبالي). فليس فيه ما يدل على نفي الوجوب، لكنه اعتقد أن الأضحية لا تختص بالنعم وأن الديك يجزئ. 31123 - قالوا: ذبح لا يجب على المسافر، فلم يجب على المقيم كالعقيقة. 31124 - قلنا: لا نسلم الوصف؛ لأن المسافر يلزمه أن يضحي عن أولاده المقيمين. 31125 - ولأن المقيم قد يلزمه فرض لا يلزم المسافر كالجمعة وتمام عدد الصلاة وإتمام الصوم في رمضان. والأضحية عبادة بدنية؛ لأن الواجب فيها إراقة الدم، فجاز أن يختص بها المقيم. والمعنى في العقيقة أنه ذبح يجوز تقديمه على يوم النحر، فلم يجب بأصل الشرع. 31126 - والأضحية ذبح [لا يجوز] تقديمه على يوم النحر، فكان واجبًا بأصل الشرع. 31127 - قالوا: الأضحية ليست بفرض، فلم تكن واجبة كالعقيقة. 31128 - قلنا: الفرض عند مخالفنا واجب لا فرق بينهما، فتقدير الكلام على أصلهم: أنها لم يكن فرضا، وعلى مذهبنا: الفرض ما ثبت بدليل مقطوع به، والواجب ما ثبت بمظنون. فكأنهم قالوا: لم يثبت قطعًا لم يثبت ظنًا. وهذا كلام فاسد. 31129 - والمعنى في العقيقة: أنه ذبح لم يجب على النبي - صلى الله عليه وسلم -[بأصل الشرع، والأضحية ذبح وجب على النبي - صلى الله عليه وسلم -]، فوجب علينا، كدم المتعة والقران. 31130 - قالوا: حق مال لا يجب على المسافر، فلا يجب على المقيم كالعقيقة.

31131 - قلنا: يبطل بكفارة الفطر في رمضان. 31132 - فإن قالوا: قد يجب على المسافر إذا دخل في الصوم ثم سافر. 31133 - قلنا: وكذلك الأضحية تجب على المسافر عن أولاده المقيمين. 31134 - ولأن الأضحية حق بدن عندنا؛ لأن الواجب فيها إراقة الدم، وتفريق اللحم ليس بواجب. 31135 - ولأن عبادات الأبدان التي سقطها السفر إنما اسقطها للمشقة التي تلحق المسافر في فعلها، وهذه المشقة موجودة في الأضحية؛ لأنه يحتاج ابتياعها ويقيم بترقب وقتها حتى يذبحها، فإذا تساويا في المشقة تساويا في السقوط. 31136 - قالوا: من لا تجب عليه الأضحية إذا كان مسافرًا، لا تجب عليه إذا كان مقيمًا كالفقير. 31137 - قلنا: الوصف غير مسلم على ما قدمنا. 31138 - ولأن الفقير سقط عنه من الحقوق المخرجة من المال ما يجب على الغني، فلم يعتبر أحدهما بالآخر. 31139 - قالوا: ذبح يؤكل منه كالعقيقة. وربما قالوا: لو وجبت الأضحية، وجب تفريقها كالفطرة. 31140 - قلنا: العبادات مختلفة منها ما يقصد منه المال دون الإتلاف كالزكاة، ومنها ما يقصد به الأمرين كالهدايا. والأضحية المقصود منها الإتلاف دون تفريق اللحم. 31141 - وقياسهم على العقيقة والعتيرة لا يصح؛ لأن الاعتبار في الأضحية بالهدايا لهذه الأيام أولى من اعتبار [ما لا] يختص بها. 31142 - قالوا: ذبح لا يجب بعد فوات وقته كالعتيرة. 31143 - قلنا: سقوط العبادة بمضي وقتها لا يدل على أنها غير واجبة، [بدلالة العقيقة].

مسألة 1536 وقت ذبح الأضحية

مسألة 1536 وقت ذبح الأضحية 31144 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: وقت ذبح الأضحية يوم النحر ويومان بعده. 31145 - وقال الشافعي رحمه الله: ثلاثة أيام بعده. 31146 - لنا: ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (أيام منى ثلاثة). فلا يخلو أن يكون المراد أيام الذبح أو الرمي، فلما كان الرمي في أربعة أيام، علم أن المراد بالثلاثة أيام الذبح. 31147 - ويدل عليه ما روى الطحاوي بإسناده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: النحر يومان [بعد يوم النحر]، وأفضلها يوم النحر. 31148 - وذكر مالك عن نافع عن ابن عمر: ثلاثة. إلا أنه لم يقل: أفضلها يوم النحر. 31149 - وذكر عن قتادة عن أنس قال: الذبح بعد العيد يومان. 31150 - وذكر أبو الحسن بإسناده عن ذر بن حبيش وعباد بن عبد الله الأسدي عن علي - رضي الله عنه - أنه كان يقول: أيام النحر ثلاثة، أولهن أفضلهن. قال: وعن عمر مثله. وتخصيص العبادات بوقت يعلم بالتوقيف، فعلم أنهم أخذوه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

31151 - قالوا: ذكر ابن المنذر عن ابن أبي ليلى عن أبي المنهال عن ذر عن علي قال: الأيام المعلومات يوم النحر وثلاثة أيام بعده، اذبح في أيها شئت، فأفضلها أولها. 31152 - قلنا: ابن أبي ليلى قد طعن مخالفونا عليه بسوء الحفظ. 31153 - ولأنا نحمل هذا الخبر على ذبح الهدي، حتى يجمع بين الخبرين. 31154 - قالوا: ذكر النيسابوري في الزيادات عن عطاء عن ابن عباس أنه قال: الأضحى ثلاثة أيام بعد يوم النحر. 31155 - قلنا: هذا محمول على أيام الأضحى التي نهى عن صومها، أو التي كان نهى عن ادخار لحم الأضحى بعدها، حتى تؤدي إلى الجمع بين الأخبار والاعتقاد. 31156 - ولأنه يوم يجب فيه الرمي كما بعده. 31157 - ولأنه يوم يجوز النفر قبله، فلم يكن وقتًا للأضحية كالخامس. 31158 - ولأنه يوم لا يجب فيه الأضحية من غير إيجاب، فلم يختم به أيام النحر، أصله: الخامس. ولا يلزم يوم النحر؛ لأن الأضحية لا تجب فيه، وإنما تستحب؛ لأن الأيام يختم به. 31159 - ولأنه يوم لا يجب فيه المقام بمنى كما بعده، أو يكره تأخير طواف الزيارة إليه. 31160 - ولأنها مدة مقدرة لقربة متعلقة بالبدن، فلا تتقدر بأربعة أيام كمدة المسح. 31161 - احتجوا: بما روى جبير بن مطعم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (أيام التشريق كلها ذبح). 31162 - قلنا: هذا حديث ابن جبير عن جبير بن مطعم. قال الأثرم في كتابه الذي أجازه بمن أبيح قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: إنه لم يسمع من جبير بن

مطعم. فطعن عليه في روايته [في هذا الحديث]، وقال: إن رواية ابن أبي جبير إنما هي: عن شهر بن حوشب: (ثم الأيام كلها منحر عندنا للهدى). والخلاف في الأضحية. 31162 - قالوا: الهدي لا يختص بهذه الأيام. 31163 - قلنا: يستحب فيها دون غيرها. 31164 - قالوا: روي أنه نهى عن صيام يومين، اليوم الذي تفطرون فيه من صومكم، واليوم الذي تأكلون فيه لحم نسككم. وهذه الأيام نهى فيها عن الصوم، فيجب أن تكون أيام لحم النسك. 31165 - قلنا: جعل أكل لحم النسك علة لتحريم الصوم، فلا يخرج منه أن تحريم الصوم علة لأكل النسك. 31166 - قالوا: روي أنه نهى عن صيام ستة أيام، وقالوا: (إنها أيام أكل وشرب وبعال). وروي: (ونحر). 31167 - قلنا: المعروف أنها أيام أكل وشرب، [ولم يثبت ذكر]: (ونحر). [فعندنا أن أيام النحر في لا يجوز. 31168 - ولأنه قال: (أيام أكل وشرب ونحر]. في بعضها صح الوصف بالنحر في جميعها بالنحر في بعضها، [وهذا هو المراد، بدلالة أن يوم الخامس لا يجوز النحر فيه، فعلم أن معناه: بعض] أيام نحر. 31169 - قالوا: يوم يشرع فيه الرمي أو وقت يصح فيه الرمي، فوجب أن يكون وقتًا لذبح الأضحية، أصله يوم النحر. 31170 - قلنا: وقت الذبح غير متعين بوقت الرمي، بدليل أن الرمي يجوز عندهم ليلة النحر بعد نصف الليل، ولا يجوز الذبح، وعندنا يجوز الرمي بعد طلوع الفجر

والذبح بعد الصلاة. 31171 - ولأن الرمي ضعيف في هذا اليوم حتى جاز تركه، فلم يكن وقتًا للذبح. 31172 - قالوا: يومًا من أيام منى كسائر أيامها. 31173 - قلنا: قبله لا يجوز النفر، ولما جاز النفر قبل هذا اليوم، لم يكن وقتًا للذبح. 31174 - قالوا: يوم من أيام منى مستدام فيه تحريم الصوم، [مستدام فيه ذبح الأضاحي كبقية الأيام. 31175 - قلنا]: تحريم الصوم لا يدل على وقت الأضحية، بدلالة يوم الفطر، والمعنى في وقته الأيام ما بيناه.

مسألة 1537 موعد ذبح الأضحية

مسألة 1537 موعد ذبح الأضحية 31176 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: أول وقت الأضحية طلوع الفجر من يوم النحر، فإذا طلع الفجر اعتبر في جوازها تقدم شرط آخر وهو الصلاة في حق المخاطبين بالصلاة في وقتها، فإذا فات وقتها، جازت الأضحية إلى بعد الزوال وإن لم يصل الإمام. ومن كان في موضع لا يخاطب أهله بصلاة العيد، جاز أن يضحي عقيب الفجر، وهو أهل السواد والبوادي. 31177 - وقال الشافعي رحمه الله: لا وقت للذبح يوم الأضحى، إلا في قدر صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وقدر خطبتين خفيفتين. واختلف أصحابه: فمنهم من اعتبر قدر صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو أن يذهب من الوقت مقدار صلاة ركعتين يقرأ في الأولى بقاف وفي الثانية باقتراب، ومنهم من يقول: إذا طلعت الشمس فغرب دخل في الصلاة ومضى من الوقت ما يمكن أن يصلي فيه العيد ويخطب خطبتين خفيفتين. 31178 - لنا: حديث الشعبي عن البراء بن عازب قال: خرج إلينا النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الأضحى إلى البقيع فبدأ فصلى ركعتين ثم أقبل إلينا بوجهه، فقال: (إن أول منسكنا في يومنا هذا أن نبدأ بالصلاة ثم نذبح، فمن فعل ذلك فقد وافق سنتنا، ومن ذبح قبل ذلك فهو لحم عجله لأهله ليس من النسك في شيء). فقال خالي فقال: يا رسول الله، إني ذبحت وعندي جذعة خير من مسنة، فقال: (اذبحها ولا يجزئ- أو: لا توفي- عن أحد بعدك). فشرط - صلى الله عليه وسلم - الصلاة قبل الذبح، وأخبر أن من ذبح قبل الصلاة فهو لحم. وعند مخالفنا إذا ذبح قبل الصلاة وقد مضى وقت الصلاة ركعتين أجزأه، وهو خلاف الخبر. وأمر الذي عجل أن يعيد ولم يسأله عن وقت فعله، فدل أن التعيين بعد الصلاة لا وقتها.

31179 - وروى ابن سيرين عن أنس: أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى ثم خطب، وأمر من كان ذبح قبل الصلاة أن يعيد ذبحًا. 31180 - وروى سفيان عن الأسود بن قيس أنه سمع جندبًا يقول: شهدت الأضحى مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فعلم أن أناسًا ذبحوا قبل الصلاة، فقال: (من ذبح منكم قبل الصلاة فليعد، ومن لا، فليذبح على اسم الله تعالى). ذكر هذه الأخبار الثلاثة الطحاوي بإسناده. 31181 - فإن قيل: الصلاة حقيقتها أفعالها، وقد يعبر بهما عن الوقت مجازًا، قال - صلى الله عليه وسلم -: (من أدرك ركعة من العصر). يعني: من وقت العصر. 31182 - قالوا: فنحن تركنا الحقيقة إلى المجاز وحملنا الأمر على وقت الصلاة، وأنتم تركتم العموم وجوزتم لأهل السواد أن يذبحوا قبل الصلاة فتساوينا. 31183 - قلنا: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (أول منسكنا في يومنا هذا أن نبدأ بالصلاة). لا يعبر به عن الوقت حقيقة ولا مجازًا فلم يصح تأويلهم. ولو صح ما قالوه كان اعتبار الحقيقة أولى من اعتبار العموم؛ لأن أكثر عمومات القرآن مخصوصة، وليس أكثر حقائقه متروكة، فحفظ الحقيقة أولى من حفظ العموم. 31184 - ولأنه قربة فلا يجوز تقديمها على يوم النحر، كما فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد صلاته، فلا يجوز فعلها مع بقاء الخطاب بالصلاة في وقتها قبل الصلاة، أصله: الخطبة وقته احتراز عن أهل السواد ومما بعد الزوال إذا لم يصل الإمام وعن اليوم الثاني والثالث إذا لم يصل الإمام. 31185 - ولأنه ذبح مع بقاء الخطاب عليه بصلاة العيد في وقتها، فوجب ألا يجوز، أصله: إذا ذبح قبل مضي وقت يمكنه فيه الصلاة. 31186 - ولأنها قربة وقتها النبي - صلى الله عليه وسلم - على صلاة العيد، فوجب ألا يجوز مع بقاء الخطاب بها في وقتها، أصله: الخطبة. 31187 - وأما أهل السواد فنقول: حق مال يضاف إلى العيد، فجاز عقيب طلوع الفجر كالفطرة.

31188 - ولأن العبادات على نوعين: بدنية ومالية، فإذا جاز أن يدخل بطلوع الفجر من يوم النحر وقت عبادة بدنية وهي الطواف وصلاة الفجر، جاز أن يدخل وقت عبادة مالية. 31189 - ولأنها أحد العيدين، فالحق المضاف إليه المخرج من المال يجوز عقيب طلوع الفجر كعيد الفطر. 31190 - احتجوا: بما روى أبو الزبير عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (اذبحوا مسنة، إلا أن يعسر عليكم فاذبحوا جذعة من الضأن). 31191 - قلنا: المقصود من هذا الخبر بيان سن الأضحية، وف خبرنا بيان وقتها. وقد أجمعنا على اختصاصها بوقت، فلا يصح الاستدلال بخبرين في السن، كما أنا إذا اختلفنا في مواقيت الصلاة، لم يصح الاستدلال بقوله: {أقيموا الصلاوة}. وبقوله: (لا صلاة إلا بطهر). 31192 - قالوا: كل وقت جاز لأهل السواد أن يذبحوا فيه، جاز لأهل الأمصار أن يذبحوا فيه، وكل وقت جاز للمسافر أن يضحي فيه، جاز للمقيم أن يضحي فيه، أصله: بعد الصلاة. 31193 - قلنا: لا فرق بينهما؛ لأن وقت الأضحية يدخل بطلوع الفجر ويعتبر في فعلها شرط وهو سقوط الخطاب بفعل الصلاة وقتها، وأهل السواد والمسافرون سقط الخطاب بفعل الصلاة في وقتها كأهل المصر إذا صلوا. ولهذا نقول: إن الإمام لو ترك الصلاة حتى زالت الشمس، جاز الذبح كما سقط الخطاب بفعل الصلاة في وقتها. والمعنى فيما بعد الصلاة أنه وقت كخطبة العيد وكان وقتًا للأضحية، وقبل الصلاة ليس بوقتٍ في خطبة العيد في حق من يخاطب بها فلم يكن وقتًا للأضحية. 31194 - قالوا: اعتبار فعل الصلاة لم يجز الأضحية بعد الزوال إذا لم يصل الإمام. 31195 - قلنا: إنما جازت؛ لأن الخطاب بفعلها في وقت. 31196 - قالوا: نفعله الثاني والثالث عندكم يقضي فيها صلاة العيد وتذبح الأضحية قبل الصلاة. 31197 - قلنا: لأن الخطاب بفعلها في وقتها سقط، فلا يعتبر فعلها على وجه القضاء.

مسألة 1538 مضي أيام الذبح

مسألة 1538 مضي أيام الذبح 31198 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا مضت أيام الذبح، تصدق بالأضحية كما هي ولم يذبحها، فإن ذبحها، تصدق بلحمها وما نقصت بالذبح. 31199 - وقال الشافعي رحمه الله: يذبحها ويتصدق بلحمها كما يفعل في الأيام. 31200 - لنا: ما روي عن جماعة من الصحابة أنهم قالوا: أيام النحر ثلاثة أفضلها أولها. وهذا يفيد اختصاصها به دون غيرها. 31201 - وقولهم: إن هذا بيان لوقت الأداء ليس بصحيح؛ لأن وقت الأداء إذا مضى، لم نسلم لمخالفنا أنها تقتضي فكيف ثبت وقت القضاء؟! 31202 - ولأنها قربة تختص بهذه الأيام، لا تتعلق بالسبب فلا تفعل بعد مضيها كتكبير التشريق. 31203 - ولأنه نسك بأيام النحر، فسقط بفواتها كالرمي. ولا يلزم الطواف؛ لأنه لا يختص بها، بدلالة أن يبدأ بها بعدها، والأضحية لا يبتدئ بإيجابها بعدها. 31204 - فإن قيل: رمي الجمار يسقط بمضي الأيام حتى تفعل، والأضحية لا تسقط؛ لأنه يجب التصدق بها بحكم الإيجاب الأول. 31205 - قلنا: لا فرق بينهما؛ لأن الذبح والرمي كل واحد منهما يسقط بفوات الوقت ويجب الدم بدلًا عن الرمي وتجب الصدقة عن الذبح بدلًا. 31206 - ولأن من أصلنا أن العبادات المؤقتة يسقط فعلها بفوات وقتها، ووجوب مثلها يكون بدلالة مبتدأة ولم تدل دلالة على الإيجاب مثل الذبح، فسقط. 31207 - احتجوا: بأن ما وجب في أداء العبادات، وجب في قضائها كشرائط

الصلاة والصوم والحج. 31208 - قلنا: لا نسلم أنها تقضى، وإنما يجب بفوات الوقت معنى آخر؛ لأن الواجب في الوقت كان إراقة الدم دون الصدقة، وبعد الوقت الواجب الصدقة دون الذبح. وكيف نسلم أنه قضى، والمعنى في الصلاة والصوم أنه يصح أن ينتقل بعد فوات وقتها بمثلها، فجاز أن يجب قضاؤها،! 31209 - وفي مسألتنا لا يصح أن ينتقل بإيجاب أضحية بعد الوقت، فلا يقضى الفائت. 31210 - قالوا: كل وقت وجب إخراج الأضحية إلى أهلها، وجب ذبحها فيه كأيام النحر. 31211 - قلنا: لا نسلم أن في أيامها يجب إخراجها، وإنما يستحب ذلك في اللحم، وبعد الأيام يجب إخراج العين. 31212 - ولأن أيام النحر أضيف إلى هذه العبادة، وما بعدها لم يضف إليها كأيام الرمي والتشريق. والمعنى في أيام النحر: أنها أيام يجب فيها الرمي فيجوز الذبح، وما بعدها بخلاف ذلك. 31213 - قالوا: أحد مقصودي الأضحية، فلا يسقط بفوات الوقت كتفريق اللحم. 31214 - قلنا: لا نسلم أن التفريق مقصود، وإنما المقصود الذبح [حق بدن] فيجوز أن يسقط بفوات وقته، يبين ذلك: أنه يجوز أن يتطوع بعد الوقت بالصدقة باللحم، ولا يبتدئ بإيجاب اللحم.

مسألة 1539 شراء الشاة بغرض الأضحية

مسألة 1539 شراء الشاة بغرض الأضحية 31215 - [قال أصحابنا رحمهم الله]: إذا اشترى شاة ينوي أن تكون أضحية، تعينت أضحية، وإن كان ممن لا يجب عليه أضحية أو قد ضحى أو عين الواجب في شاة قيم ابتاع أخرى، وجب عليه بالنية مع الشراء. 31216 - وقال الشافعي رحمه الله: لا يجب إلا أن يوجهها بقوله. 31217 - لنا: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى). 31218 - وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - حكيم بن حزام أن يبتاع له أضحية. فلولا أنها تتعين بالشراء لم يكن ابتاع ما أمر به. 31219 - ولأن الهدي والأضاحي معنى يستحق عليه عندنا بأصل الشرع وعندهم بالإيجاب، فإذا ابتاع ثبت ما استحق عليه، تعين ما ابتاعه من المستحق، أصله: الوكيل إن ابتاع لموكه والموصي يعتق نسمة إذا باع الوصي نسمة ينويها عن الميت تعينت بالشراء. 31220 - ولأنها قربة ثبت في نوع من الحيوان غير منحره، فجاز أن يثبت بالنية مع الشراء، أصله: إذا ابتاع عرضًا بنية التجارة.

31221 - ولأن نية القربة إذا قارنت بسبب الملك؛ جاز أن يتعلق بها حكم القربة، أصله: إذا ابتاع بنية التجارة. ولا يلزم إذا اشترى رقبة ونوى أن يعتقها؛ لأن النية يجو أن يتعلق بها حكم القربة، بدلالة من اشترى أباه ينوي به الكفارة عتق عنها. ولا يلزم إذا اشترى ثوبًا ينوي أن يكون صدقة، لأنا لا نعرف الرواية فيه، ويجوز أن يسوي بين ذلك وبين مسألتنا. 31222 - ولا يلزم إذا ابتاع أرضًا ونوى أن يقفها؛ لأنه لو صرح بإيجاب الوقف لم يلزم، وإنما استحق له الوفاء، كذلك إذا نوى مع الشراء يستحب له الوفاء. 31223 - فإن قيل: وقوع الشراء للمملوك وكون المشترى للتجارة لا يقع بالترك بعد الشراء، فيثبت بالنية مع الشراء، وإيجاب الأضحية ثبت بالترك بعد الشراء فلم تثبت بالنية. 31224 - قلنا: الإيجاب بالقول والفعل لا يتنافيان، بدلالة أن الحج يجب بالنذر والدخول، فإذا لم يتنافيا لم يكن جواز الإيجاب بالقول مانعًا من الإيجاب بالفعل. 31225 - احتجوا: بأنه عقد قربة يصح بالنطق، فلا يصح بالشراء مع النية، أصله: العتق والوقف بالصفة. 31226 - قلنا: إذا اشترى المضارب أباه ينوي بالشراء لنفسه عتق، وإن نوى للمضاربة لم يعتق، فصحت القربة مع الشراء مع النية. 31227 - فإن قالوا: لا يعتق بالشراء لكن بالملك. 31228 - قلنا: كذلك في مسألتنا تتعين الأضحية بالملك، وتؤثر فيها النية. 31229 - ولأن القرب إذا لزمت تارة بالفعل وتارة بالقول، لم تكن صحة هذه القربة [بالنطق دلالة على أنها لا تصح بالفعل، فأما الوقف وإيجابه بالقول] كالنية إذا قارنت التملك؛ لأنه يلزم في أحد من الأمرين، وإنما يستحب الوفاء في الموضعين. وأما العتق بالصفة فكما لا يثبت بالشراء مع النية، فقد تثبت زكاة التجارة بالنية مع الشركة، فلم يوجب اعتبار مسالة الخلاف بأحد الموظعين دون الآخر. 31230 - قالوا: والأضحية إزالة ملك، والشراء اختلاف ملك، فلا يجوز أن

يجتمعا في لفظ واحد، كما إذا اشترى عقارًا ونوى أن يكون وقفًا، أو اشترى عبدًا ونوى أن يكون حرًا، أو تزوج امرأة ونوى أن تكون مطلقة. 31231 - قلنا: إيجاب الأضحية لا يزيل الملك عنها وسنبينه فيما بعد، وإنما هو بصفة مملكه كما يتعلق بالعروض الزكاة، ولو سلمنا ذلك لكان الملك يحصل بالشراء، والنية تعين الأضحية بعد حصول الملك، فتعلقها بأمرين مختلفين كما أن الأب يملك بالشراء ويعتق بحصول الملك، ولا يثبت بالشراء الملك وزوال الملك.

مسألة 1540 ذبح أضحية الغير

مسألة 1540 ذبح أضحية الغير 31232 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا ذبح أضحية غيره بغير أمره، أجزأت المالك عن الأضحية، ولم يضمن الذابح. 31233 - وقال الشافعي رحمه الله: تجزئ عن الأضحية، ويضمن الذابح ما نقصت بالذبح يتصدق به المالك. 31234 - لنا: أنه ذبح جاز عن الأضحية، فلا يضمن به الذبح، أصله: إذا ذبح بأمره. 31235 - ولأن الغالب أن الإنسان لا يذبح أضحيته بنفسه، وإنما يستنيب فيها غيره ويلتزم له أجرة، وقد يتعين ذبح الأضحية شرعًا، فصاحب الأضحية يرضى أن يتكلف له هذا الفعل ويسقط العوض عنه، فصار الذابح مأذونًا له في ذلك بالعرف. والإذن بالعرف كالإذن بالنطق، بدلالة من ألقى في بابه النوى وقشور الرمان والزجاج المنكسر، وجاز لمن التقطه أخذه؛ لأن العادة أن ألقاه رضا بأخذه. 31236 - فإن قيل: عندكم يجوز أن يبدل الأضحية بغيرها، فكيف يكون الذبح متعينًا؟. 31237 - قلنا: يكره الاستبدال فيها، فقد تعينت من هذا الوجه. 31238 - فإن قيل: يبطل بشاة القصاب، والشاة التي ابتاعها الرجل لدعوة. 31239 - قلنا: قد يؤخر القصاب الذبح ويؤخر صاحب الوليمة الذبح، والأضحية متعينة بالذبح شرعًا لا يجوز تأخيره عن هذه الأيام. 31240 - فإن قيل: شاة القصاب إذا أضجعها وأخذ السكين فجاء رجل

فذبحها، فقد حصل له غرضه من اللحم وأسقط عنه الأجرة. 31241 - قلنا: يجوز أن يقال في هذا الموضع: لا ضمان عليه، وإنما ذكر أصحابنا الشاة التي ابتاعها القصاب للحم. 31242 - فإن قيل: يستحب للرجل أن يذبح أضحيته بيده، ويستحب أن يشهد ذبحها، فإذا ذبحها غيره فقد فوت مقصوده. 31243 - قلنا: إذا كان المضحي لا يحسن الذبح رجل بحضرته أضحيته بغير أمره، ضمن عندكم ولم يفوت عليه أمرًا مقصودًا. 31244 - ولأنها إراقة دم مستحقة لله تعالى لا تقف على الإمام، فمن نواها لم يضمنها كقتل المرتد. 31245 - فإن قيل: المرتد لو أتلف بعضه لم يضمن، كذلك إذا أتلف جميعه، وفي مسألتنا إذا أتلف بعض الأضحية لزمه، كذلك إذا أتلف جميعها. 31246 - قلنا: المرتد استحق إتلاف جملته وأبعاضه فأي ذلك فعل فهو المستحق، والأضحية ذبحها مستحق فإتلاف بعضها ليس بمستحق، وإذا فعل [المستحق لم يضمنه، ولو فعل] ما ليس بمستحق ضمن. 31247 - احتجوا: بأن ما ضمن من غير الأضحية، ضمن به، أصله: الإتلاف. 31248 - قلنا: الإتلاف تفويت لغرض المضحي منها، بدلالة أنها لا تجزئ عن الأضحية فلذلك ضمن، والذبح تحصيل لغرضه منها، بدلالة سقوط الأضحية صار كالذبح بإذنه. 31249 - قالوا: ذبح أضحية غيره بغير إذنه وهو من أهل الإذن، والذابح من أهل الضمان، يلزمه ما نقص من قيمتها، أصله إذا ذبحها في اليوم الثالث. 31250 - قلنا: المعنى فيه: أنه ذبحها في وقت مختلف في كونه وقتًا للذبح فلم يحصل له الغرض المطلق، وفي مسألتنا ذبح في وقت متفق على أنه وقت لها، فحصل له الغرض المطلق. 31251 - قالوا: من ضمن إتلاف الشيء، ضمن نقصانه بالتعدي، أصله: شاة القصاب.

31252 - قلنا: لا نسلم أنه تعدى بالذبح إذا قصد التخفيف أو غلظ مضها الضحية منسية، فأما شاة القصاب فقد تكلمنا عليها. 31253 - قالوا: الذبح أحد مقصودي الأضحية فإذا فعله بغير أمره ضمنه، أصله: تفريق اللحم. 31254 - قلنا: تفريق هو مخير فيه عندنا إن شاء فرق وإن شاء أكل، فإذا فرق فله غرض في تخصيص قوم ومنع آخرين، فلم يفعل ما يغير على المالك والذبح بخلافه.

مسألة 1541 ما يفعل الإنسان إذا أراد الأضحية

مسألة 1541 ما يفعل الإنسان إذا أراد الأضحية 31255 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا دخل العشر وأراد الإنسان أن يضحي أو عين أضحيته، لم يلزمه أن يجتنب حلق الشعر وقص الأظفار. 31256 - وقال الشافعي رحمه الله: لا يأخذ شعرًا ولا يقص ظفرًا حتى يضحي. 31257 - لنا: ما روى حماد بن زيد عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: كأني أنظر قلائد هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - من الغنم ثم يقلدها ورسل بها ولا يمسك عن شيء. 31258 - وروى الشعبي عن مسروق قال: قلت: لعائشة رضي الله عنها: إن رجالًا هاهنا يبعثون بالهدي إلى البيت ولا يزالون محرمين حتى يحل الناس. فسمعت تصفيق يدها من وراء حجاب، فقالت: سبحان الله! لقد كنت أفتل قلائد هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - فيبعث بها إلى الكعبة، ويقيم فينا لا يترك شيئًا مما يصنع الحلال حتى يرجع الناس. 31259 - رواه سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت: كنت أفتل قلائد هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - فيبعث بها، ثم لا نتجنب شيئا مما يتجنبه المحرم. 31260 - ورواه الليث عن بن شهاب عن عروة عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن عائشة قالت. ثم ذكر مثله. 31261 - ولأنه من محظورات الإحرام، فلا يتجنبه المضحي كاللبس والطيب والجماع.

31262 - ولأن تحريم الجماع في الإحرام أغلظ من تحريم غيره، فإذا كان تعيين الأضحية لا يمنع الوطء فأولى ألا يمنع الحلق. 31263 - ولأن كل عبادة لا يمنعه التطيب واللبس، [لا يلزمه أخذ الشعر]، أصله: الصيام وعكسه الإحرام. 31264 - فإن قيل: لا يمنع أن يحضر المضحي بعض محظورات الإحرام دون بعض، بدلالة أن التكبير في أيام التشريق مسنون لغير المحرم تبعًا للمحرمين وإن لم يثبت في حق غير المحرمين، والتلبية والأضحية مشروعة في حق غير أهل منى تبعًا لأهل مكة وإن لم شرع لهم رمي الجمار. 31265 - قلنا: تكبير التشريق والأضحية لا يثبت في حق غير المحرمين متابعة للمحرمين بل التكبير سنة في حق المحرم وغيره، [كما أن الصلاة واجبة في حق المحرم وغيره]. والأضاحي لا يتبع فيها غير أهل منى بل يشترك في أهل منى وغيرهم. فأما محظورات الإحرام: فإنما تثبت عندهم شبهًا بالمحرمين، فوجب أن تستوي جميع المحظورات في التجنب أو في ترك التجنب. 31266 - احتجوا: بما روى معيد بن المسيب عن أم سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي؛ فلا يمس من شعره ولا من بشرته شيئًا. ورواه مالك عن عمرو بن مسلم عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة. 31267 - قلنا: هذا الخبر رواه شعبة عن مالك مسندًا وكل من رواه عن مالك عن شعبة، وقفه على أم سلمة. وكذلك رواه عثمان بن عمر عن مالك وخالفا جميعًا شعبة فرسخ مالك الذي روى هذا عنه فقالا: عمر بن مسلم وقال شعبة: عمرو بن مسلم فإن كان الأمر كما قالا فعمر بن مسلم مجهول، قال الغلابي: ذكرت ليحيى بن معين حديث مالك مالك، فقال: يقولون عمر أو عمرو بن مسلم بن عبد الله بن

أكيمة، وزعموا أنه كان خليفة محمد بن يوسف أخي الحجاج بن يوسف، وليس هو عمرو بن مسلم الجندي. وعمرو بن مسلم الجندي هذا روى عنه: معمر، وابن جريج، وسفيان بن عيينة. ولم يدخل مالك هذا الحديث في الموطأ ولا عمل به؛ لأنه لم يرتض بهذا الشيخ. 31268 - فأما طريق مالك: فقد رواه سفيان عن عبد الرحمن بن حميد عن سعيد ابن المسيب عن أم سلمة عن النبي - عليه السلام -. 31269 - ورواه أنس بن عياض عن عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف قال: سعت سعيد بن المسيب يقول: قالت أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -: إذا دخلت ليالي العشر. ولم تذكر فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -. وإذا اختلف ني إسناده، وخبر عائشة لم يختلف في إسناده. ثم روى هذا الحديث وترك ومداره على سعيد بن المسيب ولم يعمل به، قال ابن وهب: أخبرني مالك قال: حدثني عمارة بن عبد الله عن سعيد بن المسيب أنه قال: لا بأس بالإطلاء بالنورة في عشر ذي الحجة. 31270 - ولابد أن يكون ابن المسيب ترك العمل به إما لاتفاقه، أو لأنه بلغه ما هو أولى منه. وروى الليث هذا الخبر، وقال: والناس على خلافه. يذكر أن الناس تركوا العمل به، وترك العمل بالخبر يقدح في حكمه وإن صح سنده.

مسألة 1542 إذا ولدت الأضحية

مسألة 1542 إذا ولدت الأضحية 31271 - [قال أصحابنا رحمهم الله]: إذا ولدت أضحية، تصدق بولدها كما هو، فإن ذبحه فنقص بالذبح، لزمه أن يتصل بمقدار النقصان، ولا يجوز له الانتفاع بلبن الأضحية، لكنه ينضح ضرعها بالماء البارد ليقطع اللبن، فإن أضر بها ترك الحلاب حلبها وتصدق به. 31272 - وقال الشافعي رحمه الله: يذبح الولد كما يذبحها، وينتفع من اللبن بما فضل عن ولدها، فإن مات الولد شرب اللبن كله. 31273 - أما الكلام في الولد: فهو مبني على أن السن معتبر في الضحايا والهدايا، فما نقص سنه لا يكون أضحية كما لو عينه ابتداء. 31274 - ولأن كل ما عينه ابتداء لم يجز عن الأضحية، لم يجب ذبحه على وجه الأضحية، كالصغير المتولد. 31275 - وأما اللبن: فلأنه نما منها، فلم يجز الانتفاع به قبل تعيين القربة بالذبح، أصله صوفها. 31276 - ولأنه ممنوع من الانتفاع بصوفها، فمنع من الانتفاع بلبنها، أصله جزاء الصيد ودم الجناية. 31277 - احتجوا: بقوله تعالى: {لكم فيها منتفع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق}. قال عطاء: الأجل المسمى نحرها، ومن المنافع شرب لبنها.

31278 - قلنا: قال مجاهد: الأجل المسمى تقليدها. فهذا يدل على ترك الانتفاع قبل التقليد، والإيجاب يتعين بالتقليد. بين ذلك أنه قال: {ثم محلها}. فدل على أن عامة المنافع منهي عنها قبل بلوغها البيت. 31279 - قالوا: روي عن على بن أي طالب أنه رأى رجلًا يسوق بدنة معها ولدها، فقال: لا تشرب من لبنها إلا ما فضل عن ولدها، فإذا كان يوم النحر فأنحرها وولدها. 31280 - قلنا: يجوز أن يكون له إلى ذلك حاجة كما روى جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرني بركوب البدنة إلى أن أجد ظهرًا. 31281 - فأما قوله: أنحرها وولدها: فيجوز أن يكون لأن النحر أنفع للفقراء من التصدق بها كما هي، وكان الذبح لا ينقص من قيمتها. 31282 - فإن قيل: هذا الحكم ثبت للولد محلى وجه السراية، فيسرى إليه بما تعلق بالأم. 31283 - قلنا: لا يثبت علي وجه السراية؛ لأن الحق غير مستقر في الأم، وما ليس بمستقر لا يسري لحق الجناية، وإنما يجب أن يتصدق بولدها؛ لأنه معلق بها كجلالها وخطامها.

مسألة 1543 اتخاذ جلد الأضحية

مسألة 1543 اتخاذ جلد الأضحية 31284 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: يجوز أن يتخذ جلد الأضحية آلة في البيت كالنطع والغربال والسفرة والسقاية ينتفع به من يعار، ويجوز أن يبدل الجلد بذلك. 31285 - وقال الشافعي رحمه الله: لا يجوز بيع جلودها. 31286 - أما الدلالة على جواز الانتفاع: فلأنه جزء من الأضحية فجاز الانتفاع به بعد تعيين القربة منها بالذبح. 31287 - وإذا ثبت هذا قلنا: ما كان مخير بين الانتفاع به والصدقة، جاز أن يعوض عنه كما ينتفع به كاللقطة. 31288 - ولأنه إذا جاز أن يتخذ منه الآلة، جاز أن يبدل بها؛ لأنه أعجل للانتفاع وأقرب. 31289 - احتجوا: بما روى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من باع جلد الأضحية، فلا أضحية له). 31290 - قلنا: هذا محمول على من باعها بثمن ليتمول به، وعندنا لا يجوز البيع إلا بما يتعجل الانتفاع به فيما إذا تشاغل بدباغة وعلة تأخر الانتفاع به. 31291 - قالوا: روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي: (اقسم جلودها وجلالها، ولا تعط أجر الجزار منها). 31292 - قلنا: البدن كانت بمنى، والنبي - صلى الله عليه وسلم - مسافر، والمسافر لا يتمكن من

اتخاذ الآلة ولا من إعدادها. 31293 - ولأنه - صلى الله عليه وسلم - اختار منها الأفضل، وعندنا الصدقة أفضل من الانتفاع. 31294 - قالوا: جزء من أجزاء الأضحية، فلا يجوز بيعه كاللحم. 31295 - قلنا: لو باع اللحم بما ينتفع به في البيت، جاز كما يجوز أن ينتفع باللحم، ولكن الأفضل في اللحم الأكل، والصدقة منفعة تتعجل، وكذلك لم يذكروا البيع فيه.

مسألة 1544 التضحية بالشاة المعيبة

مسألة 1544 التضحية بالشاة المعيبة 31296 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا ضحى بشاة أو بدنة قد ذهب من أذنها أو من ذنبها أقل من الثلث جاز، وإن كان أكثر من الثلث لم يجز. 31297 - وقال الشافعي رحمه الله: إذا ذهب من أليتها اليسير لم يجز، وإن ذهب ما على الأذن جاز، وإن ذهب المأكول منها لم يجز. 31298 - لنا: أن القطع اليسير لا يخلو منه الحيوان للعلامة، فلم تمنع الأضحية كالنقص في أعلى الأذن. 31299 - [ولأنه نقص يسير، فصار كالعلامة في الأذن]. 31300 - احتجوا: بأن الألية مقصودة فإذا ذهب بعضها، لم يجز كما لو ذهب أكثر من الثلث. 31301 - قلنا: الكثير يخلو منه الحيوان غالبًا، واليسير لا يخلو منه، فجاز للضرورة، وما لا ضرورة فيه لا يجوز فيه.

مسألة 1545 دخول النقص على الشاة بعد الضطجاع

مسألة 1545 دخول النقص على الشاة بعد الضطجاع 31302 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا أضجع الشاة للذبح فدخله نقص، لم يمنع الأضحية. 31303 - وقال أصحاب الشافعي [رحمهم الله]: يمنع. 31304 - لنا: أنه عيب دخلها من معالجة الذبح، فلم يمنع الجواز، كما لو نفذت السكين فجرت ما لا يحتاج إلى قطعه من جلدها، وكما لو بلغ بالسكين النخاع. 31305 - ولأن ما يشق الاحتراز منه عند معالجة الذبح، معفو عنه، أصله: ما ذكرنا. 31306 - احتجوا: بأنه نقص حدث فيها، فصار كما لو نقصت قبل حال الذبح. ولأن النقص لو حصل بغير فعله أثر، فإذا كان بفعله أولى. 31307 - فأما إذا نقصت قبل حال الاضطجاع: فلا تعلق للنقص بمعالجتها فأثر فيها، وهذا النقص حادث من معالجة الذبح كما لو نفذت السكين. فأما الوجه الثاني: فيبطل بتعدي السكين القدر الذي يحتاج إليه في الذبح.

مسألة 1546 تلف الأضحية التي تعينت بعينها

مسألة 1546 تلف الأضحية التي تعينت بعينها 31308 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا وجب أضحية بعينها فأتلفها أو باعها، فعليه مثلها يوم التلف. 31309 - وقال الشافعي رحمه الله: يلزمه الأكثر من قيمتها يوم الإتلاف، أصله: الأجنبي [ومن قيمة مثلها يوم الذبح. 31310 - لنا: من لزمه ضمان الأضحية بالإتلاف، لزمه قيمتها يوم الإتلاف]؛ لأن الحق إذا تعلق بملك الإنسان يلزمه ضمان الإتلاف وكان في الضمان كالأجنبي، أصله: الراهن إذا تلف الرهن والمولى إذا أتلف العبد المأذون. 31311 - احتجوا: بأنه لزمه حق الله تعالى وحق المساكين، فوجب اعتبار الأمرين ويدخل الأقل في الأكثر. 31312 - قلنا: حق الله تعالى هو الذبح، [وقد تعذر ذلك فيها بتلفها، فلم تعتبر قيمته فيما بعد الإتلاف. 31313 - ولأنه حق الله تعالى هو الذبح]، وذلك معنى لا يتقوم، وإنما القيمة في المذبوح، وقد وجبت قيمته، وما يحدث من زيادة القيمة بعد الإتلاف لا يلزم المتلف كسائر المتلفات.

31314 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا أوجب أضحية لم يزل ملكة عنها، فإن باعها جاز ويكره. 31315 - وقال أبو يوسف: لا يجوز بيعها. وهو قول الشافعي رحمه الله. 31316 - والكلام يقع في فصلين، أحدهما: أن الملك لا يزول، والثاني: في جواز البيع. 31317 - أما الدليل على جواز البيع: ما روي أن النبي - رضي الله عنه - ساق البدن ثم أشرك عليها فيها، والشركة تمليك، فهي في حكم البيع. 31318 - ولا يقال: إنما أشركه في نحرها؛ لأن إطلاق الاشتراك يقتضي الشركة في الملك. 31319 - فإن قيل: النبي - صلى الله عليه وسلم - ساقها ولم يوجبها. 31320 - قلنا: السوق عندنا إيجاب. 31321 - ولأنه إذا أوجبها مع السوق كان أفضل، وهو لا يترك الأفضل مع القدرة. 31322 - ولأنه - صلى الله عليه وسلم - ساق الهدي في عام الحديبية، ثم جعلها للإحصار، ومعلوم أنه ساقه لغير ذلك، فلا جاز أن يصرفه من قربة إلى قربة، [جاز أن يصرفه إلى غير قربة]. 31323 - ولأنه مال يجب صرفه إلى قربة، فجاز بيعه، كمن وجب الحج في ماله. 31334 - ولأنه حق الله تعالى تعلق بعين المال، فلا يمنع البيع، كمن قال: لله تعالى علي عتق هذا العبد.

31325 - وقد زعم مخالفنا: إن نذر عتق رقبة لم يزل ملكه عنه، ولو أتلفه لم يجب عليه ضمانه. وقالوا: لو نذر الصدقة بدرهم فأتلفه، لزمه ضمانه، وفي الزكاة قولان، أحدهما: يزول ملكه. 31326 - احتجوا: بما روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: أوجبت بدنة، فقلت: يا رسول الله، إنها تطلب هي، فقال: (أنحرها ولا تبعها ولا بمائة بعير). 31327 - قلنا: ذكر البيع من غير أن يقيم غيرها مقامها، وذلك لا يجوز عندنا. 31328 - ولأن إمضاء القربة فيها أولى من بيعها، فلذلك نهاه عن البيع. 31329 - قالوا: روي عن علي بن أبي طالب أنه قال (من عين أضحيته، فلا يستبدل بها). 31330 - قلنا: هذا محمول على الاستحباب، بدلالة ما ذكرنا. 31331 - قالوا: [يقرب بما] لو أتلفه بعد التقرب ضمنه، فيجب أن يزول ملكة عنه، أو فوجب ألا يزول بيعه، أصله: إذا اعتق عبدًا. 31332 - قلنا: لا نسلم الوصف؛ لأنه لو نحرها فقد أتلفها ولا يضمنها، والمعنى في العتق: أنه تجب القربة، في مسألتنا لم ينحرها فصار كما لو نذر العتق. 31333 - قالوا: العقود على ضربين منها ما يزيل الملك بنفس العقد كالبيع والوقف، ومنها ما لا يزيل الملك. فالعقد متى ينضم إليه معنى الوصية والهبة وعلامة ما يزيل الملك ما يضمنه عقيب العقد بالإتلاف، وما لا يزيل الملك لا يضمنه بالإتلاف دل على زوال الملك. 31334 - قلنا: هذا باطل بالرهن. 31335 - وقالوا: الحقوق التي تسري إلى الولد تزيل الملك، وما لا تسري إلى الولد لا تزيل الملك]. 31336 - قلنا: لا نسلم أن هذا الحق يسري، ولهذا لا يجب ذبح الولد، وإنما يتصدق به لتعلقه بها كجلالها، ثم لو سلمنا يبطل بالكتابة.

مسألة 1547 استحباب العقيقة

مسألة 1547 استحباب العقيقة 31337 - قال أصحابنا [رحمهما الله]: العقيقة مستحبة، وليست بسنة. 31338 - وقال الشافعي رحمه الله: هي سنة. 31339 - لنا: ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن العقيقة، فقال: (إن الله تعالى لا يحب العقوق) وكأنه كره الاسم. ثم قال: (من ولد له مولود وأحب أن ينسك عنه، فلينسك عن الغلام شاتين وعن الجارية شاة). وكراهية الاسم تمنع كونها سنة. 31340 - ثم علقها بإرادته، ولو كانت مسنونة لم تقف على إرادته بعد وجود سببها. 31341 - قالوا: روي أنه قال: (إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي). 31342 - قلنا: الإرادة هنا القصد الذي يخرج بها الساهي، وهاهنا علقة بالمحبة. ويدل عليه حديث أبي رافع أن فاطمة قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أعتق عن ولدى الحسين؟ قال: (لا، ولكن تصدقي بوزن شعره فضة). ولو كان ذبحًا مسنونًا لم تقم الصدقة مقامه. 31343 - فإن قيل: إنما منعها؛ لأنه أراد أن يعق عنه، بدلالة ما روى أنس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعق عن الحسن والحسين كبشين. وروى ابن عباس: أنه - صلى الله عليه وسلم - أعق عن

الحسن كبشا. 31744 - قلنا: فعله لذلك لا يمنعها من فعل السنة؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - متبرع عنهما فلا تسقط السنة عنها. 31345 - ولأنه من ذبائح الجاهلية، فلا يكون سنة كالعتيرة. وقد روي أن الأضحية نسخت كل ذبح كان قبلها. 31346 - ولأنة ذبح لا يتعلق بولادة وكذا الولد، فلا يتعلق بولادة وكذا الولد كالبدنة. 31347 - احتجوا: بحديث أم كرز أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (عن الغلام شاتين وعن الجارية شاة). 31348 - قلنا: هذا يدل على الاستحباب ولو كان سنة، لم يترك عند وجود سببه، فلما جوز لفاطمة تركه، دل على أنه مستحب ليس بمسنون. 31349 - قالوا: روي أنه قال: (كل مولود مرتهن بعقيقته). قالوا: ومعناه: أن ينجو بها من الأمراض والآفات. 31350 - قلنا: هذا يقتضي الوجوب؛ لأن دفع الضرر واجب، والوجوب متروك بالإجماع. 31351 - قالوا: روي عن أي الزناد أنه قال: العقيقة [من أمر] المسلمين الذين كانوا يكرهون تركه. 31352 - قلنا: هو مستحب عندنا، فتركه مكروه لما فيه من مكارم الأخلاق، فأما السنة فلا؛ لأنه من أفعال الجاهلية، ولهذا قال مخالفنا: لا يكسر عظمها إلا من ضرورة، وتطبخ بالحلو لا بالحامض، وليس هذا من أمر المسلمين وإنما هو من عادات

الجاهلية. 31353 - قالوا: الوليمة سنة في النكاح، بدلالة أنه - عليه السلام - قال لعبد الرحمن: (أولم ولو بشاة). فالنعمة في الولد أعظم. 31354 - قلنا: ليس السنة في النكاح الذبح وإنما تستحب الوليمة، كذلك يستحب ها هنا الذبح وإطعام الطعام، والخلاف في السنة التي يمنع من تركها.

كتاب الأطعمة

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب الأطعمة

كتاب الأطعمة

مسألة 1549 أكل السمك الطافي

مسألة 1549 أكل السمك الطافي 31355 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: يكره أكل السمك الطافي. 31356 - وقال الشافعي رحمه الله: لا يكره. 31357 - لنا: ما روى أبو الزبير عن جابر قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ما ألقى البحر أو جزر عنه الماء فكلوه، وما طفا فلا تأكلوه). 31358 - فإن قيل: هذا الخبر رواه الثوري وحماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر قال: ما كان طافيا فلا تأكلوه، وما كان في حافته فكلوه، وإذا كان جزرًا فكلوه). فهذا موقوف من هذين الطرفين. 31359 - قلنا: واسنده إسماعيل بن أمية عن أبي الزبير عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وهو حافظ زاد على حافظين، وزيادته مقبولة؛ لأنه لو انفرد بحديث قبل منه، فإذا انفرد بزيادة قبلت منه. 31360 - فإن قيل: المراد به ما تعين. 31361 - قلنا: لو كان كذلك لم يفرق بين الطافي وما جزر عنه. 31362 - فإن قيل: شرط الطفو ليس بشرط عندكم.

31363 - قلنا: إنما ذكر الطفو؛ لأن موته في الغالب لا يعلم إلا به. 31364 - ولأنه حيوان له دم سائل، فإذا مات حتف أنفه لم يوكل كالشاة والبقرة. 31365 - فإن قيل: لا تأثير لذكر السائل؛ لأن صغار السمك الذي لا دم له سائل لا يؤكل إذا مات حتف أنفه وكذلك الحشرات. 31366 - قلنا: ما له دم سائل لا يحل إلا أن يكون موته بسبب، وما لا دم له منه ما يحل بغير سبب وهو الجراد، ومنه ما لا يحل، فقد بان التأثير. 31367 - فإن قيل: المعنى في الشاة والبقر أنه لو مات بسبب لم يؤكل، كذلك لم ذا مات بغير سبب، وفي مسألتنا بخلافه. 31368 - قلنا: الصيد إذا مات بسبب العقر أكل، ولو مات بغير عقر لم يؤكل، 31369 - ولأنه حيوان يحل بالذكاة، فجاز أن يكون ميتة، أو فإذا مات حتف أنفه لم يؤكل، أصله: الشاة. 31370 - والدليل على الوصف أن السمكة إذا أخذت وهى تبقى حية زمانًا، فذبحت حتى يعجل موتها حلت. ولا يلزم الجراد؛ لأنه لا يتأتى فيه الذكاة. 31371 - ولأن الله تعالى خلق الحيوان في البر والبحر، ثم كان في حيوان البر ما يحرم إذا مات حتف أنفه، كذلك في حيوان البحر. 31372 - احتجوا: بقوله تعالى: {أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعًا لكم وللسيارة}. قال عمر: صيده ما صدته، وطعامه ما قذف. وقال ابن عمر: طعامه ما ألقى. قال ابن عباس: طعامه ميتته. وروي: مليحة. 31373 - قلنا: قد اختلف السلف في تأويل هذه الآية، فالذي رووه عن عمر وابنه لا حجة فيه؛ لأن ما قذفه وألقاه فهو حلال، فأما ابن عباس فروي عنه: طعامه مالحة، وما قذف منه البحر. 31374 - قال أبو السائب: بنو نذبح أهل أسياف البحر؟ قالوا: يا رسول الله، إنا نصطاد من صيد البحر وربما مد البحر حتى يعلو الماء على كل شيء ثم يرجع ويبقى

السمك بالأرض فنصيبه منا فحلال لنا أكله، فأنزل الله تعالى الآية. وهذا يبين أن الآية نزلت فيما ألقاه البحر. 31375 - احتجوا: بقوله: - صلى الله عليه وسلم -[في البحر]: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته). 31376 - قلنا: هذا الخبر رواه سعيد بن سلمة عن المغيرة بن أبي بردة [عن أبي هريرة عن] النبي - صلى الله عليه وسلم -. 31377 - قال الطحاوي: سعيد بن سلمة مجهول لا يعرف بالعدل، وقد خالفه فيه يحيى بن سعيد الأنصاري وهو أجل منه فرواه عن المغيرة بن أبي بردة عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وهذا منقطع ثم ميتة البحر ما أضيف موته إليه، وذلك لا يكون إلا إذ ألقاه أو مات من برده أو حره وذلك مباح عندنا. 31378 - ولأن قوله: (الحل ميتته). عام وما طفا فلا يؤكل أخص منه، فيقضى به عليه، كما أن قوله: (حرمت عليكم الميتة). عام، وقوله: (الحل ميتته). خاص، فقضوا به عليه. 31379 - احتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (أحلت لنا ميتتان ودمان). 31380 - قلنا: خبرنا أخص منه. 31381 - ولأن خبرنا يفيد الحظر، فهو مقدم على ما يتقضي الإباحة. 31382 - فإن قيل: خبرنا عام متفق على استعماله، وخبركم خاص متفق في استعماله، فالعموم المتفق أولى عندكم. 31383 - قلنا: وخبرنا خاص متفق على استعماله أيضًا؛ لأن المخالف يحمله على الطافي المتغير.

31384 - ولأن خصوصه يعضده عموم متفق عليه، وهو قوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة}. 31385 - قالوا: يحل بموته بغير فعل مخصوص أو فعل فاعل مخصوص، فحل بموته حتف أنفه قياسًا على الجراد. 31386 - قلنا: قولكم: بغير فعل مخصوص. لا نسلمه؛ لأنه لا يحل عندنا بفعل مخصوص وهو [أحد إحداد] أو اجتناب الماء عنه أو قذفه له. 31387 - وقولهم: لا يعتبر فاعل مخصوص. فليس كذلك؛ لأن الله تعالى إذا أماته لم يحل، وإن مات بفعل غيره أو بنقصان الماء عنه. ولأنه إذا وسع حكمه حتى لا يعتبر الفاعل المخصوص، لم يعتبر الفاعل أصلًا، كما أن المتوحش وسع في حكمه فلم يعتبر فيه فعل مخصوص، ثم سقط اعتباره اعتبار الفعل أصلًا. 31388 - والمعنى في الجراد: أنه نوع ليي له دم ساءل، فلم يعتبر في إباحته فعل حادث. أو نقول: لا تتأتى الذكاة في نوعه، فلم تقف إباحته على فعل حادث، وفي مسألتنا بخلافه. 31389 - قالوا: ما حل بغير ذبح مع القدرة عليه، حل بموته حتف أنفه كالجراد. 31390 - قلنا: السمك أخذ شبهًا من الجراد وأخذ شبهًا من حيوان البر، شبهه بالجراد أنه ليس له دم سائل، وشبهه بغيره أن له دمًا سائلًا، فوجب أن يعطى حكمًا من كل واحل من الشبهين ولا يلحق بأحدهما. ومخالفنا جعله كالجراد من كل وجه، وهذا لا يصح. 31391 - قالوا: ما حل أكله إذا مات في البر بكل حال، حل أكله إذا مات في البحر كالجراد. 31392 - فلنا: إذا مات في البر فقد مات بفعل حادث، وأما إذا مات في الماء فقد مات حتف أنفه، وموت الحيوان الذي تتأتى فيه الذكاة حتف أنفه سبب الحظ. 31393 - فإن قيل: إذا مات في الماء، فلا بد أن يموت بسبب إما من مرض أو غيره. 31394 - قلنا: قوله بمرض هو الموت حتف أنفه، [وإنما يعتبر سبب حادث يضاف الموت إليه فلا يكون حتف أنفه].

مسألة 1550 ما يؤكل من حيوان الماء

مسألة 1550 ما يؤكل من حيوان الماء 31395 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: لا يؤكل ما سوى السمك من حيوان الماء. 31396 - ونص الشافعي رحمه الله على إباحة جميعه. وقال أصحابه: لا يؤكل الضفدع؛ لأن الخبر ورد فيه. 31397 - لنا: قوله تعالى: و {قل لا أجد في ما أوحى إلى محرمًا على طاعم يطعمه}. فحرم الميتة وهو عام في كل ميتة، وحرم الخنزير وهو عام في خنزير الماء وخنزير البر؛ لأن الاسم يتناوله. ألا ترى أن العرب إذا سمت حيوانًا باسم لم تخصه بما يوجد منه في موضع دون موضع؟ ويدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: (أحلت لنا ميتتان ودمان). والمحصور بعدد يدل على أن ما عداه بخلافه على قول ابن شجاع. 31398 - ولأن مخالفنا إن قال بإباحة جميع حيوان البحر. 31399 - قلنا: الحيوان المتوحش في أصل خلقته بري وبحري، فإذا كان في أحدهما محظور ومباح، كذلك الآخر. 31400 - ويدل على تحريم الضفدع ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الضفدع يطرح في الدواء، فقال: (خبيثة من الخبائث). ولو كان حلالًا لم يمنع التداوي به. 31401 - ولا يقال: إنما منع منه؛ لأنه سم؛ لأنه إذا كان سمًا يحرم أكله، ولأن السموم تطرح في الأدوية، فلما نهى عن ذلك، علم أنه نهى عنه لتحريمه.

31402 - ولأنه ضفدع، فلا يحل أكله كالبرى إذا ثبت تحريم الضفدع. 31403 - قلنا: حيوان بحري اختلف في أكله كالضفدع. 31404 - [ولأنه حيوان بري من غير جنس السمك]، فلا يؤكل، [أصله: الضفدع]. 31405 - فإن قيل: المعنى في الضفدع أنه نهى عن قتله. 31406 - قلنا: النهي عن قتله لا يقتضي التحريم، بدلالة الشاة والبعير، والدليل على تحريم خنزير الماء وكلبه الآية التي قدمناها وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله حرم الكلب وحرم ثمنه، وحرم الخنزير وحرم ثمنه). 31407 - ولأنه خنزير، فلا يحل أكله كالبري. 31408 - ولأنه سبع ذو أنياب كالبري. 31409 - ولأنه يأكل الميتات كسائر السباع. 31410 - احتجوا: بقوله تعالى: (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعًا لكم). قال ابن عباس: الصيد ما اصطدنا، وطعامه ميتته وقال عمر: (الصيد ما أصيد وطعامه ما رمى به). 31411 - والجواب: أن الصيد مصدر صاد، وهو عبارة عن فعل الاصطياد وفعل الاصطياد مباح عندنا، والخلاف في الأكل، وقد يجوز اصطياد ما لا يؤكل لينتفع به في غير الأكل. وليس إذا صرف الصحابي اللفظ عن حقيقته إلى المجاز لزمنا ترك الحقيقة من غير دليل، يبين ذلك أن الله تعالى فرق بين الصيد والطعام، ولو كان كله مأكولًا كان جميعه طعامًا. 31412 - احتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم - في البحر: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته). 31413 - قلنا: هذا عام مخصوص بما ذكرنا.

31414 - قالوا: روي أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وجدوا عنبرة على شاطئ البحر، فأكلوا منها، فسألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (هل بقي منها شيء). 31415 - قلنا: العنبرة: السمكة التي تبتلع العنبر، وهى مباحة عنانا. 31416 - قالوا: روي عن أبي بكر - رضي الله عنه - أنه قال: ما من دابة في البحر تموت إلا قد ذكاها الله لكم. 31417 - قلنا: التذكية تقتضي الطهارة ولا تقتضي إباحة الأكل عندنا، وهذا الحيوان جميعه طاهر. 31418 - قالوا: حيوان لا يعيش إلا في الماء كالسمك، وفيه احتراز من الضفادع لأنها قد تعيش في البر. 31419 - قلنا: الضفدع الذي يعيش في البر نوع غير النوع الذي يعيش في الماء، وانتقض بالضفدع الذي لا يعيش إلا في الماء. 31420 - ولأن هذا التعليل يقتضي إباحة جنس حيوان البحر، والأجناس متنوعة في الإباحة، بدلالة حيوان البحر. 31421 - ولأن المعنى في السمك أنه غير مستخبث، فليس كذلك ما سواه؛ لأنه مستخبث في العادة، فلم يحل أكله.

مسألة 1551 أكل الضبع والثعالب

مسألة 1551 أكل الضبع والثعالب 31422 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: يكره أكل الضبع والثعالب. 31423 - وقال الشافعي رحمه الله: لا يكره. 31424 - لنا: ما روي عن علي وابن عباس وخالد بن الوليد وأبي هريرة وأبي ثعلبة لخشني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير. وفي حديث أبي هريرة أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (كل ذي ناب من السباع حرام). 31425 - وروي أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر والبغال وكل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير والمجثمة. 31426 - فإن قيل: المراد به الناب القوى الذي يعدو به على الناس. 31427 - قلنا: هذا التخصيص بغير دليل. 31428 - ولأن ذوات الناب يضعف ناب بعضها عن بعض. ألا ترى أن الكلب كالأسد والسنور الأهلي لا يؤكل مع ضعف نابها؟. 31429 - ولأن الضباع فاسدة وتبادر وتفترس الغنم وإن ضعفت عن غيرها. 31430 - ولأنه ذو ناب من السباع مطعمًا؛ لأنها تنبش القبور وتأكل الموتى. 31431 - ولأنه ذو ناب متوحش كالذئب. 31432 - فإن قيل: المعنى فيه أنه ذو ناب ضعيف. 31433 - قلنا: يبطل بالهر.

31434 - [فإن قيل: الضبع يخلط مع الجيف غيرها. 31435 - قلنا]: يبطل بالخنزير. 31436 - احتجوا: بقوله تعالى: {قل لا أجد في ما أوحى إلى محرمًا على طاعم يطعمه}. 31437 - قلنا: قيل في التفسير: إن الجاهلية كانوا يحرمون أشياء ويبيحون أشياء، فقال الله تعالى: {قل لا أجد في ما أوحى إلى محرمًا} مما تحرمون {إلا أن يكون ميتة}. الدليل على هذا التأويل: أنه رتبه على ما ذكر مما حرموه، ثم قال: {أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا فمن أظلم ممن افترى على الله كذبًا ليضل الناس}. ويبين ذلك: أنا قد علمنا أن الله تعالى قد حرم ما لم يذكر. 31438 - احتجوا: بقوله تعالى: {ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبيث}. والضبع من الطيبات، قال الشافعي: ما زال الناس يأكلون الضبع ويبيعونه عندنا بين الصفا والمروة. 31439 - قلنا: {ويحل لهم الطيبات}. قيل في التفسير: التحريم التي كانت محرمة على بني إسرائيل، أن يحرم عليهم الخبائث يعني الخنزير والميتة والدم. فإن ظن ظان أن الإباحة تتبع ما تستطيبه العرب محال؛ لأنهم كانوا يستطيبون الخمر ولحم الخنزير ويأكلون ما دب على وجه الأرض إلا أم حبين. 31440 - احتجوا: بحا روي عن عبد الرحمن بن أبي عمار أنه قال: سألت جابر ابن عبد الله عن الضبع أصيد هو، قال: نعم. قلت: سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: نعم. 31441 - قلنا: هذا الخبر ذكره أبو داود ولم يذكر فيه الأكل، وإنما ذكر وجوب

الجزاء. ويحتمل أن يكون سماعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صيد. 31442 - ولأنه خبر واحد وقد عارضه خبرنا وقد رواه جماعة وهو في الصحيح، فهو أولى مما رواه الواحد. 31443 - ولأن خبرنا يفيد الحظر، فيقدم على ما يقتضي الإباحة. 31444 - قالوا: ما وجب الجزاء بقتله من غير امتزاج واختلاط، حل أكله قياسًا على الغزال. وربما قالوا: ما تمحصت ولادته من جنسه، ووجب الجزاء بقتله حل أكله. 31445 - قلنا: السبع إذا وجب الجزاء بقتله ولم يحل أكله، دل على أن وجوب الجزاء لا يؤثر في الإباحة. ألا ترى أنه ضمان متلف، وضمان المتلفات يستوي فيه المأكول وغير المأكول، فلم يستدل بوجوب الضمان على الإباحة. والمعنى في الأصل أنها بهيمة متفق على طهارة سؤره، والضبع مختلف في طهارة سؤره كالكلب. 31446 - قالوا: يحل بيع مذبوحة، فوجب أن يحل أكله. 31447 - قلنا: في جوازه بيع لحم ما لا يؤكل روايتان، ثم جواز البيع لا يستدل به على الإباحة؛ لأن البيع لا يختص بالمأكولات، بدلالة أنه لم يصح فيما لا يؤكل، فكونه مبيعًا لا يدل على الإباحة. 31448 - قالوا: يطهر بالذبح، فحل لحل لحمه كالشاة. 31449 - قلنا: الطهارة لا تدل على جواز الأكل، وإنما تستدل إباحة الأكل على الطهارة، فلم يصح هذا الاستدلال. 31450 - ولأن عند مخالفنا أنه لا يطهر بالذبح، وإنما كان طاهرًا قبل الذبح، فبقي بالذبح على ما كان عليه، فالوصف لا يصح على أصلهم.

مسألة 1552 أكل الضب والقنفذ وابن عرس

مسألة 1552 أكل الضب والقنفذ وابن عرس 31451 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: يكره أكل الضب والقنفذ وابن عرس. 31452 - وقال الشافعي رحمه الله: لا يكره. 31453 - لنا: ما روي عن عبد الرحمن ابن حسنة أنه قال: نزلنا أرضًا كثيرة الضباب، فأصابتنا مجاعة وطبخنا منها وإن القدر ليغلي بها، إذ خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (ما هذا؟] فقلنا: ضباب أصبناها. فنهى عنها، وقال: (إن أمة من بني إسرائيل مسخت دوابًا في الأرض، وإني أخشى أن تكون هذه، فأكفئوها). 31454 - وروي عن عبد الرحمن بن شيل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن أكل الضب. 31455 - وروي عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (وددت أن عندي خبزة بيضاء من برة سمراء ملبقة بسمن ولبن). فقام رجل [من القوم] فاتخذه وجاء به، فقال: (في أي شيء كان هذا؟) قال: في عكة ضب. قال: (ارفعه). 31456 - وروى أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن عائشة أنه أهدي إليها ضب، فدخل عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألته عن أكله، فنهاها عنه، فجاء سائل فقامت لتناوله، فقال

- صلى الله عليه وسلم - لها: (أتطعمينه ما لا تأكلين). 31457 - وروى حماد بن سلمة عن حماد عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أهدى له ضب فلم يأكله فقام عليهم سائل فأرادت عائشة أن تعطيه فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أتعطينه ما لا تأكلين؟). 31458 - وفى حديث أبي حنيفة نهاها عنه وهو زائد فهو أولى، وفى خبر حماد ابن سلمة أنه منعها أن تتصدق به، ولو كان مباحًا لم يمنعها أن تتصدق به. 31459 - وروى عيسى بن نميلة عن أبيه قال: كنت عند ابن عمر فسئل عن أكل القنفذ، فتلا: {قل لا أجد في ما أوحى محرمًا على طاعم بطعمه}. فقال شيخ عنده: سمعت أبا هريرة يقول: ذكر عند النبي - عليه السلام -، فقال: (خبيثة من الخبائث). فقال ابن عمر: إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال هذا، فهو كما قال. ذكره أبو داود. 31460 - ولأنه من حشرات الأرض، كالحية والفأرة. 31461 - ولأنه من أمة مسخت كالقردة. 31462 - ولأن ابن عرس من سباع الهوام، والسباع محرمة، بدلالة سباع الوحش. 31463 - احتجوا: بقوله تعالى: {أحل لكم الطيبات}. والضب مما تستطيبه العرب، قال أبو سعيد الخدري: الضب أحب إلي من الدجاجة السمينة. 31464 - قلنا: الطيبات المراد بها الحلال، لاستحالة أن تتعلق الإباحة بما يطيب لهم والمحرمات كلها طيبة لهم. 31465 - ولأنه - صلى الله عليه وسلم - سيد العرب وقال: (إني أجد نفسي تعافه). فكيف

يدعى مخالفنا أنه استطابه كل العرب!. 31466 - احتجوا: بحديث خالد بن الوليد أنه دخل مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بيت ميمونة، أخبروا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما يريد أن يأكل منه، فقيل: هو ضب. فرفع يده. قال: فقلت: حرام هو؟ قال: (لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي، فأجدني أعافه). قال: خالد: فاجتررته فأكلته، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر. 31467 - قالوا: وعن ابن عباس قال: أهدت خالتي ميمونة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - سمنًا وأقطا وضبا، فأكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من السمن والأقط، وترك الضب تقذرًا وأكل على مائدته. 31468 - قلنا: هذا الخبر يفيد الإباحة، وخبرنا يفيد الحظر، والحظر أولى. 31469 - قالوا: يجوز بيع مذبوحه، فحل أكله كالأرنب. 31470 - وقد أجبنا عن هذين القياسين في المسألة الأولى. 31471 - قالوا: روي عن عمر أنه قال: لم ينه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الضب، ولم يأمر به، ولو وجدناه لأكلناه. 31472 - قلنا: إن كان الاستدلال بأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يحرمه، فقد روينا أنه حرمه، فيجوز أن عمر لم يبلغه ذلك. وإن كان الاستدلال بقول عمر، فقد روي عن علي كراهته.

مسألة 1553 أكل لحم الخير

مسألة 1553 أكل لحم الخير 31473 - قال أبو حنيفة. رحمه الله: يكره أكل لحم الخيل. 31474 - وقال أبو يوسف ومحمد [رحمهما الله]: لا يكره. وبه قال الشافعي رحمه الله. 31475 - لنا: قوله تعالى: {والأنعام خلقها لكم فيها دفء}. إلى قوله: {لتركبوها وزينة} فذكر منافع كل واحد من النوعين عل طريق الامتنان، ولو جاز أكل لحم الخيل لذكره؛ لأن منفعة الأكل أعظم من منفعة الركوب. 31476 - ولا يقال: إنه ذكر المقصود من كل نوع، ولم يذكر جميع المنافع، بدلالة أنه لم يذكر البيع، ولم يذكر ركوب الأنعام. 31477 - قلنا: الظاهر يقتضي أن البيع لا يجوز، لولا دلالة الإجماع، فأما ركوب الأنعام فقد ذكر: {وتحمل أثقالكم}. 31478 - فإن قيل: إنه تعالى ذكر منافع الحيوان، والأكل من منافع اللحم. 31479 - قلنا: اللحم من منافع الحيوان، ولهذا ذكره في منافع الأنعام. 31480 - فإن قيل: إنما لم يذكر الأكل؛ لأنه لم يعم جميعها، وذكره في الأنعام لأنه يعمها. 31481 - قلنا: لو جاز أكل شيء منها، لذكر الأكل. 31482 - ولأنه لم يعمها كما ذكر الأنعام فقال: {وتحمل أثقالكم}. ومعلوم أن الغنم لا تحمل الأثقال.

31483 - ويدل عليه ما روى صالح بن يحي بن المقدام بن معدي كرب عن أبيه عن جده عن خالد بن الوليد: أن النبي - عليه السلام - نهى عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير وعن كل ذي ناب من السباع. 31484 - فإن قيل: يجوز أن يكون نهى عن ذلك؛ لأن الحاجة دعت إلى ركوبها، كما روي أنه نهى عن ذبح ذوات الدر وعن ذبح فتي الغنم. 31485 - قلنا: ظاهر النهي يفيد التحريم، فمتى عدل به عن الظاهر احتاج إلى دليل. 31486 - قالوا: قال أبو داود: وهذا منسوخ، قد أكل لحوم الخيل جماعة من الصحابة، ابن الزير وفضالة بن عبيد وأنس وأسماء. 31487 - قلنا: النسخ لا يثبت بالاستدلال، ولا يلتفت إلى قول أبي داود. 31488 - ولأنه ذو حافر أهلي كالحمار. 31489 - ولأن ولده لا يؤكل وهو البغل، فلا يؤكل نفسه كالحمار. 31490 - فإن قيل: اتفاق الخيل والبغال في الحافر لا يوجب اتفاقهما في الحظر، ألا ترى أن الجمل والفيل قد اتفقا في الخف، ولم يتفقا ني الإباحة ولا في الحظر؟. 31491 - قلنا: الفيل وافق ذات الخف في الخف وفارقها في الناب، وذو الناب منصوص على تحريمه، فلم يصح القياس بالخف لإثبات إباحته، مع نص التحريم على أن الفيل لا خف له. قال ابن دريد في الجمهرة: الجمل والنعامة ذوا خف، وليس غيره من الحيوان ذو خف. والخيل ساوت الحمر والبغال في الحافر ولم تنفرد عنها بمعنى يمنع القياس. 31492 - ولأن الخيل يستحق بها شيء من الغنم، فأثر ذلك في لحمها كالآدمي.

31493 - احتجوا: بحديث جابر قال: أطعمنا النبي - صلى الله عليه وسلم - لحم الخيل، ونهانا عن لحوم الحمر. وروي أنه قال: ذبحنا يوم خيبر الخيل والبغال والحمير، ولم ينهنا عن الخيل. 31494 - قلنا: خبر جابر قد اختلف لفظه، وروي: أطعمنا. وروي: لم ينهنا. وروي: رخص لنا. وخبرنا لا تعارض فيه، وخبر جابر يقتضي الإباحة. وليس يمنع أن يكون - صلى الله عليه وسلم - حرم الحمر، وأنه حرم الخيل بعدها، أو يكون رخص فيها لأجل الضرورة، ولم يرخص في الحمر؛ لأن تحريم الخيل أخف. 31495 - فإن قيل: يجوز أن يكون حرمها، ثم أذن فيها؛ لأن الإذن يقتضي تأخر الإباحة. 31496 - قلنا: لم يقل أحد أن الخيل كانت محظورة ثم أبيحت. 31497 - ولأن الإذن لا يقتضي تقديم حظر عليه، وإنما يفيد الإباحة وهي الأصل، والحظر طارئ فكان أولى. 31498 - قالوا: روي عن ابن الزبير وأنس بن مالك وفضالة بن عبيد وسويد بن غفلة وأسماء بنت أبي بكر وعلقمة أنهم كانوا يأكلون لحوم الخيل وكانت قريش لا تزال تأكل لحوم الخيل على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهو إجماع. 31499 - قلنا: قد روي حظر لحومها عن ابن عباس، واحتج في ذلك بالآية، فكيف تصح دعوى الإجماع؟. 31500 - قالوا: مذبوحه يحل بيعه أو مذبوحه طاهر، أو لا ينجس بالذبح، فصار

كالنعم. 31501 - قلنا: البيع لا يدل على الإباحة كالسباع، والطهارة لا تدل على الإباحة، كالشاة المسومة. 31502 - وقولهم: لا ينجس بالذبح. يبطل على أصلهم بالكلب؛ لأنه لا ينجس بالذبح، وإنما تبقى نجاسته بحالها. والمعنى في النعم أنه حيوان لطلب النماء بدره ونسله، والخيل يطلب النماء بنسلها دون درها. أو نقول: النعم ورد الشرع بالامتنان بركوبها وأكلها، والخيل ورد الشرع بالامتنان بركوبها دون أكلها. 31503 - قالوا: حيوان يسابق عليه كالبعير. 31504 - قلنا: المسابقة جازت لتلقين عدة القتال، وهذا المعنى يقتضي ترك الأكل ليتوفر على القتال، والمعنى في البعير ما قدمنا.

مسألة 1554 شبع المضطر من الميتة

مسألة 1554 شبع المضطر من الميتة 31505 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: لا يجوز للمضطر أن يشبع من الميتة، وإنما يأكل منها مقدار ما يمسك رمقه. وهو أحد قول الشافعي رحمه الله. 31506 - قال وفي قول آخر: يأكل حتى يشبع. 31507 - لنا: قوله تعالى: {إلا ما اضطررتم إليه}. فحرم الميتة، وأباحها وهو ما يدعو إليه الضرورة، فما لا ضرورة إليه على أصل التحريم. 31508 - فإن قيل: أنه يضطر إلى الشبع؛ لأن الغالب أن هذا يكون في الأسفار، فمتى لم يشبع لم يقدر على المشي فيتأخر عن رفقته. 31509 - قلنا: إذا لم يخف التلف، لم يجز أن يأكل وهذا خلاف قولهم، وإذا خاف التلف من الوجه الذي ذكره، جاز أن يأكل عندنا ما يزيل ذلك الخوف، فسقط هذا الاعتراض. 31510 - قالوا: في الآية إضمار، فعندكم: إلا قدر الذي اضطررتم إليه. وعندنا: إلا الذي اضطررتم إليه. والإضمار الواحد أولى من إضمارين. 31511 - قلنا: نحن نتساوى في الإضمار ونقول: إلا الذي اضطررتم إليه. وما زاد على تمسك الرمق لا ضرورة إليه، والذي قد يكون الجنس والقدر قد يدخل في الاستثناء إلا ما يستفاد دخوله. 31512 - ولأن الضرورة زالت بالجزء الأول، فلو أكل بعده أكل للحاجة لا للضرورة، والميتة لا تستباح بالحاجة كالابتداء. أو لأن الجزء الأول في حق المضطر كالطعام المباح، ولو كان معه ذلك المقدار من لحم مذكى فأكله، لم يجز أن يتمم أكله

من الميتة، كذلك إذا أكل الجزء الأول منها. 31513 - ولأن كل حكم تعلق بمعنى، زال بزواله إلا أن يلحقه معنى آخر يتعلق الحكم به، وقد زالت الضرورة التي أبيح لأجلها، فتزول الإباحة. 31514 - فإن قيل: لا يمتنع أن يختلف حكم الابتداء والبقاء، كما أن القادر على نكاح الحرة لا يتزوج الأمة، فإذا تزوجها وهو لا يجد الطول ثم وجد، لم يؤثر ذلك في نكاحها. 31515 - قلنا: عندنا تتساوى الحالتان ني مسألة الاستشهاد، فيجوز أن يتزوج أمة مع وجود الطول وتبقى على نكاحها معه، لكنا نسلم أن في الأصول ما يختلف فيه الابتداء والبقاء إذا كانت علة الابتداء غير موجودة ني حال البقاء، فأما إذا وجدت في الحالتين على وجه واحد مثل مسألتنا لم يختلفا. 31516 - ولأن هذا الكلام يصح فيما له ابتداء ومداومة، وكل جزء من الأكل ابتداء أكل؛ لأن الأكل ينقطع ثم يستأنف ما يتناوله، فهو ابتداء. وأي فرق بين أن يأكل الجزء الأول من طعام مباح، فكذلك هو في الآخر. 31517 - احتجوا: بقوله تعالى: {فمن اضطر غير باغ ولا عادٍ فلا إثم عليه} 31518 - قلنا: عندكم تقدير الآية: فلا إثم عليه في الأكل. وعندنا: فلا إثم عليه فيما يدفع الضرورة. وما أضمرناه أولى؛ لأن المضطر قد يضطر إلى أكلها وإلى الاستصباح بودكها وإلى لبس جلدها ليدفع الحر والبرد، وهذا حكم تبيحه الضرورة المذكورة، فإضمارنا بدفعها أولى من إضمار الأكل الذي لم نجد له ذكرًا. 31519 - ولأنه قال: {غير باغٍ ولا عادٍ}. أي: باغ في الأكل، ولا متعدٍ فيه. ومن تجاوز قدر الضرورة، فقد اعتدى عندنا. 31520 - وزعم مخالفنا أن المراد: غير باغ على الإمام. 31521 - وإذا اختلفا في ذلك، لم نسلم الإباحة إلا بعد ارتفاع البغي. 31522 - فإن قيل: قد جعل الله تعالى البغي صفة الأكل عندما ابتدأ أكله فأنتم تجعلونه صفة في الحالة الثانية.

31523 - قلنا: بل نجعله صفة في الحالتين مبيحة الأكل غير قاصد الشبع؛ لأن القصد إلى ذلك بغي وعدوان. 31524 - قالوا: روى جابر بن سمرة أن رجلًا جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه أهله وولده، فسأله عن ناقة له نفقت، فقال النبي - عليه السلام -: (هل عندك غنى يغنيك؟) قال: لا قال: (فكلوها). وهو عام في سد الرمق والشبع. 31525 - قلنا: أباح بشرط ألا يجد ما يغنيه، وقد استغنى بالجزء الأول، فلا يحل له الباقي. يبين ذلك أن الإباحة في القرآن والأخبار مشروطة، فلا يسقط شرطها بخبر واحد، ولا بد من أن تحل الإباحة هاهنا على شرط لم ينقل. 31526 - احتجوا: بحديث أبي واقد الليثي أن رجلًا قال: يا رسول الله، إنا نكون بأرض فتصيبنا المخمصة، فمتى تحل لنا الميتة؟ فقال: (ما لم تصطبحوا ولم تغتبقوا ولم تحتفئوا بها بقلًا، فشأنكم بها) فأباح أكلها إذا لم يجدوا ما ذكر وهو على عمومه. 31527 - قلنا: للمضطر أكلها إذا وجد البقل وهو أصل البردي. كذلك يحظر إذا أكل منها ما يقوم مقامه، ومن يستيسده، وصار هذا تنبيهًا على أن الإباحة يشترط فيها الضرورة، وذلك لا يوجد في الجزء الثاني من الميتة. 31528 - قالوا: ما جاز أن يسد الرمق منه، جاز الشبع منه، أصله: الطعام الحلال ولبن الميتة. 31529 - قلنا: نقول بموجب العلة إذا كان ما به من الضرورة لا يزول إلا بالشبع، ويخالف الإكراه فإن المكره على أكل الميتة يجوز أن يشبع. والمعنى في المباح: أنه يجوز أن بيتدأ به من غير ضرورة فجاز البقاء، والميتة لا يجوز أكلها من غير ضرورة لولدها

وبيضها ولحمها ولا يجوز أكلها في حال حياتها من غير ضرورة، فلم يجز الشبع منه بعد موتها. 31530 - قالوا: طعام مباح من جهة الشرع، فجاز أن يشبع منه كسائر الأطعمة. 31531 - قلنا: نقول بموجبه على ما قدمنا، ولا نسلم أنه مباح على الإطلاق، بل أبيح منه ما يمسك الرمق. 31532 - قالوا: يجوز أن يشبه من لبنها كالمذكاة. 31533 - فقد كلمنا على هذا الوصف والأصل.

مسألة 1555 أكل الميتة أو مال الناس

مسألة 1555 أكل الميتة أو مال الناس 31534 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا اضطر إلى أكل ميتة أو إلى مال رجل من الناس لم يأذن له في أكل طعامه، أكل الميتة ولم يتعرض لملك غيره. 31535 - وقال الشافعي رحمه الله: إذا لم يكن لصاحبه ضرورة إليه ولا يحتاج في أخذه إلى مقاتلة، فإنه يأكله ويضمنه، ولا يأكل الميتة. ومنهم من قال بقولنا. 31536 - لنا: أن المنع من أكل الميتة لحق الله تعالى وقد أذن فيها بشرط الضرورة، والمنع من مال الآدمي لحقه ولم يأذن، ولا للآكل حق في ماله، فصار إطعام الآدمي إذن له في أكله، وطعام الآخر لم يأذن له. 31537 - ولأن حق الله تعالى أوسع وحق الآدمي أضيق؛ لأن الله تعالى غني عن حقوقه والآدمي فقير إليها، ولهذا يقدم القصاص على الحدود، وكان تناول ما حظر لحق الله تعالى أولى من تناول ما حظر لحق الآدمي. 31538 - ولأنه يضطر إلى ميتة والى ما يمنع منه إتلافه لحق الآدمي، وصار كمن وجد الميتة وذبيحة المجوسي، وكمن وجد الماء النجس وخمر الذمي. 31539 - ولأن الضرورة تبيح كل واحد منهما، وفي مال الآدمي إضرار به وكان تناول لا تدخل الضرورة على غيره أولى. ولا يلزم إذا وجد الميتة ومال ابنه؛ لأن مال الابن لا تقف إباحته على الضرورة، بل يجوز أخذه للحاجة. 31540 - احتجوا: بأن ما لو كان لأخيه أو عمه، منع من أكل الميتة، فإذا كان لأجنبي وجب أن يمنع، أصله: إذا كان صاحبه حاضرًا فبذله.

31541 - قلنا: إذا بذله فقد وجد ما يجوز استباحته من غير ضرورة، ويمكنه إزالة ضرورته من غير إدخال الضرر على مالكه، فصار كما لو وجد طعامًا مباحًا وطعامًا للغير. 31542 - قالوا: طعام طاهر صاحبه غير مضطر إليه ولا يحتاج ي لحله إلى أن يعوز بنفسه، فوجب أن يمنع من أكل الميتة، أصله: إذا بذل له صاحبه بعوض مثله أو بغير عوض. 31543 - قلنا: إذا بذله صاحبه فقد زالت الضرورة، فلم يجز له أكل الميتة من غير وجود شرطها، وإذا لم يبذل لم يمكنه إزالة الضرورة إلا بإدخال ضرر على آدمي، فصار كما لو بذل له بأكثر من ثمن مثله جاز له أكل الميتة حتى لا تدخل الضرورة على نفسه يبذل الزيادة. فإذا كان يجوز له أن يأكل الميتة حتى لا يضر بنفسه في ماله، فلأن يأكلها حتى لا يضر بغيره في المال الذي لا تبيحه الضرورة أولى. 31544 - فإن قاسوا على مال الأخ والعم، قلنا: بينهما رحم كامل، فتناول ماله عند الضرورة أولى من أكل الميتة، كمن وجد طعام ابنه أو أبيه، والله أعلم بالصواب.

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب السبق والرمي

كتاب السبق والرمي

كتاب السبق والرمي

مسألة 1556 المسابقة على الأقدام

مسألة 1556 المسابقة على الأقدام 31545 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: تجوز المسابقة على الأقدام بعوض وبغير عوض. 31546 - وقال الشافعي رحمه الله: لا تجوز بعوض. ومن أصحابه من قال: فيها وجه آخر وهو أنه يجوز. 31547 - لنا: ما روي عن عائشة قالت: سابقني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسبقته، ثم سابقني فسبقني، وقال: (هذه بتلك). وإذا المسابقة بالأقدام، جاز العوض عليها كالسبق بالخيل والإبل. ولا يلزم السبق بالسفن؛ لأن قياس قولهم يقتضي جوازه. ولا يلزم السبق بالطيور؛ لأنه لا يجوز بغير عوض، ولأنه حيوان يسهم له من الغنيمة، فجاز المسابقة به بعوض كالفرس. 31548 - ولأن القتال تارة يقع فارسًا وتارة يقع راجلًا، فإذا جازت المسابقة بعوض بالفرس كذلك بالرجل. 31549 - ولأن المسابقة تجوز بالخيل والإبل لما فيها من المعونة على وجوب العدو والكر والفر، وهذا موجود في المسابقة بالقدم لما فيها من طلب الرجل العدو والنجاة منه إذا طلب. 31550 - احتجوا: بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (لا سبق إلا في خف، أو في حافر، أو نصل). قالوا: هذا يقتضي أنه لا يجوز السبق بغير ذلك بعوض وغير عوض. 31551 - قلنا: قامت الدلالة على جوازه بغير عرض، يقي الباقي على الظاهر،

وإنما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - التي يحتاج إليها في وقت القتال العدو لنفسه بها على كل وجه يجرى مجراها، ولم يتعرض لذكر العوض، وإنما العوض فرع على الجواز، فإذا ثبت مفهوم الكلام والإجماع جواز السبق علي الأقدام، ثبت جواز العوض أيضًا؛ لأنه مانع للجواز. 31552 - قالوا: قد روي: (لا سبق إلا في خف أو حافر). والسبق: العوض المسابق عليه. 31553 - قلنا: الرواية لا تضبط بتحريك السبق والمشهور تسكينها. 31554 - ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - تكلم بأحد الأمرين، فلا يجوز ثباتهما. 31555 - قالوا: شرط العوض ليس بلازم، فوجب أن يكون فاسدًا كالسبق في السباحة والمقامرة. 31556 - قلنا: السبق إذا لم يلزم العوض فسد العقد، بدلالة المضاربة، والذي قاسوا عليه أن كان يحتاج إليه في المجاهدة وأخذ العوض في السبق عليه جائز، وان كان لا يحتاج إليه فيما فهو لا ينتفع به ني الجهاد فكذلك لم [يجز أحد] العوض عنه. 31557 - قالوا: نوع غرر، فلا يجوز العوض إلا فيما ورد الشرع به. 31558 - قلنا: هذا كلام من يخص العلة، وعندكم لا يصح تخصيصها، فأما على قولنا فالغرر سامح به في العقود الجائرة كالمضاربة والشركة. 31559 - قالوا: العدو لا يحتاج إلى تعلم وهو في مقدور كل أحد صحت بنيته، وكان بذل المال فيه من القمار كبذل المال على الصياح. 31560 - قلنا: هذا غلط؛ لأن ركوب الخيل في كل طبع سليم الخلقة، لكنهم يتفاضلون فيه، فالمسابقة يرتاض فيها للتفاضل، كذلك العدو يتفاضل فيه الناس، ويتعلمون الصبر عليه والسرعة فيه حتى كل ما يتعلم الفروسية، والمسابقة تحصل بهذا المعنى، فأما الصياح فلا يحتاج إليه في الحرب بل يعد فضلًا، فكذلك لم يجز بدل العوض.

مسألة 1557 بدل العوض في الصراع

مسألة 1557 بدل العوض في الصراع 31561 - الذي يقتضيه مذهب أصحابنا [رحمهم الله] أن بدل العوض في الصراع جائز. 31562 - وقال أصحاب الشافعي [رحمهم الله]: المشهود من المذهب أنه لا يجوز، وفيه وجه أخر أنه جائز. 31563 - لنا: ما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى الأبطح، فرأى [يزيد بن] ركانة يرعى أعتزًا، فقال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: هل لك في أن تصارعني يا محمد؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ما تسبق لي؟) فقال: شاة. فصارعه فصرعه. ثم قال: هل لك في العود؟ فقال: (ما تسبق لي؟)، قال: شاة. فصارعه فصرعه، ثم قال: هل لك في العود ثالثة؟ فقال: (ما تسبق لي؟)، قال: شاة. فصارعه فصرعه، فقال: اعرض علي الإسلام، فما وضع جنبي الأرض أحد قبلك. وهذا يدل على جواز المصارعة وأخذ العوض عنها. 31564 - فإن قيل: علم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يسلم. 31565 - قلنا: علمه بأنه يسلم لا يجوز له شرط ما لا يجوز شرطه. 31566 - قالوا: لما أسلم رد العوض عليه، فدل أنه لا يستحق. 31567 - قلنا: ليس إذا تبرع بالرد يدل على أن الأخذ لم يكن مستحقًا، بل تبرع له برده بعد إسلامه. 31568 - قالوا: ليس بآلة للحرب مع القدرة، فصار كالمشابكة. 31569 - قلنا: لا نسلم ذلك؛ لأنه يحتاج إليه في قتال العدو، ولأنه يحدث الشدة فيبادر الإنسان عدوه بنفسه، فأما المشابكة فيجوز بدل العوض فيما

مسألة 1558 العقد في المسابقة

مسألة 1558 العقد في المسابقة 31570 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: بدل العوض في المسابقة لا يلزم بالعقد، وإنما يلزم بوجود السبق. وهو أحد قول الشافعي رحمه الله. 31571 - وقال في القول الآخر: هو عقد لازم كعقد الإجارة. 31572 - لنا: أنه عقد على ما لا يمكن فيه التسليم عقيب العقد، فلا يتعلق به الاستحقاق كالمضاربة. 31573 - ولا يلزم إذا استأجر جملًا إلى مكة لا يمكن تسليم ما يستوفي من المنفعة عقيب العقد. 31574 - ولا يلزم السلم؛ لأنه يمكن تسليم المسلم فيه عقيب العقد. 31575 - ولأن المسابقة تعقد للحث على إظهار الجلد، فصار كما لو قال الإمام: من قتل قتيلًا فله سلبه، ومن غلب على شيء فله ربعه. 31576 - ولأنه تمليك عين [لا يحصل له في مقابلتها منفعة تحصل له ولجماعة المسلمين]، فلا يلزم بالعقد كالوصية والهبة. 31577 - ولا يلزم إذا استأجره ليبني له مسجدًا؛ لأن عماره المسجد منفعة تحصل له ولجماعة المسلمين؛ لأنه عقد لا يلزم تسليم العوض عقيب عقد محدد، فلم يكن لازمًا كالجعالة. 31578 - ولأنه عقل على مال وعمل في الجهتين، فلم يكن لازمًا كالشركة. 31579 - احتجوا: بقوله تعالى: {يا أيها الذين أمنوا أوفوا بالعقود}.

31580 - قلنا: المراد به: أوفوا بأحكام العقود. وحكم هذا العقد الوفاء به عند حصول العمل. 31581 - قالوا: عقد من شرطه أن يكون العوض فيه معلومًا، وما في مقابلته معلومًا، فأشبه عقد الإجارة. 31582 - قلنا: لا نسلم أن العمل فيه معلوم؛ لأنه شرط السبق، وقد يسبق بمكابدة الدابة أو [...] بمسافة كبيرة. والمعنى في الإجارة أنه يمكن تسليم العين التي يستوفي منها المنفعة ي الحال، وفي مسألتنا بخلافه. 31583 - قالوا: إذا لم يلزم العقد بطل المقصود به ومنع من الدخول فيه؛ لأنه إذا أخبرت بالعلة وظهرت دلالة السبق، رجع عنه وفسخ العقد، فيبطل العمل ويسقط العوض. وليس كذلك المضاربة؛ لأنه إذا فسخها بعد العمل، مكنه من بيع ما اشترى ليحصل له الربح، وفي الجعالة إذا عمل بعض العمل يقول للذي شرط: إن أردت فسخ العقد، فعليك أجرة المثل لما عمل. 31584 - قلنا: هذا غلط؛ لأنهما إذا استبقا ولم يظهر الواحد منهما أمارة السبق، فأما على العقد: فاستحق العوض، فإذا كانت الفائدة موجودة من موضع واحد اكتفي

مسألة 1559 الشرط الفاسد في المسابقة

مسألة 1559 الشرط الفاسد في المسابقة 31585 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا شرط في المسابقة شرطًا فاسدًا مثل أن يقول: إني أطعم العوض أصحابي. صح العقد وبطل الشرط. 31586 - وقال الشافعي رحمه الله: العقد فاسد. 31587 - لنا: أنه عقد لا يتعلق به اللزوم فلم يفسده الشرط الفاسد كالهبة والرهن، وقد دل محلى الرهن قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تعلق الرهن ولا الهبة). 31588 - ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أجاز العمرى لأهلها وأبطل الشرط. 31589 - ولأنه عقد لا تقف صحته على تسمية بدل، فلم يفسده الشرط كالنكاح. 31590 - احتجوا: بأنه تمليك شرط فيه ما يمنع كمال التصرف، كما لو باع طعامًا وشرط أن أصحابه يأكلونه. 31591 - قلنا: هناك العقد لا يصح بغير بدل، فإذا شرط في البدل شرطًا فاسدًا فسد العقد. وفي مسألتنا يصح العقد من غير ذكر البدل، فإذا شرط في البدل شرطًا فاسدًا لم يبطل العقد كالنكاح.

كتاب الأيمان

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب الأيمان

مسألة 1560 كفارة اليمين الغموس

مسألة 1560 كفارة اليمين الغموس مسألة 1560 كفارة اليمين الغموس 31592 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: يمين الغموس يأثم بها، ويلزمه الاستغفار والتوبة، ولا كفارة عليه. 31593 - وقال الشافعي رحمه الله: يجب فيها الكفارة. 31594 - لنا: ما روى ابن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من حلف على يمين يقتطع بها مالًا هو فيها فاجر، لقي الله تعالى وهو عليه غضبان). وقد دل تصديقا في كتاب الله تعالى: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنًا قليلًا}. فذكر الله تعالى الوعيد في يمين الغموس دون الكفارة وكذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -، فالظاهر أن ذلك جميع حكمها، نلو وجبت الكفارة بينها. 31595 - وروى جابر بن عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من حلف على منبري هذا بيمين آثمة، تبوأ مقعده من النار). 31596 - وروي أنه - صلى الله عليه وسلم - لما لاعن بين المتلاعنين قال: (أحدكما كاذب، فهل من تائب؟) فأمر بالتوبة، ولم يأمر بالكفارة. والتوبة معلوم وجوبها بالعقل، والكفارة إنما تعلم بالشرع، فكان بيان الكفارة لو وجبت أولى. 31597 - وروي عن ابن مسعود أنه قال: كنا نعد من الذي لا كفارة فيه اليمين الغموس. وهذا إخبار عنه وعن نظرائه وأصحابه.

31598 - فإن قيل: ذكر الله تعالى المأثم في هذه الآية ولم يذكر الكفارة، وبينها في الآية الأخرى. 31599 - قلنا: ذكر الله تعالى الكفارة في يمين معقود ولم يذكر في غيرها فلم يكن في ذلك بيان لما لا يعلم أنه منعقد. 31600 - فإن قيل: ذكر الله تعالى في يمين الغموس المؤاخذة مجملة فقال: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم}. وبين - صلى الله عليه وسلم - المؤاخذة بالكفارة. 31601 - قلنا: قد ذكر الله تعالى المؤاخذة مجملة وبينها في الآية الأخرى بقوله: {أولئك لا خلق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله}. وبينها - صلى الله عليه وسلم - بقوله: (لقي الله وهو عليه غضبان). ولو كانت المؤاخذة عبارة عما بينه وعن الكفارة، لم يؤخر ذلك عن وقت الحاجة. 31602 - وروي عن الأشعث بن قيس أنه قال: نزلت هذه الآية في وفي صاحب لي بيني وبينه [بئر في] أرض، فقال: هي لي، فأتينا النبي - صلى الله عليه وسلم - فاختصمنا إليه، وقال لي: (هل لك شهود؟) قلت: لا، فقال لصاحبي: (احلف)، فعند ذلك نزلت الآية. والبيان لا يتأخر عن وقت الحاجة. 31603 - فإن قيل: بأنه بين حكم الآخرة. 31604 - قلنا: الظاهر أن ما بينه جميع الحكم. 31605 - ولأنه - صلى الله عليه وسلم - بين حكم الدنيا في اليمين الغموس، فقال: (تدع الديار بلاقع) ولم يذكر الكفارة. 31606 - ولأنها يمين على أمر واقع، فلا تتعلق بها الكفارة كاللغو. 31607 - ولأنها يمين يقارنها الحنث، فوجب لمن لا يتعلق بها الكفارة، أصله: بين اللغو. والدليل على مقارنة الحنث لها: أن ما به يحنث مقدم عليها، كما أن ما به

يكذب المخبر [يقدم الخبر]. فإن كان الكذب يقارن خبر المخبر بالكذب، كذلك لا يحنث يقارن الحلف. 31608 - ولا يلزم إذا حلف ليصعدن السماء أو ليقلبن هذا الحجر ذهبًا؛ لأن الحنث يتأخر هذا اليمين، بدلالة أن الحنث لا يكون باليأس من الفعل حتى يمضي وقت الفعل. ولهذا لو حلف ليصعدن السماء اليوم، لم يحنث حتى يمضي اليوم، وان كان اليأس موجودًا أول النهار ففي مسألة الإلزام اقتضت اليمين فعلًا يعقبها بشرط الحنث اليأس في ذلك الوقت، ولم يوجد [منع يحنث به مع اليمين لكنه] يعقبها. 31609 - فإن قيل: يمين اللغو غير مقصودة، فلم تتعلق الكفارة بها، والغموس مقصودة فيه فيتعلق بها الكفارة، وحقوق الله تعالى يختلف فيها القصد وغير القصد، وعدم القصد في يمين للغو ليس هذا هو المسقط للكفارة، لكنه منع انعقاده، ولم تجب الكفارة بقصد الانعقاد. 31610 - وهذا المعنى موجود ي مسألتنا؛ لأن اليمين لم ينعقد لمعنى آخر، وليس عدم الانعقاد مختصًا بعدم القصد. 31611 - ولأنها يمين لو وجدت مع النسيان، لم يتعلق بها كفارة، كذلك إذا وجدت مع القصد كاليمين مع الاستثناء. 31612 - ولأنها يمين لم يتأخر عنها الحنث، فلا تجب بها كفارة كيمين الصبي والمجنون واليمين مع الاستثناء واللغو. 31613 - ولأن اليمين لا تتعلق الكفارة بها كاليمين على المستقبل. 31614 - ولأن الكفارة تجب بارتكاب ما حظر به اليمين أو بمخالفة ما أوجبه، والإيجاب إنما يكون في المستقبل دون الماضي كأوامر الله تعالى ونواهيه. والدليل على أن هذا لا ينعقد أن العقد ما توهم فيه البقاء والانحلال، وهذا لا يوجد في الغموس. 31615 - ولا يلزم إذا حلف ليصعدن السماء؛ لأن البقاء متوهم، بدلالة أنه لو قال: لأصعدن السماء اليوم. لم يحنث إلا بعد غروب الشمس. وإذا أطلق فاليمين يبقى وقتًا واحدًا يعجز عن الفعل منه ثم ينحل. 31616 - ولأن ما يوجب انحلال العقد إذا قارنه، منع انعقاده كالردة إذا قارنت

عقد النكاح والرضاع إذا قارنه، والحدث إذا قارنه تحريمة الصلاة. 31617 - ولا يلزم إذا حلف ليصعدن السماء؛ لأن الموجب بحل اليمين اليأس من الفعل في الزمان الذي اقتضت اليمين الفعل فيه، وذلك لا يكون إلا في وقت مستقبل بعد اليمين. 31618 - ولا يلزم إذا اشترى ذا رحم محرم منه؛ لأن المعنى الموجب لزوال الملك العتق، وذلك لا يقارن الشراء، وإنما تقارنه القرابة التي هي سبب الحرية. 31619 - ولأن العقد ما أوجب معنى أو حرم معنى، وهذا اليمين لا يوجد فيها أحد المعنيين فلم ينعقد إذا ثبت هذا، وكل يمين لم ينعقد لا تتعلق بها كفارة، أصله يمين اللغو؛ لأن الله تعالى أوجب الكفارة في اليمين المنعقدة. 31620 - احتجوا: بقوله تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} [إلى قوله]: {ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم}. قالوا: كفارة اللغو المنعقدة وان كانت هذه اليمين ليست بلغو كانت منعقدة، ثم فرق بين اللغو وغيرها بالمؤاخذة، وهذه اليمين مؤاخذ بها، فيجب أن تدخل في خبر التكفير. ثم قال: فكفارته تعلق التكفير بعقد اليمين، وذلك لا يكون إلا في الغموس. ثم قال: {ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم}. فكل حالف يجب أن تكون ذلك كفارته إلا ما خصه دليل، والحالف اسم لمن حلف على الماضي، قال الله تعالى: {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر}. فسمى الغموس حالفًا. 31621 - الجواب: أن الله تعالى نفي المؤاخذة عن عين اللغو، وأثبتها في اليمين المنعقدة، وقد دللنا على أن هذه اليمين غير منعقدة؛ لأنها لا توجب شيئًا ولا تثبت تحريمًا. 31622 - فإن قيل: قرئت الآية بقراءتين بالتخفيف والتشديد، فقوله: {عقدتم} بالتشديد يفيد عقد القلب.

31623 - قلنا: قال الزجاج وأبو على: إن {عقدتم} بالتشديد لا يجوز أن يفيد معنى غير ما أفاد {عقدتم} التخفيف، وإنما يفيد التأكيد والتكرار، كقولنا: قلت وقتل، وضرب وضرب. فإذا كل واحد من القراءتين يفيد الانعقاد. 31624 - قالوا: عقد اليمين هو القصد إليها بقلبه، يدل عليه قوله تعالى: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم}. وكسب القلب هو القصد به، قال الشاعر: خطرات الهوى تروح وتغدو ولقلب المحب حل وعقد 31625 - قلنا: العمل هو الانعقاد لا القصد، بدلاله عقد البيع والنكاح، فأما قوله تعالى في سوره البقرة: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم}. فالمراد به مؤاخذة المأثم. وقوله في سوره المائدة: {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان}. المراد به المؤاخذة بإيجاب الكفارة دون المأثم، بدلالة أن الكفارة تتعلق بالمؤثم فيه وبما يجب فيه الحنث إذا حلف لا يصلى، أو ليقتلن فلانًا. 31626 - فأما السر الذي ذكره: فلا نعلم أنه مما يجوز الاحتجاج بقول مائلة، وهذا كلام لين من شعر المحدثين. على أن المراد به ليس القصد، وإنما المراد ما يخامر القلب من الحب ثم يفارقه، فسمى القلب بالحب عقد للقلب، وجعل زوال ذلك كلمه والحب فالقلب بغير قصد، فلا يثبت لمخالفنا ما ماله. 31627 - فإن قيل: إن الله تعالى قال: {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان}. وهذه يمين عقدها وإن لم تنعقد. وقد يقال: عقد فيما لم ينعقد، كبيع الحر. 31628 - قلنا: هذا ليس بصحيح؛ لأن العقد الفعل، والانعقاد المفعول، فلا يقال: عقد. 31629 - فأما قولهم: أنه قابل اللغو بالمنعقدة، فإذا كانت هذه اليمين من غير

اللغو كانت منعقدة. 31630 - وليس بصحيح؛ لأن هذا يكون إذا ثبت أنه لا قسم لليمين إلا قسمين، فأما اليمين عندنا فثلاثة أقسام، فلا يصح ما قالوه. كما إذا قلنا: هذا قتل ليس بخطأ. لم يجب أك يكون عمدًا؛ لأن القتل: عمد، وشبه عمد، وخطأ. فإذا انتفي عنه الخطأ لم يثبت العمد. 31631 - وأما قولهم: إنه فرق بين اللغو وغيرها بالمؤاخذة. 31632 - فقد بينا أن المؤاخذة المذكورة في المائدة هي المؤاخذة بإيجاب الكفارة لا بالمأثم. 31633 - وأما قوله: إنه علق الكفارة بنفس اليمين. 31634 - غلط؛ لأن الحنث مراد بالإجماع، عندنا: المراد الحنث المتأخر، وعندهم المتقدم. 31635 - وقوله: {ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم}. الحنث مضمر فيه عند مخالفنا، فالمضمر: قد كنتم حنثتم، وعنانا: إذا خلفتم خنثتم. وما قلناه أولى؛ لأنه قال: {واحفظوا أيمانكم}. واليمين التي يؤمر لزم بحفظها هي التي أمكن فيها البر والحنث، فأما الغموس: فالحنث معها فلا يؤمر بحفظها. 31636 - فإن قيل: قوله: {واحفظوا أيمانكم}. معناه: لا تحلفوا. قال الشاعر: قليل الألايا حافظ ليمينه فإن صدرت منه الألية برت 31637 - قالوا: والمراد بقوله: حافظ ليمينه. أي: لا تحلفوا. وليس المراد به: لا يحنث. فإن هذا قد ذكره في المصراع الثاني. 31638 - قلنا: حفظ الشيء حقيقته أن يوجد فيحفظ، فأما ألا يوجد فيحفظ بمعنى أنه يفعل، فليس بحقيقة، يبين ذلك: أن الشاعر قال: قليل الألايا حافظ ليمينه. معناه: أنه يحلف قليلًا، ويحفظ ما حلف عليه. والمصراع الثاني، تأكيد لما في صدر البيت. 31639 - قالوا: وجد الحلف بالله، والمخالفة مع القصد والاختيار من الحالف، فوجب أن تكون الكفارة واجبة، أصله اليمين على المستقبل وإذا قال: لأقتلن فلانًا

وهو يعلم أنه ميت. 31640 - قلنا: أما المخالفة فلا نسلمها؛ لأنها تكون إذا عقد على المستقبل، فأما الماضي فهو مخبر بالكذب. 31641 - ولا يقال: حالف ذكر العتبي في باب ما يضعه الناس في غير موضعه: وينتقض بالمولى إذا آلى، لا كفارة عليه عندهم مع وجود الأوصاف. 31642 - وقولهم: وجد الحلف بالله تعالى لا معنى له؛ لأن الكفارة لا تختص بذلك بدلالة من قال لامرأته: أنت حرام علي. ومن قال: لله علي نذر. والمعنى في اليمين على الاستقبال، إذ الحنث لا يقارن في عقدها. وفي مسألتنا لما قارن عقدها لم تتعلق بها كفارة، فإذا حلف ليقتلن فلانًا فاليمين يتعلق بها إيجاب معنى، فجاز أن يحل إلى الكفارة. 31643 - قالوا: ما تعلق بالحنث بالمستقبل تعلق بالماضي، أصله: وقوع الطلاق والعتاق. 31644 - قلنا: إذا قال: إن كنت دخلت الدار فامرأتي طالق. هذا الإيقاع من غير شرط، فوقع. وفي مسألتنا: لا يتعلق باليمين بالشرط، فسقط وبقي ذكر اسم الله تعالى لا على وجه اليمين، فلم لا يتعلق به كفارة، ولهذا المعنى وقع اللغو في هذا اليمين، ولم يقع في الطلاق والعتاق لغو عندنا. 31645 - ولأن تعليق الطلاق بأمر ماضٍ، لم يحنث. ولو وكل وكيلًا بالطلاق، تعلق الطلاق بأمر ماضٍ وقع الطلاق، ولو كان يمينًا لم يقع. 31646 - قالوا: يمين بالله تعالى مترددة بين الصدق والكذب، فيجب أن يكون الكذب؛ لأن الكذب ي الماضي، وفي المستقبل خلف الوعد. 31647 - وقولهم: فيجب أن يكون الكذب فيها حنثًا. 31648 - ليس بصحيح؛ لأن هذا تعليل لإثبات اسم، وأهل اللغة قالوا: إن الماضي كذب لا يسمى حنثًا. فلا يصح القياس لإثبات لغة أنكروها، والمعنى في المستقبل ما ذكرنا. 31649 - قالوا: كل يمين لو صح البقاء عليها، كانت يمينًا تتعلق بها الكفارة، وإن لم يصح البقاء عليه كقوله: لأقتلن فلانًا.

31650 - قلنا: لا نسلم أنه إذا قال: لأقتلن فلانًا. لا يصح البقاء عليها؛ لأنه تبقى جزء واحد من الوقت ثم يحنث، والمعنى في الأصل ما ذكرنا. 31651 - قال الشافعي: ليس في الغموس أكثر من المأثم، وذلك لا ينفي الكفارة كالظهار. 31652 - قلنا: ليس المانع من الكفارة المأثم، وإنما المانع عدم انعقاد اليمين. 31653 - قالوا: اليمين يقع على الماضي والمستقبل، فإذا كانت اليمين على المستقبل انقسمت إلى: ما تجب فيه الكفارة، وما لا تجب كذلك الماضي 31654 - قلنا: اليمين على المستقبل عندنا غير منقسم، بل الكفارة تتعلق بجميعها، كما أنها على الماضي لا تنقسم، فلا يتعلق بجميعها الكفارة. 31655 - قالوا: كل معنى إذا طرأ على عقد صحيح وأوجب الكفارة إذا قارنه، أوجب الكفارة كالوطء في الحج. 31656 - قلنا: لا فرق بين أن يوجد الوطء في الإحرام الصحيح أو الفاسد في إيجابه الكفارة، ويبطل بمن أحرم وعليه طيب لو طرأ الطيب على الإحرام أوجب الكفارة، وإذا قارن لم يوجب. والجماع إذا طرأ على الصوم، أوجب الكفارة، وإن طلع الفجر وهو يجامع ونزع لم يوجب الكفارة. والمعنى في الإحرام: أن الكفارة تتعلق بهتك حرمته، وهذا المعنى موجود ي المقارن والطارئ، [والكفارات في مسألتنا تتعلق بحل يمين منعقدة، وهذا لا يوجد في الحنث بالمقارن]. 31657 - قالوا: اليمين إذا طرأ عليها اليأس من فعل المحلوف حلها، فإذا قارنها لم يحل انعقادها كذلك المحالف. 31658 - قلنا: عندنا أن اليأس ما تناولته اليمين المقارن؛ لأنها تقضي إيجاد الفعل بعد اليمين، فما لم يوجد الوقت لا يتعلق باليأس حكم، كما لو قال: إن لم أصعد السماء غدًا. لم يحنث حتى يمضي الغد، وإن لم يقدم اليأس على مضيه. يبين ذلك: أن فوات وقت الوجوب، يوجب فوات الحج، فإذا أحرم قبل طلوع الفجر من الكوفة، فاليأس من الإدراك يتحقق ولا يصير حانثًا حتى يطلع الفجر.

مسألة 1561 قول الحالف أحلف أو أشهد

مسألة 1561 قول الحالف أحلف أو أشهد 31659 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا قال الحالف: أقسم أو أحلف أو أشهد، كان حالفًا. 31660 - وقال الشافعي رحمه الله: لا يكون حالفًا. 31661 - لنا: قوله تعالى: {إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون}. ولم يقل: أقسموا بالله. والاستثناء إنما يدخل في اليمين، {وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين}. وقال تعالى: {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله}. ثم قال: {اتخذوا أيمانهم جنة}. 31662 - فإن قيل: إن الله تعالى أخبر أنهم أقسموا ولم يبين المقسم، فيجوز أن يكون أقسموا بالله، وهذا كما نقول: شتمت فلانًا. فذلك على وجود الشتم، ولا يدل على اللفظ الذي شتم فيه. 31663 - قلنا: قوله تعالى: {إذ أقسموا} حكاية، فالظاهر أنهم قالوا: أقسمنا. وأنهم قالوا معنى ذلك غير الظاهر. 31664 - قالوا: روي أن الله تعالى لما عاتب آدم على الأكل من الشجرة قال: ما علمت أن أحدًا يقسم بك كاذبًا، فدل أن إبليس أقسم بالله. 31665 - قلنا: هو يقسم بالله تعالى وإن حذف اسمه من الكلام، فلا يكون فيما قالوه دلالة. 31666 - ويدل عليه ما روى عبد الرحمن بن صفوان جاء أبي النبي - صلى الله عليه وسلم -

ليبايعه على الهجرة، فمد - عليه السلام - يده فبايعه، وقال: (أبررت عمي، ولا هجرة بعد الفتح). 31667 - وقولهم: إن الراوي اختص اسم الله غير الظاهر. وروي أن أبا بكر فسر رؤيا، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أصبت بعضًا، وأخطأت بعضًا). وقال أبو بكر: أقسمت عليك يا رسول الله لتخبرني بالذي أخطأت. فقال - عليه السلام -: (لا تقسم يا أبا بكر). ولم يقل: أقسمت بالله. 31668 - ولأن قوله: (أقسم) حذف المفعول، قال أبو علي: هذا جائز، ويجوز القياس عليه، وإنه كثير في القرآن، قال تعالى: {ربنا إنى أسكنت من ذريتي}. تقديره: ذرية من ذريتي. فإذا كان كذلك، فذكر اسم الله تعالى وحذفه سواء. 31669 - ولأن القسم جملة تؤكد بها جملة، والحلف بغير الله تعالى لا يجوز، فيجوز حمل أمر المسلم على الصحة، وأنه أقسم بما أذن فيه ولم يقسم بما نهي عنه. 31670 - ولأن القسم يذكر تعظيمًا للمقسم به، وهذا التعظيم يجري مجرى العبادات، فلا يستحقه إلا الله تعالى، فصار ذلك معلق بالحسن حذفه. 31671 - احتجوا: بقوله تعالى: {والذين يرمون أزواجهم} الآية. واللعان يمين، فدل على أن اليمين يفتقر إلى ذكر اسم الله تعالى. 31672 - قلنا: اللعان شهادة مؤكدة باليمين، واليمين موضوعها أن يقع باسم الله تعالى، وقد يحذف الاسم اختصارًا؛ لأنه معلوم، وأمر الله تعالى بالأصل لا بالكلام وفيه احتمال، فأمر الله تعالى بذكر الاسم ليزول الاحتمال. 31673 - فإن قيل: هذا الاحتمال في الحالف موجود. 31674 - قلنا: إن أراد بقوله: أقسم بغير الله، لم يكن حالفا. 31675 - فإن قيل: فينبغي أن يكون الشاهد عند الحاكم حالفًا؛ لأنه قال: أشهد، ويجوز أن يكون المؤذن حالفًا؛ لأنه قال: أشهد. 31676 - قلنا: لا يمتنع أن تكون الشهادة مؤكدة بالقسم، ويكون الخبر في الأذان مؤكدا بالقسم.

31677 - قالوا: لفظ عري عن اسم الله تعالى، فوجب ألا يكون يمينًا تتعلق بها الكفارة، أصله: إذا قال: [أولي أو لا أبالي] لأفعلن كذا، وقال لرجل حلف: يميني مثل يمينك، أو: عقدت مثل ما عقدت. 31678 - قلنا: لا نسلم أن اللفظ عري عن الاسم إذا كان محذوفًا وفي الكلام دلالة عليه، ولو سلمنا أن اللفظ عري بمعنى أنه لم ينطق بالاسم لم يصح؛ لأن ما دل عليه الكلام من الحذف فحكمه حكم المذكور ولا يختلفان في المعنى. 31679 - فأما قوله: أولى. فهو يمين عندنا، والعرب تذكر ذلك حلفًا، قال الشاعر. أولي برب الراقصات إلى منى ومطارح الألوان حيث تنير 31680 - فإذا حذفوا الصفة أو الاسم فهو كقولهم: أقسم. وأما إذا قال: يميني مثل يمينك، أو عقدت ما عقدت، أو يميني في يمينك. فليس بيمين؛ لأنه لم يأت بشيء من الجملة. 31681 - وفي مسألة الخلاف جاء ببعض الجملة وحذف بعضها، فالمذكور فيها يدل على المحذوف، يبين ذلك: أنه إذا قال: أقسم بالله. كان يمينًا، فلو قال: أحلف على مثل يمينك. لم يكن حالفًا عندهم. 31682 - قالوا: فإذا قال لا أفعل كذا. هلا جعلتموه حالفًا؛ لأنه أتى بجواب القسم، فدل على القسم. 31683 - قلنا: لأن القسم جملة مؤكدة، والمؤكدة قد تخلو من التأكيد، فلم يكن في ذكر الجواب دلالة على القسم، والجملة التي هي القسم لا تخلو من القسم، ففي اللفظ دلالة عليه. 31684 - فإن قيل: اللام في قوله: لأفعلن. لا تكون إلا جواب القسم. 31685 - قلنا: وقد يكون جوابًا لغير القسم، قال الله تعالى: {لئن لم ينته لنسفعًا بالناصية}.

مسألة 1562 قوله وحق الله

مسألة 1562 قوله وحق الله 31686 - قال أبو يوسف، رحمه الله: إذا قال: وحق الله فهو يمين. وقال محمد رحمه الله. فليس ييمين. 31687 - [وقال الشافعي رحمه الله: هو يمين، نوى اليمين أو لم ينو، وان يرد اليمين فليس بيمين]. 31688 - لنا: ما روى عبادة بن الصامت قال: قلت: يا رسول الله، ما حق الله على عباده؟ قال: (أن لا يشركوا به شيئا ويعبدوه، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة). فأخبر أن حق الله العبادات، فصار كأنه حلف بالعبادات، فلا يكون حالفًا. 31689 - احتجوا: بأنها يمين معتادة بصفة مضافة إلى الله، فوجب أن تكون يمينًا قياسًا على قوله: وعظمة الله. 31690 - قلنا: قولكم: إنها يمين معتاد. 31691 - فلا نسلم ذلك في عادات السلف، قال الطحاوي: [قال مالك]- في قوله: وحق الله -: هذه يمين النساء والضعفاء من الرجال. 31692 - وقولهم: إنها بصفة مضافة إلى الله. 31693 - فليس كل صفة أضيفت إليه تعالى تكون يمينًا، إلا أن تكون من صفات ذاته، وحقه إذا كان بفعل الإنسان ما حلف، فليس هو من صفاته ذاته. ألا ترى أنه لا تصح الإشارة إلى غير الله تعالى فيقال: إنه من عظمته؟ يصح أن نشير إلى العبادات فتقول: إنها من حقوق الله تعالى.

31694 - قالوا: يمين بما يستحقه الله تعالى من صفات ذاته، فهو أكد من اليمين بصفة واحدة. 31695 - قلنا: لا نسلم هذا بل هو حلف بما يجب لله تعالى من الطاعات، وقد التزموا الحلف بأمانة الله. وقد ذكر الطحاوي هذه المسألة وقال: ليس بيمين؛ لأن الأمانة لا تكلف، قال الله تعالى: {إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال}. فقوله: وأمانة الله وحق الله سواء عندنا. 31696 - وقد ذكر ذلك الطحاوي بما روي بإسناده عن ابن بريدة عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من حلف بالأمانة فليس منا). 31697 - فإن قيل: إذا كان الحق من صفات الله تعالى، فهلا جعلتموه كأنه قال: والله الحق؟. 31698 - قلنا: الحق اسم من أسماء الله تعالى، فلو أراد ذلك لقال: والحق، فإذا قال: وحق الله، فقد ذكر حقًا مضافًا إلى الله، فلا يكون حلفًا كما لو قال: ورحمه الله، لم يكن حالفًا وإن كانت الرحمة من أسمائه تعالى.

مسألة 1563 قوله وعلم الله

مسألة 1563 قوله وعلم الله 31699 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا قال وعلم الله، فليس بيمين استحسانًا. 31700 - وقال الشافعي رحمه الله: هو يمين. 31701 - لنا: أنهم في العبادة يذكرون العلم ويريدون المعلوم، يقولون: اللهم اغفر لنا علمك. أي: معلومك، والحلف بمعلوم الله حلف بغيره. 31702 - فإن قيل: قد يذكرون القدرة ويريدون المقدور، فيقولون: لله تعالى في هذا قدرة، ويقولون لما يستعظمونه: انظر إلى قدرة الله. 31703 - قلنا: الأمر كما ذكرت إلا أن الموجود خرج بوجوده من أن يكون مقدورًا، فلا يجوز أن يريده بالحلف، وما لم يوجد فهو معدوم. وهم لا يحلفون بالمعدوم، فعلمنا أنهم حلفوا بالصفة التي هي صفة الذات. وليس كذلك العلم؛ لأنهم. يحلفون بالمعلوم الموجود وجوده لا يخرجه من أن يكون معلومًا، فحملت اليمين عليه، فلم تنعقد إن حلف بأن العلم صفة من صفات ذاته كالقدرة. 31704 - احتجوا: بالعلم الذي هو الصفة. 31705 - كان حالفًا كالقدرة، وإنما الخلاف إذا أرسل، فليس هناك ما يدل على التخصيص بالصفة. 31706 - فإن قيل: إذا كان القسم بغير الله تعالى لا يجوز، وإلا حملتموه على ما يصح الحلف به. 31707 - قلنا: لأنهم عرفوا في زمانهم عادة مجارية في استعمال هذه في المعلوم خاصة، فمنع العرب عندهم من حمل الكلام على ما يصح اليمين به.

مسألة 1564 قوله لعمر الله

مسألة 1564 قوله لعمر الله 31708 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا قال: لعمر الله، كان يمينًا، وإن نوى غير اليمين، لم يكن يمينًا. 31709 - وقال الشافعي رحمهم الله: إن نوى اليمين كان يمينًا. ومن أصحاب الشافعي من قال: ليس بيمين، إلا أن ينوي به اليمين. 31710 - لنا: أنه من ألفاظ القسم، قال الله تعالى: {لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون}. 31711 - فإن قيل: إن الله تعالى يقسم بما ليس بمقسم به، كقسمه يخلقه. 31712 - قلنا: نحن استدللنا بأن هذا اللفظ قسم، ولم يعتبر المقسم لكل شيء أقسم الله به، وإن لم يصح به فإنه بحرف قسم كقوله تعالى: {والضحى والليل إذا سجى}. هذا قسم بما لا نقسم به، لكنه دل على أن الواو من ألفاظ القسم. 31713 - ولأن عادة العرب جرت بالقسم بهذه الألفاظ، وهو كثير في أشعارهم، قال الشاعر: لعمرك ما تدري الطوارق بالحصى ولا زاجرات الطير ما الله صانع. 31714 - وقال جرير: لعمر الغواني ما جرى صبياتي بهن ولا يختبر حول القصائد 31715 - وقال آخر: لعمرك ما يدرى الفتى كيف ينفي نوائب هذا الدهر أم كيف يحذر

31716 - ولأن الغمر هو البقاء، وذلك من صفات ذاته تعالى، فصار قولهم: وعمر الله، كقولهم: وبقاء الله. 31717 - فأما قولهم: إذا لم رد بذلك اليمين، لم يكن يمينًا. 31718 - فليس بصحيح؛ لأنه لا احتمال في اللفظ بغير اليمين، والنية إنما تعمل في اللفظ المحتمل.

مسألة 1565 قوله أقسم بالله

مسألة 1565 قوله أقسم بالله 31719 - قال أصحابنا رحمهم الله: إذا قال: اقسم بالله، فهو حالف. 31720 - وقال الشافعي رحمهم الله: إن أراد: أني أقسم في المستقبل، فليس بحالف، وكذلك إن قال: أقسمت بالله، وقال: إني كنت أقسمت في الماضي، صدق. 31721 - وهذا التفصيل لم يذكره أصحابنا، فيجوز أن يقال: إن الحلف في قوله: أقسم للحال والاستقبال، وإن كانت في الحال أظهر، فإذا قال: أردت الاستقبال. فقد نوى ما يحتمله كلامه، والكفارة معنى يلزمه فيما بينه وبين الله تعالى، فيصدق في ذلك. 31722 - وقد قال الشافعي: فيمن قال: أقسم لا الحال وقد أردت الاستقبال، كان موليًا ولم يصدق؛ لأن الإيلاء يتعلق به حق الزوجة. وهذا يدل على أنه جمل ظاهر اللفظ للحال، فصدقه فيما بينه وبين الله تعالى في ترك الظاهر، ولم يصدقه في الإيلاء في حق الزوجة، كقوله: أنت طالق. إذا قال: أردت طلاقًا من وثاق، صدق فيما بينه وبين الله تعالى ولم يصدق في القضاء.

مسألة 1566 الحلف بأن يكون يهوديا أو نصرانيا

مسألة 1566 الحلف بأن يكون يهوديًا أو نصرانيًا 31723 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا قال: هو يهودي أو نصراني أو مجوسي أو برء من الله إن فعل كذا، ثم حنث، فعليه كفارة يمين. 31724 - وقال الشافعي رحمهم الله: لا تجب به الكفارة. 31725 - لنا: ما روى ابن سيرين عن أي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد، ولا تحلفوا إلا بالله). فقال - صلى الله عليه وسلم -: (من حلف بملة غير ملة الإسلام، فهو كما قال). سماه حالفًا، وقد قال الله تعالى: (ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم). فإذا ثبت الاسم، فقد ثبت الخبر بالآية. 31726 - قالوا: الخبر يقتضي أن يكون الحلف باللفظ الموضوع لليمين وهو قوله: واليهودية. 31727 - قلنا: الخبر يقتضي هذا ويدل على أن الحالف بغير الله حالف. 31728 - ولأن الحلف عبارة عن تأكيد جملة بجملة أخرى استعظاما لها، وذلك موجود فيمن قال: إن فعل كذا فهو يهودي. ومن قال: واليهودي لا أفعل. فوجب حمل اللفظ على عمومه.

31729 - ويدل عليه ما روى الزهري عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن رجل قال: هو يهودي أو نصراني أو مجوسي أو برء من الإسلام في اليمين عليها فيحنث، فقال: وعليه كفارة يمين). [وكره إلا يهودي]. 31730 - وعن ابن عباس: أنه سئل عمن حلف باليهودية والنصرانية فقال: هي يمين يكفرها. 31731 - ولأنه علق المنع بما لا يجوز استباحته عن التأبيد لحق الله تعالى خالصًا، فصار كالحلف باسم الله. 31732 - ولأن الكفر محرم لحق الله تعالى على التأييد، فوجب أن يكون على الحالف الكفارة كالمحالفة في اسم الله تعالى إذا حلف به. ولا يلزم الحالف بالنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن حرمته معتبرة لحق الله ولحقه، فلا يخلص لله تعالى. [ولا يلزم الحالف بالقرآن والكعبة؛ لأنه يدلل ني نفسه وهو ممنوع من نقل في الله تعالى] لحق الله تعالى وله في نفسه. 31733 - فإن قيل: إذا حلف بشرب الخمر والزنى. 31734 - قلنا: شرب الخمر كان مباحًا، وهو غير مباح إلا عند الضرورة، فحرمته غير متأبدة. وأما الزنا فلا يقال: إنه محرم على التأييد؛ لأن الشرع كان يجوز أن يرد بإباحته. 31735 - فإن قيل: فالكفر يجوز استباحته عند الضرورة. 31736 - قلنا: إنما يباح عند الضرورة إظهار كلمة الكفر وهو يقصد غيره، فأما الكفر: فلا يباح للضرورة ولا غيرها.

31737 - فإن قيل: اليهودية والنصرانية لم تحرم على التأييد، ولأنها شريعة موسى وعيسى - عليه السلام -. 31738 - قلنا: الخلاف لا يتعين في هذا؛ لأنه لو قال: هو بريء من الله تعالى، أو عابد وثن. لم يكن حالفًا عندهم، وانه لم يجز استباحة هذا المعنى بحال. وأما اليهودية اليوم متضمنة لتكذيب النبي - صلى الله عليه وسلم - والرد عليه، ولهذا لم يبح في شريعة موسى 31739 - فإن قيل: هتك حرمة اسم الله تعالى [مباح في الشريعة ...] لم يتكلف كلامه؛ لأنه كفانا مؤنته بظهور غلطه. وإنما تجتمع حرمتان لله تعالى فترجح إحدى الحرمتين على الأخرى، وأما أن يباح هتك الحرمة فلا. 31740 - ولأن اليمين على ضربين: يمين هي قسم، ويمين هي شرط وجزاء. فإذا كان في أحد النوعين ما ينعقد يمينًا من غير إيجاب فيه، ويجب بمقتضاه الكفارة، كذلك الآخر. ولا يمكن القول بموجبه في النذر المعلق بشرط؛ لأن هناك أوجب على نفسه قربة، ولا معنى يؤثر في القربة فيختلف في كونه يمينًا، فجاز أن يجب بمقتضاه كفارة يمين كقوله: أنت علي حرام. 31741 - ولأنه إذا قال: إن فعلت كذا، فأنا كافر. فهذه كناية عن يمين؛ لأنه امتنع فيما حلف عليه وحرمه على نفسه كحرمة الكفر؛ لأن كل ما يصير به كافرا حرام، فكأنه قال: هذا الشيء علي حرام. وقد ثبت من أصولنا أن من حرم حلالًا ثم انه استباحه فعليه كفارة يمين، فلا يعتبر في هذه الكناية يمين؛ لأن العرف قد يجري بالحلف بها، فصار جريان العرف كالنية. 31742 - احتجوا: بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد، ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا بذلك إلا وأنتم صادقون). والصدق والكذب يكون في يمين الماضي، وعندنا يمين الماضي، لا ينعقد. 31743 - احتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (من حلف بملة غير ملة الإسلام، فإن كان صادقًا؛ فهو كما قال، وإن كان كاذبًا؛ لم يعد إليه سالماً).

31744 - قلنا: هذا في يمين الماضي التي يدخلها الصدق والكذب؛ لأنه لا يمتنع أن يبين بعض الأحكام ويمسك عن بعض ذلك إذا لم يكن ذلك عند سؤال سائل. 31745 - احتجوا: بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (من حلف بملة غير ملة الإسلام، فكفارته أن يقول: لا إله إلا الله). 31746 - قلنا: سماه حالفًا، وعندكم إذا حلف بغير الله فليس بحالف. 31747 - ولأنه جعل كلمة الإخلاص كفارة)، وهذا إنما يكون فيمن كفر بالحلف وقال: واليهودية لا أفعل كذا. فيصير معظمًا لها بتكفير وكفارة هذا القول الإخلاص. فأما إذا قال: لئن فعلت كذا، فأنا يهودي؛ فإنه لا يكفر بالإخلاص باتفاق، فلم يتناوله الخبر. 31748 - قالوا: ليس بمحدث أو بمحلوف، فصار كقوله: إن فعلت هذا، فأنا زانٍ أو شارب خمر أو فاسق. 31749 - قلنا: يبطل إذا قال: إن فعلت هذا، فعلي نذر. 31750 - ولأن المحدث والقديم يفترقان، فإن كانت الكفارة تجب لحرمة المحلوف به. وفي مسألتنا تجب الكفارة؛ لأنه حرم على نفسه حلالًا، فصار كقوله لزوجته: أنت علي حرام. أن الكفارة تجب باتفاق، وتجب الكفارة عندنا في تحريم كل مباح. 31751 - ولأن اليمين بالقديم سبحانه إنما وجبت الكفارة فيها بالهتك المتأكد، وهذا الهتك موجود في مسألتنا، إذ تحريم كل واحد من الهتكين لحق الله تعالى خالصًا. والمعنى فيما قاسوا عليه لم يتأبد؛ لأن الشرع كان يجوز أن في د بإباحة بعضه، والكفر متأكد الحرمة كتأكيد حرمة اسم الله تعالى. أو نقول: إن هذه المعاني المعصية فيها متعلقة بالفعل لا بالقول، فلذلك لم يجز أن يكون بها حالفًا. وفي مسألتنا المعصية فيها تتعلق بالقولء فجاز أن تجب الكفارة بالمحلف بها. 31752 - قالوا: يمين بغير الله كما ذكروا. 31753 - قلنا: لا يمتنع أن تجب الكفارة بغير الله تعالى كالحرام والنذر. 31754 - ولأن تحريم ما حلف به إذا كان مآله لحق الله تعالى خالصًا، فكأنه

يحلف به تعالى. 31755 - قالوا: فعل ما وصف نفسه علة لفعله كالمعصية، فصار كقوله: هو زان. 31756 - قلنا: المعصية في الزنى لا تتعلق بالوصف دون الفعل، فلم يكن فيه معنى اليمين، [والمعصية في الكفر تتعلق بنفس القول، فجاز أن تتعلق بالقول. 31757 - قالوا: يمين بغير اسم الله وبغير صفة من صفاته. 31758 - قلنا: عندكم لو قال: هو بريء من الله. لم يكن حالفًا]، فلا تأثير لهذا الوصف. 31759 - ولأن الكفارة في اليمين لا تجب لذكر الاسم، ولهذا لم تجب قبل الحنث، وإنما تجب لهتك حرمة الاسم بالحنث، وهتك الحرمة موجود في مسألتنا على ما بينا.

مسألة 1567 يمين الكافر

مسألة 1567 يمين الكافر 31760 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: يمين الكافر لغو لا تنعقد بيمينه، وان حلف بها حالة الكفر أو بعد إسلامه لم تجب عليه الكفارة. وقال الشافعي رحمهم الله: تنعقد يمينه، فإن حنث حال كفره تحفر بالعتق أو الكسوة أو الطعام دون الصوم، وإن حنث بعد إسلامه تحفر بالصوم إن لم يقدر على غيره. 31761 - لنا: قوله تعالى: {فقاتلوا أئمة الكفر إنهم ل أيمان لهم}. وأيمان جمع: يمين، وهذا ينفي انعقاد اليمين منهم. 31762 - فإن قيل: معناه: إنهم لا يدينون بها، كما يقال: فلان لا دين له، بمعنى: لا يحافظ عليه. والدليل على ذلك أنه قال: {ألا تقاتلون قومًا تكثوا أيمنهم}. 31763 - قلنا: ظاهر النفي يقتضي منع الانعقاد. 31764 - وقوله: {وإن نكثوا أيمانهم}. تعيير لهم بترك الوفاء بما قرروه وأكدوه بالحلف، والأيمان قد يعير بالحلف وإن لم يلزمه به حكم شرعي. ويدل عليه ما روى سماك بن حرب عن زيد بن حارثة أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: انطلق بنا إلى فلانة لنخطبها لك. فانطلق - عليه السلام - معه فخطبها، فقالت: لم في عاهدت زوجي إن مات قبلي ألا أتزوج أبدًا، وعاهدني [إن مت قبله] على مثل ذلك. فقال - صلى الله عليه وسلم -: (إن كان ني الجاهلية فأرفضيه عنك، وان كان ني الإسلام ففي بعهدك). وتفريقه بين الأمرين يدل على أن يمين الكافر لا تنعقد.

31765 - ولأن الكافر لا تصح منه الواجبات الشرعية التي لا تقف صحتها وقوعها قربة، فلم تنعقد يمينه كالصبي والمجنون. ولا يلزم عليه الإيمان؛ لأن وجوبه معلوم بالعقل لا بالشرع، ولأنه لا يصح منه التكفير بالصوم ولا هو أهل ذلك لا لمعنى في الوقت، فوجب ألا تنعقد يمينه، دليله: الصبي والمجنون. ولا يلزم الغني؛ لأن التفكير بالصوم يصح منه في كفارة الأذى. ولا يلزم الحائض؛ لأنها من أهل الصوم، وإن يصح منها. ولا يلزم إذا كان ي رمضان أو ي يوم الفطر أو الأضحى؛ لأن هناك لا يصح منه التكفير بالصوم لأجل الوقت ولأن الصبي يصح منه التقرب بالنوافل، وان لم تصح منه الفرائض، والكافر لا يصح منه النفل ولا الفرض، وإذا لم ينعقد يمين الصبي، فيمين الكافر أولى. 31766 - فإن قيل: المعنى في الصبي عدم التكلف، وهذا المعنى لا يوجد في الكافر. 31767 - قلنا: عدم التكفير وعدم الإسلام قد أجريا مجرى واحدًا في المنع من فعل الواجبات الشرعية، كذلك يتساويان في منع انعقاد اليمين. ولأنه عقد يقف على اسم الله تعالى أو ما هو في معناه، فوجب ألا ينعقد من الكافر كالصلاة. ولا يلزم الإيلاء؛ لأنها تنعقد عقد اليمين بالطلاق والعتاق وإيجاب الصفة والتأمل. 31768 - على أن كفارة اليمين لا تصح منه؛ لأن موضوعها للتغطية والتكفير، وهذا المعنى لا يصح من الكافر. وقد ألزم مخالفونا الكافر إذا أتلف صيد الحرم، وزعموا أنا نقول: يجب عليه الجزاء. وهذا غلط، ولا جزاء على الكافر ني إتلاف الصيد. 31769 - قالوا: المعنى في الصلاة والصوم أنه لو تطوع في ذلك لم يصح، والعتق والإطعام لو تطوع بهما صح. 31770 - قلنا: لا لو تطوع بصدقة شاة أو خمس دراهم جاز، ولا يدل ذلك على وجوب الزكاة عليه. 31771 - ولأن العتق أحد أنواع التكفير، فلا يصح من الكافر كالصوم. 31772 - فإن قيل: لا يمتنع أن يصح التكفير منه بالصوم ويصح بغيره، بدليل أن الغني لا يصح منه التكفير بالصوم ولا يصح بغيره. 31773 - قلنا: إن الغني يصح منه التكفير بالصوم إذا تعد عن ماله، وصح منه

التفكير بالصوم في كفارة الأذى، أما العبد: فلا يقدر على غير الصوم؛ لأنه لا ملك له، ولو تصور ملكه يصح منه فهو كالفقير. فإذا ثبت هذا قلنا: من لو حنث عقيب يمينه، لم تلزمه كفارة، فإذا حلف في حالة ثانية لم تلزمه كفارة كالصبي والمجنون. ولم ذا ثبت هذا قلنا: كل من حنث عقيب يمينه لم تلزمه كفارة إذا حنث باسم الله تعالى أو بما في معناه لم ينعقد كيمين الصبي واليمين مع الاستثناء. ولا يلزم اليمين بالطلاق والعتاق؛ لأن ذلك لا يختص باسم الله تعالى ولا بما في معناه. 31764 - احتجوا: بقوله تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} وهو عام في الكافر والمسلم. 31765 - قلنا: بل خاص في المسلمين، بدلالة أنه رتبه على قوله: {يا أيها الذين أمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} ثم قال {فكفارته} والكفارة هي التغطية وذلك لا يجتمع مع الكفر، ثم نقله إلى الصيام عند عدم ما سواه. والكافر غير مخاطب بالصيام، وإن وجد شرطه وهو عدم ما سواه. 31776 - فإن قيل: فصح منه الصوم إذا قدم الإسلام، كما يصح من الجنب الصلاة إذا اغتسل. 31777 - قلنا: الآية يقتضي من يصح منه الصوم بشرط واحد وهو عدم ما سواه، والكافر غير مخاطب بالصيام، وإن وجد شرطه وهو عدم ما سواه، فصح منه الصوم بشرط واحد وهو عدم ما سواه من أنواع الكفارات، والكافر لا يصح منه الصوم بهذا الشرط. 31778 - قالوا: روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من حلف على يمين فرأي غيرها خيرًا منها، فليأت الذي هو خير، وليكفر عن يمينه). 31779 - قلنا: قوله: (فليأت الذي هو خير خير). يخص المسلم لا الكافر؛ لأنه لا يكون منه الخير. 31780 - وقوله: (وليكنوا). يتناول من وجه في حقه التغطية والتكفير، وذلك لا يكون في الكافر. 31780 - ولأن قوله: (وليكفر عن يمينه). يتناول الكفارة المعروفة في الشريعة، والكافر لا يخاطب بأنواع التكفير.

31782 - قالوا: روي أن عمر بن الخطاب قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إني نذرت أن أعتكف يومًا في الجاهلية. قال - صلى الله عليه وسلم -: (أوف بنذرك). قالوا: وما يمنع النذر لا يمنع اليمين؟. 31873 - قلنا: قد أجمعنا أن نذر الكافر غير لازم، وان اختلف في يمينه، فإما أن يكون نذر في الجاهلية بعد إسلامه، أو يكون أمره بالوفاء على وجه الاستحباب. 31784 - وقد عارض هذا ما روي أن قيس بن عاصم قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إني نذرت نذرًا في الجاهلية. فقال - صلى الله عليه وسلم - الإسلام: (الإسلام يجب ما قبله). والنذر ضربان: نذر معين يلزم الوفاء به، ونذر مطلق فتجب الكفارة فيه. ولم يستفصل - صلى الله عليه وسلم -، فظاهر الخبر يقتضي سقوطها، وذلك دليل على مخالفنا. 31785 - قالوا: من يستحلف في الدعاوي بالله عز وجل، وجب أن تصح يمينه في غيرها، أصله: المسلم. 31786 - قلنا: اليمين في الحقوق تقع على الماضي، وتلك يمين غير منعقدة، والخلاف في انعقاد يمين الكافر، فلم يجز أن يستدل على انعقادها باستحلافه يمينًا لا تنعقد. والمعنى ني المسلم: أنه من أهل التكفير بالصوم، فانعقدت يمينه، والكافر لا يصح منه التكفير بالصوم ولا هو من أهله، فلا تنعقد يمينه. 31787 - قالوا: من صح يمينه بالطلاق والعتاق يقتضي إزالة ملك، والكافر والمسلم يتساويان في إزالة الملك، فساواه في اليمين المفضية إلى ذلك. 31788 - قلنا: اليمين بالله تعالى تفضي إلى وجوب عبادة، والكافر لا يساوي المسلم في العبادات. والمعنى في المسألة: أنه يصح أن نوجب مثل مقتضى اليمين بالنذر فانعقدت يمينه المفضية إلى ذلك، والكافر لا يصح منه إيجاب مثل مقتضى اليمين بالنذر، فلم تنعقد يمينه. 31789 - قالوا: وجود الحلف بالله تعالى، والمحالفة مع القصد والاختيار من مكلف توجب الكفارة، أصله المسلم. [قلنا: اليمين] هو إلزام حرمة اسم الله تعالى، والكافر ليس هو من أهل

إلزام حقوق الله تعالى بدلالة العبادات، والكفارة موضوعة في حق المسلم للتكفير والتغطية، وهذا المعنى لا يوجد مع الكفر. 31790 - ولأن الكفارة إذا كانت قربة تلزم الحالف بسبب فعله، حلت محل نذره، والكافر والمسلم يختلفان في النذر، وكذلك في الكفارة. 31791 - قالوا: يصح إيلاؤه إذا حلف بالله، فصحت يمينه كالمسلم، يبين هذا أن إيلاءه بالطلاق والعتاق لما صح، صحت نيته بهما في غير الإيلاء. 31792 - ولأن المولي هو الذي لا يصل إلى الوطء إلا بمعنى يلزمه، فلو كان الكافر إذا وطئ لا يلزمه شيء لم يكن موليًا، كمن قال: لا أقربك سنة إلا يومًا. 31793 - قلنا: الإيلاء عقد لا يختص باسم الله تعالى، فتساويا فيه، واليمين عقد يختص باسم الله أو بما فيه معناه، فاختلفا في انعقاده كالصلاة. 31794 - ولأن الإيلاء يتعلق به حق الآدمي، [والكافر فيما يعود إلى حقوق الآدميين] كالمسلم، واليمين يتعلق بها حق الله تعالى خاصة، والكافر مخالف في ذلك لم ذا لم تكن عقوبة كالصلاة والصوم. فأما قولهم: إنه لو لم يلزمه بالوطء كفارة لم ينعقد الإيلاء؟ فغلط؛ لأن وجوب الكفارة على المسلم إذا وطئ في مدة الإيلاء مختلف فيه، وإيلاؤه مجمع على صحته، فلا تجوز الحكم بالمتفق عليه معللًا بعلة مختلف فيها. 31795 - قالوا: لو لم ينعقد بيمينه، لم يكن لاستحلافه في الحقوق معنى. 31796 - قلنا: اليمين التي يستحلف بها الحاكم غير منعقدة عندنا؛ لأنها غموس. فكيف يستدل بثبوتها على الانعقاد؟. 31797 - ولأن الكافر يستعظم اليمين، والغرض من اليمين أن تستعظم. 31798 - ولأنه لا يحلف كاذبًا، فالفرض بها حاصل. 31799 - ولأن الحاكم يضطر إليها في الدعاوى؛ لأنه لا سبيل له إلى القطع في الخصومة، إلا بها ولا ضرورة بنا إلى الانعقاد والتكفير.

مسألة 1568 تقديم كفارة اليمين على الحنث

مسألة 1568 تقديم كفارة اليمين على الحنث 31800 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: لا يجوز تقديم كفارة اليمين على الحنث. 31801 - وقال الشافعي رحمه الله: يجوز تقديم العتق والكسوة والإطعام، ولا يجوز تقديم الصوم، وإذا كانت اليمين على معصية، ففي تقديم الكفارة وجهان. 31802 - لنا: أن الكفارة موضوعها للعظمة، و. يوجد باليمين معنى يحتاج إلى تغطية يختص باليمين، فلم يكن التعجيل كفارة، فلا تنوب عن الكفارة. 31803 - فإن قيل: الكفارة تجب على الخاطئ ومن ندب إلى الحنث. 31804 - قلنا: موضوع التكفير ما ذكرنا، ران جاز أن يتبع ذلك ما ليس في معناه. 31805 - فإن قيل: كفارة الظهار تجب بعد الظهار بفعل يحدثه المظاهر وهو العود، وان كان الظهار سبب الكفارة. 31806 - قلنا: الظهار عندنا علة الحفارة والعود شرطها؛ لأن الكفارة تجب عند العود بالظهار سببًا فلا. ولأنه ليس بسبب في بعض الأنواع وهو الصوم، فلا يكون سببًا في بقية الأنواع كالبلوغ. ولأن اليمين عقد يقف وجوب الكفارة بعده على فعل يحدثه العاقد، فلا يكون العقد سببًا كعقد الإحرام. 31807 - احتجوا: بحديث الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (يا عبد الرحمن بن سمرة، إذا حلفت على يمين، فرأيت غيرها خيًرا منها) فأت الذي هو خير وكفر كن يمينك). وروي أنه قال: (يا عبد الرحمن بن سمرة). وذكر معناه، إلا أنه قال: (فكفر عن يمينك، ثم ائت الذي هو خير). واللفظ الأول يدل

على أنه مخير في تقديم أيهما شاء؛ لأن (الواو) للجمع. واللفظ الثاني صريح في تقديم الكفارة؛ لأن (ثم) للترتيب. 31808 - قال أبو داود: في أحاديث أبي موسى الأشعري وعدي بن حاتم وأبي هريرة اللفظان جميعًا، وأكثر ما قالوا: (فليكفر عن يمينه، وليأت الذي هو خير). قال أبو داود: واختلف على كل من رواه. 31809 - الجواب: أن الرواي واحد، وقد روي اللفظان، وأصل الخبر أحدهما، فوجب التوقف حتى يعلم أصل الخبر. ولأنه قال: (فليكفر) والكفارة هي التغطية، ولم يوجد معنى يصح أن يكون الكفارة تغطية له. ولأن قوله: (فليكفر). أمر، فظاهر الأمر الوجوب، والكفارات لا تجب إلا بعد الخث، فعلم أن الخبر: (فليأت الذي فو خير ثم يكفر). ولأن الكفارة اسم للأنواع الأربعة، ولا يمكن حمل اللفظ على جميعها إلا أن يكون بعد الحنث، فأما إذا كان قبله احتاج مخالفنا إلى تخصيص اللفظ. ولأنه تارك للظاهر من ثلاثة أوجه: أحدها: بسبب الكفارة، وليس هناك ما يكفر. والثاني: صرف الأمر عن الوجوب إلى الجواز. والثالث: تخصيص التكفير ببعض الأنواع. وإذا حملنا الخبر على تقديم الحنث استعملنا الظاهر الثلاث، وحملنا قوله: (وليكفر عن يمينه، وليأت الذي هو خير). على التقديم والتأخير؛ لأنه معلوم أن الكفارة لا تجب إلا بالحنث، وهذا كقوله في المحرم: (إذا لم يجد النعلين، فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين). والقطع مقدم في المعنى وان أخره في اللفظ؛ لأنه مفهوم. فأما الذي روى: (فليكفر عن يمينه، ثم ليأت الذي هو خير). فقد روى: (فليأت الذي هو خير، ثم ليكفر عن يمينه). وهذا هو الأصل؛ لأن (ثم) لوجوب

التراخي، ولا نقول له: إن تأخير الحنث واجب. ولأن (ثم) قد تكون بمعنى (الواو)، وقال الله تعالى: (فك رقبة). ثم قال: {ثم كان من الذين أمنوا}. والإيمان من حكمه أن يتقدم هذه الأفعال، وقال: و (استغفروا ربكم ثم توبوا إليه). والاستغفار إنما يكون بعد التوبة. 31810 - احتجوا: بقوله تعالى: (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان).وقال: {ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم}. 31811 - قلنا: الآية فيها بيان الكفارة، وليس فيها بيان الخلاف في الوقت، وهذا كما لو قال: كفارة الآدمي كذا. لم يدل ذلك على وقف الوجوب، ولا على المعنى الذي به وجب. ولأن الكفارة تجب بالحلف باتفاق، بدلالة أن من حلف وبر لم تلزمه الكفارة، وإنما تجب إذا حنث، فصار تقدير الآية: ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم وحنثتم. ولم يذكر الحنث؛ لأنه معلوم أن الكفارة لا تجب إلا به، وهذا كقوله تعالى: {فمن كان منكم مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر}. وتقديره: فأفطر فعدته. وسكت عن الفطر؛ لأنه معلوم، وكذلك قوله: {قمن كان منكم مريضًا أو به أذى من رأسه ففدية}. تقديره: فحلق ففدية. يبين ذلك: أن الكفارة تتناول الأنواع، وأجمعوا أن الحنث مشروط في الصوم كذلك في بقية الأنواع. 31812 - قالوا: حق مال يجب بسببين يختصان بهء فجاز تقديمه على أحدهما، أصله: الزكاة. 31813 - قلنا: لا نسلم أن الزكاة تجب بسببين يختصان بها؛ لأن المال سبب وجوب الزكاة ونفقة ذوي الأرحام والحج، وكذلك الحول سبب في استحقاق الجزية والدية على العاقلة. فإن أسقطوا ذكر الاختصاص، فالزكاة تتعلق بأسباب منها البلوغ والعقل والإسلام وعام الملك وعدم الدين. 31814 - فإن قالوا: الجزية لا تجب بالحول، وإنما تجب بالمساكنة، والدية تجب بالقتل، والحول يطلب للحلول.

31815 - قلنا: وكذلك نقول: إن الزكاة تجب بوجود المال والحول لتكامل النماء، ثم الزكاة تجب بوجود المال، وحلول الحول شرط، فإذا وجد الحول وجبت الزكاة لأجل المال، والمال موجود قبل الحول، فجاز إخراج الزكاة. والكفارة تتعلق بالحنث، واليمين شرط، بدلالة أنها لا تجب قط باليمين، وإن وجد الحنث وجبت ولا يمين، فلم يجز أن تؤدى قبل الحنث. ولو سلمنا أن الحول والنصاب سببان، فلا يجوز أن يجتمعا، ولما لم يجتمع اليمين والحنث لم يكونا سببين. 31816 - قالوا: انعقدت يمينه بالله، فجاز أن يكفر بالمال، أصله: بعد الحنث. 31817 - قلنا: بعد الحنث وجدنا يفتقر إليه التكفير، فجاز التكفير، وقبله لم يوجد ما يحتاج إلى التكفير، فلم يجز التفكير كما قبل اليمين. والمعنى فيما عد الحنث، أنها حالة التكفير بالصوم، فلم تكن حالة للتكفير بالعتق. 31818 - قالوا: كفارة بالعتق، فجاز تقديمها على حال وجوبها ككفارة القتل وكفارة الصيد. 31819 - قلنا: تخصيص العتق لا يتقدم على وجوبها. والمعنى في كفارة العين: أنها تتعلق بالجرح بشرط الموت؛ لأن الجرح فعله والموت ليس من فعله، فإذا وجد الجرح، وجد ما يتعلق الوجوب به. 31820 - وفي مسألتنا الكفارة لا تجب باليمين، بدلالة إذا بر فيها، وإنما تجب بالحنث ولم يوجد. 31821 - قالوا: حالة تجوز فيها كفارة اليمين كما بعد الوجوب. 31822 - قلنا: الحالة التي يجوز فيها كفارة القتل، وهي الحالة اتي وجدت ~ الوجوب، مثل تلك الحالة التي ني اليمين لا توجد الا بعد الحنث. 31823 - قالوا: الدليل على اليمين سبب قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها، فليأت الذي هو خير، وليكفر عن يمينه). فعلق الكفارة بهما على وجه واحد. 31824 - قلنا: ليس إذا تعلق الوجوب بهما كانا سببين، بل يجوز أن يكون أحدهما شرطًا، وعندنا اليمين شرط في تعلق الإمارة بالحنث وليس بسبب. 31825 - قالوا: الكفارة حكم يتعلق بالحنث، فوجب أن يتعلق باليمين، أصله: إذا قال: إذا دخلت الدار فامرأتي طالق. والدليل على أن اليمين سبب أن الشهود إذا رجعوا، ضمن شهود اليمين دون شهود الشرط.

31826 - قلنا: عندنا اليمين بالطلاق علة وقع الطلاق والدخول شرط بدلالة أن الطلاق يقع عند وجود الشرط باليمين، فشهود اليمين حصل في شهادتهم إيجاب الإتلاف، فلذلك ضمنوا. 31827 - قالوا: أجمعوا على إضافة هذه الكفارة إلى اليمين، فقالوا: كفارة اليمين. وهذه الإضافة متفق عليها لاختلاف بينهم فيها، فدل هذا على أن اليمين سببها. 31828 - قالوا: زكاة الفطر، وزكاة المال، وكفارة الظهار، وكفارة القتل. 31829 - قنا: الإضافة لا تدل على أن المضاف إليه سبب؛ لأنه يضاف إلى السبب ويضاف إلى الشرط، وقد يضاف إلى صفة في الوقوع فيقال: طلاق السنة وطلاق البدعة، وإن لم تكن السنة سببًا ولا شرطًا، ويبطل ما لو قالوه كفارات الحج وكفارة الأداء يضاف الكفارة إلى الحج وإلى الأداء، وليس ذلك بسبب. 31830 - وقولهم: لم يجمع عل هذه التسمية؛ لأن منهم من يقول: كفارة الأذى، وقومًا يقولون: كفارة الحلق. 31831 - قلنا: هذا غلط؛ لأنهم إذا أرادوا الإجمال قالوا: كفارة الأداء. فإذا فصلوا قالوا: كفارة الحلق وكفارة اللبس. ثم هذا غلط؛ لأنهم جعلوا الإضافة دليلًا فلما ناقضناهم، قالوا: لم نجمع على الإضافة، فلو كانت الإضافة دليلًا لم نختلف بالإجماع والاختلاف، ثم الكفارة بالصوم تضاف إلى اليمين كما يضاف التكفير بالعتق، ولم تدل الإضافة على أن اليمين سبب في الصوم. 31832 - فإن قالوا: قولهم: كفارة الأداء. فيه حذف وتقديره: فدية إزالة الأذى. 31833 - قلنا: وكذلك نقول: في كفارة اليمين حذف وتقديره: كفارة الحنث في اليمين. 31834 - قالوا: الإحرام طاعة وعبادة، ولا يجوز أن تكون الطاعة سببًا لوجوب الكفارة، وإنما سبب لتحريم الأفعال الموجبة للكفارة، واليمين لا يحرم الحنث فكان سببًا. 31835 - قلنا: الإحرام يمنع أسباب التكفير، واليمين تعقد للوفاء والمنع من الحنث، فكما لا يكون الإحرام سببًا كذلك اليمين.

مسألة 1569 تفريق صوم كفارة اليمين

مسألة 1569 تفريق صوم كفارة اليمين 31836 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: تفريق صوم كفارة اليمين لا يجوز ويجب أن يصوم متتابعًا. 31837 - وقال الشافعي رحمهم الله: إن شاء تابع، وإن شاء فرق. 31838 - لنا: قوله تعالى: {فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام}. وإطلاق الأمر يقتضي الفور عندنا، والفور تتابع. 31839 - فإن قيل: صوم رمضان يجب على الفور وليس بمتتابع؛ لأنه لو أفطر فيه لم يلزمه استئنافه. 31840 - قلنا: التتابع إنما يجب في صوم لا يتعلق بزمان معين، وصوم رمضان يقع في زمان معين، فلذلك لم يجب التتابع فيه وان كان على الفور. ولأنه روي في قراءة ابن مسعود وأبي بن كعب: (فصيام ثلاثة أيام متتابعات). وهذه التلاوة منسوخة، إلا أن نسخ التلاوة لا يوجب نسخ حكمها. 31841 - فإن قيل: هذا زيادة في القرآن بخبر الواحد. 31842 - قلنا: قراءة ابن مسعود نقلت إلى زمن أي حنيفة بطرق الاستفاضة، وقد كان سعيد بن جير يصلي في مسجد الكوفة فيقرأ ليلة بقراءة أبي وليلة بقراءة عبد الله. ومتى نقلت القراءة باستفاضة فنقل ما نسخ منها بنقلها ثم انقطع نقلها فانقطع نقل منسوخها، وليس هذا كما روي في قراءة أبي: (فعدة من أيام أخر متتابعة). وقوله: (فصيام ثلاثة أيام متتابعة في الحج). لأن قراءة أبي لم تنقل نقل استفاضة، فلم تجز الزيادة في القران بها. ولأنه صوم هو بدل في كفارة، فكان متتابعًا كصوم الظهار. 31843 - فإن قيل: الصوم في كفارة اليمين أخف؛ لأنه يتعلق بسبب محظور تارة

ومباح أخرى، فلهذا خف قدر الصوم، وثبت التخيير فيما سواه. 31844 - قلنا: كفارة الظهار تجب بالعود وهو مباح وإن ثبت في فيها التتابع، فأما خفة مقادير هذه الكفارة: فلا يمنع مساواتها كفارة الظهار في الصفة، بدلالة العتق والإطعام. 31845 - احتجوا بالآية- وهي دليلنا- قالوا: صوم بدل به القرآن مطلقًا كقضاء رمضان. 31846 - قلنا: الوصف غير مسلم، لأنا بينا نزول القرآن بالتتابع. والمعنى في القضاء: أنه لم يثبت بدلًا في كفارة، فلم يجب فيه التتابع بأصل الشرع. وفي مسألتنا صوم هو بدل في كفارة، فكان متتابعًا كصوم الظهار. 31847 - قالوا: صوم مقدر بثلاثة أيام كصوم الحلق. 31848 - قلنا: نقصان حلقه لا يدل على نقصان صفته، بدلالة الإطعام في هذه الكفارة. والمعنى في صوم الحلق: أنه خير بينه وبين غيره فلم يجب فيه الترتيب بالشرع، والصوم في مسألتنا بدل في كفارة. 31849 - قالوا: صيام لم يعدل به إطعام كصوم الحلق. 31850 - قلنا: لا نسلم، بل أعدل به الإطعام في الموضعين، وليس إذا اختلف عدد المساكين. والصوم فليس بعدل؛ لأن العدالة بحسب ما رد به الشرع 31851 - قالوا: صوم يكون سببه محظورًا ومباحًا وما جاء كفدية الحلق. 31852 - قلنا: فدية الحلق لا تكون سببًا محظورًا؛ لأن من حلق لغير عذر لم يجزه الصوم عندنا. ولأن بينا أن سبب كفارة الظهار العود وقد يكون مباحًا. 31853 - قالوا: صوم قصرت مدته، فلم تكمل صفته كصوم الحلق. 31854 - قلنا: نقصان مدته لا يوجب خفة صفته، بدلالة أن الإطعام بعض قدره في هذه الكفارة، ولم يدل على نقصان صفته، وكذلك العتق في هذه الكفارة خف حكمه، بدلالة التخير بينه وبين غيره، ولم يوجب ذلك خفة صفته عندهم. وقد قال الشافعي: إن الله تعالى قيد الرقبة في كفارة القتل بالأيمان، وأطلقها في الظهار، فحملت المطلق على المقيد، كذلك قيد ني كفارة الظهار والقتل بالتتابع وأطلقه في

كفارة اليمين، فكان الواجب أن يحمل الطلق على المقيد. 31855 - فإن قيل: إن العتق لشركة الأصل واحد، والصوم قد ذكره الله تعالى مطلقًا في قضاء رمضان، ونص على التفريق في صوم المتمتع، فلم يكن حمله على صوم كفارة المتمتع بالتتابع بأولى من حمله على غيره. 31856 - قلنا: أما قضاء رمضان: فليس بكفارة أو صوم المتمتع وإنما هو صومان مطلقان، فكان الواجب عليه أن يشترط فيهما التتابع اعتبارًا بالكفارة، على أن صوم المتمتع ليس بكفارة أيضا. 31857 - وقولهم: إن قضاء رمضان كفارة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من نام عن صلاة أو نسيها، فليصلها إذا ذكرها، فإن ذلك كفارتها). 31858 - فالمعروف أن ذلك وقتها، ولو ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - سمى قضاء الصلاة كفارة، لم يجب أن يكون قضاء الصوم كفارة.

مسألة 1570 الذي يجزئ من الكسوة

مسألة 1570 الذي يجزئ من الكسوة 31859 - روى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله: أنه يجزئ في الكسوة القميص والقباء والإزار والعمامة ما يجزئ في الصلاة. وعن أبي يوسف: أن العمامة والإزار لا تجزئ. 31860 - وقال الشافعي رحمه الله: يجزئ الإزار والسراويل والقلنسوة، ولا يجزئ الخف والنعلان، والخلاف يتعين في القلنسوة. 31861 - لنا: أن اسم الكسوة لا يتناول القلنسوة؛ لأن أحدًا لا يقول للابسها: مكتس. ولا يمنع أن يقال: هو عريان. وما لا يتناوله الاسم، لا يجزئ كالنعل. ولأن ما يجزئ فيه الصلاة لا يجزى في الكسوة كالخف. ولأنها كسوة واجبة، فلا يجوز الاقتصار فيها على القلنسوة، أصله: كسوة الزوجة. ولأن المقصود بالكسرة ستر العورة كما أن المقصود بالطعام سد الجوعة، فكما لا يجوز في الطعام ما لا يشبع، لا يجوز في الكسوة ما لا يستر. 31862 - احتجوا: بما زعموا أن عمران بن الحصين قال: تجزئ القلنسوة. وقال: أرأيت لو قدم وفد على أميرنا فأعط هم قلنسوة، أما كان يقال: قد كساهم. 31863 - قلنا: هذا لا يعرف، ولو ثبت لم يقبل قول الواحد إذا لم يفسر فيما يخالف ظاهر القرآن. 31864 - وقد روي عن إبراهيم أنه قال في تفسير قوله تعالى: {أو كسوتهم}:

ثوبًا ثوبًا. وتفسير القرآن يؤخذ من طريق التوقيف، فكأنه رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. 31865 - قالوا: أعطى قلنسوة قيمتها قيمة الطعام جاز، فكل كسوة تجوز لم ذا بلغت قيمة الطعام جاز وإن نقصت كالقميص. 31866 - قلنا: لا نسلم أنها كسوة. ولأنها تجزئ عندنا عن قيمة الطعام، فلا يقال: إن القيمة الكاملة إذا جازت كذلك الناقصة، فأما القميص: فيجرئ عن نفسه فلا يصير بقيمة الطعام، وإنما جاز؛ لأنه يستر العورة وتجوز الصلاة فيه.

مسألة 1571 كسوة خمسة مساكين وإطعامهم

مسألة 1571 كسوة خمسة مساكين وإطعامهم 31867 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا كسا خمسة مساكين وأطعم خمسة، جاز، وقومت الكسوة طعامًا أو الطعام كسوة. 31868 - وقال الشافعي رحمهم الله: لا يجوز حتى يكمل أحد الصفتين. 31869 - لنا: أن ما قصد به سد الخلة، فالقيمة فيه تقوم مقام المنصوص عليه، وقد دللنا على ذلك في الزكاة. فإذا ثبت في الزكاة، ثبت في الكفارة؛ لأن أحدًا لا يفصل بينهما، وأن كل واحد منهما صدقة واجبة، فعلى هذا لا فرق بين أن يطعم بدل الكسوة أو يكسو بدل الإطعام، كما لا فرق بين إخراج الدراهم عن كل واحد منهما وبين إخراج قيمتهما. ولا يلزم إذا أخرج صاعًا جيدًا عن صاعين وسطًا؛ لأن الصاع الجيد إذا اختاره وهو مستحق عليه أن يعطي لكل مسكين غداء وعشاء، فإذا أعطاه ربع صاع فلم يحصل المقصود. فإن ألزم على هذا صدقة الفطر إذا أخرج نصف صاع تمر ونصف صاع شعير. 31870 - قلنا: من أصحابنا من قال تجزئ إذا كانت قيمة أحدهما قيمة الآخر. ولأنه إذا اختار الكسوة، صارت فريضة فإذا أخرج عنها لم ينص عليه فيها بدلًا، جاز كما لو أخرج الدراهم. ولا يلزم صدقة الفطر؛ لأن المقصود بجميع أنواعها سد الخلة، فإذا اختار أحد أنواعها ثم أخرج الآخر عنه، فقد أخرج منصوصًا عليه، كما التزم إخراجه، فيجزئ عن نفسه ولا يجزئ عن غيره. 31871 - احتجوا: بأن الله تعالى خير بين ثلاثة أنواع، فلم يجز إثبات نوع رابع. 31872 - قلنا: عدنانا لا يجوز أكثر من ثلاثة، إلا أنا نجوز قيمة كل مقوم منها، فإذا كسا بعض المساكين وأطعم بعضهم، جعلناه كاسيا لجميعهم أو مطعمًا، فيكون

نوعًا واحدًا. 31873 - قالوا: نوع من أنواع كفارة اليمين، فلا يجوز تبعيضه كالعتق. 31874 - قلنا: نقول بموجبه؛ لأن الإطعام لا يتبعض عندنا، وإنما يقام مقام بعضه بالقيمة، وهذا لا يتصور في العتق؛ لأنه غير متقوم فلم يجز إخراج غيره بقيمته. 31875 - قال مخالفونا: هذا ينتقض بإخراج نصف صاع بحيل من صاع وبإخراج الشعير في الفطرة عن التمر. 31876 - قلنا: هذا غلط؛ لأن إذا منعنا إخراج القيمة عما لا يتقوم. لا يلزمنا أن يكون كل ما يتقوم يجوز عما لا يتقوم لأنه عكس كلامنا.

مسألة 1572 حلف ألا يسكن الدار

مسألة 1572 حلف ألا يسكن الدار 31877 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا حلف لا يسكن هذه الدار، فانتقل بنفسه وترك فيها عياله ورحله، حنث في يمينه. 31878 - وقال الشافعي رحمهم الله: إذا انتقل ونوى ألا يرجع إليها، فقد بر في يمينه. 31879 - لنا: أن السكنى تكون بنفسه وبما يسكن من آله في المكان غالبا؛ بدلالة أن الناس يسكنون المنازل، فإذا حلف لا يسكن، فإنما عقد يمينه على إزالة ما صار به ساكنًا، فإذا أزال بعضه لم يبر في يمينه، كمن حلف على شيئين ففعل أحدهما. ولأن الإنسان يحلف على ترك السكنى كراهة الدار ولجيرانها أو سلامتها، وما كرهه الإنسان لنفسه من ذلك، كرهه لأهله. ولأنه لو خرج عقيب اليمين ولم ينو ترك العود، حنث في يمينه؛ لأنه لم يزل ما صار به ساكنًا. كذلك إذا نوى ألا يعود، فلا يجوز أن يكون البر حصل بنيته ألا يعود؛ لأنه حلف على ترك السكنى على التأييد، فإذا تركها في الحال فلم ينو الترك أبدًا فقد بر في هذه الحال، والحنث من بعد يتعلق بفعل السكنى لا بالنية، فاعتبار نيته في ترك العود لا معنى له. ولأنه يقال: فلان ساكن في هذه الدار. فإن كان في سوقة أو في ضياعة، ولا يجوز أن تكون السكنى مضافة إليه، فلم يبق إلا أن يكون ساكنا لكون أهله ومتاعه فيها. 31880 - احتجوا: بقوله تعالى: {ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتًا غير مسكونةٍ فيها متاع لكم}. 31881 - قلنا: قيل في التفسير: فيها متعة لكم لاتقاء الحر والبرد وقضاء الحاجة.

ولم رد المتاع الذي هو الآلات، ولو أراد المتاع الذي ظنوا، فليس كل متاع يصير ساكنًا به حتى يكون مما يسكن بمثله فيسكن هو معه ولا تزول السكنى ببقائه، فأما إذا حفظ متاعه في مكان لم يسكنه، لم يصره به ساكنًا في ذلك المكان. 31882 - قالوا: السكنى في الموضع هي المقام المستدام مما يسكن به في العادة، ولا يمكن المقام إلا به، ولهذا يقال لمن أقام في المسجد ومعه ما يفرشه ويسند معه: ساكن المسجد، ولو دخل للاعتكاف فأقام بنفسه لم يكن ساكنًا. فأما الفقير: فلا يسكن في موضع إلا بشيء يمنعه في العادة، ومتى يكن الرجل في موضع وعياله في موضع آخر فليس بساكن بالعيال، فأما إذا سكن بعياله ومتاعه فهو ساكن مجموع ذلك، فزوال السكنى يكون بزوال الجميع. 31883 - قالوا: لو حلف ليخرجن حتى دابته من الإصطبل، فجولها وترك سرجها ورجلها، بر في يمينه. 31884 - قلنا: الدابة ليست بساكنة، وإنما هي مسكنة، فلا يعتبر بيعها، ولهذا لو أخرجها بغير نية كان محولًا لها. 31885 - قالوا: الهجرة كانت واجبة، ومن هاجر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وترك أهله وماله، كان مهاجرًا. 31886 - قلنا: الهجرة الواجبة كانت للحاق النبي - عليه السلام - وتكثير جمعه والكون معه، وهذا يوجد وإن لم ينتقل بأهله. 31887 - قالوا: المقيم بمكة من أهل الآفاق يصير في حكم أهلها في التمتع والقران، وإن كان أهل بغيرها. 31888 - قلنا: المكي إنما لا يصح له القران؛ لأن ميقاته في الحج والعمرة مختلف، وهذا موجود في الآفاق إذا أقام بمكة دون أهله، وإنما لا يصح له التمتع؛ لأنه لا يحتاج إلى ترك سفر العمرة، والمكي يقدر أن يعتمر متى شاء، وهذا موجود في المقيم بمكة من غير أهلها. 31889 - قالوا: المسافر يترخص بسائر الرخص، وان كان أهله في المصر. 31890 - قلنا: الرخصة تثبت بمشقة السفر، وهو ي حال سفره يعد من سكان مصر لبقاء أهله فيه، كما يعد من سكانه إذا خرج إلى ضيعته.

مسألة 1573 صعود السطح بعد الحلف ألا يدخل الدار

مسألة 1573 صعود السطح بعد الحلف ألا يدخل الدار 31891 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا حلف لا يدخل دار فلان، إلى سطحها أو وقف على حائطها، حنث. 31891 - وقال الشافعي رحمه الله: لا يحنث. واختلف أصحابه، فمنهم من قال: أراد به السطح إذا لم يكن محجرًا. ومنهم من قال: المحجر وغيره سواء. 31892 - لنا: أن الدار ما أحاطت به الدائرة، وهذا موجود في علو الدار وسطحها، فيحنث في السطح كما يحنث في غرف الدار. ولأن كل حكم تعلق بالبقعة فإنه يتملق بهوائها، بدليل هواء الحرام وسطح المسجد موضع الصلاة والاعتكاف. ولأنه داخل في حدود الدار، يحتاج في دخوله إلى إذن كسائر بيوتها. ولأنه لو حلف لا يخرج من الدار فصعد سطحها، لم يحنث، ولم يكن داخلًا بالمصير إليه لم يكن خارجًا بالحصول فيه. احتجوا: بأن ذمته بريئة، وطريق وجوب الكفارة عليه الشرع، فمن أدعى وجوبها عليه واشتغال ذمته بها، لزمه إقامة الدليل. قلنا: قد بينا الدليل وهو أن اليمين على دخول الدار، تمنع ما يمنعه عدم الإذن، فإذا كان السطح لا تجوز الصلاة بغير إذن، كذلك يمتنع اليمين منه. قالوا: وقف على حاجز بين خارج الدار وداخلها، فوجب ألا يحنث في هذه اليمين، أصله إذا وقف على عتبة الباب. 31894 - قلنا: الواقف على العتبة لا يفتقر إلى إذن، فلم يمنعه الحلف على ترك

دخولها، والحائط والسطح خلاف ذلك. 31895 - قالوا: وقف في موضع لا يحط به بناء الدار، فوجب ألا يحنث، كما لو وقف على رأس شجرة تعلو على السطح. 31896 - قلنا: يبطل إذا انهدم فيها حائط فدخل منه إلى بيته، ولا نسلم الشجرة إذا كانت في الدار؛ لأن رأسها في هواء الدار وذلك منها. 31897 - قالوا: لو حلف لا يدخل هذا البيت فدخل غرفة عليه، لم يحنث في يمينه. 31898 - قلنا: هذه دعوى بغير جمع. ولأن البيت موضع المبيت، وكل واحد من البيت وعلوه بيت، ومن حلف على بيت لا يحنث بدخول بيت غيره، والدار ما أحاطت به الدائرة، وذلك يتناول العلو والسفل.

مسألة 1573 صعود السطح بعد الحلف ألا يدخل الدار

مسألة 1574 هدم الدار التي حلف ألا يدخلها 31899 - قال أصعابنا [رحمهم الله]: إذا حلف لا يدخل هذه الدار فانهدم بناؤها فدخلها، حنث. 31900 - وقال الشافعي رحمهم الله: لا يحنث. 31901 - لنا: أن اليمين إذا انعقدت على غير مسمى باسم، بقيت اليمين ببقاء الاسم، بدلالة من حلف لا يدخل هذه الدار فانهدم بعض بنائها وتغيرت عمارتها، وإذا حلف لا يأكل هذا الطعام ففسد وتغير، ومن حلف لا يلبس هذا الرداء فاتزر به. وإنما كان كذلك؛ لأن المعقود عليه بحاله، والعقد يبقى ما بقي المعقود عليه. والدليل على أن الدار تسمى دارا بعد زوال البناء: أن الدار اسم لما أحاطت به الدائرة، ألا ترى أن العرب تسمى الأرض دارًا عند نزولها وتسميها دارًا وإن قوضت البيوت منها؟ ولهذا ذكر الشعراء الدار بعد الانتقال عنها، قال لبيد: عفت الديار محلها فمقامها بمنى تأبد غولها فرجامها وقال النابغة: يا دار مية بالعلياء فالسند أقوت وطال عليها سالف الأمد وإذا ثبت أن الاسم يتناول العرصة التي لا بناء فيها، بقيت اليمين لبقية المعقود عليه. 31902 - فإن قيل: هذا مجاز كما يقال لمكة: دار الندوة، وكيف بنيت دكاكين ومعناه كانت دارًا. 31903 - قلنا: الأصل في الاستعمال الحقيقة، ومدعي المجاز يحتاج إلى دلالة.

ولأن هذا استعمال قد كثر وظهر، فلو ثبت أنه مجاز لصار في حكم الحقيقة، وكثر هذا كما لو حلف لا يدخل دارًا فدخل دارًا مهدومة؛ لأن اليمين المطلقة تحمل على العادة، والدور المعتاد دخولها على المبنية. 31904 - فإن ألزموا من حلف لا يكلم هذا الشاب، فصار شيخًا. 31905 - قلنا: لا يلزم أن اليمين ببقاء الاسم ولم يعترض لها إذا زال الاسم، وهاهنا بقيت اليمين عندنا مع زوال الاسم، فلا يعترض على كلامنا. 31906 - فإن قيل: لو حلف لا يدخل بهذا البيت، فدخل بعد هدمه، لم يحنث. 31907 - قلنا: لأن العرب إذا قوضت بيوتها لم تسمها بيوتًا، فدل على أن زوال البناء يزيل اسم البيت. ولأنه عبارة عن موضع البيت، وذلك لا يكون في نقض البناء. 31908 - فإن نازعوا في ذلك، وقالوا: البيت إذا خرب يسمى بيتًا، واستشهدوا بقوله تعالى: {فتلك بيوتهم خاوية}. لم تنفع هذه المنازعة، لأنهم يثبتون خطأ مخالفتهم في مسألة البيت لا تقدح في هذه المسألة. 31909 - احتجوا: بأن من لا يدخل في لفظ اليمين مع الإطلاق، وجب أن يخرج منه مع التعين، أصله إذا قال: والله لا حنطة. فأكل دقيقًا. 31910 - قلنا: إذا أطلق. حملت اليمين على المعتاد المطلق، فإذا عين حمل على ما يتناوله الاسم مطلقًا وغير مطلق. ألا ترى أنه قال: والله لا أقعد في سراج. لم يحث إذا قد في الشمس، ولو قال: لا أقعد في هذا السراج؛ يعنى الشمس، حنث بالقعود فيها. فاختلف في يمينه الإطلاق والتعيين؟ وكذلك إذا قال: لا أركب دابة. حمل على الخيل والبغال، ولو أشار إلى دابة من طين أو خشب فقال: لا أركب هذه الدابة. حنث بركوبها، ولو حلف لا يلبى قميصًا فاتزر بقميص، لم يحث، ولو وقال: لا ألبس هذا القميص. فاتزر به، حنث عندنا على أحد الوجهين عندهم. فبان بهذا الغرة بن الإطلاق والتعيين، وعلى هذا لو قال: لا أدخل هذه الدار وهي خراب.

فدخلها، حنث في يمينه، وإن لم يدخل في الإطلاق. 31911 - وإن قالوا: على البيت إذا خرب؛ فالفرق بينهما ما قدمنا أن البيت لا تسميه العرب بيتًا إذا تقوض، وتسمى الدار دارًا بعد تقوض البيوت ونقلها. 31912 - قالوا: دخلها بعد زوال بنيانها، فصار كما لو بنيت حمامًا أو بستانًا. 31913 - قلنا: هاهنا زال الاسم، فزالت اليمين، وإذا انهدمت فالاسم لم تزل. 31914 - قالوا: لا فرق بينهما؛ لأنه حدث للدار اسم آخر، فإذا خربت حدث لها اسم آخر فقال: مراح وخربة. 31915 - قلنا: يقال: دار خراب ودار مراح. فهو كقولهم: دار بيضة أو محدودة. فلا يوجب ذلك زوال اسم الدار، ولا يقال: دار هي بستان، ولا دار هي حمام. فبان الفرق بينهما.

مسألة 1575 دخول الدار التي حلف لا يدخلها بعد بيعها

مسألة 1575 دخول الدار التي حلف لا يدخلها بعد بيعها 31916 - قال أبو حنيفة رحمهم الله: إذا قال: لا أدخل دار فلان هذه، فدخلها بعدما باعها، لم يحنث. 31917 - وقال محمد: يحنث. وبه قال الشافعي رحمهم الله. 31918 - لنا: أن لإذنه تأثيرًا تعلقت اليمين ببقاء ذلك الإذن، فإذا زال زالت اليمين. ولهذا قال أصحابنا: إنه لو قال: لأرفعن فلانًا إلى الوالي. فرفعه بعدما عزل، لم يبر؛ لأن للولاية تأثيرًا في الوقوع به من الحبس أو الضرب، فانعقدت اليمن على بقاء ذلك الأثر. ولا يلزم على هذا صديق فلان وزوجة فلان؛ لأن الصديق لا تأثير لإذنه ي كلام صديقه ولا يملك حظر كلامه، وكذلك الزوجة لا يملك زوجها منع الناس من كلامها. ولأن الإنسان يمنع من دخول مالكها، فإذا عقد على عينها وأضافها إليه، فكل واحد من الأمرين مقصود، فإذا زالت، بطلت اليمين. وليس هذا كالتصديق؛ لأن الإنسان لا يمتنع من كلام غيره لأجل صديقه، ولا يمتنع من كلام زوجته لإدخال الضرر على زوجها؛ إذ الزوج يؤثر ترك كلامها، فبقي أن تكون هي المقصودة دون الزوج. 31919 - فإن قيل: قد يمتنع من دخول الدار [مسا ما] بها. 31920 - تلنا: لو كان كذلك، لاكتفى بدله عنها دون مالكها.

ولأنه عين وأضاف إضافة ملك، فانعقدت اليمين على الشرطين. فإذا عدم الملك، صار كعدم التعيين، أصله: إذا بنيت حمامًا، وكما لو عقد اليمين على دخول الدار راكبًا لم يحنث بأحدهما. ولا يلزم صديق فلان وزوجة فلان؛ لأن الإضافة ليست إضافة ملك، فلا يدخل على لفظ العلة ولا على معناها؛ لأن الملك يعرف بمالكه وإن تعينء ولا يعرف الإنسان بصديقه إذا تعين لا المرأة بزوجها، فلم تكن الإضافة على طريق التعريف. ولأن قوله: لا أدخل دار فلان هذه، عقد على ملك تام مخصوص، ولو عقد على كل دوره، كان الملك شرطًا في بقاء يمينه، كذلك إذا خص واحدة منهما. الدليل عليه لو قال: لا أكلم عبدًا لفلان نزلنا. كان الملك شرطًا في الحنث كما لو عم فقال: لا أكلم عبدًا لفلان. ولأنه جمع في يمينه بين التعيين وسبب التعريف، فيتعلق اليمين بسبب التعريف كما لو قال: لا أدخل دار فلان هذه. فهدمت وبنيت حمامًا. ولا يلزم صديق فلان هذا؛ لأن الإضافة بالصداقة ليست من أسباب التعريف. 31921 - احتجوا: بأن التعيين والإضافة إذا اجتمعا، تعلقت اليمين بالتعيين وسقطت الإضافة، أصله: إذا قال: لا أكلم صديق فلان هذا، وجار فلان هذا، وزوجة فلان هذه. 31922 - قلنا: الصداقة والزوجة ليست سبب التعريف، [لأن المرأة والصديق كانا معروفين قبل هذه العلقة، وليس كذلك الملك؛ لأن سبب التعريف] تعلقت اليمين به. يبين ذلك أنه قال: لا أكلم نساء فلان. وله أربعة نسوة لم يحنث حتى يكلم جماعتهن. ولو قال: لا أكلم أصدقاء فلان. وله عشرة أصدقاء لم يحث بكلام ثلاثة منهم حتى يكلم الجماعة، ولو قال: لا أدخل دور فلان. حنث بدخول ثلاثة منها، وانعقد اليمين على الإضافة. وفي: لا أكلم زوجة فلان. فكلما بعدما طلقها، لم يحنث، فدل أن الزوجية سبب للتعريف. 31923 - قلنا: قد ذكر هذه المسألة في الجامع الصغير، وقال: لا يحنث.

وذكر في الزيادات أنه يحنث. قال أصحابنا: وهو الصحيح على أصل أبى حنيفة. وقد ألزم محمد إذا قال: لا أكلم صاحب هذا الطيلسان. فكلمه بعدما باعه أنه يحنث. والجواب عنه: أنه أضيف إلى الطيلسان، ولا يضيف الطيلسان إليه والرجل لا يعرف بطيلسانه. وفي مسألتنا أضاف الملك إلى المالك، والملك يعرف بإضافته إلى مالكة. ولأنه لم يعين صاحب الطيلسان، فلم يجتمع في يمينه التعيين والإضافة. 31924 قالوا: لو غلط في الإضافة فقال: لا أدخل دار زيد هذه. والدار لعمرو، انعقدت يمينه وحنث بدخولها، فإن كان عدم الإضافة لا يمنع انعقاد اليمين، كذلك زوال الإضافة، لا يبطل العقد. 31925 - قلنا: إن كان الدار لزيد فحلف، ثم بان أنها لعمرو لم تنعقد يمينه، وإن كان يعلم أنها لعمرو، فحلف وأضافها لزيد، انعقدت يمينه وحنث بدخولها؛ لأنه علم أن المقصود الدار دون مالكها. 31926 - قالوا: لو جمع بين التعيين والصفة، انعقدت اليمين على العين دون الصفة، مثل قوله: لا أكلم هذا الشاب. إذا جمع بين التعيين والإضافة. 31927 - قلنا: الإضافة التي يتعرف بها المضاف، تجري مجرى التسمية، ولا تجري مجرى الصفة، بدلالة أنه يحسن أن يشاهد الدار فيقول: لمن هذه الدار، كما يقول إذا رأى غلامًا: ابن من هذا؟ ولا يحسن أن يرى شابًا فيقول: هذا شاب أو شيخ، فعلم أن الإضافة مخالفة للصفة. 31928 - فإن قيل: لو كان الحلف على ترك الدخول لأجل مالك الدار، لم يخص دارًا واحدة بل يعم جميع دوره. 31929 - قلنا: يجوز أن يكون لاحاه في هذه الدار ونازعه فيها، فخصها باليمين؛ لأن لملاحاته فيها فتناولها العقد خاصة.

مسألة 1576 دخول دار إعارة أو إجارة كان حلف ألا يدخلها

مسألة 1576 دخول دارٍ إعارة أو إجارة كان حلف ألا يدخلها 31930 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا حلف لا يدخل دار فلان، فدخل دارًا مكنها بإجارة أو عارية، حنث. 31931 - وقال الشافعي رحمهم الله: لا يحنث. قالوا: ولو حلف لا يدخل مسكن فلان، فدخل الدار يسكنها بأجرة، حنث. 31932 - لنا: أن الدار تضاف إلى ساكنها بالسكنى حقيقة كما تضاف بالملك، قال الله تعالى: {كما أخرجك ربك من بيتك بالحق}. وإنما خرج من [بيته قال الله] تعالى: {يا أيها الذين أمنوا لا تدخلوا بيوت النبي}. وقال: {وقرن في بيوتكن}. فأضافها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وإلى زوجاته على وجه واحد، وقال تعالى: {لا تخرجوهن من بيوتهن}. وأراد بيوت الأزواج. وإذا كانت الأزواج فيها على وجه واحد، حملت [اليمين على] الجميع. ولأنه يحلف على دخول دار غيره لإدخال الفرط عليه والوضع منه، وهذا موجود في الدار التي يملكها ويسكنها. ولأن الساكن أخص بالدار في معنى الدخول من مالكها؛ لأنه يملك الإذن في دخولها والمنع، والمالك لا يملك ذلك، فإذا حنث بدخول الدار المملوكة، فالمسكونة أولى. 31933 - احتجوا: بأنه دخل دارًا لا يملكها المضاف إليه الدار، فوجب ألا يحنث، أصله: إذا دخل دارًا لا يملكها ولكنه وكل في إجارتها.

31934 - قلنا: الدار لا تضاف إلى الوكيل في العرف، والساكن تضاف إليه في العرف، وقد بينا ذلك. 31935 - فإن قيل: الإضافة إلى الساكن مجاز، بدلالة أنه يصح نفيها عنه فيقال: ليست فلان، لكنها لفلان. 31936 - قلنا: إذا بدأ الاستعمال في الإضافة فهي حقيقة، ومدعي المجاز يحتاج إلى دليل، وأما النفي: فلأن الإضافة على وجهين، فإذا نفوا فإنما يريدون أحد الإضافتين وهي إضافة الملك، فلذلك صح أن يقال: ليست لفلان، وإنما هي لفلان. يعنون السكن، ويراد نفي إضافة السكنى. على أنا لو سلمنا أن الإضافة مجاز، فهو مجاز متعارف، فيحمل اليمين عليه؛ لأن من حكمها أن تحمل على العرف. 31937 - قالوا: لو قال: هذه الدار لفلان. حكم الحاكم له بالملك، ولا يصدق المقر به أنه أراد السكنى. 31938 - قلنا: الإضافة تقتضي التخصيص، فأما أن يكون أراد الملك أو التصرف، فإن كان التصرف فقد أقر له باليد فلا يقبل قوله باستحقاق ما في يد المقر له، وإن أراد إضافة الملك لم يقبل رجوعه. 31939 - قالوا: لو كان مالكها هو المحلوف عليه حنث، فإذا كان الساكن لم يحنث كما لو قال: ملك فلان. 31940 - قلنا: يحنث بالإضافة إلى المالك، وإذا أضافه إلى المالك والساكن على وجه واحد، فيحنث فيهما جميعًا. 31941 - قالوا: إضافة ما يملك إلى من يملك يقتضي الملك، أصله إذا قال: لا أركب دابة فلان. 31942 - قلنا: الإضافة لا تقتضي أكثر من التخصيص، وهذا موجود في الملك وغير الملك، ولا نسلم في قوله: دابة فلان؛ لأنه يحنث في الدابة التي استأجرها، كما يحنث في التي يملكها. 31943 - قالوا: اللفظ إذا تردد بين الحقيقة والمجاز، حمل على الحقيقة. 31944 - قلنا: قد [بينا أن] الإضافة إلى المالك وإلى الساكن على وجه

واحد، ولو سلمنا أن إضافة السكنى مجاز، فهو متعارف، واليمين تحمل على المجاز المتعارف، بدلالة من حلف لا يأكل من هذه النخلة أو الكرمة، حمل على ثمرها ولا يحمل على خشبها. والحقيقة أن يأكل من عينها، والمجاز أكل ما يتولد منها. 31945 - قالوا: لو حلف لا يدخل دار فلان، فباع فلان داره فدخلها، لم يحنث. فإذا كان زوال الملك يبطل اليمين، كان عدم الملك يمنع الانعقاد. 31946 - قلنا: إذا باعها فقد زال الملك والسكنى، فلم تبق إضافة، ولو قدرنا أنه باعها وسكنها بإجارة فدخلها الحالف حنث؛ لأن الإضافة باقية.

مسألة 1577 الحلف ألا يدخل دار فلان وهو فيها

مسألة 1577 الحلف ألا يدخل دار فلان وهو فيها 31947 - قال أصحابنا رحمه الله: إذا حلف لا يدخل دار فلان وهو فيها، لا يحنث حتى يخرج منها ثم يدخل إليها، وإن حلف لا يخرج منها وهو خارج، لا يحنث حتى يدخل إليها ثم يخرج. 31948 - وقال الشافعي رحمه الله في الأم: يحنث. وقال في سنن حرملة: لا يحنث. ومن أصحابه من التزام من اليوم على قياس قوله إذا قال: لا أخرج. وهو خارج أنه يحنث بالبقاء على الخروج. 31949 - لنا: أن الدخول هو الانفصال من خارج الدار إلى داخلها، والخروج انفصال منها إلى خارجها، والبقاء على كل واحد منهما لا يتناوله الاسم، فلا يقع به الحنث. ولأن الدخول لا يوصف بالامتداد في الوقت، كما يوصف اللبس والركوب فيقول: ركبت يومًا ولبسته يومًا. 31950 - فإن قيل: الصحيح بوصف اللبس والركوب فيقول: ركبت منذ يوم، ودخلت منذ يوم. فإن قال: دخلت يومًا. جاز كقوله: ركبت يومًا. 31951 - قلنا: هذا غلط؛ لأنه يقول: ركبت منذ يوم. إذا أراد تبين ابتداء ركوبه ركبت يومًأ، وإذا أراد أن يبين مدة الركوب قال: ركبت يومًا. ألا ترى أن قوله: ركبت منذ يوم؛ لا يفيد استمرار الركوب، فإذا قال: دخلت منذ يوم. فإنما يبين وقت الدخول، ولا يفيد ذلك الاستمرار، فإذا قال: دخلت يومًا. لم يكن لكلامه معنى، وليس إذا قالوا: يصح ذلك انتفعوا به حتى يثبت فيه الاستعمال، ولا طريق إليه؟.

31952 - احتجوا: بأن ابتداء الدخول والاستدامة سواء في التحريم؛ لأن كل موضع حرم بابتداء الدخول، حرم استدامته، فوجب أن يكونا سواء في الحنث، كقوله: لا أركب ولا ألبس. قالوا: وليس كذلك إذا قال: لا أنكح. وهو ناكح لا يحرم النكاح؛ لأنه يختلف فيه الابتداء والبقاء؛ لأن المحرم ممنوع من ابتداء النكاح غير ممنوع من البقاء، وكذلك إذا قال: لا أتوضأ. وهو متوضئ، فبقي على الوضوء. ولأن الابتداء والاستدامة مختلف، ألا ترى أن الوضوء بالماء المغصوب يحرم، فلا يحرم البقاء عليه؟ وكذلك إذا قال: لا أتطيب في الإحرام؛ لأن ابتداء الطيب في الإحرام خالفه البقاء، بدلالة أن المحرم لا يمنع من البقاء على الطيب ويمنع من الابتداء. الجواب: أن الدار إذا حرم دخولها، لم يحرم البقاء لتحريم الدخول، لكن الدليل اقتضى التحريم، فاستوى بذلك الدليل الابتداء والبقاء، وعلمنا أن التحريم تعلق بالدخول والكون بتحريم الدخول فلا. ووزانه من مسألتنا: أن يقول الحالف: أردت بقولي: لا أدخل البقاء. فيحنث به، ويحتمل كلامه على الكون. فأما الوضوء بالماء المغصوب: فلأن المنع من التصرف في ملك الغير، وهذا لا يوجد في حال البقاء. ألا ترى أنه ممنوع من الوضوء بالماء النجس ومن البقاء على الوضوء؛ لأن المنع لمماسته النجاسة وهذا موجود في حال البقاء؟ فأما الطيب فمنع الشرع من ابتدائه ولم يمنع من البقاء على ما تقدم في الإحرام، فاستوى الابتداء والبقاء فدل على أن التحريم يتبع ما يتناوله الاسم، إلا أن يدل دلالة على أن البقاء كالابتداء، فلا يكون التحريم لمجرد اللفظ، لكن بالبدل آخر، ففي اليمين مثله.

مسألة 1578 ركوب الدابة بعد الحلف لا يركبها

مسألة 1578 ركوب الدابة بعد الحلف لا يركبها 31953 - قال أصحابنا [رحمه الله]: إذا حلف لا يركب دابة هذا العبد، فركب دابة ابتاعها المأذون، حنث. 31954 - وقال الشافعي رحمه الله: لا يحنث. قالوا: ولو قال: لا أركب دابة المكاتب، فركبها، ففيه وجهان. 31955 - لنا: أن إضافة الدابة إلى الغير إضافة مستعملة؛ لأنه يقال: هذه دابة الأمير، وهذه دابة عبده. ويقال: ليس هذه من دواب الأمير، وإنما هي من دواب عبيده. فإذا وجدت الإضافة، حنث في يمينه، يبين ذلك أنه لا يخلو إما أن يعتب في هذه الإضافة المستعملة أو تعتبر الحقيقة، ولا يجوز اعتبار الحقيقة؛ لأن العبد لا يملك، فلم يبق إلا اعتبار ما سوى الحقيقة يبين ذلك: أنه إذا حلف لا يأكل من هذه النخلة، فأكل من ثمرها، حنث؛ لأن الحقيقة لا يمكن اعتبارها؛ لأن الحنث لا يقصد بالأكل حتى يمتنع منه حملت اليمين على غير الحقيقة وهو المتولد فيها. 31956 - فإن قيل: العبد ممن يجوز أن يملك، والنخلة لا يمكن أكلها. 31957 - قلنا: والنخلة يمكن أكل خشبها، إلا أنه لا يقصد على أنه لو قال: لا أركب دابة عبدٍ. لم يحنث عندهم بركوب هذه الدابة، وإن كان لا يجوز أن يملك مع بقاء العبودية. 31958 - فإن قيل: قوله فيمن حلف: لا يبايع هذا المجنون. فباعه أنه يحنث؛ لأن المجنون لا يبيع بيعًا صحيحًا. 31959 - قلنا: كذلك نقول. 31960 - احتجوا: بأنه ركب دابة لا يملكها المضاف إليه، فصار كما لو ركب دابة ليسوسها العبد.

31961 - قلنا: لم يحلف على الملك، وإنما حلف على الإضافة، وقد بينا أن العبد لا يوجد منه الملك، فعلم أنه أراد الإضافة، وهي موجودة. فأما الدابة التي يسوسها العبد: لا تضاف إليه ولا يعرف استعمال هذه الإضافة، وإنما زعموا أن الإضافة هنا مستعملة كما هي في مسألتنا حنث. وإنما قالوا: لا يحنث؛ لأن الإضافة لا تكون مستعملة عندهم.

مسألة 1579 ركوب دابة عبد بعد الحلف ألا يركب دابة سيده

مسألة 1579 ركوب دابة عبد بعد الحلف ألا يركب دابة سيده 31962 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا حلف لا يركب دابة فلان، فركب [دابة لعبده لم يحنث. 31963 - وقال الشافعي - رضي الله عنه -: يحنث. 31964 - لنا: أن] دابة العبد تضاف إليه إضافة مطلقة، وتضاف إلى مولاه إضافة مقيدة بالملك، واليمين انعقدت على مطلق الإضافة. 31965 - احتجوا: بأنه إذا قال: لا أدخل دار زيد، فدخل دارًا برسم عبده يسكنها، حنث في يمينه، وكذلك الدابة. وهذا غلط، والدار والدابة عندنا سواء إذا حلف لا يدخل دار زيد، فدخل دار عبده لم يحنث. 31966 - قالوا: ركب دابة يملكها المضاف إليه؟ فوجب أن يحنث، أصله: إذا ركب دابته التي ليست من كسب العبد. 31967 - قلنا: هناك لا تضاف إلى غير المحلوف عليه إضافة مطلقة، وفي مسألتنا بخلافه، يبين ذلك: أن الدابة التي اكتسبها العبد انتقل الملك بها بقبوله، وديونه تتعلق بها وتستوفي منها. ويزول تخصيصه هذا بسبب حادث، وهو انتزاعها من يده إذا لم يكن عليه دين، فصارت كدابة المكان التي تنتقل إلى المولى بالعجز.

مسألة 1580 الحلف ألا يأكل من الدقيق ولا من الحنطة

مسألة 1580 الحلف ألا يأكل من الدقيق ولا من الحنطة 31968 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا حلف لا يأكل من هذا الدقيق ولا من هذه الحنطة، فاليمين على ما يتخذ منه، فإن استفه لم يحنث، وإن نوى ألا يأكله كما هو، لم يحنث إذا اتخذ خبزه وحنث إذا استفه. 31969 - وقال الشافعي رحمه الله: إذا استفه حنث، وإن أكل من خبزه لم يحنث. 31970 - لنا: أن حقيقة الكلام اتخاذ الدقيق كما هو، وذلك غير متعارف. 31971 - قالوا: وجب حمل اليمين على المجاز المتعارف دون الحقيقة التي لا تتعارف، كمن قال: لا آكل من هذه النخلة. حملت اليمين على ما يتولد منها وهو مجاز، ولم تحمل على الحقيقة التي هي أكل جنسها، فأما إذا نوى أكل الدقيق: فقد نوى حقيقة كلامه، فيحنث إذا قضمها، ولا يحنث إذا أكل من خبزها؛ لأن الحقيقة متعارفة. ألا ترى أ، الحنطة تأكل مطبوخة ومقلوة، وإذا تعورفت الحقيقة والمجاز، حملت اليمين على الحقيقة دون المجاز؛ لأن اللفظ عنده لا يحمل على الأمرين. 31972 - فإن قيل: فالدقيق قد يحمص ثم يؤكل كما تطبخ الحنطة. 31973 - قلنا: هذا غير متعارف، فإن تعورفت فيما بعد، صار كالحنطة، إذ الحكم تابع عندهم للعرف فيتغير بتغيره. 31974 - فإن قيل: أكل الحنطة غير مطبوخة ولا مقلوة لا يتعارف. 31975 - قلنا: إذا كان يتعارف أكلها مقلوة وذلك حقيقة الحنطة، سقط المجاز وحملت اليمين على الحقيقة كلها المتعارف منها وغير المتعارف، وهذا كما لو قال: لا آكل من هذا اللحم. فأكله نيئًا، حنث؛ لأن أكل اللحم المستوي والضعيف معتاد وهو

حقيقة، فحملت اليمين على معتاد الحقيقة ونادرها، فأما الدقيق المقلو فلا يعرف عادة في أكله، فبطلت الحقيقة، ووجب حمل اليمين على المجاز. 31976 - احتجوا: بأن أكل المحلوف على ترك أكله مع بقاء اسمه الذي على يمينه باختياره ذاكرًا ليمينه، فوجب أن يحنث، أصله: إذا حلف لا يأكل هذه الحنطة، فأكلها على جهتها. 31977 - قلنا: ينتقض بمن حلف لا يأكل من هذه النخلة أو الكرمة، فأكل من جنسها، والفرق بين الحنطة والدقيق ما ذكرنا.

مسألة 1581 أكل الكبد بعد أن حلف لا يأكل لحمه

مسألة 1581 أكل الكبد بعد أن حلف لا يأكل لحمه 31978 - قال أصحابنا رحمة الله: إذا حلف لا يأكل لحمًا، فأكل كبدًا أو كرشًا؛ حنث في يمينه. 31979 - وقال الشافعي رحمه الله: لا يحنث. وهذه المسألة لا اختلاف فيها في الحقيقة؛ لأنهم أصابوا على عادة عرفوها بالكوفة في زمانهم، وقد كانوا يعدون ذلك لحمًا ويتخذون منه ما يتخذ من اللحم ويباع معه. فإن كانت العادة باقية [في بلٍد]، فالحكم يتبعها، فإذا تغيرت تغير الحكم، والعادة بالعراق الآن تخالف تلك العادة، فالواجب ألا يحنث.

مسألة 1582 تعريف الإدام

مسألة 1582 تعريف الإدام 31980 - قال أبو حنيفة وأبو يوسف [رحمهما الله]: الإدام ما يصطبغ به، مثل الخل والزيت والدهن، وما لا يصطبغ به: كاللحم والجبن، فليس بإدام. 31981 - وقال محمد رحمه الله: هما جميعًا أدم. وبه قال الشافعي رحمه الله. 31982 - لنا: ما روي عن عائشة أنها قالت: دخل على النبي - صلى الله عليه وسلم -: والبرمة تفور بلحم وأدم من إدام البيت، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (إن البرمة فيها لحم؟) قالوا: بلى يا رسول الله، ولكن لحم تصدق به على بريرة، وأنت لا تأكل الصدقة. فقال: (هو لها صدقة، ولنا هدية). فعطفت الأدم على اللحم، والعطف غير المعطوف عليه، ولم ينكر - صلى الله عليه وسلم - ذلك. 31983 - فإن قيل: صرحت بالأدم وأبهمت غيره، كما تقول: عندي لومان وطبخ. 31984 - قلنا: مخالفة العطف لما انعطف عليه، أمر ظاهر في اللغة. ولأن الأدم مأخوذ من الإنفاق والجمع، فقال: أدم الله بينهما. أي: جمع ووفق. حقيقة يقع بالاصطباغ، فأما اللحم فليس بأن يقال جمع إلى الخبز بأولى من أ، يكون الخبز جمع إليه. ولأن ما ينفرد بالأكل غالبا ليس، بأدم كالتمر والفاكهة. 31985 - احتجوا: بما روي أن النبي - عليه السلام - قال: (سيد إدام الدنيا والآخرة

اللحم). 31986 - قلنا: كونه سيدها لا يدل أ، هـ منها؛ لأن ذلك يقال فيما كان من الجنس ويقال فيما كان من غيره كما يقال للخليفة: سيد العرب والعجم. 31987 - قالوا: الأدم ويسمى بذلك؛ لأنه يصلح الخبز ويطيبه ويحسنه على أكله، وتقول العرب: أدام الله بينكما. أي: أصلح الله بينكما بالمحبة. 31988 - قلنا: الذي يطيب الطعام هو ما يتبعه، فأما المنفرد بالأكل، فليس بأن يطيب الخبز بأولى من أن يطيبه الخبز.

مسألة 1583 أكل الرطب بعد الحلف ألا يأكل الفاكهة

مسألة 1583 أكل الرطب بعد الحلف ألا يأكل الفاكهة 31989 - قال أبو حنيفة رحمه الله: إذا حلف لا يأكل فاكهة، فأكل رطبًا أو عنبًا أو رمانًا؛ لم يحنث. 31990 - وقال أبو يوسف ومحمد [رحمهما الله]: يحنث. وبه قال الشافعي رحمه الله. 31991 - لنا: قوله تعالى: {فأنبتنا فيها حبًا (27) وعنبًا وقضبًا (28) وزيتونًا ونخلًا (29) وحدائق غلبًا (30) وفاكهًة وأبًا}. وقال في آية أخرى: {فيها فاكهة ونخل ورمان}. فعطف النخل والرمان على الفاكهة وعطف الفاكهة عليها، والعطف غير المعطوف عليه. ولأن الآية خرجت مخرج الامتنان، والحكيم لا يكرر المنة بشيء واحد، فلو كان هذا في جملة الفاكهة، لم يجز أن يمن به جملة ثم يعيده تمامه. 31992 - فإن قيل: إن الزجاج حكى عن يونس أن الرمان والنخل من أفضل الفاكهة، وإنما أفردهما لفضلهما، واستشهدوا بقوله تعالى {من كان عدوًا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال}. وقال تعالى: {وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح}. وقال: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى}. 31993 - قلنا: هذه المواضع عرفنا أنه أعاد بعض الجملة بدليل، ولم يثبت مثل ذلك الدليل في مسألتنا، فلم يجز العدول عن ظاهر مخالفة المعطوف لما عطف عليه؛ لأن مثل ذلك الظاهر ترك في موضع بدليل. ولأن المواضع التي ذكرها، بدأ بالجملة بعد التفصيل، ويدخل التفصيل فيها.

ولأن في هذه المواضع لم تذكر جملة على وجه الامتنان به بعينه فلا، ويدل عليه: أن يابس الرمان والرطب ليس بفاكهة، فرطبه لا يكون فاكهة كالحبوب والأرز، ولا رطبه لو كان فاكهة كان يابسه فاكهة، الدليل عليه الجوز واللوز. ولأن ما نص عليه في الفطرة، ليس بفاكهة كالحنطة والشعير. ولأن ما نص عليه في الفطرة، ليس بفاكهة كالحنطة والشعير. ولأن الرطب قد يتنفل به وقد يقصد بأكله الشبع، فلم يخلص فيه، إذ قد يؤكل لغير التفكه. ولأنه لو خلص فاكهة استوى رطبه ويابسه.

مسألة 1584 حلف أن لا يشرب من دجلة

مسألة 1584 حلف أن لا يشرب من دجلة 31994 - قال أبو حنيفة رحمه الله: إذا حلف لا يشرب من دجلة، فاغترف منها بإناء، لم يحنث حتى يكر منها. 31995 - وقال أبو يوسف ومحمد [رحمهما الله]: إذا اغترف فشرب، حنث. وبه قال الشافعي رحمه الله. 31996 - لنا: إن دجلة مشروب منها شربًا معتادًا، فإذا نقل ماؤها إلى إناء، لم يحنث، كما لو قال: لا أشرب من هذا الكوز. فنقل ماؤه إلى كوز آخر. 31997 - فإن قيل: الكوز ليس بمشروب منه، وإنما عقد يمينه على الشرب منه لا على الشرب به. وهذا مبني على أصله إذا كان لها حقيقة متعارفة ومجاز متعارف حملت على الحقيقة المتعارفة ولم يحمل على المجاز؛ لأن لفظ الحقيقة لفظ مستعمل في موضعه، والمجاز معدول به عن موضعه، ويستحيل أ، يكون اللفظ في حالة واحدة على الصفتين. 31998 - احتجوا: بأن المشروب مقدر في هذا اللفظ، فكأنه قال: والله لا أشرب من ماء دجلة. 31999 - قلنا: هذا لا يصح؛ لأن الحالف إن أراد الحذف، حملنا يمينه عليه، والخلاف فيمن أطلق اللفظ ولا نية له، فمتى أمكن استعمال حقيقة كلامه من غير حذف كان أولى. 32000 - فإن قيل: لابد في الكلام من حذف على القولين؛ لأن تقدير الكلام عندكم لابد فيه من حذف المفعول، فكأنه قال: لا أشرب من ماء دجلة. 32001 - قلنا: إذا قدرنا حذف المفعول، فالذي صرح به هو المعقود عليه، ومتى

قدرنا حذف المضاف، صار المعقود عليه الماء دون ما صرح به هو المقصود دون المحذوف المقدر. 32002 - فإن قيل: إذا اعتبرتم الحقيقة، لم يصح؛ لأن دجلة قرار الماء وهو لا يكرع من القرار. 32003 - قلنا: دجلة هو مجرى الماء وهو شارب منه، وإنما يحول بين فمه وبين مجرى الماء المشروب، وذلك لا يعتبر، كما لو قال: لا أشرب من هذه الأنهار فكرع منها.

مسألة 1585 التختم بالفضة بعد الحلف لا يلبس حليا

مسألة 1585 التختم بالفضة بعد الحلف لا يلبس حليًا 32004 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا حلف لا يلبس حلياً، فتختم بالفضة، لم يحنث. 32005 - وقال الشافعي رحمه الله: يحنث. 32006 - لنا: أن الحلي يحرم على الرجال، وقد أبيح لهم التختم بالفضة، فدل على أنه ليس بحلي كخاتم الحديد والنحاس. ولا يقال: إنه حلي، إلا أنه مباح كالمنطقة؛ لأن المنطقة عندنا ليست بحلي؛ لأنها أبيحت للرجال، ولأن بائعة لا يسمى بائع حلي ولا مشتريه، فلم يكن حنثًا. ولأنه لا يلبس للتحلي، وإنما يلبس للتختم به. 32007 - احتجوا: بأنه لو كان من الذهب، كان حليًا، فإذا كان من الفضة كالخلخال والدملج. 32008 - قلنا: لما استوى الفضة والذهب في الخلخال في الحظر، علمنا أ، هما حلي، ولما اختلفنا في مسألتنا، علمنا أن المباح ليس بحلي. ولأن الخلخال لم يقصد به إلا التزييين والتحلي، والخاتم يقصد به غير ذلك.

مسألة 1586 لبس اللؤلؤ بعد الحلف لا يلبس حليا

مسألة 1586 لبس اللؤلؤ بعد الحلف لا يلبس حليًا 32009 - قال أبو حنيفة رحمه الله: إذا حلف لا يلبس الحلي، فلبس اللؤلؤ بانفراده، لم يحنث، وإن لبسه مع الذهب، حنث. 32010 - وقال أبو يوسف ومحمد [رحمهما الله]: يحنث في الوجهين. وبه قال الشافعي رحمه الله. 32011 - لنا: أن الاسم لا يتناوله في العرف بانفراده، فصار كالياقوت والعقيق وأنواع الجواهر. ولأن أبا حنيفة لم يشاهد في زمانه الناس يتحلون به منفردًا، فأجاب على عادة شاهدها، فإن كانت العادة تغيرت، فالحكم يتبعها. 32012 - احتجوا: بقوله تعالى: {يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا}. وتقديره: ويحلون لؤلؤا. قال تعالى: {وتستخرجوا منه حلية تلبسونها}. 32013 - قلنا: الإيمان لا تحمل على تسمية القرآن، وإنما تحمل على التسمية في العرف، بدلالة أن الله تعلى سمى السمك في القرآن لحمًا، واتفقنا على أن من حلف لا يأكل لحمًا فأكل السمك، لم يحنث اعتبارًا بالاسم العرفي، كذلك الحلي. 32014 - قالوا: ما كان حليًا مع الذهب، كان حليًا بانفراده كالفضة. 32015 - قلنا: يبطل بالفيروز والعقيق والياقوت.

مسألة 1587 شراء دهن البنفسج بعد الحلف لا يشتري البنفسج

مسألة 1587 شراء دهن البنفسج بعد الحلف لا يشتري البنفسج 32016 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا حلف لا يبتاع البنفسج، فابتاع الدهن؛ حنث. 32017 - وقال الشافعي رحمه الله: لا يحنث. وهذا لا خلاف فيه في المعنى؛ لأن أبا حنيفة أجاب على عادة شاهدها بالكوفة، وكانوا إذا أطلقوا البنفسج أرادوا به الدهن دون الورد. ومن في معرفة أبي حنيفة بالعادات تجاهل، وهذه عادة لا توجد في سائر البلاد، فالحكم يتبع العادة في التسمية، فيسقط الخلاف.

مسألة 1588 ضرب الزوج زوجته بعد حلفه ألا يضربها

مسألة 1588 ضرب الزوج زوجته بعد حلفه ألا يضربها 32018 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا حلف لا يضرب امرأته، فمد شعرها أو عضها وقرصها أو خنقها، حنث. 32019 - وقال الشافعي رحمه الله: لا يحنث. 32020 - لنا: أن الضرب إيقاع فعل في المضروب يصل به ألم إليه، وهذا موجود في الأنواع، وأن انفرد كل واحد منها باسم وهو الحذف. 32021 - احتجوا: بأنه لا يسمى ضربًا، فلا يحنث، كما لو شتمها. 32022 - قلنا: لا نسلم؛ لأن هذا كله ضرب، ولكن اختص بأسماء كالحذف والجرح.

مسألة 1589 حلف ألا يستخدم فلانا

مسألة 1589 حلف ألا يستخدم فلانا 32023 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا حلف لا يستخدم فلانًا، ولم يكن استخدمه قبل اليمين، فخدمه بغير أمره، لم يحنث. وإن كانت على خادم قد استخدمه قبل اليمين فلم يجدد أمره بشيء من الخدمة ونفى الخادم على خدمته له، حنث. 32024 - وقال الشافعي رحمه الله: لا يحنث في الوجهين. 32025 - لنا: أن البقاء على الخدمة بأمر سابق استخدام في كل وقت مستقبل، بدلالة أنه يقال: فلان يستخدم عبيده. وإن لم يجدد لهم الأمر في الحال، وإذا كان البقاء على الاستخدام يتناوله الاسم، حنث بالبقاء والابتداء، كقوله: لا أركب [ولا البرا]. 32026 - احتجوا: بأن الاستخدام استدعاء الخدمة، ولم يوجد ذلك بعد اليمين، فلا يحنث. 32027 - قلنا: بقاؤه على الاستخدام إذا لم ينهه عن الخدمة استخدام، كبقائه على اللبس.

مسألة 1590 حلف ألا يأكل ما اشتراه فلان

مسألة 1590 حلف ألا يأكل ما اشتراه فلان 32028 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا حلف لا يأكل ما اشتراه زيد، فأكل مما اشتراه زيد وعمرو؛ حنث في يمينه. 32029 - وقال الشافعي رحمه الله: لا يحنث. 32030 - لنا: أنه حلف على مأكول يضاف إلى شراء زيد، ونصف الطعام اشتراه زيد وهو مأكول، فصار كما لو اشترى كل واحد طعامًا فخلطاه، فأكل منه. يبين ذلك أنهما لو تقاسما الطعام، جاز لكل واحد منهما أن يبيع ما قسمه مرابحة، فدل على أنه مشترك لنصفه، وذلك النصف يسمى مأكولًا وطعامًا، فحنث بتناوله. 32031 - احتجوا: بأن كل جزء وقع منه الفعل يسمى شراء زيد، فصار كما لو حلف لا يلبس ثوبًا اشتراه زيد، فلبس ثوبا اشتراه زيد وعمرو. 32032 - قلنا: كل جزء يضاف إلى شراء الاثنين، وذلك الجزء ينقسم بعضه شراء هذا وبعضه شراء هذا، وذلك البعض مأكول، فيحنث. فأما الثوب: فأبعاضه لا تسمى ثوبًا، فلم يكن لابسًا لثوب يضاف إلى شراء المحلوف عليه. وفي مسألتين هو آكل لطعام مأكول يضاف إلى شرائه.

مسألة 1591 فعل المحلوف ناسيا أو جاهلا

مسألة 1591 فعل المحلوف ناسيًا أو جاهلًا 32033 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا فعل المحلوف ناسيًا أو جاهلًا أو مكرهًا؛ حنث. 32034 - وقال الشافعي رحمه الله: لا يحنث. 32035 - لنا: قوله تعالى: {ذلك كفارة أيمانكم}. والمراد: إذا حنثتم. والناسي حانث. 32036 - فإن نازعوا في ذلك. 32037 - فالمرجع فيه إلى اللغة، وهذا حنث في اللغة، [...] لوجود المخالفة في يمين منعقدة. يبين ذلك أن أهل اللغة إذا وضعوا اسمًا مشتقًا من فعل، لم يفصلوا فيه بين النسيان والعمد، بدلاله اسم الضارب والقاتل. وقد أطلق السلف على هذا القول، فروى مثل قولنا عن مجاهد وطاوس وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز والزهري وقتادة والحسن. ولأنه ابتداء فعل المحلوف عليه بعد يمينه كالذاكر القاصد. ولأنه أتى بالفعل المحلوف عليه، بدلالة أن القصد لو انضم إليه، حنث به، فصار كما لو فعل ذاكرًا. ولأنه يلزم إذا حلف لا يركب وهو راكب؛ لأن الجزء الذي يلي الركوب ليس هو المحلوف عليه، بدلالة أنه يبقى عليه قاصدًا وغير قاصد؛ فلا يحنث. ولأنه قادر على ترك هذا البعض، فيحنث بفعله كالقاصد. 32038 - ولأنه سبب للكفارة لا تؤثر فيه الأعذار، فاستوى فيه الناسي والعامد، كقتل الصيد فيه. والدليل على الوصف من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها، حنث وكفر.

32039 - فإن قيل: المعنى في قتل الصيد أنه إتلاف، فاستوى فيه الناسي والعامد، وهذا سبب في التكفير ليس بإتلاف، كالفطر في رمضان. 32040 - قلنا: الإتلاف يختلف فيه الخاطئ والعامد في الضمان، بدلالة القصاص، ويختلف عندنا في الكفارة؛ لأن قتل العمد لا كفارة فيه، فلم نسلم العلة في الأصل، وعلة الفرع لا تصح؛ لأنها تبطل بكفارة الظهار يستوي فيها النسيان والعمد. ولأن كفارة الصوم اختلف فيها الناسي والعامد، لتأثير السنة فيها. ولأن الكفارة تتبع إفساد الصوم بصفة والناسي لا يفسد صومه. ولأن اليمين عقد من العقود، والحنث تصرف في المعقود عليه يبطل العقد، فاستوى فيه الناسي والعامد، كإتلاف البايع المبيع قبل القبض. 32041 - احتجوا: بقوله تعالى: {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم}. 32042 - قلنا: هذا يقتضي رفع المأثم، ووجوب الكفارة لا يقف على المأثم. 32043 - قالوا: عندكم إذا لم يكفر، أثم وحرج، فقد أثبتم الجناح. 32044 - قلنا: ليس بالحنث، لكن بترك التكفير بعد الحنث، وهذا ليس يحتج في الخطأ، وإنما هو أ/ر اعتمده وهو ترك التكفير. 32045 - قالوا: قال الله تعالى: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا}. 32046 - قلنا: الناسي عندنا غير مؤاخذ بالخطأ، ونفى المؤاخذة لا يقتضي سقوط الكفارة. 32047 - قالوا: روى عن النبي - عليه السلام - أنه قال: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه). 32048 - قلنا: الخطأ غير مرفوع باتفاق، وكذلك فعل الناسي، فيحتمل: رفع عن أمتي مأثم الخطأ. ويحتمل حكمه، وليس أحدهما بأولى من الآخر. والظاهر رفع المأثم؛ لأن أحكام الخطأ غير منتفية باتفاق. 32049 - قالوا: لا يمكن حفظ اليمين منه أو لا يمكن الاحتراز منه، فوجب ألا

يدخل في يمينه، أصله: إذا حلف لا يركب وهو راكب فنزل، أو لا يلبسه وهو لابس فخلع. 32050 - قلنا ذلك الجزء من الركوب غير محلوف عليه، بدلالة أنه لا يجوز أن يخلو من هذه اليمين منه، فلم يتناوله العقد، فلم يحنث. وليس كذلك ما لبسه؛ لأنه يقدر على تركه، فيتصور خلو اليمين منه، فكان معقودًا عليه فيحنث. يبين ذلك أنه لا يقدر على ترك الركوب في الجزء، ويقدر على ترك الفعل وإن كان ناسيًا ليمينه. 32051 - قالوا: ما لا يدخل في التكليف، لا يدخل في اليمين المطلقة. وإن شئت قلت: ما لا يدخل في التكليف، لا يدخل في اليمين المطلقة، أصله: إذا فعل المحلوف عليه في حال النوم والجنون. 32052 - قلنا: لا نسلم أن فعل الناسي لا يدخل في التكليف ولا يدخل في الأمر والنهي، وإنما لا يأثم به، فإما أن ترتفع أحكامه فلا. ولأن أحكام الحنث تتعلق بعقد الإنسان على نفسه، وأحكام الأمر والنهي والتكليف تتعلق بإيجاب الله تعالى، ألا ترى أنه يوجب على نفسه ما مائة حجة والصدقة بجميع ماله، وإن كان ذلك غير واجب بالشرع؟ كذلك يجوز أن تنعقد يمينه على فعل حال النسيان، وإن كان الأمر والنهي لا يتناول ذلك. فأما فعل النائم والمجنون: فلا يقع به الحنث. 32053 - فإن قيل: كيف انعقد يمينه على ما يفعله حال النوم والجنون، وهو لا يقدر على التحفظ منهما؟. 32054 - قلنا: لو لم يرد أن يتناوله العقد استثناء، فلما أطلق اليمين دل على أنه عقد عليه.

مسألة 1592 انعقاد يمين المكره

مسألة 1592 انعقاد يمين المكره 32055 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: يمين المكره منعقدة. 32056 - وقال الشافعي رحمه الله: لا تنعقد. 32057 - لنا: ما روي أن حذيفة بن اليمان وأباه خرجا إلى النبي - عليه السلام -، ليلحقاه ببدر ليقاتلا معه، فأخذهما المشركون، فاستحلفاهما، ألا يعينا النبي - عليه السلام -، فلما جاءا ذكرا ذلك له، فقال: (نفي بعهدهم، ونستعين بالله عليهم). 32058 - فإن قيل: ليس في الخبر أنهم أكرهوهما. 32059 - قلنا: لا يجوز أن يكون المسلم يحلف طائعًا أن يقعد عن النبي - عليه السلام -. ولأن الحكم لو اختلف، لسأل - عليه السلام - عن كيفية الاستحلاف. 32060 - قالوا: يجوز أن يكون هذا قبل إسلامهما. 32061 - قلنا: هذا كلام من لا علم له بالأخبار؛ وذلك لأن اليمان أبا حذيفة من مضر من بني عبس أصاب دمًا في قومه، فقدم المدينة وحالف بني عبد الأشهل، وأسلم بالمدينة هو ابنه حذيفة، وخرجا إلى مكة، ثم هاجرا فهما معدودان في المهاجرين والأنصار، فكيف يكونا لم يسلما زمن بدر، وقد هاجرا قبل ذلك؟!. 32062 - ويدل عليه ما روي أنه - عليه السلام - قال: (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: الطلاق، والنكاح، واليمين). فإذا استوى الجد والهزل، دل على أن القصد غير معين. ولأنه مكلف، فانعقدت يمينه كغير المكره. ولأنه لو حلف على غير ما أكره عليه، انعقدت يمينه، وكل من تنعقد له يمين

بصفة، تنعقد له بكل صفة، أصله غير المكره. احتجوا: بقوله - عليه السلام -: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه). وقد أجبنا عنه. 32063 - قالوا: روى وائلة بن الأسقع عن النبي - عليه السلام - أنه قال: (ليس على مقهور يمين). 32064 - قلنا: ذكره الدارقطني وطعن عليه، ولو ثبت معناه: ليس عليه الوفاء باليمين. ومتى لم يلزم الوفاء، لم يدل على سقوط الكفارة كاليمين على المعصية. 32065 - قالوا: الإكراه يمنع صحة الكفر، فوجب أن يمنع صحة اليمين، أصله الصغر والجنون. 32066 - قلنا: الصغر والجنون ينفي التكليف فيمنع الانعقاد، والإكراه لا يمنع التكليف فلا يمنع انعقاد اليمين. 32067 - قالوا: قول محمول عليه بغير حق، فوجب ألا يصح، أصله: الإقرار بالمال أو بالطلاق. 32068 - قلنا: الإقرار إخبار يحتمل الصدق والكذب، فإذا قارنه الإكراه، فالظاهر أنه كذب، وليس كذلك اليمين؛ لأنها إيقاع فما لا ينفي التكليف لا يمنع انعقادها.

مسألة 1593 حلف ألا يكلم فلانا حينا

مسألة 1593 حلف ألا يكلم فلانًا حينًا 32069 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا حلف لا يكلم فلانًا حينًا ولا نية له، فذلك على ستة أشهر. 32070 - وقال الشافعي رحمه الله: إذا حلف على النفي فقال: لا أكلمه حينًا. فيمينه على ساعة واحدة، وإن حلف على الإثبات فقال: والله لأقضين حقك إلى حين. فقضاه في آخر عمره، بر في يمينه. 32071 - لنا: أن الحين يعبر فيه عن الوقت اليسير، قال الله تعالى: {فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون}، وقال: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر}. قيل: إن المراد به أربعون سنة. وقال {فمتعناهم إلى حين}. يريد: إلى ما قبل الممات. ويعبر به عن ستة أشهر، قال الله تعالى: {تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها}. قال ابن عباس: النخلة بين حدادها وطلعها ستة أشهر. وروي: سنة ما بين أن تطلع إلى أن تطلع. ولا يجوز أن يريد الحالف بيمينه الساعة؛ لأن الممتنع من كلام غيره ساعة لا يحلف عليها، ولا يجوز أن يكن المراد أربعون سنة؛ لأنه لو أراد ذلك لقال: أبدأ. لأنه أكثر العمر، فبقى أن يحمل على الوسط، وهو ما روي عن ابن عباس وسعيد بن المسيب أنهما قالا: ستة أشهر. وذلك أولى ما روي أنه سنة؛ لأنها ترى الطلع والثمرة وبينهما ستة أشهر، ولا يعتبر الطلع خاصة ولا الثمر خاصة؛ لأن ذلك بعض أكلها. ولأن الحين يذكر على طريق البعد، فنقول: ما فعلت كذا منذ حين. فلا يجوز أن

يحمل على الساعة الواحدة. ولأن ذلك غير مراد في العادة. ولأن اليمين إذا اقتضت التوقيت لم يختلف ذلك بالنفي والإثبات كاليمين على مدة شهر أو سنة. 32072 - احتجوا: بأنه وقت لزمان مبهم يتناول القليل والكثير. 32073 - قلنا: إذا كان الاسم مشتركًا، رجع فيه إلى نية الحالف، فإن عدمت، لم يجز حمله على القليل؛ لأن الإطلاق لا يتناوله. ولأنا دللنا على وجوب اعتبار أوسط المدد.

مسألة 1594 حلف ألا يتكلم فقرأ القرآن

مسألة 1594 حلف ألا يتكلم فقرأ القرآن 32074 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا حلف لا يتكلم، فقرأ القرآن في غير الصلاة، حنث، وإن قرأ في الصلاة، لم يحنث استحسانًا. 32075 - وقال الشافعي رحمه الله: لا يحنث إذا قرأ في الصلاة أو في غيرها. والتزم بعض أصحابه إذا كبر أو سبح أو تشهد خارج الصلاة، فقال: لا يحنث. 32076 - لنا: أن الكلام حروف منظومة وأصوات متقطعة، فيجب أن يحنث إذا أتى بذلك، إلا يستثنى من يمينه بلفظ أو عادة. ولأن ما أنشأه في نفس أو نطق به من كلام غيره، سواء في الحنث، أصله: إذا أنشد شعر غيره أو ابتدأ الشعر أو خطب خطبة ارتجلها أو حكى خطبة غيره. ولا يلزم إذا كان في الصلاة؛ لأن التعليل للتسوية بين ما يبتدئه أو يحكيه، وما كان يجوز في الصلاة يستوي فيه المبتدأ والحكاية فيما يفسد أو لا يفسد. 32077 - احتجوا: بأنه ما ليس بكلام في حال الصلاة، وجب ألا يكون كلامًا له خارج الصلاة كالإجارة. 32078 - قلنا: القرآن كلام له في الصلاة إلا أن يستثني من يمينه بالعرف، فهو كالخارج بالاستثناء. 32079 - قالوا: لو حلف لا يقرأ القرآن، استوى في الحنث أن يقرأ في الصلاة أو غيرها. 32080 - قلنا: هاهنا صرح بذكر القراءة، فلم يرجع إلى العرف في مخالفة الصريح، وجاز أن يرجع إلى العرف في تخصيص العموم.

32081 - قالوا: روي أن النبي - عليه السلام - قال لمعاوية بن الحكم: (إن صلاتنا لا يصلح فيها شيء من كلام الناس). 32082 - قلنا: معناه ما وضع في مخاطبة الناس، ولو حلف لا يتكلم بكلام الناس، لم يحنث بالقراءة؛ لأنها كلام الله تعالى.

مسألة 1595 حلف أن يقضيه حقه أو دينه فأعطاه عوضه

مسألة 1595 حلف أن يقضيه حقه أو دينه فأعطاه عوضه 32083 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا حلف ليقضينه حقه أو دينه، فأعطاه به عوضًا فرضي به، بر في يمينه. 32084 - وقال الشافعي رحمه الله: يحنث. وفي المزني: أن العوض إن كان قيمة دينه لم يحنث، وإن كان أقل حنث. 32085 - لنا: أن الشراء يقع كمثل الدين في الذمة، ثم يصير قصاصًا، فماله من الدين فكأنه قضاه مثل حقه، وهذا على أصلنا أن الدراهم لا تتعين بالعقود. 32086 - وقد حكي أصحاب الشافعي: أنه إذا باعه ثوبًا بثمن ممثل الدين ففيه قولان، أحدهما: أن الثمن لا يصير قصاصًا حتى يتقاضى. فعلى هذا القول لا تأثير في يمينه؛ لأن الدين سقط؛ وهذا غلط؛ لأن الدين سقط بقبض العوض الذي صار بقبضه مستوفيًا للدين، فصار كما لو أعطاه الدين. 32087 - احتجوا: بأنه أعطاه عوضًا عن دينه، فصار كما لو صالحه على ثوب. 32088 - قلنا: المصالح لا يقتضي الضمان عندنا، فلم يصر مثل الدين مضمونًا عليه، وإنما سقط الدين من غير ضمان، فصار كالبراءة.

مسألة 1596 حلف أن يقضي دينه غدا فقضاه قبل غد

مسألة 1596 حلف أن يقضي دينه غدًا فقضاه قبل غد 32089 - قال أصحابنا [رحمهم الله] إذا حلف ليقضينه دينه غدًا، فقضاه قبل غد، لم يحنث. 32090 - وقال الشافعي رحمه الله: يحنث. 32091 - لنا: أن شرط الحنث ترك قضاء دينه في غد، فإذا قضاه اليوم، فليس هناك دين متروك قضاؤه في غد، فلم يحنث. ولأن العادة أن المراد بهذا اليمين ألا يؤخر القضاء عن الغد، وليس يقصد أن يمنع نفسه من تقديم القضاء، فحملت اليمين على المعتاد. 32092 - قالوا: لم يقضه في الزمان المحلوف عليه، فصار كما لو قضاه بعد الغد. 32093 - قلنا: هناك ترك قضاء الدين في الغد، وهذا شرط الحنث، وفي مسألتنا لم يترك قضاء الدين في الوقت؛ لأنه لا دين هناك.

مسألة 1597 له ديون فحلف أنه لا مال له

مسألة 1597 له ديون فحلف أنه لا مال له 32094 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا كانت له ديون، فحلف أنه لا مال له، كان ذلك بارًا. 32095 - وقال الشافعي رحمه الله: يحنث في يمينه. فمن أصحابه من قال: الدين الحال والمؤجل سواء. ومنهم من قال: إن كان حالًا حنث، وإن كان مؤجلًا لم يحنث. 32096 - لنا: أن الدين حق المطالبة، وليس هناك عين يوصف بأنه يملكها، والحقوق ليست بمال كحق الشفعة حق المضاربة وكمن أوصى بخدمة عبده أو بسكنى داره. ولأنه لا يتعين به مال إلا بفعل حادث، فصار كالمنافع. ولأن ملكه يزول عنه بالبراءة، ولو كان مالًا لا يسقط الحق عنه بالبراءة كالأعيان. 32097 - احتجوا بقوله - عليه السلام -: (لا زكاة في مال، حتى يحول عليه الحول). قالوا: والدين إذا حال عليه الحول، وجبت فيه الزكاة. 32098 - قلنا: الخبر يقتضي أن المال تجب فيه الزكاة بالحول، ولا يدل على أن الزكاة لا تجب في عين الملك. 32099 - قالوا: ما انعقد فيه حول الزكاة، كان مالًا أو ما وجب فيه الزكاة كان مالًا. 32100 - قلنا: وجوب الزكاة يتعلق بالدين؛ لأنه لا يتعلق به مال وإن لم يكن مالًا في الحال، والأيمان تتبع الأسماء ولا تتبع الأحكام، والاسم يتناوله المال، ولو تصدق على من عليه الدين بزكاة ما عليه، لم يجزئه، ولو كان مالًا أجزأ في الزكاة.

32101 - قالوا: ولو قال: لفلان على مال. وفسره بالدين قبل. 32102 - قلنا: لأنه أق بحق في الذمة، والأعيان لا تثبت في الذمم، فعلمنا أنه أراد ما يثبت في الذمة. 321.3 - قالوا: هو مال بعد القبض، فكان مالًا قبله كالوديعة. 321.4 - قلنا: ليس المقبوض هو الدين، لكنه مأخوذ عنه، فلا نسلم أن المال المقبوض هو الذي كان قبل القبض.

مسألة 1598 قال لامرأته: إن خرجت إلا بإذني فأنت طالق

مسألة 1598 قال لامرأته: إن خرجت إلا بإذني فأنت طالق 32105 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا قال لامرأته: إن خرجت إلا بإذني فأنت طالق: وأذن لها فخرجت، ثم خرجت بعد ذلك بغير إذنه، حنث. 32106 - وقال الشافعي رحمه الله: لا يحنث. 32107 - لنا: أنه عقد يمينه على كل خروج واستثنى خروجًا بصفة، فكل خروج لم يدخل في الاستثناء فهو داخل في اليمين، فيحنث به، أصله: إذا قال: إن خرجت إلا ومعك سيف، فأنت طالق. فخرجت بسيف، ثم خرجت بغير سيف، وقع الطلاق عليها. وهذا ليس كقوله: إن خرجت إلا أن آذن لك أو حتى آذن لك. لأن (حتى) غاية وتوقيف، فإذا وجد زالت اليمين، وصار التوقيت بـ (حتى) كالتوقيت بيوم فيما بعده لا يمين. كذلك بخلاف: إلا أن آذن لك، فأذن لها مرة واحدة؛ لأن الأذن إذا دخل على ما يتوقف كان للتوقيت، بدلالة قوله تعالى: (لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم). 321.8 - احتجوا: بأن هذه اليمين جمعت منعًا من الخروج بغير إذن وإباحة للخروج بإذنه، فإذا خرجت بالإذن وجب أن يكون برًا يسقط به اليمين قياسًا عليه إذا قال: لها إن خرجت مرة واحدة إلا بإذني، فأنت طالق. فإذن لها فخرجت، بر في يمينه، وسقطت اليمين. 32109 - قلنا: هذه اليمين انعقدت على منع كل خروج ولم تنعقد ما انضم إليه الإذن، لكن ذلك سببها، فهو منها على الأصل، فأما أن تكون اليمين تناوله فلا.

ولهذا قال أصحابنا: إذا قال: إن كنت أملك الألف درهم فأنت طالق. وفي ملكه أقل من ألف؛ لم يحنث؛ لأن ما استثناه أخرجه من اليمين ولم يعقدها عليه، فلم يعتبر وجوده. فأما قوله: إنه يحنث بخروج واحد، فيبر به؛ فليس بصحيح؛ لأن الحنث في مقابلة النهي، والبر في مقابلة إمساك الأمر، ومعلوم أن الأمر إذا تناول جملة أفعال لم يسقط عنه مقتضاه بفعل أحدهما ويستحق الذم في الأفعال المنهي، فلا يكتفي فيه بفعل مرة، بل لا بد من التكرار. فأما استشهاده بمن قال: إن خرجت مرة واحدة إلا بإذني؛ فهذه مسألتنا إن خرجت مرة بغير إذنه حنث، وإن خرجت مرة واحدة بأمره ثم خرجت بغير أمره، حنث. وأما قوله: إن خرجت أول خروجك إلا بإذني. فالعقد وقع على خروج واحد، وما بعده لم يعقد عليه، فلا يغير صفاته. 32110 - قالوا: كذلك مسألة الخلاف المعقود عليه خروج واحد، بدلالة أنه إذا حنث لم يتكرر الحنث، وإن كان المعقود عليه كل خروج لتكرر الحنث، كما لو قال: كلما خرجت بغير إذني، فأنت طالق. 32111 - قلنا: هذا غلط، ليس إذا لم يتكرر الحنث كان المعقود عليه مرة واحدة؛ لأن الحنث يحل اليمين إذا لم يكن فيها ما يقتضي التكرار، فيوجد الخروج الثاني ولا يمين، والبر مرة واحدة لا يحل اليمين، فلا يمنع الحنث بعده. فأما إذا قال: كلما خرجت. فهذا لفظ يقتضي جميع كل خروج، وتكرار الحنث بتكراره، فإذا حنث مرة لم ينحل اليمين، فكذلك حنث بالمرة الثانية. 32112 - قالوا: الدليل على أن اليمين تناولت الخروج بغير إذنه منعًا وتناولت الخروج بإذنه إباحة قولة - عليه السلام -: (لا نكاح إلا بولي). فإذا نكحت بغير ولي، فقد فعلت ما نهيت عنه، فإذا نكحت بولي فقد فعلت ما أمرت به. 32113 - قلنا: هذا هو الدليل عليكم؛ لأنها إذا نكحت بولي لم يسقط حكم الثاني، بل إذا نكحت ثانيًا بغير ولي كانت منهية عنه مثل مسألتنا. 32114 - قالوا: كقوله: إن خرجت ليلًا بإذني. شرط يقتضي التكرار، فإذا

خرجت مرة بإذنه، بر في يمينه. 32115 - قلنا: وإن لم يقتض التكرار، إلا أنها عقد على كل خروج، فإذا أذن لها، فقد فعلت ما لم يحلف عليه، فلا يوصف ببر ولا حنث واليمين بحالها، فمتى خرجت بغير أمره حنث، ولا يتكرر الحنث بأن يكون الخروج بغير أمره؛ لأن الشرط لا يقتضي التكرار. يبين ذلك أنه لو قال: إن خرجت اليوم إلا بإذني. فخرجت بغير إذنه حنث مرة، [ولو خرجت مرة بإذنه لم يبر، بدلالة أنها إن خرجت في نفس اليوم بغير إذنه حنث]، فالحنث يقع بخروج واحد، والبر لا يقع به. فإذا أطلق اليمين ولم يؤقتها، فجميع العمر فيها كالعمر في اليمين المؤقتة. 32116 - قالوا: لا فرق بين قوله: إلا أن آذن. وبين قوله: إلا بإذني. بدلالة أنه لو قال لوكيله: لا تبع متاعي إلا بإذني، أو أن آذن لك. فإن ذلك سواء. 32117 - قلنا: هذا غلط بيع مال الغير لا يملكه الإنسان إلا بإذنه، فلا بد من الإذن. فإذا قال: إلا أن آذن. ليس لأن اللفظ لا يقتضي التوقيت، ولكنما التوقيت إنما عاد إلى الأصل الذي هو المنع من بيع مال الغير بغير إذنه. وفي مسألتنا الخروج غير ممنوع منه على ما قبل الغاية كما بعدها لم يعقد عليه وفي رواية من الوكالة أن يقول: وكلت ببيع مالي. ثم يقول: لا تبع إلا أن آذن لك. فأذن له، لم يحتج إلى تكرار الإذن؛ لأن النهي مؤقت. ولو قال: لا تبع إلا بإذني. لم يكن بد من تكرار الإذن في كل بيع، فلا فرق بينهما. وهذه المسألة خالف الشافعي فيها مقتضى اللغة، وهم يتحملون ما ينصرونها، فلا يستقيم دفع الأمر الظاهر.

مسألة 1599 حلف ألا تخرج إلا بإذنه ثم أذن فخرجت دون أن تعلم بالإذن

مسألة 1599 حلف ألا تخرج إلا بإذنه ثم أذن فخرجت دون أن تعلم بالإذن 32118 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا قال: إن خرجت إلا بإذني. فأذن لها ولم تعلم بالإذن فخرجت؛ حنث. 32119 - وقال الشافعي رحمه الله: لا يحنث. 32120 - لنا: أن الإذن إباحة، فلا يثبت في حقها بغير علم بإباحة صاحب الشريعة. 32121 - فإن قيل: إباحة صاحب الشريعة تثبت من غير علم، بدلالة أنه إذا أباح ذبح حيوان فذبحه من لا يعلم بإباحته، حل أكله. ولو أباح قتل المرتد فقتله قاتل وهو لا يعلم لم يضمن. 32122 - قلنا: غلط إذا قتل المرتد من لا يعلم بإباحته قتل أثم وفعل فعلًا محرمًا، وكذلك إذا نهي - عليه السلام - عن ذبح حيوان مخصوص، فمن علم بالنهي ولم يعلم بالإباحة فذبحه، فقد فعل فعلًا منهيًا عنه وأثم بالإقدام عليه. فلو كانت الإباحة ثابتة، لم يأثم، وإن قصد الحالف ألا يحرم مخالفة ومشاقة لنهيه. ومتى لم تعلم بإذنه، فقد خرجت مخالفة ومشاقة، فوجب أن يحنث. ولأن، الإذن مأخوذ من العلم، ومنه قوله تعالى: {وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله}. أي: بعلمه. ومنه سمي الأذان، لما فيه من الإعلام، قال الشاعر: آذنتنا ببينها أسماء رب ثاو يمل منه الثواء أي: أعلمتنا. وقال الله تعالى: {وأذن في الناس بالحج}. فإذا أذن ولم يعلمها، لم يكن إذنًا. وقيل: إنه مأخوذ من وقوع الإذن. 32123 - فإن قيل: إ، الإذن ليس بإعلام، وإنما الإعلام الإيذان، يقال: آذنه يؤذنه إيذانًا، إذا أعلمه. وأذن له يأذن إذنًا، إذا أباح له. فالإباحة بمجرد الإذن.

32124 - قلنا الإذن والإيذان وإن اختلف تصريفها، فأصلهما العلم، بدلالة قوله تعالى: {وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله}. لا يجوز أن يكون المراد به: إلا بعلمه؛ لأن الله تعالى ما أباح السحر، فلم يبق إلا أن يكون من العلم. ولأن قوله: إلا بإذني. حال فكأنه قال: إن خرجت إلا أن يصاحبك إذني. ومتى لم تعلم بإذنه، فلم يصاحبها، فلم يكن حالًا لها. 32125 - احتجوا: بأنها خرجت بعد وجود الإذن من جهته، فوجب ألا يحنث، أصله: إذا علمت. قلنا: لا نسلم أن قوله: أذن إلا بعد علمها به. ولأنها إذا علمت فلم تخرج مشاقة له، وإذا لم تعلم فقد خرجت مخالفة ومشاقة له، وذلك هو الخروج المحلوف عليه. 32126 - قالوا: المرأة ممنوعة من الخروج بحق الزوج، وإذنه في الخروج إسقاط لحقه، وإسقاط الحق لا يفتقر إلى علم المسقط عنه، أصله الإبراء من الدين. 32127 - قلنا: إذا أبرأ غريمه من الدين، فالبراءة لا تثبت في حق الغريم من كل وجه، بدلالة أنه أثم بترك القضاء، وإنما يسقط الدين؛ لأنه حق المشتري، وقد أسقطه. فأما اليمين: فيتعلق بها حق الله تعالى، فلا تنحل إلا بعد حقيقة الإذن. 32128 - فإن قيل: قد قلتم: إن من بعث غلامًا يستعير له دابة إلى القيروان، فاستعارها الغلام إلى طريق آخر، ولم يعلم المرسل مخالفته، فركبها السيد في الطريق الذي فيه صاحبها فعطبت، لم يضمنها ,إن لم يعلم الإذن. 32129 - قلنا: قد قال أصحابنا: إن القياس أن يضمن، وسقوط الضمان استحسان. على أن الإذن لم يثبت في حق السيد، بدلالة أنه متعد بركوبها، وإنما لا تجب الضمانات استحسانًا. ولأنه لو وجب لوجب لحق المالك وقد صحت الإباحة منه حتى أذن للرسول فسقط الضمان كذلك. 32130 - فإن قيل: يسقط الضمان قبل وجوبه. 32131 - قلنا: قام الرسول مقام المرسل، فصح الإذن، فلم يجب به ضمان، وإن لم يثبت في حق السيد من كل وجه.

مسألة 1600 حلف لا يهب فتصدق

مسألة 1600 حلف لا يهب فتصدق 32132 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا حلف لا يهب، فتصدق، لم يحنث. 32133 - وقال الشافعي رحمه الله: يحنث. 32134 - لنا: أنهما عقدان مختلفان بدلالة اختلاف اسمهما وأحكامهما، ألا ترى أن الهبة مباحة للنبي - عليه السلام - ولبني هاشم، والصدقة تحرم عليهم. ومقتضى الهبة صحة الرجوع، ومقتضى الصدقة منع الرجوع، فصار كالبيع والإجارة والمزارعة والمضاربة. وقولهم: إن الهبة لا رجوع فيها إلا للوالدين، والصدقة مثله؛ لا يضرنا؛ لأنا بينا اختلاف الحكمين من وجه متفق عليه، وذكرنا الرجوع وهو اختلاف على أصلنا. ولا تلزم العمري ولا التحلي؛ لأن أحكامهما لا تخالف الهبة. 32135 - احتجوا: بأنه تبرع بتمليك عين في حال حياته، فوجب أن يحنث في يمينه، أصله: إذا أعمر أو نحله. 32136 - قلنا: يبطل إذا أقرضه. والمعنى فيما ذكروه: أن أحكامه لا تخالف أحكام الهبة، وقد بينا مخالفة حكم الصدقة للهبة. يبين ذلك: أن المضاربة في معنى الإجارة، إلا أنهما لما اختلفا في ضمان البذل ووجوب شرط المدة لم يحنث بأحدهما إذا حلف على الآخر، وكذلك المزارعة والمضاربة.

مسألة 1601 حلف لا يتسرى فاشترى جارية ووطئها

مسألة 1601 حلف لا يتسرى فاشترى جارية ووطئها 32137 - قال أبو حنيفة ومحمد [رحمهما الله]: إذا حلف أن لا يتسرى، فاشترى جارية وحصنها ووطئها، حنث وإن لم يطلب الولد. 32138 - وقال الشافعي رحمه الله: لا يحنث حتى يطأها في الفرج وينزل، فمتى عزل لم يحنث. 32139 - لنا: أن التسري قيل: إنه مأخوذ من السر وهو الوطء، وقيل: من السرور وهو أ، يجعلها من أسر جواريه. وأني ذلك كان، لم يعتبر فيه الوطء. ولأن كل معنى اعتبر فيه الوطء، لم يعتبر طلب الولد كالحد والإحصان. 32140 - فإن قيل: الحد والإحصان لا يعتبر فيهما السر والتحصين، ون كان ذلك معتبرًا في التسري. 32141 - قلنا: لا يمنع أن يعتبر في التسري ما لا يعتبر في الحد. وإنما قلنا: اشترط فيه الوطء، فلا ينضم إليه طلب الولد، والوطء معتبر في الموضعين، فوجب أن يساويا في اعتبار طلب الولد. 32142 - احتجوا: بأن التسري والتسرية في عرف الناس وعادتهم هي المملوكة التي يسترها عن العيون ويطأها طالبًا لولدها. 32143 - قلنا: هذه العادة لا نعرفها، بل السراري المحصنات الموطوءات طلب أولادهن أو لم يطلب. 32144 - قالوا: جارية لم يطلب ولدها، كما لو وطئها فيما دون الفرج. 32145 - قلنا: الأحكام التي يعتبر فيها الوطء، يختلف حكم الوطء في الفرج من وطء جارية لم تحل له نفي ولدها، فاعتبر التحصين حتى لا ينفي ولد أمته، ولا يلتزم ما ليس منه وليس إذا اختلط الولد دل على أنه مقصود. ولأنه يسترها، ليحصنها من بين الجواري، إذ التسري تخصيص لها بمعنى من المعاني.

مسألة 1602 حلف لا يدخل بيتا من أهل الحضر

مسألة 1602 حلف لا يدخل بيتًا من أهل الحضر 32146 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا حلف لا يدخل بيتًا وهو من أهل الحضر، لم يحنث بدخول بيت من الشعر، وإن كان بدويًا حنث. 32147 - وقال الشافعي رحمه الله: يحنثان جميعًا. 32148 - لنا أن الأيمان محمولة على العرف، وبيوت الحضر بالمدر، وبيوت البادية بالشعر، فوجب أن يحمل يمين كل واحد منهما على ما يعتاده. والأيمان يعتبر فيها عرف الحالف، وعلى هذا قال أصحابنا: إذا حلف لا يتغذي، فشرب لبنا، فإن كان بدويًا حنث، وإن كان حضريًا لم يحنث؛ لأن اللبن غذاء أهل البادية، وليس بغذاء الحاضر. 32149 - احتجوا: بقوله تعالى: {وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا}. 32150 - قلنا: تسمية القرآن غير معتبرة في الأيمان، بدلالة أن الله تعالى سمى بيت العنكبوت بيتًا، ولو حلف لا يخرب بيتًا، فخرب بيت العنكبوت لم يحنث. وقد سمى الله تعالى المساجد بيوتًا، ومن حلف لا يدخل بيتًا فدخل مسجدًا، لم يحنث. 32151 - قالوا: ما حنث به البدوي حنث به الحضري. 32152 - قلنا: يبطل إذا قال: لا أتغذى، فشرب اللبن أو أكل الأقط. 32153 - فإن قيل: كل واحد منهما ثبت، لكن الاختلاف في اعتباره، فهو كمن قال: لا آكل خبزًا. فأكل الأرز. 32154 - قلنا: عندنا إذا حلف لا يأكل خبزًا وهو في بلد خبزهم الحنطة، لم يحنث بأكل الأرز، وإن كان في بلد خبزهم الأرز، حنث بأكله، والعادة معتبرة في ذلك عندنا.

مسألة 1603 تعليق النذر بشرط

مسألة 1603 تعليق النذر بشرط 32155 - المشهور عن أصحابنا [رحمهم الله]: أنه من علق نذره بشرط فوجد، لزمه كما يلزم إذا أطلقه. 32156 - وقال الشافعي رحمه الله: إذا علق النذر بشرط على الامتناع، فهو بالخيار إن شاء وفى بالنذر، وإن شاء كفر كفارة يمين. 32157 - لنا: قوله تعالى: {يأيها الذين أمنوا أوفوا بالعقود}، وقال: {لم تقولون ما لا تفعلون}، وقال تعالى: {فأعقبهم نفاقًا في قلوبهم} بعد قوله: {ومنهم من عاهد الله} إلى قوله: {فما أتاهم من فضله بخلوا به}. فذمهم على ترك الوفاء. 32158 - قلنا: الاستدلال بقوله تعالى: {بما أخلفوا الله ما وعدوه}. وهذا عام في كل نذر عليه. وما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من نذر نذرًا سماه فعليه الوفاء به، ومن نذر نذرًا ولم يسمه، فعليه كفارة يمين). ولأ، كل نذر لو أطلقه، لزمه الوفاء به إذا علقه بشرط فوجد لزمه الوفاء به، أصله إذا كان الاختلاف منفعة أو دفع مضرة. ولأنه لم يسقط به موجب النذر فإنه هو الموجب به، أصله النذر المطلق. ولأن ما يصح تعليقه بالشروط، فالشرط لا يعتبر موجبه، وإنما يتأخر الوجوب إلى حين وجود الشرط، أصله: ما علقه الله تعالى بشرط.

ولأنه علق بالشرط ما لو أرسله لزمه، فإذا وجد الشرط لزمه، أصله: الطلاق والعتاق. ولأن ما عليه بالشرط لا على الامتناع، لزمه عند وجود الشرط، فإذا كان على وجه المنع، لزمه عند وجود الشرط، أصله: الطلاق والعتاق. ولأن ما يصح تعليقه بالشرط يبقى تعلقه بالشرط لبقاء اليمين، فإن زال التعلق، لم يبق باليمين، بدلالة من قال: إن قربتك، فعبدي حر. ثم باعه زالت اليمين؛ لأ، هـ لم يبق تعلق بالشرط. فلو كان ما علقها بالشرط في مسألتنا لم يلزم عند وجوده، لم يبق اليمين. ولما اتفقنا، على بقائها، دل على أن التعليق موجب بالشرط. ولأن ما يقوله مخالفنا يؤدي إلى التخيير بين القليل والكثير، ولأنه يقول: إن كلمتك فعلي إطعام مائة مسكين. فإذا كلمه خيرناه بين إطعام عشرة مساكين كفارة، وبين إطعام مائة بموجب النذر. ولو قال: إن كلمتك فلله على عتق رقبة وإطعام عشرة مساكين وكسوتهم وصيام ثلاثة أيام. يقال له: إن شئت فافعل جميع ما أوجبت، أو افعل نوعًا منه على وجه التكفير. وهذا محال. 32159 - احتجوا: بقوله تعالى: {فكفارته إطعام عشرة مساكين} إلى قوله: {ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم}. قالوا: وهذا حالف؛ لأنه يقال: حلف بصدقة ماله. 32160 - قلتم: إطلاق الحلف يتناول القسم، فأما الشرط والجزاء فلا يعرفه أهل اللغة حلفًا، وإنما سماه الفقهاء حلفًا. ولا تعلم هذه العادة حال نزول الآية، فلم يجب حملها عليه. يبين ذلك: أن الله تعالى ذكر الحلف الذي كفارته الأنواع المذكورة. 32161 - قالوا: قال النبي - عليه السلام -: (من حلف على يمين، فرأى غيرها خيرًا منها، فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه). 32162 - قلنا: إطلاق الحلف يتناول القسم، بدلالة ما قدمنا. 32163 - قالوا: روى عقبة بن عامر أن النبي - عليه السلام - قال: (كفارة النذر كفارة يمين).

32164 - قلنا: المراد بذلك من قال: لله علي نذر، الدليل عليه ما روي عن عقبة مفسرًا ذكره الطحاوي عن خالد بن سعيد عن عقبة بن عامر قال: أشهد سمعت النبي - عليه السلام - يقول: (من نذر نذرًا لم يسمه، فعليه كفارة يمين). ويبين صحة هذا: أن الكفارة إنما تجب في النذر المطلق، فأما النذر المعلق بشرط فيستحق كفارة أحد أمرين، فعلم أن المراد بالخبر ما ذكرنا. 32165 - قالوا: روى إبراهيم بن أبي زياد في كتابه في التفسير عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من حلف بالمشي أو الهدي أو جعل ماله في سبيل الله أو في المساكين أو في رتاج الكعبة، فكفارته كفارة يمين). 32166 - قلنا: الأخبار المناكير لا تقبل إذا أضيفت إلى المشاهير، فكيف إلى المجاهيل؟! أين أهل الحديث ونقله السير عن هذا الحديث، لم ينقلوه حتى وقع إلى ابن أبي زياد، وإنما هذا يروى عن عائشة، فأما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا أصل له. 32167 - قالوا: روي أن رجلًا قال لعمر بن الخطاب: إني جعلت مالي في رتاج الكعبة إن كلمت أخي. فقال: إن الكعبة لغنية عن مالك، كفر عن يمينك، وكلم أخاك. وسئل ابن عباس عن امرأة أهدت ثوبها إن لبسته فقال: لتكفر عن يمينها، ولتلبس ثوبها. وعن ابن عمر مثله. 32168 - قلنا: ذكر الطحاوي عن ابن عمر أ، بعض أهله أنه سأله أنه كسا امرأته فسخطتها فقالت: إن لبستها فكل شيء لي في رتاج الكعبة. فقال ابن عمر: يجعل مالها في رتاج الكعبة. فقلت: إنما مالها في الإبل والغنم. فقال ابن عمر: لتبع الإبل والغنم، ثم تجعله في رتاج الكعبة. 32169 - وذكر عن مالك بن دينار قال: أتتني امرأة تستفتيني، فقالت: إن

زوجها كساها كسوة، فجعلتها هدية إلى البيت إن لبستها، فما دريت ما أفتيها به، فانطلقت إلى أنس بن مالك وأرسلت رسولًا إلى الحسن، فقال لي أنس: إن لبستها، فلتهدها. ورجع رسولي من عند الحسن فقال: تكفر عن يمينها، وتلبس كسوة زوجها. فقد اختلف الرواية عن ابن عمر، وقال أنس بقولنا. وذكر الطحاوي عن عائشة وابن عباس في النذر المطلق كفارة يمين. وهذا يدل على أن المطلق والمعلق سواء، وهذا خلاف قولهم، فحصل من قول أنس مثل قولنا واختلف عن ابن عمر. وقالت عائشة في النذر المعلق: والمعلق بشرط كفارة يمين. فمن فرق بين مطلق النذر ومقيده مخالف لإجماعهم؛ لأنه لم ينقل عن أحد منهم التخيير، وإنما نقل عن بعضهم الكفارة وعن بعضهم الوفاء، والقول بالتخيير خلاف إجماعهم. 32170 - قالوا: ما وجبت فعله بالحنث، برئ منه بكفارة يمين، أصله: إذا قال: إن فعلت كذا فلله على نذر. 32171 - قلنا: لا نسلم أن وجود الشرط حنث على الإطلاق، ولا نسلم أن الواجب في النذر متعلق بالحنث، وإنما يجب بالنذر والحنث شرط. والمعنى فيمن أطلق النذر أنه لم يعين بإيجابه ما يخرج به من موجب الإيجاب، فخرج بمقتضى الشرع، أصله من قال: لله على صيام وصلاة. لما لم يعين نذر الواجب، خرج منه بأقل ما يتقرب به في الشرع. وفي مسألتنا عين ما أوجبه بالنذر، فلم يرجع إلى موجب الشرع، لكنه رجع إلى ما أوجبه، كمن قال: لله علي صلاة أربع ركعات وصيام يومين، ولهذا نقول في الحالف بالله: أنه يكفر؛ لأنه لم يعين بيمينه ما يخرج به منها، فخرج بما وقته الشرع بها. 32172 - قالوا: هذا متردد بين النذر المخير لله تعالى وبين اليمين بالله، وقد أخذ شبهًا من كل واحد منهما، فإنه شبه اليمين من حيث كان الواجب فيه بالحنث والمخالفة بين القول والفعل، وشبه النذر لله تعالى من حيث التزم له قربه وطاعة بشرط كما يقول: إن شفى الله مريضي. وإذا تردد بين الأصلين وليس له أصل سواهما وأجمعوا على أنه لا يجب الجمع بين حكمها، وجب التخيير بينهما فخيرناه. 32173 - قلنا: لا نسلم أن له شبهًا باليمين؛ لأن تعلقه بشرط كتعلق قوله: إن قدم فلان، وإن مات عبدي. ولا فرق في الشروط بين أن يكون بفعل الله تعالى أو

بفعل الحالف أو بفعل غيرهما، فإذا كان هذا النوع لا شبه بالأيمان في مسألتنا، ولا يجوز أن يكون شبهه بالأيمان قصد الملاحة؛ لأن هذا موجود فيمن قيل له: إنك بخيل. فقال: مالي صدقة. ولئن سلمنا أن يشبه الأصلين، فله أصل ثالث وهو به أشبه وهو الطلاق والعتاق. 32174 - فإن قالوا: هناك لا يلزم بوجود الشرط شيء. 32175 - قلنا: إذا قال: إن كلمت فلانًا فامرأتي طالق، وعبدي حر؛ يمين، والكفارة عندهم يتخلص بها من اليمين قبل الحنث، فكان يجب أن تقدم الكفارة حتى لا يقع بالشرط شيء. وإذا قال: إن قدم فلان فأحد عبدي حر. يلزمه فعل شيء بالحنث، وهو بيان العتق. ثم لو سلمنا أنه يشبه الأصلين دون غيرهما، فشبهه بالإيجاب أقوى؛ لأنه صريح النذر ومعنى اليمين. ولأنه إيجاب قربه على نفسه، ولأنه غير ما يخلص به، واليمين لم يعين فيها ما يخلص به وإنما يرجع إلى ما يخلصه الشرع به، فوجب إلحاقه بأقوى الشبهين. ولو سلمنا أنه أخذ الشبه منها، ولم يترجح أحدهما على الآخر، لم يصح التخيير؛ لأنه الفرع المشبه لأصلين يلحق بكل واحد منهما من وجه، ولا يقطع إلحاقه بالآخر كما نقول: إن الكتابة فيها معنى اليمين ومعنى المعاوضة. فاعتبر بالأمرين جميعًا، والهبة على عوض أعطيناها قبل القبض حكم الهبات، وبعده حكم البيعات، ولم يقطع عقدها عن أحد العقدين. ومخالفنا إذا خيره وهو في كل حاله يختار أحد الأمرين، يسقط اختياره الشبه الآخر من كل وجه.

مسألة 1604 حلف على عدم الزواج والطلاق ثم يوكل

مسألة 1604 حلف على عدم الزواج والطلاق ثم يوكل 32175 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا حلف لا يتزوج ولا يطلق، فوكل من يزوجه ومن طلق امرأته، حنث. 32176 - وقال الشافعي رحمه الله: لا يحنث. 32177 - لنا: أن العقد يضاف إلى الموكل، فيقال: تزوج فلان أو يقول الوكيل: زوجت موكلي. وإذا أضيف العقد إليه، صار كأنه عقد بنفسه. ولأن حلفه على ترك التزويج إنما هو على ترك التزام أحكامه، وإذا زوجه وكيله فالأحكام متعلقة به دون الوكيل، كما لو عقد بنفسه. ولا يلزم إذا حلف لا يبيع، فوكل بالبيع؛ لأن العقد يضاف إلى الوكيل فيقول: بعت. ولأن الحقوق تتعلق بالحالف عندنا. 32178 - احتجوا: بأنه حلف على ترك فعله، فإذا أمر غيره به، لم يحنث، أصله: البيع والإجارة. 32179 - قلنا: تلك العقود لا تضاف إلى الموكل، وإنما يضيفها الوكيل إلى نفسه بصفة، وهذا العقد يضيفه إلى موكله، فكأن الموكل عقده.

مسألة 1605 حلف لا يبع فباع بيعا فاسدا

مسألة 1605 حلف لا يبع فباع بيعًا فاسدا 32180 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا حلف لا يبيع، فباع بيعًا فاسدًا؛ حنث. 32181 - وقال الشافعي رحمه الله: لا يحنث. 32182 - لنا: إن الاسم تناول الصحيح والفاسد، وهذا وكله بالبيع فباع فاسدًا لم يضمن، فصار الفاسد كالصحيح. ولا يلزم النكاح، لأنا عللنا البيع. ولأن المقصود منه الاستباحة، وهي لا تتعلق بفاسد. ولأنه حلف على البيع، فباع بيعًا ضم إليه شرط، فيحنث كما لو باع بشرط العتق. ولأنه بيع لو حكم الحاكم بوقوع الملك، فنفد، فوجب أن يحنث به، كبيع المدبر. 32183 - احتجوا: بأنه حلف على عقد مطلق، فوجب أن يحمل على الصحيح، أصله: النكاح. 32184 - قلنا: النكاح يقصد به الاستباحة، وذلك لا يوجد في فاسد، والبيع يقصد به الملك، وذلك يجوز أن يتعلق بفاسده عندنا إذا قبض، وعندهم إذا حكم الحاكم. وقد قال أصحابنا: إنه لو حلف على الماضي، تناولت الفاسد؛ لأن المقصود فيما مضى ليس هو الاستباحة، وإنما يقصد الخبر، والاسم يتناول الجميع.

مسألة 1606 حلف ألا يكلمه حقبا

مسألة 1606 حلف ألا يكلمه حقبا 32185 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا حلف لا يكلمه حقبًا، فالحقبة ثمانون سنة. 32186 - وقال الشافعي رحمه الله: ليس له مقدار. 32187 - لنا: قوله تعالى: {لابثين فيها أحقابا}. فالجمع يكون فيما له واحد عرفًا لا يقدر، فاسم الواحد على غير اسم الجمع فلا يكون بجمع معنى. وقد روي في التفسير أن الحقب: ثمانون سنة. روي عن على كرم الله وجهه وابن عباس رضي الله عنهما. 32188 - فإن قيل: روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: أربعون سنة. 32189 - قلنا: قد اتفقوا على التقدير. وهو خلاف قولكم. على أن أبا لبابة روى عن النبي - عليه السلام - أنه قال: (الحق ألف سنة). وهذا يترجح به الثمانون على الأربعين. 32190 - فأما قولهم: إن الشافعي قال: نحن أهل اللغة، ولا نعرف الحقب ثمانون سنة. 32191 - قلنا له: فعبد الله بن عباس أثل اللغة، وقد روينا عنه ما قدمنا. 32192 - قالوا: الحقب عبارة عن زمان غير مقدر، والتفسير يقتضي أن المذكور في الآية أريد به ما ذكروه. 32193 - قلنا: الإخبار عن المدة لا يقع إلا بما هو معلوم، ومن المدد المتقدر، وهذا يقتضي أن الاسم أفاد ذلك.

مسألة 1607 حلف ألا يكلمه إلى قريب

مسألة 1607 حلف ألا يكلمه إلى قريب 32194 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا حلف لا يكلمه إلى قريب؛ فهو على ما دون الشهر. 32195 - وقال الشافعي رحمه الله: لا حد له. 32196 - لنا: ما أن دون الشهر في حكم القريب، والشهر وما فوقه في حكم البعيد، ولهذا لم يجعل ما دون الشهر أصلًا في غالب الأحوال، فوجب أن يحمل اليمين على ذلك. ولأن القريب والبعيد متضادان، وما يقوله مخالفنا يقتضي أن يتناول أحدهما ما يتناول الآخر. 32197 - احتجوا: بأنه ما من زمان إلا وهو قريب بالإضافة إلى ما هو أبعد منه، وبعيد بالإضافة إلى ما هو أقرب منه. 32198 - قلنا: اللفظ يجب أن يحمل على ما يتناوله الاسم لإطلاق اللفظ لا بالإضافة إلى غيره.

مسألة 1608 حلف ألا يصلي 32199 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا حلف ألا يصلي، فأحرم بالصلاة، لا يحنث حتى يقيد الركعة بسجدة. وقال أصحاب الشافعي [رحمهم الله]: إذا أحرم بالصلاة؛ حنث. وقال ابن سريج: إذا ركع. 32200 - لنا: أن الصلاة اسم لجنس أفعال مختلفة، فإذا فعل بعضها لم يحنث. وكمن حلف لا يصلي ولا يصوم، ففعل أحدهما، لم يحنث. وكمن حلف لا يجاهد، فخرج ولم يلق العدو. وكمن حلف لا يذبح، فقطع أحد العروق. 32201 - فإن قيل: القعدة من جملة الأفعال، ولم يأت بها. 32202 - قلنا: من أصحابنا من قال: لا يحنث حتى يرفع رأسه من السجود، فإذا فعل ذلك فقد أتى بجنس القعدة. ومنهم من قال: يحنث بالسجود. نقول إذا لم يأت بجنس الأفعال المتفق عليها لم يحنث، فالقعدة مختلف فيها. 32203 - احتجوا: بما روي أن النبي - عليه السلام - قال: (صلى بي جبريل الظهر حين زالت الشمس، وصلى بي العصر حين صار ظل كل شيء مثله). قالوا: المراد بذلك ابتداءً، فدل على أن المبتدئ بالصلاة يقال: إنه صلى. 32204 - قلنا: لا نسلم أن المراد به الابتداء، بل المراد به جملة الصلاة؛ لأن الظهر عبارة عن أربع ركعات، ولهذا لو حلف لا يصلي الظهر لم يحنث حتى يفرغ منها. 32205 - قالوا: أجمعنا أنه يصلي إذا افتتح. 32206 - قلنا: هو مصل بمعنى أنه محرم بالصلاة أو مبتدئ بها، كما أن محرم

في الإحرام. وإذا دخل في الإحرام ولم يحج حتى يأتي بالأفعال. 32207 - قالوا: إذا حلف لا يصوم، فدخل في الصوم، حنث، كذلك الصلاة. 32208 - قلنا: الصوم من جنس واحد، فإذا دخل فيه، فقد أتى بجنس الفعل المحلوف عليه، وما بعده مداومة، فصار الجزء الأول من الصوم كالركعة من الصلاة، فإذا فعلها لم يعتبر الإتيان بما بعدها.

مسألة 1608 حلف ألا يصلي

مسألة 1609 يمين اللغو 32209 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: يمين اللغو هي اليمين على الماضي إذا ظن الحالف أن عليها أخبر عنه، ثم بان له أن الأمر على خلاف ظنه. 32210 - وقال الشافعي رحمه الله: يمين اللغو ما لم يقصدها الحالف بفعله في الماضي والمستقبل. 32211 - لنا: ما روى إبراهيم الصائغ عن عطاء عن عائشة في يمين اللغو قالت: قال النبي - عليه السلام -: (هو قول الرجل: لا والله، وبلى والله). قال أبو داود: روى هذا الحديث داود بن أبي الفرات عن إبراهيم الصائغ موقوفًا عن عائشة. وكذلك رواه الزهري وعبد الملك بن أبي سليمان ومالك بن مغول عن عطاء عن عائشة موقوفًا. وليس يمتنع أن تكون سمعته من النبي - عليه السلام -، فروته مرة وأفتت به مرة. ومعلوم أن قوله: لا والله. إنما يكون جوابًا لسائل عن أمر ماضٍ قبل كان فنفاه الحالف أو أثبته، ولا يكون ذلك في المستقبل غالبًا. 32212 - وروى الكلبي عن أبي صالح في قوله تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم}. قال: هو أن يحلف الرجل على اليمين الكاذبة، وهو يرى أنه صادق. والكذب إنما يكون في الخبر عن الماضي. 32213 - وذكر أبو الحسن رحمه الله بإسناده عن مالك الغفاري قال: الأيمان ثلاثة:

يمين تكفر، ويمين لا تكفر، ويمين لا يؤاخذكم الله بها، واليمين التي تكفر: الرجل يحلف على شيء تركه خير من إمضائه، واليمين التي لا تكفر: الرجل يحلف على شيء وهو يعلم أنه كاذب، وأما اليمين التي لا يؤاخذكم الله بها: فالرجل يحلف وهو يرى أنه كذلك، فهذا اللغو وهو لا يؤاخذ به. وذكر عن زرارة بن أبي أوفى في يمين اللغو: الرجل يحلف على اليمين لا يرى أنه كما حلف. 32214 - وذكر الشعبي وأبو صالح وعكرمة وأبي قلابة والزهري والحسن وإبراهيم والسدي وسعيد بن جبير مثل قولنا. ولأن اليمين لا يلحقها الفسخ، فيستوي القصد وعدمه في انعقادها كاليمين. وإذا أبطلها لم يبطل. ولا يقال: إن الحنث يحلها. لأن الحنث أحد موجبها، فلا يكون فسخًا كوقوع الطلاق. ولأنها أحد نوعي اليمين، فيستوي فيه الجد والهزل، كاليمين بالطلاق. 32215 - احتجوا: بأن الله تعالى قال: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم}. قالوا: فدل على أن اللغو ما يقصده بقلبه. 32216 - قلنا: قابل اللغو باليمين المنعقد وبما كسب القلب، فالمنعقد ما كان على المستقبل، وما كسبه بقلبه هو الذي اعتمد الكذب فيه. وكذلك نقول: إن اللغو يقابلها الغموس والمنعقدة. 32217 - احتجوا: بحديث عائشة: (إن اللغو قوله: لا والله، وبلى والله، يصل به كلامه ولا يعقد عليه قلبه).32218 - قلنا: هذا يكون في الماضي، يقال له: هل دخلت الدار، فيقول: لا والله. وهو يجيب بـ (لا) ولا يقصد بقوله: والله. الحلف على النفي، وإنما يتوهم المخاطب. وهذا لغو عندنا لا كفارة فيه؛ لأنه أمر بينه وبين الله تعالى. 32219 - قالوا: اللغو ما جرى على لسان الإنسان ولم يقصده.

32220 - وقلنا: لا نسلم ذلك؛ لأن من جرى على لسانه الطلاق والعتاق وهو لا يقصد به، وقع وإن لم يكن لغوًا، وإنما اللغو مشترك يعبر به عن الكلام الفاحش، قال الله تعالى: {لا يسمعون فيها لغوا}. ومثله: {لا تسمع فيها لاغية}. واللغو: الكفر، قال الله تعالى: {وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه}. واللغو الباطل، قال الله تعالي: {وإذا مروا باللغو مروا كرامًا}. أي: أكرموا أنفسهم عنه، واللغو: الضجيج، قال الله تعالى: {لا تسمعوا لهذا القرءان والغوا فيه}. واللغو: ما لا فائدة فيه. والوجوه كلها غير مرادة، فبقى أن يكون المراد: ما لا فائدة فيه، وذلك على الماضي الذي لا يتضمن إيجابًا ولا تحريمًا. ولا يلزم يمين الغموس؛ لأنها تتضمن المأثم والعذاب في الآخرة، فلا تكون لغوًا. 32221 - قالوا: يمين غير مقصود كالحلف على الماضي. 32222 - قلنا: ذلك لا يتضمن إيجابًا ولا تحريمًا، وليس كذلك اليمين على المستقبل؛ لأنه يتضمن الإيجاب، فلم يكن لغوًا، والله أعلم.

كتاب النذور

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب النذور

مسألة 1610 نذر نحر ولده

مسألة 1610 نذر نحر ولده 32223 - قال أبو حنيفة ومحمد [رحمهما الله]: إذا نذر نحر ولده، فعليه شاة. وقال أبو يوسف رحمه الله: لا يلزمه شيء. وبه قال الشافعي رحمه الله. 32224 - لنا: أن إبراهيم - عليه السلام - نذر نحر ولده ونسي، فرأى في المنام أن يفي بالنذر، ثم فداه الله تعالى بكبش، وخرج بذلك من موجب النذر، وقد قال تعالى: {ثم أوحينا إليك أن أتبع ملة إبراهيم}. وقال {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتدة}. وإن شئت قلت: إن إبراهيم - عليه السلام - أري في المنام أن يذبح ابنه، ومنام الأنبياء وحي، وكذلك قال له ابنه: {أفعل ما تؤمر}. فخرج من موجب الأمر بذبح شاة، وما خرج به من موجب الأمر، خرج به من موجب النذر، ألا ترى إذا أمر بالحج خرج به بحجة، ولو نذر الحج يخرج منه بذلك. ويدل عليه ما روي أن أبن عباس قال: مائة من الإبل. وقال مسروق: شاة. وتلا الآلة، فرجع ابن عباس إلى قول مسروق. وروي عن علي - رضي الله عنه - أنه قال: يذبح مائة بدنة. 32225 - فإن قيل: في المسألة خلاف؛ لأنه روي أن امرأة نذرت نحر ابنها، فسألت ابن عمر فقال: لا أعلم في النذر إلا الوفاء. فقالت: فأذبح ولدي، قال: قتل الولد حرام. فإن قالوا: روي أن مروان بلغه قول ابن عباس ومسروق، فقال: أخطأ

الفتيا، قال النبي - عليه السلام -: (لا نذر في معصية). 32226 - قلنا: قول مروان لا يعارض قول الصحابة، ولا يعتد به عليهم. 32227 - فإن قيل: ليس معنا انتشر هذا القول. 32228 - قلنا: إذا سئل عنها ابن عباس ثم سئل مسروق، ورجع ابن عباس إلى قول مسروق، وعرض قول ابن عباس على قول ابن عمر، وبلغ ذلك مروان، فهذا انتشار. فأما ابن عمر فلم يبطل النذر، لكنه وقف فيما يلزم به، فأما الاختلاف في مقدار الواجب: فلا يضرنا، لأنهم اتفقوا على وجوب شيء، واختلفوا في قدره. وقول مخالفنا مخالف قول جميعهم، وإنما رجحنا الشاة على النذر. ولأن من أوجب الشاة، أوجبها لقصة إبراهيم. ومن أوجب النذر، اتبع قصة عبد المطلب لما نذر ذبح أحد أولاده، وتعين ذلك في عبد الله، فأوقع القرعة عليه وعلى النذر، فخرجت القرعة عليه، حتى بلغ مائة بدنة، فخرج القرعة عليها. والرجوع إلى سنة إبراهيم - عليه السلام - أولى من الرجوع إلى سنة عبد المطلب. 32229 - ولأن من أوجب النذر، فقد أوجب الشاة؛ لأن الشاة التي تقوم مقامها جزء من النذر، فكان إيجاب المتيقن أولى. 32230 - فأما الذي روي عن ابن عباس أنه أوجب في ذلك كغارة يمين؛ فمحمول على أن من أراد النذر واليمين، فتجب الكفارة بكونه موجب النذر عندنا. وطريقة أخرى: وهي أن القياس يقتضي ألا يجب بهذا النذر شيء، والصحابي إذا قال ما يخالف القياس، حمل على التوقيف، فكأنه رواه عن النبي - عليه السلام -. فإن روي عن غيره ما يوافق القياس لم يعارض قوله؛ لأنه يجوز أن يكون قاله قياسًا. 32231 - ولأن ما يوجب الإنسان على نفسه تارة يكون طاعة، وتارة يكون معصية، فإذا انعقد به في أحد القسمين ولزم به معنى، جاز أن يكون في الآخر مثله. 32232 - ولأن الحيوان مباح الأكل ومحرم الأكل، فإذا جاز أن يلزمه بنذر ذبح المباح معنى، جاز أن يلزم بنذر ذبح المحرم معنى.

32233 - احتجوا بقوله - عليه السلام -: (لا نذر في معصية الله، ولا فيما يملكه ابن آدم). قالوا: وروت عائشة أنه - عليه السلام - قال: (من نذر أن يعصي الله، فلا يعصه). 32234 - قلنا: هذا النذر قد جعل في عرف الشرائع. وفي عادة الجاهلية عبارة عن إيجاب قربة وهي الفدية، فكان ذلك هو الموجب به دون المنطوق به، وذلك ليس بمعصية، ولا ما يملك وهذا كالشيخ الهرم الذي يستضر بالصوم صومه معصية، [ولو نذر ذلك، انعقد نذره وخرج منه بالإطعام 32235 - قالوا: نذر لا يجوز الوفاء] به، فوجب ألا ينعقد، ولا يجب به ذبح شاة، أصله: إذا نذر ذبح والده وقتل ولده. 32236 - قالوا: حرمة الوالد أعظم من حرمة الولد، فإذا لم تجب الشاة بنذر ذبح الوالد، فالولد أولى. 32237 - قلنا إذا كان موجب هذا النذر ذبح الشاة، اعتبر الشاة وهو مما يجوز الوفاء به، ولم يعتبر اللفظ، ألا ترى أن الشيخ الهرم لا يجوز له الوفاء بالصوم، ويجب بنذره موجبه من الإطعام، وقد سقط منطوق النذر، ويجب ما جعلت العادة النطق موجبًا له، كمن قال: ثوبي في رتاج الكعبة. لزمه الصدقة به؛ لأن اللفظ في العرف يعبر به عن ذلك. ولو قال: في رتاج المسجد لم يجب عليه شيء، لما لم يتعارف الإيجاب بهذا اللفظ.

مسألة 1611 نذر أن ماله في المساكين

مسألة 1611 نذر أن ماله في المساكين 32238 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا قال: مالي في المساكين صدقة؛ اختص نذره بالأجناس التي تجب فيها الزكاة. 32239 - وقال زفر: يتصدق بجميع أمواله. وبه قال الشافعي رحمه الله. 32240 - لنا: أنه يختلف في وجوب الوفاء مطلق هذا النذر؛ لأن عندنا يتصدق ببعض الأجناس، وعند مالك بثلث المال. والنذر إذا اختلف في وجوب الوفاء بمطلق لفظه، جاز أن يخرج منه بغير مقتضى اللفظ، أصله إذا قال: لله علي المشي إلى مكة. ولأن الحقوق المتعلقة بالمال في حال الحياة على وجه القربة تختص بمال دون مال، دليله الزكاة. ولأن ما يوجبه الإنسان على نفسه، يعتبر بما يوجبه الله تعالى عليه؛ لأن أصل الإيجاب إيجاب الله تعالى، وإنما يجب علينا إيجابنا ما جعل لنا إيجابه، ولهذا لا يصح إيجاب المباحات والمعاصي. فإذا كان الله تعالى أوجب حقًا في الأموال بقوله: {خذ من أموالهم صدقة}. ثم اختص ذلك ببعض أجناس الأموال، كذلك ما موجبه الإنسان على نفسه في حال حياته يجب أن يختص بما اختصت به الزكاة. 32241 - ولأن الصدقة بجميع المال منهي عنها، بدلالة ما روي أن كعب بن مالك لما نزلت توبته، قال: يا رسول الله، إني أخلع من مالي صدقة إلى الله. فقال له رسول الله: (أمسك عليك بعض مالك، فهو خير لك).

32242 - والنذر إذا مضمن ما يكره، جاز أن يخرج منه بغير مقتضى اللفظ، أصله: الشيخ الهرم إذا نذر صومًا، وأصله من قال: لله علي المشي إلى مكة. 32243 - احتجوا بقوله تعالى: {ومنهم من عاهد الله لئن أتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين} إلى قوله: {فلما أتاهم من فضله بخلوا به}. 32244 - قلنا: هذا في الصدقة المطلقة، والوفاء باللفظ هناك واجب، والخلاف في الصدقة المعلقة بالمال. ولأنه تعالى ذمهم على الامتناع من الصدقة، وعندنا يتصدق ولا يجوز له الامتناع من جميع مقتضى اللفظ. 32245 - احتجوا: بقوله تعالى: {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم}. 32246 - قلنا: قد وفي بالعهد؛ لأن مقتضى هذا اللفظ الخصوص عندنا، والوفاء به واجب. فأما قوله تعالى: {لم تقولون ما لا تفعلون}. فعندنا قوله قد أقتضى الخصوص، وقد فعله. وقوله: {أوفوا بالعقود}. معناه: أوفوا بأحكامها. وحكم هذا اللفظ عندنا الخصوص. وقوله - عليه السلام -: (من نذر لذرًا يطيقه، فليف به). وقوله: (من نذر نذرًا). سماه فعلمه الوفاء به، فعندنا أن التسمية لم تتناول إلا جنس مال الزكاة؛ لأن الخلاف فمن أطلق اللفظ بغير نيه. وقوله وفاء بذلك. 32247 - قالوا: اسم المال يقع على كل متمول مما تجب فيه الزكاة وما لا تجب، وإذا سمى الجمع مالًا وجب إخراجه بمقتضى النذر، كالمال الذي تجب فيه الزكاة. 32248 - قلنا: وقوع الاسم على جميع الأموال مسلم، فإن كان المتكلم أراد العموم، لزم ما قالوا [لزمه ما قالوا عموم لفظ به]، فلا معنى للرجوع إلى العموم.

32249 - قالوا: جعل ماله صدقة على الإطلاق، فصار كما لو أوصى بماله. 32250 - قلنا: نقلب فنقول: جعل ماله صدقة على الإطلاق، فجاز أن يتخصص عموم إيجابه بالشرع، أصله: إذا أوصى بجميع ماله. 32251 - ولأن الوصايا تمليك بتعلق الموت، فهو معتبر بالميراث، وهذا تمليك على طريق القربة خصصه بالمال في حال حياته، فهو معتبر بالزكاة. 32252 - قالوا: لو قال: لله علي أن أتصدق بملكي. لم يتخصص إيجابه، كذلك إذا قال: بما لي؛ لأن ملكه وماله سواء. 32253 - قلنا: الملك والمال كل واحد منهما يوجد [...] شرعي، ولم يوجد ذلك التخصيص في المال فاختلفا. 32254 - قالوا: لو وجب اعتبار النذر بالزكاة، لم يتعلق بجس ما تجب فيه الزكاة، بل كان تجب فيه الزكاة، وكان يجب أن يختص بقدر الزكاة، فيجب في مائتي درهم خمسة دراهم وني خمس من الإبل شاة 32255 - قلنا: الزكاة أمر الله تعالى بأخذ بعض المال، فقال: {خذ من أموالهم صدقة}. فاختص الوجوب بالمال، وهاهنا قال: أتصدق بالمال. فتخصيص جنس الموجب كما تخصص هناك جنس الموجب فيه. 32256 - قالوا: يلزمه أن يتصدق بماله، وإن نقص عن نصاب الزكاة. 32257 - قلنا: قال أبو يوسف: قياس قول أبي حنيفة أن نذره يختص بمقدار النصاب، ولم أسمع ذلك منه.

مسألة 1612 نذر المشي إلى الكعبة

مسألة 1612 نذر المشي إلى الكعبة 32258 - قال أبو حنيفة رحمه الله: إذا قال: لله علي المشي إلى الكعبة أو إلى بيت الله أو مكة؛ لزمه الإحرام استحسانًا، وإن قال: إلى الحرم أو إلى المسجد الحرام أو الصفا والمروة. لم يلزمه شيء. وقال الشافعي رحمه الله: يلزمه الإحرام في جميع ذلك. 32259 - لنا: أن لفظه لم يتناول [الإحرام، ولا جرت العادة بإيجاب الإحرام به، فصار كما لو قال: إلى دار أبي جهل وإلى عرفات. ولأن] الشرع لم رد بإيجاب الإحرام لهذا اللفظ ولا جرت عادة بإقامته مقام إيجاب الإحرام، فصار كما ذكرنا. ولا يلزم ييت الله؛ لأن الشرع ورد إيجاب الإحرام بهذا اللفظ، بدلالة ما روي أن أخت عقبة ابن عامر نذرت أن تمشي إلى بيت الله الحرام، فأمرها النبي - عليه السلام - أن تهل بحجة أو عمرة. والكعبة بيت الله ومكة جرت العادة بذكر قصدها، ويراد به الإحرام، وهو أن المعتاد لا يوجد واحد منها في بقية الألفاظ. 32260 - وأما قوله تعالى: {أوفوا بالعقود}. وقوله - عليه السلام -: (من نذر نذرًا سماه، فعليه الوفاء به). فلا دلالة فيه؛ لأن الذي سماه المشي فالخلاف في وجوب ما لم يسمه، وهو الإحرام، واللفظ لا يعطي إيجاب ذلك. 32261 - فإن قالوا: الظاهر يقتضي وجوب المشي، والإحرام يوجبه بدليل؛ لم يصح؛ لأنا أجمعنا أن المشي لا يراد لنفسه، وإنما يراد الإحرام، فإيجابه بنفسه مجمع على خلافه.

32262 - قالوا: نذر المشي إلى بقعة لا يتوصل إليها إلا بالإحرام، فأشبه ما إذا قال: لله علي المشي إلى بيت الله. 32263 - قلنا: عنه كم قد يتوصل إليها بغير إحرام إذا دخلها وهو لا يريد النسك على أظهر القولين، وعلى قولنا من خرج يقصد البستان ثم دخل مكة، دخلها بغير إحرام، وكذلك أهل المواقيت ومن وراءها، فالوصف غير مسلم. والمعنى في بيت الله: أن الشرع ورد بإيجاب الإحرام بنذر المشي إليه، وفي مسألتنا لم يرد الشرع بإيجاب الإحرام بنذر المشي إليه، ولا جرت العادة باستعماله في إيجاب الإحرام، فصار كالمشي إلى عرفات إلى مدينة الرسول - عليه السلام -.

مسألة 1613 نذر الذهاب إلى مكة أو الخروج إليها

مسألة 1613 نذر الذهاب إلى مكة أو الخروج إليها 32264 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا قال: لله علي الذهاب إلى مكة أو الخروج إلى مكة، لم يلزمه لم حرام. وقال الشافعي رحمه الله: يلزمه. 32265 - لنا: أن القياس يقتضي ألا يجب عليه بهذه الألفاظ شيء؛ لأن المشي والخروج والذهاب ليس بقربة منفردة، وإنما القربة هي الإحرام والصلاة بمكة، ولم يذكر ذلك في إيجابه. وإنما تركنا القياس في المشي لحديث أخت عقبة بن عامر، فما سوى ذلك على أصل القياس؛ لأن إيجاب الذهاب لفظ لا يضمن قربة زائدة على الإحرام، بدلالة أنه إذا ترك المشي، وجب عليه الهدي. احتجوا: بأن المشي والذهاب يتضمن كل واحد منهما ما يتضمن الآخر. والفرق بينهما ما قدمنا.

مسألة 1614 نذر الصلاة في مكان فصلاها في غيره

مسألة 1614 نذر الصلاة في مكان فصلاها في غيره 32266 - قال أبو منيفة ومحمد [رحمهما الله]: إذا أوجب صلاة في مكان فصلاها في غيره؛ أجزأه. 32267 - وروى الحسن عن أبي يوسف أنه إن صلاها في أفضل منه، مثل أن يوجب صلاة في مسجد النبي - عليه السلام - فصلى في المسجد الحرام؛ أجزأه، وإن كان دونه لم يجزئ، مثل أن يوجب في المسجد الحرام فيصلي في مسجد النبي - عليه السلام -. وبه قال الشافعي رحمه الله. 32268 - وقال زفر: لا يجزئه في غير المكان الذي أوجب، وإن كان أفضل مما نذر. 32269 - لنا: ما روى عطاء عن جابر أن رجلًا قال يوم فتح مكة: يا رسول الله، إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس. فقال له: (صل هاهنا). فأعادها على النبي - عليه السلام - مرتين أو ثلاثًا، فقال - عليه السلام -: (شأنك إذن). فدل على أن الصلاة لا تختص بمكان، وإن خصه. 32270 - فإن قيل: الصلاة في المسجد الحرام أفضل، فلذلك أمره بها. 32271 - قلنا: قوله: (صل هاهنا). إنما أراد به مكة، ولم يخصه بالمسجد، والصلاة بمكة ليست أفضل من الصلاة في بيت المقدس. ولأن كل صلاة جاز أداؤها ي المسجد، جاز في غيره كالمكتوبة. ولأن كل مكان يجوز أن تؤدي فيه المكتوبة، يجوز أداء النذر فيه بكل حال، أصله: المكان الذي عينه بنذره.

ولأنها عبادة بدنية، فإن خصصها بمكان لم تتخصص به، أصله: الصوم. ولأن الصلاة لا بد لها من مكان وزمان، ولو خصصها بزمان لم تتخصص به، بدلالة أن من نذر أن يصلي في رمضان ففاته، لم يلزمه الانتظار إلى قابل، وجاز أن يصلي في شوال. ولأن الإيجاب بالنذر يصح فيما له أصل في الشرع، بدلالة أنه لو نذر المشي إلى السوق لم يلزمه؛ لأنه لا أصل له في الوجوب بالشرع، ولذا لا يصح أن توجبه عندنا عيادة المريض. ومعلوم أن الشرع لم يخصص الصلوات بأماكن، فلا يجوز أن تخصص بإيجابه. 32272 - فإن قيل: العمرة تجب عندكم بالنذر وليس لها أصل. 32273 - قلنا: لها أصل عندنا وهي العمرة التي تجب على المحصر. 32274 - قالوا: فالاعتكاف ليس له أصل. 32275 - قلنا: المقصود بإيجابه الصوم، واللبث مع الصوم أصل في الإيجاب. 32276 - قالوا: الجمعة عندكم تختص بالأمصار. 32277 - قلنا: ليس ها هنا تخصيص بالمكان لكن بصفة فيه، بدلالة أن البرية لو صارت مصرًا، جازت الجمعة فيها، ولو خرب البلد، لم تجز الجمعة فيه. 32278 - قالوا: الجمع بين صلاتي عرفة يختص بمكان. 32279 - قلنا: ليس كذلك، بل يجوز للمحرم إذا كان له إمام ويصليها إذا اجتمع الشرطان حيث شاء. 32280 - قالوا: صلاة المغرب ليلة المزدلفة تختص بالمزدلفة عند أبي حنينفة، لو صلاها في الطريق لم يجز. 32281 - قلنا: ليس كذلك؛ لأن من يخاف طلوع الفجر فصلاها في الطريق أجزأه، وإن صلاها قبل ذلك ولم يصر إلى المزدلفة حتى طلع الفجر أجزأه، فإذن لا تختص بمكان. 32282 - احتجوا بقوله تعالى: {وأوفوا بعهد الله}، وقوله: {يوفون بالنذر}، وقوله - عليه السلام -: (من نذر نذرًا سماه، فعليه الوفاء به)، وقوله: (من

نذر أن يطيع الله، فليطعه). 32283 - قلنا: العهد والطاعة تتناول الصلاة، وقل فعلها، والمكان لا يتناول الإيجاب كما لا يتناول الزمان. 32284 - احتجوا: بما روي أنه - عليه السلام - قال: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي). 32285 - قالوا: ومن أوجب مائة ألف صلاة، لم تسقط عنه بصلاة واحدة. 32286 - قلنا: المراد بهذا تفضيل الفرائض دون النوافل، بدلالة ما روى زيد بن ثابت: أن النبي - عليه السلام - احتجر حجرة في المسجد من حصير فصلى فيها ليالي حتى اجتمع إليه ناس، ثم فقدوا صوته فظنوا أنه قد نام، فجعل بعضهم يتنحنح ليخرج إليهم فقال: (ما زال فيكم الذي ما رأيت من صنيعكم، حتى خشيت أن يكتب عليكم قيام الليل، ولو كتب عليكم ما قمتم به، فصلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء ما كان في بيته إلا المكتوبة). وإذا كان هذا التفضيل في المكتوبة خاصة، لم يتناول النذر كما لا يتناول الفعل. 32287 - قالوا: ما رغب فيه وندب إلى فعله، تعين بالنذر كالصلاة والصوم. 32288 - قلنا: يبطل بالحطيم وما بين الركن والمقام وما بين القبر والمنبر، هذه المواضع يرغب في الصلاة فيها ولا تتعين بالنذر. والمعنى في الصلاة والصوم: أن لها أصلًا في الواجبات، وليس كذلك الصلاة في مكان معين؛ لأنه لا أصل لها في الواجبات، فلم تجب بالنذر. 32289 - فإن قيل: إذا نذر ثماني ركعات بتسليمة، فلا أصل له في الوجوب. 32290 - قلنا: لا يتعين عندنا. قال أبو يوسف: إن أداها بتسليمتين جاز 32291 - قالوا: فإذا نذر المرابطة. 32292 - قلنا: لا يجب إلا أن ينوي أن يقيم في الثغر لها، بل إذا حضر القاتل أو

يحرس من المسلمين. 32293 - قالوا: إذا نذر المشي إلى مكة، وجب بالنذر، وليس له أصل في الوجوب. 3229 - قلنا: المشي على من كان بمكة ليؤدي الحج وعلى من أدركه النفير ليقاتل العدو، ولذلك يعوز أن يجب بالنذر في الحج. ولأن الطواف والسعي بين الصفا والمروة مشي، وله بذلك أصل في الوجوب.

مسألة 1615 نذر المشي إلى بيت الله

مسألة 1615 نذر المشي إلى بيت الله 32295 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا قال: لله علي المشي إلى بيت الله؛ لزمه إحرام. وقال الشافعي رحمه الله: إن قال: لبيت الله الحرام. لزمه، وكذلك إن قال: بيت الله. ونوى. وان أطلق، ففيه وجهان. 32296 - لنا: ما روي أن أخت عقبة بن عامر نذرت أن تمشي إلى بيت الله حافية حاسرة، فأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تحرم. ولم يسأل عن نيتها. ولأن بيت الله يفهم من إطلاقه الكعبة دون غيرها، فوجب أن يحمل على الإطلاق. 32297 - احتجوا: بأن المساجد كلها بيوت الله تعالى، فلا يتخصص بيت منها إلا بيته. 32298 - قلنا: كلها بيوت الله تعالى، لكن الإطلاق يتناول ما ذكرناه دون غيره.

مسألة 1616 نذر المشي إلى مسجد النبي أو بيت المقدس

مسألة 1616 نذر المشي إلى مسجد النبي أو بيت المقدس 3229 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا نذر المشي إلى مسجد النبي - عليه السلام - أو إلى بيت المقدس، لم ينعقد نذره. وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله. وقال في قول آخر: يجب عليه المشي إليه، ويصلى فيه ركعتين. 32300 - لنا: أنه نذر المشي إلى مسجد، فلا يلزمه بنذره صلاة، أصله: إذا نذر المشي إلى المسجد الحرام. ولأنها بقعة لا يجب قصدها بالشرع، فلم يلزمه بإيجاب المشي إليها، أصله: مسجد قباء، ومسجل الجامع. 32301 - احتجوا: بأنه نذر المشي إلى مسجد ورد الشرع بشد الرحال إليه، فوجب أن ينعقد نذره، أصله: إذا نذر المشي إلى بيت الله الحرام. 32302 - قلنا: ولا يجب بنذر المشي إليه صلاة. ولأن بيت الله الحرام يجب قصده بأصل الشرع، وهذا بخلافه.

مسألة 1617 نذر أن يصلي

مسألة 1617 نذر أن يصلي 32303 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا نذر أن يصلي، لزمه ركعتان. وهو قول الشافعي رحمه الله. رواه المزني. وقال الربيع عنه: يجزئه ركعة واحدة. 32304 - لنا: أن الركعة الوحدة لا تجزئ في الواجبات، فلا يخرج من مطلق النذر به كالتسبيحة والسجدة. ولأن من أصلنا أن الركعة الواحدة لا تكون صلاة شرعية، فلا يحمل النذر عليها. وهم بنوا على أصلهم أن الوتر يجوز بركعة واحدة والنفل بركعة واحدة، فلذلك خرج من النذر بها.

مسألة 1618 نذر هديا

مسألة 1618 نذر هديا 32305 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا نذر هديًا، اختص الحيوان، وأدناه شاة. وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله. وقال في القول الآخر: يلزمه ما يقع عليه الاسم من تمرة أو بيضة. 32306 - لنا: ما روي أن النبي - عليه السلام - سئل عن الهدي فقال: (أدناه شاة). ولأن القدر على ما استقر في الشرع وما أوجبه الله تعالى من الهدي فلا يجزئ فيه غير الحيوان، كذلك هذا. 32307 - احتجوا: بقوله: (هديا بالغ الكعبة). 32308 - قلنا: هذا يتناول الحيوان خاصة. 32309 - قالوا: روي أنه - عليه السلام - قال: (المبكر إلى الجمعة كالمهدي بدنة). إلى أن قال: (كالمهدي بيضة). 32310 - قلنا: هذا يدل أنه هدي، والكلام فيما يتناوله الإطلاق.

مسألة 1619 نذرت صوم شهر بعينه فحاضت فيه

مسألة 1619 نذرت صوم شهر بعينه فحاضت فيه 32311 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا نذرت المرأة صوم شهر بعينه، فحاضت فيه، قضت. وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله. وقال في القول الآخر: لا تقضي. 32312 - لنا: أن المنذور فرع على المفروض، ومعلوم أن ما أوجبه الله تعالى من الصيام في زمان بعينه تقضي أيام ألحيض فيه، فكذلك النذر مثله. ولأن هذه الأيام يصح فيها الصيام في الجملة، فصارت كما قبلها. 32313 - احتجوا: بأن أيام الحيض لا يصح صيامها، كزمان الليل. 32314 - قلنا: زمان الليل لا يحتمل الصوم، فلا يتعلق بنذره حكم، وهذه الأيام يصح صيامها في الجملة، فتعلق النذر بها، وحيضها كالفطر فيها.

كتاب أدب القاضي

موسوعة القواعد الفقهية المقارنة المسماة التجريد كتاب أدب القاضي

مسألة 1620 القاضي المقلد

مسألة 1620 القاضي المقلد 32315 - قال محمد رحمه الله في الأصل: ولا ينبغي أن يستعمل على القضاء إلا الموثوق به في عفافه وصلاحه وفهمه وعلمه بالسنة والآثار ووجوه الفقه التي يؤخذ منها الكلام، فإنه لا يستقيم أن يكون صاحب فقه ليس له علم بالسنة والأحاديث، ولا صاحب حديث ليس له علم بالفقه، وليس يستقيم واحد منها إلا بالفقه. وهذا نص منه على أن المقلد لا يجوز أن يولى القضاء. وبذلك قال الشافعي رحمه الله. ومن أصحابنا من قال: يجوز أن يكون المقلد قاضيًا يقضي بالتقليد. 32316 - فإن دللنا على ذلك، قلنا: المقصود من التصانيف تنفيذ الأحكام وإنصاف المظلوم، وهذا المعنى يوجد في المقلد، فيجوز توليته كما يجوز تولية المجتهد. ولأن شهادته مقبولة على المسلمين، فيجوز أن يكون قاضيًا كالمجتهد. 32317 - فإن قيل: الشاهد معه آلة الشهادة التي يحتاج إليها في التحمل والأداء، والقاضي يحتاج إلى آلة الحكم. 32318 - قلنا: له الحكم على هذا القول بالتقليد للعلماء، كما أنها أكثر فيما تؤدى به فروضه، وكما أن الشاهد يحتاج في النية إلى العلم ليعلم ما يصح أن يؤديه وكيفية التحمل في الأداء، ثم جاز للمجهد أن يلزم غيره ما هو فرضه على وجه القضاء، كذلك يجوز للمقلد. 32319 - احتجوا: بقوله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم}. 32320 - قلنا: المقلد يتبع [ما له به علم فوجب] إتباعه؛ لأن الله تعالى فرض

علينا التقليد، وهذا كما بخبر الواحد وهو لا يعلم صحته، لكنه يعمل به لدليل معلوم لزمه العمل به. 32321 - قالوا: قال الله تعالى: {قل هل يستوى الذين يعملون والذين لا يعلمون}. 32322 - قلنا: لا يستويان عندنا؛ لأن الأولى أن يقلل المجتهد، وإنما يعدل إلى المقلد وليس بأولى إذا تعذر المجتهد. 32323 - قالوا: روى بريدة أن النبي - عليه السلام - قال (القضاة ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به، ورجل عرف الحق فجار فيه فهو في النار، ورجل يجهل فهو في النار). 32324 - قلنا: إذا قلد العلماء لم نقض بالجهل، بدلالة أنه إذا عمل على هذا التقليد في حق نفسه، لم يكن مؤديًا لفرضه بالجهل. 32325 - قالوا: روي أن النبي - عليه السلام - قال: (إذا اجتهد القاضي فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد). فدل على أنه لا طريق للقضاء إلا الاجتهاد. 32326 - قلنا: هذا يدال على أن المجتهد هذه صفته، ومن ليس بمجتهد لم يتعرض له، كما لم يتعرض للحاكم بالنص والإجماع. 32327 - قالوا: من لا يجوز أن يكون مفتيًا، لا يجوز أن يكون قاضيًا كالفاسق. 32328 - قلنا: لا يجوز أن يقضي برأيه ولا يقضي به، ويجوز أن يفتي بما سمعه من العلماء، كمن لم يسمع منهم، كذلك يجوز أن يقضي بما سمع ولا يجوز أن يقضي برأيه. 32329 - قالوا: جاهل بأحكام الشريعة، فصار كمن حكم بغير مسألة. وقالوا: حكم من لم يكن معه آلة الاجتهاد، حكم من جاهل بطرائق الأحكام. 32330 - قلنا: هو جاهل بدليل الحكم، وليس بجاهل به لا يعلم أن حكمه فيما يخصه التقليد، كذلك فيما يحكم به. ولأنه من فروضه، فأما فقد آلة الاجتهاد فيؤثر في المجتهد، فأما المقلد فلا يضره عدم العلم بطريق الاجتهاد، كما لا يضره ما يحتاج إليه في الأحكام المختصة.

مسألة 1621 سؤال القاضي من هو أفقه منه

مسألة 1621 سؤال القاضي من هو أفقه منه 32331 - ذكر محمد رحمه الله في الأصل في الحدود: وينبغي للقاضي إذا أشكل عليه الشيء أن يسأل عنه من هو أفقه منه، ولا يسعه لم لا ذلك. فإن أشار عليه ذلك الذي هو أفقه منه ني نفسه بما هو خطأ عند القاضي قال: يقضي بما هو الصواب عنده، إذا كان يبصر وجوه الكلام، وإن ترك رأيه وعمل بقول ذلك الفقيه، كان موسعًا ولم يذكر خلافًا. قال أبو بكر الرازي: هذا قول أبي حنيفة قال: وكان أبو الحسن الكرخي يحكي عن أبى يوسف ومحمد أن المجتهد لا يجوز أن يقلد. وبه قال الشافعي رحمه الله. 32332 - لنا: أن الاجتهاد ممن علمه أقوى من اجتهاد من قل علمه، ولهذا ينبغي للقاضي أن يقلد أعلم المجتهدين عنده، فصار كاجتهادين تعارضًا ومع أحدهما ترجيح. والذي يجب أن يقال في هذه المسألة: أن القاضي إذا لم يظهر له اجتهاد في الحادثة، رجع إلى قول غيره؛ لأنه فيها كمن ليس من أهل الاجتهاد. وعلى قولنا: هو قادر على التوصل إلى الحكم باجتهاده، فلا يقلد. فأما إذا بان له وجه اجتهاد واعتقد أن ما قاله غيره خطأ؛ لم يجب أن يعمل به؛ لأنه متعبد باجتهاد نفسه. ومعنى قوله في الكتاب: وإن ترك رأيه وعمل بقول ذلك الفقيه، كان موسعًا. معناه: أنه يجتهد ورجع إلى قول غيره، ولم يتشاغل بالاجتهاد. 32333 - وعلى هذا يجب أن تكون المسألة محمولة، فأما أن يقول: إن الأمارة ظهرت، فأداه اجتهاده إلى قول يعمل بخلافه فلا. 32334 - قالوا: وقد احتج أصحابنا في جواز التقليد بما روي عن عمر أنه قال لعثمان: إني رأيت في الحد رأيًا فاتبعوني. قال عثمان: إن نتبع رأيك فرأيك رشيد،

وإن نتبع رأى من قبلك فنعم ذو الرأي كان. هذا اتفاق من عمر وعثمان على جواز تقليد أبي بكر، وإن كان المقلد مجتهدًا. وروي أن عبد الرحمن بن عوف قال لعثمان: أبايعك على كتاب الله وسنة رسوله وسنة الشيخين. فقال: (اللهم نعم). وهذا بحضرة الصحابة. والذي روي عنه أنه عرض ذلك على علي - رضي الله عنه - فقال: لا، إلا على اجتهادي وطاقتي. ليس بخلاف؛ لأنه اعتقد أن اجتهاده أوفر من اجتهادهما. 32335 - فإن قيل: المراد بهذه السيرة في المسلمين ومجاهدة العدو وسد الثغور. 32336 - قلنا: بل هو عام في كل سنة. احتجوا: بما روي أن النبي - عليه السلام - قال لمعاذ لما بعثه إلى اليمن: (بم تقضى؟) قال: بكتاب الله. قال: (فإن لم يكن في كتاب الله؟). قال: بسنة رسول الله. قال: (فإن لم تجد في سنة رسول الله؟). قال: أجتهد برأي، ولا آلو جهدًا. فقال: (الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضاه رسول الله). 32337 - قلنا: هذا الحديث مرسل لم يرو إلا عن رجال من أهل حمص، وكيف يصح لهم الاحتجاج به؟. ولأنه لم يكن باليمن من يجوز لمعاذ تقليده والرجوع إلى قوله، فكذلك لم يذكر التقليد. 32338 - قالوا: قال النبي - عليه السلام -: (إذا اجتهد القاضي فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد). ولو كان للحاكم طريق ثالث لذكره. 32339 - قلنا: ذكر الاجتهاد ولم يبين جمع طرق الحكم، فتقليد العالم بذكره كما لم يذكر. 32340 - قالوا: قول يجوز له تركه باجتهاده، فلا يجوز له ترك اجتهاد له، أصله: قول من هو مثله أو دونه، وعكسه قول النبي - عليه السلام -. 32341 - قلنا: من اجتهد فظهر له طريق الحكم، لا يجوز له تركه بتقليد غيره. ولذا نقول في المجتهد إذا لم يكن ظهر له طريق الحكم وأعجلت الحاجة إلى إنفاذ الحكم

عن مهلة الاجتهاد أن يقلد العالم، ومن هذه حاله، فليس له اجتهاد حتى يكون تركه بقول غيره. 32342 - فإن قال: انه تارك لما يمكن منه من الاجتهاد بقول غيره. 32343 - قلنا: يجوز له أن يجتهد، فيظهر له حكم، ويجوز ألا يظهر، فلا يتوقف على إمضاء الحكم في الحال. 32344 - قالوا: اجتهاد عن يجوز عليه الخطأ فيه، فلا يجوز للعالم تقليده فيه، أصله: إذا كان مثله أو دونه. 32345 - قلنا: جواز الخطأ على المجتهد لا يمنع العمل بقوله، كما أن جواز خطئه لا يمنعه من العمل باجتهاده. فأما تقليد من هو دونه أو مثله، فيجوز إذا لم يظهر له طريق الاجتهاد. 32346 - قالوا: اشتركا في آله الاجتهاد، فلا يجوز لأحدهما تقليد الآخر، أصله: الصلاة. 32347 - قلنا: لا فرق بينهما، لأنا إذا كنا نقول: إن المجتهد مقلد إذا لم يظهر له اجتهاد، فكذلك نقول في العالم بآلة الاجتهاد في القبلة إذا لم يظهر لأحدهما أمارة، جاز أن يرجع إلى قول الآخر. 32348 - قالوا: متعبد بطلب الحكم من طريق الدليل والإمارة، فلا يجوز تركه بالتقليد، أصله: المفتي. 32349 - قلنا: حكم المفتي والقاضي سواء، يجوز للمفتي إذا لم يظهر له وجه الاجتهاد أن يفتي بقول غيره، كما يجوز أن يحكم بقول غيره.

مسألة 1622 حكم المرأة فيما تقبل شهادتها فيه

مسألة 1622 حكم المرأة فيما تقبل شهادتها فيه 32350 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: يجوز حكم المرأة فيما تقبل شهادتها فيه. وقال الشافعي رحمه الله: لا يجوز حكمها. 32351 - لنا: أن المقصود من الأحكام وضعها في مواضعها وإنصاف المظلوم والانتصاف من الظالم وفصل التنازع وحراسة الأموال التي للمولى عليهم، وهذا المعنى يوجد من الرجل والمرأة. وليس كذلك الإمامة؛ لأنها تفتقر إلى حماية البيضة والذب عن الحوزة وحضور الحرب ولقاء العدو. وهذا المعنى لا يكمل النساء له والرجال وهما يتساويان في ذلك. ولأنها مسلمة تقبل شهادتها كالرجل. ولأن قولها مقبول في التزكية كالرجل. ولأن الشهادة والقضاء كل واحد منهما يتم الحكم به، فإذا كان للنساء مدخل في أحد الأمرين كذلك الآخر. ولا يلزم على شيء مما ذكرنا القضاء في الحدود والقصاص؛ لأن التعليل بجواز القضاء في الجملة وتفصيل ما يجوز فيه لم يتعرض له. ولأنها ولاية خاصة، فجاز أن يتولاها النساء كالوصية. ولا تلزم الإمامة؛ لأنها ولاية عامة. 32352 - احتجوا: بما روي عن النبي - عليه السلام - أنه قال: (ما أفلح قوم وليتهم امرأة)، وروي: (ولوا أمرهر امرأة). 32353 - قلنا: هذا يقتضي ولاية الإجازة والإمامة ذكر الأمر المضاف إليهم العرف بهم وهذا يقتضي جميع الأمر. ولأنه يقتضي المنع من ذلك، وولاية المرأة مكروهة، وولاية الرجل أولى منها.

32354 - قالوا: روى بريدة عن النبي - عليه السلام - أنه قال: (القضاة ثلاثة واحدة في الجنة واثنان في النار، رجل عرف الحق فقضى به فهو في الجنة، ورجل عرف الحق فجار فيه فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار). وهذا يدل على أن جنس القضاة ثلاثة رجال. 32355 - قلنا: قد يذكر الرجال ويراد الجنس، كما قال - عليه السلام -: (الناس غاديان: مشتر نفسه فمعتقها، وبائع نفسه فموبقها). والمراد به الرجل والمرأة. 32356 - قالوا: روي أنه - عليه السلام - قال: (إذا ناب في الصلاة شيء فالتسبيح للرجال، والتصفيق للنساء). فمنعها من التسبيح حتى لا يفتنن الرجال بها، فلأن تمنع من القضاء ومجاورة الخصوم والشهود أولى. 32357 - قلنا: الخبر دل على أن الأولى لها التصفيق، وكذلك الأولى عندنا ألا تقضي فإن فعلت، فحياؤها يمنعها وتصرفها الذي تكلم الرجال فيه. 32358 - قالوا: من لا يجوز أن يكون قاضيًا في الحدود، لا يجوز أن يكون في غيرها، أصله: الأعمى. 32359 - قلنا: لا نمنع أن لا يقبل قولها في الحدود ويقبل قولها في غيرها، كما أن شهادتها لا تقبل في الحدود وتقبل في الأموال، ولا يستدل بأحدهما على الآخر. فأما الأعمى فنقصه أثر في منع شهادته، فأثر في قضائه. والمرأة نقصها لا يمنع شهادتها، كذلك لا يمنع قضاءها. 32360 - فإن قيل: الأعمى تقبل شهادته فيما طريقه الخبر، وفيمن ضبطه بأمر فشهد عليه وهو قابض عليه. 32361 - قلنا: كونها أنثى لم يمنع الشهادة إذا قيل في الأموال الشهادة مقبولة فيه بكل حال وليس في الحقوق حق يقبل شهادة الأعمى فيه يطلبه. وإنما يقول مخالفنا: إن شهادته مقبولة في حالة مخصوصة، والقضاء لا يتخصص بمثل تلك الحال. 32362 - فإن قيل: شهادة المرأة ليست كاملة، أقيمت مقام نصف شاهد، فلا يجوز أن تجعل حاكمة كاملة.

32363 - قلنا: شهادتها عنانا كاملة فيما لا يطلع عليه الرجال، وهى شهادة الرجال وما يطلع عليه الرجال اعتبر في شهادتها عدد زائد، والعدد لا مدخل له في القضاء. ألا ترى أن الشهادات معتبر فيه العدد، والقضاء في سائر الحقوق يجوز من واحد؟. 32364 - قالوا: الحدود تدخل في ولاية القضاء، ومن لا يصلح لبعض ما يتضمنه الولاية، لا يصلح لشيء منها. 32365 - قلنا: الولاية لا تجوز أن تقع خاصة؛ لأن القاضي يجوز أن يولى النظر في شيء دون شيء، فإذا استثنى الشرع بعض ما تقضي فيه، جاز أيضًا كما لو استثنى نطقًا. 32366 - قالوا: لا تصلح للإمامة، فلا تصلح للقضاء. 32367 - قلنا: الإمامة ولاية عامة والقضاء ولاية خاصة، وقد يصلح للخاص ما لا يصلح للعام، كما تصلح المرأة عندهم للوصية ولا تصلح للإمامة والقضاء. ولأن الإمام يفتقر إلى القيام بأمور لا تكمل لها النساء، وهى الحروب ولقاء العدو وتدبير البلاد، والقضاء يفتقر إلى العدالة والعلم، فهذا يوجد في النساء. 32368 - قالوا: قد كان في النساء من حضر الحروب وباشرها وحمل السلاح. 32369 - قلنا: لم يكن فيهن من جمع بين هذا وبين التدبير وسياسة البلاد والعلم بمصالح العامة. 32370 - قالوا: لا تصلح لإمامة الصلاة وهي أدون من القضاء؛ لأن الفسق لا يؤثر فيها، فلأن لا تصلح للقضاء أولى. 32371 - قلنا: عندنا تصلح أن تكون إمامة للنساء، وإنما لا تؤم الرجال عندنا؛ لأن صلاتهم خلفها وإلى جنبها فاسدة.

مسألة 1623 مجلس القاضي وجلوسه

مسألة 1623 مجلس القاضي وجلوسه 32372 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: لا يكره أن يجعل القاضي مجلسه في المسجد، وجلوسه في الجامع أولى. 32373 - وقال الشافعي رحمه الله: يكره أن يقصد ذلك ويتخذ مجلسًا، فإن جلس للصلاة فجاءه خصوم نظر بينهم. 32374 - لنا: أن النبي - عليه السلام - كان يجلس في المسجد وينظر في أمور المسلمين ومصالحهم، وكذلك الأئمة بعده، قال الشعبي: رأيت عمر يقضي ني المسجد. وقال الحسن: رأيت عثمان قد كوم كومة من الحصى في المسجد وجعل رداء عليه ونام، فجاء سقاء فوضع قربته وخاصم إليه رجلًا، فنظر بينهما. 32375 - فإن قيل: يجوز أن يكونوا جلسوا لغير الحكم، فاتفق حضور الخصمين. 32376 - قلنا: المنقول في عامة أحكامهم أنها كانت في المسجد، والاتفاق إنما يكون في الأول. 32377 - فإن قيل: روي أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى القاسم بن عبد الرحمن أنه لا يقضي في المسجد. قالوا: وخلافه معتد به على الصحابة. 32378 - قلنا: عمر من تابع التابعين، فلا يعتد بقوله على الصحابة. ولأنه روي: لا يقضي في المسجد، فإنه يأتيك المشركون. ومن مذهبه أن دخول المشرك المسجد لا يجوز، وعندنا لا يجلس في المسجد ليأتيه من لا يجوز له دخول المسجد. ولأن القضاة من عصر النبي - عليه السلام - إلى وقتنا هذا يعتمدون الجلوس ني المسجد ويتخذونها محلًا للأحكام، ولا ينكر ذلك منكر.

ولأنها عبادة طريقها الأقوال، فلا يكره اعتماد فعلها في المسجد كالقراءة. ولأن الجلوس في المسجد يصل معه جميع الناس إليه على وجه واحد، ولا يصح فيه الحجاب ولا يقدم بعضهم على بعض، فكان أولى. ولأنه موضع لا يكره أن يعتمد الاستخلاف فيه، فلا يكره أن يعتمد الحكم فيه كالمشارك. 32379 - [احتجوا: مجا روى عبد الله بن بريدة عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سمع رجلًا ينشد ضالة في المسجد فقال: (أيها الناشد، غيرك الواجد). وروي أنه قال: (لا وجدتها، إنما بني المساجد لذكر الله والصلاة). 32380 - قلنا: إنشاد الضالة أمر مباح يمكن فعله خارج المسجد، والقضاء عبادة]. 32381 - قالوا: مجلس الحكم يحضره الخلق الكثير اللغط والفاسد والتجارح، فيجنب المسجد ذلك. 32382 - قلنا: الفاسد الذي لا يحل يمنع منه القاضي، وما ليس بمحصور لا بأس به. 32383 - قالوا: يحضره الجنب والحائض والمجنون. 32384 - قلنا: أمر المسلمين محمول على الصحة. ولأنهم لا يدخلون المسجد على هذه الحال. 32385 - قالوا: فتتعذر على الحائض الحاكمة. 32386 - قلنا: لا يتعذر؛ لأن القاضي يؤخر حكمها إلى حين قيامه، أو يفوض أمرها إلى غيره لينظر بينها وبين خصمها. 32387 - قالوا: يقضي بالحد، ألا يجوز له أن يستوفيه في المسجد، ولا ينبغي أن يؤخره عن حال وجوبه. 32388 - قلنا: ليس من شرط إقامة الحد مشاهدة الحاكم لاستيفائه، وهو يحكم به ويأمر من يخرج من السجد ليستوفيه، أو يخرج الحدود من المسجل ويجلس القاضي هي المسجد بحيث يشاهده كيف يضرب.

مسألة 1624 بيع القاضي وشراه في مجلس الحكم

مسألة 1624 بيع القاضي وشراه في مجلس الحكم 32389 - قال محمد رحمه الله في الأصل: لا يبيع القاضي ولا يشتري في مجلس الحكم، ولا بأس بذلك في غير مجلس الحكم. 32390 - وروى الحسن عن أبى حنيفة رحمه الله أنه يكره له أن يتولى ذلك بنفسه. وبه قال الشافعي رحمه الله. 32391 - لنا: أن أبا بكر الصديق لما بويع خرج إلى السوق يبيع، فعرضوا له الورق؛ فدل على أن البيع لا يكره. ولأن الأئمة والأمراء كانوا يبيعون ويبتاعون، ولو تركوا البيع والشراء لنقل نقلًا مستفيضًا. ولا يقال لنقل؛ لأن البيع والشراء عادة مألوفة، فإذا مضوا عليها لم يستغرب فينقل، وترك ذلك مستغرب، فلو أطبقوا محليه لنقل. وقد روي أن عليا اشترى قميصًا بثلاثة دراهم، وقال: الحمد الله الذي كساني من رياشه. 32392 - وروي أن عمارًا خرج من دار الإمارة، فابتاع قباء وحمله بنفسه، وماكس بائعه، فتجازبا حبلًا، حتى أخذ عمار نصفه وهو نصفه. ولأنه عقد بعوض أبيح قبل القضاء، فلا يكره بعده، أصله: النكاح. ولأنه عقد لا يكره أن يوكل به، فلا يكره أن يعقده بنفسه، كالنكاح. ولأنه يجوز له أن يبيع لمن يلي عليه، فجاز أن يبيع لنفسه كالوصي.

32393 - احتجوا: بما روي عن النبي - عليه السلام - أنه قال: (ما عدل والٍ اتجر في رعيته). 32394 - قلنا: هذا يدل على كراهة التجارة، والكلام في البيع والشراء، فأما التجارة: فمشغلة عن النظر في الأحكام، فتضيع حقوق الناس. 32395 - قالوا: روي عن شريح أنه قال: شرط علي عمر حين ولاني لا أبيع ولا أشتري ولا أرتشي ولا أقضي وأنا غضبان. 32396 - قلنا: خص شريحًا بذلك؛ لأن أهل الكوفة كانوا يتجرمون على ولاتهم، فأراد أن يقطع مادة تحومهم، ولهذا لم ينقل أنه شرط على جميع ولاته كثرة عددهم، على أن عليًا وعمارًا مخالفان. 32397 - قالوا: الاشتغال بالتجارة يقطعه بعن الأحكام. 32398 - قلنا: إذا كان الإمام يوفيه رزقه، فلا ينبغي له أن يتجر؛ لأن زمانه مستحق للمسلمين، فلا يصرفه إلى غير مصالحهم. وإذا لم يأخذ الرزق من بيت المال، فلا بد له من التصرف، ليقيم أوده ويستغني عن غيره. 32399 - قالوا: قال الشافعي: جرت العادة أنه يحابي في البيع والشراء، والمحاباة تجري مجرى الهدية، ولا يجوز. 32400 - قلنا: يكره له أن يبيع ممن يجابيه، فأما من يعلم أنه لا يجابيه فلا يكره.

مسألة 1625 البحث عن عدالة الشهود

مسألة 1625 البحث عن عدالة الشهود 32401 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: يجوز للقاضي أن يحكم بشهادة الشهود وإن لم يعرف عدالتهم، ولا يلزمه البحث عن باطنهم لم لا ي الحدود والقصاص وأن يطعن المشهود عليه فيهم. 32402 - وقال أبو يوسف ومحمد [رحمهما الله]: لا يحكم حتى يحث عن عدالتهم في الباطن. وبه قال الشافعي رحمه الله. قال أصحاب الشافعي: هل يعتبر في الإخبار العدالة الباطنة؟ فيه وجهان. قال: والمنصوص- وهو الصحيح في المذهب- أن النكاح ينعقد بشهادة من ظاهره العدالة. فيها وجه آخر: أنه لا ينعقد لم لا بشهادة من يبحث عن عدالته في الباطن. والكلام في هذه المسألة من طريقين، أحدهما: أن من أصحابنا من قال: لا خلاف فيها الآن، وإنما أجاب أبو حنيفة على عصره، وكانت العدالة ظاهرة على أهل زمانه، وقد عدلهم النبي - عليه السلام - بقوله: (خير القرون قرني الذي بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب فيشهد الرجل قبل أن يستشهد). فأما بعده فلا يوجد فيهم هذا المعنى، فلا بد من المسألة. ومن أصحابنا من حمل المسألة على الخلاف، وقال: هذا الحكم باقٍ. واحتج بما روي أن أعرابيًا شهد عند النبي - عليه السلام - برؤية الهلال فقال: (أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟) قال: نعم. فقال: (الله أكبر، يكفي المسلمين أحدهم). فاعتبر عدالة الإسلام. 32403 - فإن قيل: يجوز أن يكون سئل عن باطنه. 32404 - قلنا: حكم بشهادته في الحال، وأمر الناس بالصيام قبل أن تمضي مهلة المسألة، ويدل عليه قوله - عليه السلام -: (المسلمون عدول بعضهم على بعض، إلا محدود في فرية). وهذا يدل على أن عدالة الإسلام تكفي.

وكتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الكتاب المشهور في القضاء وقال فيه: (المسلمون عدول بعضهم على بعض؛ إلا مجلود في حد). وهذه قصة مشهورة في الصحابة؛ لأن المسألة عن الشهود أمر لم يكن في زمن السلف. قال ابن شبرمة: أنا أول من سأل عن الشهود، فلم يكن أحد يتحرى. ولو كان ذلك شرطًا لم يتركه من تقدمه. ولأن الظاهر من أمر المسلمين الصحة؛ ولأنهم لم يركبوا ما لا تسوغه الشريعة، وقد ندبه إلى اعتقاد ذلك فيهم، وجمل أمورهم عليه. ومن حصل له هذا الضرب من التعديل، لم يعتبر معه تجويز ما يخالفه، كمن عدل للحاكم ني زمانه، ثم شهد بعده. ولأن الظاهر أن الإنسان يبلغ غير مرتكب الكبيرة مع بلوغه، فيستفيد عدالة ني تلك الحالة، وجواز أن يحدث غير ذلك لا يعتبر، كمن عدله الحاكم في زمان، ثم يشهد بعده. 32405 - ولا يلزم إذا طعن؛ لأن العدالة حاصلة، وقد صار البحث حقًا له بمطالبته. ولا تلزم الشهادة بالحدود والقصاص؛ لأنا لا نكتفي فيها بالعدالة حتى توجد عدالة بصفة، كما يعتبر شهود بصفة. ولأنهما لو حضرا عقد النكاح انعقد بشهادتهما، فلم يقف الحكم بشهادتهما على البحث عن عدالتهما كمن عدله القاضي مرة. 32406 - فإن نازعوا في الوصف؛ فالدليل عليه إجماع الأمة على عقده من غير بحث عن حال من يحضره ولا مسألة عن باطن حاله [...]. ولأن كل صفة لا تعتبر في الشاهد كالمسألة الثانية. ولأن من جاز أن يقبل قوله إذا بحث عن باطنه، جاز أن يقبل قوله من غير بحث كالمخبر. والدليل على أن هذا الأصل: أن الأمة أطبقت على قبول أخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - فيمن ظاهره الخير، ولم يبحث أحد من الناس عن باطن الرواة ولا يسأل عنهم، فمن

زعم أنه لا يقبل الأخبار لم لا بمن بحث عن عدالته، خالف الإجماع. 32407 - احتجوا: بقوله تعالى: {وأشهدوا ذوي عدلٍ منكم}. وقال: {ممن ترضون من الشهداء}. 32408 - قلنا: ذوا العدل عن جعلت له عدالة، ومن كان مسلمًا، فله عدالة الإسلام. وإنما تزول بمخالفة الدين، وذلك لا يعلم، فالعدالة باقية. كذلك قوله: {ممن ترضون}. المسلم الذي لم تظهر منه حرمة مرضي؛ لأن الله تعالى ذكر هذا في حال التحمل، ولا خلاف أن عدالة الباطن لا تعتبر حال التحمل، فعلم أن المراد بذلك عدالة الظاهر. 32409 - قالوا: روي أن رجلين شهدا عند عمر، فقال لهما: أني لا أعرفكما، ولا يضركما أني لا أعرفكما، فأتياني بمن يعرفكما. فجاءا برجل، فقال له: أترفهما؟ فقال: نعم. فقال: أكنت معهما في السفر الذي تتبين به جواهر الناس؟ فقال: لا، فقال: كنت جارهما تعرف صباحهما ومساءهما؟ فقال: لا، فقال: أعاملتهما بالدنانير والدراهم التي بهما تقطع الأرحام؟ قال: لا، قال: ابن أخي، إنك لا تعرفهما، قالوا: وهذا يدل على أن البحث والسؤال واجب. 32410 - قلنا: إنه حكاية حال، يحتمل أن تكون الشهادة في الحدود وهو الطاهر؛ لأنه طلب من الشهود التعديل، ولو كان هناك خصم لالتمس منه التعديل. فلما التمس ذلك من الشاهد، دل على أن الشهود هم المدعون، وذلك لا يكون إلا في الحدود. على أن كتاب عمر إلى أبي موسى أظهر وأشهر، فيجب أن يرجع إلى ظاهر، ويحمل هذا على الحدود وذلك على بقية الحقوق. 32411 - قالوا: عدالة مشروطة في الحكم بالشهادة، فإذا جهل الحاكم باطنها وجب السؤال عنها، أصله: عدالة الشهود في الحدود. 32412 - قلنا: جحود المشهود عليه بسبب الحد طعن على الشهود، والطعن لم ذا حصل ني غير الحدود وجبت المسألة، وليس كذلك الشهود في سائر الحدود. ولأنه ليس بطعن، لجواز أن يصدق الشهود. ويصدق الخصم بأن يكون الدين قد

قضي أو أبرأ ذمته والعقد قد فسخ. ولأن الحدود قد اعتبر فيها من الاحتياط ما لم يعتبر في غيرها، فيجوز أن تحصل عدالة الظاهر ويقف الحكم على معنى أخر، كما يحصل العدد الذي يقطع به في الحقوق، فتعتبر زيادة عدد أو صفة ليحكم به في الحدود. 32413 - قالوا: كل عدالة وجب السؤال عنها إذا طعن الخصم وجب، وإن لم يطعن، كالعدالة في الحدود. 32414 - قلنا: إذا طعن الخصم، صارت المسألة حقا له، وان لم يثبت قبل طعنه، كما أن العيب لم ذا ثبت وجب الرد به، فإذا ادعى البايع رضا المشتري، وجب على الحاكم أن يسأله عن ذلك، ولو لم تدع، لم يسأل. 32415 - قالوا: يجب عليه أن يسأل عن إيمانه، كذلك عن عدالته. 32416: لا نسلم هذا؛ لأن الظاهر أنه من أهل دار الإسلام، وإذا لم تكن هناك أمارة الكفر لم يجب السؤال، وكذلك الحرية لا تحتاج أن يسأل عنها. فإذا طعن الخصم بالكفر أو ادعى الرق، وجب اعتبار ذلك كما يعتبر في العدالة.

مسألة 1626 قبول الترجمة في الشهادة

مسألة 1626 قبول الترجمة في الشهادة 32417 - قال أبو حنيفة رحمه الله: يقبل تعديل الواحد وترجمته، إذا لم يفهم القاضي لسان الشهود أو لسان الخصم. 32418 - وقال الشافعي رحمه الله: لا يقبل في الترجمة والتعديل إلا قول اثنين. قالوا: ويعتبر في التعديل لفظ الشهادة، ولا يقبل تعديل والد لولده. واختلفوا في رسل القاضي في المسألة عن الشهود، فقال الإصطخري: يشهد الرسول؛ لأن بما يصح عندهما من قول الجيران. وقال ابن شريح: يستدعي القاضي اثنين من الجيران يسمع قولهما. 32419 - لنا: أن الترجمة والتعديل خبر وليس بشهادة، بدلالة أن الترجمة تقبل في شهود الخصم، والشهادة على النفي لا تصح، وتصح الترجمة عن الشهود بغير تحميل. ولو كان قول المترجم شهادة، احتاج إلى تحميل شهود الأصل. ولأن قول المترجم يقبل في إقرار المقر، ولو كان شهادة لم يقبل مع الاعتراف؛ لأن الشهادة تسمع مع النفي. ولأن قول المترجم يقبل أن المقر أقر بالزنى ويقام عليه الحد، ولو كان شهادة لم يقبل إقراره. ولأن القاضي استفاض عنده التعديل؛ جاز له أن يعمل به، ولو كان مما يثبت بالشهادة لم يجز أن يعمل عليه خبرًا. ولأن الاستيفاض كالأموال والساعات، وهذا لا شبهة فيه، لأنا نقطع بعدالة السلف، وطريق ذلك علمنا إياهم بالخبر. وإذا ثبت أن التعديل والجرح خبر، لم يشرط

فيه عدد كأخبار النبي - عليه السلام -. 32420 - ولأن من جاز أن يقبل قوله في الخبر عن النبي - عليه السلام -، جاز أن تثبت التزكية والترجمة بقوله، أصله: الإثبات. ولأن التزكية معنى يقف الحكم عليه، فجاز أن يقبل قول الواحد فيه كالخبر عن رسول الله. ولا تلزم الشهادة؛ لأن شهادة الواحد تقبل عندنا في رؤية الهلال والولادة. 32421 - احتجوا: بأنه يقبل ما غاب عن الحاكم إليه فيما يختص بالحكم بين المتخاصمين أو فيما يجب عليه سماعه من المتخاصمين، فوجب أن يكون من شرطه العدد، أصله: الشهادات. 32422 - قلنا: يبطل بالخبر عن النبي - عليه السلام - في الحادثة المتنازع فيها. 32423 - فإن قيل: سماع الخبر لا يختص بالحكم، بل يجب سماعه لمعرفة الشرع. 32424 - قلنا: وكذلك التزكية يسمعها القاضي للحكم وليصل خبر المزكي عن رسول الله وليقلده القضاء وليئتمنه على الأموال. وأصلهم: الشهادة وهى غير مسلم؛ لأن العدد قد يعتبر فيها عندنا وقد لا يعتبر. ولأن الناس بالشهادة، ولو استفاض لم يجز للقاضي العمل عليه حتى يشهد به، فجاز أن يكون فيه ما شرطه العدد والتزكية إذا استفاضت جاز أن يعمل عليها، فكذلك لم يكن من شرطها العدد. 32425 - قالوا: لو عدله اثنان وجرحه واحد، كان التعديل أولى، فلو كان الجرح من الواحد صحيحًا، تقدم الجرح على التعديل، كما لو جرحه اثنان وعدله اثنان. 32426 - قلنا: إنما قدمنا التعديل؛ لأن قول الاثنين يقبل شهادة وخبرًا، وقول الواحد يقبل خبرًا لا شهادة، فكان قول من يقبل قوله في الوجهين أولى. وإنما عدله اثنان وجرحه اثنان فكل واحد من القولين يقبل خبرًا وشهادة فتساويا، فقدم الجرح؛ لأن الجارح عرف ما خفي على المعدل.

مسألة 1627 تعديل المرأة والعبد والمقذوف

مسألة 1627 تعديل المرأة والعبد والمقذوف 32427 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: تعديل النساء مقبول. وذكر الخصاف أنه يقبل تعديل العبد والمحدود في القذف. وقال الشافعي رحمه الله: لا يقبل قول النساء في تعديل. وهذا مبني على أن التعديل خبر، فيقبل فيه قول النساء كالخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن قولهن يقبل في الشهادة مع الرجال؛ فجاز أن يقبل في التعديل كالرجل. ولأن ما لا تؤثر فيه الشبه، يقبل فيه قول النساء كالأموال. ولأن قولهن مقبول في الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجاز أن يقبل قولهن في التعديل والجرح كالرجال. 32428 - احتجوا: بأن التعديل والجرح شهادة، وشهادة النساء لا تقبل عندهم إلا فيما كان المقصود منه المال أو لا يطلع عليه الرجال. 32429 - قلنا: هذان أصلان قد دللنا على إبطالهما.

مسألة 1628 الاكتفاء بقوله: هو عدل

مسألة 1628 الاكتفاء بقوله: هو عدل 32430 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: إذا قال المزكي: فلان عدل. اكتفي القاضي بذلك في التعديل، وكذلك إذا قال: ما علمت إلا خيرًا. 32431 - وقال الشافعي رحمه الله: لا يقبل في التعديل حتى يقول: عدل علي ولي. وقال الاصطخري: هذا تأكيد، ويكفي أن يقول: هو عدل. وقال المروزي: لا بد أن يقول: هو عدل لي وعلي. لنا: ما روى وكيع عن مسعر عن حبيب بن أبي ثابت قال: سأل عمر رجلًا عن رجل، فقال: لا أعلم إلا الخير. فقال: حسبك. وروى الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير: قال ابن عمر: إذا أنعم أن يمدح الرجل قال: ما علمت إلا خيرًا. ولأن قوله: هو عدل يجمع سائر أسباب العدالة، وقوله: علي ولي: تفسير لما اشتملت عليه العدالة، وذلك لا يجب بيانه، وإذا قال: ما علمت إلا خيرًا. فقد نفي ما سوى الخير وأثبت الخير، وهذا معنى التعديل. 32432 - احتجوا: بأن قوله: عدل. مجمل يحتاج إلى البيان. 32433 - قلنا: ليس كذلك، بل هو مفسر؛ لأن العدل من يجب قبول قوله ويسكن إلى أمانته، فإن وجد التفسير بقوله: لي وعلي. وجب بسائر صفاته.

مسألة 1629 الجرح المبهم

مسألة 1629 الجرح المبهم 32434 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: يستحب للمزكي إذا أراد الجرح أن يقول: الله أعلم به. ولا يبين سبب الجرح، فإن يبين وقال: ليس بعدل، أو هو فاسق. لم يقبل القاضي الشهادة. وقال الخصاف: إذا عدل الرجل عند القاضي لم يقبل جرحه مجملًا حتى يبين سبب الجرح. 32435 - وقال الشافعي رحمه الله: لا يقبل الجرح حتى يبين. 32436 - لنا: أن الواجب الستر على عورات المسلمين، وإنما يحتاج المزكي إلى بدل التعديل حتى لا يقضي القاضي بقول من لا يجوز قبول قوله في شهادته، فلا يجوز قبول قوله. ولأنهم إذا قالوا: هو عدل جائز الشهادة لي وعلي. قبل القاضي ذلك، وإن لم يفسر. والمعنى الذي تثبت به العدالة كذلك إذا قال: هو فاسق. 32437 - احتجوا: بأن الناس مختلفون في التفسيق، فيجوز أن يكون فسقًا عند المزكي، وليس بفسق عند القاضي. 32438 - قلنا: وكذلك يتباينون ني التعديل، فيكون الرجل عدلًا عند المزكي، وليس عدلًا عند القاضي. ثم قال: هذا لا يصح؛ لأن المعاني المختلف في تأثيرها في الشهادة معروفة، والواجب حمل أمر المزكي على الصحة. ولأنه لا يحمل القاضي ما يعلم أنه لو فسره لم يؤثر عنده، كما يحمل أمره في التعديل على الصحة، وأنه لا يحمل ما يجوز ألا يكون تعديلًا عنده.

مسألة 1630 قضاء القاضي بما علمه قبل الولاية

مسألة 1630 قضاء القاضي بما علمه قبل الولاية 32439 - قال أبو حنيفة رحمه الله: ما علم القاضي قبل ولايته أو بعد ولايته ني غير عمله، لا يجوز أن يقضي به. 32440 - وقال أبو يوسف ومحمد [رحمهما الله]: يجوز أن يقضي به. وبه قال الشافعي رحمه الله في أحد قوليه. 32441 - لنا: أن محمله شهادة؛ لأنه لا يملك الحكم به عند سماعه، فلا يجوز أن يحكم به كما لو كان حاكمًا فيمتنع الإقرار ثم عزله قبل الحكم. ولأن الإقرار حكم لا يملك الحكم به عنا سماعه، فلا يملك الحكم به وإن ولي الحكم، أصله: إذا سمع البينة. 32442 - فإن قيل: لا تكون بينة إلا بعد الدعوى، ومن ليس بقاضٍ لا يسمع الدعوى. 32443 - قلنا: لو سمع الشهود يشهدون عنا قاضٍ بعد الدعوى، ثم ولي القضاء، لم يجز الحكم بذلك السماع، ون كانت بينة صحيحة. ولأن القول معنى لو طرأ بعل الإقرار، منع الحكم به فإذا [... السماع منع الحكم به] كالجنون والغفلة. 32444 - احتجوا: بقوله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم}.

32445 - قلنا: هذا نهي عن إتباع ما ليس يعلمه، وأما إتباع ما يعلمه فهو دليل الخطاب. ولأن عندنا يتبع علمه فيشهد به، وليس في الآية ما يدل على جهات الإتباع. 32446 - وقوله تعالى: {كونوا قوامين بالقسط}. يدل على القيام بالقسط، وعندنا يقوم بأن يشهد به وهذا هو المراد. ولأنه قال: شهد الله. 32447 - قالوا: روي عن عبادة بن الصامت أنه قال: بايعنا النبي - عليه السلام - بالسمع والطاعة ني المنشط والمكره، وألا ننازع الأمر أهله، وأن نقول- أو نقوم- بالحق حيث كنا لا نخاف في الله لومة لائم. 32448 - قلنا: يجب عليه أن يقوم بالحق، فيشهد به، ويقول الحق فيخبر بما يعلم، والكلام في إمضاء الحكم، وليس يدل الخبر عليه. 32449 - قالوا: روى أبو سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يمنع أحدكم هيبة الناس أن يقول في حق إذا رآه أو سمعه). 32450 - قلنا: عندنا يقول الحق بشهادة، ولا يتهيب الناس فقد قلنا: بظاهر الخبر. 32451 - قالوا: روت أم سلمة عن النبي - عليه السلام - أنه قال: (إنما أقضي بينكم على نحو ما أسمع). 32452 - قلنا: النبي كان يملك الحكم عند هذا القول. وقوله: (بما أسمع). يقتضي ما يقبل من السماع. 32453 - قالوا: لأنه حاكم عالم يصدق المدعي فيما يدعيه، فإذا سأله أن يحكم به؛ جاز له الحكم، أصله: إذا علم به في ولايته. 32454 - قلنا: يبطل بالحدود وبما علم من حقوق والده وولده. 32455 - قالوا: يحترز عن الحدود، فيقول فيما لم يضر بستره. 32456 - قلنا: أمره بالستر لم يمنع الحكم بالشهادة، كذلك لا يمنع بعلمه؛

لأنهما سواء عندهم. والمعنى فيما علم حال القضاء، أنه يملك الحكم به عقيب علمه. وفي مسألتنا لا يملك الحكم به عند العلم ولا حال القضاء يجوز أن يحكم بسماع البينة قبلها، فيجوز أن يحكم بالإقرار ما قبل القضاء، فلو سمع البينة لم يملك الحكم بها بعد الولاية كذلك الإقرار. 32457 - قالوا: لو سمع رجلاً يطلق امرأته ثلاثًا أو يعتق أمته ثم ولي القضاء، وجحد الرجل، هل تسلم إليه الزوجة والأمة حتى يطأهما وطأ حرامًا؟. 32458 - قلنا: بل يحول بينه وبينها، ولا يحكم بالطلاق ولا العتق. 32459 - قالوا: لو علم عدالة الرجل، ثم ولي القضاء، جاز أن يحكم بشهادته لما علمه منه قبل ولاية القضاء. 32460 - قلنا: ليس هذا حكم بالعدالة؛ لأن القاضي لا يقضي بها، وإنما يقضي بالشهادة إذا كان الشاهد بصفة مخصوصة، فلا فرق بين حصول العلم بالصفة في تلك الحال أو قبلها، كما أنه يحكم بما سمعه من أخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو سعها حال الولاية أو قبلها؛ لأن الخبر لا يحكم به. وإنما يحكم بالدعوى إذا كانت على صفة وجعلت الصفة قبل الحكم.

مسألة 1631 قضاء القاضي بما علمه قبل الولاية في الحدود

مسألة 1631 قضاء القاضي بما علمه قبل الولاية في الحدود 32461 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: يجوز للقاضي أن يقضي بما علمه في حال القضاء إلا في الحدود. 32462 - وقال الشافعي رحمه الله: لا يجوز. في أحد قوليه. 32463 - لنا: أنه لو لم يقبل قوله، يجوز الاقتصار على قاضً واحد؛ لأن ذلك يؤدي إلى تضييع الحقوق، ألا ترى أن المتحاكمين يحضران وليس عنده شاهد، فيقر أحدهما ثم يجحد الآخر، فلا يقبل قوله؛ لأنه أقر فلما اقتصر على قاضٍ واحد في سائر الأعصار دل على أن قوله مقبول. ولأن قوله مقبول في مذهبه وفي عدالة الشاهد، وصحة الحكم تقف على ذلك، كذلك يقبل قوله في إقرار المقر؛ لأن صحة الحكم تقف عليه. 32464 - احتجوا: بأنه قضى بعلمه، فلا يجوز كالحدود. 32465 - قلنا: الحدود هو الطالب بها والمستوفي لها، فلا يقبل قوله فيها كحقوق نفسه. وليس كذلك ما سواها؛ لأن الاستيفاء لا يثبت له؛ فجاز أن يرجع إلى قوله فيها كما يرجع إليه إذا أخبر بعدالة الشهود.

مسألة 1632 قضاء القاضي بعلمه في الحدود

مسألة 1632 قضاء القاضي بعلمه في الحدود 32466 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: لا يقضي القاضي بعلمه في الحدود استحسانًا. 32467 - وقال الشافعي رحمه الله في أحد قوليه: يجوز أن يقيمها بعلمه. 32468 - لنا: قوله تعالى {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة}. فدل على أن القاضي يقيم الحد على القاذف إذا عجز عن الشهادة، وان كان يعلم صدق القاذف. وقال - صلى الله عليه وسلم - في قصة امرأة هلال بن أمية: (إن جاءت على صفة كذا؛ فهو لشريك بن سحماء). فجاءت به على الصفة المكروهة، فلم يقم الحد عليها. ولو جاز أن يقيم الحد بعلمه لأقامه، ويدل عليه إجماع الصحابة. وروي عن أبي بكر أنه قال: لو رأيت رجلًا أتى حدًا من حدود الله، لم أقم عليه إلا أن يشهد عندي شهود. وروي أن عمر شاور عبد الرحمن بن عوف فقال: أرأيت لو رأيت رجلًا يأتي حدًا من حدود الله تعالى أكنت تقيمه؟ قال: لا، حتى يكون معك غيرك. فقال: وأنا أرى مثل ذلك. وروي أن معاوية سأل ابن عباس، فأجاب بمثل ذلك. ولا يعرف لهم مخالف. ولأنه حق استيفاؤه إليه، فلا يكون عليه فيه حجة، أصله: حقوق نفسه. ولأن المطالبة بها إليه، فقوله فيها ليس بحجة كقول الوكيل.

32469 - احتجوا: بأن الشهادة تثبت الظن، ويجوز أن يحكم بها، فلأن يحكم بالعلم أولى. 32470 - قلنا: الظن في قوله مائة عبد أقوى من الظن في شهادة حرين، ثم يجوز أن يحكم بقول الحرين ولا يقضي بقول العبيد مع قوة الظن. 32471 - فإن قيل: إن كان لا يقتضي بعلمه؛ لأن الاستيفاء إليه، فيجب ألا يحكم فيها بالبينة كما لا يقضي في حقوق نفسه. 32472 - قلنا: حكمه بالشهادة والإقرار موضع تدعو الحاجة إليه، إذ لو نقض بذلك لم يمكن ثبرتها أبدًا. وحكمه بعلمه فيها لا تدعو إليه ضرورة، فأما حقوق نفسه: فلا حاجة تدعو إليها، لأنا إذا لم نجوز حكمه فيها، أمكن أن يحكم فيها الإمام أو يحكم قاضٍ غيره.

مسألة 1633 حكم القاضي على غائب

مسألة 1633 حكم القاضي على غائب 32473 - قال أصحابنا [رحمهم الله]: لا يجوز للقاضي أن يقضي على غائب حتى يحضر، أو يحضر من يقوم مقامه بأمره، أو من يقوم مقامه حكمًا. 32474 - وقال الشافعي رحمه الله: يجوز القضاء على الغائب عن المصر بالبينة، وإذا كان فيه حاضرًا فيه وجهان. 32475 - لنا: ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي - رضي الله عنه - حين بعثه إلى اليمن: (لا تقض لأحد الخصمين حتى تسمع من الآخر). وهذا نص في منع الحكم على الغائب؛ لأنه لم يسمع قوله. 32476 - قالوا: روي أنه قال: (إذا حضرك الخصمان وإذا جلس إليك الخصمان). 32477 - قلنا: لا يخلو إما أن يكونا خبرين أو خبر واحد، فإن كانا خبران استعملناهما وقلنا: إذا حضرا، لم يجز القضاء لأحدهما قبل سماع قول الآخر بأحد الخبرين، وإذا غاب أحدهما لم يقض بالخبر العام الآخر. وان كانا خبرًا واحدًا، فالأشبه أن يكون أصله خبرنا؛ لأنه عام، والراوي يجوز أن يسمع العام فيروي الخاص؛ لأنه بعض ما سمع، ولا يجوز أن يسمع الخاص فيروى العام لأنه كذب. ولأن الخبر الذي رووه دليل عليهم؛ لأنه جعل العلة التي يجوز القضاء معها سماع قول الآخر، وما بعده للغاية بخلاف ما قبلها، فاقتضى الخبر أنهما إذا حضرا فسمع الدعوى وغاب المدعى عليه قبل سماع قوله أنه لا يجوز القضاء، وهذا خلاف قولهم. ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا منع أن يقضي للمدعي إذا حضر خصمه قبل سماع قوله مع مشاهدة المدعى عليه لدعوى خصمه وسماعه لحجته ويسأله عن الطعن فيها، فلأن لا يحكم على الغائب مع أنه لو يعرف ما عنده من الطعن والاعتراض أولى.

32479 - قالوا: قوله: (إذا حضرك الخصمان، فلا تقض لأحدهما). دليله إذا غاب أحدهما قضى للآخر قبل سماع قول خصمه. 32480 - قلنا: ليس من أصلنا القول. ولأنا بينا أن ذكر حضور الخصمين تنبيه على حال غيبة أحدهما من حيث الأولى. 32481 - قالوا: قوله: (ولا تقض لأحد الخصمين حتى تسمع من الآخر). يقتضي حضورهما؛ لأنه سماهما خصمين، وذلك لا يكون مع عدم المخاصمة. 32482 - قلنا: لم يرد - صلى الله عليه وسلم - حقيقة المخاصمة؛ لأنه سماه خصمًا قبل أن يستمع قول المدعى عليه، ويجوز أن يقر فلا يكون خصمًا مع أنه أراد المجاز دون الحقيقة، ويدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم - (البينة على المدعى، واليمين على المدعى عليه). فأثبت البينة في جهة المدعي، ولا يكون مدعيًا حتى يجحد خصمه، ونحن لا نعلم أن الغائب ينكر، فلا يكون الحاضر مدعيًا فلا تسمع بينته. ولأن البينة معنى يختص بالحاكم، فغيبة الخصم تمنع الحكم بها ابتداء، أصله: اليمين. 32483 - فإن قيل: اليمين حق المدعي، لا تثبت إلا بمطالبته، فلا يحكم بها [في غيبته؛ لأنه مستحق، لها كما أن البينة لما كانت حقًا للمدعي لم تثبت مع غيبته]. 32484 - [قلنا: وقد تكون اليمين ... أقام البينة مع غيبة ... وهذه اليمين ...]. ولأن اليمين قد تكون عندهم حقا للمدعي إذا نكل خصمه عن اليمين، ثم لا نسع هذه الحجة مع غيبة خصمه. 32485 - فإن قالوا: إنما تكون اليمين حجة، إذا نكل المدعى عليه. 32486 - قلنا: وكذلك البينة إنما تكون حجة إذا كان هناك خصم جاحد، فأما إذا كان مقرا: فليست بحجة، ونحن نجوز أن يكون مقرًا. ولأن صحة الحكم تتعلق بمقضي عليه، فإذا منعت غيبة المقضي له الحكم ابتداء،

كذلك غيبة المقضي عليه يجب أن تمنع ابتداء الحكم. ولأن تعلق البينة بالقضاء عليه أكد من تعلقها بالمدعي؛ بدلالة أنه ليس في الأصول بينة إلا على مدعي عليه، وقد يكون بينات لا مدعي لها وهي البينات إذا قامت بالحدود، فإذا أثرت عند المدعي في الحكم ابتداًء، فلأن يؤثر غيبة المدعى عليه أولى. 32487 - فإن قيل: صحة الحكم يعتبر فيه المدعي والمدعى عليه، والعين المدعاة لا يجب إحضارها لسماع البينة عليها، ثم غيبتها لا تمنع سماع البينة. 32488 - قلنا: إذا غابت العين المدعاة فإن البينة [تسمع عندنا على قيمتها وهي الدية. 32489 - فإن قيل: غيبة ...] البينة على كفيله، وإذا حضر الشفيع فادعى على المشتري عنه أنه اشترى الدار من يد الغائب، وأقام البينة، قضى بالشفيع على الغائب، وبمثله لا يحكم له مع غيبته. 32490 - قلنا: نحن قلنا: إن غيبته تمنع الحكم عليها، وهاهنا وقع الحكم على الكفيل والمشتري وتعدى ذلك إلى الغائب، فلم يتوجه الحكم ابتداء عليه، وبمثله نقول: إن غيبة المدعي تمنع الحكم له ابتداء، ويجوز أن يتصل الحكم بحق غيره فيحكم له مع غيبته كالمشتري إذا ادعى أنه ابتاع هذا العبد من فلان الغائب وهو يملكه، والمودع إذا. أقام البينة أن هذه الدابة وديعة في يده لفلان الغائب حتى يأذن له القاضي في الإنفاق عليها ويجعل النفقة دينًا على الغائب. 32491 - فإن قيل: لو حضرا جميعًا لم يجز أن يقضي بالبينة إلا بعد طلب المدعي، ويجوز أن يقضي بها مع كراهة المدعي عليه، كذلك مع غيبته. 32492 - قلنا: لا يحكم بها وإن سأله المدعي إلا أن يكون خصمه جاحدًا عند السماع والحكم، فإن أقر في إحدى الحالتين لم يتعلق بالبينة حكم، فإذا كان غائبا، لم يعلم جحوده فلا يقضي بالبينة. ولأنه حق ثبت بالبينة فلا يجوز القضاء به مع غيبية المدعى عليه وعنه من قام مقامه كالحدود.

ولأنه حق من حقوق الآدميين، فلا يقضي به ابتداء مع غيبة المقضي عليه كالقصاص. ولأن كل حالة لو كان عليها المدعي [... الحكم إذا كان عليها] منعت الحكم عليه كالصغر والجنون. ولأن البينة حجة لأحد الخصمين، فلا يقضي بها القاضي مع غيبة الآخر كاليمين. ولأن القضاء بالبينة قبل سؤال الخصم عند الدعوى لا يجوز، أصله: إذا كان في المصر أو ي مجلس القاضي. 32493 - قالوا: قال صاحب الإيضاح: إذا كان بحضرة القاضي وسع البينة ولم يسمع الدعوى؛ جاز في أحد الوجهين. 32494 - قلنا: هذا خلاف الإجماع؛ لأن القضاة من لدن النبي - صلى الله عليه وسلم - وإلى يومنا يحضرون الخصوم. ولو ساغ الحكم بالبينة، لم يكن للإحضار وإلحاق الضرر بالخصم في قطعه عن أشغاله معنى. ولأن البينة لا يثبت حكمها في حق المقر، فإذا كان الخصم في مجلس القاضي؛ جاز أن يكون مقرًا فيقضي بأقوى السببين. 32495 - قلنا: قد يحضر من لا يجوز إقراره مثل الوصي. ولأنه لو كان يحضره، بجواز أن يقر له لم يحضره مرة بعد مرة. 32496 - فإن قيل: إنه يقضي بالبينة، فإن كان الخصم جاحدًا بقذف، وإن كان مقرًا أكد الحكم بإقراره. 32497 - قلنا: سماع البينة في حق المقر لغو؛ لأن الإقرار أقوى الحجتين، فلا يثبت الأضعف معها، فإذا كان كذلك حكم وهو يجهل السبب الذي تعلق الحكم به، وهذا لا يجوز، كأربعة يشهدون بدين، وقال المزكون: اثنان منهم عدلان. لم يجز للقافي الحكم؛ لأنه يحكم مع جهالة السبب، ألا ترى أنه لا يدري بشهادة أنهم يحكم كذلك في مسألتنا؟ 32498 - احتجوا: بقوله تعالى {يداود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين

الناس بالحق}. 32499 - قلنا: لا نسلم أن القضاء بالبينة مع جواز إقرار الخصم قضاء بالحق، ولا نسلم أنه قضى مع غيبته. ويجوز أن يطعن في الشهود أو يكون له مخلص من البينة، فقضى عليه وفوت هذا عليه، فقد قضى بحق. 32500 - فإن قيل: حجة لا تفوته إذا حضر. 32501 - قلنا: القدح في الشهود لا يسمع عندنا بعد القضاء بشهادتهم، إلا أن يقيم البينة أنهم عبيد أو كفار، وما سوى ذلك لا يسمح الطعن بهم. ولأنه يحكم عندهم ويدفع إلى المدعي ما يدعيه، فيبعث ويحضر خصمه فيقيم حجة تبطل ما دلت عليه البينة، ولا يقدر على الغائب، فيذهب حقه. 32502 - احتجوا: بقوله تعالى: {كونوا قوامين بالقسط شهداء لله} 32503 - قلنا: لا نسلم إذا قضى مع غيبته، فقد قام بالقسط؛ لأن القسط التسوية بين الخصمين، وألا ينفذ لأحدهما حكم بالتحري، وهذا غير موجود هاهنا على ما بينا. 32504 - احتجوا: بقوله - عليه السلام -: (لو أعطي الناس بدعواهم، لادعى قوم دماء قوم وأموالهم، لكن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه). قالوا: (ولكن) لفظة موضوعة لإثبات ما بعدها والمخالفة بينه وبين ما قبلها، فصار تقديره: ولكن البينة تعطاها الدعوى. 32505 - قلنا: المدعي من أنكر خصمه دعواه، وهذا لا يوجد قبل مسألته؛ لأن الخبر يقتضي الحالة التي لم يقم المدعي بينة، كلفه المدعى عليه اليمين، وذلك لا يكون إلا عند حضورهما. 32506 - قالوا: روي أن معاوية قال لأبي موسى: أنشدك الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا حضر الخصمان فاتفقا على موعد، فوافى أحدهما ولم يواف الآخر؛ أنه قضى لمن وافى منهما؟ قال: نعم. 32507: لم يرد بذلك كل الحقول، وإنما أراد بعضها، فيحتمل أن يكون

حضرا فسمع البينة أو الإقرار. وإذا لم يحضر المدعى عليه، قضى للمدعي عند أبي يوسف ولم يقض له عند محمد؛ لأن الخبر يقتضي أن يقضي لكل واحد منهما إذا غاب صاحبه، ونعن نعلم أن المدعي إذا غاب لم يجز أن يستحلف المدعى عليه ويقضي بتأخير الخصوم، فلم يبق إلا أن يكون المراد: إذا حضر الخصمان، المدعيان للشيء الواحد، فاتفقا لموعد، فحضر أحدهما قضى له؛ لأنه يستحق الجميع بينته. وإنما يسقط حقه لمزاحمة المدعى الآخر له، فإذا لم يحضر قضى لحاضر منها بالجميع. 32508 - قالوا: روي أن هند امرأة أبي سفيان قال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: (خذي من مال أبى سفيان ما يكفيك وولدك بالمعروف). 32509 - قلنا: هذا كان فتيا ولم يكن قضاء، بدلالة أنه لم يقدر النفقة ولا استحلفها أنها لم تستوف نفقتها، وكان حاضرًا فلم يوقف الأمر على مسألته عن دعواها. 32510 - قالوا: روي أن الأنصار ادعوا عد النبي - صلى الله عليه وسلم - دم عبد الله بن سهل، فقضى بالدية على اليهود مع غيبتهم. 32511 - قلنا: لم يحضر عند النبي منذ - عليه السلام - وإنما حضر الخصوم، ووجود القتل بخيبر اشتهر، فقضى بالشهر وكتب إليهم يخبرهم بالواجب في الشرع، وهذا فتيا لاقضاء، بين ذلك: أنه وداه، هو ولو كان ما كتب به قضاء لم يتحمل الدية. 32512 - قالوا: روي أن عمر قال في قمة أسيفع: إنا بائعو ماله غدًا. 32513 - قلنا: يجوز أن يكون ميتًا، فقام الإمام مقامه في قضاء ديونه، ويجوز أن تكون البينة بالديون سمعت أو علم أنه كان حيًا ووعد الغرماء ليأمره بالبيع. 32514 - قالوا: سماع البينة في حال غيبة المدعى عليه جائز، وكل حالة للخصم يجوز للحاكم فيها سماع البينة عليه، يجوز القضاء فيها بالبينة عليه. أصله: إذا كان حاضرًا. 32515 - قلنا: لا نسلم أن هذه بينة مسموعة عليه مع غيبته وغيبة من يقوم مقامه،

وإنما يسمع القاضي هذه البينة إذا سئل بأن يكتب إلى قاضي البلد الذي فيها الخصم بعد سماعها لم يجز القضاء بها حتى تعاد في وجهه. ويبين ذلك أنه يكتب بشهادة من لا يعرف عدالته ليعدله المكتوب إليه، ولو كان سمعها على وجه الإشهاد لاعتبر التعديل عنده. وإذا كان القاضي يسمعها متحملًا لها ليكتب بها، صار فيها كشاهد الفرع الذي لا يحتاج في التحمل [حضور الخصم]. 32516 - فإن أسقطوا هذا الوصف. قالوا: سماع البينة جائز، فجاز القضاء بها. 32517 - انتقض بمن ادعيت عين في يده، فأقام البينة أنها لفلان الغائب أودعه إياها، هذه البينة تسمع ولا يقضي بها. 32518 - فإن قيل: الدليل على أنها بينة مسموعة وليس تحمل، أن شهود الفرع يعتبر فيهم العدد والحاكم واحد. 32519 - قلنا: قول الحاكم يتعلق بالحكم لا يعتبر فيه العدد، أصله: إذا قال: أقر فلان عندي بكذا قبل قوله وحده، والشهادة بالإقرار تفتقر إلى عدد. 32520 - قالوا: الحاكم يجب عليه أن يسمع ويكتب، ولو كان يحمل شهادة كان فيه بالخيار كشهود الفرع. 32521 - قلنا: إنما وجب على القاضي؛ لأنه لا يمكن أن يكتب بذلك سواه ليتعين عليه، وشهود الفرع لا يتعين عليهم؛ لأنه يجوز أن يشهد غيرهم. 32522 - فإن قيل: شهود الفرع يتحملون من غير دعوى، والقاضي لا يسمع هذه الشهادة إلا أن تتقدمها دعوى يدل على أنه ليس بتحمل. 32523 - قلنا: إنا نفتقر هذا السماع إلى تقدم الدعوى ليجب على القاضي المكاتبة، ويصير ذلك حقًا للمدعي يطالب به. ولو سمع من غير دعوى، لكان مخيرًا إن شاء سمع وإن شاء لم يسمع كشهود الفرع. ولأن هذا عندنا ي معنى التحمل، وليس بصريح تحمل، فلا يلزمنا أن نسوي بينه وبين التحمل في سائر شرائطه. 32524 - فإن قيل: قولكم: إن القاضي لا يقضي بهذا السماع إذا حضر الخصم

حتى يعيد الشهود الشهادة خطأ؛ لأن القاضي المكتوب إليه يقضي عند وصول الكتاب إليه بهذا السماع. 32525 - قلنا: هذا غلط؛ لأن السماع الأول تحمل، والقاضي يؤدي بكتابه الشهادة إلى القاضي الثاني، فيقرأ الكتاب بمشهد من الخصم، ويقضي القاضي بهذا السماع لا بالأول، كما يقضي بشهادة شهود الفرع إذا سمعها. ولا يقضي بالتحمل الذي سبق تخريجه. تخريجه. تخريجه. من شهود الأصل رجع الكلام إلى العلة الأولى. والمعنى فيه: إذا كان الخصم حاضرًا أنه يتمكن من مقابلة البينة بما يقدح فيها، فلم يكن في سماعها تفويت حقه. وهذا المعنى لا يوجد مع غيبته. أو نقول: المعنى فيه أن الغيبة لو حصلت في حق المقضي له، منعت الحكم، كذلك إذا حصلت في حق المقضي عليه، والحضور لا يتبع الحكم للمقضي له كذلك المقضي عليه. 32526 - قالوا: ما تأخر عن سؤال المدعى عليه إذا كان حاضرًا يقدم عليه إذا كان غائبًا، أصله: سماع البينة. 32527 - قلنا: يبطل بيمين المدعي، فإنما يتأخر عن مسألة المدعى عليه إذا نكل عن اليمين، ولا يتقدم على مسألته وإن كان غائبًا. والمعنى فيه سماع البينة أنه لا يفوت بالسماع حق الخصم؛ لأن القاضي يكتب بالسماع ولا يقضي به المكتوب إلا بحضرته أو حضرة من قام مقامه، فيقدح ويحتج. 32528 - وأما الحكم مع غيبة المدعى عليه ففيه تفويت حقه؛ لأنه قضى عليه من غير أن يتمكن من القدح والدفع، فيلزمه ما لو كان حاضرًا جاز ألا يلزمه، فالوافد تعذر بغيبته جوازه، فوجب أن يسقط اعتباره كما لو حضر فسكت ولم يحب عن الدعوى. 32529 - قلنا: هذا غير مسلم؛ لأن ابن سماعة روى عن أصحابنا أنه يجلس حتى يقرأ وينكر. وذكر الخصاف: أن القاضي يسئل عن حاله، فإذا قيل له: إنه سليم السمع واللسان. قال له: إن أجبت، وإلا قضيت عليك بالنكول. فعلى هذا لا يتصور أن يسمع البينة. وقد ذكر ني الجامع أن القاضي يسمع عليه البينة، وذلك لأن الساكت في حكم المنكر، ولهذا قالوا فيمن زعم أنه رسول صاحب الوديعة في قبضها، فلم يصدقه المودع ولم يكذبه، ودفع إليه، ثم حضر صاحب الوديعة فجحد أنه أرسله: رجع المودع على الرسول كما يرجع إذا جحد وسلم إليه. والمعنى فيه: أنه لما سأله، فقد تمكن من القدح ومن المعارضة، فلما سكت دل على أنه لا حجة عنده. وإذا كان

غالبًا فيجوز أن تكون له حجة عنه لو حضر لذكرها. 32530 - قالوا: دعواه سريان فإذا سئل الحاكم الحكم به وجب، أصله: إذا كان حاضرًا، وإذا ادعى أن فلانًا الغائب وكله باستيفاء دينه، أو ادعى أن هذا الحاضر اشترى من فلان الغائب وأنه شفيع، وكذلك إذا ادعى على ميت فأقام عليه البينة بحضور الوارث. 32531 - قلنا: لا نعلم مدعيًا حتى نعلم جحود خصمه، فإذا جوزنا أن يكون معترفًا، فهذا ليس بمدع، وكذلك لا نسلم أن البينة برهان، إلا أن يكون هناك خصم جاحد. وأصلهم: إذا كان حاضرًا وقد نكلها عليه، فأما المسائل التي عددوها: فالبينة مسموعة على خصم حاضر، ويتعدى الحكم إلى الغائب تبعًا، فيصير الحاضر خصمًا عنه وقائمًا مقامه حكمًا لوكيله الذي يقوم مقامه أمرًا وتفويضًا. يبين ذلك: أن القضاء بالشفعة حق الشفيع وهو لازم للمشترى، ولا يتوصل إلى إثباته عليه إلا بإثباته على البائع، فصار الحاضر هو المقصود بالقصد، والغائب تابع له في ذلك، وكذلك بقية المسائل. يبين هذا: أنا نقضي بملك الغائب إذا اتصل بدعوى الحاضر، وان كان القضاء لا يجوز مع غيبة المقضي له. 32532 - ولأن أحد الخصمين في هذه المسائل اتصل بالحق الآخر فاقتضى أن يصح بصحته كالعبادات لم تتعلق صحة بعضها ببعض، كما أن الحقين في مسألتنا إذا انفرد أحدهما عن الآخر لم يثبت أحدهما بثبوت الآخر. 32533 - قالوا: فمن لا يعتبر رضاه في الحكم عليه، لا يعتبر حضوره، أصله: المضمون عنه. 32534 - قلنا: الحضور يحتاج إليه ليأتي بحجة ويطعن في حجة خصمه، والرضا لا معنى له في ذلك، فأما الكفيل فقام مقام المكفول عنه من طريق الحكم لما ذكرنا. 32535 - قالوا: تأخير الحكم بالبينة على الغائب ليس له معنى؛ لأن الحاكم إذا حكم عليه ثم قدم، لم يخل أن يكون مقرًا أو منكرًا، فإن كان مقرًا تأكد حكمه، وإن كان منكرًا فحكم الجاحد أن تسمع عليه البينة ويقضي بها عليه. 32536 - قلنا: قد بينا أن في التأخير فائدة؛ لأنه إذا حكم فات الطعن في العدالة ويوفيه المال، ويغيب ويحضر الغائب وله حجة تبطل ما قامت به البينة عليه، فلا

يتوصل إلى استرجاع ماله. ولأنا بينا أن القضاء لا يقع بالبينة مع الإقرار، فإذا جوزنا أن يكون مقرًا أو جاحدًا، فالحكم بأحد الأمرين وهو سبب مجهول، وذلك لا يجوز كما لا يجوز إذا شهد أربعة، فزكى منهم شاهدان بغير أعيانهما، لم يجز أن يحكم بهذه الشهادة بجهالة السبب المحكوم به. 32537 - قالوا: قال أبو حنيفة: يقضى على الغائب بنفقة زوجته. 32538 - قلنا: هذا كان قول أبي حنيفة، فرجع عنه، ذكر رجوعه في الأصل. 32539 - قالوا: إذا حضرت المرأة زوجة الغائب فأحضرت رجلًا في يده وديعة لزوجها، فاعترف بالزوجية والوديعة قضى القاضي عليه بالنفقة، وذلك قضاء على الغائب. 32540 - قلنا: هذا الرجل اعترف بوجوب حقها فيما في يده من المال وهو له في الظاهر ولم يحكم به للغائب بإقراره، لجواز أن يكذبه فيه صار القضاء متوجهًا على الحاضر لازمًا للغائب حكمًا. 32541 - فإن قيل: فلو حضر غريم الغائب، لم يقض له على المودع بشيء. 32542 - قلنا: هذا لا يلزمنا؛ لأن القضاء عندنا إن كان على الحاضر لم يلزم أن يقضي على الحاضر يعترف به. على أن الفرق ينهما واضح؛ لأن الدين في ذمة القائم يحتاج أن يملكه له بما يقضي من الوديعة، فلا يجوز التمليك مع غيبته، وأما النفقة: فلم تثبت في الذمة، وإنما يجعلها القاضي في المال ابتداًء، فتصير كالاستحقاق. ولهذا لو طلبت نفقة ما مضى، لم يقض لها؛ لأنها صارت في الذمة فهي كالديون. 32543 - قالوا: لو حضر له رجل، فأقر أنه باع العبد الذي في يته من فلان الغائب، وطلب الثمن باعه القاضي له وسلمه ثمنه، وهذا قضاء على الغائب. 32544 - قلنا: هذا محمول على أن المشتري غاب ولا يعلم مكانه، فيصير مفقودًا، فيلي القاضي عليه في حفظ ماله، وينصب له وكيلًا بقبض العبد ويأمره ببيعه، ويسمع البينة على الوكيل، فلا يكون القضاء على الغائب إلا وقد حضر من قام مقامه بتنصيب الحاكم كما ينصب للميت وصيًا ويسمع عليه البينة، ويأمر بقضاء دونه. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وصلى الله على أشرف خلقه محمد وآله وصحبه وسلم.

§1/1